آخر 10 مشاركات
ندوب من الماضي ~زائرة~ || ج2 من وعاد من جديد || للكاتبة: shekinia *كاملة (الكاتـب : shekinia - )           »          1060 - زهرة الربيع - ناتالي فوكس - د ن (الكاتـب : hAmAsAaAt - )           »          حَــربْ معَ الــرّاء ! (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة حـــ"ر"ــــب (الكاتـب : moshtaqa - )           »          سحر جزيرة القمر(96)لـ:مايا بانكس(الجزء الأول من سلسلة الحمل والشغف)كاملة إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          16- انت وحدك - مارغريت ويل - كنوز احلام القديمة (الكاتـب : Just Faith - )           »          لا زلت صغيرة - كاثرين جورج (الكاتـب : ΜāŘāΜ ~ Ś - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          خائف من الحب (161) للكاتبة : Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          طبيب قلبي .. *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : lolla sweety - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > القصص القصيرة (وحي الاعضاء)

Like Tree3Likes
  • 3 Post By ياسمين اسماعيل
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-07-22, 02:29 PM   #1

ياسمين اسماعيل

? العضوٌ??? » 494367
?  التسِجيلٌ » Oct 2021
? مشَارَ?اتْي » 46
?  نُقآطِيْ » ياسمين اسماعيل is on a distinguished road
افتراضي ميثاق مهلهل


هرولت برواق الشركة ملقية السلام من بين أنفاسها المتلاحقة بابتسامة بشوشة بينما تتوجه إلى المصعد قبل أن ينغلق بابه، تتنفس الصعداء بمجرد وقوفها بداخله، وعندما اطمأنت أنها لم تتأخر عن موعدها لاحظت الرجل المجاور لها، فالتصقت بالجدار تاركة أكبر مسافة ممكنة بينها وبينه في ذلك الحيز الضيق، لكن رائحة عطره الثقيلة المألوفة لديها جذبت انتباهها رغمًا عنها، وأعادت لها سيلًا جارفًا من الذكريات، فاجأتها عقبه شهقة غادرة تفلتت من بين شفتيها غصبًا، وسؤال وحيد يفتك بأعصابها التالفة «هل من الممكن أن يكون هو؟»، شحب وجهها بشدة عند هذه الفكرة، وتقطعت أنفاسها، تكاد تهلك ذعرًا، لكنها استمرت تحدث نفسها بآخر ذرة تماسك لديها «ثوانٍ معدودة وتصلين وجهتكِ، لا تطاوعي رغبتكِ الحمقاء بالتحقق من هويته، ابقِ نظراتكِ أرضًا، وستمر الثواني سريعًا، ثم تلجئين بعدها لحضن والدتكِ حصنكِ الآمن».
وعلى حين غرة اهتز المصعد، ففقدت توازنها، وارتطمت به، وعندها لفها غثيان مريع أسقطها أرضًا بعدما تيقنت أنه هو برائحة جسده المنفرة، لم يعد لديها أدنى شك، فصرخت ببكاء هستيري:
«لا لا، لقد فررت من هذه المقابلة فراري من الهلاك، رحمتك يا ألله، لن أستطيع».
وعت من دوامة تيهها على إمساكه بيدها في رد فعل تلقائي منه عندما وقعت، فجذبتها منه بقسوة، تكتم تأوهها بعدما اصطدم مرفقها بالمرآة، وأغمضت عينيها آبية تصديق وجوده البغيض في محيطها، تنكس رأسها أكثر؛ لتواري وجهها عنه حتى آلمها عنقها، تُصَبر نفسها ألا بأس، وأن كل شيءٍ يهون مادامت نظراتها لن تقع على وجهه، هذا الغادر الذي هَدَّمَ كل شيء فوق رأسها حينما تدخل بينها وبين زوجها الذي لم يُنصت سوى لوسوساته رافضًا الاستماع لها، وهي التي أقسمت بأغلظ الأيمان أنها لن تتركه قبل أن تشرح له سوء التفاهم الذي وقع، لكنه لم يعطها فرصة، وألجم فاها بيمين الطلاق نحر به كيانها ببرود جليدي أخفى خلفه حمم غضبه الذي لا يُبقي ولا يذر، ثم انصرف لا يلوي على شيء تاركًا إياها تبكي ناعية قلبًا تحطم وروحًا أُزهقت.
غرقت في هذيانها تهمس لنفسها «كم أكرهه هذا الحقير الذي استغل زوجي، وانتهك حرمة بيته، كم مر؟، ثلاث سنوات انقضت منذ تلك اللحظة التي أفسدت حياتي، وتركتني كيانًا واهيًا في جسد امرأة كانت يومًا جميلة؟!». عادت ذاكرتها رغمًا عنها لذلك اليوم الذي شهد دمارها عندما رجعت من عملها مبكرة، وأرسلت لزوجها الحبيب رسالة تخبره فيها بأنها تعد له مفاجأة مبهرة، وأعادت هاتفها للشاحن بعدما أنهت ترتيب المنزل، وتلألأت بالأبيض لونه المفضل وزينة وجه خفيفة، يفوح منها عطر الياسمين الناعم، ثم جهزت ما لذ وطاب على مائدة الطعام، وبعدها بلحظات وصلت لهاتفها رسالة منه نُقشت أحرفها بقلبها المتيم "أشتاق لكِ حبيبتي، لم أستطع صبرًا، فأتيتكِ لَهِفًا".
استبد بها استغراب شديد، زوجها لا يترك عمله قبل موعده أبدًا متمسكًا بقاعدته الأثيرة أن لكل شيء وقته؛ ليُعطى كل ذي حق حقه، لكنها فرحة بقدومه ممتنة لسبب مجيئه مبكرًا أيًا كان، تهمس لنفسها «أخيرًا ستُسقي روحي العطشى لعذب وجوده بعد سفره الطويل، وستنهل من فيض حبه وحنانه الجارف»، وجرت مسرعة يدفعها قلبها المشتاق للقيا رجله الوحيد تفتح الباب ما أن طرقه مستترة خلفه، لكن من دخل لم يكن زوجها، بل صديقه الذي ما أن لمحها بهيئتها تلك حتى ازداد جنونًا بها، وضمها إليه بقوة يتنشَّق عبيرها الفاتن مُغيَبًا بسطوة تأثير جمالها المغوي عليه، فدفعته بشدة، لكن قوتها الضئيلة لم تكن ذات فائدة تذكر أمام عنفه المتزايد، وعلى الرغم من ذلك لم تتوانى في الدفاع عن نفسها، وتمثلت نجدة الله لها في طبق كريستالي جذبته، وضربته به بكل قوتها على رأسه تاركة إياه مترنحًا في وقفته، يمسح الدم الذي غطى وجهه، واستغلت إفلاته ليدها، وجرت مسرعة إلى غرفتها، يتصبب جبينها عرقًا كجسدها المختض، تكاد أنفاسها تتقطع من فرط الرعب، تنتفض بعنف لا تعلم كيف تمكنت معه من غلق الباب، وما تلى ذلك كان ثوانٍ من الجحيم الخالص مرت عليها كسنوات عجاف قبل أن تتمكن من السيطرة على نفسها، وتتصل بأخيها عبر الهاتف الأرضي لغرفة نومها، تستنجد به هاتفة بصوت مبحوح، تكافح غصة سدت حلقها:
«أغثني أخي».
ثم دارت حول نفسها تفكر بضياع ما أن أنهت المكالمة تفكر ماذا يجب أن تفعل، أستظل حتى مجيئ أخيها في غرفتها تختبئ خوفًا؟!، وفي ظل الهدوء القاتل الذي فرض سيطرته على الأجواء أَلَح على عقلها المستنزف تساؤل جديد «ألازال بالبيت، أم أنه انصرف؟».
تهالكت على طرف السرير تلوم نفسها على تباسطها من قبل مع ذلك الدنيء، وقد زين لها شيطان عنادها ما تفعله بحجة أنه صديق، وألا خوف منه، وعلى الرغم من أنها كانت مرات معدودة خاصمها لأجلها زوجها كثيرًا إلا أنها جنت اليوم حنظل ما زرعت سابقًا بيديها عندما أراد ذلك المريض انتهاكها، وعند هذه الخاطرة قفز لذهنها تساؤل أشد بأسًا على قلبها المُعذَب «ترى ماذا سيكون رد فعل زوجها حينما تعلمه بالأمر؟، وكيف سيتصرف معه؟».
أثار ريبتها الشديدة ذلك الصمت التام منه، وعدم محاولته مطلقًا فتح باب غرفتها متسائلة بينها وبين نفسها لأي شيء يخطط أثناء تبديلها لثوب نومها المغري بملابس ساترة إضافة لحجابها حينما حدثتها نفسها أن سكونه ذاك ربما يكون خدعة منه، وما أن طُرق الباب بشدة حتى اعتراها رعب طاغٍ، تلاحقت على إثره دقات قلبها، وقد ظنته يحاول مجددًا الوصول إليها حتى سمعت صوت أخيها الحبيب يناديها من بين أنفاسه اللاهثة يكتنفه خوف أرجف فؤاده عليها متيقنًا أن كارثة قد حلت بها، أجبرتها على الاستغاثة به بذلك الشكل:
«لوجين.....».
فتحت الباب بلهفة، وارتمت على صدره باكية بانهيار، ومشاهد ما حدث تتراص أمام عينيها حتى سقطت فاقدة للوعي، فمددها على فراشها، وأسرع لمنضدة الزينة جالبًا عطرها، لكن استفاقتها تأخرت كثيرًا، وحينما نجح في مسعاه، وجدها تتلفت حولها برعب، والتمع في عينيها ذعر شديد حتى أبصرته، فاستكانت، ثم أصلتها نيران الذكرى مجددًا، وقبل أن تحدثه بكلمة واحدة فوجئت بزوجها يدخل الغرفة كإعصار مدمر ملقيًا عليها يمين الطلاق ثلاث، ثم انصرف مغادرًا إياها، وقد أصاب حواسها كافة شلل تام تحول لهيستيرية شديدة جعلتها تلطم وجهها، وتخمشه بأظافرها صارخة بينما تنهمر الدموع من عينيها كفيضان جارف اكتسح ما أمامه، ثم فقدت وعيها ثانية، لكن هذه المرة لم تُفلح أي من محاولاته في جعلها تفيق، ومن فرط الاضطراب وقف أخيها حيث هو عاجزًا عن التصرف حتى استعاد صوابه، واتصل بصديقه الطبيب الذي حضر مسرعًا، وأخبره بعدما أنهى فحصها:
«أختك تعاني من انهيار عصبي حاد، يجب أن تعرضها على طبيبة نفسية، فكما ترى آذت نفسها، ولا أستبعد احتمالية أن تكررها، أو أن يتطور الأمر لما هو أخطر».
أجبرت نفسها على التوقف عن اجترار ذكريات الماضي الأليم، وقد استهلكها إعادة بناء نفسها والقيام من كبوتها سنة ونصف قضتها بين المشفى وعيادة الطبيبة تحاول ترميم جروح روحها الثكلى، وأكثر ما أدمى قلبها أنها لم تتمكن من توضيح الحقيقة لزوجها قط، لم تستطع تبرئة ساحتها أمامه مغمورة بجهلها بما أخبره به عديم الضمير ذاك؛ ليطلقها هكذا، ويسافر بوالدته، وتبدد هي سنة كاملة من عمرها باحثة عنه بعد خروجها من المشفى على الرغم من معارضة والدها لها؛ كي تَبَر بقسمها، لكنها لم تجده أبدًا.
وعت من غرقها في مستنقع ذكرياتها الآسن على حديثه قائلًا بندم تجلى واضحًا على ملامح وجهه المتغضنة بكسرة بعدما تعرف عليها، وفطن لسر تصرفاتها الغريبة:
«أنا آسف».
جزت على أسنانها حتى كادت تحطمها متعجبة، يعتذر، يعتذر منها، أي شخص وضيع هو، لا تجد وصفًا ملائمًا لسفالته معها، وانهار سد تحملها بينما تهتف به، وقد نظرت لعينيه مباشرة، فنكس رأسه بخزي غير قادر على مواجهتها:
«اخرس، فقط اخرس، ولا تسمعني صوتك البغيض هذا أبدًا، أكرهك كما لم ولن أكره أحدًا في حياتي، ماذا فعلت لك؛ كي تحطمني هكذا؟!».
فتح فاه يحاول التبرير، فصرخت به ثانية:
«ألم تسمعني؟!، لا أتحمل صوتك، وأي من تبريراتك الواهية لن يجعلني أسامحك، إن كان قد نما لك ضمير فجأة يحثك على طلب الغفران».
وبنفس الغضب العاتي الذي تفجر بصدرها تابعت حديثها بصياح كاد يصم أذنيه:
«بحق الله كانت مجاملة بائسة مدحتك فيها متنازلة عن مبادئي، وأبديت إعجابي بعطرك الذي أصبح يصيبني بالغثيان».
ولم تكد تنهي جملتها حتى تقيأت عليه، ولم تبذل أدنى جهد؛ كي تبتعد، وعلى الرغم من اشمئزاز نفسه إلا أنه أجبرها على عدم التحرك، وتركها تفرغ ولو قليلًا من مرارتها ربما ترتاح بعد ما جناه بحقها، سنة إلا قليلًا بحث عنها بجنون بعدما أفاق من غفلته؛ عله يتمكن من طلب السماح، وتصحيح ما جنت يداه، لكنه لم يتمكن من الوصول لها أو لزوجها، صديقه الذي طالما نصحه، وحاول إنقاذه من قنوطه، فخانه بخسة، وكأنما الأرض قد انشقت وابتلعتهما حتى جمعه بها الله اليوم في هذا المكان النائي، يتساءل بينه وبين نفسه «هل تقبل الله توبته، ومَنَّ عليه بذلك اللقاء؟!».
دمعت عيناه من فرط ما يجد، وصعقها هي ذلك المنظر كما عجز عقلها عن التحليل، بل كاد يتوقف عن العمل تمامًا بينما يتابع هو الحديث قائلًا:
«أقسم لكِ مهما وصفت وأفضت في شرح مدى ندمي؛ فلن يكفي، أعلم الآن جيدًا أنكِ لم تقصدي أيًا مما توهمته وقتها».
اتسعت عينيها صدمة، وعجزت عن الرد، فتابع نزيف كلماته ببطء رجل أنهكته وطأة الذنب:
«لا تتعجبي هكذا، كنت رجلًا محطمًا، لم تمل طليقته من انتقاد تصرفاته، مهما فعلت وحاولت لا ترضى أبدًا، كنت متعطشًا لثناءٍ واحد منكِ يعيد إليّ ثقتي المفقودة، لن تتصوري أبدًا كيف قلب كياني مدحكِ لي أنتِ بالذات».
سألته بذهول لم يبرحها بعد:
«لِمَ أنا؟!».
أجابها بضياع يستعيد ذلك الحسد الذي استعمر قلبه، وتلك الرغبة التي اجتاحته تجاهها، وتمنيه لها زوجة وحبيبة:
«لأن زوجكِ دون أن ينتبه كان الضلع الثالث في مثلثنا المريض_ إن حسبناكِ طرفًا على الرغم من حسن نيتكِ_، فلطالما تغنى بكمالكِ، وحسن عشرتكِ».
تعالى مجددًا دوي كلمات كالرصاص تفوه بها زوجها ذات مساء بسعادة أصابته في مقتل غافلًا عن أثرها بنفسه، وأضافت مبررًا جديدًا؛ لتغلغل حقده عليه أكثر:
«كسبت الرهان، أخبرتك أنها ستسر بالزهور، وستعاملها ككنز نادر ولم تصدقني، وها هي تسقيني العشق ألوانًا منذ ذلك اليوم».
وعلى الفور عُقدت برأسه المقارنة بينها بين زوجته التي قالت بامتعاض ما أن رأت هديته الغالية التي قدمها لها مراضيًا بأحد الأيام:
«لِمَ لم تأخذني معك لأنتقي بنفسي؟، أنت تعلم أن ذوقي أفضل في اختيار المجوهرات، هل يمكن أن أبدله بأخر، أم أنني مضطرة للقبول بذلك الطقم القبيح؟»، تغاضى عن وجعه، وتابع اعترافه:
«لكنني لم اكتفِ بإعجابكِ كما كنت أظن، بل تطلعت للمزيد».
استولى الاشمئزاز على نظراتها بعدما تلاشي ذهولها، فقال بأسف:
«أدري أي حقير منعدم المروءة كنت أنا عندما أقدمت على فعلتي النكراء، أعلم أنني دمرت عالمكِ، ولعل ما سأخبركِ به يُبَرِّد نيرانكِ، لقد اقتص الله لكِ مني دون أن ترفعي إصبعًا عليَّ».
قاطعته مُحتدة تصرخ بحرقة:
«بل رفعت يدي للسماء، ولهج لساني ومن قبله قلبي بالدعاء عليك كلما وَهِنت عزيمتي ومن قبلها روحي المشتتة».
صمتت تلتقط أنفاسها، وتابعت قائلة بأنين يُدمي أشد القلوب قسوة:
«أتعتقد أنك تدري بما حل بي؟!، لا ورب الكعبة، مهما تخيلت لن تصل لمعشار الدمار الذي خرب كياني كله».
مسحت أدمعها بقهر، ثم قالت بانطفاء:
«اسكت فقط ربما يَمُن الله عليّ يومًا، فأتمكن من الغفران....ليس لأجلك صدقني، بل لوجه الله تكفيرًا عن خطئي الذي فتح الباب على مصراعيه للشيطان يعيث فسادًا بحياتي».
نظرت له شزرًا، ثم تابعت باحتقار مرير ترك بالغ الأثر بنفسه التي تعاني ويلات ألم الذنب:
«شياطين الإنس والجن».
سكون ثقيل بسط جناحيه عليهما حينما لم يجد أيًا منهما ما يُقال، تأملت خلاله قدرتها على مواجهته كما أخبرتها طبيبتها دومًا، لكنها لم تكتفِ بعد، فهمست بحروف مرتجفة تشابه انتفاض قلبها ترقبًا:
«ماذا أخبرت.... طليقي بعدما رحلت؟!».
اتسعت عيناه، وتعالت أنفاسه حتى باتت مسموعة لها، وبهت وجهه، فأضحى كجثة تقف على قدمين، أصم أذنيه صوت داخلي كضربات المطارق تعالى هازئًا «ها قد حدث ما كنت تخشاه، وسألت، أرني بأي وجه ستجيبها!».
للحظة عابرة أشفقت عليه حقًا، ذلك الرعب الذي تجسد على وجهه ما أن باحت بسؤالها لا يمكن أن يكون مصطنعًا، هو يخشى هذا السؤال، وهنا فطنت لأمر أخر، إن كان يخافه لهذه الدرجة إذن حديثه عادل أفعاله خسة إن لم يكن قد فاقها، فعاد الغضب يسري كحمم حارقة في أوردتها، وصرخت به:
«أجبني، كنت أرجوك منذ ثوانٍ أن تصمت، فأبيت، لِمَ تفضل السكوت الآن؟!».
طأطأ رأسه مغمورًا بعاره، وأجابها بخفوت:
«لم أحتج أن أخبره شيئًا، فما فعلته بعدما شججتِ رأسي كان أكثر من كافٍ».
دمعت عيناه للذكرى التي تجسدت حية كأنها حدثت الآن، حينما نظف الأرض من دمائه، وكذلك الطبق الكريستالي، ثم حذف رسالتها من هاتف زوجها الذي تركه بحوزته؛ لينقل منه بعض الملفات الخاصة بالعمل، وأسرع للحاق باجتماعه الهام مع مدير الفرع الأخر، وإرساله رسالة لنفسه من هاتفها، استرجع إفكها الذي سطرته أنامله «أرجوك احضر لبيتي، هاجمني لص، وأنا مختبئة منه، ولم أتمكن من التواصل مع زوجي»، ثم عودته للشركة بعدما مر على المشفى أولًا؛ ليعاين جرح رأسه، ويُكمل تمثيل دوره بمنتهى الإتقان حتى يصدقه زوجها، ولا يمنحه أدنى فرصة للتشكيك فيما سيرويه له.
ازدادت دموع الندم انهمارًا تطهر قلبه من رانه خاصة عندما تذكر خوف صديقه المغدور عليه عندما لمح الدماء التي لوثت ضمادته، وسؤاله عما حدث له، وانحطاطه هو مجيبًا عن تساؤله:
«وقع لي حادث من شدة صدمتي بما فعلت زوجتك المصون، لقد حاولت إغوائي في منزلكما بعدما أرسلت لي رسالة تستنجد بي فيها».
يذكر جيدًا تهالك صديقه على أريكة مكتبه يكافح لالتقاط أنفاسه، والغضب المتقد الذي استعر بعينيه بعدما أراه رسالتها على هاتفه، ثم رحيله جريًا لخارج الشركة.
أظلمت الدنيا أمامه، ولهث منهكًا يسرد عليها بصدق ما حدث دون تحريف يرجو تطهرًا كاملًا من خطيئته التي أشقت حياته، وكانت بداية لرحلة عذابه، أما هي فلم تجد سوى ترديد:
«حسبي الله ونعم الوكيل».
هتفت بها بكل قهرها وقلة حيلتها، ثم خرجت مهرولة بعدما عاد المصعد للعمل، وانفتح بابه، تتصل بأخيها بينما تنزل درجات السلم رابتة بيدها على قلبها النازف؛ لعل الألم يهدأ، ومشت هائمة على وجهها مطلقة لنفسها العنان تعبر عن ضيمها كيفما شاءت، وقد أعمتها دموعها المنهمرة عن سيارة الأجرة التي أوشكت أن تُرديها، والشاب الذي هبط من سيارته جزعًا؛ ليتفقدها بعدما تمكنت من الوقوف بضعف بالغ على قدميها المرتعشتين، ثم توجهها بآلية، وكأنها مبرمجة لسيارة أخيها المقبلة عليها، تجاهد؛ لتجفيف دموعها بيمناها بينما تفتح باب سيارته بيسراها مستمدة من عينيه الحانيتين ويده التي ربتت على كتفها بعدما جلست بجواره دعمًا هي في أَمَسِّ الحاجة إليه، وقالت له:
"أعدني إلى البيت أخي".
أسبوعان من الانعزال قضتهما نائية بنفسها عن الجميع، أذابت فيهما الحسرة قلب أمها، وأنفرط بعدهما عقد صبر والدها، فطلب من أمها إبلاغها برغبته في الحديث معها، ولم تملك هي أمام طلبه سوى الإذعان، وقد استنزفتها مقاومة أفكارها المتلاطمة، فاستمعت لسؤاله ما أن خطت إلى مكتبه بإرهاق:
«ماذا حل بكِ حبة القلب وكدر صفوكِ هكذا؟، أعادت ذكراه تنغص عليكِ حياتكِ ثانية؟، ألن تخبريني على الأقل بسبب الطلاق؟».
نكست رأسها بعدما انسابت الدموع من عينيها تبكي عمرًا ضاع لهثًا وراء سراب ظنته يومًا حقيقة مطلقة «نعم أبي، علمت أنه صدق افتراء صديقه علي، واكتشفت لسوء حظي أنني كنت أسعد حالًا بجهلي كما أخبرتني مرارًا»، كم تمنت أن تصارحه؛ عله يخفف عنها ما تجد، لكن بأي التفاصيل المخزية ستخبره، وأيها ستخفي عنه، ليبقى على ظنه أكرم لها، وقالت بخفوت:
«لا أبي أنا متعبة فقط».
قام من كرسيه، وسحبها من يدها؛ ليجلسها بجانبه على الأريكة الصغيرة، ثم قال لها بعطف بينما يضمها إلى صدره:
«أتخفين ألمكِ عن أبيكِ يا صغيرة، لم أكن أحسب أن معرفتكِ بما حدث في الماضي هامة هكذا بالنسبة لكِ؛ كي تمضي قدمًا».
زفر أنفاسه بهم، لكنه تابع التربيت على ظهرها بحنان، ثم أكمل حديثه على مضض:
«رامز عاد منذ شهر، ويلح علي يوميًا أن أسمح له بلقائكِ، لكنني كنت أرفض، لن ائتمن رجل طلقكِ بذلك الشكل عليكِ ثانية».
انتفض جسدها كله غضبًا، وأخفت وجهها الذي بهت حتى غدت كالأشباح في دفء حضنه أكثر حينما تابع حديثه، تتمنى من كل قلبه لو صارحته منذ قليل؛ فيجنبها لقائه الذي باتت تخشاه خشية الموت:
«لكنني وافقت بالأمس، وسيحضر لمقابلتكِ غدًا ربما تبرأ جراحكِ بمصارحتكما، فتستطيعين تخطيه، والبدء من جديد».
لم تجد بدًا من السكوت، وانصرفت بعدما استأذنت أبيها، تحدثها نفسها «قضي الأمر ستتجرعين غدًا علقم لقائه بصبر، وستنهضين بعدها من رماد أحزانكِ كالعنقاء تُبعثين من نيران احتراقكِ».
مرت الساعات التالية على قلبها المرتعب بسرعة البرق، وحانت لحظة المواجهة، بعد قليل سيتواجهان ستصرخ بوجهه، أو ربما ستكتفي بالتجاهل فقط، أو......
«لوجين أحدثكِ منذ فترة، أين شردتِ حبيبتي؟!، لقد وصل رامز وهو بانتظاركِ مع أبيكِ بغرفة الضيوف».
«سأذهب لهما أمي».
عاد الألم بضراوة مهاجمًا حصون قلبها، لكنها تمسكت بكل ذرة قوة لديها، وتقدمت تجاهه، تشتعل بوميض الغضب الحارق الذي لم يتخل عنها حتى بعدما تركهما أبيها معه بمفردها، وجلس بشرفة الغرفة تاركًا لهما مساحة من الخصوصية، وما أن التقت العينان حتى جمد كل ما فيها، تتأمل وجهه الشاحب وهذه الشعيرات البيضاء التي انتثرت بين ظلمة شعره الداكنة بحنين موؤود فقد أنفاسه الأخيرة على يد كرامتها الذبيحة تلبسها غصبًا بعدما كان لعينيها الخائنتين رأيًا مخالفًا لإرادتها، فسجلتا ذلك العذاب النابض بعسليتيه المنطفئتين، وتقلب المشاعر على وجهه بين وحب وخوف وأخيرًا انكسار آلم قلبها، وانتشى به عقلها، وأمام زحف جيوش عاطفته المتدفقة على فؤادها المسكين لم تجد سوى الازدراء سلاحًا تواجهه به، يصرخ بها عقلها مذكرًا «لقد صدق أنكِ خائنة، هجركِ ولم يمنحكِ حتى حق الدفاع عن نفسكِ»، أما هو فتزاحمت الكلمات على شفتيه، تتسابق أيها ستعبر عن شوقه لها أولًا، لكن البرودة التي توشحتها ألقمته حجرًا أصمته؛ لذلك بادرت هي بالحديث متسائلة؛ لعلها تصمت بإجابته ذلك الذي عاد ينتفض بصدرها مدافعًا عمن سكنه:
«بماذا أقنعك يومها؟».
قص عليها ما حدث، وباستغراب شديد اكتشفت أن غريمه لم يكذب بحرف واحد مما أبلغها به، وفاجأته بمقاطعتها حديثه رافعة رأسها بإباء بعدما أمسك عقلها بزمام الأمور منحيًا قلبها الساذج جانبًا، تبادله قسوة أسقاها علقمها منذ سنوات قطرة بقطرة:
«أكرهك، أنت لا تستحق ثانية واحدة بكيت فيها على حب ظننت آثمة أنه يجمعنا، وأحمد الله ألف مرة على انفصالنا بعدما أبصرت روابط زواجنا الواهنة».
نكس رأسه بخزي، واستمر رجع كلمتها الصارخة ببغضه يجلده بينما يخبرها بندم فتك بروحه:
«ظلمتكِ، ولا مبرر لفعلتي، لكن سفري الطويل آن ذاك جعلني أظن....».
قاطعته بغضب عاصف لم تتمكن من كبح جماحه زافرة أنفاس تحررها من قيود آلاف الأعذار التي التمستها له:
«لا يهم، أحببتك بالأمس، وواجهت الجميع لأجلك، أما الآن فسأحاربك أنت بكل ما أوتيت من قوة، وسيظل زادي في معركتي ضدك ميثاقًا غليظًا لم تراع حرمته أو حرمتي بينما تحدث صديقك عني».
بُهت مما قالته، وهمس بذهول مقرًا بحقيقة أملت أن يكذبها:
«كيف علمتِ؟!».
نبهه هروب اللون من وجهها لما اعترف به للتو، فكان دوره هو لينافسها شحوبًا، لكنها لم ترأف به، وتابعت بإصرار حديثها غير آبهة له، تطوي صفحة بحياتها اهترأت من فرط سواد ما خُط بها:
«أنتهت قصتنا منذ زمن، لم تعد هناك فائدة ترجى من حديثنا هذا».
ثم صمتت تراقب انصرافه الحسير بروح نفضت عنها تيهًا استعمرها طويلًا، وبقايا ألم أجبرت قلبها على تحمله، وعقل متخم بالرضا عن قرارها.


تمت بحمد الله


ياسمين اسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-22, 01:07 PM   #2

أَسْماء

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية أَسْماء

? العضوٌ??? » 140513
?  التسِجيلٌ » Sep 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,044
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » أَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond reputeأَسْماء has a reputation beyond repute
افتراضي

أسلوب جميل ولغة آخاذة سلسة، توصل الفكرة بايجاز، وأيضًا واضح قدرتك على امساك الخيوط جيدًا في كتابة القصة القصيرة.. الفكرة والعبرة واضحة وقصة اجتماعية توصل عاقبة ادخال طرف ثلاث في العلاقة بين الزوجين، ومصارحته بأدق التفاصيل، وخاصة الرجال لأنه لا توجد صداقة بالمعنى الحقيقي بين الجنسين، والخضوع بالقول يمكن أن يجلب مصائب عديدة، وهناك الكثير من القصص حولنا أيضاً عن النساء والتي سرقت زوج صديقتها وسببت تشتتًا وانفصالاً بين الزوجين والأولاد ... شكرا على قلمك... بحثت قليلا في حسابك لعلي أجد شيئًا آخراً اقرؤه لكِ ولكنني لم أجد أنتظر جديدك

أَسْماء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-22, 12:00 AM   #3

حنايا القلوب
 
الصورة الرمزية حنايا القلوب

? العضوٌ??? » 302275
?  التسِجيلٌ » Aug 2013
? مشَارَ?اتْي » 131
?  نُقآطِيْ » حنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond reputeحنايا القلوب has a reputation beyond repute
افتراضي

جميلة جدا
وقرارها في محله
لو كان يثق بها لم تسرب الشك في قلبه
ولم صدق ماحدث


حنايا القلوب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:11 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.