أخذت السيارة السوداء المريحة الفخمة التى تحمل شعار الصقر تصعد الطريق الممتد عبر التل حتى رأت بايبر فيلا لوك فى موناكو . على غرار تلك الليلة قبل حدث الجائزة الكبرى فى شهر حزيران الماضى كانت الفيلا البروفانسية الجميلة التى يعود بناؤها إلى القرن 19 "كلو دى فالكون" تسطع بوهج جذاب
لكن الليلة حملت العديد من المفروقات . لم ترا بايبر عدد المراكب نفسه اللذى كان فى المرفأ المشهور وقد ذكرها نسيم شهر شباط البارد بأن فصل الشتاء مازال مقيماً
بالطبع , هناك فارق شاسع . منذ الصيف الماضى تزوجت التوائم الثلاث لعائلة داتشس من أبناء العم فى عائلة فارانو واليوم نك يتوقع من بايبر أن تتصرف كعروس مثالية . قد يكون هذا مستحيلاً لأن آلمها أزداد ثلاث أضعاف بعد قضاءها ليلة زفافها وحيدة فى غرفة فى الفندق محاذية لغرفة نك . أما المؤساة الوحيدة التى دفعتها إلى التحمل هى حقيقة أن كونسويلا مانور ليست هى التى تضع خاتم الزفاف الذهبى
بعد فترة وجيزة سينتقل خبر زفاف بايبر ونك إلى أفراد العائلة المجتمعين داخل الفيلا وسيتحول كل إحساس بالفرح إلى إحساس بالصدمة والدهشة والألم بل حتى إحساس بلبغض من جانب سيج عائلة باسترانا حمى بايبر الجديد حضرها نك جيداً للعب دورها :
.
- قال لها وظيفتك أيها السينيورا هى أن تبتسمى بسعادة فيما أنا أتكلم
أفترضت بايبر أنها تستطيع أن تقوم بما طلب منها حتى ذلك الحد أما الصعوبة فهى ألا تدع أختيها تلاحظان ما هو خفى خلف أبتسامتها
أحضر نك لها بذلة حريرية جديدة عاجية اللون مرصعة بأزرار من اللؤلؤ كهدية زفافهما . بدا شعر بايبر أطول مما كان عليه فى الصيف الماضى فأختارت أن تتركه منسدلاً من جانب واحد
-قبل أن ندخل أحمل لك هدية زفاف أخرى . أعطينى يدك
مال رأس بايبر نحو الرجل الذى يرتدى بذلة توكسيدو سوداء رائعة فى مؤخرة السيارة الليموزين . لم يتلامس جسداهما قط لكن بايبر شعرت بتلك الهالة الرجولية المسكرة فيما تنشقت أريج الأزهار الذى يفوح منه . بقلب يتمزق مدت يدها اليمنى نحوه فقال نك بصوت ناعم عميق حرك عواطفها :
-يدك الأخرى
-لدى محبس ذهبى
-أنت عروس عائلة باسترانا الملكية وعائلة بارما بوربون الآن أختطف يدها اليسرى من حضنها
-هذه اللؤلؤة المسمأة دمعة القمرهى إرث ينتقل عبر الأجيال . لا أحد يستحق أن يضعها إلاعروس أنجليزية ذات شعر ذهبى مغزول
كلماته هذه جعلتها عاجزة عن الكلام وحين أخفضت بايبر نظرها نحو اللؤلؤة البيضاء المستديرة الضخمة والمخرمة بالذهب والتى أستقرت بجانب المحبس الذهبى حبست أنفاسها
أستغل نك حالتها المدهوشة تلك فرفع يدها نحو شفتيه وقبل راحة كفها
شعرت بايبر بالأرتجاف بسبب ملامسته لها فأزاحت يدها بعيداً وقالت :
-أنا....أنا لا أستطيع أن أضع هذه
تجهمت تعابير وجهه وأجاب :
-إذا لم تفعلى لن يقتنع أهلى بأن زواجنا حقيقى
صاحت بايبر بقلق :
-لكن هذه مسؤولية كبيرة . ماذا لو أضعتها ؟
-وماذا لو فعلت ؟
-نك ! لا تتظاهر بالامبالاة . هذه اللؤلؤة لا تقدر بثمن وهى ذات قيمة تاريخية . أخشى حدوث مكروه لها . هل نسيت أن السبب الوحيد لإجتماعنا معاً هو مسألة مجموعة الدوقة المسروقة ؟
جاء جواب نك البرئ :
-لم أنسى شيئاً
ما لبث أن أردف :
-لا تنظرى الآن , لكن تم الأعلان عن وصولنا وهاهما أختاك تتبعان أبنى عمى إلى الباب الأمامى أقتربى من حبيبتى
ضاعت شهقة الدهشة التى كادت تفلت منها فما أنحنى نك نجوها ليعانقها . عانقها بشغف كما تمنت أن يفعل دوماً...عانقها كأنها أهم شخص فى عالمه
نك.....! أحست بايبر بغصة فى قلبها لعلمها أنه فعل ذلك للتظاهر فحسب . كيف يمكنه أن يعانقها بمثل ذاك الشغف المطلق فيما هو مغرم بأخرى ؟ منذ اللحظة التى قالت فيها بايبر "أقبل" غدت كل أفعاله وتصرفاته وتعليقاته جزءاً من دور يلعبه . شعرت بايبر كأن خاتم اللؤلؤة يسخر منها لكنها ترسخت الآن فى تلك الخدعة وفات الأوان على التراجع وافقت على مساعدة نك فى التحقيق لأجله ولأجل عائلته ولأجل أختيها الحبيبتين . صحيح أنه تم توظيف رجال آمن كى تتجنب العائلة وقوع حادثة قتل أخرى لكن عمل بايبر ينقضى أن تندس فى عائلة روبلز وترى إن كان بإمكانها أن تعلم شيئاً عن القضية
قام أحدهما بفتح الباب من جهتها فى السيارة الليموزين قبل أن ينتهى عناقهما كما لو أنهما قصدا أن يتم ضبطهما متلبسين وهما يتعانقان , فلا تستطيع أختاها أن تسيئا فهم ما حدث
- بـــايــــبـــــر !
همس نك فى شعر بايبر من غير توقع :
-سأدعك الآن
ثم أفلتها لتتلقى صيحات أختيها المتحمستين اللتين راحتا تشدانها إلى خارج السيارة
مضت اللحظات القليلة التالية وهن يقفزن ويتعانقن ودموع الفرح تملأ عيونهن . مضى الكثير من الوقت منذ رأتهما لآخر مرة.....
أنتفضت أولفيا قائلة :
-أنت تضعين زهوراً صفراء !!!!
وقالت غريس :
-دعينا نرى يدك اليسرى
مدت بايبر لهما يدها كى يمعنا النظرات إليها . لهثت الأختان لرؤيتهما حجم اللؤلؤة وجمالها . سألتها غريس :
-متى تزوجتما ؟
أبتلعت بايبر ريقها بصعوبة وأجابت :
-نهار أمس
همهمت غريس محاولة أن تفهم ما سمعته لتوها :
-نهار أمس . الأول من شباط !
-صاحت أوليفيا :
-أين ؟
-فى مكتب السيد كارلسون
التوت شفتا أوليفيا إلى أعلى وقالت :
-لابد أنك تمزحين
-لا ! لن تصدقى كم بدأ الأمر مرحاً
طيلة الدقائق القليلة التالية بقيت بايبر تمتعهما بالتفاصيل حتى أخذتا تقهقهان من الضحك ما وفر لـ بايبر تغطية ممتازة كى تخفى الحقيقة المروعة بأن زوجها ليس مغرماً بها . تمعنت بوحهى أختيها المألوفتين الغاليتين على قلبها إلى حد لا يوصف ثم قالت :
من منكما ستحظى بطفلها أولاً ؟
لسعتها نظرات غريس اللأذعة حين ردت قائلة :
- لا تقولى أنك أنت من ستفعل !
أتسمى بايبر أظهر أبتسامتك كى لا تكتشف غريس وجود خطب ما
-على الأقل نعرف أن طفلى سيكون الأخير أما السؤال هو من منكما تتوقع الحصول على طفلها قبل الأخرى .أنت أم أوليفيا ؟
ظلت غريس تنظر إلى بايبر مما جعل بايبر تضطرب أكثر ثم قالت :
ظننت أنك لن تسامحى نك مهما فعل
كررت أوليفيا بصوت رزين :
-وأنا أيضاً
ثم أضافت :
-كما أتذكر قلت لى أنه عدوك اللدود عليك أن تعترفى أن زواجك منه فى اليوم الأول من حريته بعد فترة الحداد يبدو غريباً بعض الشئ إلا إذا كنتما تتواعدان خفية
أرادت بايبر أن تقول شئ ليزيل أى شكوك تتمحور حول زواجها من نك نقلت نظراتها من أخت إلى أخرى وقالت :
- أريد أن أعترف لكما بشئ
سألتا فى الوقت عينه :
-مـــاهـــــو ؟
-قصدت محللاً نفسياً فى شهر آب الماضى وقد ساعدنى على تصويب مشاعرى نحو الجهة الصحيحة
عبست عريس وعلقت :
-منذ متى تحتاج توائم عائلة داتشس إلى طبيب نفسانى ؟
أجابت بايبر بصوت خفيض :
-حين تبقى تؤام واحدة بمفردها ....
ثم أضافت :
-بمساعدة الطبيب أرنافيتس أدركت أننى أصب مقداراً كبيراً من غضبى على نك فى الواقع كنت أعانى من فقدانكما
سخرت أوليفيا قائلة :
-لـم تفتقدينا !
-بلى ! هذا ما حصل وبدأ ذلك مروعاً حين عرفت أخيراً مصدر ألمى المبرح أدركت أننى كنت أعاقب نك لأنه عارضنى إلا أن ذاك العقاب لم يتناسب مع ما أقترفه السبب الوحيد الذى دعاه إلى رفضى هو ألتزامه بفترة حداده وعزمه على أحترامها . حين تمكنت من التفكير بالموضوع بعقلانية أدركت أنه رجل نبيل وهذه ميزة لطالما قدرتها فى أبى