يغمر جولييت شعور بالنقص كلما قارنت نفسها بتانيا , وينبع هذا الشعور لا من أختلاف المظهر بينهما فحسب , بل من مكانتهما الأجتماعية أيضا , نشأت جولييت ضمن عائلة لم تهبها ألا القليل , بينما كرست هي أعواما من حياتها لخدمة هذه العائلة ,والأعتناء بحاجاتها وتدبير أمورها المنزلية... أشبه بخادمة , حتى شعرت مرارا بأنها أدنى من خادمة , فالمعاملة التي تلقتها من عائلة لوزار معاملة جافة , قاسية , مجرد من أي أحترام أو شفقة أو أعتبار , والحل الوحيد لأنهاء هذه الحياة التعيسة هو الهرب...... شعلة الأمل الوحيدة في أفق مخيلتها , شعلة تتمسك بها بقوة آملة ألا تنطفىء وألا بقيت هي في هذا السجن المرير , تحت السقف الأبدي , في منطقة صغيرة من العالم كادت تمقت جميع أرجائها. فجأة سمعت صوت تانيا تنادي من بعيد: " أميلي...... هل أنتهيت من تنظيف حذائي؟". ودخلت تانيا الغرفة لتجد جولييت منهمكة بتنظيف الأحذية الباقية , وقالت هذه: " نعم , تجدين حذاءك هناك". " أذن , آتني به". ضغطت جولييت على شفتها محاولة كبت الغضب الذي يغلي في أعماقها , باتت لا تحتمل طريقة معاملتها , وتتمنى لو تجد حلا لهذا الوضع....الى متى تذلّ هكذا؟ أجابت بغضب: " لن يضرّك أن تنحني قليلا وتخدمي نفسك". لكن تانيا أصرت على الجمود وأجابت بجفاء: " آتني به حا". عندئذ أطاعت جولييت ...... وأحضرت الحذاء لأبنة خالتها التي أنتزعته منها بغضب وراحت تتفحصه بدقة , وقفت جولييت تتأمل تانيا , ثم خطر على ذهنها أمر مهم كانت تفكر به منذ وقت طويل , فقالت: " سأسأل خالتي أن كان بأمكاني الألتحاق بلمعهد التجاري للتخصص كسكرتيرة". " لكنك سألتها من قبل". " سأسألها من جديد". توقفت جولييت عن الكلام حين فوجئت بدخول خالتها الى الغرفة , وسألت هذه بصوت قاس , مجرد من أي لطف: " ما هذا الذي سمعته؟". فأجابت جولييت بصوت مرتعش: " كنت أقول أنني أرغب في الألتحاق بالمعهد التجاري لأكتسب تدريبا في حقل الشؤون المكتبية , أذا كان الأمر ممكنا طبعا". " لكننا عالجنا هذا الموضوع من قبل , وكما قلت لك من قبل , أن زوجي قد صرف ما يكفي من المال على تربيتك المدرسية , وليس من اللياقة أن تتوقعي منه المزيد....... يا لك من جاحدة ناكرة للجميل". " لكنني أعده بتسديد جميع التكاليف". صاحت تانيا: " أبي ليس مليونيرا". وأضافت : " لقد كلّفته ما يكفي". شحب لون جولييت , وأستطردت تشرح لخالتها وتانيا أنه من الطبيعي أن تفكر بالمستقبل , وباليوم الذي تعيش فيه لوحدها.... "..... ثم أرغب بالسكن في منزل مستقل". " أتعنين أن هذا المنزل لم يعد يليق بحضرتك؟ يا لك من فتاة بغيضة , ربما نسيت أنه لو لم يتولّ أهلي تربيتك لكنت نشأت في ميتم". حينئذ وصل زوج خالتها متسائلا عما يجري , فسمع جولييت تقول: " أذن , عليّ أن أمكث هنا وأبقى في خدمتكم طوال حياتي , خادمة مجّانية". وما أن سمع زوج خالتها هذا , حتى قاطعها بصوت صارم: " أذهبي الى غرفتك حالا , وأمكثي هناك حتى تقرري أن تعتذري لنا". |