فترة قصيرة في اليومين الماضيين بسبب تأخر موعد
الطائرة ، كما وانني مرهق ، وهذا هو سبب دعوتي لك وليس
هناك من سبب آخر . مفهوم ؟ "
قالت بهدوء : " بالتمام . " بدت وكأنها غير متأثرة بكرهه
الظاهر لها فقالت : " لكنني اريد الحفاظ على استقلاليتي .
اصر على دفع نصف الاجرة . "
نظر اليها متفاجئاﱟ وهز كتفيه : " حسناﱟﱟ . لما علّي ان أفقر
نفسي لأجلك ؟ "
شحب وجهها ، وبالكاد سمعته يصرخ بالسائق لينطلق .
سارت السيارة ببطء في الليل المظلم بينما جلست ميرديث
بدون حراك ، تتذكر بألم متى سمعت هذه الكلمات من
قبل : " افقر نفسي . "
لقد حدث ذلك منذ سنة تقريباﱟ ، عندما اوصل ساعي البريد
رسالة من فينيس الى كوخ صغير في وايلز كانت تتشارك
بالسكن فيه مع جدتها . قرأت جدتها الرسالة ، صرخت بألم
وسقطت منهارة . شعرت ميرديث ان الذكرى تجلّدها حتى
العظم ، متذكرة كم عانت لتخفف عن جدتها خلال الانتظار
الطويل لوصول سيارة الاسعاف لنقلها الى المستشفى ، وهي
تعرف ان جدتها تتعرض للمرة الثالثة لأزمة قلبية .
بعد فترة طويلة قرأت تلك الرسالة . انها مرسلة من شخص
يدعى كورزيني ، طالباﱟ منها ان تعي له المفتاح ومهدداﱟ بأنه
سيتقدم بشكوى ضد جدتها مدعيا عليها بالابتزاز . وانهى
رسالته بالقول : " لقد افقرت نفسي لأجلك لسنوات طوال . ولن
استمر بذلك ابداﱟ . "
حتى الان ، مجرد تذكر الامر ، يملأها بشعور أليم يحز داخل
20 قناع من الخداع
قلبها . كان اتهامه خطأ غير معقول . كانت ترغب بمراسلة
الرجل لتعترض عما قاله ، لكنها لم تكن تملك عنواناﱟ له ، وفقط
عندما امتلكت الوكالة الكاملة بالتصرف عن جدتها وجدت
صلة وصل بين فينيس وبنك دو أورو .
والان هي وجهاﱟ لوجه مع الرجل الذي يعتقد حقاﱟ ان
جدتها مذنبة . اخذت نفساﱟ عميقاﱟ لتستجمع قوتها . وسألت
بهدوء : " ما هي العلاقة بينك وبين كورزيني ؟ "
نظر اليها بعينيه الغامضتين للحظة ثم ابعد عينيه وهو
يقول : " ان لديه حساب في البنك . "
على الرغم من دقات قلبها السريعة ، حاولت ان تهدأ نفسها
وان تكون منطقية : " لقد فهمت ، ومن الطبيعي ان تقف بجانبه ،
اذا كان من احد زبائنك . استطيع ان افهم تجهمك علّي . "
قال بسخرية قوية : " هذا كرم منك . اولاﱟ حاولت تضليلي
بأنك ستدفعين نصف الاجرة والآن تخبريني انك تسمحين لي
باحتقار المجرمة . "
صرخت وهي ترفع نظرها نحوه : " المجرمة ! لا ، لا ...
اعطني فرصة لاشرح لك . "
" سأعطيك ذات الفرصة التي اعطيها لثعلب جائع في قفص
للأرانب ، لا تحاولي ان تتملقيني . انني محصن ضد النعومة
والتصرف بخفة . "
قالت بكبرياء واضح : " اه ، هل تدينني بكل بساطة ؟ " تنهدت
بقوة وهي تحاول التخيف عن نفسها .
بسرعة امسك وجهها بيديه : " نعم ، انا افعل ذلك . " واخذ
يدرس وجهها باهتمام . نظر الى عينيها ، وكأنه يسلط عليها
اشعة ليزر لتصل الى دماغها .
قناع من الخداع 21
تعجبت ميرديث من شدة تأثرها به وسألت بصوت اجش :
" ما الذي تنظر اليه ؟ "
" البراءة . "
" وماذا ؟ "
ساد صمت غريب في السيارة . ابتعدت عنه لتجلس في
زاوية السيارة بينما ابعد يديه عنها ليفك ازرار معطفه ،
وليظهر بدلة مخططة انيقة وثمينة .
تمتم قائلا : " انني ادرس الوقائع باهتمام . "
قالت ببطء : " انت لا تملك اية وقائع . "
امسك بربطة عنقه الذهبية ليخفف من شدتها حول عنقه
وعندما شاهدت قميصه ذات اللون الكريم الشاحب ووجدت
نفسها تشعر بتشوش غريب في داخلها . ابتسمت من نفسها ،
على تفكيرها السخيف . فهذا ليس ابن مزارع في قريتها ،
يهتم ليقترب من الفتاة الوحيدة الجميلة على بعد عشرين
ميلاﱟ !
تمتم يائساﱟ : " انت لا تشبهين بشيء الرجل الذي كنت اتوقع
قدومه . "
قالت بقسوة : " شكراﱟ لك ، اعتقد ان هذا مديح لي . ان تخيلاتك
الواسعة جعلت من ميرديث وليمز عضو في عصابة
مشهورة . " ابتسمت ابتسامة مقتضبة ، تريد ان تخفف عنه
ببعض المرح : " وعوضاﱟ عن ذلك لقد وجدت امرأة شابة تضع
قبعة على رأسها كغطاء لإبريق الشاي . اتمنى ان لا يكون قد
خاب ظنك ؟ "
لم يجب ، لكنه حرك شفتيه بطريقة كأنه سعيد بشيء ما ،
فتمنت ان يكون ذلك بسبب طبعها المرح الشجاع . ربما
22 قناع من الخداع
تستطيع ان تربحه لجانبها في النهاية لكن كلماته التالية
قضت على كل آمالها .
" خاب ظني ؟ اجل ، انني كذلك . كنت اتمنى لو انك علقت
بعاصفة ثلجية . "
احمر وجهها من كثرة الاحراج ، وصرخت : " هذا امر غير
لطيف البتة . "
" كذلك الابتزاز . "
قالت بحزن : " أوافقك الرأي ، وسنعمل على توضيح سوء
التفاهم هذا ، اذن اخبرني ماذا تعتقد انك تعرف عني . "
اصبحت عيناها الزرقاوان غامضتين ، وهما تنظران اليه
بتحد . فهناك عواصف قوية في عيني ذلك الرجل ، وقد تسقط
كلها على رأسها . اشارات صغيرة تخفي وجود الخطر
المسيطر عليها . وجهه القاسي ، الخيوط البيضاء حول
شفتيه . والاعصاب المشدودة واضحة في جسده لكن ، مهما
كان ذلك خطراﱟ لها ، عليها العمل على وضع كل شيء في
نصابة .
قال بصوت قاسٍشك : " اعلم كل شيء ، انا من أستلم رسالتك الى
البنك ، متسائلة عن الحساب الشهري الذي يصل الى حساب
جدتك . "
قالت متلعثمة : " نعم ، وهذا ما يدهشني ، اذ قد يكون هناك
علاقة بين هذه الاموال واتهام كورزيني . لم تجب ابدا على
رسالتي . "
قال بسرعة : " هذا أمر لا يعنيكِ . "
اجابت تدافع عن نفسها : " بالطبع يعنيني ! قلت لك ان لدي
وكالة تتعلق بكل اعمال جدتي . "