آخر 10 مشاركات
الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          497- وحدها مع العدو - أبي غرين -روايات احلام جديدة (الكاتـب : Just Faith - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          الرزق على الله .. للكاتبه :هاردلك يا قلب×كامله× (الكاتـب : بحر الندى - )           »          بين الماضي والحب *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : lossil - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          سمراء الغجرى..تكتبها مايا مختار "متميزة" , " مكتملة " (الكاتـب : مايا مختار - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ندبات الشيطان- قلوب شرقية(102)-للكاتبة::سارة عاصم*مميزة*كاملة&الرابط (الكاتـب : *سارة عاصم* - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree7Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-02-13, 12:40 PM   #21

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي




19
: : : أبـي العزيز : : :





عند منتصف الليل انتهت السهرة أخيراً وقررنا جميعاً الذهاب للنوم ...
أمسكت بيد أروى أحثها على الذهاب معى إلى الطابق العلوى وتبعتنا كلاً من تولان وسالى والصغير أحمد الذى كان يمسك بيد تولان ...
توقفنا أخيراً عند الطابق العلوى حيث غرف النوم وقلت موجهاً حديثى لسالى وتولان :
" تصبحان على خير . "

فأجابتنى سالى وهى تتثاءب فى حين قالت تولان بلغتها الركيكة :
" لماذا لا تذهب برفقة أحمد إلى الفراش ..؟ أظنه سيحب أن تحكى له إحدى الحكايات . "

نظرت إلى الصغير وخاطبته باللغة التركية :
" أتحب أن أحكى لك حكايا يا صغيرى ..؟ "

فإذا به يبتسم ... أى أنه موافق ..!
ابتهجت كثيراً ورحبت بالفكرة فقلت لـ أروى :
" أذهبى إلى فراشك وسألحق بكِ سريعاً . "

وحملت الصغير فوق زراعى ثم ودعت الجميع ورأيت أروى وهى تتجه نحو الجناح وتختفى بداخله وكذلك فعلت سالى ..
أما تولان فقد تبعتنى إلى غرفة أحمد ..!

أستدرت لأنظر إليها وقلت :
" ماذا الأن ..؟ "

أعنى بذلك أن تنصرف وتتركنا وحدنا ، غير أنها قالت ببساطة :
" سأبقى قليلاً حتى لا يشعر أحمد بالخوف . "

نظرت إليها بضيق وقلت :
" ولماذا يشعر بالخوف ..؟ إننى والده . "

قالت ساخرة :
" وهل ستطلب من طفل فى الثالثة من عمرة أن يفهم فى ليلة وضحاها أنك والده الذى لم يره منذ ولادته . "

زفرت بضيق ولم أعلق عليها ... وتركتها تجلس تراقبنى وأنا أحكى للصغير إحدى الحكايات ... والذى لم يلبث أن راح فى النوم سريعاً وبقيت أنا وتولان وحدنا ..!
أحكمت وضع الغطاء عليه وطبعت قبلة على جبينه ثم استدرت إلى تولان وقلت :
" لقد نام .. "

ابتسمت تولان وبدت شاردة إلى حد ما وهى تقول :
" أتقنت دور الأب ... أظنه سيعتاد عليك بسرعة ... "

وأضافت :
" لن أكون قلقة عليه بعدما أسافر ... إننى واثقة أنكَ ستحبه كثيراً وتهتم به ... "


نظرت إليها بمزيج من الدهشة والحيرة ... أحاول أن أفهم المغزي الحقيقى وراء جملتها ... هل تعنى حقاً ما تقول أم أنها تسخر منى ..؟
وهنا أدركت الأجابة فوراً حينما أرتعش صوتها قليلاً وأومضت الدموع بعينيها قبل أن تتابع :
" أننى فقط أخاف ... أخاف أن ينسانى فى يوم ... "

شعرت بالدهشة لتلك العاطفة المفاجئة ..!
حقاً لم أكن أتوقع منها أن تبدى أى عاطفة نحوه ... لقد قدمته لى على طبق من فضة فكيف تعتقد أننى سأصدق دموعها الأن ..؟

أتانى صوتها لينتزعنى من شرودى :
" أنتِ قاسى القلب ... كيف تحرم أم من طفلها ..؟! "

نظرت إليها مُتعجباً وقلت :
" لقد أتيت بنفسك لتعطينى أياه . "

قالت مُنفعلة :
" وما الفائدة ..؟ ستأخذة أجلاً أو عاجلاً ... القضاء كان سيحكم لصالحك خاصة وأن ظروفي المادية هذه الفترة سيئة ... "

وأضافت بأسى :
" أنا لم أتى لأعطيك أحمد كما تتصور ... لقد أتيت لأتفاهم معك ... ولأرجوك بأن تتركه لى ... إنه ما تبقى لي منك ... هل تريد حرمانى من أخر شئ بقى لى منكَ ..؟ "

قالت تولان جملتها الأخيرة ولم تستطع منع دموعها فأجهشت فى البكاء فجأة بصوت مرتفع ..!
شعرت بالتوتر وخشيت أن يسمع أحداً صوت بكاءها ...
قلت لها بصوت خافت :
" أرجوكِ تولان ... كفى ... لا أريد أن يسمعنا أحد الخدم ... "

قالت تولان بإنهيار :
" أنا لا أهتم ... كل ما يهمنى هو طفلى ... "

وصمتت لبرهة لتلقط أنفاسها ثم تابعت :
"لقد صارت لك حياتك ... وزوجتكَ ... لماذا أنت مصمم على سلبى طفلى ..؟ لماذا لا تتركه لى ..؟ فى المستقبل سيصير لك أطفال ولن تكون بحاجة لأحمد ... أما أنا فلن يصير لى أحد بعد أن تأخذه ... تعلم لا عائلة لى ولا أحد ... "

قلت :
" لكنه أبنى ... ولا استطيع أن أتخلى عنه ... لابد أن يربى معى ... "

جففت تولان دموعها وقالت :
" وهو أبنى أيضاً ولا يمكننى التخلى عنه ... لابد أن يكون معى أنا ... "

قلت :
" أنا أسف ... لابد أن تقدرى موقفى تولان . "

قالت تولان بنبرة حزينة :
" أذن لا فائدة ... لن تتركه لي ... "

قلت :
" أنا فعلاً أسف ... أعرف أن هذا الأمر صعب عليكِ ولكن ... ليس بيدي حيلة ... "

تركتها وانصرفت بعد أن أنتهيت من قول جملتى السابقة ...
كنت أشعر بالحزن من أجلها حقاً وأخشى أن تؤثر علىّ وتستعطفنى لأترك لها الصغير ... وهذا ما لا أرغبه ..!
توجهت إلى الجناح الخاص بى وبأروى بعد ذلك ... وكما توقعت كانت أروى بغرفتها وبابها مُغلق كما هى العادة ...
نظرت للساعة ... كانت ****بها تشير إلى الواحدة بعد مُنتصف الليل ...
رُبما استغرقت فى النوم بالفعل ... لا بأس فلأتحدث إليها فى الصباح ...
أغلقت باب الجناح وهممت بالتوجه إلى غرفتى لأنام غير أننى تعديت غرفتى وأنحرفت تلقائياً إلى غرفتها ...
رُبما لم تنم بعد ..!
طرقت بابها برفق وانتظرت أن أسمع لها أى صوت وهى تتحرك ...
لكن قابلنى صمتٍ تام ...
رُبما لم تسمع طرقاتى الخافتة ... أو رًبما نامت بالفعل ..!

حسناً ... على أى حال سانتظر حتى الصباح لأتحدث إليها قبل ذهابي إلى العمل ... لابد أن أعرف حقيقة مشاعرها نحوى ...
رُبما كانت بالفعل تكن لى بعض المشاعر ... رُبما كانت تبادلنى مشاعري ...
ثم ما الذى يدفعها للشعور بالضيق من وجود تولان ..؟
إنها الغيرة بالتأكيد ... لابد أنها تغار علىّ منها ..!
كررت تلك الكلمة برأسي مرات عديدة ولست أدرى لماذا لم أقتنع بها ..؟
لقد كانت أروى تكرهنى يوم أتت إلى هذا المنزل ... فهل يمكن أن يتحول كرهها لـ حب ..؟!

بينما كنت مُستغرقاً فى أفكاري أصدر باب غرفتها صوتاً انتزعنى عنوة من أفكارى لتتجه نظراتى إلى باب غرفتها مباشرة ...
كانت تقف أمامى فى رداء النوم الخفيف ... وشعرها الطويل منسدلاً حول وجهها ..!
تفاجأت حينما فتحت الباب بهذه الثياب ودون حجاب ... ويبدو أنها لم تتوقع رؤيتى فأجفلت وقالت :
" معاذ ..! أنت هنا ..؟ كنت ذاهبة إليك .. "

تفاقمت حيرتي أكثر وأكثر وقلت :
" ما الأمر ..؟ "

أجهشت أروى فى البكاء حينئذ وقالت :
" أبى مريض للغاية ... أرجوك دعنى أذهب إليه الأن لأصطحبه إلى المستشفى ... أرجوك معاذ . "

قلت :
" حسناً حسناً ... أهدأى قليلاً وأذهبى لترتدي ملابسك بسرعة . "

ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة كأنها تعرب عن شكرها لى بهذه البسمة ، ثم سارعت بدخول غرفتها وتبديل ثيابها ..!
ولأننى لم أبدل ثيابى بعد فقد أنطلقنا فوراً بسيارتي إلى منزل والد أروى ...
ظلت أروى صامتة طوال الطريق لا تنطق بكلمة ... فقط تبسط راحة يدها وتقبضها فى توتر وما أن وصلنا إلى منزل والدها حتى سارعت بمغادرة السيارة وسبقتنى إلى الداخل بلهفة ..!


~ ~ ~ ~ ~ ~


تمنيتُ وقتها لو كنت استطيع الطيران والذهاب للأطمئنان على أبى ...
آه كم كنت أشعر بالقلق عليه ..!
كلما تذكرت مخابرة أمى لى وبكاءها المتواصل إزداد قلقي عليه وشعرت بخطورة حالته ...
وحينما وصلت إلى المنزل ورأيتُ أبى أدركت أنه يمر بأزمة صدرية ... ولم تكن هذه هى أول مرة تصيبه فيها ، لكنها كانت أشدها خطورة ..!
لم أعرف كيف أتصرف كل ما فعلته وقتها هو مشاركة أمى وأشقائي البكاء ..!
وهنا فوجئتُ بمعاذ يعطينى مفاتيح السيارة ويأمرني بالمسارعة بفتحها ثم أنحنى ليحمل أبى ببساطة وهرع به إلى السيارة ثم أتجه إلى المستشفي ..!
وما كدنا نصل حتى استقبلنا فريق الاسعاف ومن بينهم وقف شخص مألوف لي ما كدت أقترب منه حتى توقفت بمكاني حينما أدركت أنه محمود صديقه ..!
قلت لمعاذ :
" ما هذه المصادفة ..؟ "

غير أن معاذ قال :
" ليست مصادفة ... إنها هذه المستشفى ملكه وقد خابرته ليسعتد لوصولنا . "

عضضت عل شفتي السفلي فيما أقترب معاذ من صديقة وصافحه ... وهنا ألتفت محمود إلىّ وقال :
" مرحباً أروى . "

حاولت أن ابتسم وأنا أجيب تحيته غير أن الابتسامة أبت أن ترتسم على شفتي ...
قال محمود :
" بإذن الله سيطيب والدكِ قريباً ... لدينا هنا أطباء من أمهر الأطباء بالعالم كله . "

غمغمت :
" إن شاء الله . "

وأتجهت لأجلس بجانب والدتي على أقرب مقعد مُنتظرين أن يغادر الأطباء غرفة الطوارئ لنطمئن على أبي ... فيما بقى معاذ برفقة محمود وراحا يتحدثان ..!
تساءلتُ فى نفسي :
" ترى ماذا يقولان الأن ..؟ أى حوار قد يدور بينهما فى مثل هذه الظروف ..؟ "

بعد فترة من الزمن انصرف محمود فأقترب معاذ منى وجلس بجواري صامتاً ...
نظرت إلى ساعة الحائط وكانت تشير إلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل ... أى أن أبى قضى بغرفة الطوارئ ما يقرب من ساعة كاملة ..!
أطلقت تنهيدة قصيرة وقلت :
" ألم يتأخروا بالداخل ..؟ أليس من الأفضل أن يخرج أحد الأطباء ليطمئننا على حالته ..؟ "

أطرقت أمى بأسي وراح لسانها يلهج بالدعاء فيما شعرت بيد معاذ تربت على يدي وسمعته يقول هامساً :
" لا تخافي عزيزتي ... سيصير بخير إن شاء الله . "

ألتفت لأنظر إلى معاذ الذى كان ينظر إليه مُبتسماً ،، فقلت بخجل شديد :
" شكراً لك ... على ما فعلته اليوم ... حقاً أنا شاكرة لك .. "

ابتسم معاذ وقال :
" أى شخص بمكاني كان سيفعل ما فعلته ... لستِ بحاجة إلى شكري على أى حال .. "

فى تلك اللحظة أقبل محمود مُشرق الوجه وقال :
" لقد تم نقله إلى إحدى الغرف ... إنه بحالٍ أفضل الأن .. حمداً لله على سلامته . "



~ ~ ~ ~ ~ ~



ما أن دلفنا إلى غرفته حتى سارعت أروى إلي والدها المُستلقى على الفراش وأنحنت عليه تقبله وهى تحمد الله على سلامته ...
وقالت :
" كدت أموت قلقاً عليكَ ... الحمد لله أنك صرت بخير . "

ظللت واقفا عند باب الغرفة بجانب محمود الذى قال :
" سيبقى اليوم بالمستشفى للعناية ... يجب ألا يتحرك سوي للضرورة القصوي حتى لا تحدث مضاعفات ... "

وأضاف هامساً :
" لن أخفي عليكَ ... الطبيب أخبرنى أن حالته ليست مستقرة تماماً ... وأن صدره بحالة سيئة ... "

نظرت إلى والد أروى وقلت هامساً أيضاً :
" أأمل أن يصير بخير وألا يلحق مكروهاً به ... فأروى شديدة التعلق بوالدها ... أدركت هذا منذ أول لقاء لنا . "

دقق محمود النظر إلىّ وقال :
" كيف ألتقيت بأروى ..؟ إننى حتى الأن لا أعرف كيف تعرفتما ..؟ "

نظرت إليه بإرتباك ولم أدري بم أجيبه ... فيما كان محمود ينظر إلىّ بأهتمام شديد وينتظر أجابتي ...
قلت أخيراً :
" والد أروي يعمل لدي بإحدي الشركات و ....... "

بترتُ جملتى حينما قالت أروي موجهه حديثها إلىّ :
" ألا يجب أن نغادر الأن يا معاذ ..؟ "

تبادلت النظر مع محمود الذى قال مُسرعاً :
" سنحتجز والدكِ لدينا يومين حتى نطمئن على حالته ... "

أقتربت أورى منا وقالت بقلق :
" لماذا ..؟ هل هناك خطراً عليه ..؟ "

قال محمود نافياً :
" لا يوجد أى خطر ... فقط الأطباء يريدون الأطمئنان عليه ومتابعة حالته عن كثب . "

أطرقت أروى برأسها قائلة :
" أرجو أن يكون الأمر كذلك . "

ورفعت رأسها بعد برهة ثم قالت لي :
" هل تسمح بأن أكون رفيقة لأبي ..؟ إذ أن أمى يجب عليها أن تعود إلى المنزل لتطمئن أشقائي وتبقى معهم ... "

لم أكن أرغب فى العودة بمفردي خاصة وأن هناك حديثاً لم ننته منه بعد وكنت أريد الانتهاء منه اليوم غير أننى لم أملك سوي الموافقة ...
قلت :
" حسناً أروى ... سأرسل إليكِ السائق بما تحتاجينه من ملابس بعد قليل . "

ابتسمت أروى بسعادة وقالت :
" شكراً لكَ معاذ ... "

ابتهجت كثيراً حينما لاحظت التغير الشديد فى معاملة أروى لي ...
قلت :
" من الأفضل أن أنصرف الأن ... "

ونظرت إلى والدة أروى وقلت لها :
" سأصطحبكِ فى طريقي ... هيا بنا . "

استدرات والدة أروى إلى زوجها وراحت تودعه فيما نظرت أنا إلى أروى وقلت لها :
" أنتبهى لنفسك أروى ... "

ابتسمت أروى وأومأت برأسها فقلت :
" سأمر لأطمئن عليكم غداً . "

ثم غادرت المستشفى برفقة أم أروى وعدت وحيداً إلى منزلي ..!


~ ~ ~ ~ ~ ~


تتبع


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:41 PM   #22

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

20
: : : بقايا عطرها : : :




عدت إلى المنزل وحيداً بعدما أوصلت والدة أروى فى طريقي ..
كان الجميع نيام بطبيعة الحال والمنزل ساكناً لحد الكآبة .. مررت فى طريقى بغرفة رئيس الخدم وطلبت منه أن يوقظ إحدى الخادمات ويرسلها إلى غرفة أروى لتضب لها بعض ثيابها وترسلها إلى المستشفى .. ومن ثم توجهت إلى الجناح الخاس بى وبأروى ..
كنت أشعر بإرهاق شديد وبدأ النعاس يتسلل إلى جفوني فهممت بدخول غرفتي لكن شئ ما أجبرني على التوقف .. إذ أننى لمحت بطرف عينى باب غرفة أروى المفتوح ..
إنها أول ليلة أبات فيها وحيداً بالجناح منذ تزوجت أروى ..
إنه فراغ هائل ذلك الذى أشعر به الأن .. على الأقل وجودها بجانبي يريحنى قليلاً ..
تُرى ماذا تفعلين الأن يا أروي ..؟

توقفت عند باب الغرفة فأقتحمت أنفي رائحة عطرها التى تعبق الغرفة ... أغلقت عينىّ واستنشقت نفساً عميقاً فتسلل الهواء إلى أنفي مصحوباً بعطرها الرقيق الهادئ ..
آه .. كم أشتاق إليك الأن يا أروى ..!
كيف طاوعنى قلبي على تركها تبات بالمستشفي ..؟ ألم أكن قادراً على ملازمتها بالمستشفي بأى حجة ..؟!
ترددت قليلاً قبل أن أخطو أول خطوة بداخل الغرفة .. قد يكون ما أفعله تطفلاً مني وأقتحاماً لخصوصيتها .. لكن .. أليست زوجتي ..؟!
ألا يحق لي حتى أن أتفقد أشياءها ولو من بعيد ..؟

دلفت إلى الغرفة ببطئ ووقفت فى منتصفها أتأمل كل شئ بها .. جدرانها الوردية .. طاولة الزينة .. خزانة الملابس .. فراشها الغير مرتب والذى يوحى بأنها كانت على وشك النوم ..
أتجهت إلى الفراش وجلست على طرفه ثم مددت يدي إلى الغطاء المخملى المُلقى عليه وتحسسته برفق .. ثم رفعته إلى أنفي واستنشقت بقايا عطرها العالقة به ..
قد يكون الذى أفعله فى هذا هو الوقت هو درب من الجنون .. لكن .. لم استطيع مقاومته بطبيعة الحال ..!
لمحت بطرف عينى ذلك الكتاب الذى كان مندثراً تحت الغطاء بأهمال .. وما أثار دهشتى هو أنه كان كتاباً فى القانون ..!
عجباً ..! على حد معرفتى بالفتيات فهن جميعاً مغرمات بالروايات .. ومن العجيب أن تكون إحداهم لديها إهتمام خاص بالقانون ودراسته المعقدة ..!
على الأقل علمت عن زوجتي شيئاً .. يا للسخرية ..!

أفقت فجأة مما أنا فيه حينما دلفت إحدي الخادمات إلى الغرفة .. نهضت من مكاني فجأة فأجفلت الفتاة وتراجعت وقالت :
" أتيتُ لأضب أغراض سيدتي كما أمرت . "

قلت :
" حسناً .. "

وسارعتُ بمغادرة الغرفة والتوجه إلى غرفتي شاعراً بخجل شديد من نفسي ..
استلقيتُ أخيراً علي فراشي بعدما بدلت ملابسي وجلست لفترة أحملق فى السقف الفاتح وقد أبى النوم أن يعرف طريقه إلى عينىّ فبقيتُ فريسة للأفكار التي لا ترحم ...
وراح ذاك السؤال يتردد على عقلي بلا كلل : إلى متي سيظل وضعنا هكذا ..؟
متى ستشعر أروى بتلك النيران المُتأججة بصدري ..؟
لابد أن أصارحها بمشاعري حين تعود ..
فقط حين تعود ..


~ ~ ~ ~ ~



بعدما انصرف الجميع غط أبى فى النوم فجلست عند قدميه ورحت أتأمله وأحمد الله فى سري على أنه تجاوز تلك الأزمة على خير ..
آه .. كم أشعر بالراحة الأن ..!
لم يكن مبعث راحتي مُقتصراً على سلامة أبى فحسب .. فما يشعرني بالراحة أيضاً هو موقف معاذ اليوم معنا ..
لم أكن أتوقع أن يفعل ما فعله .. لقد أنقذ حياة أبى ؛ فلولاه ما كنا لنستطيع نقله إلى المستشفى بسرعة كما فعل .. كما أننا لم نكن لندخله مستشفى باهظة التكاليف كالتى نحن بها الأن ..
كلما تذكرت هذا شعرت بالخجل من نفسي ..
يبدو أننى أسأت فهم معاذ .. وأننى حكمت عليه حكماً خاطئاً ..
لكن .. ألم يكن هذا رداً طبيعياً على عجرفته ومعاملته الغليظة معى فى أول لقاء لنا ..؟!
كلما تذكرت هذا أشعر بالتشتت والحيرة ..
شتان بين معاذ المتعجرف الذى طردني من قصره .. ومعاذ زوجي الذى يحاول التودد إلىّ بشتى الطرق ..!

أويتُ إلى فراشى بعدما أطفأت الأنوار إلا من ضوء خفيف يبدد عتمة الغرفة ثم استلقيتُ على فراشي ووضعت ذلك الغطاء الأبيض على جسدي ثم أغلقت عينىّ فتراءت لي صورة معاذ ...
تذكرت لمسته ليدي اليوم ... آه ... ما أجمله من شعور ..!
لأول مرّة أشعر بأن لي شخص أعتمد عليه وأغلق عينىّ تماماً بأطمئنان وهو بجانبي ... ولأول مرّة أجد من يأزرني ويواسيني فى أوقات حزني ...
ابتسمت بسعادة وتنهدت براحة لم أذق لها طعماً طوال حياتي ... ورحتُ فى النوم ببساطة ...

فى تمام الثامنة استيقظت من نومي على صوت سعال شديد ..
قفزت من فوق فراشي قفزاً وهرولت إلى سرير أبى والذى كان يسعل بشدة فيما كان وجهه شاحباً يحاكي وجوه الموتي ..
أصابنى الهلع عليه خاصة حين رأيت تلك الدماء التى تلوث الشراشف وأدركت أن مرض أبى خطيراً بحق ..!

وضعت حجابي فوق رأسي كيفما أتفق وهرعت إلى الخارج لأستدعي الطبيب المناوب الذى سارع إلى أبي برفقة إحدي الممرضات ..
وأخيراً هدأ أبى وخفت سعاله واسترخى فى سريرة وتراخت جفونه بهدوء وراح فى النوم ..
نظرت إلى الطبيب بوجل وقلت :
" ما الأمر ..؟ هل هو مريض لهذه الدرجة ..؟ ألن يشفي من هذا الألتهاب الرئوي أبداً ..؟ "

لست أدرى لِم بدت لي نظرات الطبيب مقلقة .. بدا لي كأنه يشك بأن يكون مرضه غير ما نظن ..
قال :
" يبدو أن حالته خطرة فعلاً .. لست أريد أن أقلقكِ ولكن رُبما تجاوز الأمر الألتهاب الرئوي .. سنقوم بالتحليلات اللازمة لأتأكد من شكوكي أولاً . "

ولم أجرؤ على سؤاله عن تلك الشكوك ..!
شعرت بضعف شديد ينتابني فجأة .. وأصطبغت الدنيا أمامى باللون الأسود ..
أنزويت بإحدي أركان الغرفة أبكى كـ طفلة صغيرة .. تمنيتُ من كل قلبي أن يشفى أبى .. دعوت الله وتضرعت إليه ألا يكون الأمر خطيراً ..
يا رب استجب لي ..



~ ~ ~ ~ ~



أفقت من نومي متأخراً فى الساعة الثانية عشر ظهراً ..
سمعت أصوات كلاً من سالى وتولان فنهضتُ من فراشي وأرتديتُ ملابسي مسرعاً ..
لابد أن أروي استيقظت باكراً ورُبما كانت تنتظرني الأن ..
أسكت بهاتفي وطلبت رقمها فتعالى صوت هاتفها من الغرفة المجاورة ..!
يبدو أنها نسيت هاتفها هنا بالأمس ..
توجهت إلى غرفتها وحملت هاتفها ووضعته بجيب سترتي ثم غادرت الجناح فطالعني وجه تولان مباشرة ..
قالت :
" كنت آتية لأيقاظك .. فقدنا الأمل فى أن تستيقظ من نفسك .. "

استدرت متجهاً إلى السلم وأنا أقول :
" يبدو أننى استغرقت فى النوم ولم أشعر بمرور الوقت . "

قالت تولان بسخرية وهى تتبعنى :
" وماذا عن عزيزتك أروي ..؟ هل استغرقت فى النوم هى أيضاً ..؟

تجاهلت جملتها وهبطت إلى أسفل ووجدت سالي تنتظرنا برفقة أحمد لنتناول فطورنا جميعاً ..
أعتذرت لها وقلت :
" سأتناول طعامي برفقة أروي اليوم . "

وأخبرتها عن مرض والد أروي المفاجئ فأبدت أسفها لذلك فيما بدت السعادة على تولان وقالت :
" ومتى ستعود من المستشفي ..؟ "

قلت :
" ستعود وقتما يشفى والدها .. أرجو أن يكون هذا قريباً .. "

ابتسمت وقالت بنبرة ساخرة :
" لا تقل أنك أشتقت إلي عروسكَ الجميلة .. "

وأضافت بخفوت :
" على حد علمي لقد انتزعت قلبك واستبدلته بقالب ثلج . "

تجاهلت حديثها تماماً وأنصرفت متجهاً إلى المستشفي ..
مررت بطريقي إلى غرفة أروي بغرفة محمود فلم أجده فتوجهت مباشرة إلى غرفة أروي ..
وبالغرفة وجدت محمود جالساً برفقة أروي التى كانت عيناها متورمتين من البكاء ..
لم أفهم ما الذى كان يبكيها ولكني حينما ألقيت نظرة على والدها استوعبت أن حالته كما هى .. دون تحسن ..!
استأذن محمود منا وأنصرف فيما بقيت أنا وأروي وحدنا ..
سألتها :
" ما الأمر ..؟ لماذا تبكين ..؟ "

قالت أروى :
" يبدو أن مرض أبى خطير .. لقد انتابته نوبة أشد خطورة اليوم .. والطبيب قال أنه لابد أن يتم عمل بعض التحليلات حتى يتم تشخيص حالته . "

سألتها :
" ألم تقولي لى أنه مصاب بألتهاب رئوي ..؟ "

قالت بنبرة تقطر حزناً :
" رُبما تجاوز الأمر ذلك . "

قلت :
" لا أرجو ذلك .. بإذن الله سيصير بخير .. لا تقلقي .. "

نظرت إلىّ أروى برجاء كالغريق الذى يتعلق بأى شئ يبقيه على سطح الماء ..
كررت :
" سيكون بخير إن شاء الله .. وستمر هذه الأزمة ككل مرة .. "

لكن ما أخبرنا به الطبيب فى المساء بعد ظهور نتائج التحاليل جعل الأمل يخفت بقلوبنا ..
فالأمر ليس مجرد إلتهاب رئوي .. بل هى خلايا سرطانية بالرئة مُنتشرة وخطيرة ..!



~ ~ ~ ~ ~ ~

تتبــع


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:43 PM   #23

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

21
: : : حائرة : : :





حينما وصلت إلى المستشفى ودلقت إلى الجناح الخاص بوالد أروى رأيتها - كـ المعتاد فى الأونة الأخيرة - تغوص بإحدي المقاعد الوثيرة ، تغلفها هالة من الصمت والحزن ..
نظراتها الشاردة تهيم بأرجاء الغرفة فى وجل وتستقر فى النهاية على ذلك الكهل النحيل الذى لا يكاد المرء يميز بين صحوته ونومه ،، فهو فى الحالتين مُسبل العينين شاحب الوجه لا يقوى على التكلم ..!
مرت عشرة أيام على دخول والد أروى المستشفى وبدأت حالته فى التدهور رغم العلاج المكثف الذى يخضع له والذى يقول عنه الأطباء أنه لا جدوى له بالنسبة لحالته وأن رحمة الله به هى وحدها القادرة على شفاءه .. فقط رحمة الله به ،، ونعم بالله العلى العظيم ..
أقتربت بخطوات بطيئة من أروى التى لم تبد كأنها تشعر بوجودى وأتجهت لأجلس بجانبها فى هدوء .. دون أن تلتفت لتنظر إلىّ ..
قلت :
" كيف حاله اليوم ..؟ "

أطلقت أروى تنهيدة مريرة وقالت بأسي :
" كـ كل يوم .. لا تحسن ولا أمل فى ذلك . "

قالت ذلك وأراحت ظهرها على المقعد ثم أطبقت جفونها على عينيها وأطالت الصمت ..
قلت :
" إنها إرادة الله على كل حال .. "

تمتمت بصوت يكاد يكون مسموع وهى لازالت على ذات الوضع :
" ونعم بالله .. "

كانت ترتدى رداً واسعاً قطنياً ينسدل من فوق رأسها حتى قدميها ،، لا يظهر منه سوى وجهها الغارق فى الحزن وكفيها النحيلين كجسدها ..
مددت يدي إلى يدها وربتُ عليها قائلاً :
" لابد أن تكوني أكثر تماسكاً أروى .. من أجل والدتكِ وأشقائك الصغار .. "

قالت بصوت خافت :
" أحاول بكل جهدي أن أفعل .. "

وأضافت :
" وما أصعب ذلك ..! "

فتحت عينينها وأتجهت بنظراتها إلى والدها وبدت كأنها تود أن تملأ عينيها بصورته وتختزنها بداخلها ..
ثم قالت :
" لا أتخيل أن أفقده هكذا .. لا أتخيل أن استيقظ ذات لأجدني يتيمة .. "

وألتفتت لتنظر إلىّ فجأة ثم قالت :
" أظنك تعلم صعوبة أن تكون يتيمياً ؛ فأنت جربت هذا الأمر .. "

هزتني جملتها وأصابتنى فى الصميم ..
لقد فقدت والداىّ فى حادث وأنا بعد فى العشرين من عمري ..
كنت مُتعلقاً بهما بشدّة وجاء نبأ وفاتهما بمثابة صدمة إلىّ ولشقيقتي .. خاصة حينما بدأت مطامع كل من حولي تتضح شيئاً فشيئاً ..
وبدأ الجميع يطالب بحقه فى الميراث بعدما عدنا مباشرة من المقابر .. كأن الجميع كانو ينتظرون ذلك الحدث بفارغ الصبر ..
وفى غضون أسابيع تم تقسيم الميراث على الجميع ولم يبق لنا سوي شركة واحدة فقط ،، مهددة بالأفلاس فى أى وقت ،، فما كان مني سوى أن عملت ليلاً ونهاراً حتى استطعت الوقوف على قدميّ مجدداً وأنشأت فروعاً عديدة لشركتنا التى هى الأن من أكبر الشركات فى الشرق الأوسط كله ..
ولكن .. كل هذه الأموال لا تغني عن لحظة واحدة أقضيها فى كنف والداىّ .. إنه اليتم .. فما أقساه من شعور ..!

أنتزعت نفسي من أفكاري بغتة ونظرت إليه قائلاً :
" حينما توفي والداىّ كنت وحيداً .. لكنكِ لست وحيدة أروى .. ولن أسمح أبداً بأن يتسلل إليكِ هذا الشعور طالما أنا حي أرزق .. "

حدقت بى بنظرات يغلب عليها الحيرة والشك قبل أن تهز رأسها رافضة لكلامي وتقول :
" غير صحيح .. أننى وحيدة .. بل إننى لم يسبق لى الشعور بالوحدة سوي فى وجودك بجانبي . "

صدمني حديثها كثيراً .. لم أكن أتخيل أن هذا هو شعور أروى نحوي .. لهذه الدرجة تكرهيننى يا أروى ..؟!

تابعت أروى حديثها :
" دعنى أكون صريحة معك ؛ إن زواجنا مجرد مسرحية بمجرد أن يسدل الستار تنتهى ولا يعود لها وجود .. "

وأضافت :
" كل ما بيننا محكوم عليه بالفشل إن أجلاً أو عاجلاً .. كان هذا أتفاقنا منذ البداية .. ألا تذكر ..؟ "



~ ~ ~ ~ ~



بعد انتهائي من حديثى أختلست نظرة إلى وجه معاذ المحمر ،، ونظراته الغاضبة ..!
رأيته يبسط كفه ويقبضة محاولاً السيطرة على غضبة وأعتقد أنه نجح فى ذلك فقد خرج صوته هادئاً إلى حد ما وهو يقول :
" دعينا نؤجل الحديث عن هذا لوقتٍ أخر . "

كنت أريد من حديثى السابق أن أفهم وضعي بالنسبة له .. أن أسمع منه كلمة تطمأننى .. أردت أن أسمعه يقول أنه لن يتخلى عني .. وأنه ما تزوجني لذلك السبب ..
لكنه لم يتكلم ولم يبعث بقلبي إلا بمزيداً من القلق ..
رُبما لازال يحب زوجته التركية .. ورُبما كانت عودتها سبباً فى صحوة مشاعره نحوه .. بل ورُبما تواجدي بالمستشفي أتاح له الفرصة لكي يتفقان على كل شئ ..
رُبما ..!

فى المساء أنصرف معاذ وكعادته أصطحب والدتى وأشقائى معه .. فيما بقيتُ أنا مع والدي .. أراقب أنفاسه طوال اليوم وأخشى أن أغفو للحظة فاستيقظ على فاجعة موته ..
كانت الساعة العاشرة مساء حينما مرت إحدي الممرضات على الغرفة لتعطي أبى الدواء ..
ساعدتها فى إنهاضه لكى يتسنى له شرب الدواء ثم انصرفت وبقيت أنا جالسه بجواره ،، أراقب نظراته الشاردة وشحوب وجهه وأقاوم العبرات المُختنقة بعينىّ ..
وهنا أتاني صوت أبى خافتاً وهو يقول :
" لا أريد أن أري كل هذا الحزن بعينيكِ .. أظنني سأرتاح بالموت .. فالموت راحة لي من كل شئ . "

حاولت ألا يكون صوتي مُرتعشاً وأنا أقول :
" لا تقول هذا أبي .. بإذن الله ستتحسن صحتك وتصير بخير .. إن رحمة الله واسعة . "

قال أبى :
" والموت رحمة لي أيضاً .. "

وصمت لبرهة ثم أضاف :
" أظننى فقط خائف من عقاب الله لأننى مددت يدي ذات يوم وأختلست .. ولأننى أضطريتكِ لأن تتزوجي من معاذ .. "

أطرقت برأسي أرضاً وتركت دموعي تتساقط على الأرض فى صمت فيما تابع أبي :
" لكن زواجكِ منه لم يكن خطأ كبيراً .. أظنه يحبكِ أروى .. "

رفعت نظراتي المُتفاجئة إليه فابتسم ابتسامة شاحبة وقال :
" كان كريماً معنا جداً .. لا أظنه يبعثر نقوده هباء .. هذا أكبر دليل على حبه لكِ .. "

صمت أبى لبرهة وتلاحقت أنفاسه وراح يسعل وهو يقول :
" لا تفرطي بزوجكِ وحافظى عليه .. "

هنا راح سعاله يقوي وأنفاسة تختنق فقلت بخوف :
" لا تقل شيئاً أرجوك .. أنت معتب للغاية . "

لكنه واصح حديثه بصعوبة وقال بصوت مُتقطع خافت :
" والدتكِ وأشقائكِ أمانة فى عنقك أروى .. لدي ثقة بأنكِ ستصونين أمانتي .. طالما كنت جديرة بالمسؤولية .. "

توقف أبى عن الحديث وقد انتابته حالة من السعال المتواصل ..
كنت لازلت أرتدي ثيابى الساترة فهرولت إلى الخارج لأستدعي الطبيب وكالمعتاد وقفت أراقبهم وهم يحاولون إنعاشة ويعيدون له هدوء أنفاسة ..
لكن .. هذه المرة بدت النوبة أكثر صعوبة .. وطالت مدتها أكثر من اللازم ..
وأخيراً هدأ سعاله واسترخي أبى فى نومته واسدل خفونه على عينيه .. وران الصمت التام ..!

قلت :
" ماذا ..؟ هل انتهت النوبة ..؟! "

فقابلتنى نظرات الطبيب والممرضات بنظرات يائسة وأعلن الطبيب :
" البقاء لله .. لقد توفي المريض .. "



~ ~ ~ ~ ~ ~



عدتُ فى المساء مُنهكاً فاستلقيتُ إلى إحدى المقاعد الوثيرة بغرفة المعيشة وراحت نظراتي ستسبح فى الغرفة الواسعة والأثاث .. وكان تفكيري أبعد ما يكون عن ذلك ..!
كنت محبطاً للغاية بعد حديث أروى اليوم .. وبعد ما أبدته نحوي من شكوك ومخاوف وعدم ثقة ..
كنت أتمني أن يكون رأيها بي مختلفاً وأن تكون هذه الأيام قد أعطتها ولو نفحة ثقة بي .. ولكن يبدو أنني كنت مخطئاً فى البداية حين قررت أن أضغط على أروى لكى تتزوجني ..
ولكن .. لم يكن لدي خيار أخر .. كانت ستتزوج بمجرد أن يخرج والدها من السجن .. ولو لم أضغط عليها ما قبلت الزواج وصارت زوجتي ..
هى لازالت متوهمة أننى ما تزوجتها إلا لضم أبنى إلى حضانتي .. رغم أن هذا ليس السبب على الأطلاق ..
لست أدرى كيف لم تسأل نفسها فى يوم ..؟ لماذا لم أتزوج أى فتاة أخري رغم مقدرتي على ذلك ..؟ لو فقط طرحت هذا السؤال على نفسها رُبما استطاعت أن تصل إلى السبب الحقيقى .. وهو حبي لها ..!
رغم أننى لست ممن يقعون فى الحب بسهولة ولكن شيئاً ما جذبنى إليها كما لم أنجذب لفتاة قبلها .. شئ ما أجبرني على أن أفعل ما فعلت لكى تصير زوجتي .. كل ما حدث لم يكن لدي فيه أى خيار .. كنت مأموراً من قلبي على ما أفعل وليتنى ما فعلت ..!
لدي شعور قوي بأنى دمرت حياة أروى ؛ فأنا سلبتها خطيبها الذى كانت تحبه وأجبرتها على الزواج مني ..
ترى هل أخطأت فى هذا بالفعل ..؟
وهل بأمكاني أن أعيد تصحيح الخطأ ..؟ وكيف السبيل إلى ذلك ..؟

أفقت من أفكاري على صوت تولان تقول :
" مساء الخير .. هل حضرت أخيراً ..؟ "

أعتدلت فى جلستي وقلت :
" كما ترين . "

قالت :
" كيف حال والد أروى ..؟ "

قلت :
" على ما هو عليه .. "

ران الصمت لفترة قبل أن تقطعه قائله :
" ومتى تنوي أروى العودة إلى المنزل ..؟ "

قلت :
" لا علم لي .. لا استطيع أن أطلب منها ألا ترافق والدها .. طالما كانت متعلقة به للغاية .. أرجو أن يشفي قريباً . "

قالت :
" أرجو ذلك ؛ فالجميع هنا متأثرون بمرض والد أروى .. فأروى متغيبة عن المنزل وسالي حزينة لأجله وأنت تعود من عملك إلى المستشفي يومياً ثم تعود إلى المنزل متعباً .. حتى أنك صرت لا ترى أحمد سوى فى المساء وهو نائم . "

قلت :
" إنه مجرد ظرف طارئ ولن يلبث أن ينتهي ذات يوم . "

ونهضت من مكاني قائلاً :
" سأذهب لأنام .. لي عملاً باكراً فى الغد . "

قالت تولان :
" لن يضيرك لو انتظرت خمس دقائق أخري .. أريد أن نتحدث قليلاً .. وأن نتوصل لحل .. "

توقفت بمكاني وقلت :
" حل لأى شئ ..؟ "

قالت :
" لهذا الوضع الذى نحن به .. "

قلت :
" تقصدين حضانة أحمد ..؟ "

قالت :
" بل أقصد وضعنا نحن .. "

فاجئنى حديثها وقلت :
" لو كان بيننا شئ يمكن أن نتحدث عنه فهو أحمد .. وغير ذلك لا أظن أنه يهمني فى شئ . "

قالت بأسى :
" لهذه الدرجة صرت تكرهني ..؟ "

قلت بنفاذ صبر :
" لست أكرهك ولا أحبكِ .. ليس لدي أى مشاعر نحوك سواء بالحب أو الكره .. "

قالت ثائرة :
" وماذا عني أنا ..؟ ماذا عن مشاعري وحياتي ..؟ لقد تقبلت فكرة أن تموت مشاعري فى ابتعادك عني لكتك بسلبك لطفلي تنهي حياتي تماماً . "

قلت :
" هل ستعودين لهذا الحديث مجدداً ..؟ لقد ظننت أننا انتهينا منه .. "

قالت :
" أنا لم أتي إلى هنا إلا لأطلب منك أن تترك لي حضانة أحمد .. هذا هو السبب الوحيد الذى أتى بى إلى هنا .. ولكني بمجرد أن رأيتك أكتشفت أننى لن استطيع أن أبتعد عنك ثانية .. "

قالت ذلك وسرعان ما أنخرطت فى البكاء ..!

قلت :
" لا تعودي للبكاء ثانية .. رجاء كفي تولان . "

قالت تولان مُنتحية :
" لم أعد استطيع الأحتمال .. أنا لازلت أحبك معاذ .. لا أتخيل فكرة زواجك .. مكانك معي أنا وليس معها هى .. إننى أم طفلك . "

قلت :
" فات أوان الحديث بهذا الأمر .. أنا لست مستعداً للتخلى عن أروى . "

كفت تولان عن البكاء وراحت تجفف دموعها وهى تقول :
" لم أطلب منك أن تتخلى عنها .. "

نظرت إليها مندهشاً وحائراً ..
قلت :
" أذن ..؟ "

فقالت :
" تظل هى زوجتك وتردني لعصمتك . "

لم أتفاجئ فقط .. لا بل صُعقت هذه المرة ..
نظرت إليه فى انتظار أن تتراجع عما قالته أو تعيده لأتأكد مما قالته ، ويبدو أنها قد قرأت أفكاري فقالت :
" دعنا نتزوج من جديد وهى لازالت بعصمتك .. بأمكاننا أن لا نخبرها .. أخبرها بأننى سافرت وأخذت معى أحمد واشتري لى منزلاً صغيراً ولا تأتي إلىّ سوي كل أسبوع مره .. سأكتفى بهذا فقط لنكون معاً .. أنا وأنت وأبننا .. أرجوك لا ترفض معاذ .. رفضك هذا قد يقتلني .. فلم يعد لدي أمل بالحياة سوي هذا الأمل .. إنه أملى الوحيد فلا تقتله .. "

لم أدرى بماذا أجيبها ..؟ وماذا يجب أن أقول ..؟
نظرت إليه .. كانت تنظر إلى بأمل وخوف .. تتوسل إلىّ بنظراتها ألا أخذلها ..
بعثرت نظراتي بالغرفة وغرقت فى التفكير .. لم يكن تفكيرى بما قالته بتاتاً .. فأنا لا يمكن أن أفعل هذا بأروى وبنفسي .. لا يمكن أن أخدع تولان وأتزوجها فى حين أن حب أروى قد ملأ قلبى بأكمله وفاض منه فلم يعد لها مكاناً شاغراً به .. لكنى كنت أفكر بطريقة أخبرها بها برفضى دون أصدمها .. ولكن لا جدوى ..!
يبدو أننى لزمت الصمت لفترة أطول مما ينبغى .. ويبدو أن تولان قد فسرت صمتي على أنه قبول فإذا بها تتجه إلى فجأة وتغمرني بزراعيها وهى تقول باكية :
" كنت واثقة أنك ستقبل .. كنت واثقة أنك مازلت تحبنى مثلما أحبك . "



~ ~ ~ ~ ~ ~

تتبــع


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:47 PM   #24

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

22

فركت عينىّ بقوة لأنفض عنهما آثار النوم ثم مددت يدى إلى الهاتف وأجبتُ الأتصال فأتانى صوت الطبيب المسؤول عن علاج والد أروى والذى قال مباشرة :
" لقد توفي المريض . "

ولم أكن بحاجة لسؤاله عن شخصية المريض ؛ فقد أتجه عقلى مباشرة إلى والد أروى ..!
قضيت فترة من الزمن صامتاً أحاول استيعاب الأمر .. فيما راح الطبيب يتمتم بعبارات التعزية ..
إنا لله وإنا إليه راجعون ..!

ارتديت ثيابى وتوجهت إلى منزل معاذ لأصطحبه معي إلى المستشفي ..
رُبما لم يصله الخبر بعد ..
لكن ماذا عن أروى ..؟
رُبما لم تبات معه اليوم وعادت إلى منزلها .. إنها لم تفارقه للحظة واحدة منذ دخوله المستشفى ورُبما قررت أن تعود إلى المنزل لتستريح قليلاً دون أن تدرى بأن هذه المرّة ستكون أخر مرة تراه فيها ..!

شعرت بمدى صعوبة نقل الخبر حينما وصلت إلى المنزل ..
لقد ذكر لى معاذ ذات مرّة أن أروى شديدة التعلق بوالدها .. رُبما لن تتحمل هذا الخبر الذى أحمله لها ..!

فتح لى أحد الخدم الباب فسألته مباشرة عن أروى فأخبرني بأنها لازالت بالمستشفى وفهمت منه أن خبر وفاة والدها لم يصلهم بعد ..
توجهت بعد ذلك إلى غرفة الجلوس حيث أخبرني الخادم بأن معاذ وتولان يجلسان بها ..
وبينما كنت أقترب من الغرفة وصلنى صوت تولان وهى تقول بتضرع :
" أخبرها بأننى سافرت وأخذت معى أحمد واشتري لى منزلاً صغيراً ولا تأتي إلىّ سوي كل أسبوع مره .. سأكتفى بهذا فقط لنكون معاً .. أنا وأنت وأبننا .. أرجوك لا ترفض معاذ .. رفضك هذا قد يقتلني .. فلم يعد لدي أمل بالحياة سوي هذا الأمل .. إنه أملى الوحيد فلا تقتله .. "

صُعقت لما سمعت وألجمتنى المفاجأة فتوقفت بمكاني وصرت عاجزاً عن السير ..
تلفتُ حولى بتوتر لأتأكد أن أحداً لم يسمع ما سمعت فلم أجد أحداً على مقربة منى ..
كان كلامها خطيراً للغاية ولم استطع أن أغض سمعي عن جملتها وأتغاضى عنها ..

أقتربت قليلاً من الغرفة وأرهفت السمع .. كنت أريد أن اسمع رد معاذ عليها ..
كان لابد أن أعرف مشاعره نحو أروى ..
رُبما هذا ليس من حقي .. لكني استبحت ذلك ووقفت لاستمع وطالت فترة الصمت بعد ذلك ..
رُبما كان يفكر بعرضها .. ورُبما سيقبل ذلك ..
لم أكن واثقاً من موافقته أو رفضه .. كنت متأرجحاً بين الأثنين .. وصدمني صوتها وهى تقول باكية :
" كنت واثقة أنك ستقبل .. كنت واثقة أنك مازلت تحبنى مثلما أحبك . "



~ ~ ~ ~ ~ ~



" محمود هنا ..؟ هل أنتِ متأكدة ..؟ "

تسألت فى دهشة حينما أقلبت الخادمة لتخبرني بحضوره والتى لم تلبث أن أكدت لى ذلك ..!
سارعت إلى داخل غرفتى وأرتديتُ ملابسي بسرعة وعناية ثم توجهت إلى غرفة المعيشة حيث أخبرتنى الخادمة أنه يجلس بها ..
وما أن دلفت إليها حتى رأيت كلاً من معاذ وتولان وحدهما .. ولا أثر لمحمود في أرجاء الغرفة بأكملها ..!

قلت بدهشة :
" أين ذهب ..؟ "

نظر إلىّ معاذ بحيرة وقال :
" من تقصدين ..؟ "

فقلت :
" محمود .. هل أنصرف ..؟ "

قلب معاذ كفيه بحيرة وقال :
" وهل أتى لينصرف ..؟! "

قلت مؤكدة :
" أجل .. أخبرتنى الخادمة أنه هنا .. "

رأيت الدهشة ترتسم على وجه معاذ وهو يقول :
" غريب هذا الأمر .. كيف يكون هنا ولم أره ..؟ رُبما كانت الخادمة مخطأة .. "

قلت وأنا أتوجه إلى المطبخ :
" سأتأكد بنفسي . "

وتوجهت إلى المطبخ حيث تلك الخادمة وحينما سألتها عن محمود قالت أنها أخبرته بأن معاذ يجلس بغرفة المعيشة وأنه طلب منها أن تنصرف وتوجه أمامها إلى غرفة المعيشة وأكثر من ذلك فهى لا تعرف ..!

تعجبت كثيراً .. ما الذى أتى به فى هذا الوقت ..؟
ولماذا أنصرف فجأة هكذا بدون سبب ..؟


فى تلك اللحظة وبينما أنا فى ذروة حيرتي أقبل معاذ نحوي وقد بدا على وجهه الحزن ثم قال لى :
" أتصلوا بى من المستشفى الأن .. "

وضعت يدى بحركة تلقائية على صدري كمن يستعد لتلقى صدمة ما ..
بينما تابع معاذ :
" البقاء لله .. توفي والد أروى .. "



~ ~ ~ ~ ~ ~



حينما وصلت إلى المستشفى كانت أروى تجلس فى الممر المؤدى إلى غرفة والدها وبجانبها يجلس معاذ ..
كانت ترتدى حجابها القطني الساتر وتجلس فى هدوء فيما كانت العبرات المُختنقة بعينيها تومض وتنذر بالبكاء ..
أقتربت منها بخطوات متباطئة ثقيلة وقد شعرت بقبضة مؤلمة بقلبي لدى رؤيتها على هذا الحال ..
لمحتنى أروى فيما كنت أقترب منها فأسرعت نحوي وهوت على صدرى باكية بحرقة .. كأنما كانت تحبس دموعها بعينيها ولم تلبث أن أطلقتها عنوة على صدري ..!
ربتت على ظهرها وحاولت أن أهدأ من حالها ثم أمسكت بيدها وأتجهت بها إلى أقرب مقعد لتجلس عليه ..
وفيما كنت أجلس بجانبها وقع بصري على محمود والذى كان يراقبنا بنظرات يغلب عليها الاستياء ..
أقتربت منه ومددت يدى إليه مصافحاً فظل يحدق بوجهى دون أن يبدو عازماً على مصافحتي ..
قلت :
" ما الأمر ..؟ "

فإذا بزفرة حانقة تنطلق من أعماق صدره ,..
تسألت مندهشاً :
" ألن تصافحني ..؟ "

أجابني بأن حرك عينيه إلى يدى الممدوة ثم عاد لينظر إلى وجهى بنظرات ثابتة خالية من أى تعبير قبل أن يمد يديه ليصافحني بفتور ..
قلت :
" هل كنت عندي بالمنزل ..؟ "

أجابنى بعد فترة :
" بلى . "

قلت :
" أتيت لتنقل إلىّ خبر وفاة والد أروى ..؟ "

فهز رأسه موافقاً ،، قلت :
" ولماذا أنصرفت أذن ..؟ "

حرك رأسه نحوى وحدق بى طويلاً ثم قال :
" كنت مشغولاً ؛ فلم أشأ أن أعطلك . "

اللعنة .. الأن أدركت كل شئ ..!
قلت :
" سمعت حديثى أنا وتولان . "

قال :
" لم تكلف تولان نفسها عناء خفض صوتها . "

أطلقت زفرة حانقة وقلت :
" الأمر ليس كما فهمت على الأطلاق . "

رفع حاجبيه بما يوحى بعدم تصديقه لي فقلت :
" لقد أسأت تولان فهمى .. لم أكن موافقاً على ....... "

قاطعني قائلاً :
" لست مضطراً لأن تبرر لي موقفك . "

شعرت بالدماء تغلى بعروقي وحاولت أن أتحكم بنبرة صوتي وأنا أقول :
" بالفعل أنا لست مضطراً لأفعل . "

وأضفت :
" ولا يعنينى إن كنت أسأت الفهم أم لا .. لا يعنينى أبداً .. "

قال محمود بإنفعال شديد :
" رُبما لا يعنيك هذا .. لكنه قد يعنى لأروى الكثير .. "

ألجمتنى المفاجأة ، فأخذت بعض الوقت لاستوعب حديثه..
وأخيراً قلت بصوت هادئ إلى حد ما :
" هل تهددنى ..؟ "

زفر محمود بقوة وأتجه بنظراته إلى أروى ثم جذبنى لنبتعد عنها قليلاً ثم قال غاضباً :
" لا يجب عليك أن تفعل هذا بزوجتك .. ألا يكفى ما هى فيه ..؟! "

نظرت إليه بحيرة ورددت عليه بغصب مماثل :
" وماذا ترانى فاعلاً بها ..؟ قلت لك أنك أسأت الفهم .. لماذا لا تصدقنى ..؟ "

قال مُنفعلاً :
" لأننى أصدق أُذنىّ .. لقد سمعت كل شئ بهما .. سمعتك وأنت تتفق مع تولان على الزواج .. "

تلفت حولى لأتأكد أن أروى لا تسمعنا ثم قلت :
" لم أرد عليها ففهمت أننى أوافق على هذا العبث .. إننى أبداً لن أقبل أن أعود إليها .. تولان كانت الماضى الذ أجاهد لأقتلاع جذوره .. "

قال مباشرة :
" وأروى ..؟ "

قلت :
" أروى هى الحاضر والمستقبل .. هى عالمي الذى أحيا له وبه .. لا توجد أى مقارنة بين أروى وتولان .. المقارنة بينهما قد تكون كالمقارنة بين السماء والأرض .. إننى أحبها بالفعل .. أحبها أكثر مما تتصور .. يجب أن تصدقنى محمود .. طالما كنت تفهمنى وتشعر بى .. "

أطرق محمود برأسه لبعض الوقت ثم لم يلبث أن رفعها ونظر إلىّ مباشرة ثم قال :
" وماذا عنها ..؟ "

نظرت إليه بحيرة شديدة وقلت :
" ماذا تقصد ..؟ "

قال مباشرة :
" أقصد مشاعرها نحوك .. هل تحبك هى أيضاً ..؟ "

أشحتُ بنظراتى عنه وبعثرتها على الأرض وعلى أى شئ يجنبنى نظراته المحاصرة ، فوقع بصرى على أروى الغارقة فى الحزن وقلت :
" دعنا نؤجل هذا الحديث ؛ فالوقت كما ترى ليس مناسباً على الاطلاق .. "

وبهذا استطعت الهرب من تلك المناقشة وأتخذت مكانى بجانب أروى فيما راح محمود يحدجنى بنظرات مبهمة أعجز عن فهمها ..!




~~~~~~~


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:48 PM   #25

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

23




فكرة العودة إلى المنزل كانت تؤرقنى فى الأونة الأخيرة خاصة لأننى كنت واثقة أن معاذ سيتحدث بشأنها قريباً جداً.. ولم يخب ظني بطبيعة الحال واضطريتُ مُرغمة وكارهة على العودة إلى المنزل.. وودعت عائلتى فى صباح اليوم التالي بفيض غزير من الدموع..
كانت هذه هى أول مرة أبتعد عنهم منذ وفاة أبى.. وكم كان فراقهم مضنياً..!
استقلينا سيارة معاذ ودموعي لازالت تومض بعينىّ وتوشك على النزول فى أى لحظة ,
معاذ كان غارقاً فى الصمت حتى أننى ظننت للحظة أنه لا يشعر بوجودى بجانبه , لكننى لم ألبث أن أزحت هذا جانباً حينما وجدته يتوقف بسيارته ثم يلتفت إلىّ قائلاً :
" ما رأيك بأن نذهب لنتناول فطورنا بإحدى المقاهي..؟ "

رفعت بصرى إليه بشئ من الاستغراب لأقتراحه هذا بينما أنا فى هذه الحالة..!
قال بمرح :
" أعرف مقهى يقدم شطاثر رائعة.. ستعجبكِ كثيراً.. "

ولما رأى ترددى قال بنبرة جادة :
" أريد أن نتحدث قليلاً أروى.. لا أظن أننى سأتمكن من هذا بعد عودتنا.. "

وأضاف :
" رغم أن المنزل كبير غير أنه أحياناً يضيق علينا.. "

قلت بإندفاع :
" رُبما وجود تولان هو سبب هذا.. فهى لا تفتأ تتنقل بين الغرف وكأنها صاحبة المنزل.. "

شعرت بالندم بعد تفوهى بتلك الجملة وأعتقد أن معاذ سيستاء منها غير أننى فوجئتُ به يبتسم ابتسامة واسعة..!
وقال :
" رُبما أنتِ محقة فى هذا الشأن.. لكن لا تقلقي.. لقد آن لها أن ترحل وتتركنا لشأننا.. ولو لزم الأمر فسوف أخبرها بهذا مباشرة.. "

وصمت لبرهة ثم أضاف :
" والأن هل نذهب لتناول الفطور..؟ "

كان المقهى الذى أختاره معاذ يطل على شاطئ البحر وكان يبدو باهظاً كما هو متوقع ,
انتقى معاذ طاولة منعزلة إلى حد ما بجانب إحدى النوافذ الزجاجية الكبيرة وراح يملى طلباته إلى النادل الذى سرعان ما انصرف ملبياً طلباته..
حينئذ ألتفت معاذ نحوى وقال :
" هل أعجبكِ المكان ..؟ "

نظرت إلى ما حولي منبهرة وقلت :
" وهل يمكن ألا يعجبنى ..؟ إنه رائع.. "

ابتسم معاذ بسعادة وقال :
" كذلك الشطائر ستعجبكِ كثيراً.. "

صمت لبرهة واسترخى بمقعده ثم راح ينظر إلى القاعة الكبيرة وأضاف :
" إننى أحب هذا المكان كثيراً.. كلما أتيتُ إلى هنا أشعر بالذكريات تكاد تنبثق من كل ركن فيه.. "

نظرت إليه بعمق.. كان يبدو حالماً وكأن تلك الذكريات التى يتحدث عنها تبعث السرور إلى نفسه..!
تسألت فى نفسي عن ماهية هذه الذكريات.. تُرى هل تكون لذكراه تلك علاقة ب تولان ..؟
انتابنى الضياع لمجرد التفكير بهذا وتدفقت الأسئلة المؤرقة إلى رأسي..
تُرى ألازال حتى الأن يحبها ..؟

أفقت من شرودى حينما انتبهت إلى أن معاذ يحدق بي.. كانت نظراته إلىّ مبهمة كالمعتاد.. أغرقتنى فى مزيد من الحيرة والضياع..
ترى بماذا تفكر الأن يا معاذ ..؟ وما معنى نظراتكَ تلك ..؟ أتحاول أن تضعنى بمقارنة مع تولان ..؟
أرجو ألا تفعل ذلك لأن هذا لن يكون عادلاً بأى حال ؛ فإن كفة تلك الشقراء الجميلة ستكون الراجحة على أى حال ..!
أتانى صوت معاذ لينتشلني من غياهب أفكاري فى تلك اللحظة ..
قال :
" ما لون عينيكِ بالضبط ..؟ "

ارتبكتُ لسؤاله الغير متوقع وبعثرت نظراتي على كل شئ فيما تابع هو :
" حتى نصف ساعة مضت كنت أعتقد أن عينيكِ بنية.. لكنها تبدو لي الأن خضراء قاتمة كلون الأنهار الضحلة فى الغابات الأستوائية.. إنه لون ساحر لم يسبق لى أن رأيت مثله من قبل.."

شعرت بوجنتىّ تتوهجان وعجز لساني عن قول أى شئ.. فإذا به يبتسم ويقول :
" تبدين رائعة الجمال وأنتِ متوردة الوجنتين.. "

وأضاف بنبرة غريبة :
" إننى أحسد نفسي على أنكِ زوجتي.."

رفعت نظراتي إليه فوجدته يحدق من النافذة وقد شرد ببصره وأفكاره بعيداً..!

بعدما انتهينا من تناول الفطور غادرنا المقهى وتوجهنا إلى السيارة فجلس معاذ خلف القيادة ثم ألتفت إلىّ وقال :
" لم يسبق أن قمت بنزهة على ظهر يخت..؟ "

فاجئنى سؤاله فقلت بعد برهة صمت :
" فى الحلم فقط.. "

أطال معاذ النظر إلىّ ثم ابتسم وقال :
" أذن لنحقق لكِ حلمكِ.. "




~ ~ ~ ~ ~ ~


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:48 PM   #26

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي




~ 24 ~



شقت السيارة طريق العودة بينما كانت الشمس توشك على المغيب وقد خيم الصمت المهيب علينا فلم يقطعه سوى صوت التلاوة العذبة المنسابة من مذياع السيارة والتى خففت قليلاً من حدة التوتر ..!
حينما وصلنا إلى منزل معاذ أوقف سيارته بداخل الحديقة وألتفت لينظر إلىّ قائلاً :
" سأضع السيارة فى المرآب وألحق بكِ .. "

غادرت السيارة بخطوات متباطئة كأنما أحاول بهذا أن أؤجل لقائى المحتوم بتولان..
تمنيتُ من كل قلبى وأنا أقف عند الباب ألا أقابلها فى طريقى إلى غرفتى ؛ فقد كنت فى أمس الحاجة لأن أرتاح قليلاً وأرتب أفكاري المبعثرة ولكنها كانت أمنية مبتورة كتب لها ألا تتحقق.. وكانت تولان هى أول من صادفت بطريقى..
كانت فى طريقها إلى إحدى الغرف وكانت ترتدي سروالاً قصيراً وقمصياً عارى الأكمام مما أثار غضبي وزادني حنقاً..
توقفت تولان عن السير ورمقتنى بنظرة يغلب عليها الاستياء ثم قائلة بنبرة ساخرة :
" ها قد أتيتِ أخيراً.. كنا ننتظر قدومكِ منذ الصباح.."

رددتُ عليها :
" نعم.. كنا سنحضر فى الصباح ولكن قررنا أن نقوم بنزهة باليخت وأن نستمتع بالهدوء الذى نفتقده هنا.. "

أعتلاها الغضب بشكل واضح وهمت بقول شيئاً ما غير أننى سبقتها قائلة :
" تعلمين أن المنزل يضج بالخدم ومن الصعب أن نحصل على بعض الخصوصية بمنزلنا.."

أحتقن وجهها بالدماء وراحت ترشقنى بنظرات حادة غاضبة وشعرت بأن ثورتها تكاد أن تنفجر بوجهى فى أى لحظة غير أنها لم تلبث أن ابتلعت غضبها دفعة واحدة ورسمت على شفتيها ابتسامة واسعة حينما دلف معاذ إلى المنزل وقالت :
" أذن فقد قضيتم وقت طيب باليخت.. كم يسعدني هذا..! لكن كان يجب أن تخبرونا بهذا لكى لا نقلق عليكما.. أتصلت بكما مراراً وكان هاتفكما مغلقاً.."

رد عليها معاذ بحدة :
" لم نشأ أن يزعجنا أحداً.. كان يوم خاص بي أنا وزوجتي وحدنا.."

قالت تولان بنبرة خافتة :
" شئ جميل.. على أى حال أعتقد أنه من الأفضل أن تصعدا لترتاحوا قليلاً ؛ فبعد عدة ساعات قليلة سيحضر محمود وميار وبعض الأصدقاء ليقومون بتعزية أروى.."

هتف معاذ محنقاً :
" ومن أخبرهم بأن أروى ستعود إلى المنزل اليوم ..؟ "

قالت :
" لقد سألوني عنها فأخبرتهم بهذا و........ "

قاطعها معاذ ثائراً :
" ما كان يجب أن تحددى معهم موعداً دون الرجوع إلىّ تولان.. ألا ترين أننا بحاجة لأن نرتاح اليوم عوضاً عن استقبال الضيوف..؟"

ارتبكت تولان وقالت :
" لكن... أقصد... كنت أظن أنكما ستعودان باكراً.. "

قال معاذ غاضباً :
" ومع هذا كان يجب عليكِ أن ترجعى إلىّ قبل أن تقررى هذا من تلقاء نفسكِ.."

أطرقت تولان برأسها أرضاً وقالت :
" على أى حال فات الوقت على هذا النقاش.. "

رشقها معاذ بنظرة غاضبة ثم أمسك بيدى وقال وهو لازال يحدقها بنظرات غاصبة :
" هيا بنا أروى.."

وبمجرد أن دلفنا إلى الجناح حتى أغلق معاذ الباب وأتجه مباشرة إلى غرفته دون أن يتبادل معى كلمة واحدة.. كان يبدو غاضباً للغاية لذا فقررت اجتنابه وتوجهت بدورى إلى غرفتى وبدأتُ فى الاستعتاد لتلك الزيارة..
كان أخر ما أرغب به فى ذلك اليوم هو أن اضطر لاستقبال أصدقاء معاذ وخاصة فى وجود ميار ، ولكني رغماً عني اضطررتُ لذلك كارهة واستقبلت الجميع بابتسامة زائفة تحمل فى طياتها كثيراً من القلق والتوتر.. وفى أول فرصة سنحت لي تسللت إلى الحديقة الغارقة فى الظلام والسكينة.. بعيداً عن صخب حديثهم وزيفه..!
بالرغم من كل تلك المشاعر المبعثرة بداخلي وبرغم الضيق الذى يجثم على صدري بسبب وجود تولان.. وبرغم حيرتى تجاة تقلبات معاذ المزاجية.. وجدت الهدوء والراحة يتسللان برفق إلى نفسي بينما كنت اسير على العشب النادي واستمتع بعبير البنفسج الذى تزخر به الحديقة..
كم أعشق زهور البنفسج المخملية وكم يأسرني شذاها العطر..!
انحنيتُ لأقتطف بعض الزهور لأصنع منها باقة وأحملها إلى غرفتي ، وما كدت انتهى منها حتى استدرت عازمة الصعود إلى غرفتي لأضعها بإحدى المزهريات غير أننى لم ألبث أن توقفت بمكاني حينما لاحظت أننى لم أكن وحدي بالحديقة ؛ إذ أن تولان كان تقف على مقربة مني.. وذلك الظلام المخيم يحول دون رؤية تقاسيم وجهها واستنباط غرضها من تتبعى ..!

قالت :
" زهور البنفسج من أجمل الزهور.. طالما عشقت رائحتها ولونها.. "

وتقدمت نحوى خطوتين ثم تابعت :
" هل أخبرك معاذ من قبل إننى من طلبت زراعتها بالحديقة..؟ وكما ترين فهى لازالت تحتل أكبر بقعة فى الحديقة.. "

رددت عليها بحدة :
" لكننى أفضل زهور الياسمين ورُبما أعمل على استبدال زهور البنفسج بها.. "

سمعتها تطلق ضحكة قصيرة ثم تمد إحدي يديها لتتلاعب بخصلات شعرها بعصبية ثم تقول :
" حاولي.. رُبما استطعتِ بالفعل استبدالها.. على الأقل ستكون هذه هى بصمتكِ الوحيدة هنا.. ورُبما تكون الأخيرة.."

وليتها ظهرى وقلت :
" أعلم أنكِ تحقدين علىّ لأننى من تزوجت معاذ.. لذلك فلن أرهق نفسي بالرد عليكِ.."

قلت جملتى تلك وابتعدت عنها بضع خطوات ، غير أن الريح أتتنى محملة بصوتها وهى تقول بحدة :
" أذن فأنتِ صدقتِ تلك الكذبة وتظنين أن زواجكِ من معاذ سيستمر طويلاً.."

أثارتنى جملتها ولم استطع تجاهلها فألتفت إليها بحدة وصحت بها :
" بل إننى أوقن بأن زواجى منه سيستمر رغم أنف الجميع.."

فوجئت بها تضحك وكأننى ألقيت على سمعها نكتة طريفة قبل أن تقترب مني بخطوات بطيئة ثم تتوقف أخيراً على مقربة مني وتضع يدها على كتفى قائلة :
" غريب أن تقولى هذا وأنتِ تعلمين أنه تزوجكِ ليضم أبنه إلى حضانته.. "

قلت بحدة وغضب :
" هذا ما يصوره لكِ عقلك.. "

قالت مباشرة :
" أذن أخبرينى ما الذى يدفع رجل ثري مثل معاذ للزواج من أبنة أمين الخزانة المختلس..؟"

شعرت بطعنة قوية بصدري وبحثت عن أى شئ يمكننى أن ألقيه بوجهها فلم أجد إلا باقة الزهور الذى اقتطفتها والتى ألقيتها بوجهها مباشرة فما كان منها سوى أن هزت كتفيها وقالت :
" لن أعاقبكِ على هذا.. على أى حال الزهور ليست شئ مهين لأستاء إذا قذفتُ بها.. لكن مهلاً فلازال فى جعبتى الكثير لأخبركِ به.."

صحت بها :
" لن اسمعكِ.. أتركينى وشأني.."

غير أنها قالت :
" بل لابد أن تعرفي لكى لا تنخدعي أكثر من هذا بمعاذ.."

وليتها ظهرى واتجهت بخطوات واسعة إلى المنزل غير أن صوتها وصلنى رغماً عنى وهى تقول :
" لقد قرر معاذ أن يسحب دعوة حضانة أحمد وأن يرجعني إلى عصمته مجدداً.."

هزتنى جملتها وأجبرتني على التوقف بمكاني كما لو مخزون الطاقة بجسدى قد نفذ بغتة..
تابعت :
" سيشترى لى معاذ منزلاً جديداً يضمنا ثلاثتنا.. أنا ومعاذ وأحمد.. هذا بالطبع سيكون مؤقتاً.. إلى أن يتم إنفصالكما واسترجع مكاني بمنزلي.."

سمعت جملتها بوضوح غير أننى لم استطع فك طلاسمها وكأنها تتحدث بلغة غريبة عنى..
تابعت :
" لو كنت بمكانك لقررت أن أنسحب بكرامتي قبل أن أطرد.. أنصحك بأن تفكري بحديثى وأن تفعلى بنصيحتى.."

سمعت صوت حذائها يدهس العشب والأزهار المنثورة عليه وشعرت بكتفها يصطدم بكتفي بقوة وحقد ثم رأيتها من خلف دموعي المغرورقة بعينىّ وهى تتجه إلى الداخل بخطوات واثقة.. كأنها قد حققت غايتها وحطمت قلبي إلى إشلاء متناثرة..
وانتهى كل شئ..!


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:49 PM   #27

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي






25



وقفنا جميعاً نودع ضيوفنا فى الباحة الأمامية للمنزل.. وجميعاً هذه أعنى بها أنا وأروى وسالي فقط ؛ فتولان كانت مختفية بمكان ما.. ولا أعلم ماذا تفعل وحدها بالضبط ..؟ وكذلك لست مهتماً بأن أعرف..!
بعدما انصرف الجميع قالت سالى وهى تدلف إلى داخل المنزل :
" أشعر بالنعاس.. سأذهب إلى غرفتي لأنام على الفور.."

كانت الساعة تناهز الحادية عشر فقلت بدورى :
" ونحن كذلك سنذهب للنوم.."

وبينما كنا متوجهين إلى السلم خرجت تولان من غرفة الجلوس تترنح قائلة :
" إلى أين ستذهبون..؟ "

أجابتها سالى وهى تتثائب :
" سنذهب للنوم.. تصبحين على خير.."

قالت تولان مستنكرة :
" فى هذا الوقت المبكر.. إن الساعة لم تتجاوز الحادية عشر.. سهرتنا ستبدأ الأن.."

لم أتمالك نفسي وصحت بها :
" أى سهرة تلك التى تتحدثين عنها..؟ ألا تلاحظين أن أروى حزينة لوفاة والدها..؟"

ألتفتت تولان لتنظر إلى أروى ورمقتها بنظرة ضيق ثم قالت :
" فلتصعد هى إلى غرفتها إن شاءت ونكمل نحن سهرتنا.."

فقدت السيطرة على نفسي تماماً وتركت يد أروى ثم توجهت إليها صارخاً :
" اسمعى تولان.. إذا كان يجب عليكِ أن تبقى بهذا المنزل فيجب عليك أن تحترمي صاحبته وأن تراعي مشاعرها قبل أى شـئ و............."

بترت جملتى فجأة حينما أقتربت من تولان وشممت رائحة الخمر التى تفوح منها..
شعرت بنيران الغضب تضرم بصدري ومددت يدى لأقبض على زراعها وأعصره بين يدي بقوة وأنا أصيح بها :
" اللعنة عليكِ.. كيف تجرؤين على إدخال الخمر إلى منزلي..؟ أخبرتك مراراً أننا لا نتحمل عاداتك القبيحة تلك.. "

همت تولان بقول شيئاً ما غير أنها راحت تسهل بقوة فلم تستطع الكلام..
صرخت بها غاضباً :
" لقد صرتِ فعلاً لا تطاقين.. ولست مضطراً لأن أحتملكِ أكثر من هذا.. فلتعودي من حيث جئتِ أو تذهبين إلى الجحيم نفسه.. المهم أن تتركى منزلي هذا وأن تغربي عن وجهى.."

تقدمت سالى منى عدة خطوات تناشدنى أن أتركها قائلة :
" أتركها الأن.. إنها ليست بوعيها وأخشى أن يستيقظ أحمد على صوتكما ليراها بهذا الشكل.."

أفلتت زراعها من قبضتى فراحت تترنح فى وقفتها فتقدمت سالي لتدعمها وتمسك بها قبل أن تسقط..
قلت موجهاً حديثي لتولان :
" حسناً.. لنا حديث طويل غداً.."

ثم نظرت إلى سالى قائلاً :
" ساعديها فى الذهاب إلى غرفتها.."

توجهت بعد ذلك إلى الجناح فتبعتنى أروى إلى الداخل صامتة..
ألقيتُ بنفسي على أقرب مقعد ورحت ألهث بقوة وأجاهد لألتقاط أنفاسي فيما راحت عينىّ ترقبان أروى التى كانت منشغلة فى إغلاق باب الجناح ثم راحت تتقدم منى بخطوات بطيئة مترددة إلى أن توقفت أمامى..
كانت تشبك يديها بتوتر وتنظر إلىّ مترددة ووجلة..!
مددت يدى وأمسكت بإحدى يديها فما كان منها إلا أن جثت على ركبتيها بجانبى ورفعت رأسها لتنظر إلىّ قائلة :
" هل أنت غاضب منى..؟ "

تعجبت وقلت :
" ولماذا أغضب منكِ..؟ "

قالت بتردد :
" لأننى صرت حملاً عليك ولأن وجودى هو السبب في.......... "

قاطعتها قبل أن تكمل جملتها :
" أنتِ لست حملاً علىّ قط.. تولان هى التى تثقل كاهلي.. لقد صارت غير محتملة على الأطلاق.."

أطرقت برأسي أرضاً لبعض الوقت ثم تابعت :
" لابد أن أضع حداً لوجودها هنا.. لقد طالت زيارتها أكثر مما ينبغى.."

اكفهر وجه أروى وحدقت بى بنظرة مبهمة ثم قالت :
" هل حقاً تريدها أن ترحل ..؟"

تعجبت من سؤالها ودققت النظر إليها محاولاً استباط ما وراء سؤالها فحلقت بنظراتها بعيداً..
ترى هل تراني أروى أكاد أطير من فرط سعادتى لوجود تولان بمنزلي..؟ ألم تلاحظ قط مدى ضيقى بوجودها..؟
قالت أروى لما استبطأت ردي :
" لماذا لا تجيب..؟"

قلت :
" لأن سؤالكِ غريب فعلاً.."

قالت بضيق :
" إذا كنت لا تريد الأجابة فأعتبرنى لم أسألك.."

قلت مستعجباً :
" ولماذا لن أريد الأجابة..؟ ظننت فقط أنكِ تعرفين.... "

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" أنا لا أعرف أى شئ.. ولست واثقة من أى شئ.."

قلت :
" أذن.. هل ستصدقينني إذا أخبرتكِ ..؟"

بعثرت نظراتها هنا وهناك كأنما تبحث عن شئ ما ، ثم قالت :
" أجل.. "

قلت :
" إننى لا أكاد أطيق وجودها بمنزلي.. "

قفزت نظرات أروى لتقع على وجهى مباشرة ، مستنكرة وغير مصدقة فى آنٍ واحد كأنما كانت تنتظر جواباً أخر غير هذا..!
تابعت :
" بل إننى انتظر يوم رحيلها بفارغ الصبر.. وأتمنى أن ترحل اليوم قبل غداً.."

أطرقت أروى برأسها بعد ذلك ولاذت بالصمت لبعض الوقت..
قلت :
" هل تصدقيننى ..؟"

فلم يأتِنى رداً على سؤالي..
قلت :
" أقسم لكِ أن هذه هى الحقيقة.. إننى فعلاً لا أريدها بمنزلي.. إنها ذات طباع سيئة وعادات أسوأ.. لقد أخطأت خطأ كبيراً بزواجى منها.. وللأسف فهو خطأ غير قابل للإصلاح ؛ فنحن يربطنا طفل صغير.. وسيظل يربطنا طوال العمر.."

أعتقد أن ردى هذا لم يعجب أروى ؛ فقد بدا عليها الاستياء الشديد بعدما انتهيتُ من جملتى ، وإذا بها تنهض فجأة من مكانها وتقول بثورة عارمة :
" إذن ما رأيك بأن تعيدها إلى عصمتك مجدداً طالما أنك لن تستطيع التخلص منها بجميع الأحوال.. على الأقل لكى يتسنى لكما تربية أبنكما معاً.. "

تفاجأت من كلامها وحدقت بها مندهشاً وغير مصدقاً.. ولم يجد لساني ما ينطق به على أى حال..!

قالت أروى فجأة :
" سأذهب للنوم.. تصبح على خير.."

وقبل أن أعترض على ذهابها أو حتى أجيب تحيتها كانت قد دلفت إلى غرفتها واغلقت بابها.. بل وأصدته أيضاً.. وهو أمراً زادني غضباً فوق غضبي..!
أعدتُ التفكير فى جملتى مراراً وقلبتها فى عقلي من جميع الجهات لأعرف ما الذى سبب لها الضيق هكذا غير أننى لم أتوصل لحل على الأطلاق..؟!


~ ~ ~ ~ ~ ~


مجرد أن يقرن معاذ اسمه بتلك الشقراء يسبب لى ضيق شديد.. فما بالكم به وهو يقول لى أن ثمة طفل يربطهما معاً إلى الأبد..؟
بعيداً عن ماهية تلك الرابطة.. فإن أى أشارة لأن هناك رابط ما بينهما يكاد يرسلني إلى الجنون..
أعتقد أننى بالغت كثيراً فى استيائى.. وأننى تسرعت كثيراً فيما قلته لمعاذ لكننى لم استطع السيطرة على إنفعالاتي بطبيعة الحال..!

حاولت النوم تلك الليلة لكننى كالمعتاد ظللت أتقلب فى فراشي طويلاً دون أن يطرق النعاس بابي واستسلم له..
كانت أفكارى مشوشة وعاصفة.. وكنت مكبلة اليدين أمامها فراحت تتلاعب بي وتتقاذفني طوال الليل.. حتى الساعات القليلة التى قضيتها فى النوم كانت أحلامى تمتزج بأفكاري.. وكانت كلها تدور حول تولان..
تباً لها.. لقد أقتحمت المنزل وأقحمت أنفها في كل كبيرة وصغيرة فيه كأنها هى صاحبته.. حتى إنه وصلت بها الجرأة لأن تقتحم أحلامى أيضاً..!
استيقظت باكراً جداً فى اليوم التالي ورغم هذا فقد وجدت أن معاذ قد سبقنى فى الاستيقاظ وهبط إلى الأسفل..
مررت فى طريقى بغرفة الجلوس فوجدتها خالية إلا من إحدى الخادمات والتى كانت منهمكة فى تنظيفها..
سألتها عن معاذ فأخبرتنى بأنه بغرفة المكتب.. شئ طبيعى أن يكون بغرفة المكتب لكن الغير طبيعى أن تكون تولان معه أيضاً وهذا ما أخبرتنى به الخادمة.. وهذا أيضاً ما جعلنى أسارع بالذهاب إليهم..
كان الباب مغلق حينما وصلت إلى المكتب فجن جنوني وسارعت بإقتحام الغرفة دون إستئذان وما كدت أفعل حتى أدركنى الندم ؛ فقد كان معاذ وحيداً بالغرفة يطالع إحدى الكتب ولا أثر لتولان بالغرفة على الأطلاق ..!
قال معاذ باسماً :
" صباح الخير.."

شعرت بالخجل من نفسي وتوهجت وجنتىّ خجلاً ثم أجبتُ تحيته بصوت خافت وقلت :
" أخبرتنى الخادمة أنك هنا وأن.......... "

أزدردت ريقى ثم تابعت :
" وأن تولان برفقتك.."

أغلق معاذ الكتاب الذى كان يطالعه ثم قال :
" أجل.. كانت هنا وأنصرفت لتوها.. "

ونهض من مكانه وأقترب منى بضع خطوات ثم قال :
" إنها بغرفتها تضب أغراضها.."

تفاجأت وابتهجت فى آن واحد وصحت فرحة :
" حقاً..؟ هل ستعود بلدها..؟"

صمت لبرهة ثم قال :
" أجل.. سنتخلص منها أخيراً.. "

وأضاف :
" أتفقنا أن تأخذ معها أحمد وسنستمر فى القضية ونرى ماذا يمكن أن يحدث..؟"

تعجبت كثيراً وقلت :
" هل ستتركها تأخذه ثانية ..؟ "

قال :
" مؤقتاً.. إلى أن يحكم القاضي لى.. المهم أنها ستذهب الأن.. هذا ما يهمني.."

بعد فترة من الزمن أقبلت تولان وبرفقتها الصغير وقالت لمعاذ :
" لقد صرنا جاهزين.. هل ستطلب من السائق أن يقوم بتوصلينا أم..... ؟"

قاطعها معاذ قائلاً :
" سأقوم بتوصيلكما فى طريقى إلى الشركة.."


~ ~ ~ ~ ~


أخيراً تخلصت من الشقراء وصار المنزل خالياً.. ياله من خبر رائع استهل به صباحى..!
أردت أن أذهب لأخبر سالى بهذا الخبر العظيم لكنها كانت لاتزال نائمة ، فقررت أن أجلس لأشاهد فيلماً حتى تستيقظ من نومها.. ولم تكد تمر نصف ساعة حتى وجدت سالى تدلف إلى الغرفة قائلة :
" هل ما سمعته صحيح..؟ هل قررت تولان العودة إلى بلدها حقاً..؟ لقد كدت أفقد الأمل فى هذا.."

ابتسمت وقلت مازحة :
" أطمئنى.. إنه خبر صحيح بدرجة مائة فى المائة.. لقد تخصلنا منها أخيراً وذهب معاذ ليوصلها ويطمئن على ذهابها وأنها لن تعود ثانية.."

أعدت تشغيل الفيلم فيما راحت سالي تتصفح إحدى مجالات الأزياء التى كانت تولان تتابعها بشغف حتى أصابها الضجر فألقت بها جانباً وقالت :
" ما رأيك بالذهاب إلى النادي..؟ اليوم ستقام مباراة لكرة القدم بالنادي.. "

وصمتت لبرهة ثم تابعت بتردد :
" وبالتأكيد فإن محمود سيحضر المباراة حتى لو كان لديه أعمالاً مهمة.. "

وابتسمت ثم تابعت :
" إنه شغوف بكرة القدم.. لا يستطيع أن يفوت إحدى المباريات بالنادي.. إننى أتعجب لماذا لم يفكر باللعب طالما هو يحبها هكذا..؟ إنه أحياناً يثير جنوني وليس حيرتى فحسب..!"

قلت :
" رُبما يفضل المشاهدة عن بعد أكثر من اللعب.."

قالت بشرود :
" رُبما.."

ثم اسندت رأسها إلى يديها ومرفقيها إلى قدميها وتابعت :
" على أى حال ليس سهلاً أبداً أن تعرفي ما يدور برأس محمود.. إنه يمتلك من الغموض ما يكفى لبلدة كاملة لو وزع عليها.. فهو لا يكاد يتحدث عن نفسه إلا نادراً.. بل إنه لا يتحدث عن نفسه إطلاقاً.."

تذكرت لقائنا الأول بذلك المقهى بباريس وتعجبت كثيراً حينما تذكرت حديثه معي وكيف أنه أخبرني يومها بأشياء كثيرة عن نفسه رغم أنه لم يكن يعرفنى بعد..
رُبما كان ما جعله يخبرنى بتلك الأشياء هو إعتقاده بأننا لن نلتقى ثانية.. هكذا يكون لقاء الغرباء.. فكلاهما على يقين بأنهما لن يلتقيا ثانية ولذلك فإن كلاهما إذا تحدث فالأمر يكون أشبه بمن يلقى بأسراره إلى البحر ليبتلعها بجوفه ولا يلفظها إلى الأبد..!

تابعت سالى بشرود :
" أحياناً أتمني لو يولينى بعض الأهتمام ويتحدث إلىّ قليلاً.. لكنه لا يكاد يشعر بوجودى.. إننى مجرد خيال بالنسبة له رغم إننا أصدقاء منذ الطفولة.. لقد تربينا معاً تقريباً ومع هذا فهو غامض معى أيضاً.."

قلت :
" أغلبية الأطباء النفسيين يفضلون الاستماع إلى الناس وهم يتحدثون عن أنفسهم وليس العكس.."

قالت :
" يقولون أن أغلبية الأطباء النفسيين هم أنفسهم مرضى نفسيين.. وأظننى أميل لهذا الإعتقاد رغم ثقتى بأنه خاطئ تماماً.."

ابتسمت وقلت :
" جملة متناقضة تماماً.."

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" ألم أقل لكِ أنه أحياناً يثير جنوني..؟!"

أطرقت برأسها أرضاً وراحت تحدق فى اللاشئ لبرهة من الوقت..
هممت بالأنسحاب إلى غرفتى غير أنها رفعت رأسها ونظرت إلىّ بتردد ثم قالت :
" أريد أن أخبركِ بشئ ما........ لكننى مترددة إلى حد ما.. ليس لعدم ثقتى بكِ.. ولكني أحياناً أشعر بأن هذا الأمر مستحيل تماماً.."

كنت أعرف تقريباً عن أى شئ تريد التحدث ؛ فقررت أن أبادر أنا لكى أشجعها على الحديث فقلت :
" تقصدين مشاعركِ نحو محمود.."

سقطت أنظارها فجأة على الأرض وتوردت وجنتاها خجلاً ثم قالت :
" هل كنتِ تعرفين..؟"

أومأتُ برأسى قائلة :
" كل شئ بكِ يتغير بمجرد حضوره.. نظراتكِ.. ابتسامتكِ.. حديثك.. وحتى صمتكِ.. تبدين مضطربة فى وجودة.. ومنبهرة به كثيراً.."

قالت وهى لازالت مطرقة برأسها :
" هذا بالضبط ما أشعر به.. إنه ذو شخصية قوية وعقلية رائعة تبهرني كثيراً.. وتربكني أكثر.. "

وصمتت لبرهة ثم أضافت بأسي :
" لكنه لا يشعر بى على أى حال.. ولا أظن أن قلبه هذا قد خفق لفتاة قط.. أو سيخفق يوماً ما.. إنه حب بائس أتمني التخلص منه سريعاً.."

قلت :
" أذن لا تستسلمى وقاومى مشاعركِ نحوه بكل قواكِ.. "

أطلقت تنهيدة قصيرة ثم قالت :
" ليتنى استطيع.."

قلت مُشجعة :
" ستستطيعين.. فقط أبدأى من الأن ولا تلتقى به ولو مصادفة.. هذه هى أول خطوة وستكون أصعب خطوة كذلك.. وبمرور الوقت ستكتشفين أن مشاعركِ نحوه خبت وماتت.."

بدا عليها التفكير العميق فلم أشأ أن أقطع تفكيرها وتسللت عائدة إلى غرفتى وكلى ثقة بأنها لم تشعر بغيابي..!




~ ~ ~ ~ ~

تتبـــــع


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:51 PM   #28

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

26



لم أكن بحاجة لأن تخبرني سالى عن مشاعرها نحو محمود ؛ فقد كانت مشاعرها تكاد تنبثق من عينيها ، وتمتزج بكل لمحة من ملامحها ..؛
فالمرأة - أى مرأة - مستحيل أن تنجح فى إخفاء مشاهرها تجاه من تحب ، وإن فعلت فبمجرد أن تلتقي بمن تحب تنخلع عنها قوتها دفعة واحدة ولا يعد هناك مجال سوى للضعف الأنثوي المعروف ..!

رغم أن ما قلته لها كان قاسياً بعض الشئ غير أننى كنت بداخلي أشعر بعطف شديد عليها وعلى حالها التعس..؛ فأنا أعرف صعوبة أن تكون مشاعرك كلها تتجه إلى شخصاً لا يبادلك مشاعرك.. وكيف لا أعرف ذلك وأنا غارقة به حتى أُذنيّ..؟
ليتنى استطيع تطبيق نصيحتى لسالى والابتعاد عن معاذ بدوري.. ليتنى أتمكن من إنتزاع حبه من قلبى ومن كل خلية حية بجسدي.. ليتنى أنساه..!

تركت سالي فى زوبعة أفكارها وتناقضات مشاعرها وانسليت عائدة إلى غرفتى ثم استلقيت على الفراش وحدقت بالسقف فهاجمتنى الأفكار ببراثنها وراحت تلقينى وتلقفنى دون أن أملك شيئاً حيالها..!
فى الأونة الأخيرة عرفت معاذ أخر غير ذلك الذى طردني من منزله وأرغمني على الزواج منه..؛ فهذا الذى أراه الأن هو شخص يختلف عنه تماماً.. أو رُبما هو لم يختلف وأنا التى أختلفت كثيراً عن ذى قبل..؛ فتلك العينين لم تعد تبصره ذلك القاسي المتعجرف.. بل لقد صرت أراه متواضعاً وطيب القلب إلى درجة كبيرة..!
لكن.. تُرى كيف يبصرني هو..؟ ألازال يجد بي الوسيلة التى ستجعل أبنه يربي تحت كنفه..؟
ألازال عازماً على التخلى عنى بمجرد أن يضمن وجود أبنه معه..؟
أم أن لمشاعري له صدى بقلبه..؟
نهضت من فراشي بغتة ودفنت وجهى بين كفي بحنق..؛
أى هراء هذا الذى أفكر به الأن..؟ بالطبع نظرته لى لم ولن تتغير.. كم أنا ساذجة لأتصور أنه يمكن أن يكون يبادلني مشاعري..! كم أنا غبية..!
لقد كان يحب الجميلة التركية التى تملك كل شئ ينقصنى فكيف له أن يحبنى أنا..؟ كيف له أن يحب فتاة فقيرة لا تمتلك أى شئ على الأطلاق..؟
يبدو أن تواجدى فى هذا المنزل وإرتدائى لهذه الثياب اللعينة جعلنى أنسى من أكون..؟ إننى لست سوى أبنة أمين الخزانة.. ذلك الرجل الفقير الذى لا يملك سوى قوت يومه.. وهو صاحب هذا القصر العظيم ورجل من عائلة راقية لا تحلم بمصافحته أجمل الفتيات وأكثرها ثراءاً..!

غادرت غرفتى بحثاً عن سالي.. وهرباً من غياهب أفكاري التى تكاد ترسلني إلى الجنون ، ومن ذلك الجرح الغائر بقلبي والذى لا شفاء له على ما يبدو..!
رباه ما الذى أتى بى إلى هذا القصر..؟ ليت قدميّ شلتا قبل أن أخطو أول خطوة بهذا المنزل..! ليتنى لم أقبل بعرض معاذ ذلك اليوم..! ليت معاذ يتركني أمضى إلى حال سبيلي ويكمل هو حياته كما يشاء..! بل ليت القضية اللعينة تنتهى حتى يتسني لى الأنفصال عنه..!
أدركني خوف شديد بمجرد تفكيرى بالأنفصال عنه.. ترى هل سأستطيع أن ابتعد عنه..؟ وهل سأنساه..؟
سحقاً.. كيف استطاع أن يتغلغل حبه بقلبى إلى هذه الدرجة..؟
أشعر أننى بدونه سأكون كالسمكة التى أخرجت من المياة وباتت عاجزة عن التنفس..!

أفقت من أفكاري حينما وصلت إلى غرفة الجلوس ورأيت سالي جالسه بها وتتحدث بالهاتف.. ومن تورد وجنتاها أيقنت أنها تحادث محمود.. وأنها مثلي تصارع قلبها بلا أمل فى أن تتلقى طوق النجاة..!

قالت بعدما انتهت من المكالمة :
" هو من أتصل بي.. أنا لم أحادثه..! "

كانت خجلة ومضطربة ، فصمتت لبرهة ثم تابعت بتردد :
" إنه يؤكد علىّ الحضور إلى المباراة.. "

ومطت شفتيها ثم بعثرت نظراتها على الأرض وأتمت جملتها :
" لم استطع الرفض بطبيعة الحال.. كان مُصرّاً على أن أحضر.. لقد تحججت بأنكِ ستكونين وحدكِ بالمنزل فقال لي دعيها تأتي معكِ.."

قلت باندفاع :
" لِم لا..؟ إننى بحاجة لاستنشاق هواء نقي.."

ذهبت سالي لتحضر السيارة من المرآب فيما وقفت بانتظارها بالحديقة.. كانت أشعة الشمس دافئة ورائحة الزهور والعشب النادي تعبق المكان غير أننى شعرت بها تخنق أنفاسي أكثر وأكثر.. وكلما تذكرت ذلك اليوم المشؤوم ووجه تلك الشقراء الذى كان يختفي تحت الظلام كلما شعرت بخنجر حاد ومسنون ينغرس بقلبي يؤلمني..

بينما كنت غارقة بأفكاري إذا بسيارة معاذ تتوقف أمام المنزل وإذا به يغادرها متجهاً نحوى بخطوات واسعة..
قال وهو ينقل بصره إلى حقيبتى :
" كنتِ على وشك المغادرة..؟"

حاولت أن أجيبه ولكن صوتي أختنق بحلقى من المفاجأة ومن فرط إرتباكي ، فأكتفيت بالإيماء برأسي وحرت فى تفسير نظراته.. أهى نظرة غضب أم أننى توهمت ذلك..؟
قال :
" إلى أين تنوين الذهاب..؟ "

قلت :
" إلى النادي.. سأذهب برفقة سالي.."

قال بنبرة غريبة :
" عظيم.. أتمني لكِ يوماً سعيداً.. "

واستدار وخطا خطوتين ثم توقف قبل أن يخطو الثالثة واستدار عائداً إلىّ..
دققت النظر إليه فى انتظار ما سيقوله ، غير أن سالي تقدمت منا بسيارتها ولوحت لنا فأتجهت نظراته إليها وقال :
" حسناً.. إنها فى انتظاركِ.."

وليته ظهرى واتجهت نحوها بضع خطوات فاستوقفنى نداءه ، وحينما استدرت لأنظر إليه قال :
" انتبهوا لأنفسكم جيداً.."

وكالمعتاد تعثر صوتي بحلقى ولم أملك سوى الإيماء برأسي..


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:54 PM   #29

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي

27

كانت الساعة تناهز الحادية عشر حينما سمعت هذا الطرق الخفيف على باب غرفتي..،
توقعت أن يطالعني وجه معاذ فيما كنت أفتح الباب لكن خاب توقعي..؛ فالطارق لم يكن سوى سالي والتى بادرتنى قائلة :
" ننتظر قدومكِ منذ وقت طويل.. ألن تهبطي لتناول العشاء..؟ "

لدى ذكر سالي للطعام تحركت أمعائي وصدرت عنها صرخة جوع ، فتذكرت أننى لم أتناول طعام الغداء إلى الأن..!

سألتها :
" هل معاذ بالأسفل..؟ "

أومأت برأسها إيجاباً ثم قالت :
" طبعاً.. إنه ينتظرنا الأن.. "

قلتُ :
" أذن سأضع حجابي وألحق بكِ.. رجاء لا تنتظروني وتناولوا طعامكم لحين حضوري.."

ارتديت حجابي على عجل ووضعته على رأسي كيفما أتفق ثم سارعت إلى الأسفل..
كنت أخشى أن يذهب معاذ إلى أى مكان قبل أن ألتقى به.. وكان متوقعاً أن يختفي كما هو الحال منذ حديثنا الأخير..!

حينما دلفت إلى غرفة الطعام أرسل معاذ نظرة خاطفة تجاهي ثم حاد عنها بسرعة وأنشغل فى تناول الطعام..
ألقيتُ التحية فلم يأتِنى سوي صوت سالي تجيب تحيتي..!

اتجهت لأجلس بهدوء فى مكاني المعتاد بالمقعد المقابل لمعاذ والذى كان يتحاشى النظر إلىّ متعمداً..
نظرت إلى أطباق الطعام الخاصة بي والتى كانت تمتلئ بالأصناف التى أحبها غير أن إهمال معاذ صرفني عن الطعام.. ومعدتي التى كانت تصرخ منذ قليل انقبضت وأعلنت رفضها لأى طعام..!

وكمحاولة لاستدراج الحديث معه قلت :
" بحثت عنك طويلاً اليوم.. هل كنت بالخارج..؟ "

فقال بإقتضاب :
" أجل.. وعدت لتوى.."

قالت سالي حينئذ :
" بالمناسبة.. لقد اتصل محمود منذ ساعة تقريباً.. كان يسأل عنك.."

وجه معاذ نظراته إلى سالي وسألها بإهتمام :
" ولماذا لم يتصل على هاتفي..؟"

قلت بإندفاع :
" لقد كان هاتفك مُغلقاً.."

وحينما وجه كلاهما النظر إلىّ استطردت موجهة حديثى لمعاذ :
" اتصلت بكَ مراراً اليوم ولكن دون جدوى.."

أشاح بوجهه ونظراته عني ولم يكلف نفسه عناء السؤال عن سبب اتصالي ، أنما قال موجهاً حديثه لسالي :
" يبدو أن الإرسال ضعيف بمكتبي.."

قالت سالي بحيرة :
" لكنه كان يتصل من الشركة.. لقد أتى ليزورك فلم يجدكَ بالمكتب..! "

هز معاذ كتفيه قائلاً :
" أذن فقد وصل إلى الشركة بعد إنصرافي.."

قالت سالي بإهتمام :
" وما الذى جعلك تذهب إلى الشركة فى المساء..؟ أهناك مشكلة ما..؟"

قال معاذ وهو منهمكاً فى تقطيع الطعام :
" كلا.. كان لدى بعض الاعمال المتراكمة فذهبت لأنهيها.. "

وأضاف مغيراً مجرى الحديث :
" بالمناسبة.. كيف كانت المباراة اليوم..؟ "

ابتسمت سالي قائلة :
" عليك بسؤال محمود فهو من يستطيع أن يخبرك بأدق التفاصيل..؛ فأنا فكما تعلم لا أهتم كثيراً بكرة القدم ومتابعتي لها ليست سوى تحت ضغط شديد منه.."

تساءل معاذ فى دهشة :
" هل كان محمود هناك اليوم..؟"

تلاشت ابتسامة سالى وطغى عليها الارتباك فيما كانت تجيبه :
" طبعاً كالمعتاد.."

انشغلت سالى بعد ذلك فى تناول طعامها بينما راح معاذ يراقبها وفى عينيه نظرة حرتُ فى تفسيرها..
لوهلة قصيرة جال بخاطري أن معاذ قد يكون على علم بمشاعر سالي نحو محمود غير أننى لم ألبث أن أزحت هذا جانباً..؛ فلو كان يعرف بمشاعرها ما كان ليدعوه إلى بيته فى كل مناسبة لكى لا تتمادى أخته فى مشاعرها أكثر من هذا..

انتهت سالى من تناول طعامها وانصرفت إلى غرفة المعيشة فى حين بقيتُ وحدى مع معاذ الذى لم يلبث أن أزاح أطابقه جانباً وهم باللحاق بها غير أننى استوقفته قائلة :
" هل انتهيت من تناول طعامكَ هكذا سريعاً..؟ "

فقال :
" الحمد لله.."

قلت وأنا احدق بأطباقه الممتلئة :
" أنك لم تأكل شئ تقريباً.."

هز كتفيه قائلاً :
" لقد شبعت على أى حال.."

أطلقت زفرة حانقة وقلت :
" لو كان وجودي يزعجك لهذه الدرجة فسأنهض لكى يتسنى لك إكمال طعامك.."

رماني بنظرة غاضبة وقال :
" ولماذا يزعجني وجودكِ..؟ أكملى طعامك ولا تتفوهى بهذا الكلام السخيف ثانية.."

شعرت بالإهانة لجملته فنهضت من مكاني وانصرفت إلى غرفتي وعكفت على قراءة إحدى الروايات ، وأشك فى أننى استوعبت حرفاً واحداً منها فقد كان عقلي منشغلاً ب معاذ..
لست أدري إلى متى سيظل غاضباً مني..؟

انتظرت عودته إلى الجناح لا لشئ سوى لأطمن بأنه بالغرفة المجاورة لي.. كنت انتظر سماع باب الجناح يفتح غير أن الصوت الذى سمعته كان صوته مكابح السيارة بالأسفل فسارعت بالنظر من النافذة لأرى سيارة معاذ تنطلق بسرعة إلى حيث لا أدري..!
تُرى أين ذهب فى هذا الوقت..؟ لقد انتصف الليل وعم السكون وشمل كل شئ تحت كنفه وصارت الطرقات شبه خالية من المارة..!
رُبما كان يتجول فى الطرقات بلا هدف.. أو رُبما سيلجأ إلى البحر ليشكو له ضيق صدره..
أو رُبما كان هدفه فقط الابتعاد عني.. ليستنشق أكبر قدر من الهواء النقي ، الخالي من أنفاسي..!
شعرت بضيق شديد يجثم على صدري وقررت أن انتظر عودته ليكون أول من أفرغ عليه جام غضبي..
لقد أتى بى إلى منزله واحتجزني بين جدرانه رغماً عني والأن صار لا يطيق وجودى معه بنفس المكان..!
لكن لا.. لن أفوت هذا الأمر ، واليوم سأضع حداً رادعاً لهذا الوضع..
أرتديت ملابسي كاملة ووضعت حجابي فوق رأسي ثم حملت الرواية معي وجلست بردهة الجناح لأقرأها..
سانتظره ها هنا حتى لو تأخرت عودته إلى الصباح.. فلن يعرف النوم طريقه إلىّ قبل أن تخمد ألسنة النيران المستعرة بصدري..!


~ ~ ~ ~ ~ ~

كانت الساعة تناهز الرابعة فجراً عند عودتي إلى المنزل ..، وكان المنزل يغرق فى الصمت والظلام كما هو معهود ..؛ فالجميع هنا ينام ويستيقظ باكراً..
حينما دلفت إلي الجناح كان يغرق فى الظلام إلا من ضوء خفيف ينساب من إحدي القناديل بالردهة.. وبالمقعد الملاصق له كانت أروى تجلس وقد غلبها النعاس فنامت وهى فى وضع الجلوس..!
كانت ترتدي رداء الصلاة كالمعتاد وتغطى رأسها بالحجاب غير أن خصلات شعرها الطويل الأملس تمردت عليها وتسللت من أسفله بإصرار..!

اقتربت منها قليلاً ووقفت أتأملها وقد طفت ابتسامتي على شفتي رغماً عني..؛
كان وجهها الجميل يخلو تماماً من مستحضرات التجميل فبدت لي أصغر من عمرها..
كم هى جميلة وبريئة..!
ترى ما الذى جعلها تنام فى هذا الوضع الغير مريح..؟!
هل كانت تنتظرني فغلبها النوم دن أن تشعر..؟
كنت أعرف استحالة ما أفكر به غير أننى لم استطع أن أمنع شعوري من تصديقه..!

أفقت من تأملاتي حينما رأيتها تحرك رأسها ومن تعبيرات وجهها استطعت أن أشعر بألمها بسبب نومها فى هذا الوضع الغير مريح..
ناديتها لأوقظها حتى تذهب إلى غرفتها فلم تفيق.. كانت تنام بعمق وهدوء..!
أقتربت منها أكثر وقلت :
" أروى.. هيا أفيقى لتذهبي إلى غرفتكِ.."

وأيضاً لم تفيق أو تتحرك..!
مددت يدي إلى كتفها وهززتها برفق فانتفضت وتراجعت فى ذُعر شديد وقد فتحت عينيها على وسعهما وحدقت بي بشكل غريب ثم قالت :
" ماذا هناك..؟ لماذا أنت بغرفتي..؟"

ارتبكت بشدة وتراجعت إلى الخلف وقلت متلعثماً وأنا أشير لما حولي :
" إنكِ لستِ بغرفتكِ.. "

تلفت حولها لتتأكد من صدق قولي ثم عضت على شفتها السفلى بأسف قبل أن تنهض من مكانها وتتجه رأساً نحو غرفتها دون أن تتفوه بحرف..
لمحت ذلك الكتاب الملقى على الأرض والذى تركته سهواً وانصرفت فاستوقفتها قبل أن تغلق الباب قائلاً :
" أروى انتظري.. "

وانحنيتُ لألتقط الكتاب ثم توجهت إليها لأعطيها أياه..
شكرتني بصوت خافت وهمت بإغلاق الباب غير أننى استوقفتها للمرة الثانية قائلاً :
" لماذا كنت تنامين هكذا بهذا الوضع الغير مريح..؟"

أطرقت برأسها أرضاً وقالت :
" لا لشئ.. غلبني النعاس بينما كنت أقرأ.."

وأضافت :
" تصبح على خير.."

وهمت بإغلاق الباب غير أننى استوقفتها قائلاً :
" انتظري.."

توقفت يدها التى كانت تهم بإغلاق الباب فى منتصف الطريق ،، وكذلك توقفت عينيها على وجهي فى انتظار ما سأقوله ،، وللحظة بدا لي أن ****ب الساعة أيضاً توقفت عن الدوران..!
لم يكن لدي ما أقوله لها.. فقط أردت أن استبقيها لأطول فترة ممكنة.. أردت أن أرى عينيها تحدقان بي بتلك النظرة الناعسة..
أردت أن أشعر بوجودها بجانبي ليتلاشى شعوري بالوحدة القاتلة التى تهاجمني ببراثنها كل ليلة كلما أويت إلى فراشي وحيداً..
كان عزائي الوحيد فى هذا الوضع الغريب أنها تنام فى الغرفة المجاورة لي ولا يفصلني عنها سوى حائط واحد..، صحيح أننى لا يمكن أن أحطم ذلك الحاجز الفاصل بيننا فى أى وقت كأى زوج..، غير أننى كان لدي يقين بأن هذا الوضع لن يستمر طويلاً..
ولدي أمل قوي في أن تتغير نظرات أروى لي ، ومشاعرها نحوي ذات يوم..

أفقت على صوت أروى تسألني :
" ما الأمر..؟ "

شعرت بالخجل وتراجعت للخلف وأنا أقول :
" لا شئ.. تصبحين على خير.."

هممت العودة إلى غرفتي..، غير أن صوتها استوقفني بنداء خافت جعل كياني كله ينتفض..
قالت :
" هل نجلس لنتحدث قليلاً..؟ "

اندهشت وابتهجتُ فى آنٍ واحد لتلك المبادرة الغير متوقعة..!
قلت وقد تهللت أساريري فرحاً :
" طبعاً.."

توجهت إلى الردهة لأجلس فتبعتني إليها وجلست على المقعد الكبير فى مواجهتي..
كانت تبدو متجهمة الوجه وحزينة إلى حد كبير.. وبدأت أشعر أن الأمر ليس كما تصورت.. فهى لا ترغب فى الجلوس معي لبعض الوقت بل تريد أن تعاتبني..
انتظرت أن تبادر هى بالحديث غير أنها لاذت بالصمت لفترة أطول مما ينبغي فما كان مني سوى أن قلت :
" ما الأمر..؟ "

وكأنني بسؤالي هذا لمست وتراً حساساً بنفسها ،، وبدون أى سابق إنذار غطت وجهها بكلتا يديها وأجهشت فى البكاء المرير..!
ارتبكت بشدة ولم أدرى ماذا أفعل..،
قلت :
" ما الأمر..؟ لماذا تبكين..؟"

ولم يجيبني سوى صوت نحيبها كنصل حاد ينغرس بقلبي ويدميه..!
انتقلت لأجلس على بجانبها على المقعد الكبير وأنا أقول :
" أروى.. أرجوكِ لا تبكي وأخبريني ما الأمر..؟ "

أبعدت أروى كفيها عن وجهها وجففت دموعها بطرف كمها ثم قالت بصوت يشوبه النحيب :
" لا شئ.. فقط أشتقت لأمي وأريد رؤيتها.."

تفاجأت من ردها.. فهل أمنعها من الذهاب لزيارة عائلتها..؟
قلت :
" أذن فلتذهبي لرؤيتها غداً.."

نظرت إلىّ نظرة لم أفهمها وقالت :
" ألا تمانع..؟"

قلت :
" بالطبع لا.. ولِم سأمانع..؟"

هذه المرة نظرت لي نظرة ذات معني فاستطردت :
" كلامي ذلك اليوم لم يعني قط أننى سأمنعكِ من الذهاب إلى أى مكان.. إننى أثق بكِ قبل أى شئ.. فقط أريد أن يكون لي علم بوجهتكِ.. وأعتقد أن هذا أبسط حقوقي.."

ران علينا فترة صمت أمتزجت خلالها نظراتنا معاً..
كانت نظراتها غير واثقة من حديثي..، وكأنما كانت تتصور أننى سأسجنها خلف أسوار منزلي وأمنعها من الخروج لأى مكان..!
قلت :
" أذن غداً صباحاً سأصطحبكِ بسيارتي إلى منزل عائلتكِ.. وبأمكانكِ أن تقضي معهم اليوم بأكمله وسأمر عليكِ فى المساء لنعود معاً.."

قالت :
" حسناً.. سأذهب لأنام كى استيقظ باكراً.."

قلت :
" جيد.. وأنا أيضاً سأنام.."

ونهضت من مكاني متجهاً إلى غرفتي.. وبينما كنت فى منتصف الطريق وصلني نداءها واستوقفني..
وحينما استدرت لأنظر إليها لمحت ابتسامة ترتسم على زواية فمها ثم قالت :
" شكراً لكَ.."

وسرعان ما توجهت إلى غرفتها وتورات بداخلها ورُبما أوت إلى فراشها واستغرقت فى النوم على الفور..
أما أنا فقد طار النوم من عينى وأبى أن يزورني كالمعتاد..
آه أروى.. ماذا فعلتِ بي بالضبط..؟!


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-02-13, 12:57 PM   #30

درة الاحساء

نجم روايتي ومشرفة سابقةومصممه

 
الصورة الرمزية درة الاحساء

? العضوٌ??? » 213582
?  التسِجيلٌ » Dec 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,499
?  نُقآطِيْ » درة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond reputeدرة الاحساء has a reputation beyond repute
افتراضي



28
انتهيتُ من إرتداء ملابسي ووقفت ارتشف قهوتي بالشرفة واستنشق الهواء العليل المُحمل برائحة الزهور العطرة ، وأتأمل زهور البنفسج التى تزخر بها الحديقة كما كانت تولان تحب..!
شعرت بضيق شديد بمجرد تذكري لتلك المرأة..، وبدأت الشعب الهوائية بصدري تنقبض وتعرقل عملية التنفس وكأنما تريد أن تمنع تلك الرائحة من التغلغل بداخلي..
فكرت أنه قد آن الأوان لكي نستبدل هذه الزهور بزهور أخري.. وقررت قراراً مفاجئ بأن أذهب للبحث عمن يعتني بالحديقة لأطلب منه أن يعمل على قطف تلك الزهور واستبدالها بزهور الياسمين مثلاً..؛ فهى بيضاء جميلة اللون..، رقيقة الشكل..، عطرها أخاذ..، والأهم من هذا أنها ستحتل مكان زهور البنفسج..، وأننى أنا من أخترتها وليست تولان..!
غادرت غرفتي بالفعل وهممت بالتوجه إلى الأسفل غير أنني قابلتُ معاذ بالردهة ، والذى ابتسم لدى رؤيتي ثم قال :
" صباح الخير.. من الجيد أنكِ أرتديتِ ثيابكِ باكراً.."

قلت :
" لم أشأ تأخيركَ عن عملكَ.."

ابتسم وقال :
" حسناً لنتناول فطورنا أولاً ثم نغادر على الفور.."

قلت بسرعة :
" لن أتناول فطوري.. أقصد أن أمي تنتظرني لنتناول جميعاً فطورنا معاً.."

هز كتفيه قائلاً :
" لا بأس.. "

وأضاف بسرعة :
" أذن فلتجلسين معي بينما أتناول فطوري لكى تفتحين شهيتي.."

ارتبكت وقلت :
" فى الحقيقة.. كنت ذاهبة للحديقة.. أقصد.. لمقابلة المسؤول عن الحديقة..؛ فإن بعض الزهور لا تروقني وأريد استبدالها بزهور أخرى.."

وأضفتُ بتردد :
"هذا لو لم يكن لديكَ أى إعتراض..؟"

لست أدري لم أسعدت جملتي معاذ بهذا القدر ..؛ فقد تهللت أساريره فرحاً وقال :
" بالطبع لا.. أنا نفسي لا أحب زهور البنفسج وكنت أريد التخلص منها منذ وقتٍ طويل لكني لم أجد الوقت لذلك.."

هل قلت أننى أريد استبدال زهور البنفسج بعينها..؟ لا أظنني فعلت ذلك..!
شعرت بالدماء تتصاعد إلى وجهي وتحاشيتُ بقدر الأمكان النظر إلى معاذ بينما أقول :
" أظن أنا يجب أن نعمل على تجهيز غرفة للصغير لحين عودته إلى المنزل.. كما يجب مرعاة أن تكون الغرفة قريبة من الجناح الخاص بنا.."

قال معقباً :
" على أى حال أفعلي ما يروق لكِ.. وإذا كانت هناك أشياء أخري تريدين تعديلها فلا ترجعي إلىّ.. إنه منزلكِ أنتِ تفعلين به ما يروقكِ.. كما أننى لا أفهم بهذه الأمور.."

توجهت إلى الحديقة وبحثت عن المسؤول عنها وطلبت منه أن يستبدل زهور البنفسج بأكملها وأننى حتى لا أريد أن ألمح واحدة منها بالحديقة.. إنه منزلي أفعل به ما يروقني.. ألم يقل معاذ هذا..؟
بعد ذلك استقلينا سيارة معاذ وتوجهنا إلى منزل عائلتي.. كنت مشتاقة كثيراً إلى أمي فلم يكد معاذ يتوقف بسيارته حتى أمتدت يدى إلى مقبض الباب لأفتحة وما كدت أغادرها حتى وجدت معاذ بدوره قد غادرها وتوجه نحوي قائلاً:
" سألقى التحية عليهم أولاً.."

ابتسمت وقلت : " طبعاً تفضل.."

وتوجهنا معاً إلى الداخل دون أن نتبادل كلمة أخري.. وكالمعتاد لقى معاذ ترحيب حار من الجميع.. خاصة أشقائي الصغار..!
لم يطل مكوثه بمنزلنا.. فقط بقى هناك لدقائق قليلة واستطاع أن يرفض دعوة أمي بالمكوث معنا لنتاول الفطور بتهذيب ثم أشار لي بأن أرافقه إلى الباب بينما جلست أمي وأنهمكت فى إعداد المائدة..
توقف معاذ عند عتبة الباب واستدار لينظر إلىّ قائلاً:
" ما رأيكِ بنزهة ليلية فى اليخت..؟ "

قلت :
" اليوم..؟! "

قال :
" بلي.. سأمر عليكِ فى السابعة.. ما رأيكِ..؟"

ابتسمت وقلت :
" وهل أرفض عرضاً كهذا..؟ "

قال :
" عظيم.. إلى اللقاء.. "

واستدار لينصرف غير أنه لم يلبث أن توقف ثانية وألتفت إلىّ قائلاً :
" أريدك أن تحضرى جميع أوراقكِ اليوم لكى يتسني لى إدخالكِ إلى الجامعة.. فلم يتبق على بدء العام الدراسي سوى أيام.."

تفاجئتُ وابتهجت فى آنٍ واحد وقلت :
" حقاً..؟ ستقوم بتقديم أوراقي إلى الجامعة..؟"

قال مازحاً :
" بلي.. على شرط أن تكوني طالبة مجتهدة.."

ثم أضاف :
" أعتني بنفسكِ جيداً.. أراكِ فى المساء.."

~ ~ ~ ~ ~

ذهبت لأصطحاب أروى فى تمام السابعة كما أتفقنا مسبقاً.. وبينما كانت تودع عائلتها كنت أتأمل ذلك المنزل المتهالك الذى قضت أروى طفولتها به والتى لم أتخيل يوماً أن ثمة أشخاص يتحملون العيش تحت تلك الأسقف المتشققة وبين تلك الجدران المتصدعة..
تذكرت أول مرة دخلت فيها إلى هذا المنزل.. لكم شعرت بالعطف الشديد على تلك العائلة الفقيرة وذلك الرجل الذى تم سجنه بسبب مبغ تافه كهذا..!
قاطعت أرو أفكاري حينما ألتفت إلىّ وقالت :
" هيا بنا.."

قررنا أن نحضر طعاماً جاهز من إحدي المطاعم ثم نذهب لنتناوله باليخت..
وللمرة الثانية أكون وحدي مع أروى فى عرض البحر.. لا يرافقنا سوى أحلامنا.. ولا يقطع الصمت المخيم علينا سوى أمواج البحر المتلاطمة..
كانت أروى تبدو سعيدة للغاية..؛ لأول مرّة أراها مبتهجة هكذا..
وكم أسعدني هذا..!

قالت أروى بعدما انتهينا من تناول الغداء :
" أحضرت أوراقي كاملة.."

قلت :
" عظيم.. غداً سأبعث بمن يقدم أوراقكِ إلى الجامعة.."

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها وقالت :
" أريد أن أقوم بدراسة القانون.. "

قلت :
" أذن.. لكِ ما تشائين.. فقط أشيري بأصبعكِ لكل ما تشتهيه وأنا علىّ التنفيذ.."

اتسعت ابتسامتها أكثر.. تلك الابتسامة التى طالما تمنيتُ أن أراها ترتسم على شفتيها.. والتي عاهدت الله يوم زواجنا ألا أجعلها تفارق شتفيها قط..!
قالت بخجل :
" لا أدري ماذا أقول لكَ..؟ فكل الكلمات لن تكفي لشكرك.. لقد حققت لي حلم عمري.. حقاً أنا ممتنة لكَ.."

أثلجت صدري كلماتها وبعثت السرور إلى نفسي ، قلت :
" لا داعي لقول أى شئ.. إننى لم أفعل شئ يذكر.."

قالت أروى بإصرار :
" بل فعلت الكثير من أجلي.. فى الوقت الذى كنت أسئ معاملتكَ به كنت تعمل جاهداً لتسعدني.."

وصمتت لبرهة بدت خلالها مترددة مشتتة ، وراحت نظراتها ترتفع إلى وجهي تارة وتارة أخرى تنخفض إلى مستوي البحر..
وأخيراً قالت :
" كان الخطأ من البداية.. أقصد فى الطريقة التى تعرفنا بها.. "

وأضافت بتشتت فكر :
" لو كنا ألتقينا فى وقتٍ أخر.. وفى مكان مختلف.. أعتقد أن الأمور كانت ستختلف كلياً.."

وصمتت لبرهة أخري ثم أضافت بصوت هامس بالكاد ألتقطه أذنىّ :
" فقط لو لم ترغمني على الزواج منكَ.. لو كنت طلبتها بشكل مختلف.."

~ ~ ~ ~ ~

أدركني الندم حينما تلاشت ابتسامة معاذ وحل محلها استياء شديد..
أى هراء هذا الذى أتفوه به الأن..؟ ما الذى دفعني لأفسد تلك اللحظات الجميلة التى نقضيها معاً.. كم أنا غبية..!
أطرقت برأسي أرضاً وقلت معتذرة :
" أنا حقاً أسفة.. أرجوك أنسى ما قلته لتوي.."

رفعت نظراتي إليه فوجدته ينظر إلى وجهي بجدية.. وقال :
" أروى.."

ومن نبرة صوته شعرت بأهمية ما سيقوله.. وانتبهت حواسي كلها..
قال بعد برهة صمت قصيرة :
" يوم جئتُ إلى منزلكِ وعرضتُ عليكِ الزواج.. أو أرغمتكِ على الزواج كما تقولين.. لم يكن لدي خيار أخر.. كنت واثق أنِ سترفضينني لذا قلت لكِ هذا لكى تقبلين الزواج مني.. "

هتفت لا شعورياً :
" ولماذا أنا بالذات..؟ لقد قلت لي ذات يوم أن آلاف الفتيات تحلمن بالزواج منكَ وأنا واثقة من هذا بالطبع.. فلماذا لم تتزوج ميار مثلاً.. أو تعود لتولان.. أو تتزوج أى فتاة أخري..؟ "

قال معاذ مباشرة :
" كان بأمكاني لكني لم أريد الزواج بأى فتاة.. "

هنا.. توقف قلبي تماماً وكذلك توقفت عينىّ وأمتزجت نظراتي بنظراته ولم أقدر على الأشاحة عنه..
قال بصوت كالهمس :
" الفتاة الوحيدة بهذا العالم التى أردتها زوجة لي.. كانت على وشك الزواج من شخص أخر يوم قابلتها لأول مرة.. "

لم يتوقف قلبي فقط بعد جملته.. لقد توقفت حواسي كلها وكأن لكلامته وقع المخدر على جسدي..
شعرت كأن أطرافي قد شلت فلم أعد قادرة على تحركيها.. أما عينىّ فلاتزال تنظران إليه ولا أجد القوة لتحريكهما..

تابع معاذ حديثه :
" لأول مرّة أشعر بالعجز.. فأنا ولدت وحولي كل شئ يحلم به أى شخص.. تعودت أن أحصل على ما أريد وما لا أريد.. لن أنكر أن هذا جعلني أنانياً بعض الشئ.. أرفض الهزيمة والتخلي عما أرغب به.."

ثم أضاف بأكتئاب وضيق شديد :
" هذا من أسوأ عيوبي ولم أدرك هذا إلا الأن..؛ فقد أكتشفت مؤخراً أن تحقيقي لما أريد يدفع ثمنه شخص أخر.. ولكي لا يتحطم قلبي أنا حطمت قلبكِ أنتِ.. سامحيني أروى.. فأنا لم أكن عادلاً معكِ قط.. ولو كان بيديّ لأرجعت الزمن وأصلحتُ الأخطاء التى أرتكبتها بحقكِ.."

معاذ نظر إلىّ ينتظر ردى.. وأيضاً لم أقوى على الحديث.. حتى لساني بات عاجزاً عن النطق..!
بعدما فقد معاذ الأمل فى أن يسمع أجابتى وجدته ينتقل ليجلس بجانبي وقبل أن استوعب أى شئ وجدته يمسك بيدي ويحتضنها بين راحتيه ويقول بتردد وخوف :
" أروى.. أنا لست طامعاً فى أن تبادليني مشاعري تلك.. على الأقل فى الوقت الحالي.. ما أرجوه منكِ الأن هو أن تجيبني على سؤال واحد فقط.. وأرجوكِ أجيبيني بصدق.. ألازلتِ تشعرين بشئ نحو ذلك الشخص..؟ أقصد ذلك الذى كنتِ ستتزوجين منه..؟ "

أنطلق لساني فجأة يجيبه دون شعور :
" لا..! "

تغيرت قسمات وجهه من الخوف والتردد إلى الرحة والاطمئنان.. بل والسعادة أيضاً..!
شعرت بيديه تضغطان على كفي مما جعلني أفيق فجأة مما أنا فيه فسحبتُ يدى من يديه ولففت ذراعي حول جسدي ثم رحت أنظر إلى أى شئ وكل شئ عداه..
قال :
" هل تشعرين بالبرد..؟"

" أجل.. قليلاً.."

" هل ترغبين بالعودة أذن..؟ "

" لا..!"

وحينما نظرت إليه وجدته يبتسم ثم ينهض ويدلف إلى الكابينة ثم يعود حاملاً بطانية..
قال :
" نضع هذه باليخت للطوارئ.."

وأقترب مني ولفها حول جسدى ودثرني بها جيداً ثم جلس بجانبي..
رفعت رأسي إلى القمر الفضى الذى كان يرسل أشعته الفضية ويضئ اليخت وشردت بأفكاري بعيداً..
من كان يتخيل أن حياتي ستتبدل هكذا فى غضون أشهر قليلة..؛ من كان يتخيل أن معاذ الذى كنت أظنه سيسئ معاملتي سيكون سبباً فى إدخال البهجة لحياتي..؟
من كان يتخيل أن كرهي له سيتحول حباً..؟ وحياتي معه ستكون سعيدة هكذا..!
أذن فمن الممكن أن يبدأ المرء حياته تعيساً ثم يصبح سعيداً بعد ذلك..
الحمد لله..


درة الاحساء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:39 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.