عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-11, 01:19 AM   #3

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها


الجزء 3:

إلى الساحة، منال ما إن خرجت حتى اتجهت نحوها صديقاتها يتحاورن في الإجابات الصحيحة، بعدها تطلب منها صديقتها سعاد أن تخرج لشراء بعض الحلويات، وكان رد منال:
- كيف يمكنني الخروج والواقفة أمام الباب زليخة وليس المسكين عبد القادر.
وردت عليها سعاد:
- أعرف أن الواقفة أمام الباب الملعونة زليخة، لكن هذا لا يمنع أن تحاول معها، أرجوك معدتي فارغة وأنا لم أشرب قهوة الصباح.
ويرق قلب منال لإلحاح سعاد وقالت:
- على كل سأحاول معها، وإن نجحت فأنا أيضا...
وتقاطعها سعاد بسرعة:
- طبعا من حقك، المهم يا لله أسرعي الآن قبل أن يدق جرس الاستراحة ويلتف حولها الطلبة وبالتالي سترفض الجميع.
ودفعتها بعد ذلك بيدها لتذهب بسرعة، فحين نطقت إحدى الصديقات:
- ولا تنسي يا منال حقنا نحن أيضا.
وترد سعاد محتجة قائلة:
- لا يا منال ...أرجوك أنا بحاجة إلى الباقي...
اقتربت منال من الحارسة زليخة، وهي امرأة تجاوزت الأربعين من العمر، طلبت منها الخروج لكنها رفضت، منال تحاول معها قائلة:
- أرجوك لودخلت من غير دفتر فإنها ستطردني.
وردت الحارسة:
- وأنت لماذا نسيت شراء الدفتر؟
وردت منال:
- بالعكس أنا اشتريت الدفتر لكن ...
وردت الحارسة مقاطعة إياها:
- إذا ما دام اشتريت الدفتر فلماذا الخروج؟
وتدرك جيدا منال أن الحارسة زليخة لا تفهم بسرعة، فتنهدت بعمق قائلة:
- أنا فعلا اشتريته لكن تركته بالمنزل وأنا أسكن بعيدا عن المدرسة...
وتنطق الحارسة زليخة بصوت الخائف المتردد:
- أنت تعرفين خروجك في هذا الوقت ممنوع ولو عرف واحد من الإدارة خصوصا المدير سيرفضني ويطردني للأبد.
وترد منال عليها:
- لا اطمئني، بل وتأكدي أنك لن تطردي ولن ترفض.
ثم غمغمت وتابعت:
- يا رب ...
وترد زوليخة بغضب:
- ماذا تقولين؟
- قلت يا رب ... لن تطرد.
وترد زوليخة بصوت وبلهجة براءة المرأة الريفية:
- وكيف أنت متأكدة؟
وكادت تنفجر منال ضحكا لكنها تماسكت وردت:
- لسبب بسيط وهو أنني لن أتأخر أكثر من دقيقة.
وبعد تردد وخوف تسمح لها بالخروج بعد أن طلبت منها العودة بسرعة ... وكانت منال عند وعدها للحارسة إذ عادت بسرعة، فكانت في انتظارها ببوابة الساحة سعاد وثلاث صديقات وما إن اقتربت منهن ... قدمت قطعة من الحلوى لسعاد، هذه الأخيرة ما إن تسلمت قطعة الحلوى حتى مدت يدها الثانية فنطقت منال:
- ماذا تريدين ؟!
وردت سعاد:
- بقية الحساب طبعا.
وترد منال بنوع من التردد والابتسامة:
- آه طبعا سأرد لك البقية لكن ليس قبل أن نتحاسب ...
ونظرت إلى الصديقات وتابعت تقول:
- طبعا أنتن شهود علينا.
أولا... كان يجب أن أجد حجة الخروج لأقنع الحارسة زليخة ... فكان هذا الدفتر وثمنه معروف لديك.
ثم سلمته لسعاد وتابعت:
- ثانيا ولأنني وافقت على طلبك فمن حقي قطعة حلوى.
وأخرجت من جيب السروال الأيمن قطعة حلوى ملفوفة في ورقة وتابعت تقول:
- أظن أنّ هذا من حقي!
وردت سعاد وحتى الصديقات بالإيجاب...ثم تابعت منال بصوت هادئ:
- ولأنني أقنعت الحارسة زليخة...فمن حقي قطعة حلوى ثانية.
وأخرجت القطعة الثانية من الجيب الأيمن للمأزر وتابعت تقول:
- ولأن قطعة واحدة تكفيني فأفضل أن أعطيها لنورة.
وسلمتها للصديقة نورة والكل كان يبتسم إلا سعاد التي كانت تنتظر نهاية الحساب بفارغ الصبر بينما تابعت منال:
- ولأنني جازفت وخرجت فمن حقي ...
وقبل أن تكمل تقاطعها سعاد قائلة:
- آه...منك.
وما إن رفعت يدها لتصوبها على ظهر منال حتى أسرعت هذه الأخيرة بالهروب من أمام سعاد والتحقت بها بقية الصديقات...فراحت منال تسلمهن كل واحدة قطعة حلوى وهن يضحكن على خيبة وخسارة سعاد....يدق الجرس فيهرع الطلبة صفوفا صفوفا ... فاصطفت بعض الصفوف مباشرة أمام الأقسام أما البعض الآخر حيث أقسامهم في الطوابق العليا فأخذن صفوفهم أمام أرقام أقسامهم بالساحة، ويحضر الأستاذ شعبان وكعادته من غير مئزر ولا حتى كتابا بيده، يسمح للطلبة بالدخول ... وأثناء دخول دور الطالبة منال قال لها:
- سناء من فضلك أحضري لنا الممسحة والطباشير.
ردت سناء:
- حاضر يا أستاذ ... لكن من فضلك اسمي منال...منال.
ضحك الأستاذ شعبان والطلبة من إصرارها الدائم على اسم منال.
منال وهي تمسح السبورة، كان الأستاذ أمام إحدى الطالبات ينظر إلى دفترها ثم نطق قائلا:
- إذن اليوم لنا لقاء مع بحث المجموعة الثالثة.
في تلك اللحظات منال أنهت مسح السبورة، في حين أحد الحراس يظهر أمام الباب وبسرعة وقلق ينادي على الأستاذ شعبان، وما إن أخبره بأن المفتش موجود بالمؤسسة حتى تغير لون وجهه، بعدها غادره الحارس بسرعة، الأستاذ يتقدم إلى داخل القسم بخطوات متعثرة ولأن القسم لم يكن هادئا حيث الطلبة كن تتبادلن الأحاديث والضحكات فإذا به ينطق بسرعة وقلق:
- يا للا اجلسن من فضلكن.
فأدرك نفسه فاسترجع هدوءه وقال:
- من فضلكن أسكتن وكن مؤدبين لأن فيه احتمال زيارة المفتش لنا...والآن يا لله أصحاب البحث يصعدن إلى السبورة ... في تلك اللحظات طلبة البحث تتبادلن نظرات كلها تردد واندهاش بعدها تنطق رئيسة الفوج في تردد وخوف:
- أستاذ ... مع الأسف لقد نسيت البحث في المنزل.
الأستاذ شعبان ما إن سمع ذلك الرد حتى ضرب كفا بكف وقال:
- غير ممكن، ماذا سنقدم للمفتش إذا حضر؟
وفي غمرة الجد نطقت سعاد وهي تبتسم:
- ما رأيك يا أستاذ لو نقوم بإزعاج المفتش عند حضوره؟
ويرد عليها الأستاذ بسرعة محذرا:
- لا يا سعاد حذار من ألاعيبكم.
ثم حول نظره جهة منال وتابع يقول:
- خصوصا ألاعيبك أنت يا ... يا منال ...
في تلك اللحظات رجع ذلك الحارس وقدم للأستاذ المئزر وملفا.
راح الأستاذ يرتدي المئزر بسرعة ويقلب الملف الحاوي لكتاب وبعض الأوراق، وفي الأخير نطق مكلما نفسه بصوت خافت: «يا إله ولا مذكرة درس جديد، كلها مذكرات بحوث ودروس سابقة»، بعدها حول نظره نحو الطلبة وقال:
- طيب...ألا يوجد فوج آخر جاهزا ببحثه؟
عم السكوت ولم يرفع أصبع، بينما منال راح خيالها إلى الماضي وتذكرت يوم قرر أخوها طارق أن يتخلى عن التدريس نظرا مما عاناه من طرف بعض المفتشين ونقل قراره ذلك بعد أن اجتمع مع عائلته ... حيث ردت عليه منال قائلة:
- معقول تترك مهنة التعليم بعد سنتين وأنت الذي أحببتها واخترتها.
ويكون رد طارق:
- فعلا، لكن تعبت من تصرفات بعض المفتشين، البعض منهم إذا حضر يهتم بالدرس ويناقش عيوبه إن وجدت والبعض الآخر يهتم بالأوراق فقط، ولا يهمه متابعة الدرس، بل قد يمنحك عقاب لمجرد لم يجد ورقة ما مع أن الدرس قد يمر بامتياز.
تعود منال من الخيال إلى الواقع...ونطقت بأعلى صوتها وبسرعة:
- أستاذ ... أستاذ ... نحن جاهزون ببحثنا.
لحظتها تستغرب الطلبة المنتمين إلى فوجها، ونطقت واحدة منهن:
- لكن نحن لم ننه العنصر الأخير.
ويكون رد منال:
- العنصر الأخير هو عبارة عن إبداء رأينا فقط، ولا أظن أن إبداء رأينا كتابيا سيختلف لو قلناه شفويا.
وكان لكلام منال صدى وتأثيرا على نفسية الأستاذ حيث نطق قائلا:
- هيا .. تفضلن.
وما إن صعدوا إلى السبورة حتى كان حضور المدير بصحبة المفتش، فيقترب الأستاذ منهما، فبعد التحية يترك المدير المفتش مع الأستاذ، وبعد تحية كلها احترام من طرف الطلبة، المفتش يأخذ مكانه خلف الصفوف، الطالبة منال بصفتها رئيسة الفوج تقوم بتقديم مقدمة البحث وهي واقفة، بعدها تترك الفرصة للطالبة التي أمام السبورة لتسجيل عناصر البحث، في تلك اللحظات المفتش يمر على بعض الصفوف فيأخذ بعض الدفاتر ليصححها.
جلس المفتش ليصحح الدفاتر، بينما بدأ فوج البحث المكون من الطالبة منال وثلاث صديقات... اثنين منهما جالستان بالمكتب وأمامهما أوراق البحث الثالثة بالسبورة ومعها منال التي تشرف على إدارة البحث، ونظرا لذكاء منال وقدرتها على إثراء البحث بالمناقشة حيث استطاعت أن تجذب انتباه المفتش الذي حول اهتمامه من الأوراق إلى الدرس المعروض من طرف الطلبة ...فكانت هي وزميلاتها بعد قراءة كل عنصر تتلقى سيلا من أسئلة الطلبة وإذا لم يكن هناك أي سؤال كان السؤال يأتيها من الأستاذ أو تبادر هي بطرحه لمعرفة مدى استيعاب الطلبة للبحث، وفي الأخير يقوم المفتش من مكانه ويبادر هو ببعض الأسئلة كاد يعجز بها طلبة البحث لولا ذكاء منال، ومع نهاية البحث يوجه المفتش سؤاله إلى الطالبة منال قائلا:
- من دربك على إلقاء البحث بهذه الطريقة الرائعة ؟
وردت عليه بكل احترام:
- أستاذنا ... الأستاذ شعبان.
وبعد أن شكرها وشكر كل الفوج ثم قال لكل الطلبة:
- إنكم قسم ممتاز فتابعوا اجتهادكم على هذا المنوال.
وقبل أن يخرج ذكر الأستاذ شعبان باللحاق به بمكتب المدير.
وبعد خروج الطلبة بنظام، يتجه الأستاذ نحو مكتب المدير، فلم يطل عنده كثيرا وخرج حيث كان في استقباله بعض زملائه من الأساتذة المتلهفين على نتيجة الجلسة فبادرهم بالقول:
- تصوروا ... لم يطلب مني ولا ورقة ... وأنا الذي كنت خائفا أن يطلب كل الملف...لأول مرة المفتش يحيد عن القاعدة، وكل هذا البركة في الطالبة منال وصديقاتها...آه لو رأيتموها وهي تناقش موضوع البحث وإدارته، ولا أستاذ خبرة عشر سنين.
***
بمنزل منال ... وبالضبط في قاعة الجلوس، جلست ليلى وطارق بالقرب من بعض يرسمان بعضا من أحلام البيت الزوجي ... أما أبو طارق وأم طارق في الحديقة، في تلك اللحظات حضرت منال...سلمت على والديها...وما إن دخلت قاعة الجلوس وأبصرها طارق حتى قال:
- إنه ليس موعدك ... فكيف عدت باكرا ... قبل أن نمر عليك ؟!
وكان ردها:
- أستاذ الفيزياء غائب.
وراحت عيناها إلى المجلة الموضوعة على الطاولة وقبل أن تمسك بها مدت ليلى يدها وأخذتها وهي تقول:
- إذا أردت المجلة فعليك أن تعديني بخروجك معنا غدا.
لم يكن أمام منال سوى أن تعد ليلى حتى تفوز بالمجلة التي كانت متلهفة عليها، وما إن استلمتها حتى راحت تقلبها بسرعة وما إن وصلت إلى صفحتها المختارة حتى نطقت في حسرة:
- معقول للمرة الثامنة أخسر المسابقة.
وتنطق ليلى في اندهاش:
- للمرة الثامنة !...ولك كل هذا الصبر.
ومسكت منال القلم وجلست وهي تقول:
- وراءك ورائك والزمن قصير إن شاء الله...يا مسابقة.
***
بعد أيام...ليلى تتصل من المستشفى بطارق لتبلغه بأن الأوراق الطبية أصبحت جاهزة وما عليه إلا الحجز في أول باخرة ...
***
في منزل أبو طارق، وبالضبط في الصالون... أبو طارق وطارق وليلى وأمامهم حقيبة السفر، بعد لحظات تظهر السيدة أم طارق تنزل من الطابق العلوي بخطوات بطيئة وما إن وصلت آخر السلم وأبصرت عدم وجود منال، سألت عنها، ظهرت منال في أعلى السلم وقد مسحت دموعها وهي تحاول أن تصطنع الابتسامة، وما إن اقتربت من أمها وتبادلا نظرات كلها حب وحنان، الأم تكتشف دموع منال فتنطق وهي تمد يدها بكل حنان لتمسح لها دمعة نزلت رغما عنها:
- إذا كنت غير راضية على سفري فإني لن أذهب؟
وترد منال بسرعة:
- لا أرجوك، أعذريني فدموعي هذه تنزل رغما عني، طبعا ليس لأنك ذاهبة من أجل العملية، فالعملية أكيد ستنجح لكن أنا حزينة لأنها لأول مرة سنفترق عن بعض.
تغرورق عيون الأم بالدموع وتحضنها بحرارة وهي تقول:
- لولا الدراسة يا حبيبتي لأخذتك معي .
***
وصلت سيارة الإسعاف وسيارة طارق إلى الميناء ... بعد أن سلمت الأم على ليلى ثم منال وبعدها أبو طارق الذي أوصته بمنال، وهي تقترب من الجمارك بصحبة طارق والممرضة حتى توقفت واستدارت نحو منال، هذه الأخيرة لم تتمالك نفسها فذهبت تجري نحوها لتعانقها بحرارة وهي تقول:
- أرجوك لا تتأخري عني.
تحاول الأم أن تبتسم وهي تقول:
- إن شاء الله لن أتأخر أكثر من أيام العملية ... لكن لم تقولي لي ماذا أحضر لك معي من فرنسا؟
مسكت منال يد أمها بحنان وقالت:
- وصيتي لك من فرنسا أن تعتني كثيرا بأم طارق وأن تعودي إلي بالسلامة.
وترد الأم على منال بابتسامة كلها حب وحنان وهي تبتعد عنها بصعوبة، فسحبت يديها من يدي منال بكل رقة، نطقت منال:
- سأنتظرك ... سأنتظرك...


وهزت الأم رأسها بابتسامة حزينة وهي تصل إلى المنطقة الجمركية بصحبة طارق والممرضة.
وعلى متن الباخرة التي بدأت تتحرك وقف جمع من المسافرين من بينهم طارق وأمه وكانا يلوحان بالأيدي جهة ليلى ومنال وأبو طارق.
***
بمرسيليا ... كانت سيارة الإسعاف بانتظارهم ... ما إن وصلوا إلى المستشفى، ترك طارق أمه مع الممرضة وذهب ليحجز بأحد الفنادق، وبعد عودته كانت التحاليل والأشعة الطبية قد أجريت لوالدته وتقابل مع الدكتور الذي سيشرف على العملية الجراحية التي ستجرى لها...
وما إن حدد موعد إجراء العملية الجراحية، حضر طارق وأعلمها بذلك فدمعت عيناها وهي تحمل صورة منال وتضمها بكل قوة ... وقبل أن يغادرها طارق طلبت منه أن يحضر معه مساء ذلك اليوم جهاز تسجيل وشريط فارغ، قبل موعد العملية بأربع ساعات طارق حضر وبيده الجهاز فتركه على أقرب طاولة لسرير والدته ثم قام بتعديله وقبل خروجه قال لها:
- كنت أفضل ذلك من الأحسن بعد العملية، بل وبعد عودتنا إلى مدينتنا.
وكان رد الأم وعيناها تكاد تغرورق بالدموع:
- ذهابي إلى حجرة العمليات معناه ذهابي إلى ...
ويقترب منها طارق بسرعة مقاطعا إياها:
- لا .. أرجوك لا تنطقي بها...إن شاء الله تقومين بالسلامة.
وما إن خرج وتركها لوحدها حتى ضغطت على زر المسجل ... ثم مسكت بصورة منال وبدأت حديثها ... «منال حبيبتي... أرجوك اسمعي هذا الشريط من أوله إلى أخره لأن الكلام الذي سأقوله لك يهمك» …


***
بعد العملية الجراحية وبعد مرور أربعة وعشرين ساعة طمأن الأطباء طارق عن حالتها وطلبوا منه أن تبقى بعض الوقت تحت الرعاية الطبية حتى تنتهي فترة النقاهة.
***
وبعد يومين من العملية، طارق كان بجوار والدته وما إن فتحت عيناها حتى
ذهب ليزيح ستار النافذة وهو يقول:
- الحمد لله ... كل الأطباء أكدوا لي أن حالتك تمام التمام.
ثم أخرج من جيبه الشريط وأكمل قائلا:
- خلاص كلها شهر بالكثير ونعود مع بعض ويومها أكيد لن تكوني بحاجة إلى هذا الشريط.
وردت الأم قائلة بصوت حزين:
- فعلا...لقد حان الوقت لأحكي لمنال كل شيء.
بعدها حولت نظرها نحو الشريط الذي وضعه طارق على الطاولة وقالت:
- أرجوك يا طارق احتفظ بالشريط معك، لأنه محتمل أن تخونني الشجاعة في مصارحتها.
ولأن فترة النقاهة ستطول طلبت أم طارق من طارق أن يعود إلى عمله ... طارق يحاول أن يقنع أمه قائلا:
- اطمئني فغيابي لن يؤثر على وظيفتي.
وكان رد الأم:
- أعرف أن رئيس الشركة يحبك ولا يؤخر لك طلبا وأعرف أنه هوالذي أوصلك إلى هذا المنصب بجواره، نظرا لتفانيك في العمل بكل وفاء وإخلاص، لكن الذي يجب أن تعرفه يا ابني أن لا تتأخر عن عملك أكثر من اللازم حتى لا يظن العمال أنك استغليت طيبة وحب رئيس الشركة لك ثم إنّ الممرضة معي، فلا داعي للقلق.
***
ولم يكن أمام طارق سوى العودة بالطائرة. وبعد شهر كان موعد عودة الأم على متن الباخرة بصحبة الممرضة أمام الميناء ... كان جمع من المنتظرين لمسافريهم على تلك الباخرة ... تمر ساعة عن الموعد المحدد...في الأول ظن المنتظرون أن التأخر عاديا وروتينيا... ولكن بعد أن بدأت الساعات تتعاقب الواحدة تلو الأخرى ازداد قلق المنتظرين وكانت المفاجأة أقوى وأكبر لما علموا عن طريق برج المراقبة أن الباخرة قد غرقت.
***
بعد حوالي أسبوع من البحث عن غرق الباخرة التي كانت تحمل على متنها ألف شخص ... لم يتم العثور سوى على ستة مائة جثة ... وكانت أم طارق واحدة من بين المفقودين، أبو طارق وطارق حاولا بقدر الإمكان أن يبدوا أقوى من الصدمة من أجل منال التي استدعت حالتها إحضار الطبيب، فهي لم تعد تأكل ولا تشرب، فكانت دائما تائهة بعيون حزينة، الطبيب يؤكد لهم بضرورة وقوفهم بقربها وأن لا تترك وحيدة حتى لا تفكر في الصدمة باستمرار خصوصا أنها لحد الآن ليست مصدقة أنها فقدت أمها للأبد، فهي لم تذرف ولا دمعة وهذا ما أخاف طارق وأبيه، كانت أكثر أوقاتها تقضيها بجانب البحر الذي لا يبعد كثيرا عن المنزل، تذهب إلى البحر وتجلس على الشاطئ تائهة بعيون حزينة منتظرة أمها.
***
ليلى أخذت عطلة لكي تقسم وقتها في النهار بين منزل عائلتها ومنال، أما بالليل فطارق كان يتناوب هو وأبوه علي البقاء بجانب منال حتى تنام فيغادر الغرفة، ذات مرة طارق وهو جالس على الأريكة بغرفة منال، التي كانت مستلقية على سريرها...لم تكن قد نامت بعد فعيونها كانت ملتصقتان بالنافذة، طارق أخذه النوم لبضع دقائق، منال تدرك من خلال النافذة شبح أمها يطلب إنقاذها، فنهضت بهدوء وخرجت... طارق وهو يتصارع مع النوم فوجئ بسرير منال فارغا...فنهض كالمذعور ليفتش عنها خارج الغرفة، ذهب إلى غرفة أبيه الذي كان يؤدي صلاة العشاء...فنزل معه إلى الطابق السفلي بحثا عنها ... فقال الأب وهو يبتلع ريقه:
- أتكون ذهبت في عز الليل إلى ...
ولم يترك طارق أباه يكمل كلامه وصوب نظره إلى الباب الذي اكتشف أنه مفتوحا، ثم خرج يجري بسرعة نحو البحر.
وما إن وصل إلى الشاطئ وأبصر مكان وجودها...حتى راح يقترب منها بهدوء...ثم ركع أمامها حيث كانت جالسة...ومد يده لها بكل حنان، فقامت ورجعت معه إلى البيت بكل هدوء وصمت.
***
في الصباح أحضر الدكتور وأعلمه بأنّها لا تنام إلا قليلا وقليلا جدا. الدكتور وهو يغادرهم، قدم لطارق وصفة طبية بعد أن طمأنهما أن الدواء الذي سيشتريه لها سيكون له مفعول لا بأس به وسيساعدها على النوم، طارق لما وصل إلى الشركة ذهب إلى مكتب المدير ليطلب منه السماح له بالغياب لمدة ساعة لإحضار الدواء لأخته، المدير يسأل طارق عن حال منال، وما إن أخبر طارق المدير عن خروجها صوب البحر بالليل...فاقترح عليه المدير بتغيير الإقامة بعيدا عن البحر، وكان رد طارق بكل احترام ولباقة:
- ...لا...شكرا...فأنا لا أريد أن أتعبك أكثر من اللازم فيكفي أنك تسمح لي بالخروج في أي وقت.
المدير يقوم من مكتبه ويقترب من طارق قائلا:
- لا يا طارق أنت تعرف جيدا أنك يدي اليمنى ويهمني راحتك وراحة عائلتك...فهناك شقة وفيلا مازالتا شاغرتان ويمكنك تغيير الجو لمنال بإحداهما، فهما بعيدتان عن البحر، أو على الأقل تبعدونها عن البحر لبضع شهور.
للمرة الثانية يبدي طارق تشكراته للمدير ويفهمه أن منال ليست بحاجة إلى ذلك، لاعتقادها أنها قريبة من المرحومة وفي الوقت نفسه يمكن مع مرور الأيام تتأكد أن البحر أخذ المرحومة للأبد.
***
غادر طارق الشركة، وذهب إلى أقرب صيدلية لإحضار الدواء، بعدها مر على ليلى بمنزلها، وفي طريقهما أبصرت ليلى أن الدواء به بعض الأدوية غير ضرورية حيث نزعتها وهي تقول:
- إنه دواء مهدئ، صحيح سيساعدها على النوم لكن ممكن تتعود عليه فتصبح مدمنة.
ويرد طارق:
- لكن منال بحاجة إليه، عطلة الشتاء لم يبق على نهايتها سوى يومان، وعدم نومها سيؤثر على حالتها النفسية أكثر فأكثر ثم على دراستها
وترد عليه ليلى:
- لا... لن أتركها لهذه الأدوية سأضاعف من وجودي معها، سأقضي الليل معها.
ويقاطعها طارق:
- لا...لا يا ليلى يكفي أنك أخذت عطلة من أجلها، يكفي النهار الذي تقضينه معنا، ثم لا تنسي كلام الناس
وردت عليه:
- وهل كلام الناس أهم من صحة منال.
ورد طارق بسرعة:
- طبعا صحة منال هي الأهم، لكن سمعتك هي الأخرى مهمة وأنا أرى إن كنت مصرة على أن تمضي الليل معها فمن الأحسن أخذها معك لبعض الأيام.
- طبعا إنها فكرة رائعة، بل يسعدني ذلك جدا جدا فأنت لا تتصور معزة منال عندي.
ابتسم طارق وقال:
- وأنا لا أشك في ذلك.
***
اصطحبت ليلى معها منال، ورغم أن ليلى كانت تحاول بقدر الإمكان رسم الابتسامة على وجه منال، إلا أن منال كانت قليلة الكلام وتفضل دائما البقاء بالغرفة لوحدها بين الدفاتر وأفكارها التائهة، طارق وليلى لم يتخليا عن عادتهما فكانا يمران على المدرسة في أوقات خروج منال رغم علمهما المسبق أنها لم تعد تركب معهما، منال تخرج من المدرسة بخطوات بطيئة دون أن تلقى بنظرها كما في السابق على مكان وقوف سيارة طارق، طارق وليلى وهما بالسيارة يتأملانها وهي تسير لوحدها ... نطق طارق:
- هل تتذكرين أول شيء كانت تفعله لما تخرج من المدرسة؟
وراح تفكير ليلى إلى الماضي، يوم كانت تخرج منال بصحبه مجموعة من زميلاتها وهي في كامل سعادتها ومرحها فبعد أن تتركهن، ولما تقترب من السيارة، تنظر إليهما ثم تبتسم وتتابع طريقها، طارق يقلع بالسيارة ليقترب منها قائلا:
- من فضلك يا آنسة نحن غرباء عن المدينة ممكن مساعدتنا في البحث عن عنوان مقصدنا.
وترد عليه منال:
- وإلى أين مقصدكما ؟!
وينطق طارق:
- شارع أحمد عرابي نادي الجنينة.
تبتسم منال وهي تقول:
- ممكن ... وأمري لله.
وتنطق ليلى:
- إذن تفضلي لتركبي.
وانطلقت السيارة وهم في كامل السعادة ... تعود ليلى من الخيال والماضي السعيد إلى الواقع الحزين، وقد اغرورقت عيناها بالدموع وقالت:
- لم أكن أتصور أنه سيأتي يوم وتحرمنا فيه من ابتسامتها الدائمة ومزاحها.
تقلع السيارة باتجاه النادي الذي كانوا يقصدونه بصحبة منال... جلسا بإحدى الطاولات المقابلة لملعب التنس ... طارق يلقي بنظره نحو ملعب التنس فتذكر منال، ذات مرة وهما في نفس النادي وعلى نفس الطاولة...تمر فترة على لعب منال...تركت الملعب واقتربت من طاولتهما، كان كأسها فارغا وكأسيهما مازال مملوءين مدت يدها وشربت ما تبقى في الكأسين ... وينطق طارق ضاحكا:
- متى يأتي اليوم الذي نغادر الطاولة تاركين الكؤوس بها بعض الشيء؟
وترد عليه منال:
- يوم ندخل النادي ويحضر النادل المشروب ويقول لنا بالهناء والشفاء المشروبات مجانا...
تضحك ليلى وتقول:
- فعلا يا منال ما تقولينه صحيح.
يعود طارق من الخيال إلى الواقع على صوت ليلى التي قالت:
- أنا في أشد الشوق إلى ابتسامة منال...إلى مزاحها وإلى نكتها... إلى ضحكتها.
ويرد عليها طارق:
- كلنا بشوق إليها رغم وجودها بيننا.
ثم تنهد بعمق وتابع يقول:
- أمي رحلت وأخذت معها ابتسامة منال...حتى حسها بالبيت والمدرسة.
وراح طارق يتذكر يوم حضر كالعادة مع ليلى بانتظارها بالمدرسة، ولما ركبت قالت لهما:
- نفسي ومنى عيني تنسوني ولو مرة.
وردت عليها ليلى:
- لكن لماذا في الأول كنت تحبين مصاحبتنا ؟ والآن...!
وتقاطعها منال:
- زمان... لما كنت صغيرة.
ابتسمت ليلى باندهاش وتبادلت النظرات مع طارق ثم قالت:
- معقول من سنة فقط كبرت.
ردت منال:
- أكيد فيه كلام يقال بين اثنين، وعلى الثالث الذي هو حضرتي أن يبتعد عن الاثنين الذين هما حضرتكما.
وتفاجأ منال بطارق ينطق قائلا موجها كلامه لليـلى:
- أحبك.
وترد عليه ليلى بصوت كله رقة وحنان متجاهلة منال:
- وأنا أيضا يا حبيبي.
كانت لحظتها منال في كامل دهشتها حيث نطقت موجهة كلامها لطارق:
- طارق ماذا حدث لمخك ألا تستحي من أختك الكبيرة؟
يضحك الجميع … يصلون إلى النادي ...
يعود طارق من الخيال إلى الواقع وقد امتدت يد ليلى تربت على يده بعد أن أدركت سبب سرحانه، في حين نطق بصوت حزين:
- تصوري كل المدرسة حزينة من أجلها.
المدير الذي تعود على أن ترأس منال الأنشطة الثقافية التي تقدم بآخر السنة، تصوري حتى العاملة التي تحرس بوابة المدرسة قالت لي بالحرف الواحد أنها اشتاقت إلى حيلها والحجج التي تخترعها من أجل الخروج وإحضار الحلويات من الدكان المقابل للمدرسة، أما الأستاذ شعبان الذي يوميا يشتكى من سلوكها تصوري ماذا قال لي:
- مستعد أن أتحمل كل ألاعيبها التي ترحم والتي لا ترحم مقابل عودة ابتسامتها ونشاطها وذكائها وحيويتها داخل القسم...
***
وما إن غادرا النادي واقتربا من البحر، كانت منال بمحفظتها تنظر إلى البحر بعيون تائهة، قالت منال تكلم نفسها «لقد وعدتك أن أنتظرك... وسأنتظرك حتى لو تأخرت لدي إحساس قوي بأنك ستعودين وتحضنيني بقوة».
***
طارق وليلى كانا داخل السيارة، قال طارق وهو ينظر إلى الساعة:
- دائما على هذا الحال لا تمل من الوقوف والانتظار في ذلك المكان حتى لو مر عليها أكثر من ساعتين.
***
منال بالغرفة تحضر حقيبتها ... دخلت ليلى وما إن رأتها تحضر الحقيبة قالت لها بصوت حنون:
- هل القمر أغضبناه في شيء أو قصرنا في حقه؟
وترد منال بملامح حزينة وعيون تائهة:
- لا... بالعكس ... كل الحكاية أنني أرى من الأفضل أن أعود إلى البيت فأبي وطارق لوحدهما وبحاجة إلى وجود ست بيت بالمنزل، خصوصا وأن أمي تأخرت كثيرا... كثيرا.
اقتربت منها ليلى بعد أن أدركت جيدا كلامها وحضنتها بحنان وحب وقالت في صمت «آه لو تدركين أن تأخرها هذا إنه تأخر للأبد»، تبتعد منال من حضنها بكل رفق قائلة بصوت حزين:
- أعرف أنها رحلت وأن البحر أخذها مني للأبد، لكن صدقوني لو قلت لكم بداخلي إحساس عميق وغريب، إنه يؤكد لي أنها ستأتي لتحضنني بقوة، كلما حاولت أن أغمض عيناي أرى صورتها وهي تخرج من البحر وتردد قائلة «سامحيني...سامحيني»، وكلما حاولت الاقتراب منها لأرتمي في حضنها تعود إلى أعماق البحر وتظهر مكانها صورة امرأة كأنها ملاك أصغر منها سنا شعرها أسود ملامح وجهها لا أستطيع أن أحددها فهي تجد صعوبة في الاقتراب مني وبدوري أجد نفسي عاجزة عن الاقتراب منها، بعدها تبتعد لتختفي وهي تردد «سأعود، سنلتقي مهما طال الزمن ولن أتركك مرة ثانية».
تقترب منال من ليلى وما إن اكتشفت دموعها على خديها حتى مدت يدها بكل حنية لتمسح لها دموعها قائلة بصوت حزين:
- لا تبكي يا ليلى، أمي ستعود وما ٍرأيته في المنام معناه أومن المحتمل أن تكون جرفتها مياه البحر إلى إحدى الشواطئ، وقد تكون فقدت الذاكرة، لذلك ستتأخر في العودة ... أليس كذلك؟
ولم يكن أمام ليلى سوى أن تحتضن منال وقد اختنق صوتها بالبكاء.
منال بصحبة ليلى حاملة حقيبتها، قالت أم ليلى لما أبصرت منال:
- هل ستتركيننا بعدما تعودنا عليك ؟
وترد منال وهي تقترب منها وبصوت كله رقة وحنان:
- بل أنا التي تعودت عليكم أكثر من أي وقت مضى، وأعدك أن أمر على زيارتك يوميا.
وتحاول ليلى أن تكسب الجو ابتسامة فرح وسعادة فقالت:
- أمي أنت شاهدة عليها قالت بالحرف الواحد أنها ستزورنا يوميا وإذا حادت عن القاعدة سنخاصمها.
ويبتسمن ثم يضحكن في سعادة ...
***
ذات مرة ... كان الأب بالجنينة كعادته، منال جالسة على بعد أمتار منه وأمامها كتبها ودفاترها المفتوحة لكنها كانت تائهة وكأنها تفكر في شيء ما، يقترب منها الأب وقطف وردة وقدمها لها، فمسكت الوردة وراح خيالها إلى أمها التي كانت من عادتها كل صباح لما تخرج إلى الجنينة تقطف بعض الورود لتضعها في المزهرية وتنزع منها وردة لتقدمها لها، تعود إلى الواقع لتشكر والدها وهي تحاول أن تبتسم، ثم قامت من مكانها لتخرج من الجنينة متجهة نحو البحر.
***
طارق ما إن أنهى عمله حتى نظر إلى الساعة وخرج بسرعة ركب سيارته واتجه نحو المستشفى، ما إن وصل حتى كانت ليلى في انتظاره، وما إن ركبت حتى اعتذر عن تأخره بسبب أعمال كانت متأخرة...لكن ليلى ردت عليه:
- لا...لا داعي للاعتذار فأنا أعرف مشاغلك.
وما إن وصلا إلى النادي، أوقف السيارة، تبادلا نظرات حزينة...ثم نطقت ليلى:
- بيني وبينك، أصبحت لا أطيق الدخول إلى هذا النادي من غير منال.
ويرد طارق بصوت حزين:
- كان ناديها المفضل، فكيف إذن ندخله من غيرها.
وتنطق ليلى بصوت حزين:
- ليس لدي أخوات لكنني أحببتها كما لو كانت أختي، حرمني الله من الأخوات وعوضني بها.
ويرد طارق قائلا مسترسلا في الحديث بكل هدوء:
- وأنا أيضا ... حرمني الله من الأخوات وعوضني بها، يوم فقدت أختي سناء.
تستغرب ليلى كلام طارق ولما قرأ التساؤل في وجهها بادر في القول قائلا:
- نعم إنها الحقيقة التي لا تعرفها منال.
وراح يحكي لها قصة منال قائلا:
- يومها كنا نقطن بالجنوب، وبإحدى الضيعات ... كان بيتنا المتواضع، وفي عز الظلام حضر شخص ملثم، يمسك بيده صبية لا تتجاوز الأربع سنوات أو الخمس، تبكي خوفا وذعرا منه، وبيده الأخرى حاملا مسدسا، وما إن رأت أمي حتى ارتمت في حضنها، غادرنا بعد أن هددنا، ولأنّ الحرب بدأت حدتها، وشاء القدر أن نفقد سناء أختي فيها... ولأننا كنا في قرية نائية، فلم يكن أمامنا سوى انتظار عودته، لكنه لم يعد واستمرت الحرب واضطررنا إلى الهجرة … ومرض أمي أنسانا، أو بالأحر تناسينا موضوع منال ... لكن كان من المستحيل أن ننسى أنّ اسم سناء ليس اسمها الحقيقي، ومنال هو الاسم الذي كانت تردده يوم أحضرها ذلك الغريب، ومرت السنين وأدخلناها المدرسة باسم سناء...
***
طارق وهو يقلع بالسيارة من أمام النادي قال لليلى:
- هذه هي حكاية منال، ورغم مرور ستة شهور على المرحومة حاولت أنا وأبي أن ننفذ رسالة أمي، لكن يظهر أننا مضطرين أن ننتظر قليلا، ثم رأينا من الأفضل أن لا تعرف قبل أن نتأكد من حقيقة والديها.
وتنطق ليلى بنوع من الاستغراب:
- الآن فقط أدركت معنى إحساسها العميق الذي يؤكد لها بأن أمها ستعود لتحضنها بقوة.
***
منزل أبو طارق ... وهو بالجنينة رأى وجود موزع البريد فذهب نحوه، فطلب منه موزع البريد إمضاء لتسلم رسالة باسم ابنته سناء، أبو طارق يتسلم الرسالة في قلق، وراح يكلم نفسه وهو يقلب الرسالة على جهتيها:
- اللهم اجعله خيرا يا رب...
***
طارق ما إن وصل إلى البيت حتى استقبله الأب في قلق وهو يقول:
- يا للا افتحها بسرعة.
طارق يفتح الرسالة التي تسلمها من أبيه وراح يقرأ هو يقول لأبيه المتلهف:
- قلت لك من المدرسة، اطمئن هي فعلا تحصلت على معدل عشرة ونصف من عشرين ... لكنها نجحت.
فتنهد الأب وقال:
- أحمدك يا رب.
وينطق طارق وقد علق عيناه على الطابق العلوي:
- لم يكن معدلها يقل عن السابعة عشر.
ويرد الأب:
- إن شاء الله قبل أن تحل السنة الدراسية المقبلة تكون منال بين أحضان والديها.
وقبل أن ينهي كلامه سمعا دقات الباب، فذهب طارق لفتحه، وما إن فتح الباب حتى قدم الشاب نفسه بعد التحية قائلا:
- أحمد رضا، صحفي بمجلة شهرزاد، كلفت بإحضار هذا الظرف إلى الآنسة سناء عبد الله...أرجو إعلامها بأن موعد لقائها بالفنانة أمال حسني هو يوم عشرين جويلية، أي بعد أسبوع.
وينطق طارق باندهاش:
- قلت الفنانة أمال حسني!
ويرد الصحفي مبتسما:
- لقد اختارت الفنانة أمال حسني، وهذا من حق الناجح في المسابقة الشهرية للمجلة، يقضي أربعة وعشرون ساعة مع الفنان أو الفنانة المفضل لديه، ونحن ما علينا سوى الاتصال بالفنان ونبلغه رغبة المعجب لترتيب الموعد.
قبل أن يغادره الصحفي تراجع ثم قال:
- المفروض كان سيتم اللقاء في عطلة الشتاء لكنها هي طلبت التأجيل إلى عطلة الربيع ... لكن صادف أن عطلة الربيع بالنسبة للفنانة انشغالها بأحد أفلامها ... فكنا قد أرسلنا لها رسالة اعتذار وفي الوقت نفسه وعدناها بأن نحاول أن نحدد موعد لقاء في عطلة الصيف باعتبارها طالبة كما طلبنا منها أن تراسلنا إذا طرأ طارئ في عطلتها، لكن لم تراسلنا، ولأنها قارئة ومشاركة للمجلة فكان لابد أن نسأل نحن عنها لعل المانع خير.
يحاول طارق أن يبتسم قائلا:
- لا... إن شاء الله ستكون في الموعد ...
طارق وهو يغلق الباب حاملا الظرف وهو في حالة استغراب واندهاش، ما إن رآه أباه على تلك الحال حتى اقترب منه وقال:
- ما بك؟ من الطارق؟ ماذا حدث؟ تكلم!.
وفي الأخير ينطق طارق:
- منال طلبت لقاء أمها
يرد الأب في اندهاش:
- ماذا تقول؟
ويدرك طارق نفسه فيصحح قائلا:
- أقصد أن منال اختارت أن تقضي أربعة وعشرون ساعة في ضيافة الفنانة أمال حسني.
***
منال بغرفتها ... جالسة على السرير وأمامها صورة أمها تنظر إليها بعيون حزينة، وراحت تكلمها في صمت «مازلت أنتظرك، قلت ستعودين لتحضنني لكن أرى أنك تأخرت أكثر من اللازم...»، بالأسفل في الصالون حيث طارق كان مازال يتكلم مع أبيه ومرة على مرة يرفع رأسه إلى الطابق العلوي، قال له الأب:
- لا.. اطمئن فهي أكيد ستوافق، إنها فرصتنا التي هبطت من السماء.
ويرد عليه طارق بارتياح:
- أحمدك يا رب ... إنها الفرصة التي أردنا البحث عنها فجاءت إلينا على طبق من ذهب ... لكن الذي فهمته من الصحفي أن منال نجحت في هذه المسابقة قبل عطلة الشتاء يعني أيام وجود المرحومة بالمستشفى وأجلتها طبعا لهذا السبب....لكن هذه المرة...
ويقاطعه الأب قائلا:
- لا... يجب أن نقنعها بالسفر حتى لو لم تكن هي أمها الحقيقية فإنها على الأقل فرصة لتغير الجو، وأنا بصراحة أصبحت قلقا على حالها فكلما تسترجع ابتسامتها فلا يكون ذلك إلا لبعض الوقت لتعود من جديد إلى حزنها الذي أرى أنه سيطول لو بقيت على هذا الحال.
***
طارق يذهب إلى غرفة منال بعد أن استأذن بالدخول، كانت منال مازالت جالسة تائهة النظرات الحزينة جهة النافذة، اقترب منها وجلس وقال وهو يبتسم:
- يظهر أنك تريدين البقاء لوحدك، إذن علي الذهاب.
تحاول أن تبتسم لما أدركت وجوده ثم قالت:
- لا...أبدا...اجلس.
نطق طارق دون مقدمات:
- منال يسعدني أن أنقل لك مفاجأتين سارتين.
وترد عليه دون أية رغبة ملحة:
- وهل مازالت في الدنيا مفاجأة سارة.
يدرك طارق ردها، فتغيب ابتسامته ثم يعيدها قائلا:
- أولا لقد نجحت في الانتقال إلى السنة الثالثة ثانوي ... يعني البكالوريا أصبحت على الأبواب.
وتابع قوله:
- أما المفاجأة الثانية...
وتوقف وفضل أن يقدم لها الظرف...
راحت منال تفتح الظرف بهدوء، وراحت تتجول بعينها في سطور تلك الرسالة ثم رفعت رأسها دون أن تنطق بكلمة لكن طارق أدرك عدم اهتمامها بالرسالة، منال راح خيالها إلى الماضي وبالضبط أمام كشك المجلات، فراحت تقلب مجلة شهرزاد التي اشترتها بسرعة وما إن وصلت إلى صفحة المسابقة، حتى توقفت أنظار صديقاتها نحوها ... في حين نطقت إحداهن بقلق:
- يا للا ... نعم ما هي أخبار المسابقة.
منال تشعر بخيبة أمل ثم راحت ترمي بالمجلة لإحدى صديقاتها، ثم تنطق قائلة بنوع من التحدي:
- وراءك ... وراءك يا مسابقة.
ونطقت إحدى الصديقات:
- قول لي يا منال، لو نجحت في المسابقة من ستختارين من الممثلين؟
وجاء الرد من طرف صديقة أخرى:
- أكيد ستختار الفنانة أمال حسني.
وفي سعادة وابتسامة ردت منال:
- وسأضرب عصفورين بحجرة، سأختار الفنانة أمال حسني وسأرى معها أكيد زوجها الفنان سامي عبد العزيز، لكن يا رب ... متى؟ متى أنجح في المسابقة ؟!
وتعود منال من الماضي القريب إلى الواقع الأقرب، على صوت أخيها وهو يناديها وما إن تنبهت لصوته حتى نطق بصوت كله رقة وحنان:
- إنها المسابقة التي يا ما حلمت بها وكنت تتمنيها.
وردت بصوت حزين:
- كنت، لكن الآن لم يعد لها لزوم.
ويرد طارق محتجا:


هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس