عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-11, 01:15 AM   #2

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها


الجزء2:

- لكن القصة وصاحبها غير ممكن أن ينتظرانك، لكن السيد سامي عبد العزيز يمكنه انتظارك مهما تأخرت.
بقيت جالسة على الأريكة ومرة على مرة تنظر إلى الساعة بقلق، وفي الأخير تقوم وهي تقول:
- السيد عصمت أنت تعرف جيدا أنني حتى لو أعجبتني القصة فلن أدخل الأستوديو إلا بعد شهر، فلماذا إذن هذا الاستعجال والانتظار.
السيد عصمت يطلق ضحكة عالية واقترب منها وقال:
- قصدك شهر العسل.
شعرت لحظتها أمال بنوع من القلق والخوف، ولما اتجهت نحو الباب وهي تقول:
- أنا آسفة ... سامي ينتظرني ...
فسبقها إلى الباب واقفا كحاجز أمامها.
***
سامي بالنادي في حالة قلق، في تلك اللحظات يأتيه النادل ليعلمه بمكالمة هاتفية تخصه ... سكرتير السيد عصمت تكلم معه بصوت خافت وبسرعة مغيرا لهجته:
- الحق بخطيبتك التي تتظاهر بالعفة والإخلاص بمكتب المخرج عصمت جلال.
ثم أقفل الخط بسرعة، بينما سامي خرج من النادي كالمجنون ... على متن سيارته وصل إلى حيث مكتب المخرج.
***
أمال كانت تقاوم تصرفات المخرج بكل قواها...حيث كانت تتهرب من خطواته من ركن إلى آخر، وبصوتها الملائكي المرتجف كانت تحاول إعادته إلى صوابه، أما المخرج كان يقول:
- لست أنا من تؤخذ منه فتياته بهذه السهولة.
وردت عليه قائلة:
- تعرف جيدا أنني لم أكن فتاتك ... فالذي بيني وبينك هو عقد عمل.
ويرد المخرج عصمت قائلا:
- بل كنت لي، لولا ظهور ذلك الوغد سامي عبد العزيز.
***
خارج المكتب وصل سامي وبصوت مرتجف قال:
- أين هي أمال حسني؟
ويرد السكرتير وفي نفس الوقت يضغط على زر بأسفل المكتب:
- قصدك خطيبتك ... هي ... هي ليست هنا.
داخل المكتب لاحظ جلال عصمت اللمبة الحمراء بأعلى الباب تشتعل وتنطفئ فابتسم.
خارج مكتب عصمت حيث مكتب السكرتير ... الفنان سامي عبد العزيز يتجه نحو باب مكتب المخرج، لكن السكرتير يتجه بسرعة ليمنعه فتح الباب قائلا:
- السيد عصمت جلال نبه علي أن لا أدخل عليه أحد الآن...
دفع سامي السكرتير بقوة لما سمع استغاثة خطيبته، وما إن وصل إلى داخل المكتب ... وأدرك جلال بوجوده، لم يستدر نحوه، بل تظاهر بأنه في حالة دفاع عن نفسه، يحاول صد تصرفات أمال حسني، وقال لما أبصر سامي:
- أحمد الله أنك أتيت في الوقت المناسب، أبعد عني خطيبتك ... يظهر عليها كانت بطلة جيدو، ولقد حاولت أن أقنعها بأن الذي تقوم به الآن معي هو خيانة لمن ستكون زوجة له بعد كم ساعة.
كانت أمال في حالة يرثى لها، وقفت في كامل دهشتها ولم تنطق بحرف، سامي بعد وقوف فترة تأمل إلى المخرج جلال ثم أمال، بدأ يقترب من جلال رويدا رويدا وعيناه تتطاير منها شرارات الغضب، ثم انقض عليه كالنسر على فريسته وضم يديه حول عنقه وكاد أن يطلقه جثة هامدة لولا تدخل أمال بصوتها الملائكي ودموعها طالبة منه أن لا يلطخ يداه بروح إنسان فاسد.
***
خرج الخطيبان، ركبا السيارة، أمال وهي جالسة إلى جوار سامي، لم تتمكن من إخفاء دموعها، وفجأة انهمرت دموعها بغزارة وراحت تبكي في حرارة، سامي يوقف السيارة ... ثم يقربها إلى حضنه ليشعرها بالراحة والاطمئنان قائلا بصوته الحنون:
- لن أترك عصمت أو غيره يلمس ولو شعرة من رموش عينيك، خلاص من الغد، بل من الآن لن تعتب رجلك مكتب هذا المخرج الخسيس.
تشعر لحظتها بالاطمئنان وهي تنسحب من بين أحضانه بكل رفق، قالت وهي تحاول أن تبتسم بدموع حزينة:
- سامي ! ... هل أنت؟...
ابتسم وقاطعها الكلام بعد أن فهم مقصدها:
- لم ولن أشك ولو لحظة في براءتك.
***
المخرج عصمت بمكتبه، طلب السكرتير الخاص، وبعد أن أمره بالجلوس قدم له تذكرة نحو أمريكا ومفاتيح شقة وشيك بالعملة الصعبة «المبلغ مغري».
قال السكرتير:
- لمن هذا؟
ورد المخرج عصمت:
- لك طبعا، إذا نفذت ما سأقوله لك.
وسحب الشيك من يد السكرتير وقام من مكانه واقترب منه وتابع يقول:
- بعد العملية تسافر إلى أمريكا، وشقتي هناك ستكون تحت أمرك، وبعد ساعات من وصولك سيكون شيك ثان وبالمبلغ نفسه.
وراح يشرح له العملية التي سيقوم بها، وفي الأخير نطق قائلا:
- إذا ماذا قلت عن هذه الصفقة؟
ويرد السكرتير في اندهاش وتساؤل:
- لكن العملية خطيرة وفيها قتل!
ويرد المخرج عصمت:
- لكن المبلغ يوازي العملية، ومثلما قلت لك يمكنك أن تسبب له إعاقة دائمة بدل القتل.
وبعد فترة سكوت ينطق السكرتير بعد أن أغراه الثمن:
- أنا تحت أمرك ... فأنت تعرف أنني لن أرفض لك طلبا
ورد عصمت وهو يمد يده نحو درج مكتبه:
- ولهذا اخترتك أنت بالذات ؟
ثم أخرج المسدس من الدرج وتابع يقول:
- سأكون هناك من بين المدعوين.
وينطق السكرتير في تساؤل:
- وهل وصلتك الدعوة بعد الذي …
وقاطعه المخرج:
- طبعا لا... لكن يجب أعمل حسابي حتى لا تحوم الشكوك حولي، وفي الوقت نفسه تكون لفتة اعتذار بطريقتي الخاصة.
ابتسم السكرتير وقام من مكانه قائلا:
- لقد طلبت رأس سامي... وإن أردت الاثنين فأنا تحت أمرك فقط ما عليك...
وضحك المخرج وقال:
- لا … يكفي رأسه هو، ثم لا تظن أنني مليونيرا إلى هذه الدرجة.
وضحك الاثنان...
***
أمال حسني في القصر الفخم للفنان سامي عبد العزيز بصحبة جدها وجدتها وسامي وسكرتيره وبعض العمال يهيئون ويعدون لوازم الزفاف، في تلك اللحظات تصل سيارة تحمل على متنها زوجين في العقد الخامس من عمرهما وشابة وشاب في العقد الثالث من عمرهما، وما إن رأتهم أمال حتى صاحت في سعادة:
- أمي...أبي … إخوتي …
وراحت تعانقهما في حرارة ثم عانقت أخاها وأختها وبعدها قدمتهم لخطيبها الفنان سامي عبد العزيز قائلة:
- هذه هي عائلتي التي تعيش بالمهجر وكلهم في ميدان التدريس.
وبعدها أبدت غضبا مصطنعا لسبب عدم حضورهم الخطوبة وكان رد أختها نوال:
- الحقيقة ليست فترة الامتحانات هي التي منعتنا من الحضور بل أبي، فلقد سقط من السلم وأصيب برجله.
واقتربت من أبيها تسأله بقلق عن صحته، لكنه طمأنها بأنه بخير بعد أن شفي تماما.
***
المخرج هيأ نفسه كشخصية مدعوة للزفاف، كان معه السكرتير يعطيه آخر التعليمات فإذا بالجرس يدق في استعجال، فذهب بنفسه ليفتح بعد أن ترك السكرتير متخفيا في المكتب فكانت برقية مستعجلة من أمريكا... كانت بإمضاء ابنته التي طلبته الحضور فورا حيث أمها مريضة جدا ولا بد لها من عملية جراحية ولقد رفضت أن تجرى لها العملية بدون حضوره، يترك البرقية على المكتب في أسى وغضب ثم قال:
- سأسافر وسأرجع عن قريب والأيام بيننا يا ... يا أمال حسني وأنت يا سامي عبد العزيز .
ورد السكرتير بتساؤل:
- ماذا حدث؟
يمد المخرج يده إلى البرقية وقدمها له ثم راح يدير قرص الهاتف للحجز على أول طائرة نحو أمريكا، فعلم أن الطائرة أقلعت من ساعة وعليه انتظار ثاني طائرة بعد يومين...فما كان عليه إلا أن يحجز في الطائرة المتوجهة إلى لندن ومن تم نحو أمريكا ... السكرتير يشير على المخرج بأنه يمكنه تنفيذ العملية في غيابه، ويرد المخرج:
- أعرف أنك قادر على تنفيذها في غيابي... لكن...
ويسكت فترة بعد أن نظر إليه نظرة من الأعماق، ثم قال:
- أريد أن أرى وأحس بطعم الانتقام والانتصار عن قرب...وسأفعل هذا بعد عودتي.




***
عرفت حفلة زفاف الفنان القدير سامي عبد العزيز والممثلة الصاعدة أمال حسني بحفلة الموسم، حيث تصدرت صور العروسين كل الجرائد، والمجلات اليومية، والأسبوعية، وحتى الشهرية، فكان الزفاف حديث كل الأوساط، واستطاع سامي وأمال إقناع جديها بالاستقرار معهما، حيث كان يرى فيهما والديه اللذان فقدهما وهو طفل.
وطارا إلى لبنان لقضاء شهر العسل بين جبالها الرائعة، وقبل عودتهما بأسبوع وصلاهما تلغراف من المخرج أحمد عدنان يطلب منهما تأجيل عودتهما إلا بعد حضوره، حيث أفهمها أن ثمة فيلم مشترك لبناني مصري ورشحاهما ليكونا بطلي الفيلم من الجانب المصري ...
ويمر حوالي شهرين وهما يستعدان لتصوير الفيلم بعد التدريبات عليه، بينما أمال بإحدى غرف الأستوديو تستعد لتبدأ تصوير أولى لقطات الفيلم حتى أغمي عليها، بعد لحظات يحضر الطبيب وأعلم سامي والمخرج بأنها حامل ولابد لها من استراحة مستمرة لغاية وضع الحمل حتى لا تعرض نفسها والصبي إلى الخطر.
رغم قرار الطبيب الذي لم يكن لصالح المخرج إلا أنه كان سعيدا من أجل صديقه وبطل فيلمه سامي عبد العزيز، ورغم أن أمال حسني ألحت على المخرج أن يسند دورها لممثلة أخرى، لكن المخرج أكد لها أنه لن يعطي ذلك الدور لغيرها وسوف يعمل بإخراج فيلم آخر ويؤجل ذلك الفيلم لحين عودتها إلى عملها بالسلامة.
***
وتمر الشهور وتضع الممثلة أمال حسني صبية جميلة سميت منال، وكانت سعادة الوالدين لا توصف، وبعد حوالي ثلاثة شهور استعدت أمال حسني لتصوير الفيلم المؤجل للمخرج أحمد عدنان وخلال تلك الفترة منال بين أحضان الجدين، ورغم أن هذا الفيلم حقق للممثلة أمال حسني شهرة كبيرة على مستوى العالم العربي إلا أنها فاجأت المخرجين والمنتجين برفضها لعقود كانت جد مغرية، لسبب واحد وهو أنها أرادت التفرغ لتربية وحيدتها في سنواتها الأولى وفي الوقت نفسه إكمال دراستها الجامعية بشكل منتظم، وكانت حجتها في تمثيل ذلك الفيلم رغم أن الصبية كانت في الشهور الأولى هو أنها قامت بذلك وفاءا منها وتقديرا واحتراما للمخرج أحمد عدنان الذي اختارها البطلة وانتظرها رغم ما تسببت في تعطيله لعدة شهور.
***
خلال ثلاث سنوات، بعيدا عن أضواء الكاميرا بقيت الممثلة أمال حسني في بيتها تقسم وقتها بين زوجها ووحيدتها ودراستها، وبعد هذه السنين خرجت إلى الأضواء، بعد أن نالت شهادة الماجستير في الفلسفة، وأصبحت منال تحتاج إلى رعاية أقل، ونظمت جيدا وقتها حتى لا تأخذها الأضواء بعيدا عن واجباتها كزوجة وأم.
كما اختارت أن تكون كل أعمالها الفنية داخل مصر حتى لا تبعدها عن وحيدتها، ولأنها بعدت فترة عن جمهورها ومعجبيها فكان عليها أن تعيد هذا الجمهور إما بعملها المتواصل أو باختيار أدق للأفلام مهما كانت قليلة، وفعلا فضلت أن تختار عددا قليلا من الأفلام ذات القيمة الفنية قصة وإخراجا وإنتاجا، على أن تمثل عددا كثيرا من الأفلام لأجل الظهور فقط بشكل مستمر، لكن بعض المخرجين والزملاء من الوسط الفني وغير الفني نصحوها بالعمل المستمر حتى تعيد تثبيت خطواتها، حيث أن السنوات الثلاث توقفا عن العمل كانت كافية بنسيانها من طرف جمهورها، لكنها أصرت باقتناع تام بأنها لن تمثل إلا أفلاما قليلة، وقرارها ذلك لم يتدخل فيه زوجها الفنان سامي عبد العزيز فهو أدرى الناس بها وواثقا كل الثقة من قدرتها على تثبيت خطواتها من جديد … دخلت الأستوديو وكلها ثقة، ففي خلال سنتين صورت فيلما ومسلسلا استطاعت بهما أن تعيد تلك النجومية التي كانت في الطريق لولا ابتعادها بسبب الولادة، ورغم أن العقود انهالت عليها إلا أنها بقيت على قرارها من أجل وحيدتها وزوجها الذي أصبح له مكانة مرموقة في السينما العربية، حيث استدعي لترأس عدة مهرجانات، ورغم أنها أصبحت تمثل معظم أفلامها مع زوجها حيث كونت معه ثنائيا رائعا إلا أنها تقرر أن تبتعد عن تمثيل أفلام من إنتاجه أو تشاركه بطولتها وهذا لعدة أسباب، أولا حتى لا يمل المشاهد من رؤيتهما الدائمة مع بعض ويتصورون أنهما يمثلان عليه حياتهما الخاصة، ثانيا حتى يسمح لهما الوقت بالتناوب على رعاية الصبية منال، ثالثا حتى تتمكن الممثلة أمال حسني من تأكيد نجوميتها بعيدا عن زوجها النجم.
***
وتمر الأيام والشهور والسنين ... المخرج جلال عصمت كان غائبا عن القاهرة من يوم سفره المفاجأ إلى أمريكا، يحضر بعد هذا الغياب الطويل، وراح يجول ويعود في الفيلا التي ظلت مغلقة طيلة غيابه، يزيح الغبار من على الأثاث ويضرب يدا بيد ثم قال يكلم نفسه:
- معقول خمس سنوات مرت من غير أن أحس بها
ثم راح يقلب بعض المجلات التي أحضرها معه وقال بضحكة:
- والله وأصبحت نجمة ... يا أمال ... يا حسني ...
ثم خرج واتصل بمنزل سكرتيره السابق السيد مروان ... فكان رد صاحب المنزل وهو ابن خالته حيث أعلمه أن مروان بعد أن غير الشقة ترك له هذه الشقة وهو الآن يقطن بأرقى الأحياء القاهرية، فأعطاه رقم الهاتف ... وراح يتصل على ذلك الرقم فكان الرد من الطرف الثاني لخادم السيد مروان حيث حول الخط لسيده مروان الذي كان في حمام السباحة وكم كان اندهاشه كبيرا لما تعرف على الصوت، بعدها سأله المخرج جلال قائلا:
- ألا تعمل هذا النهار؟
ورد السيد مروان:
- إنني في إجازة.
***
وبعد الحوار الهاتفي... كان اللقاء مباشرة بإحدى النوادي الليلية ... ومع هذا اللقاء استرجعا آخر لقاء كان بينهما ... حيث حكي المخرج لمروان قائلا:
- يومها لما وصلت إلى أمريكا كانت زوجتي تمر بمرحلة خطيرة ولم يزل الخطر إلا بعد ستة شهور، كانت أول مرة في حياتي أجالس أولادي مدة تزيد عن شهر، لما حاولت الرجوع رجوني البقاء معهم شهرا، وبيني وبينك بقيت من أجل الزوجة، فأولادي الذين تطبعوا بأخلاقيات وطباع الغرب لم أكن أتفاهم معهم أو حتى نجلس مع بعض جلسة عربية عائلية، المهم أنني خلال تلك الشهور تعرفت على أحد المنتجين، أمريكي من أصل لبناني لقد سبق أن شاهد بعض أفلامي، فعرض علي التعامل معه، ولأنه أقنعني بالتعامل معه، فلم يكن أمامي سوى بيع شركتي التي كانت هنا، وبدأت السنين تمر من غير ما أحس بها، وظننت أنني نسيت القاهرة وكل ما يربطني بها، ولأن آخر فيلم أصوره حاليا لابد من أخذ بعض مشاهده بالقاهرة لذلك ...
ويقاطعه مروان قائلا:
- إذن لم تحضر إلا من أجل هذا العمل ...
ويرد المخرج عصمت:
- بيني وبينك ما إن خطت رجلي أرض مطار القاهرة حتى تذكرت الماضي بكل تفاصله، لذلك كنت أول من أقصده ...
***
ثم خرجا ليكملا السهرة بفيلا مروان ... المخرج جلال وهو يدخل الفيلا الأنيقة أبدى إعجابه حيث قال:
- لكن قل لي كيف استطعت أن تبني هذه الفيلا الفخمة؟
رد مروان وهو يسكب كأسا من النبيذ:
- من يتعامل مع الأجانب يكسب الكثير.
ورد جلال عصمت مبتسما:
- فعلا، لكن ما رأيك أن تكسب فيلا أخرى لكنها مطلة على النيل؟
ويظهر على مروان أنه فهم مقصد عصمت فرد عليه:
- معقول وبعد كل هذه السنين لم تنس بعد
ويرد عصمت:
- كدت أنسى لولا حضوري إلى القاهرة، بصراحة يظهر أنني لم أنس ولن أنسى هذان الاثنان اللذان استهزءا بي فكانت هي أول واحدة ترفض مطالبي، وكان هو أول واحد يتهجم علي ويختطفها مني، لا... لا... يجب أن أنتقم مهما طال الزمن... يجب أن أعود إلى أمريكا بعد أن أعيش طعم الانتصار.
ثم راح يخرج تذكرة طائرة ومفاتيح الشقة وشيك وهو يقول:
- ما رأيك أنت حر في الاختيار فيلا أنيقة على النيل أم هذا الشيك ومفاتيح هذه الشقة بأمريكا تحت أمرك في كل عطلة وتذكرة الطائرة ذهابا وإيابا على حسابي
ولأن العرض كان مغريا فإن مروان لم يتردد ولو لحظة، بل نطق بعد فترة قصيرة وبعد أن مسك بالشيك:
- ألم تلاحظ أن المبلغ يحتاج....
