عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-09, 12:58 AM   #3

زهرة الأوركيد
 
الصورة الرمزية زهرة الأوركيد

? العضوٌ??? » 59088
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » زهرة الأوركيد is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث
عمل... عمل...


تقع "دورانغو" على سفوح تلال "سييرامادري" . وهناك كلمة واحدة فقط يمكن أن تصف المنطقة ، حيث يمتلك جوليانو إنريكو مزرعته ، وهذه الكلمة هي : جميلة !
ووصلا إلى "كواريتارو" في طائرة خاصة ، ثم استقلا سيارة لحوالي ساعة ونصف بعد أن وصلا إلى عاصمة المقاطعة .
في الصباح التالي ، لم يكن لديها أي مزاج للتفرج على جمال المنطقة ، وهو يقود السيارة باتجاه منزل المديرالجديد للمزرعة ، أو لتكون ممتنة للظروف التي أتاحت لها أن ترى هذا الجمال الرائع،
فكل ما كانت ترغب به ، أن تخرج من هنا ، بأسرع وقت ممكن .
رب عملها ، كما تنظر إليه الآن الجالس إلى جانبها بدا وكأن ليس لديه ما يقوله لها .و بالكاد كان لطيفا معها منذ أن وافقت على العمل عنده .
ونظرا لهذه الظروف فضلت أن تبقى باردة معه.. فالأشياء التي قالها عن رايان لا تزال تؤلمها ،و الأشياء التي قالها وفكر بها عنها ليست مشجعة كي تتخلى عن تحفظها الذي نما معها.
وتذكرت لحظة وصولهما يوم أمس ، كيف التفتت لتحضر حقائبها ولكنه قال لها:
-اتركيها فسوف يوصلها أمادو إلى غرفتك.
ثم دخل إلى منزله ، تاركا إياها تتبعه بسرعة ، خوفا من أن تضيع بعد دخلت ممرا يقود إلى العديد من الاتجاهات . ونادى:
-تينا!
وظهرت إمرأة فوق الخمسين بسنوات ، لون بشرتها بني فاتح ، كانت كولين قد قرأت أنه يتولد من امتزاج الدم الهندي الأحمر والأسباني ،
وهو يختلف عن بشرة جوليانو انريكو ، الذي كان بلون برونزي.
وتخلى رب عملها عن خشونته وهو يتحدث مع تينا بالأسبانية ، والتقطت كولين كلمة "سنيوريتا" وتأكدت أنه يتحدث عنها ، ثم التفت ليقدمهما لبعضهما، وبعد أن تصافحتا أكد لها ما كانت تظنه من أنه يتحدث عنها :
-تينا لديها غرفة جاهزة لك . وستأخذك إليها ، نحن سنتناول العشاء بعد نصف ساعة .
وكانت على وشك اللحاق بتينا ، عندما استوقفتها كلمة "نحن" ولم تعجبها الكلمة ، فسألته:
-وهل سأتعشى مع باقي الموظفين ؟
فنظر إليها بهذا التكبر الذي تكرهه تماما:
-سوف تتناولين وجباتك معي .
-ولكن...
-وجودك في المطبخ مع تينا سوف يحرجها.
وأدركت أن عليها أن تتعلم الكثير بعد عن العادات المكسيكية ، بما أنهاخادمة هنا فلماذا سيحرج وجودها في المطبخ أي أحد .
شيء واحد تعرفه الآن.. لقد أكتفت تماما من تصرفات هذا المستبد ليوم واحد ! أن تجلس عبر الطاولة في مواجهته فهذا أمر غير مستعدة لتحمله ، فقالت :
-أرجو أن تعذرني سنيور.. ولكنني لست جائعة.
-ولكنك أكلت القليل عند الغداء.
-شهيتي دائما ضعيفة .
وتفرس بها من فوق لتحت ، وانتظرت تعليقا ساخرا حول نحافتها . ولكنه أثبت أنه سيد المفاجآت فقد فاجأهابقوله ببرود :
-اذهبي مع تينا ، إنها لا تعرف الإنكليزية ، وإذا احتجت لشيء فتعالي إلي .
واستدارت كولين مبتعدة عنه ، سوف تستطيع تدبير أمرها دون الا ضطرار للجوء إليه ، ولكن إذا كان لا يطيق حتى النظر إليها ، فلماذا يقترح عليها أن تراجعه ؟
الغرفة التي اصطحبتها إليها تينا ، كانت بيضاء ، باردة ، والهواء الناعم يتدفق من النافذة المفتوحة ، وفيها سرير كبير على الطريقة المكسيكية ، ولم تمكث معها تينا أكثر من ثواني ،
وتلقت منها الشكر دون أن تبتسم "غراتسيا تينا" وأجابتها بأدب بالاسبانية : "عن إذنك" وتركتها .
بعد خروج تينا ، تفحصت الحمام الملحق بالغرفة ، ولم تستطع إلا أن تفكر بأن هذه الشقة فخمة جدا بالنسبة لخادمة للسنيور.
ولكن يا إلّهي كم هي تعبة ! لقد أرهقها التعب عند وصولها إلى أرض المكسيك ، وفكرت أن حماما سينعشها فدخلت إلى الحمام وأغلقت الباب وراءها.
بعد خروجها من الحمام الذي أنعشها ، لاحظت أن حقائبها قد أدخلت إلى غرفتها . وعندما أنهت فتح الحقائب وتفريغها أحست بالتعب ثانية ، وقررت أن تنام . ولكنها اكتشفت أن مفاجآت هذا اليوم لم تنته بعد.
فقبل أن تصل إلى السرير ، سمعت قرعا على الباب ، ففتحته لتواجه وجه تينا الجامد وهي تحمل صينية ، لا بد أن جوليانو إنريكو قد أرسل لها العشاء بقصد أن يجعلها تسمن ، فأخذت الصينية .
اهتمامه قد يعود إلى أنه يريد منها أن تنفذ عمل يوم غد أكثر من رغبته في رؤية المزيد من اللحم عليها.
أوصلتهما رحلتهما بالسيارة إلى منزل بدا مهجورا ، وكأنما لم يسكنه أحد منذ سنوات . وخرجت من السيارة وتبعته . وقال لها باختصار عندما تركته لتخل إلى المنزل :
- خذي هذا .
فاستدارت كولين . "هذا" كان صندوق كرتون ، وأخذته منه ، ثم وقفت تنتظر بينما كان يخرج صندوقا أكبر وأثقل ، وسلة طعام للنزهات، ثم تناول مكنسة طويلة اليد لم تلاحظ وجودها من قبل ، وقال لها:
-أظن أن لديك هنا كل أدوات التنظيف التي ستحتاجينها.
ونزع القفل الخارجي عن باب المنزل الذي يعلم الله وحده ما يجاوره ، فهي لم تستطع أن ترى منزلا آخر على مدى النظر .
نظرتها الأولى إلى داخل المنزل جعلت معنوياتها تهبط . فالمكان قذر جدا! وهي التي كانت تظن أن بالإمكان تنظيفه في أقل من أسبوع! واستمرت تفكر بينما كان جوليانو يتجول بها من غرفة إلى غرفة دون أن ينبس بكلمة واحدة ، ستكون محظوظة إذا استطاعت انهاء عملها فيه ، كما تريد ، قبل شهر!
وقالت معلقة :
-مما رأيته من البيت يبدو أنني سأكسب ثمن تذكرة سفري بمشقة .
وكانا قد وصلا إلى المطبخ حيث لاحظت الشحوم والأتربة على الطباخ الذي بدا أنه بحاجة لأيام لينظف .
وظنت أنها رأت الاشمئزاز في عينيه ، ولكنها لم تستطع معرفة ما إذا كان هذا بسبب حالة المكان أم بسببها . مع أنها لاحظت نوعا من الاعتذار في كلامه عندما قال :
-لقد أستخدم اللصوص هذا المنزل كمقر لهم لعدة أسابيع بعد هروب ساكنيه منه... سآتي لآخذك عند الساعة الرابعة . أبدأي العمل .
وأين ستبدأ ؟ المكان كله قذر . وعادت تجوب الغرف ثانية ، الأوساخ منتشرة في كل مكان ، المفروشات فيه والتي عرفت في الماضي يدا حنونة تعتني بها ، أصبحت الآن باهتة ، لا حياة فيها ، قذرة وملطخة بالبقع...
وبدأت كولين..
الإرهاق كان رفيقها بعد أن أنهت الكنس من فوق إلى أسفل ، وهاجمتها نوبة سعال اضطرتها للتوقف .
ذكرى ما قاله المستبد "هل أنت خائفة من تلويث يديك " كان يحفز في أعقابها ويجعلها تتحرك لتعمل في وقت كانت بأمس الحاجة للجلوس.
ولملمت الأوساخ التي كنستها ، ثم فتحت الباب الخلفي .
واستقبلتها أشعة الشمس البراقة ، فتركت الأوساخ في الخارج وتجولت قليلا حتى وصلت إلى ناحية بدا لها أن الغسيل الأسبوعي يجري فيها . كان هناك مغسلتان كبيرتان وعميقتان . ولكن لايوجد مياه ساخنة ،
وقاومت شعورها بالتعب ، وصعدت إلى الغرف العليا و أنزلت الستائر من مكانها وحملتها إلى هناك لتضعها في الماء .
بعد أن أنهت غسيل الستائر ، وخلال بضع ساعات ، شعرت بأنها على وشك الانهيار ، وأصبحت حركاتها ثقيلة . وأعادت إقفال الباب الخلفي ، ونظرت إلى ساعتها ، ثم جلست .
وتمسكت بذراعي المقعد الخشبي تحتها وأخذت الدنيا تدور بها ، وفكرت بأنها قد تشعر بحال أفضل لو أحضرت الطعام من السلة لتأكله ، ولكن الفكرة جعلتها تشعر بالغثيان .
كان يجب أن تستريح لبعض الوقت ، فرفعت قدميها على المقعد ، الطابق العلوي بدأ يأخذ شكلا محددا ، وسوف تركز على العمل هناك هذا الأسبوع .
وهذا بالطبع يعني ، عندما يحضر جوليانو بوجهه المتجهم عند الساعة الرابعة سيظن بأنها لم تفعل شيئا طوال اليوم سوى الكنس في الغرف السفلى ، ولكنها تعرف أن شكوكه سوف تدفعه لتفحص المكان ، وسيعرف عندها أنها لم تتوقف حتى لتناول الغذاء.
وأجفلت ، بعد أن أدركت أنها لا بد قد غفت لثوان ، وفتحت عينيها . وعلا الدم إلى وجهها ، ونظرت إلى ساعتها بسرعة ، ثم إلى الوجه المتجهم للرجل الذي دخل بصمت بينما كانت تغفو!
فشهقت قائلة :
-أنا.. إنها الثالثة والنصف فقط!
-وأنت أيتها الكسولة المثالية ، لم تكوني تتوقعين قدومي قبل الرابعة .
-ولكن .. أنا..
ولاحظت أنه غير مهتم بتفسيراتها ، وغير مهتم بالبحث عن أثر مما تراه عيناه حوله، وقال بحدة:
-تعالي..
وبدا أنه سيجذبها من مكانها بالقوة إذا لم تقف . وقال ساخرا:
-إذا كنت ستعملين بنفس السرعة التي عملت بها اليوم فلن تكسبي ثمن تذكرتك أبدا، يا كولين شادو.
عندما وصلا إلى المنزل كان غضبها قد انخفض قليلا . وصممت أن تعمل في الغد إلى أن تنهار ، كي تستطيع مغادرة هذا المكان المعادي في أقرب فرصة .
ودخلت المنزل من باب المطبخ لتضع سلة الطعام . والتفتت فتاة في مثل سنها من غسل الصحون ، وكانت طفلة سوداء الشعر تتعلق بها فدفنت الطفلة وجهها في تنورة الفتاة على الفور .
وتوقف جوليانو ، فاضطرت للوقوف أيضا . وسمعت ذكر اسم تينا وهو يتحدث إلى الفتاة وكلمة "سيستا" وخمنت بأنه يسأل ما إذا كانت تينا ترتاح . وأجابته الفتاة :
-سي سينور.
-بونيو.
و انتبه عندها فقط أن كولين معه فقدمها للفتاة ، ايما وطفلتها بيلا ، وابتسمت ايما على الفور وهي تصافح كولين ، وشعرت بحرارة مصافحتها ، وازدادت حرارة ابتسامة كولين عندما مدت الطفلة يدها لها ، حسب تعليمات أمها ،
فالابتسامات تتخطى حواجز اللغة ، وكررت الفتاة وراء أمها : موتشو غويستو سنيوريتا(مسرورة كثيرا ياسنيوريتا).
وكانت كولين تستقيم في وقفتها بعد انحناءها لمصافحة اليد الصغيرة ، عندما التقت بعيني جوليانو إنريكو يحدق بها ،
فقد فهمت تفكيره بأنه يجد صعوبة في الرابط بين الفتاة الكسولة التي وجدها نائمة أثناء عملها وبين الفتاة التي بدت مسرورة لقضاء وقتها مع ابنة الخادمة... واعتذرت من الفتاة ، ثم غادرت المطبخ .
وساعدها الحظ فقط ، وليس الحكم السليم لكي تجد طريقها إلى السلم ثم إلى غرفتها ، فهي لم تعتد بعد على المنزل.
ولاحظت فجأة أنه هنا ، وإلى جانبها.
وتوقفت ، فهو ليس ذاهبا إلى غرفته ، فقد توقف أيضا ، وأحست بالقلق ، وحاولت أن تسيطر على الغضب الذي يجتاحها فقد توقعت أن تسمع منه تعليقا لا يرضيها وفكرت بأنه لو قال كلمة واحدة عن العمل الضئيل الذي يظن بأنها قامت به اليوم ، فسوف تصفعه.
وأخذ الغضب يتصاعد أكثر وأكثر في نفسها بينما كان يتفرس بها . ثم قال بشكل فاجأها، وهو رجل المفاجآت:
-يبدو عليك التعب . هل أقترح عليك أن تفعلي مثل تينا وترتاحي قليلا ؟
وذهلت لهذا التحول ، حتى كادت أن تقتنع بأن توافق معه ، ولكنها لم تستطع أن تنسى بسرعة أنه دعاها "بالكسولة المثالية"، وهذا مازال يحز في نفسها حتى أنها لم تشكره على اقتراحه. بل قالت متسائلة ببرود:
-وهل هناك شيئا آخر؟
وشاهدت البرودة تعود إلى عينيه ، ومع ذلك لم تندهش عندما أضاف:
-العشاء عند الثامنة.
-مع معرفتي أنني أكرر نفسي.. أنا لست جائعة.
وظنت عندها أن كبرياؤها أثاره بقدر ما أثارها كبرياؤه. والوميض السريع في عينيه أثبت أنها ليست مخطئة .كذلك الطريقة التي أشتدت بها قبضته اليمنى ، وعرفت بأنه أيضا يود لو يصفعها . ورد عليها بصوت بارد:
-إذا.. نامي دون عشاء . لقد تناولت وجبة جيدة اليوم ، ولا أنوي الطلب من تينا أن تحضر لك الطعام وتحمله إليك.
وابتعد عنها ، قبل أن تتمكن من الرد عليه.
وفي الصباح التالي ، عملت حتى بللها العرق ، وفكرت بأن عليها أن تكون ممتنة لأن تجد كل يوم مشمس مثل اليوم الذي سبق.
ولكنها أحست بالحر الشديد ، وهي تمرر المكواة جيئة وذهابا فوق الستائر ، التي غسلتها في اليوم السابق . وعاودها الإرهاق الذي أصبح الآن مألوفا لها ، بعدما انتهت من الكوي ، واتجهت نحو السلم لتنزل إلى المطبخ وتحضر ماتبقى من الستائر المنشورة على الحبال .
خطواتها كانت تعبة وبليدة ، وصامتة ، وغير قادرة على الأستعجال ، وعندما وصلت إلى الردهة السفلى أحست بالصدمة .
فالرجل الواقف هناك وظهره إليها هو جوليانو إنريكو ، ولم تكن تعرف كم هي الساعة الآن ، ولماذا لم تسمع صوت سيارته ، ولماذا لم تسمعه يدخل المنزل .
وبدأ يستدير فنصبت كولين قامتها ، ورفعت كتفيها عاليا ، ولم يفتها أنه كان يتفحص ما فعلته اليوم ، أو ما لم تفعله بعد ، لأنها كانت قد قررت أن تترك العمل في المطبخ إلى النهاية.
-لقد عدت للعمل بجهد ثانية ، كما أرى.
-نحن الكسولات المثاليات معروف أننا لا نتحرك بسرعة البرق!
-هل أزعجتك تلك الملاحظة ؟
وتفحصت عيناه الزرقاوان شكلها المشعث ، يبدو أنه يظن بأنها كانت نائمة في الطابق العلوي . وأنها جاءت عندما سمعت صوت وصوله، فتابع ساخرا:
-من المؤسف أنها لم تزعجك بما فيه الكفاية كي تخرجك من كسلك.
-هل لكل المكسيكيين هذه الشخصية اللطيفة ، أم أن سحرك لا مثيل له؟
كم تحب أن ترى وجهه عندما يشاهد ما فعلته في الغرف العلوية . وتنمت لو إنه يفعل ، ولكن أمنيتها ذهبت أدراج الرياح..
وقال لها بحدة وهو يحمل سلة الطعام التي لم تلمسها :
-غدا أتوقع أن أرى بعض التقدم.
-وأية عقوبة سأتوقع إذا لم يحدث هذا؟
وكان جوليانو يسير باتجاه الباب الخارجي ، ولكن لدى سماع كلماتها ، استدار ونظر إليها . وعلمت عندها أنه نوع من الرجال من الحكمة الابتعاد عن الصدام معه.
-لقد تغاضيت عن كسلك لأنني ظننت أنك تحتاجين إلى يوم أو اثنين لتعتادي على الطقس ، وقد مضى عليك الآن ما يكفي في بلادي .وأنا لا أرغب بالأحتفاظ بك لتزيين هذا المكان.. وغدا سنيوريتا شادو ، سوف تبدأين العمل الفعلي .. حتى لو اضطررت للبقاء هنا للإشرف على عملك.
-وماذا فعلت في حياتي لأستحقك؟
وتجاهلها وتقدم نحو الباب وفتحه ، ثم قال :
-وهل أنا بحاجة لأن أقول لك إنك من جلبت هذا لنفسك لأنك جشعة مثل أخيك ؟
ونظرت إليه نظرة جارحة ، وهو يقفل الباب.. يا إلّهي كم تكرهه! وبصمت جلست إلى جانبه ، وأدار السيارة وقادها بصمت. وكانا على وشك الوصول إلى المنزل عندما نظرت إلى معصمها بشكل آلي لتعرف الوقت ، فصاحت :
-ساعتي .! لقد تركتها في الطابق العلوي هناك.
ولأنها لم ترد أن يمن عليها بعودته لجلبها ، أضافت بسرعة :
-لا يهم.. سآخذها في الغد.
-وهل ظننت أنني سأعود لأحضرها لك؟
-ما أظنه بك سنيور قد يحول الهواء إلى اللون الأزرق ، لو سمعه أحد .
وأحست بالغضب عندما أدركت أنه بدلا من أن ينزعج من كلامها استقبله بشيء من السرور.
-لا بد أنني أثرت فيك يا سنيوريتا ، مهما كان نوع تفكيرك بي.
وخرجت من السيارة بسرعة ، وأدركت بعد أن فاجأتها لحظة دوار ، أنها لم ترد عليه بعد ، وأمسكت بمقبض الباب ، وحققت ما تريده بقولها :
-وأنا لا أريد تناول العشاء معك الليلة أيضا ، فأرجوك لا تطلب مني هذا.
- لك أكن أنوي أن أطلب.
وسيطرت على أعصابها ، ولكن عندما أصبحت داخل غرفتها انهمرت الدموع من عينيها ، وكل ما استطاعت عمله ، أن جرت نفسها إلى الفراش و استلقت . لم تكن قد شعرت بمثل هذا التعب في حياتها . وتركتها ملاحظاته الجارحة في حالة من الانهيار الجسدي والمعنوي.
وسيطر عليها النعاس الشديد ، وكانت تعبة لدرجة أنها لم تخلع نعليها . فدفعتهما واحدة واحدة ، وتركتهما يقعان على الأرض .
وبدا لها أنها لم تنم سوى دقيقة واحدة عندما سمعت صوتا في غرفتها . وأرادت أن لا تفتح عينيها ، وأن تستمر في النوم .
ولكن عقلها عارضها وجعلها تفتح عينيهالترى جوليانو إنريكو يقف ناظرا إليها:
-لا عجب أنك تعبة يا كولين . لقد أتت ايما لمقابلتي..
-ايما؟
-لقد كانت قلقة ، فعندما أفرغت محتويات سلة الطعام ، وجدت أنك لم تتناولي سوى القليل من العصير وبعض الدجاج ، وهذا كل ما دخل معدتك اليوم.
-لم... أكن جائعة .
ثم أخذ عقلها يعمل.. إنها تبدو خاضعة ومعتدلة أكثر من اللزوم و لو استمرت على هذه الحال ، فسوف تعود إلى الاستسلام دون جدال . تماما كما كانت تتراجع عن المواجهة مع والدها.. فبدأت تستجمع قواها وتضيف بعض الحيوية إلى الشخصية الجديدة التي تحب أن تكونها .
ثم أضافت بحدة :
-على كل الأحوال أنا لست مجبرة على تناول طعامك إذا لم أكن أرغب به.
-ألهذا السبب لم تأكلي شيئا يوم أمس أيضا؟
وبدا الآن يعتقد أن فقدان شهيتها متعمدا . وقال إن ايما أخبرته بأنها لم تأكل شيئا يوم أمس أيضا ، وتابع:
-حسنا.. دعيني أقول لك شيئا سنيوريتا . لقد أتيت بك إلى هنا لتعملي... ولكي تعرفي أنك لن تحصلي على شيء دون مقابل ولكي تتعلمي الربح عن طريق العمل الشريف .
-بكلمات أخرى من أجل.. فائدة نفسي .
-سوف تلوثين يديك ، ولا تكوني مخطئة حول هذا الأمر ، لذا إذا كنت تفكرين بتجويع نفسك كي تكسبي العطف عندما تنهارين من نقص التغذية ، ففكري بالأمر ثانية ، ستأكلين ولو اضطررت إلى إطعامك بنفسي.. أفهمت هذا؟ أنت تعرفين موعد تناولي العشاء.
ونظر إلى معصمها الفارغ ، وخلع ساعته ورماها على السرير، وبقي شيء واحد ليرميه في وجهها. فصاح:
-وكوني هناك!


*****************
يتبع....


زهرة الأوركيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس