الكتابة فعل ذاتي، وكل محاولات الكاتب في التملص من ذاتيته هي محاولات تسير به نحوها أكثر، هكذا تشعر وأنت تقرأ رواية نباح للروائي السعودي عبده خال، ولكن عبده خال لا يريد أن يضللك أصلا، بل هو يطرح عليك الأمر في غاية الوضوح والبساطة في الكثير من المواضيع، وكأنه لا يريد إلا أن نتشترك معه في فعل التصديق مباشرة، فهو يحسم هذه الفكرة باستخدام ضمير المتكلم، وبحشد الكثير من صفات الكاتب الحقيقية وباستحضار ملامح المكان السعودي وتجسيد انتمائه له، وتحديد طبيعة وظيفته الصحفية، بل وبالكثير من الملامح الأكثر دقة التي تلامس الواقع الحقيقي للكاتب، والكثير من الأمكنة والأسماء الحقيقية ..
كما هي عادة الروائي الرائع عبده خال في تجسيد الحزن العميق وعرض المآسي على شكل رواية جميلة تحكي أيام تحمل في طياتها الرومانسية في مدينة جدة حيث كانت الحارات والناس في اختلاطهم وتقاربهم دون اعتبار لجنسياتهم أو أعراقهم .. تدور الحكاية في رواية «نباح» حول قصة حب قديمة وقوية بدأت من فترة المراهقة واستمرت لزمن ليس بقصير، ربطت بين شاب من السعودية وفتاة يمنية، ولكن أسباب الحياة والفراق ما لبثت أن تدخلت، فتنتقل عائلة المحبوبة إلى اليمن، حيث ينسج القدر لعبته، فتضيع كل الخيوط التي تمكنّه من معرفة مكانها الحقيقي في اليمن، ويجتهد على مدى عشر سنوات للبحث عنها رغم أنه قد تزوج (زواجا تقليديا) وكوّن عائلة وأنجب الأطفال. ورغم أن روحه (الذاهبة في الحنين والبحث وراء المحبوبة) كثيرا ما تحن إلى هذه العائلة الصغيرة للركون إليها والأنس بها، وتذكّر جماليات كل شخص فيهم بما فيهم زوجته، إلا أنه يستمر في البحث والسعي لها، ضاربا بكل شيء عرض الحائط، متناسيا كل شيء إلا وجهها وعشقه لها، وحنينه إليها. وفي إحدى المرات التي قرر فيها السفر إلى اليمن تتصاعد خلافاته مع زوجته (التي يقدّمها بصورة طيبة، حيث عانت معه الكثير من الوجع والإهمال بسفراته المتكررة، وسعيه الحثيث والمتكرر للبحث عن «وفاء) فيضطر أن يطلقها ويترك لها الأطفال قبل أن يغادر. وفي الرحلة التي تسير ضمنها أحداث الرواية؛ يذهب الراوي/الصحفي بتكليف من الصحيفة التي يعمل فيها لحضور مؤتمر عربي رسمي في اليمن، وهناك يقرر أن يخصص كل وقته للبحث عن حبيبته الغائبة بعد أن ينتهي المؤتمر، وبعد بحث وجهد وتعب ومعاناة يجدها، ولكنه يجدها وقد وقعت في براثن البغاء امتثالا لشروط الحياة القاسية، فيعود يجرجر ثقل خيبته وهزيمته وخسرانه الكبير. وضمن هذه الفكرة يسجل الكاتب أحداث رحلته بشخوصها وأزمنتها وأمكنتها بدقة متناهية.
بأختصار ..
هي قصة حب بدأت في جدة وانتهت في عدن وربما لم تنتهي بعد ..