أدرك عصمت كلام مروان فقاطعه قائلا:
- الشيك هذا مجرد عربون للعملية أما الباقي وهو ضعف هذا المبلغ طبعا سوف تتسلمه بعد العملية...ثم لا أظن أنك تجهل أصول الشغل ...
رد مروان وهو يتسلم تذكرة الطائرة ومفاتيح الشقة:
- وأنا تحت أمرك ... لكن أريدك أن تمهلني مدة حتى أعرف عنهم كل شيء، فأنا كما تعرف من يوم سفرك بعدت عن الأعمال الفنية وعن أهل الفن، وكل الذي أعرفه عنهم أن بعد الزواج رزقا بصبية.
ورد عصمت باندهاش:
- لهما صبية
وراحت نظراته وتفكيره بعيدا ... ثم تابع قوله:
- عليك أن تعرف كل شيء عنهم وبالتفصيل.
***
مروان تمكن من معرفة البرنامج اليومي للفنان وزوجته الفنانة أمال حسني ومتى يكونان حاضرين ومتى يكونان غائبين ... كما عرف أن الزوجين سيسافران إلى لبنان (طرابلس) لتصوير فيلم من بطولة الفنان سامي عبد العزيز وزوجته ستكون برفقته بالرغم من أنها لا تمثل في الفيلم، كان جلال عصمت سعيدا بالخبر حيث قال:
- على كل إذا أخذت وحيدتها أو لم تأخذها فهذا لن يغير في الخطة.
***
الفنانة كانت تحضر حقائب السفر ... قالت الجدة التي كانت معها في الغرفة:
- هل ستأخذين فعلا منال؟
وردت الفنانة مبتسمة:
- لقد وعدتها أن آخذها معي.
وردت الجدة:
- لكن لبنان ...
وتقاطعها أمال وهي تحضنها قائلة:
- اطمئني يا جدتي الحبيبة، سنذهب ونرجع بالسلامة لأن طرابلس آمنة وبعيدة عن الحرب.
***
وصل مروان إلى حيث إقامة عصمت وأظهر تذكرته وهو يقول:
- خلاص حجزت في الطائرة نفسها معهما.
قال عصمت:
- إذن كن حذرا فلا تجعلهما يكتشفانك أو يتعرفا عليك.
***
بمطار طرابلس ... كانت هناك سيارة خاصة لإحدى الفنادق التي حجز بها عصمت هاتفيا في انتظار مروان، ولأن السيارة حاملة لإشارة الفندق فتعرف عليها بمجرد خروجه من المطار. بعدها طلب من السائق أن يمنحه المفاتيح حيث أفهمه أنه سيذهب إلى مهمة مستعجلة ومن الممكن أن يتأخر ... وما كان على السائق إلا أن غادره في تجاه محطة سيارات الأجرة ... بينما مروان لم يقلع إلا بعدما أقلعت حافلة وسيارة كانت تنقل الطاقم الفني ومن بينهم الفنان سامي عبد العزيز وزوجته الفنانة أمال حسني ووحيدتهما ...
وبعد أن تعرف على مكان إقامة الفنان سامي وزوجته، رجع إلى الفندق حيث اتصل بالمخرج عصمت قائلا بألغاز:
- البضاعة استقرت وعرفت مقر الاستقرار.
***
مر يومان وهو يتابع تحركاتهما، فكانت الفنانة دائما تصطحب وحيدتها لتذهب إلى حيث التصوير لمرافقة زوجها ... كما لاحظ أن الشقة التي يقطنانها بها مربية تسهر على راحة ابنتهما، في اليوم الموالي لاحظ مروان أن الفنانين خرجا من دون وحيدتهما فاستغل الفرصة وذهب إلى الشقة في هيئة صحفي ... فتحت له المربية فحياها بابتسامة لطيفة بعد أن عرفها بنفسه وبأنه حضر للقائهما من أجل مقابلة صحفية فرحبت به إلى الداخل وهي تقول:
- تفضل ... كلها ساعة بالكثير ويرجعا.
في تلك اللحظات يرن الهاتف، ترفع المربية السماعة فكان المتحدث سامي عبد العزيز... بعد أن تحدثت معه تركت السماعة واتجهت نحو الصحفي قائلة:
- أنا آسفة نيابة عن الفنانين ... فهما فعلا خرجا من أجل ساعة لإحضار بعض الحلويات من أجل عيد ميلاد الفنانة ويظهر أنهما فوجئا بالأصدقاء اللذين أرادوا أن يحتفلوا بعيد ميلادها بإحدى الفنادق ... مروان بعد أن عرف أن الفنانين خارج البيت وفيه احتمال كبير جدا أن لا يعودا إلا في ساعات متأخرة من الليل، وهكذا يجد مروان فرصة لا تعوض، خصوصا بعد أن تمكن من تفقد الشقة من الداخل.
***
مروان بغرفته يحضر نفسه ... ولما لاحظ في الساعة ثم النافذة حيث بدأ غروب الشمس ... خرج وقبل أن يمتطي السيارة اتصل بعصمت وأعلمه بأن يكون أول واحد يشتري الجرائد المسائية لنهار الغد أو بعده على الأكثر ...
***
يصل مروان إلى الشقة في وسط ظلام حالك ... يتمكن من فتح الباب بصعوبة بعد أن جرب العديد من المفاتيح ثم تسلل إلى داخل الشقة ولما وصل إلى غرفة الصبية حيث كانت المربية إلى جوارها، المربية تشعر بصوت وقع أقدام ... فاستفاقت ظنا بها حضور الفنانين، لكن ما إن أرادت إضاءة المصباح حتى سقطت أرضا بعد أن تلقت ضربة قوية على رأسها، بعدها اقترب من سرير الصبية وبهدوء حملها وهي ما زالت نائمة ... وخرج بها نحو السيارة ... وابتعد بسيارته بعد أن أخذ طرق فرعية نحو الجنوب اللبناني وكان مرات يسوق بسرعة لما يكون الطريق خاليا ومرات يسلك الطرق الوعرة خوفا من مصادفة رجال الأمن... وما إن وصل إلى إحدى الطرق المؤدية إلى قرية صغيرة بغابة حيث سمع دوي طلقات الرصاص، فتوقف لحظة لما بدأت الصبية تبكي، فأغلق فمها بقلق وقال لها محذرا:
- إما أن تسكتي أو أتركك في هذه الغابة وفي هذا الظلام وهذه الطلاقات المخيفة.
***
مع بزوغ الفجر وصل مروان إلى طرابلس وبالضبط إلى الفندق...وفي الوقت نفسه كانت الفنانة وزوجها عائدين من السهرة وهما في فرح وسعادة، لكن سعادتهما لم تدم لما اكتشفا المربية ملقاة أرضا ... كما وجدا مكان منال خاليا ... بعد حضور رجال الشرطة والطبيب الشرعي الذي أكد وفاتها بضربة قوية تلقتها على رأسها من حوالي ست ساعات مضت.
الفنان سامي عبد العزيز رغم هول الصدمة والمفاجأة إلا أنه بدا قويا إلى جوار الزوجة التي فقدت وعيها ولم تصح إلا وهي في المستشفى.
***
رجعت إلى حيث إقامتها بصحبة زوجها وكان إلى جوارها كل الأصدقاء العاملين في الفيلم واستمر التحقيق في القضية لمعرفة مصير الصبية، تمر حوالي أسبوعين ولم يعثروا عليها ... الفنانة تكاد تجن فهي غير مصدقة أنها فقدت وحيدتها بهذه السهولة، كل عائلة الفنانة تصل إلى طرابلس للوقوف إلي جانبها في محنتها ... تبدأ الأيام تمر...ومع كل يوم كانت الفنانة تنتظر منال بفارغ من الصبر.
***
وصل مروان إلى القاهرة وأخبر المخرج عصمت جلال بأن جثة الصبية من الصعب العثور عليها فلقد تركها بين أسنان وحوش الغابة، وطبعا كان من الطبيعي أن يطالب مروان بالمبلغ المتبقي، وأفهمه عصمت بأن المبلغ جاهز بأمريكا، لكن مروان أصر أن يأخذ المبلغ في الحال وبالعملة المحلية حيث أنه ينوي فتح شركة خاصة به،


وأمام إلحاح مروان فلم يكن أمام عصمت إلا أن طلب منه أن يمهله مدة يومين فقط ليفتح حسابا بالبنك المحلي يسمح له بتحويل رصيده بالعملة الصعبة إلى العملة المحلية، وهنا نطق مروان قائلا لما أحس بتماطل المخرج:
- لكن الذي أعرفه أن لك حسابا بإحدى البنوك من السابق
ورد المخرج قائلا:
- فعلا كان لي ذلك قبل خمس سنوات فبل أن أبيع الشركة وأستقر هناك بأمريكا...
***
الفنانان بعد تأكدهما أن منال أصبح من الصعب العثور عليها إذا ما زالت على قيد الحياة أم لا، فما كان أمامهما وبعد مرور شهرين سوى العودة إلى القاهرة.
عودتها إلى القاهرة كان بالنسبة لها فقد الأمل في العثور على وحيدتها مما جعل حالتها تسوء وتنقل على الفور إلى المستشفى.
***
حضر عصمت إلى منزل مروان وبيده حقيبة وما إن أدخله المكتب حتى نطق قائلا:
- أظن عودتهما إلى القاهرة ودخولها إلى المستشفى دليل كاف على أنهما لم يعثرا على وحيدتهما بل دليل قوي لتتأكد أنني فعلا تخلصت منها.
ويرد عصمت وضحكة طعم الانتقام بادية على وجهه:
- فعلا الآن تأكدت من حقك أن تقبض بقية أتعابك وفوقها شيك رمزي بالعملة الصعبة مكافأة إضافية.
وراح عصمت يفتح الحقيبة بهدوء، بعدها مد يده إلى الفلوس وأخرجها، وضعها على المكتب أمام مروان الذي راح يعدها وهو في كامل سعادته، وبينما هو منهمكا في عد النقود، المخرج عصمت جلال يخرج من الجيب الداخلي للمعطف مسدسا أشهره في وجه مروان قائلا:
- ألزم مكانك ولا تتحرك.
قال مروان وهو في كامل دهشته:
- هل جننت؟
ورد عصمت وهو يسحب بيده الأخرى الفلوس واضعا إياها في الحقيبة وقائلا:
- أنا فعلا كنت سأجن لو قدمت لك هذا المبلغ الذي هو أكبر بكثير من الخدمة التي قمت بها، لقد اكتشفت أنك تغيرت كثيرا وأصبحت أكثر طمعا ... وبالتالي أنا متأكد أن طمعك هذا لن يتوقف عند هذا المبلغ، فأنت لن تتركني وحالي ...
لما أدرك مروان أن نهايته ستكون على يد عصمت، نطق بصوت هادئ مصطنع:
- أقسم لك بأنني لن أفتح فمي.
ويرد عصمت بضحكة وسخرية:
- أتريدني أن أصدقك بهذه السهولة.
وهنا لم يكن أمام مروان إلا أن ينطق بصوت المهدد:
- إذن عليك أن تصدق إذا قلت لك أني لم أقتل الصبية ولقد تركتها في الحفظ والصون عند أناس...إذا حدث لي أي مكروه فبأمر منهم الشرطة سوف تصل إليك.
وينطق عصمت جلال في اندهاش:
- ماذا تقول ؟
ويرد مروان قائلا:
- ما سمعته بالضبط...فأنا لست مغفل إلى هذه الدرجة فإذا كنت طاوعتك قي قبول العملية فقلبي بصراحة لم يطاوعني في قتلها، والدليل أنه لو كنت قد قتلتها لعثروا على بقايا جثتها.
عصمت يشعر لحظتها بسخرية مروان منه فينطق قائلا:
- ليكن ما يكون فيجب أن أدفن سري معك.
خارج المكتب...الخادم من نافذة المطبخ لاحظ حضور موزع البريد فخرج، وهو يتجه نحو الباب، سمع صوتا استوقفه، فكان صوت مروان:
- إذن لا تنس أن المسدس ستسمع طلقاته وأول واحد سيسمعه...
فقاطعه عصمت قائلا:
- اطمئن فخادمك العزيز سيلحق بك، يجب أن تعرف أنني عملت حسابي فأنا لست بالأبله لكي أترك الشاهد الوحيد علي، فالمسدس من النوع الكاتم للصوت.
لحظتها الخادم ينسحب بهدوء وخفية وعلامات الخوف والذغر بادية على كل جسده.
بالمكتب...أطلق عصمت أول رصاصة على مروان فأصابته بالقلب مباشرة فسقط جثة هامدة...وبعد أن تأكد عصمت من موته أخذ بمسدس آخر ووضعه باليد اليمنى لمروان وترك أمامه بعض الأوراق والفلوس مبعثرة ... وراح يقترب من النافذة المطلة على الجنينة ولما لم يجد الخادم وقف للحظات قلقا انتابته الشكوك وتراجع إلى الوراء وقال يكلم نفسه «أين هو لقد كان بالجنينة؟» ... ثم اتجه نحو الباب وتوقف قبل فتحه، ثم تراجع نحو المكتب وراح يضغط على الزر أكثر من مرة ثم ذهب ليختفي وراء ستار النافذة ... ولما كرر أكثر من مرة الضغط على الزر فأدرك أن الخادم غير موجود بالداخل ... فاتجه نحو الباب وفتحه بهدوء وراح يتقدم نحو الصالون بخطوات هادئة فاكتشف السكون الذي يخيم على داخل الفيلا ... ولما أراد الخروج فإذا برجال الشرطة محاطة بالفيلا ولم يكن أمامه سوى الاستسلام.
***
أثناء التحقيق معه اعترف أن سبب قتله للسيد مروان كون هذا الأخير كان يتاجر في العملة الصعبة التي كان يبعثها له، وكان من المفروض أن يتركها بالبنك ريثما يحضر من أمريكا ويشتركا مع بعض في فتح شركة كبيرة للإنتاج السنيمائي لكن فوجئ بأنه ضيع نصف المبلغ، ولما اكتشف ذلك أراد مروان أن يتخلص منه لذلك كان البادئ الأول بالتخلص منه مدافعا عن نفسه، ورغم التحقيق الذي دام أكثر من أسبوع إلا أن الشرطة لم تقتنع بحجة عصمت في القتل وبالتالي حكمت المحكمة عليه بالإعدام.
***
لما علم عصمت بالحكم النهائي غير القابل للاستئناف نظرا لإقدامه على القتل وهو في كامل قواه العقلية، وهو ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بأيام قليلة، كتب رسالة وأعطاها إلى أحد المساجين وطلب منه أن يبعثها عن طريق البريد يوم خروجه.
***
وصلت الرسالة إلى منزل الفنانين ... ولأن الرسالة كانت باسم الفنانة فسلمها جدها لها، فكان المكتوب بالرسالة «أنا عصمت جلال ... لا أظن أنك نسيت هذا الاسم، من خمس سنوات مرت أهنت من طرفك ومن طرف من أصبح زوجك كنت أريد الانتقام لكرامتي منك أومن زوجك يوم زفافك ... لكن يشاء القدر أن يؤجل انتقامي ... وتشاء الصدفة أن يتم انتقامي منكما عن طريق وحيدتكما»...
***
وصلت الفنانة بصحبة زوجها وجديها إلى السجن وكلهم أمل، لكن الصدمة كانت أكبر وأقوى لما علموا بإعدام عصمت من ثوان قليلة ... ورغم أنها فقدت الأمل في العثور عليها إلا أنها كان لديها إحساس يؤكد لها أنها على قيد الحياة.
***
وتبدأ الشهور تمر وحالة الفنانة تسوء لدرجة أنها أقامت بالمستشفى لمدة شهر تحت الرعاية المركزة المكثفة، فأخذ زوجها إجازة وحتى والديها وأختها وأخاها عادوا من المهجر بعد أن أخذوا إجازة مفتوحة، وأكد لهم الأطباء أن الحل الوحيد لتحسن حالتها هو أن تتمكن من نسيان وحيدتها ولوفي فترات معينة وعودتها إلى الفن كحل وحيد لمساعدتها على النسيان والعودة للحياة بشكل طبيعي، ولأن كل أهلها وأصدقائها وزوجها الذي لا يفارقها ولو لحظة وقفوا إلى جوارها، ولأن رسائل المعجبين والمعجبات لم تتوقف في مواساتها ومناداتها للعودة إلى الفن وأن يكون إيمانها بالله أقوى، فلم يكن أمامها بعد مضي سنة كاملة عن فقدها لوحيدتها سوى العودة لفنها.
***
وتبدأ السنين تمر، وقد مرت حوالي ثلاث سنوات على فقد منال، الفنانة رغم عودتها إلى عملها الفني ورغم استسلامها للأمر الواقع إلا أنها لم تقطع الأمل بأنه سيأتي يوم وتلقى وحيدتها، كما أنها قررت أن لا تحتفل بعيد ميلادها، فلما يحين يوم عيد ميلادها كانت تعتبر ذلك اليوم يوم عطلة تنفرد به بنفسها في غرفتها لتعاقب وتحاسب نفسها، ولم يكن يجرأ أي كان أن يقاطع خلوتها في ذلك اليوم.
***
يوم وضعت الفنانة بالمستشفى صبية، العائلة بقاعة الانتظار ما إن علموا أن المولود صبية حتى قرروا أن يطلقوا عليها اسم منال تخليدا لأختها المفقودة التي ستعوضها، لكن الفنانة ما إن علمت بذلك حتى صاحت وعارضت بشدة قائلة:
- لا... غير ممكن، هذه الصبية لن تكون خلفا لأختها، منال مازالت تعيش بقلبي ولدي إحساس أنها مازالت على قيد الحياة، الصبية ستكون أخت منال الغائبة وليست خلفا لها.
واختنق صوتها بالبكاء وهي تردد:
لا ...لا... منال لم تمت ... لم تمت …
أما العائلة فلقد تأثرت لحالها لدرجة أنهم لم يتمكنوا من إخفاء دموعهم ...
***
ومرت حوالي ثلاثة عشر سنة عن فقد الصبية منال ... وبمرور هذه السنين ... أصبحت الفنانة أمال حسني من النجوم الكبار إلى جوار زوجها ... ولديهما بنت في حوالي العاشرة من العمر وطفل في الثامنة من العمر، وكانت ترعاهما بكثير من الاهتمام، وكان ولداها كل حياتها حيث قسمت وقتها ما بين الفن والحياة الزوجية بانتظام ... أما الجد فلم تمهله شيخوخته أن يعيش أكثر مما عاش.
***
الفنانة وقفت بالصالون حيث علقت عيناها على صورة جدها الذي يحتضن الصبية منال وقد اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول «حتى أنت رحلت وكأنك فقدت الأمل في العثور عليها وعودتها إلينا»، ثم توقفت لحظة وحدقت في الصورة جيدا وتابعت تقول في حيرة «يا إلهي أيكون احتضانه لها دليل على أنها معه...لا...لا...غير ممكن ؟».
***
بإحدى المدن الجزائرية الساحلية تقطن عائلة طارق المتكونة من أخته أسماء الملقبة بمنال، وعمرها حوالي سبعة عشر سنة، ووالديه الكبيرين في السن … وهي عائلة فلسطينية هاجرت من لبنان لما اشتدت الحرب الأهلية، لتستقر بالجزائر.
***
طارق يعمل بإحدى الشركات كمهندس ومندوب، أما منال فهي طالبة ثانوية، وتقطن العائلة بفيلا صغيرة بالقرب من البحر، منال فتاة محبوبة جدا من طرف كل الذين حولها، منال كانت فتاة مرحة جدا وتحب التنكيت وإحداث مقالب مضحكة لصديقاتها وحتى أخاها وخطيبته لم ينجوا من مقالبها الطريفة، كانت الابتسامة لا تفارق وجهها أبدا ... وعن حياتها الخاصة كانت من أشد المعجبات بالفنانة أمال حسني والفنان سامي عبد العزيز، فكانت دائمة شراء المجلات الفنية وتنزع صورهما وتلصقهما على جدار غرفتها.
***
طارق يعرف جيدا أن أخته من أشد المعجبات بالممثلات بالخصوص الفنانة أمال حسني لكن أبو طارق وأم طارق لم يأخذا بالهما من هذا الإعجاب إلا مؤخرا وذلك لأنهما لم يكونا من قراء الجرائد والمجلات حتى التلفاز نادرا ما يجلسان أمامها، ذات مرة وعلى مائدة العشاء، منال تسرع في تناول عشاءها ثم تتجه نحو التلفاز لتشغله وهي تقول:
- إنه موعد المسلسل ولقد نسيته.
كان المسلسل في البداية ... ابتسمت أم طارق وقالت:
- العشاء يا منال قد يبرد ...
وترد منال مبتسمة وهي تنظر للتلفاز:
- والله العشاء يا أمي ممكن تسخينه لكن الحلقة لا يمكن أن تعاد.
رفع طارق رأسه عن الأكل ففوجئ أن بطلة المسلسل أمال حسني، فوجه نظره نحو أبيه وأمه فكانا منهمكين في تناول عشاءهما، أما منال فقد أخذت بصحنها ورجعت إلى مكان تواجدها أمام التلفاز وقد نطقت قائلة:
- مسكينة يقال أنها فقدت ابنتها !
طارق تنبه لكلام منال جيدا، لكن الأم ترد عليها قائلة:
- أكيد ستلتقي بها في آخر الحلقة.
وردت منال:
- لا يا أمي ... أنا أتكلم عن البطلة، إنها فعلا فقدت ابنتها في الواقع وليس في المسلسل.
الكل يتنبه لكلام منال، التي أكملت تقول دون أن تتنبه لإصغاء والديها وطارق لها بكل اهتمام:
- والغريب أنها معروفة بلقب النجمة الحزينة أكثر من اسمها الحقيقي أمال حسني، والأغرب أكثر يقال أنّها فقدتها بلبنان أثناء الحرب.
في تلك اللحظات طارق صاح قائلا:
- أمي! ... أمي ما بك؟
الأم كانت تشعر بدوخة، فأخذت إلى غرفتها، فقدم لها دواءها الخاص، ونامت فخيل للجميع أنها نامت نوما عميقا، لكنها ما إن خرجوا من الغرفة حتى فتحت عيناها وقد اغرورقت بالدموع، وقالت في نفسها:
- سامحيني يا منال فأنا لا أتصور حياتي من غيرك.
منال اتجهت نحو التلفاز، شاهدت الحلقة قليلا ثم تركتها نحو طاولة العشاء وراحت تجمع الصحون ... اقترب طارق لمساعدتها لكنها تطلب منه أن تفعل ذلك لوحدها، فتركها وخرج ليلتحق بمجالسة أبيه بالجنينة على ضوء القمر...
قال طارق لأبيه:
- أنا شخصيا لما اكتشفت أنها من أشد المعجبات بأمال حسني وسامي عبد العزيز كدت لا أصدق.
ورد أبو طارق:
- قصدك أمها أمال حسني وأباها سامي عبد العزيز، الأسماء نفسها التي رددتها يوم أحضرها ذلك الغريب
ورد طارق:
- في الحقيقة احتمال كبير جدا أنها ابنتهما المفقودة، لكن من الصعب علينا أن نبادر في التحقق من ذلك دون علم أمي.
في تلك اللحظات تظهر منال حاملة بصينية الشاي فيطلب طارق من أبيه أن يغلق الموضوع لاقترابها منهما، تركت الصينية على الطاولة ودون أن تعبأ استمرت في كب الشاي بالفنجان فأوقفها طارق وقد أدرك دموعها مما قال يكلم نفسه بصمت «معقول تكون سمعت حوارنا» لكن رد منال أزال اندهاشه وتساؤله لما قالت:
- أنا قلقة، قلقة جدا لحال أمي فالدواء لم يعد ينفع لقلبها الرهيف.
ونطق أبو طارق مبتسما ومطمئنا:
- اطمئني يا ابنتي كلها كم يوم وتسافر إلى الخارج لتعالج.
ويتابع طارق كلام أبيه:
- ليلى باعتبارها ممرضة بالمستشفى، لقد عملت الواجب في استكمال الأوراق وإن شاء الله بعد أسبوع على الأكثر ستكون الأوراق الطبية جاهزة.
وغادرتهما قائلة:
- سأذهب لأطمئن عليها.
بعدها قال أبو طارق:
- ثلاثة عشر سنة مرت ... مسكينة أم طارق متعلقة جدا بمنال.
ويرد طارق:
- كيف لا … وقد شاء القدر أن تعوضنا أختي سناء التي اختطفتها الحرب من أمام أعيننا، واليوم إما أن ننسى موضوع منال، أو نفقد الوالدة خصوصا وأنّها مريضة بالقلب.
***
في الصباح تنهض منال بسرعة من سريرها، بعد أن لاحظت الساعة اتجهت إلى الحمام وثم إلى المطبخ ففوجئت بأمها تحضر قهوة الصباح ... الأم استقبلتها بوجه بشوش، فحين قالت منال بصوت اللائم:
- ما هذا يا أمي المفروض تكوني مرتاحة بسريرك.
ردت الأم:
- معقول أبقى في السرير لمجرد تعب بسيط تعودت عليه، ثم أنا الآن والحمد لله بصحة جيدة وكلها دقائق وتكون القهوة جاهزة ريثما ترتدي ثيابك وتحضرين محفظتك.
ابتسمت منال وقالت:
- مهما حاولت أن أنهض الأولى فلن أفلح أمامك.
ثم عانقت أمها في حرارة وإذا بها تكتشف وهي تنسحب من حضنها دموعها فنطقت قائلة بصوت حزين:
- أمي ! ...
وكان رد الأم وهي تحاول إخفاء حقيقة دموعها:
- تذكرت الأيام التي سأقضيها بالمستشفى بفرنسا بعيدة عنكم، ولما تنهضي بالصباح لن تجدي بالمطبخ من يحضر لك القهوة، فأنا لا أريد ...
قاطعتها منال قائلة:
- لا يا أمي....في الأول كانت حجتك حتى لا تسافري هو عدم تحملك السفر بالطائرة والآن ماذا حجتك؟ ... يجب أن تطمئني كل الاطمئنان.
***
بعد مغادرة طارق بصحبة منال المنزل ...أبو طارق يترك المرشة ويدخل إلى الصالون وهو ينادي على أم طارق ولما لم يسمع لها حس ذهب إلى الغرفة فلم يجدها، فوجدها بغرفة منال ماسكة بين يديها ألبسة منال وهي طفلة ودموعها على خديها، فاقترب منها وجلس إلى جوارها فقالت بصوت حزين:
- خلاص حان الآن لتعرف منال حقيقتها.
قال أبو طارق:
- إذا كانت هذه هي رغبتك فعلا فقبل أن تعرف منال الحقيقة يجب الاتصال بالفنانين والتحقق من ذلك منهما الأول، لأن طارق قال حسب ما قرأه بالمجلات والصحف، البعض يقول خطفت والبعض يقول فقدت في حرب لبنان، والبعض الآخر في حادثة ..!
وردت الأم:
- قلبي يحدثني أن منال هي منال ابنتهما ويجب أن تتصلا بهذين الفنانين.
وقبل خروج أبو طارق من الغرفة وهو يفتح الباب أوقفه صوت أم طارق:
- لا... أرجوك لا تفعلا ذلك الآن ... إلا بعد ...
وتوقفت وقد اغرورقت عيناها بالدموع وقد فهم أبو طارق ما تريد أن تقوله كما أنه قدر شعورها في تلك اللحظات، ابتسم ابتسامة حزينة وهز رأسه بالإيجاب، ثم خرج تاركا أم طارق تبكي وهي تكلم نفسها «سامحيني ... سامحيني ... وسامحني يا رب....أشعر أنني غير قادرة على المعيشة من غيرها». وقف أبو طارق أمام الباب لحظات قبل أن يغادرها وقد أدرك أن غرفة منال كانت تحتوي على صور الفنانين خصوصا أمال حسني وسامي عبد العزيز كما تذكر يوم قال له طارق «لو دققت النظر إلى الصور المعلقة على جدران غرفتها لاكتشفت إعجابها الشديد خصوصا بالفنانة أمال حسني...» .
***
يتوقف طارق بسيارته أمام إحدى العمارات ثم استعمل المنبه الصوتي، بعد لحظات تخرج من العمارة شابة كلها حيوية وهي في حوالي الخامسة والعشرين من عمرها وما إن ركبت حتى سألت عن منال، لكن طارق قبل أن يرد عليها قال بصوت اللائم:
- ألقي التحية واسألي عن حالنا ثم منال.
في تلك اللحظات تظهر منال التي كانت مختفية بالمقاعد الخلفية قائلة:
- معقول، تصل بك الغيرة إلى هذه الدرجة.
يضحك الجميع ... وبعدها سلمت منال على ليلى خطيبة أخيها، تصل السيارة إلى حيث مدرسة منال، وما إن توقفت السيارة، منال لم تنزل بل قالت بصوت ممازحة:
- هل يعقل أن أفتح الباب لوحدي وبالسيارة سائقين أحدهما احتياطي.
ابتسم طارق وليلى، ثم نزل طارق وفتح الباب بكل احترام لنزول منال، هذه الأخيرة تنزل كما تنزل الشخصيات المهمة، وما إن أبصرتها صديقاتها حتى اتجهن نحو ها وكلهن سعادة بوصولها.
***
في يوم العطلة الأسبوعي، وفي الصباح حضرت ليلى، فوجدت أبو طارق بالجنينة بصحبة أم طارق ولما سألت عن منال وطارق علمت منهما مازالا نائمين، فقالت أم طارق:
- يا لله اذهبي لقد تعبت معهما.
قالت ليلى:
- طيب ... معقول مازالا نائمين والساعة تشير إلى العاشرة
ذهبت أولا إلى غرفة طارق، ففتحت المذياع بصوت مرتفع بعد أن فتحت النافذة، فما كان على طارق إلا أن يتخلى عن نومه العميق اللذيذ، ثم تركته واتجهت إلى غرفة منال، وراحت توقظها....ولكن منال قالت لها:
- أرجوك كلها نصف ساعة وأنهض.
ليلى لم تتوقف عن نزع الأغطية عن منال، وتنطق منال وهي ترجوها قائلة:
- إنني أحلم بحلم جميل...أرجوك لقد اقتربت من نهايته.
فردت عليها ليلى:
- إذن ستكون نهايته على يدي.
وهي تتجه نحو قارورة الماء حتى صاحت منال وهي تنهض:
- خلاص ... وحياتك أيها العقيد.
***
وقبل خروجهم من الجنينة باتجاه السيارة قالت منال:
- أرجوكم أعفوني من هذه الجولة، فأنا أريد أن أقضي يومي مع أمي حبيبتي.
وراحت تعانق أمها، لكن الأم تسحبها من حضنها بكل رفق قائلة:
- لا...يجب أن تذهبي... أكيد ليلى ستغضب لو لم تذهبي.
وردت ليلى:
- فعلا، ولن أكلمك أبدا.
ردت منال:
- خلاص ... أمري لله ... على كل كلها كم شهر ويتم زفافكما وأتخلص منكما.
وقبل أن تجري ليلى لتقبض عليها، منال قد أسرعت للخروج وركوب السيارة...
***
ذات مرة حضر طارق مجلس الأولياء بالثانوية، جميع الأساتذة شكروا أخلاقها واجتهادها إلا أستاذ العربية الذي اشتكى من بعض تصرفاتها أثناء حصته، فهي في رأيه كثيرة المقالب لصديقاتها... خرج طارق وكانت منال وليلى بانتظاره بالسيارة... وما إن ركب حتى قال لمنال:
- أرجوك يا منال خففي قليلا عن الأستاذ شعبان.
وردت عليه منال وهي تضحك باندهاش:
- معقول ... أستاذي المفضل يشتكي مني.
تبادلت ليلى وطارق نظرات مفهومة في حين نطقت ليلى:
- آه ... منك.
***
وانطلقت السيارة نحو إحدى النوادي الرياضية ... بعد أن قضت منال بعض الوقت في لعب التنس مع أخيها... بعدها استعجلتهما بالعودة في الحال إلى المنزل، حيث لها امتحان في الإنجليزية لليوم الموالي وعليها بالمذاكرة، لكن ليلى التي كانت جالسة تلومها قائلة:
- معقول لعبت مع طارق ولما جاء دوري تذهبين
وردت منال:
- والله صدقيني لدي امتحان الإنجليزية، ثم اطمئني سأتركك تلعبين مع طارق وفي الوقت نفسه يجب أن تنتصري عليه حتى تأخذين بثأري ...
وغادرت منال النادي رغم اصرارهما على توصيلها.
***
في اليوم الموالي، وبالقسم الذي تدرس به كانت التلميذة التي تنهي امتحانها تخرج


هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس