عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-11, 01:38 AM   #6

هناء12
 
الصورة الرمزية هناء12

? العضوٌ??? » 189400
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 120
?  نُقآطِيْ » هناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond reputeهناء12 has a reputation beyond repute
افتراضي لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها


الجزء6 والأخير:

توقفت سيارة طارق ... ما إن دخل بسرعة يسلم على الأب وهو يتجه إلى غرفته بالطابق العلوي قال:
- أبي سأغيب … في مهمة تابعة للشركة ... إلى العاصمة.
واستوقفه الأب قائلا:
- لا...يجب أن تلغي السفرية.
ولما سأل الابن عن السبب ثم عرفه من أبيه قال له:
- اطمئن يا أبي ... على كل أنت حاول من جهتك أن تتذكر مكان ثياب منال، وأنا في طريقي لن أفكر إلا في الأسماء واللعب التي كانت ترددهم منال وهي صبية.
طارق بعد أن حضر حقيبته يغادر الفيلا.
***
تصل منال، ما إن دخلت الجنينة خطت خطوات نحو الباب الداخلي للفيلا وقبل أن تفتح الباب، تراجعت ثم جلست أمام الباب متعبة، وضعت بين يديها رأسها، الأب الذي لمحها من النافذة ... خرج وجلس إلى جوارها بكل هدوء ونطق بصوت كله رقة وحنان:
- لقد حضرت بحثا عنك ... اذهبي إليها فهي في انتظارك.
وترفع رأسها بهدوء ثم قالت بصوت هادئ حزين:
- بعد ماذا...؟ لقد فات الأوان فبأي وجه سوف أقابلها؟
ويرد عليها أبو طارق:
- لا يا منال لم يمض الوقت بعد، وعليك بالذهاب إليها وتصحيح موقفك بنفسك لها.
وقبل أن ترد منال تنهدت بعمق ثم ابتسمت بسخرية من نفسها وقالت:
- قصدك أصحح غلطتي...ياه ... كم كنت أنانية حين أعطيت لنفسي أهمية أكثر مما استحقه أمام فنانة عظيمة لا أساوي أمامها شيئا.
ويقاطعها الأب قائلا:
- لا... لا تقولي هذا عن نفسك وأنت بالنسبة لي ولا كنوز الدنيا كلها، إنك تربية يدي فأنت لم تغلطي كما ولست أنانية فأنت كل المسألة من النوع الذي لا يخفي شيئا بقلبه، فالذي بقلبك على لسانك.
كلام الأب رغم أنه أراح نفسية منال إلا أنها مازالت في حيرة من أمرها تريد أن تقول شيئا لكن الأب لم يترك لها فرصة الرد وأمسكها من يدها لتقوم.
***
بالفندق ... وبالضبط بجناح الفنان سامي عبد العزيز والفنانة أمال حسني، بالصالون دار الحوار بين الاثنين وكان الجو بينهما يظهر أنه مكهرب حيث نطق الزوج بعد صمت رهيب:
- أنا مصر على السفر اليوم، بل وحالا في أول طائرة.
تبلع الفنانة ريقها وتشعر بنوع من الإحراج ثم تستجمع قواها وتقول بدون مقدمات:
- إذن لأول مرة أخالف رغبتك، وأنا آسفة لو قلت لك اذهب مادمت مصرا على الذهاب، وسألحق بك فيما بعد.
كان ردها عليه كالصاعقة وكاد ألا يصدق ما تسمعه أذناه، في تلك اللحظات يرن الجرس ... الفنانة تشعر لحظتها بنوع من السعادة والقلق والإحراج وقد تسارعت دقات قلبها...ثم اتجهت نحو الباب، ففوجئت بوجود منال أمام الباب حاملة باقة من الورود، كلاهما بقي في مكانه مسمرا، منال تقدم الورود ... تمد الفنانة يدها لتمسك بالورود وباليد الثانية تمسك بيد منال بكل حنية نحو الداخل ثم تغلق الباب بهدوء... وتنطق الفنانة بصوت كله رقة وحنانا:
- المفروض أنا التي أحمل لك الورود بمناسبة سلامة رجلك.
تبتسم منال وهي تريد أن تنطق تلعثمت في الكلام قائلة:
- أنا جئت...وكل أملي أن تقبلي اعتذاري.
وتقاطعها الفنانة بوضع يدها على فمها بكل رقة وحنان قائلة:
- موقفك معي هذا النهار، كان أجمل موقف في حياتي.
وترد منال بسرعة واندهاش:


- لا... لم يكن من حقي التدخل في أمورك الخاصة.
وتنطق الفنانة:
- لا أريدك أن تكرهيني.
وترد منال بصوت حنون:
- حبي لك يزداد في كل ثانية مليون مرة.
الفنانة تقربها من حضنها وهي في كامل سعادتها، منال تنسحب من حضنها بكل
رقة قائلة:
- ممكن نخرج الآن مع بعض ... فنحن في الحقيقة مدعوين.
تبتسم الفنانة في سعادة وقالت:
- عن إذنك كلها دقائق أدخل لآخذ حماما ثم أغير ملابسي.
وراحت بسرعة نحو غرفتها، بينما الفنان الذي تابع الحوار كان يظهر عليه الدهشة والحيرة حيث قال يكلم نفسه وعيناه ملتصقتان بباب الغرفة «لهذه الدرجة أصبحت تتجاهلين كل من حولك من أجلها».
منال ما إن خطت خطوات في وسط الصالون واكتشفت وجود الفنان تائها حتى نطقت منادية باسمه ... لكنه لا ينتبه لصوتها إلا بعد لحظة مما جعلها تسأله قائلة:
- هل ثمة شيء؟
وكان رده بسرعة:
- لا، أبدا.
ثم راح ينظر إليها في صمت مما أشعرها لحظتها بالإحراج، وقال يكلم نفسه في صمت «لست أدري هل أحقد عليك لأنك رغما عنك إنك السبب فيما يحدث، نعم إنك السبب في جعل أمال بحبها لك تنسى وتتجاهل ولا تهتم بكل من حولها...في الأول المهرجان، ثانيا ولدانا اللذان لم تتعود الابتعاد عنهما وأخيرا أنا...نعم وهذا يحدث لأول مرة، أم أشفق عليك لأنك تمرين بمرحلة أنت فيها بحاجة إلى حب حقيقي وليس إلى حب مزيف لشخصية غيرك» ... للمرة الثانية منال تنادي عليه ولا ينتبه إلى صوتها إلا بعد لحظة حيث قال:
- نعم ... ماذا ... ؟
وكان رد منال:
- أستاذ سامي ممكن أسألك سؤالا ؟!
قال لها:
- تفضلي.
وبدون مقدمات قالت له:
- هل وجودي يضايقك ... ؟!
الفنان يشعر لحظتها بإحراج شديد فهو لم يكن يتوقع هذا السؤال لدرجة أنه شعر بندم شديد ثم نطق وهو ينظر إلى باب الغرفة:
- منال ... حتى لا تفهميني غلط، أريد أن أكلمك في موضوع مهم وإذا ليس لديك مانع ممكن ننزل إلى الأسفل.
كلامه بعث بقلب منال الحيرة، ولم يكن أمامها سوى اللحاق به بعد أن طلب منها أن تنبه الفنانة بالانتظار بالأسفل ... وفعلت منال ذلك بصوت مرتفع سمعته الفنانة.
***
بمقهى الفندق وبالضبط بإحدى أركانه الهادئة جلست منال مقابلة للفنان وبصوت حزين نطق قائلا:
- إنها ثالث مرة تؤجل الفنانة السفر...من أجلك.
وفي تلك اللحظات تذكرت منال يوم قالت لها الفنانة بأنها اتفقت والفنان بالبقاء بعد المهرجان بعض الأيام، ثم رجعت إلى الواقع وهي في كامل دهشتها قائلة:
- غير ممكن هذا ! ...
ونطق سامي قائلا:
- اسمك منال ... وعمرك ثمانية عشر سنة ... وسبق لك أن عشت في لبنان ... بالإضافة ... كما تقول إلى عيونك التي تشبه عيون منال ابنتنا المفقودة، بل وحتى ضحكتك...كل هذا كان كاف بالنسبة لها لتكوني منال ابنتنا.
منال وهي تستمع إلى الفنان كانت في كامل دهشتها وقد ازدادت حيرة وبقيت فترة لا تدري ما تقول وفي الأخير تنظر إلى الساعة ثم تلقي نظرة نحو سلم الفندق وتنطق قائلة:
- أستاذ سامي أنا سأقضي معها اليوم، سيكون آخر يوم، وبإمكانك أن تذهب لتحجز غدا.
ورد عليها:
- قد تكون مفاجأة غير سارة.
وترد عليه منال:
- لا...لا تأخذ هم ذلك، ألم تقل أنها تؤجل من أجلي وتحبني كما لو كنت منال الحقيقية ... إذن أترك الباقي علي.
ويرد الفنان في أسف:
- منال ... أنا آسف.
في تلك اللحظات تظهر الفنانة فتقول له منال:
- يا للا أقفل على الموضوع، وابتسم.
***
تخرج منال بصحبة الفنانة على متن سيارة الفندق حيث تسلمت المفاتيح من السائق وركبت أمام المقود، تصل السيارة إلى إحدى الغابات المحاذية للشواطئ وبالضبط إلى إحدى فيلات المخيمات الصيفية ... وما إن توقفت السيارة، فإذا بصديقات منال اللواتي كن متفرقات كل واحدة جالسة لوحدها، هناك من في داخل الفيلا وهناك من في الخارج وكأنهن حزينات، وما إن رأوا الفنانة ومنال حتى سعدوا بحضورهما واتجهن نحوهما...وكم كانت صديقات منال في سعادة وأمامهن الفنانة في ضيافتهن، وبعد الغذاء كان الترحيب بها إلى خارج الفيلا بالجنينة، حيث أخذن معها عدة صور وتوقيعات تذكارية وكل واحدة راحت تطرح عليها أسئلة...بينما منال كانت تتابع ذلك بعيون حزينة وكلما نظرت إليها الفنانة تصطنع ابتسامة في سعادة.
***
ثم اتجهن إلى النادي حيث لعبن مقابلة في التنس، ولما بدأ غروب الشمس ... كانت منال بصحبة الفنانة بالسيارة ... قالت الفنانة في سعادة:
- ما رأيك إذن نكمل السهرة بإحدى الملاهي الليلية.
لكن منال تظاهرت بحدة النوم وهي تريد الاعتذار تلعثمت في الكلام مما جعل الفنانة تنطق قائلة:
- يظهر أنك فعلا متعبة، على كل سنلتقي غدا.
منال دون أن تعبأ بنفسها وبسرعة ردت:
- لا، ليس غدا.
اندهشت الفنانة من الرد المفاجأ من طرف منال حيث أوقفت السيارة، منال لما أدركت نفسها نطقت قائلة بصوت متلعثم:
- أرجوك لا تفهميني غلط، كل الحكاية أنك ستسافرين غدا.
يزداد اندهاش الفنانة وترد:
- لماذا !؟ ... لماذا !؟ ...
وقالت منال بصوت حنون:
- لأنك تأخرت عن أولادك.
وترد الفنانة بصوت حزين:
- أعرف ... وأدرك ذلك جيدا، لكن كان أملي أن أقضي معك أياما حلوة.
وتقول منال بصوت حزين:
- وأنا أيضا كنت أتمنى ذلك، لكن ليس على حساب سعادة أولادك.
وردت الفنانة:
- ومن قال لك ذلك؟
وتقاطعها منال قائلة:
- أرجوك يجب أن تصحي من الحلم.
وردت الفنانة باندهاش:
- حلم !...
قاطعتها منال قائلة:
- نعم حلم... لكن حلم مستحيل، حلم لن يتحقق لأنه بعيد عن الواقع.
اغرورقت عيون الفنانة بالدموع وهي تستمع إلى منال التي أكملت تقول:
- يجب أن تصحي من هذا الحلم ... أنا صحيح اسمي منال، لكن ليس منال التي فقدتها، لأن اسمي الحقيقي سناء، ولست أول واحدة لها اسم مدون في شهادة الميلاد والآخر تنادى به، أنا صحيح عشت في لبنان هذا لأنني فلسطينية الأصل والحرب هي التي شردتنا، أنا صحيح عمري من عمر منال ابنتك ثمانية عشر سنة لكن من مواليد ثمانية وعشرون جويلية ولا أظن أن ابنتك ولدت في اليوم نفسه.
الفنانة تأثرت بكلام منال حيث وضعت رأسها بين بيديها ... وعم السكوت فترة ... منال تمد يدها لترفع رأس الفنانة بكل هدوء فاكتشفت دموعها التي نزلت على خديها كالوديان فنطقت قائلة:
- طول عمري كنت أحلم بلقائك، لقاء نجمة، بل أعظم نجمة ولو ثانية من عمري، لكن عمري ما حلمت أنك ممكن تغدق علي بحبك وحنانك، وحتى لما اكتشفت أن حبك لي هو حب لمنال الحقيقية ابنتك، صدقيني أنا لم أغضب ولم أتألم لذلك ... لأنني كنت أعرف مسبقا حدودي بالنسبة لك وبالرغم من ذلك كنت سعيدة بهذا الحب الذي لم يكن لي ...
الفنانة وهي تنظر إلى منال بكل عطف وحنان قالت بصوت كله رقة وحنان:
- لما قابلتك كنت واعية جدا أنك لست ابنتي وحاولت أن أقنع نفسي بذلك...لكن رغم ذلك كنت أشعر أن ثمة شيء قوي يشدني إليك وتفسيري لهذا الشيء لم يكن له تفسير آخر غير أنني فعلا أحببتك وصدقيني لو قلت لك أنني لا أستطيع أن أحدد بالضبط متى أحببتك لكن الذي يمكنني أن أؤكده وهو أنني أحببت فيك بالإضافة إلى حملك لكل صفات ابنتي ... أحببت فيك منال المعجبة ومنال الإنسانة، لقد عشت معك أسعد لحظات حياتي، ويجب أن تتأكدي أن الإنسان منا غير ممكن أن يعيش هذه السعادة إن لم يكن الإنسان الذي يبادله السعادة إنسان يحبه من كل أعماقه.
بعدها تتبادلان مع بعض نظرات كلها سعادة ... ثم تنطلق الفنانة بالسيارة، وما إن وصلت إلى باب الفيلا ... منال وهي تتأهب للنزول قالت:
- تصبحين على خير.
وترد الفنانة بابتسامة:
- وأنت من أهله.
لما نزلت منال وهي تتجه نحو الباب ... الفنانة تفتح باب السيارة ثم تنزل وتنادي على منال...ما إن استدارت منال حتى قالت لها:
- هل تتذكرين في مثل هذا الوقت بالذات ماذا قلت لي ... عند زيارتك لي بمصر؟
منال تندهش وتنتابها الحيرة من كلام الفنانة ... لكن الفنانة لم تترك لها فرصة الرد وتابعت تقول مبتسمة:
- لا عليك سأذكرك.
ثم راحت تقترب منها ببعض الخطوات ونطقت قائلة:
- قلت لي نفسي يطول الليل حتى لا يأتي الصبح وتودعينني.
تشعر لحظتها منال بنوع من القلق والإحراج بينما تتابع الفنانة قائلة:
- لكن اليوم أنا التي أقول لك ... نفسي الليل يطول ويطول ويتأخر الصبح ويتأخر معه موعد توديعي لك.
لحظات تتبادلان فيها نظرات كلها رقة وحنان، منال تبدأ ترفع يديها لتمسك بيدي الفنانة وتتجها نحو السيارة.
***
بالفندق وبالضبط بجناح الفنانة أمال حسني، لم يأتيها النوم ... بينما الفنان نام نوما عميقا... خرجت الفنانة من الغرفة نحو الصالون، وجلست تائهة الأفكار وهي تتذكر كلام منال ... بعدها اقتربت من المكتب حيث كانت التذاكر وجوازات السفر...راحت يداها تفتح التذكرة بهدوء وفجأة تغير وجهها وتركت التذكرة وراحت تبحث عن المفكرة حيث تأكدت أن يوم غد هو نفس يوم عيد ميلادها فجلست وكأنها في حالة إرهاق واغرورقت عيونها بالدموع وراحت تكلم نفسها بصوت حزين «معك حق يا منال ... يظهر أنني فعلا كنت أعيش حلما مستحيلا... حلما كان لابد أن أصحومنه على الحقيقة لأرجع لآلامي وأحزاني»...
***
في الصباح بعد أن خرجت منال في تجاه الفندق ... أبو طارق وهو في حالة قلق يدير أرقام الهاتف سائلا عن طارق فكان رد السكرتير:
- لم يعد بعد من مهمته، لكن من المحتمل أن يصل بعد ساعتين.
يترك أبو طارق السماعة وراح يردد بقلق «سمسم ... دادة فاطمة...»، ثم توقف وقال يكلم نفسه «يجب ... يجب أن أتذكر بقية الأسماء الأخرى»، في تلك اللحظات يرن جرس الهاتف فيمد يده المرتجفة:
- ألو... نعم...
فكان المتكلم من الطرف الآخر طارق:
- ألو...أبو طارق ... أنا طارق ... أعتذر لأنني لم أتمكن أن أتصل بكم فور وصولي ...
ويقاطعه الأب قائلا:
- المهم أن تعود حالا...
ويرد طارق:
- أنا في الطريق لا تقلق.
لكن الأب يدعوه للحضور على الفور كما أعلمه بموعد ذهاب الفنانين مساء ذلك اليوم، بعد أن ترك أبو طارق السماعة ... وبينما راح يتذكر كل كبيرة وصغيرة عن منال وهي صبية فإذا به يتذكر شيئا مهما لقد تذكر آخر مرة كانت أم طارق ماسكة بلباس منال وكان بين يديها مخدة منال وكان ذلك بغرفتها، فسارع نحو السلم وهو يقول «أكيد وضعتها بها ولم لا»، وما إن وصل إلى غرفة منال...راح يمسك بالمخدة وبينما هو متردد في فتحها قال لنفسه «إنه الشيء الوحيد الذي بقي في البيت ولم أفتشه بعد»، ورفع رأسه إلى السماء يدعو الله وما إن أفرغ محتوى المخدة حتى كاد لا يصدق من شدة فرحته التي بدأت تذوب شيئا فشيئا وتحولت إلى دموع حزينة.
***
منال وصلت إلى الفندق وهي متجهة نحو المصعد ففوجئت بالفنان الذي كان نازلا من السلم وهو تائه بنظرات حزينة ... اقتربت منه وما إن توقفت أمامه وأبصرها حتى تبادل معا نظرات حزينة مما ازدادت حيرتها وسألت قائلة:
- ماذا حدث؟ ... هل تكون قد رفضت السفر ؟!
قبل أن يرد عليها طلبها بإشارة من يده لأخذ مكان بمقهى الفندق وهما في طريقهما للجلوس قال:
- بالعكس ... هي كانت ستسافر.
وما إن جلس حتى تغيرت لهجته إلى لوم لنفسه قائلا:
- الحقيقة ارتكبت خطأ وغلطة، كان علي ألا أنسى تاريخ هذا النهار الثاني عشر أوت، وحتى لو نسيته كان على الأقل أن لا أترك التذاكر خارج الحقيبة، مسكينة ... لقد كانت تتذكره قبل موعده بأيام ... ولو أنها في الحقيقة لم تنسه أبدا، لكن لأول مرة وبعد ثلاثة عشر سنة نسيته رغما عنها في غمرة السعادة التي عاشتها معك ولم تتذكره إلا صدفة.
***
الفنانة بغرفتها بثوب أبيض مستلقية على السرير بدموع حزينة وبين يديها صورة الصبية منال تتأملها بحنان ووجه حزين، ثم ضمت الصورة إلى حضنها بشدة.
***
في الأسفل حيث منال كانت تسمع إلى الفنان بكثير من الاهتمام بعدها نطقت قائلة:
- مسكينة، الآن فقط عرفت لماذا لقبت بالنجمة الحزينة.
ثم قامت لتستأذن بالعودة إلى المنزل.
***
الأب في حالة قلق، مرة على مرة ينظر إلى الساعة، وما إن دق جرس الباب حتى ذهب بسرعة ليفتحه فإذا به يفاجأ بعودة منال مبكرا وعلامات الحزن بادية على وجهها، دخلت دون أن تنطق بشيء متجهة نحو السلم ... أوقفها الأب قائلا:


- ماذا حدث؟ ... هل سافرا قبل أن تودعيهما... ؟
ردت بعد أن أدارت رأسها قائلة بصوت هادئ:
- لا... لم يسافرا بعد ولا أظن أنهما سيسافران هذا النهار.
أبو طارق يشعر لحظتها بأعماق قلبه بسعادة وارتياح، في حين تابعت منال قائلة:
- اليوم ... هو يوم عيد ميلادها...إنه اليوم نفسه الذي فقدت فيه ابنتها، في هذا اليوم تختلي بنفسها بغرفتها لا تكلم أحد ولا يكلمها أحد ... إنه يوم حزن ولوم وعذاب لنفسها.
بعدها صعدت منال إلى غرفتها، وتركت أبو طارق يكلم نفسه في صمت «هو صحيح لا نذكر اليوم الذي تسلمناك منه، لكن أكيد كان إحدى أيام شهر أوت»، وفجأة أبصر أبو طارق من النافذة حضور طارق ... فخرج ليستقبله ... توقفا بالجنينة يتكلمان بخصوص منال.
دخلا بعدها الصالون ... قال الأب:
- سأتركك معها حتى لا تغادر البيت، وأنا سأذهب بنفسي إلى الفندق.
ودون أن ينسى أخذ معه علبة صغيرة مربوطة برباط التزيين ...
جلس طارق بغرفة المكتب وترك الباب مفتوحا...
***
وصل أبو طارق إلى الفندق ... وعندما طلب من موظف الاستقبال أن يدله على جناح الفنانين، هذا الأخير رفض بحجة أنهما غائبان فنطق أبو طارق في قلق وبسرعة:
- هل يكونا قد سافرا ؟!
وكان رد الموظف بنوع من الإحراج:
- لا لم يسافرا... لكن...
وقاطعه أبو طارق:
- أرجوك دلني عن مكان تواجدهما فهناك موضوع مهم يخصهما، إنهما يعرفاني... إنني أبو الفتاة منال التي كانت تزوروهما ...
وأمام إلحاحه وتوسله ... ابتعد الموظف قليلا نحو الهاتف وأدار أرقامه ثم اتصل بجناح الفنانين ... كلم الفنان بصوت خافت، ويترك الموظف السماعة ويقترب من أبي طارق ليأخذه نحو المصعد بعد أن دله على الطابق ورقم باب الجناح ... استقبل الفنان سامي أبا طارق ... ولما حاول الفنان الاتصال هاتفيا بالاستقبال ليقوم بواجب الضيافة أوقفه أبو طارق قائلا:
- لا أرجوك لا داعي فأنا جئت من أجل موضوع مستعجل.
احتار الفنان من كلام أبي طارق ولم ينطق بشيء، في حين تابع أبو طارق قائلا:
- الموضوع يخصك ويخص الفنانة حرمك و... ومنال ... نعم منال هي في الحقيقة ليست بابنتي.
وينطق الفنان في كامل دهشته:
- ليست ابنتك
ويرد أبو طارق:
- نعم ليست بابنتي، القدر هو الذي رماها بين أحضان أفراد أسرتي من حوالي ثلاثة عشرة سنة.
وبكثير من الدهشة ينطق الفنان:
- ماذا قلت !... ثلاثة عشرة سنة ؟!
ويرد أبو طارق:
- أرجوك اسمعني للأخير لأنني سأقول الكثير لأتأكد أكثر فأكثر ولو أنني أصبحت الآن متأكدا من كل شيء.
وبدأ يحكي أبو طارق للفنان الذي كان يسمعه بشغف قائلا:
- أذكر أنها كانت تردد بالإضافة إلى اسمك الكامل واسم الفنانة كانت هناك أسماء أخرى، أذكر اسم دادة فاطمة.
ونطق الفنان:
- إنه اسم المرحومة مربيتها.
وتابع أبو طارق:
- واسم نينة زينب.
وقال الفنان:
- إنه اسم جدتها.
وتابع أبو طارق:
- واسم سمسم.
وقال الفنان:
- إنه اسم قطتها.
وقال أبو طارق:
- واسم بس بس.
ونطق الفنان:
- إنه اسم الكلب عبارة عن لعبة.
وقال أبو طارق:
- واسم نونو.
وبصوت يكاد يكون مخنوق يرد الفنان:
- إنه اسم الدمية.
وتابع أبو طارق قائلا:
- منال حكت لي عن وجود صورة للصبية منال.
وقام الفنان وهو ينزع الصورة المعلقة على الحائط ويقدمها له قائلا:
- لقد كانت دائما تصطحب صور الأولاد دون أن تنس صورة منال.
وما إن مسك أبو طارق بالصورة حتى قال:
- إنها هي ... صورتها وهي صغيرة لم تبرح خيالي وكأنني أراها اليوم، والغريب أنها فعلا مازالت تحمل ملامح الصبا
ونطق الفنان في حسرة:
- ولقد أدركت أمال ذلك الشبه وأنا الذي كنت أتجاهله اقتناعا مني أنها فقدت للأبد، لقد بحثنا عنها بعد الحرب في جميع الملاجئ.
بعدها يمسك أبو طارق بالعلبة ليقدمها للفنان قائلا:
- العلبة هذه تحتوي بداخلها لباس منال لما ساقها الخاطف إلينا، أكيد سيكون أجمل هدية ستقدم لها في هذا اليوم.
ثم هم بالوقوف للانصراف ... لكن الفنان أوقفه قائلا:
- ألا تبقى لتقدمها لها بنفسك ...
وكان رد أبو طارق:
- هذه المرة هي مهمتك أنت ... لأن مهمتي أنا لم تنته بمنزلي بعد، سأعود لمنال ... فهي لم تعرف شيئا بعد ...
***
بمنزل أبو طارق، طارق خارج من غرفة المكتب يريد صعود السلم نحو غرفة منال، كان في حالة قلق وهو ينظر إلى الساعة، بعدها تراجع نحو المكتب وأحضر المسجل والشريط وجعله على الطاولة، ثم نظر مرة ثانية إلى الساعة ... في تلك اللحظات يحضر أبو طارق ... استقبله طارق قائلا:
- هل...؟
وقاطعه أبوه قائلا:
- لم يبق إلا مهمتنا مع منال ... وإنني أراها المهمة الأصعب.
***
في الفندق وبالضبط بغرفة أمال حسني ... الفنان كان ما زال مترددا في مفاتحة الفنانة رغم أنه دخل الغرفة، لكن الفنانة لم تعبأ بوجوده وهي مازالت تائهة الأفكار بعيون حزينة، الفنان يحاول الاقتراب منها والجلوس بقربها، ثم وضع العلبة أمامها بنوع من القلق وبعدها نطق قائلا:
- أنا أعرف أنه ليس من حقي قطع خلوتك كما أعرف جيدا أنك لا تتقبلين أية هدية مهما كان ثمنها وفي هذا اليوم بالذات ... لكن أرجوك بل أتمنى أن تقبلي مني هذه الهدية.
الفنانة لم تعبأ بكلام زوجها ولم ترفع حتى رأسها نحوه مما جعل الزوج يكرر قائلا بصوت مخنوق:
- أرجوك ... كل الذي أريده منك هو فتحها فقط وبعدها أنت حرة فلك الاختيار بين قبولها أو رفضها، ولو أنني متأكد أنك لن ترفضينها لسبب واحد أنها هدية ليست ككل الهدايا.
الفنانة بقيت في حيرة تكاد تفهم كل شيء وفي نفس الوقت لا تفهم ولا شيء، لكن صوته الحنون الذي يكاد يكون مخنوقا على غير العادة وتلميحاته بعيونه الحزينة دفعتها إلى مد يدها بكل هدوء لفتح العلبة، أخرجت اللباس الذي بدا لها في الأول شيئا غريبا، ثم خطر ببالها أن اللباس ليس غريبا عنها فرفعت رأسها نحو الزوج وهي في حيرة وراحت تتذكر من ارتدت هذا اللباس فتذكرت منال ابنتها وآخر مرة كانت ترتدي اللباس نفسه ...رجعت من الماضي إلى الواقع وهي تقرب اللباس إلى أنفها فاستنشقت رائحته ثم قالت متسائلة في حيرة وقد اغرورقت عيناها بالدموع:
- لا تقل لي إنك اشتريت لباسا مثله، إنه لباس النوم الذي اختطفوها فيه ورائحتها مازالت فيه.
وابتسم وقد اغرورقت عيونه ثم هز رأسه قائلا:
- إنه لباس منال، ومن أحضره أبو طارق.
الفنانة بقيت في حيرة تكاد تفهم ولا تفهم شيئا لكن الزوج لم يتركها في حيرتها ونطق قائلا:
- كم كنت غبيا لما تجاهلت إحساسك تجاه منال، إحساس الأمومة نحوها كان صادقا أما أبوتي أنا لم أكتف بالتجاهل لإحساسك بل أصريت على هذا التجاهل ... ويمكن هذا لاعتقادي وإيماني اليقين أن منال اختفت للأبد.
الفنانة تكاد لا تصدق ما تسمعه من زوجها وتنطق في تعلثم:
- هل تكون ... منال ... هي نفسها ...
فقاطعها الزوج مكملا قائلا:
- نعم إنها هي نفسها منال ابنتنا.
وتنطق الفنانة بصوت مخنوق:
- لكن ...!
ويقاطعها الزوج قائلا بصوت هادئ:
- أنا سأحكي لك كل شيء حتى تقدرين موقف أبا طارق والمرحومة أم طارق.
***
طرق طارق باب غرفة منال مستأذنا بالدخول، وما إن أبصرته منال وهو يدخل حتى قامت بسرعة لتسلم عليه وهي تقول:
- لقد اشتقت إليك.
ونطق بصوت هادئ:
- صحيح يا منال ... يوم واحد واشتقت إلي.
وقالت منال:
- وهل تشك في ذلك؟
وضمها إلى صدره ثم قال:
- لا... أبدا ... لكن يظهر أننا سنفترق أكثر من يوم وممكن أكثر من شهر ويمكن للأبد.
تكاد منال تنتابها الحيرة مما تسمعه من أخيها الذي كان يظهر عليه يتكلم وهو تائه الفكر مما جعلها تنطق قائلة:
- طارق ما بك ... ماذا تقول ... ؟!
يدرك طارق نفسه فيحاول أن يبتسم ثم يمسكها بكل حنان من يدها نحو الباب قائلا لها:
- يا للا بنا إلى الأسفل فأبي بانتظارنا.
***
في الطابق السفلي وبالضبط بقاعة الجلوس، جلس الأب وإلى جواره منال وطارق ... ونطق الأب قائلا بصوت حنون:
- منال … كنت الآن عند الفنانين.
وردت على الفور قائلة:
- وهل شاهدت الفنانة ؟!
ورد أبو طارق:
- الحقيقة لم أشاهدها، لكن الموضوع الذي كلمت فيه الأستاذ سامي والذي سينقله بدوره للسيدة أمال...وأنا متأكد بدءا من تاريخ هذا اليوم ستستعيد فرحة عيد ميلادها لسبب واحد وهو أنني عثرت لها على ابنتها المفقودة.
استغربت من كلام أبي طارق ونطقت قائلة في سعادة:
- صحيح يا أبي...
يشعر الأب لحظتها بسعادة عابرة لما سمع كلمة أبي ثم نطق في تلعثم:
- نعم وهي الآن في طريقها إلينا بصحبة زوجها.
وردت منال في سعادة:
- إذن ستأتي لتعرفنا بابنتها، لكن قل لي يا أبي كيف تمكنت من العثور على ابنة الفنانين؟
وينطق طارق ودون مقدمات:
- منال، أنت منال ابنتهما المفقودة من ثلاثة عشر سنة.
منال تكاد لا تصدق ما تسمعه فحين تابع طارق قائلا:
- أرجوك يا منال اسمعي هذا الشريط إنه صوت المرحومة ... وراح يضغط على زر المسجل، مما ازدادت دهشة منال وهي تسمع صوت أم طارق «... منال ... أيتها الابنة الغالية...لو تحبينني اسمعي ما سأقوله لك من الأول إلى آخر الشريط، أرجوك اسمعيني جيدا، منال سامحيني...أنا صحيح تأخرت كثيرا في مصارحتك بالحقيقة، لكن ذلك كان رغما عني، منال أنت لست بابنتي... لكن يعلم الله أنك كنت بالنسبة لي أكثر من ابنة ... الظروف هي التي ألقتك بين أيدينا، وكان إحساسي أن الله عوضني بك في ابنتي سناء التي ذهبت ضحية الحرب بعد وجودك بيننا بشهر، كانت هي الأخرى في مثل سنك، كانت لهجتك مصرية وكان اسمك منال ... كنت دائما تذكرين أسماء عدة وخصوصا اسم والديك الفنان سامي عبد العزيز والفنانة أمال حسني، قلت أنهما يمثلان في السنيما والتلفاز، كنت كل مرة أحاول أن أصارحك لكن الشجاعة خانتني لأنني كنت أحبك ولم أكن أتصور بعدك عني ولو لحظة، لكن الآن وأنا أقترب من موعد العملية وبعيدة عنك فكان لابد أن أريح ضميري قبل لقاء ربنا، منال حبيبتي فيه أشياء كثيرة ستساعدك في العثور على والديك واحتمال كبير أن يكونا هما نفس الفنانين الذين ذكرت اسمهما وأنت صبية ... منال ... للمرة الأخيرة أقول لك سامحيني... سامحيني»...
وتدرك منال صوت المرحومة وهو يختنق بالبكاء بينما هي في كامل دهشتها وقد استمعت إليها إلى آخر الشريط ... قامت من مكانها وهي في حالة ذهول بدأت تتراجع إلى الوراء وهي تكاد لا تصدق ما تسمعه، وهي تقول وقد اغرورقت عيناها بالدموع:
- مستحيل ... صعب أصدق ... مستحيل ... !
ثم فتحت الباب وخرجت تجري بعد أن اختنق صوتها بالبكاء ... نهض طارق من مكانه ليلحق بها مناديا عليها بأعلى صوته لكن أباه يستوقفه لما قال له:
- لا... اتركها... أتركها لنفسها فهي بحاجة إلى وقت تختلي فيه بنفسها لكي تستدرك وتصدق الحقيقة.
بعد فترة يصل الفنانان، فتح طارق عليهما الباب مرحبا بهما ... نطقت الفنانة بصوت هادئ:
- هل عرفت الحقيقة؟
ابتسم طارق ورد عليها:
- نعم ...!
ونطقت الفنانة على الفور متجهة صوب السلم:
- إذن هي في غرفتها
ورد أبو طارق:
- لقد خرجت ...
الفنانة تتوقف تنظر إلى أبي طارق ثم تتبادل النظرات مع زوجها وكأنهما أرادا أن يقولا لم نفهم شيئا ... لكن أبا طارق لم يترك فترة حيرتهما تطول فقام من مكانه قائلا:
- يا للا معي.
وخرجوا جميعا يتقدمهم أبو طارق، ركبوا السيارتين فركب طارق بصحبة والده وركب الفنانان بسيارة الفندق ...
انطلقت السيارتان محاذيتان للطريق البحري، وبعد عدة أمتار يطلب أبو طارق من طارق التوقف ... وتوقفت السيارتان على بعد أمتار من البحر، ونزلوا كلهم نحو البحر، كل واحد يلقي نظره عن قريب وعن بعيد لعله يبصرها... فجأة كان أول من شاهدها طارق فأشار لهم لمكانها بإشارة من يده، منال كانت واقفة على شاطئ البحر تنظر إلى الأفق البعيد بدموع حزينة، الفنان وزوجته يتجهان نحوها، وما إن لاحظاها تدخل البحر بخطوات ثقيلة حتى توقفا وتبادلا نظرات الحيرة ... الفنانة أرادت أن تصرخ منادية عليها بأعلى صوتها لكن الفنان يوقفها بوضع يده على فمها ... في الوقت نفسه منال كانت قد تقدمت إلى وسط البحر ثم جلست على ركبتيها ... اتجهت الفنانة نحوها بخطوات هادئة … تنطق منال بصوت حزين:
- مهما حصل فأنا سأظل ابنتك وسأفضل أحبك العمر كله.
ويظهر لها على الماء خيال المرحومة ... فمدت يدها تحاول احتضان المرحومة وهي ترفع يدها كانت صورة خيال المرحومة تبتعد عنها، فحين أبصرت الخاتم الذي أهدته لها الفنانة ترتسم عليه صورتها، في تلك اللحظات الفنانة اقتربت منها وجلست خلفها وبدموع حزينة وصوت مبحوح قالت:
- أعرف كم كانت امرأة عظيمة وطيبة، وأعرف كذلك كم كانت تحبك وكم كنت تحبينها، كانت كل شيء بالنسبة لك وكنت لها كذلك، وأنا الآن لم أحضر لآخذ منك ذلك الحب الذي كان يربطكما، بل بالعكس أحبيها على قدر ما تقدري وأكثر، لكن أرجوك يجب أن تعرفي أنني عشت أكثر من ثلاثة عشر سنة أنتظرك، وكنت من غيرك ضائعة بقلب حزين ... ولما عرفت الحقيقة صدقت على طول أنك عمري الذي ضاع لأن قلبي كان يحس أنك قريبة مني، وقلب الأم عمره ما يغلط وصدق من قال ذلك، منال حبيبتي ... بيدك إرجاع ابتسامتي للأبد وأعدك أنني لن أتخلى عنك هذه المرة ولو لحظة من حياتي.
بدأت منال تدير رأسها نحو الفنانة بعيون تحجرت بها الدموع ورغم أن الصوت هو صوت الفنانة أمها الحقيقية وقبل أن تتضح لها ملامح وجه الفنانة جيدا تكاد لا تصدق ما تراه عينيها نفس صورة المرأة التي كانت تزورها بالمنام وبنفس الثياب البيضاء والشعر الأسود المنثور على كتفيها، وما إن ظهرت لها ملاح الفنانة أمها حتى نطقت بصوت مخنوق:
- أنت ... ؟!
لحظتها ... شعرت الفنانة بقلق شديد وقد ازدادت دموعها على خديها، فحين منال راحت تمد يديها بكل حنية نحو خدي أمها لتمسح لها دموعها، وما إن التمستها يدي منال حتى حضنتهما بيديها وتنهدت بعمق وارتياح وأغمضت عينيها وراحت تقبلهما، فإذا بمنال تنطق قائلة:
- معقول إنها نفس الصورة التي لم تكن ملامحها واضحة ... أنت ... أمي 
فتحت الأم عينيها وتوقفت فترة تتبادل نظرات كلها حب وحنان وشوق ونطقت قائلة:
- ممكن أسمعها منك مرة ثانية...
ابتسمت منال وأمسكت بيدي أمها للقيام ثم قالت:
- أمي … حبي لك كان أكثر من حبي لك كفنانة ...
فعانقتها الأم بشوق كبير.
في تلك اللحظات كان طارق قد انتهى من كتابة ورقة وضعها داخل سيارة الفنانين أمام المقود، ثم ركب هو وأبوه السيارة وهما يقلعان، أبو طارق لم يستطع إخفاء دموعه التي نزلت رغما عنه وراح يمسحها.
***
منال وأمها يتجهان صوب الشاطئ لتخرجا من البحر.
تتوقف منال لتتبادل النظرات مع أبيها الفنان، الأب لحظتها يشعر بقلق وبنوع من الإحراج، لكن ما إن بدا يدخل البحر بخطوات ثقيلة متعثرة حتى سارعت منال جريا نحوه وهو الآخر يجري نحوها ويعانقها بوسط البحر ...
ركب الثلاثة السيارة، وكانت منال تتوسطهما أثناء الإقلاع بالسيارة تنبه الفنان


للورقة فمد يده وفتحها ثم ابتسم وسلم الورقة للفنانة قائلا:
- إنها لك...
أمسكت الفنانة بالورقة فكان المكتوب «باسمي واسم أبي طارق نقول لك عيد ميلاد سعيد»
بعدها ضمت الفنانة منال بكل حنان. النهــــــــاية
"قصة لقاء نجمة"


هناء12 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس