آخر 10 مشاركات
كُنّ ملاذي...! (92) للكاتبة: ميشيل ريد *كــــاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          ساحرتي (1) *مميزة , مكتملة* .. سلسلة عندما تعشق القلوب (الكاتـب : lossil - )           »          بقايـ همس ـا -ج1 من سلسلة أسياد الغرام- للكاتبة المبدعة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : noor1984 - )           »          أهواكِ يا جرحي *مميزة & مكتمله* (الكاتـب : زهرة نيسان 84 - )           »          586 - حب لايموت - صوفي ويستون - ق.ع.د.ن ( عدد حصري ) (الكاتـب : سنو وايت - )           »          602 - عودة الحب الى قلبي - كارول مورتيمر - ق.ع.د.ن *** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree15Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-12-11, 11:46 AM   #1

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي 29- بوهيميا- قلوب عبير/آن ويل ( كتابة / كاملة )**




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالكم جميعاً؟

أتمنى من الله أن تكونوا في أحسن حال

لقد جئت لكم اليوم برواية أخرى وهي :

بوهيميا-قلوب عبيرقـ -29-آن ويل




الملخص



[COLOR=DarkSlateGray""]لعل الحب هو العاطفة الأكثر إثارة للحيرة و الأكثر غرابة فهو لا يخضع لأي ! أو !, إنه الشعور البوهيمي الذي ما انفك يتحكم بقلب العالم من أقصاه إلى أقصاه, حتى قيل بسببه تدور الأرض...
جوسلين فتاة عشقت الحياة الهادئة البسيطة. بعكس ابنة عمها كاميليا الجميلة التائقة إلى الشهرة وكان زواج كاميليا من رجل فرنسي, فلاح, مبعث قلق للعائلة فهي دلوعة و!. وانتهى بها الأمر أن طلبت من جوسلين الحضور إلى المنطقة الكامارغ القاسية المليئة بالخيول و الثيران والرياح العاصفة لمساعدتها أثناء حملها... وهناك عرفت جوسلين قسوة العيش وخشونة الرجال بخاصة جيرفيه شقيق زوج ابنة عمها, الذي أذاقها الأمرّين بتسلطه ورهبته. ولكن كلما تأخر بها البقاء في الكارماغ كلما تعمقت جذورها في تلك البلاد النائية, حيث الحب ما زال بوهيميا بكراً كما كان منذ بداية الكون
.[/COLOR]

(كل علامة تعجب؛ تدل على عدم وضوح الكلمة وعدم معرفتي ماهيتها بالضبط >< المعذرة )


أتمنى أنها لم تُكتب بعد .. و إن شاء الله أبدأ بتنزيل الفصل الأول بعد معرفة رأيكم



روابط الرواية

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 01-04-19 الساعة 01:55 AM
جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-12-11, 11:50 AM   #2

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

عدد الفصول سبعة .. إن شاء الله سأنزل الفصل الأول اليوم

جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-12-11, 11:56 AM   #3

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

1-جاءت الرسائل وفيها رسالة لم تتعود جوسلين تلقيها من ابنة عمها كاميليا التي تزوجت رجلاً فرنسياً وهي حامل و تطلب حضور جوسلين بسرعة... إنها رحلتها الأولى خارج الحدود.

كانت جوسلين تعد المهلبية الساخنة عندما سمعت باب علبة البريد ينفتح ثم يغلق. سحبت القدر عن النار و خرجت إلى البهو لإحضار الرسائل. من بين عشرات المغلفات العائدة كلها إلى دعايات و منشورات طبية و مخبرية, وجدت فاتورة للغاز و رسالة من فرنسا.
كانت الفتاة تكتب إلى كاميليا رسالة كل شهر, لكن ابنة عمها لم ترسل إليها سوى بطاقات بريدية تدون على قفاها بعض الكلمات السريعة المقتضبة.
وضعت الفتاة الرسالة في جيب فستانها و ناولت والدها الفاتورة بينما كان يهبط السلم, ثم قالت:
-صباح الخير, يا أبي. الفطور جاهز تقريبا. وكيف حال الطفل؟
-إنه صبي و وزنه أربعة كيلوغرامات.
قبّل الدكتور بيشوب ابنته على خدها ورافقها إلى المطبخ. مثله, كانت جوسلين ممشوقة القامة, طويلة. وكانت رفيقاتها في المدرسة ينعتنها " الفاصوليا الخضراء" مما اضطرها إلى تقويس ظهرها لتبدو أقصر مما هي. لكنها الآن, في التاسعة عشرة من عمرها و تتقبل نفسها ببساطة و اعتزاز.
نادراً ما تتناول عائلة بيشوب وجبات طعامها على مائدة السفرة في غرفة الطعام الواسعة, بل تفضل البقاء في المطبخ, المطل على الحديقة والذي تدخله الشمس طوال النهار. لكن, في هذا الصباح من نهار الاثنين, غابت الشمس عن مائدة الفطور, المغلفة بشرشف أبيض معرق والمليئة بالآنية الفخارية البيضاء و الزرقاء الخاصة بمنطقة كورنويل الشهيرة الواقعة في شرق انكلترا. بعد فصل شتاء ناعم ورطب, اشتد البرد فجأة, و بدأت السماء ترسل ثلجاً في أواخر شهر آذار/ ماريس.
جلس الأب أمام المائدة ووضع فوطة حول عنقه, فسألته الابنة:
-في أي ساعة عدت إلى المنزل, يا أبي؟
-جاء المولود السعيد في الواحدة بعد منتصف الليل, وأنا عدت قبل الثانية بقليل. لكني بدأت أتساءل في أي ساعة عادت الآنسة ديفييس, الممرضة الشابة. ولحسن الحظ أن الآنسة مايس ستسأنف عملها اليوم. في كل حال, آن لنا أن نوظف ممرضة ثالثة, على الأقل نصف دوام, ما دامت المنطقة تستمر في الازدهار والعمران ويزيد كثافة سكانها يوماً بعد يوم.
قبل الحرب جاء جد جوسلين, الطبيب أيضاً, وسكن في هذه القرية ومارس فيها مهنته وأورثها إلى ابنيه, واحدهم يدعى جون بيشوب, والد جوسلين. و ظلت القرية على ما كانت عليه قبل الحرب, إلى حين اصبحت الفتاة في سن المراهقة, إنه حي كبير, هادئ الجو يذكر بالحياة الريفية القديمة. لكن, حول البلدة, اختفت الحقول والبساتين الشاسعة لتحل مكانها المنازل والمباني الجديدة. وفيها اسكنت البلدية العمال الزراعيين الذين كانوا يعيشون في أكواخ خالية من المراحيض والماء والكهرباء. وقام متعهدو البناء بفرز أراض كثيرة, عالمين مسبقاً أن المدينة المجاورة سيصل بها الوقت إلى عدم استيعاب جميع السكان, الذين سيبدؤون بالتزوج إلى الجوار وخاصة إلى الضواحي القروية, حيث ستبنى من أجلهم المنازل ويتم استقرارهم فيها بشكل نهائي.
و هذا ما حدث بالفعل منذ أكثر من سنة. امتلأت المنازل الجديدة بأصحابها ومستأجريها, و غيرها قيد البناء. واصبحت مدرسة القرية الابتدائية مزدحمة بالتلاميذ, وازداد نشاط الدكتور بيشوب, الذي, بواسطة ممرضتيه, ساعد على انجاب اطفال بفوق عددهم بكثير مواليد السنوات الفائتة.
وبسبب هذا التطور السكاني, وضع اعلانا في الصحف المحلية يطلب فيه طبيبا مساعداً. وبعد غربلة المتقدمين, تم اختيار طوم كالي, الذي يلم بشؤون الطب القروي, كونه ابن مزارع قديم.
وبينما كان الدكتور يرد على مكالمة هاتفية وهو يحتسي الشاي, وصل طوم وقال:
-صباح الخير, يا جوسلين. هل بقي شاي؟
دخل إلى المطبخ وهو يفرك يديه ببعضهما لشدة البرد, والابتسامة تضيء وجهه. إنه شاب قصير القامة, سمين, بكتفين عريضتين وعينين زرقاوين, وشعر غزير أشقر. احمر وجه جوسلين وقالت:
-سأعد المزيد منه.
استلطفت جوسلين خذا الطبيب الشاب منذ ستة أشهر مضت لدى وصوله إلى القرية. ومنذ بداية السنة, يخرجان معاً لحضور الأفلام والمسرحيات والحفلات الراقصة. صحيح أنها تشعر تجاهه بالمحبة و تشاركه بعض افكاره وانتماءاته, لكن لم يخطر أبداً في بالها أن طوم يشعر اتجاهها بشيء يفوق الصداقة العادية.
ومساء أمس, وبينما كانا عائدين من حفلة سنيمائية, راح يعانقها بانفعال, لكن من دون شقف. وقبل ان تنام فكرت مراراً بما حدث, هل تأخذ قراراً صعباً, غير منتظر, أو تترك الأمور تسير على طبيعتها و عفويتها. ربما من الأفضل أن تفهمه بلياقة بأنها على غير استعداد للانخراط في مغامرة عاطفية جديدة. وحيال هذا التردد الكبير, لم تنم جيداً و شعرت بتوتر واضطراب وحيرة, لم تعرف مثلها من قبل.
ألقى الطبيب الشاب نظرة على ما تبقى على مائدة الفطور وقال:
-ام م م م ... مهلبية وبيض مقلي! أراهن بأن والدك لن يموت جوعا! أنا, لم أتناول سوى زبدة و مربى, هذا الصباح.
ضحكت جوسلين وشعرت بارتياح لتصرفه الطبيعي تجاهها وقالت:
-هل تريدني أن اقتنع بأن السيدة براين لا تغذيك كفاية. سمعتها شهيرة بأنها طاهية ماهرة, ولهذا السبب طلب منها والدي أن تؤجرك غرفة عندها.
-صحيح, إنها تعتني بي جيداً. لكن مهما يكن, لن أمانع في تناول قطعة الخبز المحمصة هذه, إذا قدمتها لي.
أجابت وهي تملأ ابريق الشاي:
-تفضل, أرجوك.
ثم أضافة وهي تراه يغمس الخبزة في وعاء المهلبية:
-إذا لم تنتبه لنفسك من كثرة الطعام, ستصبح سمينا أكثر.
-كلا, أنا أعمل كثيراً هذه الأيام. أما أنت, فلا أراك تحرمين نفسك من شيء, ولا أرى أي اشارة سمنة فيك. هذا الثوب الأزرق جميل عليك. وكيف جرى انك لا تشبكين في شعرك ملاقط, كمعظم النساء. هل نزعتها قبل وصولي؟
لمست جوسلين شعرها الكستنائي الفاتح: إنه مالس, يلتوي في أطرافه بشكل طبيعي. غالبا تتركه ينسدل على كتفيها, ونادرا ما ترفعه بشكل كعكة فوق رأسها. يكفي أن تغسل وجهها بالماء البارد, وتفرك أسنانها, ثم تسرح شعرها لتكون مستعدة كل صباح.
قالت بصوت خفيف:
-آه. أكره أن أنام والملاقط في شعري.
دخل والدها المطبخ و أعلن فوراً:
-كانت السيدة أليس تحدثني على الهاتف. يبدو أنها امضت الليل كله ساهرة على ابنها برنارد الذي كان متقوقعا في سريره من شدة الألم. أظنه يعاني من التهاب في الزائدة. طوم, أرجوك ان تمر على المزرعة, في الحال.
-حسنا.
جرع الشاب فنجان الشاي ثم خرج.
قطب والد جوسلين حاجبيه وقال:
-يا له من طقس شيء. لن أفاجأ إذا تكاثف الثلج اليوم.
ذكرته جوسلين حين قالت:
-لا أهمية لذلك. فبعد اسبوعين ستكون في بلاد الشمس.
نظر إليها بعينين مليئتين بالمحبة و قال بحرارة:
-أنت شديدة اللطف, يا جوسلين. لا تقلقي, فأنا سعيد بذلك.
-آه, يا أبي, أما زلت تعتقد بأنني أتصنع الحب لأليزابيث؟ كلا, أنا أجدها امرأة رائعة, و روبرت كذلك. يا إلهي, الساعة اشرفت على التاسعة. ستصل انيتا بعد قليل ولم أفرغ مائدة الفطور بعد.
انيتا لاين امرأة في الستين من عمرها, نشيطة و ظريفة. منذ صغرها تتذكرها جوسلين في هذا البيت. فقد الطبيب زوجته عندما كانت ابنته في الخامسة من عمرها, فاعتنت بها السيدة لاين وعالجتها خلال امراض الطفولة, كما قامت بإدارة المنزل, إلى أن أصبحت جوسلين في عمر يسمح لها بأخذ هذه المسؤوليات عنها. بعد شهادة البريفيه, توقفت الفتاة عن الدراسة إذ اقنعت والدها بضرورة البقاء في المنزل بدل العمل كموظفة في أحد مكاتب المدينة. تأتي انيتا مرتين في الاسبوع لمساعدتها كي يتسنى لها الاعتناء بالحديقة و بأمورها الشخصية الأخرى.
ولما وصلت انيتا على متن دراجتها القديمة, كانت جوسلين قد انتهت لتوها من غسل الصحون و الفناجين. فسألت انيتا لاهثة:
-هل أنجبت أليس لامب أخيرا؟
ساعدتها جوسلين في خلع معطفها وقالت:
-نعم. انجبت صبيا. آه, يا انيتا, يداك مجلدتان. ادخلي إلى الدفء, سأعد لك فنجان قهوة.
-ساعديني على نزع حذائي, يا حبيبتي, من فضلك. صرت سمينة إلى درجة أصبح صعبا عليّ انتزاعها بنفسي.
جلستا في المطبخ ربع ساعة تثرثران و تحتسيان القهوة, قبل أن تبدآ, كل من جانبها في التنظيف المنزلي الأسبوعي.
وبينما كانت جوسلين تصعد إلى الطابق الأول بقية توضيب الأسرة, تذكرت رسالة كاميليا. سحبتها من جيبها و مزقت الظرف وجلست أمام طاولة الزينة في غرفة نومها وشرعت تقرأ رسالة ابنة عمها المكتوبة بخط سيء بالكاد استطاعت قراءته. تقول الرسالة:
" عزيزتي جوسلين
ألف شكر على رسالتك الطويلة الرائعة. و لا يمكنك أن تعرفي بأي شوق انتظر وصول البريد, و أنا مسمرة في هذا المكان المعزول, حيث لا انسان انكليزي على بعد أميال من هنا. الخبر الذي بشرتني به دهشني كليا. لم أكن أتخيل أبداً أن عمي جون سيتزوج من جديد. و حسب ما قلته لي, ان خطيبته تناسبه تماما. لكن ربما تتقبلين بصعوبة أن يأخذ أحد غيرك إدارة و مسؤولية هذا المنزل.
لدي فكرة رائعة! عندما يعود العروسان من شهر العسل, لماذا لا تأتين لزيارتي و قضاء اسبوع أو اسبوعين معي. أنت كنت تقولين لي دائما بأنك ترغبين بالسفر, وهذه فرصة العمر بالنسبة إليك.
جوسلين, أرجوك, تعالي. و إلا سأجن. جان-مارك لطيف جداً, لكنه يتغيب طول النهار و الآخرون ما زالوا غير مسرورين لأنه تزوجني. لا يظهرون له ذلك, لكنهم ينتقمون مني من وراء ظهره. أخوه, نادراً ما يحدثني, لكنه يرمقني بنظرات غامضة, غاضبة, و عمته, إذا استطاعت فلن تتأخر لحظة بوضع السم في طعامي للتخلص مني. أمس كنت نائمة, ولما افقت, رأيتها منحنية فوق رأسي متذمرة. انها تخيفني. شيء شيطاني ينبع منها.
لو باستطاعتي فقط الخروج من حين إلى آخر, لأموه عن نفسي, بالرغم من عدم وجود أي مكان يستحق الزيارة في هذه العزلة, لكن الطبيب نصحني بأن أظل ممددة حتى ولادة الطفل. أرجوك, حبيبتي جوسلين, أتوسل إليك, تعالي! أنا بحاجة ماسة ان يكون أحد من افراد عائلتي قربي. أحيانا أشعر برغبة في الموت, لشدة رعب هذا المكان. وربما أموت قبل ولادة الطفل. هذه الفكرة أصبحت هاجسي اليومي و تجلب لي الكوابيس المرعبة. حتى جان-مارك لا يفهم. و بالطبع اللوم كله على أعصابي. جوسلين, يجب ان تأتي, لا أستطيع الصمود وحدي. كاميليا".
شعرت جوسلين بقلق أمام لهجة هذه الرسالة, وقررت أن تريها لوالدها في الحال قبل أن يبدأ بزيارة مرضاه. لكنها فضلت أن تنتظر موعد الغداء كي تتمكن من مناقشة الأمر بهدوء و متعة.
وصلت إليزابيث راندل حوالي الحادية عشرة و وجدت جوسلين راكعة وسط تلة من الشراشف و المناشف, فقالت:
-صباح الخير, يا جوسلين. يبدو أنك شديدة الانهماك بالعمل.
نهضت الفتاة و أجابت:
-أهلا وسهلا بك. احاول ترتيب المنزل قبل وصولك. هيا بنا نأخذ القهوة, سأنهي العمل بعد قليل. هل ستجلبين معك الكثير من البياض, يا إليزابيث؟
-أقل شيء ممكن. روبرت ينمو بسرعة و الملابس الصغيرة أرسلها إلى المعوزين و لا أدعها تتكدس عندي.
خطيبة الطبيب امرأة نحيلة و سمراء, في الأربعين من عمرها, ارملة و أم لصبي في الثالثة عشرة من عمره. تسكن القرية منذ سنة, و نعرف جوسلين بأن والدها وقع في حبها منذ وقع عليها نظره.
وتتذكر الفتاة والدتها بغموض ولا تفهم لماذا توقع معظم اصدقائها أن تغضب على أبيها لأنه سيتزوج مرة ثانية. وهو رجل جذاب ولطيف للغاية, في الثامنة و الأربعين من العمر. وكيف باستطاعتها أن تشعر بالغيرة تجاه إليزابيث, تلك المرأة الناعمة التي تتمتع بحس مرهف وروح النكتة و الفكاهة. بالعكس كانت فرحة جداً لهذا الاتحاد.
جلستا في الصالون حول القهوة, فقالت إليزابيث:
-وصلتني بطاقة من محلات سميث, يعلن فيها المدير أن ثوب العرس أصبح جاهزاً. وما زلت بحاجة إلى مساعدتك لاختيار القبعة المناسبة.
-يسرني أن أرافقك إلى المدينة. أنا أيضا بحاجة لبعض المشتريات.
بعد حديث عادي ومقتضب, قالت جوسلين:
-وصلتني صباح اليوم رسالة من ابنة عمي كاميليا, تلك التي تزوجت من شاب فرنسي التقت به في باريس حيث كانت تعمل كعارضة ازياء. لقد سبق و حدثتك عنها, هل تتذكرين... والدها أخ والدي البكر. إنه طبيب أيضا و يعيش في بلاد الشرق و ما التقيت به مرة. إنه يدير مستشفى ريفياً في اقاصي غينيا الجديدة.
-نعم, أخبرتني ذلك عندما تزوجت ابنة عمك بغتة. والداها منفصلان, أليس كذلك؟
-نعم. يقول والدي أنه ما كان مفروضا أن يتزوجا من الأساس, لأنهما لا يناسبان بعضهما البعض على الاطلاق. عمي ديفيد يحب عمله كثيراً و زوجته جانيت رائعة الجمال وتحب الحياة و المجتمع. استطاعت البقاء معه أربع سنوات, لكنها لم تحتمل طويلا, فهربت مع رجل آخر. لا يمكن لومها لو أنها ما تخلت عن ابنتها, كاميليا.
-و أخبرتني أيضا أن كاميليا درست في استراليا, أليس كذلك؟
-نعم. كانت في مدرسة داخلية في بريسيان و تأتي إلى غينيا الجديدة في العطل. و لما اصبحت في السابعة عشرة من عمرها, اقنعت والدها كي يسمح لها أن تأتي إلى انكلترا للتعرف على عائلتها. عاشت سنتين في لندن عند جدتي و أصبحت عارضة أزياء. نجحت في هذه المهنة و اشترت شقة فخمة و سيارة جديدة.
-ثم تخلت عن كل شيء لتتزوج من هذا الشاب الفرنسي.
-نعم. تعرفت إليه لأسابيع قليلة قبل أن تتزوجه. لو أعلمتنا بالأمر مسبقاً, لحاول والدي زيارتها و اقناعها بالتخلي عنه أو التحلي بالصبر. لكن, للأسف, عرفنا بأمر زواجها عندما أرسلت لنا بطاقة بريدية من مدينة كان الفرنسية, حيث كانت تقضي شهر العسل. يتهيأ لي الآن, أن التاريخ يتكرر. سأقرأ عليك رسالتها و بإمكانك الحكم بنفسك.
قرأت عليها جوسلين الرسالة بصوت عال, دون أن تقرأ الفقرة العائدة إلى زواج عمها. بعد قليل, قالت إليزابيث:
-إنها تصرخ من القلب, أليس كذلك؟ أين يسكن العروسان, في فرنسا؟
-في البداية سكنا قرب مرسيليا. لكن عندما حملت كاميليا, استقرا في بلدة زوجها, وهي مزرعة كبيرة تخص شقيقه. هل تعتقدين أنها حقاً يائسة و منهارة, بسبب وضعها الصحي, أم أنه وضع خطر حقاً؟
-انتظار مولود جديد, وضع دقيق نفسياً, بخاصة في الأشهر الثلاثة الأخيرة. ويبدو أكثر صعوبة إذا كانت المرأة الحامل تعيش في الغربة, بعيدة عن كل ما اعتادت إليه. بنظري, عارضة أزياء في عائلة مزارعين قرويين, كمزيج الماء و الزيت من الصعب تحقيقه... لماذا لا تذهبين بنفسك للتحقق من صحة ما يجري هناك؟
اندهشت جوسلين و قالت باستغراب:
-أنا, أذهب إلى فرنسا.
ابتسمت إليزابيث و قالت:
-ولم لا. أنا معجبة بك كثيراً, خاصة لطريقتك في إدارة هذا المنزل, و لاهتمامك البالغ بوالدك. ستصبحين في المستقبل زوجة مثالية, لكنك ما تزالين في التاسعة عشرة من العمر, يا جوسلين. بالنسبة إلى بنات جيلك, أنت تعيشين حياة ثابتة, و يجب عليك رؤية العالم قليلاً, قبل أن يأتي النصيب ليخطف حريتك و شبابك المراهق.
بعد ساعتين, وكان الطبيب بيشوب, يقول الكلام نفسه:
-ستكون مغامرة بالنسبة لك. لا شك بأن كاميليا تؤزم الوضع و لكن لا بد أنها تجد صعوبة في التكيف بسهولة و بالسرعة المطلوبة. هذا ما كنت أخشاه: فخليط الجنسيات يجعل الزواج معقداً دائماً.
-لا أعتقد أن المشكلة تقع بين الزوجين, بل مع عائلة الزوج. العمة العجوز تبدو انسانة صعبة ولا تحتفل.
-انه لخطأ كبير أن يعيش الزوجان تحت سقف واحد مع العائلة. . . اتساءل لماذا يجب على كاميليا أن تبقى طريحة الفراش, انها لا تشكو من فقر دم, على ما أظن. مهما يكن الأمر, إذا وافقت على قضاء اسبوعين معها, سترين الأمور على ضوء, و ربما باستطاعتك تسويتها, قدر المستطاع.
-لكن مصاريف الرحلة ستكلف غالياً, أليس كذلك؟
-لا أعتقد. إذا كنت ذاهبة مع إليزابيث إلى السوق, استعلمي بوضوح عن ثمن البطاقة في الطائرة, ذهاباً و إياباً.
في المساء اعلنت الفتاة لوالدها بأن بطاقة السفر ستكلفها حوالي الأربعين جنيهاً استرالياً, ثم أضافت تقول:
-لكني لا أتوقع من عائلة العريس أن تعيني مجاناً. ومن المفروض أن اشترك على الأقل في مصروف الطعام. و إذا بقيت هناك ثلاثة أسابيع مثلاً, سأحتاج إلى مبلغ مماثل, أي في المجموع, حوالي ثمانين جنيهاً استرلينياً.
ناولها الطبيب شيكاً وقال مبتسماً:
-كنت سأشتري لك مجوهره, هدية الزواج, لكنني اعتقد بأن رحلتك إلى فرنسا ستكون فكرة أفضل.
-لكن, أبي! ليس هذا عرسي أنا.
0ابن العروس سينال دراجة نارية كهدية عرسنا, ولا أرى لماذا تحرم ابنة العريس من هدية لمثل هذه المناسبة.
-لكنني وفرت 15 جنيها من مصاريف المنزل لهذا الشهر.
-صحيح! في هذه الحال, سوف أخفض الميزانية من الآن فصاعداً! حسناً, احتفظي بها و اشتري بعض الملابس الأنيقة, قبل سفرك.
-كزرعة آل سانتوت لا تقع في الكوت دازور, إنما في غرب مارسيليا, على ما أظن. ولمثل هذا المكان لست بحاجة إلى ملابس أنيقة.
في سريرها, تلك الليلة, توصلت جوسلين مع نفسها إلى نتيجة منطقية. هذه الرحلة, لن تخدم معنويات و نفسية كاميليا فحسب, بل ستسمح لإليزابيث أن تتمرن على إدارة المنزل و التصرف به كما تشاء, كما سيساعد الفتاة على أن تنظر إلى مستقبلها بطريقة واضحة.
خلال شهر العسل في جزر فيشي, اهتمت جوسلين بروبرت, ابن زوجة أبيها: توصله إلى المدرسة كل صباح, لم تذهب إلى السوق في المدينة. و اشترت فستاناً واحداً و سروالين و قميصين متناسقين وحذاء مريحاً, استعداداً للرحلة المقررة إلى فرنسا.
وكان طوم الطبيب المساعد يناوب مكان والدها كل مساء ولم يستطيعا الخروج معاً مرة واحدة. لكنه جاء إلى المنزل, انما وجود روبرت منعهما من أي جلسة وحدهما.
ويوم موعد عودة العروسين, امضى روبرت الصباح بكاملة في تنظيف و تلميع سيارة الطبيب بيشوب, بينما انهمكت جوسلين في المطبخ تعد الطعام و تضعه في الفرن قبل ذهابها إلى محطة القطارات.
في الرابعة و النصف بعد الظهر كانت جوسلين و روبرت في المحطة ينتظران وصول القطار. أخيراً هتف الصبي عندما توقف القطار ونزل ركابه:
-ها هما!
أضافت جوسلين وهي تلوح بيدها:
-آه, انظر كم لوحت الشمس بشرتهما! لا شك أنهما امضيا وقتاً ممتعاً.
ثم قالت لنفسها: " يبدو أبي عشر سنوات أصغر من عمره".
اقترب العروسان. فقبلت إليزابيث ابنها أولاً, ثم جوسلين, وقالت:
-عزيزاي الحبيبان, كم أنا فرحة لرؤيتكما! كنا في الجنة, لكننا اشتقنا إليكما كثيراً. في السنة المقبلة سنذهب معاً. هل تم كل شيء على ما يرام؟
ابتسمت جوسلين وقالت:
-نعم. اكتشفت معنى الفرح في أن يكون لي أخ. لكنني لا أعرف إذا كان روبرت قد فرح مثلي, بأن تكون له أخت كبرى.
قال الصبي:
-جوسلين فتاة لذيذة و ممتازة, لكنها ليست مثلك, يا أمي, فهي لا ترغمني على غسل يدي و وجهي باستمرار.
أجابت إليزابيث ضاحكة:
-هذا يعني انك لم تنظف اذنيك ابدأ منذ رحيلنا. آه, كم أنا مسرورة للعودة إلى المنزل, وأنت يا جون هل تشعر بالشيء نفسه؟
هز الطبيب برأسه موافقاً. ولم وصل الجميع أمام ساحة المحطة, لاحظ الطبيب لمعان سيارته وقال مندهشاً:
-من لمع السيارة. لم يسبق أن رأيتها براقة هكذا.
أجاب روبرت بفخر:
-أنا, يا سيدي, قالت لي جوسلين انك لا تمانع إذا اعتنيت بها.
-هذا لطف كبير منك, يا روبرت. انه عمل جيد بالفعل... افضل بكثير مما يفعلونه في محطات الوقود أو الكراجات الخاصة. إذا رغبت في تنظيفها من وقت إلى آخر, سأعلمك قيادتها على مدرج الطيران القديم.
بفرح كبير هتفت جوسلين لنفسها: " آه, برافو, يا أبي... روبرت يرغب ذلك كثيراً..."
كانت الفتاة تخشى ألا يستطيع روبرت تحمل سلطة والدها, خاصة لأنه يجتاز في هذه المرحلة سناً صعبة. فما زال يعلق صورة والده في غرفته ولا شك أنه ما زال يتذكره لأن ايان راندل مات عندما كان الصبي في الثامنة من عمره.
في حوالي منتصف الليل, صعدت جوسلين إلى غرفتها بعدما اعدت حقيبتها لرحيلها باكراً في اليوم التالي. لكنها لم تنم بسهولة. الخوف و الاثارة و المجهول, كل هذا جعلها متوترة الاعصاب. و لما افاقت في الصباح على صوت المنبه شعرت بتقلص حاد في معدتها, فلامت نفسها قائلة: " كم أنا حمقاء! لم أعد فتاة صغيرة, ولست ذاهبة إلى آخر العالم ".
عندما انتهت من الاغتسال و ارتداء ملابسها, نزلت إلى المطبخ و اعدت الشاي و حملته على صينية إلى غرفة والدها. أحست بشعور غريب لرؤية إليزابيث قربه بشعرها المشعث. فتحت الستائر و قالت:
-آسفة لإيقاظكما بكاراً, لكن طوم سيصل قريباً جداً ليوصلني إلى المحطة, و لا أحب الذهاب من دون أن أودعكما.
قالت إليزابيث باستغراب و فرح:
-آه, الشاي! يا لهذا الترف! شكراً, يا جوسلين. أظن بأنك متوترة قيلاً. لا تنسي أن تتصلي بنا هاتفياً, حين وصولك.
قالت الفتاة معترفة:
-لم أعد أشعر برغبة في الذهاب. آمل ألا ينتابني الغثيان خلال الرحلة.
طمأنتها زوجة والدها قائلة:
-طبعا لا. هذا نادر حصوله في الطائرة. آه, ترتدين بزة جميلة, هل هي جديدة؟
-لا لكنني لا أرتديها إلا نادراً. لا يسعني التصديق بأن غداً, في مثل هذا الوقت, سأفيق في فرنسا. كما اتساءل أي نوع من الاستقبال سيخصني به آل سانتون.
قال الطبيب ناصحاً:
-في كل حال, لا تقفي دائما إلى جانب كاميليا, ولا تقفزي إلى الاستنتاجات بسرعة. ربما تكون ابنة عمك فتاة طائشة. لكنها تكبرك بثلاث سنوات وباستطاعتها أن تدافع عن نفسها وحدها. كوني حذرة, يا ابنتي!
وبينما كانت ساعة الحائط في الصالون تدق دقاتها السبع, سمع زمور سيارة طوم. خرج الطبيب مع ابنته, وضع حقيبتها في الصندوق, ثم قبلها لآخر مرة قائلاً:
-إلى اللقاء, يا حبيبتي. استمتعي بوقتك كثيراً.
-إلى اللقاء, يا أبي, إلى اللقاء. . . إلى اللقاء.
في المحطة, اصر طوم أن ينتظر القطار معها. و خلال الطريق إلى المحطة لم يقل شيئاً, لكن جوسلين كانت تشعر بأنه لا بد أن يظهر عن أحاسيسه في اللحظة الأخيرة. لما دخل القطار إلى محطته, صعد طوم مع الفتاة و اختار لها مقعدا قرب النافذة, فقالت له:
-لا ضرورة لانتظار إقلاع القطار, شكرا لك على كل شيء, يا طوم.
ضمها إليه بشدة وقال:
-سأشتاق إليك كثيراً, يا جوسلين.
-لن أغيب سوى ثلاثة أسابيع.
-لا تنسي أن تكتبي لنا بعد وصولك إلى فرنسا.
-طبعاً
ثم أضافت بابتسامة ساخرة:
-أنا لم أعد تلميذة مدرسة.
قال مازحاً:
-مهما يكن, فلا تتحدثي إلى أشخاص تجهلينهم.
-هذا لا أستطيع فعله بطبيعة الأحوال. ولغتي الفرنسية ليست جيدة, لكنني آمل في تحسينها.
-إياك أن تقعي في غرام شاب فرنسي!
-آه, يا طوم, انزل من القطار. انهم يغلقون الأبواب. إلى اللقاء. سأرسل إليك بطاقات بريدية.
أطلقت الفتاة تنهيدة ارتياح عندما نزل طوم. لكنه سرعان ما عاد وصعد القطار و أخذها بين ذراعيه و عانقها.
من محطة فيكتوريا في لندن, استقلت جوسلين سيارة أجرة نقلتها إلى مطار هيثرو الدولي. وهناك, في جناح شركة الخطوط الجوية الفرنسية سجلت بطاقتها و صعدت مع الركاب في طائرة الكارافيل التي أقلعت في الحادية عشرة وهبطت في مطار أورلي ظهراً. بعد نحو ساعة استراحة, انطلقت الطائرة من جديد لتهبط في الثانية و النصف في مطار سنريتيان ومن هناك استقلت باص شركة الطيران فأوصلها وبقية الركاب إلى قلب مارسيليا.
توجهت جوسلين في الحال إلى محطة القطارات لتستعلم عن مواعيد الاقلاع إلى مدينة آلرز, فقيل لها أن موعده في الخامسة. كان لديها ساعتان لبعض التجوال السياحي, و ضعت الفتاة حقيبتها في أمانة المحطة, وانطلقت في شوارع مارسيليا, إلى ساحة الكاتوبيار, المكتظة بالمقاهي و المحلات. فامتلأ قلبها فرحاً.
في انكلترا, شوارع القرية في مثل هذا الوقت لا شك أنها فارغة. الرجال ينعسون قرب موقد النار أو يتنزهون في الحديقة. الأولاد يعودون من المدرسة, ومعظم النساء يسترحن بعد الانتهاء من غسل الصحون أو يحضرون الشاي.
و جوسلين, الآن, على بعد ألف كيلومتر من انكلترا. هذه المدينة تعج بالحياة و الحركة المستمرة. خدم المقاهي, بصوانيهم المليئة قهوة و مقبلات ينتقلون من طاولة إلى طاولة. البحارة بالقبعات الحمراء يصفرون و يتحرشون بالفتيات الجميلات اللواتي يقدن الدراجات... رسام متشرد, ملتح, ذو شعر طويل, يحاول بيع لوحاته التجريدية, ذات الألوان الفاقعة, إلى المارة و الاجانب.
مشت جوسلين حتى المرفأ القديم, ثم سلكت الرصيف المواجه نحو الكانويبار. استجمعت شجاعتها و دخلت إلى أحد المقاهي و اختارت طاولة على الشرفة, بانتظار قدوم الخادم. شعرت الفتاة بانزعاج, لكن لا أحد ينظر إليها. فهم الخادم ما طلبته. بسرعة أحضر الخادم فنجان قهوة مع الكريما و قطعة حلوى باللوز.. و كتذكار, وضعت الفتاة الزرقة الملفوفة على قطعة السكر, في حقيبتها, بسبب وجود عنوان واسم المقهى عليها.
بقيت هناك حتى موعد ذهابها إلى محطة القطار. جلست تنظر إلى حركة السير المزدحمة و الناس, تصغي إلى أحاديثهم علها تفهم ما يقولون. . . إنها حرة, مستقلة, تكتشف العالم, هي التي لم تعش حتى الآن سوى حياة رتيبة اعتيادية.
في السادسة وصلت إلى مدينة آلرز, ساعدها الحمال على رفع حقيبتها و سألها:
-هل تريدين سيارة أجرة, يا آنسة.
وبلغة فرنسية مترددة, أجابت:
-كلا, شكراٍ. هناك من ينتظرني.
بقيت على رصيف المحطة, تنظر إلى المارة, متوقعة قدوم جان-مارك في أي لحظة. تعرفه من صورة ارسلتها كاميليا منذ فترة قصيرة. لكن, لم يأت أحد. ربع ساعة مضت وهي واقفة قرب حقيبتها, قلقة و متوترة و خائفة جداً. أخيراً سمعت صوتاً يقول:
-آنسة بيشوب.
انتفضت في مكانها والتفتت لترى رجلاً, ممشوق القامة, يرتدي سترة جلدية قديمة و قبعة رمادية واسعة,’ لم ينتزعها عندما قدم نفسه قائلا:
-أنا جيرفيه سانتون. آسف لتأخري. من فضلك أن تتبعيني. . .
انحنى مرحبا و حمل الحقيبة و سبق الفتاة, خارجاً من المحطة.
ريح عنيفة عصفت في الخارج, وهنأت الفتاة نفسها لأنها ارتدت معطفا سميكاً راقياً. وضع الرجل الحقيبة في صندوق سيارة الجيب, ثم ساعد الفتاة على الصعود و الجلوس في المقعد الأمامي, و وضع فوق ركبتيها بطانية صوفية, فأجابته بخجل:
-شكراً, يا سيد.
نظر إليها الرجل مفصلاً, وهو يدور حول السيارة ليجلس أمام المقود. خف الازدحام و الشمس تشرف على المغيب, وبرد الهواء.
خارج المدينة, الريح تعصف بقوة يؤرجح سيارة الجيب بعنف. من حين إلى آخر, تهب الرياح دافعة بالسيارة نحو الحفر. فالطريق غير معبدة, و مليئة بالحجارة المتطايرة. تهيأ للفتاة أن عظامها تفككت. فجأة عم الظلام ولم يعد باستطاعتها تأمل القرى الريفية المجاورة. قالت بصوت مرتفع كي يسمعها الرجل, المنصب بكل اهتمامه على الطريق:
-كم يبقى من مسافة حتى نصل إلى مزرعتك؟
-حوالي 25 كيلومتراً.
ارتعبت الفتاة و خارت قدماها. لا شك أنهما يجتازان منطقة مليئة بالمطبات, تمسكت الفتاة بمقعدها, متقلصة اليدين وقالت لنفسها: " يا كاميليا المسكينة! أفهم الآن لماذا تري هذا المكان منعزلاً!".
بدت الطريق كأنها بلا نهاية. السيارة تجتاز من حين إلى آخر جسوراً خشبية تدفع الفتاة إلى الأمام باستمرار. و الرجل لا يعتذر عن صعوبة الرحلة, ربما لأنه اعتاد عليها.
أخيراً توقفت السيارة أمام منزل مضاء, فحمل الرجل حقيبة الفتاة بيد و تأبط ذراعها باليد الثانية وساعدها على اجتياز الساحة المعبدة, حتى وصلا إلى مدخل المنزل.
لم يسمع أحد صوت محرك السيارة لشدة الريح القوية. دق الجرس, فتحت الباب امرأة, بلباس أسود, وبيدها قنديل غاز. انسلت الريح إلى الداخل, فأغلق السيد سانتون الباب في الحال و أحكم اقفاله, ثم قال كلمات سريعة للعجوز, دافعا الفتاة إلى الممر, فإلى غرفة واسعة يشتعل الموقد في داخلها. جلست الفتاة على كرسي قرب النار, سمعت الرجل يقول لها:
-سأحضر الشاي في الحال.
بعد أن جرع الرجل فنجانه دفعة واحدة, استأذن منها و تركها وحدها. حرارة المدفأة و سخونة الشاي في أحشاءها انعشا الفتاة بسرعة. فنهضت من مكانها و خلعت معطفها و راحت تتفحص المكان.
الغرفة كبيرة و جدرانها مطلية بالكلس و روافدها ظاهرة. أرضيتها عارية غير مبلطة. طاولة واسعة تحل إحدى جهاتها, تتسع لأكثر من عشرين شخصاً.
دخلت المرأة و وضعت على الطاولة صحنين, شوكتين و سكينتين و ملعقتين, فلم تعرف جوسلين إن كانت هي العمة أو خادمة المكان. سألتها بتهذيب:
-أين ابنة عمي, يا سيدة؟
بحركة حانقة, بدأت تتكلم المرأة بسرعة ولم تفهم جوسلين منها إلا " انهيار عصبي ".
عاد جيرفيه سانتون بعد أن خلع سترته. قميصه الكتاني الأزرق مفتوح على صدره, مظهراً كتفيه العريضتين. وسرواله الكاكي لا يتعدى الوركين, وشعره الغامق قصير جداً. قالت جوسلين باللغة الانكليزية:
-أخشى أن تكون لغتي الفرنسية ضعيفة, يا سيد. هل تتكلم الانكليزية؟
قطب الرجل حاجبيه و أجاب بالإنكليزية و باشمئزاز واضح:
-نعم يا آنسة بيشوب. لكن كامليليا قالت لي بأنك تجيدين الفرنسية.
بارتباك أجابت:
-صحيح؟ هذا أمر غريب. أين كاميليا, يا سيد. هل باستطاعتي رؤيتها الآن؟
بعد صمت قصير أجاب:
-ابنة عمك نائمة, أصيبت اليوم بألم حاد في رأسها و أعطتها عمتي حبة منوم. ولن تفيق قبل صباح الغد. والآن, من فضلك أن تجلسي أمام المائدة. عمتي أحضرت لنا العشاء.
كان الطعام بسيطاً وشهياً, مؤلفاً من شوربا الخضار و عجة البيض بالأعشاب, وجبنة الروكفور و الفاكهة و القهوة. خلال العشاء, لم ينطق الرجل بكلمة و كبتت الفتاة رغبتها في طرح الاسئلة العديدة الفضولية, إنما اكتفت بالنظر إلى صاحب المكان و ملاحظة تصرفاته الانيقة. يبدو أنه يعيش حياة قاسية, مع أن يديه نظيفتين و أظافره مقلمة.
بينما كانا يحتسان القهوة, تجرأت الفتاة و قالت:
-كنت أتوقع أن يكون الطقس حاراً هنا بالنسبة إلى انكلترا. هل هذه العواصف تحصل بشكل متكرر, يا سيد.
رفع الرجل كتفيه و أجاب:
-إنها رياح الميسترال, تأتي من الشمال, مروراً بوادي نهر الرون. تعصف منذ أيام عديدة, ولن تستمر طويلاً.
على أثر الحديث عن الرياح و الميسترال, علقت العمة الجالسة قرب النار, فشرح جرفيه للفتاة ما قالته:
-عمتي تقول بأننا سنحاول جعل إقامتك ممتعة قدر المستطاع, لكن منطقة الكامارغ لا تلفت السياح اجمالا. ولا شك أن ابنة عمك اعلمتك بأن الحياة هنا قاسية. . .
-أنا أيضا بنت ريف. من فضلك أن تقول لعمتك أنني أتشكرها كثيرا للسماح لي بزيارة ابنة عمتي. أعرف بأن العمل لا ينتهي في المزارع, و سأحاول كل جهدي عدم ازعاجكم.
وبينما كان الرجل يترجم لعمته, ظل يرمقها بنظرات غريبة, و بريق ساخر أنار عينيه. أخيرا سألها:
-هل تركبين الخيل, آنسة بيشوب.
أجابت و عيناها مسمرتان في القهوة:
-كلا.
-هل تخافين من الأحصنة, مثل ابنة عمك.
-كلا. لم أكن أعرف أن كاميليا تخشاها. ربما بسبب وضعها, فهي متوترة الآن أكثر من العادة.
-ربما. لكن هنا, منذ الصغر يتعلم المرء ركوب الخيل. يجب على ابنة عمك أن تتعلم ركب الخيل, بعد ولادة الطفل.
اندهشت جوسلين وقالت:
-لكنني كنت أعتقد بأنهما يسكنان هنا بشكل مؤقت.
-هل لمحت لك ابنة عمك بأنها لا ترغب بالعيش هنا؟
-آه, لا... لم تخبرني اطلاقاً عن مشاريعها المستقبلية. لكنني طنت أظن بأنهما سيعيشان في منزل يخصهما.
-هل تعتقدين بأن على المرأة أن تأخذ القرار بهذا الشأن, يا آنسة بيشوب؟ هنا الرجل صاحب القرار.
-في انكلترا, القرارات تتخذ من قبل الزوجين, مشاركة. . .
تقلصت ملامح جيرفيه و تذكرت جوسلين نصائح والدها. فقال الرجل بلهجة قاطعة:
-لكننا لسنا في انكلترا, هنا, يا آنسة, و بما أن ابنة عمك اختارت الزواج من رجل فرنسي, فعليها أن تتعلم قبول تقاليدنا و عاداتنا.
عضت الفتاة على شفتيها, ثم أجابت بتعجرف:
-طبعاً. أنا أكيدة بأن كاميليا ترغب في التكيف. لم تعرف من قبل الحياة البيتية و العائلية. لكن شقيقك لا يعمل في المزرعة, ومن الأفضل لهما أن بسكنا قرب مركز عمله.
-أخي ما زال في سنوات الشباب الأولى. و كشباب جيله, يحب الحركة و التنقل. لكن الريف في دمه, و هذا ما لا يستطيع الأجانب فهمه. قريباً, سيريد أن يستقر هنا نهائياً. ابناء منطقة الكامراغ لا يستطيعون العيش في المدينة أكثر من سنة أو سنتين.
شعرت جوسلين بالحوار. كل ما رأته حتى الآن, يؤكد لها بأن ابنة عمها كاميليا لن تعرف طعم السعادة في هذا المكان. حتى الكهرباء, لا وجود لها هنا.
نهض جيرفيه فجأة و قال:
-الساعة تجاوزت الثامنة, وهنا, في ماس-سان-تون, ننام باكراً, يا آنسة بيشوب. لا شك أنك متعبة من رحلتك الطويلة. عمتي مادتون سترافقك إلى غرفتك.
تناولت جوسلين معطفها و شالها و قفازيها و قالت بلهجة باردة و مهذبة:
-مساء الخير, يا سيد. شكراً لمجيئك إلى المحطة و اصطحابي إلى هنا.
أجاب بالفرنسية:
-تصبحين على خير, يا آنسة.
غرفة جوسلين كالحة وأكثر تقشفاً من الغرفة الكبيرة, فيها سرير ضيق, فوقه ناموسية خضراء, و خزانة صغيرة من خشب الصنوبر, و منضدة زينة وضع عليها ابريق ماء و وعاء فخاري واسع. تحت المنضدة دلو مليء بالماء. المراحيض تقع في الخارج و الخروج إليها مغامرة, في هذه الريح العاصفة الباردة.
-تصبحين على خير.
ودعت جوسلين العمة, ذات الشعر الرمادي المرفوع كعكة, والثوب الطويل الأسود, التي بدت كأنها حارسة سجن في لقرن التاسع عشر.
عندما أغلقت الفتاة الباب قالت بأنها لن تفاجأ إذا سمعت المفتاح يدور في القفل.
α α α α


جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-12-11, 11:57 AM   #4

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

أتمنى أن تستمتعوا بالفصل الأول ^.^

جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-01-12, 07:52 AM   #5

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

2-ما هذه المزرعة؟ من هؤلاء الناس؟ ولماذا على جوسلين أن تحتمل ظلفة راعي الماشية هذا؟ لولا حمل كاميليا لما حلمت يوماً بالمجيء إلى هنا.

منذ أن استيقظت جوسلين من نومها في صباح اليوم التالي, شعرت بتغيير واضح؛ توقفت رياح الميستوال و الهدوء هم المكان.
قفزت من سريرها, وعلى رؤوس أصابعها, تقدمت من النافذة, فتحت مصراعيها الخشبيين, فأطلت الشمس بزهوها ملأت الغرفة بأشعتها القوية, الساعة تشير إلى السادسة و النصف, صحيح أنها أفاقت باكراً, لكنها نامت باكراً أيضاً, و أضمت ليلة عميقة هادئة في سرير مريح و دافئ.
على الطاولة أبريق يحتوي على ماء المطر العذب. اغتسلت, و فركت اسنانها, ثم أفرغت الماء المستعملة في دلو وضع تحت الطاولة. وراحت بعدئذ تفرغ محتوى حقيبتها. علقت الفساتين و الألبسة على حبل مخصص لهذه الغاية, و في الدرج وضعت كتبها و صورة والدها, فأصبحت الغرفة حميمة. الأحذية و الحقيبة وجدت مكانها تحت السرير.
وبينما كانت ترتدي سروالاً وقميصاً متناسقين, سمعت لأول مرة في حياتها غناء العندليب, فتحت الستائر, فانقطعت أنفاسها أمام المنظر الممتد أمامها: سهل واسع, لا نهاية له, تملأ الشمس بأشعتها الصباحية الدافئة. تهيأ أنها تسكن صحراء واسعة, هي التي اعتادت العيش في منطقة تلاليه, محمية بالأشجار والأغصان الشائكة. لم يسبق أن رأت مثل هذا المدى الواسع, اللانهائي. فهذا الأفق الصامت, تتخلله أحياناً مسافات مائية براقة. ولا شجرة واحدة تكسر رتابة هذه الأرض, اللامحدودة لها.
لم تسمع أي صوت عندما خرجت بهدوء من غرفتها. وجدت باب المدخل مفتوحاً, فاستنتجت بأن جيرفيه و عمته لا بد أن يكونا في الاسطبل. فقررت القيام بنزهة صغيرة قبل موعد الفطور, متأكدة بأن كاميليا ما تزال نائمة في هذا الوقت.
أشجار الدلب تظلل ساحة المنزل, والشمس قوية تعمي النظر. بعد عشر دقائق, ندمت الفتاة لأنها لم تجلب معها قبعة تقيها الحر اللاهب, نظاراتها السوداوان السميكتان لا تكفيان لحماية عينيها الحساستين من وهج الشمس القوية.
كانت تتبع طريقاً مقبرة, تحدها المستنقعات والمساحات الموحلة حيث تنمو بعض النباتات البرية الخضراء. لا نسيم في الأفق, ورائحة الجو مالحة. لا شك إذن أن البحر على مقربة من هنا.
كانت تسير منذ نصف ساعة عندما انعطفت الطريق. على بعد مئة متر, لمحت قطيعاً يرعى. رفعت الحيوانات رأسها باتجاهها, ثم بدأت تتوجه نحوها.
لم تعرها جوسلين انتباهاً, لأنها معتادة على السير في الحقول المسكونة بالبقر و الحيوانات الداجنة. لفتت سمعها أصوات عصافير آتية من حوض قصب, وبينما كانت تسير نحو الحوض, أطلقت إحدى الحيوانات خواراً, ضاربة الأرض بحوافرها. ارتعبت الفتاة و أدركت حينئذ بأن هذه الحيوانات ليست من النوع الوديع, بل ربما تكون ضاربة و مؤذية.
لو كانت في انكلترا, لأسرعت في الاختباء وراء حاجز شائك, أو تسلقت إحدى الأشجار الوارفة. لكن هنا, في هذا المكان الصحراوي, لا وجود لأي ملجأ. ارتعبت و راحت تنظر حولها بيأس علها تجد منقذاً, و إلا داستها الحيوانات المفترسة.
بدأ القطيع بكاملة يخور و ينخر. في تلك اللحظة, وصل فارس على حصانه, في غيمة من الغبار الكثيف, و اقترب من الفتاة, حملها بين ذراعيه, و بلمح البصر, وضعها على الحصان أمامه, و ظل يسير إلى الأمام, ممسكا إياها بزمار سروالها.
بعد مسافة كيلومتر تقريباً, توقف الرجل, هبط عن حصانه و حمل الفتاة و أوقفها على الأرض. إنه جرفيه سانتون بذاته, لقد أنقذها من موت محتوم. فجأة, شعرت بضعف في قدميها كأنها على وشك الإغماء.
ولما رآها الرجل تتأرجح, ابتلع غضبه و أمسكها بقوة. و سرعان ما اختفى الدوار من رأسها. دفعت شعرها إلى الوراء, أخذت نفساً عميقاً وقالت بتلعثم:
-شكراً, يا سيد. أنا آسفة جداً.
بذل الرجل جهداً واضحاً للتغلب على غضبه و قال:
-كيف تقولين بأنك بنت جبل, و أنت لا تعرفين تمييز البقر من الثيران؟
لم يسبق أن تلكم معها أحد بهذه اللهجة المشمئزة, القاسية. أحست بالذل و أحمر وجهها و قالت مرتجفة:
-تصورتها من النوع الداجن. ففي انكلترا غير مسموح لمثل هذه الثيران أن تتنزه بحرية.
أجابها بلهجة قاطعة:
-لكن, أنت الآن في فرنسا, آنسة بيشوب! لو لم أكن ماراً من هنا صدفة, لمزقتك قرون هذه الثيران و داست بقدميها عليك... ماذا كنت تفعلين هنا, في هذه الساعة؟
-كنت أتنزه. و لم أكن أنوي إيذاء أحد.
-مهما يكن, لن أسامح حماقتك. لا أريد أن ينزعج قطيعي بسبب فتاة بلهاء لا تعرف استعمال نظرها و عقلها.
آه, إلى هذا الحد؟ لقد اعتذرت منه و اعترفت بخطاها, لكنها لن تسمح له أن يعاملها بكراهية و احتقار. فأجابت بقسوة:
-صحيح. كيف باستطاعتي, يا سيد سانتون, أن أعرف مسبقاً بأنك سفاح و تسمح لثيران متوحشة أن تتنزه في الريف بحرية مطلقة دون حارس أو رقيب.
-إنها لا تسبب أي خطر إذا لم تتعرض لأي تحريض من أحد.
-أنا لم أحرضها!
-لا يجب أن يتقدم منها الانسان على قدميه. فهي لا تحب ذلك.
-لا تحب ذلك! و أنا, هل تعتقد بأنني أحببت ذلك. كنت مرتعبة. و فقدت نظارتي... وتمزقت قميصي... و أنت تهتم فقط بأحاسيس حيواناتك المتوحشة!
نظر إلى قميصها الممزق وقال:
-بإمكانك أن تقطبيها.
ثم أضاف وهو يناولها قبعته:
-من الأفضل لك أن تعتمري قبعتي.
رمقته بنظرة غاضبة وقالت:
-كلا, شكراً.
أمرها قائلاً:
-ضعيها, يا آنسة بيشوب. عمتي منهمكة بأعمال كثيرة, و يكفي ما تفعله من أجل كاميليا. فليس لديها وقت تضيعه للاهتمام بك. ضربات الشمس ليست بأمور ممتعة!
وضع القبعة على رأس الفتاة و راح يجلب حصانه الذي كان يرعى على حافة الطريق. وكان من دون سرج.
-هيا, هوب!
أمسك الفتاة من خصرها و وضعها على ظهر الحصان, وبقفز, كان جالساً و راءها. ثم قال:
-هيا, يا قيصر! سر!
قطع الرجل الطريق من جهة المستنقعات كي يتحاشى الثيران. ولم يبد أن الحصان يتألم من ثقل انسانين يمتطيانه. لكن, بالنسبة إلى الفتاة, كانت العودة أصعب تجربة في حياتها: يزعجها قربها من رجل, بالكاد تعرفه, و اضطرارها إلى الاستناد عليه ولمسه و سمع خفقات قلبه السريعة.
ما إن وصلا إلى المزرعة, أسرعت العمة إلى الساحة على الفور. و لما لاحظت قميص الفتاة الممزق, رفعت ذراعيها إلى السماء و تساءلت عما حدث. طمأنها جيرفيه قائلاً:
-لا شيء... لا شيء.... لا تقلقي, يا عمتي, كل شيء على ما يرام.
ولما سمعت السيدة سانتون ما جرى للفتاة, غضبت, و راحت تنتقد الفتيات الأجنبيات وخاصة الانكليزيات, ثم هزت كتفيها و اختفت داخل المنزل.
قال جيرفيه بعد ذهاب العمة:
-لا شك أنك مشتاقة لرؤية ابنة عمك. أعتقد بأنها أفاقت من النوم. غرفتها تقع مباشرة قرب غرفتك.
أعادت له جوسلين القبعة و أجابت:
-شكراً.
ثم اجتازت الساحة وهي مدركة أن نظرات الرجل تتبعها.
بعد أن غيرت ملابسها, وسرحت شعرها, شعرت بهدوء داخلي غريب, لكنها ظلت تلوم تصرف جيرفيه, غير العادل تجاه المغامرة التي حصلت لها, و التي يمكنها أن تحصل لأي انسان آخر يأتي إلى هذه المنطقة للمرة الأولى.
طرقت باب الغرفة المجاورة, فسمعت صوتاً ضعيفاً يقول:
-أدخل.
كانت كاميليا ممددة على سرير واسع. النوافذ الخشبية مغلقة والضوء الشحيح يعطي جواً غريباً.
-صباح الخير, يا كاميليا, كيف حالك؟
شعرت الفتاة بالصدمة لدى اقترابها من السرير. فعليه, امرأة شاحبة, خداها مجوفان و ذراعاها نحيلتان. فتحت المرأة فمها لدى سماع صوت جوسلين و صرخت:
-جوسلين! آه, جوسلين, هذه أنت! لا يسعني تصديق ذلك. لو تعرفين بأي صبر فارغ كنت انتظرك!
انحنت الفتاة لتقبل ابنة عمها, فانهمرت هذه الأخيرة بالبكاء و النحيب, مثل طفلة خائفة. فقالت لها جوسلين وهي تداعبها بنعومة:
-لا تبكي, يا حمقاء. . .
-أنا آسفة. سألت عنك منذ أن استيقظت, فقالت لي السيدة بأنها لا تجدك في أي مكان.
فضلت الفتاة ألا تتكلم بالتفصيل, و أكتفت بالقول:
-ذهبت في نزهة صباحية, هل تريدين أن أفتح النوافذ. الجو معتم و حزين هنا.
-نعم, افتحيها, يتهيأ لي أنني نمت في مغارة. إنني أكره هذه الغرفة. شكراً يا إلهي, لقد توقفت رياح الميسترال. عصفت لمدة أسبوع بأكمله وكدت أجن.
دخلت العمة حاملة صينية الفطور. وضعتها على السرير و خرجت من دون أن تنطق بكلمة. فعلقت كاميليا قائلة:
-يا لهذه المرأة الشرسة! حين يولد الطفل, سأذهب إلى مدينة آلرز. كم أنا نادمة لمجيئي إلى هنا.
ملأت جوسلين فنجان قهوة وقالت:
-ولماذا غادرت مدينة آلرز؟
-أرغموني على ذلك. كنت أشعر بالغثيان و الوحام في أشهر حملي الأولى, كما سقطت ذات يوم و أصبحت مهددة بخسارة الجنين. ربما كان ذلك أفضل. كنا سعيدين جداً قبل أن أحمل. . لكن, منذ بداية حملي, كل شيء يسير خطأ, إنهم يكرهونني, و أنا أكرههم, و ... آه, لا نهاية لذلك...
وضعت جوسلين زبدة فوق قطعة خبز ساخنة و ناولتها لأبنة عمها, فرفضتها قائلة:
-كلا, شكراً. أشعر بسوء الهضم. لا آكل كثيراً, فالطعام لا يطاق... رائحة الثوم تفوح في كل الوجبات.
-أين جان-مارك؟
تنهدت كاميليا و أجابت:
-لقد ذهب طيلة الأسبوع. إنه يعمل في مؤسسة تنتج الآلات الزراعية وهو مسؤول حالياً عن عرضها في معرض بيون الدولي. كيف كان استقبال جيرفيه لك؟ أنا لا أراه أبداً تقريباً. يتكلم معي أحياناً عبر النافذة.
-لم يكن مرحباً كما يجب. يتهيأ لي أنه يعشق ثيرانه و يكرس لها حياته كلها.
-آه, في منطقة الكامارغ, الجميع مجانين بالثيران. و لهذا السبب جيرفيه و عمته لم يعجبهما زوجنا. كانا يعتقدان بأن جان-مارك بعد أسفاره العديدة, سيعود إلى الضيعة و يستقر فيها و يتزوج واحدة من سكانها. بالنسبة إليهم, حتى ولو تزوج فتاة من مرسيليا, فستكون أجنبية. و جميع سكان الكامارغ يفكرون التفكير إياه. و يقول عنهم الفرنسيون عامة بأنهم شعب منغلق على نفسه.
-لماذا قلت لهم بأنني أتكلم الفرنسية؟
-آه, لم يريدا أن تأتي... قال لي جيرفيه بأن لا وقت لديه أن يهتم بك و يترجم لك. فقلت له أن باستطاعتك تدبير أمرك. فلا ضرورة أن تبقي سجينة هذا المكان لمدة ثلاثة أسابيع. إذا أعاروك سيارة الجيب, بإمكانك زيارة القرى و المدن المجاورة.
لم تقل الفتاة أنها لا تستطيع قيادة الجيب, خاصة في هذه المنطقة المجهولة, إنما سألتها:
-وكيف جرى أن جيرفيه يتكلم الانكليزية؟
-هو أيضاً سافر... من زمان... لما توفي زوج عمته, عاد ليدير المزرعة. جان-مارك وهو مختلفان كلياً. زوجي لا يريد البقاء في المزرعة, بينما يصر أخوه على ذلك. إنه تقليد عائلي لا مفر منه.
-وماذا يريدونه أن يكون؟
-حارس القطيع... كاوبوي بمعنى آخر. جيرفيه مالك القطيع و جان-مارك حارسه. هل تدركين الآن أي نوع من الحياة نعيش. الصيف ليس ممتعاً, والشتاء صحراء حقيقية. ولا شك أنك رأيت وضع المراحيض والحالة البدائية التي نعيش فيها!
-حتى الصالون ليس مريحاً. آه, لقد نسيت, لقد جلبت لك هدية. سأذهب و أجلبها في الحال.
عادت الفتاة حاملة علبة صغيرة و قالت:
-ما زالت أتذكر بأنك تستعملين مساحيق ريفلون للتجميل. أحضرت لك آخر منتوجاتها مدركة بأن لا وجود لها هنا.
-طبعاً لا. ناوليني المرآة, من فضلك. أريد أن أجرب حمرة الشفاه هذه.
نظرت إلى ابنة عمها تلون فمها الجميل بتأن. لقد اختارت لها هذا اللون العنبري لأنه يناسب عينيها الخضراوين و شعرها الكستنائي الفاتح. لكن شعرها اليوم أصبح باهتاً, و هذه الحمرة تظهر ملامحها المشدودة والتجاويف السوداء تحت عينيها. لا أحد يمكنه معرفتها, هي التي كانت تلك الفتاة الحيوية, النشطة, صورها تظهر دائما في مجلات الموضة النسائية.
مضت فترة الصباح بسرعة. و كان الحديث شيقاً, بعد فراق دام حوالي السنتين. وقبل موعد الغذاء بقليل, أطل جيرفيه من النافذة و قال:
-صباح الخير, يا كاميليا. كيف حالك اليوم؟
كانت قميصه مليئة بالوحل. و وجهه ملطخاً بالغبار والعرق, و قبعته مدفوعة إلى الوراء. انتفضت زوجة أخيه و قالت:
-آه, يا جيرفيه. . . فاجأتني!
قبل ثواني قليلة كانت مسترخية و الابتسامة تتلألأ على شفتيها, والآن, وجهها الشاحب أصبح حذراً و متخوفاً. أجاب جيرفيه شارحاً:
-أنا آسف, لم أكن أنوي مفاجأتك. جئت أطلب من الآنسة بيشوب إذا كانت لا تجد مانعاً من تناول الغذاء معنا. هكذا لن تحضر عمتي إلا صينية واحدة, صينيتك طبعاً.
سألت جوسلين الرجل:
-هل حان وقت الغذاء, يا سيد سانتون؟
-كلا, علينا أن نغتسل الآن. انزلي بعد عشر دقائق و سأعرفك بالآخرين.
سألت الفتاة ابنة عمها:
-سيعرفني إلى من؟
-رجاله. انهم حوالي الدزينة. معظمهم ينامون في الملحقات و يتناولون وجبات الطعام هنا. ليس من سبب كي تتناولي طعامك معهم.
-لا يهمني هذا الأمر. لا أريد أن أفرض على العمة عملاً إضافياً. لا شك أنها تمضي وقتها في المطبخ لتطعم هذه الأفواه العديدة. هل تهتم بالمنزل وحدها؟
-طبعاً. انها تتمتع بقوة الحصان. بالنسبة إليها, هذا هو دور المرأة. فبإمكانها بسهولة أن تحضر صينيتين.
-لا يهم. حين ينتهي الغداء, أعود إليك.
كانت تجربة مزعجة للفتاة, أن تدخل غرفة مليئة بالفرنسيين يسلطون عليها عيونهم الغامقة. و شعرت بارتياح عندما تقدم جيرفيه منها و عرفها إلى جماعته, قبل أن يدلها على الكرسي الموضوعة خصيصاً لها, في طرف الطاولة.
-لكن, أليس هذا مكانك؟
-أفضل لكِ أن تجلسي على الكرسي بدل البنك. و أسمحي لي أن أعرفك إلى رئيس الحراس مارسيل روجيه, هناك... الآنسة بيشوب.
ابتسمت الفتاة وهمست تقول:
-أنا سعيدة للتعرف إليك, يا سيد.
جلست على الكرسي, وتبعها الجميع.
بدأت السيدة سانتون تقدم يخنة الخضار بالخروف من قدر فخارية واسعة, و تنقلت الصحون من يد إلى يد أخرى.
و باستثناء جيرفيه, الجميع يرتدون قبعاتهم, يأكلون و يشربون بشهية, انهم عمال نهضوا من نومهم منذ الفجر. و تساءلت جوسلين إن كان وجودها يجعلهم صامتين, أم أنهم هكذا عادة. كانت تشعر بالانزعاج, عيناها محدقتان بصحنها, كأنها دخيلة أو جاسوسة.
و حسب تقاليد البلدة, مسحت صحنها بقطعة خبز. في تلك الأثناء, أحد الحراس أطلق زفرة استغراب و أخرج من جيبه زوج نظارات شمسية وقال:
-هاتان النظارتان للفتاة يا معلم جيرفيه!
سأل جيرفيه الفتاة:
-هل هذا صحيح؟
هزت رأسها موافقة, فناولها حارس شاب إياهما و قالت له:
-شكراً, يا سيد.
شرع جيرفيه يخبر رجاله كيف أضاعت الفتاة نظارتيها, فشعرت بالإزعاج حتى الأعماق.
ولما علم الرجال بأنها اعتبرت الثيران المتوحشة السوداء قطيعا من البقر الداجن, راحوا يقهقهون بصوت مرتفع, هازئين و ساخرين. في مواقف أخرى, كانت شاركتهم جوسلين الضحك, لكنها أدركت أن جيرفيه يحاول الهزء منها عن سابق قصد. فاستطاعت كبت انزعاجها و ابتسمت بخجل و ظلت تحدق في القرويين, ويداها مشدودتان و وجهها أحمر. لم يزعجها تصرفهم العفوي, لكن قلبها انجرح من نظرات جيرفيه الهازئة. لم يخطئ حدسها, عندا لاحظت عدائية جيرفيه اتجاهها منذ البداية. فكاميليا إذن على حق: آل سانتون لا يحبون الأجانب.
خلال الأيام الأربعة الأولى, لم تغادر الفتاة غرفة كاميليا, إلا عندما تتناول وجبات الطعام من العمال. لو كانت في انكلترا لمدت يد المساعدة إلى العمة في توضيب مائدة الطعام و غسل الصحون, لكن لا شك أن العجوز تعتبر ذلك تحدياً, و لرفضت مساعدتها بوقاحة.
بدأت صحة كاميليا تتحسن بوجود ابنة عمها, و استعادت شهيتها على الطعام, وكذلك نشاطها و عافيتها. غير أن جوسلين ما زالت قلقة عليها. فهذا المنزل المنعزل, الخالي من جميع وسائل الراحة, من الكهرباء و ماء ساخنة... هذا المنزل البدائي لا يناسب امرأة ستضع طفلها عما قريب. لكنها لم تخبر كاميليا بقلقها, بعدما قررت فتح هذا الموضوع مع جان-مارك لدى عودته من ليون.
ونهار الجمعة, بعد الغداء, قررت كاميليا أن تنام في فترة القيلولة. فشعرت جوسلين بحاجة إلى المشي. الطقس جيد ولا ترغب في قضاء وقتها بين أربعة جدران.
وما إن اصبحت جوسلين خارج عتبة المنزل, حتى سمعت أصواتاً وصهيل خيول. بفضول ذهبت نحو المستودع فرأت عمالاً و أولاداً, جالسين على الحواجز. اقتربت قليلاً و لمحت في أحد العنابر صاحب الماشية مع أحد حراسه, يضعان الرسن على حصان صغير.
بعد قليل, انسحب الحارس, فامتطى جيرفيه المهر- وفي الحل, تجمد الحيوان, رفع اذنيه إلى الوراء وابيضت عيناه, ثم قفز محدثاً صيحة رهيبة ارعبت الفتاة كثيراً. لم يسبق لها أن رأت مقل هذا المنظر من قبل. هل هذا ما يسمونه ترويض الحصان؟ كيف بإمكان فارسه أن يظل على ظهر لا يتوقف ثانية عن الهيجان و الوثوب. لكن جيرفيه ظل يتبع حركات الحصان. الغبار يرتفع, الأولاد يصفقون و العمال يطلقون أصواتاً مشجعة للفارس الماهر.
دامت المبارزة خمس دقائق, خلالها كانت الفتاة تشعر بالإعجاب لصبر و مكابدة أهل هذا البلد.
ولما بدا على الحيوان التعب, انحرف جانباً, فعلت أصوات التحذير من قبل الحضور, وما كاد يرتمي الحيوان على ظهره, رافعاً حوافره الأربعة في الهواء, حتى سحب جيرفيه رجليه و ابتعد. لو تأخر نصف ثانية لتحطمت ساقه. انبطح الرجل على الأرض المغبرة, ثم نهض, غير مصاب بأذى.
نفض الرجال الغبار عن ملابسه وتبادل كلمات المديح و النكات مع عماله, ثم تقدم من الحيوان و راح يداعب عنقه.
وبينما كان الحراس يضعون الرسن على حصان آخر, لمح جيرفيه الفتاة, فقفز فوق الحاجز و اقترب منها و سألها:
-هل ترغبين في رؤيتي, آسنة بيشوب؟ هل هناك مشاكل؟
-كاميليا تنام, و أنا سمعت ضجة, فجئت أرى ماذا يحصل. هل يزعجك إن بقيت أشاهد من هنا.
-لا, أبداً.
كان يقف أمامها, يداه على وركيه و قبعته منحرفة إلى الوراء, يلهث بشدة. ابتسم و قال:
-ابنة عمك لا تحب هذه المشاهد. و اقنعت أخي بعدم مساعدتي.
سألته جوسلين باهتمام و تهذيب:
-كم من الوقت يحتاج الحصان للترويض؟
-نحن هنا نعلم الحصان أن يفعل ما نطلبه منه. ولا يمكن لأحد في هذا المكان أن يروض حصاناً يولد و ينمو في منطقة الكامارغ.
-حتى أنت, لا تستطيع ترويض الحصان, يا سيد سانتون؟
-لم أحاول ذلك أبداً, آنسة بيشوب. انني أعرف تماماً قيمة حريتي. و الآن, أرجو معذرتي.
ابتعد الرجل وقفز فوق الحاجز.
في هذا المساء, وفي الوقت الذي كانت الفتاة تستعد فيه للنهوض عن مائدة العشاء, قال لها جيرفيه:
-سأذهب في الغد إلى مدينة آلرز, آنسة بيشوب. هل يمكنك أن تسألي ابنة عمك إذا ما كانت تحتاج لشيء اشتريه لها. سأغادر في الصباح البكار... قبل نهوضها من النوم.
-سأذهب في الحال, يا سيد.
فرحت كاميليا بهذا الخبر وقالت لأبنة عمها:
-آه, نعم, هناك أشياء كثيرة أنا بحاجة ماسة إليها.
تناولت المرأة مفكرتها الجديدة الزرقاء المطعمة بأحرف اسمها, و المبطنة بالحرير المموج, ثم سحبت من طرفها قلم حبر ذهبي, و راحت تدون عليها ما يلي.
-صابون... قطن... سكاير انكليزية... هذا لا يعجب جيرفيه. فهو لا يحب النساء اللواتي يدخنن.
-بنظري, يجب أن تحاولي الاقلاع عن التدخين. فهو مضر بصحة الجنين.
-آه, أنت أيضاً, بدأت تنهالين علي بالنصائح. يكفيني النصائح الصادرة من جيرفيه و عمته. اسمعي, لماذا لا تذهبين معه و تقومي عنه بشراء هذه الأغراض. هكذا توفرين عليه وقتاً و ستتاح لك فرصة زيارة الآثار و المتاحف هناك. لقد أمضيت هنا اسبوعاً مملا, حابسة نفسك في هذه الغرفة معي.
ذكرتها جوسلين قائلة:
-جئت إلى هنا لأبقى بجانبك. لكن, ربما من الأفضل أن أقوم بهذه المشتريات بنفسي, إذا كان السيد سانتون لا يرى في ذلك مانعاً.
استقبل جيرفيه الخبر بقلة حماس. لكن بعد تفكير و تحليل, أعلن قائلاً:
-حسناً, آنسة بيشوب. سنغادر في الثامنة صباحاً.
وفي صباح اليوم التالي, ارتدت جوسلين فستاناً قطنياً معرقاً, و رأت جيرفيه على مائدة الفطور عندما دخلت غرفة الجلوس. نهض و تأمل فستانها و حذاءها ولم تعرف إذا أعجبه منظرها أم لا. أما هو, فكان يرتدي قميضاً زرقاء و سروالاً ضيقاً, كاكي اللون. و انتعل فوق حزمته الجلدية غطاء من الكاوتشوك الواق.
وما ان انتهت من تناول الفطور حتى صعدت في سيارة الجيب. نظرت إليهما العمة وهما راحلان دون أن ترد على ابتسامة الفتاة و وداعها.
ران الصمت في الدقائق العشر الأولى, قطعه جيرفيه أخيراً عندما سألها فجأة:
-أخبريني يا آنسة بيشوب, ما هي مهنتك؟ هل أنت عارضة أزياء مثل ابنة عمك؟
-لا, شكراً يا إلهي! لماذا أخذت هذه الفكرة عني؟
-عمتي تساءلت الشيء نفسه. فكاميليا لم تخبرنا بشيء.
بصوت عال أجابت:
-أنا مدبرة منزل.
-تقصدين ربة منزل.
-نعم, أهتم بوالدي. انه طبيب.
-فهمت. اذن كيف استطعت المجيء إلى فرنسا هل لديك خدام يحلون مكانك؟
-تزوج أبي من جديد, و لولا ذلك لما استطعت المجيء.
-وهل ستستمرين في إدارة المنزل.
-آه, لا. هذا دور زوجته الآن. سأبحث عن عمل, لكنني لا أعرف نوعيته. لا أستطيع أن أعمل شيئاً خارج ادارة المنزل.
-ابنة عمك لا تعرف شيئاً في هذا المجال.
-هذه حال معظم الفتيات, في أيامنا هذه. يتعلمون إدارة المنزل في حينه. و كاميليا ستتعلم ذلك بسرعة متى اسست لعائلتها منزلاً. سيكون ذلك صعباً عليها, كونها فتاة أجنبية. الفتاة الفرنسية تعاني المشاكل إياها إذا تزوجت من رجل انكليزي.
-نساؤنا لديهن غريزة طبيعية لهذا النوع من الأعمال.
آه, إنه يتكلم عن النساء كما في القرن التاسع عشر!
لم يتسن لها الوقت لإيجاد رد مناسب, لأنها رأت فجأة عصافير يرتفع فوق المستنقع الممتد على طول الطريق, و يحلق في السماء الزرقاء مثل غيمة وردية. لم يسبق أن رأت بجمال هذا المنظر و سحره المفاجئ. فقبل لحظة كان الجبل صحراوياً...
-آه, هذا رائع جداً. ما هذا النوع من العصافير؟
كبح الرجل فرامل سيارته و أوقفها جانباً و أجاب:
-إنها طيور طويلة الساق و العنق, كما ترين و تدعى النحاميات. نحن هنا نسميها " الزهور الطائرة".
نزلت جوسلين من السيارة لتتأمل منظر هذه العصافير الجميلة, ثم قالت باستغراب:
-عصفور النحام في فرنسا؟ كنت أعتقد بأنها موجودة فقط في المناطق الاستوائية. انظر إن عددها يتجاوز الألف.
-لا يجود مثل هذه العصافير, هنا في فرنسا, إلا في منطقتنا, في الكامارغ. هل تهتمين بالعصافير, آنسة بيشوب.
-كلا, ليس تماما. انها عصافير غريبة. و العندليب عصفور غريب أيضاً. و وجوده كثير هنا, كالشحرور في انكلترا. هل زرت بلادي, يا سيد سانتون. اخبرتني كاميليا بأنك سافرت كثيراً.
أجاب باختصار وهو يقلع:
-لقد مررت بلندن.
-تتكلم الانكليزية بطلاقة.
نظر إليها ساخراً وقال:
-تعلمت اللغة الانكليزية في ليون, خلال دراستي الجامعية. هل هذا يدهشك يا آنسة بيشوب؟
-لماذا؟ لا سبب كي أندهش.
كان ينظر إلى الطريق, فلمحت الفتاة تقلص فمه في ابتسامة متعجرفة ثم قال بجفاف:
-تفعلين قدر مستطاعك كي تخفي عني نظرتك بي. لكنني أعرفها. أنت تعتبرينني انساناً غليظاً, أليس كذلك؟
لم تتوقع الفتاة ذلك منه, لكنها أجابت بحذر:
-بالكاد أعرفك, يا سيد. لكنني لست ساذجة لأصدق كل ما يقال عن الفرنسيين بأنهم جميعاً لطفاء و محبين.
كبح فرامله فجأة ليتحاشى السقوط في حفرة عميقة, اضطرت الفتاة التمسك في مقعدها كي لا ترتطم بنوافذ السيارة الأمامية. فقال لها:
-عفواً, آنسة بيشوب. طرقنا رجراجة. آمل ألا تكوني منزعجة من الرجة.
احمر وجهها و ظلت صامته. لكنها كانت مضطربة منذ أن بدأت فهم التأثير الذي يفعله بالنساء عامة, متى أراد ذلك. عم الصمت بقية الطريق. أخيراً وصلا إلى مدينة آلرز. أوقف جيرفيه سيارته أمام مقهى في جادة الأمراء و سألها:
-هل تحبين احتساء مرطب منعش؟
هزت رأسها مواقفة و تبعته إلى داخل المقهى. احتسيا الليموناضة المثلجة بسرعة, ثم دف الرجل فاتورة الحساب, ونهض قائلاً:
-هل باستطاعتك تدبير أمرك وحدك؟
-لغتي الفرنسية تكفي لأن أقوم بالشراءات من دون صعوبة.
-في هذه الحال, موعدنا هنا عند الظهر. إلى اللقاء يا آنسة.
رأته يبتعد, من طريقة مشيته, يفهم الآخرون أنه واثق من نفسه, كأنه يملك المدينة كلها. لم تستطع منع نفسها من التساؤل, لماذا هذا الرجل, الذي سافر وقام بدراسات جامعية, اختار أن يكون صاحب ماشية, في غضون ساعة انهت الفتاة مشترياتها, و وضعتها في سلة داخل المقهى, ثم راحت تجوب المدينة كسائحة. الجادة الكبيرة التي يحدها شجر الصفصاف هادئة تماماً. الكنائس الموحية بالهيبة و المقابر الضخمة, ذكرت الفتاة بالرومان و ثوبهم يتمايل مع خطواتهم الإيقاعية, في حركة وضجيج العربات. أغمضت جوسلين عينيها برهة, فتهيأ لها أنها تعيش في تلك العصور القديمة.
وصلت أخيراً إلى قلب المدينة, الشوارع تكتظ بحركة مستمرة. إنه يوم السبت, يوم المزارعين الذين يأتون إلى المدينة لعقد صفقات أعمالهم.
وجدت المقهى مليئاً, لكن خلال ثوانِ معدودة أخلت إحدى العائلات طاولة فشعرت جوسلين بارتياح و جلست أمام تلك الطاولة تحتسي شراب الليموناضة. أمامها نصف ساعة قبل عودة جيرفيه.
لم يعد وحده. بل مع فتاة شابة, سمراء, قصيرة, ترافقه متأبطة ذراعة باسترخاء.
-الآنسة بيشوب... الآنسة دورانس. الآنسة بيشوب ابنة عم كاميليا, يا سيلين. تمضي بضعة أيام عندنا في المزرعة.
نهضت جولين و مدت يدها تسلم على الفتاة الفرنسية, قائلة:
-تشرفت بمعرفتك. كيف الحال؟
ابتسمت سيلين مظهرة عن أسنان ناصعة جميلة, طلاء أظافرها يشبه لون حمرة شفتيها. ترتدي قميصاً وردياً وتنورة مكسرة كحلية خصرها نحيف و رأسها بالكاد يصل إلى كتف جيرفيه. قال هذا الأخير شارحاً:
-دعيت سيلين لتناول طعام الغداء معنا.
خرج الجميع إلى شرفة المقهى بعدما أخلى لهم الخادم طاولة واسعة مطلة. وبعد قليل, سألت سيلين جوسلين:
-هل هذه رحلتك الأولى إلى فرنسا يا آنسة بيشوب؟
-نعم.
احتارت جوسلين. الشوارع مليئة بالفتيات الجميلات, لكن سيلين مختلفة عنهن. حقيبة يدها البسيطة و حذاؤها الفاخر, و عطرها الناعم, وملابسها الأنيقة, كل ذلك يشير إلى أنها فتاة باريسية. ماذا تفعل هنا في آلرز... مع رجل مثل جيرفيه سانتون؟
خلعت الفتاة الفرنسية نظارتيها و قالت:
-كيف حال ابنة عمك؟ التقيت بها مرة واحدة عندما كانت تسكن مع جان-مارك في شقتهما, شارع غانبيتا. هل ما تزال في صحة سيئة؟
-انها تتحسن قليلاً. هل تسكنين في مدينة آلرز, يا آنسة؟
-لدينا منزل في المدينة حيث امضي أشهر الشتاء. لكن, في الربيع, أعود إلى مزرعة والدي, انه صاحب ماشية, مثل جيرفيه. ومزرعتنا ليست بعيدة عن مزرعة سانتون, انما ماشيتنا اسبانية, بينما ماشية جيرفيه مؤلفة فقط من الثيران الأصلية التابعة لمنطقة الكامارغ, أليس كذلك, يا عزيزي؟
جاء الخادم, و بينما كان جيرفيه يختار الطعام مع سيلين, من دون استشارة جوسلين, تساءلت هذه الأخيرة إذا التقى سيلين صدفة, أم كان على موعد مسبق معها.
أخرجت سيلين من حقيبة يدها علبة سكائر و قالت:
-هل تدخنين يا آنسة بيشوب.؟ كلا؟
تناولت الفتاة الفرنسية سيكارة, وقبل أن تضعها في فمها, وضع جيرفيه يده على معصمها وهز رأسه و قال:
-ليس الآن... انتظري نهاية الغداء.
-آه, أنت مزعج مثل والدي...
أحضر الخادم المقبلات المؤلفة من الزيتون الأسود و الخيار و الفطر و الطماطم و البيض المسلوق. فجأة, قال جيرفيه:
-هل تمكنت من القيام بجميع الشراءات يا آنسة بيشوب؟
-نعم, شكراً. و قمت أيضاً بتجوال حول المدينة. الطقس منعش, تحت أشجار الحور و الصفصاف.
قالت سيلين:
-لا شك أنك تجدين مناخنا حاراُ, أنا أحب هذا الطقس. فرحي الوحيد, أن أكون طول النهار تحت الشمس... ان أمتطي حصاني و أجوب مسافة طويلة دون أن التقي أحداً... آه, هذا ما أفضله أكثر من أي شيء آخر.
قال جيريفيه بجفاف:
-ما دام الحال هكذا, لا أفهم لماذا تمضين أوقاتاً عديدة في باريس؟
ضحكت وقالت:
-و أحب باريس أيضاً. اذهب إليها لاختيار ملابسي. ألا تحب أن أبدو جميلة يا حبيبي؟
-أنت جميلة بطبيعتك.
-صحيح.
-طبعاً. هيا, أكملي طعامك, يا عصفورتي.
ذهلت جوسلين ولم تصدق ما سمعته, خاصة ما صدر عن جيرفيه سانتون. لا شك أن علاقة الرجل بالفتاة الفرنسية قديمة. لكن هل هي علاقة أخوة أم علاقة حب جدية؟
أحضر الخادم الوجبة الأساسية المكونة من فخذ غنم محمر بالفرن, وإلى جانبه البازلاء و البطاطا.
وبين الحر و الطعام الشهي, بدأ النعاس يتغلب على جوسلين, بينما بقيت سيلين في حيويتها ونشاطها. تتكلم باستمرار مع جيرفيه, وتبتسم, من حين إلى آخر إلى الفتاة الانكليزية التي, ظاهرياً, لا يبدو أنها تشارك الرجل كرهه و عدائيته للأجانب.
بعد القهوة, أشار جيرفيه للخادم أن يحضر الفاتورة, فاقترحت الفتاة الفرنسية قائلة:
-لماذا لا تمر علينا في المساء, يا جيرفيه. لم يرك والدي منذ شهر تقريباً. ربما تحب الآنسة بيشوب أن تأتي معك.
قالت جوسلين بتهذيب:
-هذا لطف منك, يا آنسة, لكنني أفضل البقاء مع كاميليا, خاصة انها أمضت هذا اليوم وحدها.
-آه, نعم, لم أفكر بذلك... جان-مارك في ليون, أليس كذلك لكن أنت, يا جيرفيه, هل ستأتي؟
-كلا, ليس هذا المساء, يا سيلين.
بدت الخيبة على وجه الفتاة الفرنسية, لكنها لم تصر, بل اكتفت بالقول:
-إذن, ربما لرؤيتك في الغد. لم أر العمة مادلون من زمان.
-أهلا وسهلاً بك دائماً, يا صغيرتي.
أمام المقهى, ودعتهما سيلين, وبصمت توجه جيرفيه و جوسلين نحو سيارة الجيب التي انطلقت عائدة إلى المزرعة. في منتصف الطريق أوقف جيرفيه سيارته ليتحدث مع سائق سيارة جيب أخرى, آتية بالاتجاه المعاكس. ثم عاد و أقلع من جديد. بعد قليل, قال بهدوء:
-الرجل الذي تحدثت معه منذ قليل, هو الطبيب الذي ذهب لرؤية ابنة عمك, كالمعتاد.
قالت الفتاة باندهاش:
-ولماذا لم تقل لي ذلك من قبل. كنت أرغب في أن أكلمه أنا أيضاً. آه, كان يجب عليك أن تقدمني إليه.
-ولماذا؟ انه لا يتكلم الانكليزية, وحال ابنة عمك مطمئنة.
قطب حاجبيه, ثم هز كتفيه وقال شارحاً:
-عامة, يأتي عندما يكون أخي هنا. طبعاً, لو كنت أعرف اصرارك على رؤيته لعرفتك به. لكن, لا حاجة للقلق الآن. انه طبيب جيد وله خبرة واسعة في مجال تطبيب النساء الحوامل.
-هل هو موافق على أن تسكن المزرعة؟
-هل هذا يعني بأنك تمانعين ذلك؟
عضت الفتاة على شفتيها وقالت:
-كنت أفضل لو تذهب إلى المستشفى, ماذا لو أصيبت باشتراكات...
قاطعها الرجل قائلاً:
-ولماذا سيحدث لها اشتراكات؟ انها شابة و بصحة جيدة و يراقبها الطبيب باستمرار. ويعتقد بأن ولادتها ستكون طبيعية.
احتجت الفتاة وقالت:
-لكنها نحيلة و واهنة.
-إذا كانت ترفض الأكل, فماذا باستطاعتنا أن نفعل. ان نجبرها؟
-انها غير معتادة على المطبخ الفرنسي... الثوم... الزيت...
-وأنت مثلها يا آنسة بيشوب. لكن يبدو أنك تأكلين طعامنا ولا تعاندين إلا إذا كنت تتصنعين ذلك.
-كلا. أرى طعامكم رائعاً. لكن, لا تنسى أن كاميليا امرأة حامل و...
قاطعها قائلاً:
-ابنة عمك ترفض التكيف. وهذه هي مشكلتها الأساسية. لن تساعديها إذا شجعتها في هذا التصرف. يكفي أن أخي متساهل معها كثيراً.
أجابت الفتاة ببرود:
-لأنه يحبها, ربما. معظم الرجال يدللون نساءهم عندما ينتظرن مولوداً سعيداً. لكن, ما دمت أنت غير متزوج, فلا تستطيع فهم ذلك.
-لا يحتاج الرجل أن يكون متزوجاً كي يفهم النساء. ابنة عمك بحاجة إلى بعض القسوة. النساء كالفرس, يطلبن الصلابة و الحزم.
-صحيح لا عجب أن تكون عازباً في سنك, يا سيد سانتون.
-أنت لا توافقينني الرأي تفضلين الأزواج اللينين؟
-نظرتي إلى الزواج تختلف كلياً عن نظرتك, على ما يبدو. كما لن أتزوج رجلاً لا يرى بأنني على درجة معينة من الذكاء.
-صحيح بأن النساء كائنات غريزيات, لكن هذا لا يعني بأنهن غير ذكيات. أنت ما زلت صغيرة, يا آنسة, وربما لا تعرفين بعد نوعية مزاجك و شخصيتك الكاملة. عندما تكونين لنفسك خبرة أكبر, ستفهمين بأن النساء خلقن للطاعة, ولا يمكن للطبيعة أن تتغير.
احتجت ببرود قائلة:
-الأيام تتغير. أنت رجل تقليدي, أليس كذلك؟
ظهرت المزرعة من بعيد, جدرانها البيضاء تلمع تحت الشمس.
-هذا ممكن, لكن هذا لا يغير طبيعة العلاقة الموجودة بين الرجل والمرأة. ألا تجدين أن ابنة عمك تأخرت في الندم على زواجها.
-لكنها ليست نادمة على شيء. إنها تحب أخاك كثيراً. ومهما يكن, كيف باستطاعتك أن تطلب منها أن تكون سعيدة, بينما أنت و العمة لا تظهران نحوها محبة معينة, ولا أي حظ للتكيف الصحي.
-هل تتهميني و تتهمين عمتي بعدم التلاطف مع ابنة عمك؟
قالت الفتاة لنفسها: مهما فعلت و قلت, لن أتوصل إلى جعله فهم شيء مما أريد. فقالت معتذرة:
-كلا, طبعاً, يا سيد. ليس هذا ما أقصده. لكن بامكنكما أن تكونا متسامحين معها أكثر. كاميليا فتاة شديدة الحساسية, تعرف بأنكما لا تحبانها, وهذا يجعلها فتاة تعيسة. أخوك أيضاً ليس في وضع سهل. لكن لا جدوى في معارضة زواجهما. ربما من الأفضل لو تقف إلى جانب أخيك و تساعد كاميليا على التكيف.
أوقف جيرفيه سيارة الجيب. خبع قفازيه و رماهما إلى الوراء, ثم التفت نحو الفتاة وقال:
-مساعدتها؟ بأي طريقة؟
-آه, بطرق عديدة.
كانت الفتاة تعي بأن فستانها مجعلك و وجهها عابق من شدة الحر, لكن نظرات جيرفيه المحدقة بها, و دنو يده السمراء من كتفها, وترتاها , فشعرت بالتقلص فجأة. ماذا لو لمسها من دون وعي. كانت تخاف. انه مختلف عن بقية الرجال. لكنها لا تعرف لماذا تشعر بذلك. سألها:
-مثلاً؟
-بتشجيع الآنسة دورانس أن تأتي لزيارتها, مثلاً. كاميليا بحاجة إلى صديقات, و يبدو أنهما تتبادلان الاهتمامات نفسها.
-طبعاً, هذا اقتراح مليء بالوحي!
اضطربت جوسلين لتعبير وجهه الهازئ وقالت:
-لا أفهم.
-هناك أشياء كثيرة لا تفهمينها. أنت هنا منذ أسبوع و دعيني أقدم لك نصيحة, يا آنسة, عليك بالترفيه عن ابنة عمك. قريباً, ستلد و سيملأ الطفل أوقات فراغها.
احمرت جوسلين وقالت مدافعة:
-كنت أريد فقط مساعدتها.
-أنا أكيد من ذلك. و معك حق أن تعتقدي أن سيلين و كاميليا تتبادلان الاهتمام نفسه. لأن سيلين كانت الفتاة التي كان أخي سيتزوج منها, لو لم يذهب إلى باريس العام الفائت.
α α α α


جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 12-01-12, 07:55 AM   #6

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

أتمنى لكم الاستمتاع بقراءة الفصل الثاني

جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 02:44 PM   #7

خفايا الشوق

نجم روايتي وعضو فعال في التراس المنتدى الادبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية خفايا الشوق

? العضوٌ??? » 141888
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 4,302
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Oman
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » خفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond reputeخفايا الشوق has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الروايه ررررروووووعه

وبانتظار تكمليها

شـكــ ـــرا ... لك مني أجمل تحية .


خفايا الشوق غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/6YQ92892.jpg[/imgl]عـــابرون لا أكــُـثــــــر

[imgr]https://im32.gulfup.com/FYwSN.gif[/imgr][imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/NBo28712.gif[/imgl][imgr]https://www.rewity.com/vb/signaturepics/sigpic242556_32.gif[/imgr][imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/FXq17526.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/NxQ01099.gif[/imgr][imgl]https://im31.gulfup.com/57mdD.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/DbH16903.gif[/imgr][imgl]https://im40.gulfup.com/uAdq7.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/qbv87689.jpg[/imgr][imgl]https://im39.gulfup.com/aYnT2.gif[/imgl][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/r3w92892.jpg[/imgr][imgr]https://upload.rewity.com/upfiles/rfY65786.jpg[/imgr][imgl]https://upload.rewity.com/upfiles/fBm45664.jpg[/imgl]
رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 05:02 PM   #8

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خفايا الشوق مشاهدة المشاركة
الروايه ررررروووووعه

وبانتظار تكمليها

شـكــ ـــرا ... لك مني أجمل تحية .
يسعدني ان القصة نالت اعجابك

ان شاء الله أحط الفصل الثالث الآن ^_______^


جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 05:06 PM   #9

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

3-اكتشفت جوسلين أن كامليا ليست ضحية مسكينة كما تحاول أن تظهر وقررت الرحيل في الوقت المناسب لتجنب ظلافة جيرفيه, لكن العمة سقطت و عليها أن تقبل التحدي و تبقى أو ترحل فتخسر تحديها...


استقبلت كاميليا ابنة عمها عندما دخلت غرفتها بمزاج سيء قائلة:
-أنتظرك منذ ساعتين!
-أنا آسفة. لم أعرف مسبقاً بأن جيرفيه ينوي تناول الغداء في آلرز. لقد جلبت لك كل ما طلبته.
أفرغت الفتاة محتوى السلة على السرير راغبة في غسل وجهها و يديها و تغيير ملابسها, ثم قالت للمرأة الجالسة أمام منضدة الزينة, قرب النافذة:
-جاء الطبيب لرؤيتك, أليس كذلك؟ لقد التقينا به في طريق العودة.
-انه رجل حقير و مقيت... كانت رائحته تفوح بالثوم. اسمعي, سأغسل شعري قبل عودة جان-مارك, غداً. و ستساعدينني في ذلك يا جوسلين. لم يعد باستطاعتي غسله وحدي. اجلبي لي ماء ساخن من عند العمة.
-أليس من الأفضل أن تغسليه غداً صباحاً؟ سيأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يجف, يا كاميليا.
لكن كاميليا أجابت بإصرار عنيد:
-كلا, كلا.. أريد أن أغسله الآن, في حال وصل زوجي باكراً.
-حسناً, سأذهب و أغير ملابسي.
في غرفتها جلست جوسلين على السرير في استراحة قصيرة, فالطريق الرجراجة و الجدال مع جيرفيه أحبطا عزيمتها. لكن عليها أن تساعد كاميليا في غسل شعرها كي يجف قبل الليل. خلعت ملابسها و بذلت جهدا كبيراً لتقاوم رغبتها في التمدد على السرير والنوم؟
بعدما غسلت وجهها و ذراعيها, وارتدت قميصاً وسروالاً نظيفين, شعرت بالانتعاش والراحة.
لم تجد السيدة سانتون في المطبخ ولا في غرفة الجلوس. لا بد أن تكون إذن في غرفتها. لئلا تزعجها قررت أن تسخن الماء بنفسها. عليها إذن أن تسحب الماء بواسطة المضخة.
حملت دلواً كبيراً و وجدت المضخة في الساحة. وبينما كانت تباشر في تشغيلها, سمعت شخصاً يتقدم و هو يصفر, رفعت نظرها ولمحت أحد الحراس. انه الحارس الصغير الذي عثر على نظارتها يوم حادثة الثيران. ابتسمت له وقالت:
-صباح الخير, يا سيد.
فوجئ الرجل لرؤيتها, فتوقف حائراً, ثم قال:
-صباح الخير, يا آنسة.
انه أصغر الحراس ولا بد أن يكون في مثل عمرها. بعد تردد قصير, تقدم منها و أشار إليها أن تبتعد كي يضخ الماء بنفسه, قائلاً:
-الدلو ثقيل بالنسبة إليك بخاصة عندما يمتلئ. سأحمله عنك.
أفرغ الماء في قدر معدنية موضوعة داخل المطبخ, و وضعها على الفرن الخطبي, ثم أشعل بعض الوقود, فقالت له:
-شكراً جزيلاً, كنت أعتقد أن الجميع ذهبوا اليوم بعد الظهر إلى المدينة.
من دون أن يتجرأ في النظر إليها, قال ببعض الانزعاج:
-ليس أنا, يا آنسة, اسمي رفاييل.
اندهشت الفتاة من خجل الشاب الوسيم, ذي الشعر الأسود المجعد و القامة المتوسطة والمتينة. ابتسمت له وقالت:
-و أنا اسمي جوسلين.
-انه اسم جميل, هل أعجبتك مدينة آلرز يا آنسة جوسلين؟
-نعم... انها مدينة جميلة حقاً.
استرخى الشاب وسألها:
-هل ستبقين هنا حتى حين ولادة الطفل؟
-كلا, لا أستطيع ذلك. سأعود إلى انكلترا بعد اسبوعين. الجميع هنا يأملون أن يكون الطفل ذكراً, أليس كذلك؟ وربما يكون أنثى جميلة.
-هنا, المولود الأول دائما صبي.
لكنه أضاف بسرعة لدى سماعه طرقة باب في الممر:
-سأذهب الآن, لدي عمل.
لم يأت أحد. كانت الفتاة تحب أن تتحدث مع رفاييل لمدة أطول, لتحسن لغتها الفرنسية. فحتى الآن باصغاءها إلى الحراس يتحدثون غلى مائدة الطعام, تذكرت تقريباً كل ما تعلمته في المدرسة, كما تعلمت بعض التعابير القروية المحلية.
ساعدت جوسلين, في غسل شعر ابنة عمها و راحت بدورها تغسل شعرها أيضاً. ثم لفته بمنشفة, و راحت تجعد شعر كاميليا بوضع ملاقط خاصة فيه. فقالت لها كاميليا بغيظ:
-لا أفهم لماذا لا يجلب جيرفيه محركاً كهربائياً. فأنا لا أستطيع استعمال مجفف الشعر...
-المحرك الكهربائي يكلف غالياً. ربما ليس بإمكانه أن يشتري واحداً.
-بلى... لديه المال الكثير. بإمكانه أن يحسن أوضاع المزرعة بكاملها و يجعلها حديثة الطراز, لو لم يكن بخيلاً. أين اصطحبك إلى الغداء في مقهى حقير, على ما أظن؟
-لم يكن مقهى من الطراز الأول, لكن الطعام كان من الدرجة الاولى. في الواقع كنا ثلاثة أشخاص. لقد دعا فتاة تدعى سيلين دورانس.
-آه, صحيح! لقد سبق و ألتقيت بها مرة من قبل. انها فتاة سمراء... قصيرة... أنيقة جداً. لقد وجدتها فتاة ناعمة و لطيفة.
بدا على كاميليا أنها لا تعرف بأن عائلة سانتون كانت تأمل بزواج جان-مارك و سيلين. ما1ا كان جيرفيه يقصد من كلامه إذن: لو كان جان-مارك يريد سيلين زوجة له, لأخبر كاميليا بذلك؟ الظاهر أنها في الحقيقة رغبة العائلتين وليس الولدين. الواضح أن سيلين لا يبدو أنها تعاني ألام الحب الضائع.
أضافت كاميليا تقول:
-حسب ما أخبرني جان-مارك, مزرعة آل دورانس مجهزة بكل وسائل الراحة الحديثة, من كهرباء و ماء جارية , ساخنة وباردة... أي كل ما يجعل الحياة جميلة. والد سيلين أرسل ابنته إلى باريس لتكمل دراستها. هو على الأقل, ليس محافظاً, أو متعصباً و يبدو أنه انسان حضاري.
-لكنني فهمت أنه يربي ثيراناً من نسل مختلف. و مزرعته ربما تكون أكثر ازدهاراً من هنا.
-آل دورانس يرسلون حيواناتهم إلى حلبة مصارعة الثيران.. أما جيرفيه, فلا يريد إلا ثيراناً تقوم بالسباق الحر.
-وما هو الفرق؟
-في السباق الحر, الحيوان غير مهدد بالموت. بين قرنيه توضع زهرة حمراء, وعلى الرجال محاولة قلعها. كان جان-مارك يشترك في الماضي في هذا السباق. لكنني رجوته ألا يفعل ذلك بعد الآن, فرضخ لرجائي. كان بطلاً محلياً لمدة سنتين متواليتين. لكنني غير مستعدة اطلاقاً أن أرى زوجي مشلولاً أو مصاباً بفجوة بين أضلاعه... في الواقع, الثيران هي الأبطال. لا بد أم جيرفيه حدثك عن ثور يدعى " الوحش" وهو أجمل ثور في المنطقة.
هزت جوسلين رأسها سلباً, فقالت لها كاميليا:
-حلم جيرفيه و طموحه في هذه الحياة أن يخطف هذا الثور. شيء لا يصدق, أليس كذلك؟
-آه, لا أعرف. المزارعون الانكليز يحاولون أيضاً الحصول على الحيوان الذي ينال الجائزة الأولى, أو البقرة التي تعطي أكثر حليباً. لكل حلمه. و أنت, حلمك كان أن تصدر مجلة "فوغ" صورتك على غلافها.
-ما زلت محافظة على هذا العدد من مجلة " فوغ"
فجأة تقلص فم المرأة و امتلأت عيناها دموعاً, و أضافت تقول:
-إذا استعدت وظيفتي الآن, فلا أحد سيعرفني.
-آه, آه, بلى سيعرفونك. بعد شهرين, ستلدين و تستعيدين نحافتك, و تصبحين رائعة من جديد, بل أروع ربما.
قالت كاميليا بصوت مرتجف:
-صحيح؟ هل تعتقدين ذلك؟ بعض النساء لا يستعدن نحافتهن أبداً. آه, لم أعد أحتمل بطني هذا! بالكاد أتجرأ على النظر إلى نفسي في المرآة هذه الأيام.
قالت جوسلين بحزم و قسوة:
-كاميليا! أنت الآن تقومين بتصرفات طفولية. انك أقل سمنة من معظم النساء. هيا, تشجعي, يا حبيبتي. غداً, في مثل هذه الساعة, سيكون جان-مارك قربك و سيراك رائعة, أنا متأكدة من ذلك, إن كنت حاملاً أم لا.
وصل جان-مارك في اليوم التالي, بعد وجبة الغداء. قفز من السيارة و قبل عمته بحماس, ثم سلم على جيرفيه و ربت على كتفه, والتفت نحو جوسلين و قال:
-وهذه ابنة العم الانكليزية! أنا سعيد بالتعرف إليك, يا آنسة. سامحيني على غيابي... لكنها كانت رحلة عمل موفقة. الآن, لدي زوجة... وعما قريب, طفل... يجب علي أن أعمل مضاعفاً...
انحنى مبتسماً وقبل يدها و قال:
-والآن, المعذرة. أريد أن أرى زوجتي.
عندئذ اقترح جيرفيه قائلاً:
-بما أن جان-مارك و كاميليا يرغبان في قضاء بعض الوقت معاً, على حدة, ما رأيك لو تأتين معي لركوب الخيل, آنسة بيشوب؟
ذكرته قائلة:
-لكنني لم أمتط خيلا في حياتي.
أجابها بهدوء:
-في هذه الحال, سأعلمك.
ثم أضاف بتحد:
-هذا طبعاً إذا كنت لا تخافين القيام بالتجربة.
بدا و أكنه يريد أن يضعها على المحك. أو ربما يتوقع منها أن تجد عذرا للرفض. فهو لا يرغب في رفقتها كما يبدو.
بلهجة ابتهاج و حماس, أجابت الفتاة:
-هذا لطف منك. سآخذ درساً في ركوب الخيل بكل طيبة خاطر. لأذهب اذن و أغير ملابسي, و سأعود إليك بسرعة.
لم يبد مندهشاً, بل قال ببساطة:
-و أنا سأهيئ الحصانين.
قالت الفتاة لنفسها وهي داخلة إلى المنزل:" آه, ما الذي جرى لي؟".
ولما عادت للقياه, كان قد وضع السرج على حصانه" قيصر" وعلى حصان آخر. قال لها بلطف, شاعراً بأنها غير مطمئنة كما يجب:
-لا تخافي, آنسة بيشوب, "أرسطو" حصان لطيف جداً. ضعي رجلك في هذه الركاب هنا, و تمسكي بالقربوس, و أنا سأساعدك على امتطاء الحصان.
نفذت الفتاة ما قال لها بنجاح, فأحكم جيرفيه الركابين جيداً, ثم قال:
-سأجلب شيئا من المنزل. هل بإمكاني أن أتركك وحدك لحظة؟
هزت الفتاة رأسها قبولاً, وتمسكت بالقربوس, آمله ألا تصدر عن الحصان حركة مفاجئة. عاد جيرفيه حاملاً قبعة رمادية تشبه قبعته, لكنها أصغر و أجد. وقال لها وهو يناولها إياها:
-إنها تذكار من منطقة الكامارغ, لك, يا آنسة. آمل أن تليق بك.
أجابته متلعثمة:
-آه, شكراً.
ثم رأته يمتطي حصانه بخفة وعناية, ابعدت يديها عن القربوس, ثم خلعت نظارتيها و اعتمرت القبعة التي لا شك أنه اشتراها من مدينة آلرز يوم أمس.
قرب جيرفيه حصانه من "أرسطو" و أنحنى ليري الفتاة كيف تمسك الزمام, قائلاً:
-هل أنتِ مستعدة, أنسة بيشوب؟
هزت رأسها موافقة, ثم قالت بعفوية:
-أرجوك, أدعني جوسلين. فنحن أقرباء...
رمقها بنظرة ساخرة, غريبة, و أجاب قائلاً:
-حسناً, كما تريدين.
ثم ربت على ظهر أرسطو و بدأ الحصانان سيرهما. و بسرعة, تعودت الفتاة مشية الحصان و تدريجياً, بدأت تشعر بالاسترخاء والاستمتاع بالنزهة.
الحصانان يتقدمان جنباً إلى جنب, و جيرفيه لا يراقب الفتاة كثيراً. بل يصفر و يتأمل المنظر القاحل, بصمت و استرخاء. بعد ربع ساعة. ابتعدا عن الطريق باتجاه مساحة واسعة من الأراضي المغطاة بالنباتات البرية من فصيلة السرمقيات. "قيصر" يتقدم و "أرسطو" يتبعه. ولمدة لحظات قليلة, بدأت الفتاة تفقد توازنها فوق هذه الأرض الوعرة, لكنها تمكنت من البقاء على ظهر الحصان, ضاغطة الركبتين و متمسكة بشدة بالقربوس. وعلى مقربة مستنقع صغير خفف أرسطو سرعته بنفسه, وبينما كان يجتاز ستاراً من القصب ليدخل الماء, رأت جوسلين الرجل ينظر إليها بمرح و سخرية, فسألته:
-هل كنت تتوقع أن تراني واقعة عن ظهر الحصان, يا سيد سانتون؟
-ولماذا لا تنادينني جيرفيه ببساطة؟
-كما تريد.
-ليس باستطاعتك أن تقعي عن ظهر أرسطو. فأي ولد يستطيع أن يركبه من دون مشكلة.
-أظنك بدأت تركب الخيل مباشرة بعد أن تعلمت المشي, أليس كذلك؟
-حتى قبل ذلك. ولما كنت في السابعة من العمر, سمح لي والدي بمرافقة الحراس في أخذ الثيران المختارة إلى السور حيث تجري المبارزات. اليوم, تؤخذ الثيران بواسطة الشاحنات, إلا إذا كانت حلبة مبارزة غير بعيدة عن المرتع.
وبعد صمت قصير, أضاف يقول:
-في كل حال, لم تحصل مبارزات منذ وقت طويل.
-لماذا؟
نظر إليها مقطب الحاجبين و قال:
-بسبب الحرب.
احمر وجهها وقالت:
-نعم, طبعاً... أنا حمقاء, المعذرة.
لانت نظرته وقال:
-لا ضرورة للمعذرة. حينذاك لم تكوني قد ولدت بعد. إنه التاريخ بالنسبة إليك.
سألته بخجل:
-هل عانيتم الكثير في أيام الحرب, في هذه المنطقة؟
-القطعان أبيدت. ولما تحررت البلاد, لم يبق تقريباً أي حيوان على قيد الحياة. كلها ماتت, بسبب المرض, أو خزنت لتغذية الألمان. حتى الثور لا يمكنه العيش إلا إذا أعتني به.
ولما داس الحصان الأرض اليابسة من جديد, لمحت جوسلين على بعد 50 متر تقريباً عدة حراس يجمعون قطيعاً تفرق. فتذكرت شيئا ما و سألت جيرفيه:
-حدثتني كاميليا عن ثور يدعى " الوحش" , لماذا هذا الثور مشهور جداً؟
-عليك أن تطرحي هذا السؤال إلى مارسيل روجيه! عندما كان حارساً صغيراً ربح ألف فرانك, فقط لأنه تمكن من لمس جبين هذا الثور.
وبعد سير عشر دقائق, لمحا حصانا يتقدم من بعيد باتجاههما, فقال جيرفيه بلهجة متهكمة:
-سيلين!
كانت سيلين تمتطي فرساً وهي ممددة على عنقه, شعرها يطير مع الريح. وصلت مسرعة, وفي اللحظة الأخيرة, أمالت الحصان وقامت بدائرة واسعة لتصطف قرب جيرفيه, بعد أن خففت سرعتها بشدة, حتى انتصب الحصان, يا له من مشهد رائع خاصة أن الحصان من دون سرج. انقطعت أنفاس جوسلين خوفاً و اعجاباً عندما رأت الحيوان يحرك حافريه في الفراغ, قبل أن يرجع إلى ساقيه, هازاً عرفه الأبيض.
قال جيرفيه بلهجة قاطعة:
-قلت لك ألا تفعلي هذا, يا سيلين. سيأتي يوم و تسببي موت حصانك!
أجابت الفتاة بسخرية:
-وستكون حزيناً, أليس كذلك؟
أجاب بقسوة:
-سأغضب إن رأيت حصاناً جيداً مجروحاً. ستشوهين وجهه و خاصة فمه, بهذه الحركات, كأنك في السيرك!
-آه, ما أفعله لا يؤلمه أبداً, بل يفرحه.
ثم حيت الفتاة الانكليزية برأسها و أضافت تقول:
-هل كنتما في الطريق لزيارتي؟
-كلا. مزرعتك بعيدة و جوسلين تكرب الخيل للمرة الأولى. سوف نستريح تحت هذه الأشجار, قليلاً, قبل العودة.
أشار إلى جل صغير من أشجار الصنوبر. فسبقتهما سيلين إليه, ثم انتظرت أن يهبط جيرفيه من حصانه لتمد له ذراعيها كي يساعدها على النزل. وضعها أرضاً, تاركاً يده على كتفيها, فقالت له بلهجة مداعبة:
-لا تغضب مني. إذا كان ما أفعله حقاً يقلقك, فلن أكرره أبداً.
هزها قليلاً وهو يمسكها بخصرها, ثم أجاب:
-حسناً, سأسامحك هذه المرة.
ابتعد ليساعد جولسين, التي رأت في تلك اللحظة أن الفتاة الفرنسية تأخذ تعبيراً غريباً, كأنها تشعر بالاستياء. لكن, ربما أخطأت, لأنه, ما إن جلسوا في الظل, حتى أخرجت سيلين مرآة صغيرة و سألت جيرفيه أن يمسكها, بينما راحت هي تسرح شعرها, راكعة قربه, ثم نظرت إلى جوسلين وقالت:
-هكذا, اشتريت قبعة حراس أيضاً, يا آنسة.
قال جيرفيه في الحال:
-و أنت, بحاجة أيضاً إلى قبعة كهذه, يا صغيرتي.
ضحكت سيلين و أجابت:
-لا تنس... قدم أبناء الريح يسيل في عروقي.
شرح جيرفيه للفتاة بمزاح:
-تحب سيلين التصديق بأنها تنحدر من السلالة البوهيمية.
فقالت سيلين بإصرار:
-كل هذا حقيقي. في كل سنة, يأتي الفجر إلى منطقة الكامارغ في عيد السيدة سارة. إنه حدث كبير, تعزف الموسيقى الصاخبة, و الناس يرقصون بسعادة و فرح. فمنذ سنوات عديدة كان والد جدي ما يزال شاباً وسيماً, التقى خلال هذا العيد بامرأة غجرية رائعة الجمال. واكن الحب من أول نظرة.
ابتسمت جوسلين وقالت:
-يا لهذه القصة الرومانسية الناعمة.
تدخل جيرفيه في الحديث مقاطعاً:
-لا, لأنك لا تعرفين بقية القصة. الغجر شعب يعارض الزواج المختلط و بول دورانس كان رجلاً محظوظاً لأنه لم يتلق طعنة سكين في قلبه. لكنه لم يحتفظ بالفتاة طويلاً. انجبت له ولداً, و بعد سنة, عندما عاد الغجر, هجرت زوجها و ولدها. فالغجر لا يتكيفون مع حياتنا الحضرية الثابتة, حتى في منطقة الكامارغ.
تنهدت سيلين و قالت:
-نعم, كانت نهاية محزنة. رفضت قبيلتها أن تأخذها من جديد. فرمت بنفسها في البحر وغرقت المسكينة. و تأسف والد جدي عليها كثيراً.
ذكرها جيرفيه قائلاً:
-لكنه مع ذلك تزوج مرة أخرى و أنجب ستة أولاد... ربما وقع في الحب من أول نظرة مرة ثانية!
غضبت الفتاة الفرنسية و قالت:
-هذا ليس مزاحاً... إنما مأساة. كيف باستطاعتك فهم تلك الأمور, و أنت لم تعرف بعد معنى الحب!
تناولت من يده المرآة, ثم نهضت و ادارت له ظهرها. لكن جيرفيه و جوسلين لاحظا الدموع في عينيها. كان الجو متوتراً. و أدركت جوسلين أن جيرفيه ندم على ما حدث. لو كان وحده مع سيلين لربما اعتذر منها و حاول مؤانستها. لكنه أعلن ببساطة:
-حان وقت العودة.
صفرت سيلين لحصانها, فاقترب منها. امتطته بسرعة و تبين أن الانفعال غادر وجهها. سألتها جوسلين:
-هل تمتطين حصانك دائماً من دون سرج؟
-كلا, ليس دائماً. لا أهمية في ذلك, اليوم عليّ أن أجتاز المستنقعات و رفع ساقي... هذا كل ما في الأمر. وهذا مستحيل وعلى الحصان سرج.
جاء دور جوسلين أن تمتطي حصانها. فالمحاولة الأولى كانت فاشلة, إذ كادت أن تقع إلى الوراء و آذت ركبتها. لكنها تجاهلت الأمر و حاولت من جديد, فهبطت على ظهر الحصان بكل ثقلها, فتألم الحصان وبدأ يخور. فقالت له:
-المعذرة, يا أرسطو.
غريزياً, مدت يدها تداعب عنق الفرس, فاشتبكت نظراتها بنظرات جيرفيه فأحمر وجهها و توقعت منه أن يهزأ منها, لكنه أدار لها ظهره و امتطى حصانه برشاقة. لما ابتعدت سيلين, قالت جوسلين:
-إنها تركب الخيل بصورة رائعة, أليس كذلك؟
-إنها جيدة في كل شيء.
وصلا إلى المزرعة بصمت. شكرته الفتاة باقتضاب و دخلت إلى المنزل. فتح جان-مارك باب غرفته بينما كانت جوسلين تمر أمامه, فدعاها إلى الدخول. كانت ابنة عمها جالسة في سريرها, ترتدي قميص نوم جديد من قماش الكرب الصيني, المشمشي اللون. فابتسمت وقالت:
-أليس هذا القميص رائعاً بالفعل, يا جوسلين؟ اشتراه لي حان-مارك من ليون... وهذا أيضاً.
اشارت إلى أقراط توركوازية وشال حريري. فابتسم جان-مارك وقال:
-وهذه هدية صغيرة لك.
فتحت جوسلين العلبة لترى شالاً حريرياً آخر. فقالت مندهشة:
-آه, هذا لطف منك... شكراً.
وخلال نصف ساعة فهمت جوسلين ما الذي جذب كاميليا إلى جان-مارك. و تساءلت كيف يمكن لشقيقين أن يكونا بهذا الاختلاف الكبير. جان-مارك, شاب وسيم, لكنه ليس فخوراً بمنظره الجميل. بالعكس فهو مرح و دافئ, يستلطفه الآخرون لمجرد الجلوس معه, لأن رفقته ممتعة.
كان جالساً على السرير, ذراعه حول كتفي كاميليا, يتأملها بمزيج من الفخر و الحنان, إلى درجة أن جوسلين شعرت بانفعال كبير تجاهه. وفهمت في تلك اللحظة بأنه من المستحيل أن تفكر, مثل جيرفيه, بأن هذا الزواج محكوم عليه بالإخفاق.
في أواخر الأسبوع الثاني من زيارتها، كانت جوسلين جالسة على مقعد في الساحة عندما وصل جان-مارك من المدينة في حوالي الرابعة. قالت:
-صباح الخير... عدت باكراً اليوم. كاميليا ما تزال نائمة.
-لم تنم جيداً, هذه الليلة, المسكينة.
دخل إلى المنزل و عاد حاملاً زجاجة عصير و كأسين. ملأهما و أعطى واحداً لجوسلين ثم أشعل سيكارة, و اتكأ على الجدار وقال:
-أريد أن أتحدث معك, على حدة. الوضع شديد الدقة. أنت ترين ما يجري بين كاميليا و عائلتها. أريد أن أعرف رأيك بالأمر.
-بصراحة و صدق, أرى أنه كان من الخطأ جلبها إلى هنا.
-لم تكن هذه نيتي. لكن ماذا بوسعي أن أفعل غير ذلك. كنت أفضل البقاء في آلرز, لكن كاميليا رفضت الخروج من الشقة, بحجة أنها أصبحت بشعة و الناس يحدقون فيها بغرابة... و عندما شرحت لها بأن تصرفها هذا لا مبرر له, و إن كل النساء يجتزن هذه المرحلة ليصبحن أمهات, أجهشت بالبكاء و كادت أن تصاب بانهيار عصبي. أمضت شهراً بكامله وحدها, لا تتحدث مع أحد. لم يكن ذلك صحياً بالنسبة إلى حالتها ولم يكن لدي خيار.
-لكنها أخبرتني بأنها سقطت و جئت بها إلى هنا بناء على وصية الطبيب بضرورة البقاء في السرير وعدم البقاء وحيدة.
-صحيح أنها وقعت, لكن هذا لم يشكل أي خطر على صحتها أو صحة الجنين, بقيت سجينة غرفتها بملء إرادتها, بينما كان الطبيب يفضل أن تعيش حياة نشيطة و حيوية أكثر.
أجابت الفتاة بحزن لأن ابنة عمها خدعتها وقالت:
-لقد فهمت الآن.
-ربما كانت عائلتي على حق, ما كان يجب أن أتزوجها. إنها الآن تعيسة وليس باستطاعتي أن أقدم لها ما تحلم به في هذه الحياة؛ بيت كبير, سيارة فاخرة... خدم... وكل ما اعتادت عليه.
بلطف اجابت الفتاة:
-أنت تحبها, وهذا أهم ما في الأمر.
-صحيح كنت أفكر مثلك, لكن الآن... لم أعد أعرف شيئاً. لماذا عليها أن تضحي من أجلي و أنا لا أستطيع أن أقدم لها الشيء الكثير, لن أصبح أبداً رجلاً ثرياً, كما تحلم...
-لو كانت كاميليا تريد الزواج من رجل ثري, لتمكنت من ذلك. أنت تقلل من قيمتك, يا جان-مارك. معظم النساء لا يخفن من القيام ببعض التضحيات في سبيل الحب. أنا أكيدة بأن الوضع سيتغير بعد ولادة الطفل.
أجاب الرجل ببعض الشك:
-آمل ذلك. لكن عمتي وأخي سيتطلبان وقتاً طويلاً كي يقتنعا بزواجنا, لأنهما ما زالا يعتبرانني غير مسئول. غير أنني أصبحت الآن رجلاً, وعليّ أن أعيش حياتي, كما أريد.
-لو لم تتزوج كاميليا, لأصبحت حارس ماشية. هل هذا صحيح؟
هز كتفيه وقال:
-ربما, من يدري؟ أنا لا أحب أن أعيش في شمال البلاد ولا في باريس مثلاً. لكن منطقة الكامارغ ليست سوى جزء صغير من وسط فرنسا. و العيش هنا أقل أهمية بالنسبة إلي, مقارنة بأخي.
-ومرسيليا؟
-أحب هذه المدينة. هل تعتقدين بأن كاميليا ستكون سعيدة إن عشنا هناك؟
-نعم, أظن ذلك. مرسيليا مدينة أنيقة ومرحة, على ما يبدو. وحسب رأيي, لن تتمكن كاميليا من التكيف مع الحياة هنا. حتى مدينة آلرز تعتبر قروية جداً بالنسبة إليها.
-إذن, تنصحينني بالاستقرار في مرسيليا, بعد ولادة الطفل؟
أجابت جوسلين بحذر:
-القرار يعود إليك أنت. لا فائدة أن تكون كاميليا سعيدة و أنت عير سعيد. هل بإمكانك العمل في مدينة آلرز و العيش في مرسيليا؟ المسافة بين المدينتين ليست بعيدة في القطار كما يقال.
-كلا, معك حق. ربما أذهب إلى مرسيليا في الغد للبحث عن شقة. لكن هذا سيتطلب وقتاً طويلاً.
-لا تتسرع, يا جان-مارك, كاميليا بحاجة إلى أسابيع بعد الولادة كي تستعيد كامل حيويتها ونشاطها. إذا اتخذت قراراً بسرعة, ستبلبل عائلتك. لو كنت مكانك, لما تحدثت عن شيء قبل تفكير طويل و ناضج.
-نعم, معك حق. سأعلن هذا الأمر عندما يصبح واقعاً. شكراً لمساعدتك, يا جوسلين.
بدأت الفتاة تندم على ثرثرتها, فقالت:
-لست في وضع لأعطي رأيي...
-بالعكس... ليس لكاميليا أحد غيرك. فهي تشعر بالاستقرار معك. لو كانت والدتي هنا...
هز كتفيه وتابع يقول:
-عمتي امرأة شجاعة, لكنها لا تفهم معنى الشباب اليوم.
-ماذا حدث لوالديك, يا جان-مارك؟
-كان والدي في المقاومة وقتل على يد الألمان. و والدتي ماتت أيضاً في الحرب. مرضت ولم تكن ترغب في الحياة, من دون والدي. أنا لا أتذكرهما أبداً.
-إذن, ربيت و ترعرعت على يد عمتك, بينما راح عمك يهتم بالمزرعة, أليس كذلك؟
-نعم... وجيرفيه كان تعيساً للغاية. لم يكن عمي يحبه و كانا يتشاجران باستمرار. لهذا السبب, غادرنا جيرفيه لمدة ثلاث سنوات.
-ولماذا كانا يتشاجران؟
-كان عمي يتعاطى الخمور. وذات يوم, فقد وعيه و ضرب أخي على وجهه... ومن ثم, أصبحت الحياة غير ممكنة لجيرفيه, هنا, تحت سقف واحد مع عمي و...
جاء صوت جاف يقول:
-تتكلم كثيراً, يا أخي.
انتفض جان-مارك و الفتاة و التفتا معاً نحو الصوت, ورأيا جيرفيه على عتبة باب المطبخ. نهض جان-مارك مستاء وقال:
-سأذهب لأرى إذا كانت كاميليا استيقظت من نومها. آه, لقد نسيت... هاتان رسالتان من انكلترا, لك, يا جوسلين.
-آه, شكراً... حان الوقت لأستلم أخباراً من عائلتي.
وضعت جوسلين الرسالتين في حقيبة يدها, فتقدم جيرفيه منها و جلس قربها, وقال:
-أعذري أخي لأنه أزعجك بأخبار العائلة. فهذا لا أهمية له, من دون شك.
قالت الفتاة بعنف غير متوقع:
-على الأقل, أخوك يحدثني كإنسانة... ليس مثلك, تعتبرني آتية من كوكب آخر.
-في نظرك, أنا أعاملك هكذا؟
-تستهجنني, كما تفعل مع كاميليا.
كتف يديه و أتكأ على الجدار وقال:
-وماذا كنت تتوقعين؟ قصة حب بيننا؟
احمر وجه الفتاة و صرخت:
-طبعاً لا!
ارتسمت ابتسامة غليظة على شفتي الرجل الذي قال:
-لا تنزعجي. عندما جئت إلى فرنسا, لا شك أنك نت تأملين أن تعيشي مغامرة عاطفية, وهذا أمر طبيعي جداً. لكنك لاحظت أن لا شيء يهمك هنا, فخاب ظنك و أصبحت تملين.
أدارت جوسلين وجهها, لا تعرف ماذا تفعل تجاه هذا الأسلوب الهجومي الجديد. وقبل أن يتسنى لها الوقت للرد عليه, تابع يقول:
-ماذا بك هنا؟ هل ارتطمت بشيء؟
أشار إلى ركبتها المحتقنة من الاحتكاك بسرج الحصان. غطت الفتاة ركبتها بطرف فستانها و حاولت القول:
-هذا لا شيء يذكر...
انحنى نحوها وقال:
-دعيني أرى...
-لقد قلت لك... إنه لا شيء يذكر...
-يا إلهي! ليست قلة تهذيب أن تظهري ركبتك. لقد سبق و شاهدتها.
عضت الفتاة على شفتها و رفعت تنورتها لتريه الزرقة على ركبتها وتقول:
-إنها لا تؤلمني أبداً. ارتطمت ركبتي بالسراج, يوم الأحد.
-ولماذا لم تخبريني بذلك, كنت أعطيتك مرهماً.
-ليس هذا ضرورياً.
ثم لمح كدمة صغيرة, على ذراعها, فوضع اصبعه عليها وقال:
-وهذه الكدمة... من أين جاءت؟
-من حادث قديم, عندما كنت صغيرة... لكنني أكيدة بأن ذلك لا يهمك.
نهضت الفتاة بسرعة و قالت بصوت مسموم:
-أعذرني, سأدخل الآن إلى المنزل.
ولشدة سرعتها, أوقعت قلمها, فانحنى جيرفيه يلتقطه, قالت له, قبل أن تدير له ظهرها:
-آه, شكراً.
-جوسلين...
توقفت على مضض ونظرت إليه من فوق كتفها وقالت:
-نعم؟
-أنت مخطئة إذا كنت تفكرين بأنني لا أراك جميلة. طبعاً, أنا أعي ذلك, ولو كنت أكبر سناً و أكثر خبرة... لكنك صغيرة و غير مجربة و تريدين إظهار العكس. من الأفضل ألا تعقدي هذا الوضع الصعب, أليس كذلك؟
و بإشارة صغيرة من رأسه, ابتعد باتجاه الاسطبل. فبقيت جوسلين مكانها مندهشة, مصدومة, كأنها تلقت دوشاً بارداً, لم يسعها تصديق ما سمعته. شعرت بالغصب يحتلها, فأسرعت تقفل باب غرفتها وتقول لنفسها: " يا لرباطة جأشه... يا لهذه العجرفة التي لا تحتمل, و التي لا تغفر! يا للوقاحة... آه, يا للعجب و التفاخر!"
لم يظهر جيرفيه على مائدة الطعام, وأخبرت العمة جان-مارك بأنه ذهب إلى مزرعة آل دورانس. فشعرت جوسلين بالارتياح. ولم تتذكر الرسالتين إلا عندما آوت إلى فراشها. كانت واحدة من والدها و الثانية من طوم كاليه. و بتأسف أدركت أنها لم تفكر فيه منذ وصولها إلى فرنسا. كانت رسالته مملة, يتحدث فيها عن الطقس و مشاكل محرك سيارته. و يقول بأن الجميع مشتاقون إليها.
لكن مهما يكن, أشعلت هذه الرسالة فيها الحنين إلى الوطن. وقالت لنفسها: "عزيزي طوم. يا لك من شاب لطيف و أكيد من نفسه. معك, لا توجد أي مشكلة".
وفي سريرها, ظلت تفكر بطوم و بالمستقبل وتقول:
"ليس لدي هدف في الحياة سوى الزواج, وهذه هي مشكلتي. فأنا منطوية على مغالطة تاريخية. الشيء الوحيد الذي أرغب فيه, هو أن أستمر في إدارة المنزل. و إذا توظفت, فسيكون ذلك لفترة مؤقتة, بانتظار أن أصبح سيدة فلان. لماذا الانتظار؟ لماذا اضاعة الوقت؟ لماذا لا أصبح زوجة طوم كاليه؟"
ورددت لنفسها: حسناً, لست واقعة في حبه حتى الجنون. لكن ما هو الحب؟ هل يجب أن يكون الحب دائما من أول نظرة؟ أليس الاتفاق أهم من الحب؟ لننظر إلى كاميليا و جان-مارك : إنهما يحبان بعضهما, لكن كم سيدوم هذا قبل أن يعالجا الاختلافات التي تفرقهما؟ بينما طوم وهي يتقاسمان الاشياء نفسها, ولا شك أنهما يناسبان بعضهما تماماً...
وفي الأسام التالية, نادراً ما التقت بجيرفيه أو رأته. و أشرفت عطلتها على النهاية, لكن كاميليا كانت تصر عليها أن تمددها.
-حتى ولادة الطفل... أرجوك, يا جوسلين.
كما أصر عليها جان-مارك قائلاً:
-بعد اسبوعين, يقع عيد السيدة سارة. ولا يجب أن تفوتك هذه المناسبة النادرة.
-كلا سأذهب في الموعد المتفق عليه.
قالت كاميليا ناحبة:
-لكنني بحاجة إليك. لو كنت مكانك لما ذهبت. هذا أقل ما أطلبه منك.
-كاميليا, لا تتحمسي كثيراً, فحماسك لن يجدي شيئاً. لن تتم ولادتك قبل شهر, و أنا لا يمكنني أن أبقى طويلاً.
-أنت فتاة شريرة. لا أحد يجبرك على الذهاب, و لا تريدين البقاء هنا بكل بساطة. إذا كان هذا المكان لا يعجبك, فكيف بالأحرى أنا؟
... كلما جرى مثل هذا الحديث, تمتلئ عينا كاميليا بالدموع السخية, و يسرع جان-مارك لمؤاساتها. لكن جوسلين ما زالت مصرة على عدم الاستسلام لهذا النوع من التهديد التي تبرع فيه ابنة عمها. لم تعد تشفق عليها خصوصاً منذ عرفت بأنها تمضي وقتها في السرير, من دون سبب صحي, و تطلب من الآخرين الاهتمام بها. عبست كاميليا ولم تعد تحدث جوسلين ليوم بأكمله. فقالت لها هذه الأخيرة:
-اسمعي, يا كاميليا, حان لك أن تهزي نفسك. على الأقل كوني لطيفة مع زوجك, الذي يشغل باله عليك باستمرار.
-على الأقل, ليس جان-مارك مثلك.
-بالي مشغول عليكما معاً. بصراحة, يا كاميليا, انك لا تقدمين شيئا من نفسك.
-وماذا تريدينني أن أفعل؟
-في البداية تناولي طعامك مع بقية أفراد العائلة.
-ماذا؟ مع كل هؤلاء الرجال؟
-لا تكوني حمقاء. إن تصرفاتهم لطيفة ومحببة. وكلما اصغيت إلى حديثهم, تتعلمين اللغة الفرنسية بسهولة, حان لك أن تتقني لغة زوجك.
-إذا كنت تقفين إلى جانبهم, فمن الأفضل عليك أن ترحلي من هنا ابتداء من نهار الغد.
كانت جوسلين تحاول جهدها أن ترشدها, لكن من دون جدوى, فكاميليا امرأة عنيدة جداً. تبكي من جديد وتضع كل اللوم على ابنة عمها.
لو كان الاتصال الهاتفي ممكناً, لاتصلت جوسلين بوالدها تطلب منه نصيحة. ربما يقول لها أن تبقى. لكنها تذكرت نصيحة الطبيب يوم مغادرتها انكلترا حين قال لها:" لا تقفي دائما إلى جانب كاميليا, ولا تقفزي إلى الاستنتاجات بسرعة. ربما تكون ابنة عمك طائشة لكنها تكبرك بثلاث سنوات وباستطاعتها أن تدافع عن نفسها وحدها...".
بعد ظهر اليوم التالي, أي قبل يومين من موعد سفرها, كانت جوسلين تنظف صندلها في غرفتها عندما سمعت صراخاً جعلها تركض إلى غرفة كاميليا, لكن ابنة عمتها كانت تغط في نوم عميق.
أغلقت الباب بهدوء, وسمعت نحيباً آتياً من طرف الممر. فأسرعت إلى المطبخ مذعورة ورأت السيدة سانتون ممددة على الأرض. فاعتقدتها ميتة و انصدمت. الرجال كلهم في العمل, وليس في المنزل غيرها.
ركعت قرب العجوز و لمست يدها, فسمعت نبضها. وبعد ثوان معدودة, فتحت العمة عينيها ناحبة.
عندما عاد جيرفيه إلى المزرعة, بعد مرور ساعة على الحادث, اسرعت جوسلين إلى الخارج صارخة:
-شكراً, يا إلهي, أنت هنا. جرى حادث و يجب استدعاء الطبيب.
قفز عن حصانه وقال:
-ماذا جرى لكاميليا؟
-كلا, كلا... إنها عمتك, وقعت في المطبخ. التوى كاحلها وارتطم رأسها. أخاف أن تكون مصابة بارتجاج في الدماغ, فقد ظلت فاقدة الوعي بضعة دقائق.
-أين هي؟
-في غرفتها, في السرير.
-هل حملتها من المطبخ إلى غرفتها؟
-كلا, حاولت ذلك, لكنها كانت ثقيلة. فاتكأت عليّ, لم أتمكن من تركها ممددة على الأرض. لو كانت مصابة بكسر, لما حركتها.
لما رأت العجوز ابن أخيها, حاولت الجلوس وشرح الحادث, فقال لها جيرفيه:
-على مهل... على مهل.
كانت جوسلين قد وضعت وسادة تحت الكاحل المتورم وكمادات باردة عليه. فقالت:
-يجب تصوير القدم على الاشعة, للتأكد بأنها حقاً ليست مكسورة.
لم يعلق جيرفيه على ما قالته, لكنه تفحص مكان الرضة في الرأس. وبعد أن طمأن عمته, أسار للفتاة أن تخرج و تتبعه. في الممر, قال لها:
-لا تقلقي, فالأمر غير خطير.
-هل يتطلب استدعاء الطبيب وقتاً طويلاً؟
-ليس هذا ضرورياً. عمتي تتمتع ببنية جيدة. ليست بحاجة سوى للبقاء في السرير بضعة أيام.
-لكنها تلقت ضربة على رأسها, ربما تكون خطيرة...
-أنا خبير بذلك.
-كل أصحاب المشاية على معرفة عميقة بالأمور الطبية, أحياناً, لا يمكننا انتظار الطبيب في بعض الحوادث. صدقيني, فلا خطر على عمتي.
تبعته حتى وصلا إلى المطبخ, ثم قالت:
-حسناً. إنها مسئوليتك. لكن لا شك أنها بحاجة إلى أسبوع راحة, على الأقل. من سيهتم بالمنزل مكانها؟ كاميليا لا تستطيع ذلك, طبعاً.
أغلق الباب قبل أن يتكئ عليه, مكتف اليدين, وقال ببرود:
-كنت أتوقع منك أن تتبرعي لنا بخدماتك, و تكوني أنت من يحل مكان عمتي.
-هل نسيت بأنني سأسافر بعد غد؟
-لكن بإمكانك أن تؤجلي موعد سفرك, في مثل هذه الحالة الطارئة.
-كلا... كلا...
سألها بلهجة ساخرة وببريق تحد في عينيه:
-هل تخافي أن تكوني غير قادرة على تحمل مثل هذه المسئولية؟
-ليس هذا هو الأمر. لا شك بأن نساء الحراس سيقدمن مساعدتهن للسيد...
-لم تصدقي بأنني كنت أتكلم بجدية, أليس كذلك؟ لا أريد أن أجرح شعورك, لكن...
هز كتفيه, فغضبت الفتاة وقالت:
-تريد أن تقول بأنني لا أستطيع تحمل هذه المسئولية, أليس كذلك؟
-لماذا؟ هل أنت قادرة على ذلك؟ هيا, تعقلي... و اعترفي لمرة واحدة بأنني على حق. كنت أناكدك, يا صغيرتي...
-أنت تقلل من شأني, يا سيد. فأنا بإمكاني أن أدير هذا المنزل, و سأبرهن لك ذلك و ستكتشف بأنك كنت مخطئاً.
بعد صمت, ابتسم وقال:
-حسناً... ما دمت تصرين, سنرى.
وغادر المكان. فهمت حينئذ بأنها وقعت في الفخ. لقد تحداها جيرفيه و نجح. و إذا غيرت رأيها الآن, ستدفع غالياً ثمن كلماتها المتهورة. ذلك لأنها أدركت في هذه اللحظة أنها لا تستطيع إدارة هذا المنزل وحدها: ثلاث وجبات كل يوم, لدزينة حراس جائعين... تلال من الصحون و الأواني للجلي, ضخ الماء وتسخينها في فرن قديم يشعل على الحطب... آه لا, هذا أمر غير وارد!

α α α α


جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 14-01-12, 05:10 PM   #10

جين اوستين333
 
الصورة الرمزية جين اوستين333

? العضوٌ??? » 66163
?  التسِجيلٌ » Dec 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,009
?  نُقآطِيْ » جين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond reputeجين اوستين333 has a reputation beyond repute
افتراضي

تم الفصل الثالث ^___^

إن شاء الله و بإذنه أنزل الفصل الرابع غداً.. و إذا حمستكم القصة و حابين الفصل الرابع الآن , من عيوني


جين اوستين333 غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.