شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء ) (https://www.rewity.com/forum/f118/)
-   -   لقاء نجمة ... "مكتملة" (https://www.rewity.com/forum/t171221.html)

هناء12 05-08-11 01:10 AM

لقاء نجمة ... "مكتملة"
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء1:
قصة لقاء نحمة
في إحدى الأحياء الشعبية بالقاهرة ... تقطن عائلة متكونة من عجوزين، وفتاة في ريعان الشباب لا يتجاوز سنها التاسعة عشر... اسمها أمال حسني وهي حفيدة العجوزين.
كانت أمال الفتاة الصغرى لعائلتها، ولما كان الجد والجدة وحيدين فقد أشرفا على تربيتها منذ كانت طفلة لا يتجاوز سنها السادسة.
***
أمال على أبواب الامتحانات للسنة النهائية من التعليم الثانوي، وهي من هواة فن التمثيل، وشغوفة جدا بمتابعة كل الأخبار الفنية لكل نجوم السينما خصوصا الفنان ونجم السينما العربية "سامي عبد العزيز" ولأنها من أشد المعجبات بهذا الفنان كانت صوره تملأ غرفتها وحتى ألبوم الصور الخاص بها ... جدها وجدتها لم يعارضا حبها للتمثيل بل كانا أول من شجعها، فكانت دائما الأولى في المسابقات المدرسية في فن المسرح، تحلم أمال أن تكون في يوم من الأيام نجمة في عالم التمثيل ... بل بطلة أمام نجمها المفضل سامي عبد العزيز...
أمال وهي على أبواب الامتحانات الأخيرة لم تضيع وقتا، بل عكفت على المذاكرة من أجل أن تكون من الناجحين الأوائل كالعادة، كما أنها كانت تحضر نفسها استعدادا للنشاطات والاحتفالات لنهاية السنة الدراسية... ولأنها كانت قادرة على التوفيق بين الدراسة وحبها لهواية التمثيل فعائلتها لم تعارض في يوم ما ميلها لفن التمثيل.
***
يأتي الموعد المحدد للمهرجان المسرحي المدرسي ... ويمر أسبوعان تقريبا منذ عرض جميع المسرحيات المشاركة، وكانت مسرحية "وداعا يا حزن" من بطولة الطالبة أمال حسني قد نالت إعجاب الجمهور والصحافيين والنقاد، ولذلك اختير نص المسرحية كأحسن نص مسرحي وتوجت الطالبة أمال حسني كأحسن ممثلة... وكان من بين الحاضرين وجوه فنية والصحافيون الذين علقوا كثيرا على الوجه الجديد "أمال حسني" في جميع الصحف، وعن موهبتها وقدرتها على التمثيل كما اختارت إحدى المجلات أن تكون صورة أمال على الغلاف، حيث غيرت مجرى حياتها من طالبة نالت الشهادة الثانوية مؤخرا إلى ممثلة، ووجه جديد في عالم التمثيل حيث جذبت أنظار مخرجي التلفزيون والسينما وتهافتت عليها عقود من شركات إنتاج مختلفة ... وكان أول المخرجين السينمائيين الذي عرض عليها عقد تعامل في شركته هو المخرج "عصمت جلال"... وهكذا تكون هذه السنة بالنسبة لها سنة النجاح ... ورغم استعدادها لخوض أول تجربة سينمائية إلا أنّها لم تنس أن تسجل في الجامعة.
***
وبعد انتهائها من الفيلم عرض فنال نجاحا جماهيريا كبير خاصة بين الشباب، وحاول عدد من المخرجين والمنتجين الاتصال بها.. لكن عقدها مع المخرج عصمت جلال لمدة ثلاث سنوات يمنع تعاملها مع غيره خلال هذه السنوات، ومع ذلك كانت أمال سعيدة جدا بعدما بدأت تصلها مجموعة هائلة من رسائل المعجبين بها وهي وجه جديد في عالم السينما.
***
كانت جالسة بالصالون ترد على رسائل المعجبات والمعجبين ... تقترب منها الجدة قائلة بمزاح:
- فيلم فقط جلب لك كل هذه الرسائل أكيد عندما تزداد أفلامك وتزداد شهرتك فإنّك لن تجدي الوقت للرد عنها بنفسك ...
تركت أمال القلم وتوقفت لحظة ونظرت نظرة عميقة وقالت في تأمل:
- لن أتخلى عن هذه العادة فأنا أفضل أن أرد على المعجبين بنفسي ولن أترك هذا العمل لأي كان، لأني أعرف جيدا معنى أن أكون معجبة وأحصل على إمضاء شخصي من فنان أو فنانة...
***
الفنان سامي عبد العزيز بفيلته جالسا في الصالون يتابع فيلما على شاشة التلفاز، وبالقرب منه تجلس آنسة يظهر أنها معجبة به أشد الإعجاب، فهي في حوالي الثلاثين من عمرها … كانت عيناها مشدودتين إليه، بينما كان الفنان مشدودا إلى الفيلم، تنهض من مكانها وتضغط على الزر لتطفئ التلفاز كي تجبره على الاهتمام بوجودها، لكنه انزعج من تصرفها هذا، وقام بنفسه ليعيد تشغيل الجهاز في الوقت الذي نطقت قائلة وبغضب:
- لقد حضرت من أجل أن أكلمك وتكلمني وليس من أجل أن تنشغل بالتلفاز، ألا يكفي الأستوديو الذي يأخذك مني طول النهار؟
ويرد عليها قائلا وعيناه على التلفاز:
- أرجوك ... وللمرة الأخيرة ... فأنا لست مهتما بالفيلم بقدر اهتمامي بهذا الوجه الجديد.
وترد قائلة بغضب:
- أنت تهتم طول عمرك بالوجوه الجديدة ... وأنا ؟!...
كلمة أنا كان لها صدى في نفسية سامي لدرجة أنه استدار نحوها، وانتظرت منه أن ينطق، وأن يقول شيئا لكنه اكتفى بنظرات عابرة سرعان ما أعادها نحو جهاز التلفاز ... أما هي ما كان أمامها سوى أن تحمل حقيبة يدها بكل غضب لتخرج بعد أن أوصدت الباب خلفها بقوة، لدرجة أن السكرتير وهو في حوالي الخمسين من عمره الذي كان في المكتب، حضر إلى الصالون بسرعة وبصوت مرتجف قال:
- ماذا حدث ؟
ويرد الفنان بهدوء:
- لا تهتم إنها مرفت.
ويطلق السكرتير تنهيدة ارتياح، ثم قال:
- من المؤكد أنك أغضبتها كالعادة ؟!
ويرد الفنان مدافعا عن نفسه:
- بالعكس فأنت أكثر من يعرفني ... فأنا لا أجيد المجاملة.. فهي يوم دخلت بيتي دخلته كصديقة وظلت بالنسبة لي كذلك ولم أكلمها في يوم من الأيام في موضوع الزواج ... كما أنّها تعرف أنني لا أفكر في الزواج حاليا و...
ويقاطعه السكرتير:
- وإلى متى يبقى تفكيرك في الزواج بعيدا ؟!
في تلك اللحظات سامي يوجه نظراته إلى التلفاز حيث بطلة الفيلم – أمال حسني– وقد انشد إلى تمثيلها بكل إعجاب ثم نطق قائلا:
- أنظر كم هي رائعة... تمثيلها عفوي ... ملامح وجهها تدل على أنها خلقت لتكون نجمة النجوم ...
ابتسم السكرتير وقال:
- إنه الوجه الجديد – أمال حسني-
وبنوع من اللهفة قال سامي:
- ماذا تعرف عنها ؟
ويسترسل السكرتير في الكلام قائلا:
- يعد هذا العمل أول فيلم لها، كثير من المخرجين والمنتجين اتصلوا بها لكنها كانت من نصيب المخرج عصمت جلال وبعقد خمس سنوات.
وينطق سامي في اندهاش:
- المخرج عصمت جلال !...
وأكمل السكرتير:
- في الأول كان لمدة ثلاثة سنوات لكن ما أن تأكد من عبقرية تمثيلها وكذا تهافت المخرجين والمنتجين حتى جدد العقد لمدة أطول.
الفنان سامي عبد العزيز قام من مكانه... يجوب الصالة وكأنه في حالة تفكير عميق وبعد فترة نطق قائلا:
- هذا الوجه ... أريده أن يكون البطل أمامي في الفيلم المقبل.
ويرد السكرتير بتعجب:
- أنت تعرف أن هذا غير ممكن، فالمخرج عصمت جلال بحكم العقد لن يسمح لها بأن تعمل مع أي مخرج آخر.
ويرد الفنان قائلا:
- صحيح أن المخرج عصمت جلال معروف في الوسط الفني بعيوبه الشخصية التي لا يعرفها إلا من يتعامل معه، لكن لا أحد ينكر عبقريته في فن الإخراج ...
ويقاطعه السكرتير قائلا:
- تقصد ؟!
ويقاطعه الفنان قائلا:
- نعم هو الذي سيخرج فيلمي المقبل، وبهذه الطريقة سأدفع هذا الوجه إلى الأمام.
يبتسم السكرتير قائلا:
- أنت دائما سباق إلى اكتشاف الوجوه الجديدة أو مساعدا لدفعها إلى باب الشهرة والنجومية ...
***
وكانت مفاجأة سارة جدا بالنسبة للممثلة أمال حسني لدرجة أنها كادت لا تصدق ما تسمعه من المخرج، خصوصا لما أعلمها بأنها ستكون البطلة الأولى أمامه ... لكن في الوقت نفسه كانت خائفة من مواجهة هذا الفنان العبقري الذي تحسب له أي ممثلة وممثل ألف حساب. حانت لحظة المواجهة واللقاء لأول مرة بين الفنان النجم سامي عبد العزيز والممثلة الصاعدة أمال حسني، ورغم استعدادها للقائه إلا أنها لم تستطع إخفاء إعجابها واندهاشها وهي تلتقي به وجها لوجه لأول مرة في حياتها، فبالرغم من أنه تعدى سن الثلاثين بست سنوات إلا أن أناقته ووسامته وشكله يدل على أنه في الخامس والعشرين من عمره، لكن الفنان استطاع أن يبعد الخوف والإحراج والارتباك الذي بدا على أمال حسني وهي تقف أمامه أثناء البروفات تحضيرا للفيلم الذي سيجمعهما ... وطبعا الآنسة مرفت كانت دائما ترافقه كالظل، والكل كان يعرف حبها له لدرجة أن البعض كان يلقبها بخطيبة الفنان سامي عبد العزيز ... ورغم أن سامي كان يظهر لها انزعاجه من حضورها الدائم أثناء التصوير إلا أنها لم تيأس وظلت بالقرب منه خلال التصوير بأكمله.
وبعد عرض الفيلم وبنجاحه ازداد رصيد الممثلة أمال حسني في التألق كنجمة صاعدة، وفي نفس الوقت بدأ الفنان يفكر في قصة فيلم أخرى تكون أمال حسني إحدى بطلاته، فأحست الآنسة مرفت أن الفنان يبدي اهتماما غير عادي بالممثلة الصاعدة أمال حسني، فاتصلت بالمخرج عصمت جلال واتفقت معه على إبعاد الاثنين عن بعضهما. جاء الفنان إلى المخرج بقصة فيلم ليعرضها عليه لكن عصمت رفض القصة، ولما خرج الفنان من مكتبه، قهقه المخرج قائلا يكلم نفسه:
- لا … ما زال باب الشهرة والنجومية بعيدا عنها وليس طبعا قبل أن تركع تحت رجلي، فأنا الذي صنعت منها وجها سينمائيا جديدا ومن حقي احتكارها.
ثم راح يدير أرقام الهاتف فكان الطرف الثاني الآنسة مرفت فقال لها:
- خلاص لقد نفذت طلبك.
ضحكت الآنسة مرفت وردت قائلة:
- وهل هذا كان طلبي لوحدي؟
***
كانت الآنسة مرفت تظن أن عدم لقاء سامي بالوجه الجديد كاف لإبعاد اهتمامه بها كممثلة ووجه سينمائي جديد ... لكن ظنها لم يكن في محله ... ففي الوقت الذي أوقفت فيه سيارتها بالقرب من فيلا الفنان كان هذا الأخير يمتطي سيارته، فأغلقت باب السيارة ولحقت به، فكم كانت دهشتها كبيرة وهي ترى لقاء الفنان بالممثلة أمال حسني بإحدى الكازينوهات، كان الفنان حاملا لنظارة سوداء، وبكل احترام تقدم وبكل أدب نطق قائلا:
- أرجو أن لا أكون قد أحرجتك بمكالمتي الهاتفية ولقائي بك في هذا المكان.
يبدو على الشابة أمال حسني السعادة وردت عليه بسرعة وبصوت ممزوج بالارتجاف والسعادة:
- بالعكس فأي معجبة تسعد بلقائك ...
واستدركت كلامها فراحت تصحح بصوت متلعثم:
- أقصد أي ممثلة مبتدئة يشرفها العمل مع فنان ونجم مثلك ...
ابتسم الفنان في سعادة ثم طلب منها الجلوس، ثم راح يحكي لها عن قصة الفيلم التي رشحها لبطولته أمامه، وفي الوقت الذي كان يقول لها:
القصة هذه لن تمثلها غيرك، لأنها مخلوقة من أجلك، ولن أيأس بل سأعمل المستحيل من أجل إقناعه ما دام القصة أعجبتك و...
وتقاطعه الآنسة مرفت قائلة وهي تقترب منهما وبصوت كله سخرية:
- يا عيني لهذه الجلسة الغرامية ...
ويرد الفنان بغضب:
- عيب عليك يا مرفت نحن في مكان عام ونتكلم في العمل ...
فردت عليه بسخرية:
- أي شغل هذا الذي تتكلم فيه معها، وقد رفض المخرج جلال التعامل معك؟
ويرد الفنان:
- سأقنعه وعليه أن يفهم أن وجها مثل الآنسة أمال حسني ليس من حقه أن يحتكره لوحده ويحرمها من كل حقوقها.
وهي تحاول الجلوس بالقرب منه قالت وهي تنظر إليه ثم نحو أمال:
- ولماذا كل هذا التعب فالممثلات غيرها كثيرات ...
شعرت أمال لحظتها بنوع من الإهانة فقامت لتستأذن من الفنان بالانصراف، لكن الفنان أوقفها قائلا:
- اجلس يا آنسة أمال، بل هي التي سوف تنصرف.
قالت مرفت في غضب:
- تطردني من مجلسك
رد الفنان قائلا:
- أرجوك لا تخطئي الفهم، صحيح نحن الآن في مكان عام لكنك تعرفين جيدا أن الذي بيني وبين الآنسة أمال عمل ويجب أن...
فقاطعته وهي تقوم وبكل غضب قالت:
- قل أن الذي بينك وبينها بداية لقصة حب كتلك التي بدأتها معي...
وبقدر ما أدهشت الكلمة الأخيرة الآنسة أمال حسني تلقاها الفنان في هدوء تام، وبعد فترة سكوت رد بكل هدوء:
- هل قلت كل ما عندك ... ؟






ولم ينتظر ردها بل تابع قوله بالهدوء نفسه:
- يا للا انصرفي ... ولأول مرة وآخر مرة أقول لك يكفيك تجسسا على حياتي العملية والخاصة ...
مرفت لم تكن تتوقع هذا الرد من الفنان بالرغم من علمها المسبق اهتمامه بالممثلة أمال حسني، وغادرت المكان وهي تقول:
- كذاب ... خداع ...
وتحاول أمال أن تغادر المكان في الوقت نفسه، لكن الفنان يرجوها أن تجلس وتسمعه، وبدأ بالكلام قائلا:
- أنا آسف ... إنك لست أول واحدة وجدتها معي وسلمت من تسلط لسانها ...
أمال التي كانت تسمعه في هدوء قالت بدون مقدمات:
- لكن يظهر أنها تحبك بقوة.
ويرد الفنان مدافعا عن نفسه:
- أعرف ... لكن يشهد الله بحياتي ما كلمتها عن حقيقة شعوري لا نحوها ولا نحو غيرها ... مثلها مثل غيرها لما طرقت باب منزلي رحبت بها كمعجبة وكصديقة لا أكثر ولا أقل لكن هي ...
وتوقف لحظة وأرسل نحوها نظرات الإعجاب لما شده إصغاءها إليه بكل هدوء...ثم نطق بكل أدب:
- هل تمانعين إذا أوصلتك إلى حيث إقامتك؟
وما إن أوصلها وقبل نزولها وبصوت كله رقة وحنان قال:
- تأكدي لو احتجت لأي مساعدة فأنا تحت أمرك.
ابتسمت في سعادة ونزلت بعد أن شكرته.
***
أمال بغرفة نومها، وعلى سريرها لم تغمض عينيها، وراحت تتذكر كلام مرفت التي اتهمت الفنان بقصة حب تجمعه معها، ثم إصراره الأخير على أن يجعل منها بطله فيلمه المقبل، رغم العراقيل التي تحول دون ذلك...فقالت تكلم نفسها «هل هو فعلا مهتم بي كوجه جديد أم...؟».
***
بفيلا الفنان هو الآخر بغرفة نومه ... حيث شرع يكلم نفسه «لا...لا يا سامي لا تغالط نفسك، اهتمامك بها ليس فقط كونها وجها جديد يستحق الاهتمام بل أكثر من ذلك...أنت يا سامي وقعت ولأول مرة وقعت صح» ... ابتسم سامي في سعادة ثم خرج من غرفته إلى الصالون بالطابق السفلي وراح يضغط على زر جهاز التلفاز، وجلس ليشاهد ما يبث، السكرتير بعد أن أنهى عمله بالمكتب خرج فإذا به يبصر وجود سامي أمام التلفاز تائها بنظراته وفكره فقطع عليه خلوته قائلا:
- لم أرك تائها ولهانا إلى هذه الدرجة من قبل مثل هذا اليوم.
ويرد الفنان مبتسما:
- فقط هذا اليوم!
ويرد السكرتير بشكل جدي وبنوع من المزاح:
- بصراحة وإن لم تخني الذاكرة، بدأ هذا التوهان والولهان من يوم ما بدأت تصوير آخر فيلم لك مع الوجه الجديد "أمال حسني"
ورد سامي متسائلا:
- وكيف عرفت ؟
ورد السكرتير:
- يا سامي ... يا ابني أنت تعرف جيدا أنني قبل أن أكون سكرتيرك ومدير كل أعمالك فأنا من ربيتك بعد المرحومين ...
وبصوت حزين قال سامي:
- بل وحرمت نفسك من تكوين بيت وأسرة من أجلي.
ورد السكرتير:
- بيتي وأسرتي هي يوم تتزوج.
وينطق سامي:
- وما رأيك فيها إذن؟
قال السكرتير بنوع من المزاح والجدية:
- إذا كانت هي التي سوف تجعلك تطلق العزوبية التي طالت، فهي رائعة بالتأكيد.
يبتسم سامي في سعادة وفجأة تغيب ابتسامته وبصوت حزين نطق:
- لكني أخاف رفضها لي.
ويرد السكرتير باندهاش مقاطعا:
- ترفضك! وهل فيك ما يرفض؟ سامي عبد العزيز نجم النجوم المشهور، الذي حفيت وراءه كل الفتيات، وكل سيدات المجتمع الراقي، من بنات ذوات إلى أميرات وكانت آخرهن مرفت ابنة أكبر تجار المجوهرات المهاجر بكندا ...
وقاطعه سامي قائلا بجدية:
- لكن أمال حسني غيرهن، فهي رغم صغر سنها تمتاز بشخصية قوية وجد ذكية ... ثم هي أولا في بداية مشوارها الفني، ومن المؤكد يهمها تثبيت خطواتها قبل التفكير في الزواج ثم ثانيا لا تنسي فرق السن.
ويرد السكرتير محتجا:
- وهل خمسة عشر سنة تعتبر فرقا كبيرا؟ ثم لا تنس أنه لا أحد استطاع أن يقدر عمرك الحقيقي بأكثر من ثلاثين سنة...
بعدها يطفئ السكرتير التلفاز ويتابع قائلا:
- يا للا نم الآن وغدا يجب أن نقوم بأول خطوة.
قال سامي باندهاش:
- غدا!، وبهذه السرعة!
ويرد السكرتير:
- هل نسيت مع من تعمل الحبيبة؟ هل تريدها أن تطير منك؟
ويرد سامي بسرعة:
- معك حق ولولا تأخر الوقت لذهبت الآن.
***
في اليوم الموالي، خرجت أمال من منزلها تجاه محطة أجرة السيارات، وقبل أن تصل توقفت سيارة من نوع مرسيدس سوداء بالقرب منها، نزل منها سامي وبكل احترام وأدب طلب منها الركوب ليكلمها في موضوع مهم إذا لم يكن لديها مانع وإذا تسع وقتها.
***
وصلا إلى إحدى النوادي، جلسا بإحدى أركانه البعيدة عن عيون الفضوليين، وبدون مقدمات طلب منها أن تسمعه قائلا:
- من يوم ما وقفت أمامي تمثلين دورك وصورتك لم تبرح خيالي، شعور غريب شدني إليك، في الأول أقنعت نفسي أنه مجرد اهتمام بك كوجه جديد، لكن رفض المخرج عصمت جلال حسسني أنه يريد أن يأخذك مني، كنت أريد أن أصارحك بشعوري نحوك بعدما أتأكد أنه لا يوجد أي شخص في حياتك، أمال! ... قصدي آنسة أمال، أرجوك إذا وجد أي شخص في حياتك فأنا لا أريد أن أفرض نفسي عليك ...
أمال وهي في كامل دهشتها وسعادتها ردت قائلة بصوت هادئ:
- لو قلت لك اسم الشخص الذي دخل حياتي أكيد لن تصدق ...
انتابه القلق وقد أدهشه ما سمعه منها ثم بلع ريقه واسترجع هدوءه وبصوت حزين قال:
- إذا كانت أول من اختارها قلبي لتكون شريكة حياتي قد وصلت إليها متأخرا فتأكدي أنني وإن كنت حزينا فسأكون سعيدا لو عرفت أن من فاز بقلبك يستحق ذلك ...
وفجأة غابت ابتسامته الحزينة وتابع قائلا:
- لكن من هو؟
قالت مبتسمة في سعادة:
- يهمك أن تعرفه؟
ودائما وهو في حالة قلق وبصوت مرتجف:
- بل تهمني سعادتك، حذار أن يكون عصمت جلال؟
ونطقت مبتسمة:
- بل النجم الكبير المحبوب من طرف كل الفتيات والنساء إنه الفنان سامي عبد العزيز.
توقفت لتنتظر رده، فإذا به وجد نفسه عاجزا عن النطق، ردها كان مفاجأة، فنطقت هي قائلة:
- ألم أقل لك بأنك لن تصدقني؟
تنهد بعمق وابتسم في سعادة وقال بصوت كله رقة وحنان:
- احكي لي كيف ومتى طرقت باب قلبك.
وبدأت تحكي في سعادة:
- قبل أن أدخل التمثيل كنت معجبة مجنونة بك، كنت أحلم بلقائك وأخذ صورة معك ... لكن لما تحقق الحلم وأخذت معك أكثر من صورة متحركة كدت لا أصدق، ولما لاحظت اهتمامك بي، وقعت في حبك، لكن اعتبرته حبا من طرف واحد، حبا مستحيلا خصوصا لما عرفت في الوسط الفني أن الآنسة مرفت شبه مخطوبة لك ... وكان علي أن أدفن هذا الحب... ولأني من أشد المعجبات بك فكان مستحيلا أن أخفي حبك عن نفسي وإن كنت استطعت أن أخفيه عن كل الناس حتى عن أقرب الناس إلي...
توقفت أمال عن الحديث لما أدركت أن سامي سرحان ... فنطقت قائلة:
- ألم تكن تسمعني؟
ورد عليها وهو يمسك بيدها بكل حنان:
- أريدك أن تأخذي لي موعدا مع ولي أمرك غدا.
وردت في سعادة:
- وبهذه السرعة
وكان رده وهو يمسك بيدها للقيام:
- بل الآن إن ليس لديك مانع...
***
وتم حفل الخطوبة ... ورغم أنه اقتصر على الأهل والأصدقاء المقربين فقط، إلا أن الخبر عم جميع الأوساط، والكل يكاد لا يصدق أن الفنان سامي عبد العزيز الذي أسر قلوب فتيات المجتمع الراقي من عائلات أرستقراطية وحتى أميرات والكثيرات منهن لا يعيبها جمالها ولا حتى مالها ومستواها العلمي عرضت نفسها عليه ... الكل لا يصدق أن الممثلة الشابة الصاعدة أمال حسني استطاعت أن تأسر قلبه لدرجة أنه لم يعد يفارقها ولو لحظة ... ورغم أن الكثير سعد لخطوبته وبادر بالتهنئة إلا أن هناك من تلقى الخبر بنوع من الغضب والحقد والحسد وأولهم المخرج عصمت جلال والآنسة مرفت.
اتصل عصمت هاتفيا بمنزل الآنسة مرفت فأخبره الخادم بأنها سافرت إلى كندا...اندهش وسأل الخادم:
- متى سافرت؟
وكان رد الخادم:
- بمجرد ما علمت بخطوبة سامي عبد العزيز.
أقفل المخرج السماعة وقال يكلم نفسه «هل دب اليأس في قلبك بهذه السهولة؟»...
***
كانت أمال تودع سامي بالمطار، وقبل موعد إقلاع الطائرة قال لها:
- لا أريد أن أبتعد عنك ولو لحظة ... لماذا لا توافقينني؟ فمدة أسبوع فقط وتنتهي المناظر الخارجية للفيلم ونأتي سويا ...
قالت أمال:
- وأنا كذلك يا سامي لا أستطيع الاستغناء عنك ولو لحظة، وأرى أن هذا الأسبوع سيمر علي كأنه سنة ...
فنطق قائلا:
- يا للا تعالي معي ... أو على الأقل الحقي بي.
قالت له وهي تبتسم:
- وحفل الزفاف، من سيحضر له؟
قال لها:
- إن كان على الحفل فيه ألف واحد يتمنى أن أكلفه به.
وردت عليه:
- لكن أنا يسعدني أن أشرف على كل شيء بنفسي.
وما هي إلا ثواني وكان موعد الطائرة.
قبل أن تخرج من المطار اتصلت بجدتها، هذه الأخيرة أعلمتها بأن المخرج عصمت جلال طلب منها الحضور فورا، مرت عليه وكانت المفاجأة لما عرض عليها أن تقوم بدور لا يتعد بضع ثوان ... ولما أرادت مناقشته مبدية رفضها للدور...كان رده:
- ليس من حقك الرفض وعليك أن تتذكري إحدى بنود العقد فأنت ملزمة أن تمثلي ما يعرضه عليك المخرج.
وكان ردها:
- لكن الآن أثبت قدرتي وموهبتي، ومن حقي أن أختار الدور بل وأناقشه أيضا.
قام من مكانه وأطلق ضحكة عالية وقال:
- ومن قال لك ذلك، أيكون الفيلمان اللذان قمت بتمثيلهما لحد الآن!؟
توقف لحظة ثم اقترب منها وبصوت هادئ وابتسامة لها معنى قال:
- على كل إذا أردت البطولة ... فأنا مستعد ... لكن ...
توقف عن الكلام لما حاول أن يقترب منها أكثر ويمد يده نحو وجهها، لكن أمال تبتعد إلى الخلف ببضع خطوات ثم نظرت إلى الساعة وقالت:
- إنني مستعجلة الآن ولنتكلم في موضوع الفيلم فيما بعد ...
أوقفها قائلا لها:
- أنا أعرف أن سامي ... أقصد السيد سامي عبد العزيز مسافر فلماذا هذا الاستعجال؟
لم ترد عليه واتجهت نحو الباب بينما تابع هو قوله لها:
- أنت مازلت في بداية الطريق، وإذا أردت أن تكوني مشهورة عالميا ولك رصيد في كل بنوك العالم، تستقلي طائرة خاصة بك في كل وقت، فأنا هنا، فكري جيدا وليكن مثلك الأعلى الفنان عمر شريف فالكل يعرف أنني السبب في فتح باب نجوم العالمية له.
***
لما وصلت إلى البيت حكت لجدتها، هذه الأخيرة نصحتها بأن تخبر سامي عن تصرفات هذا المخرج معها، لكن أمال لا تريد أن تعلم سامي بذلك لأنها تعرف جيدا أنه سوف يدفع المبلغ "وهو مبلغ كبير" ويخلصها منه، طمأنت جدتها بأنها لن تضعف أمام مغرياته وكلها سنتين تقريبا وينتهي عقدها معه ولن تجدده مهما كان الثمن ... بعدها تحمل أمال كتبها وتخرج تجاه الجامعة.
***
وما إن خرجت حتى كان السائق الخصوصي للفنان بانتظارها وقد فوجئت بوجوده، فأعلمها بأن السيد سامي هو الذي طلب منه ذلك، فركبت وقبل وصولها إلى الجامعة طلبت منه أن يتوقف لما أبصرت مجموعة من صديقاتها وهن ينزلن من الحافلة، وما إن تعرفت عليها إحداهن من بعيد حتى أشارت إلى الصديقات وإلى السيارة الفخمة التي نزلت منها آمال... وما إن اقتربت منهن حتى نطقت سعاد:
- أهلا بالفنانة أمال حسني ... بل النجمة المنتظرة ...
ابتسمت أمال وقالت:
- ألم أقل لك أنني هنا الطالبة أمال حسني فقط.
ونطقت الصديقة سمية:
- نجمة وخطيبة نجم وكلها كم أسبوع وتصبحين زوجة النجم الكبير سامي عبد العزيز.
وتنطق الصديقة زينب:
- أنظري يا أمال إلى العيون التي تلاحقك ...
وما إن رفعت أمال رأسها وحولته يمينا وشمالا حتى كانت عيون الفضوليين والمعجبين من كلا الجنسين تلاحقها....وتابعت زينب تقول:
- كثير منهم سألنا هل أمال حسني التي تدرس معكم هي نفس الممثلة الصاعدة أمال حسني؟ أم هو مجرد تشابه في الوجه والأسماء؟ وكأنهم غير مصدقين خصوصا خطوبتك للفنان سامي عبد العزيز ؟!
وردت أمال قائلة:
- معهم حق لا يصدقون إذا كنت أنا نفسي أحيانا لا أصدق أنني خطيبة سامي عبد العزيز.
وتنطق سعاد في اندهاش:
- أمال ! ...
وترد أمال:
- صدقوني إنها الحقيقة فأنا ...
وتتوقف عن السير لما تقاطعها في الكلام إحدى الطالبات حين طلبت منها قائلة:
- هل لديك مانع إذا أخذت معك صورة للذكرى؟
وتبادلت لحظتها أمال ابتسامة سعادة مع صديقاتها، وهي تأخذ صورة مع بعض الطالبات.
***
بمنزل أمال حسني ... تتصل بالمخرج عصمت جلال هاتفيا قائلة:
- ألو... السيد عصمت ... أنا … أنا موافقة …
لم ينتظر المخرج أن تكمل أمال كلامها وظهرت على وجهه علامات الفرحة والانتصار، لكن فجأة تذوب تلك الفرحة لما أكملت قائلة له:
- لكن بشرط أن لا يكون الدور محشورا، أما عن مدة الدور لا يهم حتى ولو لثوان معدودة.
***
عند عودة سامي عبد العزيز...وبينما هما في إحدى النوادي سألها قائلا وفي حيرة:
- صحيح مثلت دورا قصيرا ولمدة دقائق معدودة.
وردت عليه:
- نعم، فلا تنس أن العقد يحتم علي أن أشارك في كل الأفلام التي يطلبني إليها.
ويكون رده:
- لكن معقول أن يرجع بك عدة خطوات إلى الوراء بعد أن اثبت قدرتك وموهبتك!
ولم ينتظر منها أي رد بل تابع قوله بنوع من التساؤل:
- أمال هل حدث شيء منه؟
بلعت أمال ريقها وقالت في تلعثم:
- لا...لا طبعا، لكن ماذا تريد أن يحدث منه؟
ورد سامي بصوت هادئ:
- فأنا أعرف جيدا هذا المخرج، فهو بصراحة قليل الأدب، خصوصا مع الجنس اللطيف.
ابتسمت ومدت يدها نحو يده وقالت:
- اطمئن يا ...
وتوقفت عن الكلام فابتسم وقال بسرعة:
- يا للا ... يا للا أنطقيها، إلى متى ستظلين خجولة.
احمرت خدودها وارتعشت رموش عينيها في حياء وهي ترفع رأسها نحوه ونطقت بعد أن نظرت إلى الساعة:
- لقد تأخرت عن موعدك مع المنتج رؤوف زاهر.
فمسك بيدها بكل حنان ونطق قائلا متجاهلا ما قالته:
- أحبك ... أحبك فوق كل ما تتصورين.
***
حدد موعد الزفاف، وقرّرا الخطيبان أن لا تقتصر الحفلة على الأهل فقط مثلما حدث في حفلة الخطوبة.
***
المخرج عصمت بمكتبه يتفقد جميع الجرائد والمجلات وكله غضب لما علم بموعد الزفاف، وبعد فترة تخمين أدار قرص الهاتف، ومن بيت الآنسة مرفت أعلمه الخادم بأن الآنسة مرفت قررت الاستقرار بباريس، أقفل السماعة وقال يكلم نفسه "أكيد غبية"، ثم ضغط على زر العلبة الأتوماتيكية التي أمامه وطلب سكرتيره، وشرح له ما ينوي فعله وفي الأخير أفهمه حين يتصل بسامي يكون ذلك باسم فاعل خير.
***
قبل حفل الزفاف بيوم واحد طلب المخرج عصمت أمال حسني للحضور فورا إلى مكتبه، بحجة أن كاتبا له وزنه في الساحة الأدبية أحضر بنفسه قصة وشرطه أن تكوني بطلة القصة إذا أعجبتك.
بعد أن تركت السماعة ... قالت الجدة لما لاحظت استعدادها للخروج:
- لا تذهبي يا أمال فأنا لا أرتاح لهذا المخرج اللعين.
وردت أمال مطمئنة جدتها:
- لا تخافي علي، ثم عصمت تغير كثيرا في المدة الأخيرة لقد توقف عن ملاحقته لي بكلامه ومغرياته، ثم من يدري قد يكون اقتنع أنني لن أرضخ لمطالبه حتى لو كلفني ذلك أدوارا ثانوية لا تتعدى الثواني خلال كل ما تبقى من مدة العقد، أكيد اقتنع أخيرا أنني استحق العودة إلى البطولة التي بدأت بها حياتي الفنية.
خرجت لكن تركت جدتها غير مرتاحة البال، الجد طمأنها قائلا:
- لا تخافي على أمال فهي محصنة بتربية سليمة وشخصية قوية.
في تلك اللحظات تعود أمال بسرعة قائلة:
- إذا تأخرت عن سامي وعن موعدنا بنادي الأهرام فلينتظرني دون قلق، قد يأخذني الحوار مع الكاتب.
***
ثم خرجت بسرعة، ووصلت إلى مكتب المخرج عصمت جلال ولما أدركت عدم وجود الكاتب سألت عنه فرد عليها بأنه اتصل وأعلمه أنه مضطر للتأخر نصف ساعة ... نظرت أمال إلى الساعة وقالت بصوت المتأسف:
- أنا آسفة، مضطرة للإنصراف الآن، فسامي في انتظاري هو الآخر بعد نصف ساعة.
لم يظهر عصمت لحظتها غضبه لما سمع اسم سامي وقال:

هناء12 05-08-11 01:15 AM

لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها
 

الجزء2:

- لكن القصة وصاحبها غير ممكن أن ينتظرانك، لكن السيد سامي عبد العزيز يمكنه انتظارك مهما تأخرت.
بقيت جالسة على الأريكة ومرة على مرة تنظر إلى الساعة بقلق، وفي الأخير تقوم وهي تقول:
- السيد عصمت أنت تعرف جيدا أنني حتى لو أعجبتني القصة فلن أدخل الأستوديو إلا بعد شهر، فلماذا إذن هذا الاستعجال والانتظار.
السيد عصمت يطلق ضحكة عالية واقترب منها وقال:
- قصدك شهر العسل.
شعرت لحظتها أمال بنوع من القلق والخوف، ولما اتجهت نحو الباب وهي تقول:
- أنا آسفة ... سامي ينتظرني ...
فسبقها إلى الباب واقفا كحاجز أمامها.
***
سامي بالنادي في حالة قلق، في تلك اللحظات يأتيه النادل ليعلمه بمكالمة هاتفية تخصه ... سكرتير السيد عصمت تكلم معه بصوت خافت وبسرعة مغيرا لهجته:
- الحق بخطيبتك التي تتظاهر بالعفة والإخلاص بمكتب المخرج عصمت جلال.
ثم أقفل الخط بسرعة، بينما سامي خرج من النادي كالمجنون ... على متن سيارته وصل إلى حيث مكتب المخرج.
***
أمال كانت تقاوم تصرفات المخرج بكل قواها...حيث كانت تتهرب من خطواته من ركن إلى آخر، وبصوتها الملائكي المرتجف كانت تحاول إعادته إلى صوابه، أما المخرج كان يقول:
- لست أنا من تؤخذ منه فتياته بهذه السهولة.
وردت عليه قائلة:
- تعرف جيدا أنني لم أكن فتاتك ... فالذي بيني وبينك هو عقد عمل.
ويرد المخرج عصمت قائلا:
- بل كنت لي، لولا ظهور ذلك الوغد سامي عبد العزيز.
***
خارج المكتب وصل سامي وبصوت مرتجف قال:
- أين هي أمال حسني؟
ويرد السكرتير وفي نفس الوقت يضغط على زر بأسفل المكتب:
- قصدك خطيبتك ... هي ... هي ليست هنا.
داخل المكتب لاحظ جلال عصمت اللمبة الحمراء بأعلى الباب تشتعل وتنطفئ فابتسم.
خارج مكتب عصمت حيث مكتب السكرتير ... الفنان سامي عبد العزيز يتجه نحو باب مكتب المخرج، لكن السكرتير يتجه بسرعة ليمنعه فتح الباب قائلا:
- السيد عصمت جلال نبه علي أن لا أدخل عليه أحد الآن...
دفع سامي السكرتير بقوة لما سمع استغاثة خطيبته، وما إن وصل إلى داخل المكتب ... وأدرك جلال بوجوده، لم يستدر نحوه، بل تظاهر بأنه في حالة دفاع عن نفسه، يحاول صد تصرفات أمال حسني، وقال لما أبصر سامي:
- أحمد الله أنك أتيت في الوقت المناسب، أبعد عني خطيبتك ... يظهر عليها كانت بطلة جيدو، ولقد حاولت أن أقنعها بأن الذي تقوم به الآن معي هو خيانة لمن ستكون زوجة له بعد كم ساعة.
كانت أمال في حالة يرثى لها، وقفت في كامل دهشتها ولم تنطق بحرف، سامي بعد وقوف فترة تأمل إلى المخرج جلال ثم أمال، بدأ يقترب من جلال رويدا رويدا وعيناه تتطاير منها شرارات الغضب، ثم انقض عليه كالنسر على فريسته وضم يديه حول عنقه وكاد أن يطلقه جثة هامدة لولا تدخل أمال بصوتها الملائكي ودموعها طالبة منه أن لا يلطخ يداه بروح إنسان فاسد.
***
خرج الخطيبان، ركبا السيارة، أمال وهي جالسة إلى جوار سامي، لم تتمكن من إخفاء دموعها، وفجأة انهمرت دموعها بغزارة وراحت تبكي في حرارة، سامي يوقف السيارة ... ثم يقربها إلى حضنه ليشعرها بالراحة والاطمئنان قائلا بصوته الحنون:
- لن أترك عصمت أو غيره يلمس ولو شعرة من رموش عينيك، خلاص من الغد، بل من الآن لن تعتب رجلك مكتب هذا المخرج الخسيس.
تشعر لحظتها بالاطمئنان وهي تنسحب من بين أحضانه بكل رفق، قالت وهي تحاول أن تبتسم بدموع حزينة:
- سامي ! ... هل أنت؟...
ابتسم وقاطعها الكلام بعد أن فهم مقصدها:
- لم ولن أشك ولو لحظة في براءتك.
***
المخرج عصمت بمكتبه، طلب السكرتير الخاص، وبعد أن أمره بالجلوس قدم له تذكرة نحو أمريكا ومفاتيح شقة وشيك بالعملة الصعبة «المبلغ مغري».
قال السكرتير:
- لمن هذا؟
ورد المخرج عصمت:
- لك طبعا، إذا نفذت ما سأقوله لك.
وسحب الشيك من يد السكرتير وقام من مكانه واقترب منه وتابع يقول:
- بعد العملية تسافر إلى أمريكا، وشقتي هناك ستكون تحت أمرك، وبعد ساعات من وصولك سيكون شيك ثان وبالمبلغ نفسه.
وراح يشرح له العملية التي سيقوم بها، وفي الأخير نطق قائلا:
- إذا ماذا قلت عن هذه الصفقة؟
ويرد السكرتير في اندهاش وتساؤل:
- لكن العملية خطيرة وفيها قتل!
ويرد المخرج عصمت:
- لكن المبلغ يوازي العملية، ومثلما قلت لك يمكنك أن تسبب له إعاقة دائمة بدل القتل.
وبعد فترة سكوت ينطق السكرتير بعد أن أغراه الثمن:
- أنا تحت أمرك ... فأنت تعرف أنني لن أرفض لك طلبا
ورد عصمت وهو يمد يده نحو درج مكتبه:
- ولهذا اخترتك أنت بالذات ؟
ثم أخرج المسدس من الدرج وتابع يقول:
- سأكون هناك من بين المدعوين.
وينطق السكرتير في تساؤل:
- وهل وصلتك الدعوة بعد الذي …
وقاطعه المخرج:
- طبعا لا... لكن يجب أعمل حسابي حتى لا تحوم الشكوك حولي، وفي الوقت نفسه تكون لفتة اعتذار بطريقتي الخاصة.
ابتسم السكرتير وقام من مكانه قائلا:
- لقد طلبت رأس سامي... وإن أردت الاثنين فأنا تحت أمرك فقط ما عليك...
وضحك المخرج وقال:
- لا … يكفي رأسه هو، ثم لا تظن أنني مليونيرا إلى هذه الدرجة.
وضحك الاثنان...
***
أمال حسني في القصر الفخم للفنان سامي عبد العزيز بصحبة جدها وجدتها وسامي وسكرتيره وبعض العمال يهيئون ويعدون لوازم الزفاف، في تلك اللحظات تصل سيارة تحمل على متنها زوجين في العقد الخامس من عمرهما وشابة وشاب في العقد الثالث من عمرهما، وما إن رأتهم أمال حتى صاحت في سعادة:
- أمي...أبي … إخوتي …
وراحت تعانقهما في حرارة ثم عانقت أخاها وأختها وبعدها قدمتهم لخطيبها الفنان سامي عبد العزيز قائلة:
- هذه هي عائلتي التي تعيش بالمهجر وكلهم في ميدان التدريس.
وبعدها أبدت غضبا مصطنعا لسبب عدم حضورهم الخطوبة وكان رد أختها نوال:
- الحقيقة ليست فترة الامتحانات هي التي منعتنا من الحضور بل أبي، فلقد سقط من السلم وأصيب برجله.
واقتربت من أبيها تسأله بقلق عن صحته، لكنه طمأنها بأنه بخير بعد أن شفي تماما.
***
المخرج هيأ نفسه كشخصية مدعوة للزفاف، كان معه السكرتير يعطيه آخر التعليمات فإذا بالجرس يدق في استعجال، فذهب بنفسه ليفتح بعد أن ترك السكرتير متخفيا في المكتب فكانت برقية مستعجلة من أمريكا... كانت بإمضاء ابنته التي طلبته الحضور فورا حيث أمها مريضة جدا ولا بد لها من عملية جراحية ولقد رفضت أن تجرى لها العملية بدون حضوره، يترك البرقية على المكتب في أسى وغضب ثم قال:
- سأسافر وسأرجع عن قريب والأيام بيننا يا ... يا أمال حسني وأنت يا سامي عبد العزيز .
ورد السكرتير بتساؤل:
- ماذا حدث؟
يمد المخرج يده إلى البرقية وقدمها له ثم راح يدير قرص الهاتف للحجز على أول طائرة نحو أمريكا، فعلم أن الطائرة أقلعت من ساعة وعليه انتظار ثاني طائرة بعد يومين...فما كان عليه إلا أن يحجز في الطائرة المتوجهة إلى لندن ومن تم نحو أمريكا ... السكرتير يشير على المخرج بأنه يمكنه تنفيذ العملية في غيابه، ويرد المخرج:
- أعرف أنك قادر على تنفيذها في غيابي... لكن...
ويسكت فترة بعد أن نظر إليه نظرة من الأعماق، ثم قال:
- أريد أن أرى وأحس بطعم الانتقام والانتصار عن قرب...وسأفعل هذا بعد عودتي.




***
عرفت حفلة زفاف الفنان القدير سامي عبد العزيز والممثلة الصاعدة أمال حسني بحفلة الموسم، حيث تصدرت صور العروسين كل الجرائد، والمجلات اليومية، والأسبوعية، وحتى الشهرية، فكان الزفاف حديث كل الأوساط، واستطاع سامي وأمال إقناع جديها بالاستقرار معهما، حيث كان يرى فيهما والديه اللذان فقدهما وهو طفل.
وطارا إلى لبنان لقضاء شهر العسل بين جبالها الرائعة، وقبل عودتهما بأسبوع وصلاهما تلغراف من المخرج أحمد عدنان يطلب منهما تأجيل عودتهما إلا بعد حضوره، حيث أفهمها أن ثمة فيلم مشترك لبناني مصري ورشحاهما ليكونا بطلي الفيلم من الجانب المصري ...
ويمر حوالي شهرين وهما يستعدان لتصوير الفيلم بعد التدريبات عليه، بينما أمال بإحدى غرف الأستوديو تستعد لتبدأ تصوير أولى لقطات الفيلم حتى أغمي عليها، بعد لحظات يحضر الطبيب وأعلم سامي والمخرج بأنها حامل ولابد لها من استراحة مستمرة لغاية وضع الحمل حتى لا تعرض نفسها والصبي إلى الخطر.
رغم قرار الطبيب الذي لم يكن لصالح المخرج إلا أنه كان سعيدا من أجل صديقه وبطل فيلمه سامي عبد العزيز، ورغم أن أمال حسني ألحت على المخرج أن يسند دورها لممثلة أخرى، لكن المخرج أكد لها أنه لن يعطي ذلك الدور لغيرها وسوف يعمل بإخراج فيلم آخر ويؤجل ذلك الفيلم لحين عودتها إلى عملها بالسلامة.
***
وتمر الشهور وتضع الممثلة أمال حسني صبية جميلة سميت منال، وكانت سعادة الوالدين لا توصف، وبعد حوالي ثلاثة شهور استعدت أمال حسني لتصوير الفيلم المؤجل للمخرج أحمد عدنان وخلال تلك الفترة منال بين أحضان الجدين، ورغم أن هذا الفيلم حقق للممثلة أمال حسني شهرة كبيرة على مستوى العالم العربي إلا أنها فاجأت المخرجين والمنتجين برفضها لعقود كانت جد مغرية، لسبب واحد وهو أنها أرادت التفرغ لتربية وحيدتها في سنواتها الأولى وفي الوقت نفسه إكمال دراستها الجامعية بشكل منتظم، وكانت حجتها في تمثيل ذلك الفيلم رغم أن الصبية كانت في الشهور الأولى هو أنها قامت بذلك وفاءا منها وتقديرا واحتراما للمخرج أحمد عدنان الذي اختارها البطلة وانتظرها رغم ما تسببت في تعطيله لعدة شهور.
***
خلال ثلاث سنوات، بعيدا عن أضواء الكاميرا بقيت الممثلة أمال حسني في بيتها تقسم وقتها بين زوجها ووحيدتها ودراستها، وبعد هذه السنين خرجت إلى الأضواء، بعد أن نالت شهادة الماجستير في الفلسفة، وأصبحت منال تحتاج إلى رعاية أقل، ونظمت جيدا وقتها حتى لا تأخذها الأضواء بعيدا عن واجباتها كزوجة وأم.
كما اختارت أن تكون كل أعمالها الفنية داخل مصر حتى لا تبعدها عن وحيدتها، ولأنها بعدت فترة عن جمهورها ومعجبيها فكان عليها أن تعيد هذا الجمهور إما بعملها المتواصل أو باختيار أدق للأفلام مهما كانت قليلة، وفعلا فضلت أن تختار عددا قليلا من الأفلام ذات القيمة الفنية قصة وإخراجا وإنتاجا، على أن تمثل عددا كثيرا من الأفلام لأجل الظهور فقط بشكل مستمر، لكن بعض المخرجين والزملاء من الوسط الفني وغير الفني نصحوها بالعمل المستمر حتى تعيد تثبيت خطواتها، حيث أن السنوات الثلاث توقفا عن العمل كانت كافية بنسيانها من طرف جمهورها، لكنها أصرت باقتناع تام بأنها لن تمثل إلا أفلاما قليلة، وقرارها ذلك لم يتدخل فيه زوجها الفنان سامي عبد العزيز فهو أدرى الناس بها وواثقا كل الثقة من قدرتها على تثبيت خطواتها من جديد … دخلت الأستوديو وكلها ثقة، ففي خلال سنتين صورت فيلما ومسلسلا استطاعت بهما أن تعيد تلك النجومية التي كانت في الطريق لولا ابتعادها بسبب الولادة، ورغم أن العقود انهالت عليها إلا أنها بقيت على قرارها من أجل وحيدتها وزوجها الذي أصبح له مكانة مرموقة في السينما العربية، حيث استدعي لترأس عدة مهرجانات، ورغم أنها أصبحت تمثل معظم أفلامها مع زوجها حيث كونت معه ثنائيا رائعا إلا أنها تقرر أن تبتعد عن تمثيل أفلام من إنتاجه أو تشاركه بطولتها وهذا لعدة أسباب، أولا حتى لا يمل المشاهد من رؤيتهما الدائمة مع بعض ويتصورون أنهما يمثلان عليه حياتهما الخاصة، ثانيا حتى يسمح لهما الوقت بالتناوب على رعاية الصبية منال، ثالثا حتى تتمكن الممثلة أمال حسني من تأكيد نجوميتها بعيدا عن زوجها النجم.
***
وتمر الأيام والشهور والسنين ... المخرج جلال عصمت كان غائبا عن القاهرة من يوم سفره المفاجأ إلى أمريكا، يحضر بعد هذا الغياب الطويل، وراح يجول ويعود في الفيلا التي ظلت مغلقة طيلة غيابه، يزيح الغبار من على الأثاث ويضرب يدا بيد ثم قال يكلم نفسه:
- معقول خمس سنوات مرت من غير أن أحس بها
ثم راح يقلب بعض المجلات التي أحضرها معه وقال بضحكة:
- والله وأصبحت نجمة ... يا أمال ... يا حسني ...
ثم خرج واتصل بمنزل سكرتيره السابق السيد مروان ... فكان رد صاحب المنزل وهو ابن خالته حيث أعلمه أن مروان بعد أن غير الشقة ترك له هذه الشقة وهو الآن يقطن بأرقى الأحياء القاهرية، فأعطاه رقم الهاتف ... وراح يتصل على ذلك الرقم فكان الرد من الطرف الثاني لخادم السيد مروان حيث حول الخط لسيده مروان الذي كان في حمام السباحة وكم كان اندهاشه كبيرا لما تعرف على الصوت، بعدها سأله المخرج جلال قائلا:
- ألا تعمل هذا النهار؟
ورد السيد مروان:
- إنني في إجازة.
***
وبعد الحوار الهاتفي... كان اللقاء مباشرة بإحدى النوادي الليلية ... ومع هذا اللقاء استرجعا آخر لقاء كان بينهما ... حيث حكي المخرج لمروان قائلا:
- يومها لما وصلت إلى أمريكا كانت زوجتي تمر بمرحلة خطيرة ولم يزل الخطر إلا بعد ستة شهور، كانت أول مرة في حياتي أجالس أولادي مدة تزيد عن شهر، لما حاولت الرجوع رجوني البقاء معهم شهرا، وبيني وبينك بقيت من أجل الزوجة، فأولادي الذين تطبعوا بأخلاقيات وطباع الغرب لم أكن أتفاهم معهم أو حتى نجلس مع بعض جلسة عربية عائلية، المهم أنني خلال تلك الشهور تعرفت على أحد المنتجين، أمريكي من أصل لبناني لقد سبق أن شاهد بعض أفلامي، فعرض علي التعامل معه، ولأنه أقنعني بالتعامل معه، فلم يكن أمامي سوى بيع شركتي التي كانت هنا، وبدأت السنين تمر من غير ما أحس بها، وظننت أنني نسيت القاهرة وكل ما يربطني بها، ولأن آخر فيلم أصوره حاليا لابد من أخذ بعض مشاهده بالقاهرة لذلك ...
ويقاطعه مروان قائلا:
- إذن لم تحضر إلا من أجل هذا العمل ...
ويرد المخرج عصمت:
- بيني وبينك ما إن خطت رجلي أرض مطار القاهرة حتى تذكرت الماضي بكل تفاصله، لذلك كنت أول من أقصده ...
***
ثم خرجا ليكملا السهرة بفيلا مروان ... المخرج جلال وهو يدخل الفيلا الأنيقة أبدى إعجابه حيث قال:
- لكن قل لي كيف استطعت أن تبني هذه الفيلا الفخمة؟
رد مروان وهو يسكب كأسا من النبيذ:
- من يتعامل مع الأجانب يكسب الكثير.
ورد جلال عصمت مبتسما:
- فعلا، لكن ما رأيك أن تكسب فيلا أخرى لكنها مطلة على النيل؟
ويظهر على مروان أنه فهم مقصد عصمت فرد عليه:
- معقول وبعد كل هذه السنين لم تنس بعد
ويرد عصمت:
- كدت أنسى لولا حضوري إلى القاهرة، بصراحة يظهر أنني لم أنس ولن أنسى هذان الاثنان اللذان استهزءا بي فكانت هي أول واحدة ترفض مطالبي، وكان هو أول واحد يتهجم علي ويختطفها مني، لا... لا... يجب أن أنتقم مهما طال الزمن... يجب أن أعود إلى أمريكا بعد أن أعيش طعم الانتصار.
ثم راح يخرج تذكرة طائرة ومفاتيح الشقة وشيك وهو يقول:
- ما رأيك أنت حر في الاختيار فيلا أنيقة على النيل أم هذا الشيك ومفاتيح هذه الشقة بأمريكا تحت أمرك في كل عطلة وتذكرة الطائرة ذهابا وإيابا على حسابي
ولأن العرض كان مغريا فإن مروان لم يتردد ولو لحظة، بل نطق بعد فترة قصيرة وبعد أن مسك بالشيك:
- ألم تلاحظ أن المبلغ يحتاج....
أدرك عصمت كلام مروان فقاطعه قائلا:
- الشيك هذا مجرد عربون للعملية أما الباقي وهو ضعف هذا المبلغ طبعا سوف تتسلمه بعد العملية...ثم لا أظن أنك تجهل أصول الشغل ...
رد مروان وهو يتسلم تذكرة الطائرة ومفاتيح الشقة:
- وأنا تحت أمرك ... لكن أريدك أن تمهلني مدة حتى أعرف عنهم كل شيء، فأنا كما تعرف من يوم سفرك بعدت عن الأعمال الفنية وعن أهل الفن، وكل الذي أعرفه عنهم أن بعد الزواج رزقا بصبية.
ورد عصمت باندهاش:
- لهما صبية
وراحت نظراته وتفكيره بعيدا ... ثم تابع قوله:
- عليك أن تعرف كل شيء عنهم وبالتفصيل.
***
مروان تمكن من معرفة البرنامج اليومي للفنان وزوجته الفنانة أمال حسني ومتى يكونان حاضرين ومتى يكونان غائبين ... كما عرف أن الزوجين سيسافران إلى لبنان (طرابلس) لتصوير فيلم من بطولة الفنان سامي عبد العزيز وزوجته ستكون برفقته بالرغم من أنها لا تمثل في الفيلم، كان جلال عصمت سعيدا بالخبر حيث قال:
- على كل إذا أخذت وحيدتها أو لم تأخذها فهذا لن يغير في الخطة.
***
الفنانة كانت تحضر حقائب السفر ... قالت الجدة التي كانت معها في الغرفة:
- هل ستأخذين فعلا منال؟
وردت الفنانة مبتسمة:
- لقد وعدتها أن آخذها معي.
وردت الجدة:
- لكن لبنان ...
وتقاطعها أمال وهي تحضنها قائلة:
- اطمئني يا جدتي الحبيبة، سنذهب ونرجع بالسلامة لأن طرابلس آمنة وبعيدة عن الحرب.
***
وصل مروان إلى حيث إقامة عصمت وأظهر تذكرته وهو يقول:
- خلاص حجزت في الطائرة نفسها معهما.
قال عصمت:
- إذن كن حذرا فلا تجعلهما يكتشفانك أو يتعرفا عليك.
***
بمطار طرابلس ... كانت هناك سيارة خاصة لإحدى الفنادق التي حجز بها عصمت هاتفيا في انتظار مروان، ولأن السيارة حاملة لإشارة الفندق فتعرف عليها بمجرد خروجه من المطار. بعدها طلب من السائق أن يمنحه المفاتيح حيث أفهمه أنه سيذهب إلى مهمة مستعجلة ومن الممكن أن يتأخر ... وما كان على السائق إلا أن غادره في تجاه محطة سيارات الأجرة ... بينما مروان لم يقلع إلا بعدما أقلعت حافلة وسيارة كانت تنقل الطاقم الفني ومن بينهم الفنان سامي عبد العزيز وزوجته الفنانة أمال حسني ووحيدتهما ...
وبعد أن تعرف على مكان إقامة الفنان سامي وزوجته، رجع إلى الفندق حيث اتصل بالمخرج عصمت قائلا بألغاز:
- البضاعة استقرت وعرفت مقر الاستقرار.
***
مر يومان وهو يتابع تحركاتهما، فكانت الفنانة دائما تصطحب وحيدتها لتذهب إلى حيث التصوير لمرافقة زوجها ... كما لاحظ أن الشقة التي يقطنانها بها مربية تسهر على راحة ابنتهما، في اليوم الموالي لاحظ مروان أن الفنانين خرجا من دون وحيدتهما فاستغل الفرصة وذهب إلى الشقة في هيئة صحفي ... فتحت له المربية فحياها بابتسامة لطيفة بعد أن عرفها بنفسه وبأنه حضر للقائهما من أجل مقابلة صحفية فرحبت به إلى الداخل وهي تقول:
- تفضل ... كلها ساعة بالكثير ويرجعا.
في تلك اللحظات يرن الهاتف، ترفع المربية السماعة فكان المتحدث سامي عبد العزيز... بعد أن تحدثت معه تركت السماعة واتجهت نحو الصحفي قائلة:
- أنا آسفة نيابة عن الفنانين ... فهما فعلا خرجا من أجل ساعة لإحضار بعض الحلويات من أجل عيد ميلاد الفنانة ويظهر أنهما فوجئا بالأصدقاء اللذين أرادوا أن يحتفلوا بعيد ميلادها بإحدى الفنادق ... مروان بعد أن عرف أن الفنانين خارج البيت وفيه احتمال كبير جدا أن لا يعودا إلا في ساعات متأخرة من الليل، وهكذا يجد مروان فرصة لا تعوض، خصوصا بعد أن تمكن من تفقد الشقة من الداخل.
***
مروان بغرفته يحضر نفسه ... ولما لاحظ في الساعة ثم النافذة حيث بدأ غروب الشمس ... خرج وقبل أن يمتطي السيارة اتصل بعصمت وأعلمه بأن يكون أول واحد يشتري الجرائد المسائية لنهار الغد أو بعده على الأكثر ...
***
يصل مروان إلى الشقة في وسط ظلام حالك ... يتمكن من فتح الباب بصعوبة بعد أن جرب العديد من المفاتيح ثم تسلل إلى داخل الشقة ولما وصل إلى غرفة الصبية حيث كانت المربية إلى جوارها، المربية تشعر بصوت وقع أقدام ... فاستفاقت ظنا بها حضور الفنانين، لكن ما إن أرادت إضاءة المصباح حتى سقطت أرضا بعد أن تلقت ضربة قوية على رأسها، بعدها اقترب من سرير الصبية وبهدوء حملها وهي ما زالت نائمة ... وخرج بها نحو السيارة ... وابتعد بسيارته بعد أن أخذ طرق فرعية نحو الجنوب اللبناني وكان مرات يسوق بسرعة لما يكون الطريق خاليا ومرات يسلك الطرق الوعرة خوفا من مصادفة رجال الأمن... وما إن وصل إلى إحدى الطرق المؤدية إلى قرية صغيرة بغابة حيث سمع دوي طلقات الرصاص، فتوقف لحظة لما بدأت الصبية تبكي، فأغلق فمها بقلق وقال لها محذرا:
- إما أن تسكتي أو أتركك في هذه الغابة وفي هذا الظلام وهذه الطلاقات المخيفة.
***
مع بزوغ الفجر وصل مروان إلى طرابلس وبالضبط إلى الفندق...وفي الوقت نفسه كانت الفنانة وزوجها عائدين من السهرة وهما في فرح وسعادة، لكن سعادتهما لم تدم لما اكتشفا المربية ملقاة أرضا ... كما وجدا مكان منال خاليا ... بعد حضور رجال الشرطة والطبيب الشرعي الذي أكد وفاتها بضربة قوية تلقتها على رأسها من حوالي ست ساعات مضت.
الفنان سامي عبد العزيز رغم هول الصدمة والمفاجأة إلا أنه بدا قويا إلى جوار الزوجة التي فقدت وعيها ولم تصح إلا وهي في المستشفى.
***
رجعت إلى حيث إقامتها بصحبة زوجها وكان إلى جوارها كل الأصدقاء العاملين في الفيلم واستمر التحقيق في القضية لمعرفة مصير الصبية، تمر حوالي أسبوعين ولم يعثروا عليها ... الفنانة تكاد تجن فهي غير مصدقة أنها فقدت وحيدتها بهذه السهولة، كل عائلة الفنانة تصل إلى طرابلس للوقوف إلي جانبها في محنتها ... تبدأ الأيام تمر...ومع كل يوم كانت الفنانة تنتظر منال بفارغ من الصبر.
***
وصل مروان إلى القاهرة وأخبر المخرج عصمت جلال بأن جثة الصبية من الصعب العثور عليها فلقد تركها بين أسنان وحوش الغابة، وطبعا كان من الطبيعي أن يطالب مروان بالمبلغ المتبقي، وأفهمه عصمت بأن المبلغ جاهز بأمريكا، لكن مروان أصر أن يأخذ المبلغ في الحال وبالعملة المحلية حيث أنه ينوي فتح شركة خاصة به،


وأمام إلحاح مروان فلم يكن أمام عصمت إلا أن طلب منه أن يمهله مدة يومين فقط ليفتح حسابا بالبنك المحلي يسمح له بتحويل رصيده بالعملة الصعبة إلى العملة المحلية، وهنا نطق مروان قائلا لما أحس بتماطل المخرج:
- لكن الذي أعرفه أن لك حسابا بإحدى البنوك من السابق
ورد المخرج قائلا:
- فعلا كان لي ذلك قبل خمس سنوات فبل أن أبيع الشركة وأستقر هناك بأمريكا...
***
الفنانان بعد تأكدهما أن منال أصبح من الصعب العثور عليها إذا ما زالت على قيد الحياة أم لا، فما كان أمامهما وبعد مرور شهرين سوى العودة إلى القاهرة.
عودتها إلى القاهرة كان بالنسبة لها فقد الأمل في العثور على وحيدتها مما جعل حالتها تسوء وتنقل على الفور إلى المستشفى.
***
حضر عصمت إلى منزل مروان وبيده حقيبة وما إن أدخله المكتب حتى نطق قائلا:
- أظن عودتهما إلى القاهرة ودخولها إلى المستشفى دليل كاف على أنهما لم يعثرا على وحيدتهما بل دليل قوي لتتأكد أنني فعلا تخلصت منها.
ويرد عصمت وضحكة طعم الانتقام بادية على وجهه:
- فعلا الآن تأكدت من حقك أن تقبض بقية أتعابك وفوقها شيك رمزي بالعملة الصعبة مكافأة إضافية.
وراح عصمت يفتح الحقيبة بهدوء، بعدها مد يده إلى الفلوس وأخرجها، وضعها على المكتب أمام مروان الذي راح يعدها وهو في كامل سعادته، وبينما هو منهمكا في عد النقود، المخرج عصمت جلال يخرج من الجيب الداخلي للمعطف مسدسا أشهره في وجه مروان قائلا:
- ألزم مكانك ولا تتحرك.
قال مروان وهو في كامل دهشته:
- هل جننت؟
ورد عصمت وهو يسحب بيده الأخرى الفلوس واضعا إياها في الحقيبة وقائلا:
- أنا فعلا كنت سأجن لو قدمت لك هذا المبلغ الذي هو أكبر بكثير من الخدمة التي قمت بها، لقد اكتشفت أنك تغيرت كثيرا وأصبحت أكثر طمعا ... وبالتالي أنا متأكد أن طمعك هذا لن يتوقف عند هذا المبلغ، فأنت لن تتركني وحالي ...
لما أدرك مروان أن نهايته ستكون على يد عصمت، نطق بصوت هادئ مصطنع:
- أقسم لك بأنني لن أفتح فمي.
ويرد عصمت بضحكة وسخرية:
- أتريدني أن أصدقك بهذه السهولة.
وهنا لم يكن أمام مروان إلا أن ينطق بصوت المهدد:
- إذن عليك أن تصدق إذا قلت لك أني لم أقتل الصبية ولقد تركتها في الحفظ والصون عند أناس...إذا حدث لي أي مكروه فبأمر منهم الشرطة سوف تصل إليك.
وينطق عصمت جلال في اندهاش:
- ماذا تقول ؟
ويرد مروان قائلا:
- ما سمعته بالضبط...فأنا لست مغفل إلى هذه الدرجة فإذا كنت طاوعتك قي قبول العملية فقلبي بصراحة لم يطاوعني في قتلها، والدليل أنه لو كنت قد قتلتها لعثروا على بقايا جثتها.
عصمت يشعر لحظتها بسخرية مروان منه فينطق قائلا:
- ليكن ما يكون فيجب أن أدفن سري معك.
خارج المكتب...الخادم من نافذة المطبخ لاحظ حضور موزع البريد فخرج، وهو يتجه نحو الباب، سمع صوتا استوقفه، فكان صوت مروان:
- إذن لا تنس أن المسدس ستسمع طلقاته وأول واحد سيسمعه...
فقاطعه عصمت قائلا:
- اطمئن فخادمك العزيز سيلحق بك، يجب أن تعرف أنني عملت حسابي فأنا لست بالأبله لكي أترك الشاهد الوحيد علي، فالمسدس من النوع الكاتم للصوت.
لحظتها الخادم ينسحب بهدوء وخفية وعلامات الخوف والذغر بادية على كل جسده.
بالمكتب...أطلق عصمت أول رصاصة على مروان فأصابته بالقلب مباشرة فسقط جثة هامدة...وبعد أن تأكد عصمت من موته أخذ بمسدس آخر ووضعه باليد اليمنى لمروان وترك أمامه بعض الأوراق والفلوس مبعثرة ... وراح يقترب من النافذة المطلة على الجنينة ولما لم يجد الخادم وقف للحظات قلقا انتابته الشكوك وتراجع إلى الوراء وقال يكلم نفسه «أين هو لقد كان بالجنينة؟» ... ثم اتجه نحو الباب وتوقف قبل فتحه، ثم تراجع نحو المكتب وراح يضغط على الزر أكثر من مرة ثم ذهب ليختفي وراء ستار النافذة ... ولما كرر أكثر من مرة الضغط على الزر فأدرك أن الخادم غير موجود بالداخل ... فاتجه نحو الباب وفتحه بهدوء وراح يتقدم نحو الصالون بخطوات هادئة فاكتشف السكون الذي يخيم على داخل الفيلا ... ولما أراد الخروج فإذا برجال الشرطة محاطة بالفيلا ولم يكن أمامه سوى الاستسلام.
***
أثناء التحقيق معه اعترف أن سبب قتله للسيد مروان كون هذا الأخير كان يتاجر في العملة الصعبة التي كان يبعثها له، وكان من المفروض أن يتركها بالبنك ريثما يحضر من أمريكا ويشتركا مع بعض في فتح شركة كبيرة للإنتاج السنيمائي لكن فوجئ بأنه ضيع نصف المبلغ، ولما اكتشف ذلك أراد مروان أن يتخلص منه لذلك كان البادئ الأول بالتخلص منه مدافعا عن نفسه، ورغم التحقيق الذي دام أكثر من أسبوع إلا أن الشرطة لم تقتنع بحجة عصمت في القتل وبالتالي حكمت المحكمة عليه بالإعدام.
***
لما علم عصمت بالحكم النهائي غير القابل للاستئناف نظرا لإقدامه على القتل وهو في كامل قواه العقلية، وهو ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بأيام قليلة، كتب رسالة وأعطاها إلى أحد المساجين وطلب منه أن يبعثها عن طريق البريد يوم خروجه.
***
وصلت الرسالة إلى منزل الفنانين ... ولأن الرسالة كانت باسم الفنانة فسلمها جدها لها، فكان المكتوب بالرسالة «أنا عصمت جلال ... لا أظن أنك نسيت هذا الاسم، من خمس سنوات مرت أهنت من طرفك ومن طرف من أصبح زوجك كنت أريد الانتقام لكرامتي منك أومن زوجك يوم زفافك ... لكن يشاء القدر أن يؤجل انتقامي ... وتشاء الصدفة أن يتم انتقامي منكما عن طريق وحيدتكما»...
***
وصلت الفنانة بصحبة زوجها وجديها إلى السجن وكلهم أمل، لكن الصدمة كانت أكبر وأقوى لما علموا بإعدام عصمت من ثوان قليلة ... ورغم أنها فقدت الأمل في العثور عليها إلا أنها كان لديها إحساس يؤكد لها أنها على قيد الحياة.
***
وتبدأ الشهور تمر وحالة الفنانة تسوء لدرجة أنها أقامت بالمستشفى لمدة شهر تحت الرعاية المركزة المكثفة، فأخذ زوجها إجازة وحتى والديها وأختها وأخاها عادوا من المهجر بعد أن أخذوا إجازة مفتوحة، وأكد لهم الأطباء أن الحل الوحيد لتحسن حالتها هو أن تتمكن من نسيان وحيدتها ولوفي فترات معينة وعودتها إلى الفن كحل وحيد لمساعدتها على النسيان والعودة للحياة بشكل طبيعي، ولأن كل أهلها وأصدقائها وزوجها الذي لا يفارقها ولو لحظة وقفوا إلى جوارها، ولأن رسائل المعجبين والمعجبات لم تتوقف في مواساتها ومناداتها للعودة إلى الفن وأن يكون إيمانها بالله أقوى، فلم يكن أمامها بعد مضي سنة كاملة عن فقدها لوحيدتها سوى العودة لفنها.
***
وتبدأ السنين تمر، وقد مرت حوالي ثلاث سنوات على فقد منال، الفنانة رغم عودتها إلى عملها الفني ورغم استسلامها للأمر الواقع إلا أنها لم تقطع الأمل بأنه سيأتي يوم وتلقى وحيدتها، كما أنها قررت أن لا تحتفل بعيد ميلادها، فلما يحين يوم عيد ميلادها كانت تعتبر ذلك اليوم يوم عطلة تنفرد به بنفسها في غرفتها لتعاقب وتحاسب نفسها، ولم يكن يجرأ أي كان أن يقاطع خلوتها في ذلك اليوم.
***
يوم وضعت الفنانة بالمستشفى صبية، العائلة بقاعة الانتظار ما إن علموا أن المولود صبية حتى قرروا أن يطلقوا عليها اسم منال تخليدا لأختها المفقودة التي ستعوضها، لكن الفنانة ما إن علمت بذلك حتى صاحت وعارضت بشدة قائلة:
- لا... غير ممكن، هذه الصبية لن تكون خلفا لأختها، منال مازالت تعيش بقلبي ولدي إحساس أنها مازالت على قيد الحياة، الصبية ستكون أخت منال الغائبة وليست خلفا لها.
واختنق صوتها بالبكاء وهي تردد:
لا ...لا... منال لم تمت ... لم تمت …
أما العائلة فلقد تأثرت لحالها لدرجة أنهم لم يتمكنوا من إخفاء دموعهم ...
***
ومرت حوالي ثلاثة عشر سنة عن فقد الصبية منال ... وبمرور هذه السنين ... أصبحت الفنانة أمال حسني من النجوم الكبار إلى جوار زوجها ... ولديهما بنت في حوالي العاشرة من العمر وطفل في الثامنة من العمر، وكانت ترعاهما بكثير من الاهتمام، وكان ولداها كل حياتها حيث قسمت وقتها ما بين الفن والحياة الزوجية بانتظام ... أما الجد فلم تمهله شيخوخته أن يعيش أكثر مما عاش.
***
الفنانة وقفت بالصالون حيث علقت عيناها على صورة جدها الذي يحتضن الصبية منال وقد اغرورقت عيناها بالدموع وهي تقول «حتى أنت رحلت وكأنك فقدت الأمل في العثور عليها وعودتها إلينا»، ثم توقفت لحظة وحدقت في الصورة جيدا وتابعت تقول في حيرة «يا إلهي أيكون احتضانه لها دليل على أنها معه...لا...لا...غير ممكن ؟».
***
بإحدى المدن الجزائرية الساحلية تقطن عائلة طارق المتكونة من أخته أسماء الملقبة بمنال، وعمرها حوالي سبعة عشر سنة، ووالديه الكبيرين في السن … وهي عائلة فلسطينية هاجرت من لبنان لما اشتدت الحرب الأهلية، لتستقر بالجزائر.
***
طارق يعمل بإحدى الشركات كمهندس ومندوب، أما منال فهي طالبة ثانوية، وتقطن العائلة بفيلا صغيرة بالقرب من البحر، منال فتاة محبوبة جدا من طرف كل الذين حولها، منال كانت فتاة مرحة جدا وتحب التنكيت وإحداث مقالب مضحكة لصديقاتها وحتى أخاها وخطيبته لم ينجوا من مقالبها الطريفة، كانت الابتسامة لا تفارق وجهها أبدا ... وعن حياتها الخاصة كانت من أشد المعجبات بالفنانة أمال حسني والفنان سامي عبد العزيز، فكانت دائمة شراء المجلات الفنية وتنزع صورهما وتلصقهما على جدار غرفتها.
***
طارق يعرف جيدا أن أخته من أشد المعجبات بالممثلات بالخصوص الفنانة أمال حسني لكن أبو طارق وأم طارق لم يأخذا بالهما من هذا الإعجاب إلا مؤخرا وذلك لأنهما لم يكونا من قراء الجرائد والمجلات حتى التلفاز نادرا ما يجلسان أمامها، ذات مرة وعلى مائدة العشاء، منال تسرع في تناول عشاءها ثم تتجه نحو التلفاز لتشغله وهي تقول:
- إنه موعد المسلسل ولقد نسيته.
كان المسلسل في البداية ... ابتسمت أم طارق وقالت:
- العشاء يا منال قد يبرد ...
وترد منال مبتسمة وهي تنظر للتلفاز:
- والله العشاء يا أمي ممكن تسخينه لكن الحلقة لا يمكن أن تعاد.
رفع طارق رأسه عن الأكل ففوجئ أن بطلة المسلسل أمال حسني، فوجه نظره نحو أبيه وأمه فكانا منهمكين في تناول عشاءهما، أما منال فقد أخذت بصحنها ورجعت إلى مكان تواجدها أمام التلفاز وقد نطقت قائلة:
- مسكينة يقال أنها فقدت ابنتها !
طارق تنبه لكلام منال جيدا، لكن الأم ترد عليها قائلة:
- أكيد ستلتقي بها في آخر الحلقة.
وردت منال:
- لا يا أمي ... أنا أتكلم عن البطلة، إنها فعلا فقدت ابنتها في الواقع وليس في المسلسل.
الكل يتنبه لكلام منال، التي أكملت تقول دون أن تتنبه لإصغاء والديها وطارق لها بكل اهتمام:
- والغريب أنها معروفة بلقب النجمة الحزينة أكثر من اسمها الحقيقي أمال حسني، والأغرب أكثر يقال أنّها فقدتها بلبنان أثناء الحرب.
في تلك اللحظات طارق صاح قائلا:
- أمي! ... أمي ما بك؟
الأم كانت تشعر بدوخة، فأخذت إلى غرفتها، فقدم لها دواءها الخاص، ونامت فخيل للجميع أنها نامت نوما عميقا، لكنها ما إن خرجوا من الغرفة حتى فتحت عيناها وقد اغرورقت بالدموع، وقالت في نفسها:
- سامحيني يا منال فأنا لا أتصور حياتي من غيرك.
منال اتجهت نحو التلفاز، شاهدت الحلقة قليلا ثم تركتها نحو طاولة العشاء وراحت تجمع الصحون ... اقترب طارق لمساعدتها لكنها تطلب منه أن تفعل ذلك لوحدها، فتركها وخرج ليلتحق بمجالسة أبيه بالجنينة على ضوء القمر...
قال طارق لأبيه:
- أنا شخصيا لما اكتشفت أنها من أشد المعجبات بأمال حسني وسامي عبد العزيز كدت لا أصدق.
ورد أبو طارق:
- قصدك أمها أمال حسني وأباها سامي عبد العزيز، الأسماء نفسها التي رددتها يوم أحضرها ذلك الغريب
ورد طارق:
- في الحقيقة احتمال كبير جدا أنها ابنتهما المفقودة، لكن من الصعب علينا أن نبادر في التحقق من ذلك دون علم أمي.
في تلك اللحظات تظهر منال حاملة بصينية الشاي فيطلب طارق من أبيه أن يغلق الموضوع لاقترابها منهما، تركت الصينية على الطاولة ودون أن تعبأ استمرت في كب الشاي بالفنجان فأوقفها طارق وقد أدرك دموعها مما قال يكلم نفسه بصمت «معقول تكون سمعت حوارنا» لكن رد منال أزال اندهاشه وتساؤله لما قالت:
- أنا قلقة، قلقة جدا لحال أمي فالدواء لم يعد ينفع لقلبها الرهيف.
ونطق أبو طارق مبتسما ومطمئنا:
- اطمئني يا ابنتي كلها كم يوم وتسافر إلى الخارج لتعالج.
ويتابع طارق كلام أبيه:
- ليلى باعتبارها ممرضة بالمستشفى، لقد عملت الواجب في استكمال الأوراق وإن شاء الله بعد أسبوع على الأكثر ستكون الأوراق الطبية جاهزة.
وغادرتهما قائلة:
- سأذهب لأطمئن عليها.
بعدها قال أبو طارق:
- ثلاثة عشر سنة مرت ... مسكينة أم طارق متعلقة جدا بمنال.
ويرد طارق:
- كيف لا … وقد شاء القدر أن تعوضنا أختي سناء التي اختطفتها الحرب من أمام أعيننا، واليوم إما أن ننسى موضوع منال، أو نفقد الوالدة خصوصا وأنّها مريضة بالقلب.
***
في الصباح تنهض منال بسرعة من سريرها، بعد أن لاحظت الساعة اتجهت إلى الحمام وثم إلى المطبخ ففوجئت بأمها تحضر قهوة الصباح ... الأم استقبلتها بوجه بشوش، فحين قالت منال بصوت اللائم:
- ما هذا يا أمي المفروض تكوني مرتاحة بسريرك.
ردت الأم:
- معقول أبقى في السرير لمجرد تعب بسيط تعودت عليه، ثم أنا الآن والحمد لله بصحة جيدة وكلها دقائق وتكون القهوة جاهزة ريثما ترتدي ثيابك وتحضرين محفظتك.
ابتسمت منال وقالت:
- مهما حاولت أن أنهض الأولى فلن أفلح أمامك.
ثم عانقت أمها في حرارة وإذا بها تكتشف وهي تنسحب من حضنها دموعها فنطقت قائلة بصوت حزين:
- أمي ! ...
وكان رد الأم وهي تحاول إخفاء حقيقة دموعها:
- تذكرت الأيام التي سأقضيها بالمستشفى بفرنسا بعيدة عنكم، ولما تنهضي بالصباح لن تجدي بالمطبخ من يحضر لك القهوة، فأنا لا أريد ...
قاطعتها منال قائلة:
- لا يا أمي....في الأول كانت حجتك حتى لا تسافري هو عدم تحملك السفر بالطائرة والآن ماذا حجتك؟ ... يجب أن تطمئني كل الاطمئنان.
***
بعد مغادرة طارق بصحبة منال المنزل ...أبو طارق يترك المرشة ويدخل إلى الصالون وهو ينادي على أم طارق ولما لم يسمع لها حس ذهب إلى الغرفة فلم يجدها، فوجدها بغرفة منال ماسكة بين يديها ألبسة منال وهي طفلة ودموعها على خديها، فاقترب منها وجلس إلى جوارها فقالت بصوت حزين:
- خلاص حان الآن لتعرف منال حقيقتها.
قال أبو طارق:
- إذا كانت هذه هي رغبتك فعلا فقبل أن تعرف منال الحقيقة يجب الاتصال بالفنانين والتحقق من ذلك منهما الأول، لأن طارق قال حسب ما قرأه بالمجلات والصحف، البعض يقول خطفت والبعض يقول فقدت في حرب لبنان، والبعض الآخر في حادثة ..!
وردت الأم:
- قلبي يحدثني أن منال هي منال ابنتهما ويجب أن تتصلا بهذين الفنانين.
وقبل خروج أبو طارق من الغرفة وهو يفتح الباب أوقفه صوت أم طارق:
- لا... أرجوك لا تفعلا ذلك الآن ... إلا بعد ...
وتوقفت وقد اغرورقت عيناها بالدموع وقد فهم أبو طارق ما تريد أن تقوله كما أنه قدر شعورها في تلك اللحظات، ابتسم ابتسامة حزينة وهز رأسه بالإيجاب، ثم خرج تاركا أم طارق تبكي وهي تكلم نفسها «سامحيني ... سامحيني ... وسامحني يا رب....أشعر أنني غير قادرة على المعيشة من غيرها». وقف أبو طارق أمام الباب لحظات قبل أن يغادرها وقد أدرك أن غرفة منال كانت تحتوي على صور الفنانين خصوصا أمال حسني وسامي عبد العزيز كما تذكر يوم قال له طارق «لو دققت النظر إلى الصور المعلقة على جدران غرفتها لاكتشفت إعجابها الشديد خصوصا بالفنانة أمال حسني...» .
***
يتوقف طارق بسيارته أمام إحدى العمارات ثم استعمل المنبه الصوتي، بعد لحظات تخرج من العمارة شابة كلها حيوية وهي في حوالي الخامسة والعشرين من عمرها وما إن ركبت حتى سألت عن منال، لكن طارق قبل أن يرد عليها قال بصوت اللائم:
- ألقي التحية واسألي عن حالنا ثم منال.
في تلك اللحظات تظهر منال التي كانت مختفية بالمقاعد الخلفية قائلة:
- معقول، تصل بك الغيرة إلى هذه الدرجة.
يضحك الجميع ... وبعدها سلمت منال على ليلى خطيبة أخيها، تصل السيارة إلى حيث مدرسة منال، وما إن توقفت السيارة، منال لم تنزل بل قالت بصوت ممازحة:
- هل يعقل أن أفتح الباب لوحدي وبالسيارة سائقين أحدهما احتياطي.
ابتسم طارق وليلى، ثم نزل طارق وفتح الباب بكل احترام لنزول منال، هذه الأخيرة تنزل كما تنزل الشخصيات المهمة، وما إن أبصرتها صديقاتها حتى اتجهن نحو ها وكلهن سعادة بوصولها.
***
في يوم العطلة الأسبوعي، وفي الصباح حضرت ليلى، فوجدت أبو طارق بالجنينة بصحبة أم طارق ولما سألت عن منال وطارق علمت منهما مازالا نائمين، فقالت أم طارق:
- يا لله اذهبي لقد تعبت معهما.
قالت ليلى:
- طيب ... معقول مازالا نائمين والساعة تشير إلى العاشرة
ذهبت أولا إلى غرفة طارق، ففتحت المذياع بصوت مرتفع بعد أن فتحت النافذة، فما كان على طارق إلا أن يتخلى عن نومه العميق اللذيذ، ثم تركته واتجهت إلى غرفة منال، وراحت توقظها....ولكن منال قالت لها:
- أرجوك كلها نصف ساعة وأنهض.
ليلى لم تتوقف عن نزع الأغطية عن منال، وتنطق منال وهي ترجوها قائلة:
- إنني أحلم بحلم جميل...أرجوك لقد اقتربت من نهايته.
فردت عليها ليلى:
- إذن ستكون نهايته على يدي.
وهي تتجه نحو قارورة الماء حتى صاحت منال وهي تنهض:
- خلاص ... وحياتك أيها العقيد.
***
وقبل خروجهم من الجنينة باتجاه السيارة قالت منال:
- أرجوكم أعفوني من هذه الجولة، فأنا أريد أن أقضي يومي مع أمي حبيبتي.
وراحت تعانق أمها، لكن الأم تسحبها من حضنها بكل رفق قائلة:
- لا...يجب أن تذهبي... أكيد ليلى ستغضب لو لم تذهبي.
وردت ليلى:
- فعلا، ولن أكلمك أبدا.
ردت منال:
- خلاص ... أمري لله ... على كل كلها كم شهر ويتم زفافكما وأتخلص منكما.
وقبل أن تجري ليلى لتقبض عليها، منال قد أسرعت للخروج وركوب السيارة...
***
ذات مرة حضر طارق مجلس الأولياء بالثانوية، جميع الأساتذة شكروا أخلاقها واجتهادها إلا أستاذ العربية الذي اشتكى من بعض تصرفاتها أثناء حصته، فهي في رأيه كثيرة المقالب لصديقاتها... خرج طارق وكانت منال وليلى بانتظاره بالسيارة... وما إن ركب حتى قال لمنال:
- أرجوك يا منال خففي قليلا عن الأستاذ شعبان.
وردت عليه منال وهي تضحك باندهاش:
- معقول ... أستاذي المفضل يشتكي مني.
تبادلت ليلى وطارق نظرات مفهومة في حين نطقت ليلى:
- آه ... منك.
***
وانطلقت السيارة نحو إحدى النوادي الرياضية ... بعد أن قضت منال بعض الوقت في لعب التنس مع أخيها... بعدها استعجلتهما بالعودة في الحال إلى المنزل، حيث لها امتحان في الإنجليزية لليوم الموالي وعليها بالمذاكرة، لكن ليلى التي كانت جالسة تلومها قائلة:
- معقول لعبت مع طارق ولما جاء دوري تذهبين
وردت منال:
- والله صدقيني لدي امتحان الإنجليزية، ثم اطمئني سأتركك تلعبين مع طارق وفي الوقت نفسه يجب أن تنتصري عليه حتى تأخذين بثأري ...
وغادرت منال النادي رغم اصرارهما على توصيلها.
***
في اليوم الموالي، وبالقسم الذي تدرس به كانت التلميذة التي تنهي امتحانها تخرج

هناء12 05-08-11 01:19 AM

لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها
 

الجزء 3:

إلى الساحة، منال ما إن خرجت حتى اتجهت نحوها صديقاتها يتحاورن في الإجابات الصحيحة، بعدها تطلب منها صديقتها سعاد أن تخرج لشراء بعض الحلويات، وكان رد منال:
- كيف يمكنني الخروج والواقفة أمام الباب زليخة وليس المسكين عبد القادر.
وردت عليها سعاد:
- أعرف أن الواقفة أمام الباب الملعونة زليخة، لكن هذا لا يمنع أن تحاول معها، أرجوك معدتي فارغة وأنا لم أشرب قهوة الصباح.
ويرق قلب منال لإلحاح سعاد وقالت:
- على كل سأحاول معها، وإن نجحت فأنا أيضا...
وتقاطعها سعاد بسرعة:
- طبعا من حقك، المهم يا لله أسرعي الآن قبل أن يدق جرس الاستراحة ويلتف حولها الطلبة وبالتالي سترفض الجميع.
ودفعتها بعد ذلك بيدها لتذهب بسرعة، فحين نطقت إحدى الصديقات:
- ولا تنسي يا منال حقنا نحن أيضا.
وترد سعاد محتجة قائلة:
- لا يا منال ...أرجوك أنا بحاجة إلى الباقي...
اقتربت منال من الحارسة زليخة، وهي امرأة تجاوزت الأربعين من العمر، طلبت منها الخروج لكنها رفضت، منال تحاول معها قائلة:
- أرجوك لودخلت من غير دفتر فإنها ستطردني.
وردت الحارسة:
- وأنت لماذا نسيت شراء الدفتر؟
وردت منال:
- بالعكس أنا اشتريت الدفتر لكن ...
وردت الحارسة مقاطعة إياها:
- إذا ما دام اشتريت الدفتر فلماذا الخروج؟
وتدرك جيدا منال أن الحارسة زليخة لا تفهم بسرعة، فتنهدت بعمق قائلة:
- أنا فعلا اشتريته لكن تركته بالمنزل وأنا أسكن بعيدا عن المدرسة...
وتنطق الحارسة زليخة بصوت الخائف المتردد:
- أنت تعرفين خروجك في هذا الوقت ممنوع ولو عرف واحد من الإدارة خصوصا المدير سيرفضني ويطردني للأبد.
وترد منال عليها:
- لا اطمئني، بل وتأكدي أنك لن تطردي ولن ترفض.
ثم غمغمت وتابعت:
- يا رب ...
وترد زوليخة بغضب:
- ماذا تقولين؟
- قلت يا رب ... لن تطرد.
وترد زوليخة بصوت وبلهجة براءة المرأة الريفية:
- وكيف أنت متأكدة؟
وكادت تنفجر منال ضحكا لكنها تماسكت وردت:
- لسبب بسيط وهو أنني لن أتأخر أكثر من دقيقة.
وبعد تردد وخوف تسمح لها بالخروج بعد أن طلبت منها العودة بسرعة ... وكانت منال عند وعدها للحارسة إذ عادت بسرعة، فكانت في انتظارها ببوابة الساحة سعاد وثلاث صديقات وما إن اقتربت منهن ... قدمت قطعة من الحلوى لسعاد، هذه الأخيرة ما إن تسلمت قطعة الحلوى حتى مدت يدها الثانية فنطقت منال:
- ماذا تريدين ؟!
وردت سعاد:
- بقية الحساب طبعا.
وترد منال بنوع من التردد والابتسامة:
- آه طبعا سأرد لك البقية لكن ليس قبل أن نتحاسب ...
ونظرت إلى الصديقات وتابعت تقول:
- طبعا أنتن شهود علينا.
أولا... كان يجب أن أجد حجة الخروج لأقنع الحارسة زليخة ... فكان هذا الدفتر وثمنه معروف لديك.
ثم سلمته لسعاد وتابعت:
- ثانيا ولأنني وافقت على طلبك فمن حقي قطعة حلوى.
وأخرجت من جيب السروال الأيمن قطعة حلوى ملفوفة في ورقة وتابعت تقول:
- أظن أنّ هذا من حقي!
وردت سعاد وحتى الصديقات بالإيجاب...ثم تابعت منال بصوت هادئ:
- ولأنني أقنعت الحارسة زليخة...فمن حقي قطعة حلوى ثانية.
وأخرجت القطعة الثانية من الجيب الأيمن للمأزر وتابعت تقول:
- ولأن قطعة واحدة تكفيني فأفضل أن أعطيها لنورة.
وسلمتها للصديقة نورة والكل كان يبتسم إلا سعاد التي كانت تنتظر نهاية الحساب بفارغ الصبر بينما تابعت منال:
- ولأنني جازفت وخرجت فمن حقي ...
وقبل أن تكمل تقاطعها سعاد قائلة:
- آه...منك.
وما إن رفعت يدها لتصوبها على ظهر منال حتى أسرعت هذه الأخيرة بالهروب من أمام سعاد والتحقت بها بقية الصديقات...فراحت منال تسلمهن كل واحدة قطعة حلوى وهن يضحكن على خيبة وخسارة سعاد....يدق الجرس فيهرع الطلبة صفوفا صفوفا ... فاصطفت بعض الصفوف مباشرة أمام الأقسام أما البعض الآخر حيث أقسامهم في الطوابق العليا فأخذن صفوفهم أمام أرقام أقسامهم بالساحة، ويحضر الأستاذ شعبان وكعادته من غير مئزر ولا حتى كتابا بيده، يسمح للطلبة بالدخول ... وأثناء دخول دور الطالبة منال قال لها:
- سناء من فضلك أحضري لنا الممسحة والطباشير.
ردت سناء:
- حاضر يا أستاذ ... لكن من فضلك اسمي منال...منال.
ضحك الأستاذ شعبان والطلبة من إصرارها الدائم على اسم منال.
منال وهي تمسح السبورة، كان الأستاذ أمام إحدى الطالبات ينظر إلى دفترها ثم نطق قائلا:
- إذن اليوم لنا لقاء مع بحث المجموعة الثالثة.
في تلك اللحظات منال أنهت مسح السبورة، في حين أحد الحراس يظهر أمام الباب وبسرعة وقلق ينادي على الأستاذ شعبان، وما إن أخبره بأن المفتش موجود بالمؤسسة حتى تغير لون وجهه، بعدها غادره الحارس بسرعة، الأستاذ يتقدم إلى داخل القسم بخطوات متعثرة ولأن القسم لم يكن هادئا حيث الطلبة كن تتبادلن الأحاديث والضحكات فإذا به ينطق بسرعة وقلق:
- يا للا اجلسن من فضلكن.
فأدرك نفسه فاسترجع هدوءه وقال:
- من فضلكن أسكتن وكن مؤدبين لأن فيه احتمال زيارة المفتش لنا...والآن يا لله أصحاب البحث يصعدن إلى السبورة ... في تلك اللحظات طلبة البحث تتبادلن نظرات كلها تردد واندهاش بعدها تنطق رئيسة الفوج في تردد وخوف:
- أستاذ ... مع الأسف لقد نسيت البحث في المنزل.
الأستاذ شعبان ما إن سمع ذلك الرد حتى ضرب كفا بكف وقال:
- غير ممكن، ماذا سنقدم للمفتش إذا حضر؟
وفي غمرة الجد نطقت سعاد وهي تبتسم:
- ما رأيك يا أستاذ لو نقوم بإزعاج المفتش عند حضوره؟
ويرد عليها الأستاذ بسرعة محذرا:
- لا يا سعاد حذار من ألاعيبكم.
ثم حول نظره جهة منال وتابع يقول:
- خصوصا ألاعيبك أنت يا ... يا منال ...
في تلك اللحظات رجع ذلك الحارس وقدم للأستاذ المئزر وملفا.
راح الأستاذ يرتدي المئزر بسرعة ويقلب الملف الحاوي لكتاب وبعض الأوراق، وفي الأخير نطق مكلما نفسه بصوت خافت: «يا إله ولا مذكرة درس جديد، كلها مذكرات بحوث ودروس سابقة»، بعدها حول نظره نحو الطلبة وقال:
- طيب...ألا يوجد فوج آخر جاهزا ببحثه؟
عم السكوت ولم يرفع أصبع، بينما منال راح خيالها إلى الماضي وتذكرت يوم قرر أخوها طارق أن يتخلى عن التدريس نظرا مما عاناه من طرف بعض المفتشين ونقل قراره ذلك بعد أن اجتمع مع عائلته ... حيث ردت عليه منال قائلة:
- معقول تترك مهنة التعليم بعد سنتين وأنت الذي أحببتها واخترتها.
ويكون رد طارق:
- فعلا، لكن تعبت من تصرفات بعض المفتشين، البعض منهم إذا حضر يهتم بالدرس ويناقش عيوبه إن وجدت والبعض الآخر يهتم بالأوراق فقط، ولا يهمه متابعة الدرس، بل قد يمنحك عقاب لمجرد لم يجد ورقة ما مع أن الدرس قد يمر بامتياز.
تعود منال من الخيال إلى الواقع...ونطقت بأعلى صوتها وبسرعة:
- أستاذ ... أستاذ ... نحن جاهزون ببحثنا.
لحظتها تستغرب الطلبة المنتمين إلى فوجها، ونطقت واحدة منهن:
- لكن نحن لم ننه العنصر الأخير.
ويكون رد منال:
- العنصر الأخير هو عبارة عن إبداء رأينا فقط، ولا أظن أن إبداء رأينا كتابيا سيختلف لو قلناه شفويا.
وكان لكلام منال صدى وتأثيرا على نفسية الأستاذ حيث نطق قائلا:
- هيا .. تفضلن.
وما إن صعدوا إلى السبورة حتى كان حضور المدير بصحبة المفتش، فيقترب الأستاذ منهما، فبعد التحية يترك المدير المفتش مع الأستاذ، وبعد تحية كلها احترام من طرف الطلبة، المفتش يأخذ مكانه خلف الصفوف، الطالبة منال بصفتها رئيسة الفوج تقوم بتقديم مقدمة البحث وهي واقفة، بعدها تترك الفرصة للطالبة التي أمام السبورة لتسجيل عناصر البحث، في تلك اللحظات المفتش يمر على بعض الصفوف فيأخذ بعض الدفاتر ليصححها.
جلس المفتش ليصحح الدفاتر، بينما بدأ فوج البحث المكون من الطالبة منال وثلاث صديقات... اثنين منهما جالستان بالمكتب وأمامهما أوراق البحث الثالثة بالسبورة ومعها منال التي تشرف على إدارة البحث، ونظرا لذكاء منال وقدرتها على إثراء البحث بالمناقشة حيث استطاعت أن تجذب انتباه المفتش الذي حول اهتمامه من الأوراق إلى الدرس المعروض من طرف الطلبة ...فكانت هي وزميلاتها بعد قراءة كل عنصر تتلقى سيلا من أسئلة الطلبة وإذا لم يكن هناك أي سؤال كان السؤال يأتيها من الأستاذ أو تبادر هي بطرحه لمعرفة مدى استيعاب الطلبة للبحث، وفي الأخير يقوم المفتش من مكانه ويبادر هو ببعض الأسئلة كاد يعجز بها طلبة البحث لولا ذكاء منال، ومع نهاية البحث يوجه المفتش سؤاله إلى الطالبة منال قائلا:
- من دربك على إلقاء البحث بهذه الطريقة الرائعة ؟
وردت عليه بكل احترام:
- أستاذنا ... الأستاذ شعبان.
وبعد أن شكرها وشكر كل الفوج ثم قال لكل الطلبة:
- إنكم قسم ممتاز فتابعوا اجتهادكم على هذا المنوال.
وقبل أن يخرج ذكر الأستاذ شعبان باللحاق به بمكتب المدير.
وبعد خروج الطلبة بنظام، يتجه الأستاذ نحو مكتب المدير، فلم يطل عنده كثيرا وخرج حيث كان في استقباله بعض زملائه من الأساتذة المتلهفين على نتيجة الجلسة فبادرهم بالقول:
- تصوروا ... لم يطلب مني ولا ورقة ... وأنا الذي كنت خائفا أن يطلب كل الملف...لأول مرة المفتش يحيد عن القاعدة، وكل هذا البركة في الطالبة منال وصديقاتها...آه لو رأيتموها وهي تناقش موضوع البحث وإدارته، ولا أستاذ خبرة عشر سنين.
***
بمنزل منال ... وبالضبط في قاعة الجلوس، جلست ليلى وطارق بالقرب من بعض يرسمان بعضا من أحلام البيت الزوجي ... أما أبو طارق وأم طارق في الحديقة، في تلك اللحظات حضرت منال...سلمت على والديها...وما إن دخلت قاعة الجلوس وأبصرها طارق حتى قال:
- إنه ليس موعدك ... فكيف عدت باكرا ... قبل أن نمر عليك ؟!
وكان ردها:
- أستاذ الفيزياء غائب.
وراحت عيناها إلى المجلة الموضوعة على الطاولة وقبل أن تمسك بها مدت ليلى يدها وأخذتها وهي تقول:
- إذا أردت المجلة فعليك أن تعديني بخروجك معنا غدا.
لم يكن أمام منال سوى أن تعد ليلى حتى تفوز بالمجلة التي كانت متلهفة عليها، وما إن استلمتها حتى راحت تقلبها بسرعة وما إن وصلت إلى صفحتها المختارة حتى نطقت في حسرة:
- معقول للمرة الثامنة أخسر المسابقة.
وتنطق ليلى في اندهاش:
- للمرة الثامنة !...ولك كل هذا الصبر.
ومسكت منال القلم وجلست وهي تقول:
- وراءك ورائك والزمن قصير إن شاء الله...يا مسابقة.
***
بعد أيام...ليلى تتصل من المستشفى بطارق لتبلغه بأن الأوراق الطبية أصبحت جاهزة وما عليه إلا الحجز في أول باخرة ...
***
في منزل أبو طارق، وبالضبط في الصالون... أبو طارق وطارق وليلى وأمامهم حقيبة السفر، بعد لحظات تظهر السيدة أم طارق تنزل من الطابق العلوي بخطوات بطيئة وما إن وصلت آخر السلم وأبصرت عدم وجود منال، سألت عنها، ظهرت منال في أعلى السلم وقد مسحت دموعها وهي تحاول أن تصطنع الابتسامة، وما إن اقتربت من أمها وتبادلا نظرات كلها حب وحنان، الأم تكتشف دموع منال فتنطق وهي تمد يدها بكل حنان لتمسح لها دمعة نزلت رغما عنها:
- إذا كنت غير راضية على سفري فإني لن أذهب؟
وترد منال بسرعة:
- لا أرجوك، أعذريني فدموعي هذه تنزل رغما عني، طبعا ليس لأنك ذاهبة من أجل العملية، فالعملية أكيد ستنجح لكن أنا حزينة لأنها لأول مرة سنفترق عن بعض.
تغرورق عيون الأم بالدموع وتحضنها بحرارة وهي تقول:
- لولا الدراسة يا حبيبتي لأخذتك معي .
***
وصلت سيارة الإسعاف وسيارة طارق إلى الميناء ... بعد أن سلمت الأم على ليلى ثم منال وبعدها أبو طارق الذي أوصته بمنال، وهي تقترب من الجمارك بصحبة طارق والممرضة حتى توقفت واستدارت نحو منال، هذه الأخيرة لم تتمالك نفسها فذهبت تجري نحوها لتعانقها بحرارة وهي تقول:
- أرجوك لا تتأخري عني.
تحاول الأم أن تبتسم وهي تقول:
- إن شاء الله لن أتأخر أكثر من أيام العملية ... لكن لم تقولي لي ماذا أحضر لك معي من فرنسا؟
مسكت منال يد أمها بحنان وقالت:
- وصيتي لك من فرنسا أن تعتني كثيرا بأم طارق وأن تعودي إلي بالسلامة.
وترد الأم على منال بابتسامة كلها حب وحنان وهي تبتعد عنها بصعوبة، فسحبت يديها من يدي منال بكل رقة، نطقت منال:
- سأنتظرك ... سأنتظرك...


وهزت الأم رأسها بابتسامة حزينة وهي تصل إلى المنطقة الجمركية بصحبة طارق والممرضة.
وعلى متن الباخرة التي بدأت تتحرك وقف جمع من المسافرين من بينهم طارق وأمه وكانا يلوحان بالأيدي جهة ليلى ومنال وأبو طارق.
***
بمرسيليا ... كانت سيارة الإسعاف بانتظارهم ... ما إن وصلوا إلى المستشفى، ترك طارق أمه مع الممرضة وذهب ليحجز بأحد الفنادق، وبعد عودته كانت التحاليل والأشعة الطبية قد أجريت لوالدته وتقابل مع الدكتور الذي سيشرف على العملية الجراحية التي ستجرى لها...
وما إن حدد موعد إجراء العملية الجراحية، حضر طارق وأعلمها بذلك فدمعت عيناها وهي تحمل صورة منال وتضمها بكل قوة ... وقبل أن يغادرها طارق طلبت منه أن يحضر معه مساء ذلك اليوم جهاز تسجيل وشريط فارغ، قبل موعد العملية بأربع ساعات طارق حضر وبيده الجهاز فتركه على أقرب طاولة لسرير والدته ثم قام بتعديله وقبل خروجه قال لها:
- كنت أفضل ذلك من الأحسن بعد العملية، بل وبعد عودتنا إلى مدينتنا.
وكان رد الأم وعيناها تكاد تغرورق بالدموع:
- ذهابي إلى حجرة العمليات معناه ذهابي إلى ...
ويقترب منها طارق بسرعة مقاطعا إياها:
- لا .. أرجوك لا تنطقي بها...إن شاء الله تقومين بالسلامة.
وما إن خرج وتركها لوحدها حتى ضغطت على زر المسجل ... ثم مسكت بصورة منال وبدأت حديثها ... «منال حبيبتي... أرجوك اسمعي هذا الشريط من أوله إلى أخره لأن الكلام الذي سأقوله لك يهمك» …


***
بعد العملية الجراحية وبعد مرور أربعة وعشرين ساعة طمأن الأطباء طارق عن حالتها وطلبوا منه أن تبقى بعض الوقت تحت الرعاية الطبية حتى تنتهي فترة النقاهة.
***
وبعد يومين من العملية، طارق كان بجوار والدته وما إن فتحت عيناها حتى
ذهب ليزيح ستار النافذة وهو يقول:
- الحمد لله ... كل الأطباء أكدوا لي أن حالتك تمام التمام.
ثم أخرج من جيبه الشريط وأكمل قائلا:
- خلاص كلها شهر بالكثير ونعود مع بعض ويومها أكيد لن تكوني بحاجة إلى هذا الشريط.
وردت الأم قائلة بصوت حزين:
- فعلا...لقد حان الوقت لأحكي لمنال كل شيء.
بعدها حولت نظرها نحو الشريط الذي وضعه طارق على الطاولة وقالت:
- أرجوك يا طارق احتفظ بالشريط معك، لأنه محتمل أن تخونني الشجاعة في مصارحتها.
ولأن فترة النقاهة ستطول طلبت أم طارق من طارق أن يعود إلى عمله ... طارق يحاول أن يقنع أمه قائلا:
- اطمئني فغيابي لن يؤثر على وظيفتي.
وكان رد الأم:
- أعرف أن رئيس الشركة يحبك ولا يؤخر لك طلبا وأعرف أنه هوالذي أوصلك إلى هذا المنصب بجواره، نظرا لتفانيك في العمل بكل وفاء وإخلاص، لكن الذي يجب أن تعرفه يا ابني أن لا تتأخر عن عملك أكثر من اللازم حتى لا يظن العمال أنك استغليت طيبة وحب رئيس الشركة لك ثم إنّ الممرضة معي، فلا داعي للقلق.
***
ولم يكن أمام طارق سوى العودة بالطائرة. وبعد شهر كان موعد عودة الأم على متن الباخرة بصحبة الممرضة أمام الميناء ... كان جمع من المنتظرين لمسافريهم على تلك الباخرة ... تمر ساعة عن الموعد المحدد...في الأول ظن المنتظرون أن التأخر عاديا وروتينيا... ولكن بعد أن بدأت الساعات تتعاقب الواحدة تلو الأخرى ازداد قلق المنتظرين وكانت المفاجأة أقوى وأكبر لما علموا عن طريق برج المراقبة أن الباخرة قد غرقت.
***
بعد حوالي أسبوع من البحث عن غرق الباخرة التي كانت تحمل على متنها ألف شخص ... لم يتم العثور سوى على ستة مائة جثة ... وكانت أم طارق واحدة من بين المفقودين، أبو طارق وطارق حاولا بقدر الإمكان أن يبدوا أقوى من الصدمة من أجل منال التي استدعت حالتها إحضار الطبيب، فهي لم تعد تأكل ولا تشرب، فكانت دائما تائهة بعيون حزينة، الطبيب يؤكد لهم بضرورة وقوفهم بقربها وأن لا تترك وحيدة حتى لا تفكر في الصدمة باستمرار خصوصا أنها لحد الآن ليست مصدقة أنها فقدت أمها للأبد، فهي لم تذرف ولا دمعة وهذا ما أخاف طارق وأبيه، كانت أكثر أوقاتها تقضيها بجانب البحر الذي لا يبعد كثيرا عن المنزل، تذهب إلى البحر وتجلس على الشاطئ تائهة بعيون حزينة منتظرة أمها.
***
ليلى أخذت عطلة لكي تقسم وقتها في النهار بين منزل عائلتها ومنال، أما بالليل فطارق كان يتناوب هو وأبوه علي البقاء بجانب منال حتى تنام فيغادر الغرفة، ذات مرة طارق وهو جالس على الأريكة بغرفة منال، التي كانت مستلقية على سريرها...لم تكن قد نامت بعد فعيونها كانت ملتصقتان بالنافذة، طارق أخذه النوم لبضع دقائق، منال تدرك من خلال النافذة شبح أمها يطلب إنقاذها، فنهضت بهدوء وخرجت... طارق وهو يتصارع مع النوم فوجئ بسرير منال فارغا...فنهض كالمذعور ليفتش عنها خارج الغرفة، ذهب إلى غرفة أبيه الذي كان يؤدي صلاة العشاء...فنزل معه إلى الطابق السفلي بحثا عنها ... فقال الأب وهو يبتلع ريقه:
- أتكون ذهبت في عز الليل إلى ...
ولم يترك طارق أباه يكمل كلامه وصوب نظره إلى الباب الذي اكتشف أنه مفتوحا، ثم خرج يجري بسرعة نحو البحر.
وما إن وصل إلى الشاطئ وأبصر مكان وجودها...حتى راح يقترب منها بهدوء...ثم ركع أمامها حيث كانت جالسة...ومد يده لها بكل حنان، فقامت ورجعت معه إلى البيت بكل هدوء وصمت.
***
في الصباح أحضر الدكتور وأعلمه بأنّها لا تنام إلا قليلا وقليلا جدا. الدكتور وهو يغادرهم، قدم لطارق وصفة طبية بعد أن طمأنهما أن الدواء الذي سيشتريه لها سيكون له مفعول لا بأس به وسيساعدها على النوم، طارق لما وصل إلى الشركة ذهب إلى مكتب المدير ليطلب منه السماح له بالغياب لمدة ساعة لإحضار الدواء لأخته، المدير يسأل طارق عن حال منال، وما إن أخبر طارق المدير عن خروجها صوب البحر بالليل...فاقترح عليه المدير بتغيير الإقامة بعيدا عن البحر، وكان رد طارق بكل احترام ولباقة:
- ...لا...شكرا...فأنا لا أريد أن أتعبك أكثر من اللازم فيكفي أنك تسمح لي بالخروج في أي وقت.
المدير يقوم من مكتبه ويقترب من طارق قائلا:
- لا يا طارق أنت تعرف جيدا أنك يدي اليمنى ويهمني راحتك وراحة عائلتك...فهناك شقة وفيلا مازالتا شاغرتان ويمكنك تغيير الجو لمنال بإحداهما، فهما بعيدتان عن البحر، أو على الأقل تبعدونها عن البحر لبضع شهور.
للمرة الثانية يبدي طارق تشكراته للمدير ويفهمه أن منال ليست بحاجة إلى ذلك، لاعتقادها أنها قريبة من المرحومة وفي الوقت نفسه يمكن مع مرور الأيام تتأكد أن البحر أخذ المرحومة للأبد.
***
غادر طارق الشركة، وذهب إلى أقرب صيدلية لإحضار الدواء، بعدها مر على ليلى بمنزلها، وفي طريقهما أبصرت ليلى أن الدواء به بعض الأدوية غير ضرورية حيث نزعتها وهي تقول:
- إنه دواء مهدئ، صحيح سيساعدها على النوم لكن ممكن تتعود عليه فتصبح مدمنة.
ويرد طارق:
- لكن منال بحاجة إليه، عطلة الشتاء لم يبق على نهايتها سوى يومان، وعدم نومها سيؤثر على حالتها النفسية أكثر فأكثر ثم على دراستها
وترد عليه ليلى:
- لا... لن أتركها لهذه الأدوية سأضاعف من وجودي معها، سأقضي الليل معها.
ويقاطعها طارق:
- لا...لا يا ليلى يكفي أنك أخذت عطلة من أجلها، يكفي النهار الذي تقضينه معنا، ثم لا تنسي كلام الناس
وردت عليه:
- وهل كلام الناس أهم من صحة منال.
ورد طارق بسرعة:
- طبعا صحة منال هي الأهم، لكن سمعتك هي الأخرى مهمة وأنا أرى إن كنت مصرة على أن تمضي الليل معها فمن الأحسن أخذها معك لبعض الأيام.
- طبعا إنها فكرة رائعة، بل يسعدني ذلك جدا جدا فأنت لا تتصور معزة منال عندي.
ابتسم طارق وقال:
- وأنا لا أشك في ذلك.
***
اصطحبت ليلى معها منال، ورغم أن ليلى كانت تحاول بقدر الإمكان رسم الابتسامة على وجه منال، إلا أن منال كانت قليلة الكلام وتفضل دائما البقاء بالغرفة لوحدها بين الدفاتر وأفكارها التائهة، طارق وليلى لم يتخليا عن عادتهما فكانا يمران على المدرسة في أوقات خروج منال رغم علمهما المسبق أنها لم تعد تركب معهما، منال تخرج من المدرسة بخطوات بطيئة دون أن تلقى بنظرها كما في السابق على مكان وقوف سيارة طارق، طارق وليلى وهما بالسيارة يتأملانها وهي تسير لوحدها ... نطق طارق:
- هل تتذكرين أول شيء كانت تفعله لما تخرج من المدرسة؟
وراح تفكير ليلى إلى الماضي، يوم كانت تخرج منال بصحبه مجموعة من زميلاتها وهي في كامل سعادتها ومرحها فبعد أن تتركهن، ولما تقترب من السيارة، تنظر إليهما ثم تبتسم وتتابع طريقها، طارق يقلع بالسيارة ليقترب منها قائلا:
- من فضلك يا آنسة نحن غرباء عن المدينة ممكن مساعدتنا في البحث عن عنوان مقصدنا.
وترد عليه منال:
- وإلى أين مقصدكما ؟!
وينطق طارق:
- شارع أحمد عرابي نادي الجنينة.
تبتسم منال وهي تقول:
- ممكن ... وأمري لله.
وتنطق ليلى:
- إذن تفضلي لتركبي.
وانطلقت السيارة وهم في كامل السعادة ... تعود ليلى من الخيال والماضي السعيد إلى الواقع الحزين، وقد اغرورقت عيناها بالدموع وقالت:
- لم أكن أتصور أنه سيأتي يوم وتحرمنا فيه من ابتسامتها الدائمة ومزاحها.
تقلع السيارة باتجاه النادي الذي كانوا يقصدونه بصحبة منال... جلسا بإحدى الطاولات المقابلة لملعب التنس ... طارق يلقي بنظره نحو ملعب التنس فتذكر منال، ذات مرة وهما في نفس النادي وعلى نفس الطاولة...تمر فترة على لعب منال...تركت الملعب واقتربت من طاولتهما، كان كأسها فارغا وكأسيهما مازال مملوءين مدت يدها وشربت ما تبقى في الكأسين ... وينطق طارق ضاحكا:
- متى يأتي اليوم الذي نغادر الطاولة تاركين الكؤوس بها بعض الشيء؟
وترد عليه منال:
- يوم ندخل النادي ويحضر النادل المشروب ويقول لنا بالهناء والشفاء المشروبات مجانا...
تضحك ليلى وتقول:
- فعلا يا منال ما تقولينه صحيح.
يعود طارق من الخيال إلى الواقع على صوت ليلى التي قالت:
- أنا في أشد الشوق إلى ابتسامة منال...إلى مزاحها وإلى نكتها... إلى ضحكتها.
ويرد عليها طارق:
- كلنا بشوق إليها رغم وجودها بيننا.
ثم تنهد بعمق وتابع يقول:
- أمي رحلت وأخذت معها ابتسامة منال...حتى حسها بالبيت والمدرسة.
وراح طارق يتذكر يوم حضر كالعادة مع ليلى بانتظارها بالمدرسة، ولما ركبت قالت لهما:
- نفسي ومنى عيني تنسوني ولو مرة.
وردت عليها ليلى:
- لكن لماذا في الأول كنت تحبين مصاحبتنا ؟ والآن...!
وتقاطعها منال:
- زمان... لما كنت صغيرة.
ابتسمت ليلى باندهاش وتبادلت النظرات مع طارق ثم قالت:
- معقول من سنة فقط كبرت.
ردت منال:
- أكيد فيه كلام يقال بين اثنين، وعلى الثالث الذي هو حضرتي أن يبتعد عن الاثنين الذين هما حضرتكما.
وتفاجأ منال بطارق ينطق قائلا موجها كلامه لليـلى:
- أحبك.
وترد عليه ليلى بصوت كله رقة وحنان متجاهلة منال:
- وأنا أيضا يا حبيبي.
كانت لحظتها منال في كامل دهشتها حيث نطقت موجهة كلامها لطارق:
- طارق ماذا حدث لمخك ألا تستحي من أختك الكبيرة؟
يضحك الجميع … يصلون إلى النادي ...
يعود طارق من الخيال إلى الواقع وقد امتدت يد ليلى تربت على يده بعد أن أدركت سبب سرحانه، في حين نطق بصوت حزين:
- تصوري كل المدرسة حزينة من أجلها.
المدير الذي تعود على أن ترأس منال الأنشطة الثقافية التي تقدم بآخر السنة، تصوري حتى العاملة التي تحرس بوابة المدرسة قالت لي بالحرف الواحد أنها اشتاقت إلى حيلها والحجج التي تخترعها من أجل الخروج وإحضار الحلويات من الدكان المقابل للمدرسة، أما الأستاذ شعبان الذي يوميا يشتكى من سلوكها تصوري ماذا قال لي:
- مستعد أن أتحمل كل ألاعيبها التي ترحم والتي لا ترحم مقابل عودة ابتسامتها ونشاطها وذكائها وحيويتها داخل القسم...
***
وما إن غادرا النادي واقتربا من البحر، كانت منال بمحفظتها تنظر إلى البحر بعيون تائهة، قالت منال تكلم نفسها «لقد وعدتك أن أنتظرك... وسأنتظرك حتى لو تأخرت لدي إحساس قوي بأنك ستعودين وتحضنيني بقوة».
***
طارق وليلى كانا داخل السيارة، قال طارق وهو ينظر إلى الساعة:
- دائما على هذا الحال لا تمل من الوقوف والانتظار في ذلك المكان حتى لو مر عليها أكثر من ساعتين.
***
منال بالغرفة تحضر حقيبتها ... دخلت ليلى وما إن رأتها تحضر الحقيبة قالت لها بصوت حنون:
- هل القمر أغضبناه في شيء أو قصرنا في حقه؟
وترد منال بملامح حزينة وعيون تائهة:
- لا... بالعكس ... كل الحكاية أنني أرى من الأفضل أن أعود إلى البيت فأبي وطارق لوحدهما وبحاجة إلى وجود ست بيت بالمنزل، خصوصا وأن أمي تأخرت كثيرا... كثيرا.
اقتربت منها ليلى بعد أن أدركت جيدا كلامها وحضنتها بحنان وحب وقالت في صمت «آه لو تدركين أن تأخرها هذا إنه تأخر للأبد»، تبتعد منال من حضنها بكل رفق قائلة بصوت حزين:
- أعرف أنها رحلت وأن البحر أخذها مني للأبد، لكن صدقوني لو قلت لكم بداخلي إحساس عميق وغريب، إنه يؤكد لي أنها ستأتي لتحضنني بقوة، كلما حاولت أن أغمض عيناي أرى صورتها وهي تخرج من البحر وتردد قائلة «سامحيني...سامحيني»، وكلما حاولت الاقتراب منها لأرتمي في حضنها تعود إلى أعماق البحر وتظهر مكانها صورة امرأة كأنها ملاك أصغر منها سنا شعرها أسود ملامح وجهها لا أستطيع أن أحددها فهي تجد صعوبة في الاقتراب مني وبدوري أجد نفسي عاجزة عن الاقتراب منها، بعدها تبتعد لتختفي وهي تردد «سأعود، سنلتقي مهما طال الزمن ولن أتركك مرة ثانية».
تقترب منال من ليلى وما إن اكتشفت دموعها على خديها حتى مدت يدها بكل حنية لتمسح لها دموعها قائلة بصوت حزين:
- لا تبكي يا ليلى، أمي ستعود وما ٍرأيته في المنام معناه أومن المحتمل أن تكون جرفتها مياه البحر إلى إحدى الشواطئ، وقد تكون فقدت الذاكرة، لذلك ستتأخر في العودة ... أليس كذلك؟
ولم يكن أمام ليلى سوى أن تحتضن منال وقد اختنق صوتها بالبكاء.
منال بصحبة ليلى حاملة حقيبتها، قالت أم ليلى لما أبصرت منال:
- هل ستتركيننا بعدما تعودنا عليك ؟
وترد منال وهي تقترب منها وبصوت كله رقة وحنان:
- بل أنا التي تعودت عليكم أكثر من أي وقت مضى، وأعدك أن أمر على زيارتك يوميا.
وتحاول ليلى أن تكسب الجو ابتسامة فرح وسعادة فقالت:
- أمي أنت شاهدة عليها قالت بالحرف الواحد أنها ستزورنا يوميا وإذا حادت عن القاعدة سنخاصمها.
ويبتسمن ثم يضحكن في سعادة ...
***
ذات مرة ... كان الأب بالجنينة كعادته، منال جالسة على بعد أمتار منه وأمامها كتبها ودفاترها المفتوحة لكنها كانت تائهة وكأنها تفكر في شيء ما، يقترب منها الأب وقطف وردة وقدمها لها، فمسكت الوردة وراح خيالها إلى أمها التي كانت من عادتها كل صباح لما تخرج إلى الجنينة تقطف بعض الورود لتضعها في المزهرية وتنزع منها وردة لتقدمها لها، تعود إلى الواقع لتشكر والدها وهي تحاول أن تبتسم، ثم قامت من مكانها لتخرج من الجنينة متجهة نحو البحر.
***
طارق ما إن أنهى عمله حتى نظر إلى الساعة وخرج بسرعة ركب سيارته واتجه نحو المستشفى، ما إن وصل حتى كانت ليلى في انتظاره، وما إن ركبت حتى اعتذر عن تأخره بسبب أعمال كانت متأخرة...لكن ليلى ردت عليه:
- لا...لا داعي للاعتذار فأنا أعرف مشاغلك.
وما إن وصلا إلى النادي، أوقف السيارة، تبادلا نظرات حزينة...ثم نطقت ليلى:
- بيني وبينك، أصبحت لا أطيق الدخول إلى هذا النادي من غير منال.
ويرد طارق بصوت حزين:
- كان ناديها المفضل، فكيف إذن ندخله من غيرها.
وتنطق ليلى بصوت حزين:
- ليس لدي أخوات لكنني أحببتها كما لو كانت أختي، حرمني الله من الأخوات وعوضني بها.
ويرد طارق قائلا مسترسلا في الحديث بكل هدوء:
- وأنا أيضا ... حرمني الله من الأخوات وعوضني بها، يوم فقدت أختي سناء.
تستغرب ليلى كلام طارق ولما قرأ التساؤل في وجهها بادر في القول قائلا:
- نعم إنها الحقيقة التي لا تعرفها منال.
وراح يحكي لها قصة منال قائلا:
- يومها كنا نقطن بالجنوب، وبإحدى الضيعات ... كان بيتنا المتواضع، وفي عز الظلام حضر شخص ملثم، يمسك بيده صبية لا تتجاوز الأربع سنوات أو الخمس، تبكي خوفا وذعرا منه، وبيده الأخرى حاملا مسدسا، وما إن رأت أمي حتى ارتمت في حضنها، غادرنا بعد أن هددنا، ولأنّ الحرب بدأت حدتها، وشاء القدر أن نفقد سناء أختي فيها... ولأننا كنا في قرية نائية، فلم يكن أمامنا سوى انتظار عودته، لكنه لم يعد واستمرت الحرب واضطررنا إلى الهجرة … ومرض أمي أنسانا، أو بالأحر تناسينا موضوع منال ... لكن كان من المستحيل أن ننسى أنّ اسم سناء ليس اسمها الحقيقي، ومنال هو الاسم الذي كانت تردده يوم أحضرها ذلك الغريب، ومرت السنين وأدخلناها المدرسة باسم سناء...
***
طارق وهو يقلع بالسيارة من أمام النادي قال لليلى:
- هذه هي حكاية منال، ورغم مرور ستة شهور على المرحومة حاولت أنا وأبي أن ننفذ رسالة أمي، لكن يظهر أننا مضطرين أن ننتظر قليلا، ثم رأينا من الأفضل أن لا تعرف قبل أن نتأكد من حقيقة والديها.
وتنطق ليلى بنوع من الاستغراب:
- الآن فقط أدركت معنى إحساسها العميق الذي يؤكد لها بأن أمها ستعود لتحضنها بقوة.
***
منزل أبو طارق ... وهو بالجنينة رأى وجود موزع البريد فذهب نحوه، فطلب منه موزع البريد إمضاء لتسلم رسالة باسم ابنته سناء، أبو طارق يتسلم الرسالة في قلق، وراح يكلم نفسه وهو يقلب الرسالة على جهتيها:
- اللهم اجعله خيرا يا رب...
***
طارق ما إن وصل إلى البيت حتى استقبله الأب في قلق وهو يقول:
- يا للا افتحها بسرعة.
طارق يفتح الرسالة التي تسلمها من أبيه وراح يقرأ هو يقول لأبيه المتلهف:
- قلت لك من المدرسة، اطمئن هي فعلا تحصلت على معدل عشرة ونصف من عشرين ... لكنها نجحت.
فتنهد الأب وقال:
- أحمدك يا رب.
وينطق طارق وقد علق عيناه على الطابق العلوي:
- لم يكن معدلها يقل عن السابعة عشر.
ويرد الأب:
- إن شاء الله قبل أن تحل السنة الدراسية المقبلة تكون منال بين أحضان والديها.
وقبل أن ينهي كلامه سمعا دقات الباب، فذهب طارق لفتحه، وما إن فتح الباب حتى قدم الشاب نفسه بعد التحية قائلا:
- أحمد رضا، صحفي بمجلة شهرزاد، كلفت بإحضار هذا الظرف إلى الآنسة سناء عبد الله...أرجو إعلامها بأن موعد لقائها بالفنانة أمال حسني هو يوم عشرين جويلية، أي بعد أسبوع.
وينطق طارق باندهاش:
- قلت الفنانة أمال حسني!
ويرد الصحفي مبتسما:
- لقد اختارت الفنانة أمال حسني، وهذا من حق الناجح في المسابقة الشهرية للمجلة، يقضي أربعة وعشرون ساعة مع الفنان أو الفنانة المفضل لديه، ونحن ما علينا سوى الاتصال بالفنان ونبلغه رغبة المعجب لترتيب الموعد.
قبل أن يغادره الصحفي تراجع ثم قال:
- المفروض كان سيتم اللقاء في عطلة الشتاء لكنها هي طلبت التأجيل إلى عطلة الربيع ... لكن صادف أن عطلة الربيع بالنسبة للفنانة انشغالها بأحد أفلامها ... فكنا قد أرسلنا لها رسالة اعتذار وفي الوقت نفسه وعدناها بأن نحاول أن نحدد موعد لقاء في عطلة الصيف باعتبارها طالبة كما طلبنا منها أن تراسلنا إذا طرأ طارئ في عطلتها، لكن لم تراسلنا، ولأنها قارئة ومشاركة للمجلة فكان لابد أن نسأل نحن عنها لعل المانع خير.
يحاول طارق أن يبتسم قائلا:
- لا... إن شاء الله ستكون في الموعد ...
طارق وهو يغلق الباب حاملا الظرف وهو في حالة استغراب واندهاش، ما إن رآه أباه على تلك الحال حتى اقترب منه وقال:
- ما بك؟ من الطارق؟ ماذا حدث؟ تكلم!.
وفي الأخير ينطق طارق:
- منال طلبت لقاء أمها
يرد الأب في اندهاش:
- ماذا تقول؟
ويدرك طارق نفسه فيصحح قائلا:
- أقصد أن منال اختارت أن تقضي أربعة وعشرون ساعة في ضيافة الفنانة أمال حسني.
***
منال بغرفتها ... جالسة على السرير وأمامها صورة أمها تنظر إليها بعيون حزينة، وراحت تكلمها في صمت «مازلت أنتظرك، قلت ستعودين لتحضنني لكن أرى أنك تأخرت أكثر من اللازم...»، بالأسفل في الصالون حيث طارق كان مازال يتكلم مع أبيه ومرة على مرة يرفع رأسه إلى الطابق العلوي، قال له الأب:
- لا.. اطمئن فهي أكيد ستوافق، إنها فرصتنا التي هبطت من السماء.
ويرد عليه طارق بارتياح:
- أحمدك يا رب ... إنها الفرصة التي أردنا البحث عنها فجاءت إلينا على طبق من ذهب ... لكن الذي فهمته من الصحفي أن منال نجحت في هذه المسابقة قبل عطلة الشتاء يعني أيام وجود المرحومة بالمستشفى وأجلتها طبعا لهذا السبب....لكن هذه المرة...
ويقاطعه الأب قائلا:
- لا... يجب أن نقنعها بالسفر حتى لو لم تكن هي أمها الحقيقية فإنها على الأقل فرصة لتغير الجو، وأنا بصراحة أصبحت قلقا على حالها فكلما تسترجع ابتسامتها فلا يكون ذلك إلا لبعض الوقت لتعود من جديد إلى حزنها الذي أرى أنه سيطول لو بقيت على هذا الحال.
***
طارق يذهب إلى غرفة منال بعد أن استأذن بالدخول، كانت منال مازالت جالسة تائهة النظرات الحزينة جهة النافذة، اقترب منها وجلس وقال وهو يبتسم:
- يظهر أنك تريدين البقاء لوحدك، إذن علي الذهاب.
تحاول أن تبتسم لما أدركت وجوده ثم قالت:
- لا...أبدا...اجلس.
نطق طارق دون مقدمات:
- منال يسعدني أن أنقل لك مفاجأتين سارتين.
وترد عليه دون أية رغبة ملحة:
- وهل مازالت في الدنيا مفاجأة سارة.
يدرك طارق ردها، فتغيب ابتسامته ثم يعيدها قائلا:
- أولا لقد نجحت في الانتقال إلى السنة الثالثة ثانوي ... يعني البكالوريا أصبحت على الأبواب.
وتابع قوله:
- أما المفاجأة الثانية...
وتوقف وفضل أن يقدم لها الظرف...
راحت منال تفتح الظرف بهدوء، وراحت تتجول بعينها في سطور تلك الرسالة ثم رفعت رأسها دون أن تنطق بكلمة لكن طارق أدرك عدم اهتمامها بالرسالة، منال راح خيالها إلى الماضي وبالضبط أمام كشك المجلات، فراحت تقلب مجلة شهرزاد التي اشترتها بسرعة وما إن وصلت إلى صفحة المسابقة، حتى توقفت أنظار صديقاتها نحوها ... في حين نطقت إحداهن بقلق:
- يا للا ... نعم ما هي أخبار المسابقة.
منال تشعر بخيبة أمل ثم راحت ترمي بالمجلة لإحدى صديقاتها، ثم تنطق قائلة بنوع من التحدي:
- وراءك ... وراءك يا مسابقة.
ونطقت إحدى الصديقات:
- قول لي يا منال، لو نجحت في المسابقة من ستختارين من الممثلين؟
وجاء الرد من طرف صديقة أخرى:
- أكيد ستختار الفنانة أمال حسني.
وفي سعادة وابتسامة ردت منال:
- وسأضرب عصفورين بحجرة، سأختار الفنانة أمال حسني وسأرى معها أكيد زوجها الفنان سامي عبد العزيز، لكن يا رب ... متى؟ متى أنجح في المسابقة ؟!
وتعود منال من الماضي القريب إلى الواقع الأقرب، على صوت أخيها وهو يناديها وما إن تنبهت لصوته حتى نطق بصوت كله رقة وحنان:
- إنها المسابقة التي يا ما حلمت بها وكنت تتمنيها.
وردت بصوت حزين:
- كنت، لكن الآن لم يعد لها لزوم.
ويرد طارق محتجا:

هناء12 05-08-11 01:25 AM

لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها
 

الجزء4:

- لا...لا يا منال حبيبتي أنت يجب أن تغيري جو، ثم أمي أكيد غاضبة من الحالة التي عليها.
وتنطق بصوت حنون:
- أمي ! ...
وينطق طارق بصوت كله رقة وحنان:
- أنت وأمي كنتما لنا كل شيء، أمي رحلت، وبقيت لنا أنت فقط، أملنا الوحيد في هذه الدنيا...ابتسامتك وسعادتك هي سعادتنا... وحزنك تعاستنا.
منال تدرك دموع طارق فتمد يدها لتمسحها...في حين يتابع طارق كلامه:
- لكن أتساءل، هل قلبك الذي أحب أمي كل هذا الحب هو نفسه الذي يحبنا؟ أم هو قلب آخر؟
اندهشت من تساؤله وقالت:
- ماذا...تقول ؟ ...
ويرد عليها:
- لو كان هو نفسه ... يجب أن تبرهني لنا ذلك.
لم تنطق وراح نظرها إلى الرسالة، تمر فترة صمت، طارق يقوم ليتجه نحو الباب فأوقفته قائلة:
- خلاص ... سأسافر.
يبتسم من ردها وتبادله الابتسامة، ثم يقترب منها...ثم يحملها ويحضنها بكل حب وحنان فحين تنطق منال:
- هو أنا لدي كم من أخ اسمه طارق حتى أخيب ظنه في.
***
طارق ما إن أعلم أباه بموافقة منال على السفر حتى ذهب طيران إلى المستشفى حيث ليلى كانت بعملها وما إن علمت بالخبر حتى تركت ما بيدها وهي في كامل سعادتها.
***
يوم السفر … بعد أن ودعت منال أباها وطارق وليلى، وقبل أن تتجه إلى المنطقة الجمركية بصحبة الصحفي، تقدمت منها ليلى وقدمت لها هدية، كانت عبارة عن آلة تصوير وقالت لها:
- لا أريدك أن تفوتي ولو لحظة مع الفنانة، يجب تصوير كامل للأربعة والعشرين ساعة.
تصعد منال سلم الطائرة بصحبة الصحفي أحمد رضا.
***
وما هي إلا بعض الساعات ويعلن قائد الطائرة عن اقترابهم من مطار الإسكندرية واستعدادهم للنزول، في تلك اللحظات تشعر منال بإحساس غريب وبنوع من القلق وهي تبلع ريقها...ينظر إليها الصحفي وكأنه أدرك شعورها فراح يربت على يديها مبتسما، فبادلته الابتسامة في راحة.
***
في فيلا الفنانة … الفنانة أمال حسني بغرفتها تساعد زوجها على إعداد حقيبته، الزوج أمام الخزانة المفتوحة، نطق قائلا:
- على كل، كلها يومين وأنهي التصوير بالقاهرة وألتحق بعطلتك.
وهو يقدم لها ملابسه لتضعها بالحقيبة تابع قوله:
- بالمناسبة، ألم تغيري رأيك فيما يخص مهرجان الجزائر الذي سيبدأ الأسبوع القادم؟
ويكون ردها:
- طبعا لا، فيكفي حضورك أنت، ثم أنا لا أريد أن أقطع من عطلتي ولو يوما، ولقد وعدت الأولاد أن أقضيها معهم.
ثم راحت تنظر إلى الساعة ... فنطق الزوج قائلا:
- لقد تأخروا أليس كذلك؟
وردت الزوجة:
- قد تكون الطائرة تأخرت عن موعد وصولها.
ثم تركته وهي تقول:
- سأذهب لأستعجل الأولاد ...
***
دخلت إلى غرفة ابنتها نورا، وهي صبية في حوالي العاشرة من عمرها كانت بصحبة مربيتها التي تساعدها على ارتداء ملابسها، وما إن أبصرتها نورا حتى قالت:
- ألم تحضر المعجبة بعد؟
وترد الأم:
- لا، ليس بعد.
في تلك اللحظات يدخل ابنها كريم الذي لا يتجاوز سن الثامنة فأعلم أمه وهو كله سعادة:
- خلاص أنا مستعد.
أقبلت أمه نحوه لتصلح له وضعية ربطة العنق، في تلك اللحظات يسمع صوت سيارة تتوقف بالجنينة ... قالت نورا التي كانت قريبة من النافذة:
- لقد وصلت بصحبة صحفي مصور.
الأم تخرج ... أثناء مرورها بالرواق نظرت إلى نفسها إلى المرآة ثم نزلت إلى الطابق السفلي.
الفنانة في كامل أناقتها وهي تنزل السلم، ما إن وصلت إلى الطابق السفلي حيث قاعة الاستقبال ووجود منال والصحفي أحمد رضا، تقدم الصحفي منها بكل احترام فبعد التحية قدم منال قائلا:
- الآنسة سناء عبد الله.
في تلك اللحظات تمر لحظات كانت عبارة عن نظرات متبادلة بين الفنانة والمعجبة، منال كانت في حالة اندهاش وكأنها غير مصدقة أنها أمام الفنانة أمال حسني بلحمها ودمها، لكن الفنانة تزيل عنها ذلك القلق والرهبة لما قامت ترحب بها بحرارة وسلمت عليها ومسكتها من يدها لترحب بها بالجلوس.
في تلك اللحظات كان الخادم نازلا بالحقائب وقد ظهر خلفه الفنان بصحبة ولديه


... حيا الفنان الصحفي الذي يعرفه كما سلم عليه وعلى ولديه، الفنانة قامت بتقديم الضيفة سناء لزوجها الفنان وولديها، الفنان ما إن سمع منبه السيارة بالخارج يستعجله، استأذن بالانصراف بعد أن تمنى للمعجبة سناء إقامة سعيدة.
سلمت الفنانة على ولديها وقالت لهما:
- قولوا للجدة الحنون تحضر لنا عشاء حلوا ولذيذا.
بعد لحظات يحضر الخادم المشروبات، بعدها ببضع دقائق يستأذن الصحفي بالانصراف لكي يلتحق بمكتب المجلة فتصافحه الفنانة قائلة:
- إذن لقاءنا بعد ساعة...
بعد خروج الصحفي، وبابتسامة ورقة تمسك الفنانة بيد سناء وباليد الأخرى حملت حقيبتها قائلة:
- الآن من حقك أن ترتاحي من السفر...
***
الفنان يصل بصحبة سائقه إلى الفيلا الريفية القريبة من البحر، فينزل ليفتح الباب على ولديه للنزول ثم يسلم عليهما ويودعهما على أن يلقاهما بعد يومين.
***
منال ما إن غيرت ملابسها، وقبل أن تخرج من الغرفة نظرت إلى الصورة المعلقة على الحائط ومن الحجم الكبير، كانت صورة الفنانة والفنان ثم قالت تكلم نفسها «معقول هل أنا في حلم أم في علم»، بعدها خرجت وأثناء مرورها بالرواق شد انتباهها صورة لصبية في حوالي السن الرابعة من العمر، ثم ابتسمت وقالت بصمت «أكيد نورا لما كانت صغيرة»، الفنانة ما إن خرجت من غرفتها وأبصرت منال حتى ابتسمت وقالت:
- معقول، كيف ارتحت في خمسة دقائق.
تلتفت سناء نحو الفنانة وهي تبتسم قالت:
- صراحة لا أريد أن أضيع ولا دقيقة ... فالأربعة والعشرين ساعة محسوبة علي بالدقائق، ثم لعلمك أنني انتظرت أكثر من سنة لأفوز بالمسابقة.

ابتسمت الفنانة وهي تنظر لسناء، فشد انتباهها عيناها ثم رفعت رأسها نحو صورة الصبية وراحت تنظر إلى عيون سناء وعيون الصبية ثم نطقت باندهاش وبهدوء:
- سبحان الله.
سناء تستغرب من نظرات الفنانة، فتنطق قائلة:
- هل ثمة شيء؟
تدرك الفنانة نفسها فتبتسم وتقول:
- إذن ما دام أنت مستعدة، هيا بنا.
نزلا إلى الأسفل، بعدها طلبت الفنانة من الخادم حمل حقيبة الرياضة، ومن السائق أن يجهز السيارة، بالجنينة كانت السيارة بانتظارهما، السائق بكل احترام يفتح الباب لركوب الفنانة والمعجبة، ثم يأخذ مكانه أمام المقود، أثناء سيران السيارة كانت الفنانة تشير إلى أسماء الأحياء والشوارع التي يعبرها ... كانت سناء سعيدة بوجودها بصحبة الفنانة، يصلا إلى إحدى النوادي الراقية فتطلب بعدها من السائق أن يعود إلى الفيلا، ما إن خطت بخطوات إلى داخل جنينة النادي حتى اقترب منها صاحب النادي واحد عماله ليتشرف بقدومها مع المعجبة وبكل احترام وجههما نحو أحسن ركن بالنادي ثم تركهما ليحضر بنفسه طلبتهما.
***
النادي بديكوره الأخضر شد انتباه وإعجاب سناء فراحت تتجول بنظراتها، الفنانة تبتسم وتشكر صاحب النادي الذي كلف نفسه بإحضار المشروب بنفسه، وبعد أن غادرهما، الفنانة تدرك أن سناء مازالت معلقة عيناها نحو كل أركان النادي فراحت تنادي عليها:
- سناء... سناء ...
لكن سناء رغم وجودها جالسة بالكرسي الذي أمام الفنانة إلا أنها لم تدرك صوت الفنانة وهي تنادي باسمها إلا في المرة الرابعة فاستدارت نحوها قائلة:
- أنا آسفة ...
وترد الفنانة بابتسامة:
- لهذه الدرجة أبعدك إعجابك بديكور النادي عنا.
وترد سناء مقاطعة إياها وبسرعة:
- ...لا...لا بالعكس كل الحكاية أنني لم أتعود على اسم سناء.
فقالت الفنانة باستغراب:
- غريب أليس سناء هو اسمك؟
وترد سناء قائلة:
- بلى ... إنه فعلا اسمي، بل واسمي الحقيقي المدون في شهادة الميلاد، لكن منذ طفولتي تعودت على اسم منال.
الاسم لم يكن غريبا على الفنانة فرددته بصوت كله رقة وحنان:
- منال ... !
في تلك اللحظات يقاطع خلوتهما حضور الصحفي أحمد رضا، وبدأت رحلة وبرنامج منال من النادي، حيث غيرا ملابسهما بملابس رياضية فراح يلعبان التنس وكانت ترافقنهما آلة تصوير الصحفي، خرجا من النادي على سيارة تابعة للمجلة ... في تجاه إحدى الفنادق الفخمة فتناولا الغذاء بمطعمها، ومع بداية الغذاء تركاهما الصحفي بعد أن أخذ لهما صور مع بعض ... وغادرهما على أن يلتقيا بعد الغذاء، بعد الغذاء كانت هناك استراحة بإحدى غرف الفندق لمدة نصف ساعة.
***
على متن السيارة نفسها وبصحبة الصحفي بدأت الجولة السياحية المسائية بإحدى المتاحف، ثم نحو أماكن سياحية أثرية ... في تلك الرحلة لم تنس منال أن تأخذ صور للفنانة بآلة التصوير التي أهدتها إياها ليلى، وفي الأخير يركبا السيارة، فيوصلوهما الصحفي بصحبة السائق إلى الفيلا الريفية حيث إقامة جدة الفنانة، ما إن نزلت منال حتى جذبها منظر البحر فاتجهت صوبه، بينما بقيت الفنانة تتبادل الحديث مع الصحفي حيث اتفقا على مكان السهرة.
وما إن أقلعت السيارة، واستدارت الفنانة بحثا عن منال فاستغربت من منال التي دخلت البحر ببضعة أمتار وركعت على ركبتيها دون حتى نزع الحذاء أو رفع سروالها إلى الأعلى قليلا، فراحت تقترب منها بخطوات هادئة ووقفت عند الشاطئ فأدركت أن منال سرحانة تنظر إلى البحر الذي يمتد إلى ما لا نهاية.
كانت منال تكلم نفسها بصوت حزين وفي صمت «لم أنساك ولن أنساك أبدا».
الفنانة تترك حذاءها بالشاطئ وتمسك التنورة بيدها إلى الأعلى قليلا، وراحت تقترب من منال ثم مدت يدها لترفع لها رأسها وما إن اكتشفت وجهها الحزين ودموع متحجرة حتى نطقت باستغراب:
- منال! ... ماذا حدث؟ ... ما بك؟
تقوم منال وهي تحاول أن تبتسم:
- لا ... أبدا ... لا شيء.
لكن الفنانة أدركت مدى حزن منال فراحت تقول:
- لا ... لا يا منال عيونك تقول غير ذلك.
وأمام إلحاح الفنانة وحتى تطمئن منال الفنانة بأن سبب حزن عيونها ليس له علاقة بهذه الزيارة، فنطقت وهي تنظر إلى البحر:
- البحر!...
ونطقت الفنانة:
- البحر! ... ما به البحر؟
وترد منال بصوتها الحزين:
- البحر أخذ مني أرق قلب في الوجود ... أخذ مني الصدر الحنون أخذ مني، أمي.
تشعر لحظتها الفنانة بحزن عميق وكأنها نادمة على إصرارها لمعرفة سبب حزن تلك العيون، بينما تابعت منال قائلة:
- ذهبت لتعالج بفرنسا، نجحت العملية وحددت لنا موعد عودتها، يأتي الموعد لكنها لم تأت في الموعد.....يظهر أن الباخرة فضلت أن تبق في البحر للأبد.
ثم تستدير نحو الفنانة وتتابع قائلة بصوتها الحزين:
- مر على المعاد أكثر من ست شهور ورغم أن الكل متأكد بأنها رحلت للأبد وأن عودتها مستحيلة إلا أن إحساس بأعماقي يريدني أن أنتظرها لتعيدني إلى أحضانها.
تحتضن الفنانة منال لتهون من حزنها العميق، في تلك اللحظات وفي الجهة الثانية من الفيلا كانت نورا وأخوها يتبادلان كرة التنس، كريم أطلق الكرة بعيدا...وما إن ذهب لإحضارها، حتى لاحظ حضور والدته بصحبة منال، فراح يهتف بفرح قائلا:
- لقد جاءت التي ستنقذني منك.
واتجه نحو سناء وطلب منها أن تمسك بالمضرب.
فقالت الفنانة:
- هي بحاجة إلى الراحة ... اتركها على الأقل تغير ملابسها.
تبتسم منال وتقول:
- حاضر... سأذهب معك.
وراحت منال تتبادل كرات ساخنة مع نورا، كان كريم يهتف بحرارة لصالح منال كلما تقذف بكرات صاروخية، الفنانة بقيت تتابعهم لحظات ثم تركتهم، وفي نهاية اللعب وقد ظهر التعب على نورا، توقف اللعب تبادلت منال ونورا التحية في حين يجري كريم نحو منال ليحيها، بعدها قالت نورا:
- والآن ما رأيك في لعبة المقالب؟
وردت منال:
- معقول! ألست متعبة؟
وصاح كريم:
- تعيش لعبة المقالب.
ونطقت نورا:
- إذا كنت يا سناء تعبة فلا داعي.
وتنطق سناء في سعادة:
- بالعكس ... أنا أشعر وكأنني لم أله وألعب من سنين.
واتجهوا نحو شاطئ البحر وجلسوا على الرمل وأحضر كريم قطعة خشبية وغرسها في الرمل ... فكانت اللعبة هي إزاحة الرمل من حول قطعة الخشب بالتناوب والذي يسقط الخشبة أثناء دوره يعاقب، ومن سوء حظ كريم أن سقطت الخشبة في دوره فاختارت نورا نوعا من العقاب كان عبارة عن الذهاب جريا إلى داخل البحر، حاول كريم نزع حذاءه فصاحت نورا قائلة:
- لا وأنت بالحذاء ...
ونطقت سناء:
- كوني رحيمة عليه فاتركيه ينزع الحذاء.
وردت نورا قائلة:
- لا إنها أصول اللعبة وإلا غير لها الاسم.
وما كان على كريم إلا أن ينفذ العقاب وهو يقول:
- حاضر، لكن صبرك علي.
وراح يجري والماء يتطاير حوله، وضحكات منال ونورا تعلو ... وحتى الأم وجدتها من خلال النافذة كانتا تضحكان من لعبهم، ورجع كريم واستأنفوا اللعب، وما إن سقطت الخشبة عند دور نورا حتى صاح مهللا بالانتقام قائلا:
- أما أنت فسوف تتراجعي قليلا إلى الوراء ثم تستعدي للدخول جريا نحو البحر ثم...غطسا.
ولم يكن أمام نورا سوى تنفيذ لعبة المقالب حيث خرجت من البحر في حالة يرثى لها، وكان كريم يكاد يسقط من الضحك وحتى منال كانت تضحك من أعماق قلبها وراحت تجري ورمت بنفسها في البحر، وضحك الكل لحالهم.
في تلك اللحظات تحضر الأم وتطلب منهم تغيير ملابسهم استعدادا لجولة على الفرس.
***
ركبت منال على فرس أبيض وأمامها نورا...وركبت الفنانة فرسا بنيا وأمامها كريم وراحوا يتسابقون على الشاطئ، وكان يظهر على منال استعادتها لسعادتها التي فقدتها منذ شهور.
***
حان وقت العشاء، وكان على الطاولة ... الفنانة وولديها وجدتها والمعجبة منال، الفنانة أرادت أن تقدم وتقرب إحدى الأطباق إلى منال، فراحت تنادي عليها باسم سناء، وفجأة تذكر اسم منال فقالت:
- لعلمكم أن سناء متعودة على اسم منال.
الكل تنبه للاسم الذي ليس بالغريب عنهم، حيث نطقت الجدة:
- اسمك منال ! ... ...
ابتسمت منال وراحت تحكي لهم عن الفرق بين اسميها سناء ومنال بينما راح خيال الأم الفنانة إلى البعيد وكان يظهر عليها أنها تفكر بعمق، حيث قالت لنفسها «اسمك منال...أليس هذا غريب! بل والأغرب من ذلك عيونك التي تشبه عيون منال حبيبتي...»، وهي تسمع حوارهم، كان سؤال من نورا موجها لمنال:
- ما رأيك يا منال في أمي؟
توقفت منال لحظة تأمل وقد شعرت بإحراج شديد أمام نظرات الفنانة كما أنها تبحث عن الكلمات المناسبة لهذا السؤال غير المتوقع.
- كأم، أم، كفنانة.
وينطق كريم:
- بل الاثنين ...
وبصوت متلعثم قالت منال:
- كفنانة، مهما قلت فهي فنانة نادرة، كما أنني لا أستطيع أن أعبر عن عظمتها فالنقاد والصحافيون قالوا الكثير عنها ومازالوا، أما أنا فيكفيني ويشرفني أن أكون واحدة من المعجبات بفنها، أما كأم ...
وقبل أن تتمم تتوقف لحظة ثم تبادلت النظرات مع الفنانة وأكملت تقول بصوت كله رقة وحنان:
- بصراحة لم أكن أتوقع لقاء فنانة هي أرق أم في الدنيا وأحن إنسان في الوجود.
ونطقت الفنانة:
- شكرا على هذه المجاملة.
وترد منال:
- بل إنها الحقيقة.
ثم حولت نظرها نحو الجدة وتابعت تقول:
- البركة في السيدة جدتك أكيد ...
وتبتسم الجدة التي كانت بجوارها وقالت:
- إذا كان هذا هو رأيك فعلا... وإن كنت ارتحت إلى ضيافتنا، فلابد للزيارة أن تتكرر أو على الأقل نرد لك الضيافة...
وصاح الأولاد بلهفة:
- ونحن من رأي الجدة الحنون.
وتنطق منال وهي تكاد لا تصدق ما تسمع:
- معقول هذا !...تأتون لزيارتي...وبالبيت.
وردت الفنانة بابتسامة لتزيل ذلك الاستغراب من على وجه منال:
- ولما لا... !؟
وردت منال بصوت حنون هادئ:
- صدقيني إنه شرف عظيم بالنسبة لي.
وتنطق الجدة وهي تربت على يد منال:
- إن شاء الله سيحصل ذلك.
وتنطق نورة مبتسمة:
- أعملي حسابك سنأتي كلنا.
وترد منال مبتسمة:
- وبيتنا سيسعكم كلكم، وإن لم يسعكم فقلبي سيسعكم جميعا.
وتنظر الفنانة إليها بنظرات كلها حنان ثم تدرك نفسها فتنظر إلى الساعة وتقول:
- جدتي، إنه معاد الدواء.
وقامت الفنانة لتساعد جدتها للصعود إلى الطابق العلوي حيث توجد غرفتها...ثم راحت تمدها الدواء بيديها.
***
منال وكريم ونورا ذهبوا إلى صالون الجلوس.
قال كريم:
- لكن لم تقول لنا رأيك فينا نحن، أنا ونورا.
ابتسمت منال ... وقالت:
- أقول رأيي بصراحة ولا تغضبا مني.
ونطقت نورا:
- بل سنغضب لو قلت لنا غير الحقيقة والصراحة.
ونطقت منال:
- قبل مجيئي كانت لدي فكرة خاطئة عن أولاد المشاهير، وأكيد كل المعجبين ولست الوحيدة، وهي أنني كنت أتوقع لقائي بكم على أن لكم مناخير إلى الأعلى وتتكلمون لغات أجنبية ولا تحبون مجالسة المعجبين.
***
في الطابق العلوي لما خرجت الفنانة من غرفة جدتها وما إن خطت قدماها أول السلم حتى توقفت لما سمعت بداية الحوار الذي كان بين منال وولديها، حيث قالت نورا:
- ما رأيك يا منال لو تبقي معنا يوما آخر.
وقبل أن ترد منال نطق كريم:
- نعم يا منال فنحن بصراحة أسعدنا لقاءك.
ابتسمت منال في سعادة وردت:
- تمنيت لو أبقى معكم... لكن ...
فتقاطعها نورا قائلة:
- إذن أكيد اشتقت إلى والدتك ...
في تلك اللحظات تحاول الأم وهي في الأعلى أن تنطق لكن رد منال أوقفها عن النزول وعن الكلام:
- أنا فعلا اشتقت إليها جدا ... جدا، لكن للأسف لا أستطيع أن أروي شوقي لها لأنها مسافرة وسفرتها ستطول للأبد.
ثم أدارت رأسها نحو نورا وكريم وأكملت تقول بصوت حزين:
- لن ترجع أبدا.
وأدركت نورا قصد منال من خلال صوتها ووجهها الحزين فنطقت:
- منال !...هي والدتك ...
وتقاطعها منال قائلة:
- نعم، لقد رحلت من ستة أشهر مضت.
ونطقت نورا:
- أنا آسفة، لم نكن نقصد بسؤالنا أن نذكرك بها.
منال تبتسم وهي تحاول أن تزيح من على وجه نورا وكريم إحساسهما بالذنب فقالت:
- بالعكس فأنتما لم تذكراني بها، فأنا لم أنسها ولن أنساها أبدا.
***
الأم في تلك اللحظات يظهر عليها أنها تأثرت بكلام منال لدرجة أنها لم تستطع إيقاف دموعها، لكنها تمسح دموعها وحتى تبعد ذلك الجو الحزين راحت تنزل مبتسمة قائلة:
- يا للا يا أولاد إنه موعد النوم.
ولم يكن أمام نورا وكريم سوى أن تمنيا لها سهرة ممتعة، ثم ذهبا إلى غرفتهما.
نظرت الفنانة إلى منال بابتسامة حنونة وقالت:
- أكيد تسمعين عن فنادق مصر وما تقدمه من سهرات لغاية الصبح.
وترد منال:
- أي فندق، المهم ...
وتتوقف لحظة عن الكلام فنطقت الفنانة قائلة:
- المهم تكوني بصحبتي، أليس كذلك.
وتابعت منال تقول:
- والليل يطول، ولا يأتي الصباح موعد توديعي لك.
لحظتها تشعر الفنانة مدى سعادة منال فقالت بدون مقدمات:
- إذن ما رأيك لو تبقي معنا أسبوعا وبالمرة نسافر مع بعض مع الوفد المتوجه إلى الجزائرلحضور مهرجان الأفلام العربية.
وترد منال بكثير من الدهشة:
- إنه شرف عظيم لي، بل إنه حلم حياتي أن أبقى معك يوم، فما بالك بأسبوع...
قالت الفنانة وهي تمسك بكلتي يديها يدي منال:
- بل إنها الحقيقة، ولعلمك إنّ المهرجان هذا رغم أنني كنت جد فخورة لحضوره، إلا أني كنت سأعتذر لظروف خاصة … ولكن سامي طلب مني التريث في الاعتذار، ويظهر أنّه كان على حق، سأحضره بإذن الله، سأكلم الصحفي ليذهب بنفسه إلى والدك ويعلمهم عن تأجيل موعد عودتك.
***
يبدأ الأسبوع بأيامه الحلوة، فكانت منال جد سعيدة وهي تزور أماكن عدة بصحبة الفنانة وولديها، فكانت سعادتها لا توصف وهي تقلب صفحات مجلة شهرزاد التي نشرت لها حوارا أجراه معها الصحفي بمناسبة لقائها بالفنانة مصحوب بصور لها مع الفنانة، المجلة نفسها كانت بين يدي طارق وليلى فكانا سعيدان وهما يقدمان المجلة لأبي طارق الذي ما إن رأى صورها مع الفنانة حتى اغرورقت عيناه بالدموع.
***
وجاء صباح اليوم الذي ستسافر فيه منال بصحبة الفنانين، وكانت منال قد أعلمت عائلتها بموعد حضورها في اليوم الموالي لذلك التاريخ، وتصل الطائرة إلى الجزائر العاصمة، وأمام المطار كانت سيارات خاصة تابعة لإحدى الفنادق حضرت لحمل الوفد المصري، وركبت منال بصحبة الفنانين.
***
يصل الوفد إلى إحدى أفخم الفنادق، نزل الفنان وزوجته، وبقيت منال بالسيارة بعد أن اتفقت مع الفنانة على اللقاء في مساء ذلك اليوم ...
***
تصل السيارة إلى منزل منال، وينزل السائق ليسلم لها حقيبتها، وهي تخطو خطوات إلى داخل الجنينة وما إن أبصرها أبوها حتى توقف وتبادل معها نظرات وكأنه غير مصدق ما تراه عيناه، تترك منال الحقيبة أرضا وراحت تجري نحوه، وتعانقا في حب وشوق، بعدها سألت عن طارق وليلى فقال لها:
- طارق في الشركة، أما ليلى كما تعلمين يوم الاثنين يوم عطلتها.
***
على جناح السرعة وصلت إلى منزل ليلى، دقت الجرس، ليلى بالداخل تركت ما بيدها من صحون كانت ترتبها بالمطبخ وهي ذاهبة لفتح الباب كانت تقول:
- معقول هل أنهيتم الزيارة بهذه السرعة... ؟ (وكانت تقصد والديها).
فتحت الباب ورجعت في تجاه المطبخ حتى دون أن تلقي نظرة عن الطارق وكأنها متأكدة من أن الطارق تعرفه وليس بحاجة إلى الترحيب به إلى الداخل، لكن منال تبقى بمكانها مبتسمة وبنوع من المزاح قالت:
- معقول تفتحوا الباب على الضيوف وتتركونهم على الباب
ليلى تدرك أن الصوت ليس غريبا عنها بل وتكاد لا تصدق ما تسمعه أذنيها، فتستدير نحوها وباندهاش تنطق قائلة:
- منال ! ...
ويجريان نحو بعضهما ويتعانقان بحرارة، بعدها تسألها ليلى:
- لكن المفروض غدا هو موعد حضورك.
وردت منال:
- كان يجب أن أعملها مفاجأة لكم.
ثم راحت تسأل عن أم ليلى وأب ليلى فكان رد ليلى بأنهما ذهبا لزيارة خفيفة لخالتها ... ثم تابعت قولها:
- يا لله احكي لي عن لقائك بالنجمين.
وكان رد منال:
- سأحكي لك كل شيء بالتفصيل، المهم الآن أن تعملي حسابك على العشاء لأن الفنانين مدعوين عندنا الليلة.
وردت ليلى باندهاش:
- الفنانان مدعوان عندكم وأنا سأكون حاضرة وسأراهما.
وردت منال مبتسمة وممازحة:
- نعم ستكونين حاضرة لكن ليس كضيفة بل كرئيسة مطبخ (تضحكان).
***
تنزل منال بصحبة ليلى في تجاه الشركة، وما إن وصلا إلى باب الشركة حتى توقفت منال وكأنها تذكرت شيئا مهما فراحت عيناها إلى غرفة الهاتف التي بالرصيف المقابل، قالت ليلى:
- يا للا بنا نصعد.
وردت منال وهي تمسك بيد ليلى نحو غرفة الهاتف:
- يا لله اتبعني.
منال تدير أرقام الهاتف بعد أن وضعت قطعة نقدية، رفع طارق السماعة:
- ألو هنا شركة بيع وشراء المنازل الجاهزة.
فردت عليه منال وهي تحاول رفع صوتها:
- طارق أنا منال، هل تسمعني؟
يشعر طارق لحظتها بسعادة كبيرة وهو يرد عليها:
- نعم يا منال كيف حالك...
وردت منال:
- بخير والحمد لله، ليكن في علمك أنني وصلت الآن وأنني أنتظرك بالمطار.
لحظتها تضحك ليلى وتشعر بسعادة كبيرة كون منال رجعت إلى حالتها الطبيعية، أما طارق فيقوم من مكانه بسرعة وهو يقول لها:
- أنا آت على جناح السرعة، انتظريني.
ترك السماعة وهو كله سعادة وذهب إلى مدير الشركة ليستأذن بالخروج، طارق وهو نازل من السلم يلتقي بليلى صاعدة فيمسكها من يدها وهو يقول:
- هيا بنا، منال تنتظرنا بالمطار.
وبسرعة يصل إلى سيارته، يركب ويفتح على ليلى بالركوب وهو دائما في حالة قلق، وما إن أدار مفتاح السيارة ليقلع حتى سمع صوتا ليس بالغريب عنه:
- ممكن حضرتك توصلني في طريقك ...
وما إن رفع رأسه بهدوء حتى كانت منال، فنظر لها مندهشا ثم ابتسم ابتسامة تدل على انتصار منال عليه، ثم يخرج ليحضن منال في سعادة.
***
على طاولة العشاء، كانت الفنانة وزوجها... طارق وأبو طارق وليلى ومنال...يتناولون العشاء ويتبادلون أطراف الحديث، قالت الفنانة لأبي طارق:
- أرى أنك الوحيد الذي تتحدث اللهجة الفلسطينية خليطا باللبنانية.
وكان رد أبو طارق:
- كيف أنسى لهجة بلدي... ؟
وكان رد الفنانة:
- إذن أنتم من أصل فلسطيني أم لبناني؟
استرسل أبو طارق في الحديث بصوت حزين قائلا:
- هاجرنا فلسطين بعد أن شرد وقتل الإسرائيليون عائلتي كلها، فاستقريت أنا وزوجتي بلبنان لكن يشاء القدر أن يزداد لهيب الحرب الأهلية فاضطررت إلى الهجرة نحو الجزائر.
ولما أدرك طارق أن أباه اندمج في جو حزين وهو يحكي ويتذكر لبنان وفلسطين، فنطق قائلا:
- إن شاء الله سيأتي اليوم الذي نعود فيه إلى وطننا الحبيب.
في تلك اللحظات تنطق ليلى:
- يا خبر... لقد نسينا المفاجأة
ونطق طارق وهو ينظر إلى منال:
- صحيح لقد نسينا مفاجأة منال.
وقام طارق باحترام وأمر الكل بالوقوف والصعود إلى الطابق العلوي حيث غرفة منال، كانت الغرفة مزينة بالورود والمصابيح الخافتة ومن كل لون وعلى مكتبها وضعت قطعة حلوى كبيرة تزينها الشموع، ونطق طارق قائلا:
- صحيح هوعيد ميلادك مر عليه أربعة أيام لكن كنا نعرف أن وجودك مع الفنانة وسعادتك معها أنساك هذا اليوم، لذلك لم نريد الاتصال بك لنذكرك به.
وتابعت ليلى قائلة:
- ثم كيف نذكرك ووجودك مع أعظم فنانين.
ثم راحت ليلى تقدم علبة كهدية كانت عبارة عن ساعة، سلم بعدها طارق هدية كانت عبارة عن دب أبيض من الحجم المتوسط وطلبا من منال أن تضغط على الزر فنطق الدب «كل عام وأنت بخير»، الهدية أضحكت الجميع، الفنانة تتقدم من منال وقالت:
- رغم أنني فوجئت بعيد ميلادك ... لكن أرجو أن تتقبلي مني هذه الهدية المتواضعة.
وراحت تنزع خاتما ذهبيا من إصبعها... لكن منال أوقفتها قائلة:
- لا... أرجوك يجب أن تعرفي أن وجودك ووجود الأستاذ سامي هو في حد ذاته هدية لعيد ميلادي.
ونطق أبو طارق:
- فعلا ... فقضاؤها أسبوعا كاملا في ضيافتكم ثم حضوركم وقبولكم الدعوة لا بد أن يكون أجمل وأعظم هدية في عيد ميلادها.
ويتابع طارق قائلا:
ولعلمكم تعمدنا الاحتفال بعيد ميلادها في حضوركما حتى يكون بالفعل أجمل عيد ميلاد في حياتها.
وراح يأخذ لهم صور تذكارية، لكن الفنانة تصر في الأخير على أن تقبل منها منال الخاتم كهدية.
أما الفنان سامي فقال:
- أما أنا فأعدك بأن هديتي ستصلك غدا.
لكن منال تضحك ثم تقول:
- لكن أنا هديتي لن أنتظرها لغاية الغد.
وقصدت درج المكتب وأخرجت منه صورة له وقلما وطلبت منه أن يكتب لها إهداء بهذه المناسبة، وغنوا جميعا أغنية عيد ميلاد سعيد، وحاولت منال إطفاء الشموع لكن لم تفلح ... فقالت ليلى:
- أيعقل أنك عجزت عن إطفاء ثمانية عشر شمعة
انتبهت الفنانة جيدا لسن منال.
في منتصف الليل وقبل أن تغادر الفنانة وزوجها الفيلا قالت لأبي طارق:
- ممكن تسمح لمنال بزيارتي؟
وكان رد أبو طارق:
- أنت لا تطلبين بل تأمرين، لأنك لا تتصوري مدى سعادتي في كون منال رجعت لها ابتسامتها بفضلك ...
***
أوصل طارق الفنانين على متن سيارته إلى الفندق.
الفنانة لم تنام تلك الليلة، خرجت إلى الشرفة ... وجلست على ضوء القمر تائهة الأفكار تتذكر يوم قالت لها سناء بأن اسمها منال، تذكرت أبا طارق الذي قال لها أنه من أصل فلسطيني وعاش بلبنان ... وتذكرت سن منال، بعدها قالت تكلم نفسها في صمت «معقول ... يحدث هذا... كل هذا التشابه صدفة»...
***
حضرت الفنانة وزوجها مع الوفد إلى افتتاح المهرجان، وكان الفنان من أعضاء لجنة متابعة أحسن الأفلام، وكانت نهاية الافتتاح مصحوبة بتصفيقات حارة من طرف الجمهور الغفير المتعطش لمهرجان الفن السابع، الفنانة في غمرة تلك التصفيقات


الحارة... تخرج ... لكن وصولها إلى سيارة الفندق كان بصعوبة نظرا لتجمع المعجبين خارج القاعة ومتابعة الصحافة والمصورين لها، لكن بمساعدة الحراس ورجال الشرطة تركب السيارة في تجاه الفندق، وما إن وصلت حتى غيرت ملابس حفل المهرجان بملابس خفيفة وكذا غيرت تسريحة شعرها وكذا ارتدت نظارات سوداء ... وبصحبة سائق سيارة الفندق تصل إلى منزل منال.
وما إن وصل الفنان إلى الفندق حتى أعلمه بالرسالة الشفوية عامل الاستقبال بذهاب الفنانة عند الآنسة منال، الفنان وهو يتجه إلى غرفته ... قال لعامل الاستقبال:
- إذا سأل علي أي أحد فليكن ذلك بعد ساعة.
***
ركبت منال بصحبة الفنانة إلى خلف السيارة، قالت الفنانة وهي في كامل سعادتها:
- إلى أين تودين أن تكون جولتنا ؟
وترد منال:
- السؤال هذا أنا التي أوجهه لك، لأنك أنت هنا بضيافتنا ببلدنا.
قالت الفنانة مبتسمة:
- حاضر، من فضلك إلى أي مكان جميل ومريح.
وذهبتا معا، وكانت الجلسة بالنادي التي تعودت منال الذهاب إليه بصحبة طارق وليلى.
***
وتبدأ أيام المهرجان تتوالى، الفنانة في الأول كانت لا تغادر المهرجان إلى حين ينتهي، وبعده بأيام كانت تغادره قبل نهايته ... وكان الصحفيون والمصورون يتهافتون على محاورتها وأخذ أحدث صورة لها، فبعد أن كانت في الأول تعطيهم وقتا لذلك ... أصبحت تنزعج منهم كونهم يؤخرنها في الذهاب للقاء منال، لذلك اتفقت مع السائق وحارسها الخاص أن تكون السيارة بانتظارها بإحدى أبواب القاعة البعيدة عن أنظار الجميع، وكان دائما لقاؤها بمنال إما بالمنزل أو الفندق أو بأحد النوادي حيث تنتظرها، وكانت الفنانة تبدو في أوج سعادتها حين تلتقي بمنال، الفنان لم يتأكد من تعلق الفنانة بمنال إلا مع اقتراب نهاية المهرجان.
***
منال بعد أن تركت الفنانة، تعود كالعادة في كامل سعادتها إلى البيت وهي تحكي لأبيها وطارق عن ذلك اليوم الذي قضته مع الفنانة بكل تفاصيله، بعدها تغادرهما نحو غرفتها... ولما انفرد طارق بأبيه قال بصوت خافت:
- إذن لابد أن نصارح الفنان وزوجته بحقيقة منال.
ويرد أبو طارق:
- لا، ليس الآن.
قال طارق:
- هل نسيت، المهرجان بقي عليه ثلاثة أيام وينتهي ثم إنها فرصة...
ويقاطعه الأب:
- ولكنها ليست آخر فرصة، ألم تر كيف هي العلاقة ما بين منال والفنانة، خصوصا من طرف الفنانة، إنها متعلقة بمنال، إنها تذكرها بابنتها منال المفقودة.
ويرد طارق مقاطعا:
- بل إنه إحساس الأم بابنتها.
قال أبو طارق:
- يجب أن تعرف يا ولدي أنه رغم إحساسي الكبير لحد اليقين بأن منال هي ابنتها المفقودة إلا أنني لا أريد أن أجازف بسعادة منال، أريد أن أعرف كل شيء بالتفصيل عن ظروف فقدانها لابنتها، على حسب الأقاويل المختلفة التي نشرت بالجرائد والمجلات فكل واحدة تقول شيئا مغايرا عن اختفاء ابنتها.
قال الابن:
- إذن يجب أن نسألهما ونعرف الحقيقة منهما.
قال الأب:
- نحن فعلا يجب أن نعرف الحقيقة منهما، لكن أن نسألهما فهذا ما يبدو صعبا لأننا سنقلب عليهما آلام الماضي، لكن سنحاول أن نعرف ذلك من أحداهما دون أن نسأل نحن بطريقة مباشرة.
قال الابن:
- وما العمل الآن وهما على أهبة الرحيل ؟!
قال الأب:
- مثلما قلت لك لا نتعجل فالفرص ستكون أمامنا وعلينا الآن أن نحاول أن نتذكر كل الأسماء التي رددتها منال وهي صغيرة، والأهم من ذلك أن تتذكر المكان الذي أخفت فيه المرحومة ألبسة منال خوفا من ضياعها.
قال طارق متسائلا:
- أبي هل تشك في أنه من المحتمل أن لا تكون منال ابنتهما.
ويقاطعه الأب:
- لا، لا يا ولدي فأنا كما قلت لك لدي إحساس كبير لحد اليقين أنها ابنتهما، لكن كل المسألة أتمنى أن أسلمها لهما وأنا ضميري مرتاح، فأنا لا أريد أن أؤكد لنفسي أنها ابنتهما بقدر ما أريد أن أؤكد لهما أنها ابنتهما اعتمادا على كل ما نتذكره من طفولتها التي ستكون حجتنا الوحيدة في حالة ما إذا لم نعثر على ألبستها.
***
كانت منال والفنانة أمال معا دائما، وقد ربطتهما صداقة متينة، كانا في أوج سعادتهما وهما تتجولان مع بعض في عدة أماكن سياحية وترفيهية، وكانت الفنانة كثيرا ما تسرح وهي تنظر إلى منال بابتسامة لا تفارقها من يوم لقاءها بها ...
***
في يوم نهاية المهرجان، كانت الفنانة من بين المرشحات لنيل الجائزة الذهبية، أمال في غرفتها تحضر نفسها هي وزوجها ... بعدها الزوج يتجه نحو الدرج لإخراج التذاكر وهو يقول:
- سنتصل بوكالة الطيران لنؤكد موعد عودتنا مساءا.
قالت الفنانة:

هناء12 05-08-11 01:36 AM

لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها
 

الجزء5:

- ولماذا لا نعود مع الوفد الذي سيعود بعد يومين.
قال الزوج:
- هل نسيت أننا وعدنا الأولاد بقضاء أسبوعين بكندا ويجب أن نذهب لنحضر أنفسنا لأن السفر سيكون بعد أربعة أيام ...
وقاطعته قائلة:
- بالعكس أنا لم أنس وعدنا للأولاد، لقد فكرت ورأيت من الأحسن قضاء العطلة ببلد عربي وأنا بصراحة أعجبتني هذه المدينة وأفضل أن أبعث للأولاد للالتحاق بنا ...
الفنان يبدو أنه لم يرتح لاقتراح الزوجة فنطق قائلا:
- أنا معك في قضاء العطلة ببلد عربي من الأحسن، لكن تعرفين إن لم تكوني نسيت أن الفيلم المقبل سنأخذ معظم لقطاته بكندا وأنا أريد أن أنتهز الفرصة وأتفقد أماكن التصوير.
وبعد أخذ ورد مع بعض يوافق الزوج أن يكون السفر والعودة مع الوفد.
***
منال كانت جد سعيدة بعدما لبست أجمل ألبستها لحضور حفل اختتام المهرجان بصحبة الفنانة، طارق يستعجل منال بالنزول ليمرا على ليلى.
وما إن وصلا إلى السيارة، فوجئ طارق بعطب في السيارة حيث لم يتمكن من تحريكها، نظرت منال إلى الساعة بقلق وقالت:
- يظهر أننا مضطرين لأخذ سيارة أجرة.
راح طارق يعبث ويحاول تصليح العطب وهو يقول:
- على كل اطمئني سأحاول وأكيد سنصل قبل بداية الحفلة.
تتركه قائلة:
- على كل سأذهب أنا لأوقف سيارة أجرة.
وما إن خرجت من باب الجنينة ... وهي تقطع الطريق ... كان أخوها ينادي قائلا:
- خلاص ... تعالي ... السيارة جاهزة.
وما إن استدارت نحوه ونسيت نفسها أنها في منتصف الطريق حتى فوجئت بسيارة أمامها وقد داهمتها، فكانت صرختها مصحوبة بصرخة أخيها الذي يحاول أن ينبهها للسيارة لكن فات الأوان.
أخذت منال على جناح السرعة إلى المستشفى وهي تتألم من رجلها الأيمن.
***
الفنانة أمال حسني بصحبة زوجها بإحدى النوادي القريبة من مكان إقامة المهرجان، كانت في حالة قلق...الفنان سامي كان يستعجلها قائلا:
- أكيد لن تأت، يا لله أرجوك الستار لم يبق عليه إلا دقائق معدودة.
وردت عليه بقلق:
- لقد وعدتني أن تأتي ونلتقي بهذا المكان...سأذهب وأتصل بها.
وهي ذاهبة نحو الهاتف...فإذا بها تبصر قدوم طارق لوحده مما أنتابها القلق، فبلغاهما بما حدث لمنال، كما طمأنهما على أن الإصابة بسيطة، لكن رغم ذلك الفنانة رفضت دخول القاعة لاستلام جائزتها، واعتذرت لزوجها وطلبت منه أن يتسلم الجائزة نيابة عنها.
***
وصلت الفنانة إلى المستشفى بصحبة طارق، فكانت منال خارجة من المستشفى بصحبة ليلى وأبيها.
***
لما رجعت أمال إلى الفندق مساء، كانت قافلة من الصحافيين والمصورين في انتظارها لمعرفة سبب عدم حضورها اختتام المهرجان لتسلم جائزتها، ذابت في وسط زحمتهم، ولم ينقذها من هذه الزحمة إلا رجال أمن الفندق.
***
وصلت إلى الجناح الخاص بها ... رمت بحقيبة اليد على الكنبة وهي في حالة إرهاق كانت متجهة نحو غرفتها فإذا بزوجها يستوقفها قائلا لها:
- ألا تسألين وتلاحظين جائزتك؟


لما التفتت إليه، كان واقفا إلى جوار النافذة وحالته تدل عن عدم رضاه على زوجته، لكن الزوجة ترد بلوم:
- كان عليك أن تسألني عن منال، ثم أنا في غاية التعب وبحاجة إلى راحة.
وقبل أن تفتح باب الغرفة أوقفها للمرة الثانية صوت زوجها لما رد عليها بغضب:
- منال ... منال ألا تلاحظين أن أحاديثك وجلساتك أصبحت كلها تبدأ بمنال
وتنتهي بمنال.
التفتت نحوه ورمته بنظرات كلها عطف وحنان وحزن عميق، نظراتها أربكته وأقلقته لدرجة أنه لم يجد كلمة مناسبة يصحح بها قصده، بينما نطقت الزوجة بصوت حزين وبهدوء:
- وهل يغضبك من يذكرك بمنال؟
كلامها أعجزه عن الرد، بينما تابعت خطواتها لتفتح باب الغرفة، ثم أوصدته خلفها، الزوج يتنهد بعمق ثم يقول لنفسه:
- أبدا لا يغضبني هذا، ثم من قال أنني نسيتها حتى أتذكرها لكن الواقع يحتم علينا أن نعيشه على حقيقته، وأنا خائف، خائف أن يكون تعلقك بالفتاة منال أكثر من أنها تذكرنا بمنال ابنتنا.
***
في اليوم الموالي نهضت الفنانة مبكرا في تجاه منزل أبي طارق.
كانت ليلى تحضر صينية فطور الصباح لتحملها إلى منال، ولما طلبت الفنانة أن تقوم بذلك بدلها كان رد ليلى باندهاش:
- أنت بنفسك تحملين الصينية
قاطعتها الفنانة قائلة:
- لماذا؟ ما الغريب في الأمر؟
وترد ليلى بسرعة:
- لا، بالعكس إنه شرف لنا كلنا أن تكوني بيننا ... لكن لا نريد أن نتعبك...فسعادتنا أن نخدمك على العين والرأس.
تبتسم الفنانة وهي تمد يدها لحمل الصينية قائلة:
- الذي أعرفه أن المريض يحتاج العناية الفائقة من الكبير والصغير لأن هذا جزء من الدواء للشفاء السريع.
وكم كانت سعادة منال كبيرة وهي ترى الفنانة العظيمة بنفسها تحمل لها الصينية لدرجة أنها نسيت نفسها وأرادت القيام من السرير بسرعة نحوها، لكن الفنانة توقفها قائلة بسرعة:
- أرجوك لا تتحركي، حاسبي على رجلك.
ولما كانت ليلى داخلة وراء الفنانة وجهت لها منال اللوم قائلة:
- لا، يا ليلى هذا عيب في حق الفنانة.
وترد ليلى:
- والله حاولت معها لكنها هي التي أصرت.
وترد الفنانة قائلة بصوت كله رقة وحنان:
- أرجوكم...ألغوا الرسميات بيننا، فأنا من يوم ما تعرفت عليكم أحسست أنني واحدة منكم.
ثم تسكت فترة وتكمل بنوع من الاحتجاج:
- هذا طبعا إذا كنتم أنتم تشعرون نحوي بالعكس.
لكن منال تسرع في وضع يدها على فم الفنانة لتقاطعها:
- لا، أرجوك.
ثم تدرك وضعية يدها فتحاول سحبها بهدوء لكن الفنانة تمسك بيدها بكل حنية ... فتتبادل معها نظرات كلها حب وحنان ... فحين تشعر منال بإحراج كان يظهر بعينيها ثم تتابع قائلة بصوت هادئ:
- ونحن أيضا لدينا نفس الشعور نحوك.
في تلك اللحظات يستأذن طارق وأبو طارق بالدخول... ليسألا عن حالة منال ويرحبا بوجود الفنانة بينهم.
***
في صباح يوم سفر الوفد، الفنان نهض مبكرا قبل زوجته ... لما استيقظت الفنانة فوجئت بزوجها الذي كان يجهز الحقائب فسألته قائلة باندهاش:
- ما الأمر ؟!
ويرد هو الآخر باندهاش:
- أنسيت ؟! ... إنه يوم سفرنا مع الوفد للعودة إلى بلدنا.
في تلك اللحظات تشعر الفنانة بنوع من القلق والإحراج وقد فوجئت بهذا السفر الذي يظهر أنها نسيته فعلا، الفنان يقترب منها وبصوت هادئ قال لها:
- أمال حياتي ... الأولاد في انتظارنا، وأكيد اشتقت إليهم مثلي، خصوصا أنت التي لم تتعودي على البعد عنهم أكثر من يوم ...
تكاد عيناها أن تغرورقا بالدموع وهي تستمع إليه ونطقت بصوت هادئ:
- فعلا لقد اشتقت إليهم جدا...جدا.
يبتسم الفنان بعد أن أدرك أنها خلاص وافقت على العودة ... ثم راح نحو الحقيبة ليكمل استعداده ويضع ما تبقى بالحقائب...بينما الفنانة ارتسمت أمام عينيها صور لمنال ابنتها، وصور لمنال المعجبة وكذلك صور ولديها كريم ونورا...وشعرت لحظتها بصراع نفسي...فنطقت قائلة بصوت هادئ:
- سامي ... ممكن يومان آخران.
لحظتها يتوقف سامي لحظة استغراب واندهاش ثم نطق وهو ينظر إليها:
- أمال...!؟
فقاطعته لما اقتربت منه قائلة بصوت كله رقة وحنان:
- أرجوك ... يومان أو ثلاثة بالكثير فلن تؤخر شيئا، ثم نعود لأولادنا وبلدنا للأبد...أنا أشعر أنني السبب في حادثة منال...فلولا أنا ما كانت لتتعجل الحضور إلى المهرجان.
ويرد الزوج:
- لماذا تحملين نفسك ما قدره الله ؟
تبتعد عنه قليلا وتتجه نحو النافذة وبعيون تائهة قالت:
- الطبيب أكد أن إصابتها أصبحت تتمادى إلى الشفاء ويمكن في خلال يومين تنزع الأربطة الصحية، وبعدها أكون قد اطمأننت عليها لأعود وأنا مرتاحة.
وينطق سامي قائلا:
- إذن مادمت مصرة على أن تبقي يومين أو ثلاثا بالكثير... ليكن ذلك، لكن بشرط أن تكون هذه المرة آخر تأجيل...
استدارت نحوه مبتسمة فأدرك موافقتها على شرطه.
***
حضرت ليلى إلى فيلا خطيبها ...
كانت تجالس أبا طارق، منال نازلة من الطابق العلوي بمساعدة العكاز، ولما أبصرتها ليلى قامت لمساعدتها وهي تقول لها:
- يا ترى إلى أين هذا النهار؟
وترد منال عليها:
- لست أدري بالضبط لما تأتي الفنانة ونحدد وجهتنا.
قالت ليلى بنوع من المزاح:
- تعرفين يا منال إنه ينطبق عليك المثل القائل" من لقي أصحابه نسـ..."
قاطعتها منال بوضع يدها على فمها قائلة:
- معقول أنساك ... أنس ليلى أختي حبيبتي.
ثم عانقتها وأكملت تقول:
- لست أنا التي ينطبق عليها هذا المثل، إن كان على الفنانة أمال حسني إنها فرصة لا تعوض، وأعدك أول ما ترجعين من زفاف ابنة خالتك سأكون تحت أمرك ليل نهار حتى تملين صحبتي، شدتها ليلى إلى حضنها بكل حنان وقالت:
- أولا أنا أضحك معك فقط، ثانيا لن أمل من صحبتك العمر كله، ولست أنت من يمل الناس من صحبتها والدليل صداقة الفنانة لك، وبصراحة أنا أحسدك من وجودك مع هذه الفنانة العظيمة ...
في تلك اللحظات يدخل طارق الذي التقط آخر الحديث فرد قائلا:
- كيف لا تحسدين وأنت مع أعظم نجمة سينمائية.
تبتسم منال ثم تقول لليلى:
- يا ترى متى ستعودين من البلد ؟
ويأتي الرد من عند طارق وهو يجلس بينهما:
- أسبوعا ... لا... بل ثلاثة أيام فقط.
وترد منال:
- وأنا من رأيك يا طارق عليها أن لا تغيب أكثر من ثلاثة أيام، لقد حان الأوان لنحضر لزفافكم في أقرب وقت.
الكل يبتسم في سعادة لحديث منال، وينطق أبو طارق:
- فعلا يجب أن نحضر للزفاف في أقرب وقت.
في تلك اللحظات تسمع منال المنبه الصوتي للسيارة التي تنقل الفنانة.
***
منال وهي بصحبة الفنانة بإحدى النوادي استأذنت من الفنانة وذهبت نحو الهاتف فبعد مكالمة هاتفية لم تتعدى الثواني رجعت، وبعد دقائق معدودة، حضرت مجموعة من صديقات المدرسة ... وقدمتهن للفنانة، فكن جد سعيدات بلقاء الفنانة أمال حسني لدرجة أنهن كدن لا يصدقن أنهن أمام الفنانة بلحمها ودمها.
***
في اليوم الموالي، الفنانة في انتظار منال بإحدى النوادي، تشعر بنوع من القلق وهي تنتظر منال ... تتذكر منال لما قالت لها كوني بانتظاري بنادي الفتح وأرجوك لا تبرحي المكان حتى لا تفسدي علي المفاجأة، يحضر النادل يرى طلباتها... شكرته ... فتحت حقيبة اليد، أخرجت علبة السيجارة، تناولت سيجارة ثم أشعلتها وقبل وضعها بين شفتيها تراجعت وأطفأتها.
خارج النادي تصل سيارة طارق...تنزل منال ويظهر أنها نزعت الأربطة الصحية ... وكان في استقبالها صديقتيها سعاد ومريم أمام باب النادي وبعد أن أبدتا سعادتهما بسلامة رجلها، بعدها سألت منال:
- هل حضرت كل لوازم الغذاء بالمخيم؟
وردت سعاد:
- كل شيء جاهز ولقد تركنا بقية الصديقات لإكمال ما تبقى.
دخلت منال بصحبة صديقتيها إلى النادي. في تلك اللحظات الفنانة كانت تخرج في سيجارة ثانية، لكن ما إن أبصرت اقتراب منال وهي تراها تقبل نحوها بدون الأربطة الصحية، منال تتوقف تبادلها ابتسامة سعادة، لكن تلك الابتسامة سرعان ما بدأت تذوب لما راح نظرها إلى علبة السيجارة الموضوعة على الطاولة، منال ودون أن تعبأ بنفسها تبدأ تتراجع إلى الوراء وهي تقول بنوع من خيبة الأمل:
- لا ... لا ... غير ممكن
ثم راحت تجري نحو باب النادي...الفنانة تكاد لا تصدق، فهي لا تعرف ماذا حدث ... ماذا بدر منها...تحاول أن تنادي على منال ... لكن منال خرجت ... فتقول للصديقتين:
- لم أفهم شيئا ... ماذا حدث؟
الصديقتان تشعران بلحظات إحراج وهما تتبادلان النظرات، بعدها تنطق مريم قائلة بصوت متلعثم:
- السبب أكيد علبة السجائر
ونطقت الفنانة في حيرة:
- علبة السجائر!
***
كانت منال تمشي بجوار الكورنيش وهي حزينة وقد تذكرت أيام الدراسة لما كانت بالساحة مجتمعة مع صديقاتها، فإذا بإحدى الصديقات تقبل بصحبة صديقة لها تجاه منال قائلة:
- منال أعرف أنك من أشد المعجبات بالفنانة أمال حسني وتتابعين كل أخبارها بالمجلات وكل أفلامها، وأنا وزميلتي وقعنا في رهان فهي تقول الفنانة من المدخنات وأنا أقول لا...فما رأيك ... ؟!
وكان رد منال مناصرة للصديقة قائلة:
- طبعا فهي ليست من المدخنات.
وترد الصديقة الأخرى:
- الذي أعرفه أن كل أهل الفن يدخنون بل ويشربون الخمر.
وردت منال:
- لا، لا تقولي هذا الكلام معممة على كل أهل الفن.
وتنطق إحدى صديقات منال قائلة:
- الذي أعرفه أنك تكرهين الفتاة المدخنة عامة والفنانة خاصة...فما رأيك لو فوجئت بالفنانة أمال حسني حاملة سيجارة بإحدى أفلامها؟
فترة سكوت ثم تنطق منال بعد أن شعرت بنوع من الإحراج:
- والفنانة تدخن !...لا...لا أظن...فأنا مازلت أذكر أن صديقة لها بإحدى أفلامها كانت مدمنة على الخمر والتدخين...وهي لعبت دور مساعدة اجتماعية عملت المستحيل لإبعادها عن التدخين والخمروذلك الدور أشعرني بقمة صدقها.
تضحك الصديقة وتقول:
- هذا كلام الأفلام ... لكن الواقع غير ذلك.
وتشعر منال لحظتها بنوع من الإحراج ... تعود منال من الماضي إلى الواقع وهي تقول:
- لا ... لا أصدق ... مستحيل ... !
***
الفنانة بعد أن عرفت حكاية منال وكرهها للتدخين، الفنانة تمسك بالسيجارة ثم بالعلبة وتمزقها وترمي بها أرضا،ثم استأذنت من صديقتي منال بالانصراف بعد أن شكرتهما.
***
تصل الفنانة إلى منزل أبي طارق الذي وجدته بالجنينة، سألته عن منال إذا وصلت، بعدها يرحب بها إلى الداخل...
***
منال ... كانت ما زالت تمشي بخطوات هادئة ووجه حزين وقد قالت لنفسها «ماذا فعلت يا منال ؟» .
ثم ترد على نفسها «لست أدري بالضبط ... لقد فوجئت ولم أتمالك نفسي» وقالت لنفسها «هل تظني أن هذا التصرف مع فنانة مشهورة … من حقك ؟ » وترد على نفسها «طبعا...لا». وراحت تتذكر يوم اصطحبت الفنانة إلى المهرجان وكيف التف حولها المعجبون والمعجبات والصحافة والمصورين وكادت تذوب في وسط الزحمة لولا حراسها ورجال الأمن. ثم رجعت إلى الواقع وقالت لنفسها «الكل يتمنى لقاءها أو حتى رؤيتها على الأقل ولو على بعد عدة أمتار...لكن من حسن حظي أراها وأجالسها وأكلمها متى أشاء ...». وترد على نفسها «إذن أنت أنانية».
***
بمنزل أبي طارق كانت الفنانة تحكي له عن علاقتها بالسيجارة حيث قالت له وهي تتذكر الماضي:
- نعم من يوم فقدت إبنتي أدمنت على التدخين، كنت أجد في السيجارة سلوتي والتخفيف من الصدمة ... لكن زوجي وعائلتي وبعض الأصدقاء وبمساعدة الأطباء تمكنوا من إبعادي عن التدخين شيئا فشيئا، لكن حكاية علبة السجائر وإمساكي بالسيجارة هي العادة التي لم أتمكن من التخلص منها فكلما أشعر بالقلق أمسك بالسيجارة وقد أشعلها لكن لا أدخنها.
بعدها سكتت فترة، أبو طارق يربت على يديها ويبتسم قائلا:
- أؤكد لك أول ما تحضر سوف أرسلها لك لتقدم اعتذارها.
وتنطق الفنانة مقاطعة إياه:
- لا...أنا لا أريد منها الاعتذار، بقدر ما أريد أن لا تكرهني.
بعدها قامت واستأذنت بالخروج... بعد أن امتطت سيارة الفندق التي تنقلها.
***

هناء12 05-08-11 01:38 AM

لقاء نجمة قصة فنانة ملكت قلوب الملايين لكن قلبها هي مفقود بسبب فقدها لوحيدتها
 

الجزء6 والأخير:

توقفت سيارة طارق ... ما إن دخل بسرعة يسلم على الأب وهو يتجه إلى غرفته بالطابق العلوي قال:
- أبي سأغيب … في مهمة تابعة للشركة ... إلى العاصمة.
واستوقفه الأب قائلا:
- لا...يجب أن تلغي السفرية.
ولما سأل الابن عن السبب ثم عرفه من أبيه قال له:
- اطمئن يا أبي ... على كل أنت حاول من جهتك أن تتذكر مكان ثياب منال، وأنا في طريقي لن أفكر إلا في الأسماء واللعب التي كانت ترددهم منال وهي صبية.
طارق بعد أن حضر حقيبته يغادر الفيلا.
***
تصل منال، ما إن دخلت الجنينة خطت خطوات نحو الباب الداخلي للفيلا وقبل أن تفتح الباب، تراجعت ثم جلست أمام الباب متعبة، وضعت بين يديها رأسها، الأب الذي لمحها من النافذة ... خرج وجلس إلى جوارها بكل هدوء ونطق بصوت كله رقة وحنان:
- لقد حضرت بحثا عنك ... اذهبي إليها فهي في انتظارك.
وترفع رأسها بهدوء ثم قالت بصوت هادئ حزين:
- بعد ماذا...؟ لقد فات الأوان فبأي وجه سوف أقابلها؟
ويرد عليها أبو طارق:
- لا يا منال لم يمض الوقت بعد، وعليك بالذهاب إليها وتصحيح موقفك بنفسك لها.
وقبل أن ترد منال تنهدت بعمق ثم ابتسمت بسخرية من نفسها وقالت:
- قصدك أصحح غلطتي...ياه ... كم كنت أنانية حين أعطيت لنفسي أهمية أكثر مما استحقه أمام فنانة عظيمة لا أساوي أمامها شيئا.
ويقاطعها الأب قائلا:
- لا... لا تقولي هذا عن نفسك وأنت بالنسبة لي ولا كنوز الدنيا كلها، إنك تربية يدي فأنت لم تغلطي كما ولست أنانية فأنت كل المسألة من النوع الذي لا يخفي شيئا بقلبه، فالذي بقلبك على لسانك.
كلام الأب رغم أنه أراح نفسية منال إلا أنها مازالت في حيرة من أمرها تريد أن تقول شيئا لكن الأب لم يترك لها فرصة الرد وأمسكها من يدها لتقوم.
***
بالفندق ... وبالضبط بجناح الفنان سامي عبد العزيز والفنانة أمال حسني، بالصالون دار الحوار بين الاثنين وكان الجو بينهما يظهر أنه مكهرب حيث نطق الزوج بعد صمت رهيب:
- أنا مصر على السفر اليوم، بل وحالا في أول طائرة.
تبلع الفنانة ريقها وتشعر بنوع من الإحراج ثم تستجمع قواها وتقول بدون مقدمات:
- إذن لأول مرة أخالف رغبتك، وأنا آسفة لو قلت لك اذهب مادمت مصرا على الذهاب، وسألحق بك فيما بعد.
كان ردها عليه كالصاعقة وكاد ألا يصدق ما تسمعه أذناه، في تلك اللحظات يرن الجرس ... الفنانة تشعر لحظتها بنوع من السعادة والقلق والإحراج وقد تسارعت دقات قلبها...ثم اتجهت نحو الباب، ففوجئت بوجود منال أمام الباب حاملة باقة من الورود، كلاهما بقي في مكانه مسمرا، منال تقدم الورود ... تمد الفنانة يدها لتمسك بالورود وباليد الثانية تمسك بيد منال بكل حنية نحو الداخل ثم تغلق الباب بهدوء... وتنطق الفنانة بصوت كله رقة وحنانا:
- المفروض أنا التي أحمل لك الورود بمناسبة سلامة رجلك.
تبتسم منال وهي تريد أن تنطق تلعثمت في الكلام قائلة:
- أنا جئت...وكل أملي أن تقبلي اعتذاري.
وتقاطعها الفنانة بوضع يدها على فمها بكل رقة وحنان قائلة:
- موقفك معي هذا النهار، كان أجمل موقف في حياتي.
وترد منال بسرعة واندهاش:


- لا... لم يكن من حقي التدخل في أمورك الخاصة.
وتنطق الفنانة:
- لا أريدك أن تكرهيني.
وترد منال بصوت حنون:
- حبي لك يزداد في كل ثانية مليون مرة.
الفنانة تقربها من حضنها وهي في كامل سعادتها، منال تنسحب من حضنها بكل
رقة قائلة:
- ممكن نخرج الآن مع بعض ... فنحن في الحقيقة مدعوين.
تبتسم الفنانة في سعادة وقالت:
- عن إذنك كلها دقائق أدخل لآخذ حماما ثم أغير ملابسي.
وراحت بسرعة نحو غرفتها، بينما الفنان الذي تابع الحوار كان يظهر عليه الدهشة والحيرة حيث قال يكلم نفسه وعيناه ملتصقتان بباب الغرفة «لهذه الدرجة أصبحت تتجاهلين كل من حولك من أجلها».
منال ما إن خطت خطوات في وسط الصالون واكتشفت وجود الفنان تائها حتى نطقت منادية باسمه ... لكنه لا ينتبه لصوتها إلا بعد لحظة مما جعلها تسأله قائلة:
- هل ثمة شيء؟
وكان رده بسرعة:
- لا، أبدا.
ثم راح ينظر إليها في صمت مما أشعرها لحظتها بالإحراج، وقال يكلم نفسه في صمت «لست أدري هل أحقد عليك لأنك رغما عنك إنك السبب فيما يحدث، نعم إنك السبب في جعل أمال بحبها لك تنسى وتتجاهل ولا تهتم بكل من حولها...في الأول المهرجان، ثانيا ولدانا اللذان لم تتعود الابتعاد عنهما وأخيرا أنا...نعم وهذا يحدث لأول مرة، أم أشفق عليك لأنك تمرين بمرحلة أنت فيها بحاجة إلى حب حقيقي وليس إلى حب مزيف لشخصية غيرك» ... للمرة الثانية منال تنادي عليه ولا ينتبه إلى صوتها إلا بعد لحظة حيث قال:
- نعم ... ماذا ... ؟
وكان رد منال:
- أستاذ سامي ممكن أسألك سؤالا ؟!
قال لها:
- تفضلي.
وبدون مقدمات قالت له:
- هل وجودي يضايقك ... ؟!
الفنان يشعر لحظتها بإحراج شديد فهو لم يكن يتوقع هذا السؤال لدرجة أنه شعر بندم شديد ثم نطق وهو ينظر إلى باب الغرفة:
- منال ... حتى لا تفهميني غلط، أريد أن أكلمك في موضوع مهم وإذا ليس لديك مانع ممكن ننزل إلى الأسفل.
كلامه بعث بقلب منال الحيرة، ولم يكن أمامها سوى اللحاق به بعد أن طلب منها أن تنبه الفنانة بالانتظار بالأسفل ... وفعلت منال ذلك بصوت مرتفع سمعته الفنانة.
***
بمقهى الفندق وبالضبط بإحدى أركانه الهادئة جلست منال مقابلة للفنان وبصوت حزين نطق قائلا:
- إنها ثالث مرة تؤجل الفنانة السفر...من أجلك.
وفي تلك اللحظات تذكرت منال يوم قالت لها الفنانة بأنها اتفقت والفنان بالبقاء بعد المهرجان بعض الأيام، ثم رجعت إلى الواقع وهي في كامل دهشتها قائلة:
- غير ممكن هذا ! ...
ونطق سامي قائلا:
- اسمك منال ... وعمرك ثمانية عشر سنة ... وسبق لك أن عشت في لبنان ... بالإضافة ... كما تقول إلى عيونك التي تشبه عيون منال ابنتنا المفقودة، بل وحتى ضحكتك...كل هذا كان كاف بالنسبة لها لتكوني منال ابنتنا.
منال وهي تستمع إلى الفنان كانت في كامل دهشتها وقد ازدادت حيرة وبقيت فترة لا تدري ما تقول وفي الأخير تنظر إلى الساعة ثم تلقي نظرة نحو سلم الفندق وتنطق قائلة:
- أستاذ سامي أنا سأقضي معها اليوم، سيكون آخر يوم، وبإمكانك أن تذهب لتحجز غدا.
ورد عليها:
- قد تكون مفاجأة غير سارة.
وترد عليه منال:
- لا...لا تأخذ هم ذلك، ألم تقل أنها تؤجل من أجلي وتحبني كما لو كنت منال الحقيقية ... إذن أترك الباقي علي.
ويرد الفنان في أسف:
- منال ... أنا آسف.
في تلك اللحظات تظهر الفنانة فتقول له منال:
- يا للا أقفل على الموضوع، وابتسم.
***
تخرج منال بصحبة الفنانة على متن سيارة الفندق حيث تسلمت المفاتيح من السائق وركبت أمام المقود، تصل السيارة إلى إحدى الغابات المحاذية للشواطئ وبالضبط إلى إحدى فيلات المخيمات الصيفية ... وما إن توقفت السيارة، فإذا بصديقات منال اللواتي كن متفرقات كل واحدة جالسة لوحدها، هناك من في داخل الفيلا وهناك من في الخارج وكأنهن حزينات، وما إن رأوا الفنانة ومنال حتى سعدوا بحضورهما واتجهن نحوهما...وكم كانت صديقات منال في سعادة وأمامهن الفنانة في ضيافتهن، وبعد الغذاء كان الترحيب بها إلى خارج الفيلا بالجنينة، حيث أخذن معها عدة صور وتوقيعات تذكارية وكل واحدة راحت تطرح عليها أسئلة...بينما منال كانت تتابع ذلك بعيون حزينة وكلما نظرت إليها الفنانة تصطنع ابتسامة في سعادة.
***
ثم اتجهن إلى النادي حيث لعبن مقابلة في التنس، ولما بدأ غروب الشمس ... كانت منال بصحبة الفنانة بالسيارة ... قالت الفنانة في سعادة:
- ما رأيك إذن نكمل السهرة بإحدى الملاهي الليلية.
لكن منال تظاهرت بحدة النوم وهي تريد الاعتذار تلعثمت في الكلام مما جعل الفنانة تنطق قائلة:
- يظهر أنك فعلا متعبة، على كل سنلتقي غدا.
منال دون أن تعبأ بنفسها وبسرعة ردت:
- لا، ليس غدا.
اندهشت الفنانة من الرد المفاجأ من طرف منال حيث أوقفت السيارة، منال لما أدركت نفسها نطقت قائلة بصوت متلعثم:
- أرجوك لا تفهميني غلط، كل الحكاية أنك ستسافرين غدا.
يزداد اندهاش الفنانة وترد:
- لماذا !؟ ... لماذا !؟ ...
وقالت منال بصوت حنون:
- لأنك تأخرت عن أولادك.
وترد الفنانة بصوت حزين:
- أعرف ... وأدرك ذلك جيدا، لكن كان أملي أن أقضي معك أياما حلوة.
وتقول منال بصوت حزين:
- وأنا أيضا كنت أتمنى ذلك، لكن ليس على حساب سعادة أولادك.
وردت الفنانة:
- ومن قال لك ذلك؟
وتقاطعها منال قائلة:
- أرجوك يجب أن تصحي من الحلم.
وردت الفنانة باندهاش:
- حلم !...
قاطعتها منال قائلة:
- نعم حلم... لكن حلم مستحيل، حلم لن يتحقق لأنه بعيد عن الواقع.
اغرورقت عيون الفنانة بالدموع وهي تستمع إلى منال التي أكملت تقول:
- يجب أن تصحي من هذا الحلم ... أنا صحيح اسمي منال، لكن ليس منال التي فقدتها، لأن اسمي الحقيقي سناء، ولست أول واحدة لها اسم مدون في شهادة الميلاد والآخر تنادى به، أنا صحيح عشت في لبنان هذا لأنني فلسطينية الأصل والحرب هي التي شردتنا، أنا صحيح عمري من عمر منال ابنتك ثمانية عشر سنة لكن من مواليد ثمانية وعشرون جويلية ولا أظن أن ابنتك ولدت في اليوم نفسه.
الفنانة تأثرت بكلام منال حيث وضعت رأسها بين بيديها ... وعم السكوت فترة ... منال تمد يدها لترفع رأس الفنانة بكل هدوء فاكتشفت دموعها التي نزلت على خديها كالوديان فنطقت قائلة:
- طول عمري كنت أحلم بلقائك، لقاء نجمة، بل أعظم نجمة ولو ثانية من عمري، لكن عمري ما حلمت أنك ممكن تغدق علي بحبك وحنانك، وحتى لما اكتشفت أن حبك لي هو حب لمنال الحقيقية ابنتك، صدقيني أنا لم أغضب ولم أتألم لذلك ... لأنني كنت أعرف مسبقا حدودي بالنسبة لك وبالرغم من ذلك كنت سعيدة بهذا الحب الذي لم يكن لي ...
الفنانة وهي تنظر إلى منال بكل عطف وحنان قالت بصوت كله رقة وحنان:
- لما قابلتك كنت واعية جدا أنك لست ابنتي وحاولت أن أقنع نفسي بذلك...لكن رغم ذلك كنت أشعر أن ثمة شيء قوي يشدني إليك وتفسيري لهذا الشيء لم يكن له تفسير آخر غير أنني فعلا أحببتك وصدقيني لو قلت لك أنني لا أستطيع أن أحدد بالضبط متى أحببتك لكن الذي يمكنني أن أؤكده وهو أنني أحببت فيك بالإضافة إلى حملك لكل صفات ابنتي ... أحببت فيك منال المعجبة ومنال الإنسانة، لقد عشت معك أسعد لحظات حياتي، ويجب أن تتأكدي أن الإنسان منا غير ممكن أن يعيش هذه السعادة إن لم يكن الإنسان الذي يبادله السعادة إنسان يحبه من كل أعماقه.
بعدها تتبادلان مع بعض نظرات كلها سعادة ... ثم تنطلق الفنانة بالسيارة، وما إن وصلت إلى باب الفيلا ... منال وهي تتأهب للنزول قالت:
- تصبحين على خير.
وترد الفنانة بابتسامة:
- وأنت من أهله.
لما نزلت منال وهي تتجه نحو الباب ... الفنانة تفتح باب السيارة ثم تنزل وتنادي على منال...ما إن استدارت منال حتى قالت لها:
- هل تتذكرين في مثل هذا الوقت بالذات ماذا قلت لي ... عند زيارتك لي بمصر؟
منال تندهش وتنتابها الحيرة من كلام الفنانة ... لكن الفنانة لم تترك لها فرصة الرد وتابعت تقول مبتسمة:
- لا عليك سأذكرك.
ثم راحت تقترب منها ببعض الخطوات ونطقت قائلة:
- قلت لي نفسي يطول الليل حتى لا يأتي الصبح وتودعينني.
تشعر لحظتها منال بنوع من القلق والإحراج بينما تتابع الفنانة قائلة:
- لكن اليوم أنا التي أقول لك ... نفسي الليل يطول ويطول ويتأخر الصبح ويتأخر معه موعد توديعي لك.
لحظات تتبادلان فيها نظرات كلها رقة وحنان، منال تبدأ ترفع يديها لتمسك بيدي الفنانة وتتجها نحو السيارة.
***
بالفندق وبالضبط بجناح الفنانة أمال حسني، لم يأتيها النوم ... بينما الفنان نام نوما عميقا... خرجت الفنانة من الغرفة نحو الصالون، وجلست تائهة الأفكار وهي تتذكر كلام منال ... بعدها اقتربت من المكتب حيث كانت التذاكر وجوازات السفر...راحت يداها تفتح التذكرة بهدوء وفجأة تغير وجهها وتركت التذكرة وراحت تبحث عن المفكرة حيث تأكدت أن يوم غد هو نفس يوم عيد ميلادها فجلست وكأنها في حالة إرهاق واغرورقت عيونها بالدموع وراحت تكلم نفسها بصوت حزين «معك حق يا منال ... يظهر أنني فعلا كنت أعيش حلما مستحيلا... حلما كان لابد أن أصحومنه على الحقيقة لأرجع لآلامي وأحزاني»...
***
في الصباح بعد أن خرجت منال في تجاه الفندق ... أبو طارق وهو في حالة قلق يدير أرقام الهاتف سائلا عن طارق فكان رد السكرتير:
- لم يعد بعد من مهمته، لكن من المحتمل أن يصل بعد ساعتين.
يترك أبو طارق السماعة وراح يردد بقلق «سمسم ... دادة فاطمة...»، ثم توقف وقال يكلم نفسه «يجب ... يجب أن أتذكر بقية الأسماء الأخرى»، في تلك اللحظات يرن جرس الهاتف فيمد يده المرتجفة:
- ألو... نعم...
فكان المتكلم من الطرف الآخر طارق:
- ألو...أبو طارق ... أنا طارق ... أعتذر لأنني لم أتمكن أن أتصل بكم فور وصولي ...
ويقاطعه الأب قائلا:
- المهم أن تعود حالا...
ويرد طارق:
- أنا في الطريق لا تقلق.
لكن الأب يدعوه للحضور على الفور كما أعلمه بموعد ذهاب الفنانين مساء ذلك اليوم، بعد أن ترك أبو طارق السماعة ... وبينما راح يتذكر كل كبيرة وصغيرة عن منال وهي صبية فإذا به يتذكر شيئا مهما لقد تذكر آخر مرة كانت أم طارق ماسكة بلباس منال وكان بين يديها مخدة منال وكان ذلك بغرفتها، فسارع نحو السلم وهو يقول «أكيد وضعتها بها ولم لا»، وما إن وصل إلى غرفة منال...راح يمسك بالمخدة وبينما هو متردد في فتحها قال لنفسه «إنه الشيء الوحيد الذي بقي في البيت ولم أفتشه بعد»، ورفع رأسه إلى السماء يدعو الله وما إن أفرغ محتوى المخدة حتى كاد لا يصدق من شدة فرحته التي بدأت تذوب شيئا فشيئا وتحولت إلى دموع حزينة.
***
منال وصلت إلى الفندق وهي متجهة نحو المصعد ففوجئت بالفنان الذي كان نازلا من السلم وهو تائه بنظرات حزينة ... اقتربت منه وما إن توقفت أمامه وأبصرها حتى تبادل معا نظرات حزينة مما ازدادت حيرتها وسألت قائلة:
- ماذا حدث؟ ... هل تكون قد رفضت السفر ؟!
قبل أن يرد عليها طلبها بإشارة من يده لأخذ مكان بمقهى الفندق وهما في طريقهما للجلوس قال:
- بالعكس ... هي كانت ستسافر.
وما إن جلس حتى تغيرت لهجته إلى لوم لنفسه قائلا:
- الحقيقة ارتكبت خطأ وغلطة، كان علي ألا أنسى تاريخ هذا النهار الثاني عشر أوت، وحتى لو نسيته كان على الأقل أن لا أترك التذاكر خارج الحقيبة، مسكينة ... لقد كانت تتذكره قبل موعده بأيام ... ولو أنها في الحقيقة لم تنسه أبدا، لكن لأول مرة وبعد ثلاثة عشر سنة نسيته رغما عنها في غمرة السعادة التي عاشتها معك ولم تتذكره إلا صدفة.
***
الفنانة بغرفتها بثوب أبيض مستلقية على السرير بدموع حزينة وبين يديها صورة الصبية منال تتأملها بحنان ووجه حزين، ثم ضمت الصورة إلى حضنها بشدة.
***
في الأسفل حيث منال كانت تسمع إلى الفنان بكثير من الاهتمام بعدها نطقت قائلة:
- مسكينة، الآن فقط عرفت لماذا لقبت بالنجمة الحزينة.
ثم قامت لتستأذن بالعودة إلى المنزل.
***
الأب في حالة قلق، مرة على مرة ينظر إلى الساعة، وما إن دق جرس الباب حتى ذهب بسرعة ليفتحه فإذا به يفاجأ بعودة منال مبكرا وعلامات الحزن بادية على وجهها، دخلت دون أن تنطق بشيء متجهة نحو السلم ... أوقفها الأب قائلا:


- ماذا حدث؟ ... هل سافرا قبل أن تودعيهما... ؟
ردت بعد أن أدارت رأسها قائلة بصوت هادئ:
- لا... لم يسافرا بعد ولا أظن أنهما سيسافران هذا النهار.
أبو طارق يشعر لحظتها بأعماق قلبه بسعادة وارتياح، في حين تابعت منال قائلة:
- اليوم ... هو يوم عيد ميلادها...إنه اليوم نفسه الذي فقدت فيه ابنتها، في هذا اليوم تختلي بنفسها بغرفتها لا تكلم أحد ولا يكلمها أحد ... إنه يوم حزن ولوم وعذاب لنفسها.
بعدها صعدت منال إلى غرفتها، وتركت أبو طارق يكلم نفسه في صمت «هو صحيح لا نذكر اليوم الذي تسلمناك منه، لكن أكيد كان إحدى أيام شهر أوت»، وفجأة أبصر أبو طارق من النافذة حضور طارق ... فخرج ليستقبله ... توقفا بالجنينة يتكلمان بخصوص منال.
دخلا بعدها الصالون ... قال الأب:
- سأتركك معها حتى لا تغادر البيت، وأنا سأذهب بنفسي إلى الفندق.
ودون أن ينسى أخذ معه علبة صغيرة مربوطة برباط التزيين ...
جلس طارق بغرفة المكتب وترك الباب مفتوحا...
***
وصل أبو طارق إلى الفندق ... وعندما طلب من موظف الاستقبال أن يدله على جناح الفنانين، هذا الأخير رفض بحجة أنهما غائبان فنطق أبو طارق في قلق وبسرعة:
- هل يكونا قد سافرا ؟!
وكان رد الموظف بنوع من الإحراج:
- لا لم يسافرا... لكن...
وقاطعه أبو طارق:
- أرجوك دلني عن مكان تواجدهما فهناك موضوع مهم يخصهما، إنهما يعرفاني... إنني أبو الفتاة منال التي كانت تزوروهما ...
وأمام إلحاحه وتوسله ... ابتعد الموظف قليلا نحو الهاتف وأدار أرقامه ثم اتصل بجناح الفنانين ... كلم الفنان بصوت خافت، ويترك الموظف السماعة ويقترب من أبي طارق ليأخذه نحو المصعد بعد أن دله على الطابق ورقم باب الجناح ... استقبل الفنان سامي أبا طارق ... ولما حاول الفنان الاتصال هاتفيا بالاستقبال ليقوم بواجب الضيافة أوقفه أبو طارق قائلا:
- لا أرجوك لا داعي فأنا جئت من أجل موضوع مستعجل.
احتار الفنان من كلام أبي طارق ولم ينطق بشيء، في حين تابع أبو طارق قائلا:
- الموضوع يخصك ويخص الفنانة حرمك و... ومنال ... نعم منال هي في الحقيقة ليست بابنتي.
وينطق الفنان في كامل دهشته:
- ليست ابنتك
ويرد أبو طارق:
- نعم ليست بابنتي، القدر هو الذي رماها بين أحضان أفراد أسرتي من حوالي ثلاثة عشرة سنة.
وبكثير من الدهشة ينطق الفنان:
- ماذا قلت !... ثلاثة عشرة سنة ؟!
ويرد أبو طارق:
- أرجوك اسمعني للأخير لأنني سأقول الكثير لأتأكد أكثر فأكثر ولو أنني أصبحت الآن متأكدا من كل شيء.
وبدأ يحكي أبو طارق للفنان الذي كان يسمعه بشغف قائلا:
- أذكر أنها كانت تردد بالإضافة إلى اسمك الكامل واسم الفنانة كانت هناك أسماء أخرى، أذكر اسم دادة فاطمة.
ونطق الفنان:
- إنه اسم المرحومة مربيتها.
وتابع أبو طارق:
- واسم نينة زينب.
وقال الفنان:
- إنه اسم جدتها.
وتابع أبو طارق:
- واسم سمسم.
وقال الفنان:
- إنه اسم قطتها.
وقال أبو طارق:
- واسم بس بس.
ونطق الفنان:
- إنه اسم الكلب عبارة عن لعبة.
وقال أبو طارق:
- واسم نونو.
وبصوت يكاد يكون مخنوق يرد الفنان:
- إنه اسم الدمية.
وتابع أبو طارق قائلا:
- منال حكت لي عن وجود صورة للصبية منال.
وقام الفنان وهو ينزع الصورة المعلقة على الحائط ويقدمها له قائلا:
- لقد كانت دائما تصطحب صور الأولاد دون أن تنس صورة منال.
وما إن مسك أبو طارق بالصورة حتى قال:
- إنها هي ... صورتها وهي صغيرة لم تبرح خيالي وكأنني أراها اليوم، والغريب أنها فعلا مازالت تحمل ملامح الصبا
ونطق الفنان في حسرة:
- ولقد أدركت أمال ذلك الشبه وأنا الذي كنت أتجاهله اقتناعا مني أنها فقدت للأبد، لقد بحثنا عنها بعد الحرب في جميع الملاجئ.
بعدها يمسك أبو طارق بالعلبة ليقدمها للفنان قائلا:
- العلبة هذه تحتوي بداخلها لباس منال لما ساقها الخاطف إلينا، أكيد سيكون أجمل هدية ستقدم لها في هذا اليوم.
ثم هم بالوقوف للانصراف ... لكن الفنان أوقفه قائلا:
- ألا تبقى لتقدمها لها بنفسك ...
وكان رد أبو طارق:
- هذه المرة هي مهمتك أنت ... لأن مهمتي أنا لم تنته بمنزلي بعد، سأعود لمنال ... فهي لم تعرف شيئا بعد ...
***
بمنزل أبو طارق، طارق خارج من غرفة المكتب يريد صعود السلم نحو غرفة منال، كان في حالة قلق وهو ينظر إلى الساعة، بعدها تراجع نحو المكتب وأحضر المسجل والشريط وجعله على الطاولة، ثم نظر مرة ثانية إلى الساعة ... في تلك اللحظات يحضر أبو طارق ... استقبله طارق قائلا:
- هل...؟
وقاطعه أبوه قائلا:
- لم يبق إلا مهمتنا مع منال ... وإنني أراها المهمة الأصعب.
***
في الفندق وبالضبط بغرفة أمال حسني ... الفنان كان ما زال مترددا في مفاتحة الفنانة رغم أنه دخل الغرفة، لكن الفنانة لم تعبأ بوجوده وهي مازالت تائهة الأفكار بعيون حزينة، الفنان يحاول الاقتراب منها والجلوس بقربها، ثم وضع العلبة أمامها بنوع من القلق وبعدها نطق قائلا:
- أنا أعرف أنه ليس من حقي قطع خلوتك كما أعرف جيدا أنك لا تتقبلين أية هدية مهما كان ثمنها وفي هذا اليوم بالذات ... لكن أرجوك بل أتمنى أن تقبلي مني هذه الهدية.
الفنانة لم تعبأ بكلام زوجها ولم ترفع حتى رأسها نحوه مما جعل الزوج يكرر قائلا بصوت مخنوق:
- أرجوك ... كل الذي أريده منك هو فتحها فقط وبعدها أنت حرة فلك الاختيار بين قبولها أو رفضها، ولو أنني متأكد أنك لن ترفضينها لسبب واحد أنها هدية ليست ككل الهدايا.
الفنانة بقيت في حيرة تكاد تفهم كل شيء وفي نفس الوقت لا تفهم ولا شيء، لكن صوته الحنون الذي يكاد يكون مخنوقا على غير العادة وتلميحاته بعيونه الحزينة دفعتها إلى مد يدها بكل هدوء لفتح العلبة، أخرجت اللباس الذي بدا لها في الأول شيئا غريبا، ثم خطر ببالها أن اللباس ليس غريبا عنها فرفعت رأسها نحو الزوج وهي في حيرة وراحت تتذكر من ارتدت هذا اللباس فتذكرت منال ابنتها وآخر مرة كانت ترتدي اللباس نفسه ...رجعت من الماضي إلى الواقع وهي تقرب اللباس إلى أنفها فاستنشقت رائحته ثم قالت متسائلة في حيرة وقد اغرورقت عيناها بالدموع:
- لا تقل لي إنك اشتريت لباسا مثله، إنه لباس النوم الذي اختطفوها فيه ورائحتها مازالت فيه.
وابتسم وقد اغرورقت عيونه ثم هز رأسه قائلا:
- إنه لباس منال، ومن أحضره أبو طارق.
الفنانة بقيت في حيرة تكاد تفهم ولا تفهم شيئا لكن الزوج لم يتركها في حيرتها ونطق قائلا:
- كم كنت غبيا لما تجاهلت إحساسك تجاه منال، إحساس الأمومة نحوها كان صادقا أما أبوتي أنا لم أكتف بالتجاهل لإحساسك بل أصريت على هذا التجاهل ... ويمكن هذا لاعتقادي وإيماني اليقين أن منال اختفت للأبد.
الفنانة تكاد لا تصدق ما تسمعه من زوجها وتنطق في تعلثم:
- هل تكون ... منال ... هي نفسها ...
فقاطعها الزوج مكملا قائلا:
- نعم إنها هي نفسها منال ابنتنا.
وتنطق الفنانة بصوت مخنوق:
- لكن ...!
ويقاطعها الزوج قائلا بصوت هادئ:
- أنا سأحكي لك كل شيء حتى تقدرين موقف أبا طارق والمرحومة أم طارق.
***
طرق طارق باب غرفة منال مستأذنا بالدخول، وما إن أبصرته منال وهو يدخل حتى قامت بسرعة لتسلم عليه وهي تقول:
- لقد اشتقت إليك.
ونطق بصوت هادئ:
- صحيح يا منال ... يوم واحد واشتقت إلي.
وقالت منال:
- وهل تشك في ذلك؟
وضمها إلى صدره ثم قال:
- لا... أبدا ... لكن يظهر أننا سنفترق أكثر من يوم وممكن أكثر من شهر ويمكن للأبد.
تكاد منال تنتابها الحيرة مما تسمعه من أخيها الذي كان يظهر عليه يتكلم وهو تائه الفكر مما جعلها تنطق قائلة:
- طارق ما بك ... ماذا تقول ... ؟!
يدرك طارق نفسه فيحاول أن يبتسم ثم يمسكها بكل حنان من يدها نحو الباب قائلا لها:
- يا للا بنا إلى الأسفل فأبي بانتظارنا.
***
في الطابق السفلي وبالضبط بقاعة الجلوس، جلس الأب وإلى جواره منال وطارق ... ونطق الأب قائلا بصوت حنون:
- منال … كنت الآن عند الفنانين.
وردت على الفور قائلة:
- وهل شاهدت الفنانة ؟!
ورد أبو طارق:
- الحقيقة لم أشاهدها، لكن الموضوع الذي كلمت فيه الأستاذ سامي والذي سينقله بدوره للسيدة أمال...وأنا متأكد بدءا من تاريخ هذا اليوم ستستعيد فرحة عيد ميلادها لسبب واحد وهو أنني عثرت لها على ابنتها المفقودة.
استغربت من كلام أبي طارق ونطقت قائلة في سعادة:
- صحيح يا أبي...
يشعر الأب لحظتها بسعادة عابرة لما سمع كلمة أبي ثم نطق في تلعثم:
- نعم وهي الآن في طريقها إلينا بصحبة زوجها.
وردت منال في سعادة:
- إذن ستأتي لتعرفنا بابنتها، لكن قل لي يا أبي كيف تمكنت من العثور على ابنة الفنانين؟
وينطق طارق ودون مقدمات:
- منال، أنت منال ابنتهما المفقودة من ثلاثة عشر سنة.
منال تكاد لا تصدق ما تسمعه فحين تابع طارق قائلا:
- أرجوك يا منال اسمعي هذا الشريط إنه صوت المرحومة ... وراح يضغط على زر المسجل، مما ازدادت دهشة منال وهي تسمع صوت أم طارق «... منال ... أيتها الابنة الغالية...لو تحبينني اسمعي ما سأقوله لك من الأول إلى آخر الشريط، أرجوك اسمعيني جيدا، منال سامحيني...أنا صحيح تأخرت كثيرا في مصارحتك بالحقيقة، لكن ذلك كان رغما عني، منال أنت لست بابنتي... لكن يعلم الله أنك كنت بالنسبة لي أكثر من ابنة ... الظروف هي التي ألقتك بين أيدينا، وكان إحساسي أن الله عوضني بك في ابنتي سناء التي ذهبت ضحية الحرب بعد وجودك بيننا بشهر، كانت هي الأخرى في مثل سنك، كانت لهجتك مصرية وكان اسمك منال ... كنت دائما تذكرين أسماء عدة وخصوصا اسم والديك الفنان سامي عبد العزيز والفنانة أمال حسني، قلت أنهما يمثلان في السنيما والتلفاز، كنت كل مرة أحاول أن أصارحك لكن الشجاعة خانتني لأنني كنت أحبك ولم أكن أتصور بعدك عني ولو لحظة، لكن الآن وأنا أقترب من موعد العملية وبعيدة عنك فكان لابد أن أريح ضميري قبل لقاء ربنا، منال حبيبتي فيه أشياء كثيرة ستساعدك في العثور على والديك واحتمال كبير أن يكونا هما نفس الفنانين الذين ذكرت اسمهما وأنت صبية ... منال ... للمرة الأخيرة أقول لك سامحيني... سامحيني»...
وتدرك منال صوت المرحومة وهو يختنق بالبكاء بينما هي في كامل دهشتها وقد استمعت إليها إلى آخر الشريط ... قامت من مكانها وهي في حالة ذهول بدأت تتراجع إلى الوراء وهي تكاد لا تصدق ما تسمعه، وهي تقول وقد اغرورقت عيناها بالدموع:
- مستحيل ... صعب أصدق ... مستحيل ... !
ثم فتحت الباب وخرجت تجري بعد أن اختنق صوتها بالبكاء ... نهض طارق من مكانه ليلحق بها مناديا عليها بأعلى صوته لكن أباه يستوقفه لما قال له:
- لا... اتركها... أتركها لنفسها فهي بحاجة إلى وقت تختلي فيه بنفسها لكي تستدرك وتصدق الحقيقة.
بعد فترة يصل الفنانان، فتح طارق عليهما الباب مرحبا بهما ... نطقت الفنانة بصوت هادئ:
- هل عرفت الحقيقة؟
ابتسم طارق ورد عليها:
- نعم ...!
ونطقت الفنانة على الفور متجهة صوب السلم:
- إذن هي في غرفتها
ورد أبو طارق:
- لقد خرجت ...
الفنانة تتوقف تنظر إلى أبي طارق ثم تتبادل النظرات مع زوجها وكأنهما أرادا أن يقولا لم نفهم شيئا ... لكن أبا طارق لم يترك فترة حيرتهما تطول فقام من مكانه قائلا:
- يا للا معي.
وخرجوا جميعا يتقدمهم أبو طارق، ركبوا السيارتين فركب طارق بصحبة والده وركب الفنانان بسيارة الفندق ...
انطلقت السيارتان محاذيتان للطريق البحري، وبعد عدة أمتار يطلب أبو طارق من طارق التوقف ... وتوقفت السيارتان على بعد أمتار من البحر، ونزلوا كلهم نحو البحر، كل واحد يلقي نظره عن قريب وعن بعيد لعله يبصرها... فجأة كان أول من شاهدها طارق فأشار لهم لمكانها بإشارة من يده، منال كانت واقفة على شاطئ البحر تنظر إلى الأفق البعيد بدموع حزينة، الفنان وزوجته يتجهان نحوها، وما إن لاحظاها تدخل البحر بخطوات ثقيلة حتى توقفا وتبادلا نظرات الحيرة ... الفنانة أرادت أن تصرخ منادية عليها بأعلى صوتها لكن الفنان يوقفها بوضع يده على فمها ... في الوقت نفسه منال كانت قد تقدمت إلى وسط البحر ثم جلست على ركبتيها ... اتجهت الفنانة نحوها بخطوات هادئة … تنطق منال بصوت حزين:
- مهما حصل فأنا سأظل ابنتك وسأفضل أحبك العمر كله.
ويظهر لها على الماء خيال المرحومة ... فمدت يدها تحاول احتضان المرحومة وهي ترفع يدها كانت صورة خيال المرحومة تبتعد عنها، فحين أبصرت الخاتم الذي أهدته لها الفنانة ترتسم عليه صورتها، في تلك اللحظات الفنانة اقتربت منها وجلست خلفها وبدموع حزينة وصوت مبحوح قالت:
- أعرف كم كانت امرأة عظيمة وطيبة، وأعرف كذلك كم كانت تحبك وكم كنت تحبينها، كانت كل شيء بالنسبة لك وكنت لها كذلك، وأنا الآن لم أحضر لآخذ منك ذلك الحب الذي كان يربطكما، بل بالعكس أحبيها على قدر ما تقدري وأكثر، لكن أرجوك يجب أن تعرفي أنني عشت أكثر من ثلاثة عشر سنة أنتظرك، وكنت من غيرك ضائعة بقلب حزين ... ولما عرفت الحقيقة صدقت على طول أنك عمري الذي ضاع لأن قلبي كان يحس أنك قريبة مني، وقلب الأم عمره ما يغلط وصدق من قال ذلك، منال حبيبتي ... بيدك إرجاع ابتسامتي للأبد وأعدك أنني لن أتخلى عنك هذه المرة ولو لحظة من حياتي.
بدأت منال تدير رأسها نحو الفنانة بعيون تحجرت بها الدموع ورغم أن الصوت هو صوت الفنانة أمها الحقيقية وقبل أن تتضح لها ملامح وجه الفنانة جيدا تكاد لا تصدق ما تراه عينيها نفس صورة المرأة التي كانت تزورها بالمنام وبنفس الثياب البيضاء والشعر الأسود المنثور على كتفيها، وما إن ظهرت لها ملاح الفنانة أمها حتى نطقت بصوت مخنوق:
- أنت ... ؟!
لحظتها ... شعرت الفنانة بقلق شديد وقد ازدادت دموعها على خديها، فحين منال راحت تمد يديها بكل حنية نحو خدي أمها لتمسح لها دموعها، وما إن التمستها يدي منال حتى حضنتهما بيديها وتنهدت بعمق وارتياح وأغمضت عينيها وراحت تقبلهما، فإذا بمنال تنطق قائلة:
- معقول إنها نفس الصورة التي لم تكن ملامحها واضحة ... أنت ... أمي 
فتحت الأم عينيها وتوقفت فترة تتبادل نظرات كلها حب وحنان وشوق ونطقت قائلة:
- ممكن أسمعها منك مرة ثانية...
ابتسمت منال وأمسكت بيدي أمها للقيام ثم قالت:
- أمي … حبي لك كان أكثر من حبي لك كفنانة ...
فعانقتها الأم بشوق كبير.
في تلك اللحظات كان طارق قد انتهى من كتابة ورقة وضعها داخل سيارة الفنانين أمام المقود، ثم ركب هو وأبوه السيارة وهما يقلعان، أبو طارق لم يستطع إخفاء دموعه التي نزلت رغما عنه وراح يمسحها.
***
منال وأمها يتجهان صوب الشاطئ لتخرجا من البحر.
تتوقف منال لتتبادل النظرات مع أبيها الفنان، الأب لحظتها يشعر بقلق وبنوع من الإحراج، لكن ما إن بدا يدخل البحر بخطوات ثقيلة متعثرة حتى سارعت منال جريا نحوه وهو الآخر يجري نحوها ويعانقها بوسط البحر ...
ركب الثلاثة السيارة، وكانت منال تتوسطهما أثناء الإقلاع بالسيارة تنبه الفنان


للورقة فمد يده وفتحها ثم ابتسم وسلم الورقة للفنانة قائلا:
- إنها لك...
أمسكت الفنانة بالورقة فكان المكتوب «باسمي واسم أبي طارق نقول لك عيد ميلاد سعيد»
بعدها ضمت الفنانة منال بكل حنان. النهــــــــاية
"قصة لقاء نجمة"

هناء12 13-08-11 03:56 PM

سلام وتحية
 


رمضان كريم وصح فطوركم

اين أنتم ياأعضاء وزوار روايتي معقول أنتظر ردكم بفارغ الصبر عن أحداث القصة لكن لا حس ولا خبر معقول رمضان غالبكم لهذه الدرجة

soha 15-08-11 04:02 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

هناء12 20-08-11 01:50 AM

سلام وتحية وشكر
 
شكرا عزيزتي سهى على المرور

elnagm_elrosh 20-08-11 03:09 AM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


كل سنة و انت طيبة

ان شاء الله اقراها و ليا عودة بأذن الله


الساعة الآن 03:35 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.