عرض مشاركة واحدة
قديم 10-04-11, 02:18 AM   #6

أناناس

لؤلؤة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية أناناس

? العضوٌ??? » 131589
?  التسِجيلٌ » Jul 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,520
?  مُ?إني » في قلوب لم تلد بعد
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond reputeأناناس has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني

كان أول شيء فعلته أوليفيا لدى عودتها إلى المنزل هو رفع سماعة الهاتف , فقد كانت رغبة ماثيو بالاتصال بها تلميحاً بتهديدها ولا شك , فهو أولاً لم يال جهداً في إقناعها بعدم وجود حل سوى البديلين اللذين عرضهما , وثانياً من المحتمل انه الآن منغمس في لعض الممارسات الطائشة مع سلين الجميلة , فهي بشكلها الاقرب لفتاة الجيشا اقدر على أن تعين رئيسها على الاسترخاء .
ولكن مع شخص كَ ماثيو جوردان لا يتاتى للمرء ان يكون مطمئناً , ومن ثم فقد رفعت السماعة , اذ شعرت انه من الطراز الذي قد يجد لذة شيطانية في إفساد راحة بالها .
وكان ساندي نائماً متكوراً على الأريكة وهي تقذف بحذائها من قدميها , وانحنت عليه تشد أُذنه :
هكذا ليس هنا سوى أنا و أنت , كالعادة
قالت هذا لتفسها بينما القط الضخم يتثاءب في كسل ثم يواصل نومه .
وزمت شفتيها فجأة وهي تتذكر نظرة الدهشة على وجه ماثيو حينما ذكرت بلا مبالاة اسم ساندي , وحتى الآن لاتدري لماذا فعلت ذلك , أو لماذا ضايقها رد فعله.
وخلعت ملابسها في سرعة في حجرة النوم , ثم رمقت نفسها في مرآة الحمام المجاور وهي تشد يد الدش وتفتح صنبوره .
إن الزي العملي القور كان يضم تحته جسداً رشيقاً وصدراً ناهداً , وخصراً نحيلاً وسيقاناً طويله رائعة التكوين .
قد تكون من الخارج ليست بالفتاة ذات الأنوثة الصارخة من النوع الذي يروق رجلاً كَ ماثيو جوردان , ولكنها كانت من الداخل امرأة كاملة بلا شك .
ولكنها امرأة كما تريد هي , لا كمايريدها رجل مغرور يستولي على حياتها ثم يحتقرها حينما يمل منها .
لقد كان هذا هو مصير أمها , كزوجة لرجل طموح مجرد من المشاعر , كل همه هو ذاته ومستقبله المشرق . وكانت أوليفيا طوال فترة طفولتها تشاهد طقوس الاذلال لأمها , فهي تتشرف بدور الزوجة في المناسبات العامة , مهملة وتعامل بإزدراء بقية ساعات اليوم , إن العذاب الذي كان يشع أحيانا من عيني أمها كان يحترق في ذهنها كالجمر .
ولذا اقسمت أوليفيا منذ طفولتها المبكرة ألا يقترب منها رجل بالقدر الذي يتيح له ان يذيقها مثل ذلك العذاب و الإذلال . ومن ثم كان الاستقلال وعدم القابلية للمس هما الدرع الذي اتخذته حماية لنفسها , اذ تدرك هي جيدا في أعماقها مدى ماهي عليه من ضعف , وهو ايضا ماكانت تخشاه .
وتنهدت وهي تدخل تحت الدش وتترك الماء الدافئ المتدفق يزيل عنها عذاب اليوم , فهي تعترف ان هذا اليوم كان مزعجا بصورة غير عاديه , لقد استطاع ماثيو جوردان ان يعكر صفوها بصورة لا تتاح الا لقليل من الناس . جففت نفسها ثم دلكت بدنها كله بغسول معطر , قبل ان تعود الى غرفة النوم لتدلف في قفطان هو لباسها المعتاد حينما تسترخي في منزلها , ثم فكت الشنيون تاركة شعرها ينسدل على كتفيها وأعملت فيه الفرشاة بعدة ضربات قوية , قبل ان تدس قدميها في خف جلدي وتعود الى غرفة المعيشة .
واستلقت في سعادة بجوار ساندي , شاعرة بتوتر اليوم يتلاشى وهي تربت برفق على فرائه الغزير , مبتسمة في رضا والقط يخرخر ويمدد جسده . وتناولت رموت جهاز التلفزيون وشاهدت برنامجا مفضلا لها لنصف ساعة , ثم دست عشاء مجهزا في فرن الميكرويف , فاليوم لا تجهيز للعشاء بل كسلا واسترخاء امام التلفزيون , ولها ان تبدا التفكير في مستقبل اخيها في الغد , بعد نوم هادئ طوال اليوم .
ولكن هذا التخطيط الممتع كان مقدرا له ان يذهب هباء , اذ ماكادت تصب لنفسها شرابا وتعود للغوص في حشيات الاريكة حتى افزعها صوت رنين جرس الباب .. اللعنه ! من ترا يكون ؟ وضعت كأسها على منضدة القهوة أمامها و اسرعت كارهة الى الصالة , لقد كان من النادر ان يمر أي فرد عليها في هذا الوقت دوم إخطار سابق , وان كان من المحتمل ان يكون احد الجيران يجمع بعض الصدقات.
ولكن لم يكن احد الجيران , وبالتأكيد لم تكن المسألة جمع صدقات , تحول الضيق الى تقزز مفزع وهي ترى ذلك الطويل الاسمر واقفا امامها .
مساء الخير آنسة جارلاند قالها بابتسامة منغما صوته . وحملقت فيه متمنية من أعماقها لو لم ترد على جرس الباب ودون ان ترد تحيته بادرته بجفاء : ماذا تفعل هنا ؟
كان يرتدي حلة اقل رسمية من تلك التي كان يرتديها صباحا , رصاصية فاتحة مع قميص خفيف الزرقة وربطة عنق باللون الازرق الملكي , وانحنى برشاقة وشعره الداكن يلمع في الضوء المبهر للصالة , وتفحصها على مهل وعيناه العسليتان تشعان بابتسامة ساخرة , ثم اخبرها :
انها أمسية الحظ يا آنسة جارلاند , لقد جئت لاصحبكِ للعشاء .
ياللفكرة المفزعة , وضاقت عيناها وهي تخبره باقتضاب :
أخشى ان تكون قد أضعت وقتك , فإن لدي بالفعل ترتيبا آخر .
فتقلصت شفتاه في تهكم :
مع ساندي , من المؤكد انه يمكنه الاستغناء عنك ليلة واحدة .
وانتصبت مدافعة , ها قد بدأ يضايقها مرة أخرى :
ان ترتيباتي ليست من شأنك لقد أخبرتك إنك تضيع وقتك . وبدأت تقفل الباب في عنف , لولا ان دفعه بقدمه ليحول دون إغلاقه الباب قائلا :
لحظة آنسة جارلاند ليس بهذه السرعة , ثم أضاف بابتسامة مشرقة :
إن لدي اقتراحا أعتقد انه يهمكِ سماعه .
وتوقفت محملقة فيه بشك , ثم سألت بفضول : أي اقتراح ؟
وعادت الى شفتيه الابتسامة الساخرة :
اني انوي مناقشته معكِ على عشاء عمل , فلكِ ان تطمئني ان دعوتي للعمل وليست للهو , فمن المؤكد اني لم أتنازل عن أمسيتي لمجرد التمتع بصحبتك الكريمة , ثم سألها وقد بدا عليها التردد :
هل ستسمحين لي بالدخول ام سنواصل الحديث على عتبة الباب ؟
وتنحت له متصلبة وكارهة , تراقبه بغيظ وهو يخطو الى غرفة الاستقبال . وتلفت حوله قائلاً :
لطيف جداً واستطرد وهي تراقبه بوجه خال من أي تعبير :
لقد حاولت الاتصال بك عدة مرات دون جدوى . ثم ألقى نظرة على المنضدة الموضوع عليها التليفون ثم قال بسرور : الآن عرفت السبب .
ولعنت نفسها في سرها إذ لو لم ترفع السماعة لوفرت على نفسها هذا البديل المقزز , ان تجده بلحمه وشحمه أمام بابها . فعبر التليفون كان يمكنها الادعاء بارتباط سابق , أما التخلص من شخصه فأمر لا يبدو هينا , وهي حقيقة يؤكدها الآن بجلوسه بارتياح على أحد الفوتيهات .
وبينما كانت واقفة في منتصف الحجرة أشار تجاه القط النعسان قائلاً :
إذن هذا هو ساندي . وتلون وجه أوليفيا وحملقت فيه في صمت بكل مثقال تقزز تشعر به تجاهه , وهو يبتسم في خبث قائلاً :
لقد شككت بصورة ما أنه يكون رجلاً .
حقاً ؟ وكان صوتها خالياً من التعبير , وقاومت الرغبة في أن تسأله لماذا ؟ إلا انه استطرد على اية حال ليخبرها :
فأنتِ بالتأكيد من هذا الطراز العفيف المتبتل , من السهل كما تعلمين على أي رجل ان يتبين ذلك في المرأة .
و أسدلت عينيها فجأة , فاقدة توازنها لحظة لملاحظته المباشرة عديمة الشهامة , على الرغم أنه كان محقاً في أمر واحد على الأقل , فلم تكن أي شيء سوى عفيفة , أما زهدها في الزواج فهذا مالم تتصوره في نفسها إطلاقاً . ولكنها ذكرت نفسها بسرعة تقيين ماثيو جوردان لها هو آخر شيء يعنيها فرفعت عينيها ونظرت له نظرة كالثلج :
لقد قلت إن لديك اقتراحاً من نوعٍ ما بمقدورك إخباري به على الفور .
فمد يده يتصفح بعض المجلات المتناثرة وهو يقول :
لقد أخبرتك أننا سنتناول ذلك على العشاء .
فتقدمت منه ضامة ذراعيها على صدرها لمواجهته قائلةً :
يمكنك ان تقوله هنا ثم ترحل على الفور .
وألقى بالمجلات جانباً ثم حدجها بنظرة بطيئة متمهلة , وخاطبها بنبرة أب يخاطب ابناً معتباً له :
آنسة جارلاند إني في غاية التعب . لقد كان يومي طويلاً ولم أتناول شيئاً يذكر منذ الصباح , فإذا أردتِ سماع اقتراحي فهيا بنا , وأؤكد لك ِ .. ثم استطرد في تهكم إني لستُ ناوياً أن أغريكِ على أية مفاجأة مذهلة .. ثم أنهى حديثه في جدية :
الأمر يرجع إليكِ , احزمي أمركِ , وإذا أردت قضاء الليل مع (ساندي) فانسي الآمر كله .
وقد كان يعني ذلك , فهذهِ الواجهة المتشامخة تقبع ورائها إرادة لا تلين وسيكون من الغباء ان تفوت هذهِ الفرصة دون أن تسمع مالديه , فرغم ماتكنه له من عداء فإن مسؤوليتها تجاه أخيها هي أن تسمعه .
كان ينتظر متخذاً وضع الاستعداد للرحيل , فقالت له :
حسناً , سأذهب لأبدل ثيابي . وأسقطت ذراعيها في هزيمة متعالية , وراقبها وهي تذهب , بابتسامة ثم قال :
بأسرع مايمكنكِ فأنا جائع , وتذكري وجود تاكسي في الخارج وعداده يعمل . ثم أضاف وهو يتصفح المجلة مرة أخرى " واتركي شعركِ منسدلاً , فأنا أحبه هكذا".
أحقاً ؟ يهيم بها ذلك الملعون الحقير من دون الرجال . وشعرت وهي تبحث عن رداء مناسب بعد ان وصدت باب الغرفة , بفوران الغضب في داخلها . إن ماثيو جوردان شخصُ لا يطاق , عنيد مزعج وهي على استعداد لأن تجري عدة كليومترات لتبتعد عنه , وإن قضاء أمسية معه لأشبه بضربة على الرأس .
والتقطت رداءً محبباً لها , أسود طويل الأكمام تفصح بساطته عن روعة تفصيله , عريض الكتفين , عالي الرقبة , تحتك أطرافه السفى بركبتيها , ثم طوقت جيدها بعقد من الذهب ثم ارتدت قرطاً متوافقاً معه , وهكذا أصبحت مستعدة للخروج .
مستعدة تقريباً , إذ عمدت إلى شعرها في سرور وتحدٍ ترفعه في أناقة بتسريحة شنيون مثبتة جيداً . فهو إذن يفضله منسدلاً , أليس كذلك ؟ إن الصحاري قد تزدهر حدائق غناء قبل أن تزين نفسها طبقاً لما يروق له .
ودخلت تتباهى داخل الغرفة , والشال الكشمير ينسدل على كتفيها هفهافاً . كان قد نهض بالفعل واقفاً , ورمقها بنظرة فاحصة أدت إلى توترها ثم قال : زي صار بعض الشيء ولكنه لا بأس به . زلم يكن يمزح بالنسبة للتاكسي وعداده الذي يحسب الجنيهات , وخامرتها فكرة شريرة وهي تصعد التاكسي وهي أن تتمهل أثناء ارتدائها . فقد تذكرت بمرارة , وماثيو يأمر السائق بالتوجه إلى أغلى مطعم فرنسي بالمدينة , أن عدة جنيهات أخرى لن تقلقه , ولا حتى عدة مئات بل ربما عدة آلاف من الجنيهات .
ورفع عنها النادل شالها مرحباً" مساء الخير ياآنسة جارلاند , مساء الخير يا سيدي" , ثم أجلسهما في ركنٍ منعزل يطل على المطعم بأكمله وبينما هو يقدم لهما قائمتين للطعام , إحداهما دون أسعار قدمها لها , لاحظت أن ماثيو يرمقها بسرور عبر المنضدة , فرسمت ابتسامة زائفة وأخبرته إني أحضر إلى هنا بين الحين والآخر , حينما أريد الاحتفاء بعملائي .
عملائك ؟ آه بالتأكيد ثم أضاف مبتسماً " لمعرض اللوحات الفنية الذي تديرينه ,إني أفهم أنه يحقق نجاحاً باهراً أحقاً ؟ إن ماثيو جوردان يعلم عنها أكثر مما كانت تود , فبادلته النظر ببرود و أكدت له أنه يسير على خير مايرام . وسألها :
أتديرينه بمفردك ؟ فردت :
لدي مساعد إنسان ممتاز , إن الجاليري كما يسمى معرضها , لم يكن ليحقق نجاحه لولا معاونة جيفري باركر , ومهارته خاصة في مجال الحسابات . وكان ماثيو راجعاً بظهره في كرسيه يرقبها من فوق قائمة الطعام , ثم قال لها :
لقد ألقيت نظرة على بعض اللوحات الفنية لديكِ أثناء ارتدائكِ ملابسكِ , وأقر أن لكِ ذوقاً رفيعاً " ثم أكد عبارته بقوله :
إني أقولها بكل إخلاص ، إن لكِ عيناً فنية " فردت بازدراء :
" إني سيدة أعمال ولستُ فنانة ياسيد جوردان , إني أدرك بالغريزة أمور السوق لما أقوم ببيعه , هذا كل مافي الأمر ".
ولكنكِ انتهيتِ إلى بيع اللوحات الفنية وليس الحاسبات الإلكترونية " ثم حدجها بنظرة قائلاً:
أعتقد أن هذا تحول نحو الفن " فردت :
افهم ماشئت , فالعمل هو العمل ". أن آخر شيء مستعدة له هو أن يستدرجها للحديث عن لوحاتها , فبفضل سنوات الممارسة مع والدها , تعلمت منذ زمن الأساليب لتفادي الملاحظات المستدرجة , وقد كان هذا التحول نحو الفن كما أسماه , حقلاً مقرباً جداً إلى قلبها , لن تسمح لمثل ماثيو جوردان أن يغزوه , ومن ثم فقد قالت مؤكدة :
بيع اللوحات عمل تجاري كأي بيع آخر .
ولمعت ابتسامة خفيفة على ركني شفتيه وصمت برهة ثم سأل :
أخبريني , كم مضى عليكِ في إدارة مشروعكِ هذا ؟ فردت :
أربع سنوات , فقد اشتراه لي والدي قبل وفاته . وقاومت نفسها بقوة حتى لا تكمل’ لقد كان في وسعي بالتأكيد أن ألتحق بالعمل في شركة جارلاند , ولكني فضلت عملاً يحقق لي الاستقلال , أتحكم فيه بنفسي . فالعمل مع والدها كان أمراً مستحيلاً إذ لم تكن لتتحمل أخلاقه ومضايقاته , كما يفعل بقية العاملين لديه , ولكنها كتمت تلك الملاحظة , إذ من شأنها أن تثير تعاطف ماثيو معها , والذي هو نفسه دكتاتور مزعج بكل خلية فيه . وبدلاً من ذلك أضافت :
كما أن أخي له ولع بالحسابات منذ نعومة أظفاره " ثم أنهت أليه ومن المعقول أن تؤول إليه الشركة يوماً ما , ثم أضافت :
وهذا يفضي بنا إلى ماجئنا من أجله , وهو الاقتراح الذي لديك "ومالت إليه بجسارة وسألته "ربما تود الإفضاء به الآن ؟
الأول فالأول ذلك أن النادل اختار هذه اللحظة بالذات ليصل دون صوت إلى المائدة . واستطاعت أن تلمح سرور ماثيو الواضح لفرصة مداورتها مرة أخرى واقترح بخبث :
فلنطلب أولا فأنا أكره الحديث بمعدة فارغة .
وطلبا بعض الحيوانات البحرية كمشهيات ثم طلبت هي قطعة من الدجاج المحمر , أما هو فطلب قطعة اللحم "ستيك" ثم زجاجة من أجود أنواع الشراب .
ولكن لحظة أن أصبحا منفردين مرة أخرى عادت تلح عليه :
اقتراحك ياسيد جوردان . أريد أن أسمعه .
فتراجع قليلاً في مجلسه وخلل شعره القصير الداكن باصابعه الطويلة المسمرة وتباعد الحاجبان العريضان قليلاً وهو يبدأ بالشرح وكان صوته عميقاً ينم عن الأخلاص :
لكي أكون صادقاً تماماً , أوضح أنه ليس لدي أية فكرة عما دار من اتفاق بين عمي ووالدتك حينما تسلم شركة جارلاند او حتى السبب في ذلك الاندماج . وعلى الرغم من محاولاتي فإنه لم يتسن لي الحصول على أية مستندات عن هذا الاتفاق" . ثم هز كتفيه قائلاً :
أنا لا أفهم السبب .
أنا أقول لك السبب , لانها كانت سرقة , والمرء لا يحتفظ عادة بمستندات جريمته" . إلا انه استمر دون تغيير في نبرة صوته , متجاهلاً إهانتها :
ولما كان عمي رجلاً أميناً , لم يكن في نيته سلب والدتك أو أسرتها باية صورة , فقد قدمت لكم مايمكن أن يعتبر تعويضاً كريماً .
وانحنت برسغيها على المائدة وقالت بصوت مفعم بالسخرية :
دعني أقل لك شيئاً ياسيد جوردان , لقد قابلت عمك مرة , فوجدته من الطراز الفاتن معسول اللسان الذي يسهل عليه اللعب برأس أية امرأة .
ورمقته بنظرة استهجان , مقاومة الرغبة في أن تعلن أنه من الواضح ورث خصائص عمه مع الملايين التي ورثها عنه , وهي خواص من دواعي سرورها أنها محصنة ضدها . وبدلا من ذلك قالت بوقاحة :
وكانت والدتي للأسف امرأة يسهل قيادتها وكان من الممكن توجيهها إلى أية وجهة , خاصة من رجل " ثم رمقته بنظرة فظة وهي تقول :
ولكني لستُ أمي ياسيد جوردان , ومن ثم فإني أرفض ماتسميهالتعويض الكريم . فشركة جارلاند أسمى من أن تكون بضعة أسهم تافهة في شركة جوردان للالكترونيات .
وللحظة لم ينظر إليها . بل أخذ يعبث بالسكين أمامه وسمرة أصابعه متباينة في لونها مع قماش المنضدة , ثم رفع ناظريه في بطء وبلامبالاة قال :
إن وصفكِ للأسهم التي أعرضها بالتفاهة فيه إجحاف كبير , فهي أكثر مما تستحق شركة جارلاند " ثم أكمل قبل أن تقاطعه :
ولكني مقدر إن حيازة أسهم في شركة كبيرة ليس للمرء سيطرة عليها , ليس كإدارة الإنسان لشركة يملكها ومن ثم فهذا الاقتراح الذي لدي .
وكان هناك شيئ ما في تعبيرات عينيه جعلها تحبس أنفاسها , وأحست فجأة أنها في مواجهة أمر خطير , فأخذت تدعو في صمت . هل من الممكن بعد كل ماحدث أن يكون قد وجد وسيلة لحل هذهِ القضية السخيفة . وقالت وهي تبلع ريقها :
" الذي هو " ؟
فاعتدل في جلسته قائلاً :
الذي هو هذا ! ثم بدا عليه التردد قبل أن يواصل " بالإضافة إلى عرضي السابق بأسهم في شركة جوردان , والمنصب المضمون , فأنا على استعداد لأن أترك لأخيكِ إدارة جارلاند , بعد فترة تدريب , يديرها عيناً كما لو كان يملكها " .
يدير جارلاند عينا ! وتحول الآمل لديها إلى خيبة أمل لقد أخطأت فهم عينيه
وقالت :
آسفة , لايمكنني أن أقبل ذلك . فأشاح ببصره بعيداً وقال : هذا أقصى مايمكنني عمله .
حسنا , إن ليس كافياً , إننا نريد استعادة شركتنا . وصمتت برخة بينما النادل يحضر الشراب , وأخذت تراقب ماثيو وسحابة من النفور والغضب تغشى عينيها وهو يتذوق الشراب بخبرة عالية , إن آل جوردان الملاعين مهرة زلقو اللسان وأشرار , كيف تأتى لأمها أن تكون بهذهِ السذاجة حتى تتورط مع فردٍ منهم ؟
وبعد استطابته الشراب وحضور المشهيات تركا نفسيهما منفردين مرة أخرى , وبدأت تتناول طعام البحر من طبقها , لقد كانت غبية إذ حضرت , لقد كان عليها أن تعرف أن ذلك مضعية للوقت .
وكان قد أتى نصف ما أمامه حينما توقف لينظر إليها قائلاً :
حينما يتاح لكِ أن تفكري في عرضي , فأنا متأكد أنكِ ستجدينه عادلاً .
عادلاً! ومدت يدها إلى كأسها مستبعدة عبارة تحقيرية , وهي أن رؤية آل جوردان للعدالة لا تتطابق إطلاقاً مع رؤيتها .
"فكري في الأمر مع أخيكِ وانظرا ماذا تريان , أو ربما تفضلين أن أحادثه أنا " وبينما هي تشرب متجاهلة ماقال واصل في نبرة منطقية :
ربما كانت لديه افكاره هو مما يجعلنا قادرين على أن ندخلها في الصفقة .
الصفقة ! إن هذهِ العبارة الباردة اللامبالية كشفت عن خبيئة نفسه تماما . وشعرت بجسدها يتصلب و أصابعها تضغط على ساق الكأس حتى يكاد ينشطر , لقد فارت كل مشاعر الغضب واليأس داخلها حتى لقد أوشكت أن تنفجر . و أزاحت كأسها بعناية وحملقت فيه عبر المائدة قائلة :
"على الرغم مما تعتقد ياسيد جوردان , فإننا هنا لا نتحدث عن صفقة تجارية. ولكننا نتكلم عن مستقبل أخي الذي سُلب منه وإذا كنت تعتقد أني سأقف سلبية لأدع هذا يحدث فأخشى أنك ستكون مخطئاً حقاً .
وصمتت لتلتقط أنفاسها :" إنني و أخي , و أيضا والدتي , قد عانينا ماعانيناه من أجل شركتنا , فكل شيء في حياتنا هو في مرتبة تالية لها . والشيء الوحيد الذي جعل هذا مقبولا هو معرفتنا أنها ستكون من نصيب ريتشارد يوما ما " .
و أشاحت وجهها لتخفي ماهي عليه من ألم وغضب .
"وكان هذا سيحدث لو لا ما أصاب والدتي من سوء حظٍ بمقابلة عمك وزواجها منه . ويعلم الله اني توقعت أن يكون لها بعض الإدراك بعد كل ما لاقته من أبي " صمتت فجأة , وعضت شفتيها نادمة على زلة لسانها , ثم أكملت في سرعة :" ولكن مامن أحدٍ إلا وقد توقع أن تكون أكثر تعاسة في المرة الثانية , فوالدي على اٌل ترك لها شيئاً ما , وكل ما فعله عمك هو أن جردها منه " .
وبعد أن انتهت من هذا السيل من الكلمات , كانت تنتفض بمعنى الكلمة من الانفعال , و أخفت يديها تحت المائدة على رجليها , قم أخذت نفسا عميقا وخفضت رأسها , مدركةً تماما حملقته فيها . ولم يتبادلا حديثاً فترة طويلة , كان صمتاً يسبب الصمم , ثم تكلم ماثيو في هدوء تام :" لقد تولد عندي انطباع أنكِ لم تحبي والدكِ " . وشعرت بالذنب لكلماته , هل كشفت فعلا أكثر مما ينبغي ؟ وردت بحرص غير ناظرة إليه :
" كرجل أعمال أُعجبت به جدا , لقد تعلمت كل ماتعلمته من دنيا الأعمال على يديه أيضا , كما تعلمت كيف يتأتى للمرء أن يكون ذا قلب قاس غير مهتم بالآخرين ". لقد كان سوء طباعه ولسانه القاسي يرعبانها وهي طفلة , ولكن مع الأيام تحول الرعب إلى إزدراء باد وحقيقي , ونظرإلى ماثيو قائلة :
" ولكني لم أحبه كا إنسان " .
" ولكنكِ كنتِ لصيقة بأمكِ ".
" لصيقة كما يجب أن تكون الإبنة " . ألم تكن هي أكثر من ابنة ؟ كانت حليفة ومواسية وصديقة لها . وتحاشت العينين العسليتين وهي تقول :" بقد كان هذا ولا شك قبل أن تقابل عمك . إذ لم نكن أبدا قريبتين من بعضنا بعد ذلك " .
وقطب حاجبيه الداكنين وهو يسأل :" لماذا ؟".
وضحكت ساخرة :" لماذا ؟! لأني كنتُ ضد هذا الزواج من البداية . إذ كونها تواتيها الفرصة لكي تفلت من براثن إنسان أناني ومسيطر ماتلبث أن تلقي بنفسها على التو في يد إنسان آخر بدا لي ذلك نوعا من الماشوسية المحملة بالجنون " ثم صمتت برهة لتتذكر :
" ولكن وا أسفاه لقد كانت أمي من طراز النساء اللواتي لا يستطعن العيش بدون رجل ".
وقفز شيء قريب من السرور الى العينين العسليتين , وتأملهما ماثيو لحظة ثم رشف على مهل من الشراب قائلا :" على العكس من ابنتها حسب ما هو ظاهر ".
وحدجته غير مرتبكة قائلة :" ليست كل امرأة محتاجة الى رجل يدلها على مايجب عليها ان تفعله . فيسرني أن أقول : إن بع ا منا يستطعن تدبير أمورهن دون حاجة لرجل ".
" ألف مبروك ". لم يكن ذلك تهنئة منه , بل توبيخا ساخرا .
فردت عليه :" أظن أن غرورك يجعل من الصعب عليك أن تتصور أن جنسك يمكن الاستغناء عنه ".
لم يرد إلا بابتسامة رضا تبعث على الجنون ثم قال :" أعتقد يا آنسة جارلاند أنكِ تصدرين أحكاما على أمورٍ لا تعلمين منها شيئاً , وكما يقول المثل : لايستطيع المرء ان يفقد شيئا لم عليه أصلا "
ونظر في عينيها قائلا :" ألستُ على حق ؟".
وتوردت وجنتاها ولكن لم تدر عينيها وقالت :" وليس على المرء ان يقوم بمغامرة في الصحراء ليعلم انها تحتويي على رمال ".وابتسمت مسرورة لما هي عليه من حكمة .
ولكن الكلمة الأخيرة كانت له اذ قال :" قد يكون هناك بترول تحت الرمال , ثروات تفوق الخيال , وغروب رائع وراء الكثبان , إنه من قبيل قصر النظر فقط يا آنسة جارلاند ان لا يرى سوى الرمال ".
وخفت حدة الاتجاه الفلسفي للحديث مع قدوم الصنف الثاني .إذ يبدو ان جاذبية شريحة اللخم المحمر المتبلة قد حولت انتباه ماثيو إليها بينما انصرفت أوليفيا الى دجاجها الصغير الذي وجدته بلا طعم .
وكانت تحس بان العينين العسليتين تراقبانها من حين الى آخر , وبدا لها انها تلمح بين الفينة والفينة ومضة من تلك الصورة الجادة , ثم كان يدير بصره فجاة ليبتسم تلك الابتسامة الساخرة ابتس تجعلها تشعر بالتوتر والاضطراب يعاودانها . لم يكن هناك أعماق مختبئة في ماثيو جوردان , فهو بالضبط ذلك المغرور المزهو بنفسه الذي يدل عليه مظهره .
وسألها النادل وهو يرفع الأطباق :" هل تتفضل السيدة وتأمر بالحلو ؟" .
فهزت رأسها ونظرت بحدة الى ساعتها قائلة :" لا , قهوة لي فقط مع الشكر ". لقد نالت بالفعل مايكفيها من المهزلة وأكثر فلا داعي للإطالة فيها . ولكن رفيقها كان من الواضح انه ليس في عجلة من أمره , فعلى الرغم من أن إشارتها غير خافية الدلالة , فإنه طلب لنفسه سلطة فواكه ثم مشروبا بعدها .
" إني ألاحظ أن زهدكِ يمتد إلى كل مجالات حياتكِ ". قال لها هذهِ الملاحظة وهو يضع كميات وافرة من الكريمة على سلطة الفواكه , بينما هي تتململ مع فنجان قهوتها . وردت عليه :" و إني ألاحظ أنها تمتد إلى ما لايعنيك " .
ونظر إليها في دهاء قائلا :" أنا أعتقد أن هناك متعا في الحياة يجب التمتع بها حتى الثمالة ".
" بكل تأكيد ". وكانت صورة سلين الشقراء قد ومضت بها في ذهنها .
" أرجوك لا تجعلني أحرمك من أي منها , فأنا أعتقد أن لديك مايشغلك تماما الليلة ".
ورد عليها بابتسامة فاهما مغزى ما تقول :" لا تقلقي آنسة جارلاند , إنكِ لا تحرمينني من أي شيء أتوق إليه , فضلا عن أني لستُ متعجلا فأنا في غاية المتعة بالفعل " .
بالتأكيد ! على حسابي ! هذا ماجال في خاطرها بمرارة , فإن ما يستمتع به حقا هو أنها تكره كل لحظة من هذه المحنة . وانتظرت وهي تزم شفتيها بينما يزيح النادل أخيرا أطباق الحلوى , ثم يعود بعد برهة بفنجان قهوة جديد وزجادة مشروب بارد لِماثيو .
و رفع كأسه وهو يديره على مهل ليدفئه قبل أن يشرب , وعيناه مسلطتان على الشكل المتخشب أمامه , بينما تداعب شفتيها ابتسامة خفيفة .
" حسنا يا آنسة جارلاند ماذا ترين في عرضي الأخير ؟ ".
فردت :" أراه غير معقول كغيره ".
وأخذ يشرب على مهل :" هل تريدين حقا استعادة شركتكم ؟".
أحقاً يسأل ؟ .
" لن أرضى بأقل من ذلك ! ".
وواصل الشرب , ثم تراجع قليلا في مجلسه ونظر اليها من خلال جفنين منسدلين.
" لعلنا , رغم كل شيء , نجد طريقا ما ".
وقفز قلب أوليفيا بين حنايا صدرها , وومض فجأة تفاؤل داخلي , ومالت تجاهه وعيناها الزرقاوان تبرقان . ألم تكن عالمة أن في جعبته مايخبئه , وسألته في التو :" قل لي كيف ؟ ".
و أخذ جرعة أخرى من الشراب , ثم رمقها من فوق كأسه :" كما سبق وبينت لكِ فإن شرط عمي جوليوس محكم . فلا يحق إلا لأفراد العائلة تملك أي جزء من الشركة , كما أن تعريف أفراد العائلة محدد بكل دقة .
و أومأت نافذة الصبر :" أعلم ذلك ".
يبدو أنه يدور حول الموضوع ويتعمد تأخير لحظة ذكر الحقيقة :" إن التعريف يضم الإخوة والأخوات و أبنائهما وأبناء العم .. إلخ ".
ثم صمت برهة وكانت تنتظر :" وكذا الزوجات ".
" الزوجات ؟ ". وحملت فيه غير فاهمة ثم كررت :" تقول الزوجات ؟ ".
وواصل النظر إليها من فوق حافة كأسه وكانت تعبيرات عينيه غامضة بصورة غريبة , ثم قال موضحا :" لو كنتِ زوجتي لدخلتِ ضمن ذلك الشرط ".
ولم يكن لِ أوليفيا إلا أن تحملق فيه عدة دقائق , جافلة تماما , وغمرها شعور غريب بالرعب وعدم التصديق ثم قالت أخيرا :
" ولكني لستُ زوجتك ! ".
وأطلقت ضحكة قصيرة مرتبكة , متعجبة أهي تخيلات الشراب لعبت برأسه , أم حقيقة قال مافهمته , أم ان تخيلاتها تخدعها ؟ وابتلعت ريقها الجاف و قالت : "مامعنى هذا ؟ ".
وضع كأسه جانبا وبدأ يشرح في بطء وهدوء بينما هي تحس كما لو كان العالم من حولها قد فقد عقله :
" عزيزتي الآنسة جارلاند , إن هذا يعني أني على استعداد أن أعيد لكِ الشركة على شرط واحد " ثم بعد برهة ...
قال : " على شرط أن تقبلي الزواج مني " .






أناناس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس