عرض مشاركة واحدة
قديم 15-01-12, 09:04 AM   #14

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

4-استقرت في مهماتها الجديدة مخفية ما استطاعت ملامح تعبها. واكتشفت برعب أن شخصاً ما تقصد تشويه سمعتها كطاهية جيدة, وبرعب أكبر أنها واقعة في حب جيرفيه!



دخلت جوسلين إلى غرفة ابنة عمها و أخبرتها في الحال قائلة:
-غيرت رأيي, يا كاميليا. سأبقى هنا مدة أطول.
-آه, يا جوسلين, هذا خبر مفرح! أنت طيبة... كنت أعرف بأنك ستقبلين أخيراً.
-لم تفهمي ما جرى. لقد أصاب السيدة سانتون حادث.
جلست الفتاة على حافة السرير لتشرح لكاميليا ما جرى للعمة. فقالت المرأة الحامل بعد سماع القصة:
-حسناً. سيرسل جان-مارك في الغد برقية إلى عمي جون و يخبره فيها بأنك أجلت موعد سفرك, ولا تعرفين بعد متى ستعودين.
شعرت جوسلين برغبة ملحة أن تهز هذه المرأة الأنانية بعنف, لكنها اكتفت بالقول في لهجة جافة:
-بقائي هنا ليس سهلاً عليْ. هل تتخيلين الوضع؟
-هذا جنون وحمق... ستتدبرين أمرك بروعة. أنت موهوبة جداً في القيام بالأعمال المنزلية.
تثاءبت المرأة و تمطت, ثم أضافت تقول:
-أخيراً, سآكل من يدك الطعام اللذيذ, الانكليزي, بدلاً من هذه المأكولات المليئة بالزيت و الثوم. هل تعتقدين بأننا سنتمكن من أكل لحم البقر هنا بدلاً من الضأن كل يوم كل يوم...
كبتت الفتاة حنقها, وقالت بحزم:
-الآن اسمعيني, يا كاميليا. لن أتمكن من القيام بهذا الدور المفروض عليّ إلا بشرط واحد, وهو أن تساعديني. الظاهر أنك لا تعرفين مقدار العمل الذي تقوم به العمة كل يوم. فإذا لم تعديني بالتعاون, سأضطر أن أقول لجيرفيه بأنني لا أستطيع إدارة هذا المنزل وحدي. في كل حال, لا أظنه يعتقد بأنني قادرة على ذلك. كما أنا لست أكيدة أيضاً من امكانيتي في تحمل هذه المسئولية الكبيرة. لكنني سأحاول . . أريدك فقط أن تعاونينني قليلاً. و إلا سأسافر في الوقت المحدد, و أنا جدية بما أقول.
-ماذا تقصدين؟ أنا ليس بمقدرتي أن أنظف هذا المكان.
-كلا, طبعاً. إذا كنت سأطبخ للحراس و أنظف البيت و أهتم بالعمة, فلن أستطيع أن أحضر صينية طعامك و أجلبها لك إلى غرفتك. عليك إذا أن تتناولي الطعام معنا, من الآن فصاعداً.
-كلا. لا أستطيع ذلك... ليس من العدل أن تطلبي ذلك مني.
أجابت الفتاة بهدوء:
-حسناً, في هذه الحال, لن أحل مكان العمة المريضة. والآن, سأذهب و أطمئن على حاله, ثم أقول لجيرفيه أن يتدبر غيري.
خرجت الفتاة بسرعة غير تاركة لكاميليا أي مجال لاستعمال لغة الدموع المعروفة عنها. فوجدت العمة تحاول خلع ملابسها و حدها, ولما أرادت جوسلين مساعدتها, رفضت العجوز بعناد, و أحمرت خجلاً. لكن جوسلين أصرت عليها بتهذيب. ولما وضعت العجوز أخيراً في سريرها, ذهبت الفتاة إلى غرفة الجلوس لتعد مائدة الطعام. فالعشاء ليس مشكلة, لأن الحراس يأكلون عادة الخبز و السلطة و الجبنة و اللحوم الباردة. بينما الغداء يتطلب وقتاً طويلاً و جهداً كبيراً.
كانت في المطبخ تطحن البن عندما دخلت كاميليا. كانت ترتدي فستاناً كتانياً أحمر, وتنتعل صندلاً ذهبياً يتناسق مع أساورها. قالت بصوت الضحية:
-ها أنا ارتديت ملابسي.
حضنتها جوسلين بين ذراعيها وهمست:
-م-م. م... رائحتك ذكية. شكراً, يا كاميليا. أؤكد لك بأن الأمر سيكون أقل صعوبة مما تعتقدين. هل تريدين فنجان قهوة؟
-نعم, لكن ليس هنا. فالجو خانق.
خرجت من الغرفة وهي تقول:
-لا أعرف ماذا ستكون ردة فعل جان-مارك عندما يعلم بأنك أرغمتني على مغادرة الفراش.
-سأجلب القهوة إلى غرفتك.
