- قلت لك إننى أفضل منهما . رفعت المال عن الطاولة وأعادته إلى جيبها ، ثم قالت للرجل : " سعدت باللعب معك ، برايس " قال مايسون ما إن استعاد قدرته على الكلام : " هاى ! انتظرى قليلا " وأشار إلى برايس متابعا : " لم يدفع لك المال " ابتسمت من وراء كفها ، ثم أجابت : " سوف يفعل ط عاد مايسون إلى مكانه وراء الطاولة الكبيرة ليسكب الشراب لمجموعة من الرجال الذين يعلمون على إزالة الثلوج عن الطرقات ، وما لبث أن سمع صوت سبرنغستين الشجى يملأ أرجاء المقهى . التفت نحو صندوق الأغانى فرأى برايس باتل يضع المزيد من النقود المعدنية فى الآلة والغضب باد على وجهه . بعيدا عن الطاولة الكبيرة لمح ابتسامة روزى الماكرة . إذا ، هذه هو الثمن المقابل للعبة ! مع مرور الساعات التالية ، وفيما ظلت الأغانى تنساب من الموسيقى الصاخبة إلى الأغانى الرومنسية الناعمة ، وجد مايسون نفسه أكثر تقديرا لموهبة روزى فى لعب البليارد . حوالى الساعة الثانية لوح مايسون مودعا آخر شخصين وهما يغادران المقهى . أقفل الباب ، وأطفأ المصابيح المتلألئة فى السقف والتى تسطع أنوارها القوية على باحة الرقص وطاولة البليارد . هزت مارنى رأسها بحيرة : " هل تفضل حقا هذه الحياة على مواجهة أعيان البلدة ومرافقتهم ؟ " حدق مايسون إليها بغضب ، لكنه لم يقل شيئا . تابعت مارنى كلامها محدثة روز : " أتت رئيسة المنطقة لرؤيته الليلة ، وما الذى قاله لها ؟ إنه يفضل أن يسكب الشراب ويمسح الأرض على أن يكون مرشحا فى الانتخابات " ما فهمته روز بوضوح هو أن مايسون لا يرغب فى التحدث عن الأمر لهذا ستحترم رغبته تلك ز - الرأس ستنظفين الحمام ، والوجه الآخر أنا سأفعل ذلك . أخرجت قطعة معدنية من جيب مئزرها ورمت بها عاليا فى الهواء . بعد أن التقطتها بخفة سحرية ، قالت : " آسفة ، مارنى . يبدو أنك أنت من سينظف الحمام " عندما غادرت مارنى الغرفة ابتسم مايسون ، من الواضح أنه لاحظ خدعتها بالعملة النقدية . قال : " شكرا ! أشعر أننى مدين لك " رفعت روزكتفيها ، وبدأت بعد المال الذى قبضته . يبدو أنها ليلة جيدة جدا . بالطبع ، كان بإمكانها أن تحظى بعشرين دولارا إضافيا لو أنها لعبت مع برايس مقابل المال بدلا من حق إختيار الأغانى . فكر مايسون أنه يدين لها بهذا أيضا . - إسمعى ! لم لا تأخذين سطا من الراحة ؟ أشعر أننى استعدت نشاطى خلال ثلاث ساعات من الموسيقى الرائعة والمميزة . سأكنس الأرض وأمسحها بعد أن أرفع الكراسى على الطاولات . لن أحتاج إلى الكثير من الوقت ، وبعد ذلك سنمضى إلى منازلنا . - أنت على حق . لن تحتاج إلى الكثير من الوقت ، لأننى سأساعدك . أعادت المال إلى جيبها ، وحملت قطعة قماش مليئة بالصابون . إن كانت حقا متعبة فإن ذلك لا يبدو عليها مطلقا وهى تعمل بنشاط فى تنظيف أسطح الطاولات . بعد عدة دقائق ناداها مايسون : " هاى ! وجدت قطعتين من النقود " - لابد أن الليلة ليلة حظك . بإمكانك الآن أن تسمع المزيد من الموسيقى الرومنسية . توقفت روز عن مسح الطاولة وأتكأت عليها قبل أن تتابع : " أعتقد ان الرجال يحبون تلك الأنغام فقط لأنها لا تحثهم على الرقص " نظرت إليه بإمعان وقالت :" آه ، بالطبع ! يمكننى ان أتخيلك تهتز وترصق كريكى مارتن " - من فضلك . . . كل ما قلته هو اننى أحب الرقض . قرر مايسون أن يمسح تلك النظرة الساخرة عن وجهها . وضع إحدى القطع النقدية فى صندوق الموسيقى وضغط على الرقم 19 ، وعلى الفور امتلأت الغرفة الخافتة الأضواء بهمسات سيلينا . عندئذ سار نحو روز ومد يده لها . نظرت روز إليه بتوتر وقلق وهى تسأله : " ماذا ؟ " أعطاه سؤالها الشجاعة الكافية ، فلو أنها وقفت مكانها وظلت تلك النظرة الساخرة فى عينيها ، لما امتلك القدرة ليمد يديه ويضمها بين ذراعيه . ارتطم جسدها بجسده ، فتراجعت خطوة إلى الوراء . قالت متلعثمة : " مايسون ! أنا لا . . . " أكمل عنها : " لا ترقصين ؟ إذا دعينى أعلمك " ضمها بين ذراعيه مستمتعا بالاحساس بها حتى وهو يفكر أنها بحاجة إلى المزيد من الوزن لتبدو أكثر جمالا ورشاقة . - ليس هناك أية صعوبة فى الأمر ، فالرقص سهل جدا . سهل ؟ فكرت روزى وهى تدوس على أصابع قدمه وتضرب ركبتيه بركبتيها . شعرت كأنها قطعة من الجماد بدلا من أن تشعر بالفرح والزهو ، لكن مايسون أصر على المتابعة . - ثلاث خطوات إلى الأمام وخطوة واحدة إلى الوراء . هذه هى الخطوات الرئيسية ، لكتها تتم عبر دوائر وذراعاك تنثنيان على بعضهما . تماما كما يفعل الطلاب وهم يرقصون أول رقصة للفتيات والصبيان معا . لم تقل روز إنها لم ترقص مطلقا . مع ذلك لديها فكرة عما يتحدث ، فقد علمت فى مقاه كثيرة وراقبت الرجال والنساء يتمايلون معا على الأنغاك . سألته : " أين تعلمت الرقص ؟ " - جدتى لأمى أصرت على وعلى مارنى ان نتعلم الرقص . كلما ذهبنا لزيارتها كانت تسمعنا فرانك سيناترا أو بيرى كومو ، وكنا نمضى على الأقل ساعة بأكملها ونحن نتعلم خطوات الرقص التى أقسمت أن جدى خطب ودها وتودد إليها بواسطتها . ضحكت بصوت عال على تلك الكلمة القديمة الطراز . أحنى ظهرها قليلا ثم أعادها لتقف مستقيمة ببطء وهو يقول : " ألم يتودد إليك أحدهم ؟ " شعرت روز بقلبها يضطرب بقوة ، وقبل أن تفكر بالأمر أجابت : " هل قلت يتودد أم يتردد ؟" قال مايسون وهو يضحك : " اختلط على الأمر أنا أيضا " - فى الواقع ، هذه الخطوات تعلمتها بنفسى ، لكننى أدين لها برقصة التشاشا والفالس . - أنت رجل متعدد المواهب . ثم اعتذرت مجددا ما إن داست على قدمه ثانية . الطريقة التى يراقصها بها جعلتها تشعر بالسعادة . إنها طريقة قديمة الطراز مثل عبارة " يخطب ودها " فيده اليمنى تلامس ظهرها برقة ويده اليسرى تمسك بيدها اليمنى . بالكاد هما يتلامسان فيما سيلينا تغنى أغنية غرامية . تنهدت روز وهى تقول : " هذه الأغنية حزينة جدا " - لماذا تقولين ذلك ؟ هل تعتقدين أن الوقوع فى الغرام أمر محزن ؟ أبعدها قليلا إلى الوراء ليتمكن من النظر إلى عينيها . راقبت فمه وهى تتكلم . وعلمت أنه حقا يملك ابتسامة جميلة جدا. - إذا لماذا تقولين أن هذه الأغنية حزينة ؟ - توفيت المطربة فى حادثة مؤسفة . ما إن بدأت بتحقيق حلمها حتى قضى شخص ما على حياتها . كلما سمعت هذه الأغنية أفكر بها وأتساءل كم من الأغانى الجميلة كانت ستغنى لو أنها ما زالت حية . - حسنا ! هذا أمر آخر يمكن التفكير به فى المرة التالية عندما تسمعين الأغنية . لم يكن مايسون متأكدا من أين أتته الرغبة المفاجئة ، لكنها بدت قوية جدا ولا يمكن مقاومتها . أحنى رأسه وعانقها . . . وقفت روز بين ذراعيه ، لكنها لم تبتعد عنه ، وهكذا تمكن من إطالة العناق . أهذه دقات قلبها أم قلبه ؟ لم يضع الوقت فى محاولة التفكير بالأمر هو أيضا ، فلديه ما هو أكثر أهمية . أمسك بذراعيها ورفعهما لتتمكنا من الاحاطة بعنقه ، وهمس قائلا : " روزى ! " روزى ! هى ليست روزى . . . إنها روز . روز بانيت ، وروز بانيت ستغادر هذا المكان قريبا جدا . لا يمكنها التورط فى علاقة مع شخص مثل مايسون ، شخص قد يجعلها ترغب فى البقاء . ابتعدت عنه ما إن إنتهت أغنية سيلينا . علمت أنها ستتذكر العناق سواء سمعت الأغنية أم لا . - سأذهب لرؤية بارغن ، ربما هو بحاجة إلى المساعدة فى المطبخ . - بارغن ليس بحاجة إلى أية مساعدة . زفر مايسون بقوة قبل أن يتابع : " روزى ، بشأن . . . " سمعت نبرة فقدان الصبر فى صوته وهذا ما فاجأها . - إذا ، لماذا تستمر فى مناداتى روزى ؟ رفع كتفيه قبل أن يجيب : " لا أعلم . يبدو لى أنه يناسبك أكثر . اعتبريه اسم التحبب " قالت بعناد واضح : " لدى اسم تحبب . إنه روز ط - من الذى أطلق عليك هذا الإسم ؟ حدقت إليه بغضب وأجابت : " أنت تعلم من الذى أطلق على اسمى " - أعلم أن مكتب حماية الأطفال أسماك روزاليند . لكن من بدأ بمناداتك روز ؟ ؤاله أيقظ فيها ذكريات مؤلمة . استدارت روز ، ثم أمسكت منشفة التنظيف وبدأت بمسح طاولة قربها بغضب وبحركة عنيفة . لم يلمسها مايسون ، لكنها شعرت به وراءها واقفا يحدق بها بصبر وهدوء . بدت نبرة صوته كالهمس عندما سألها : " من الذى أسماك روز؟ " تحركت نحو طاولة أخرى من دون الاجابة على سؤاله . لكن الذكريات اقتحمت ذهنها فشعرت بالحزن والألم من جديد . بالطبع ، اسم التحبب هو روزى ، وهذا ما ناداها به أول شخصين تبنياها . - سنصبح عائلة ، وستكونين ابنتنا الصغيرة روزى . هذا ما كانا يقولانه لها فى كل ليلة وهما يقبلانها ويتمنيان لها ليلة سعيدة قبل نومها . لكن لم يكن كل أفراد عائلتهما متحمسين بأى حال لتبقى بشكل دائم . عندما بلغت السادسة من عمرها أصبح اسمها روز بسبب ولد شرس عنيف قام بتدخين علبة السجائر وأطفاها كلها على ذراعها . تصرفه المشين أدى إلى نقلها إلى مكان آخر . لم يكن بيد الوالدين اللذين تبنياها حيلة ، إلا أن يرسلاها بعيدا ، فهى مجرد طفلة ربياها لثلاث سنوات ، لكنه ابنهما الطبيعى . قالت روز ، وهى تضع المنشفة فى الدلو : " ليس للأمر أهمية ، سأذهب لأرى إن كانت مارنى بحاجة إلى المساعدة فى عملها " تردد مايسون للحظة قبل أن يضيف : " روزى !" لكنها ذهبت ، فارتمى على كرسى وهو يوبخ نفسه . يا له من أحمق ! إنها امرأة تسافر وهى لا تحمل إلا حقيبة صغيرة . هم لم يقابل فى حياته امرأة لا تملك متاعا . قال له عقله محذرا : لا تتدخل ، ولا تتورط ! حسنا ! حياتها ليست مشكلته ، بالرغم من رغبته فى التقرب منها . إنها مجرد جاذبية حسية . لهذا السبب عانقها . العناق لن يسبب لها أى أذى على أى حال ما دام الأمر لن يتكرر مطلقا . |