12-02-12, 01:58 PM | #24 | ||||
| الفصل الثالث 52 قناع من الخداع الفصل الثالث شعرت بارتباك قوي قبل ان تقول ميرديث : " اووه ! " احمر وجهها خجلاً وحملت حقيبتها وثياب نومها واسرعت بالذهاب الى الحمام . اغلقت الباب وهي تسمع صوت ضحكته المنخفضة . قال بصوت ساخر : " كنت امازحك قليلاً . " توقفت عن الحركة ، تصغي الى اضطراب انفاسها . كان سيخلع ثيابه بينما تقف امامه . فهو لا يخجل بذلك . رأت انعكاس وجهها الخائف على المرآة الانيقة ، فلمعت عيناها كالبرق ، من الغضب لأنها سمحت لنفسها ان تتأثر وكأنها فتاة ريفية جاهلة . وهذا ما هي عليه فعلاً ، تنهدت بيأس . لقد تغير عالمها الى حركة انتقام غريب . رفعت ذقنها بكبرياء . يجب ان يقف احد بوجهه ! ضحكت . سيموت عندما يرى قميص نومها ! استمرت ميرديث بالابتسام لنفسها بينما كانت تغتسل وترتدي قميص وروب النوم السميكين . من المؤسف انها لا تملك كريم لوجهها . لكن الان ليس الوقت المناسب لتبدو فائقة الجمال . فتحت الباب بشجاعة وسارت خارجة من الحمام . ادار رأسه عن الوسادة باتجاهها عندما دخلت الغرفة . بدا شعره الاشقر ونظرات عينيه وكأنه ما زال يافعاً . قال ضاحكاً : " اين لفافات شعرك ؟ " قناع من الخداع 53 قالت بفرح : " لقد ضاعت مني . " وهي تفكر ان عليها ان تسير بطريقة طبيعية وان لا تتأثر بتحديقه بها . قال متذمراً : " ليست ثياب نومك قصيرة او حتى شفافة . " قالت غاضبة : " سأصاب بالبرد في هذا الطقس . " " لا اعتقد انك ستستمرين في دور الفتاة اللطيفة البريئة . الم يحن الوقت كي تبدأي باغوائي ؟ انني مصاب بخيبة أمل . " " انك شخص مشاكس . " اخذت من الوقت كي تتمكن من ترتيب اغراضها عن سريرها . وكانت مدركة ان عينيه تتبعانها في كل حركة تقوم بها ، وكأنه يبحث في اغراضها ليرى شيئاً يشير الى تواطئها . لكنه لم يجد شيئاً . بقى صامتاً لفترة ، وكأنه يقيم كل ما سمعه منها . بعدها تنهد قليلاً ، وقال متعجباً : " انا حقاً اصدق انك ترتدين هذا للنوم . " وتابع غاضباً : " و ... لدي احساس قوي انك للمرة الاولى تبقين بمفردك مع شخص ما . " اتسعت عيناها ، وصرخت غاضبة : " بالطبع كذلك . " وكأنها مندهشة انه يفكر بعكس ذلك . بدا عليه الارتباك وهو يقول : " هذا من حظي . بريئة ونقية كالثلج المتساقط . " قالت بحرارة : " ليس هناك من شيء يدعو للسخرية . هذا أمر طبيعي ، في المكان الذي اعيش فيه . فأبي سيغضب في قبره ان علم انني خرجت مع احد او انني ... " تابع عنها بخشونة : " هذا ما ستفعلينه الليلة . " أبعدت عينيها عنه وقالت : " هذا فقط بسبب ان لا خيار لدي . " 54 قناع من الخداع وتابعت بلهجة وكأنه لن يجرؤ على معاكستها : " لكنني سأبقى كما انا عند الصباح . " قال وكأنه غير مصدق : " فتاة شريفة ، وانت ابنة ممثلة . " قالت بغضب : " راقب ما تقوله . جدتي ربت أمي على مثل عليا . ولم تكن أمي يوماً مبتذلة . " " بالتأكيد . " قالت بحزم : " بالتأكيد ، هذا ما كانت عليه أمي ، وانا ايضاً سأكون مثلها . " قال وكأنه لا يزال غير مصدق كل الذي يسمعه . " اي اعترافات مذهلة تخبريني اياها عن عائلتك المهمة . " قالت بحدة : " كنت اكلمك عن معتقداتي بالاخلاق . " " لقد كنت واضحة جداً ، لكن هناك دائماً الغد . " قالت مذهولة : " غداً ؟ " استدار على سريره وقال : " عمت مساء . " سرحت شعرها ، وبتوتر وضعت الفرشاة جانباً . اطفأت النور بجانب سريرها واستقلت على الشراشف الباردة . متوقعة ان تنام على الفور . لكنها لم تستطع ان تنسى كل ما سمعته . بقيت متوترة تفكر كيف تستطيع ان تنام وهي ... سمعت صوته يقول : " خففي عنك ، لن يلمسك احد . " قالت بثقة : " لست قلقة . " لكي تبعد تفكيرها عن ليسنزو ، حاولت ان تربط المنطق كل ما سمعته عن الابتزاز . مدت يدها الى المفتاح المعلق في عنقها . قد يكون المفتاح الذي طلبه كورزيني في رسالته . محاميها قال لها انه قد يكون لصندوق امانات في البنك في قناع من الخداع 55 فينيس . اذا كان الامر كذلك فلا بد ان هناك بعض الحقائق في اتهام كورزيني . ارتجفت من مجرد التفكير بذلك . هذا يعني ان عليها ان تعتذر من ليسنزو . وببطء اغمضت عينيها وهي تتخيل نفسها تعتذر منه بينما وجهه المنتصر يهزء منها . بدا الليل لها مليئاً بالاحلام المزعجة ، عنها ، عن ليسنزو ، استيقظت عند الصباح وهي تشعر بالتعب والارهاق . تنفست برعب : " اه ، لا . " جلست بسرعة لتنظر الى انحاء الغرفة ، كان السرير الذي بقربها فارغاً . اعادت ترتيب شراشف السرير وحاولت ان تهديء من توترها . سمعت طرق خفيف على الباب ، نظرت الى اعلى ، وشعرها منتشر على الوسادة البيضاء كألسنة اللهب . قال ليسنزو : " ترتيب جميل ، قد بدأنا ثانية ، عزيزتي . " تابع بصوت عادي : " يمكنك ان تستعملي الحمام الان . " " شكراً لك . " وانتظرت منه ان يستدير كي تنهض ، لكنها ادركت ان التصرف الحسن ليس من طبيعته . وقف ليسنزو ينشف شعره ، بعد ان حلق ذقنه . كان يبدو نشيطاً وجذاباً وهو يرتدي قميصاً بيضاء مع بنطلون رمادي . نظر اليها وقال : " حضري نفسك لأننا سنخرج . " قالت معترضة : " لم تصبح الساعة السابعة بعد ، ولم انم الا بضع ساعات فقط . " اجاب : " اذهب الى عملي باكراً . انهضي بسرعة سنذهب لنتناول الفطور عندما تصبحين جاهزة . فهناك مطعم قريب من هنا . " | ||||
12-02-12, 02:11 PM | #26 | ||||
| 56 قناع من الخداع قالت باستياء : " مطعم في هذا الوقت ؟ اي شعب انتم ؟ افضل ان اتناول الفطور هنا . كما انني سأطهو . وهذا سيوفر عليك المال . " قال : " كم انت اقتصادية . لكن الجميع يتناول الفطور هنا في المطاعم . انها عادة ونحن في ايطاليا متحضرون كفاية لنقدم القهوة والكرواسان في ساعات الصباح الباكر . كما وانه لا يوجد شيء للأكل هنا . فأنا لم آكل مرة في هذه الغرفة . " أدرات نظرها في الغرفة وتجهم وجهها . كم هو أمر غريب . من المؤكد ان لا احد يعيش فيها . فليس هناك اية ممتلكات خاصة لأحد . فقط بعش الثياب والاوراق . قد يكون ليسنزو انتقل للعيش هنا البارحة . لا يوجد حتى اية صورة لعائلته ... وفي الحمام ، تذكرت انها لم تجد شيئا من ادوات الحلاقة او ما شابه للرجال . قالت : " حتى انك لا تمضي الكثير من الوقت هنا ايضاً . " " اتنقل باستمرار . " ابقى عينيه عليها وهو يمسك بربطة عنقه . اخذت تفكر ما يعني يتنقل باستمرار بين صديقاته ، او انه يغير بيته باستمرار . وجدت ميرديث نفسها تحدق بكل حركة يقوم بها هو يعقد ربطة عنقه الحريرية . عندما انتهى ، وضع يديه في جيبه وفجأة شعرت بالذنب والحياء ، فقد ادركت انه كان سعيداً بدهشتها . ابعدت عينيها عنه وهي تقاوم رغبتها . بالضحك ، لو ان الفتيات في القرية علمن انها نامت في نفس الغرفة مع شاب لكنّ ضايقنها بلا شفقة . قناع من الخداع 57 " اسمعي لا تحاولي اغوائي . انك الان مع رجل يتدبر بحكمة كل ما يشاهده منذ ان كان يافعاً . لقد رأيت العديد من النساء في طريقي ، ميرديث ، شقراوات ، سمراوات ، نحيلات ، وكل واحدة منهن لديها دافع قوي يحركها . هل تعلمين ما هو ؟ " همست : " الحب ؟ " قال : " على الاقل هذا شعور انساني ، واقتراحك هذا يخبرني بما تفكرين به الان . " ضحك بقسوة من الاحمرار الداكن الذي تلون به خديها ، تابع " اقول لك ماذا كن يردن . المال ويجب ان تعلمي انني دائماً تجنبت اي اهتمام بي ، حتى مع الفتيات الخجولات . " قالت بغضب : " انك مغرور ، وتتخيل اموراً غير موجودة . " قال بصوت قوي : " ربما استنتج الافكار التي اريدها لأن هذا هو الانطباع الوحيد الذي اصل اليه . والان خذي الامر كتحذير . ابقي مستقيمة معي والا سأحطمك . مفهوم ؟ " حدق بها غاضباً ، فأخفضت رأسها ، مرتعبة من غضبه الغير متوقع . تابع : " حسناً . انهضي من سريرك قبل ان أجرك منه . " حدقت بع ببرودة ، وقالت بضيق : " ليس هناك من حاجة . " نهضت من السرير بسرعة ، ووضعت يديها في جيبي روب النوم . وهي مدركة انه يحدق بها بسخرية . تمتم قائلاً : " ناعمة ، بريئة ، ونشيطة . " شدت حزام الروب حول خصرها بغضب . وقالت بحرارة : " تقريباً . " واعادت رأسها الى الوراء ليسقط شعرها على ظهرها كالموج الاحمر . قال منتقداً : " عليّ ان انسى انك بريئة . " " وتنسى انني ناعمة . " 58 قناع من الخداع اصبحت تعابير وجهه غامضة حين قال : " سنرى ، اتمنى لمصلحتك ان تكوني انسانة صادقة . والا سأدعك ترين ماذا افعل بالنساء اللواتي تحاولن ان تجعل مني غبياً . " قالت ببساطة : " في هذه اللحظة ، انك تفعل من نفسك احمقاً ، بدون مساعدتي ... يا للهول ! هذه الغرفة بحاجة الى تغيير الهواء فيها . " تمتمت بهذه الجملة وهي تشعر بالخجل لأنها تهاجمه . امسكت بشريط الستارة ورفعتها . هدأ غضبها على الفور ، من جراء صوت غناء في احد القوارب . كانت النافذة مباشرة فوق القناة ، ابعدت الستائر كثيراً كي تتمكن من السماع اكثر . رأت البحار من خلال ضباب الصباح ، يجذف في قارب صغير مليء بالخضار الطازجة . ناداها ، عندما رآها تنحني لرؤيته : " ايتها الجميلة ، الجميلة ! " كان شعرها يتساقط على كتفيها كالشلال الاحمر . وبًعد تصرف ليسنزو القاسي معها ، احست بشعور لطيف ان ترى من يقدرها . ابتسمت له بسعادة وقالت : " شكراً لك . شكراً . " امسك ليسنزو بخصرها وقال : " انتبهي . " بقيت هادئة . فلقد علمت على الفور انه يستطيع ان يرميها بسهولة من النافذة بدون اية قوة . فتراجعت وهي تسمع صوت اغاني الحب من القارب . قالت بهدوء : " يمكنك ان تتركني . " وادارت رأسها عندما لم تعد تسمع الا صوت الصدى للغناء . " يمكنني بالطبع . " امسك بيدها وقبلها بنعومة . قناع من الخداع 59 ابتسم ليسنزو وقال : " ما هذا الوجه الجميل وهاتان العينان الزرقاوان الواسعتان . كل هذا كي تسيطري علي ؟ " قالت بصراحة : " نعم ! لقد اردتهم من اجل ذلك ! " ابتسم ولمس شعرها . وبطريقة ما عرفت ميرديث ان ليس من السهل ان تغير له الموضوع بكلمة او نكته كما كانت تفعل مع اصدقائها . لدى ليسنزو شيء خاص غير موجود بأصدقائها في الريف . قال بصوت اجش : " أجدك مثيرة للاهتمام واعتقدت انه علّي ان اخبرك بذلك . " بعدها ابتعد عنها . اندهشت من عاطفتها القوية . سارت نحو غرفة الحمام وهي مدركة ان عينيه تراقبانها بدقة . لقد كانت دائماً تشعر بالفخر من ثقتها بنفسها ومن قوة شخصيتها . لكن يبدو الان انها بحاجة لكل ذرة منها . *** عندما اصبحا في الشارع ، رفع ليسنزو ياقة معطفه عالياً ، وكأنه يختبئ . كممثلي الافلام البوليسية ، وهذا ما ادهشها . ربما يشعر بالخجل من السير في هذه الشوارع الممطرة مع فتاة ترتدي قبعة كبائعة الورد . ضحكت من نفسها . فأدار رأسه الذهبي لترى عينيه تحدقان بها بقوة من فوق ياقة معطفه العالية . قال غاضباً : " لديك احساس غريب بالمرح . " قالت متعمدة : " هذه هي طبيعتي . هل كل شيء جامد في فينيس ما عدا القناة ؟ " أجاب : " كل شيء ثابت وحقيقي . " | ||||
12-02-12, 02:35 PM | #27 | ||||
| 60 قناع من الخداع تنهدت ، ليس هناك من مجال لتغيير هذا الرجل ، سألت بابتهاج مفتعل : " أليس هناك من فرصة لتذويب الثلج في المستقبل ؟ | نظر اليها ، وقال بحدة : " سيتحسن الطقس خلال بضعة ايام ، ستكونين قد رحلت حينها . " اجابت بخشونة : " اذا لم أمت من الجوع اولاً ، لقد مررنا امام خمسة اماكن تبيع القهوة والمعجنات ، بما فيهم المحل الموجود عند الزاوية امام شقتك . " قال بسخرية : " ربما الاسعار فيها باهظة . " اجابت بغضب : " او ربما لا تريد ان يراك احد معي . " رأت الغضب في عينيه قبل ان تتابع : " اي المغرور انت ! " قال بصوت منخفض محذراً : " لا تثيري غضبي ، فأنا لست في مزاج جيد . " ادركت ميرديث من لهجة صوته انه صادق فيما يقوله ، فم تتكلم ثانية . سار ليسنزو قلقاً امامها حتى وصلا الى ساحة واسعة ، تلمع بقوة من ضوء الثلج المتساقط . وضعت امرأة لوح خشبي لتسير عليه كي لا تقع على الثلج ، فأسرع ليسنزو ومد يده كي يساعدها على اجتياز الساحة . وافقت المرأة على مساعدته القيمة ، ابتسمت له وقالت : " شكراً لك . " نظر الى ميرديث وقال : " تابعي طريقك ، وسألحق بك يعد قليل ... " تلعثم بكلامه جراء الهواء البارد الذي كان يضرب بوجهه وهو يتابع : " الى ذلك المقهى هناك . " ضربت رياح عاصفة بشعره وهو يشير بيده الى المقهى قناع من الخداع 61 في الجانب الاخر من الساحة . ابتعد عنها فسارت ميرديث ببطء عبر الساحة بعدها استدارت . كان يساعد بلطف المرأة العجوز على اللوح الخشبي ، اهتمامه ومساعدته جعلا ميرديث تفكر بوجه ايجابي فيه . لا يمكن ان يكون انساناً قاسياً وبدون شفقة اذا كان يحترم العجائز ويساعدهم ، تساءلت بحيرة ، وهي تشعر بالارتياح . بتفكير عميق اخذت تراقب اناقته وتصرفه اللائق ، كان شعره يتماوج مع الريح كالذهب السائل في ضوء الصباح . ببطء ، وكأنها مجبرة ، رفعت ميرديث قبعتها لتترك شعرها ينسد على كتفيها ، بينما اوصل ليسنزو المرأة العجوز الى آخر الساحة . قالت المرأة بفرح وثقة : " شكراً كثيراً . " اجاب وهو يبتسم لها بحرارة : " اهلاً ، سيدتي . " استدار ليرى ميرديث ، قد وقفت بجانب المقهى واتكأت على الحائط ، شعرها الاحمر يعكس جمالاً لا يوصف مع بشرة وجهها والثلج المتساقط على شعرها كالسكر الذي يرش على الحلوى . كانت تبتسم بحرارة ايضاً ، وجهها يدل على مدى طيبتها وسعادتها ، بسبب المنظر المؤثر لليسنزو هو والمرأة العجوز وعينيه المليئتين بالحب والعطف ، واللتين تحولتا الى ثلج بارد لمجرد رؤيته لميرديث ، تحول اللطف الواضح على وجهها الى استغراب وذهول . بدا لها الامر غريباً انه يحمل لها كل هذه العداوة . اخذت ميرديث تفكر بتركيز ووصلت الى استنتاج وحيد . انه يكره نفسه لأنه معها ، لأنه متورط شخصياً ... قالت بغضب : " هذا كورزيني . " وكأن الامر اصبح واضحاً 62 قناع من الخداع أمامها . قد قال لها ليسنزو انه سيدافع عن عائلته حتى النهاية . لذلك ... " انك قريب له ، اليس كذلك ؟ " رفع ليسنزو حاجبيه عالياً ، قال بسخرية : " ما هذا الاستنتاج الغريب . " قالت تناقشه : " انا لا ادري لماذا ، لكن هذا يجعل الامر منطقياً . لقد قلت انك تكرس نفسك لعائلتك . لذلك افهم عداوتك نحوي اذا كنت ابن عم او شيء من هذا القبيل . " قال بدهشة : " أ ... أبن عم ؟ " قالت بصبر تشرح له : " ابن عم لكورزيني . لذلك من السهل عليه ان يوكلك بذلك . اذا كنت اكثر من مدير امواله . وعدا اللحظات التي ... " رفعت ذقنها بكبرياء امام عينيه وتابعت : " تنظر الى باعجاب ، كأنك تضمر لي العداوة والكره . " التقت عينا ميرديث بعيني ليسنزو القاسيتين والباردتين فارتجفت من جراء العاطفة القوية التي بعثرت شعرها بكل الاتجاهات . تمتم قائلاً : اية مخيلة غريبة لديك . كما وانك تركت نفسك تبردين . كان عليك الدخول وانتظاري في الداخل . " اسرع في فتح باب المقهى ، وقال : " اسرعي ، ليس هناك من حاجة لجعل الناس في الداخل يعانون من البرد مثلك . " ترنحت ميرديث قليلاً فأمسك بها كي لا تقع . ناولته معطفها وهي تنظر بقلق الى العيون المحدقة بهما بانزعاج من الاشخاص قرب الباب . قالت بلطف وهي تسير : " انني آسفة ، انه طقس بارد جداً ، اليس كذلك ؟ " هذه المرة ، كلامها اللطيف كان له مفعول غريب ، لأن كل من مرت أمامه اجاب بتمتمة وكأن الناس في قناع من الخداع 63 المقهى علموا ماذا تقول . احساسها بالقلق تبخر بدفء الابتسامات والنظرات اللطيفة . وقفت بجانب ليسنزو وهي اكثر سعادة ، تنظر الى ما حولها . هذا ما تحبه ... عدد كبير من الناس تتحدث مع بعضها بحب وصداقة وكأنهم في حفلة عائلية كبيرة . معظمهم رجال يشربون القهوة او الشراب ، وامامهم صحون كبيرة من الحلوى والمعجنات . وأحد الاشخاص كان يأكل البيتزا ! قالت مندهشة : " طعام دسم عند الصباح وشراب قوي ! ما هذه الطريقة ليبدأ بها الانسان يومه ! " كان ليسنزو يرد على التحيات الموجهة اليه بانحناءة من رأسه الاشقر . سألت باهتمام : " تعجبني شهيتهم للأكل . هل هؤلاء الناس زبائن لديك في البنك ؟ " " لا . ان معظمهم يعملون على القوارب . " قالت بشفقه : " اتوقع انهم يحتاجون لطعام دسم كي يشعروا بالدفء في هذا الطقس المثلج . " " نعم ، الطقس بارد جداً ، خاصة عند القناة . " سألها بخشونة : " تريدين القهوة ؟ " شدت على شفتيها بامتعاض . كانت تستعد للبقاء سعيدة هنا ، وانها تحاول ان تنسى وضعها الدقيق . لذا قالت بتهذيب : " افضل الشاي ، من فضلك . " تمتم ليسنزو ، والغضب باد عليه : " الشاي ! اسكبيه على رأسك . " اجابت بجفاف : " افضل ان يكون في فنجان كبير . " اجابها بابتسامة واضحة . لقد تمكنت من اضحاكه وهذا آخر | ||||
12-02-12, 02:50 PM | #28 | ||||
| 64 قناع من الخداع ما تتمناه . تابعت بفرح اكثر : " لدي اسنان قوية . كم يبلغ ثمن فطائر الحلوى تلك ؟ " " ثروة كبيرة ! " وتابع نظراتها الجائعة الى الوعاء الكبير المليء بفطائر دونات الموضوعة بعناية وترتيب : " اطلبي ما تريدينه . كل ما تريدينه . اصرفي كما تشائين ... فالبنك يدفع . البيتزا ، المربى ، الفطائر ، عصير طازج ... " اخذ يتحدث بسرعة الى النادل بلغة ايطالية جميلة وهو ينظر الى الرجل الذي يقف عند آلة القهوة . قالت بحزم : " لا شكراً . لن اطلب الكثير من الطعام غير الضروري يمكنك ان تنفق من زبونك كما تشاء . لكنني سأدفع ثمن ما اطلبه . " قال وهو ينظر اليها بامعان : " موقف ذكي جداً يا آنسة التزمت . " لاحظت باهتمام تعليقه الساخر ، فوافقت على كلامه بمرارة : " الست كذلك ؟ قد يكونا والداي قد صرفا كل فلس قبضاه على مساعدة اصدقائهما العاطلين عن العملة. لكن جدتي عمدت على تربيتي بتقشف ولم تسمح لي يوماً ان استدين . " شمت راحة رائحة القهوة الشهية ونظرت بشك الى فنجان الشاي الخفيف . قال وهو يسخر : " امر رائع ، اعتقد انني فهمت ما تريدين قوله . انت مقتصدة . لكن البنك لن يفلس بسبب انفاقي عليك ثمن فنجان من الشاي وبعض فطائر الكرنفال . " شرب من فنجان القهوة وبعدها سكب كوباً من الماء . جربت ميرديث ان تشرب من فنجانها واشمأزت من طعمه . وبدون اية كلمة ، قدم ليسنزو لها كوباً من القهوة . كان طعم قناع من الخداع 65 القهوة غني ولذيذ ، لا يشبه بشيء طعم القهوة في بيتها . تماماً مثل ليسنزو شربت القهوة ثم الماء ، مكتشفة بسعادة الفرق بين طعمهما المتناقض . قالت باعجاب : " هذا رائع . " اجاب بفخر : " بالطبع . فمياه فينيسيا افضل مياه في العالم اجمع ، كذلك القهوة . اننا نعمل على تصديرها منذ قرون . انها مختلفة بطعمها عن اي مكان آخر . " ابتسمت ميرديث من كبريائه وشعرت باحساس من الثقة يطغى على كل من حولها . فصاحب المقهى يخدم بفرح كل الزبائن . العمال ورجال القوارب ، كذلك الفتيات في المقهى يعملن بفرح وثقة . نظرت الى صاحب المقهى الذي كان يشرب ماء مثلجاً ، وهو يرتاح قليلاً . سألته باهتمام : " هل تتكلم الانكليزية ؟ " فأحنى رأسه ، فابتسمت له بحرارة وتابعت : " انا متأكدة انك قمت بعمل يوم كامل حتى الان . لا بد انك تنهض باكراً . " قال ، وهو يلفظ الكلام بدقة : " نعم ، كذلك زوجتي . هي من تطهو الطعام . والان تصنع فطائر السمك مع صلصة الفاصوليا . هل تريدين ؟ " قالت بحزن : " تبدو جيدة . " كن بقي وجهها يشع باللطف والصداقة . قال مشجعاً : " اه ، تذوقيه . انه جاهز ، مع قليلاً من الفليفلة الحارة ... " " اه ، لا ! لا استطيع ! في هذا الوقت من الصباح ... " " سنيورة ، في هذا اليوم البارد ، يجب ان تأكلي ما يشعرك بالدفء هنا . " ضرب بيده على معدته الكبيرة فضحكت 66 قناع من الخداع بمرح ، وقبلت دعوته وهي تنظر بعينين واسعتين عندما سكب لها كمية كبيرة من الفليفلة الحارة في وعاء . قالت معترضة : " سأقع على الارض من شدة حره . " " هيا ، جربي . سنلتقطك عندما تقعين . " بدا ان نصف الموجودين قد نظروا اليها ليعرفوا رأيها . تذوقت الطعام ، اغمضت عينيها بسرعة ، ثم ابتسمت . بعدها اكلت كل ما في الوعاء مع بعض الخبز الساخن الذي قدمه لها صاحب المقهى . قالت وقد اصطبغ وجهها بلون زهري جميل : " رائع جداً . " دوى تصفيق قوي ، واستدارت لترى كل ما حولها بفرح . ثم صفقت مع صاحب المقهى ... لترى نفسها بين ذراعي زوجة الرجل . قالت المرأة وهي تترك ميرديث الضاحكة : " بيلا ، بيليسيما ! " تمتم ليسنزو : " انها تقول انك جميلة جداً . " تمتمت المرأة بكلام وهي تنظر الى خصلات شعرها الذهبية والحمراء . " النظر الى شعرك يشعرها بالسعادة . " شعرت ميرديث باضطراب من عمق صوته . انحنت المرأة باحترام الى ليسنزو ، الذي كان يراقب بهدوء ردة فعل ميرديث ، وعادت الى المطبخ . اعادت ميرديث اهتمامها الى ما حولها ، ثم قالت بحماس : " احب هذا المكان . " شعرت بأن ليسنزو قد ارتاح الجو السائد وها هو يتكلم مع احد الاشخاص . تابعت بفرح : " انه مليء بالحياة والفرح . فالناس عاطفيون تماماً . كسنين طفولتي . قناع من الخداع 67 قال بحزن : " انت محظوظة . " وكأن قناع من الحزن غطى وجهها : " افتقد كثيراً لأمي وأبي ... " تلعثمت ولم تعد تستطيع ان تكمل حديثها . فلم يضمها احد الى صدره كما فعلت المرأة ، منذ سنوات عدة . وبالمقارنة مع عاطفة ابويها القوية وتزمت جدتها . وضعت يدها على ص بالضيق ظهر درها لتبعد الألم القوي الذي تشعر به . احساس بالضيق ظهر على وجه ليسنزو القاسي ، قال بخشونة : " توقفي عن اعترافاتك العاطفية . فالموضوع لا يهمني مطلقاً . " توقفت ميرديث عل الفور عن الافصاح عن عواطفها له واخذت تأكل ببطء احدى " الفطائر " بحزن . كانت محلاة بالمربى والبندق ، حاولت ان تلتقط قطعة اخرى عندما رأت ليسنزو يرفع رأسه عند سماعه صوت كلام طفل . باهتمام لاحقت نظراته . كانت عيناه الغامضتان تحدقان برجل يحمل طفلاً يرتدي ثوب مهرج . حبست انفاسها وهي تراقب النعومة واللطف اللتين ظهرتا على وجه ليسنزو . بفرح ، اخذت تنظر الى الطفل الجميل الذي كان يتكلم بفرح بينما والده المحب يحشوه بفطائر الكرنفال . كانت بحاجة لموضوع ما ليكسر الجليد بينهما . وربما قد حصلت عليه . قالت بنعومة : " حب الوالد أمر مهم جداً . " اضطرب ليسنزو ، وقال مقاطعاً : " هل هو كذلك ؟ لم اعرف والدي يوماً . " قالت وهي تشعر بالأسى : " اه ! " لمست ذراعه مواسية وقابلت عينيه الحائرتين : " اني آسفة . انه لأمر مؤلم . ولقد فكرت دوماً انني انسانة غير محظوظة . لقد توفي والدي | ||||
12-02-12, 02:59 PM | #29 | ||||
| 68 قناع من الخداع عندما كنت في سن المراهقة ، لكنهما احباني كثيراً لذلك اشعر بالامان طوال حياتي . " سألها ببطء : " ألم تشعر والدتك بالاسى لوجودك ؟ فوجود طفل لا بد ان يسبب الكثير من الفشل لحياتها الفنية ؟ " ضحكت ميرديث : " ليس لوقت طويل . فلقد كنت اذهب معها الى كل مكان . وقد استعادت شهرتها بسرعة كبيرة . " " انت تشبهينها ، اليس كذلك ؟ " قالت وهي تفكر : " اجل . عندما علمت انها حامل شعرت بسعادة كبيرة . فلقد كانت قد فقدت الامل بالانجاب ، وقد كانا يائيسين عندما ولدت . " كانت عينا ليسنزو لا تفارق الطفل بجانب والده . قالت بنعومة : " انا احب الاطفال ، لقد كنت اعمل في دار الحضانة قبل ان اتركه للاهتمام بجدتي . لقد كان عملاً رائعاً ، الاهتمام بالاطفال . افهم بما احست أمي عندما علمت انها حامل بعد فترة طويلة . تخيل كم يكون الامر مؤسفاً ، اذا كنت تريد اطفالاً لا تستطيع الحصول عليهم . " سكب ليسنزو المزيد من الماء في كوبه ، ونظر اليها بعينين ثاقبتين . راقبت ميرديث ، اصابعه الطويلة كيف كانت تضغط على الكوب حتى اصبحت بيضاء ولقد ظنت انه سيسحقه الى شظايا . تساءلت ما هي الاسرار المخبأة في رأسه ! شيء ما يزعجه ، شيء له علاقة بالاطفال ... ولقد كانت ترغب بالحاح ان تعرف ما هو . قال بلا مبالاة : " الازواج الذين لا ينجبون يستطيعون ان يحضنوا ايتاماً . " قالت بنعومة موافقة : " آه ، اعلم . وأنا سأفعل ذلك ، ان لم يكن هناك أمل من أن يكون لي عائلة . لكنها ليست تماماً كولد من قناع من الخداع 69 لحمك ودمك ، اليس كذلك ؟ " تابعت النظر الى الخارج ولم تلاحظ الاضطراب الذي ظهر على وجه ليسنزو . ابتسمت وهي تتابع : " كانت امي سعيدة جداً ، لدرجة انها اخبرت الجمهور الذي كان يحضر حفلة فترة بعد الظهر في الاعياد ! كنها نسيت ان تخبر ابي اولاً ... لقد كان مدير اعمالها ، كما تعلم . " تمتم : " لماذا يجب ان اعلم ؟ " تابعت ، وهي مهتمة بقصتها : " حسناً ، لقد هدم المسرح اذ ركض نحوها كالعاصفة ورفعها عن الارض كالمجنون ! " ضحكت وهي تتابع : "انهمرت دموع كل الحاضرين . " أنها قصة أخبرتها بها أمها بحب وفرح . دائماً وتكراراً ، وفي كل مرة كان وجهها الجميل يطفح بفرح الذكرى . وهذا الفرح ينعكس على وجه ميرديث الان . ابرز ليسنزو اسنانه وهو يقول : " لا اريد ان أصبح مستمعاً مرتبطاً بقصة طفولتك . " قالت معتذرة : " اني اسفة . " فلقد احست بالألم من كلامه القاسي . فقصتها سبب له الألم لأنه لم يعش لحظة واحدة من حياتها السعيدة . ترددت قليلاً ، بعدها قررت ان تعترف له : " انني افهم تماماً شعورك . " " اشك في ذلك . " " اعلم ذلك . هل تعرف ، فالآن بعد وفاة جدتي لم يعد لدي أحد ، اشعر بالوحدة والفراغ .اتمنى ... ان يكون لدي عائلة اكثر من اي شيء آخر في العالم . " قال بغضب : " لما لا تتزوجيني . " " لا ، ليس الامر كذلك ... اريد عمات واعمام ، اولاد عم وعدد كبير من الاحفاد والحفيدات ... " 70 قناع من الخداع قال مقاطعاً : " سنغادر الان . " غير متأثر على الاطلاق بأحلامها السخيفة : " لقد قدمت لك فطوراً . ولن تحصلي على شيء آخر مني . لذا يمكنك الذهاب الى مكتب الاستعلامات في سان ماركو لتحجزي للسفر في الطائرة التالية . فأنت لن تجدي كورزيني بنفسك . " شيء ما جعلها تعض على اسنانها ، فلقد كانت تريد اخباره ان لديها صندوق امانات ، لكنها علمت انه سيضع العراقيل في طريقها . وافقته بهدوء : " قد يكون من المستحيل علّي ذلك . " تابعت وهي تبعد شعرها : " انت تعتقد ان علّي العودة الى بلادي ؟ " تمتم ليسنزو : " اعتقد انه الافضل لك ولكورزيني ان تنسيا بعضكما البعض . " " فهمت الان ... " علمت ميرديث ان عليها ان لا تبدو حذرة جداً لتفهم كل مخططه . فقالت مقترحة : " اعتقد انني استطيع التجول قليلاً قبل الذهاب . " ولأول مرة في حياتها ، لم تستطع ان تتكلم بصراحة ، وتبعت كلامها بوخز ضمير ، لكن هذا الامر مهم جداً : " اين هو البنك الذي تعمل فيه ؟ هل استطيع السير معك اليه وبعدها اجد طريقي بنفسي الى سان ماركو ؟ " قال بخشونة : " اذا كنت تريدين ذلك . " لكن ميرديث لمحت ابتسامة واضحة من النصر على وجهه . قال وهو يضع في يدها بعض الاوراق النقدية : " ادفعي للرجل على صندوق المحاسبة ، هل تفعلين ؟ هذا مال يكفي وهذه الفاتورة . فأنا اريد اتحدث مع احد الاشخاص . " سار نحو مجموعة من الرجال تعمل على قوارب النقل تجلس نحو طاولة دائرية ، بينما ذهبت ميرديث تدفع المال ، وهي تنظر الى كمية المبلغ في الفاتورة ، وبصورة اوتوماتيكية قناع من الخداع 71 نظرت الى المال الذي اعطاها اياه . تطلعت بغضب ، ثم تحققت من الامر ثانية ، اتسعت عيناها مندهشة . لقد اعطاها خمس مئة باوند اكثر من المطلوب . بالنسبة لصاحب بنك فهو لا يهتم ابدا للمال المطلوب منها . امسك معطفه ووضعه على كتفه . قالت : " ليسنزو ، انظر ! لقد اعطيتني اكثر من المطلوب بكثير ! " بدت عليه خيبة الامل وهو يأخذ ما تبقى من المال : " هذه الاموال لي ؟ انني متعجب من شدة نزاهتك . كان بامكانك الاحتفاظ بالمال بسهولة . " نظرت اليه متسائلة : " لكنه مالك ! " نظر اليها محدقاً للحظات طويلة . فرفعت حاجبيها مستفهمة ، ان قالت شيئا يجعله يتهمها به . قال : " تعالي معي . " تابع بدون اي تعبير في وجهه او صوته : " اني ذاهب باتجاه جسر ربلاتو ، يمكنك العودة بواسطة اكسراتو ، انه قارب بطيء ، يسير في القناة الكبرى . وهو يسير بالاتجاهين ، ويتوقف في اماكن كثيرة وبذلك يمكنك الحصول على رحلة رخيصة في القناة . " قالت بحزن : " امر رائع ، انظر بشوق لذلك . " وعندما وصلت الى البنك ، فكرت ، انها اقتربت من الموضوع الاهم ، وهو صندوق الامانات . احست باضطراب في معدتها . فلقد تعرضت لكل هذه الاهوال لتجد حقيقة عائلتها ، والان اصبحت قريبة جداً من الحصول على الجواب ولم تعد متأكدة ان كانت حقاً تريد ان تعرف ... | ||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|