489 - ضياع في العاصفة - آن ميثر - أحلام الجديدة (مكتوبة /كاملة )

[*سهى*]

تبدو لي فكرة جيدة ...ما رايك لو تجمعين حوالي عشرة شبان عازبين يتمتعون بالموصفات المطلوبة لاختار واحدا منهم؟
انفجرت ميري بالضحك وتردد صدى ضحكتها الرنانة في الغرفة ثم اجابت ((لو كان هذا ممكنا لوجدت عريسا لنفسي لكن على ان اعثر على رجل لا يهاب ستيوارتع))
هايس كارسون لا يهاب ستيوارت .....يمكنك الزواج به.
هايس لا يريد الزواج يقول انه يفضل الا يفسد حياته بالمشاعر المعقدة.
ياله من جبان...
هذا لا يعني انه لا يتحلى بالشجاعة لكنه لا يؤمن بنجاح العلاقات الزوجية كان والداه يتشاجران باستمرار ما دفع شقيقه الصغير الى تعاطي المخدرات يقال انه مات اثر تناوله جرعة زائدة لاشك ان فقدان شقيقه الوحيد ترك اثرا كبيرا فيه
فقد يقع في الحب يوما ما
اجابت ميري مازحة ((واخي ايضا لكن لو كنت اميل الى المراهنة لما راهنت على هذا ابدا))
الحب هو اعضم عامل يساعد على تحقيق التوازن...
قالت ميري طالبة العلوم التمرضية ((الحب هو عبارة عن تفاعل كميائي انه مجرد رد فعل جسدي يدفعنا الى المساهمة في عملية التكاثر))
لوت ايفي شفتيها ساخرة وسالتها ((ماهذا الكلام الفظ يا ميري؟))
هذا صحيح ...اسالي استاد علم الاحياء في الكلية.
لا شكرا لك افضل الاحتفاظ بوجهة نظري البالية.
ضحكت ميري ثم قطبت جبينها وسالتها ((ما الذي تاكلينه يا ايفي؟))
علت امارات القلق وجه ميري واضافت ((انها قطعت البسكويت المغطى بالشكولا هل نسيت انك تصابين بداء الشقيقة كلما اكلت منه؟))
لكنها مجرد قطعة صغيرة
اسمعي راشيل لم تكف عن ازعاجك والضغط عليك منذ وفاة والدك كما ان والدك فارق الحياة منذ بضعة اسابيع فقط ما يعني ان العوامل المحفزة كثيرة جدا حتى وان كنت لا تذركين ذلك هل تعلمين ان ستيوارت يعاني ايضا من الشقيقة كلما اكل الجبنة المخمرة؟
عادت ايفي بالذاكرة الى نوبة الصداع الفضيعة التي اصابته بعد ان اتم صفقة تجارية كبيرة حصل ذلك في اليوم تلا مشاركته في حفل موسيقي نظمته مدرسة ميري و ايفي ذلك بعد مرور فترة وجيزة على توطيد علاقة بين الفتاتين واقترحت ايفي يومها على ستيوارت ان يشرب القهوة السوداء ويستشير طبيبا فمنذ نعومة اظافرها بدات اعراض داء الشقيقة تظهر على ايفي تماما مثل والدتها وجدتها لابيها ومع ان ميري لم تكن تعاني منه الا ان ايفي علمت ان والدها كان يعاني من الشقيقة وعمها كذلك.
علقت ميري قائلة ((اعطاه الطبيب دواء للوقاية بعد ان شخص نوع الصداع))
لايمكنني ان اتناول الوقائي لانني لا اعاني من مشكلة في القلب واخشى ان تتسبب الادوية في تسارع نبضاته لذا علي ان اعالج الاعراض بدلا من المرض نفسه.
ارجو ان تكوني قد احضرت دواءك معك
نضرت ايفي الى قطعة البسكويت بالشوكولا واعادت ما تبقى منها الى الطبق والحزن باد على وجهها
نسيت.....
قالت ميري ((يتناول ستيوارت الدواء مسكنا للام الى جانب الدواءالوقائي اذا استيقضت في الليل وانت تصرخين من شدة الالم بسبب قطعة البسكويت التي تناولتها فيمكننا معالجة الامر ....اتمنى ان تدعك راشيل وشانك بعد تسوية موضوع الارث الذي تركه والدك))
هزت ايفي راسها واجابت((لن يهنا لها عيش قبل ان تضع يدها على كل فلس تركه والدي لقد لقنعت والدي بانني همجية فلم يات على ذكري في الوصية ))
لكن لابد ان والدك كان يعرف انك لست كذلك
ضحكت ايفي وقالت ((كلا لم يكن يعرف شيئا))

[بنوته عراقيه]

يعطيك العافيه ياقلبي .... تقييم+ تثبيت الموضوع

[*سهى*]

شكرا لك اختي بنوتة عراقية على التقيم و التثبت

[*سهى*]

ولم يحاول أن يتأكد من صحة كلامها. فقد اعتاد الإسراف في شرب الكحول. وكلما ثمل، استغلت راشيل الفرصة لتملأ رأسه بأكإذيب عن أختها تترك في نفسه وقعا رهيبا وتشفي غليلها.
طردت إيفي من رأسها ذكريات الماضي الأليمة وأرغمت نفسها على الابتسام قائلة : إذا كان احتفاظ راشيل بممتلكات أبي كلها يساهم في بقائها في نيويورك وبعيدا عن حياتي فلا مانع عندي على الإطلاق
هذا ليس عدلا. لم يسبق لنا أن واجهنا مشكلة مشابهة لأن ستيورات وزع الأموال كلها بالتساوي بيني وبينه. يقول إننا من أب واحد ولا ينبغي أن يحظى أي منا بحصة أكبر من الآخر.
قطبت إيفي جبينها قائلة : هل هذا يعني أن حصة أحدكما كانت أكبر
من حصة الآخر؟
في وصيته، خصص والدي خمسة وسبعين بالمائة من الأموال لستيوارت. حاول هذا الأخير أن يعترض لكن والدي كان في كامل قواه العقلية. وبعد أن تم التثبت من صحة الوصية، قام من تلقاء نفسه بتوزيع الأموال بالتساوي بيننا. أعلم أنك لا تحبينه لكنه أخ مثالي.
ليس صحيح أنها لم تكن تحبه لكنها تخشاه. ففي نوبات غضبه، كان ستيوارت قادرا على زرع الرعب في قلب امرأة أمضت حياتها كلها تحاول أن تتفادى عنف الرجل. حسنا، عليها الاعتراف بأن الأمر لا يقتصر على الخوف فستيوارت يثير فيها إحساس غريبا كلما تواجدت قربه، ويجعلها تتوثر.
أقرت إيفي : إنه يحسن معاملتك.
ويحبك.. أنا لا أمزح، إنه معجب جدا بالجهد الذي تبذلينه لمتابعة تحصيلك العلمي. وقد ثار عندما علم أن راشيل استولت على المنزل وتركتك من دون مسكن، واتصل بالمحامي في محاولة منه لإصلاح الأمور لكن من دون جدوى، إذ من الصعب جدا التشكيك في الوصية تفاجأت إيفي لدى معرفتها أن ستيوارت أراد مساعدتها إذ لطالما شعرت بأنه يمقتها، ويتحمل وجودها في المنزل على مضض لأنها صديقة ميري المفضلة. في الواقع، كان يتفادى الحضور إلى المنزل كلما علم أن إيفي جاءت لزيارتهم.
همست إيفي ساهمة : لعله يخشى أن يقع تحت تأثير سحري الفتاك. أظنه يخاف من الوقوع في حبائلي. لكن ما هي الحبائل بالضبط؟
لو كنت أعرف الجواب، لتمكنت من العثور على صديق لكنني لا أعرف، ولا أعتقد أنني سأرتبط بأي علاقة جدية قبل أن أتخرج من كلية التمريض. وفي هذه الأثناء، سألهو وأستمتع بوقتي. ثمة طبيب مقيم في المستشفى يعجبني كثيرا، وهو يدعوني للخروج من حين إلى آخر، لكنني لم أخبر أحدا بالأمر. هل من طالب زواج تخفين أمره عني؟.
هزت إيفي رأسها بالنفي وأجابت : لا أفكر في الزواج أبدا.
لماذا؟
ما من رجل يستطيع العيش معي
ضحكت ميري وقالت : هذا غير صحيح.

[*سهى*]

على أي حال، أنا أشبهك من نواح عدة. أريد أن أتخرج وأجد عملا. لطالما حلمت بأن أجمع ثروة صغيرة لأتمكن من إعالة نفسي. فمنذ صغري وأنا أعيش في الظل إذ كان والدي يخشى أن يفقدني ما جعله يمنع أي فتى من التقرب مني. كنت بالنسبة إليه مجرد خادمة مجانية : فراشيل لا تجيد الطهي أو غسل الملابس أو مسح الأرض
لزمت ميري الصمت. كانت تدرك في قرارة نفسها أنها الحقيقة فقد تعرضت إيفي للاستغلال من قبل أقرب الناس إليها الذي يفترض بهم أن يدللوها. وعلى الرغم من أنها لم تحاول التطفل يوما، إلا أن ميري لاحظت أن إيفي تتفادى التحدث عن والدها.
سألتها ميري برقة : أنت تخفين عني أسرارك، أليس كذلك؟
فسارعت إيفي إلى الاعتراض لكن ميري رفعت يدها مردفة لا أريد التطفل. لكن إذا شعرت يوما برغبة في التحدث إلى أحد فيمكنك الاتصال بي.
أعلم هذا.. شكرا.
ما رأيك الآن لو نشاهد فيلما؟ كنت أفكر في ذلك الفيلم الخيالي الذي حقق نجاحا منقطع النظير
ولما ذكرت اسمه، ابتسمت إيفي وقالت لها : كنت أتحرق شوقا لمشاهدته، لكني لم أشأ الذهاب إلى السينما وحدي.
سأطلب من السيدة روديس أن تعد لنا الفشار. أظن أنها قد ترغب في مشاهدته معنا فحياتها الاجتماعية معدمة.
سألتها إيفي بحذر : أليست متزوجة؟
كانت متزوجة من مهندس في الجيش، سافر في مهمة إلى الخارج ولم يرجع. لم يرزقا بأطفال وعاشا وحيدين لأكثر من عشرين سنة. بعد اختفاء زوجها، جاءت إلينا تطلب عملا لتعيل نفسها. كان زوجها يتقاضى راتبا جيدا ما جعلها تكتفي بالعمل كسكرتيرة بدوام جزئي، طوال فترة زواجهما، بعد رحيله، جاءت تبحث عن عمل مؤقت عندنا لكنها قررت لاحقا البقاء معنا إنها لطيفة جدا
وافقتها ميري الرأي قائلة : إنها من النوع المحب، حتى أنها نجحت في احتضان ستيوارت، مع أن أحدا لم يجرؤ على القيام بذلك قط من قبل.
لم تشأ إيفي التعليق على كلامها واكتفت بالإيماء برأسها.

[*سهى*]

كانت إيفي منهمكة بتصفح دليل البرامج على شاشة التلفزيون عندما دخلت ميري وبرفقتها امرأة مكتنزة، قصيرة القامة، رمادية الشعر.
ابتسمت لها إيفي قائلة : مرحبا سيدة روديس
تسرني رؤيتك يا إيفي.. إنني أعد الفشار. ما اسم الفيلم الذي سنشاهده؟
قررنا مشاهدة الفيلم الخيالي الأخير.
فكرة مدهشة.
وأطلقت السيدة روديس ضحكة خافتة وتابعت شاهدته في صالات العرض لكنني أود مشاهدته ثانية، إن كنتما لا تمانعان.
يسرنا حضورك.
حسنا، سأحضر الفشار وأعود في الحال.
سأقوم بتشغيل الفيلم
وأخذت جهاز التحكم عن بعد من يد إيفي وتابعت : إنها إحدى الأمور الميكانيكية التي أبرع فيها.. الضغط على الأزرار.
كان الفيلم رائعا، لكن وقبل أن ينتهي بوقت طويل، بدأت إيفي ترى أضواء ملونة أمام عينيها. وسرعان ما فقدت القدرة على الرؤية بإحدى عينيها، وهذه إحدى العلامات التي تسبق أعراض داء الشقيقة
لم تتفوه بكلمة أمام ميري، وقررت أن تخلد إلى النوم وتواجه مصابها وحدها.
تحملت إيفي ألمها إلى أن انتهى الفيلم ثم تثاءبت وهبت واقفة وهي تقول : آسفة، لكن علي أن أخلد إلى النوم، أشعر بنعاس شديد
نهضت ميري بدورها وأجابت : لا مانع عندي في النوم باكرا أيضا هلا أقفلت الأبواب سيدة روديس؟
بكل سرور يا عزيزتي. هل تحتاجان إلى شيء آخر من المطبخ؟
سألتها إيفي : هل يمكنك أن تحضري لي زجاجة من الماء؟ أنا معتادة على الاحتفاظ بزجاجة من الماء قرب سريري.
سأحضرها في الحال. ماذا عنك يا ميري؟
هزت ميري رأسها بالنفي وردت : لا شكرا. شربت اليوم كمية كافية من الماء في الكلية.
سألتها إيفي عندما وصلتا إلى أعلى السلم : وعدتني بأن تعيريني ملابس للنوم.
وسأفي بوعدي. تعالي معي أخرجت ميري من خزانتها ثوبا وعباءة ملائمة له وقدمتهما لإيفي. كان الثوب شفافا مخرما، ذا لون أصفر زاه، وهو أجمل ما وقعت عليه عيناها. حبست أنفاسها ثم قالت معترضة : إنه باهظ الثمن.
لا أظن ذلك. قدمته لي إحدى زميلاتي في عيد الميلاد لكنه لم يعجبني فأنا لا أحب اللون الأصفر. لم أشأ أن أقول لها إنني لا أحب هذا اللون، فشكرتها بحرارة ثم جلبته إلى المنزل وعلقته في الخزانة.
لو كنت مكانك لفعلت الشيء نفسه. إنه جميل جدا.
سيبدو جميلا عليك. أخلدي إلى النوم ونامي حتى ساعة متأخرة لا نريد أن نستيقظ قبل حلول موعد الغداء.
وابتسمت إيفي ثم أردفت : اعتدت على النهوض باكرا لتحضير وجبة الفطور لوالدي و راشيل، ومن ثم لوالدي وحده بعد مغادرتها المنزل.
تستطيع السيدة روديس أن تعد لك الفطور ساعة تشائين. نوما هنيئا.
ولك أيضا( دخلت إيفي الغرفة المجاورة لغرفة ميري. كان الحمام يفصل غرفة الضيوف عن غرفة ستيوارت غير أن إيفي لم تأبه للأمر. كان ستيوارت مسافرا إلى الخارج ويمكنها أن تستعمل الحمام من دون أن يزعجها أحد. وتوقعت أن تستعمله كثيرا إذا لم تتمكن من الاستسلام للنوم.
ارتدت ثوب النوم وراحت تتأمل نفسها في المرآة الطويلة فأثارت صورتها المنعكسة فيها استغرابها. انسدل الثوب برقة على جسمها وأبرز خصرها النحيل، ووركيها الدقيقين وساقيها الطويلتين الأنيقتين. كانت هذه المرة الأولى التي ترتدي فيها إيفي ملابس مثيرة إلى هذا الحد.
بدت بشعرها الطويل الأشقر وعينيها الخضراوين وبشرتها الناعمة أشبه بساحرة من قصص الخيال. لم تكن فائقة الجمال لكنها ليست قبيحة أيضا فهي نحيلة، متوسطة الطول، تتميز بشفتيها الممتلئتين وعينيها الكبيرتين اللتين بدتا في تلك اللحظة غائرتين من شدة الوجع.
سمعت طرقا خفيفا على الباب فتوجهت نحوه لتفتحه، وإذا بالسيدة روديس تقف أمامها حاملة زجاجة المياه. قالت لها المرأة الطاعنة في السن بنبرة مفعمة بالقلق : تبدين شاحبة جدا. هل أنت بخير؟
أجابتها قائلة : إني أعاني من الصداع بسبب الشوكولا، لكن لا تخبري ميري لئلا تثيري قلقها. من الأفضل أن اخلد إلى النوم.
لم تقتنع السيدة روديس بكلامها إذ سبق أن شهدت نوبات الصداع التي تصيب كل من إيفي وستيوارت.
ألديك دواء مسكن للألم؟.
أجابت إيفي كإذبة : أجل.. أحضرت معي الاسبرين
حسنا، إذا احتجت إلى مسكن أقوى فلا تترددي في إيقاظي، اتفقنا؟ فستيوارت يحتفظ بأدوية مسكنة. والآن اخلدي إلى النوم وناديني إذا ما احتجت إلي. غرفتي في الجهة المقابلة من البهو.
أشكرك من كل قلبي
ارتمت على السرير الكبير الحجم وسحبت الأغطية الحريرية لتغطي نفسها. بدت الغرفة أشبه بقصر مقارنة بشقتها، وحتى الحمام كان أكبر مساحة من الغرفة التي تقيم فيها. عاشت ميري في هذه الرفاهية منذ نعومة أظافرها، في حين أن إيفي لم تذق طعمها أبدا.
كان الألم لا يحتمل، وغالبا ما يتركز في عين واحدة كما لو أن أحدهم يغرز سكينا حادة في بؤبؤ العين. راحت إيفي تئن بصمت ووضعت قبضتها على عينها. وعلى الرغم من أنها استعادت بصرها، إلا أن حدة الألم عادت لتشتد من جديد
ومع حلول منتصف الليل، اجتاحتها موجة من الغثيان وساءت حالتها إلى أقصى حد إذ تحول الصداع إلى نوبة من الألم المبرح. بللت فمها وعينيها بقطعة قماش رطبة واستلقت على ظهرا في محاولة منها للاستسلام للنوم لكن الألم أبى أن يسكن مع أن الغثيان بدأ يتلاشى، فقررت أن تنادي السيدة روديس. وفي طريقها إلى غرفة هذه الأخيرة، دخلت الحمام لتبلل قطعة القماش مرة أخرى.
فتحت الباب وهي تترنح يمينا ويسارا من شدة الألم، فإذا بها ترتطم برجل طويل القامة، قوي البنية، عاري الصدر. رفعت نظرها لتلتقي عيناها الخضراوان بعيني زرقاوين ثاقبتين. سألها ستيوارت يورك عابسا: ما الذي تفعلينه هنا بحق السماء؟

نهاية الفصل الثاني

[*سهى*]

الفصل الثالث

نقطة اللاعودة

لم تكن إيفى قد لمحت طيفه منذ أشهر فطرقهما لا تلتقى أبداً ، وستيوارت يتفادى الحضور إلى المنزل أثناء وجودها . أثار ظهوره المفاجئ أمامها توترها فشعرت بضيق فى التنفس وبألم فى معدتها .
كان يتأملها بإمعان وقد ظهر فى عينيه الزرقاوين وميض غريب وكأنها خيبت آماله . نادراً ما كان ستيوارت يبتسم ولم تتوقع أن يفعل ذلك الآن ، فشفتاه المثيرتان بدتا رقيقتين جداً من شدة الغضب . لم تستطع إيفى أن تحول نظرها عن صدره النابض بالرجولة . وعلى الرغم من أن شعره الأسود الكثيف بدا مشعثاً وعينيه حمراوان من قلة النوم ، إلا أنها واثقة من أن نساء العالم كلهن يحلمن برجل مثله
ــ كنت أبحث عن شئ ما .
سألها ساخراً : هل كنت تبحثين عنى أنا ؟ .
ومد يده نحوها مضيفاً : أخبرتنى راشيل الكثير عنك قبل رحيلها ، لكننى لم أصدقها فى بادئ الأمر
وتحولت عيناه إلى جسدها الرائع الذى أبرز ثوب النوم مفاتنه قبل أن يردف : لكن يبدو أنها كانت محقة بشأنك .
ارتجفت ساقاها عند إحساسها بحرارة جسمه القوى على مسافة قريبة منها وزادت رائحة الصابون والعطر التى تفوح من جسمه وتلك النظرات المثيرة التى رمقها بها ، حالتها سوءاً . منذ سنين طويلة وإيفى تكافح لئلا تقع أسيرة سحر ستيوارت لكن وجوده على مسافة قريبة منها جعل نبضات قلبها تتسارع . وتفاعلت فى داخلها أحاسيس أثارت ارتباكها . وجدت صعوبة فائقة فى إبعاد نظرها عنه ، مع أن صورته بدت ضبابية . ومن سوء حظها أن رأسها راح ينبض بطريقة جنونية حتى فقدت القدرة على التفكير ، ما جعله يسئ فهم امتناعها عن الإعتراض .

[*سهى*]

لم تكد تمضي لحظات حتى وجدت نفسها متكئة إلى الجدار البارد وجسد ستيوارت الصلب ملتصق بجسدها . كانت يداه على الجدار فى محاولة منه لتثبيتها ، فيما راحت عيناه تتأملان تفاصيل جسدها .
ــ احتاج إلى ...
كانت نبرة صوتها ضعيفة جداً وهى تحاول أن تركز لتتمكن من أن تطلب منه حبة أسبرين أو أى دواء آخر يخفف من حدة صداعها .
سألها ساخراً : إلى أنا ؟ .
جاء صوته عميقاً ناعماً أجش . ومال برأسه نحوها .
ــ اثبتى لى ذلك يا عزيزتى
وبينما كانت تحاول أن تدرك مغزى هذا التعليق ، عانقها فجأة فتصلب جسدها من شدة الخوف . إنها المرة الأولى التى يعانقها فيها رجل بهذه الطريقة الحميمة .
أرادت أن تعترض على الطريقة التى ضمها فيها إليه ، لا سيما وأنها كانت تشعر بكل شبر من عضلاته . كان مثيراً ومتسلطاً . وسرعان ما خفت حدة عناقه ليصبح أكثر رقة ونعومة .
أحست بقشعريرة تسرى على طول عمودها الفقرى وقد أخذ الشوق يتزايد فى داخلها . وأحبت الحرارة والقوة المنبعثتين منه فراحت أصابعها تداعب عضلاته الصلبة . كان هذا أشبه بدعوة مفتوحة ، دعوة لم يتمكن من رفضها .
وسرعان ما تحولت بهجتها إلى خوف لا بل إلى رعب وراحت تدفعه عنها محاولة قصارى جهدها كى تتحرر من قبضته المستبدة .
تردد ستيوارت فى بادئ الأمر فجسده فضح توقه الشديد إليها ، توق لم يجد سبيلاً لمقاومته . لكن وأمام مقاومتها الشديدة ، لم يجد مفراً من الإذعان لرغبتها ، فرفع رأسه لينظر فى عينيها
تفاجأ ستيوارت لدى رؤيته إمارات الخوف فى عينيها ، وساورته للمرة الأولى الشكوك بشأن كلام راشيل عن أختها الصغرى . فلا يعقل أن يكون سلوك هذه الفتاة المرتعشة أمامه مشيناً إذ بدت مرعوبة .

[*سهى*]

ــ كلا
وأضافت بصوت خافت : أرجوك ألا تفعل .
أطبقت يداه على خصرها لبعض الوقت غير أن لهائها وتصلب جسمها أخبراه الكثير عنها . أيعقل أن تكون امرأة فاسقة ؟ فقوة تجاوبها معه جعلته يراهن بحياته على أنها بريئة .
ولما بدأت عاصفة الأفكار الهوجاء تهدأ فى رأسه وخمدت نيران الغضب فى صدره ، أقر فى داخله بأنه فقد السيطرة على نفسه وفضح نفسه أمامها . لم يكن بإمكانه أن يتظاهر بالبرودة وهو يعانقها فيما نيران توقه إليها تتأجج فى أعماقه . ولبرهة من الزمن ، شعرت بضعفه ، ولهفته الشديدة ما جرده من حصانته أمام هذه الفتاة البريئة التى لم يتجاوز سنها الثامنة عشرة .
غمرته موجة من الغضب وتأنيب الضمير فى آن معاً فأبعدها عنه بخشونة وقد بدت عيناه متقدتين وهو يتأمل جسدها فى ملابس النوم المثيرة . فعلى الرغم من كل شئ ، شعر بلهفة لا تقاوم نحوها .
ــ ماذا توقعت منى أن أفعل وأنت تخرجين فى منتصف الليل مرتدية ملابس مماثلة ؟
ضمت يديها إلى صدرها وهى ترتجف من شدة الإنفعال . وترنحت قليلاً فرفعت إحدى يديها ووضعتها على عينيها . لبرهة خلت ، نسيت إيفى وجعها وهى بين يديه إلا أن الصداع عاد لينقض عليها من جديد وبشكل أكثر حدة . تراجعت قليلاً إلى الخلف لتتكئ على الحائط : كان وجعها يظاهى إحساسها بالخزى والغضب ، وجع أشبه بغرز عصا شديدة السخونة فى عينها .
كان وجهها الشاحب يتلوى من شدة الألم فلاحظ ستيوارت أنها ليست على ما يرام وسألها : ما بك؟ أجابت هامسة : أعانى من داء الشقيقة . وكنت أبحث عن حبة أسبرين .
خرج من حنجرته صوت شديد الخشونة وقال لها ساخراً : أسبرين للتخلص من الشقيقة؟ .
وحملها بين ذراعيه وعاد بها إلى غرفة نومه . أسكره الإحساس بنعومتها بين يديه . ولعل أكثر ما أثار استغرابه هو أنها لم تعترض على ملامسته لها بل أسندت خدها إلى صدره ما جعله يلاحظ أن أنفاسها تقطعت على الرغم من الألم الذى تشكو منه .
ــ سأعطيك دواء أقوى من الأسبرين للتخلص من الألم . لكن دعينى أتصل بالطبيب أولاً . اجلسى .
ووضعها على السرير وتوجه نحو المنضدة بحثاً عن هاتفه الخلوى .
ــ إنها الدكتورة لو كولتراين .
لم يكترث ستيوارت لكلامها فهو يعرف جيداً من هو طبيبها .
ــ لو؟ آسف لإزعاجك فى هذه الساعة المتأخرة لكن إيفى كونلاى تمضى عطلة نهاية الأسبوع مع ميرى وأصيبت بنوبة صداع . هل يمكنها أن تأخذ الدواء الذى وصفته لى ؟
وخيم السكون على الغرفة لبعض الوقت فاستغل ستيوارت الفرصة ليتفحص إيفى ، محاولاً ألا ينظر إليها بالطريقة التى يرغب فيها . كانت تتمتع ببنية رائعة ، لكن سنها جعله فى حيرة من أمره . كانت صغيرة فى السن مقارنة بسنواته الثلاثين ، ولم يعد يجرؤ على لمسها ثانية . عليه أن يجد سبيلاً للحفاظ على هذه المسافة بينهما حتى لو جرح مشاعرها .
صحيح انه لايرغب فى ذلك ، لكنها كانت تنظر إليه بطريقة مختلفة .
فذاك العناق أشعل فى داخلهما نيران اللهفة ذاتها ، وما أن تأججت هذه النيران حتى دب الرعب فى أعماقها .

[*سهى*]

ــ حسناً ، سأرسلها فى الغد إلى العيادة إذا لم تتحسن حالتها فى الصباح . شكراً .
وأقفل الخط قائلاً لها بينما هو يخرج علبة الدواء من الدرج العلوى : قالت إنه بإمكانك أن تتناولى نصف الجرعة التى أتناولها.
صب الماء فى كأس من الكريستال وناولها إياها ، مضيفاً : تناولى الدواء . وإذا لم تتحسن حالتك فى الصباح ، فعليك أن تذهبى إلى العيادة لتكشف عليك الطبيبة
ــ هلا توقفت عن التحديق بى ؟
ــ لست الوحيدة التى تعانى من الألم . خذى .
توهج خداها خجلاً لكنها أخذت حبة الدواء وابتلعتها مع جرعتين كبيرتين من الماء .
أخذ الكأس من يدها ، وساعدها على النهوض من الفراش ورافقها عبر الحمام إلى غرفتها ، ثم ساعدها على الإستلقاء فى سريرها .
قالت له فى محاولة منها للدفاع عن نفسها : لم أكن أعلم أنك فى المنزل . أقسمت ميرى بأنك لن تعود اليوم . لم أتوقع أن أدخل إلى الحمام وأجدك أمامى .
ــ أنا أيضاً لم أكن أعلم أنك فى المنزل . يبدو أن ذاكرة أختى بدأت تخونها .
بعبارة أخرى ، نسيت ميرى أن تعلمه بوجود إيفى فى المنزل . وتساءلت إيفى فى سرها عما إذا كانت صديقتها تعلم بموعد عودته .
لكن ميرى لم تعد صغيرة لتمارس هذه الألاعيب ما جعلها تسلم بأنها لم تكن على علم بالأمر.
قالت له بصوت مرتجف : أشكرك على حبة الدواء .
أطلق تنهيدة عميقة تنم عن نفاذ صبره وأجابها : على الرحب . أخلدى إلى النوم .
أجفلت إيفى وهى تنسل تحت أغطية السرير فكل حركة تقوم بها تضاعف وجعها .
ــ ولا تطلقى العنان لمخيلتك بشأن ما حصل منذ قليل فمعظم الرجال يفقدون رباطة جأشهم فى الليل لا سيما إذا ما دخلت من الباب فتاة مغرية فى ملابس قليلة .
ــ لم أكن أعلم ..
رفع يده مقاطعاً :
ــ لا بأس . أصدق كلامك
ثم قطب جبينه وأضاف : ملأت أختك رأسى بالأكاذيب عنك ... لماذا ؟ .
ــ ولم كنت تكلمها عنى ؟ لطالما سمعتك تردد أنك لا تتحملها ، حتى عندما كنتما فى الصف نفسه فى المدرسة الثانوية .
ــ اتصلت بى عندما توفى والدك .
أغمضت إيفى عينيها وقالت : لم تشأ المجازفة بأن تقف فى صفى أثناء التثبت من صحة الوصية .