عرض مشاركة واحدة
قديم 28-01-10, 07:54 PM   #16

أمل بيضون

نجم روايتي وعضوة في فريق الروايات الرومانسية المكتوبة وفراشة عبير المكتوبة

 
الصورة الرمزية أمل بيضون

? العضوٌ??? » 77031
?  التسِجيلٌ » Feb 2009
? مشَارَ?اتْي » 7,187
?  نُقآطِيْ » أمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond reputeأمل بيضون has a reputation beyond repute
افتراضي

3- أبنة الشمس
كان الصباح جميلا ومنعشا , والسراب يبدو بعيدا في الأفق , أفاقت كولبي عند أول بصيص ضوء ,مدت يدها وأدارت الساعة نحوها ,كان الوقت قرب الخامسة صباحا , أزاحت الستارة الرقيقة المحيطة بسريرها ونهضت وهي تشعر بحيوية فائقة كان من المستحيل معها البقاء في الفراش.
وضعت رداءها الحريري الأخضر , وتوجهت الى النافذة لتبعد عنها الشبكة الواقية من ابعوض , وتمد بصرها الى المساحات الشاسة في الخارج , كان العالم يستحم بضوء ذهبي ناعم , ترطبه نسمات منعشة , كم هو رائع هذا الهواء النقي , تنشقته بعمق مالئة رئتيها بأريجه القوي.
وأطل الصباح بكل أشراقته , وطعمت الشمس الزهور بالذهب , ملقية ظلالا وردية على تلال الرمل المتثائبة .
صقور النهر أخذت تحلق فوق الوادي فاردة أجنحتها لتلمع معدنا فضيا في ضوء الصباح الباكر ,والى الشرق كانت زرقة سلسلة الجبال تمتد طوال الأفق غارقة في السراب , حتى بدت كلوحة رسمتها مخيلة فنان , فأضفت عليها جمالا أبعد من الحقيقة.
أما جو الصحراء فلم يكن يماثله أي جو آخر , الأشياء كلها تنتصب بوضوح خيالي , وقطعان الماشية تبدو على مرمى حجر بينما هي في الواقع على بعد عشرين ميلا.
وبينما كانت كولبي تتأمل روعة الطبيعة الممتدة أمامها أرتفعت الشمس أكر في الجهة الشرقية من السماء , ترافقها ريح رقيقة تصفر بعذوبة بين الأعشاب المعطرة , ناثرة حولها البراعم الذهبية.
لم تشأ كولبي أن تضيع لحظة واحدة من مهرجان الطبيعة التي أستيقظت فرحا بالضوء , فأرتدت سروالا من الجلد , وقميصا حريريا أصفر اللون ,وما هي ألا خمسس دقاق حتى كانت في طريقها الى النهر الذي شهد العديد من مغامرات طفولتها.
أسرعت كولبي الخطى وهي تشعر بنفسها خفيفة لدرجة أحست معها أنها فراشة سعيدة بحريتها , وأخذت تدندن أغنية من أغاني السكان الأصليين تعلمتها في طفولتها في ذلك الوقت من الصباح , كان الهواء لذيذا منعشا لكن لن يلبث أن ينفجر حيوية عند الظهيرة ,ويمارس خدعا بصرية على الأنسان المسكين الذي يخضع لأغرائه.
ولم يمض وقت طويل حتى قطعت كولبي المسافة الى النهر المتعرج بين تظاهرة الزهور الملونة وأشجار الصمغ المحلية , وفجأة سقط أمامها طير مالك الحزين , وكأنه يستنجد بهامن النسر الذي يطارده بوحشية , فصفقت بيديها عاليا , لتخيف الطائر الكاسر الذي أبتعد عن فريسته مسرعا.
كان العالم الأخضر حولها يضج بالحياة , فتوقفت لحظة لتتأمل الطيور وهي تحلق ضاحكة فوق المستنقع القريب , قبل أن تستحم في المياه الضحلة التي أنعكست عليها الشمس أنوارا متلألئة .
وكانت شفافية محببة من الضياء تتسرب من خلال ستار النباتات الأخضر , لتعانق الأرض المعطرة بالمسك , وأحتضنت الطبيعة كولبي ,وأنسابت الظلال الذهبية الى قلبها تدفئه من آخر قشعريرة تركتها سنوات الغربة في نفسها , وغنت الطيور فرحا بعودتها وصارت تثرثر بلا تعب أو كلل , بينما تابع النهر ترنيمه فوق الحصى التي شاركته غناءه سعيدة بيقظة الحياة.
وللمرة الأولى منذ وفاة والدها وضعت كولبي رأسها بين يديها وبكت , الدموع المنهمرة فوق وجنتيها تساقطت بهودء لتغسل بقايا الحزن القابعة في أعماقها , وأحتوتها الأرض النائية لتغلفها بسحرها البدائي وتمسح دموعها , وأحست كولبي أخيرا بالراحة والسلام , كانت الدموع ضرورية .
وفجأة , وبدون سبب معين ,شعرت بأن أحدا ما يراقبها , أنزلت يديها عن وجهها , ومسحت دموعها بسرعة , ومرت دقائق وهي لا تزال في مكانها , وأحساسها يقوى بوجود شخص آخر , وأصغت جيدا للأصوات حولها , منتظرة سماع نبرة غريبة , ولمحت النباتات على حافة النهر تتحرك , وتناهى اليها لحن قديم بعمر الأحلام , رفعت كولبي رأسها ببطء على جذع شجرة كبيرة قرب أحد تعرجات النهر , جلس صبي صغير يلعب على آلة موسيقية بدائية , أنه رمز رائع لا يتخطاه الزمن.
وتصاعدت الأغنية لحنا شجيا بدون كلمات , فرافقتها كولبي بصوت خفيض بدأ يعلو تدريجيا ليصدح بأغنية وطنية كانت غالبا ما ترددها وهي طفلة .
وعلى مهل أقترب الصغير منها , ووقف الى جانبها بدون أن يتوقف عن العزف , وألتفتت اليه , كان في السابعة من عمره تقريبا , خصلات شعره الأسود تلتف حلقات غزيرة على رأسه وتنحدر بفوضوية على جبينه , عيناه الداكنتان الواسعتان تذوبان رقةةةةةةة ككل أبناء جنسه ,وكان صدره العاري يلمع ببريق نحاسي , فوق سروال كاكي اللون , من النوع الذي يرتديه عمال المزرعة , وتوقفت الموسيقى فرحبت كولبي بالعازف الصغير:
" أهلا بك يا أستراليا الصغيرة".
ولم يفهم الطفل قصدها , فتابعت ضاحكة:
" هل أنت آت من المزرعة؟".
أجابتها عيناه المعبرتان حتى قبل أن يتفوه بكلمة واحدة :
" نعم يا آنسة , أنا الساعد الأيمن للسيد الكبير ".
" حقا؟".
سألت كولبي بأهتمام , فلم يبد عليه أي أنزعاج من نبرتها المداعبة:
" نعم , أسمي بوكا , وأنا ساعد السيد دارت الأيمن".
وأبتسمت كولبي لهذا الكائن الصغير , الذي تحمل طفولته النحاسية كل قدم القارة الأسترالية , ولمعت عيناها الخضراوان فرحا باللقاء:
" كم عمرك يا بوكا , سبعة ... ثمانية أعوام؟".
" أكثر من ذلك يا آنسة ".
وفتح ذراعين ليدل بحركة طفولية عن حقيقة عمره , وعندما أطمأن أخيرا الى كولبي جلس قربها على الصخرة فأبتعدت لتفسح له مجالا أكبر.
" االمكان رائع هنا , أليس كذلك يا بوكا؟".
هز رأسه أيجابا , وتسلل شعاع الشمس بينهما , وركض الى النهر ليحوله الى شريط متعرج من الذهب , فوقهما كانت الطيور تثرثر بصوت عال , وكأن لديها الكثير من الأخبار تود أن ترويها قبل حلول الظلام.
" بوكا , هل تعرف ما هو أسم تلك الأسماك؟".
ودلت على الأسماك الشفافة اللون التي كانت تسبح بين حصى النهر :
" هس ! لا تتكلمي!".
رفع يده محذرا:
" سأنادي أحداها لتصعد الى السطح".
وأنحنى على النهر , فتقلصت عضلاته , تحت بشرته الحريرية , وبطرف أصبعه الصغير صار يرسم دوائر تصغر حلقتها تدريجيا ,وفجأة صعدت سمكة الى السطح بحركة صغيرة سريعة ,وكأنها متلهفة لمعرفة ما يريده الصبي الصغير منها:
" هذا رائع يا بوكا , كيف فعلت ذلك؟".
ورفعت قبعتها لتنظر اليه مليا , وألتفت بوكا ليبتسم لها , فأتسعت عيناه فجأة وكأنه رأى شيئا مخيفا , ووقف في مكانه جامدا للحظات , قبل أن يفر هاربا .
المفاجأة سمرت كولبي في مكانها , فلم تنطق بكلمة واحدة لتوقف بوكا الذي كان يصرخ :
" أنها لعنة الشمس".
لم تعرف ما أخافه لهذه الدرجة , ولم تجد أي تفسير معقول لتصرفه فللمواطنين الأصليين الكثير من التقاليد الغريبة ,وهم يؤمنون بأن الطبيعة تلعن من يجرؤ على تحديها , وشعرت كولبي بالأعشاب ترتجف قرب قدميها ,فأخفضت بصرها لترى سلحفاة كبيرة تتنزه في أتجاه ضفة النهر وظهرها يلمع بألف لون ولون , وأحتوت الطبيعة كولبي مجددا في أحضانها , فنسيت بوكا وقصتها معه.


أمل بيضون غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس