آخر 10 مشاركات
نوفيــ صغار أسياد الغرام ـلا -قلوب زائرة- للكاتبة الآخاذة: عبير محمد قائد *كاملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          18 - بين السكون والعاصفة - كاى ثورب - ع.ق ( نسخة اصلية ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          1027 - القدر المشؤوم - سالي وينتوورث - د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )           »          سَكَن رُوحِي * مكتملة **مميزة** (الكاتـب : سعاد (أمواج أرجوانية) - )           »          لهيب عاشق-قلوب أحلام زائرة- للكاتبة الرائعة::هبة خاطر *كاملة+روابط* (الكاتـب : noor1984 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-04-13, 09:27 AM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 الثلوج مصيرها السيول / للكاتبة سولـــــ♥°The Lost Hope♥°ـــي ، فصحى مكتملة







بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية بالغة العربية االفصحى وهي بعنوان

الثلوج مصيرها السيول
للكاتبة
سولـــــ♥°The Lost Hope♥°ـــي





كلمة الكاتبة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا بكم
وجميع الزوار الكرام لهذه الصفحة
انا كتبت رواية حبيت اعرضها عليكم
طبعا لازم تعرفون انه رواتي مو بالعامية
يعني فصحى
ولاني اتعب وانا اكتب
فياريت لو اشوف ردودكم الحلوة بعد كل جزء
طبعا اذا اعجبتكم القصة
وانا راح انزل بقية الاجزاء
بس ..........
أذا ما لقيت ردود
انا راح اوقف
>>> بكيفك والله
المهم وبدون طولة سيرة اخليكم مع الرواية
بعـــــــــــــنوان :
^~،._.،~^ الثلوج مصيرها السيول ^~،._.،~^




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 11-10-13 الساعة 05:46 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:08 PM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


1 -


كان ذلك اليوم جميلا ..
سماءه صافية ..
و طيوره تغرد طربا لاستقبال نهار جديد ..
وصل إلى مسامعه خرير جدول أزرق صافي المياه ، يجري أمامه ،و أستلقى على العشب الأخضر ،تنشق عبيره المنعش ، و وجهه معلق بالسماء ،و على شفتيه إرتسمت ابتسامة نطقت بالحزن و الأسى . كان يصغي بانتباه لمحيطه ، أصوات المارة و الباعة ،و بعض السيارات ،
تنهد " كمال " بعمق و أطلق زفرة حارة من أعماق قلبه بدت أشبه بالأنين ،رغم انه عاد يرسم تلك الابتسامة العذبة على شفتيه . كان كمال ذو ٣٠عاما ،شديد الوسامة بشعر اسود ناعم تصل أطرافه إلى رقبته ،و عينين عسليتين ، أكثر ما يشد الانتباه فيه ، لما لها من هيبة وقار ، ولكنه مؤخرا كان لا ينزع عنه تلك النظارة الانيقة السوداء اللون .

كان كمال في نظر الذاهب و الآيب ممن يقطع الشارع شابا متقاعسا ،
بدليل انه يقضي وقته على ضفة هذا النهر ،
ولكن هذا النهر كان المكان الوحيد الذي لا يشعر فيه و كأنه انفصل عن العالم الخارجي يوما .
تقطع حزنا حين مرت امام عينيه ذكرى قديمة ،
ولكنه هب جالسا فجأة و هز رأسه و كأنه ينفض عنه تلك الذكرى ، ثم نهض واقفا ليتابع طريقه ..
إلى حيث تقوده قدماه ...

¤ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ¤

في تلك الشقة المتواضعة :


جلس رامي على طاولة الطعام ، يحرك الملعقة بصحنه دون ان ياكل شيئا ،
و بعد تردد كبير قرر ان يقطع ذلك الصمت قائلا :
_أبي هل ..اقصد ..أنت تعلم ان "زياد " سيعود هذا اليوم للمنزل ،ألن نحضر لاستقباله ؟؟


احتسى والده فنجان قهوته قائلا :
_و ما الداعي لذلك ،اخوك ليس عائدا من سفر أو من مهمة وطنية ،
انه خارج من السجن و هذا ليس شيئا يدعو للفخر .


طأطأ رامي راسه مغمغما :
_و كأنه ليس ابنك .

وضع الاب فنجانه على الطاولة و قال :
_هل قلت شيئا؟؟ هتف رامي :_ لا و لكني كنت أتساءل ..هل أستطيع الذهاب لإستقبـ....


قاطعه والده :
_حسنا ،بامكانك الذهاب ،رغم اني ارى بانه من الأفضل لك ان تذهب إلى مدرستك ،
فهو لن يضيع الطريق نحو المنزل .


سأل رامي بحزن :
_ ألم تشتق اليه ؟؟لقد غاب عاما كاملا .

تغيرت ملامح والده وهو يرفع طبقه و ينهض متوجها إلى المطبخ دون ان يرد ،
و تابع رامي بالنبرة ذاتها :
_أما أنا فقد افتقدته كثيرا !!


و أردف بابتسامة :
_لقد افتقدت حتى ازعاجه و مضايقته لي ،
لقد بلغ العشرين من عمره في الاسبوع الفائت و لا اظنه احتفل بهذه المناسبة هناك حيث هو !


خرج والده من المطبخ وهو يبتسم و رمى نحوه بكيس صغير ،
التقطه رامي و فتحه ليجد مبلغا من المال في داخله ،
لم يترك له والده فرصة السؤال فقال وهو يرتدي سترته :
_ انه ليس مبلغا كبيرا ، بما انك ستتغيب اليوم عن المدرسة فلا تعد سريعا إلى المنزل
،خذ اخاك في جولة عبر المدينة و تمتعا بوقتكما ، هل فهمت ؟


ابتسم رامي في حماس و أجاب :
_ أجل بالتأكيد سنفعل .


ثم أسرع يغير ثيابه قبل ان يغادر البيت
¤ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ¤

في مبنى السجن الحكومي:

.. كانت سعادة ذلك الشاب و فرحته لا تخفى على أحد ،
وهو لا يرفع بصره عن الباب الخارجي ،و يتأمل الاشخاص الداخلين و الخارجين ،
كان شاردا حتى انه لم يستمع للموظف الذي كان يحدثه عن الاجراءات الأخيرة لاطلاق سراحه ،
شعر الموظف بالغضب فصرخ بصوت مرتفع :
_ ســــــــــــيد زيــــــــــــــاد !!


انتفض زياد و هتف :
_ نعم !


قال الرجل بصرامة :
_ آمل ان تجاهلك للإجراءات والقوانين لا يعني انك تنوي العودة الينا بأسرع فرصة .


تمتم زياد :
_ أنا آسف لم اقصد تجاهلك.


ابتسم الرجل وهو يناوله حقيبة ظهر و قال :
_لا بأس ، هذه أغراظك ، أنتبه على نفسك و اتمنى ان لا أراك هنا ثانية .


بادله زياد الابتسام وهو يأخذ الحقيبة و قال :
_شكرا ، أعدك بأنك لن تفعل ، إلى اللقاء .


قالها وهو يلوح بيده مودعا . وجرى نحو المخرج بفرحة و حماسة بالغين ،
ضحك الموظف من حماسته وعاد للعمل على أوراقه .
ما ان خطى زياد خارج المبنى حتى صرخ بأعلى صوته :
_أنــــــــــــــــــــــ� � حـــــــــــــــــــررر !!


التفت اليه كل من كان في المكان بدهشة ، و لكنه لم يكن مهتما ،
نزل الدرج بسرعة و عيناه تجولان في المكان بحثا عن شخص مألوف ،
و حين لم يجد ما يبحث عنه وقف قليلا و غمغم بخيبة امل :
_ لم يأتي أحد لاستقبالي ،هذا مؤسف !!


ثم إستعاد ابتسامته المرحة وهو يستطرد :
_لا بأس ، حتى هذا لن يعكر صفو فرحتي هذا اليوم .


_زيـــــــــــــــــــاد ..زيــــــاد !

إستدار زياد لصاحب الصوت ،
إلى ذلك الفتى ذو الشعر و العينين البنيتين الذي يعرفه جيدا ،و هتف :
_ رامي ..أنت هنا ؟!


تقدم رامي نحوه بابتسامة و دار حوله متفحصا قبل ان يقول :
_زياد ، لم يتغير فيك شيء واحد،
مازلت محتفظا بهذا الوجه الملل ،لقد ارتحت منه لفترة قصيرة .


تنهد زياد بأسى متظاهرا بالحزن ، وهو يستدير بشكل درامي وقال :
_هكذا إذا لا أحد يرغب بوجودي هنا ،حسنا أنا راحل .


غمغم رامي بدهشة :
_ماذا ؟!!


تقدم زياد نحو الطريق العام وهو يغني بحزن مصطنع :
_ "وحيــــــد"سجين في الظلام ..
"وحيــــــد"أعاني الآلام..
"وحيــــــد" بلا شمس ولاهواء ..
"وحيــــــد"اسير سجين ..بلا أهل و لا اقربــــــــاء..


صاح رامي مقاطعا :
_زياد !!


إستدار اليه ليفاجأ به يندفع و يحضنه بتأثر هاتفا :
_لا تقل هذا الكلام أيها الاحمق لقد اشتقت إليك .


ضحك زياد قائلا :
_وأنا أيضا اشتقت إليك وإلى أبي ،و لكني لم أعلم انك حساس لهذه الدرجة .


واردف بمكر:
_ أنت رقيق.


صاح رامي بغضب وهو يدفعه :
_يا لك من غبي ،الخطأ خطأي لأني اردت المجيء لرؤيتك .


و عقد ذراعيه امام صدره وهو يدير وجهه بعبوس ،
ضحك زياد وهو يربت على رأسه قائلا :
_لا تغضب لقد كنت امزح ، أنا شاكر لك وجودك هنا، و لكنك لازلت تتصرف كالأطفال .


صرخ رامي بثورة :
_تقول أطفال ؟؟ لا تزال مصرا على السخرية مني ،
أنا لا أصغرك سوى بأربع سنوات فلا تحدثني هكذا !!



هز زياد رأسه و قال :
_حسنا..حسنا ،أنا آسف ،و لكن دعنا لا نتشاجر، على الأقل في الوقت الحالي ،فأنا سعيد جدا .


ابتسم رامي هو يسير إلى جانبه و سأل :
_هل ستخبرني عن الحياة داخل السجن ، هل هي كما نراها في الأفلام ،مروعة و مخيفة ؟؟


هز زياد راسه نفيا و أجاب :
_ بل هي أسوأ بكثير ،و لكن لا تذكرني بهذا الآن ، دعني استمتع بحريتي .


ثم أخذ نفسا عميقا وهو ينظر إلى السماء الصافية و الشمس الساطعة و قال :
_لقد اشتقت كثيرا لهذا الشعور ،انه ..رائع !!


و فجأة ...

اندفع زياد يركض على الرصيف بأقصى سرعته ، لحق به رامي وهو يهتف :
_زياد ما الأمر ؟ لما تجري هكذا ؟؟


لم يجب زياد ،و لكن ضحكاته السعيدة ارتفعت تملأ الارجاء .
جرى زياد بسرعة كبيرة ،
جرى كما لم يجري منذ مدة طويلة ،
الناس من حوله ،
و البيانات الضخمة ،
و مزامير السيارات يطرب أذنيه ،
لقد كاد يطير فرحا وهو يركض
و الهواء يداعب وجهه الأبيض ،
و شعره البني الناعم ،

وفجأة ...

ظهر أمامه من المنعطف الجانبي ،
رجل يضع نظارات سوداء يجري بالسرعة ذاتها ،

استطاع زياد بصعوبة التوقف دون الإصتطام به ،
فكان على بعد إنشات فقط ،
ولكن رامي الذي كان يندفع من خلفه و فاجأه توقف زياد ،اصتطم بالأخير ،ليسقط فوق الرجل .
هتف رامي بأسف وهو ينتصب في وقفته :
_أنا لم اقصد !!

تأوه زياد بألم و اعتدل جالسا وهو يصيح :
_أيها الغبي، ما الذي فعلته ؟؟


صاح رامي :
_أنت من ركض كالمجنون ثم توقف فجأة !


أردف وهو يمد يده للرجل ليساعده على النهوض :
_هل أنت بخير سيدي ؟! كله بسبب شقيقي المجنون هذا .


فوجئ رامي بالرجل يضرب اليد الممدودة له ليبعدها عنه ،
و ينهض دون مساعدة احتقن وجه زياد لهذه الوقاحة ، في حين غمغم رامي :
_ أنا آسف سيدي !

لم يرد عليه الرجل و هم بالمغادرة حين صاح زياد برامي غاضبا :
_لا تعتذر له انه لا يستحق.

توقف الرجل بضع لحظات دون ان يستدير و قال بهدوء :
_ ألا ترى انك وقح يا هذا ؟ ألستما من اصتطم بي ؟!


زفر زياد عاقدا ساعديه و قال :
_ولكننا اعتذرنا منك * مع انك كنت مسرعا ايضا ولم تكن تنظر امامك!!



احتقن وجه الرجل وصاح:
_ انت تريد افتعال مشكلة وانا لست في مزاج يسمح لي * كما واني في عجلة من امري.


همس رامي بتوتر :
_ زياد ..اهدأ قليلا لا داعي للشجار معه.

انتفض الرجل فجأة حين سمع صوت مجموعة من الرجال تهتف وهي تقترب منهم :
_ انه هناك ..لقد وجدناه .. وجدنا كمال يا سيدي عثرنا عليه .


اراد كمال ان يهرب ولكنه توقف قليلا وتردد . التفت الى زياد و رامي وسأل :
_ كم يبعد المنعطف الشارع؟؟



تبادل زاياد ورامي النظرات بدهشة و قال رامي ساخرا :
_ ولكن ما بك الا تراه امامك ؟؟


صاح الرجل بعصبية وهو يسمع اصوات اولاءك ارجال تقترب :
_ كلا انا لا اراه فأنا ضرير هل تفهم .؟؟ والان قل كم خطوة يبعد ؟؟



وفجاءة......


اطلق واحد من اولاءك الرجال طلقة من مسدسه عبرت بين زياد وكمال واصابت الحائط !!

صاح زياد وهو ينخفض :
_ رامي !! انبطح !!


صرخ رجل آخر بمطلق النار :
_ ايها الغبي نحن لا نريد قتله هل جننت؟؟

انطلق كمال بأقصى سرعته هاربا ،
و لحق به أولاءك الرجال بسرعة ،
كان الرجل يجري مسرعا باتجاه الشارع ،
كان لا يرى أمامه ،
توقف فجأة حين أدرك من خلال أصوات السيارات انه يقف على الطريق و...

ارتفع أزيز بوق شاحنة ضخمة متجهة نحوه مباشرة ..

و تسمر أولاءك الرجال بذعر ..
و اغلق رامي عينيه ليمنع نفسه من رؤية ذلك المشهد المروع ..

و .....................



يتبع....



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:10 PM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



وسط دهشة أولاءك الرجال و ذعر جميع من كان على مقربة من المكان ...ا

ندفعت تلك الشاحنة الضخمة بسرعتها على الطريق ،
و أمامها مباشرة تجمد كمال غير قادر على الحراك ،
حاول السائق الضغط على المكابح و لكن دون جدوى ،
فسرعة السيارة شديدة ،
و لن تتوقف دون أن تصتطم ،
شهق الكل بدهشة
و أغلق رامي عينيه تجنبا لذلك المشهد المروع ...

حدث كل شيء فجأة ..

و بملح البصر ...

قفز ذلك الشاب إلى الطريق و دفع كمال في اللحظة الأخيرة ،ليقع معا على الرصيف ،

استطاع السائق ايقاف الشاحنة أخيرا ،
و اتسعت عينا رامي حين رأى ما حدث ، و جرى مسرعا نحوهما ،
وكذلك فعل السائق وهو ينزل من شاحنته ،صاح رامي بخوف :
_ زياد ..هل أنت بخير ؟؟


أجاب زياد وهو ينهض متألما من اثر وقوعه :
_لا تقلق ..أنا بخير .


ثم التفت إلى كمال الذي كان لايزال مذهولا في حال من الصدمة ،هذا ما بدا لزياد و رامي ،فقد كان لايزال على وضعيته على الأرض ،و عيناه تحدقان في الفراغ ،لم يرد على السائق الذي كان يسأله عن حاله بتوتر .هتف رامي بحماسة و كأنه استوعب ما حدث للتو فقط :
_ زياد لقد أنقذت حياته ..لا أصدق أنك اندفعت هكذا دون أي تردد ..لقد كنت مذهلا ،كان هذا رائعا !!


ابتسم زياد دون ان يعلق بكلمة ، فقد كان هو نفسه غير مستوعب لما حدث .
نهض كمال من الأرض و قد تجمع حوله حشد لا بأس به من الناس ،
و فجأة ..

ارتفعت أصوات أولاءك الرجال وهم يتجاوزون ذلك الحشد ، و بخلاف زياد و رامي الذين بدا عليهما التوتر و هما يتأهبان لأي مشاكل قد ينوون إثارتها ،وقف كمال من دون حراك ، تقدم اثنان من الرجال ليفقا إلى جانبه و أمرا الناس بالابتعاد ، تحرك الناس و توجه كل منهم إلى عمله ، ابتسم الرجل الثالث و قال :
_سيد كمال ..هيا عليك مرافقتنا للمنزل .

لم يعترض كمال أو يحاول المقاومة ، و هم يسيرون به بكل انتباه من أي محاولة هرب أخرى قد يقوم بها . صاح زياد فجأة :
_ مهلا ..أتظنون ان بوسعكم الرحيل بهذه البساطة ؟؟كدتم تصيبوني أنا و أخي برصاصاتكم و أنتم تحاولون القضاء على هذا الرجل ، إلى أين ستأخذونه ؟؟ و ما الذي ستفعلونه به ؟؟


إستدار اليه أحد الرجال و رمقه بنظرة شرسة وهو يقول :
_ ومن أين تعرف السيد كمال يا هذا حتى تقلق عليه ..أجب ؟؟


عقد زياد حاجبيه بغضب و قال :
_ ليس قبل ان تجيب أنت عن سؤالي ؟؟


ابتسم الرجل بخبث وهو يسحب من جيب سترته مسدسا ليريه لزياد كتهديد ،و قال :
_أنا أشعر انك لست سوى فتى فضولي ، و لهذا سأتغاضى عن اسئلتك و تطفلك ، و لكن في المرة القادمة ..لن أتوانى عن استخدام هذا .


انقبض قلب رامي لهذا التهديد الصريح ، و التزم زياد الصمت وهو يراقبهم بنظراته ، يصعدون إلى سيارة سوداء ، انطلقت بهم سريعا . قال رامي بحيرة :
_أنا لم أفهم شيئا !!


نظر اليه زياد باستغراب ، فأردف رامي :
_ لماذا كانوا يطاردونه ؟؟ و لماذا كان يهرب أصلا ؟؟ يتحدثون معه باحترام ،و يطلقون عليه النار في نفس الوقت ، و مع ذلك رافقهم برضا و دون اعتراض ، أنا حقا لا أفهم ؟؟


هز زياد كتفيه و قال :
_ أنا فهمت شيئا واحدا وحسب ، ان سؤالي عن الأمر مجددا سيتسبب بقتلي ، لعله لغز خطير لا يفترض بنا ان نعرفه !!


ثم مدد ذراعيه و هو يسير قائلا :
_ أنا فعلا أريد العودة للبيت ، أريد الاسترخاء على سرير حقيقي .


ابتسم رامي وهو يسأل :
_ في هذا الوقت ؟؟


أومأ زياد برأسه ايجابا وهو يبتسم ،
و تابعا الطريق نحو المنزل

¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ ¤


في ذلك المنزل الضخم ..

الذي يوحي منظره بثراء أصحابه الفاحش ، توقف كمال معه الرجال الثلاث أمام أحد الغرف ، فتح الرجل بابها و دفع كمال بكل قوته إلى الداخل ، فوقع على الأرض بعنف . رفع كمال رأسه متألما و غمغم :
_ أنت هنا ..سيد جابر ،لم أعلم ان الأمر من الأهمية بحيث يستوجب حضورك .


ابتسم جابر ذلك الرجل الطويل ذو الشوارب الكثيفة ، في حوالي الخمسين من عمره ،وهو جالس على كرسي في منتصف الغرفة ، في حين وقف خلفه مساعده الضخم الأصلع ذو الملامح القاسية و المخيفة . ابتسم السيد جابر بخبث وهو يقول :
_ كيف عرفت أنني هنا ؟؟


أجاب كمال و عيناه مصوبتان عليه :
_من رائحة عطرك الكريهة !!


ضحك جابر بصوت عالي قبل أن يقول :
_ كم أنت وقح ! و لكنك شخص مسلي أيضا ، هل تظن أنك في موقف يسمح لك باستفزاز أحد ؟؟


لم يرد عليه كمال ،بل بقي مصوبا بصره نحوه ،و الغضب يتجلى من عينيه ، و رغم أنه لا يبصره إلا أن جابر شعر بالتوتر فصاح بغضب :
_و الآن ..قل كيف تجرأت على الخروج ، أين ذهبت ..تكلم !!


قال كمال بإستفزاز :
_أظن أن هذا ليس من شأنك !


صرخ مساعد جابر الضخم :
_كيف تجرأ على ...


قاطعه جابر وهو يرسم على شفتيه تلك الابتسامة الخبيثة من جديد :
_مهران ...لعل كمال يحتاج بعض الدفع كي يتكلم .. تصرف معه !!


لم يكد جابر يتم جملته حتى هوى مهران على فك كمال كالقنبلة ،فطار للخلف و أصتطم ظهره بعارضة ذلك السرير الكبير في الغرفة . حاول كمال النهوض على قدميه متألما ،و لكنه فوجئ بلكمة أخرى ساحقة على معدته ،سقط كمال على ركبتيه وهو يتلوى بألم ، و أطلق مهران ضحكة مقيتة تعبر عن استمتاعه بما يفعل . أمسك بكمال من تلاليب قميصه، و رفعه عن الأرض رفعا ،و عقد قبضته الاخرى لإستكمال ما بدأه ، و لكن جابر صاح :
_ يكفي يا مهران ، دعه ..أنا متاكد من أنه صار جاهزا للأنصياع .


ترك مهران كمال وهو يتألم فتطلع اليه جابر و قال :
_ و الآن يا كمال كن عاقلا و تكلم ، أين كنت ؟و إلى أين تذهب كل يوم ؟؟


أجاب كمال وهو يمسح خيط الدماء الذي سال من فمه بكم قميصه :
_أنا أذهب للتنزه !!



صرخ جابر بحدة :
_ هل تسخر مني ؟؟ منذ مدة لا نعلمها و أنت تتسلل خارجا ، من تقابل ؟
و ما الذي تخطط له ؟


قال كمال بهدوء :
_أنا لا أقابل أحدا ،و لا اذهب لمكان محدد ،أنا أخرج لأتمشى و حسب .


قال مهران وهو يهز رأسه :
_ هراء !!


تنهد جابر ليسيطر على أعصابه قائلا :
_ هل تتوقع مني أن أصدق هذا الكلام ؟؟


هز كمال كتفيه بلا مبالاة وهو يقول :
_هذا شأنك !


ثم إستطرد :
_لماذا كل هذا القلق ؟! أنت مسيطر على كل شيء ،كل الأموال و الشركات ، و ماذا يستطيع ضرير مثلي أن يفعل ؟؟


ابتسم جابر قائلا :
_ حسنا يا ابن شريكي ،سأتغاطى عنما فعلت هذا اليوم ، و لكني سأتخذ بعض التدبيرات الوقائية كي لا يتكرر مثل هذا الفعل في المستقبل ، أنت مهم جدا لنا ولا أريد ان تختفي فجأة .


ثم أشار إلى عمال كانوا أمام الباب ، فتوجهوا نحو النافذة الكبيرة و بدأوا بتركيب قضبان حديدية ، سأل كمال :
_ ما الذي تفعله ؟؟


أجاب جابر وهو ينهض من الكرسي :
_ سأحرص على أن لا تخرج ثانية .


صاح كمال بحنقة :
_و لماذا ؟؟ ما الذي تريده مني ؟لماذا تحتجزني هنا ؟ لقد أخذت كل شيء ،كل ما له أهمية في حياتي ، فلماذا تسجنني ؟؟لماذا لا تقتلني لترتاح و ارتاح أنا أيضا ؟!


هز جابر رأسه و قال :
_ أتمنى ذلك يا عزيزي كمال ، ولكن قتلك ليس في صالحي ،ستكون هناك الكثير من التساؤلات ، و سأكون أول من توجه أصابع الاتهام نحوه .


إحتقن وجه كمال بشدة وهو يصرخ :
_أيها الوغد الحقير ..أيها ..



قاطعه جابر بصرامة :
_يكفــــــــــــي !..اسمعني جيدا يا كمال ، عليك ان تكون ممتنا لأني تركتك تحضى بهذه الحياة المترفة ،في هذه الغرفة في منزل والديك ،و حولك هاؤلاء الخدم و الحراس ، عليك أن تعلم أني أستطيع ان أحيل حياتك إلى جحيم حقيقي ، بإشارة مني أستطيع نقلك إلى سجن من نوع آخر، سجن تحت الأرض ، حيث ستتعفن دون يعرف أحد عنك شيئا، و لكني أفضل ان أكون شخصا كريما.



ثم تقدم نحو باب الغرفة ، فأسرع العمال يلحقون به بعد إنهائهم لعملهم، قال جابر بصرامة دون ان يستدير :
_ لمصلحتك يا كمال ! إياك و استفزازي ثانية ، حتى لا أنسى كرمي هذا ،و يكون مصيرك كما أراه أمامي !



ثم خطى خارج الغرفة ، و أسرع الحراس يوصدون الباب بالأقفال .
صاح كمال :
_لا ..انتظر أيها الوغد ..لا !!

و جرى نحو الباب ..
أخذ يدقه بقبضتيه بكل قوته ،
صارخا بأعلى صوته :
_ افتـــــــــــــــح ..افتــــــــــــــح ..
لن أسمح لك بإحتجازي هنا ..
هيا افتــــــــــــح .. أيها الجبـــــــــــــــان !!


و سمع من مكانه ضحكات جابر المجلجلة ،وهو يبتعد عبر الرواق ، صرخ كمال :
_ أخـــــرجنــــــــــي.. هيا .. أخرجنــــــــــــــي .. !!



ترددت صدى صرخته في المنزل كله،
و لكن دون ما رد .
توقف كمال عن قرع الباب و عن الصراخ ،
وهو يعض على شفتيه بأسى ،
و يسقط على ركبتيه بيأس و استسلام
¤ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ ¤


فتح زياد باب غرفته ،
و ارتمى على سريره و فراشه الوثير ،
لم يتغير شيء في غرفته الصغيرة ،
كل شيء على حاله ،
كما تركه قبل رحيله ،
مجلاته الرياضية المفضلة ،
و كتبه المدرسية على الطاولة ،
اسطوانات موسيقى ،
و ألعاب فيديو مصفوفة على الرف العلوي ،
و خزانة الثياب و داخلها كل قطعة من ثيابه التي لم يرتدها منذ سنتين .
لم يتغير شيء ..
وما من دليل صغير على انه غاب عامين ،
يبدو الأمر و كأنه استيقظ من كابوس مزعج .


سرح زياد بتفكيره وهو مستلقي على سريره ،
و ذهنه يستعيد ذكريات تلك الأيام السوداء من حياته ،
تذكر وجوه رفاقه و ضحكاتهم البلهاء ،
كانت ساعة متأخرة من الليل ،
و كانت اصواتهم ترتفع و هم يعبرون ذلك الطريق ،
توقف زعيمهم ذلك الفتى الأكبر سنا و ابتسم بخبث وهو ينظر إلى متجر صغير في زاوية الشارع و قال وهو يناول زياد حجرا أخذه من الأرض :
_انظر ! هذا هدفنا لهذه الليلة ..ذلك المتجر الصغير ، هيا يا زياد حطم الواجهة لنبدأ عملنا .


أخذ زياد الحجر مبتسما و قال :
_لي الشرف أيها الزعيم .


و تقدم حتى وقف امام المتجر ببضع خطوات ،
و رمى الحجر بكل قوته على الواجهة الزجاجية للمتجر ،
فتحطم الزجاج و تناثر قطعا صغيرة ،
انطلقت صفارة الانذار ،
و اندفع جميع الفتيان إلى داخل المتجر ،
عدا زياد الذي التفت يمينا و يسارا قبل ان يتقدم بهدوء .
كان الفتية منتشرين في ارجاء المتجر ،
يجمعون كل ما يستطيعون جمعه ،قبل وصول رجال الشرطة ،
انتبه زياد فجأة على ذلك الرجل الذي رفع مضربا وهو ينوي به ضرب رأس أحد الأولاد ،صاح زياد :
_ أســـــــــــامة ..انتــــــــــــــــبه !!


رفع أسامة رأسه ليرى الرجل فوقه مستعد لمهاجمته ،
و لكن و فجأة ...
أطلق الرجل صرخة ألم و هو يقع أرضا ،
و ظهر ذلك الفتى " الزعيم " كما يسمونه ،
من خلفه حاملا كرسيا بين يديه .
صرخ زياد بذعر :
_ ما الذي فعلته ؟!


و تراجع أسامة للخلف بتوتر ،وهو يحدق في الرجل الذي سالت من رأسه الدماء غزيرة على الأرض .
قال الزعيم وهو يرمي بالكرسي بلا مبالاة :
_ هيا بنا ، ستصل الشرطة في أي لحظة .


كان بقية الأولاد قد خرجوا بالفعل ،
ما عدا أسامة و زياد الذي أخذ يهتف :
_مهلا ..لا يمكننا الذهاب هكذا ..علينا أخذه إلى المشفى ..انه ينزف سيموت !!


ضحك الزعيم ساخرا و قال :
_ نأخذه للمشفى !! لا بد و انك تمزح ، نحن مغادرون ، ان اردت البقاء حتى تقبض عليك الشرطة فإفعل !


ثم التفت إلى أسامة قائلا :
_هيا بنا .


تردد أسامة لحظات قبل ان يلحق بالزعيم ،
صاح زياد وهو ينظر اليهم يبتعدون :
_ يا لكم من جبنــــــــــــاء !!


ثم أسرع يبحث في المتجر عن شيء يوقف به النزيف ،
وجد ضمادات طبية على رف جانبي ،
استخدمها للف رأسه ،
و اسنده على الحائط ،
غمغم زياد بتوتر هو يسمع صفارات سيارات الشرطة و هي تقترب :
_لما لا يستعيد وعيه ، ماذا أفعل الآن ؟؟


_لما لا تبدأ بإخباري عن ما حدث هنا أيها الفتى ؟!


انقبض قلب زياد و هوى بين قدميه حين إستدار ليرى رجل شرطة يقف خلفه ،
ينتظر إجابته ،
لم يستطع زياد رد التهم الموجهة اليه ،
كما انه رفض الافصاح عن اسماء شركائه في السرقة ،
و بذلك حكم عليه بالسجن ،
ولكن ما فعله مع صاحب المحل ،
و صغر سنه جعلاه يحصل على حكم مخفف .


غمغم زياد :
_ يا لي من مغفل !! أضعت عامين من حياتي وفاءا لتلك العصابة الغبية ، و ثمنا لما كنت أفعله !!


سمع زياد طرقا على الباب فإعتدل جالسا على السرير وهو يقول :
_ تفضل .


فتح رامي باب الغرفة قائلا :
_يقول والدي حان وقت العشاء فانزل إلى أسفل .


سأل زياد :
_ هل عاد أبي من عمله ؟؟


أجاب رامي :
_ أجل منذ حوالي ساعة ..هيا انزل و لا تتأخر .


نهض زياد و توجه نحو الأسفل ،
كان والده جالس على الطاولة يتحدث في هاتفه عن العمل ،
وكانت تلك المرأة المسنة و القصيرة بعض الشيء تحضر الطعام على المائدة ،
ابتسم زياد حين رآهما و قال وهو يجلس على الطاولة :
_ مرحبا ، كيف الحال ؟؟


انهى والده المكالمة ،و ابتسم قائلا:
_أهلا زياد ، مرحبا بعودتك ، لم اذهب اليوم لاستقبالك لأني كنت منشغلا بالعمل ، أرجو المعذرة يا بني !


تمتم زياد بابتسامة :
_لا بأس أبي ، ليست مشكلة.


_زياد ؟! أخيرا استيقظت ؟ لم تصدق وصولك للبيت حتى تبدأ عاداتك السيئة من جديد !!


التفت زياد إلى المرأة العجوز وهو يغمغم بحيرة :
_ عما تتحدثين يا خالة وداد ؟؟ و ما الذي فعلته ؟!


قالت الخالة وداد بصرامة :
_ من ينام من الظهر و حتى هذه الساعة ؟؟ ألم تكن حياتك منظمة في السجن ؟؟


ضحك زياد مجيبا :
_ بلا لقد كانت منظمة للغاية ، وعلى ما يبدو لن أفتقد نظام السجن أو حراسه و أنت هنا .


صاحت الخالة وداد بغضب :
_ ماذا ؟! كيف تجرأ يا ولد !!


قالتها وهي تجذب أذن زياد بعنف ،
هتف زياد وهو يغلق عينا من الألم :
_ لقد كنت أمزح وحسب !!

ضحك رامي بينما غمغم زياد وهو يتحسس أذنه بألم :
_ مما تضحك أنت ؟؟


لم يرد عليه رامي و اكتفى بالابتسام.


السيدة وداد خالة والد زياد في الأصل ،
اهتمت برامي و زياد بعد وفاة أمهما،
وهي منذ ذلك الوقت تعيش معهم ،
وتساعدهم في أعمال البيت .


قال والد زياد :
_أرى انك صرت أكثر مرحا يا زياد !


خفض زياد رأسه و غمغم :
_ أنا آسف !!


سأل والده بحيرة :
_ و لما تعتذر ؟؟


قال زياد بجدية :
_ أعتذر عن كل ما فعلته ،و عن جميع تصرفاتي السابقة ، لقد فكرت في الأمر كثيرا حين كنت في السجن ، و اكتشفت اني لم أعتذر يوما عن خطأ قمت به ، لقد كنت احاول إثبات ذاتي عن طريق التمرد و خرق القانون ، ظانا ان هذا سيشعرني بشيء من الأهمية ، و لكني لم أعلم انه سيضعني أ‎مام ‎أكبر اختبار في حياتي ، لم أفكر يوما بإنعكاس ذلك عليكم ، أنا آسف ، و اعتذر عن كل مشكلة سببتها .


ابتسم والد زياد و هز رأسه قائلا:
_لا عليك يا بني ، انسى الأمر ، ما حدث قد حدث و انتهى ، أريدك ان تفكر الآن في مستقبلك.


قالت السيدة وداد و هي تمسح دموعها :
_ لقد عانيت كثيرا في ذلك السجن بالتأكيد ، أراك قد صرت فصيحا !


سأل زياد :
_ و لكن لماذا تبكين يا خالة ؟ لقد انتهى الأمر ، وعدت من جديد !!


قالت وداد بحزم :
_ أنا أعلم هذا ، و انتبه جيدا ، فلن اسمح لك بالتصرف على هواك بعد اليوم .
ضحك زياد قائلا :
_و أنا مواقف .

ضحك الجميع و بدأوا بتناول طعامهم

¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ¤





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:11 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


2 -


خرج جابر من مصعد الشركة الخاص ،
و توجه إلى مكتبه خلفه مساعده الضخم مهران ،
و ما ان رآه السكرتير حتى هب واقفا و القى عليه التحية ، ولكن جابر دخل مكتبه دون ان يرد ، و جلس يقلب الأوراق و الملفات التي أمامه ، قال مهران وهو لايزال واقفا :
_سيدي هناك مسألة صغيرة أريد اطلاعك عليها.


سأل جابر دون ان يرفع بصره عن الأوراق :
_ما هي ؟


اجابه مهران :
_انها بخصوص كمال يا سيدي !


ما ان سمع جابر اسم كمال حتى رفع رأسه بحدة و هتف :
_لا تقل انه استطاع الهرب مجددا !!


هز مهران رأسه نفيا و قال :
_كلا ..كلا انه في غرفته ، محاط بحراسة مشددة ، و لا يمكن لمخلوق المرور دون علمنا ،ولكنه يا سيدي ...


سأل جابر بتملل :
_و لكنه ماذا ؟؟


أجاب مهران :
_لقد مر اسبوع على محاولة الهرب التي قام بها ، و منذ ذلك اليوم وهو لا يستجيب للحراس ، لقد رفض تناول الطعام ، وهو لا يتكلم أبدا.


هز جابر رأسه ساخرا و قال :
_هل هذه هي المشكلة ، أتركوه ليجوع ، فإذا عرف طعم الجوع الحقيقي ،أكل دون أي تأخير.


قال مهران بتردد :
_ولكن يا سيدي لقد مضى اسبوع وهو على هذه الحالة ، لقد حاولنا معه بشتى الوسائل ، ولم يستجب ، انه جالس على سريره دون أن يأتي بأي حركة ، أو يرد بكلمة ،أخشى إن استمر هكذا أن تسوء الأوضاع ، قد يمرض أو يموت جوعا !

قال جابر بتفكير :
_يموت جوعا ! سيسبب هذا مشاكل جمة لي ، و يفسد سمعتي ، هذا الاحمق مصدر متاعبي كلها.


ثم أردف آمرا :
_عين شخصا مسؤولا عنه ، يهتم بصحته و طعامه.


سأل مهران بحيرة :
_و لما نعين شخصا جديدا ؟ ألا يكفي الحراس ؟


قال جابر :
_ألم تقل بأنه لا يستجيب لأي من الحراس ، ربما وجه جديد قد يستطيع اقناعه.


قال مهران :
_ولكن يا سيدي أليست هذه مخاطرة ، توظيف شخص غريب ؟


أجاب جابر :
_و لما يكون غريبا ، بإمكانك التقصي عن أي شخص ، و معرفة كل شيء عنه ، أنشر إعلانا في الصحف عن حاجتنا لعامل ، و اختر الانسب من المتقدمين ، ليكن شخصا يمكن الوثوق به ، هل فهمت ؟؟


هز مهران رأسه و قال :
_أجل سيدي ، سأبدأ منذ اللحظة.


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ¤

كانت ****ب الساعة تشير إلى العاشرة و نصف صباحا ،
حين ملأت الضوضاء شقة زياد ..


صاح زياد :
_سأهزمك بالتأكيد يا رامي.


صاح رامي :
_عليك تفادي هذه الضربة أولا.


ضحك زياد قائلا :
_أي ضربة ؟ لقد انتهى أمرك ، و هكذا أكون قد فزت للمرة الثالثة !


غمغم رامي وهو يرمي بيد لعبة الفيديو بتذمر :
_ليس عدلا ، لقد توقفت اليد عن العمل.


هتف زياد :
_ليس شأني و أنت خسرت !


قال والدهما وهو ينزل من الدرج :
_زياد ، كفاك لهوا ، تعال إلى هنا قليلا.


نهض زياد و تقدم نحوه وهو يسأل :
_ما الأمر؟


ناوله صحيفة اليوم و أشار إلى إعلان صغير كتب عليها قائلا :
_انظر ، هذه وظيفة لم يشترط فيها أي مؤهلات ، تستطيع التقدم إليها ، اذهب حالا فأنا لا أرغب برؤيتك تتسكع دون دراسة أو عمل.


قال زياد متذمرا :
_و لكن أي دراسة هذه التي سأبدؤها في منتصف العام ، كما و لا أظن بأن أحدا سيوظفني إن علم بخروجي من السجن.


صاح والده بصرامة :
_ما دمت تعرف هذا لما دخلت السجن أساسا، زياد لا تحاول المماطلة ، أنا لن اسمح لك بتكرار ما حدث ، لن تجلس و لديك وافر من وقت الفراغ ، هل تسمع ؟


انتصب زياد وهو يضرب قدمه أرضا مقلدا تحية الجنود و صاح :
_مفهوم سيدي !


صرخ والده بثورة :
_زياد ..أنا لا امزح معك !!


قال زياد بنبرة جادة :
_و لا أنا ، اقسم لك أن ما حدث في الماضي لن يتكرر ، لقد صرت شخصا مختلفا الآن ، ثق بي ارجوك.


ثم أخذ سترته من مقعد مجاور ، و قال وهو يتأمل الصحيفة :
_سأذهب الآن للتقدم للوظيفة ، تمنى لي التوفيق.


و خرج من الشقة.
تنهد والده و التفت إلى رامي قائلا:
_وأنت ، لما لم تذهب إلى مدرستك ؟؟


ضحك رامي قبل أن يجيب :
_و لكن هل نسيت أن اليوم عطلة ؟


قال والده وهو يتجه نحو الباب :
_لدي عمل مهم أقوم به ، و سأتأخر في العودة ،كما و ان الخالة وداد لن تعود هذا اليوم ، لذا تناولا العشاء و لا تنتظرا أحدا.


أومأ رامي برأسه ايجابا
و خرج والده من المنزل

¤ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ¤

كانت متشبتة بتلك الورقة التي كتب عليها عنوان الشخص الوحيد الذي تعرفه في هذه المدينة ، تقدمت حاملة حقيبة سفر ليست كبيرة الحجم ، و لكنها مع ذلك ثقيلة عليها . بحسب ارشادات آخر شخص سألته فإن هذا المبنى هو العنوان المطلوب ، تأملت المبنى الضخم ، و بدا عليها التوتر و الارتباك ، فالعنوان لم يوضح شقة بحد ذاتها.

_هل تحتاجين إلى مساعدة يا آنسة ؟


إستدارت إلى صاحب العبارة ، كان شابا ذا ابتسامة ودودة ، قالت :
_كلا .. شكرا لك.


قال الشاب :
_ولكنك تبدين ضائعة ، إلى أين تتجهين قد أستطيع المساعدة ؟


أجابت بابتسامة :
_شكرا لك ، و لكن أظنني وصلت إلى العنوان ، شارع الساحة الرئيسي ، المبنى 16


هز الشاب رأسه نفيا و قال :
_كلا أظنك مخطئة ، البناء الذي تقصدين يقع خلف هذا المبنى.


سألت بدهشة :
_حقا ؟!


ابتسم الشاب من جديد وهو يحمل الحقيبة التي وضعتها أرضا و قال :
_هيا بنا ، سأوصلك للمكان المطلوب.


تمتمت :
_شكرا !


ثم سار أمامها ،
و لحقت به بشيء من الاستغراب من تصرفه ،
دخل في زقاق صغير وهو يسبقها بخطوات تسرع أكثر فأكثر ،
لحقت به وهي تهرول ،
لقد زاد من سرعته للسبب الذي اتضح لها فور دخولها الزقاق ،
كان في الجهة المقابلة مجموعة من الشبان لم تشعرها نظراتهم بالراحة أبدا ،
و بينهم كان يقف الشاب الذي هرب بحقيبتها.
مع أنها استوعبت أن ما جرى معها لم يكن سوى محاولة سرقة ،
و أن أولائك الشبان ليسوا سوى مجموعة من مثيري المتاعب ،
ألا أنها وجدت في نفسها الشجاعة لتصيح بغضب :
_أعد إلي حقيبتي أيها اللص !


ضحك الشاب ببلادة و كذلك فعل رفاقه ، قال واحد منهم وهو يخاطب الشاب الذي معه الحقيبة و يتقدم ملوحا بسكين :
_في العادة نشل الحقائب ليس شيئا نفتخر به يا أسامة ، ولكن قطع رأسها سيكون مختلفا !!


تراجعت للخلف بذعر بعد عبارته هذه ،
و مع تلك الابتسامة الخبيثة التي علت وجهه ،
وجدت نفسها تجري هاربة بأقصى سرعة ،
ضحك وهو يعيد السكين إلى جيبه و لم يحاول أي منهم اللحاق بها ،
ولكنها لم تتوقف لتتيقن هذا ،
استمرت في الجري إلى ان شعرت بالتعب ،
تلفتت حولها و وجدت أنها في حديقة ما ،
ثم نظرت للخلف ،
لم يلحق بها أحد ،
فجلست على أحد الكراسي لتلتقط انفاسها ، غمغمت:
_علي العودة إلى المبنى من جديد ....ولكن مهلا ..


ثم أخذت تفتش في جيوب سترتها وهي تهتف :
_لقد اضعتها .. أضعت العنوان ، ماذا سأفعل الآن ؟ حتى رقم الهاتف مدون على الورقة !


تنهدت و هي تستطرد :
_ما هذا النهار ؟ لم أحفظ العنوان أو رقم الهاتف ، حقيبتي سرقت و كل ما معي من نقود في داخلها ، ما العمل الآن ؟؟ أي مدينة هذه التي يتعرض فيها المرء للسرقة في وضح النهار !!


و تراجعت في الكرسي
وهي تفكر في حل لمشكلتها هذه


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ¤

سار زياد في ذلك الممر الكبير الواسع ،
الذي زين بلوحات ثمينة و أنواع شتى من المزهريات و التحف ،
كل شيء في ذلك المنزل الفسيح الشبيه بالقصور ،
يدل على الثراء الفاحش لأصحابه.
جال زياد ببصره منبهرا في المكان ،
و ذلك الخادم يقتاده إلى حيث ستجرى معه المقابلة ،
بخصوص الوظيفة الجديدة ،
كان زياد في حيرة ، و هو يتساءل :
_ما الذي يدفع هؤلاء الاشخاص للإعلان عن وظيفة في الصحف ؟


ولكنه تلفت حوله ، و غمغم بخفوت :
_كل شيء هنا يبدو منتقى بعناية ، فلما يختلف الأمر مع توظيف عامل.


قاطع تفكيره صوت الخادم وهو يفتح باب أحد الغرف قائلا :
_تفضل.


دخل زياد الغرفة فاغلق الخادم الباب و انصرف.
كانت الغرفة كبيرة للغاية ،
تكاد تعادل مساحة شقتهم كلها ،
نوافذ كبيرة ،
و تحف و لوحات ثمينة ،
و في منتصف الغرفة مكتب فاره ،
يجلس عليه شخص لا يبدو جزءا من هذه الصورة المخملية ،
اتسعت عينا زياد وهو يحدق في ذلك الرجل الأصلع الضخم ،
الذي تبدو عضلاته رغم البذلة التي يرتديها ،
و تلك الملامح المخيفة التي تبدو ملامح مجرم لا رجل أعمال ،
و صاحب أموال ،
قال مهران بصوته الغليظ :
_تفضل بالجلوس.
تقدم زياد حتى جلس على المقعد أمامه ،
فقال مهران وهو يبتسم له ابتسامة زادته رعبا :
_أنا اسمي السيد مهران ، أظنك أتيت إلى هنا من أجل إعلان العمل ،أليس كذلك ؟


هز زياد رأسه ايجابا ، فقال مهران وهو ينظر في ورقة أمامه :
_إذا... و كما أرى من البيانات التي جمعتها عنك ، أنت لم تشغل أي وظيفة من قبل ، ومن المثير للإهتمام حقا هو أنك قد خرجت من السجن مؤخرا !!


ارتبك زياد امام تلك الابتسامة الغير مطمئنة وهو يجيب :
_أجل هذا صحيح ، و لكني أعد ذلك من الماضي ، آمل أن لا يسبب هذا أي مشكلة.


قال مهران :
_ولكنك حصلت على العمل فعلا.


هتف زياد بدهشة :
_حقا ! و كيف هذا ؟!


سأله مهران بحيرة :
_هل هناك مشكلة ؟ ألم تكن تريد هذا العمل ؟؟


غمغم زياد :
_بلى ، ولكن هلا أخبرتني عن طبيعة العمل أولا ؟



أجاب مهران :
_أجل بالطبع ، نحن نريد منك العناية بشخص مريض.


سأل زياد بإهتمام :
_و لكن ، هل يحتاج هذا أن أكون ملما بالأمور الطبية ؟؟


أطلق مهران ضحكة مجلجلة أفزعت زياد قبل أن يجيب :
_ كلا ،إنه ليس مريضا من هذا النوع ، إن هذا المريض تعرض لحادث قبل خمس سنوات ، أثر عليه نفسيا ، و منذ ذلك الوقت وهو يعاني من مشاكل كالوهم و التخيلات ، إنه يدمج الواقع بالخيال ، مما يجعله عصبي المزاج دوما ، نحن نريد منك أن تتعامل معه بالطريقة المناسبة ، و تقنعه بأخذ دواءه و تناول طعامه ، و هذا سيكون كل عملك ، بالاضافة إلى الانتباه عليه و على تصرفاته ، إذا ...هل أنت مواقف؟


صمت زياد لبرهة و كأنه يفكر ، قال مهران :
_إذا وافقت وقع هنا و ستبدأ منذ الغد.


ثم مد ورقة و قلما نحوه ،
تأمل زياد الورقة ،
و شعر بالتردد في القبول ،
إنها مهمة تحتاج إلى مسؤولية كبيرة
، ماذا لو لم يستطع القيام بما يتعهد القيام به ؟
و لما عليه توقيع عقد عمل ؟
ألن يحق له الانسحاب إذا لم يعجبه العمل هنا ؟
لماذا كل هذه الرسمية في التعامل مع أنه مجرد عمل عادي ؟
لعل الموضوع أهم و أكبر مما يتصور ،
لكن ما أن وقعت عينا زياد على الرقم المقرر كراتب ،
حتى نسي كل تردداته ،
مع هذا المبلغ المغري ،
سيجبر نفسه على تحمل المسؤولية أيا كانت .
أخذ زياد القلم و وقع على ورقة العقد ،
محاولا تناسي كل تلك الأفكار ،
و أعادها لمهران الذي أخذ يتأملها و تلك الابتسامة المخيفة على شفتيه ، ثم نهض واقفا ، و صافح زياد الذي نهض بدوره ، قال مهران :
_جيد ، ستبدأ العمل غدا ، و بقية التفاصيل سيطلعك عليها العاملون هنا ، يمكنك الانصراف الآن .


أومأ زياد برأسه ايجابا و قال :
_حسنا ، شكرا لك سيدي.


ثم خرج من الغرفة .
رفع مهران سماعة الهاتف و طلب رقما ،و بعد لحظات جاء صوت جابر وهو يسأل :
_ما الأمر ؟ هل انهيت ما طلبته منك ؟


أجاب مهران :
_أجل سيدي ، لقد جاءني الشخص المناسب تماما لهذه المهمة ، إنه شاب خرج حديثا من السجن ، و ما من شيء تقلق عليه ، لقد أخذت الحيطة و أخبرته عن مرض كمال المزعوم ، سيقوم بعمله و يبقي كمال بعيدا عن الأنظار ريثما تنهي مشروعك الجديد ، لكن إن حاول التسبب لنا بالمتاعب ، سنتخلص منه بكل سهولة ، فكونه مجرما سابقا سيسهل علينا مهمة التخلص منه دون أي شكوك.


و سمع صوت ضحكة جابر يتردد عبر الهاتف قبل ان يقول :
_أحسنت يا مهران ،و الآن أستطيع التفرغ للمشروع الجديد ،وأنا مطمئن.

¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ¤




في ذلك المطعم الصغير ...
كان والد زياد جالسا على إحدى الطاولات ينتظر بتوتر ،
راقب المدخل بعينيه ،
و مرر يده خلال شعره الأسود الذي تخلله بعض اللون الرمادي راسما آثار السنين ،
و اغلق عينيه بإنهاك ،
وهو يفكر في الشيء الوحيد الذي منعه من النوم مؤخرا .
_دقيق في مواعيدك كالعادة يا سالم !


التفت سالم إلى مصدر الصوت ، ليرى رجلا في الأربعين من عمره ، يرتدي معطفا طويلا داكنا يلفت الانتباه ، يبدو به أشبه برجال التحري ، قال سالم :
_لقد تأخرت يا حسام !


ابتسم حسام وهو ينظر إلى ساعة يده و قال :
_تأخرت ربع ساعة فقط ... لا بد و أنها مرت عليك و كأنها ربع عام.


ثم جلس أمامه وهو يستطرد بابتسامة ماكرة :
_إذا ..ماذا احضرت لي هذه المرة ؟؟


قال سالم بضيق :
_هذا يعتمد على ما عثرت عليه أنت هذه المرة ؟ لن أدفع فلسا واحدا قبل أن أرى أمامي المعلومات المطلوبة.


تراجع حسام في مقعده و رفع قبعته السوداء عن رأسه و وضعها على الطاولة قائلا :
_لدي ما يسرك ، اطمئن ..لقد عرفت اسم الرجل ، إنه رجل معروف و غني ، و لكنه إن علم بتقصيك عنه و عن ماضيه ، فلن يتركك بسلام أبدا.


سأل سالم بلهفة :
_و من يكون هذا الرجل؟؟


ابتسم حسام ابتسامة عريضة وهو يقول :
_إن اسمه جابر مدير مجموعة شركات السلام ، لا أظن أنك لم تسمع به !!


ردد سالم بدهشة :
_ قلت جابر مدير شركات السلام...هل أنت متأكد ؟!


أجاب حسام :
_أجل ،لقد أوصلتني خيوط البحث إلى هذا الاسم و توقفت بعدها.


صاح سالم بعصبية :
_و لماذا توقفت ؟؟ ألا أدفع لك كي تعثر لي على إجابة شافية ؟؟ لماذا توقفت ؟؟


هز حسام رأسه بلا اكتراث وهو يقول :
_اهدأ يا سالم ..اهدأ ، لا أدري لما تشغل نفسك بهذه المسألة القديمة ، لقد مرت سنوات عديدة ، أنت بخير و الفتى بألف عافية ، لما لا تنسى الأمر برمته ؟ لماذا لا تواصل حياتك كما هي الآن ؟ ألهذه الدرجة تحب جلب المشاكل و آلام الرأس إلى نفسك ؟


قال سالم بنفاذ صبر :
_اسمع يا حسام ، لا أريد سماع ثرثرتك ، واصل البحث و لا تعد إلي ثانية دون أن تحضر ما أطلبه ، و لا أريد أسماء فقط ، أحضر أدلة تثبت صحة كلامك ، هل هذا واضح ؟؟


قال حسام وهو يرفع قبعته :
_حسنا لك هذا ، ولكن عليك أن تدفع...


قاطعه سالم وهو يضع أمامه حزمة من المال :
_هذه آخر دفعة ، لن أدفع لك شيئا بعد هذه اللحظة ، ولا تتصل بي مجددا ما لم تتوافر لديك الأدلة المطلوبة.


ثم نهض واقفا ،
و خرج من المطعم تاركا حسام يعد حزمة النقود بجشع ..

¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ¤



_يتبع.........





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:12 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مالت الشمس إلى المغيب ،
و بدأت أعداد الناس بالتناقص في الحديقة ،
كل يعود إلى منزله ، لكنها مازالت جالسة على كرسيها محتضنة ركبتيها بحزن.
لفت مظهرها هذا أنظار زياد وهو في طريقه إلى المنزل ،
و لم يستطع مقاومة الفضول الذي شعر به وهو يتقدم نحوها ، قال محييا :
_مرحبا !


رفعت رأسها و قد بدا عليها التعب ، نظرت إلى زياد بتفحص و قالت غاضبة :
_ماذا تريد ؟


ابتسم زياد وهو يقول :
_اعذري تطفلي يا آنسة ولكن هل أنت بخير ؟


إعتدلت جالسة و قالت بجفاء دون أن تنظر اليه :
_هذا ليس من شأنك.


قال زياد باستغراب :
_و لما كل هذه العصبية ؟! لقد أردت مساعدتك و حسب.


نظرت في عينيه ،
لم يبدو زياد واحدا من أولائك الشبان ، ولكنها هتفت بحنقة :
_أحقا ؟! آخر شخص عرض علي المساعدة قام بسرقتي ،
لما لا تنصرف من هنا يا هذا ؟


سأل زياد باهتمام :
_هل تعرضتي للسرقة ؟؟


نهضت غاضبة من برودة أعصابه معها رغم اللهجة الغاضبة التي تحدثه بها ،
و وقفت أمامه.
كانت جميلة رغم ملامحها الغاضبة
، شعر أسود ناعم و طويل ، و عينين سوداوتين واسعتين ،
بدت في مثل سنه تقريبا ،
وقف زياد للحظات يتأملها هتفت بعصبية :
_ولكن ألا تفهم ؟ قلت لك ابتعد من هنا ، لا شأن لك بي !!


سأل زياد باهتمام مستغرب حتى من قبله :
_و ما الذي ستفعلينه الآن ؟ أقصد هل تستطيعين العودة لمنزلك ؟


تنهدت ثم عادت تجلس على الكرسي قائلة :
_كما سبق و قلت لك ، هذا ليس من شأنك.


سألها زياد وهو يجلس إلى جانبها :
_هل ستبقين هنا ؟ لما لا تعودين إلى بيتك ؟؟


صاحت بحدة :
_و لما أنت فضولي هكذا ؟؟
صدقني لم يبقى لدي ما تسرقه ، لذا ابتعد من هنا !!


عقد زياد حاجبيه بغضب و قال :
_هذه إهانة يا آنسة ! احاول مساعدتك فتنعتينني باللص !


صمتت لبرهة ثم قالت بإحباط :
_أنا آسفة ، و لكني لا أثق بأحد ، أنا جديدة في هذه المدينة ،
و تعرضت للسرقة هذا الصباح ، أضعت طريقي ،
و لا أدري أين اذهب و لا ماذا افعل ؟!


تمتم زياد بإشفاق :
_و لكن لما لا تذهبين لمركز الشرطة ؟
سيقبضون على اللص ، و سيساعدونك على ايجاد طريقك.


سألت بشيء من الارتياح :
_و أين يقع مركز الشرطة ؟


نهض زياد قائلا :
_أنا سأدلك عليه.


ترددت و هي تغمغم :
_لا ...شكرا ساذهب وحدي .


قال زياد وهو يعقد ساعديه أمام صدره :
_و كيف هذا ؟ أنت لا تعرفين مكانه أليس كذلك ؟
لقد غابت الشمس و ستغلق الحديقة أبوابها ، لا أظن أن بقاءك هنا يعد خيارا.


تمتمت وهي تنهض مستسلمة أمام إلحاح زياد :
_حسنا.


و سارا معا إلى مركز الشرطة .


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ¤

وضع الطبيب رمزي أدواته على الطاولة بعد أن انتهى من إجراء الفحص ،
قال سالم وهو يعدل كم قميصه :
_قلت لك ما من داعي لهذا القلق ،
ولكنك أصررت على رأيك أيها الطبيب.


قال رمزي وهو يجلس خلف مكتبه :
_أنت ترهق نفسك كثيرا ،
أعلم أنك ستتجاهل كلامي كالعادة ،
و لكن عليك أن تستريح بضعة أيام يا سالم.


هز سالم رأسه نفيا وقال :
_أنا بخير لا تبالغ يا رمزي ،
لقد كنت مشغولا مؤخرا هذا كل ما في الأمر



. سأل الطبيب رمزي باهتمام :
_و ما الذي شغلك ؟؟ هل كل شيء على ما يرام ؟ هل زياد بخير ؟


أجاب سالم :
_أجل ..زياد على ما يرام ،
ولكن مسألة البحث أنهكتني و لم أتوصل إلى نتيجة ملموسة بعد.


سأل رمزي :
_و المتحري الذي كلفته بالبحث ، ألم يتوصل إلى شيء ؟؟



تنهد سالم بأسى و قال :
_لا ، لم يجد شيئا مهما بعد ، ذكر لي أن رجل الأعمال المعروف جابر له علاقة ما بالموضوع.


هتف رمزي بدهشة :
_قلت جابر !! و ما علاقته بالأمر ؟؟


أجاب سالم :
_لست أدري ، في الواقع لم يكتشف شيئا مهما بعد ، نحتاج إلى أدلة.


قال رمزي :
_لا أقصد ازعاجك يا صديقي و لكن لما أنت مصر على معرفة هذا الأمر ؟
بغض النظر عن صعوبته فهو سيجلب لك مشاكلا أنت في غنى عنها.


لوح سالم بيده محتجا و قال :
_بل علي ذلك ، علي العثور على أسرته الحقيقة ،و معرفة اسمائهم ،
إنه أقل شيء أقوم به لأجله قبل اخباره بالحقيقة.


غمغم رمزي مشفقا :
_و هل تنوي اخباره بالحقيقة ؟
أتظن أنه سيتقبل الأمر ؟


أطلق سالم تنهيدة من اعماقه و قال :
_قد لا يتقبله ، و لكن هذا الموضوع يخصه و من حقه ان يعلم ،
بصراحة لا أدري ما ستكون ردة فعله، و هذا يقلقني كثيرا.


ابتسم رمزي قائلا :
_لا تقلق إن ابنك ذكي و واعي سيتفهم الأمر بالتأكيد.


هز سالم رأسه وهو يرسم على شفتيه ابتسامة متوترة و قال :
_اتمنى هذا يا صديقي .... اتمنى هذا !


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ¤


كانا يسيران بصمت في شوارع المدينة ،
إلى أن توقف زياد قائلا :
_ما رأيك في تناول وجبة أولا ؟


قالها وهو يشير إلى مطعم صغير أمامه حيث توقف.
نظرت إلى المطعم للحظات ، ثم قالت بلهجة صارمة :
_لقد وعدت بإيصالي لمركز الشرطة ، أراك قررت تغير رأيك !


هتف زياد نافيا :
_لا يا أنسة ، كل ما هنالك أني ظننتك تودين تناول شيء ما ،
ستستغرق إجراءات الشرطة وقتا ،و أنت قلت ان كل ما تملكين سرق منك هذا الصباح ،
مؤكد أنك لم تأكلي شيئا منذ ذلك الوقت ، أنسي الأمر إن ازعجتك.


عقدت حاجبيها قائلة :
_أتدعوني لتناول الطعام على حسابك ؟؟


أرتبك زياد وهو يشرح :
_أنت لا تملكين ما تدفعينه لذا أردت أن ...


قاطعته وهي تتقدم نحو المطعم قائلة :
_و أنا موافقة.


كان زياد لا يزال واقفا في مكانه بذهول حين التفتت اليه وهي تضحك ، قالت :
_ألن تأتي ؟!


ابتسم زياد و أجاب :
_بالطبع أنا قادم.


كان شعورها بالارتياح واضحا من ملامحها و صوتها الذي صار أكثر هدوءا و أقل غضبا ،
كانت جائعة بالفعل فأكلت كل ما في طبقها ،
فيما بقي زياد يتأملها دون أن يأكل ،
لقد كان يشعر بشيء ما لمجرد النظر في عينيها ،
شيء لم يعرفه و لم يستطع وصفه ،
قاطعت شروده وهي تسأله محرجة من نظراته تلك :
_ما الأمر ، لما لا تأكل ؟؟


ابتسم زياد وقال :
_أنا لست جائعا.


ثم استطرد باهتمام :
_ولكن هل لي أن أعرف اسمك يا آنسة ،
لا أدري لما يراودني شعور أني أعرفك منذ زمن ؟؟


ضحكت قائلة :
_أنا لا أظن ذلك لم آتي لهذه المدينة منذ ١٢عاما ،
على العموم أنا اسمي ندى.


قال زياد بسرعة :
_اسم جميل !


تمتمت ندى بشيء من الخجل :
_شكرا ..وأنت ما اسمك ؟؟


قال زياد وهو محرج من العبارة التي انطلقت من بين شفتيه بلا تفكير :
_وأنا اسمي زياد ، هل لديك أقارب هنا ،
أم أنك آتيتي لتسكني وحدك ؟


أجابت ندى :
_لدي عم يعيش هنا ،
كان من المفترض أن اذهب لمنزله.


هز زياد رأسه متفهما و سأل :
_أخبريني يا آنسة ندى ،
هل تستطيعين التعرف على السارق ؟


قالت ندى :
_رأيت وجوههم ، ولكني لا أعرف أكثر من ذلك.


ثم هتفت فجأة و كأنها تذكرت :
_صحيح ! ذلك الذي أخذ الحقيبة ، سمعت الآخرين ينادونه أسامة !


انتفض زياد بشدة وهو يهتف :
_أسامة !! هل أنت متأكدة و كيف يبدو ؟؟


أجابت ندى :
_هذا ما سمعته ، انه في مثل طولك اسمر و له شعر أسود ، هل تعرفه ؟


هز زياد رأسه نفيا و أجاب :
_لا ..لا أعرفه.


ولكنه لم يستطع اخفاء توتره وهو ينهض متابعا :
_هيا بنا لا أريد تأخيرك أكثر من هذا ... لنذهب.


نهضت ندى بدورها ،
و سبقت زياد إلى خارج المطعم ،
في حين كان زياد يدفع الحساب.
ما إن خرجت ندى من المطعم حتى فوجئت بيد غريبة تكمم فمها ،
و بأخرى تسحبها بعيدا ،
حاولت المقاومة و لكنها لم تستطع.
و أخيرا أفلتها ذلك الشخص.
اتسعت عينا ندى عن آخرهما بذعر حين رأت أمامها مجموعة الشبان الذين رأتهم صباحا ،
كانوا ثلاثة ينقصهم الشاب الذي فر بحقيبتها.
شعرت ندى بخوف حقيقي هذه المرة حين رأت نظراتهم المرعبة ،
و خاصة مع العبارات الغبية التي كان يقولها الشاب الذي هددها صباحا :
_إلى أين يا حلوتي ؟
لا أرى داعيا لهذا الخوف !
نحن لا نعض !


و الضحكات البلهاء التي كان يرفقها بكلماته هو و صاحباه الاثنان.
اتسعت عينا ندى وهي تتأمل معالم المكان ،
كان زقاقا ضيقا و قذرا ،
و لكنها كانت متأكدة أنها لم تبتعد كثيرا عن المطعم حيث زياد.
عقدت حاجبيها و أزالت تعابير الخوف من وجهها و هي تهدد :
_أنا أحذركم .. لن تنجو بفعلتكم أبدا .. لمصلحتكم ابتعدوا و دعوني اعبر بسلام !

و لكن اللهجة التي قالتها بها لم تنجح حتى في اقناعها هي ،
و عيناها المتسعتان تحدقان في رعب بوجوه الرجال الثلاثة الذين اقتربوا منها أكثر..
و تلك الابتسامات الخبيثة تعلو وجوههم ..
و فجأة ..
ارتفع صياح صوت مألوف :
_نـــــــــــــــــــــــ� �ى .. !


إستدار الجميع إلى الشخص الواقف أمام الزقاق هتفت ندى و جسدها يهتز انفعالا و سعادة :
_زيـــــــــــاد .. زيـــــــاد !


تقدم زياد نحوهم و من النظرة الاولى فهم الموقف كله.
قال زياد في صرامة :
_أنتم .. دعوا الفتاة و شأنها !


لم تنتظر ندى شيئا حين اقترب زياد بما يكفي هرعت اليه مسرورة لنجاتها.
غمغمت ندى بارتياح :
_زياد .. لقد كان هؤلاء ..


قاطعها زياد وهو يسأل :
_هل أنت بخير يا ندى ؟


هزت رأسها إيجابا.
صرخ واحد من أولائك الرجال بغضب لتدخل زياد في مخططهم :
_هيــــــه.. من تظن نفسك يا هذا !


فابتسم زياد وهو يطلب من ندى التراجع للخلف في حين وقف هو في مكانه قائلا :
_هؤلاء مجموعة من الأوغاد يجب أن نلقنهم درسا أولا ،
و إلا لن نتمكن من المغادرة.


هزت ندى رأسها موافقة و تراجعت للوراء بضع خطوات فلم تملك ما تفعله عدا ذلك ،
و اخذت تراقب زياد بخوف شديد ،
خوف من أن يصيبه مكروه ما بسببها.

و لكن زياد بدا و كأنه يعرف ما يفعله تماما.
رفع رأسه بحركة مغترة تبعثرت إثرها شعرات رأسه المنسدلة و التي تلامس حاجبيه ،
قال :
_من يؤذيك يجب أن يدفع الثمن غاليا يا ندى !
هيا أيها الحمقى لما أنتم خائفون ؟


و اطلت نظرة استخفاف واضحة من عينيه
صاح أحد الرجال بحنق :
_أتجرأ على تحدينا يا هذا ؟؟


و بدت في وجوه الآخرين ملامح الحنق و الغضب ذاتها.
ضاقت عينا ندى و هي تسمع تلك الكلمات كانت تعرف أنها اشارة لبداية معركة غير متكافئة الأطراف.
و في محاولة من زياد لجعل المعركة عادلة قدر الإمكان ،
قرر أن يكون هو الطرف البادئ عل هذا يمنحه ميزة اضافية.
انقض زياد على الشاب الأول ،
و ثبته على الأرض ،
و وجه لكمة ساحقة لوجهه تلتها أخرى بقبضته الثانية و لكن سرعان ما أمسك به الشابان الآخران ،
حاول زياد بكل قوته التحرر من بين يديهما ،
و لكنه لم يستطع ،
نهض الشاب الذي كان زياد يضربه و مسح الدماء التي سالت من أنفه و فمه ثم عقد قبضته بقوة و هم بتوجيه ضربة لزياد يسترد بها كرامته ،
لكن ندى صاحت بتوتر :
_زيـــــــــــاد .. لا !


لم تدر ندى الأثر الذي تركته صيحتها في زياد ،
لقد اخترقت أذنيه ..
بل كيانه كله من طبيعته الرصينة ..
لتلقي به في عنق في أعماق مهنته القديمة كشاب عصابات.
انحنى زياد سريعا متفاديا لكمة الرجل و ركله في معدته بكل قوته ليسقط أرضا بعنف.
و استغل دهشة الآخرين فداس على قدم الأول ثم ضرب بمرفقه الرجل الثاني ليتحرر من أيديهم.
هتفت ندى باعجاب و ذهول :
_احسنت يا زياد !


نظر زياد اليهاو ابتسم بانتصار ، فتغيرت ملامحها وهي تهتف :
_انتبـــــــــــــه !!


انخفض زياد ليتفادى لكمة أحد الرجلين هو يؤدي في نفس الوقت تحية للجمهور و كأنه في استعراض مسرحي. الأمر الذي زاد ندى انبهارا و اعجابا ،
و جعل الرجال الثلاث يشتعلون غضبا.
وثب زياد نحو الرجل الأول و ركله في وجهه ركلة ساحقة قبل أن يستقر على الأرض و يحطم أنفه بلكمة كالقنبلة ،
و كان القتال سريعا حسمه زياد بلكمة أخيرة لآخر رجل اطاحت به فاقد الوعي.
نفض زياد يديه مبتسما و قال :
_هذا سيعلمكم أن لا تتعرضوا للناس بعد اليوم.


ثم إستدار إلى ندى التي كانت لا تزال منبهرة من قوته و مهارته.
ابتسم زياد و قال :
_هيا بنا يا آنسة ندى.


لم يدع لها زياد فرصة الاجابة بل جذبها من ذراعها و سار بها.
سرت رجفة في جسد ندى من حركته هذه ،
لاحظ زياد ذلك فابتسم قائلا:
_لا أريدك أن تغيبي عن ناظري حتى اوصلك إلى مركز الشرطة بسلام.


هزت ندى رأسها أخفضته خجلا و هي تستعيد عبارته قبل قليل :

_من يؤذيك يجب أن يدفع الثمن غاليا يا ندى !


جعل ذلك قلبها يخفق بشدة و سرعة لم تعدهما ،
فنظرت إلى وجهه في أثناء سيرهما ،
لقد بدأت تلحظ الآن فقط حسنه و وسامته ،
التفت زياد إليها فاسرعت بابعاد عينيها و كأنه سيتمكن من قراءة ما فكرت به.
ابتسم زياد و هز رأسه و كأنه تذكر شيئا ،
قال محاولا اخفاء تعابير خجله :
_صحيح يا آنسة ندى ، صرخت هناك حين كان ذلك الأحمق على وشك ضربي ،
هل ..
خفت علي ؟


طأطأت رأسها و قالت بكلمات منتقاة بعناية :
_أنا لا أحب الأذية لأحد !



........................




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:15 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


3 -


غمغم زياد وهو يخفف من سرعته :
_إذا .. هل لديك اسم أو ما شابه ؟!


تمتمت ندى بحيرة :
_اسم ماذا ؟!


ابتسم زياد مجيبا :
_أقصد اسم عمك.


هزت ندى رأسها و قالت :
_بلى .. أنه طبيب يعمل في المستشفى اسمه رمزي عادل.


توقف زياد فجأة وهو يهتف بدهشة :
_الدكتور رمزي عادل !!


غمغمت ندى بحيرة :
_هل تعرفه ؟!


ضحك زياد قائلا :
_بالطبع أعرفه ، أنه صديق والدي ، هيا سآخذك إلى المشفى حيث يعمل.


وسارا معا حتى وصلا الى المشفى حيث يعمل
الدكتور رمزي عم ندى .
و الذي كانت دهشته كبيرة حين اخبراه بما حدث معهما .

قال رمزي :
_اشكرك جزيل الشكر على ما فعلته يا زياد ، كان ذلك تصرفا نبيلا منك.


قالت ندى بإمتنان :
_أنا لا أعرف كيف اشكرك على ما فعلته، لقد كدت تفقد حياتك بسببي !



غمغم زياد :
_لا .. لا داعي للشكر ، لقد قمت بواجبي فقط.
سأذهب الآن .. بالاذن.


سار بضع خطوات وتوقف ، ابتسم و قال مخاطبا ندى :
_إلى اللقاء ، سنتقابل ثانية بالتأكيد.


ابتسمت ندى و قالت :
_أجل بالتأكيد.


و خرج زياد من الغرفة. قال رمزي مبتسما:
_إنه شاب طيب !


لم تعلق ندى بل بقيت تنظر إلى باب الغرفة و عيناها معلقتان على زياد الذي سار مبتعدا.


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ¤


كان زياد يسير في ممرات المستشفى في طريقه للخروج ، حين فوجئ بشخص خارج من إحدى الغرف ،شخص يعرفه تمام المعرفة. هتف زياد بدهشة :
_أسامة ؟! ماذا تفعل هنا ؟


التفت أسامة إلى زياد و اتسعت عيناه غير مصدق ، صاح أسامة:
_زياد هذا أنت !


و أردف وهو يعانقه بسرور :
_متى خرجت من السجن يا صديقي ؟


أجاب زياد :
_قبل اسبوع.


سأل أسامة :
_و لكن ماذا تفعل هنا ؟


ابتسم زياد قائلا :
_ هل تتغابى أنا سألتك أولا.


ضحك أسامة و قال :
_حسنا ، أنا هنا في زيارة لشخص مريض ، و أنت ؟


تابع و عيناه تشيران إلى الضماد الذي على رأسه :
_هل أنت بخير ؟؟


ابتسم زياد و قال :
_أنا بخير ، و لكن ...


إرتسمت الجدية على ملامح زياد وهو يستطرد :
_أود ان أحدثك في موضوع هام يا أسامة ، هل لديك بعض الوقت ؟


تمتم أسامة وهو ينظر اليه بحيرة :
_أجل بالطبع.


¤ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ¤

قال أسامة وهو يستند على على الحائط خارج المشفى، عاقدا ساعديه أمام صدره :
_إذا ...ما هو الأمر الهام الذي اردت مناقشته ؟


تنهد زياد و قال :
_أسامة ..أما زلت عضوا في عصابة الزعيم ؟


هز أسامة كتفيه ببرود و أجاب :
_أجل ..ربما مرت سنتان على سجنك ، ولكن شيئا لم يتغير في غيابك.


قال زياد بإصرار:
_عليك ترك تلك العصابة.


نظر أسامة إلى جديته للحظات قبل ان يقول بتحدي :
_و إن لم افعل ؟


هتف زياد بعصبية :
_أسامة أنا لا أمازحك ، أنت تعلم تمام العلم أن ما تقوم به خاطئ ،و إن امسكت بك الشرطة فستندم كثيرا !


قال أسامة وهو يستدير :
_إن كان هذا كل ما لديك ، فاسمح لي بالانصراف.


و هم بالمغادرة حين جذبه زياد من ذراعه و صاح :
_إن لم تستمع إلي فسأقصد الشرطة و أبلغها كل شيء عن العصابة.


سحب أسامة ذراعه من قبضة زياد وهو يقول :
_أراك صرت مثاليا يا زياد ، ولكن لما لا تحتفظ بمثاليتك هذه لنفسك ، أنا لا أستطيع ترك العصابة.


عقد زياد حاجبيه و قال مصححا :
_تقصد لا تريد تركها.


عاد أسامة يعقد ذراعيه قائلا بإستهزاء :
_و ما الفرق ؟


صاح زياد بغضب :
_لماذا تتحدث بهذه الطريقة ؟


لم يرد عليه أسامة فاستطرد بلهجة أقل حدة :
_أسامة أنا أعرفك جيدا ، لم تكن يوما شخصا سيئا بالرغم من كل ما فعلناه ، فما الذي اختلف الآن ؟ صدقني إن بقيت هكذا فسينتهي بك الأمر خلف القضبان ، و ذلك مكان لا أتمنى لصديقي أن يقضي بقية حياته فيه.


صمت أسامة للحظات ،
يتأمل الاصرار الذي يشع من عيني زياد ،
لقد كان يعلم أنه محق في كل ما قاله ،
محق في كل كلمة ،
و لكنه اغلق عينيه ،
و تنهد بمرارة ،
ثم عاد يفتحهما بثقل و هم ،
كلمات زياد ،
لطالما قالها لنفسه ،
و لكنه عجز عن تطبيقها ،
تمتم أسامة بهدوء :
_زياد ... انسى الأمر ، أعلم انك في شوق لتبدأ حياة جديدة ، و أنا لن أقبل بتوريطك بمشاكلي لذا ... انسى الموضوع ، دعني و شأني و اهتم بنفسك فقط.


قال زياد بإصرار :
_لا ... سأذهب الآن إلى والديك ، و أشرح لهما كل شيء عن العصابة ، إن لم تستمع إلي فستسمعهما رغما عنك.

خفض أسامة رأسه و قال بتأثر واضح :
_والدي ... توفي يا زياد.


صدم زياد و اتسعت عيناه بشدة ، و هتف غير مصدق :
_هل أنت جاد ؟


بقي أسامة صامتا دون أن يرد ، فقال زياد بأسى : _
متى حدث هذا ؟


أجاب أسامة :
_عقب دخولك السجن بأيام ....لقد مات في حادث سير.


غمغم زياد :
_أنا آسف لسماع هذا.



هز أسامة رأسه بصمت ، فسأل زياد بحزن :
_و ... كيف حال اخويك و والدتك ؟


أجاب أسامة وهو يغالب دموعه و يمنعها من المسيل :
_مرضت أمي و هي الآن في المشفى ، لقد خرجت للتو من عند الطبيب و حالها حرجة ، تحتاج عملية جراحية في اقصى سرعة و ..أنا..


و تابع بغصة
: _أنا لا أملك ما يكفي لعمليتها.


هز زياد رأسه بأسى وهو يرتب على كتفه قائلا:
_ألأجل هذا السبب تسرق مع عصابة الزعيم ؟


تنهد أسامة بعمق و تمتم :
_كنت قد تركت العصابة بعد ذلك الحادث ، و بعد أن سجنت أنت ، و لكن و بعد عدة أسابيع فقط مات والدي في حادث السيارة المروع ذاك ،كان علي أن أقوم بواجبي تجاه الأسرة ، وجدت لي عملا صغيرا في أحد المتاجر ، لأعيل أخوي الصغيرين ، و أمي التي كانت صحتها في تدهور مستمر ، كنت لا أجني كثيرا ، بالكاد اوفر لهم كفايتهم من الطعام و ايجار البيت ، و حين اشتد مرض أمي و أدخلت المشفى ، لم أملك ثمن علاجها ، و لم أجد عملا اجني منه مبلغا كالذي احتاج ، عرض علي الزعيم العودة للعصابة مقابل اجر ثابت كل شهر من محصلة السرقات ، لم يكن لدي أي خيار آخر يا زياد.


سأل زياد :
_و لكن ما العمل إن أمسكت بك الشرطة في إحدى المرات ؟ ما الذي سيحل بأخويك و بأمك حينها ؟


صاح أسامة بحدة :
_و ماذا سيحل بها إن لم تخضع للجراحة ؟ و أي خيار لدي ؟


صمت زياد ولم يملك اجابة ...


¤ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ¤



_زيـــــــــــــــاد ..زيـــــــــــــاد !


انتفض زياد على طاولة الإفطار وهو ينظر إلى وداد التي
قالت وهو تصب الحليب في الكأس الذي أمامه :
_ما بك يا زياد ، لست على ما يرام هذا الصباح ؟


صمت زياد وهو يفكر بموضوع شغل ذهنه ،
و استعاد كلمات أسامة ليلة البارحة التي أحزنته بشدة :
_مرضت أمي و هي الآن في المشفى ، حالها حرجة ، و تحتاج عملية جراحية في اقصى سرعة و ..أنا..أنا لا أملك ما يكفي لعمليتها.




قاطع شروده صوت رامي الذي ضحك قائلا:
_إنه ليس على مايرام ، لقد أصاب رأسه بالأمس ، و بالتالي فقد آخر ما كان في تلك المساحة الفارغة التي يدعوها دماغا.


رمقه زياد بنظرات غاضبة ، و هم برمي المملحة التي التقطها من الطاولة عليه حين قال والده :
_ زياد ، هل هناك ما يشغلك ؟ ألم تقل أن ندى و سائق الشاحنة كلاهما بخير ؟



أجاب زياد :
_الأمر لا يتعلق بالحادث.


ثم نهض عن الطاولة ، سألت وداد :
_إلى أين ؟ أنت لم تتناول شيئا بعد ؟


ابتسم زياد بتكلف و قال :
_لست جائعا.


سأل والده :
_و لما هذه العجلة يا بني ؟ إلا أين أنت ذاهب لا زال الوقت مبكرا ؟


نظر زياد إلى ساعة يده وهو يشرب بالاخرى كأس الحليب ، ثم قال :
_علي الذهاب إلى عملي لقد طلبوا مني الحضور مبكرا.


ثم توجه إلى الباب قائلا :
_إلى اللقاء جميعا.


وخرج تاركا البقية في حيرة من تصرفه


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ¤


كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا حين رن منبه ساعة أسامة دون توقف ،
تحرك في فراشه و رفع الوسادة ليغطي بها رأسه محاولا تجاهل الصوت ،
و لكنه لم يستطع نهض أسامة و أطفأ المنبه ،
فرك عينيه بإنهاك ،
و انتبه فجأة على الساعة ، صاح :
_يا الهي لقد تأخر الوقت !

نهض مسرعا غسل وجهه ،
ثم أسرع إلى غرفة اخويه الصغيرين ، توجه إلى السرير الأول ، قال وهو يهزه برفق :
_ماجد ... ماجد انهض هيا لقد تأخرت عن المدرسة.


نهض ماجد ذو الست سنوات هو يتثائب بنعاس ، و غمغم وهو يعود للاستلقاء من جديد :
_دعني أنم خمس دقائق يا أسامة ارجوك.


رفعه أسامة و أجلسه من جديد وهو يقول بتهديد :
_ايقظ اختك حالا و تجهزا فيما أعد الإفطار ، و إياك أن تعود للنوم هل تسمعني
.

ثم تركه يتذمر و توجه إلى مطبخهم الصغير ،
بعد نصف ساعة انهى أسامة تحضير طبق البيض المتواضع ،
و وضعه على الطاولة الصغيرة التي تتوسط المطبخ و وضع كأسي عصير أيضا ، ارتفع فجأة صوت بكاء طفل ، تنهد أسامة وهو يتمتم :
_لا ... ليس الآن.


دخلت إلى المطبخ ، طفلة صغيرة في نحو الثالثة من عمرها وهو تبكي بحرقة ،رفعها أسامة عاليا و حملها وهو يسأل : _
ما الأمر ؟ لما تبكي الصغيرة الجميلة ؟


أجابت الطفلة وسط بكائها :
_مـ .. ماجد... لـ.. لقد ..


وعادت تبكي من جديد ، صاح أسامة بغضب :
_ماجد ، ماذا فعلت لرنا ؟؟


أجاب ماجد بصوت عالي من الغرفة :
_لم أفعل لها شيئا.

ثم خرج عابس الوجه ، يحمل بين يديه كتابا ممزقا ، و قال بصوت باكي :
_هي التي مزقت كتابي ، ماذا سأقول للمعلم الآن ؟


تنهد أسامة و قال :
_لا بأس أنا سأصلحه ، هيا إلى تناول الطعام.

و أجلس رنا على الكرسي إلى الطاولة ، و جلس ماجد في مكانه ، تناولا وجبتهما سريعا، و استعدوا للخروج ، كان أسامة يساعد رنا في ارتداء حذائها ، في حين استمر ماجد في تذمره وهو يهتف :
_متى ستصلح الكتاب لقد وعدتني ، لقد وعدتني !


قال أسامة وهو يحمل رنا:
_أنا آسف يا أخي ، لم يعد لدينا متسع من الوقت لقد تأخرت عن المدرسة ، و علي ايصال رنا إلى منزل العمة سميرة ، هيا بنا الآن.


تشبتت رنا بأسامة حين سمعت اسم العمة سميرة ، قالت بصوت طفولي وهي تبكي :
_لا .. لا .. أريد البقاء معك أنت ، لا أريد العمة سميرة.


قال أسامة بحزن :
_يكفي يا رنا يكفي ، ألم اطلب منك أن لا تبكي ابدا ، أنا لا أستطيع البقاء ، و لكني سأعود سريعا أنا اعدك ، لن تسعد أمي أن رأتك تبكين ، أليس لذلك ؟


مسحت رنا دموعها و هي تتمتم :
_صحيح .


ابتسم أسامة قائلا :
_جيد ، هل من شكاوي أخرى.


هز كل من ماجد و رنا رأسه نفيا ،
فضحك أسامة وهو يقول :
_هيا بنا إذا.


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ¤


شعر زياد بالتوتر وهو يتقدم إلى الغرفة ،
بعد أن فتح أحد الحراس اقفال الباب ،
تلك الاقفال التي زادته توترا ، فقد شعر أن ذلك المريض يشكل تهديدا على حياة الآخرين ، و إلا لما احتجزوه هكذا. فوجئ زياد بجو الغرفة الكئيب ، كانت مظلمة و بالكاد استطاع رؤية الطاولة أمامه حيث وضع صينية الطعام التي يحملها ، و خاصة و ان الحارس أعاد إغلاق الباب من فوره ، لكنه كان واثقا انها غرفة فاخرة كحال كل شيء في هذا البيت.
تقدم إلى النافذة يفتحها ، ليسمح لاشعة الشمس بالدخول ، ولكن تلك القضبان أثارت دهشته و حيرته . اتضحت معالم ذلك الظل الأسود على السرير ، إنه رجل ذو وجه مألوف ، شهق زياد بدهشة و قد تذكره قائلا :
_إنه أنت !


لم يبدي كمال الذي اسند ظهره بظهر السرير ، أي ردة فعل أو انزعاج من الضوء القوي ، لقد بقي خافضا رأسه و عيناه تحدقان أمامه في الفراغ. ابتسم زياد وهو يقول بشيء من الارتياح :
_مرحبا ! افترض أنك لا تذكرني.


لم يجب كمال ، فأردف زياد :
_تقابلنا قبل اسبوع تقريبا ، ألا تذكر الحادث حين كادت تلك الشاحنة تدهسك ؟


أدار كمال وجهه بصمت إلى جهة الصوت ، دون ان يحرك عينيه ، سأل زياد :
_الا تذكر من اصطدم بك في الطريق ، لقد أنقذتك من الشاحنة !


عاد كمال ينظر أمامه ، و بقي صامتا بضع لحظات قبل أن يقول بصوت أقرب إلى الهمس :
_لما أنت هنا ؟


أجاب زياد و ذهنه يحاول استيعاب كل ما رآه حتى الآن :
_أنا أعمل هنا ، لقد أحضرت لك طعام الإفطار.


صرخ كمال فجأة بانفعال :
_لا أريد شيئا ، اخرج من هنا !! هيا اخرج !


سأل زياد و قد اتسعت عيناه دهشة :
_لماذا ؟!


صرخ كمال بصوت اعلى :
_قلت لك اخرج ، أعلم أن جابر أرسلك إلى هنا ، أنت وغد مثله تماما ، لم تنقذ حياتي إلا لأن مصلحتكم تنصب على ذلك .. هيا اخرج !


ردد زياد بحيرة :
_جابر .. من جابر ؟


و لأن كمال واصل صراخه الهستيري مطالبا زياد بالخروج ، فتح أحد الحراس الباب ليخرج زياد من الغرفة ، و في ذهنه أسئلة عدة لم يعثر على إجابات لها.


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ¤



يتبع ........................


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:16 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




شعر زياد بالتوتر وهو يتقدم إلى الغرفة ،
بعد أن فتح أحد الحراس اقفال الباب ،
تلك الاقفال التي زادته توترا ، فقد شعر أن ذلك المريض يشكل تهديدا على حياة الآخرين ، و إلا لما احتجزوه هكذا. فوجئ زياد بجو الغرفة الكئيب ، كانت مظلمة و بالكاد استطاع رؤية الطاولة أمامه حيث وضع صينية الطعام التي يحملها ، و خاصة و ان الحارس أعاد إغلاق الباب من فوره ، لكنه كان واثقا انها غرفة فاخرة كحال كل شيء في هذا البيت.
تقدم إلى النافذة يفتحها ، ليسمح لاشعة الشمس بالدخول ، ولكن تلك القضبان أثارت دهشته و حيرته . اتضحت معالم ذلك الظل الأسود على السرير ، إنه رجل ذو وجه مألوف ، شهق زياد بدهشة و قد تذكره قائلا :
_إنه أنت !


لم يبدي كمال الذي اسند ظهره بظهر السرير ، أي ردة فعل أو انزعاج من الضوء القوي ، لقد بقي خافضا رأسه و عيناه تحدقان أمامه في الفراغ. ابتسم زياد وهو يقول بشيء من الارتياح :
_مرحبا ! افترض أنك لا تذكرني.


لم يجب كمال ، فأردف زياد :
_تقابلنا قبل اسبوع تقريبا ، ألا تذكر الحادث حين كادت تلك الشاحنة تدهسك ؟


أدار كمال وجهه بصمت إلى جهة الصوت ، دون ان يحرك عينيه ، سأل زياد :
_الا تذكر من اصطدم بك في الطريق ، لقد أنقذتك من الشاحنة !


عاد كمال ينظر أمامه ، و بقي صامتا بضع لحظات قبل أن يقول بصوت أقرب إلى الهمس :
_لما أنت هنا ؟


أجاب زياد و ذهنه يحاول استيعاب كل ما رآه حتى الآن :
_أنا أعمل هنا ، لقد أحضرت لك طعام الإفطار.


صرخ كمال فجأة بانفعال :
_لا أريد شيئا ، اخرج من هنا !! هيا اخرج !


سأل زياد و قد اتسعت عيناه دهشة :
_لماذا ؟!


صرخ كمال بصوت اعلى :
_قلت لك اخرج ، أعلم أن جابر أرسلك إلى هنا ، أنت وغد مثله تماما ، لم تنقذ حياتي إلا لأن مصلحتكم تنصب على ذلك .. هيا اخرج !


ردد زياد بحيرة :
_جابر .. من جابر ؟


و لأن كمال واصل صراخه الهستيري مطالبا زياد بالخروج ، فتح أحد الحراس الباب ليخرج زياد من الغرفة ، و في ذهنه أسئلة عدة لم يعثر على إجابات لها.


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ¤


تنهدت ندى و هي تسير خارجة من تلك المدرسة الداخلية ، و خلفها تسير سيدة متقدمة في السن تضع نظارات طبية ، وقفت ندى أمام الباب الخارجي ، و إستدارت نحو السيدة و قالت بنبرة حزن :
_أقدر لك محاولتك الجادة يا سيدتي ، اشكرك على أي حال.


قالت السيدة بأسف :
_لو كان بوسعي تقديم معلومات مفيدة لفعلت ، و لكن أخاك ترك المدرسة قبل ١١ عاما ، و لم نسمع عنه منذ ذلك الوقت.


ابتسمت ندى قائلة :
_لا بأس ، أنا متفائلة و سأعثر عليه حتما ، اشكرك من جديد و إلى اللقاء.


هزت السيدة رأسها و قالت :
_إلى اللقاء يا ابنتي ، و بالتوفيق.


و سارت ندى في طريقها


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ¤

تنهد أسامة بعمق قبل أن يدخل الغرفة رقم ٢٣ في المستشفى ،
تقدم حتى وقف أمام المرأة الشاحبة الممددة على السرير ،
و التي تمتد أنواع من الأجهزة الطبية و الأسلاك من جسمها ،
أرتسمت لمحة حزن واضحة على وجهه وهو يتأملها ،
إنها على هذه الحال منذ أشهر عديدة....
حية و لكنها ليست بيننا....
غير قادرة على الحراك....
في غيبوبة لا يدري أتصحو منها أم ترحل إلى الأبد ....
كان لا يستطيع اخفاء ملامح الخوف على وجهه ،
خوف و قلق من المستقبل و ما يخبئه.
جلس على المقعد أمامها كما يفعل كل صباح ، و أمسك بيدها و قال :
_أمي .. لقد حضرت لرؤيتك.


و ابتسم رغما عنه وهو يردف :
_أصر ماجد و رنا على مرافقتي ، و لكني وعدت بإحضارهما إذا تحسنت حالتك.


ثم ضغط على يدها وهو يستطرد بألم :
_ألا تودين رؤيتهما ؟ انهما في شوق لرؤيتك !


انتظار رد منها كان شيئا سخيفا أنب نفسه عليه مرارا ،
فقد كان هذا لا يزيده سوى ألما ،
و لكنه لم يملك خيارا سوى التحدث إليها ، حتى لو لم تسمعه :
_لما لا تحاولين الصمود أكثر يا أمي ، أعلم أنك قوية بما يكفي ، سيكتمل المبلغ المطلوب قريبا ، و ستتعافين بعد الجراحة بإذن الله ، سيعود كل شيء إلى طبيعته كما كان ، أنا أعدك ، و لكن عليك بدورك أن تعديني بالصمود حتى ذلك الحين ، حتى تعودي لنا و نجتمع من جديد.


قال كل حرف وهو يدعو و يتمنى من أعماقه أن يتحقق .
ثم قبل يدها و نهض خارجا من الغرفة ،
و لم يلحظ تلك الحركة و الإرتعاشة التي سرت في يدها


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ¤


في ذلك المطعم الصغير...

كان والد زياد " سالم " جالسا على إحدى الطاولات يعمل على بعض الأوراق و يدرس بعض المشاريع ، بصفته المهندس الأول في الشركة كان يكد في عمله لينهي دراسة المشروع الجديد بأقصى سرعة ، كان سالم منهمكا في عمله و لم يجد وقتا حتى لتناول وجبة الغداء التي طلبها ، تنهد بإرهاق و رمى القلم على الطاولة وهو يتراجع في الكرسي ، و ابتسم حين رأى رمزي يتقدم نحوه ، قال رمزي وهو يجلس على المقعد الخالي أمامه :
_مرحبا سالم ، أراك غارقا في العمل كعادتك.


قال سالم بابتسامة :
_أهلا رمزي ، ماذا تفعل هنا ؟


أجاب رمزي :
_جئت لأتناول غدائي ، هاربا من نكد العمل على خلافك ، فأنت تحب الانشغال في العمل حتى في استراحة الغداء.


ضحك سالم وقال :
_ربما تركيزي الدائم في العمل سبب مشاكلي كلها ، و لكن قل لي كيف حالك ؟ وما أخبار ابنة أخيك ؟


تنهد رمزي و قال :
_إنها مصرة على البحث عن أخيها المفقود ، أخبرتها أني بذلت كل ما بوسعي لايجاده قبل ١١ عاما و لكني لم أستطع العثور على شيء ، لذا لا جدوى من محاولاتها الآن ، إنها عنيدة للغاية ، لم أستطع تغير رأيها ، فتركتها تفعل ما تشاء.


قال سالم :
_من الطبيعي أن لا تستطيع اقناعها أن أخاها اختفى هكذا ، دعها تبحث عنه حتى تتأكد بنفسها ، أنها تفعل ذلك لا لأنها لا تثق بك ، بل لأنها لا تستطيع قتل الأمل الذي في قلبها ، إن عثرت عليه سيكون هذا رائعا ، و إن لم تعثر عليه فستتمكن من تجاوز الأمر رغم خيبة الأمل.


هز رمزي رأسه قائلا :
_اتمنى هذا.


ثم ابتسم وهو يستطرد :
_و الآن ألن تطلب لي الغداء.


قال سالم باستغراب :
_و لما اطلب أنا لك ؟ اطلب طعامك بنفسك.


أجاب رمزي :
_أنا دعوت نفسي إلى الغداء على حسابك ، هل لديك مانع ؟


ضحك سالم و قال :
_كلا لا مانع لدي ، و لكن هذه المرة فقط.


و أشار للنادل مناديا


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ¤


كان رامي يسير حاملا صينية غدائه ، وهو منشغل بالتحدث مع صديقه الذي يسير خلفه ، فاصطدم عرضا بذلك الفتى الطويل أمامه ، إستدار اليه الفتى و دفعه بعنف دون سابق إنذار ، فوقع رامي أرضا ، و انسكب كل ما كان في صينية طعامه على ملابسه ، ضحك الفتى و كذلك رفاقه من خلفه و قال :
_أيها القزم ! ألا ترى أمامك ، كم مرة حذرتك من التسكع في منطقة تخص الكبار !


هب رامي واقفا وهو يستشيط غضبا ، كان من أكثر ما يزعجه أن يناديه أحد بالقزم ، لأنه و على خلاف زملاءه ،كان لا يتمتع بالطول المناسب لسنه. صاح رامي بغضب
: _هل تعتقد أن طولك هذا يجعلك شيئا مهما يا سامر ؟؟ انه ليس سوى امتداد يعكس عقلك الفارغ.


شده سامر من قميصه وهو يصرخ :
_و تجرأ على إهانتي أيها القزم !!

كان فارق الطول و الحجم واضحا بينهما ، مما جعل نتيجة هذه المعركة معروفة لجميع الأولاد الذين تجمعوا حولهما ، و أخذوا يشجعون سامر. قال رامي :
_أن اردت الشجار فهناك أماكن أكثر ملائمة من كفتيريا المدرسة.


زفر سامر باستهزاء و قال :
_هل أنت خائف من مواجهتي أيها القزم ؟


قال رامي وهو يبعد يديه عنه بعنف :
_كلا يا فارغ الرأس ، و لكن شجاري معك هنا لن يتم أبدا ، سيتدخل المراقبون و نتعرض لمشاكل يمكن تفاديها إذا استخدمت عقلك ، لنحدد مكانا آخر للشجار.


هز سامر رأسه باقتناع و قال :
_حسنا ، اليوم بعد غروب الشمس ، في الحي القديم ، إن لم تحضر فسأشهم رأسك !


ثم دفع رامي بكتفه وهو يغادر و من خلفه رفاقه ، تنهد رامي بعمق وهو يتمتم :
_ما الذي ورطت نفسي فيه ، لن افوز أبدا في شجار مع الجرافة سامر !


_كان عليك التفكير مليا قبل اقتراح معركة حرة لا يقاطعكما فيها أحد.


إستدار رامي إلى جمال الذي نطق العبارة وهو يهز رأسه مشفقا ،
قال رامي وهو يتوجه معه إلى مقعده في طاولتهما :
_و أي خيار كان لدي ، إن شاجرت أحدا في المدرسة ، سيقتلني أبي ، إنه يشك و يدقق في ظنا منه أني سأصبح كزياد مثيرا للمتاعب.


ضحك جمال و قال :
_إذا الحل الوحيد أمامك هو تجاهل الموعد و التخلف عن الحضور.


صاح رامي وهو يمسك بكتفيه و يهزه :
_و لكن هل أنت مجنون ! لقد قطعت وعدا أمام المدرسة كلها ، ما الذي سيقال عني إن جبنت و تخلفت عن الحضور ؟؟


مط جمال شفتيه وهو يبعده عنه و قال :
_أنت من ورط نفسك في هذا لذا اذهب إلى نزال خاسر.


ثم نهض مضيفا :
_أعدك أنني سأزورك في المشفى يا صديقي ، إلى اللقاء


. قالها وهو يلوح له بيده مغادرا ، صاح رامي بغضب :
_أحمق !


و رمى بعلبة العصير نحوه لكنها لم تصبه ،
فسمع ضحكات جمال وهو يبتعد ،
هز رامي رأسه وهو يفكر بعمق مغمغما :
_و الآن ما الحل ، كيف اتصرف ؟



¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ¤




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:32 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


4 -



سأل زياد الطاهية التي انهمكت بترتيب وجبة الغداء في الصينية :
_هل تعرفين من هو جابر يا سيدتي ؟


التفتت اليه بحدة و قالت :
_و لماذا تسأل ؟؟


أجاب زياد :
_لقد سمعت المريض يذكر هذا الاسم !


قالت محذرة وهي تناوله الصينية :
_نصيحتي لك أيها الفتى ، أن لا تكثر من الأسئلة ، ألم يكن هذا أول شرط حين قبلت العمل هنا ؟


قال زياد :
_بلى و لكن ....


قاطعته وهي تستدير إلى القدر و تحركه :
_من غير لكن ، نفذ الشرط إن كنت حريصا على سلامتك !!


كان كلامها يزيد من حيرة زياد و دهشته ، و لكنه لم يجد أمامه مجالا للسؤال ، و توصل أخيرا إلى أن هناك سرا عظيما وراء ذلك المريض ، و ذلك المدعو جابر ، بدليل أن الجميع يتحاشون الحديث عن أي شيء يخصهما ، وقف زياد أمام غرفة كمال من جديد ،
و فتح له الباب ، و ما إن دخل حتى أوصد من جديد .
الاقفال...
الحراس...
السرية و التكتم...
كل هذه الأمور لم ترح زياد أبدا .
تقدم إلى الطاولة ليرى أن الوجبة التي تركها صباحا لاتزال على حالها ،و رأى كمال لايزال جالسا على وضعيته نفسها. وضع صينية الغداء إلى جانب الاولى ، و تنحنح مغمغما:
_عفوا ..!


قال كمال دون أن يبدي أي تعبير :
_ماذا تريد ؟


ابتسم زياد وهو يغمغم بخفوت :
_جيد ، يبدو أنه قد هدأ.


و استطرد وهو يتأمل معالم الغرفة :
_لقد احضرت لك شيئا تأكله ، ألست جائعا ؟


لم يرد عليه كمال فتابع :
_أنت لم تأكل شيئا هذا الصباح ، و في الواقع ... أنت لم تأكل جيدا منذ أيام ، أليس كذلك ؟


كرر كمال سؤاله :
_ماذا تريد ؟؟


قال زياد :
_قلت لك أحضرت وجبة ...


قاطعه كمال وهو يرفع رأسه للجهة التي يقف فيها :
_و ما همك إن لم آكل ؟


أجاب زياد ببساطة :
_إنه محور عملي ، علي أن استحق المرتب الذي سأحصل عليه آخر الشهر.


ثم هز رأسه و أضاف :
_أو ربما لأنني لا أريد رؤيتك تتضور جوعا أمامي حتى تتحول إلى هيكل عظمي !


زفر كمال وهو يرسم على شفتيه ابتسامة ساخرة و قال :
_أو ربما لأني إن بقيت هكذا سأموت ، و هذا لا يتناسب و مصالح رئيسك في العمل.


سأل زياد :
_من ؟ أتقصد السيد مهران ؟؟


تمتم كمال باستغراب :
_قلت مهران ؟! إذا أنت لست مهما بما يكفي ليوظفك جابر بنفسه !


سأل زياد بحيرة :
_ولكن من هو جابر هذا ؟!


قال كمال :
_ألا تعرف جابر حقا ؟!


قال زياد وهو يسحب كرسيا من الطاولة ليجلس عليه :
_كلا ، أنا لا أعرفه ، حاولت أن اسأل العاملين هنا و لكنهم رفضوا اخباري أي شيء ، هذا بالاضافة إلى التهديدات الصريحة التي تلقيتها ، قل لي من هو جابر هذا ؟ و لماذا يحتجزك هنا ؟


عقد كمال حاجبيه بحنقة وقال :
_لأني شخص مريض كما يقول !!


قال زياد بإشفاق :
_اهدأ قليلا ، يبدو أن هذه المسألة تثير حساسيتك !


اغلق كمال عينيه بصمت وهو يتنهد بعمق ، فأردف زياد :
_صدقني أنا لا أعرف جابر هذا أو أي شيء آخر ، اعترف بأني تسرعت حين قبلت بهذا العمل و الآن يبدو لي الوضع غريبا فعلا ، كل هذا العدد من الحرس ، و هذا المنزل الكبير الذي لا يسكنه أحد سواك ، و تلك القضبان و الاقفال ، و اطلاق النار ، أنا لا أفهم شيئا مما يحدث هنا ، هل بمقدورك أن تشرح لي ؟؟


صمت كمال لبرهة و قد شعر بالصدق في صوته ، ثم سأل :
_أتحاول القول أنك لم تكن تعرفني حين قابلتك في الشارع ؟


أجاب زياد :
_أجل بالطبع ، لقد أتيت إلى هنا من أجل إعلان في الصحيفة ، و فوجئت برؤيتك.


تمتم كمال :
_إذا كان هذا صحيحا ، يفضل أن ترحل قبل أن تتورط أكثر.


سأل زياد باهتمام :
_و لكن ما الذي سيصيبني مثلا ، لما يهددني كل من اسأله عن هذا الأمر ؟


هز كمال نفيا و قال :
_أنا لا أهددك ، أنا أحذرك من مشكلة حقيقية ، لا يجب أن تعرف أكثر من اللازم.


سأل زياد بنفاذ صبر :
_هل ستخبرني عن جابر أم لا ؟


قال كمال :
_أريد أن أعرف أولا لما أنت مهتم ؟


صمت زياد لبرهة و أجاب :
_بإمكانك القول أنني قلق على مستقبلي ، لا ادري لما أشعر أن جابر هذا مجرم محترف ، و يزداد اقتناعي بهذه الفكرة عندما اتذكر العقد الذي وقعته ، لقد جعلوني اوقع عقدا كي لا أستطيع ترك العمل أو الاعتراض عليه ،و أنا لا رغبة لدي بمخالفة القوانين بأي شكل من الاشكال.


هز كمال رأسه بتفهم وهو يقول :
_لعل كل ما تحتاج إلى معرفته ، هو أنك على حق ،إن جابر كـ" الأمونيا " !


ردد زياد بدهشة :
_الأمونيا ؟! و ماذا تكون هذه الأمونيا ؟؟


ابتسم كمال ابتسامة باهتة وهو يقول :
_أنها مادة كيميائية لما لا تبحث عنها ؟


ضحك زياد قائلا :
_و هل هذا واجب مدرسي !


ثم نهض واقفا ، و سحب الطاولة حتى ألصقها بالسرير ، و كمال في حيرة مما يفعله ، جلب زياد كرسيه و جلس وهو يقول : _هيا تناول طعامك لقد برد. قال كمال وهو يتحسس الطاولة بأطراف اصابعه :
_ماذا فعلت ؟ لما سحبتها إلى هنا ؟ أنا لا آكل لأني ارغب بذلك ، و ليس لأني لا أقدر على النهوض !


ابتسم زياد وهو يقرب نحوه صحنا و قال :
_و أنا لا أريد أن اطرد من عملي منذ اليوم الأول ، فكيف سأعرف قصة جابر هذا ؟ لما لا تأكل يا ..


تطلع اليه زياد لبرهة ثم سأل :
_عفوا و لكني لم أعرف اسمك بعد.


اجابه :
_اسمي كمال.


سأل زياد :
_هل تحتاج مساعدة يا كمال ؟


عقد كمال حاجبيه بانزعاج وهو يلتقط الملعقة من الطاولة قائلا:
_كلا ، أنا آكل وحدي دون أي مساعدة منذ خمس سنوات ، و لم يتغير شيء الآن !


ابتسم زياد و قال :
_كما تشاء .


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ¤


_يتبع..........
،


،



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:40 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي





لم تكن ****ب الساعة قد تجاوزت السابعة و النصف مساءا ،
حين فتح زياد الباب و دخل الشقة .
سمع أصوات مرتفعة في البيت ، فتقدم بحيرة ليعرف مصدرها ، حتى وصل إلى غرفة الجلوس ، رأى زياد والده واقفا وهو يصيح بغضب ، استمع إلى كلماته دون أن يفهم ما المقصود منها :
_انظر إلى نفسك الآن !!
انظر إلى كل هذه الكدمات على وجهك !!
أما كان بإمكانك إخباري ؟؟
كانت هذه المشكلة ستحل دون أن تتعرض للضرب !!
و لكنك أصررت على القتال !!
حتى أن فكرة الشجار خارج المدرسة كانت فكرتك !! لم اتوقع منك مثل هذه التصرفات !!
ما الذي استفدته الآن من تهورك ؟؟
أجبنــــــــــــي ؟؟؟


تقدم زياد أكثر ليرى من المعني بهذا الكلام ،
اتسعت عيناه حين رأى رامي جالسا على الكنبة ،
وهو يضع كيس ثلج على وجهه المتورم الذي غطته الكدمات ، هتف زياد بقلق :
_رامي ، ما الذي أصابك ؟


نظر اليه رامي لحظة ، ثم عاد ينظر لأسفل دون أن يرد ،
لقد كان متضايقا من تأنيب أبيه المستمر منذ وصوله للبيت و حتى الآن .
تنهد سالم بعمق وهو يجلس قائلا :
_لقد تعارك مع طالب في المدرسة ، أتصدق هذا ؟


نقل زياد بصره بين والده و بين أخيه ، ثم جلس بجانب الأخير قائلا :
_حسنا ، أعتقد أن مثل هذه الأمور تحدث.


صاح سالم بعصبية :
_قلت تحدث ! و كيف هذا ؟ أتحاول القول أن ما فعله شيء عادي ؟ انظر اليه ، كانت النتيجة ستكون أسوأ لو لم يفض ذلك الشجار الغير مبرر.


صاح رامي بغضب وهو ينهض :
_أنت لم تستمع إلي لتعرف إذا كان مبررا أم لا ، لقد كنت أدافع عن نفسي و أنا لم أخطئ !


ثم رمى بكيس الثلج على منضدة أمامه ، وهو يخطو خارجا من الغرفة ، دخلت وداد وهي تحمل علبة الإسعاف الأولية ، قالت :
_إلى أين يا رامي ؟


تجاوزها رامي دون أن يرد ، و سمعوا دوي باب غرفته وهو يصفقه بعنف. غمغمت وداد :
_ما الذي أصابه ؟ لماذا يتصرف هكذا ؟


عقد سالم ذراعيه وهو يتراجع في مقعده قائلا :
_أي سلوك هذا ؟


تمتم زياد :
_سلوك طبيعي !


تطلع اليه سالم بغضب وهو يسأل :
_ماذا قلت ؟

وضعت وداد العلبة على الطاولة وجلست ، قال زياد :
_أبي أنت تبالغ في ردة فعلك ، لقد قمت بكثير من المشاجرات حين كنت في مثل سن رامي ، و لكنك لم تغضب هكذا من قبل ، الأولاد يتشاجرون دائما ، انه شيء طبيعي ، و في العادة ليست فكرة الشجار هي المشكلة ، بل الطرف المخطئ ، و أنت لم تسأل رامي ، ربما يكون الولد الآخر مخطئا في حقه.


تنهد سالم من جديد و قال :
_أيا كان السبب ، ما كان عليه اللجوء للعنف لحل مشاكله.


سألت وداد :
_هل تحدثت مع والدي الفتى الآخر ؟


هز سالم رأسه ايجابا و قال :
_أجل لقد تحدثنا إلى مدير المدرسة و حللنا المشكلة.


تمتم زياد :
_لا أظن.


نظر اليه سالم بحدة ، فابتسم زياد بعصبية ، وهو يرى عيني والده الغاضبتين و نهض قائلا :
_سأذهب لاطمئن على رامي.


ثم أخذ علبة الاسعافات الأولية من المنضدة و انصرف.
أطلق سالم زفرة حارة وهو يضغط بأصابعه على عينيه محاولا تخفيف الصداع الذي ينتابه ، قالت وداد بهدوء :
_أظنك قسوت على رامي.


نظر إليها و قد بدا التعب في عينيه ، فأردفت :
_أعلم أنك قلق عليه ، أنت تخشى أن ينتهي به الأمر بالسجن كزياد ، و لكن رامي و زياد شخصان مختلفان ، و عليك أن تفهم هذا.


قال سالم :
_ربما ، و لكني لا أستطيع إخفاء قلقي عليه ، أنا أحمل نفسي مسؤولية ما أصاب زياد ، و لا أريد للخطأ ذاته أن يتكرر مع رامي.


قالت وداد :
_إن رامي ولد متزن و عاقل.


سكتت لبرهة ثم اضافت :
_أكثر اتزانا من زياد و منك !


ردد سالم باستغراب :
_مني أنا !؟


ابتسمت وداد قائلة :
_أظنك نسيت ، لقد كنت كزياد تماما في الماضي ، كثير المشاكل ، و كثير المشاجرات ، و لكن بعض الطيش لا يجعل المرء شخصا سيئا ، لما لا تثق بابنك.


هز سالم رأسه و قال :
_ليست مسألة ثقة ، ولكني سأحاول.


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ¤


تأوه رامي حين وضع زياد المطهر على جرح في مرفقه الأيمن ، قال زياد ضاحكا :
_أود أن أفهم ماذا فعل بك حتى أصبحت هكذا ؟ يبدو و كأن القتال كان من طرف واحد فقط.


صاح رامي باحتجاج :
_غير صحيح ، كان عليك رؤيته ، لقد كانت حاله أسوأ بكثير.


أغلق زياد علبة الاسعافات الأولية ، و جلس الى جانبه على طرف السرير وهو يسأل :
_حقا ؟


أدار رامي عينيه جانبا و غمغم :
_كلا !


أطلق زياد ضحكة أخرى وهو يهتف :
_لقد مسح بك الأرض.


و أخذ يضحك باستفزاز ، رفع رامي الوسادة ، و رماها نحو زياد ليسكته، و لكن زياد تجنبها و ارتفعت ضحكاته أكثر ، مما جعل رامي يزداد غضبا ، توقف زياد عن الضحك حين لاحظ انزعاجه و قال :
_هيا لا داعي للعبوس ، أنا امزح معك.


ثم ابتسم بمكر وهو يضيف :
_سيزداد وجهك تورما إن بقيت عابسا تشد على عضلاته !


صاح رامي بغضب :
_لا احتاج نصائحك أيها المزعج.


و رمى بوسادة ثانية ، جاءت في وجه زياد هذه المرة ، ابتسم رامي بإنتصار قبل أن يقول :
_هيا اخرج أريد أن ارتاح.


قال زياد بجدية وهو يعيد الوسادة إلى السرير :
_رامي ، ما اسم الولد الذي فعل بك هذا ؟


نظر اليه رامي باستغراب و سأل :
_و ماذا تريد من اسمه ؟


أجاب زياد بذات النبرة الجادة :
_لدي حديث معه ، اخبرني اسمه و حسب.


عقد رامي حاجبيه و قد فهم ما ينوي شقيقه فعله و هتف :
_مستحيل ، لن اسمح لك يا زياد ، أفضل أن أتعرض للضرب على أن يتدخل أخي الأكبر للدفاع عني.


عقد زياد حاجبيه و قال بصرامة :
_رامي ، لا تكن أحمقا ، إن كان هذا الفتى من أولائك الأولاد مثيري المتاعب ، فلن يتركك و شأنك ، قل لي اسمه و أنا سأتفاهم معه.


صاح رامي بعناد أكبر :
_لن أقول شيئا ، أنت لا تعرفه ، حتى إن استطعت تلقينه درسا ، فسيعود في اليوم التالي مع أفراد عصابته ، ستكبر المشكلة و أنا أريد أن ينتهي هذا الموضوع.


صاح زياد بغضب :
_رامي ، تكلم .. أنا لست خائفا منه أو من رفاقه.


قال رامي :
_أنت لا تعرفهم ، إنهم أولاد سيئون ، إنهم أفراد عصابة تدعى عصابة الزعيم ، يخرقون القانون ، و لا يأبهون لأي شيء.


اتسعت عينا زياد و ردد مصدوما :
_عصابة .. الزعيم !


أومأ رامي برأسه إيجابا ، فعقد زياد حاجبيه بغضب وهو يصيح بحدة :
_أليس هناك من يستطيع وضع حد لهؤلاء الحمقى ؟؟


قاطعهم صوت قرع على الباب ، و دخلت وداد قائلة :
_هيا تعاليا لتناول العشاء.


ثم انصرفت ، نهض رامي ليلحق بها ، فيما بقي زياد في الغرفة يستشيط غضبا ،
تلك العصابة التي كانت السبب في دخوله السجن ...
تلك العصابة التي تستغل حاجة صديقه ...
الآن تؤذي أخاه ...
لم يكن ليسكت عن شيء كهذا ،
و لكن ما الذي سيفعله ، شد قبضتيه وهو يغمغم :
_ليتني أخبرت الشرطة بأمرهم قبل عامين ، أنا الملام في هذا.


سمع صوت وداد ينادي ، فتنهد و خرج من الغرفة


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ¤



في ذلك المستودع القديم ، في الحي الثالث من أحياء تلك المنطقة المتواضعة من المدينة ،
جلس ذلك الشاب "الزعيم" على أحد الصناديق المبعثرة في المستودع ،
حوله مجموعة من الشبان يوزع عليهم نقودا من الكيس الذي أمامه ،
أخذ جميع من كان في المكان حصتهم عدا أسامة الذي جلس بعيدا فوق مجموعة من الصناديق ، ابتسم أحد أولائك الشباب بخبث ، وهو يتوجه نحو أسامة ، قال :
_كيف حال والدتك المريضة يا أسامة ؟


تطلع اليه أسامة بحدة و قال :
_هذا أمر لا يعنيك !


قهقه قائلا :
_صحيح أنني كنت من أشد معارضي عودتك إلى العصابة ، و لكن هذا لا يجعلنا أعداء ، حين علمنا بالصفقة التي أبرمتها مع الزعيم ، غضبنا ظنا منا أنك ستستفيد على خلافنا ، قلنا لماذا يتقاضى أسامة أجرا ثابتا حتى لو لم نجني أي ربح يذكر ، و لكني أدركت هذه الليلة انك خاسر أيضا في صفقتك ، للأسف لن تحصل على شيء من غنيمة هذه الليلة ، لأنك تقاضيت أجرك مسبقا ، لعلك لم تحسن تقدير الأمور.



قال أسامة بغضب :
_لما لا تنصرف من أمامي يا عامر ؟


قاطعهم نداء الزعيم :
_أسامة ، تعال.


قفز أسامة من فوق الصناديق ، قال عامر :
_اذهب ، ربما قرر الزعيم أن يكون كريما معك الليلة.


تجاهله أسامة وهو يتقدم حتى وقف أمام زعيم العصابة ،
ذلك الشاب ذو المظهر الشاذ ،
أقراط في أذنيه و شفته السفلى ،
وثياب سوداء غريبة.
نهض الزعيم و بقي ينظر إلى أسامة لحظات دون أن تفصح ملامحه عن تعبير محدد.

فجأة ..
لكم الزعيم أسامة على معدته لكمة ساحقة ،
تكور أسامة على نفسه وهو يسقط على الأرض ،
في حين حملق كل من في المكان فيهما بدهشة ،
ما عدا عامر الذي لم تغادر الابتسامة الخبيثة شفتيه.
كانت لكمة ساحقة آذت أسامة بالفعل ،
فقد كانت بنية الزعيم الجسدية قوية ،
و كانت قوته هذه تساوي قوة شخصين بحجم أسامة.
داس الزعيم على عنق أسامة ،
فأمسك الأخير بقدمه محاولا إبعادها عنه ،
و عيناه مصوبتان عليه ،
تسألان عن سبب هذه المعاملة الجديدة ،
طرح الزعيم سؤاله مجيبا عن تلك النظرات :
_أصحيح أن زياد خرج من السجن ؟


ثم رفع قدمه عنه ليسمح له بالإجابة ،
سعل أسامة بعنف و هز رأسه إيجابا ، ثم أعتدل جالسا يلتقط انفاسه ،سأل الزعيم بلهجة غاضبة لم توضحها ملامح وجهه الخالية من التعابير :
_لماذا أخفيت هذا الأمر ؟


أجاب أسامة :
_لقد علمت بالأمس فقط.


قال الزعيم بغير اقتناع :
_و لما لم يعد للعصابة ؟


صمت أسامة و لم يرد ، فتابع :
_إذا .. ما سمعته صحيح ، إنه لا ينوي العودة أبدا.


ارتسمت ابتسامة مخيفة على شفتيه وهو يستطرد :
_مصيره سيكون كمصير كل من يخون عصابتنا.


هتف أسامة محتجا :
_إنه ليس خائنا ، لقد قرر أن يعيش حياة مستقيمة خالية من المشاكل ، لما لا تدعه و شأنه.


تلاشت تلك الابتسامة من وجه الزعيم وهو يقول :
_انه صديقك أليس كذلك ؟ اقنعه بالعودة و إلا نفذت بكما القصاص المعتاد بالخونة !


شحب وجه أسامة وهو يصيح :
_ولكنه لن يقبل ، لقد حاولت معه و رفض ، زياد لن يرضى فهو عنيد للغاية ، ارجوك انسى أمره ، أنت لست بحاجة اليه.


عاد الزعيم إلى الجلوس في مكانه و قال :
_اذهب ، أمامك ثلاثة أيام فقط لإقناع زياد ، لا ترني وجهك خلالها ما لم تحضره ، و إن لم تعد عند انتهاء الفترة المحددة...


و ابتسم بخبث وهو يشدد على آخر عبارة :
_سيكون على أخويك تحمل النتائج ، و لو كنت مكانك لما فكرت في الخداع أو الهرب !


اتسعت عينا أسامة عن آخرهما و صرخ بذعر :
_إياك و أن تلمس أخوي ، هل تسمع ؟؟ لا علاقة لهما بأي شيء .


قال الزعيم ببرود :
_فقط إن أنت أجبرتني على ذلك ، و الآن تحرك .. هيا !


لم يستطع أسامة أن ينطق بحرف واحد وهو يغادر المستودع ،
بقي هائما على وجهه في الطرقات ،
حتى قادته قدماه إلى الميناء القريب ،
كانت هناك بعض السفن المتوقفة ،
و بعض الصناديق و البضائع.
وقف أمام البحر ،
لقد كان هدير الموج عاليا ،
و لكن ليس اعلى من ذلك الصراع في داخله ،
كيف يطلب من زياد أن يعود للعصابة ،
و يرمي به في ذلك المصير المجهول ؟؟؟

هو يعلم أن الزعيم يخطط لما هو أكبر من مجرد اعادته.
فكيف يتجاهل ذلك ؟؟؟

كيف يختار بين أخويه و صديقه ؟؟؟

نظر إلى البحر الفسيح ،
الذي صبغه الظلام بلونه الداكن.
هذا البحر يملك الدليل ،
إنه يخبئ في جوفه جثة آخر شخصين حاولا الغدر بالزعيم ،
حاولا ابتزازه فصنفا كخائنين مصيرهما الموت ،
لا ...
بل الاختفاء عن وجه الأرض ،
و هذا مصير كل خائن .
الزعيم ليس القوة الوحيدة التي ستقف في وجهه ،
فهو يعرف من يسانده ،
و من أين يستمد تلك قوة.
كان يعلم بكل هذا حين وافق على العودة لهم .
و الآن صار عليه وعلى زياد تحمل النتيجة.
إرتعش لفكرة كونه سيقتل ،
و ما سيعقب ذلك من كوارث ،
كفقدان الأمل الأخير لحياة أمه ،
و تشرد اخويه.

إنتهش الندم جسده إنتهاشا وهو يتذكر اليوم الذي أصبح فيه فردا من العصابة لأول مرة.
و في غمرة يأسه بدأ يضرب جبل الصناديق بقبضته ،
محاولا التخفيف عن همه الذي صار حملا يثقل كاهله ،
عن الحزن و الندم الذين أطبقا على صدره ،
وجد صور أسرته و ذكرياته تتسارع إلى ذهنه ،
صار يسمع صوت ماجد و رنا في أذنيه ،
يسمع عباراتهم :
_أسامة متى تأخذنا لزيارة أمي ؟؟

_أسامة ، لا أريد العمة سميرة ، لما لا تبقى معنا ؟؟

_هل سترحل كما رحلت أمي ؟

_ارجوك يا أخي ابقى معنا و لا ترحل ... لا ترحل !!


راح يضرب بكل قوته ، و أخذ يصرخ بمرارة :
_لقد كان خطئي أنا !!
مسؤوليتي أنا !!
لما يجب أن يؤثر هذا عليهم ؟؟
لما يجب أن يؤثر على كل من أحب و أهتم لأمره ؟؟
لماذا ؟ ...
لما يجب أن يدفعوا ثمن ما ارتكبت ؟؟
لماذا ؟ ... لماذا ؟؟


شد على قبضته التي أصبحت تنزف و وجه لكمة أخرى ،
لم يهتز لها جبل الصناديق الضخم ،
و لم تثلج عاصفة مرارته ، صرخ :
_لماذا ؟


و رفع قبضته من جديد ،
انتفض فجأة حين سمع في أذنيه ذلك الصوت المألوف ينادي :
_أسامة .. بني !


خارت قبضته و أسندها على الصندوق ،
اعتصر الأسى قلبه لتذكره صوتها ،
تمتم بغصة لونت صوته :
_لماذا ؟؟


ثم جلس على الأرض ،
و أسند ظهره على الصناديق ،
و أمسك برأسه الذي احسه سينفجر ،
و أسند مرفقيه على ركبتيه ،
بقي على وضعيته يردد بمرارة :
_لقد خذلتكم ! .. خذلتكم !


هبت الرياح قوية ،
دفعت الامواج لتتكسر على الصخور ،
كما تتكسر و تتحطم آمال أسامة بتحقيق ما تمناه و سعى إليه


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ¤


كان رمزي جالسا خلف مكتبه في البيت ،
يقرأ كتابا بين يديه ,حين قاطعه صوت طرق على الباب , وضع رمزي الكتاب على الطاولة قائلا :
_تفضل.


دخلت ندى و هي تحمل فنجان شاي وضعته أمام رمزي قائلة :
_هل أزعجتك ؟


ابتسم رمزي وهو يرفع فنجانه قائلا :
_أبدا.


جلست على الكرسي أمامه ، بدت و كأنها تريد قول شيء ما و لكنها مترددة ، فسألها رمزي بحيرة :
_ما الأمر يا ندى ؟ هل كل شيء على مايرام ؟


أجابت ندى :
_أجل ، كل شيء بخير.


تنهدت ثم أردفت :
_لقد ذهبت هذا اليوم إلى مدرسة أخي القديمة ، و حصلت على عناوين بعض زملاءه ، لم احصل منهم على أي معلومات تذكر ، و لكنهم اجمعوا على أن بسام كان ولدا منطويا و إنعزاليا ، و أنه كان لا يتحدث إلى نادرا ، قالوا بانه كان يبدو حزينا دائما.


قالت الجزء الأخير بتأثر واضح ، جعل رمزي يرمقها بنظرة حزينة قبل أن يقول :
_ندى ، معالم الحزن كانت قد أصبحت جزءا من شقيقك منذ وفاة والديك ، لقد تأثر إلى أبعد حد بموتهما و تغيرت شخصيته تماما ، ليس سهلا على طفل أن يرى مجموعة لصوص يقتحمون منزله ، ليقتلوا والديه أمام عينيه ، و لا يحزن.


غمغمت ندى وهي تخفض رأسها :
_كان علي البقاء معه ، ما كان علي ترك المدينة.


تمتم رمزي بإشفاق :
_لم يكن هذا خطأك ، بل كان خطئي أنا ، ما كان علي التفريق بينكما ، لقد إرتأيت أن بقاءك مع خالتك سيكون أفضل لك ، و أن ارسال بسام إلى مدرسة داخلية أفضل له ، قلت لنفسي أنه سيحظى بالعناية هناك أكثر من بقاءه وحيدا هنا ، و لكني كنت مخطئا ، لقد ...


قاطعته ندى وهي تهز رأسها نفيا :
_لست الملام على ذلك يا عمي ، بسام اختفى فجأة ، و لم يتوقع أحد حدوث هذا ، و لكني لم أستطع معرفة شيء عن ذلك الرجل الذي وصفه لي زملاءه ، ألم تعرفوا عنه أي شيء حينها ؟


هز رمزي رأسه و كأنه يفكر ثم أجاب :
_بحسب ما أذكر كان اسمه صفوان ، لم تجد الشرطة أي شيء عنه ، فالمعلومات كانت قليلة للغاية ، لقد علمنا في ما بعد أنه كان يحضر يوميا لزيارة بسام ، و بأنه كان الشخص الوحيد الذي يتحدث معه ، و لكنه اختفى أيضا بعد اختفاءه ، ظنت الشرطة انها عملية اختطاف ، و لكنهم لم يجدوا أي دليل ، فأغلقت القضية.


سكت برهة قبل أن يضيف :
_ندى ، لا تنهك نفسك في البحث ، لا أرغب بقول هذا و لكن ، لو كان بسام حيا ، لما بقي مختفيا لأكثر من عشر سنوات ، لوأنه مايزال حيا لـ...


قاطعته من جديد وهي تهتف :
_لا تقل هذا ، حتى و إن كانت نسبة بقاءه حيا هي نسبة واحد بالمئة ، فلن أتوقف عن البحث ، لن أتوقف حتى أتأكد من خبر موته بنفسي.


غمغم رمزي :
_كما تشائين يا ندى ، و لكن كوني حذرة.


هزت رأسها قائلة :
_لا تقلق علي ، سأكون بخير.


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ¤



كان مستلقيا على الكنبة مغلقا عينيه بإنهاك ،
مازال رأسه يدور حتى اللحظة ،
و هو يفكر في حل لمصيبته.
شعر بيد صغيرة على رأسه ،
ففتح عينيه و ابتسم لها ،
قالت رنا و هي تمسح على شعره باصابعها الصغيرة :
_أسامة ، هل أنت نائم ؟


هز أسامة رأسه نفيا ، فسألت من جديد و قد بدت نظرة قلق غير مبررة على وجهها :
_هل تؤلمك يدك ؟


ابتسم لها من جديد ، ابتسامة شاحبة حزينة و قال :
_لا ، ليست يدي التي تؤلمني.


نظرت رنا اليه بغير فهم ، فاعتدل جالسا و احتضنها بألم ،
غير قادر على تصور حدوث مكروه لها أو لماجد ،
عاد يرسم ابتسامة أخرى وهو يجلسها في حضنه و سأل :
_أين ماجد ؟


ضحكت رنا و أشارت بيدها. أدار أسامة رأسه لينظر إلى حيث تشير ،
و شهق حين رأى ماجد أمام المطبخ ،
مغطى بالدقيق و شيء أحمر بدا كصلصة طماطم ،
و بقع أخرى لم يعرفها ،
صاح أسامة بحدة أفزعت رنا :
_ما هذا ؟ ما الذي فعلته ؟


تمتم ماجد :
_لقد كنت اصنع ..


قاطعه أسامة وهو يصيح بصرامة :
_أي تصرف هذا ؟ ألا أستطيع أن أغفل عنك لحظة واحدة ؟


بدأ ماجد بالبكاء وهو يتمتم :
_لقد كنت جائعا و .. و أردت أن..


و سكت بعدها وهو يغطي وجهه بذراعه و يبكي.


نهض أسامة وهو يجلس رنا على الكنبة و تقدم نحو ماجد ، قال بهدوء :
_إن كنت جائعا يا ماجد لما لم تقل لي ؟ لا يجوز أن تطبخ بنفسك.


تمتم ماجد وهو يمسح دموعه :
_أنت كنت نائما ، و لم أرد ازعاجك ، كما و أن يدك مصابة.


و أشار إلى يد أسامة اليمنى التي لفها بالضماد ، انحنى أسامة وهو ينظر في وجهه الملوث ، لكز جبهته بسبابته و ابتسم قائلا :
_عليك و على اختك فهم شيء مهم جدا عني.


سأل ماجد بحيرة :
_و ما هو ؟


نقل أسامة بصره بين ماجد و رنا التي كانت تنظر اليه بالحيرة ذاتها ، ليتأكد من أنهما يسمعانه ، قبل أن يشير إلى صدره ، و يقول بصوت جهور مصطنع :
_إن هذا الأمر هو أن شقيقكما أسامة لا يؤذى ببساطة لانه قوي جدا ، فلا تقلقا عليه ابدا ، و اتركا له مهمة الاهتمام بكل شيء هنا !


ضحك ماجد وهو يهتف :
_مثل البطل الخارق.


هز أسامة رأسه و قال :
_تماما أيها الطباخ الصغير ، و الآن اذهب و إغتسل ريثما احضر لكما العشاء ، و انظف الكارثة التي احدثتها في المطبخ.


ارتفع فجأة صوت جرس الباب ، فذهب أسامة ليفتحه ، وهو يغمغم :
_من يمكن أن يزورنا في هذا الوقت ؟


و لحق به أخواه ، مد أسامة يده لمقبض الباب و لكنه تردد ،
و هو يفكر في أن الطارق قد يكون أحد أفراد العصابة ،
لا أحد يأتي لزيارتهم في العادة ،
لعل الزعيم أرسل رسالة تهديد فعلية هذه المرة ،
فهذا من شيمه التي يعرفها .
التفت إلى اخويه ، و قال بتوتر :
_اذهبا إلى الغرفة و لا تخرجا ابدا حتى اسمح لكما ، هل فهمتما ؟


لم يجبه أي منهما ، فصاح بصرامة :
_تحركا !


سحب ماجد رنا من يدها و دخلا الغرفة ،
فأخذ أسامة نفسا عميقا و فتح الباب ليرى ...



¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ¤



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-04-13, 04:43 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


5 -




أخذ أسامة نفسا عميقا و فتح الباب ليرى من الطارق ،
اتسعت عيناه و انتفض قلبه حين رأى رجلي شرطة أمام الباب ، قال أحدهما :
_هل أنت أسامة سعيد ؟


تجمدت الكلمات في حلق أسامة ،
و لم يستطع أن ينطق بحرف واحد من صدمته ، كرر الشرطي سؤاله :
_هل أنت المدعو أسامة سعيد أجب ؟؟


أفلح أسامة في التحدث أخيرا ، أجاب بصوت مخنوق :
_نعم ، مـ.. ماذا هناك ؟!


قالها غير قادر على اخفاء قلقه و توتره


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ¤


سادت الظلمة جو الغرفة ،
و سكنت الحركة ،
وهو يتسلل بخفة و هدوء تام ،
دخل حسام الغرفة ،
و توجه إلى المكتب ، بدأ يبحث في ادراجه عن شيء ذي قيمة.
وجد من بين الملفات ما لفت انظاره ، همس وهو يقرأ في ذلك الملف الأسود:
_استيراد شحنة من الأدوية ؟ لا أعتقد !


ثم اخرج كاميرا من جيب سترته الطويلة ،
و أخذ يصورالأوراق جميعها ، و أعاده إلى مكانه وهو يغمغم :
_أنا أعرف حقيقة ما تتاجر به في الخفاء يا جابر ، و لكن ما الذي يدفع رجلا بمثل مكانتك إلى فعل شيء كهذا ؟


ابتسم وهو يستطرد :
_ما أغباني ! المال هو الدافع بالتأكيد.


ثم تسلل خارجا من المكتب ، قال حين وصل إلى المخرج الخلفي :
_هذه المعلومات لا تهم سالم ، و لكنها تهم جابر.


خطى خرجا من المنزل وهو يبتسم بخبث مغمغما :
_سيد جابر ، لابد أن تدفع الكثير لقاء ابقاء هذه المعلومات سرا ، و لكن علي أن لا انسى سالم ، عليه سماع الاخبار الجديدة !



و سار مبتعدا عبر الشارع ،
دون أن يلاحظ مهران الذي كان في سيارته أمام المنزل ،
يتتبعه بنظراته.


¤ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ¤





ارتفع حاجبا أسامة من الدهشة ، و شحب وجهه وهو يغمغم :


_هلا أعدت ما قلته يا سيدي ؟؟




ابتسم الشرطي ابتسامة متفهمة ، و نظر إلى زميله لحظة ، ثم قال :


_كما قلت لك ، الرجل الذي صدم والدك بسيارته قبل عامين جاء و سلم نفسه ، و قد أصر على أن يدفع تعويضا لقاء ما سببه ، و هذا المبلغ المالي هو كاعتذار عما فعل.




ملأت الصدمة وجه أسامة ،


و كانت هي عنوانه ، تأمل الشرطي ملامحه ليقرأ تأثير كلماته عليه ،


لم يظهر عليه أي تعبير متوقع ، لا غضب أو حزن ، و لا سعادة أو فرح ، فقط الصدمة.



قال الشرطي :


_أنت تعرف بأن ما أصاب والدك قضاء و قدر ، فحصنا لموقع الحادث و كلام الشهود أكدا أنه كان حادثا غير متعمد ، لقد تركنا الرجل يذهب بعد أن سلمنا هذا المال ، لقد كان يشعر بتأنيب الضمير ، و فكر في أن هذا سيخفف عنه و عنكم ، عليك أن تنسى الأمر ، فالاحقاد و الضغائن ..




قاطعه أسامة الذي بدا وكأنه قد أفاق من صدمته :


_لا .. لا ، أنا لست غاضبا أو حاقدا ، اشكرك على كل شيء سيدي.




ابتسم الشرطي وقال :


_تعال غدا إلى مركز الشرطة لتستلم النقود ، و تنهي بعض الإجراءات الضرورية.




أومأ أسامة برأسه مبتسما و قال :


_سأفعل.




انصرف الشرطيان فأوصد أسامة الباب ، سمع صوت ماجد يصيح من داخل الغرفة :


_أسامة ، هل نستطيع الخروج الآن؟




ضحك أسامة وهو يركض باتجاه الغرفة ،


كانت سعادته بالاخبار الجديدة لا توصف ،


فتح باب الغرفة ليرى ماجد يقف أمامه ،


و بدا أن رنا قد غفت على الأرض و هي متشبتة بدميتها ،


رفع أسامة ماجد عاليا و راح يدور به هاتفا في مرح و سعادة :


_لقد انتهى الأمر !


إنتهت أيام النهب مع العصابة !


إنتهت !


ستخضع أمي للجراحة أخيرا !


أخيرا !




سأل ماجد وهو يضحك سعيدا دون أن يفهم شيئا :


_أخي ماذا حدث ؟




استيقظت رنا وسط ضحكات و هتافات أسامة ،


و أخذت تبكي فزعة ، توقف أسامة عن الضحك فجأة وهو يضع ماجد أرضا ،


و تلاشت ملامح الفرح عن وجهه ، ليحل محلها الغم الذي أصبح لمحة معتادة فيه ، تمتم أسامة بتوتر :


_و لكن مازالت المشكلة الرئيسية قائمة ، كيف أتخلص من الزعيم و أفراد العصابة ؟ إنهم يتوقعون مني احضار زياد خلال ثلاثة أيام فقط.




و أردف وهو يحضن رنا التي لم تتوقف عن الصراخ و البكاء و يهدئها :


_ما الحل ؟ كيف اتصرف ؟





¤ــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ¤





توقف عن السير أمام منزل قديم الطراز يبدو أثريا,


صفت على جانبي الطريق نحو بابه الكبير ،


اعمدة ذهبية اللون ،


و لو كان قد غطاها بعض الصدأ و التشققات إثر قدمها.


قطع تلك المسافة نحو الباب الكبير ،


الذي كان مليئا بالزخارف رغم أن لونه كان قد بهت كثيرا.


أدار مقبض الباب فأصدر صريرا حادا يثبت أنه لا يستعمل إلا نادرا ،


ثم خطى إلى الداخل حتى اختفى في الظلام الدامس.


سار عبر الصالة المظلمة متوجها إلى الدرج ،


و ما إن وضع قدمه على أول درجة حتى أضيء المصباح بجانب الأريكة في الصالة ،


و اتضحت معالم الشخص الجالس على الأريكة ،


لقد كان رجلا ، كثيف الشعر أشعثا ، لديه لحية قصيرة خشنة ،


يبدو ضخم الجثة ، كان في الأربعينيات على أقل تقدير.


قال الرجل وهو يلقي بنظرات غير ودية عليه :


_لما أنت هنا ؟




التفت نحوه و القى عليه نظرة سريعة ، قبل أن يجيب بنبرة هادئة جامدة كملامح وجهه :


_أليس هذا منزلي أيضا ؟




قال الرجل موضحا :


_ليس هذا ما أقصده ، لماذا لست في الخارج تراقب سير الأعمال ؟




لم يرد عليه ، و عاد يتابع طريقه في صعود الدرج ، صاح الرجل بغضب :


_مكانــــــــــــــــــــ� �ــك !!




فتوقف لحظة ، تابع الرجل بحزم نافخا صدره :


_عندما أحدثك ، عليك أن تتوقف و تستمع باحترام ، هل تفهم ؟




لم يرد أيضا فاستطرد و على شفتيه ابتسامة مظلمة :


_ماذا فعلتم هذا اليوم ؟ هل بعتم الكمية كلها ؟




أومأ برأسه إيجابا ، نطقت امرأة كانت فوق الدرج ، قالت :


_و أين هي الأموال التي جمعتموها ... يا بسام ؟




نطقت اسمه بنبرة حادة . كان يكره بشاعة صوتها الأنفي المزعج ،


و لم يكن يفاجئه الخبث الذي يظهر فيه. و قبل أن يتمكن بسام من الاجابة ،


صرخ فيها الرجل بثورة :


_كيف تنادينه بهذا الاسم ؟؟ "الزعيم" ، هذا هو اسمه ، و لا أريد سماع اسم بسام مجددا ، إنه لا يليق بقائد عصابات !!




كان بسام غير راغب في الاستماع أو مواصلة الحديث ،


و لكنه وجدها فرصة ليقول ما خطط له منذ مدة ، قال بوجه خالي التعابير :


_سأرحل من هنا !




شهقت المرأة ، و صاح الرجل بدهشة :


_ماذا قلت ؟ ترحل إلى أين ؟




صمت بسام لبرهة و أجاب بهدوءه المعتاد :


_إلى أي مكان ، ليس في بالي مكان محدد ، كل ما أعلمه أني لم أعد قادرا على البقاء هنا بعد اليوم.




تبادل الرجل و المرأة النظرات و قالت الأخيرة :


_هل تسمع ؟ هل تسمع يا صفوان ؟ و أنت قلت أن هذا اليوم لن يأتي أبدا ، انظر إلى كنزك ، مصدر أموالك ، هل ستتركه يرحل بهذه البساطة ؟ هل ستتركه يفلت من يديك ؟




صرخ صفوان :


اصمتـــــــــــــي !!




ثم نهض متوجها نحو بسام بحنقة ، وقف أمامه و هتف :


_ما هذا الكلام ؟ هل فقدت عقلك ؟ لا يمكنك الرحيل ، أنت مدين لي إلى الأبد !




قال بسام :


_هذا لا يهمني ، سأحضر لك من يحل محلي في العصابة ، لن تشعر بالفرق طالما يجلب لك المال.




عض الرجل على شفتيه بسخط ، و صرخ :


_أنت لن تخونني الآن ، ليس بعد أن أنفقت و راهنت بسنوات حياتي عليك ، لقد خططت لكل شيء ، و بنيته بيدي ، و لن تهدمه الآن !!




و اخرج مسدسا من جيب سترته وهو يلصق فوهته في جبينه ، صرخ بجنون :


_سأنهي حياتك قبل أن تخطو خطوة واحدة خارج هذا المنزل ، هــــل تفهـــــــــــــــــم !!




ابتسم بسام باستخفاف وهو ينظر إلى مسدسه و قال :


_لن ترعبني بتهديدك ، هذه ليست أول مرة توجه فيها مسدسك نحوي.




ثم تلاشت ابتسامته وهو يبعد المسدس بيده و يقول بصرامة شديدة :


_لن تمنعني يا صفوان و لن تقف في طريقي !




و صعد الدرجات نحو الاعلى متجاوزا المرأة ، و تاركا اياهما يشتعلان غضبا.


دخل بسام إلى غرفته ،


و خطى بضع خطوات ،


وقف وسط الحجرة يتأملها ،


كانت شبه خالية ،


ليس فيها سوى سرير و خزانة صغيرة ،


تذكر الأيام و السنوات التي قضاها في هذه الحجرة ،


خيل اليه انه كان بالأمس فقط ،


عندما أتى إلى هنا ،


ليكتشف خداع صفوان و مدى دناءته. و لكن ..


أخيرا جاء اليوم الذي سيتحرر فيه من براثن ذلك الوحش الذي لا يرحم.


كان يعلم أنه لن يتمكن من الرحيل دون مقابل ،


لذا قرر أن يترك العصابة بعد أن يعين زياد زعيما عليها ،


يحل محله و يأخذ مكانه.


تذكر زياد قبل عامين ،


و ازداد اقتناعه بكونه الشخص المناسب لهذه المهمة ،


لم يكترث لأنانية تصرفه هذا ،


كل ما كان يشغله هو الرحيل بعيدا عن هذا المكان المنفر.



ارتمى بسام على السرير ، و ذهنه مازال يفكر.


فجأة فتح باب الغرفة فرأى صفوان أمامه ،


و الشرر يتطاير من عينيه ، صرخ بثورة :


_إلى أين تنوي الذهاب أيها الزعيم ؟


إلى أين ؟؟


هل ستتخلى عني حين احتجت إليك ؟؟


من غيري إعتنى بك و أهتم لأمرك ؟؟


لقد تركوك وحيدا ، و أرسلوك بعيدا ، لم يكترث لك أي أحد ،


هل نسيت ؟


لقد احضرتك إلى منزلي و عاملتك كـابن لي ، هل هكذا ترد الجميل ؟!




نهض بسام وافقا ، وهو يصيح بسخط :


_أي جميل هذا الذي تتحدث عنه ؟؟


لقد أجبرتني على السرقة منذ كنت صغيرا ،


و جعلتني ابيع الممنوعات التي تتاجر بها ،


شكلت عصابة من الفتية بطلب منك ،


لنسرق من الناس و نأتيك بالنقود ،


لقد استغللتني و خدعتني ، أنت اعترفت بلسانك ،


لقد كنت تخطط لهذا منذ زمن ، منذ اللحظة التي رأيتك فيها ،


سمعت حديثك قبل اسبوعين ، و أنت تعترف بكل شيء


، لذا وفر أكاذيبك ، لن اصدق حرفا واحدا مما تقوله بعد اليوم.




اطلت ابتسامة من أطراف شفتي صفوان ، أقر بخبث :


_أنت محق ، لقد علمت منذ اللحظة التي رأيتك فيها انك الشخص المناسب لخطتي ،


عرفت أنني إن وظفت مساعدا أو حتى أبرمت اتفاقية مع أي أحد ،


ما كنت لأثق به ، أما أنت ، فقد كنت قليل الكلام ،


ساذجا سهل الخداع ،


وحيدا ..


حزينا..


صغيرا ،


كنت أعلم أن بإمكاني الاستفادة منك ،


فاحضرتك معي ، و بدأت بتعليمك كل شيء عن الحياة التي نحياها ،


لقد كنت ذكيا ، تعلمت كل شيء سريعا ،


و جنيت المال بالسرعة ذاتها ،


كنت و مازالت كنزا يدر الأموال ،


محال أن اسمح لك بالذهاب بهذه البساطة ،


أنت ستبقى تعمل لدي دائما.




قال بسام بغضب :


_لن تتمكن من منعي ، سأغادر هذا المكان التعيس ، سأغادره شئت أم أبيت !




ازداد اتساع ابتسامة صفوان وهو يقول :


_سنرى بشأن ذلك !




ثم صاح مناديا :


_يا رجــــــــــــــــال !




دخل إلى الغرفة فجأة ثلاث رجال ضخام البنية اصطفوا أمامه ،


عقد بسام حاجبيه ،


كان يعلم انها اشارة لبدء معركة غير متكافئة الأطراف بينه و بينهم ،


فقرر سريعا أن يكون هو الطرف البادئ لعل ذلك يمنحه ميزة اضافية ،


انقض بسام على أحد أولائك الرجال ، و ثبته على الأرض ،


و وجه لكمة ساحقة لوجهه ، تلتها أخرى بقبضته الثانية ،


و لكن سرعان ما تدخل الرجلان الآخران ليمسكا به ،


حاول بسام التخلص من قبضاتهم التي شدت على يديه تقيدانه ،


و صرخ بعصبية :


_أتركوني !! أيها الجبناء .. أيها الجبنــــــــــــــــاء !!




اخرج صفوان من طيات ثيابه محفظة صغيرة ،


فتحها و اخرج حقنة ،


ملأها بسائل كان في علبة صغيرة في جيبه الآخر ،


أعاد العلبة الى جيبه ،


ثم تقدم نحو بسام الذي كان يحاول التحرر من قبضات الرجلين


، وهو يصرخ بانفعال :


_ابتعــــــــــــــد !!


لن اسمح لك بإدخال أي من سمومك في جسدي ،


اتركنــــــــــــي !


أيها القـــذر !!


قلت لك ابتعـــــــــــــد !!




أوقف بسام صراخه بعد أن حقن صفوان تلك الابرة في ذراعه ،


توقف عن الصراخ ثم عن الحركة ،


و احس أنه غير قادر على الوقوف أكثر ،


فتركه الرجلان يسقط أرضا ،


كان جسده يرتعش ، وهو يفقد وضوح الرؤية شيئا فشيئا ،


قرفص صفوان أمامه ، و سحبه من شعره وهو يهمس :


_كيف تشعر الآن أيها الزعيم ؟ ما كان عليك إعلان التمرد علي أبدا ، و هذا شيء صغير ليعلمك أن لا تقف في وجهي ثانية ، و أما الآن ، فاتمنى لك نوما هانئا !




ثم نهض واقفا وهو يطلق ضحكة مجلجلة ،


و خرج من الغرفة ، يتقدم بقية الرجال.



تاركين بسام يصارع تلك المادة التي أصبحت تجري في شرايينه



¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ¤




أشرقت الشمس تطفي بأشعتها الذهبية دفئا على الأجواء ،


تعلن عن بدء نهار جديد يحمل أملا بالحياة للبعض ،


و آلام اليأس للبعض الآخر...




كان كمال مستلقيا تحت تلك الشجرة الخضراء وارفة الضلال ،


فوق العشب الأخضر ،


يشعر بأشعة الشمس التي وجدت طريقها اليه عبر الأغصان و الأوراق الكثيفة.


تنشق نسمات الهواء العليل ،


و أغلق عينيه.


غناء العصافير ..


خرير جدول الماء ..


صوت موسيقى يطرب أذنيه.


نادى صوت أنثوي ما مقاطعا إنسجامه :


_كمال .. كمال !




فتح عينيه وهو يرسم ابتسامة مرحة ، و نظر إليها ،


كانت فتاة جميلة ذات شعر ذهبي حريري ، و عينين برزقة السماء ،


هتفت مقطبة حاجبيها باستياء :


_دائما ما تلح علي لأرافقك في نزهة إلى هذا المكان ، ثم تنام و تتركني أجلس وحدي بملل.




إعتدل كمال جالسا وهو يضحك ، قال:


_لست نائما يا ليلى.




تلاشت ملامح الاستياء عن وجه ليلى و قالت في حماس جذل :


_رأيت الزينة و التجهيزات للحفل ، أعجبتني الأزهار كثيرا ، إنها مذهلة.




مط كمال شفتيه و قال :


_هذا ما قالته والدتي حين إنتقتها مع مصمم الحفلات.




هتفت ليلى لتضايقه :


_كنت واثقة ... حتما ليس ذوقك أنت.




أمسك كمال بيدها و قال وهو يبتسم بمكر :


_و ما به ذوقي ؟ أنا أجده رائعا !




سحبت ليلى يدها بهدوء وهي تلتفت أمامها إلى الجدول الصغير ،


في محاولة لإخفاء خجلها ، قالت مغيرة الموضوع :


_متى ستبدأ العمل في شركة أبيك ؟




عاد كمال للإستلقاء وهو يضحك ، ثم أجاب :


_سأبدأ في الغد ، اسبوع واحد آخذ بعده إجازة لأجل الزفاف.




هبت نسمات هواء لطيفة منعشة ، في تلك البقعة الجميلة.



نظرت اليه ليلى فوجدته مستلقيا مغمض العينين من جديد ،


ابتسمت بمكر و خطرت في بالها فكرة ،


نهضت متوجهة إلى الجدول الصغير ،


تحسست باصابعها المياه ، كانت بادرة ،


ألصقت كفيها ببعض و حملت كمية من الماء بين يديها ،


و عادت به ، لتسكبه على رأس كمال الذي انتفض ذاهلا ،


قالت وهي تضحك :


_ألم أقل لك لا تنم ، هذا جزاؤك !




ضحك كمال وهو يهز شعره الذي تبلل ،


ثم توقف عن الضحك وهو يصيح بغضب مصطنع :


_لقد أفسدت شعري و قميصي المفضل ، سترين !




و لكنها ضحكت أكثر و راحت تركض في مرح ،


و شعرها الطويل يتطاير خلفها.


نهض كمال و لحق بها .


كانت العصافير تزقزق عازفة لحنا عذبا ،


يختلط مع ضحكاتهما السعيدة ،


و أرسلت الشمس أشعتها الذهبية تشاركهما فرحهما.



و لكن و فجأة ..


اضطربت تلك الصورة و اختلفت ...


تلبدت السماء بغيوم سوداء قاتمة ...


و هبت ريح عاصفة ...


خيمت الظلمة على الأجواء ...


و أما الضوء الشحيح في المكان ...


فبدا منبعثا من جلد ليلى ...


لم يستطع رؤية وجهها ...


رآها تبتعد أكثر فأكثر ...


و تتركه وحيدا في الظلمة ...


لم يكن ليلحق بها مهما أسرع في الجري ...


و لم تلتفت نحوه مهما صرخ و نادى ...





فتح عينيه في نحو الثامنة صباحا ،


كان زياد قد دخل إلى الغرفة للتو ،


سمع صيحات كمال قبل قليل و لاحظ شحوب وجهه ،


كان واضحا انه رأى كابوسا ما.


فضل زياد أن لا يسأله ، وضع الطعام على الطاولة التي مازالت في مكانها الجديد الذي اختاره زياد ، ملاصقة للسرير ،


و راقبه وهو ينهض و يسير مستعينا بالحائط نحو غرفة الحمام الجانبية ،


غسل كمال وجهه ليمحو و يزيل آثار تلك الذكرى و ما خلفته من ألم ،


تنهد وهو يغمغم بأسى :


_لماذا تذكرتها الآن ؟


لماذا لم انسى بعد مرور كل هذا الوقت ؟




عاد كمال إلى الغرفة ، فقال زياد :


_صباح الخير.




صمت كمال لبرهة ، لقد كان مستغربا كيف لم يلحظ وجوده في الغرفة ،


أجاب كمال وهو يعود للجلوس على طرف سريره :


_أهذا أنت من جديد ؟




قال زياد وهو يجلس على الكرسي أمام الطاولة :


_أجل أنا ، هل تزعجك رؤيتي إلى هذه الدرجــ ..




بتر كلامه بغتة و هز رأسه و قال :


_لم أقصد ، أنا آسف.




كان كمال شاردا غمغم بلا اكتراث :


_مما تعتذر ؟




تمتم زياد وهو يرتب الصحون أمامه :


_قلت أنك تنزعج من رؤيتي ، و ... أنت لا تبصر.




لم يبدي كمال أي اهتمام ، سأل زياد :


_ألن تأكل ؟





أومأ كمال برأسه نفيا و أجاب :


_ليست لدي رغبة في الطعام.




ابتسم زياد قائلا:


_لقد اجريت بحثا عن الأمونيا ، و اكتشفت انها مادة كيميائة سامة ،


إذا فكل ما كنت تحاول اخباري به هو أن جابر هذا شخص سيئ ،


لقد فهمت تلك النقطة جيدا ، اتمنى أن تنتقل إلى غيرها ، و تخبرني المزيد.




لم يرد كمال ، عقد زياد ساعديه وهو يتراجع في الكرسي هاتفا :


_ألا ترى بأنك تتجاهل أسئلتي ، لماذا لا تقول ما لديك ؟ لقد وصل فضولي إلى أوجه.




تمتم كمال ببرود :


_ليس لدي ما أقوله لك ، لقد أخبرتك انه لن يكون في صالحك أن تعرف شيئا عن الأمر.




تنهد زياد و قال باستسلام :


_حسنا ، كما تشاء ، لا تقل أي شيء ، فقط كل طعامك حتى لا تغضب السيدة السمينة.




ردد كمال مستغربا :


_سيدة سمينة .. !




ضحك زياد و قال موضحا :


_السيدة التي تتعب بتحضير الطعام ، إنها حادة الطباع ، و تغضب كثيرا عندما لا تأكل شيئا من طبخها.




لم يستطع زياد دفع الكآبة التي اغرقته وهو يرى حال كمال المزرية الذي تنهد بعمق دون ان يرد ،


سأله :


_ألا تود التكلم ؟





هز كمال رأسه نفيا و قال :


_إذا سمحت ، أريد البقاء وحدي يا زياد .




تنهد زياد بعمق وهو يخطو خارجا من الغرفة




¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ¤





احس بثقل في جفنيه وهو يحاول فتحهما ،
لقد كان يشعر بدوار و صداع شديدين ،
حاول النهوض وهو يستعيد احداث ليلة البارحة ،
لا شك و أن صفوان غرز في جسده واحدة من تلك الإبر التي يبيعها ،
وقف بسام على قدميه بصعوبة ،
كانت الأرض تدور تحت اقدامه ،
دفع بابا صغيرا عند زاوية الغرفة ،
و دخل إلى الحمام ،
فتح صنبور المياه و ترك الماء ينهمر على رأسه ،
لقد كان يحاول التركيز ليخرج من ورطته هذه ،
اغلق صنبور المياه و نظر إلى وجهه في المرآة التي على الجدار.
لقد كانت عيناه زائغتين ، وكان وجهه شاحبا ،
رفع شعره المبلل عن وجهه ليربطه إلى الخلف بحلقة مطاطية كانت قرب الصنبور ،
ثم خلع جميع الاقراط التي كان يضعها و رماها على الأرض.

عاد للغرفة وهو يشعر أن دواره قد خف ،
و وقع بصره على واحدة من تلك العلب الصغيرة التي يبيعها و التي أستخدمها صفوان معه ،
كانت فوق الخزانة ،
رفعها و قبض باصابعه عليها بقوة ،
على نحو يشف عن حنقه و ثورته ،
ثم رماها للتتكسر على الحائط و تتناثر أشلاؤها على الأرض .
توجه بسام إلى النافذة ، نظر من خلالها ،
لم تكن المسافة مرتفعة ، فكر في القفز ، حين فاجأه صوت تلك المرأة :
_ماذا تفعل عندك ؟ إياك أن تفكر في ذلك حتى ؟


إستدار بسام إليها نصف إستدارة و ابتسم بسخرية ،
ثم قفز من النافذة إلى الأرض ،
فقد توازنه بسبب دواره ، فسقط أرضا على ركبتيه ،
و لكنه هب واقفا و جرى بسرعة ، صرخت تلك المرأة :
_ إنه يحاول الهرب ، أسرعوا !


قال صفوان الذي دخل الغرفة بهدوء :
_دعيه ، لن يبتعد كثيرا ، سوف يعود بنفسه ليحصل على المزيد من هذه.


قالها وهو يرفع كيسا صغيرا ،
في داخله مادة بيضاء ، اتسعت عينا المرأة وهي تقول :
_أسقيته واحدة من هذه ؟


لاح شبح ابتسامة مرعبة على شفتي صفوان وهو يجيب :
_أجل لقد فعلت.

و اتسعت ابتسامته أكثر و أكثر


¤ــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ¤


_ يتبع .............




؛




؛




؛




؛








لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الثلوج

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:51 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.