عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-08, 01:53 PM   #8

بلا عنوان

نجم روايتي ومشرفةسابقةونجم مسابقة الرد الأول

 
الصورة الرمزية بلا عنوان

? العضوٌ??? » 231
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 30,617
?  نُقآطِيْ » بلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond reputeبلا عنوان has a reputation beyond repute
افتراضي

كان يسخر منها . هكذا افترضت كريستينا ، فأسرعت بالإجابة :
- أنا اعمل سكرتيرة ، أرجوك يجب أن أعود الآن ثمة من ينتظرني .

- بدون شك . ماذا تفعلين بالضبط كسكرتيرة؟ هل تكتبين على الآلة الكاتبة؟

ازدادت غضباً . لماذا يتصرف بهذا الأسلوب الفظ؟ هو الذي بادر إلى مساعدتها ولم تطلب منه إنقاذها . قالت :

- قليلاً . نعم أجيد الكاتبة قليلاً.

- قليلاً ؟ إذن لابد أن مواهبك تبرز في أمور أخرى .

صاحت وهي تلقي نظرة على ساعتها :

- يا للويل . داهمني الوقت . هل تستطيع أن تدلني على الطريق العودة إلى فندق بوهرنيه؟ لقد ضللت الطريق كلياً .

قال هازئاً :

- كيف ستعودين بدون محفظة يدك؟ لقد نهبوها . كل ما كانوا يريدونه منك بعض النقود لا غير .

ازداد هلعها ، فحاولت إخفاء مشاعرها وقالت :

- لا بأس . هل تدلني على الطريق الفندق من فضلك؟

أمعن في سخريته :

- سيري في اتجاه الشوارع التجارية ، فأنتِ على مقربة منها الآن . انعطفي يساراً ثم يميناً وستجدين نفسك في الشارع الرئيسي . حاولي تجنب الأزقة والحواري الضيقة فهي غير آمنة أجمالاً .

انتحى قليلاً ، وابتعد عنها . ظلت كريستينا تراقبه حتى توارى عند الزاوية المحاذية وكم كانت سعادتها عظيمة عندما اكتشفت دقة توجهاته ، حيث وجدت نفسها أمام مدخل الفندق بعد دقائق معدودة فأسرعت الخطى إلى السيدة براندون قبل أن تفقد صوابها وينفذ صبرها .

وما أن همت بدخول بهو الفندق حتى لمحت مجموعة من السياح يتزاحمون ويتابعون شيئاً ما يدور هناك . تغلب عليها فضولها فقررت اكتشاف الحدث الهام الذي يستحوذ على انتباه الجميع . تقدمت قليلاً إلى أن تبينت زنجياً يجلس مقرفصاً على الأرض ويرمي عظاماً يابسة في الهواء ثم يلتقطها وهو يتمتم كلمات تنذر بالويل والثبور انه عراف يقرا البخت ، خطت خطوة إلى الأمام . ووقفت أمامه مذهولة ورأت رجلاً ينقده بعض الدراهم ، ثم يشكره . ساد صمت مزعج . لم يتقدم زبون جديد . فلتجرب حظها ، عساها تتبين ملامح مستقبلها الغامض . التقت عيناها بعيني العراف ووجدته يبدأ في قذف أصداف براقة ، ويومئ لها لتجلس قربه , أطاعت أوامره وكأن قوة سحرية تجذبها إلى سماع كلماته . تململ قليلاً . فرك جبينه وما لبث أن قال :

- عليك الاحتراس والحذر يا آنسة . أني أرى شراً في طريقك كوني حذرة من ابليس أرك . أينجل اللعين في آرك أينجل .

ثم نهض بغتة ، وجمع الأصداف والعظام ، وغادر مسرعاً ، متجاهلاً احتجاجات السياح . وقفت كريستينا محمرة الوجنتين ، مضطربة ، تركض كالمجنونة نحو الفندق ، و كلماته تتردد في أذنها : كوني حذرة من ابليس.

كانت تعاني من صداع رهيب عندما شدت الرحال في اليوم التالي للذهاب مع السيدة براندون إلى جزيرة سانت فيكتوار وهي لا تزال تتذكر عبارات هذه العجوز اللاذعة وتأنيبها لها لتأخرها وتعرضها لمشكلات كانت في غنى عنها.

واستعادت أحداث يومها الفائت ، وخاصة مقابلتها لذلك العراف وقراءته لحظها لا بد انه يتبادل المعلومات مع أحد موظفي الفندق حول النزلاء ، ولا شك أن السيدة براندون اشهر من أن تعرف ، فكرت كريستينا . الكل يعرف أين تسكن واسم منزلها . فكان من السهل معرفة مكان توجهها . إنها مسالة في غاية البساطة ومع ذلك كيف تفسر كلماته؟ ما الذي يقصده بالتحديد؟ وأخذت تتساءل بقلق عن الدافع الذي حمل السيدة براندون للسفر إلى إنجلترا والبحث عنها . فصحتها سيئة وتعاني من التهاب المفاصل ، ولا تكف عن تعاطي الأقراص والمسكنات ، مما يعني أن قلبها في حالة سيئة أيضاً . وإذا كان هذا هو الوضع ، تابعت سلسلة أفكارها ، فلماذا لم تكلف أحداً غيرها للقيام بالسفر إلى إنجلترا في رحلة طويلة مضنية كهذه؟ وتمنت لو تستطيع إقناع نفسها بعاطفة السيدة براندون الجياشة ، وإنسانيتها المفرطة ، ولكنها لا يمكنها أن تصدق كل ذلك بعد أن اختبرتها عن كثب.

إذن هناك سبب ملح دفع السيدة براندون إلى رؤيتها شخصياً ، مع أنها لا تعرف ما هو هذا السبب الملح لبؤس حياتها . وصلت إلى أرض المارتينك تفيض حيوية وغبطة وتخال إنها تعيش اسعد لحظات حياتها وها هي تجلس في هذا المركب حزينة ، مشوشة الأفكار ، تلمح جزيرة سانت فيكتوار فلا تترك في نفسها إلا انطباعاً مغلفاً بالأسرار والحيرة . همت بمغادرة المركب محاولة تعزية نفسها وتعليلها بمفاجأة سارة جديدة . قررت أن تشاؤمها لا يليق بها ، وربما كان إحساساً خاطئاً لا صحة له , فلتنتظر حتى تتضح الأمور اكثر . كانت تنتظرها على رصيف الميناء سيارة فخمة ، يجلس وراء مقودها رجل اسود يرتدي بزة رسمية ولاحظت تبدل طبيعة السيدة براندون ، وظهور دماثة لطيفة في تصرفها إزاءها ، وهما تتوجهان نحو السيارة .
ورأت السائق يرفع قبعته وتوجه صوبهما بابتسامة عريضة :

- الحمد الله على السلامة يا سيدتي . ويا آنستي.

أعطته السيدة براندون عصاها ، وصعدت إلى المقعد الخلفي قائلة :

- شكراً يا لويس باركك الله .

ولاحظت كريستينا السائق يلف بطانية حريرية حول ساقي السيدة براندون رغم رطوبة الجو الحار . جلست في المقعد الأمامي كما أشارت عليها ربة عملها . وانطلقت السيارة ، و كريستينا تعشر بالحر الخانق ، تمني نفسها بحمام ماء بارد وبعض المرطبات فور وصولها . لم تجد ما يلفت النظر في منطقة الميناء سوى مجموعة من المباني الصغيرة المسقوفة بألواح من الصباح المضلع ، ويعلو معظمها الصدأ والغبار . وكانت الشوارع المتفرعة من الميناء ضيقة ومزدحمة بالدراجات . ولاحظت كريستينا أن الأرصفة تتكدس فوقها أكشاك الفاكهة والخضار وتغص كل بقعة بالأولاد والصغار وشتى الحيوانات . وأبدت إعجابها بمهارة لويس وهو يشق طريقه عبر هذا الزحام وما هي إلا لحظات حتى وصلوا إلى طريق واسع ، مستقيم ، لا يعكر صفو هدوئه شيء ، فتنفست الصعداء ثم تبين لها أن هذا الطريق ليس اكثر من طريق ترابي تتخلله الحفر ، فتهتز السيارة يميناً وشمالاً رغم مهارة لويس في القيادة . وبعد أن قطعوا بضعة أميال صعدت بهم السيارة إلى طريق مرتفع ، وتراءى البحر لكريستينا من البعيد ، بلونه الأزرق العميق ، يكاد يعانق الأفق بعفوية أخاذة . نظر إليها لويس مؤكداً :

- سوف تشاهدين مناظر اكثر جاذبية .

ومضت بهم السيارة في طريق أخر يتوسط حقولاً زراعية . يعمل فيها عدد من الأشخاص . ورأتهم كريستينا يلوحون بأيديهم ، وتصورت بدون أن تلتفت وراءها السيدة براندون تهز رأسها لرد التحية . وفطنت انهم الآن على أطراف المزرعة التي ذكرتها لها ربة العمل . كانت حقولاً شاسعة ، تمتد إلى مسافات بعيدة ، بنيت بها مجموعات من المساكن لإيواء عائلات العمال ، كما افترضت ، كأنها عالم صغير وسط عالم آخر ، و ارتابت كريستينا من ضخامة هذه المزرعة . لم تعرف في حياتها سوى الريف الإنجليزي وجماله الوديع ، وها هي تصطدم بالحر اللاذع ، والتربة الظامئة ، والأشجار والنباتات الغريبة الشكل والبراعم . أحست أنها في غابة موحشة لم تروضها الحضارة بعد . تناولت منديلاً ومسحت عرق جبهتها ووجهها . وكانت السيارة الآن تجري بمحاذاة الشاطئ ورماله الفضية ، وأمواجه المتهادية بنعومة ، يلامسها نسيم البحر العليل ، ولكن الحر داخل السيارة براندون التي تعشق الحر مهما كانت درجته . لا بد انهم اقتربوا من نهاية الطريق ، عللت كريستينا نفسها ..


بلا عنوان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس