حكايتي مع نور ... للكاتب و الروائي نبيل صالح

[رسيم]

حكايتي مع نور


سلسلة مشوقة و رائعة


الجزء ( 1 )

"كيف أكشط حبك من قلبي،‏ وهو يتسرب داخل مسامه كالوشم..، أصبحت أكتب كما تكتبون أنتم الذين تعتاشون بالكلمات..، لم أتعلم ذلك..أبدا، لكنه الموت...الموت يجعلنا أشخاصا يتتشبثون بأجزاء من بواطننا لم ندركها من قبل"
أغلقت صغيرتي الرواية التي كانت تقرأها لي بفوضى غريبة عليها، وأجهشت في البكاء..

محتوى مخفي

يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

انتضرونا في الحلقات القادمة

[taman]

تحفة ....تحفة .... سلمت يمناك اخى رسيم
انتقاء رائع للروايات
مشاء الله عليك تتحلى بوهبة تذوق الادب
ان شاء الله أتابع الروايتين بشغف
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


تقبل مرورى

[صبوحة2008]

يسلمووووووووووووووووووووو وووووووووووووو وبارك الله فيك

[مختلف]

ارجوا ان لايطول انتظارنا مع شكرنا لك اخي رسيم

[رسيم]

الجزء الرابع

"فيرا" ...‏ فراشتي الأفروبرتغالية..تعرفت عليها بعد ثلاث سنوات من بدء تدريسي في جامعة بورتو..كانت تجلس في إحدى بارات الفنادق الكبرى..لم تكن فيرا إمرأة رخيصة أو سهلة..وتغلبت كثيرا في الحصول عليها. أقنعني والدي بالزواج من سماح إحدى قريبات أمي، أرسل لي صورتها مع ورقة توكيل بالفيدكس في حالة موافقتي على الزواج..نظرت إلى وجهها الأسمر وعيناها الصغيرتان فأرسلت له الورقة مجيرة بتوقيعي..وقدمت إلي بعد شهر واستقبلتها في المطار وهي ترتدي ثوب زفافها ‏..أمضت سنة معي ثم عادت إلى الوطن لتنجب إبني الوحيد عند أمها..طلبت مني أن تبقى لوقت أطول ووافقت بسرعة..ولم تعد ولم أطالبها بالعودة.
تعرف سماح عن عشيقاتي..كنت أعود إليها مضمخا برائحة الكحول ومتعبا كجواد سباق، فتفهم وتلتزم الصمت..
بعد شهر من ذهابها تعرفت على فيرا وأصبحت هي سيدة المنزل في غياب صاحبته..قبل فيرا كنت قد وصلت إلى الحضيض في مجوني ولم أع ذلك إلا بعد أن رتبت فيرا حياتي وجعلتني أكتفي بها..لكن هذا لم يمنع من بعض خيانات قمت بها أثناء علاقة استمرت لثلاث سنوات..فيرا امرأة من أب بورتغالي وأم أفريقية..طويلة تكاد تصل إلي كتفي وإنا أتجاوز المائة والثمانون بقليل..حارة كصيف إستوائيا وماطرة مثله..مطيعة كأرنبة..بشرتها أسود من قطعة فحم محترق ووجها جميل قد بإتقان..
إنتهت العلاقة بطردي لها بعد أن قررت أن تكون مولا عشيقتي..
لن أنسى في حياتي هذا النهار الذي تعرفت فيه على مولا..كانت فيرا قد أخبرتني بأن لها صديقة تسعى لوظيفة في الجامعة كالتي وفرتها لفيرا كي تبقى تحت ناظري طوال الوقت، فأخبرتها أن تحضرها في اليوم التالي..كنت مشغولا على الهاتف مع رئيس الجامعة الذي أبلغني بحصولي على منصب عميد كلية العلوم..أشرت لفيرا بيدي دون أن ألتفت لتجلس مع صديقتها ريثما إنهي المكالمة، وضعت السماعة واستدرت لتختفي ابتسامتي وأحدق في وجه الصديقة..نسخة طبق الأصل عن نور..إلا شعرها الذي كان قصيرا جدا..عيناها الواسعتان العميقتان كالأطلسي..أنفها الصغير..شفتاها المرسومتان كدعوة إجبارية لقبلة..البشرة البيضاء اللبنية الزهرية كالحليب مع الفراولة..علمتني سنوات عذابي وغضبي أن أرتدي وجها حياديا لا يظهر إن كنت سعيدا أو غاضبا..فلم تشعرا كيف مادت الأرض من تحت قدمي، وأخفت ملابس الشتاء الثقيلة نبضات قلبي المتسارعة والتي كنت أسمعها كساعة بيغ بن..
سألتها بصوت جاف:
-ما اسمك؟ وخشيت من إجابتها.
-مولا..صوتها يشبه صوت نور أيضا.. مولا هو فصل الربيع..لكن البرودة إنتشرت في أطرافي..بعدها إختلقت مع فيرا ألف مشكلة فهربت دون ندم..وساعدت مولا لتعمل كسكرتيرة في قسم الكيمياء بعد معارك وجدالات كثيرة مع الأساتذة لإنعدام خبرتها..ولكني أصريت إذ لن أسمح بغيابها عن مراقبتي الحثيثة لها للحظة..
الحصول على مولا لم يكن صعبا، كانت فتاة فقيرة وأنا أملك المال اللازم لشراء ألف مولا..وانتقلت إلى منزلي لتبدأ سلسلة عذابها..


... في اليوم الذي إنتقلت به مولا إلى منزلي عادت إلي ذكرياتي مع نور..لم يكن لدى مولا الكثير من الملابس، وذوقها في إرتداء الملابس يختلف كليا عن ذوق نور..فكان أول ما فعلته هو إصطحابها إلي السوق..وبخبرة إكتسبتها من التسوق الإجباري مع نور، إنتقيت لها جميع ملابسها وحتى الداخلية كما لو كانت هي..ومنعتها من إرتداء البناطيل والتي شرتات التي كانت نور تمقتها، وأمرتها بأن تسمح لشعرها أن ينمو ليحيط وجهها بقصة الكاريه الخاصة بنور..وخلال ستة شهور كانت مولا تقف أمامي نسخة منها..وعلمتها العربية وكنت أصفعها على فمها إن أخطأت وتحدثت بالبورتغالية..وما أن مضت السنة حتى كانت تتقنها.
على الرغم من ذلك ما استطاعت أن تشبهها..نور فتاة نرجسية تعشق نفسها ولا تسمح لأحد بالإقتراب من اختياراتها وتفضيلاتها الشخصية..عنيدة ومنطلقة كفرس جامحة..إن أرادت شيء فإنها لا تستريح حتى تحصل عليه بكافة الوسائل..المشروعة وغير المشروعة.‏ تكذب بالسهولة التي تشرب بها كأس الماء..ولم أتصور يوما أنها قد تكذب علي أنا..يا لحماقتي! جميع سلوكاتها وتصرفاتها مع من حولي كانت مؤشرات ودلائل على خبثها وغياب الضمير وأي وازع لديها..كم كنت أعمى! تكذب في اسم نوع عطرها حين يسألها أحد عنه وأعذر أنانيتها الأنثوية..تغش في إمتحاناتها وأراها وأعذرها أقول منشغلة بي ومعي..تسرق أقلام وأوراق من مكاتب زملائي وأعذر ضعفها أمام المال السايب..تكذب على أهلها حول أماكن تواجدها وأصدق مع أمها إيمانتها وهي معي..وكنت أناديها ملاكي! هل كنت مغفلا أم هو الحب أم أنها الشيطان بعينه!؟
وجدت نفسي مرغما على السماح لها بالعمل رغم رفضي لمبدأ عمل المرأة..لكني خلال الأيام التي جلست بها في البيت بإنتظار توقيع رئيس الجامعة على الموافقة، كنت أتصل بها كل نصف ساعة وأذهب إلى المنزل لأتفقدها دون إنذار ‏..وأحيانا لا أعود إلى العمل بحجة إشتياقي لها..لكني على الأغلب كنت أجد ما يثير الشك; كأن أجدها مرتدية ملابس مثيرة أو تضع المكياج..لم أخن مولا أبدا..كنت مشغولا بها ومعها..



.. لم أشعر يوما بالهزيمة والعجز كما شعرت في ذلك اليوم الذي كدت أقتل فيه مولا بثورة غيرة..عادة أنا أصفع أنثاي على فمها صفعة غير مؤذية ولكن مؤلمة إلى الدرجة التي تدفعها إلى التراجع والإنسحاب. وهذه قمة غضبي..وحين قضت نور معي السنة ونصف السنة..لم أرفع يدي عليها أبدا. في ذلك اليوم، خرجت مع مولا لتناول العشاء في إحدى مطاعم السمك المشهورة في بورتو. وتظارف الجرسون مع مولا فضحكت..ضحكت كما ضحكت نور مع البائع يوم إنقلبت حياتي رأسا على عقب. نظرت إلي مولا ببراءة وتجمد الدم في عروقها، فأدركت بأن غضبي قد فاق قدرتي على إرتداء قناعا حياديا لأخفيه. هذه المرة لم أضرب الجرسون ومنعت نفسي من مجرد النظر بإتجاهه..لإني خشيت لو فعلت ذلك أن أحفظه نمرة حذائي من تتابع ركلاتي. وقفت من فوري دون أن أنبس ببنت شفة، وخرجت إلى السيارة دون أن أنطق بحرف. خرجت مولا تعدو خلف خطواتي الجبارة.‏، فتحت باب السيارة وجلست. مشت السيارة فهمست :
-نبيل؟ فعالجتها بصفعة من ظاهر يدي سمعت إثرها صوت أسنانها وشهقة ألم ودهشة..فصمتت، وبدأت أهذي وأشتم بكلام غير مفهوم لها ولن تنجدها كل قواميس الفصحى المحترمة في فهمه..أشتم وأتبع الشتيمة بصفعة أو لكمة على وجهها..صوت مرتفع في أعماقي يصرخ بي كفى إرحمها وأنوي ذلك، ولكن يدي تتحرك بقوة خاصة بها وتستمر بضربها..أشتم وأضع يدي على المقود مضرجة بدمها ثم أواصل ضربها.وقفت السيارة وحدها على باب المنزل فخرجت نور..عذرا..مولا من السيارة وركضت كالمجنونة إلى المنزل. لحقتها والصوت في داخلي يرجوني أن أتوقف ولا شيء مني أو في يستجيب. دخلت وأغلقت باب المنزل خلفي وتبعتها إلى غرفة النوم وحطمت بجسدي وبضربتين الباب الذي أغلقته على نفسها ليحميها. أذكر أني خلعت حزامي..ثم صحوت.
وجدت بأني قد جلست على كنبة كانت موضوعة في إحدى زوايا الغرفة..ومولا عارية تماما ومتكورة على نفسها وملتصقة بظهر السرير المرتفع..تحيط قدميها بذراعيها وتنظر إلي برعب..لا أظن أن كلمة رعب كافية لشرح عينيها وما كانتا تنظران إليه. . عيناها! كانتا متورمتان ووجها مضرج بالدماء..وأنا ألهث كأني قد أنهيت توي سباق مارثون، وحزام الجلد في يدي مثنيا.. سقط حزامي من يدي وحدقت بوجهها المهشم وبكيت بحرقة مخفيا وجهي بين كفي..بكيت كما لم أبك يوما..بكيت أكثر من يوم كنت في الصف الأول وقدمت لي معلمتي الغبية ورقة دعوة لأمي المتوفاة لإجتماع الأمهات..بكيت أكثر من يوم تحدثت مع أحمد..بكيت أكثر من يوم علمت بزواج نور..بكيت عجزي ورجولتي التي ضاعت منذ رفعت إصبعي على من لا يستطيع أن يرد لي الصفعة..
إقتربت مني مولا وعانقتني بحنان أم لم أعرفه إلا مع نور..عانقتني وكأنها شعرت بأنها لو لم تفعل لمت كمدا وحسرة..فعانقتها وحملتها إلى الحمام وحممتها. كانت آثار جلدي على كل مكان في جسدها فأدركت بأنني عريتها وجلدتها..أقسمت لها ألف يمين بأنني لن أرفع عليها يدي ووفيت لها بقسمي طوال أربعة سنوات قضتها معي. أحطتها بروب الحمام وجلست وأجلستها في حضني وهدهدتها كطفلة حتى غفت ثم وضعتها على السرير.. ذهبت إلى الحمام وفركت نفسي بخشونة وحقد فأدميت جسدي. كنت أحاول أن أخرج الوحش الذي صنعته نور..كنت أحاول أن أخرج نور من جلدي..من مسامي..من عروقي..من عقلي..من حياتي..أكرهك نور..أ ..ك..ر..ه..ك


... للقلب..تصاريف عجيبة في كيان المرء..في ذلك اليوم الذي تحرك فيه من مكانه..وانفطر.. إنقلب كياني وتغير شكلي الخارجي. كنت رجلا في الثانية والثلاثين، طويل القامة، شعري أسود ونحيلا..ضحوك وصاحب نكتة وعاشق..وخلال شهرين أصبحت كهلا ممتلئ ذو غرة بيضاء، متجهما وعابسا وحاقد..كنت أشرب الكحول ولكني لم أمارس أي فاحشة..تركت نور فتاة عذراء كيوم إلتقيتها -لو لم تكن كذلك حقا فهذا شأنها - تجربتي الوحيدة كانت مع فتاة عابثة دفع لها أصحابي لتسليتي..كنت في السادسة والعشرين وكانت أول مرة أرى فيها امرأة عارية في حياتي، وما أن إنتهت من خلع ملابسها كنت قد إنتهيت أنا دون أن ألمسها..دفعت لها ضعف ما دفعوه لتستر علي إندفاعي وتدعي أمامهم بأنني لم أقصر..ضحكت بسماجة وذبت في ملابسي. والآن، بفضل نور، لم أترك رذيلة في كتاب الكبائر والذنوب إلا واقترفتها..ولم أدرك كم أصبحت وحشا وحقيرا إلا يومها..وبعد هذه الليلة السوداء قررت أن أستعيد شتات نفسي لأعود نبيل الذي أعرفه ويحبه أبي..قررت أن أقتل نبيل الذي صنعته يد الغدر وألملم روحي وأجزاءها المتناثرة..خرجت من الحمام وقد توضأت وكررت الشهادتين وعزمت على أن لا ألمس مولا حتى أعقد قراني عليها..كنت قد لمحت مسجدا في لشبونة في إحدى زياراتي لسعاد..لم أستطع أن أحدد إتجاه القبلة فاتكلت على الله وصليت ركعتين..نظرت إلى وجه مولا المتورم وخط دموعها الجاف على خدها الأيمن..فاستكثرت على نفسي أن أستلقي إلى جانبها وأمضيت الليلة على الكنبة.. لا أعرف تماما ما الذي أيقظني، صوت السرير الذي يهتز تحت جسد مولا أم أنينها المرتفع..كانت ترتجف بقوة كمصاب بالصرع، فركضت إليها..ظننت بأنها تحت تأثير كابوس ولكن حين مددت يدي لإيقاظها كانت كتفيها تشتعلان من شدة الحرارة..لم أشعر في حياتي بهذا الرعب وحملتها كالمجنون إلى المغطس وأدرت عليها المياه الباردة ولكن المياه لم تكن بالبرودة الكافية لتطفأ الحمى التي إشتعلت في جسدها، فتركتها تحتها وركضت أطرق أبواب الجيران كالمعتوه أطالبهم بالثلج..قتلتها..قتلتها..كنت أصرخ بالعربية ولم يفهموا.. الحمدلله.. وإلا كنت قد تعفنت في السجون أو طردت من البلد..وأسعفوني بالثلج الكافي لأطفئ إشتعالها..لم يحاولوا أن يدخلوا المنزل للإستطلاع ولكنهم فهموا أن مولا تعاني من الحمى.
فتحت مولا عيناها بعد دقائق وهمست باسمي فأدركت بأنها تجاوزت مرحلة الحمى القاتلة..وبدأت ترتجف من قوالب الثلج فأخرجتها ولففت جسدها بالروب الذي سقط على باب الحمام في إندفاعي لإنقاذها.
أمضت ثمانية وأربعون ساعة تسقط في الحمى وتخرج منها بصعوبة.. لم يكن ضربي لها هو السبب بل الرعب الذي عاشته أثناءه، ولكني السبب. وهذا زاد من إصراري على الزواج بها زواجا شرعيا إسلاميا.

انتضرونا

[صبوحة2008]

رائعه اخي رسيم وسلمت يمناك


بارك الله فيك لك مني اجمل التحايا




تقبل مروري

[taman]

جزء صعب ...عنيف ...بل مخيف
اتساءل بدهشة ؟؟؟ هل هناك بشر بمثل هذه القسوة والانحطاط والفجور
ربما ولم لا ...اليس الكاتب مرآه للواقع
أمن اجل( حب وحبيب خائن ) نزع نبيل ثوب الانسانية ولبس ثوب الشيطان
فأتخذ خيانة نور له سببا فى ارتكاب كل الفواحش والرذائل ...
اعجب لهذا الانسان !!!
اتابع الرواية لعلى اجد الاجابات عن ما يدور فى داخلى من اسئلة

شكرا اخى رسيم موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

والف مبروك على وسام التميز ...تستحقة وبجدارة
شكرا على الرواية الرائعة

[رسيم]

شكرا taman - صبوحة - مختلف على مرورك على موضوعي

و سعيد باعجابكم و اهتمامكم بقصة حكايتي مع نور

كونوا بالجوار دوما و لا تحرمونا طلاتكم الالق

تحياتي و تقديري

رسيم

[رسيم]

الجزء الخامس



... في الثلاثين من عمري عرفت نور،‏ في الثانية والثلاثين جئت إلى البرتغال، وفي الرابعة والثلاثين تزوجت سماح..في الخامسة والثلاثين أصبحت أبا لطفل لم أره وتعرفت على فيرا وفي السادسة والثلاثين تعرفت عليها لأتزوجها وأنا في السابعة والثلاثين وهي تصغرني بثلاث سنوات..خمس سنوات من عمري وأنا أتقدم أكاديميا وإداريا وأصل الحضيض أخلاقيا..خمس سنوات بأحداث زخمة وصدمات كفيلة بأن تغير الكثير في طباع المرء وشكله، ولكن هناك أشياء لا يستطيع الزمن أن يطالها.
أنا رجل شرقي للنخاع، لا تستطيع كل حضارات الغرب وثقافته أن تغير في نظرتي وتعاملي مع بعض الأمور..أنا رجل لا تستطيع أي امرأة أن تغير في عقلي المتحجر بعض الأفكار حول أهلي وزوجتي وعائلتي..لا أستطيع المجاملة ولا أكذب ولا أطيق أي امرأة لعوب سيكون لها في حياتي شأن..كما لم أستطيع في مغامراتي السابقة أن أقبل بأقل من امرأة عابثة في فراشي..هي تناقضاتنا التي يصعب على المرأة فهمها وإدراكها. أنا رجل..قد يجذبني الصدر العامر وتسيل لعابي عند مرور مؤخرة ممتلئة وأسرح في وجه جميل لكنني بعد مروره لا يعني لي أكثر مما تعني لي سيجارة أنهيت تدخينها..ما دام قد قبلت هي أن تعرض مفاتنها الجسدية فكيف أرفض أنا النظر إليها أو عذرا كيف أمنع نفسي!

المهم، كأي رجل شرقي كان أول ما فعلته بعد فكرة الزواج من مولا هو الإتصال بأبي وأخذ مشورته..أخبرته بأني قد تبت وبأني نويت العودة إلى الصراط المستقيم ولكني رجل لا أستطيع أن أعيش بدون امرأة. أشار علي أبي بأن أتحدث مع زوجتي التي مضى على ذهابها السنتين..من عادتي أن أتصل بها شهريا وأخبرها برقم الحوالة المالية وأطمئن عليها وعلى إبني الذي لم أره وقد أصبح في الثانية..فاتصلت بها وتمنت لي الخير وصدق الهداية ورفضت العودة على أن ألجم لسان سعاد وأن لا يعرف أحد في أرض الوطن بزواجي..وشكرتها وأغلقت الهاتف ومن فوري قدمت إجازة شهر وعدت لأعتني بمولا التي ما زالت طريحة الفراش ‏..أمضت مولا أسبوعين ثم تنشطت بشكل فاق توقعاتي بعد أن أخبرتها بأنها ستصبح زوجتي.
لم أعرض على مولا وهي الكاثوليكية أن تغير دينها بل أقمنا بعد زواجنا الإسلامي حفلة في الكنيسة وتزوجنا كما يريح ضميرها على يد القس.
أول شيء فعلته إثر عودتنا إلى المنزل بعد أسبوعين أمضيناهم في إيطاليا كما أرادت، هو وضع رواية الياطر ودفتر رسائلي إلى نور في صندوق أسود كنت أضع فيه بطاقات معايدة وحب كانت تضعهم لي يوميا تحت باب مكتبي في الجامعة ليكون أول ما يبتدأ به نهاري. رفعت الصندوق الأسود على رف خزانة الملابس الخاصة بي، ونسيته كما نسيت نور..أو حاولت..طوال خمسة سنوات أمضيتها مع مولا..ربيع حياتي..
في حياة أي رجل عاقل أربعة نساء يصنفهن من فئة الملائكة..أربعة قديسات لا يرضى أن تمسهن يد أو يطالهن لسان..أربعة طاهرات لا يقبل أن تخطأ إحداهن وإن فعلت فعقابها لا يكون عاديا..أمه وأخته وزوجته وابنته.
في تلك اللحظة التي خطت فيها مولا عتبة بيتي كزوجة، خطت فيها عتبة السماء..في تلك اللحظة ولدت مولا امرأة جديدة بصفحة بيضاء..لا ماض لها، وحاضرها ومستقبلها أنا.
وضعت حياتي وثقتي بين يديها وسلمتها جميع مفاتيح قلبي وبادلتني حبا بحب وثقة بثقة وإيمانا بي لا تهزه الجبال.
جعلتها تترك العمل ولم أفاجأها يوما بزيارة دون أن أحادثها هاتفيا..لم أبحث في حقائبها ولا في رسائل الجوال الخاصة بها ولم أحاسبها وأعذبها كما فعلت في السنة التي سبقت زواجنا..تسللت مولا إلى قلبي بهدوء وروية فأحببتها حبا صادقا وأخلصت لها تماما. توقفت عن محاولة جعلها نور وتدريجيا عادت لقص شعرها وإرتداء ما يحلو لها والعطر الذي تحبه..لم أعد أر وجه نور أو أعقد مقارانات بينهن تميل كفتها مرة لمولا ومرة لنور..
أنظر لوجه مولا فلا أرى إلا وجه حبيبتي مولا..وكانت تتجنب أن تثير غيرتي وشكي ولكن أي شك! كنت قد منعت مولا قبل زواجنا من محادثة الجيران أو حتى إمتلاك هاتف أو زيارة أهلها أو أي اتصالات بشرية إلا معي. أصبحت أدفعها دفعا لتبني لها حياتها الخاصة داخل حياتنا كي لا تشعر بالملل خلال ساعات عملي الطويلة وأسفاري التي إزدادات بعد أن أصبحت نائب رئيس الجامعة بعد زواجي منها بسنتين. كنت أراقبها وهي تزداد عافية وجمالا فأزداد رضا..وتعلمت من سعاد الكثير من أشكال الطهي العربي وحلوياته فازددت عافية وسعادة.
بعد سنتين من زواجنا رغبت مولا في إنجاب طفل إذ أصبحت في السادسة والثلاثين من عمرها..وبعد فشلها راجعنا الكثير من الأطباء لتكون النتيجة أن مولا عقيم..ولأول مرة منذ عرفت مولا إختفت ابتسامتها وحلت علينا الكآبة ضيفا ثقيلا وغير مرغوب فيه..تعرف مولا أني أب ولا تدرك بأنني لا أهتم كثيرا بفكرة الإنجاب، ولكنها ترغب في إنجاب طفل وأرادت كثيرا أن تكون أما.
لأول مرة منذ زواجنا أجد نفسي مطالبا بأن أكون الأكثر حنانا وصبرا وتفهما..كان هذا دوما دور مولا. أصبحت كثيرة البكاء وعصبية وكئيبة..وكثيرا ما إضطررت للهرب من جحيمها إلى شوارع بورتو وعلى سواحلها. بعد أشهر، وكأنها أشفقت علي إذ أصبحت كطفل ضائع..إستعادت مولا نفسها وكأنها وجدت سلامها الداخلي وعادت كما كانت. كانت هذه هي الزوبعة الوحيدة التي مر بها زواجنا لحين عدت بها مضطرا إلى بلدي بسبب صراع والدي مع الموت بسبب الشيخوخة، إذ تعرض لجلطة دماغية أقعدته مشلولا بالفراش وعلى شفير الموت. ودعت مولا على أني سأعود بعد وفاة والدي الوشيكة. توفي والدي بسلام على فراش الموت وهو يخبرني بأنه راض عني وعن أحمد وسعاد مما جعل موته أقل ألما مما توقعت.
رؤيتي لإبني وهو في السابعة من عمره..تعلقه بي وتعلقي به..بكاؤه حين جاء وقت ذهابي..شبهه الكبير بي..كل هذا ذكرني بيتمي فقررت العودة..إذ لا يجب أن يحرم طفل من إحدى والديه وهما على قيد الحياة. عدت ومع مولا رغم إعتراض سماح واحتجاجها...
ويأبى الزمن إلا أن يجرح فينا..يستكثر علينا أن تكتمل الفرحة أو تتسع إبتسامتنا..وأنا الذي ظننت بأنه قد نسيني أو أشفق علي..ولكن لا..بعد أن تقبلت سماح فكرة إحضار مولا ورضخت للأمر الواقع، واستقرت أموري في الجامعة..جاءت سعاد لتزورني..ولأنها لا تطيق سماح وسماح لا تطيقها، كما أنها بطبيعة الحال لا تطيق زوج أبي، أقامت مع زوجها وأولادها في منزلي الثاني مع مولا..في البداية ألقت ملاحظة حول أن مولا فقدت الكثير من وزنها وبأنها هزيلة. ولم أعر الأمر إنتباها كوني مشغول جدا في عملي وعملية الإنتقال والإستقرار. والرجال لا يتابعون الوزن والتغيرات الجسدية في زوجاتهم كما أن مولا بطبيعتها نحيلة. ثم دخلت علي سعاد وأمرتني بتوتر أن أحضر فورا إلى غرفة النوم. وقفت مولا وسط الغرفة كطفل مذنب وهي تحضن جسدها شبه العاري في محاولة لستر نفسها..يبدو أن سعاد فاجأتها وهي ترتدي ملابسها ونادتني على الفور. ركضت سعاد إلى مولا ودفعت القميص الذي بين يديها وصرخت أنظر! وأمسكت مولا من كتفيها لأنظر أكثر..حدقت في جسد مولا وفوجئت بهيكلها العظمي ظاهرا بتفاصيله..بطنها الغائرة كحفرة فألتصق جلد بطنها بظهرها..فخديها نحيلتين إلى درجة مؤلمة ومتقوستان إلى الخارج. حدقت في وجه مولا كأني أراها لأول مرة منذ حضورنا إلى البلد..كيف لم أنتبه إلى نحول وجهها وإصفراره! نحن الرجال أنانين..في إنشغالي بعملي وبسماح وابني وهذا الإنتقال المفاجئ نسيت مولا! بعد مراجعات لعدة أطباء تبين أن مولا لم تتكيف مع الغربة وتعاني مما أسموه بالحنين إلى الوطن. لم تتكيف إبنة البحر مع مناخ بلادي الصحراوي ولم تفلح جميع محاولاتي أن أجعلها تنسجم مع حياتنا الجديدة. ووجدت نفسي ممزقا بين أن أبقى وأعيد مولا أو أعود معها وأفقد إبني الذي أصبح روحي وأنا..وحاولت قدر إستطاعتي أن أؤجل إتخاذ هذا القرار حتى كادت مولا أن تفنى أمامي وأنا عاجز عن فعل أي شيء..عدت بها إلى البرتغال وأشتريت لها منزل وبقيت معها قرابة الشهرين واستعادت عافيتها بسرعة وأشرقت..في نهاية الإجازة أخذت مولا إلى القاضي الشرعي في لشبونة وطلقتها..
"أنت طالق" وتمزقت روحي..تداعى شيء ما في داخلي لا أستطيع وصفه..وللمرة الثانية تحرك قلبي في داخلي..حركة أعرفها ولم تخيفني هذه المرة إذ عرفت ما سيتبعها..انفطر قلبي..لم أجد دموعي ولو أنها سقطت لما حدث ما حدث لاحقا.
سأسجل هنا إعترافي..شيء لم أذكره في حياتي لأحد..
يومها ذهبت إلى ساحل بورتو..يقتلني الألم ومزق روحي..تسكنني دون رحمة عينا مولا ودموعها وعناقها بعد أن ألقيت عليها يمين الطلاق..يأسي من سعادة تخاصمني..نزلت بملابسي في البحر..وكلي تصميم على الإنتحار..في تلك اللحظات لم أجد ما قد يستحق أن أحيا لأجله..حبست أنفاسي ورجوت صديقي الأطلسي أن لا يترفق بي.. وفي كل مرة أغطس فيها كانت تأتي موجة تحملني وتقذف بي إلى الشاطئ..فأعاود المحاولة وأرجو البحر أن يرحمني ولكن جميع محاولاتي باءت بالفشل..
لم أبك في حياتي إلا أربعة مرات..بكيت يتمي في السادسة، وبكيت يوم علمت بزواج نور، وبكيت يوم سامحني أحمد ويوم كدت أقتل مولا..إرتميت منهكا على الشاطئ من محاولاتي الفاشلة..وتمنيت لو أني إستطعت أن أبكي يومها..بعد عودتي إلى البلد وفي المطار أغمى علي وتبين إصابتي بإرتفاع الضغط.
‏
أصبت بإرتفاع الضغط في الثانية والأربعين من عمري، ولم يكن وراثيا إذ توفي والدي وهو لم يعاني من أي مرض.
أورثتني النساء في حياتي الشيب المبكر والضغط المرتفع. .واحدة بخيانتها والأخرى بإخلاصها..
رجوت مولا وأنا أودعها في المطار..أن لا تخبرني إذا وقعت في الحب أو أرادت أن تتزوج في المستقبل، يكفي أن تتوقف عن الرد على مكالماتي أو تغير رقم جوالها..طوال سنتين ونحن نتحدث على الهاتف، في البداية كانت مكالمات يومية مطولة ثم بدأت تخف كثافة الإتصالات فأصبحنا نتحدث بشكل شهري..
في هذا اليوم الذي دخلت فيه إلى مكتب صديقي الدكتور يوسف، كنت قد حاولت الإتصال بمولا وسمعت بأن هاتف الجوال غير مستعمل..لم أفكر كثيرا بهذا وظننت بأني أخطأت في طلب الأرقام لأني حاولت الإتصال من هاتف المكتب..بعد ثالث محاولة وفشلها أدركت بأن مولا أصبحت لغيري. أغلقت الهاتف ووجدتني أبتسم..على الأقل، صبرت مولا سنتين مع رجل لن يعود..نور لم تنتظر شهرين لرجل سيعود حتما..شعرت بالضيق ولم أطيق أن أبقى وحدي وذهبت إلى مكتب صديقي لتدخل نور..تبتسم كشمس الشتاء..مشرقة وجميلة وأكثر نضجا وإغراءا من يوم عرفتها..فرسمت جسدها بعينين تحتقران وتحقدان على كل خلية فيه.
ذهبت إلى المنزل لأصاب بالحمى..ولا أدري أيهما كان أقسى علي..زواج مولا أم رؤية نور بكل ألقها وفتنتها..ماذا كنت أتصور؟ ربما كنت أرضي خيالي بأن أتصور نور غير سعيدة بحياتها..محطمة..نادمة. أما أن أراها تشع فتنة وجمالا ! كم أكرهها!



انتضرونا
....

[صبوحة2008]

يعكيك العافيه اخي رسيم بارت رائع وجميل

بارك الله فيك


تقيل مروري