الفصل الثاني
السجان الجديد عندما استعادت كولين وعيها كانت في نفس الغرفة التي فقدت الوعي فيها .ولكن الذراعان القويتان لم تعودا تحيطان بها.
وتساءلت إذا كانت قد تخيلت ما حدث ، ووجدت جوليانو انريكو واقفا بقربها . ربما لم يكن هو ، بل شخصا آخرا هو الذي وضعها على أريكة ، وليس على الأرض.
وتملكها التعب ، ورغبت في إغماض عينيها ثانية . ثم تذكرت الأشياء الفظيعة التي قالها لها هذا الرجل الأطول من المكسيكين العاديين ،
وجاهدت كي تجلس ، محاولة الاحتفاظ بأكثر مايمكن من كرامتها .
وسمعته يقول:
-هل تشعرين بشكل أفضل سنيوريتا؟
وتذكرت بأنه اتهمها بأنها أتت إلى المكسيك لترى ما تستطيع أن تلتقطه هنا من ثروة !
-أنا بخير تماما.
وأدركت ، من دون أي شك ، بأنه لم يصدق بأنها غابت عن الوعي . وحمدت الله على كبريائها الذي استطاع دفعها إلى الوقوف،
دون أن يبدو عليها ما يشير إلى مدى ارتجاف ساقيها .
وكان الرجل الذي بدأت تكرهه أكثر من أي شيء آخر في الدنيا . واقفا ايضا .
ولكن تجاهلت يده الممدودة بقصد مساعدتها:
-أعتذر لإغمائي هكذا ... فهذا أمر لايحدث لي عادة .. لقد مضى وقت طويل لم أنم فيه.
-اسمحي لي إذا ياسنيوريتا ، أن أعوضك عن هذا .
ونظرت إليه، وأخذ عقلها يفكر بوضوح أكثر ، الوضع الذي هي فيه لا تحسد عليه . فليس لديها أية فكرة عن مكان وجود شقيقها،
ولا أحد آخر قد يعرف . وليس لديها مال كثير ، ولن يوصلها هذا إلى أي مكان.
-هل تقترح علي أن أنام هنا ؟
-هذا صعب . فعائلتي قد عانت ما يكفي على يد عائلتك . ولا يمكن التفكير بأن تستيقظ إيزابيلا صبيحة اليوم الذي كان يفترض أن يكون يوم زفافها لتجد شقيقة من خانها تنام تحت سقف واحد معها.
-رايان لا يفعل ...
وقاطعها بثبات :
-سآخذك إلى فندق ..وسنخرج الآن .
إذا فهو لايريدها في المنزل ولا دقيقة بعد. بإمكانها أن تتفهم هذا.
فلا بد أن ايزابيلا بحاجة لعناية طبية لتهدئتها . ومع ذلك فلم تستطع تصديق أن رايان قد فعل هذا.
-هل أنت جاهزة للذهاب ؟
ودون أن ترد التقطت حقيبة الكتف التي أدخلتها معها ، وتحركت نحو الباب حيث كان جوليانو إنريكو ينتظرها، ورافقها عبر التراس والتقط حقائبها ثم أتجه معها إلى سيارة واقفة خارج المنزل ،
فجلست فيها آملة أن يختار فندقا صغيرا رخيصا.
وغاص قلبها عندما لاحظت أنه أوقف السيارة أمام فندق كبير فخم وحديث، فهذا سيكلفها الكثير ، وهي تعرف هذا .
وقالت له ، راجية أن يظن بأنها تفضل الفنادق الصغيرة ولاشيء أكثر .
-أفضل فندقا أضغر من هذا .
-ما تفضلينه ليس مهما الآن ، فالوقت متأخر ولا أنوي قضاء الليل في البحث عن مكان يلائم ذوقك.
ونزل من السيارة وفتح لها الباب ، ثم حمل حقيبة في كل يد ، ووقف على الرصيف ، ومن الواضح أنه كان يتوقع أن لا تناقشه ،
ولكنها لم تتحك خطوة . وأحست بكراهية له أكثر ، ليس فقط لأنه قال لها بأنها أتت إلى هنا بحثا عن الثروة ، بل أيضا لأنها ستضطر أن تخبره عن وضعها المالي . وواجهته قائلة:
-ما معي من مال لا يتناسب مع هذاا النوع من الفنادق .
-أتعنين أنك هنا دون مال ؟
ولم تعجبها رنة الرضى في صوته التي تثبت ريبته فيها . ودون أن تنظر إليه ، دفعها كبرياؤها ثانية وسارت متجهة إلى مدخل الفندق .
إقامتها هنا سوف تدمرها ماليا ، وهي تعرف هذا ، ولكنها لن تفكر بهذا قبل أن تحصل على بعض النوم.
ووقفت جانبا ، بينما كان يتحدث مع موظف الاستقبال ، ثم شاهدت صبيا يحمل حقائبها ويأخذ المفتاح ، ونظرت بثبات إلى جوليانو إنريكو غاتورادي دون أن تفوتها ملاحظة التوقد في عينيه،
ثم استدارت لتلحق بالصبي نحو المصعد . ***
كانت الشمس تشع عبر النافذة عندما استيقظت . ونظرت إلى ساعتها .. لقد كانت تظن أنها ستنام لشدة تعبها عدة أيام ، ومع ذلك فالساعة تشير إلى الثامنة إلا عشر دقائق.
وتذكرت الإرهاق الذي هاجمها بعد خروج الصبي من غرفتها ، ولم يدهشها أبدا أن النوم غلبها فور أ، وضعت رأسها على الوسادة .
وداهمتها نوبة سعال مفاجئة ، حتى دمعت عيناها ، إنها هنا والشمس مشرقة الآن ، فلماذا لايتوقف سعالها ؟
على كل الأحوال ليس لديها وقت الآن للاستغراق في هذه الأفكار ، فهناك أفكار أخرى تتجمع في رأسها .
كانت خارجة من الحمام ، ترتدي ثوبا قطنيا قديما ، عندما شاهدت مذكرة الفندق تقول إن الغرف يجب أن تخلى قبل الساعة الثانية .
وهذا يعني أن أمامها وقت حتى الثانية لتقرر ماذا ستفعل .
في البداية ، سوف تذهب لتقابل مالك شقة شقيقها الذي قابلته ليلة أمس ، فلابد أن شقيقها ، إذا كان هرب مع إمرأة أخرى ،
حتى ولو لم تصدق هذا ، قدترك دليلا على مكان وجوده ؟
ووجدت حرارة الشمس مقبولة في البداية ، ولكن بعد عشر دقائق على من السير ، أدركت أن من المستحيل السير بشكل متواصل ،
وأحست بالراحة بعدما جلست خمس دقائق على مقعد في إحدى الساحات العديدة للمدينة.
وبعد نصف ساعة من السير ، قضتها بالسؤال بواسطة الإشارات وكتاب تعليم الأسبانية ، والرسالة التي تحتوي على عنوان رايان ، تمكنت من الوصول أخيرا إلى حيث تقصد.
وكان عليها أن تعترف بالهزيمة بعد أن رنت جرس الباب ، ثم ضربت على الباب بقوة دون أن تتلقى أي رد .
وخرجت من المبنى ، دون أن تعلم أين ستذهب ، عليها أن تعود فيما بعد ، ولكن المشكلة الجديدة كانت تغزو كل تفكيرها ... إذا وجدت عنوان شقيقها فمن السهل أن تصل إليه .. أين ستقضي هذه الليلة؟
كانت تشعر بالحرارة ، والانزعاج ، ولكن خوف ، ووجدت نفسها في شارع ماديرو .. واغتنمت الفرصة لتهرب من الشمس ، فدخلت إلى أحد محلات بيع الكتب .
ولم تكن تنوي شراء شيء ، ولكن المكان هنا أبرد وامضت عدة دقائق في تفحص بطاقات البريد وتفكيرها مشغول فيما ستفعله الآن ؟
وخرجت من المحل ، واتجهت إلى حديقة عامة فيها نافورة ماء تتدفق ، يقصدها العديد من الناس الهاربين من حرارة الشمس للاسترخاء على المقاعد الخشبية الموضوعة هناك.
ولكنها لم تستطع الأستقرار ، فوقفت ثانية ، وأخذت تتمشى على مهل .
كواريتارو ، كما علمت ، بلدة ذات أهمية تاريخية . فهنا أُعدم الإمبراطور ماكسيميليان ، وهنا عاشت جوزفين اورتيزدو دومينغيز بطلة الاستقلال ، وإلى هنا أُعيدت بقاياها بعد موتها .
وتمنت وهي تمر قرب التمثال المقام لها في الساحة لو أنها تملك جزءا يسيرا من شجاعتها .
وبلغت الساعة الثانية عشر ، وهي ماتزال تسير على مهل وعلى غير هدى .
ووصلت إلى كنيسة "سانتاروزا" ودخلتها لتخرج بعد قليل وهي تشعر بالهدوء أكثر ، مع أنها ظلت قلقة ، وسارت نحو الحديقة المقابلة لتجلس هناك ، وتذكرت أن عليها العودة إلى الفندق قبل قبل الثانية ،
ولكنها لم تكن متلهفة لأن تحمل حقيبتين وتسير في الشوارع ، وخطرت في بالها فكرة البحث عن عمل يقيم بأودها حتى تستطيع أن تجمع ما يكفي لثمن بطاقة العودة .
ولكنها لاتدري أي نوع من التراخيص هي بحاجة إليه للعمل في المكسيك ، وما هو نوع هذا العمل ؟
فكل ماكانت تجيده هو إدارة المنزل ، وأي إمرأة بإمكانها أن تفعل هذا .
ولم تكن أذنيها مستعدتان ، وهي مستغرقة بالتفكير ، أن تسمعا الصوت الذي ظنت بأنها لن تسمعه ثانية .
-أين كنت طوال هذا الوقت ؟
وأجفلت لرؤية جوليانو انريكو يقف أمامها ، فتراجعت بخوف.
وبقيت جامدة ، والعبوس على وجهها . وقالت له ببرود :
-معرفتك التامة باللغة الإنكليزية تدهشني . أنا أعرف أين كنت ، لقد ذهبت لأقابل صاحب منزل شقيقي .
-ولماذا ؟
وكانت على وشك أن تطلب منه أن يهتم بشؤونه عندما تقدم ليشاركها الجلوس على المقعد الخشبي المدهون باللون الأبيض .
فقالت قلقة:
-لقد ذهبت لأسأل عن عنوانه الجديد .
-كان بإمكاني توفير المشقة عليك .
و ادارت رأسها بقوة :
-أتعلم أين هو ؟ صاحب الملك لم يكن موجودا ، وفكرت أن أعود لاحقا عندما يعود من عمله .
-لا .. لا أعرف مكانه ، وكم كنت أود لو أعرف . ولا يعرف صاحب الملك أين هو كذلك .
ووقفت ، ولكنها لم تخطو سوى خطوتين ، عندما أمسك بذراعها ليوقفها :
-وأين تظنين نفسك ذاهبة الآن ؟
وحاولت أن تتخلص من القبضة الحديدية التي أمسكت بذراعها ، ولكنها لم تنجح ، وأوشكت على البكاء ،
ولكنها منعت نفسها بجهد حتى لا تمنحه فرصة الرضى ثانية لمشاهدتها وهي تبكي .
-أنا ذاهبة إلى الفندق لآخذ حقائبي وأسدد حسابي .
ووجدت نفسها مجبرة على العودة إلى مقعدها ، هذا إذا كانت تريد أن تتجنب صراعا معه أمام أنظار الناس .
-فاتورة الفندق مدفوعة .
-وهل دفعتها أنت ؟قل لي من فضلك كم دفعت ...
-لا تكوني سخيفة!
ولاحظت أنه قد غضب لأنها تحاول أمام الناس أن تدفع له مالا.
-أنا لست سخيفة.. ولكن إذا كنت تظن أن كرامتك كرجل جرحت بسبب ...
وأسكتتها النظرة على وجهه .. فقد بدا مستعدا لضربها !
ولاحظت ضغطه على فكيه ، ثم أدركت أنها كانت مخطئة بما ظنته حول كرامته . فقد أخبرها , دون اكتراث برأي أحد به ،
كم كلفت الإقامة لليلة واحدة في الفندق ، وحاولت أن لا تقفز من مكانها عجبا لضخامة المبلغ، بينما مد يده إليها كي تدفع له ،
وراقبها بعينين حادتين وهي تفرغ ما في حقيبة يدها ، وعندما رأى ما تملك قال :
-أقبل أن تدفعي شيكات سياحية إذا كان هذا كل ما تملكينه من مال نقدي.
مال نقدي !.. هذه القطع النقدية هي كل ثروتها . فتمتمت:
-لا أملك شيكات سياحية .
-وهل هذه النقود في يدك كل ما تملكين؟
-إنها تكفي لتغطية فاتورة الفندق .
وشعرت بالغضب لأنه لم يحاول أن يأخذ المال الذي كانت تقدمه له، وفهمت أن السبب الوحيد لمطالبته لها بالمال هو أن يعرف ما بحوزتها من نقود .
وتنمت لو إنها لم تقل له إنها لا تملك شيكات سياحية ، وبدت غبية وهي جالسة هكذا تمد له يدها بالمال ، وهو يتجاهله . ثم سألها:
-إلى متى كنت تنوين البقاء هنا ؟
-لقد كنت أتوقع أن أقابل شقيقي.
-وهل كنت تتوقعين أن يدفع لك مصاريف إقامتك ؟
-أنا.. لقد.. دعاني لحظور . وقال ...
أوه ... لما هي مهتمة هكذا ! وعاودها كبرياؤها ، فقالت :
-أستطيع العودة إلى بلدي بسهولة .
-وهل حجزت لطائرة العودة ؟
كان سؤاله حادا.. بشكل دفع كولين ، التي لم تكن معتادة على الكذب ، أن ترد قبل أن تفكر :
-لا...
-ولكن معك تذكرة العودة ؟
احمرار وجهها الفجائي أجاب عنها ، وعلمت أنه عرف الرد .
-أستطيع أن أجد وظيفة .. عمل.. أنا..
-وهل كنت تتوقعين أن يدفع لك شقيقك ثمن تذكرة العودة ؟
-من ماله الخاص وليس من مال إيز... خطيبته السابقة.
-يبدو لي ،سنيوريتا شادو، أنك في مأزق.
-أنت ذكي حتى تستطيع استنتاج هذا !
-لا أعتقد أن من الحكمة أن تتكلمي معي بهذه اللهجة سنيوريتا .
-وما السبب ؟
-السبب ، يا كولين شادو ، هو أنني أستطيع أن أضمن لك أن لا يوظفك أحد هنا، وفي نفس الوقت هناك فرصة بأن أفكر أنا بتوظيفك.
وأجفلت ، ونظرت إليه لترى إذا كان جادا ، وأحست بكراهيتها لنفسها ، فهذا الرجل هو آخر شخص قد تفكر بالعمل له ، ومع ذلك فهي فعلا في مأزق وتحتاج إلى المال ,
فعليها إذن أن تتنازل عن كبريائها لتفهم منه المزيد :
-وما نوع هذا العمل ؟
-مانوع العمل الذي كنت تمارسينه في إنكلترا؟
تدبير المنزل ، عمل إعتادته بشكل طبيعي ، إذ لم يكن لديها خيار آخر .
فمامن مدبرة منزل استخدمها والدها في السنوات الأولى بعد وفاة والدتها استطاعت أن تتعايش مع طريقة حياته لمدة طويلة .
وهكذا اضطرت لممارسة هذا العمل بشكل طبيعي .
-لم أكن أعمل ..
-وهل كنت تفضلين العيش بكسل ؟ ومانوع العمل الذي تفكرين به لكسب المال لأجل تذكرة عودتك إلى إنكلترا ؟
-مدبرة منزل .. في الفندق.. أي شيء. فالمركز ليس مهما.
وساد صمت ، بدا خلاله مستغرقا في التفكير . ثم وكأنه اتخذ قراره ، قال وهو يلقي الأوامر عليها ، بطريقة متعالية:
-ارجعي مالك إلى جيبك , ستحتاجين إليه وإلى الكثير غيره، سنتناول الغداء أولا.. ثم سأصحبك معي إلى "دورانغو".
-دورانغو ؟
-حيث أعيش .. لقد قلت لك هذا من قبل . لقد قلت إنك راغبة في العمل كمدبرة منزل ، ولدي العمل المناسب .
-العمل المنزلي ؟
شعرت بالاشمئزاز منه ، ولكنها كانت مستعدة للتمسك بأي شي مع أن قليلا من الحذر منعها من الذهاب معه دون أن تعرف المزيد.
-وهل كنت تأملين بعمل أقل حقارة من هذا ربما ؟
وهكذا لم يتخلى عن سخريته لوقت طويل ، وإذا كان كبرياؤها قد أزعجه ، فهاهو يستعيد كبرياءه وهو ينظر إليها من طرف أنفه ويقول :
-ربما فكرت بأن عملك في الفندق ، قد يتيح لك مقابلة شخص ثري كما فكر شقيقك أن يفعل ؟ هل تخشين أن لا تكسبي في النهاية أكثر من أجرة سفرك عائدة إلى بلادك ؟
وردت بحدة وبرود:
-أنا لا أخشى العمل الشاق . وكل ما أطلبه أن أ‘رف المزيد من المعلومات عن العمل الذي سأقوم به . فأنا لا أعرف عنك الكثير سنيور .وأظن أنك توافق معي أن من الطبيعي أن أرغب في...
-أتظنين أنني سآخذك إلى منزلي.. لتنفيذهدف آخر معك ؟ اسمحي لي أن أقول لك بالنسبة لذوقي في النساء ، أحبهن مع لحم أكثر على أجسادهن.
وكانت مضطرة لتجاهل إهانته حول جسدها النحيل ، حتى ولو كانت تظن أن جسدها ليس سيئالهذه الدرجة ، وقالت له:
-لم يتبادر إلى ذهني للحظة أن أفكارك ستتجه هذا الإتجاه ، وإذغ كنت قد قلت شيئا , فلأنني أريد أن أفهم لماذا تريدني مدبرة لمنزلك ، بينما نحن لا نحب بعضنا كما هو واضح . ولكن ما يهمني أكثر هو.. هل ستوافق زوجتك على أن..
-ليس لدي زوجة .
تصريحه الفظ جعلها تنظر إلى عينيه الزرقاوين غير العاديتين. ومن نظرته ، بدا سعيدا لأنه أعزب .
-وهل سأعيش معك في المنزل ؟
وتمنت من كل قلبها أن لا يقول نعم ، وأن لاتكون مضطرة للسكن معه لوحدهما. فهو يكرهها لما فعله رايان لعائلته ، ويكرهها لاقتناعه أنها أتت إلى المكسيك لترى ما إذا استطاعت الحصول على شيء ،
وتعلم بأنهما سيتشاجران كلما فكر بالموضوع ، ولأنها امتلكت حريتها حديثا ، فليست مستعدة أن تنتقل من ظلم والدها واستبداده ، إلى تحت حكم هذا المستبد الجديد ، وقال لها :
-ستعيشين معي تحت سقف واحد ، ولكن سيكون معك من يرافقك، إن كان هذا ما يقلقك ، فمدبرة منزلي تعيش هناك مع زوجها.. وطالما لن أنسى أن الأرنب السمين أفضل من النحيل..
يمكنك أن تنامي وانت مرتاحة ، سنيوريتا . وستكون تينا ، وزوجها امادو منزعجين كثيرا إذا حدث شيء شرير في المنزل.
المزيد من الإهانات !و المزيد من التأكيدات بأنها آخر إمرأة في الدنيا قد يفكر بها . إنها تعرف القليل عن الرجال،
ولكنها ليست غبية كي لا تميز نظرة الإعجاب عندما تراها . ولكن ما يزعجها أن جوليانو يحاول تدمير ثقتها بنفسها. ولن تقول له إن كبرياؤها نابع من خجلها الطبيعي ،
وأنها لأكثر من مرة أرادت أن تكون ودودة مع الناس ، وأن عفويتها تنبع من تحفظها . وأنها فقط هنا في المكسيك وفي الباص الذي أتى بها إلى هنا،
بدأت تخرج من عزلتها ، وبقي صامتا ليترك لها مجالا للتفكير ، ثم قالت :
-وهل أفهم من هذا أن علي أن أقوم بالأعمال الصعبة في منزلك؟
-ستعملين هناك وتنامين هناك.. أجل.
وابتسم ، فأشاحت بنظرها بعيدا، فهناك معنى عميق في هذه الابتسامة الساخرة . إن ما من أحد يمكنه أن يزعجه وينجو بفعلته ،
وإنه ستكون له الكلمة الأخيرة في الدين الذي على أخيها لعائلته، فهو يظنها سيدة كسولة لا تعرف طرف الفرشاة من قبضتها ،
وسيكون مسرورا جدا لرؤيتها جاثية على ركبتيها تنظف الأرض..
وقال لها:
-العمل الذي عندي لك ياكولين شادو ، هو تنظيف كامل للمنزل الذي سيسكنه المراقب الجديد الذي أتوقع قدومه بعد وقت قصير .
وابتسمت له كولين ، فالعمل المنزلي وهي صديقان منذ زمن بعيد .
-ولكنني لا أتوقع أن يأخذ هذا مني وقتا طويلا ، وأنا لن أستطيع الحصول على أجرة سفري منك لقاء عمل أقل من أسبوع .
وجاء دوره في الابتسام، وتلاشت ابتسامتها أمامه :
-إذا حدث وأنتهى هذا العمل وكنت راضيا عنه ، قبل أن تكسبي مايكفيك ، فما من شك بأنني سأفر لك عملا مماثلا .
وتكونت لدى كولين فكرة بأنها سوف تتجول في كل بناء مقام على أرض مزرعته ، قبل أن تقلع طائرتها في النهاية إلى إنكلترا وهي التي كانت تظن بأن والدها مستبد...! *************** |