وصل جان-مارك بعد حوالي نصف ساعة. سلم على عمته وعلى زوجته, ثم جاء إلى المطبخ ليتحدث مع جوسلين:
-جوسلين, هل تعتقدين بأنه من الحكمة إرغام كاميليا على تناول الطعام هنا؟ أنت لا تصرين على رؤيتها مرتبكة و متوترة, أليس كذلك؟ كما تعرفين أنها امرأة شديدة الحساسية!
-الأمر يتعلق بك. لكن بنظري أنا, خروجها من السرير سيفيدها كثيراً.
حك الرجل ذقنه متردداً, ثم قال:
-ربما تكونين على حق, لا أدري.
دخل جيرفيه, صافح أخاه و رمى قفاذتيه و قبعته على الكرسي, ثم قال:
-الرجال مستعدون للدخول. هل تريدين أية مساعدة؟
-كل شيء جاهز, شكراً. ربما تفضل الاهتمام بالمشروب؟
-نعم, طبعاً.
خرج الشقيقان من المطبخ. وضعت جوسلين بيضتين في المقلاة وسخنت بعض الحليب, ثم أخذت صينية العشاء إلى العمة, و فوجئت بجيرفيه هناك, قطع الرجل حديثه و نهض. فاقتربت الفتاة من سرير العمة وقالت:
-آمل أن يعجبك الطعام, يا سيدتي. إذا كنت تفضلين شيئاً آخر, سأحضره لك بسرور.
شكرتها العمة بلطف, على غير عادتها, و استقبلت الصينية بفرح.
قالت جوسلين لجيرفيه:
-ستشعر السيدة براحة أكثر إذا كان باستطاعتك أن تضع إطاراً على حافة السرير, يمنع ثقل الأغطية عن قدمها المصابة.
-حسناً, سأهتم بالأمر بعد العشاء.
نظرت إليه الفتاة مباشرة في عينيه وقالت:
-آه, هناك شيء آخر. لقد نجحت في اقناع كاميليا أن تتناول لعشاء معنا, في المساء. وستكون تلك تجربة بالنسبة إليها. أتمنى أن تجعل الجو هادئاً لها.
-طبعاً.
-شكراً.
توجهت الفتاة نحو الباب, فتبعها, فتح لها الباب, ثم قال بمرح:
-ستحدث تغييرات جذرية في نظام البيت, على ما أظن.
-ربما. هل أخبرت العمة بأنني سأتوكل بإدارة المنزل مكانها؟
-ليس بعد. سأخبرها بالأمر غداً صباحاً... إذا لم تغيري رأيك.
وخرج من الغرفة قبل أن تتمكن من الرد عليه.
كان الحراس على مائدة الطعام عندما قدم جان-مارك و زوجته إلى الجميع. فنهض الحراس وحيوا المرأة بصوت واحد " مساء الخير يا سيدة سانتون". ثم جلسوا لمتابعة حديثهم. طبعاً, وجود المرأة, النارية الشعر, التي حبست نفسها طوال هذا الوقت في غرفتها, يثير فيهم الاهتمام, لكن فضولهم ظل مكبوتاً, وتصرفهم مهذباً.
جلست كاميليا على طرف الطاولة, يحيط بها زوجها و أخوه, بينما جلست جوسلين قرب جان-مارك الذي بدأ يتحدث بتفصيل عن نهاره, في مدينة آلرز. ثم طلب من الفتاة أن تخبرهم مفصلاً عن حادثة العمة. ران صمت ثقيل بعدما انتهت من الحديث. لكن جيرفيه قطعه, إذ التفت نحو كاميليا و راح يحدثها بلطف و محبة. استرخت المرأة بسرعة و ابتسمت وهي تتكلم معه, كان لا خلاف بينهما.
بعد العشاء, رفضت كاميليا الذهاب مباشرة إلى غرفتها و أرادت الجلوس في الساحة مع زوجها. وذهب جيرفيه ليهتم باطار سرير العمة, بينما جلت جوسلين, حالمة, تحاول طرد الأفكار المقلقة من رأسها. ثم نهضت وباشرت بإفراغ الصحون عن المائدة.
-هل بإمكاني مساعدتك يا آنسة جوسلين؟
انتفضت الفتاة و قالت باستغراب:
-آه... رفاييل. لم أسمعك تدخل.
-آسف. هل بإمكاني مساعدتك؟
-هذا لطف منك. لكنني قادرة أن أتدبر أمري بسهولة. أنت عملت طوال النهار.
-لكنني لا أشعر بالتعب. إنه لفرح كبير أن أستطيع مساعدتك, يا آنسة...
-حسناً... ما دمت مصراً... شكراً.
بعدما جلب الشاب الصحون المستعملة إلى المطبخ, بدأ يساعد في تجفيفها. فاندهشت الفتاة لأنها اعتقدت بأن هذا العمل بالنسبة إليه خاص بالنساء فقط. وراح يخبرها بأن والده صاحب دكان لبيع البن في مدينة آلرز. لكن جده كان حارس ماشية و ورث عنه هذا الميل. كما أخبرها بأنه ربح كمية من المال لا بأس بها, فاشترى لنفسه دراجة و جهاز راديو.
-سأريك المذياع, يا آنسة.
خرج الشاب بسرعة, ولما عاد, وضع المذياع على الطاولة وأداره وقال:
-آه, موسيقى البوب. هل تحبين الرقص, آنسة جوسلين؟
-آه, نعم, كثيراً.
راح الشاب يرقص حول الطاولة, ويحمسها على الانضمام إليه. بعد تردد قصير, شاركته بفرح. فجأة, توقفت الموسيقى و قال الصوت:
-آسف لإفساد فرحكما, لكن يبدو أنكما نسيتما بأن العمة مريضة وأن الضجة تزعجها.
كان هذا الكلام صادراً عن جيرفيه, المتقلص, الواقف على عتبة الباب.
-اعتذر رفاييل و حمل مذياعه و ولى. فقالت جوسلين محتجة:
-لم تكن الموسيقى صاخبة, و أنا أكيدة بأن العمة لم تسمع شيئاً.
-سألها متجاهلاً كلامها:
-ماذا كان يفعل هنا؟
-كان يساعدني في غسل الصحون و تجفيفها. يبدو أنه صبي لطيف.
رفع جيرفيه حاجبيه وقال:
-صبي؟
-أظن أن عمره أقل من عشرين سنة.
-عمره 19 سنة. لكن هنا الرجال يبلغون باكراً. إنه رجل, يا صغيرة... و بالنسبة إليه, أنت امرأة.
-ماذا تعني بالضبط؟
-إذا كنت لطيفة معه سيعتقد بأنك تريدين مغازلته.
-آه, صحيح! هذا تافه! أنا أكيدة بأن هذه الفكرة لم تخطر بباله. فهو ليس من هذا النوع. انه خجول جداً.
ضحك جيرفيه بسخرية و قال بجفاف:
-جميع الرجال يعتقدون ذلك عنه. انه يتصرف بحذر معك الآن, لأنك ضيفتنا, لكنه رجل ذو تجارب عديدة. ربما لا تعرفين بأن الرجل الفرنسي يعتبر الفتاة الانكليزية طائشة وسهلة المنال.
أجابت ببرود:
-في هذه الحال, لا تقلق من جهتي.
-لم أقل بأني أحبذ هذه النظرية, لكنني أحذرك ببساطة من الرجال الفرنسيين عامة, ومن رفاييل خاصة, لأنه ربما يكون من دعاة هذه النظرية.
-لكنه سيتخلى عن أوهامه بسرعة متى عرفني.
-من الأفضل ألا نصل إلى هذا الحد.
في تلك الأثناء دخل جان-مارك وقال:
-تريد كاميليا أن تأوي إلى فراشها, وتسأل إذا كان بإمكانك أن تسرحي لها شعرها, يا جوسلين.
-بكل سرور. اعذرني, يا سيد سانتون.
سألت كاميليا ابنة عمها:
-ماذا جرى لجيرفيه؟ كان شديد اللطف معي على مائدة الطعام. ماذا قلت له؟
-أنا, لا شيء. منذ لحظة كان يوبخني و يعظني لأنني لم أتصرف بلباقة.
و شرعت تخبرها عن حادثة المطبخ, فقالت لها كاميليا:
-نظرته في محلها. صحيح انك تملين هنا حتى الموت, لكن لا يجب عليك أن تشجعي هذا النوع من الناس.
احتجت الفتاة و قالت:
-لكنني لم أشجعه. وماذا تعنين بـ.. هذا النوع من الناس؟
-لا تكوني حمقاء, يا حبيبتي. في انكلترا, لا يمكنك أن تخرجي مع شباب من هذه البيئة الاجتماعية.
-هل نسيت بأن جان-مارك كان حارس ماشية أيضاً؟
-هذا أمر مختلف. آل سانتون أصحاب ماشية ومعروفون. حسب رأيي, لا يجب للحراس أن يدخلوا عتبة هذا المنزل اطلاقاً. على الأقل لو ينزعون قبعاتهم خلال الطعام.
-هنا, التقاليد لا تطلب منهم ذلك. لماذا لا يمكنك أن تتقبليهم على حقيقتهم أنهم أفضل بكثير من الشباب المخنثين الذين كنت تخرجين معهم, في لندن.
-صحيح بأن لك أفكاراً غريبة! لم تجادلي هكذا, في الماضي. ما بك؟ لقد تغيرت منذ وصولك.
-آه, صحيح؟ لا أشعر بأنني تغيرت, والآن, سأستعير ساعة المنبة, كي أفيق باكراً في الصباح و أعجن الخبز!
-يا إلهي! هل تعرفين صنع الخبز؟ أنا لا أعرف أي شيء عن هذا.
-آه, نعم. إنها عملية سهلة جداً.
في الخامسة إلا ربع دقت ساعة المنبه, فنهضت جوسلين من نومها, و قفزت من السرير و فتحت النافذة على مصراعيها. لم يبدأ النهار بعد. لكن بينما كانت تغتسل و ترتدي ملابسها, سمعت صياح الديك. الجميع ينامون ولم يظهر الحراس إلا بعد السادسة.
وفي طريقها إلى المطبخ عرجت على غرفة العمة للاطمئنان عنها. رأتها نائمة بهدوء. وبينما هي خارجة من الغرفة, انتفضت مكانها: هناك انسان آخر في الغرفة! انه جيرفيه, نائم على الكرسي, مكتف اليدين, وذقنه فوق صدره. وبينما كانت تراقبه, تحرك لكنه لم يفق من نومه. فتساءلت الفتاة إذا كان من واجبها أن توقظه لتطلب منه أن يذهب إلى سريره وينام قليلاً قبل بدء نهار العمل الطويل. فتقدمت منه, ثم ابتعدت, مقررة عدم ازعاجه.
في المطبخ, وجدت صعوبة في اشعال نار الفرن. ثم تمكنت من ذلك بعدما ملأت يديها و وجهها بالغبار الأسود. اغتسلت ثم جلبت الطحين و الخميرة بغية تحضير الخبز. كان عملاً متعباً و صعباً. ولما انتهت, وضعت العجين قرب النار ليتخمر لمدة ساعة تقريباً. ثم راحت تمسح أرض الغرفة. وفي حوالي السادسة كان الخبز في الفرن و القهوة معدة. سكبت لنفسها فنجاناً وجلست قليلاً لتحتسيه.
فجأة امتلئ المطبخ بأشعة شمس الشروق, فقامت و فتحت الباب من جهة الشمال, ما تزال السماء رمادية, بينما, شرقاً كانت وردية مذهبة. مشت الفتاة نحو الساقية حيث ينبت السوسن البري. وما لب أن اختفى الضباب الصباحي مع طلوع الشمس.
بعد قليل, برزت ثلاثة أحصنة فجأة من وراء الضباب, هزت اعناقها و أذنابها... ثم اختفت. لم تحدث أي ضجة لأن حوافرها منتزعة فبدت كأشباح خيالية... وفي هذه اللحظة بالذات, عرفت جوسلين بأن ابنة عمها على حق: نعم لقد تغيرت منذ وصولها إلى هنا. ومن دون وعي أو ادراك, وقعت في حب هذا المكان... في حب هذا البلد المنغلق, الغريب.
عادت إلى المطبخ لتجد جيرفيه يسكب لنفسه القهوة. كان قد حلق ذقنه و غير قميصه ولم يبد أنه قضى الليل كله نائماً على كرسي صغير, غير مريح.
ابتسمت له, ناسية مشاحنة الأمس و قالت:
-صباح الخير. الطقس رائع اليوم.
-صباح الخير. و أنت أيضاً تبدين بمزاج رائع. منذ متى بدأت العمل؟
-منذ الخامسة. هل تريد أن تأكل شيئاً الآن؟
-كلا, شكراً. ليس الآن.
-لا شك أنك تعاني من آلام في الظهر. عندما استيقظت, عرجت على غرفة العمة لأطمئن عنها. فوجدتك نائماً على الكرسي.
-آه, فهمت. نعم. أشعر بتيبس بسيط في ظهري. لكن ذلك سينجلي بسرعة.
لم تعرف الفتاة ما الذي دفعها إلى القول:
-أنت تحب عمتك كثيراً, أليس كذلك؟
-كان هناك احتمال بسيط أن تكون كدمة رأسها خطرة أكثر مما توقعت في البداية. لذلك فضلت البقاء قربها لمراقبتها. لكن قلبها ينبض جيداً, و حرارة جسمها عادية. انها تتنفس بشكل طبيعي, ولم يعد هناك أي سبب للقلق عليها.
-آه... أنا سعيدة لهذا الخبر.
اتجهت الفتاة نحو الخزانة, فتحت أحد الأدراج لتخرج منه السكاكين و الملاعق, لكنها قبل ذلك, التفتت نحوه و قالت:
-أعتقد أنه من واجبي الاعتذار منك. لقد انزعجت كثيراً منك عندما رفضت استدعاء الطبيب. لكنني أرى الآن بأنك قلق عليها مثلي... بل ربما أكثر. أنا آسفة يا سيد سانتون.
حدق بها من دون أن يرد و كانت نظرته مليئة بالتهكم. لكنه ابتسم لها قبل أن يقول:
-هل تعرفين أن تحلبي البقر؟
-كلا... لا أعرف.
-إذن, سأحلب البقرة أنا, مكانك.
ذعرت الفتاة وصرخت:
-آه, يا إلهي. نسيت الحليب على النار.
ثم أضافت بقلق:
-كما لا أعرف صنع الزبدة, أيضاً.
=لا أهمية لذلك. سأوكل أحد الحراس بهذه المهمة, لبضعة أيام. صناعة الزبدة عمل صعب و متعب, لمن ليس معتاداً عليه.
خرج جيرفيه ليحلب البقرة, تاركاً الفتاة مندهشة أمام لطفه الغريب.
في الصباح, وصل الطبيب لتفقد صحة المرأة الحامل, ففرح لرؤيتها خارج السرير. و هنأ جوسلين بذلك, فوجدته الفتاة انساناً لطيفاً, و وثقت به عندما طمأنها بأن لا خطر على صحة كاميليا و الطفل و أن الحمل يسير بشكل طبيعي. كما قال لها بأن العمة بحاجة إلى أسبوع راحة كي تستعيد نشاطها الروتيني من جديد.
احضرت جوسلين للغداء ثلاث فطائر بالجبن و البصل و الكوسى, فلاقت نجاحاً كبيراً ولم يبق لها أثر في نهاية الطعام.
ومع ذلك, فبينما كانت تجلي الصحون, شعرت بالحزن و بعض الانهيار النفسي و الكآبة:" أما كان بإمكان جيرفيه أن يقول لها شيئاً بدوره". جميع الحراس أثنوا عليها بكلمات المديح, لكن جيرفيه غادر الطاولة من دون أن ينظر إليها.
ولمدة ثلاثة أيام متتالية, كانت جوسلين تعمل بقسوة, تكبت أحياناً دموعها بسبب الام تملأ كل أنحاء جسمها. لكن, كلما رأت جيرفيه في الجوار, تتذرع بالنشاط و ترندح الأغاني باسترخاء.
ذات مساء, أعلن لها جيرفيه بأنه سيذهب إلى مزرعة آل دورانس وطلب منها مرافقته, فاعتذرت منه وقالت:
-كلا, لن آت. سأغسل شعري و أكتب بعض الرسائل الضرورية ولا وقت لديّ للزيارات.
رمقها بنظرة ثاقبة وقال:
-أنت شاحبة الوجه. هل عمل المنزل يتعبكِ كثيراً؟
-كلا. أنا أحب أن أشغل نفسي. هل أنت مستاء من خدماتي؟
-لا أظن أن الرجال مستاؤون من أي شيء.
نظرته الباردة جرحت مشاعرها إلى درجة أنها أدارت له ظهرها وخرجت بسرعة لئلا يرى الدموع في عينيها. وفي تلك الليلة لم تعرف طعم النوم. في منتصف الليل, نهضت من فراشها و وضعت على وجهها عطراً منعشاً ثم اسندت يديها على النافذة و راحت تصغي إلى تغريد العندليب و شعرت بالانفعال يخنقها. المستنقعات تلمع تحت ضوء القمر كبحيرات فضة تذوب. ولما عاد جيرفيه من سهرته, كانت جوسلين ما تزال جاثمة أمام النافذة, لكنها ابتعدت و راها... أخيراً, نامت.
في صباح اليوم التالي و بينما كانت تعد مائدة الطعام, دخل إليها جيرفيه, فحيته باقتضاب و استمرت في عملها. فقال لها:
-رأيت الغجر يخيمون قرب الطريق, مساء أمس. ربما سيتوقفون هنا, في طريقهم إلى الاحتفال بعيد السيدة سارة. فلا تقلقي, لن يسرقوا شيئاً. و إذا قدمت لهم الحليب و الخضرة, قد يخبروك طالعك.
-أنا لا أؤمن بالتنجيم و لا بكاشفات البخت هذه كلها حماقات!
-بمكانك أن تصغي إليهن بتهذيب, من غير أن تصدقي أقوالهن.
قالت من دون أن تنظر إليه:
-آسفة...
-ما الذي كان يمنعك من النوم مساء أمس؟
أجابت مندهشة:
-هل رأيتني؟
-رأيت شيئاً يتحرك وراء النافذة.
-نعم, كان الحر شديداً. هل أمضيت سهرة ممتعة عند آل دورانس؟
-رائعة جداً. سيلين مضيفة ممتعة. ربما سرتينها اليوم, فستأتي لرؤية العمة مادلون.
في العاشرة صباحاً وصلت الفتاة الفرنسية إلى مزرعة آل سانتون, أضمت حوالي نصف ساعة مع العمة, ثم وافت كاميليا و جوسلين في الساحة. كاميليا ممددة على كرسي طويل في ظل مظلة واسعة, تتصفح إحدى المجلات, بينما جوسلين تستريح قليلاً قبل أن تعاود أعمالها العديدة.
في الحال, بدأت كاميليا و سيلين تتحدثان عن آخر اختراعات الموضة النسائية, فدخلت جوسلين تعد لهما القهوة و تتساءل كيف بإمكان الفتاة الفرنسية أن تتصرف بلطف و محبة مع كاميليا التي سرقت منها جان-مارك و تزوجته.
قالت سيلين لكاميليا:
-أنا آسفة لأنك لا يمكنك المجيء لزيارتي, كي أريك ملابسي الجديدة.
هتفت كاميليا بفرح:
-لكنني سأكون مسرورة لزيارتك.
-صحيح. جيرفيه قال لي بأن المسافة في سيارة الجيب ستعرضك للإرهاق, وربما تتأذى صحة الجنين.
-هذا أمر تافه. أنا أرغب من كل قلبي في زيارتك.
-إذن, لماذا لا تأتين في المساء لزيارتي بعدما يعود جان-مارك من عمله. سأريك كل ما اشتريت من باريس, و بإمكان زوجك و أبي أن يتحدثا معاً في سباق الثيران.
-هذا مشروع رائع, يا سيلين.
قالت جوسلين في الحال:
-هل تعتقدين أن هذا قرار مناسب لك, يا كاميليا, الطريق رجراجة, صدقيني.
-آه, لا أريد مشاكل, يا جوسلين. فجان-مارك سيقود السيارة على مهل.
قالت سيلين:
-وأنت, يا آنسة بيشوب, تعالي معهما.
لكن كاميليا تدخلت بسرعة و قالت:
-على جوسلين أن تبقى مع العمة, فلا يجب تركها وحدها, خاصة أنني سمعت جيرفيه يقول بأنه ذاهب في المساء إلى آلرز.
-آه, نعم... نسيت العمة مادلون
نهضت جوسلين وقالت:
-المعذرة, عليّ أن أهتم بتحضير الغداء.
اعدت الفتاة حساء البصل, ثم تذوقته وفرحت لروعة طعمه اللذيذ. و بينما كانت تقطع شرحات الخبز تساءلت لماذا ابنة عمها اصرّت على ابعادها من زيارة مزرعة آل دورانس.
عرّجت سيلين إلى المطبخ في طريق ذهابها وقالت لجوسلين:
-آه, الحر شديد هنا. لا شك أن هذا العمل الذي تقومين به الآن مرهق, أليس كذلك؟
أجابت الفتاة الانكليزية بتواضع:
-لا بأس. لقد قيل لي بأن منزل والدك عصري, و مجهز بكل والوسائل الحديثة الضرورية؟
-نعم. كل شيء فيه. لكن، أنا لا أنظف البيت ولا اعدّ الطعام.
ثم نظرت إلى قدر الحساء و أضافت سائلة:
-وماذا هنا في داخل القدر؟
-حساء بصل.
-هل بإمكاني تذوقه؟
-نعم، طبعاً.
-آه، انه رائع. قال جيرفيه بأن...
سعلت الفتاة كأن الحساء حرق حنجرتها لشدة سخونته ثم تابعت تقول:
-قال جيرفيه بأنك طباخة ماهرة.
-آه, صحيح؟
سمعت جوسلين العمة ترن جرسها, فهرعت إليها. و لما عادت إلى المطبخ كانت سيلين قد ذهبت.
قبل موعد الغداء بقليل, جاءت كاميليا وقالت لابنة عمها:
-ستجعدين شعري, يا جوسلين, اليوم بعد الظهر. فلا يمكنني الخروج هكذا.
قالت هذا الكلام بلهجة آمرة و ولّت.
وعلى مائد الغداء, كانت جوسلين آخر من سكب الحساء في طبقه. جلست بفخر لتستمتع بهذه الوجبة الطيبة. لكن ما ان احتست الجرعة الأولى حتى تقلص جسمها. ولم تصدق, تناولت جرعة ثانية. طعم الحساء مقيت!
وضعت الملعقة و نظرت إلى الرجال. لا أثر لأي تعبير استياء أو قرف على وجوههم, يأكلون بشهية كالعادة ولا يتذمرون من شيء. ثم التفتت نحو ابنة عمها التي كانت تتصنع الاحتساء. اشتبكت نظراتهما، فرمقتها المرأة بنظرات حانقة مما جعل جوسلين على وشك الانهيار وتمنت لو باستطاعتها الاختفاء تحت الطاولة.
أخذت نفساً عميقاً وأعلنت تقول:
-سادتي, يجب أن أعتذر منكم. هذا الحساء لا يؤكل. طعمه مقيت.
وضع الواحد تلو الآخر ملعقته على الطاولة من دون النظر إليها. بعضهم اكتفى بمضغ الخبز, و البعض الآخر, وضعوا فوقه زبدة. تعابير وجوههم فير واضحة.
نهضت جوسلين من مكانها و أضافت تقول:
-أنا آسفة... حقاً آسفة. بسرعة سأحضر لكم شيئاً آخر.
قال جيرفيه بصوت هادئ:
-لا ضرورة, يا صغيرتي. سنكتفي بأكل الخبز الطازج مع الجبنة.
رمقها بابتسامة حارة, فتأثرت كثيراً وفرح قلبها.
ولما باتت كاميليا وحدها مع جوسلين, راحت تؤنبها قائلة:
-حقاً, يا جوسلين! لم يسبق أن انزعجت في حياتي مثل الآن. كيف باستطاعتك أن تفعلي شيئاً كهذا, أنت الفتاة الشاطرة؟!
-آسفة. لم أفعل ذلك عن قصد. حتى الآن لم أفهم ماذا جرى.
-انه الصابون, طبعاً. كيف بإمكانك أن تكوني غافلة, طائشة, إلى هذه الدرجة؟
-صابون؟ مستحيل! كيف يقع الصابون في الحساء؟
-هذا ما أحب معرفته. لا شك أنك كنت ساهية و وضعت منه بدل الزبدة. بأي تفسير آخر يمكنك أن تبرري غلطتك؟
-لكنني من النوع الذي ينتبه كثيراً, ولا أسهو أبداً.
-يا ابنتي العزيزة. لا ضرورة لمتابعة هذا الحوار. في الحساء صابون و هذا كل ما في الأمر. هل سكبت من الحساء للسيدة سانتون؟
-كلا. أطعمتها عجة بالفطر.
-لا شك اذن بأن جيرفيه سيخبرها بما حصل. لحسن حظك أن الصابون ليس مادة خطرة. لكن, مع ذلك، سيمرض بعض الرجال, حاصة الذين تناولوا كل شيء.
ذعرت جوسلين و قالت لابنة عمها:
-آه, لا! هل تعتقدين ذلك؟
-لن أفاجأ بالأمر. أشعر الآن بألم حاد في رأسي. سأرتاح نصف ساعة, و بعدها تجعدين شعري.
بينما كانت الفتاة تجلي الصحون لم تكف لحظة واحدة عن التفكير بما حدث, علها تجد تفسيراً لوجود الصابون في الحساء. افرغت محتوى القدر في برميل القمامة وصعقت حين وجدت في قعره فتيلة شمعة: " آه, الشموع موضوعة في خزينة المونة, و أنا لم أفتحها منذ البارحة". أطرقت الفتاة تقول في نفسها: " إذن, ما حدث ناتج عن تخطيط مسبق. لكن من؟ ولماذا؟
الجواب الأول الذي خطر لها: السيدة سانتون... لكن، صحيح أن العجوز عنيدة وصلبة, لكنها ليست شريرة إلى هذا الحد. و لو أن العمة هي التي وضعت الشمعة في الحساء، لفعلت ذلك في الصباح الباكر, عندما كانت الفتاة تنظف البيت. في الساعة الحادية شرة, كان الحساء لذيذاً لقد ذاقته, و كذلك سيلين...
سيلين! ربما هي التي فعلت ذلك. كانت في المطبخ عندما قرعت العجوز. ولما عادت جوسلين إلى المطبخ, كانت سيلين قد اختفت. تكفي ثوان معدودة لجلب شمعة من خزانة المؤن و وضعها في الحساء.
لكن، كيف تمكنت سيلين من معرفة مكان وجود الشموع, هي التي تأتي إلى المزرعة نادراً جداً؟ لأي سبب فعلت ذلك؟ للمزاح و النكتة؟
كانت جوسلين ما تزال تبحث عن مفتاح السر عندما رأت جيرفيه عائداً على حصانه. دخل المطبخ و سأل:
-أين كاميليا؟ ألا يمكنها مساعدتك في تنشيف الصحون؟
-تعاني من ألم حاد في الرأس, و ترتاح في الوقت الحاضر.
سحبت الفتاة يديها من ماء الجلي, ثم نشفتهما. لقد نسيت أن ترتدي القفازين البلاستيكيين الجديدين, فبدت يداها حمراوين منتفختين.
-وأنت أيضاً بحاجة إلى الراحة. يجب أن تمضي فترة القيلولة في سريرك. لم تخلدي إلى النوم البارحة إلا خمس ساعات وهذا لا يكفي. اتركي كل شيء الآن, و اذهبي إلى غرفتك. تنشفين الصحون فيما بعد.
-كلا, وعدت كاميليا أن أجعد شعرها. ستذهب في المساء إلى مزرعة آل دورانس مع جان-مارك. في كل حال, أنا لا أشعر بالتعب.
كانت تكذب طبعاً, وبينما راحت تمد يدها لجلب منشفة الصحون, أمسك جيرفيه معصمها و هز رأسه و قال:
-ستذهبين إلى غرفتك الآن و ترتاحي, يا ابنتي. تباً لكاميليا و لشعرها. آه, ماذا هنا؟ جرحت اصبعك؟
من دون أن يتركها, جلبها إلى كرسي قرب الطاولة و قال:
-اجلسي. سأضع فوق الجرح دواء مطهراً, ثم لصقة وقائية.
ادركت جوسلين في الحال أنه من الأفضل لها عدم معارضته و إلا جرها إلى غرفتها. قال:
-اذن كاميليا ذاهبة في المساء لزيارة مزرعة آل دورانس! أنا غير موافق لكن لا أستطيع منعها إذا كان زوجها موافقاً. هل دعتك سيلين لزيارتها أيضاً؟
-نعم, لكنني رفضت. أنت ذاهب إلى المدينة, أليس كذلك؟ و أنا سأبقى قرب العمة و أنام باكراً.
ذهب جيرفيه ليجلب ما يحتاج لتضميد جرح اصبع الفتاة, ثم عاد وتقدم منها و قال:
-يداك لم تكونا على هذه الحال لدى وصولك إلى هنا. ألست نادمة على قبولك العمل مكان العمة؟
احمرّ وجه الفتاة, فأشاحت وقالت:
-هل تحاول اقناعي بأنك على حق, و بانني مخطئة؟ خاصة بعد حادثة الغداء...
-آه, نعم... الحساء...
فضلت عدم النظر إليه كي لا تعرف قصده. تشعر دائما بالانزعاج قربه و خصوصاً اليوم, لأن اعصابها متوترة جداً. قالت بصوت متقلص:
-كنت لطيفاً في تصرفك معي, بعد الحادثة. وفي كل حال, لم تكن مخطئاً حيالي.
سألها بجفاف:
-وهل رأيي يهمك؟ تصورت بأنك لا تبالين بما أقول و أفكر.
نظرت إليه أخيراً و رأت في عينيه بريقاً يقطع الانفاس. لم يتسن لها الوقت للرد عليه, لأن كاميليا دخلت في هذه الأثناء إلى المطبخ وقالت:
-أشعر الآن بتحسن, يا جوسلين. هل أنت مستعدة لتجعيد شعري؟
قال جيرفيه بسرعة:
-للأسف جوسلين تعاني من ألم حاد في الرأس و أمرتها أن ترتاح حوالي ساعتين.
بدأت كاميليا تقول:
-لكن, و شعري...
قاطعها بخشونة و قال:
-شعرك يستطيع الانتظار, يا سيدة.
ثم تأبط ذراع الفتاة و رافقها حتى الغرفة, وقال لها:
-لا تحاولي الخروج. سأكون في المنزل و سأسمعك.
ثم أدار ظهره و ذهب.
بقيت جوسلين ممددة في غرفتها المعتمة طول ساعات الظهر الحارة. لكنها لم تنم لحظة. لا تفكر بشيء, لا بالحساء المقيت, ولا بتجعيد شعر ابنة عمها, و لا بالكوي غير المنتهي, ولا بتحضير العشاء... بدت لها كل هذه الأمور من غير أية أهمية اطلاقاً. لا يهمها سوى شيء واحد: اكتشافها الرهيب بأنها وقعت في حب جيرفيه سانتون.
حوالي الرابعة, نهضت جوسلين من سريرها, اغتسلت و ارتدت ملابس نظيفة ثم خرجت إلى المطبخ, حيث وجدت كلمة تقول:
-لقد أوكلت شخصاً لزيارة عمتي في المساء و المكوث قربها, فأنت اذن حرة لزيارة مزرعة آل دورانس, إذا كنت ترغبين ذلك.
لا توقيع على الرسالة, لكنها ليست غبية لتعرف بأنها صادرة عن جيرفيه نفسه.
لما حملت جوسلين القهوة لابنة عمها, قالت لها هذه الأخيرة بوجه عابس:
-اذن, تشعرين الآن بتحسن؟
-نعم, شكراً. هل ذهب جيرفيه إلى مدينة آلرز؟
-نعم. كما وجد من يبقى مع عمته. بإمكانك المجيء معنا, إذا كنت ترغبين بذلك.
-كلا, لن آتي. لا شيء يهمني في هذه الزيارة.
هزت كاميليا كتفيها و قالت:
-كما تريدين.
كانت المرأة غاضبة بسبب شعرها, لكنها لانت عندما اقترحت عليها ابنة عمها أن تجعده لها على الناشف. ولما عاد جان-مارك من عمله, كانت زوجته جاهزة, متألقة, و بمزاج رائع.
حوالي الثامنة, انتهى العشاء, فغسلت جوسلين الصحون كالعادة, ثم خرجت في سيرها الاعتيادي نحو الساقية, بينما كانت زوجة أحد الحراس تثرثر مع العمة. راحت تتأمل السهل الواسع, الممتد أمامها محروقاً بالشمس اللاهبة.
فجأة فكرت بانفعال مفاجئ: " ربما جيرفيه يعود باكراً ؟ "
ثم قالت الناحية المدركة في دماغها: " لا تكوني حمقاء. إذا بدأت منذ الآن التفكير و الحلم به, ستخسرين نفسك! الأفضل عدم التفكير به اطلاقاً. ليس هذا ما يسمونه " الحب" يا أيتها الحمقاء, انما ميل فاتن, فقط لا غير " .
و بينما كانت منغمسة في افكارها, لم تسمع رفاييل يقترب منها. فحين لمس ذراعها, انتفضت, فقال لها:
-لم أكن أقصد اخافتك. انما كنت أتساءل إذا...
توقف عن متابعة الكلام, منزعجاً, خجولاً. نظرت إليه الفتاة نظرة مشجعة, فأضاف يقول:
-...إذا كنت تحبين أن تأتي إلى للسباحة, يا آنسة؟
-لكن, أين؟
-في البحر. انه لا يبعد من هنا سوى كيلومترات قليلة. في دراجتي النارية, نصل بسرعة. لكن, ربما لا تحبين البحر؟
-آه, بلى, بالعكس.
-اذن, هل تأتين؟
ترددت جوسلين. لديها الكوي غير المنتهي. لكنها بحاجة إلى تمويه عقلها. فالسهرة على شاطئ البحر شيء مريح, سيسمح لها بالنوم جيداً, خاصة إذا سبحت حتى التعب, ثم أجابت:
-سأكون مسرورة جداً بمرافقتك, يا رفاييل. انتظرني.
لم تسألها السيدة سانتون إلا عن موعد عودتها, عندما اخبرتها الفتاة عن رحلة البحر. فارتدت قميصاً قطنياً فوق سروال الجينز و وضعت بزة السباحة في منشفة, ولم تنس أن تأخذ معها كنزة.
كان رفاييل ينتظرها على دراجته النارية. بعدما تأكد من جلوسها المريح وراءه, أدار المحرك, ثم قال لها بصوت عالٍ:
-تمسكي جيداً, يا آنسة.
وضعت الفتاة ذراعيها حول خصره و تنفست عطره الناعم, ثم تذكرت تحذيرات جيرفيه: " إذا كنت لطيفة, سيظن بأنك تريدين مغازلته. انه رجل... و أنت, بالنسبة إليه, امرأة " .
α α α α


جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس