آخر 10 مشاركات
في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          402 - خذ الماضي وأرحل - مارغريت مايو (الكاتـب : عنووود - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          عروس للقبطان - كاى دايفز - ع.ق (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          الإغراء المعذب (172) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 2 سلسلة إغراء فالكونيرى ..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          حالات .... رواية بقلم الكاتبة ضي الشمس (فعاليات رمضان 1434)"مكتملة" (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          دجى الهوى (61) -ج1 من سلسلة دجى الهوى- للرائعة: Marah samį [مميزة] *كاملة* (الكاتـب : Märäĥ sämį - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-11-13, 02:40 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25


الفصل الحادي والعشرون



" ما هذه الفتاة يا (رانيا) ؟ "
دخلت (رانيا) غرفتها وأغلقت الباب خلفها وقالت:
- ماذا؟ ما بها (مريم) ؟
" تلك الفتاة،لم أر أشرس منها في حياتي"

مرت لحظة صمت ثم انفجرت (رانيا) في الضحك،مما جعل (سامح) يصيح فيها:
"ما المضحك فيما قلت؟ "
توقفت (رانيا) عن الضحك بصعوبة وقالت:
- المضحك أنك أنت من يقول هذا..أنت من عرفت فتيات بعدد شعر رأسك..
"لكن هذه الفتاة مختلفة،صحيح أن عدم الخبرة كان باديا عليها لكني أحسست أنها تنتقم مني"
- إنها لا تنتقم منك أنت..
واستطردت بسرعة:
- دعك من هذا..في المرات القادمة عندما تحصل منها على عمولتك سيكون لي نصيب فيها،فلا تنس أنني أنا من عرفتك بها
"لا تقلقي..ستحصلين على ما تريدين.."
وأردف ضاحكا:
"لقد أصبحتِ نهمة للمال في الآونة الأخيرة"
- شكرا على السخرية أيها السخيف..اذهب الآن فطعام العشاء ينتظرني

كانت (أسماء) و (مريم) تنتظران (رانيا) على مائدة العشاء وهما تتحدثان،وعندما سألتها (أسماء) عن عملها ردت (مريم) بالإجابة التي لقنتها إياها (رانيا) والتي حفظتها عن ظهر قلب..
- استطاع (سامح) أن يجد لي عملا في الملهى الليلي الذي تعمل فيه (رانيا) ،وقد كانت مقابلة اليوم جيدة،فقد طلب المدير من (رانيا) أن تعلمني أساسيات العمل،وسأعمل ثلاثة أيام في الأسبوع والوقت سيثبت له إن كنت جادة أم لا..
هزت (أسماء) رأسها وقالت:
- جيد..
ثم أكملت وهي مبتسمة:
- وجود العمل سيملأ وقت فراغك،كما أنه سينسيك (ياسر)
التفتت لها (مريم) وقالت بضيق:
- لقد نسيت (ياسر) للأبد،وأتمنى أن لا تذكريه أمامي مرة أخرى يا (أسماء)
ربتت (أسماء) على كتف صديقتها وقالت:
- لن أفعل..لكن لا أريد أن أراك حزينه هكذا
ابتسمت (مريم) وجاءت (رانيا) ليتناولوا العشاء جميعا..

رغم أن (مريم) كانت مقتنعة أنها تثأر لنفسها،لكن الشعور بالضيق كان ملازما لها طيلة اليوم،منذ أن وافقت على عرض (سامح) حتى عادت قبل ساعة..

في البداية كان هناك صوت ما بداخلها يقول لها أنها مخطئة،وأن هذا ليس هو الفعل الصواب،لكنها حاولت تجاهله..كانت تقنع نفسها طيلة الوقت بكلام (رانيا) الذي لم تقتنع به في بادئ الأمر،لكن بعد تجربتها مع (ياسر) وجدت أن (رانيا) كانت على حق..

وقد كانت خائفة مما سيحدث اليوم،لكن اعتذار رفيق (سامح) خفف من قلقها،فعلى الأقل هي تعرف (سامح) ..لكن شعور الضيق لم يفارقها حتى جاء موعد اللقاء الثاني..

كان اللقاء مع (سامح) وأحد رفاقه،ولم تكن (رانيا) معها هذه المرة،وهو ما جعلها تشعربالتوتر،لكنها بعد أن جلست مع الشابين وبدأوا بالكلام،زال توترها قليلا.. وبعد ربع ساعة تركهما (سامح) ..

في الحادية عشرة والربع مساء كانت (مريم) تركب السيارة مع (سامح) ،واتفقا على أنها ستدفع له نسبة من المال بعد كل مقابلة..وقد أخبرتها (رانيا) مسبقا عن الأمر حتى لا يستغلها (سامح) ..
بعد نصف ساعة تقريبا ركبت معهما (رانيا) وأوصلهما (سامح) للبيت..


* * *

في نهاية الشهر بدأت (مريم) تفهم قواعد اللعبة..تعلمت أن أنوثتها هي سلاحها الفتاك الذي تسحق به الرجال..وأن عليها ألا تتسرع في الحكم عليهم..فأصبحت تستمتع باللعبة ونسيت مخاوفها وأخرست صوت ضميرها للأبد..

مر عام كامل وأصبح لـ (مريم) أسلوبها في الإيقاع بالرجال،وبعدأن كانت تذهب إلى الملاهي الليلية مع (رانيا) ،أصبحت تذهب وحدها إلى أماكن مختلفة،وتعرفت على الكثير والكثير من البشر،ووجدت أنها إن لم تبرز أنيابها وسط هؤلاء الناس فإنها ستُفترَس على الفور..

كانت دوما تأخذ حذرها من (أسماء) ،لكن الأخيرة لم تشعر بشيء،لأنها لم تكن لتتخيل أن تكون (مريم) فتاة ليل..لم تستهجن تأخرها مثل (رانيا) ،فهما تعملان في المكان ذاته..كما أنها بدأت تهتم لدراستها فهذه آخر سنة في الجامعة،وتريد أن تتخرج لتعمل كي تحمل جزءا من المسؤولية مع أختها..

أصبح شكل (مريم) مختلفا تماما،فلو رأتها أمها لن تعرفها؛فقد صارت تضع المساحيق بشكل مختلف عن ذي قبل،وتغيرت طريقة لبسها،ووضعت عدسات لاصقة ملونة تغيرها في كل مرة تخرج فيها..

لم تعد تخشى أن تلتقي بأبيها أو أحد إخوتها،فهم لن يعرفوها بالتأكيد،ولو عرفوها فلن يجد جديد،لأنهم اعتبروها عاهرة من البداية..

" ..الموت أفضل لها من هذه الحياة.. "

ترددت الجملة في ذهنها..ورغم مرور عامين كاملين لكنها تذكرها كما لو أنها سمعتها بالأمس..

لقد أصبحتُ عاهرة بحقٍ الآن يا أبي؛فقد استحققتُ اللقب بجدارة رغم أنك وصمتني به منذ زمن..الآن أنا أستحق القتل رغم أنك قررت هذا من قبل..

لكن ما حدث هذا اليوم زرع القلق في قلبها من جديد..

كانت تركب السيارة مع (سامح) في طريقها لأحد الملاهي الليلية التي سيقضون الليلة فيها..وكانا يتحدثان ويضحكان في محاولة لإزجاء الوقت الذي قد يطول بسبب زحام الشارع..

تأملت السيارات حولها ثم قالت لـ (سامح) مازحة أنها تفكر في شراء سيارة،كي لا تضطر للتوسل إليه في كل مرة ليوصلها إلى أي مكان،ثم ضحكا معا،وحانت منها التفاتة إلى اليمين لتشاهد شخصا جعل قلبها يضطرب كما لو أنها رأت شبحا..

التفت (عبد الرحمن) لمصدر الضحكة،لا لشيء إلا لأنها ذكرته بضحكة فتاة كانت طالبة لديه في الكلية،وقد كانت ضحكتها مميزة جدا لا يمكن أن يخطئها،خاصة أنه كان معجبا بها في ذلك الوقت..لكن تلك الطالبة اختفت فجأة من الكلية قبل عامين ولم يعرف أحد عنها شيئا،وانتشرت شائعات أنها خُطفت لأن أخاها ذهب بعد اختفائها ليبحث عنها في الكلية..

لكن الفتاة التي رآها في السيارة التي بجواره لم تكن (مريم) التي يعرفها،كانت فتاة أخرى ذات شعر مصبوغ ووجه كسته المساحيق..إلا أن نظرة الرعب في عينيها جعلته يكاد يجزم أنها هي..أنها (مريم) ..

أشاحت (مريم) بوجهها إلى الجانب الآخر وقد وضعت يدها على قلبها وكأنما تريد منعه من الخفقان..

انتبه (سامح) لصمتها المفاجئ..فنظر لها ليرى وجهها وقد اكتسى بالرعب..
- ما بك؟
لم ترد فهي لم تسمعه..فصاح وهو يهزها من كتفها:
- (مريم) ..ماذا حدث؟

نظرت له برعب ثم التفتت إلى السيارة المجاورة لتجد (عبد الرحمن) ينظر لها غير مصدق..إنها (مريم) ..لقد سمع ذلك الشاب وهو يناديها باسمها..

أسرعت (مريم) تغلق نافذة السيارة وقالت وهي تحاول أن تبدوا هادئة:
- لا شيء..لقد شعرت بالدوار فجأة..
بدا على (سامح) عدم التصديق فقال:
- لكنك لا تبدين بخير
صاحت فيه فجأة:
- قلت لك شعرت بالدوار..ما الغريب في الأمر؟

ذهل (سامح) لثورتها غير المفهومة..فلم يحاول مناقشتها مرة أخرى كي لا يلفتا أنظار الناس في الشارع..ثم انطلق بسيارته عندما خف الزحام،وتخطى سيارة (عبد الرحمن) ..

راحت تُسائل نفسها..لماذا بعد كل هذه المدة يظهر فجأة يا (مريم) ؟ وهل عرفك؟ بالتأكيد لقد عرفك وإلا لما بدت علامات الصدمة على وجهه عندما رآك..لكن لماذا تخافين؟ فحتى لو عرفك ماذا سيفعل؟ لقد كنتِ طالبة لديه وليس له سلطان عليك،ولن يتتبعك ليعرف وجهتك.. انفضي هذا الخوف عنك وتحلي بالشجاعة..

أخذت (مريم) نفسا عميقا وحاولت الاسترخاء،لكن الأفكار لم تزل تراودها حتى وصلت إلى الملهى الليلي،وهناك نسيت كل شيء..

أما (عبد الرحمن) فلم يرد أن يصدق..هل هذه (مريم) ؟ هل هذه هي الفتاة التي لا تعرف سوى كتبها ومحاضراتها؟ ربما كان مخطئا..قد يكون تشابه أسماء..لكن هل يتشابه الاسم والصوت معا لهذه الدرجة؟ ..ما الذي غيرها بهذا الشكل؟ ومن ذاك الذي كان يجلس بجوارها؟ كانت الأسئلة تتزاحم في عقله،لكنه أقنع نفسه في النهاية أنه مخطئ،وأن هذه الفتاة هي (مريم) أخرى..


* * *

بعد أسبوع اتصل (سامح) بـ (مريم) ليخبرها عن لقاء جديد..وفي الموعد كانت تركب معه السيارة وانطلقا إلى أحد المقاهي،وهناك قام بتعريفها لصديقه:

- (يوسف) ،هذه (مريم)

مد (يوسف) يده وسلم على (مريم) ثم جلسوا،بينما (يوسف) يتفحصها كعادته..
- كيف لـ (سامح) أن يتعرف على القمر بذاته؟
ابتسمت (مريم) وقالت:
- أرأيت عجائب هذا الزمان
ضحك (يوسف) بينما قال (سامح) وهو يستعد للذهاب:
- لا أدري ماذا فعلت لك حتى تعامليني بهذه الطريقة..
ثم تابع:
- لا عجب،فأنت صديقة (رانيا) ..
نهض من مكانه وهو يقول:
- لدي موعد مع أحدهم،اتصلي بي وسآتي لأخذك من هنا

وغادر..
التفتت (مريم) إلى (يوسف) عندما سمعته يقول:
- صحيح أنك صديقة (رانيا) لكنك أجمل منها بكثير
ضحكت (مريم) وقالت بمكر:
- ألا تخاف أن أخبرها بما قلت؟
- أعرف أنك لن تخبريها حتى لا تغار منك

ابتسمت (مريم) وهي تنظر له نظرة فاحصة..بالفعل إنه كما قالت لها (رانيا) ..مغرور كغيره من الرجال،ويجيد تملق النساء جيدا..لكنها كانت قد اعتادت على ذلك..

تعددت لقاءات (مريم) مع (يوسف) كغيره من الرجال،حتى جاء يوم دعا فيه (سامح) (رانيا) و (مريم) إلى حفل في شقته التي استأجرها قبل شهرين،لكن (رانيا) اعتذرت لأن لديها موعدا آخر،أما (مريم) فقد وافقت لتفاجأ بـ (سامح) يخبرها أن (يوسف) هو من سيأتي لاصطحابها..

"لقد أعجب بك (يوسف) كثيرا"
ضحكت (مريم) ضحكة خليعة وقالت:
- ومن الذي لا يعجب بي؟
ضحك (سامح) وقال:
"حسنا أيتها الأميرة،سينتظرك (يوسف) بعد ساعة عند مقهى (....) في وسط البلد"

نظرت (مريم) إلى ساعة الحائط لتجدها تشير إلى السابعة والنصف..
- لا بأس..
ثم استطردت:
- لكن لماذا لم يكلمني (يوسف) مباشرة ليخبرني بذلك؟
"لأنه كان يريدك وحدك،فلو كانت (رانيا) ستأتي كنت سآتي أنا لاصطحابكما"
- فهمت..إذن سأكون هناك في الموعد المحدد

ارتدت (مريم) ملابسها ووقفت أمام المرآة تتزين..

وكما غير ذلك الحادث قبل عامين مجرى حياتها تماما..لم تكن تدري أن هذا اليوم سيكون نقطة تحول أخرى وبطريقة لا تقل قسوة عن سابقه..

في الموعد التقت (يوسف) ..وكان أذان العشاء يصدح من أحد المساجد القريبة،لكنها لم تعره اهتماما كعادتها طيلة العامين الماضيين..

كان الشارع مزدحما،وظلت السيارة تتقدم ببطء شديد،حين سمع الاثنان صوتا آتيا من المسجد القريب..


(فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) ..


شعرت (مريم) برجفة تسري في جسدها،ووجدت قلبها يخفق بشدة لم تعهدها..لماذا سمعت هذه الآيات عالية هكذا؟ ..

لكن لم تكن وحدها من سمعتها،كان (يوسف) هوالآخر قد سمعها،فالتفت إلى (مريم) ليجد ابتسامتها قد تلاشت وراحت تحملق في الفراغ..أدار رأسه وصوت دقات قلبه المضطربة كادت تصم أذنيه..

بعد دقائق قليلة انتزعهما صوت آخر من شرودهما..صوت أصابهما برعدة شديدة..


(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون * ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) ..


شخص بصريهما..وأحس (يوسف) بصدره يضيق،وزادت دقات قلبه حتى أنها علت على صوت أبواق السيارات الغاضبة التي تنبهه كي يتحرك..

مدت (مريم) يدا مرتجفة تنبهه إلى تحرك السيارات في الشارع..فضغط على دواسة البنزين وهو يكاد لا يرى أمامه..

بعد خمس وأربعين دقيقة وصلا إلى بيت (سامح) وأوقف (يوسف) السيارة،لكنهما لم يخرجا منها..كانا لا يزالان شاردان فيما سمعا..لكن شرودهما لم يطل فقد وجدا (سامح) يتصل بـ (يوسف) ،ولم يرد الأخير بل أغلق هاتفه وترجل من السيارة،وكذلك فعلت (مريم) ..

دخل إلى العمارة وجسده لا يكف عن الارتجاف،والصوت يتردد في ذهنه مرارا وتكرارا..وكانت (مريم) تحس بتثاقل في قدميها وغصة في حلقها..لكنها رغم ذلك صعدت معه إلى الشقة..

فتح (سامح) الباب لتتلاشى ابتسامته على الفور..
- ما بكما؟ هل حدث مكروه؟
دخل الاثنان بينما (يوسف) يقول:
- رأينا حادث سيارة..لا تقلق

كان هناك عدة أشخاص،كلهم من نفس الوسط الذي ينتمي إليه (يوسف) ،ولأول مرة يشعر أنه غريب رغم أنه يعرف اثنين منهم..

كانت هناك أغنية أجنبية تصدح في المكان،وظل الاثنان في مكانيهما دون حركة،إلا أن بعض الشباب أجبروهما على الرقص..

مضت ساعة كاملة وحال (مريم) و (يوسف) لم يتبدل،فطلبت (مريم) من (سامح) أن تدخل إلى إحدى الغرف لشعورها ببعض الصداع،وقام (يوسف) معها فنظر لهما (سامح) بخبث وهو يقول:
- لم أنتما متعجلان؟ السهرة لا تزال قائمة

رماه (يوسف) بنظرة نارية،لكن (سامح) لم يرها فقد تركهما وخرج..

أغلق (يوسف) الباب وجلس على طرف الفراش بجوار (مريم) ..فأخرجت سيجارة وأشعلتها بصعوبة لشدة ارتجاف يديها..

ظلا صامتين،ثم أخرج (يوسف) هو الآخر سيجارة وراح يدخن ثم نظر إليها..

التقت عيناهما..ولأول مرة لا تكون نظرة الشهوة هي المسيطرة..كانت هناك نظرات خوف..

فجأة قام (يوسف) وأخرج بعض النقود وأعطاها لـ (مريم) ..لكنها لم تأخذها..رفعت عينيها إليه وكأنما تخاطبه..لا أريد شيئا..

أعاد (يوسف) المال إلى جيبه ثم خرج من الغرفة،واتجه إلى باب الشقة و (سامح) يسأله عن سبب خروجه سريعا..ولما لم يجد جوابا دخل إلى (مريم) وسألها هي الأخرى،لكنه لم يجد سوى الصمت..

كانت خطوات (يوسف) متعثرة..ركب السيارة وأدارها،لكنه لم يذهب..تحرك إلى جانب العمارة لينتظر (مريم) ..لا يدري لماذا فكر في انتظارها..لقد أحس لأول مرة أنه مسؤول عنها.. كان شعورا غريباتعجب منه هو شخصيا..

قرر أن ينتظرها،فأشعل سيجارة ليخفف من توتره..وبينما هو ينتظر فوجئ بسيارتين للشرطة تقتربان من المكان..


يتبع...................


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-13, 02:44 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثاني والعشرون

بعد أن نزلت (مريم) جاء اتصال لـ (أسماء) من إحدى صديقاتها للخروج معها فوافقت وأخبرت أختها،ثم ارتدت ثيابها ونزلت،وبعدها بساعة تقريبا نزلت (رانيا) ..


التقت (رانيا) بأحد الشباب في مقهى قريب..كان صديقا لـ (سامح) وكانا قد التقيا مرة من قبل..دعاها لشرب القهوة ثم ذهبا إلى بيته..


دخلا إلى الشقة وسألها إن كانت تريد بعض الحلوى،فقالت في دلال:

- أنا لا أشتهي الحلوى الآن..أنا أشتهي شيئا آخر
ضحك الشاب وأمسك بيدها ليدخلا إلى غرفة نومه..


* * *

أشعلت (رانيا) سيجارة وهي تعتدل في الفراش ثم قالت له:
- الآن يمكننا تناول الحلوى

ابتسم الشاب وارتدى ثيابه الداخلية ثم خرج من الغرفة..


أزاحت (رانيا) الغطاء عنها وقامت لترتدي ثيابها هي الأخرى،لكنها سقطت على الأرض قبل أن تلمس ثيابها..


دخل الشاب للغرفة وفي يده صحفة عليها بعض الحلوى والعصائر..لكنه فوجئ بـ (رانيا) ملقاة على الأرض لا تتحرك ولم تكن قد ارتدت ثيابها بعد..ترك ما بيده وأسرع إليها ليجدها شاخصة البصر ويجد عينيها لا تطرفان..


قرب يده المرتجفة إلى عنقها ليرتد عنها وقد أصابه الهلع..لقد توقف نبضها..


لم يعرف ماذا يفعل،هل يبلغ الشرطة أم يتصل بـ (سامح) ؟ ..الاتصال بالشرطة سيعرضه لاستجواب وفضيحة،وبالتأكيد سيعرف بها أبيه،إن لم يكن بسبب الشرطة فبسبب الجيران.. وحينها لا يمكنه توقع ردة فعل أبيه..


إذن سيتصل بـ (سامح) ..هو صديقه وهو من عرفه بالفتاة..



* * *

أطفأ (يوسف) سيجارته سريعا وراح يتابع ببصره ما يحدث،مضت دقائق كادت تحطم أعصابه وهو يخشى أن تكون الشرطة قد صعدت إلى شقة (سامح) ..وسقط قلبه في قدميه عندما سمع صياحا وجلبة،ثم وجد رجال الشرطة يقتادون كل من كان في الشقة..

كانت هناك فتاة وشاب شبه عاريين..فخفق قلبه بشدة وهو يدقق بصره في الفتاة،لكنها لم تكن (مريم) ..خرج شرطي آخر يقتاد (مريم) إلى السيارة..


لم تبد (مريم) أية مقاومة،لكنها كانت تبكي..تبكي بمرارة..ستؤخذ بذنب لم تجنه مرة أخرى..لكنها هذه المرة رفعت بصرها للسماء..إنها تدعوا الله لأول مرة..


لا تذكر (مريم) أنها دعت الله إلا في أيام امتحاناتها،وعندما كانت تتعرض لبعض المحن، لكنها منذ ذلك الحادث لم يتحرك لسانها بدعوة واحدة لله كي يفك كربها..


عقل (يوسف) توقف عن التفكير،كيف سينقذها من هذه الورطة..لكن..لماذا تقحم نفسك في هذا الأمر لأجلها؟ ..

تعجب (يوسف) من نفسه،لكنه لم يشغل نفسه بهذا الأمر..وراح يفكر في طريقة تخرجها من هذه المشكلة..انطلق خلف سيارة الشرطة حتى توقفت،فأوقف سيارته بعيدا عن مركز الشرطة وعقله يحاول الوصول إلى حل..

أخرج هاتفه وراح يتنقل بين الأسماء بسرعة عله يجد أحدا من معارفه يقدم له العون، وفجأة وجده..إنه عميد بالشرطة..كان صديقا لوالده لكن صلته انقطعت بهم تقريبا بعد وفاة والدة (يوسف) ..

ضغط زر الاتصال ووضع الهاتف على أذنه وهو يقول..يا رب..ربما لم تأت هذه الكلمة على لسانه من قبل،لكنه شعر بها لأول مرة..وظل يرددها حتى سمع صوتا على الجانب الآخر.. تنفس الصعداء وكلم الرجل..ذكره به فوجد ترحيبا لم يتوقعه..ثم أخبره بما حدث مع بعض التعديلات..

- لقد ذهبت يا سيدي أنا وإحدى صديقاتي إلى حفل نظمه صديق لنا،وبعد ساعة نزلت لشراء دواء للصداع،لكني فوجئت بالشرطة تهاجم المنزل وتقتاد كل من كان فيه إلى قسم الشرطة،وقد كانت صديقتي معهم..


وأخذ نفسا عميقا ثم واصل:

- المشكلة يا سيدي أنني فوجئت أن الشرطة أخرجت فتاة وشابا شبه عاريين،وأخاف أن يتم اتهام صديقتي بشيء لا ذنب لها به

أخبره الرجل أنه سيتصرف،ثم طلب منه اسمها..فأخبره أنه لا يعرف سوى اسم (مريم) ولا يعرف اسم أبيها،لكنه وصفها وصفا سريعا..فطلب منه الرجل عنوان البيت الذي كانوا فيه واسم مضيفهم..ثم طلب منه أن ينتظر اتصاله ليخبره بما حدث..


أنهى (يوسف) المكالمة وراح يدعوا الله أن يمر الأمر على خير..ومرت ربع ساعة ثم رن هاتف (يوسف) ..خفق قلبه بشدة عندما رأى اسم الرجل..فرد بسرعة..


"لقد تصرفت يا (يوسف) ..بإمكانك الذهاب لقسم الشرطة واصطحاب صديقتك من هناك، لكنك ستدفع مبلغا من المال مقابل ذلك.."


واستدرك قبل أن يتكلم (يوسف) :

"ابتعد عن رفاق السوء يا بني..لقد كان والدك رجلا مستقيما طيلة حياته،وكذلك والدتك رحمهما الله"

شكره (يوسف) بحرارة ثم ذهب لقسم الشرطة..قدم بطاقته وأخبرهم أنه من طرف العميد (محسن جبريل) وأنه من سيأخذ (مريم) ..دفع المال المطلوب ثم أخذ (مريم) وخرج..


كانت الفتاة صامتة كالأموات..لكن الصدمة كانت بادية على وجهها..ركبت السيارة بجوار (يوسف) وانطلق بها إلى بيته..


ظلا طيلة الطريق صامتين لكنها أطلقت العنان لدموعها علّها تخفف عنها بعض الشيء، ولم يكلمها (يوسف) فقد كان في حال يرثى له هو الآخر،كان يشعر بضيق شديد في صدره.. عندما ذهب إلى (سامح) ونظر في وجوه الموجودين هناك،أحس بالاشمئزاز..لقد كانت هذه التجمعات تبهجه من قبل،لكن هذه المرة كان التجمع كئيبا رغم الموسيقى والضحك..


وصل إلى البيت،ثم أوقف السيارة..نظرت (مريم) إلى المكان ثم التفتت له مستفهمة،فأشار لها برأسه كي تتبعه،فذهبت معه دون كلمة،فلم يكن هناك ما يقال..



* * *

خرج (سامح) من مركز الشرطة مع والده الذي كان يستشيط غضبا..
- أرأيت ما الذي جنيته من رفقة السوء هذه؟
رد (سامح) على أبيه بضيق:
- وما ذنبي؟ لم أكن أعرف أن الأمر سيتطور بهذا الشكل
ركب والده السيارة وقال بعصبية:
- عرفت أم لم تعرف..ما الذي دفعك لأخذ مفتاح شقة أخي دون علمي؟ لمَ لمْ تذهب لتحتفل في ملاهي الدعارة التي ترتادها؟ لماذا تقحمنا في قذاراتك؟
- أهذا ما يهمك؟ ألم يهمك أن ابنك دخل إلى قسم للشرطة؟
- فليذهب ابني إلى الجحيم إن كان سيلوث عائلتنا بأفعاله المشينة..الحمد لله أن عمك خارج البلاد الآن،ولا أدري إن كان سيعرف هذا الأمر أم لا..
وتابع وكأنه يكلم نفسه:
- بالتأكيد سيعرف من الجيران عندما يعود..
والتفت إلى ابنه مرة أخرى وقال:
- لولا أن المهندس (محمد) أبلغ عنكم لأصبحت تلك الشقة وكرا رسميا للدعارة..
قال (سامح) في دهشة:
- المهندس (محمد) !!
- أجل..لقد اتصل بي وقال إن هناك من يتردد على الشقة كثيرا..يقيم الحفلات ويزعج السكان وتنبعث روائح الدخان المختلفة من الشقة،وقد أبلغ عنكم لأجل ذلك،فقد ظن أن هناك من استأجر الشقة من أخي..

ازدادت دهشة (سامح) وهو يقول:

- لأجل ذلك فقط؟
انفجر فيه أبيه بغضب:
- وماذا كنت تتوقع؟ لو كان أحد السكان قد عرف بما يحدث في تلك الشقة من قذارة، لهدمها فوق رؤوسكم

إذن ليس (يوسف) هو من أبلغ عنهم..يا له من تفكير غبي،لو كان هو من أبلغ عنهم لأخذ (مريم) معه قبل أن يخرج،ولما تركها تتعرض للحبس ثم يأتي لأخذها..

- اسمع أيها الأحمق..ستنتظم في عملك في الشركة معي،وإلا فلتبحث عن مكان آخر يؤويك
رد (سامح) على والده بعصبية وقال:
- لقد سئمت من معاملتك الدونية لي في البيت وفي الشركة،أنا لا أحتاج لشركتك التي لم ألق فيها إلا الذل..سأبحث عن مكان آخر لأعيش فيه بعيدا عن تحكماتك

خرج من السيارة وقد أصاب الذهول أباه..


لقد فزع (سامح) عندما وجد طرقا عنيفا على الباب..فأسرع بفتحه ظنا منه أنه (يوسف) ، لكنه فوجئ برجال الشرطة يقتحمون المكان وسط سحب الدخان التي تنبعث من السجائر والشيشة..

ثم دخل أحد الرجال إلى غرفة من الغرف ليجد اثنين من أصدقائه في وضع مخل، فأخرجهما من الغرفة واقتادهما للخارج،واتجه آخر للغرفة التي بها (مريم) ليجدها تقف على بابها تنظر بذهول لما يحدث،فاقتادها هي الأخرى للخارج..

لقد ظن حينها أن (يوسف) هو من أبلغ عنه..


عندما وصل لمركز الشرطة طلب الاتصال بوالده عندما عرفهم أنه ابن رجل الأعمال (سيد عبد المنعم) صاحب شركة الاستيراد والتصدير المعروفة..وجاء والده ثم قام بإخراجه وبقية أصدقائه بطريقته..


رن هاتفه منتزعا إياه من شروده،فأخرجه ليرى اسم صديقه (رامي) ،زفر بضيق ثم رد وهو يحاول أن يكون صوته هادئا:

- ما الأمر يا (رامي) ؟
أنصت قليلا إلى صديقه ثم توقف عن المشي..
- هل أنت متأكد؟ افحصها مرة أخرى فقد تكون فاقدة الوعي
صاح فيه صديقه بكلمات غاضبه فطلب منه أن يهدأ وسوف يأتي إليه حالا..
أنهى (سامح) المكالمة وقد شعر باختناق..ثم أسرع إلى الشارع الرئيسي راكضا..أوقف سيارة أجرة ثم انطلق..

فتح (رامي) الباب وعلامات الذعر لا تزال على وجهه..

- أين هي؟

أشار الشاب إلى إحدى الغرف فدخل (سامح) مسرعا ليجد جثة (رانيا) وقد غطاها (رامي) بغطاء السرير..


تسمر (سامح) في مكانه وقد تسارعت دقات قلبه وهو لا يكاد يصدق ما يرى..لقد كان يكلمها منذ ساعات،لكنها الآن جثة هامدة..لكن وجهها يبدوا غريبا بعض الشيء،ليس فيه بريق الجمال الذي كانت تتمتع به..


- ماذا سنفعل الآن؟

انتفض (سامح) ،ودخل (رامي) إلى الغرفة..
- لا أدري..

وراح عقله يعمل بسرعة..هل يتصل بـ (أسماء) ؟ أم يتصل بـ (مريم) ؟ ..لا..لا يمكنه الاتصال بـ (أسماء) ..ماذا سيقول لها وهي لا تعرف عن أختها شيئا؟ ..ولو اتصل بـ (مريم) ماذا بإمكانها أن تفعل؟ ..لا حل إذن سوى الاتصال بالشرطة..لكنه خرج لتوه من أحد الأقسام، وماذا سيخبر الشرطة؟ هل سيقول لهم أنه كان يسهل لها الدعارة؟ ..


هز رأسه في عصبية ثم قال لـ (رامي) بعد أن واتته فكرة:

- أين ملابسها؟
أشار (رامي) إليها فقام (سامح) وأعطى بعضا منها لـ (رامي) وهو يقول:
- ساعدني كي نلبسها ثيابها
أطاعه (رامي) فلم يكن أمامه خيار آخر..وبعد أن انتهوا أخبره (سامح) بخطته:

- اسمع..سننزل بها إلى سيارتك،ثم تذهب بها إلى إحدى المستشفيات القريبة وأخبرهم أنها فقدت وعيها قبل نصف ساعة من الآن وأنك حاولت إفاقتها لكنك لم تستطع فهرعت بها إلى المستشفى..لكن لا تخبرهم أنك تعرف أنها ميتة..

كان (رامي) ينظر إليه برعب ثم قال:
- ماذا؟ سأذهب بها وحدي؟
صاح فيه (سامح) :
- لقد كنتُ من ساعة في قسم الشرطة أيها الأحمق،ولا يمكنني ادعاء وجودي في مكان آخر في ذلك الوقت..كما أنها ماتت في بيتك..
ثم واصل وهو يكلم نفسه:
- ما هذه المصائب التي تنزل على رأسي؟

لم يجد (رامي) بدا من الإذعان فلم يكن هناك حل آخر..


حمل الشابان جثة الفتاة واقفة وكأنها فاقدة للوعي،بعد أن تأكد (سامح) من خلو الشارع، لكن المصائب لا تأتي فرادى؛فعندما وصل الشابان لمدخل العمارة ظهر فجأة أحد الجيران..

- (رامي) ؟ من هذه الفتاة يا بني؟

أصاب الخرس (رامي) وقد سقط قلبه في قدميه،وعرف (سامح) أنه سيبيت هذه الليلة في السجن لا محالة..



يتبع...................


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-13, 02:45 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الفصل الثالث والعشرون



كان جسد (مريم) لا يكف عن الارتجاف،فأخرجت سيجارة وراحت تدخنها بعصبية،وقد جلس (يوسف) على المقعد المواجه لها وهو يدخن هو الآخر..
- هل ضايقك أحدهم في قسم الشرطة؟
انتبهت (مريم) ثم قالت بعد لحظة من الصمت:
- لا..ولكني سمعت كما من الشتائم لم أسمع مثلها في حياتي..
ثم أردفت وهي تنظر له مباشرة:
- لماذا أخرجتني من هناك ولم تخرج (سامح) ؟
نظر (يوسف) لها في صمت..لماذا أخرجها هي وحدها؟ لماذا لم يساعد صديقه؟ ..لم يجد جوابا..
- لا أعرف..لقد وجدت نفسي أفعل ذلك وحسب

تراجعت (مريم) في مقعدها وراحت تحملق في سقف الغرفة..وبعد دقائق اعتدلت وطلبت دخول الحمام..أغلقت الباب عليها ونظرت لوجهها في المرآة..من هذه الفتاة التي تنظر إليها؟ إنها لا تعرفها..لقد رأتها قبل ساعات في البيت عندما كانت تتجهز أمام المرآة تأهبا للنزول..لكنها تشعر أنها ترى هذا الوجه لأول مرة..لقد تغيرت يا (مريم) كثيرا حتى أصبحت لا تعرفين نفسك..

فتحت صنبور المياه وغسلت وجهها،ثم نزعت العدسات التي كانت تضعها وألقت بها على الأرض..ثم انفجرت في البكاء..
علا صوت بكائها فأسرع (يوسف) إلى دورة المياة وطرق الباب بهدوء ثم راح يدق عليه بعنف..
- (مريم) ..هل أنت بخير؟

واصلت بكاءها كأنها لم تسمعه،فاضطر لدفع الباب دفعا حتى كسر قفله ليجدها تجلس على الأرض وتلطم وجهها وهي تبكي بمرارة..أسرع إليها وحاول تهدئتها،فساعدها على الوقوف ثم أخرجها من دورة المياة وأجلسها على الأريكة في غرفة المعيشة..

هرع إلى المطبخ وأحضر لها زجاجة من الماء البارد..
- هل أنت بخير؟
ناولته الكأس بعد أن شربت منه القليل وهي تومئ برأسها إيجابا..جلس بجوارها وهو ينظر إليها بقلق..انتبه أنها غسلت وجهها من مساحيق التجميل فراح يتأمل وجهها على طبيعته لأول مرة..يا لهذا الوجه الملائكي..

وجد يده تمتد لتمسح على شعرها،وقد فوجئ كما فوجئت هي من هذا التصرف..فنظرت له بعينين مليئتين بالدهشة..

فجأة رن هاتفها فانتفضت،لكنها تمالكت نفسها وأمسكت الهاتف لتجد (أسماء) ..كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل..فردت عليها وهي تحاول جعل صوتها هادئا..لكنها فوجئت بصوت بكاء (أسماء) ..فطلبت منها أن تهدأ لتفهم ماذا تقول..

"لقد ماتت (رانيا) يا (مريم) .."

نزل الخبر على (مريم) كالصاعقة،وبدت الصدمة على وجهها ممتزجة بالخوف،مما أصاب (يوسف) بالقلق خاصة أنه سمع صوت البكاء على الجانب الآخر من الهاتف..
" (مريم) ..أنا سأذهب إلى المستشفى..أرجوك تعالي أنا بحاجة إليك"
طلبت منها (مريم) أن تهدأ،وأخذت منها اسم المستشفى ثم أنهت المكالمة..
كان وجهها ممتقعا..فسألها (يوسف) بسرعة:
- من المتحدث؟
سالت دموع (مريم) على وجهها بصمت..إنها لا تصدق..لقد ماتت (رانيا) ..كيف؟ وأين؟ ومتى؟ ..
- (مريم) ماذا حدث؟

انتبهت على صياح (يوسف) فقالت بصوت خافت:
- (رانيا) ماتت
اتسعت عيناه غير مصدق..
- من الذي قال لك هذا؟
ازدردت لعابها كي تتمكن من الكلام..
- أختها
- كيف حدث هذا ومتى؟
هزت رأسها وهي تقول:
- لا أدري
كانت تشعر بثقل على صدرها..ماذا سيحدث الآن؟

ذهب (يوسف) و (مريم) إلى المستشفى ووجدا بعضا من رجال الشرطة،وكانت (أسماء) تجلس على أحد المقاعد وتبكي..
أقبلت (مريم) عليها واحتضنتها والصدمة لم تفارقها بعد..أما (يوسف) فكان يتابع المشهد وقد توقف عقله عن التفكير..لكنه فوجئ بـ (سامح) ..
- ماذا تفعل هنا (ياسامح) ؟ ومتى خرجت؟
- خرجت منذ ساعة ونصف تقريبا..خرجت كي ألتقي بهذه المصيبة..
وقبل أن يسأله (يوسف) سؤالا آخر قام أحد رجال الشرطة بأخذ (سامح) و ظهر (رامي) أيضا مع أحد رجال الشرطة اللذان اقتادوهما إلى سيارة الشرطة..ثم طلب شرطي آخر من (أسماء) أن تذهب معهم..

التفت (يوسف) إلى (مريم) بنظرات التساؤل،لكنها لم تترك له فرصة ليتكلم..
- يجب أن نذهب معهم لنعرف ماذا جرى
خرجا مسرعين وذهبا إلى قسم الشرطة..


* * *

قرب الفجر خرج (سامح) بصحبة والده مرة أخرى..
- أنا لم أساعدك إلا لأجل أمك المسكينة،والتي كادت تجن عندما عرفت بما حدث
- لكني هذه المرة لست مسؤولا بالفعل..والوفاة طبيعية فعلام تلومني؟

ركب الأب السيارة وهو يردف وكأنه لم يسمع ما قاله ابنه:
- لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى،وأقسم بالله أني لن أساعدك مرة أخرى حتى لو كان حبل المشنقة سيلتف حول عنقك
وأدار سيارته ثم انطلق،تاركا ابنه وحده في الشارع..

خرجت (مريم) و (يوسف) ومعهما (أسماء) ..والتي كانت صامتة من هول الصدمة..
تذكر (سامح) كل ما مر به هذه الليلة فالتفت إليهم وقال:
- هل تعرفين يا (أسماء) ماذا كانت أختك تفعل مع (رامي) ؟ ..
التفتت الثلاثة إليه فأكمل قبل أن يتكلم أحدهم:
- إنها لم تكن متعبة فاستضافها (رامي) كما أخبرهم في التحقيق،وكما شهد معنا جاره..
اتسعت عينا (يوسف) وتحفز لضربه..
- أختك كانت إحدى فتيات الليل،وكانت تتاجر بجسدها لتحصل على المال
لم يحتمل (يوسف) فلكمه لكمة أطاحت به أرضا،فسارع (رامي) يمسك بـ (سامح) وهو يقول بغضب:
- أيها الغبي ماذا تفعل..لقد خرجنا من هنا بأعجوبة..تعال معي إلى البيت
مشى معه (سامح) وهو يقول:
- لقد ماتت وهي عارية يا (أسماء) ،ونحن من ألبسناها ثيابها..لقد جلبت لكم العار حية وميتة
جذبه (رامي) بغلظة ثم دفعه دفعا للسيارة..
- أنا لم أنه كلامي بعد يا (يوسف) ..
صاح (رامي) فيه بغضب كي يصمت،ثم أدار سيارته وغادرا المكان..

كانت (أسماء) مصدومة..فاحتضنتها (مريم) وركبا معا السيارة مع (يوسف) ..وفور أن دخلت الفتاتان إلى المنزل فوجئت (مريم) بـ (أسماء) تصيح فيها بغضب لم تعهده من قبل:

- أختي كانت عاهرة؟ وأنت كنت تعلمين؟ لماذا لم تتكلمي؟ ..
وأردفت بسرعة قبل أن ترد (مريم):
- لا عجب..فأنت مثلها وربما خدعتني بقصة اغتصابك تلك..

كانت (مريم) تقف مذهولة لا تعرف بم ترد..
- لو كنت أعرف ذلك لما سمحتُ لك بالمبيت في هذا البيت دقيقة واحدة،أو أنني كنت سأتركه لكما لتدنساه كما يحلوا لكما..
قالت (مريم) أخيرا بعد أن وجدت صوتها:
- (رانيا) كانت تفعل ذلك لأجلك،لكي تجدي المال الذي يمكنك من العيش بكرامة
- تبا لذلك المال وتبا لتلك الحياة..أنا لا أريد مالها القذر،ولا أريدك أنت أيضا..
ثم تابعت والدموع تتساقط من عينيها:
- كان علي أن أذهب لأقارب والدتي حتى لو لم يهتموا لأمرنا..لكنني أخطأت وسأصلح هذا الخطأ..

دخلت إلى غرفتها وأخرجت ثياب (مريم) ورمتها خارج الحجرة وقالت وهي لا تزال في ثورتها:
- أخرجي ملابسك القذرة من هنا،واخرجي معها أنت أيضا..اخرجي من بيتي..لا أريد أن أراك مرة أخرى..

تحركت (مريم) نحو الباب باكية ورافقتها كلمات (أسماء) :
- وإياك أن تسألي عني بعد الآن..فأنا لا يشرفني معرفة من هم مثلك

خرجت (مريم) من البيت ودموعها تنهمر كالشلال..وكادت تتعثر عدة مرات على الدرج.. خرجت من العمارة وهي لا ترى أمامها من كثر الدموع..ماذا ستفعلين يا (مريم) ؟ لقد عدت شريدة مرة أخرى..أين ستذهبين؟ ..

أخرجت هاتفها ووجدت نفسها تتصل بـ (يوسف) ..
- (يوسف) تعال وخذني من هنا..
"لماذا تبكين؟ هل حدث لك أو لـ (أسماء) مكروه؟ "
- أرجوك تعال وخذني من هنا يا (يوسف) ..أرجوك..

أدار (يوسف) عجلة القيادة وقد أصابه الخوف..ما الذي حدث يا ترى؟ ..
بعد دقائق كان يقف أمام البيت فركبت معه دون كلمة واحدة..كانت تبكي فلم يحادثها بل انطلق بها إلى البيت..وبينما هما في الطريق سمعا صوت أذان الفجر..

"الصلاة خير من النوم" ..

ازداد بكاء (مريم) ..لقد خرجت قبل عامين من بيتها وهي تسمع ذات النداء،لكنها لم تهتز حينها،ولم يسجد جبينها لله منذ ذلك اليوم،فقد كانت تشعر أنها تلوثت للأبد..

يا رب..ساعدني يا رب..لم يعد لي سواك الآن..

أوقف (يوسف) سيارته بجوار أحد المساجد..وراح يراقب الرجال الذين يدخلون المسجد.. كان منهم رجال كبار ومنهم شباب في مثل سنه..وبعض الرجال اصطحب ابناءه الصغار معه..وبدأت الصلاة،لكنه لم يجرؤ على النزول،كان يشعر أنه سيدنس ذلك المكان بقدميه..كما أنه لا يذكر أنه دخل مسجدا بعد المرحلة الثانوية..

بعد قليل استعد للتحرك عندما سمعا صوت الإمام..

(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد * وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)

لم يستطع (يوسف) منع دموعه الحبيسة منذ الأمس عندما سمع تلك الآيات..لقد كانت تكلمه هو..لقد لمست قلبه،لكنها لمسة اعتصرته وبدأت تخرج ما فيه من دنس..

أدار محرك السيارة وانطلق بها في اتجاه البيت..

مسح الدموع عن عينيه كي يتمكن من رؤية الطريق،لكنها لم تتوقف عن الانهمار وكأنها كانت تنتظر هذه الإشارة منذ زمن..لماذا تبكي الآن يا (يوسف) ؟ أنت لم تبك منذ وفاة والدتك،ما الذي حدث؟ ما هذا الثقل الذي تشعر به في صدرك؟ ..

إن الآيات تحدثه هذه المرة أيضا..هذه ليست مصادفة..لا يمكن أن تكون كذلك..

أخرجه من خواطره صوت (مريم) وهي تشهق بالبكاء..أوقف السيارة وحاول تهدئتها..
- لا أريد أن أموت مثلها يا (يوسف) ..لا أريد أن أموت مثلها..
- اهدئي يا (مريم) ..ما الذي جعلك تفكرين هكذا؟
لم تجبه سوى بالمزيد من البكاء..لقد هزتها تلك الآيات بقوة..كانت تحدثها هي بلا شك..

أدار السيارة مرة أخرى ثم أوقفها أمام بيته وساعدها على الصعود معه إلى البيت..

ارتمت على أول مقعد صادفها،ودخل (يوسف) إلى دورة المياه،وعندما خرج وجدها قد نامت،فحملها وأدخلها إلى إحدى الغرف ثم ذهب إلى غرفته ونام على الفور،فقد بلغ منه الإرهاق مبلغه..


يتبع...................


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-13, 02:47 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع والعشرون


فتحت (مريم) عينيها ثم هبت من مكانها فجأة..ما الذي أتى بها إلى هذا المكان؟ جالت ببصرها في المكان ثم تذكرت..
قامت من مكانها وهي تشعر بالصداع،وانتبهت أنها نامت بثيابها..خرجت من الغرفة لتجد (يوسف) يجلس في غرفة المعيشة أمام التلفاز،وفور أن رآها حاول رسم ابتسامة على وجهه المرهق..
- صباح الخير
- صباح الخير..كم الساعة؟
نظر إلى الساعة المعلقة على الحائط وقال:
- الثانية والربع..
رفعت حاجبيها في دهشة..
- لم أرد أن أوقظك فقد بدوت مرهقة جدا
هزت (مريم) رأسها ثم اتجهت إلى الحمام،فقال (يوسف) :
- لقد ابتعت لك بعض الثياب..
وأشار إلى حقيبة بلاستيكية على الطاولة،ففتحتها (مريم) لكنها أغلقتها مرة أخرى وقالت:
- بكم اشتريتها؟
هز رأسه وقال:
- لا يهم..فأنـ..
قاطعته بغضب:
- بكم اشتريتها؟ فأنا لن أعطيك مقابلها غير المال
نظر لها بدهشة،ثم هز رأسه وقال:
-لا بأس..غيري ثيابك أولا وسآخذ منك المال

ترددت (مريم) قليلا ثم أخذت الحقيبة ودخلت إلى الحمام..فتحت المرش ووقفت تحت الماء..كانت تشعر أن الماء ينزل من على جسدها مختلطا بخطاياها التي لوثتها لأكثر من عام..

بعد أن انتهت أحست بانتعاش،لكن شيئا بداخلها كان يقول لها أن هذا لا يكفي،وقد كانت تعرف ذلك..

خرجت من الحمام لتجد (يوسف) لا يزال على حاله..
- لقد طلبت طعاما من أحد المحال القريبة
هزت رأسها ودخلت إلى الغرفة وراحت تجفف شعرها جيدا،وبعد قليل سمعت صوت جرس الباب ثم طرق (يوسف) بابها ليخبرها أن الطعام جاهز،فخرجت من الغرفة وجلست أمامه على طاولة الغداء وبدأت بالأكل،فهي لم تذق طعاما منذ الأمس..

تذكر (يوسف) شيئا فقال:
- (مريم) ..ما الذي حدث مع (أسماء) ؟ لماذا تشاجرتما؟ ولماذا تركت لها البيت؟
توقفت (مريم) عن الأكل وبدا على وجهها الضيق..
- لقد طردتني
- طردتك؟
أخذت نفسا عميقا ثم روت له ما حدث،فطلب منها أن تتصل بها بعد إنهاء الطعام كي تطمئن عليها..وعاودا الأكل مرة أخرى في صمت..
- (مريم) ..
نظرت له فقال:
- أنا أعرفك منذ شهرين تقريبا،ولا أعرف غير اسمك فقط..ما اسم والدك؟
سكتت قليلا ثم قالت:
- ولماذا تريد معرفته؟
- عندما اتصلت بصديق والدي كي يخرجك من قسم الشرطة طلب مني اسمك كاملا، ولكني لم أكن أعرف،فوصفتك له..وأحمد الله أنه لم يكن هنا (مريم) أخرى غيرك..
ابتسمت (مريم) ابتسامة باهتة وقالت:
- اسمي (مريم عبد الحميد)

شعر (يوسف) بشعور غريب،كان الفضول يتملكه ليعرف عنها المزيد من المعلومات..
- هل لي أن أسألك سؤالا آخر؟
كادت أن تنهره لكثرة أسئلته،لكنها أومأت برأسها إيجابا،فقال بعد تردد:
- لماذا كنت تعيشين مع (رانيا) و (أسماء) ؟
لم تتوقع أن يسألها هذا السؤال..وشعرت أنها تريد أن تتحدث..أجل..ستتحدث وتخبره بكل ما في داخلها كي تشعر بالراحة..أخيرا ستجد من يستمع لها ويتفهمها..ولا تدري من أين جاءها هذا الإحساس..

- أنا من كفر الزيات،وكنت أدرس في القاهرة..كنت فتاة عادية جدا كغيري من الفتيات، أذهب إلى كليتي صباحا،أحضر محاضراتي،أعود للمدينة الجامعية،أدرس مع زميلاتي،ثم أعود في نهاية الأسبوع إلى أهلي..

كان أبي يعارض مجيئي للقاهرة للدراسة،لكن خالي وأخي الذي يكبرني مباشرة تمكنا من إقناعه بضرورة الأمر،وقبل أن آتي إلى القاهرة صورها أبي وإخوتي أنها مدينة الذئاب،وكانت هناك المئات من التحذيرات والنصائح التي جعلتني أشعر بالخوف،وكدت بسببها أن أتراجع عن السفر،لكني لم أرد التخلي عن حلمي في دخول كلية الصيدلة..

عندما جئت إلى القاهرة وجدت مجتمعا مغايرا تماما لما عشته في قريتي،ولكن بسبب نصائح أهلي الصارمة كنت أتجنب الحديث مع الشباب ومع الفتيات اللواتي يتحدثن معهم،كنت أخاف من أن يكون أحد إخوتي يراقبني؛فقد سمعت أخي الأكبر يقول أن الأمر لو تطلب مراقبتي فسيفعل كي يضمن أنني لن أحيد عن الطريق..فأصبح لدي فضول ممتزج بالخوف لمعرفة الشباب والتحدث إليهم..

تعرفت إلى الكثير من الفتيات في المدينة الجامعية،وأغلبهن كن من نفس كليتي،وتعرفت على بعض الفتيات من كليات أخرى..بعض زميلاتي كن يضعن المساحيق قبل ذهابهن للكلية، لكني كنت أعرف أنه محرم علي ذلك لأن أهلي لن يسمحوا به..

كانت أولئك الفتيات يسخرن مني لأني لا أهتم بمظهري مثلهن،وحتى الفتيات المتدينات كن مهتمات بمظهرهن داخل المدينة،وكن يضعن المساحيق وهن جالسات معنا،وقد كنت أريد أن أفعل مثلهن لكني كنت أخاف أن يصل الخبر إلى أهلي عن طريق الفتيات اللواتي من نفس قريتي؛فالتزين في حد ذاته أمر محرم في بيتنا حتى أصل لبيت زوجي..لقد قتلوا الأنثى التي بداخلي..

صمتت قليلا وهي تتذكر أول مرة ذهبت مع (أسماء) إلى الجامعة بدون الحجاب..وتذكرت (ياسر) وهو يسألها عن حجابها..تنهدت عندما تذكرت (ياسر) ثم واصلت السرد:

- لم أذهب إلى السينما في حياتي،فقد كانت من المحرمات هي الأخرى،لماذا؟ لأن أهلي قالوا ذلك..لم أكن أجد ردا مقنعا منهم لأي شيء حرموه علي..لكني كنت أذعن خوفا منهم،ومن أن يحرموني من إكمال دراستي..

كنت أرى السينما في التلفاز فقط ولم أكن أعرف شكلها من الداخل،وقد زادني هذا فضولا، وفكرت أن أذهب إليها وحدي ذات مرة،لكن خوفي كان أكبر مني..فكل حركة أو كلمة لي كانت محسوبة في بيتنا..

كل هذه القيود كانت لأجل حمايتي كما زعموا،فسمعتي وشرفي كانا أهم شيء يجب أن أحافظ عليه..لكن تلك القيود لم تمنع ذلك الحادث،والذي لم يتخيلوه في أسوأ كوابيسهم..
صمتت للحظات ثم واصلت كلامها..


* * *



انهت (مريم) حكايتها وقد أصيب (يوسف) بالصدمة لما سمع..
- إذن فقد كانت (رانيا) هي التي دفعتك لهذا الطريق أنت أيضا
أومأت برأسها وقالت:
- لكن الشيء الوحيد الذي كان يجب أن أشكرها عليه أنها أبعدتني عن المخدرات،فلم تكن تعرفني على المدمنين كي لا أصبح مثلهم..ولا أدري لم فعلت ذلك..منذ أن أقمت معهما وهي تساعدني ولكن على طريقتها..

ثم انتبهت فجأة وقالت:
- ماذا تقصد بقولك (أنت أيضا) ؟

ابتسم (يوسف) بسخرية وقال:
- أنا لم أترك خطيئة إلا وارتكبتها،وكنت على علاقة بفتيات كُثُر..تطورت علاقاتنا إلى أبعد الحدود،وكسرت كل الحواجز،لكني كنت أتوقف عند آخر حاجز،كي لا أتورط مع إحداهن، لأنه إن حدث ذلك فسأضطر للزواج منها،لأنني رغم كل مساوئي،لم أكن لأتنصل من جريمة كهذه،فأنا لا أعتبر هذا من الرجولة..

لكن (رانيا) كسرت هذا الحاجز الأخير،وتوهمت حينها أنه كان بإمكاني فعل هذا الأمر من البداية إن كانت هناك من تقبل به..وبالفعل تعددت علاقاتي مع فتيات من هذا النوع،وكنت أتعرف عليهن عن طريق (سامح) و (رانيا) ..

(رانيا) كانت فتاة غريبة من البداية،لطالما شعرت أنها تعرف ما أريد،وتجعله نقطة قوة لصالحها..كانت دوما تسبقني بخطوة،وقد كان هذا يشعرني بالضيق،فأقرر أنني لن أكلمها مرة أخرى لكني أعود وأكلمها ليس لشيء إلا لأثبت لنفسي أنني قادر على إخضاعها،لكنها كانت تلعب دورها بمهارة،فعندما تشعر أنني بدأت أتملكها تتملص مني كالأفاعي وتتعلل بالانشغال كي لا أراها..

وقد لاحظت أنك تشبهينها قليلا في هذا الأمر،لكن أحيانا كنت أرى في عينيك نظرة تخالف مظهرك الخارجي تماما،وقد فهمت سرها الآن..

قبل أن يتكلم مرة أخرى رن هاتفه،فأخذه ليجد اسم (عبد الرحمن) ..
- مرحبا
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"
ضحك (يوسف) وقال:
- كيف حالك
"أنا بخير الحمد لله..لم تسأل عني منذ مدة طويلة،وقد اتصلت بك قبلا لأدعوك لحفل زفافي لكنك لم تجب"
- ألف مبروك..اعذرني فأحيانا لا أنتبه للهاتف

قامت (مريم) وأخذت ما تبقى من الطعام إلى المطبخ،كي تترك له حرية الحديث..

"لا بأس،سأحاول تصديقك..على كل..هذه المرة أتصل لدعوتك لحضور عقيقة ابني"
ابتسم (يوسف) وقال:
- مبروك مرة أخرى..وماذا أسميته؟
"أسميته (يوسف) "
رفع (يوسف) حاجبيه وقال ضاحكا:
- ألهذا الحد تحبني
ضحك (عبد الرحمن) هو الآخر وقال:
"لم أسمه على اسمك،بل على اسم سيدنا (يوسف) عليه السلام،وأرجو أن يرزقه الله العفة كما رزق نبيه"

نزلت الجملة الأخيرة على (يوسف) كأنها صاعقة،لقد شعر أنه لوث الاسم بأفعاله المشينة، فلمعت عيناه بالدموع..

" (يوسف) ..هل ستأتي أم ماذا؟ "
مسح (يوسف) عينيه وقال:
- بالتأكيد سآتي..
وصمت للحظة وجملة (عبد الرحمن) ترن في رأسه..
- وسأحضر معي خطيبتي
قال (عبد الرحمن) بصوت لا يخلوا من الدهشة:
"خطيبتك؟ متى حدث ذلك؟ "
ابتسم (يوسف) وقال وهو يمسح دمعة أخرى:
- منذ مدة قصيرة
قال (عبد الرحمن) ضاحكا:
"كان الله في عونها.."
ثم أكمل منهيا المكالمة:
"سأنتظرك أنت وخطيبتك يوم الجمعة القادمة بعد صلاة العشاء إن شاء الله"

ثم أملاه العنوان وأنهى المكالمة،وانتهت معها حيرة (يوسف) ..لن يستمر في حياته المخزية هذه للأبد،لن يدنس هذا الاسم مرة أخرى..

عادت (مريم) من المطبخ حاملة صحفة عليها كوبين من العصير،فالتفت إليها (يوسف) قائلا:
- (مريم) ..هل تقبلين الزواج بي..

فسقطت الصحفة من يديها..


* * *



فزعت (مريم) وأسرعت بلم الزجاج المتناثر وقلبها يخفق بشدة..فانحنى (يوسف) ورفعها برفق من ذراعها..
- دعك من هذا الآن وأخبريني،هل توافقين؟
ابتعدت عنه وقالت بغضب:
- أشفقت علي بعد أن عرفت قصتي أليس كذلك؟ وستتزوجني بدافع الشفقة..لكني لا أقبل بهذا،فأنا أملك كرامة رغم كل شيء
اقترب منها وقال:
- صدقيني ليس الأمر كذلك..

وجذبها برفق لتجلس ثم جلس أمامها وقال:
- أنت من يجب أن يشفق علي،فأنت كنت ضحية لمجتمع أحمق عاقبك على جرم لم تقترفيه،ودفعوك دفعا لتسلكي هذا الطريق..

واستطرد:
- لكن ما سبب سلوكي أنا لذات الطريق؟ أنا لم أشته شيئا في حياتي إلا وكانت طلباتي مجابة..كل الفتيات اللواتي عرفتهن كنت أنظر إليهن باحتقار لأنهن غير عفيفات،ولم أنظر لنفسي ذات النظرة..

تابع وهو يشعر بغصة في حلقه:
- الآيات التي سمعناها ونحن في طريقنا إلى بيت (سامح) كانت تخاطبني يا (مريم) .. (يوسف) عليه السلام كان عفيفا ولم يتعلل بأنه رجل ولن يضيره شيء..العفة لا ترتبط بالمرأة فقط..

كانت دموع (مريم) تنساب على وجهها في صمت..ليلة الأمس كانت حافلة حقا..الآيات الأولى كانت تخاطبها أيضا،فـ (مريم) عليها السلام لم تكن بغيا،وقد رماها الناس بالزنا قبل أن يعرفوا قصتها،ولم تستسلم وتهرب بوليدها خوفا من نظرة الناس لها،بل واجهتهم بشجاعة لأنها لم ترتكب شيئا محرما،بل كان أمرا بقدر الله..

أما أنت يا (مريم) فلم تستحقي هذا الاسم،أنت لم تصونيه من الدنس كما فعلَت خير نساء العالمين،بل تعللت بأنك مظلومة لتظلمي نفسك بعدها بحق..

انتبهت على قول (يوسف) :
- لقد سئمت هذه الحياة القذرة،ولم أعد أحتملها..
ثم أمسك بيدها قائلا:
- وأريد منك أن تساعديني

لمس كلامه قلبها،وقد أحست فيه الصدق..لقد عرفته جيدا في الفترة التي أمضتها معه، كانت تعرف أنه يكذب في معظم حديثه معها،لكنه صادق هذه المرة..

مسحت دموعها وقالت:
- ستتزوجني وقد أضعتُ شرفي وعفتي للأبد؟
هز رأسه وقال:
- أنا أيضا فعلت ذلك..ولكن لا تقولي أنك أضعتهما للأبد..يمكنك البدء من جديد..
لم ترد فقال:
- لا تجيبي الآن..فكري كما تشائين..

سحبت يدها من بين يديه وقامت لتذهب إلى غرفتها فقال وقد تذكر أمر العقيقة:
- بعد غد سنذهب لحضور عقيقة ابن أحد أصدقائي
توقفت قبل أن تفتح الباب وقالت:
- ولماذا أذهب أنا؟
- لأنك خطيبتي
- لكني لم أعطك كلمتي بعد
- سأعتبرك كذلك حتى تخبريني رأيك النهائي

نظرت (مريم) له مليا ثم هزت رأسها ودخلت إلى غرفتها..

كان قلبها يخفق بشدة..هل يمكنها أن تتزوج وتعيش حياتها كبقية الفتيات دون أن يطاردها شبح ماضيها؟ ..لقد خدعها (ياسر) من قبل باسم الحب..لكن (يوسف) لم يقل أنه يحبها،لقد طلب منها أن تساعده..لكنه لم يدر أنه هو من سيساعدها بطلبه هذا،سوف ينتشلها من مستنقع الآثام والخطايا الذي ولغت فيه بإرادتها..

جلست على طرف الفراش وهي حائرة في أمرها..هذه فرصة لها للبدء من جديد بالفعل.. فهل تقبل؟ ..

أما (يوسف) فكان يلملم الزجاج المتناثر وهو متعجب من الكلام الذي قاله..لقد تغيرت طريقة تفكيره تماما،كيف حدث هذا؟ ..والغريب أنه أصبح مقتنعا بذلك الكلام..الآيات التي سمعها بالأمس كانت تخبره أنه يسير في الطريق الخطأ،لكن وفاة (رانيا) أخبرته أن الفرصة لا تزال سانحة له..

لم ينس بكاء (مريم) وهي تقول أنها لا تريد أن تموت كما ماتت (رانيا) ،هو أيضا لا يريد ذلك..لكنه لم يمت بعد،وكلمات (عبد الرحمن) أعطته أملا..أملا في أن يحيا حياة نظيفة..


* * *



- أسرعي يا (مريم) ..سنتأخر
خرجت (مريم) من الغرفة مسرعة وهي تقول:
- لقد انتهيت
نظر إليها ثم قال:
- ادخلي وغيري هذه الملابس فهي مكشوفة

نظرت له ثم إلى نفسها،ودخلت الغرفة دون كلمة أخرى..بدلت ثيابها وقد ارتسمت ابتسامة على وجهها رغما عنها؛كانت تشعر بشعور جميل،لقد بدأت تحس أن لها قيمة،وأن جسدها لن يكون للعرض بعد الآن..لقد حسم هذا الموقف أمرها،ستقبل بـ (يوسف) زوجا..

ذهبا معا ولم يتبادلا كلمة في السيارة،ثم وصلا إلى العنوان وصعدا إلى الشقة..طرق (يوسف) الباب وكان يسمع صوت ضحكات تنبعث من الداخل..

فتح (عبد الرحمن) الباب ليرحب به..
- أهلا (يوسف) ..ظننت أنك لن تأتي

واحتضنه ليتسمر في مكانه..

التقت عيناهما..عينان امتلأتا بالدهشة،وعينيان امتلأتا بالرعب،لكن الصدمة كانت هي المسيطرة على الموقف..

تسارعت دقات قلب (مريم) بشدة،فقد كان (عبد الرحمن) آخر شخص تتوقع رؤيته..


يتبع...................



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-13, 02:48 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس والعشرون

كانت (مريم) تنظر إلى (عبد الرحمن) كما لو أنها رأت شبحا،هل من المعقول أن يعرف (يوسف) شخصا مثل (عبد الرحمن) ؟ ..لكن متى عرفه وأين وكيف؟ ..

كان (عبد الرحمن) هو الآخر ينظر إليها مشدوها وقد قفز إلى ذهنه ذلك اليوم الذي رآها فيه في الشارع،عندما كانت في السيارة المجاورة له تضحك مع أحدهم..إذن فقد كانت هي..لكن كيف وصلت إلى هذه الحال؟ ..

كانت (مريم) ترتعد فرقا،لكن (عبد الرحمن) خفض بصره عنها ثم أشار لها إلى الغرفة التي تجلس بها النساء..

دخلت وهي لا تزال ترتجف،وسلمت على النسوة الجالسات وعلى زوجة (عبد الرحمن) .. وانقضى الوقت بين كلام وضحكات بين النساء و (مريم) صامتة لا تفتح فمها إلا بابتسامة أو شكر إحداهن لتقديم شيء لها..كان الوقت يمضي ثقيلا عليها،لكنها كانت تشعر بالألفة وسط هذا الجو،وفي نفس الوقت تشعر بالاشمئزاز من نفسها..

فجأة رن هاتفها بأغنية صاخبة فالتفتت إليها الرؤوس،واحمر وجهها خجلا وقد ارتبكت وهي تخرج الهاتف من حقيبتها وتسارع بالرد كي توقف هذا الصوت المزعج..
- نعم يا (يوسف) ..حسنا أنا قادمة..

قامت (مريم) وقدمت التهاني مرة أخرى للأم،لكنها لم تلمس الوليد خوفا من أن تلوثه بخطاياها وآثامها..ثم خرجت والتقت (يوسف) على الباب ونزلا إلى السيارة لينطلق بها عائدا إلى المنزل..
- (يوسف) ..
- نعم
- كيف تعرفت إلى دكتور (عبد الرحمن) ؟
التفت إليها وقال مستنكرا:
- دكتور؟! ..
وضحك ثم قال:
- لقد كان صديقي في المدرسة الثانوية،لكننا افترقنا بعد أن دخلنا الجامعة،وبعد أن سلك كل منا طريقه الخاص
قال الجملة الأخيرة وقد غلب الحزن على صوته،فقالت (مريم) :
- ألم يسألك عني؟
تعجب (يوسف) وقال:
- (عبد الرحمن) شخص متدين ولن يسأل عن امرأة لا علاقة له بها..
وتابع في ريبة:
- لماذا تسألين هذه الأسئلة؟ ..وكيف عرفت أنه دكتور؟ أنا لم أقل شيئا عن هذا!

ترددت (مريم) وارتبكت،لكنها قررت أن تكون واضحة معه إلى النهاية:
- دكتور (عبد الرحمن) كان أستاذي في الجامعة..
ازدرد (يوسف) لعابه ولم يقل شيئا من وقع المفاجأة فتابعت هي:
- رآني ذات مرة وأنا أركب السيارة مع (سامح) ،لكني أظن أنه لم يعرفني فقد كنت في كامل زينتي،كما أنني لم أكن أرتدي الحجاب،لكنه عرفني اليوم ورأيت في عينيه نظرات دهشة ولوم، كانت نظراته تمزقني تمزيقا..

وانحدرت منها دمعة لكنها سارعت بمسحها..

- (عبد الرحمن) إنسان خلوق،فلم يغير معاملته لي بعد أن رآكِ معي،ولم يشر إليك بأي شكل من الأشكال..
وتابع بلهجة أعادت الثقة إليها:
- لكن كل هذا لا يهمني..لا يهمني نظرات الناس إلينا سواء كانت نظرات اتهام أو شفقة أو غير ذلك،لم يعد يهمني إلا أنني أريد أن نتغير معا
- (يوسف) ..
- نعم
- أنا موافقة على الزواج بك

لم يصدق (يوسف) أذنيه..فقد كان يشعر أنها لن توافق،فالتفت إليها وقال بصوت يقطر الفرح منه:
- هل أنت جادة؟
لأول مرة منذ زمن تشعر بالحياء من أحدهم،فقد اكتسى وجهها بحمرة خفيفة وهي تومئ برأسها محاولة إخفاء ابتسامة..

وصلا إلى المنزل وأوقف (يوسف) السيارة ثم التفت إليها..
- (مريم) ..هل فكرت جيدا في هذا الأمر؟
- بالطبع..وأنا موافقة دون شروط

أمسك بيدها وحاول طبع قبلة عليها لكنها وجدت نفسها تسحب يدها منه في حياء،ولم تدر لماذا فعلت ذلك..أما هو فقد ازدادت سعادته بهذا التصرف..لقد ابتسمت لك الدنيا أخيرا يا (يوسف) ..

صعدا إلى البيت وبداخل كل منهما مشاعر لا يقويان على البوح بها،وكأنما لا يملكان البلاغة للتعبير..
دخلت (مريم) إلى غرفتها لتبدل ثيابها ثم سمعت جرس الباب يرن بإلحاح،فخرجت من الغرفة وقد بدا القلق على وجهها،بينما أسرع (يوسف) بفتح الباب ليفاجأ بـ (سامح) ..


* * *

دخل (سامح) إلى البيت دون استئذان وجلس على أول مقعد ثم وضع ساقا على ساق وقال:
- لم تسأل عني يا صديقي العزيز فقررت أن أسأل عنك
جلس (يوسف) أمامه وقد شعر بالضيق وقال:
- أهلا بك يا (سامح) ..اعذرني فما حدث قبل أيام جعلني أفقد توازني قليلا
نظر (سامح) إليه وقال بسخرية:
- حقا؟ ..
ثم استطرد وهو ينظر إلى (مريم) :
- يبدوا أنك ستستعيد توازنك سريعا..
- ماذا تقصد؟
دار (سامح) ببصره إليه وقال:
- لا أقصد شيئا..

ثم تابع:
- لماذا لم تحاول مساعدتي لأخرج من قسم الشرطة في ذلك اليوم؟ لماذا ساعدت (مريم) فقط؟ ألسنا صديقين أم ماذا؟
رد (يوسف) في ضيق أكبر:
- لقد اتصلت يومها بأحد أصدقاء أبي،ولم يكن بوسعي إخباره عنكم جميعا،لأنني لم أكن متأكدا إن كان سيستطيع إخراج (مريم) أم لا..كما أنك لديك من يساعدك أما هي فلا..
مال (سامح) إلى الأمام وقال غاضبا:
- ولماذا تساعدها أنت؟ هل تهمك هذه الفتاة لهذا الحد؟
رد (يوسف) بغضب هو الآخر:
- أنت قلتها..إنها فتاة،ولم تكن لتتحمل أن تمكث في مكان كذلك المكان ولا ذنب لها في شيء،فقد رأيت بعيني الشاب والفتاة اللذان خرجا من البيت وهما شبه عاريين،وربما طالها الاتهام هي الأخرى..
- لا تتظاهر بالسذاجة..لقد كنت تعرف ماذا يجري في تلك الشقة،وقد جئتما إلي بقدميكما لأجل ذلك،هل تتظاهر بالعفة الآن؟

حاول (يوسف) المحافظة على هدوء أعصابه كي لا يتهور،وقبل أن يتكلم قال (سامح) :
- وماذا إن أبلغت عنكما الآن؟ كيف ستستطيع تبرئة هذه العاهرة من ..
لم يكمل جملته فقد لكمه (يوسف) ،ثم كال له لكمة أخرى ليسيل الدم من أنفه وهو يقول بغضب:
- إنها أشرف منك أيها الوقح..إياك أن تتهمها بهذا الافتراء مرة أخرى
نهض (سامح) وهو يمسح أنفه ويصيح بغضب:
- افتراء؟ لقد لمستُ كل شبر من جسدها وأحفظه عن ظهر قلب..
ضربه (يوسف) مرة أخرى ثم أمسكه من ثيابه وفتح الباب وأخرجه بقوة وهو يصيح:
- إياك أن أرى وجهك هنا مرة أخرى أيها القذر
لكن (سامح) لم يسكت بل تابع صائحا بصوت انتبه له الجيران:
- إنها لن تتركك حتى تستنزف أموالك كما فعلت من قبل مع الرجال الذين كانت تبيت في أحضانهم كل ليلة..

أمسكه (يوسف) وانهال عليه ضربا وقد تجمع بعض الجيران وحاولوا إنهاء المشاجرة، واستطاع (سامح) أن يفلت من قبضة (يوسف) ونزل على الدرج بسرعة وهو يتوعد الأخير..

كان (يوسف) يلهث من الغضب،ثم دخل إلى الشقة وأغلق الباب بينما الجيران يتأففون مما حدث،فهم لا يطيقون (يوسف) للشبهات التي تحيط به من تردد الفتيات على شقته،والآن زاد بغضهم له بسبب هذه المشاجرة..ودخل كل واحد منهم إلى شقته وهو يتمنى أن لا يجلب لهم مصائب أخرى..

كانت (مريم) تبكي بمرارة لما سمعت من (سامح) ..مهما حاولتِ فلن تكوني بنظر الناس إلا ساقطة..لا تحاولي خداع نفسك بعكس ذلك..

دخل (يوسف) ليجدها تجلس على أحد المقاعد وتبكي وهي تدفن وجهها في كفيها..فجلس بجوارها وهو يشعر بالضيق الشديد..
- لا عليك يا (مريم) ..
لم تتوقف عن البكاء فضمها إليه وراح يمسح على رأسها وهو يقول:
- سآخذ حقك منه،لن أتركه يفلت بـ..
ابتعدت عنه وقالت بسرعة:
- إياك أن تفعل..لا تلق بنفسك إلى المهالك..
- لا يمكنني أن أشاهده وهو يتهمك بأقذر الكلام وأقف صامتا
مسحت دموعها وقالت:
- أنا أعرف سبب ثورته،إنه يظن أنني أصبحت أعمل لحسابك،وأنك ستقتسم المال معي كما كان يفعل هو
- وهذا لن يغير من موقفي شيئا
- أرجوك يا (يوسف) ..لا تقتل لدي الأمل في أن أحيا بكرامة مرة أخرى
سكت قليلا ثم قال وقد واتته فكرة:
- اغسلي وجهك وارتدي ثيابك..فهناك أمر مهم يجب أن نفعله
- ما هو؟
- افعلي ما طلبته منك وستعرفين

ذهبت إلى الحمام فأشعل سيجارة وهو يفكر..كيف سينتقم من (سامح) ؟ ..فوجئ بـ (مريم) تمسك السيجارة من بين أصابعه وتطفئها وهي تهز رأسها..فابتسم وطلب منها أن ترتدي ثيابها..

بعد ربع ساعة كانا في السيارة وهي لا تدري إلى أين سيذهب..لكنه أجابها قبل أن تسأل..
- سننطلق إلى قريتك..فأنا أريد أن أطلبك من أهلك رسميا..


* * *

كان (سامح) يقود سيارته وهو يشعر بغضب عارم..لقد ماتت (رانيا) ،ولم تعد (مريم) تعمل معه،ويبدوا أن (يوسف) أصبح هو مالك زمام الأمور الآن..كيف سيحصل على المال الآن؟ لقد طرده أبوه من الشركة،وأصبح بلا مأوى بعد أن غير أبوه قفل شقة عمه..ماذا ستفعل يا (سامح) الآن؟ ..

كان يدخن سيجارته عندما تذكر (أسماء) ..فأدار مقود السيارة واتجه إلى بيتها..

رن جرس الباب ففتحت (أسماء) الباب على الفور،فقد ظنته عامل المطعم الذي اتصلت به قبل قليل،لكنها شهقت عندما وجدت (سامح) ..
- ما الذي أتى بك إلى هنا؟

كانت السيجارة قد آتت مفعولها في رأسه،فدلف إلى الشقة وأغلق الباب وراءه وهو يقول محاولا تهدئة روعها:
- لا تخافي..

لكن (أسماء) صاحت فيه بغضب:
- كيف تجرؤ على دخول هذا البيت بعد ما حدث؟
رد بهدوء:
- لم يكن لي يد فيما حدث يا (أسماء) ..لقد اتصل بي ذلك الشاب ليخبرني بما حدث ولم أكن أنا السبب صدقيني..

ثم تابع كاذبا:
- أنا لم أعرف بحقيقة (رانيا) إلا منذ مدة قصيرة
كانت (أسماء) تنظر إليه بشك..
- أعرف أنك لن تصدقيني وليس لدي ما يثبت صحة قولي لكني أقول الحقيقة
بدأت (أسماء) تهدأ قليلا وقالت:
- وماذا تريد الآن؟
- أنا أحبك
تسمرت (أسماء) في مكانها وهي تحملق فيه بينما هو يواصل أكاذيبه:
- أنا أحبك يا (أسماء) منذ مدة،وقد أخبرت (رانيا) أنني أريد خطبتك لكنها رفضت

أفاقت (أسماء) من شرودها وقالت بخفوت:
- تحبني؟
اقترب منها ومسح على رأسها وهو يقول:
- سأحاول تعويضك عن كل ما مر بك من مشاكل

كان ينظر لها بعينين مليئتين بالندم،ثم ضمها إليه فاستسلمت له وهي لا تزال في دهشتها.. إنها لم تشعر بحب (سامح) لها من قبل..هل سيطلب منها الزواج بعد ذلك ليسلبها شقتها كما فعل أبوها مع أمها؟ خاصة أنه يعرف الآن أنها بلا أهل ولا مال..

ضمها إليه بقوة أكبر ثم فوجئت به يحاول تقبيلها،حاولت التملص منه لكنه راح يقول لها أنه يفعل ذلك لأنه يحبها وأنه يريد أن يتزوجها..

بدأت بالصراخ لكنه ألقاها على الأرض وأغلق فمها بيده ومزق ثيابها..


يتبع...................


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-11-13, 02:50 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس والعشرون والأخير


كانت (مريم) تنظر لـ (يوسف) في دهشة وقلبها تتسارع نبضاته..
- لا يمكنني الذهاب إليهم بعد كل هذا الوقت
أدار سيارته وانطلق بها وهو يقول:
- لن تهربي منهم للأبد،كما أنك لن تتزوجي بدون علمهم
- لو رأوني سيقتلونني..أنت لا تعرفهم
نظر إليها وقال:
- لا يمكن لأحد أن ينال منك وأنا معك
قالت في محاولة أخيرة لإثنائه عن عزمه:
- لا بأس،ولكن ألا ترى أن الوقت متأخر؟
- لا يهمني..أنا أريد أن أعجل بالزواج منك،كي أشعر أنني فعلت شيئا واحدا صالحا في حياتي

كانت قلقة..لكن لم يكن أمامها شيء سوى الإذعان..

ترى كيف سيستقبلك أهلك يا (مريم) ؟ ..ماذا سيقولون؟ ..هل سيعاتبوك أم سيصرخون في وجهك؟ ..

وضعت يدها على رأسها وقد انتبهت أنها لا ترتدي الحجاب،فعاد إليها إحساس الخوف منهم..لكنها قررت أن تواجههم..يجب أن تفعل ذلك..يجب أن يعرفوا أنهم ساهموا بإيصالها إلى هذه الحال المزرية..


* * *

نهض (سامح) تاركا (أسماء) في حالة من الصدمة وقال:
- الآن ستطيعينني فيما أطلبه منك،فبالطبع أنت لا تريدين الفضيحة
حاولت (أسماء) أن تجلس،وبدأت دموعها تسيل على وجهها كالشلال وهي تشعر بالذل..

مد (سامح) يده إلى مقبض الباب وهو يقول:
- سآتي غدا كي أتحدث معك في أمر يخص العمل،فأنا أعلم أنك بلا مورد رزق الآن،لكن تذكري أنك لو أخبرت أحدا فستكونين الخاسرة الوحيدة

وفتح الباب ليفاجأ برجل يقف أمامه ويرن جرس الباب..كان عامل المطعم،فدفعه (سامح) وخرج من البيت مسرعا..لكن نظرة واحدة من العامل إلى داخل البيت وعلى (أسماء) جعلته ينتفض ويركض خلف (سامح) ..

كان (سامح) لا يزال غير متزن بسبب السيجارة المفخخة التي دخنها،وعندما سمع صوت العامل يصيح به ويستغيث بالناس وهو يركض خلفه،ارتبك (سامح) وأسرع الخطا للأسفل،لكن إحدى قدميه زلت وسقط من فوق الدرج..


* * *

وصل (يوسف) و (مريم) إلى بيت أهلها عند منتصف الليل..لم تطأ قدماها هذا المكان منذ سنتين،فاعترتها رجفة لكنها حاولت أن تتجلد،فالموقف سيكون صعبا ويحتاج إلى الثبات..

طرقا الباب مرة..لم يفتح أحد فلا بد أنهم نائمون،لكنه طرق الباب مرة أخرى بإصرار.. وفتح الباب لترى (مريم) أخاها (عبد الله) ..
- من أنت؟

قبل أن يرد (يوسف) تحركت (مريم) من خلفه وقالت:
- ألن تدخلنا إلى البيت يا (عبد الله) ؟
لم يعرفها في البداية..لكنه عندما دقق النظر..
- (مريم) !!
كان (عبد الله) مصدوما،فقالت (مريم) :
- ألن تسمح لي بالدخول؟
ثاب إلى رشده وصاح فيها بغضب:
- إلى أين أيتها الفاجرة؟ ..أتريدين تدنيس هذا البيت بقدميك؟

كان (محمود) قد ظهر من خلفه،فجذبه إلى الداخل فأمسكت (مريم) بكف (يوسف) ودخلا إلى البيت..وجاء (سيد) و (إسماعيل) على صوت الصياح ليصابا بالدهشة لمرأى (مريم) ..وقبل أن تتكلم ظهرت أمها،فلم تستطع (مريم) أن تملك دموعها التي تساقطت من عينيها وهي تحتضنها..

كانت الأم تمسح على رأس ابنتها وتقبلها عندما جذبها (عبد الله) من ذراعها وهو يصيح فيها:
- كيف واتتك الجرأة لتأتي إلى هنا بعد ما فعلته؟
ابتعدت (مريم) عنه وقالت وقد بدأ الغضب يتسلل إلى صوتها:
- وما الذي فعلته؟ ..
واستدركت قائلة:
- أين أبي؟ أنا لن أتحدث إلا في وجوده
- أبوك مات

ران الصمت عليهم للحظات،ثم قطعته (مريم) قائلة:
- مات..
وهزت رأسها وعلى شفتيها ابتسامة ساخرة:
- الآن هو بين يدي الله،يسأله عما فعل بي،وسينتقم الله لي منه على..

صفعها (عبد الرحمن) قبل أن تكمل جملتها،فالتفتت له وقال الغضب يقطر من صوتها:
- أجل..سينتقم الله لي لما فعل..لم يمسح على رأسي ويواسيني وأنا في قمة ألمي،وأجبرني على التنازل عن حقي،ثم اعتبر أنني فضحتكم وجلبت لكم العار،وسمعته بأذني وهو ينوي قتلي..
ماذا فعلت له كي يفكر في قتلي؟ ..اعتبرني عاهرة؟ هاقد أصبحت عاهرة وجلبت لكم العار بحق..فهل أنتم راضون الآن؟

صفعها (عبد الله) مرة أخرى،لكن إخوته أبعدوه عنها كي لا يتمادى أكثر..

رفعت (مريم) رأسها وقد اختلطت دموعها بالدماء التي تفجرت من أنفها وشفتيها وقالت:
- لم يكن لي أبا في يوم من الأيام،ولا أنتم كنتم أخوة لي أبدا،لم نتحدث كإخوة بل كرئيس ومرؤوس،لا أذكر يوما أن أحدكم جلس معي وكلمني بهدوء عن أي خطأ ارتكبته،كانت ردود أفعالكم هي الصياح والتوبيخ،لقد كرهتكم وكرهت ما كنتم تأمرونني به،وها قد تنصلت من أوامركم كلها،وفعلت كل ما يحلوا لي لكني لم أجد السعادة بل الشقاء والتعاسة،لأني كنت بعيدة عن ربي..

كانت تتكلم ودموعها لا تتوقف عن الانهمار..

- لم تقولوا لي أن الحفاظ على الشرف والعرض أمر من الله وليس لأجل الناس،فخنت الأمانة التي أعطانيها الله،وكنت حينها واهمة أنني أخلع عني ثوب الماضي كي أعيش حرة،لكني كنت أخلع ديني ورضا ربي..

لم أجد الأمان لديكم فخرجت أبحث عنه في الطرقات،وظننت في وقت من الأوقات أنني وجدته،لكني خدعت فتلقفتني الأفكار الضالة حتى صرت أرى الخطأ صوابا،والحرام حلالا،ولم أكن أريد في يوم من الأيام أن أعود إليكم لأني كنت أخاف قسوتكم،ففضلت قسوة الغرباء عنكم حتى لا تُشوه صورتكم في عيني أكثر من ذلك..

ونظرت إلى (إسماعيل) وهي تقول:
- (إسماعيل) كان الوحيد الذي يملك قلبا ألين من قلوبكم المتحجرة،فقد وقف بجانبي في مواقف عدة،ولم أكن أرى في عينيه النظرة التي رأيتها في أعينكم..نظرة الاتهام بجرم لم أفعله.. ولكن هذا لا يعفيه من تحمل جزء من المسؤولية عما وصلت إليه الآن..

توقفت عن الكلام وهي تشهق بالبكاء ولم تستطع أن تكمل وسط ذهول إخوتها الأربعة وأمها و (يوسف) أيضا..

- أنا أكرهكم لأنكم لم تكوني لي يوما من الأيام عونا على شيطان نفسي،بل كنتم تؤججون النار التي كان يتغذى عليها الكره بداخلي حتى أصبح متغلغلا في جسدي كالسرطان،فكرهت كل شيء كان يربطني بكم،لأنكم ربطتم مراقبتي بكم وخوفي منكم،ومتى غبتم فلا رقيب ولا حسيب..

أكرهكم لأنكم قتلتم أنوثتي بخنجر صدئ،حينما كنتم ترفضون كل مظاهر الأنوثة التي حاولت أن أظهرها،لأنكم كنتم تكرهونني كأنثى..فكنت أسمع من أبي أن البنات يجلبن العار.. لماذا خلقنا الله إذن؟ إن الله ليس ظالما ليبتلي كل رجال الأرض بالعار طيلة عمرهم،في أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم،لقد خلقنا وأعطانا حقوقا هضمتموها بجهلكم..فرض علي أحكاما لحمايتي فحولتموها بغبائكم سجنا،لو ترك السجان بابه مواربا لهربت لا ألوي على شيء..

كانت تلهث من الانفعال،لكنها كانت تشعر بطاقة غريبة،تفجرت أخيرا لتخرج كل ما كانت تريد قوله منذ سنين..

أشارت (مريم) إلى (يوسف) وقالت:
- هذا الرجل لم يعتبرني عارا عليه رغم أنه يعرف غدراتي وفجراتي،ومع ذلك عرض علي الزواج كي ينتشلني من قاع الآثام والخطايا،وقد أصر على أن يأتي اليوم وألا يتأخر ساعة واحدة،كي يدخل البيت من بابه ويشعرني بأنني مكرمة..

انتبه الجميع إلى (يوسف) فقد كانت أنظارهم كلها متجهة صوب (مريم) وهي تتكلم، ونظروا إليه مليا ليقول بثبات استمده من (مريم) :
- أنا لم أعرفكم قبل الآن،وقد أتيت إليكم رغم علمي أنكم قد تهينوني أو تؤذوني،لكني لم آت إلا لشيء واحد،وهو أن أخطب منكم (مريم)

خيم الصمت عليهم،إلى أن قطعه (عبد الله) وقد استسلم وانسحب من المعركة:
- (مريم) ماتت عندما تركت البيت،ولا يمكننا تزويجك فتاة ميتة..

كاد (إسماعيل) أن يتكلم فقاطعه (عبد الله) قائلا:
- ولا يمكن لأحد من إخوتي فعل ذلك..إن أردت أن تتزوجيه فتزوجيه بعيدا عنا،اذهبي إلى خالك فهو لا يزال على أمل أن تكوني حية إلى الآن..

وفتح الباب لهم قائلا:
- لا أريد أن أراك مرة أخرى.. (مريم) أختي ماتت منذ زمن

وصفق الباب خلفهم..

أمسكت (مريم) بمعصم (يوسف) ونزلت إلى الشارع،لكنها لم تتوجه إلى السيارة بل اتخذت طريقا آخر..
- إلى أين؟
توقفت والتفتت إليه قائلة:
- ألا تريد الزواج بي؟
أومأ برأسه إيجابا فقالت بتصميم:
- إذن سنذهب إلى خالي..طالما أن إخوتي تبرؤوا مني..وأنا أحمد الله أنهم لم يقتلوني أو يقتلوك

وذهبا معا إلى هناك..وعندما رآها خالها لم يصدق عينيه في البداية،وبعدها شعر بفرحة عارمة..وأدخلها هي و (يوسف) لتقص عليه ما حدث مع إخوتها،وأن (يوسف) جاء كل هذه المسافة يطلب الحلال..فوافق خالها وهو يحمد الله أنها لا تزال حية..

- لقد ضيعوك يا (مريم) ..أنا أعرف ذلك..ضيعوك عندما تنازلوا عن حقك،وعندما جعلوك تهربين خوفا منهم،والآن عندما تنصلوا من مسؤوليتهم..

وأردف:
- لكني لن أتخلى عنك،فقد تخليت عنك قبلا،وأعتبر نفسي مسؤولا أنا الآخر


* * *

في اليوم التالي عاد (يوسف) و (مريم) إلى القاهرة بعد أن تم عقد زواجهما..ودخلا البيت وهما يشعران بالأمان والنقاء لأول مرة..

وعادت (مريم) لحجابها وهي متمسكة به هذه المرة..ولم تكن تصدق أنها أخيرا ستعيش حياة خالية من المعاصي والخطايا..

ورغم أنها كانت تتمنى أن يكون لها عرس كبير يحضره الأقرباء والأصدقاء،لكنها لم تعد تهتم للمظاهر،فقد كانت تبدوا من قبل أسعد فتاة بينما في داخلها نار تحرقها من الحسرة..

أما (يوسف) فقد قرر أنه سيذهب إلى شركة أبيه ليباشر أعماله بنفسه،لكن كان هناك أمرا عليه إنهاؤه أولا..

يجب أن يقتص من (سامح) لما فعل بـ (مريم) ..فاتصل به لكنه لم يجب،اتصل مرة أخرى لترد امرأة على الهاتف..

"السلام عليكم"
كان الصوت حزينا..
- وعليكم السلام..هل يمكنني أن أتحدث مع (سامح) ؟
"من معي؟ "
- أنا (يوسف) ..صديقه
كان متعجبا..من تلك المرأة؟ وما هذا الحزن في صوتها؟
"ألو"
- (سامح)
"أهلا (يوسف) "
كان صوته حزينا هو الآخر..
- أريد أن أراك يا (سامح)
"لا يمكنني رؤية أحد،ولا أريد رؤية أحد"
كاد (يوسف) يصيح فيه،لكن نبرة الحزن كانت واضحة جدا لدرجة أنها أقلقته..
- لماذا؟
بدأ صوت (سامح) يهتز وهو يقول غاضبا:
"قلت أنني لا أريد رؤية أحد"

وانهى المكالمة وقد أصاب (يوسف) القلق الشديد،كان خائفا من أن تكون هذه إحدى خدع (سامح) للإيقاع به،لكن صوته كان يدل على عكس ذلك..

استقل سيارته وانطلق إلى بيت (سامح) ..وهناك فتحت له أمه الباب ورحبت به وفي عينيها دموعا حاولت إخفاءها..إذن فقد كانت تلك المرأة هي أمه،لكن لماذا تبكي؟

ولم تطل حيرة (يوسف) كثيرا عندما دخل إلى غرفة (سامح) ..كان الأخير يجلس على كرسي متحرك ولم يجرؤ على النظر في عينيه..وكان (يوسف) مشدوها مما رأى،ونسي كل الغضب الذي كان بداخله قبل قليل..

- ماذا جرى يا (سامح) ؟ ..ما الذي حدث لك؟
جلس على الفراش في مواجهته وهو يمسك بكتفيه ويهزه قائلا:
- أخبرني ما الذي فعل بك هذا؟
- لماذا أتيت؟ ألم أقل أنني لا أريد رؤية أحد؟
- لقد أصبت بالقلق،فأنا لم أجد صوت (سامح) الذي أعرفه،ولهذا عرفت أن هناك أمرا ما
ونظر له وهو يقول:
- كيف حدث هذا؟
لم يستطع (سامح) إخباره بالحقيقة كي لا يرى المزيد من الشماتة في عيني (يوسف) ..
- لقد سقطت من على الدرج،فكسر ظهري وأصبحت قعيدا كما ترى

ازدرد (يوسف) لعابه وسكت..لقد كان يريد مواجهة (سامح) ليتشاجر معه،لكنه وجد بقايا صديقه وقد ذبل في أيام..

كان (يوسف) يشعر ببعض الشماتة في داخله،لا يمكنه إنكار ذلك؛فقد قطع (سامح) آخر حبل للود بينهما في ذلك اليوم..لهذا لم يحاول أن يتصنع الحب والود،فربت على كتفه وخرج من الغرفة،ثم من البيت كله..


* * *

عرفت (مريم) بما حدث لـ (سامح) ،وإن كان (يوسف) يشعر ببعض الشفقة نحو صديقه إلا أنها كانت تشعر بانتصار..كانت تريد أن تذهب لرؤيته لتشفي غليلها منه لكنها اكتفت بذلك، واعتبرت أن حقها عاد إليها،وأنه أخذ جزاءه لكل لمسة منه على جسدها،وكل رجل اقتسمت ماله الحرام مع (سامح) ..

وبدأ الجرح الذي بداخلها يلتئم..

وفكرت أن تتصل بـ (أسماء) ،لتخبرها بما حدث لعل هذا يذيب بعض الجليد بينهما،لكن هاتف (أسماء) كان مغلقا..وحتى هاتف المنزل لم تكن ترد عليه،فذهبت مع (يوسف) إلى هناك وهي تعلم أنها قد تطردها مرة أخرى،لكنها كانت تريد أن تبدأ صفحة جديدة مع الكل..

راحت تدق الجرس وتطرق على الباب حتى خرج أحد الجيران إليها..

- من تريدين؟
- أريد (أسماء) ..أليست في البيت؟
قال الرجل:
- لقد غادرت قبل عدة أيام بعد مشاجرة مع أحدهم،ولا أدري إلى أين ذهبت أو متى ستعود
شكره (يوسف) ونزلا إلى السيارة..
- مع من تشاجرت يا ترى؟
هز (يوسف) كتفيه وهو يدير محرك السيارة وقال:
- لا أدري..لكن يبدوا أنها عادت إلى أهل أمها..ألم تقولي أنها قالت لك هذا في يوم وفاة (رانيا) ؟

أومأت (مريم) برأسها وقد عرفت أن (أسماء) لم تعد تريدها في حياتها مرة أخرى..

انطلق (يوسف) بالسيارة عائدا إلى البيت..وبعد أيام باع شقته واشترى واحدة غيرها في مكان آخر كي يمحوا كل صلة له بالماضي،ويبدأ حياة أخرى مع (مريم) ..







تمت بحمد الله
أميرة أندلسية 2013


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-13, 06:07 AM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حالكم إن شاء الله دائما بخير ؟

***** كل عام وأنتم بخير *****

بكل زخة مطر
وبكل رشة عطر
وبعدد من حج واعتمر
اهنيك بقدوم آخر شهر
قبل كل البشر

***** كل عام وأنتم بخير *****









لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-12-13, 12:29 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-12-13, 01:18 PM   #29

ايمي 2009

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية ايمي 2009

? العضوٌ??? » 141281
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 825
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond reputeايمي 2009 has a reputation beyond repute
افتراضي

[rainbow]السلام عليكم ورحمة الله
شكرا لك يا احلى لامارا على هذه الرواية الرائعة
جزاك الله خيرا
ولا ننحرم منك ولا من ابادعك ياقمراية
سلام وفي امان الله[/rainbow]


ايمي 2009 غير متواجد حالياً  
التوقيع

GPIC][/SIGPIC
رد مع اقتباس
قديم 07-12-13, 09:05 PM   #30

Iman-H-Alakurt

نجم روايتي وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية Iman-H-Alakurt

? العضوٌ??? » 253647
?  التسِجيلٌ » Jul 2012
? مشَارَ?اتْي » 1,662
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Iman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond reputeIman-H-Alakurt has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك action
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكرا الف شكر على القصة المؤثرة جدااااا
اتمنى ان لا تكون اسماء انجرفت وراء ذلك الطريق
اتمنى ليوسف ومريم الثبات في الطريق القويم
قصة فيها الكثير من العبر شكرا جزيلا


Iman-H-Alakurt غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أميرة, للكاتبة, مجرمة, أندلسية, مكتملة, فصحى, ضحية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:25 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.