آخر 10 مشاركات
زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          22 - مغرور .... جانيت ديلى (الكاتـب : فرح - )           »          وقيدي إذا اكتوى (2) سلسلة في الغرام قصاصا * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : blue me - )           »          في محراب العشق "مميزة","مكتملة" (الكاتـب : blue me - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          سلام لعينيك *مميزة * "مكتملة" (الكاتـب : blue me - )           »          عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          القدر المحتوم _ باتريسيا ليك _ روايات غادة (الكاتـب : الأسيرة بأفكارها - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-11-13, 07:09 AM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 الفصل الخامس عشر الجزء 1


الفصل الخامس عشر - الجزء 1

غالية في نيويورك



دخلت غالية إلى غرفتها في الحي الجامعي. وضعت حقيبة ملابسها وكتبها بجانب الخزانة واستلقت على عتبة رنين غامض تندب سرّها المكلوم الذي يملأ الغرفة بعويله. سعادة ما أن تشرق في حياتها حتى تغيب مع غياب الشمس. تحدّق في غربتها والألم ينز قطرات غاضبة تضيء وتنطفئ، مشدودة في انتظار الآتي. لا تستطيع تخمين شيء عدا الشوق إلى ربيع يطرق الباب. الغرفة أنيقة ومرتبة، بجانب السرير منضدة وكرسي، خزانة للملابس وأخرى للكتب. ابتسَمَت بمرارة. وصلت إلى حلمي وابتعدت عن سلطة القمع وكثرة الخطابات والحديث في الترغيب والترهيب والحلال والحرام، لكن سعادتي بكت رغبتها الثكلى. ندبت حظها الذي ضاق ذرعا باختناق هواء الغرفة. تجرفها تساؤلات تلاشت في هذيانها. لماذا سافرت إلى ليبيا؟ لماذا جمعني القدر بسمير وجعل قلبي يذوق طعم سعادة لم يكن يعرفها من قبل ثم أطفأ ها بسبب سري وجمعني بنبيل الذي جعل وحدتي أنساً وشقائي سعادة ثم أبعده عني. حياتي أصبحت جملة من العثرات. أغمَضَت عينيها على دموع ساخنة، تتقلب في عزلتها في رجفة أمام أمل انسلخ وهو يتألم في طريقه إلى الاحتضار.

في صباح اليوم التالي، خرجت لتتفقد الجامعة وتستفسر عن تعليمات السكن وعن مواعيد الطعام. كانت تمشي تائهة بين مباني الجامعة، فعلا مدينة جامعية اسم على مسمى. عمارات كبيرة ضخمة محلات شرائية لبيع الكتب و كل ما قد يحتاجه الطلبة فترة مكوثهم في الحي الجامعي. دخلت إلى مطعم المدينة الجامعية. أخذت مكانها حول مائدة تنظر يمينا وشمالا، تسترق السمع، لغة إنجليزية بعدة لكنات وبنطق مختلف. أعجبها ذلك المزيج من الإيقاعات النطقية، إنجليزية بنطق هندي، ياباني، سريلانكي، اسباني، فرنسي، أشكال وألوان من الطلبة والطالبات من أجناس مختلفة في ذلك المطعم قدموا من أماكن مختلفة في العالم ليدرسوا هنا في أمريكا. هل جاؤوا إلى هذا البلد بحثا عن الحرية المفقودة؟ هل ظروفهم هي التي أدت بهم للمجيء إلى هنا مثلي؟ تساؤلات تنهال على رأسها، لكنها مرتاحة لاستقلالها وابتعادها عن المغرب وعن ليبيا. وحدها هناك في أمريكا، في نيويورك، بعيدة عن نبيل وعن سمير وعن العائلة المغربية وعن مدير الشركة. آه ما أحلى الحرية! ما أنعش عبيرها الذي أستنشقه الآن. سمعت ضحكا عاليا، التفتت فإذا بها ترى جماعة من الطلاب قادمين باتجاهها. جلسوا حول طاولة بالقرب منها. أثار انتباهها شاب طويل القامة أسمر اللون، أنيق الملبس، عيناه زرقاوان وشعره طويل. ذكّرها بسمير وجرجرتها العاصفة إلى صحراء الجزائر. عاصفة أثارت غضبها وسرقت سكونها اللا معتاد لأيام جميلة قضتها مع من كان فارس أحلام، اعترفت له فذبح بصيص أملها المتشظي. كان الشاب ينظر إليها ويبتسم أما هي فكانت ترتشف الحزن خلسة ومفاصلها الضبابية ترتعش في صمت لحلم جميل تحول إلى كابوس. انتبهت لنظرات الشاب فشعرت بالخجل ثم وقفت بسرعة وتظاهرت بأنها تريد المزيد من القهوة. أحضرت فنجانا آخر ثم جلست بعكس الكرسي الذي كانت تجلس عليه. كانوا يتكلمون باللغة الإسبانية: قال أحدهم:

_ إنها جميلة وخجولة.

قال أحدهم: من أي بلد قدمت يا ترى؟

قال آخر: ربما من البرازيل.

قال آخر: شعرها طويل وكثيف كبنات البرازيل لكن شكلها ليس برازيليا ربما من الهند أو من الباكستان.

قال آخر: لا هذا و لا ذاك. شكلها عربي ربما من السودان أو من المغرب العربي.

ثم علا الضحك. انزعجت غالية من حديثهم، تركت قهوتها كما هي على المائدة وانصرفت تمشي بخطوات متثاقلة بين بنايات الحي الجامعي. ها هي الحرية تطير من حولي كحمامة سلام لكنني لا أستطيع أن أمسكها بيدي وأنا التي أحسها في عروقي تسري فأين أنا منها الآن؟ إنها معي وليست معي بداخلي متشعبة لكنها أبت أن تنمو وتزدهر.

شعرت بالضجر والوحدة " يجب أن أذهب إلى مكتب الإدارة لأحصل على تعليمات السكن ومواعيد الطعام."

طرقت الباب، صاحت امرأة من الداخل: تفضل ....

امرأة في الأربعينات أمريكية من أصل أفريقي سوداء بدينة لدرجة أنها لا تستطيع التحرك بحرية وراء مكتبها.

_ صباح الخير. اسمي غالية سلطان. جئت لأستفسر عن كل الضوابط المعمول بها في الحي الجامعي.

_ اسمي مويشة. جالية ... جالية ... Let me guess أنت عربية مسلمة أليس كذلك؟

_ هل أنت ...

_ أنا مسلمة أمريكية من أصل إفريقي واسمي مويشة على اسم زوجة الرسول.

قطبت غالية على حاجبيها مستغربةً مستفهمةً: من مويشة؟

_ بنت أبو بيكر Abu Baker ... ألست مسلمة؟ Abu Baker Assadake

_ بلى، أبو بكر الصديق.

_ إنه من أصل إفريقي وكانت ابنته أصغر زوجات الرسول وأجملهن ... بالمناسبة من أي بلد أنت؟

_ أنا مغربية I am from Morocco.

_ موناكو؟!

_ لا، أنا من المغرب … ِ Casa Blanca .

_ نعم ... نعم ... الآن فهمت Casa Blanca إننا نشاهد هنا في أمريكا فيلم مشهور اسمه Casa Blanca. لكن أين يقع بلدكم؟

_ في شمال غرب إفريقيا.

_ أنت إفريقية إذا. Welcome to America.

_ أنا عربية من أفريقية.

لم يعجبها جوابي وقفت بصعوبة من مقعدها والعرق يتصبب من جسمها وقالت: إفريقيا للإفريقيين وليس للعرب.

_ ألم تقولي بأنك مسلمة. إن الإسلام جاء به العرب إليكم من شبه الجزيرة العربية ونشروه في معظم الدول الإفريقية.

_ إنني أشك في مصداقية التاريخ. أنظري مثلا المسيحية إنها ظهرت في إفريقيا والمسيح أسود وليس أبيض. إذ هبي إلى كنائس الأفارقة الأمريكان وانظري بأم عينيك صور يسوع Jesus إنه أسود لكن الأمريكان والأوربيون عنصريون، استعمرونا واستعبدونا وجلبونا إلى هنا عبيدا حتى ديننا سرقوه منا ونسبوه إليهم.

نظرت غالية إليها مبتسمة وقالت: إن معلوماتك قيمة، غريبة، جديدة علي لكنها interesting. كل يوم آنسة مويشة يتعرف المرء على معلومات جديدة.

استحسنت كلامها، زودتها بكل ما تحتاجه من تعليمات وقالت لها:

_ إن احتجت شيئا يا غالية ما عليك إلا أن تأتي إلى مكتبي وستجدينني رهن الإشارة.

غادرت غالية مكتب مويشة لا تعرف أي إحساس كان يعتريها.أتضحك أو تهزأ مما سمعته ولكنها فرحت لاهتمام تلك السيدة بها.

ذهبت إلى غرفتها أول ما خطر ببالها أبوها سلطان. لابد أن أكتب له رسالة أطمئنه علي. لا أعرف كيف كانت ردة فعله عندما استلم رسالة نبيل. ربما سيلومني ويغضب مني. لن أكتب له شيئا بصدد هذا الموضوع. أمسكت كراسة وقلما تحاول أن تكتب، تشرح، تبرر، القلم يرتعش بين أصابعها، يتوكّأ على بقايا كلماته الخاوية. تكتب جملة ثم تمزق الورقة. تبدأ بالكتابة مرة ثانية فتجد نفسها لم تعبر بالطريقة التي يرضى عنها سلطان. غابت كل المفردات والمصطلحات من ذهنها غابت لغتها كما غاب طعم الحرية التي كانت تظن أنها وصلت إليها. أمسكت القلم فوقع من يدها، حملته بعصبية، ضغطت عليه بكل قوتها ثم بدأت تصفف كلمات متسولة على أرصفة تلك السطور، ترتعش من الرعب، يلتف حولها لهيب من الخوف يشبه الجحيم، لا تعرف ردة فعل سلطان عندما يقرأها وأنا التي أسميتها رسالة الغفران.

أبي العزيز أدام الله عمرك

إنه لمن دواعي الغبطة والسرور أن أكتب لك رسالتي هذه راجية من الله أن تصلك وأنت في صحة وعافية.

أبي أعزك الله. تم تسجلي في الجامعة وتعرفت على مسؤولة تدير الحي الجامعي. إنها مسلمة يا أبي. أمريكية من أصل أفريقي. سعدت بلقائها لأنها تغار على ديننا الحنيف وإنني سأتقرب منها لتعرفني على طالبات مسلمات هكذا أكون في جو إسلامي، سالكة طريق الرحمن بعيدة عن طريق الشيطان وأعدك يا أبي أنني لن أكون إلا ما تتمناه. غالية النفس، والأحوال شاهدة بأنني سأبلغ المنى ودرجات العلم مثلك يا أبي. فأنا لن أكون إلا مثلك وعلى دربك سأسير ومن شابه أباه فما ظلم.

سلامي إلى أمي الحبيبة وعمتي الطيبة وأختي سلمى

ابنتك البارة غالية

ـــــــ 0 ـــــــ

في صباح اليوم التالي، ذهبت إلى حيث برج الحرية. هناك وقفت تنظر إلى تمثال الحرية تتأمل اختباءه الخفي وراء الشقاق والنفاق وتحت الخلاعة وبين اللصوص والكلاب، تتذكر نبيل الذي جاء بها إلى أمريكا، إلى نيويورك، إلى بلاد الحرية وتحقيق الأحلام ... حرية لم تلمسها. عن أية حرية أبحث؟ أين هي؟ لم أجدها حتى الآن. مجرد سراب ووهم. أنظر من حولي، أرى الناس تسعى إلى أعمالها بسرعة البرق. البعض يأكل ويمشي، ليس لديهم الوقت لتناول فطورهم في بيوتهم. والبعض الآخر يمشي شبه عار وأجسامهم موشومة بإشارات وشعارات وصور مائعة. شاب يعانق شاب ويقبله في الطريق. فتاة تعانق فتاة وتقبلها في فمها. مجموعة أخرى تلبس لباسا جلديا لونه أسود، رؤوسهم محلوقة ماعدا شعيرات مصطفة على شكل عرف الديك ومصبوغة بألوان فاقعة. أناس يلبسون أفخم الملابس ويسكنون أفخم البيوت، وأناس يلبسون لباسا باليا وسخا ويسكنون علبا من الكارتون في الطرقات. بنايات ضخمة وعالية تنطح السحاب ومساكن قديمة وسخة تحت الأرض، بنايات يقف الحراس أمام أبوابها وكاميرات معلقة بالمصعد خوفا من العصابات. هل هذه هي الحرية التي أبحث عنها؟ أية حرية هذه؟ لم أجدها ولو أنني أتيت إليك. أين هي الحرية أيها التمثال؟ ها أنا أقف أمامك... هل الحرية هي ما أراه أمامي من ميوعة وعراء؟ هل الحرية تجعل أناسا في قمة الفساد، وآخرون في قمة الإجرام، وآخرون في قمة الثراء الفاحش، وآخرون في قمة الفقر القاتل؟ مجتمع يلبس الرياء ويتحجب بالمصانعة والمداهنة، يتحايل بالمجاملة، يتزين بالتبرج يفتك بالنفاق والخداع. مجتمع ينتهك الحرمات، مجتمع يقتله الغرور وحب الظهور، تجري في دمه السلطة والديكتاتورية المطلقة. عراء ... عراء ...أبدان عارية ... وعقول وضمائر متحجبة. هل هذا هو المجتمع الذي كنت أحلم بالوصول إليه و صورته في ذهني مجتمعا مثاليا؟ أي مجتمع مثالي هذا؟! إنني لا أرى إلا رأسمالية متوحشة تنهب بمخالبها الضعيف وتدعس عليه بحوافرها. ما هذه إلا حرية الأهواء والشهوات التي تنعدم حتى عند الحيوانات ... حرية الوحوش والذئاب ... إنها الفتنة الواسعة في هذه اِل أمريكا ... لا عدالة ولا إخاء ولا مساواة ولا أمن ... كلمات تنعدم في هذا المجتمع لأنها ليست مترابطة في نهج واحد وواضح ومتماسك. آه ... الحرية، سافرت من بلاد إلى أخرى. قطعت الصحاري والفيافي، قطعت البحار أبحث عنها. إنها ليست موجودة في عالمنا الشرقي ولا في هذه اِل أمريكا. الحرية شيء يكون في داخل الإنسان. الحرية لا تكون ولن تكون مادام الإنسان محجبا في عقله. الحرية سلوك ومعاملة، تصرف وإنسانية فما رأيت في هذه اِل نيويورك إلا حرية العراء وحرية الدعارة وحرية الإجرام وحرية العنصرية وحرية الجشاعة الرأسمالية التي تقذف بالمرء إلى قمة الثراء وتقذف بالآخر إلى قاع الفقر. آه يا بلدي الكبير! آه يا عروبتي وإسلامي! لو كانوا أرباب بيتنا الكبير ... أرباب هذه الأمة العربية التي تضم أكثر من مليار نسمة... لو كانوا يفهمون العدل ويحكمون به وينشرونه ويتضامنون من أجله لا من أجل سلطان ولا جاه، لكنا فعلا أرقى دولة وأمة أخرجت للناس.

توجهت غالية إلى إحدى المكتبات اشترت ما تحتاجه من كتب ومذكرات وكل ما يلزمها لسنتها الدراسية الأولى. كانت تنتظر ذلك اليوم الأول لبداية سنتها الدراسية متشوقة، قلقة. ... حائرة ... تريد أن تنهي دراستها لتسترجع بها قوتها وتبعد بها الخوف من سرها الخطير. لكن، ماذا بعد؟ ماذا بعد الشهادة، ماذا بعد نيويورك مدينة الأوهام والحياة الزائفة. هل سأمكث في هذا البلد؟ لا والله لا أتمنى العيش فيه. إلى أين سأذهب بعد تخرجي؟ هل أرجع إلى المغرب؟ فمهما بلغت من درجات العلم فطاعتي لوالدي واجبة علي. إن أرغموني على الزواج هل شهادتي الجامعية ستحجب عني التسلط وإجباري على الزواج؟ إن الإسلام أعطاني حق الاختيار وحق الرفض. لكن رب الأسرة الذي أنجبني خُوِّلَ له امتلاكي والتصرف بمستقبلي وقدري حسب اعتقاده. نعم، فأبي كان دائما يقول لنا: "تصرف المالك في ملكه يُعَدُّ عدلا لا جورا." فإرغامه لي على الزواج هو العدل في نظره ومعرفة لمصلحتي. لا أنسى يوما كنت أجادله فيه قائلة:

_ يا أبي جيلنا غير جيلكم وحياتنا التي نعيشها الآن غير حياتكم. لكل ظرف وزمان أحكام تختلف عما قبلها. إننا أولاد هذا الجيل، إننا لسنا لكم إننا أبناء الغد. فثار علي مزمجرا غاضبا يصرخ بصوت عال:

_ ماذا قلت؟

أجفلت وارتديت إلى الوراء قائلة: أنا لم أقل شيئا يا أبي هذا كلام مشهور لكاتب مشهور.لقد قال أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناء الحياة.

_ من هو هذا الكاتب المشهور الذي تعظيني بكلماته؟

ـ لا عليك يا أبي، سامحني لن أغضبك مرة أخرى.

ـــــــــ 0 ـــــــــ

في الصباح الباكر، استيقظت كعادتي لأداء الصلاة. لبست بنطلون الجينز وقميصا أبيضا. أعجبني منظري لولا هذا الشعر الطويل إنني أكرهه، يتعبني. أمسكت مقصا، لابد أن أقصه وأرتاح. تَخَيّلَ إلي صورة أبي سلطان:" حرام على المرأة أن تحلق شعر رأسها، فذلك تشبه بالرجال." ألقيت بالمقص، أمسكت حقيبة كتبي وغادرت إلى الجامعة، بالقرب من الحي الجامعي الذي أسكن فيه. كانت الجامعة تعج بالطلبة. إنه اليوم الدراسي الأول. تمشي تائهة وحيدة بين ذلك الحشد الغفير من الطلبة والطالبات. دخلت إلى القاعة مع الطالبات والطلبة وكل أخد المكان الذي اختاره. جلست في الصف الأول من المقاعد. المكان المفضل عندي منذ كنت في الصف الأول، منذ كنت طفلة صغيرة. آه! طفلة صغيرة. تمنيت أن أرجع إلى زمن الطفولة، إلى ذلك السن، سن البراءة، سن اللعب والأحلام السعيدة. كان حوالي الأربعون طالبا وطالبة في القاعة. وضعت كتبا باللغة العربية أمامها للكاتبة نوال السعداوي. قدم ذلك الشاب الوسيم الأسمر الذي رأته في مقهى الطلاب وجلس بجانبها مبتسما. شعرت بالخجل وبسخونة في كل جسمها. دخل أستاذ في الخمسين من عمره يرتدي قميصا وبنطلون الجينز. طويل القامة، أشقر اللون، بشوش منطلق ينظر إلى الطلبة والبسمة لا تفارق وجهه:

_ هالو ... اسمي Willard, Edward ويلرد إدوارد أستاذ مادة "التاريخ ألأمريكي". سنتطرق إلى الحياة والأحداث في أمريكا من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر. سوف تدرسون معي من خلاله خمسة فصول: منها أدب الاستعمار، أدب نيوانجلند البيوريتاني، التنوير الأمريكي 1750- 1820. أدب الفترات الوطنية الثورية والمبكرة لميكائيل تي جيلمورGilmore Michael T. . طبعا سنتطرق بالتفصيل عن حياة الهنود الحمر كما سمّاهم كريستوف كولومبوس للكاتب لوي براون Loy brown وسترون بربرية الهنود ووحشيتهم وبدائيتهم. سمعت تلك الجمل فاقشعر جسمها. فشردت مع أفكارها إلى آليات العمل الثقافي الرأسمالي الغربي الذي يهدر هويات الشعوب والأمم الأخرى وإسقاط خصوصياتها وتواريخها وتشويه نظمها القومية والإعتقادية. إن من وصل إلى هذه الأرض عبارة عن مرتزقة ومغامرون ومُهَجَّرون ولصوص تخلصت منهم الإمبراطوريات الأوروبية، فألقت بهم خلف المحيط ليعيثوا فسادا في الأرض الجديدة ويقتلوا أهلها الأصليين الذين يسمونهم الهنود الحمر. يبيدونهم لكي يتم الاستيطان. كانت شاردة مع أفكارها ولم تعد إلى حديث Willard إلا عندما اقترب من مقعدها وهو يتحدث، متجولا بين المقاعد ويمزح من حين إلى آخر مع الطلبة والطالبات. عندما اقترب منها انتبهت إليه يقول:

_ طبعا هذا المقرر ... تاريخ أمريكا من أهم المقررات التي أنتم بصدد دراستها. إنه إلمام بمعرفة نشوء هذه القارة. سنتطرق لدراسة تطور الإنسان الأمريكي مع الأخذ بعين الاعتبار الأسباب والنتائج والتفاعلات.

وقف الشاب الوسيم الذي يجلس بجانبها دون أن يرفع أصبعه طالبا الإذن وقال:

_ من جاء إلى هذه الأرض هم البرابرة المتوحشون القتلة. أبادوا شعبها الأصلي واستعبدوا أناسا قدموا بهم من إفريقيا واغتصبوا وسلبوا خيرات هذه البلد. عن أي تاريخ تتحدث؟ تاريخ صنعه المرتزقة. تاريخ لا يبني ثقافة عريقة مؤصلة مبنية على وحدة الهوية وتأصيل مفهوم القومية ومفهوم الخصوصية وصراع أنصار الهوية واللاهوية.

ابتسم إليه الأستاذ وقال: هذا التعليق خارج عما نحن في صدده. لكن يمكنني أن أناقشك فيه نهاية الحصة. ثم استمر مكملا كلامه والابتسامة على وجهه.ثم واصل كلامه: أملي أن تتمكنوا من أدوات التحليل والتأويل والاستدلال والتعبير بهدف يجعلكم قادرين على تقييم قطاعات من الماضي مازالت غير مستكشفة بعد بشكل كاف.

تعجبت لتصرف الأستاذ مع هذا الطالب. يا الله هل هذا مدرس وأمثاله في بلادنا شتان ما بين السماء والأرض. من يستطيع أن يتجرأ في جامعات بلادنا أو مدارسها على مناقشة الأستاذ ومقاطعته بهذه الطريقة التي سمعتها ورايتها. آه ... إذن لهذا السبب تسود عندهم الجرأة في التعبير وحرية الرأي. الحرية هذه الكلمة تعذبني تلاحقني، أشعر بجوع إليها، بعطش لها، أين هي؟ ليست هنا لا في أمريكا ولا حتى في فصل الأستاذ Willard. هنا يمكن للشخص أن يعبر عن آرائه ونزواته، وعن رغباته الجنسية، يعبر وينتقد كما يشاء لكن شرط ألا يمس سياسة البلد أو يهددها وألا تخفيه المخابرات عن الوجود. مخابرات ... مخابرات ... في كل مكان ...في الهواء ... نستنشقها وفي الأكل نتذوقها وفي الماء نشربها. كان الطلاب والطالبات يتحدثون ويعلقون. توقعت عند سماع بعض التعليقات، أنه سينهال عليهم بالشتائم والضرب أو على طريقة بلادنا الطرد من الفصل واستدعاء ولي الأمر. لكن الأستاذ كان لطيفا، بشوشا، والأهم من كل هذا كان متواضعا في تصرفه وحتى في لباسه وفي طريقة التواصل بينه وبين الطلبة.

ــــــــ 0 ــــــــ

أسرعت إلى مكتبة الجامعة تبحث عن الكتب المقررة لديها في " التاريخ الأمريكي" وجدت أغلبها. مازالت منهمكة تسبح بين رفوف الكتب حتى ظهر أمامها ذلك الطالب الوسيم الذي كان يجلس بجانبها وقال باللغة العربية.

_ هالو ... اسمي أنطون حنا. أنت عربية أليس كذلك؟

وقفت مذهولة تنظر إليه.

_ ما بك هل أنت خرساء؟

_ تتكلم اللغة العربية غير معقول! ظننت أول الأمر أنك من المكسيك أو الأرجنتين عندما شاهدتك في المقهى البارحة. وعندما أدليت بتعليقك الجريء في الفصل، ظننت أنك من الهنود الحمر.

قهقه عاليا وقال: الهنود الحمر! لماذا الهنود الحمر؟ هل لأنني انتقدت الأستاذ عندما كان يتحدث عن بربرية سكان أمريكا الأصليين؟

_ صراحة ليس لهذا السبب فقط. ولكن ...

_ ولكن ماذا؟

_ شكلك.

_ ما به شكلي؟

_ لون بشرتك و ... وشعرك الطويل.

ضحك وقال: أنا أيتها العربية الخجولة. أبي لبناني وأمي برازيلية؟ عشت في دول كثيرة بحكم مهنة أبي.

_ ماذا يعمل أبوك؟

_ سفير.

_ اسمي غالية.

_ أهلا غالية سعيد بمعرفتك. من أي بلد عربي أنت. أبي موريتاني وأمي من السودان ووُلِدت ودرست في المغرب.

_ بالمناسبة كان أبي سفيرا في المغرب وكان عمري آنذاك سبع سنوات. ما رأيك في أن نتناول الغداء معا في مطعم الجامعة؟

_ ليس عندي مانع.

شبك يده بيدها وسحبها إلى الخارج، ينظر إليها ويبتسم وكأنه يعرفها منذ خمسة عقود. شعرت بخجل شديد لا جرأة لديها لسحب يدها من يده. جلسا في المطعم القريب وجها لوجه.

_ غالية هنا خدمة ذاتية. أعني كل يقوم ويأخذ ما يريده من طعام وشراب ويدفع ثم يأتي إلى طاولته.

قاطعته قائلة: أعرف ذلك، لقد كنت أدرس في جامعة سانت فرانسيس كوليدج ب فورثواين في ولاية إنديانا بوليس.

_ إذا لا تحتاجين لمرشد جامعي.

ابتسمت بخجل وقالت: بالمناسبة أعجبني جدا تدخلك بالفصل.

قال ومن غير مقدمات: غالية هل تعرفين أن المشروع الصهيوني هو الذي أسس أمريكا. صحافي إسرائيلي وداعية السلام بارز اسمه أوري إفنيري كتب قائلا: "أن المشروع الصهيوني هو الذي أسس أمريكا بحيث أن المهاجرين الأوائل، أو الآباء المؤسسين، الذين أسسوا المجتمع الأمريكي آمنوا بالتوراة وتحدثوا بالعبرية وأطلقوا على أنفسهم أسماء تورارتية وتخيلوا قارة الهنود الحمر " إسرائيل الجديدة" بل لقبوا ما ستعرف بأمريكا "كنعان الجديدة" وبرروا ابادة الهنود الحمر بخرافة العملاقة!

_ إن هذا العالم الجديد حسب تسمية الإنسان الأبيض العنصري للقارة الأمريكية، لم تكن عالما جديدا، فكما هو معروف كان لها شعبها الأصلي بحضارته وثقافته وديانته، لكن البيض انتهكوها وامتلكوها طبيعة وروحا، أرضا وشعبا، بالسلب والنهب والقتل الإبادي. وكل ذلك جرى باسم الرب والمدنية والتقدم.

_ صحيح وما زالت روح الغزو مسيطرة على العقلية الأمريكية حتى الآن وتظهر جليا في أفلامهم. فقط من أسبوع شاهدت فيلما بعنوان" الوطني" The Patiort يبرر القتل والعنف والدماء تحت غلاف الأرض والوطن، فتاريخ "بنجامين مارتن" ليس ناصع البياض، فهو بطل مذبحة مثل فيها بأشلاء القتلى الفرنسيين، ومع ذلك لما مرت السنون وتشابكت المصالح تحالف الفرنسيون معه ضد الإنجليز، فلا مبدأ ثابت إنما هي المصلحة حتى لو كانت الغربان تنعق على جثث القتلى في المعركة مع الفرنسيين هي نفسها الغربان التي تنعق في المعركة مع الإنجليز. لا يهم نعيق الغربان المهم من يكسب الحرب.

_ الجيش النظامي القاري الأمريكي كان بحاجة لستة أشهر تقريبا حتى يصل إلى المدد الفرنسي ويواجه السطوة الإنجليزية على أرض المستعمرة الأمريكية.

ابتسم أنطون مقاطعا: هل شاهدت الفيلم؟

_ نعم، شاهدته في المركز الثقافي الأمريكي في مدينة مراكش. خلاصة القول جمع بنجامين مارتن مليشيا غير نظامية تناوش جيش الإنجليز فتنجح وينتصر الأمريكان. إنها فكرة الجمال القبيح والقبح الجميل.

مازالت تحدثه حتى قدم إليهم الشباب الأربعة الذين رأتهم مع أنطون أول مرة. فهتف واحدهم بالأسبانية.

_ بهذه السرعة.

قال أنطون: ماذا تعني؟

_ حصلت عليها بسرعة وماذا عن صديقتك انجل؟

وقف أنطون وقال لهم: باللغة الإنجليزية لكي أفهم.

_ أعرفكم عن صديقة جديدة اسمها غالية. عربية تدرس معي.

ثم التفت إلي وقال:أصدقائي من الأرجنتين، ألفريدو، دومنيك، خوان ولوتشو أمه من الأرجنتين وأبوه أمريكيا.

قال أحدهم بلغة قريبة من الأسبانية: صيدك جميل كيف حصلت عليها.

أجابه أنطون بنفس اللغة: أنا لم أحصل عليها ولا هي صيد إنها صديقة جديدة، أعتز بصداقتها.

وقفت متأهبة للانصراف فإذا بثلاث طالبات قدمن، شقراوات سلمت واحدة منهن على أنطون مقبلة إياه في فمه وجلست بجانبه. ونفس الشيء بالنسبة للبنتين اللواتي معها كلاهما سلمت على صديقها بنفس الطريقة وجلست بجانبه. شعرت غالية بسخونة في وجهها. نظرت إملي إلى صديقها وقالت:

_ ألا تعرّفنا على الزميلة التي معكم؟

قال أنطون: غالية، من الإمارات وتقطن في المغرب.

وأضاف موجها كلامه لي: صديقتي إنجل من ولاية واشنطن. هلين صديقة ألفريدو وباتريسيا صديقة خوان من ولاية نيوجرزي.

قال لوتشو: وأنا حتى الآن ليست لي صديقة؟ هل تقبليني صديق لك يا جالية؟

قالت: نعم، ليس عندي مانع. أتمنى أن أكون صديقة لكم كلم.

ضحكت إملي وقالت: لوتشو يريد أن تكوني his girlfriend ... أعني ...

قاطعتها متغابية وقالت:I am a girl and I accept to be his friend فما المشكلة إذا؟

قال لوتشو: سعيد بك فتاة وصديقة. ماذا تريدين أن تشربي؟

_ عصير البرتقال شكرا.

قال أنطون: أنا أدعوكم اليوم بمناسبة تعرفنا على غالية.

ونهض من غير أن يسأل الآخرين ماذا يريدون أن يشربوا ثم بعد دقائق أتى بقناني من البيرة وعصير البرتقال.

ضحكت البنات كل منهن تنظر لصديقها ثم ينظرن إلى غالية ويتغامزن. أمسك لوتشو بيد غالية وقال:

_ ألا تشربين الكحول؟

_ لا.

_ لماذا؟

_ لأنه يضع خمارا بين عقل الإنسان وجسمه فيتصرف بعدها بتصرف غير إنساني.

قال لوتشو: إن النبيذ ينعش القلب.

أجابته بامتعاض: إن النبيذ يتلف الكبد ويتلف النقود.

قالت انجل وهي تنظر إليها باستخفاف: جالية هل سبق أن كان لك a boyfriend ؟

أجبتها مبتسمة: I have a lot of friends boys.

وفي الحقيقة لم يكن لديها أصدقاء ذكورا في حياتها الدراسية. لأن أبوها يعتبر اختلاط البنات بالذكور حراما.

كان أنطون ينظر إليها من دون أن يعلق. أحس بانزعاجها خاصة عندما أمسك لوتشو بيدها وسحبتها منه ببطء ثم وقفت مودعة إياهم وغادرت المطعم مسرعة تهرول وكأن أحدا يلاحقها. لحق بها أنطون.

_ غالية دقيقة من فضلك. أعتذر نيابة عن أصدقائي فهم يجهلون تقاليد العرب وخاصة المسلمين.

_ لا داعي للاعتذار. فهم يحبون المزاح وجئتهم أنا من عالم يختلف عن عالمهم في السلوكيات والعادات فمن الطبيعي أن يسألونني تلك الأسئلة.

_ إذا أنت لست غاضبة منهم.

_ بالطبع لا.

_ هكذا يمكنني أن أودعك وأنا مرتاح البال مع السلامة وإلى اللقاء. غدا موعدنا بالفصل. إلى اللقاء.

ذهبت إلى غرفتها واستلقت في هدوء وبهجة على الحوار الذي دار بينها وبين أنطون. كان ذكيا جريئا صريحا أنيقا غيورا على عروبته، مهذبا عكس أصدقائه لكنها لم ترتح لحديث أصدقائه وخصوصا لوتشو. لماذا أفكر في لوتشو؟ جلست على كرسي منضدتها أخذت كتابا من ضمن مقرر الفصل الدراسي الأول بعنوان "أرضيات النقد في الشعر" من تأليف جون دينيس تقرأه بلهفة، تشرح الكلمات التي يستعصي عليها فهمها. لابد أن أتمكن من هذه اللغة الإنجليزية. لابد أن أتكلم بها بسلاسة العم سام. لابد أن أحصل على الشهادة الجامعية علّها تكون درعا في حياتي ومع عائلتي تحميني من ذلك اليوم التي تُعَزُّ فيه الفتاة أو تهان"


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-11-13, 07:12 AM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 الفصل الخامس عشر الجزء 2

الفصل الخامس عشر الجزء 2

صباح اليوم التالي، وكان يوم الثلاثاء حاولت أن تحَسِّن من ماكياجها وملابسها وتسريحة شعرها، هرولت إلى مطعم المدينة الجامعية وبينما كانت منهمكة في تناول إفطارها وقف أمامها لوتشو:

_ أين أنطون؟

_ صباح الخير أولا. أعتقد أنك لا تريدين أن تصطبحي بوجهي.

_ صباح الخير لوتشو. لم أكن أقصد تفضل.

_ شكرا غالية، تعرفين اليوم سيلقي الأستاذ John Durang محاضرة بعنوان الدراما في المسرح الأمريكي.

_ من جون دوران هذا؟ دكتور متخصص في فن الدراما وكاتب مسرحيات. ستعجبك محاضراته.

_ بالمناسبة ماذا تدرس؟

_ الأدب الإنجليزي ومعك في نفس الفصل.

_ ولماذا لم تحضر البارحة لحصة Willard ؟

ابتسم وقال: صراحة ذهبت البارحة إلى الإدارة وغيرت بعض المقررات لكي أكون معك في نفس الفصل.

_ لماذا فعلت ذلك؟

_ ألم تقبلي البارحة أن تكوني my girlfriend؟

لم يعجبها اندفاعه قطبت جبينها ...

_ لقد قلت لك سأكون your friend girl ...

_ صديقة ... فتاة ... حبيبة ... لا فرق ...

_ بلى، هناك فرق وفرق كبير أيضا.

_ لماذا فرق كبير؟

_ لقد قلت لك البارحة بأن الاختلاط بالذكور والانزواء بهم حرام في ديننا. ممنوع ... حرام!

_ أي دين هذا الذي يفرض القيود وكبت حرية الإنسان؟

_ أولا الإسلام ليس دين قيود، ثانيا الاختلاط الذي تتكلم عنه لا أسميه حرية وإنما أسميه إباحية مائعة.

_ إنك تتكلمين كراهبة. أليس من الأحسن أن تعتكفي في كنيسة بدل من أن تَدْرُسي في الجامعة. إن الجامعة للأحرار... للمتفتحين... لل ...

_ كفاك سخرية هل التفتح عندك هو أن يمارس الإنسان ما حرم الله.

_ ماذا حرم الله؟ الله لم يحرم أن ندرس سويا ونراجع سويا، هذا إن لم يكن عندك مانع.

ترددت هنيهة ثم قالت مبتسمة: بالطبع ليس عندي مانع.

_ إذا ما رأيك في أن تأتي إلى غرفتي بعد المحاضرة. إنها في المبنى الثاني مكتوب اسمي على الباب ورقم الغرفة سهل تذكريه 222 .

_ لماذا إلى غرفتك؟

_ لكي نراجع سويا... هل أنت خائفة؟

_ منك ... لماذا؟

_ إذا ليس هناك أية مشكلة. سأكون في انتظارك بعد المحاضرة.

كان لوتشو يحب المزاح كثيرا عكس أنطون. قصير القامة، طويل الشعر، أسمر اللون، بسيطا في لباسه وفي تصرفاته، لم تكن تحب طريقة حديثه. كانت تستفزها ورغم ذلك قررت أن تدرس معه. بعد انتهاء المحاضرة ذهبت إلى المكتبة، استعارت الكتب المقررة في فن الدراما في المسرح الأمريكي ثم اتجهت متثاقلة في مشيتها إلى المبنى الثاني وقلبها يدق مضطربا. تتحدث مع نفسها: " عجيب أمرك، لماذا قبلت الذهاب عند لوتشو أهو تحدي أو تمرد؟ وقفت عند الباب تستعيد أنفاسها، تنظر إلى لباسها محاولة تفقّد هيأتها. وبمجرد أن رفعت يدها لتدق الباب حتى فتح الباب وفي يده الهاتف النقال Celulaire أشار إليها بالدخول. كان مازال مشغولا بالحديث وكانت هي تتأمل تلك الغرفة التي يغطي جدرانها صورا لممثلات ومغنيات شبه عاريات. نظرت إلى الأريكة، كانت مليئة بالمجلات والكتب. وضعتها كلها على المائدة تتصفح مجلة ريثما ينتهي من مكالمته.

_ هالو جالية ...

جلس على الأريكة بقربها، يعبث بهدوء بخصلات شعرها، يلتفت إليها، يتأملها وكأنه يراها للمرة الأولى. بينما هي تتأمل الجدران المختفية وراء تلك الصور العارية.

_ آسف جالية لقد كانت مكالمة مهمة جدا مع طالب مهم جدا. إنه عربي مثلك وعنده نقود لا تعد ولا تحصى اسمه رامي.

_ عربي ...؟ من أي بلد؟

_ من السعودية.

_ آه فهمت. ما رأيك في المحاضرة التي ألقاها John Durang ؟

أزال يده من خصرها، وقف ثم اتجه إلى الثلاجة فتح بابها وأحضر قنينة كولا وقنينة بيرة. كانت تنظر إليه وتنظر إلى الجدران المليء بصور النساء العاريات من حولها. تذكرت فجأة سلطان. تخيلت والدها الحاج سلطان ...الإمام ...القاضي ...المحاضر في الشؤون الإسلامية وكأنه يدخل عليهما فجأة فوقفت مسرعة نحو لوتشو تختفي وراء ظهره وتصرخ متوسلة باكية: " أبي يشهد الله علي لم يقترب مني لوتشو ولم نمارس اِل ... ولم أشرب كحولا. صحيح إننا وحدنا بالغرفة لكن لم يحدث شيء." آه لو أمسكني سلطان بهذا الجرم المشهود. لما احتاج إلى شهود أربعة. فهو وحده يكفي، سلطان ووالدي وقاضي وإمام وواعظ في الدين والإرشاد وصاحب حظوة عند المسئولين.إنه وحده خمسة شهود لإزالتي من هذا الوجود. جلس لوتشو بقربها وضع زجاجة الكولا والبيرة وكوبين على المائدة. سكب البيرة في كلا الكوبين..

_ ماذا تفعل؟ لقد قلت لك لا أشرب الكحول.

- للأسف ليس عندي إلا الكحول في الثلاجة.

ابتسم ثم مد إليها زجاجة الكولا وأضاف قائلا:

_ سكبت لك كوبا من البيرة ... ربما تغيرين رأيك وتخرجين من قوقعة الحلال والحرام.

_ اطمئن لن أغير رأيي.

نظر إليها مبتسما وقال من غير مقدمات: هل مارست الجنس؟! أعني هل لك تجارب جنسية قبل قدومك إلى هنا؟

_ لماذا تسألني هذا السؤال ... هل يهمك الأمر؟! لا، لم أمارس الجنس من قبل.

_ مستحيل! لا أكاد أصدق ما أسمع. أمعقول فتاة جميلة مثلك لم تمارس الجنس.

_ اسمع لوتشو الجنس حرام في ديننا إلا عند الزواج. بمعنى الفتاة يجب أن تحافظ على عذريتها حتى ليلة زفافها وإن لم تفعل ستكون عاقبتها وخيمة، إنها الفضيحة العظمى أكثر من فضيحة واترجيت.

_ إن الفضيحة هنا أن تكون الفتاة في سن الخامسة عشر وتظل عذراء. هذا يعني أنك ... أنك ... مازلت عذراء؟

ذكرها بذلك السر الدفين ... ذلك السر الخطير كما أسمته أختها. شعرت بخوف داخلها رغم أنها بعيدة ... بعيدة جدا عن المغرب. بماذا سأجيبه؟ هل سأقول له أنا نصف عذراء أو من غير عذرية أو لست متأكدة من ذلك. فلماذا أجيبه؟ أحسّ بحرجها من استمرار الحديث في هذا الموضوع فقاطعها قائلا:

_ ما رأيك في محاضرة اليوم؟

تنفست الصعداء وأخيرا تخلصت من ذلك الحوار الذي أرجعني سنين إلى الوراء، إلى سن الطفولة إلى تلك البقعة الحمراء التي كانت في لباسي الداخلي.

ـــــــ0 ـــــــ

بعد أسبوع من انتهاء الفصل الدراسي الأول قدمت دكتورة من جامعة كاليفورنياMarilyn Booth لتلقي محاضرة عن كاتبة روائية وعن الصعوبات والمخاطر التي واجهتها بسبب كتاباتها الأدبية. تفاجأت لذلك الحشد الكبير من الطلبة والطالبات في قاعة المحاضرة. يا الله ... هذه الشخصية الغنية عن التعريف ... شهرتها لم تكن فقط على مستوى العالم العربي وإنما تعدته إلى أجزاء كثيرة من العالم. شهرتها لا تقل عن شهرة بلادها. فمن لا يعرف مصر بلاد الفراعنة؟ بمجرد ذكر هذا الاسم في العالم كله يستحضر المرء فورا أبو الهول الموميات الإسكندرية، أنور السادات، حرب أكتوبر، زيارة إسرائيل، معاهدة الصلح، قناة السويس، شرم الشيخ ، الرقص الشرقي، تطرقت Marilyn Booth إلى إعطاء نبدة عن حياة هذه المرأة العظيمة الجريئة التي مزقت القيود مدافعة عن وضعية المرأة في المجتمع المصري والعربي. استمرت وعانت وكابدت رغم المضايقات فسرحت بعيدا عن المحاضرة إلى سجني وسط أهلي ومجتمعي وحدتي التي لم تكن تعجب أحدا. خوفي ومعاناتي الشبه يومية من تقدم سني واقتراب وقت زفافي. أرتبك أتذكر سري الخطير ... الزغاريد ... القرع على الأبواب كطبول الحرب وبقع كبيرة حمراء في قطعة ثوب أبيض تحملها النساء وتزغرد بصوت مرتفع يصم الآذان. تزغرد فرحا بتلك البقعة من الدم، لا يهم مصدره غشاء بكارتي أو من ألوان أقلام الرسم التي نستعملها في المدارس. علا التصفيق داخل القاعة فاستيقظت من غفوتها. ألتفت شمالا ويمينا فرأت ذلك الحشد من الطلبة واقفين وقفت أيضا مشاركة إياهم تصفق مثلهم، فرحة سعيدة أحسست بالفخر أمام هؤلاء القوم أبناء العم سام بأننا نحن بني يعرب، قادرين على التفوق والنجاح. فهل نحن متخلفون كما يعتقد الكثيرون؟ كانت المحاضرة مفاجأة لها وللجمهور الأمريكي أن يتعرفوا أكثر على كاتبة روائية ومناضلة لأجل المساواة بين الرجل والمرأة رغم اتهامها بالإباحية. مازلت تصفق متذكرة سلطان وقالت في مخيلتها المتخمة ب التحريم و الترهيب: آه لو رآني الإمام سلطان أصفق هكذا والله لأصدر فتوى بهدر دمي.

ـــــــــ 0 ـــــــــ

أربعة أشهر مرت بسرعة ضوئية بالنسبة لها. انتهى الفصل الدراسي الأول، أتقنت اللغة الإنجليزية، تمكنت منها بمستوى يتمناه الكثيرون ذكورا وإناثا. سافرت عبر هذا المقرر إلى عمق هذه اِل أمريكا تاريخيا، اجتماعيا، أدبيا وحضاريا. بدأت تستعد لمواد الفصل الدراسي الثاني. كانت الإدارة تعج بالطلاب مزدحمين حول لائحات إعلانات الساعات الدراسية المعتمدة. أخذت ورقة متأملة المقررات المطروحة في هذا الفصل، تاريخ الأدب، فن القصة القصيرة ركزت عينيها على فن الرواية وفجأة أحست بيد توضع على كتفها الأيمن برفق. نظرت فإذا به لوتشو.

_ هالو جالية ... هل اخترت المقررات التي ستدرسينها.

_ نعم ...

_ ما رأيك في أن نتغذى في مطعم خارج الجامعة.

لم تكن لديها رغبة لذلك خاصة وأن أحوالها المادية تدهورت

_ شكرا، لوتشو لكنني ... لكنني ...

_ لكن ... ماذا ...؟

_ لاشيء ... فقط ليست لدي رغبة

أمسك يدها بلطف وسحبها خارج الحشد: ما بك غالية ألست my friend girl

_ بلى.

_ أحس أنك حزينة ما الأمر؟

_ لقد تدهورت أحوالي المادية ولا أعرف كيف أتصرف.

ابتسم قائلا: هل هذه هي المشكلة؟ أنا سأساعدك؟

_ كيف؟

_ تشتغلين معي.

_ معك ... أين ...

_ في مطعم إيطالي.

_ وماذا أعمل؟

_ تعملين ما أعمل...!!

_ كفى مزاحا ... ماذا تعمل؟

_ أغسل الصحون.

غدا الثلاثاء العاشرة صباحا غالية بنت الإمام القاضي سلطان ستعمل في مطعم إيطالي في نيويورك. آه لو عرف الإمام أنني سأعمل في غسل الصحون. هذا أمر لا يستوعبه عقل القاضي الذي تعمل في بيته في المغرب أربع خادمات، لكل منهن تخصص وميدان وعمل. هكذا الدنيا يا قاضي سلطان ألم تعلمنا ونحن صغارا أن الدنيا لا تدوم لأحد على حال وأن الدنيا يوم لك ويوم عليك وأنها لو دامت لغيرك ما وصلت إليك. إذا هذه الأيام ليست لغالية إنها عليها وأنت السبب يا أبي أنت السبب في كل شيء. في بحثي عن حريتي التي منحها الإسلام ومنعتها أنت عني. آه يا أبي لولا خوفي من الموت في ليلة العمر في تلك الليلة التي تحلم بها كل فتاة. آه كم أنا حزينة من تغربي. أكتشف الأنفاق الحجرية في روحي. أتعذب أكتشف المنفى والنار، أكتشف مقابر الآلاف اللواتي رحن ضحايا باسم الشرف. أكتشف الآن لماذا كانت أصوات الضحايا تصعد من بئر شقائي ولماذا كنت أخاف.

قابلت مسئول المطعم سألها بعض الأسئلة الروتينية. أعطته صورة عن جواز سفرها ثم بدأت العمل مباشرة بغسل الصحون. أربع ساعات كل يوم وعندما تنتهي من عملها تتلقى ثلاثين دولارا من صاحب العمل. كانت نقودا قليلة لكن أحسن من عدمها. اشتغلت طيلة الفصل الدراسي الثاني. كانت الساعات الأربع تمر بسرعة خصوصا أنها تشتغل في نفس الوقت مع لوتشو. كان المطعم بعيدا لكن وسائل النقل متوفرة وسريعة جدا. شباب وشابات من أمريكا اللاتينية يشتغلون معنا بمجرد ما أن أتعرف على أحدهم حتى يختفي ويأتي بدله واحد آخر. كلهم بدون أوراق. يقيمون في هذه ال أمريكا بطريقة غير قانونية. داهمت الشرطة يوما المطعم فاختفى كل من في المطبخ داخل دهليز يؤدي إلى الشارع الخلفي ولم يبق إلا غالية ولتشو. شعرت بالرعب ترتعش، تصطك أسنانها، الشرطة والمسدسات في أيديهم تبحث على كل من يشتغل في المطعم بطريقة غير قانونية. هذا المشهد لم تكن تراه إلا في الأفلام البوليسية على شاشات التلفزيون. اختفت الشرطة ورجع كل إلى عمله.

_ لوتشو هذه آخر مرة أشتغل فيها في هذا المطعم اللعين.

_ المطعم اللعين ... ماذا فعل لك المطعم؟

_ لاشيء لكنني لن أشتغل بعد اليوم هنا. من وجد في مكان الشبهة إتُّهِم ...

_ لم أكن أعرف أنك جبانة أيضا.

_ سأذهب لأغير ملابسي.

أنتظرك عند الباب الخلفي للمطعم.

غيرت ملابسها في الغرفة الخاصة بعاملات وعمال المطعم. خرجت بسرعة مازالت ترتعش من مشهد البوليس ومسدسات البوليس، تتعثر في مشيتها وصوت الإمام سلطان يرن في أذنيها." إياك والذهاب إلى المطاعم والفنادق، فمن تذهب لوحدها تعتبر لا أخلاقية، عديمة الشرف. لا تنسي أن شرف الإنسان في خلقه. إن أردت نقودا اتصلي بي وسأرسلها لك في الحال واحذري من العمل في بلاد الخبث والفساد وآمل أن تضعي دوما- بإذن الله وتوفيقه نُصب عينيك أن الفتاة المسلمة في بلاد الإفرنج، ينبغي أن تكون قُدوة للآخرين، ومثالا لدينها العظيم ... جَمِيلٌ تحصيل العلم، فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم أطلبوا العلم ولو في الصين، ولكن لا تنسي حفظك الله أن الأخلاق القويمة أهم من العلم، فماذا ينفع يوم القيامة علم رجل أو اِمرأة فاسدة. أوصيك بتقوى الله، فمن يتقي الله يجعل له مخرجا من حيث لا يحتسب. أوصيك بالمحافظة على سنن رسوله، وأن تكوني نبراساً مضيئا، يقول لأولئك الكفار، نأخذ من علمكم اليوم، ما أخذتموه من علمنا بالأمس. وإن غدا لناظره لقريب" آه يا أبي يا سلطاني لو رأيت مشهد الشرطة يداهمون المطعم الذي تشتغل فيه ابنتك الغالية، مازلت أحدث نفسي حتى رأيت كل من يشتغل في المطبخ مجتمعين مشكلين حلقة وواحد منهم يصرخ باللغة الأسبانية:

_ الإسعاف ... بسرعة الإسعاف ...

أسرعت إلى ذلك الحشد لتتفقد ماذا يجري فإذا بها ترى لوتشو ملقى على الأرض والسكين مغروس في صدره والدم ينزف منه كالخروف المذبوح. اسودت الدنيا في عينيها، لم تصدق ما رأته، تحس وكأنها تحلم، كابوس تمنته أن يكون عابرا لكنه كان حقيقة. لوتشو ينظر إليها يحاول أن يمد يده إليها، تقع يديه على الأرض ويغيب عن الوعي. لم تفهم شيئا، لماذا لوتشو؟ لماذا مداهمة الشرطة للمطعم؟ لماذا أناس يغامرون ويضحون لأجل لقمة العيش؟ لماذا الشرطة تداهمهم؟ لماذا لوتشو يتعرض للطعن بسكينة في بطنه؟ لماذا العنف والإجرام في هذه ال أمريكا ... إنه الإرهاب بأم عينيه. هل هذه الحياة التي أريدها لنفسي.؟ هل هذه هي الحرية التي أتمناها؟ إنها حرية إرهاب في إرهاب. حرية العنف وحرية الإجرام. تراجعت بخطوات إلى الوراء، تاركة ذلك الحشد يحوم حول لوتشو فأطلقت عنان رجليها للريح، تجري في شوارع نيويورك، تائهة في صحراء نيويورك وأزقة صحراء نيويورك إنها أوحش من صحراء الجزائر وليبيا وهي التي تحس بأن داخلها مفقود وخارجها مولود. تبكي وتلهث من شدة التعب. لابد أن أغادر هذا البلد. إلى أين سأذهب؟ نزلت إلى مترو الأنفاق وركبت القطار الذي يؤدي إلى الحي الجامعي. كانت تحس باختناق في صدرها وصورة لوتشو وهو ملطخ بالدم لم تفارق عينيها. ترى الركاب ينظرون إليها. أحست بعداء وإشفاق عليهم في نفس الوقت. إنهم يسكنون في نيويورك، في أمريكا، في جهنم، في عالم الحرية المزيفة، في وهم عملاق، الدولار، الترف، السرعة، القتل، الاحتيال، النهب، السرقة، العنصرية، المخدرات، الخلاعة، الجنس الإباحي، إنها الحرية والحضارة الأمريكية. القطار لوتشو، مسكين لوتشو. مات لوتشو. نزلت غالية من المترو ومازالت تهذي في يقظتها وتبكي، وقفت أمام باب غرفتها تحاول فتح الباب بيدين مرتجفتين، تسمع صوتا يناديها. التفتت إنه أنطون.

_ هالو غالية ... بحثت عنك في المكتبة فلم أجدك.

أجهشت بالبكاء ...

_ ماذا بك يا صديقتي ... لماذا تبكين؟

_ لوتشو ....

_ ماذا به لوتشو؟

_ مات لوتشو ... مات لوتشو ... قتله المجرمون.

_ اهدئي وأروي لي بالتفصيل ماذا جرى؟

_ كيف أهدأ ولوتشو مات؟ وماذا سأروي لك؟ لا أعرف شيئا، لم أفهم شيئا، غيرت ملابسي، نزلت من السلم فإذا بي أرى الموظفين يحومون حوله ويصرخون مات لوتشو ...

_ مهلا غالية لم أفهم شيئا. لا أستطيع استيعاب ما تقولينه. غيرت ملابسك، نزلت من السلم، مات لوتشو. أين كنتما؟

_ أين سنكون؟ في المطعم الإيطالي الذي نشتغل فيه. لم أستطع أن أرى جثة لوتشو هامدة على الأرض تركته ملقى والموظفون من حوله. لا أعرف أي شعور كان يعتريني تلك اللحظة. لم أر قط ميتا في حياتي ومطعونا بالسكين.

_ اهدئي سأذهب لأتفقد الأمر.

_ لا تتركني وحدي ... إنني خائفة ...

_ خائفة من ماذا ؟

_ من كل شيء.

_ لن أتركك سأتصل هاتفيا بالمطعم لأتفقد الأمر. سأرجع إليك حالا.

تركها في غرفتها، أحسست بوحدة قاتلة، تنظر إلى جدران غرفتها وخزانة كتبها وسريرها، إلى زوايا الغرفة وتبكي تراها كزنزانة في الحي الجامعي، في نيويورك، في أمريكا. رجع أنطون بعد نصف ساعة تقريبا والفرحة على وجهه.

_ غالية، لوتشو لم يمت. إنه في المستشفى. غدا سنزوره.

فتحت عيناها المغرورقتان بالدموع وقفت بسرعة واتجهت إلى أنطون تقبله فرحة.

_ لوتشو لم يمت. لوتشو على قيد الحياة. كيف أردّ لك هذا الجميل

_ هل أنا الذي أنقذته؟ إنها مشيئة الرب.

_ أعني.... إنك طائر الأخبار السارة... إنك ... إنك ...

أجهشت بالبكاء.

_ لا تقولي شيئا يا غالية اشكري الله.

غادر أنطون غرفتها أما هي فاستلقت على سريرها تحاول أن تنسى ذلك المشهد. ما كادت تغمض عينيها حتى سمعت طرقا على الباب فإذا بها تسمع صوت إنجل

ـ افتحي يا غالية ليس هناك من أتحدث إليه سواك.

وبمجرد أن فتحت الباب حتى حضنتها وهي تبكي. دهشت لمنظرها الذي كان يرثى له.

ـ صديقاتي يا غالية. كنت معهن في حفلة عيد ميلاد. شاب يقرب إيميلي قدم لي كأسا من النبيذ ولم أشعر بنفسي إلا عندما فتحت عيني، عارية في سرير وأمامي رجل يمسك ملابسي بإبهام وسبابة يديه متأففا، صارخا في وجهي: أخرجي من بيتي أيتها الغانية وإلا ناديت الشرطة. لم يكن في البيت أحد إلا ذلك الرجل وكأن الأرض بلعت كل من كان في الحفل.

جلست على الأريكة ترتعش وتبكي. جلست غالية بقربها تهدئها. نظرت إليها والدموع تنهمر كالسيل من عينيها. أخرجت صورا من حقيبتها وضعتهم على المائدة وقالت بحدة.

_ أنظري ما حصل لي. لم يكتفوا باغتصابي، بل صوروا جرمهم ولا أستطيع إبلاغ الشرطة خوفا من أبي. لا أعرف ماذا أفعل. لا أعرف. غالية إنني أحترق، أتألم، أحس نفسي أداة رخيصة، أحس بتأفف من جسمي الذي استعمله الأوغاد وكأنه كرسي الحمام. أنا ... أنا ...لا شيء ... أصبحت لا شيء ...

كانت تبكي بألم وغالية مذهولة حزينة لما تسمعه.

ـ كم تمنيت أن أذهب إلى الشرطة الآن وأبلغ عنهم. لكنني، لا أستطيع. سيؤثر ذلك على أبي. إنه مرشح لمنصب سيناتور. حتما إن علمت الصحافة بالخبر ستنشره وذلك طبعا ليس في صالح والدي.

ـ هل وظيفة أبوك أهم مما حصل لك الآن؟

ـ غالية أعرف والدي جيدا. أبي منغمس في عمله السياسي وأمي دائما مشغولة عني بالسفر وبعلاقاتها الاجتماعية.

شهقت بالبكاء وأضافت بصوت مخنوق لا أتمنى في هذه اللحظة إلا أخي هو الوحيد الذي كان صديقي. مات في حادثة سير. كان ناقما على أبي، ركب سيارته، كان مخمورا مات ومات من صدفهم بسيارته. فاجعة حتى الآن تحرق قلبي. إنني أحس بالوحدة القاتلة لذلك انسقت مع من حسبتهن صديقاتهن.

ـ الصديق يا انجل هو من يصدق العهد والوفاء. يمكنك أن تعتبرينني صديقة وأختا.

ـ سامحيني جالية، نحن اللواتي كنا نلقبك أحيانا بالراهبة وأحيانا أخرى بالمكبوتة.

كان وجهها شاحبا، ابتسمت إليها وربتت على كتفها، مقترحة عليها أن تنام في سريرها. وبمجرد ما أن استلقت على السرير حتى خلدت للنوم كطفل الصغير. كانت غالية تتأملها وتحدث نفسها المتوجعة لهذا العالم المليء بالظلم أينما حل الإنسان أو ارتحل. إن كانت هذه الفتاة وجهت بالطريقة الصحيحة من طرف والديها ما كان حدث لها ما حدث. ولو كان والداها قريبين منها، صديقين لها لما حصل لها ما حصل. كم كان قلبي يعتصر لحالها، ولحالي، للكثيرات اللواتي يذهبن ضحايا المجتمع الذي لا يرحم.

ــــــــ 0 ــــــــ

انتهى الفصل الدراسي الثاني ورجع لوتشو إلى حياته الطبيعية وإلى الجامعة. توطدت علاقتي به أكثر فأكثر. لم يعد يستفزها بكلامه ولم يعد يمزح معها ذلك المزاح الثقيل وكانت تحس بسعادة لا توصف لنجاته من الموت. زارها في غرفتها ومعه أنطون. وأخيرا رجع لوتشو إلى أصدقائه لا تعرف ماذا كان سيحدث ولو مات ربما كان ذلك البصيص من الآمال الذي يرفرف في قلبها سيموت معه.

_ هالو my friend girl جئت لأسلم عليك ما رأيك في أن نخرج إلى المدينة ونتجول قليلا، تتعرفين أكثر على معالمها.

_ شكرا إنها فعلا فكرة جيدة ...هيا.

ودعنا أنطون واِنطلقنا إلى مترو الأنفاق، أوصلنا إلى مركز مدينة نيويورك، أمشي بجانبه، لم يترك يدي تتحرر من يده. نضحك ونمزح، أطير فرحا وبراءة، نقطع إشارة المرور، نركض كمراهقين على أبواب الزواج وربما ليلة الدخلة. يا إلهي لماذا تلاحقني فكرة ليلة الدخلة وكأنها كابوس النهار والليل،كابوس يلاحقني ولو في هذه النيويورك. تنهدت قائلة: نيويورك... التفت إلي وهو يبتسم ...

_ نيويورك ...

_ نيو يورك مدينة جديدة بمعنى الكلمة ... تشع بريقا وتألقا ... جديدة ... New ولكن لماذا يورك؟

_ لا أدري ... هكذا عرفتها Newyork ...

أرادت أن تستعمل معلوماتها البسيطة رغم عدم تأكدها منها، فقالت له وهو يسحبها نحو مباني الأمم المتحدة:

لوتشو يا جاهل. يورك نسبة إلى عائلة يورك الملكية البريطانية. ألم تكونوا مستعمرة بريطانية أيها الأمريكان المفترين على العالم الآن!

_ آوه ...جالية ... ماقلته قريب من المنطق. أعني يمكن أن يكون صحيحا. يورك العائلة الملكية البريطانية في القرن الخامس عشر ولكن تذكري أننا طردنا الإنجليز. صحيح أنها دولة عظمى لكنها تدور في فلك السياسة الأمريكية، وتتبعنا كما يتبع الكلب الوفي صاحبه.

_ لوتشو ما قلته صحيح فعلا. ألم تسمع في بريطانيا كلبكم الوفي بمدينة Yorkshire وبالنسبة لها يسمونه الكعكة Yorkshire pudding وعندهم كلب إنجليزي مشهور أكثر من شهرة بريطانيا العظمى اسمه Yorkshire terrier كلب قصير القوائم، طويل الجسم، حريري الشعر.

_ جالية لماذا معلوماتك ودخلا مبنى الأمم المتحدة ... غزيرة عن الإنجليز وكلابهم؟ لا تواصلي الحديث في الموضوع، فيسمعك مندوب بريطانيا في مجلس الأمن، فيستدعيك للتحقيق، وربما يقيم تحالفا بقيادة أمريكا ضدك.

_ لا تخف لوتشو أليس بلادكم رمزا في العالم بأسره لحرية الرأي والتعبير في العالم، ثم أني لا أخاف إن كان ذلك التحالف بقيادة أمريكا فنحن في المغرب من أصدقاء أمريكا المقربين.

كانا يمشيان جنبا إلى جنب والفرحة لا تسع قلبها. لوتشو ينجو من الموت ويرجع إلى الحياة وإلينا. تعودت على مزاحه. تنظر إليه أحيانا وأحيانا أخرى إلى شوارع نيويورك هذه المدينة المتألقة ببناياتها الضخمة. ناطحات سحاب تعانق السحاب فعلا. عند مرور بعض السحب والغيوم المنخفضة لا تشاهد طوابقها العالية. مترو الأنفاق عالم قائم بذاته. محطات تحت الأرض تغص بآلاف المسافرين كل دقيقة، وفيها دكاكين وأكشاك صغيرة، مطاعم كبيرة، تلتفت يمينا وشمالا، تنظر إلى المارة، تتأملهم، يبحلقون في وجهها وجسمها. لوتشو يعلق مجاملا: لأنك شابة وجميلة وهي تحاول تصديق ذلك ولكن تطرد هذه الفكرة للحظات وتقول له: ربما وربما لأن وجهي ليس أشقرا مثل وجوهكم يضحك ويقول: لا أعتقد فعندنا الملايين من الأمريكيين من أصول إفريقية ومنهم آلاف الجميلات المتزوجات من أمريكيين شقر ومنهن آلاف المشهورات في عالم الفن والموسيقى وعروض الأزياء هل سمعت بمايكل جاكسون إنك أكثر بياضا منه. سحبها من يدها، نقطع إشارة المرور ...

_ لوتشو ...أنا جائعة ...

_ جائعة لي ...

_ بدأت في المزاح الثقيل ...

_ جائعة للطعام.

_ ما رأيك في أن نتغذى بإحدى المطاعم المجاورة؟

_ المهم لا تكون expensive ... لأنني لست ثرية كما تعتقد وكما تناديني.

_ غالية يمكنني أن أبحث لك عن عمل ...

_ لا يا لوتشو ... لن أشتغل بعد ما حصل لك ما حصل ...

_ ماذا حصل ... لم يحصل شيئا ...

_ طُعنت بالسكين وكنت ستموت وتقول لي لم يحصل شيئا.

_ إنها نيويورك يا غالية. هنا الإنسان يتعرض لأي شيء. طعنة بسكينة، طلقة بالرصاص أو ...

_ لا تكمل ... هذه ال نيويورك وكل أمريكا بلد مخيف. بلد الرعب والإرهاب وأنا التي رسمت لها صورة مثالية في ذهني. أحيانا أفكر وأتصرف بغباء.

دخلا مطعما من سلسلة مطاعم Mcdonald الشهيرة في عالم ساندويتشات الهامبرجر. أخذا ما يريدان من الساندويتشات وشرائح البطاطس والكولا، وجلسا في زاوية تعج بالمدخنين والمدخنات. تذكرت الإمام سلطان وقالت في مخيلتها: آه ... والله لو رآكن سلطان، لأطفأ السجاير في جباهكنّ.

وهما يأكلان ويشربان الكولا سألها لوتشو:

_ هل تعرفين مصدر اسم Mcdonald ؟

_ لا ... لم أفكر في ذلك سابقا ...

_ سأعطيك معلومات، كما أعطيتني عن اسم نيويورك... وأردف مازحا:

_ جالية ... يا جاهلة اسم عائلة أمريكية، هي أول من فكرت في الأكلات الخفيفة السريعة وفتحت أول مطعم من بداية القرن العشرين، ثم انتشرت مطاعمها داخل أمريكا وخارجها. وهي الآن عشرات الآلاف من المطاعم تحمل نفس الاسم ... أما Hamفهو بمعنى لحم و Burger تعني شريحة أي الساندويتش المكون من شريحة مقلية أو مشوية ... هل فهمت يا جاهلة؟!.

_ مايكل أنت الجاهل ليس فقط باسم مدينتك ولكن بأشهر أكلاتها.

_ نعم، أتحفينا بمعلوماتك يا تحفة المغرب!

_ اسمع يا عبقري الأمريكا. Ham هو حام في اللغة العربية، وهو أصغر أبناء نوح. وبورغر صحيح تعني شطيرة ... ولكن مع بعض Hamburg، فالسبب في التسمية عائد إلى أن أول من صنع هذا النوع من الساندويتشات، كان مواطنا ألمانيا من مدينة Hamburg، فسماه على اسم مدينته. ضحك لوتشو وهو يبلع آخر لقمة وقال:

_ تفسير stupid and cheep

عند وصولهما إلى مقر سكنهما في المدينة الجامعية، استوقفها لوتشو وسألها:

_ هل تنامين عندي في غرفتي أم أنام عندك في غرفتك؟

_ لا هذا ولا ذاك كل ينام في غرفته.

_ لأنني لا أرتاح إلا وحدي في غرفتي.

_ هل تخافين مني ... هل سآكلك ... لم يعد في المدينة ديناصورات!

_ لا أخاف منك ... لكن ديننا يحرم علينا ذلك ...

_ لا تكملي تعيشين في تقاليدكم أم في نيويورك ...

_ لا أعيش في نيويورك ولكن تلبسني تقاليدنا ...

_ آسف ... سؤال أخير: هل يمكن في تقاليدكم أن تتزوج الفتاة المسلمة من شخص مسيحي مثلي.

_ لا ... المسلمة لا تستطيع حسب تقاليدنا، وغير مسموح لها الزواج من مسيحي، ولكن الرجل المسلم مسموح له الزواج من امرأة مسيحية ...

_ لماذا هذه التفرقة ... دينكم عنصري ... دين رجالي ...

_ لا ... لوتشو ... ديننا ليس عنصريا، فهو لكل المؤمنين والمؤمنات من كل الألوان وهو للذكور والإناث ولكن في هذه النقطة، ترى تقاليدنا أن المرأة في الغالب تابعة لزوجها، فإن تزوجت المرأة المسلمة من رجل مسيحي، يظل واردا إجبارها وإكراهها على ترك دينها الإسلامي، والالتحاق بدين زوجها المسيحي، وهذا عندنا ارتداد عن الدين، يفسر البعض عقوبته بالموت. أما إن تزوج الرجل المسلم من إمرأة مسيحية، فهو لا يجوز له أن يجبرها على ترك

دينها مسيحيا كان أم يهوديا، والالتحاق بالإسلام: إن آمنت واعتنقت الإسلام طوعا، فهذا مكسب للإسلام. وأذكر أن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، من ضمن زوجاته واحدة مسيحية وثانية يهودية.

_ هذا موضوع طويل يا لوتشو نتحدث فيه غدا ... متعبة ... سأذهب لأنام

_ عندي في غرفتي ...

_ لوتشو بعد كل هذه المحاضرة، وتسأل: عندي في غرفتي؟ لا ... وحدي في غرفتي مع السلامة، تصبح على خير.

وبمجرد ما أن وصلت إلى غرفتها حتى تفاجأ بإنجل الذي كان منظرها نحيلا جدا ووجهها شاحبا وعينيها جاحظتان حتى كادت أن لا تعرفها. كانت تبكي:

ـ أحتاجك يا جالية إنني في أمس الحاجة إليك. أعرف أنني اختفيت عن الجامعة وابتعدت عن كل من أعرفهم وذلك ليس بيدي. لقد كنت في المستشفى. لم يعد لي أمل في هذا الوجود. كل من كنت أعرفهم ويتقربون مني أصبحوا يبتعدون عني حتى أنطون صديقي الحبيب، تركني. لم يعد لي أحد ... آه... يا جالية! حتى والداي، ينظران إلي شفقة.

ـ ما بك انجل ... ما الأمر ....!؟

ـ إنني مصابة بعدوى الإيدز

بمجرد ما سمعت كلامها حتى أصبت بدوار في رأسي، وبرعب في قلبي، بنفور من هذه ال أمريكا، بخوف من الاقتراب منها، بظلام من حولي، بكابوس سري الخطير الماثل أمامي، بسكين أبي مغروسا في صدري، بشبح انجل يتمايل أمامها، بروحها المكتظة بالفراغ. كيف تواسيها وهي بداخلها رعب وخوف من مرضها الذي لم تسمع عنه إلا في وسائل الإعلام. كانت ترتعش تحاول أن تضبط نفسها التي لم تعد تحتمل الصدمات. لا بد أن أكون حذرة لكي لا ألفت نظرها بأنني خائفة. لابد أن أقف بجانبها مهما كلف الأمر. هكذا علمني ديني، أن أقف مع المحتاج كان مسلما أو غير مسلم ...

ـ تفضلي انجل أنا معك وسأظل بجانبك. ألم أقل لك أني أصبحت صديقة وأختا؟

نظرت انجل إليها بعينين غائرتين ينمان على الاطمئنان إليها.

ـ إنني أعيش في حالة نفسية سيئة جدا ... إحباط ... ويأس ... وفقدان الأمل في الحياة.

لم تكن غالية تعرف ماذا ستقول لها ولا كيف ستواسيها، ليس عندها إلا أن تقول لها ما يسعدها هي وما يواسيها. ربما تسعد هي أيضا وتتحلى بالصبر.

ـ اسمعي يا انجل الرجوع إلى الخالق هو الحل الوحيد في الكون لحالة اليأس وهو الذي يستطيع أن يخفف من آلامك وحزنك. بحب الخالق ستساعدين نفسك على تحمل الألم والصبر على المرض. لأن رحمته وسعت كل شيء.

سألتها بخوف ورجاء: ساعديني يا غالية. أتوسل إليك، فأنا فأعيش جحيم ضميري الذي يعذبني على تصرفاتي التي أدت بي إلى ما أنا عليه.

ـ اسمعي أيتها الأخت الحبيبة. عندما تعلمين أن الصبر والألم على المرض له ثواب، كما أن ما من مؤمن بالخالق شاكته شوكة واحتسب هذا الألم البسيط جدا عنده إلا وأحس بطمأنينة في نفسه وروحه. فما بالك بإنسان، تعيش مع مرض قاتل، مؤلم، يفقد الإنسان أمله في الدنيا.

واستحسنت الفضول انجل أن تعرف المزيد وقالت:

ـ لم أر أحدا يمنعك أن تمارسي الجنس وتمارسين الأشياء التي نمارسها نحن كشرب الخمر والسهر في الملاهي. إنني لم أر معك رقيبا أو أي مانع يمنعك عن ذلك.

_ إن الإيمان بالخالق يزرع فينا الضمير الإنساني الذي يمنعنا من ارتكاب الخطأ.

_ لكن الحياة هنا فيها المتعة وأنت تمنعين نفسك منها.

ـ الإيمان بالخالق ومرضاته بأن أمنع نفسي من المتعة وإن كان فيها العذاب النفسي. وهناك صراع بيني وبين شهوتي ورغبتي إلا أن هذا الصراع وهذا العذاب الذي محصلته ألا أفعل الخطأ ولا أتبع شهواتي ورغباتي تكون فيها سعادتي.

ـ لكن لماذا يحرم دينكم الجنس إلا مع الزوج؟

ـ أغلب الأديان ترفض الجنس الغير الشرعي. عندما يكون الجنس مشاعا بين الرجال والنساء يؤدي إلى الأمراض القاتلة.

ـ أليس دينكم يكبت حرية الإنسان؟

ـ الحرية دون وجود الأخلاق والمبادئ تؤدي إلى انتهاك الحرية الحقيقية. لكن الحرية بالمفهوم الغربي، ليس هناك شيء يردع المرأة من السهر وممارسة كل ما هو عاقبته وخيمة باسم الحرية. لكن، هذه الحرية التي ليست منضبطة بالأخلاق والمبادئ تؤدي إلى انتهاك حرية أعظم من حرية حركة المرأة وحرية اختيارها لسلوكها، فتنتهك حرية إنسانيتها ويُعتدى على حرية وجودها، تُنتَهك حرية حقها في ألا تعطي جسدها لأي إنسان فتكون النتيجة الاعتداء وأخذ منها هذا الحق عنوة وقهرا واغتصابا.

تأثرت انجل من كلام غالية واقتنعت أن العلاج الوحيد لحالتها هو الرجوع إلى الخالق الذي وسعت رحمته العالمين.

ـ هل تعرفين يا انجل لماذا وقفت إلى جانبك؟ ألم تسألي نفسك لماذا أنا الوحيدة التي وقفت إلى جانبك ولم أخف منك ولم أتخلى عنك. أنا مثل كل الناس لماذا لم أخذ منك موقفا كباقي أصدقائك وحتى أقرب الناس إليك، أهلك. تعرفين يا انجل لماذا! لأن الإيمان القوي بالخالق يجعل قلوبنا نقية كريمة تقف إلى جانب المحتاج وألا نتخلى عنه ومد يد المساعدة له.

رجعتانجل إلى الخالق بعدما كانت بعيدة عنه فأصبحت تعيش حياتها بشكل طبيعي ولا تفكر بالانتحار أو نقل المرض للغير انتقاما. شعرت غالية بسعادة لا توصف، حيث أنها استطاعت أن تجعل من صديقتها اليائسة تحب الحياة. أخبرت غالية أباها بقصةانجل الذي ردّ عليها في رسالته.

إلى ابنتنا البارة غالية

إلى غاليتي ....غالية النفس والأحوال شاهدة ... بأنك تبلغين المنى وما تردي ...

كم فرحت لسماع خبر هداية تلك الفتاة ... اعلمي أيتها البارة ...إن لك في ذلك أجرا من الله عظيم.

أنا لست مستغربا من رجوع تلك الفتاة إلى طريق الرحمن. لأنني اعرف من هي ابنتي وأعلم تربيتي لك التي لم تذهب سدى. بك أفتخر يا قرة العين ورضاي عليك أينما حلّيت وارتحلت.

أبوك سلطان

فرحت غالية جدا برسالة أبيها. فرحة منتقصة أعادت إليها ذلك الحزن المكتوم الذي يسكنها وذلك الرعب من السر الخطير، الذي لا يفارقها ليلا أو نهارا. غالية التي أصبحت الآن تخفف آلام الناس والتي استطاعت أن تخرج انجل من آلامها، لكن من يستطع أن يخرجها من مأساتها؟ من يستطع أن يعيدها إلى بيتها ووطنها دون أن تخاف من يوم الزواج، اليوم الذي ستلقي فيه حتفها.

ـــــــ 0 ــــــ



بدأ الفصل الدراسي الثالث بسهولة ويسر بالنسبة لها لغتها الإنجليزية بلكنتها الأمريكية أصبحت متقنة مِطواعة. لها أصدقاء وصديقات عديدون من جنسيات مختلفة. تعرفت بشكل دقيق على مرافق الجامعة وأصبحت تعرف أكثر عن تفاصيل مدينة نيويورك. كانت أوضاعها المادية تزداد ترديا، اقترح عليها أنطون أن تشتغل معه.

_ أنطون ... لا أصدق أبوك يعمل سفيرا هنا وأنت تشتغل.

_ ما الغريب في ذلك؟ العديد من الطلبة والطالبات الأمريكان، يعملون ساعات في اليوم قبل دوام الجامعة أو بعده ليلا وفي أيام العطل أعمالا مختلفة، غسل الصحون في المطاعم، تنظيف الغرف وحمل حقائب الزبائن في الفنادق، غسيل السيارات، توصيل طلبات الأكل من المطاعم إلى المنازل، تنظيف شقق وبيوت الميسورين من الناس، أعمال في عُرفنا وضيعة، يخجل منها حتى الفقراء. أعمال عادية لا يخجل منها أبناء الميسورين هنا في نيويورك.

_ لكن أنت لست أمريكيا.

_ اسمعي يا صديقتي الغالية هنا نادراً ما تجدين شابا أو فتاة تجاوز العشرين عاما من عمره ويعتمد على أهله أو عائلته اقتصاديا. يأخذون قروضا من الحكومة ويدرسون وعندما يتخرجون ويعملون، يبدأ ون في تسديد القروض بالأقساط أو يعملون ليلا ويدرسون نهاراً. إنهم يضحكون من أعماقهم عندما يعرفون أن غالبية طلاب المشرق والمغرب من العرب، تجاوزوا العشرين والخامسة والعشرين عاما، ويدرسون في إل أمريكا هذه، على نفقة أهلهم وعائلاتهم وبعضهم يحضر للدراسة مع زوجته وأطفاله ويأتيهم مصروفهم ونفقاتهم من أهلهم. هذه الأمور عند شعب العالم الجديد من أدب الخيال أو أدب اللا معقول!

ساعات طويلة تفكر، تتأمل في عاداتها وعاداتهم، تقاليدها وتقالديهم. لماذا نحن إتكاليون وهم منتجون؟ لماذا هم يتقدمون ونحن نتخلف؟ يا الله كم هي كارثة! عدة قرون مضت وما زلنا نعيش على أمجاد الماضي ومن يبعث هذا الماضي وقد أصبح في ذمة التاريخ. ماذا يفيدنا التغني بتلك الأمجاد؟ آه ... يستطيع هذا الغرب أن يُعيد حياتنا للعصر الحجري إن هو أوقف تصدير منتجاته وصناعاته لنا. تخيلت الكارثة الحقيقية، هذا الغرب يستطيع خلال ثلاثين عاما أن يجعلنا قطعانا من الأميين إن أوقف عنا صادرات ماكينة الطباعة والحبر والورق. حتى قرآننا الكريم يطبع على آلات طباعة غربية. كيف كنا سنتداول هذا القرآن، لو أوقفوا عنا آلات الطباعة وهل هي هذه الكارثة فقط. فنحن مجتمعات تعيش في الكارثة في أغلب ميادين حياتها. حتى الخبز أغلب دولنا تعتمد على القمح الأمريكي والكندي والأسترالي. لماذا أصبحنا مجرد أفواه تأكل وآذان تخاف من كلمة الحق.



ـــــــ 0 ــــــــ

انتهى الفصل الدراسي الثالث. تمكنت من اللغة الإنجليزية/الأمريكية. زادت معرفتها بالمجتمع الأمريكي من الداخل. لها أصدقاء كُثر من جنسيات مختلفة. أمريكان، إنجليز، برازليون، لبنانيون، أمم متحدة. ألست فى نيويورك ملتقى أحلام البشر؟ لا بد من البحث عن عمل إن رغبت فى الاستمرار في دراستي الجامعية. وضعي الاقتصادي يزداد تدهوراً، كاقتصاديات العالم الثالث عشر. سألت أنطون:

_ أين أشتغل ...

_ معي في مطعم لبناني ...

_ مطعم! لم أعد أرغب في العمل بالمطاعم بعد الحادثة التي تعرض إليها لوتشو.

_ لا تخافي أولا هذا المطعم لا يوظف أناسا من غير إقامة كما أن كل المشتغلين هناك لبنانيون من حملة الجنسية الأمريكية.

ذهبا إلى المطعم اللبناني. مطعم أنيق، شرقي، عربي أحست وكأنها في بلد عربي أو في لبنان صوت فيروز العذب يرن في أرجاء ذلك المطعم. ذهب أنطون يتكلم مع صاحب المطعم بشأن توظيفها. كانت تنظر إلى الزبائن أغلبهم عائلات عربية ولبنانية أحسست وكأنها في المغرب. المغرب، شعرت بالحنين إلى ذلك البلد الذي ولدت فيه وترعرعت، وبالحنين إلى أهلها وخصوصا عمتها صفية. إنسان لا يمكن أن تنسى. كانت لها عمة وخالة وأب وأم. كانت خط دفاعي الأول والأخير، أمام هجمات والدتي وغارات والدي. أحيانا كثيرة بنظرة واحدة منها، يتوقف والدها عن هجومه الشرس عليها. وأحيانا تلوي يد أمها وتبعدها عنها قبل أن تمتد يدها نحوها. قطعت شريط ذكرياتها، مع وصول النادلة بابتسامتها قدمت لها كوبا من العصير وانصرفت. رجع أنطون ومعه صاحب المطعم.

رجل أشقر طويل في الخمسينات من عمره ممتلئ الجسم، نظر إليها أنطون وقال: السيد إلياس صاحب المطعم. صافحته وجلسا حول المائدة. ثم دار النقاش بينهما حول سياسة لبنان وهي تستمع إليهما وتتدخل رغم جهلها في سياسة البلد مستعرضة معلوماتها البسيطة. بعد ساعة تقريبا نهض صاحب المطعم من مكانه مبتسما وقال:

_ غالية مرحبا بك عندنا وغدا تبتدأين في عملك.

_ ما نوع العمل الذي سأقوم به؟

_ ستشغلين نادلة فالمطعم يحتاج لفتيات جميلات وفي سنك.

شكرته خجلة وغادرت المطعم. كانت سعيدة بهذه الوظيفة التي ستحسن شيئا ما من أحوالها المادية.


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-11-13, 07:15 AM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 الفصل الخامس عشر الجزء 3

الفصل الخامس عشر الجزء 3

في صباح اليوم التالي وكان يوم الجمعة بعد انتهاء المحاضرة ذهبت مباشرة إلى المطعم. كان يعج بالزبائن عربا وأمريكان. كانت مرتبكة خجلة لكنها استوعبت بسرعة طريقة العمل. في الساعة السابعة قدمت مجموعة من الشبان يرتدون زيا موحدا، حاملين آلات موسيقية في أيديهم سألت إحدى النادلات عن أمرهم فقالت إنه الفرقة الموسيقية التي تعزف الموسيقى أيام الخميس والجمعة والسبت. بدأ العزف والطرب والغناء ثم دخلت بعد ذلك راقصة من باب المطعم بفستانها شبه العاري وجسمها الأبيض الفتان يظهر أجزاءه من كل فتحة في الفستان ... ترقص ورواد المطعم يصفقون وينظرون إليها بشهوة وإعجاب لرشاقتها وخفتها وجمالها ورقصها والنساء كن ينظرن إليها بإعجاب وامتعاض. وغالية تلتفت يمينا ويسارا خجلة وخطب سلطان وتهديده بجهنم يلاحقها أينما حلّت حتى لو سكنت في داخل ... في جوف تمثال الحرية ... فالحرية ... ليست مجرد كلمة...فكرة ... إنها قناعة أولا، ثم تصبح ممارسة وسلوكا. فهل هناك شاب ... رجل ... أب عربي لا يدّعي إيمانه بالحرية والديمقراطية؟ ولكن عند الممارسة يرتد أغلبهم إلى جاهليته الأولى. جاهليته الأولى كانت تئِد الأنثى فور ولادتها، لأنها خزي وعار. وجاهليته العصرية الحديثة تئد فكر الأنثى وعواطفها وأجزاء من جسمها، بظرها ولسانها. فماذا يتبقى منها؟ مجرد كائن حيّ يمشي على قدميه ولو شاء لو إستطاع الرجل العربي، لجعلها تمشي على أربع فهي عنده مجرد آلة لتفريخ عدد من الأولاد والبنات، ينشأون ضمن نفس الثقافة. الولد يكبر ليمارس جاهلية والده مع أنثى كبرت لتعيش معاناة والدتها. يا إلهي لو رآني سلطان أشتغل بمطعم نادلة... مليئة بالرجال والراقصة شبه عارية تحوم من حولهم تتغنج، حتما سيتبرأ مني. لكن ما ذنبي أنا؟ كل ما أريده هو أن أشتغل وأعتمد على نفسي والإستقلال بذاتي. أبني مستقبلي من غير تبعية وأؤمن مصروفي اليومي، والإستمرار في الدراسة، أو الدخول في متاهات، أخطرها العودة الإجبارية لجنة الإمام سلطان وجحيمه، ترغيبه وتهديده، والأخطر من ذلك العودة لعرضي في سوق الزواج الإجباري لأول طالب، فأنا بالنسبة لهم سلعة تقادم عليها الزمن، لا بد من بيعها قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها وكلما مرّ عام دون التمكن من بيعي، يتراجع عدد المشترين. أساساً الإقبال على سلعتي ما عاد كالسابق. ألم أتجاوز سن العشرين؟ إن السن المثير للمشترين هو ما بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة ... السلعة. الفتاة غضة طرية ... نضِرةُ مثيرة ... لا تستطيع النظر في عيني المشتري ... تفهم حاجته ورغبته، وهو فارس من فرسان العرب، يحرثها كيفما أراد وعندما يصل إلى غايته، يتمدد قربها نائما يعلو شخيره إلى السماء السابعة ولم يخطر على باله مجرد التفكير، هل هذه السلعة البشرية، حصلت على غايتها، وصلت إلى متعتها أم لا. ولماذا يفكر؟ هل هو فكّر أساسا أن لها حاجة للذة والرغبة والإثارة والمتعة مثله؟ هي بالنسبة له جهاز للاستقبال ... سوائله وحيواناته المنوية وكافة أنواع زبالته وعليها احتضانها وتفريخها أطفالا لا حصر لعددهم. لا يفكر أساسا هل هو قادر على إعالتهم بمستوى حياتي كريم أم لا؟ هل هو قادر على تعليمهم أم لا؟ فهم عنده أيضا مجرد عدد، يتباهى به وإن كانوا ذكورا فهذا أفضل. والوضع في حالة سلعتي محفوف بالمخاطر. فما أدراني ما هي تلك النقاط الحمراء التي شاهدتها على لباسي الداخلي وأنا في سن السادسة تقريبا؟ هل هي من دماء غشاء البكارة الذي كلما أتذكره أصاب بالغثيان والدوار. الآن وأنا حرة في التفكير في هذه الأمريكا ومن قراءتي للعديد من المجلات العلمية، عرفت أن هناك فتيات ينزفن دما من ذلك المكان، دون أن يمسهن أحد، أو يعبث أحد ببكارتهن. ولكن من يصدّق ذلك في منزل السلطان ... الإمام سلطان ومحيطه، كيف يصدّقون ما قرأته أن بعض الرياضات، كركوب الخيل من الممكن أن تُفقد الفتاة غشاء بكارتها ويسيل دم هذه البكارة على ملابسها الداخلية. وربما تدري وربما لا تدري. كيف يصدّق الإمام سلطان، وهو الذي يتغنى ليلا ونهارا بالحديث علّموا أبناءكم ركوب الخيل ... كيف يصدّقون ما قرأته في كتاب علمي متخصص لأساتذة ثقاة، أن هناك فتيات يلدن ... يخرجن من بطون أمهاتهن بدون غشاء بكارة؟ نعم بدون غشاء بكارة ويستطيع الرجل إيلاج سلاحه فيهن، مرارا وتكراراً دون أن تسيل نقطة دم واحدة. نقطة دم حمراء، ذلك الدم الذي يتعطشون لرؤيته في تلك الليلة التي أصبحت مثار رعب للفتاة العربية والمسلمة. كيف يصدقون ذلك؟ فهم متعطشون للدم، يدافعون عن الشرف، والشرف عندهم هو ذلك الغشاء الذي يفضه قضيبهم بمجرد لمسة. هذا هو الشرف ومئات الآلاف من الفتيات السلع يقتلن كل عام لغسل الشرف، للدفاع عن الشرف ولهم مآرب أخرى. إذ أثبتت تقارير الشرطة أنه في العديد من الحالات، كانت المغدورات عذراوات. نعم ما زال غشاء بكارتهن مكانه، يحمي ما خلفه من نفق. نعم لم يلجهن واحد من الذكور ولم يسعد قضيب بإسالة دمهن. كيف يصدقون؟ سوف تقتلني هذه الهواجس. تلك الصور البشعة التي تطاردني، حتى وأنا في أمريكا. ركبت الحافلة متوجهة إلى الحي الجامعي مسافرة في أفلام رعبي هذه وكأن ألفرد هيتشكوك عرّاب حياتي. توقفت القافلة أمام بوابة الحي الجامعي فإذا بي ألتقي أشاهد لوتشو منشغلا في الحديث مع شاب أسمر اللون يبدو أنه عربيا، سمين، كبير البطن.

وسيارة ليموزين مليئة بالفتيات تقدم إلي لوتشو وسحبني من يدي.

_ أعرفك على زميل معنا في الجامعة يدرس العلوم التجارية. رامي من السعودية.

_ أهلا رامي ... اسمي غالية ...

_ الأخت مغربية ... أليس كذلك؟

_ نعم ... لم أتشرف بمعرفتك من قبل ... أعني لم أراك من قبل في الجامعة ...

قهقه بصوت مجلجل وقال: ما رأيك في أن تذهبي معنا إلى فندق الهوليداي ...

كنت أنظر إليه مستغربة وأنظر إلى سيارته ليموزين مليئة بفتيات شقراوات.

_ فندق الهوليداي ... لماذا؟

نظر إلى لوتشو ثم إلي وقال: اليوم الجمعة ...

قاطعه لوتشو موجها كلامه إلي:

_ أنطون وإيملي وباقي الأصدقاء ينتظرننا بالفندق.

_ لا أستطيع لوتشو ... شكرا على دعوتكما لكنني متعبة وأحتاج إلى قسط من الراحة.

اقترب مني ووضع يده على كتفي وقال:

_ غالية ... لا أعذار هذه الليلة ... لأنها ليلة مميزة لنا كلنا ولست مضطرا لأشرح لك السبب؟

_ بدأنا في الاستفزازات، شكرا لا أريد أن تشرح لي شيئا فقط دعني أذهب إلى غرفتي لأنام هل فهمت.

قال رامي: اقبلي منا هذه الدعوة فلست مضطرة للسهر معنا حتى الصباح. نحتاج إلى حضورك ساعة واحدة ونرجعك بعدها إلى الحي الجامعي.

تعجبت من إصرار هما ومن وجود أنطون بالفندق مع باقي الأصدقاء. إنهم يعرفون بأنني لا أحب زيارة الفنادق ولا السهر في الملاهي. لا أعرف لماذا طاوعتهم. جلست بجانب الحسناوات بتلك السيارة الفخمة ثم انطلقنا إلى الفندق. أشار لي لوتشو أن أنتظر واختفى مع رامي وحسناواته. جلست على كنبة فيما نسميه صالة الانتظار. متسائلة مع نفسي لماذا اختفوا ولم يصحبوني معهم. قطع علي وحدتي الموحشة أنطون ولوتشو وباقي الزملاء، الذين عرفت بعضهم، وبعضهم كانت المرة الأولى التي القيهم. كل يحمل هدية في يده، ينشدون أغنية عيد الميلاد ويهنئونني: سنة سعيدة. تأثرت كثيرا لتلك المفاجئة, فانفجرت أبكي ... اقترب مني لوتشو وهو يبتسم:

_ My girlfriend … أعني my friend girl هذا أقل ما أقدمه لك أيتها الصديقة الغالية.

طار النوم من عيني كما طار التعب. أحضر نادلين كعكة كبيرة مكتوب عليها Happy birthday Ghalia. لم أكن أصدق ما كان يحصل وكيف تمكن لوتشو من شراء هذه الكعكة الكبيرة، وأحواله المادية أكثر سوءا من أحوالي. لا تفكري يا غالية في هذا الأمر الآن. استمتعي بليلتك مع الأصدقاء. حمل بواب الفندق الهدايا كلها إلى سيارة ليموزين. طيلة السهرة نرقص حتى الساعة الثالثة صباحا ورامي كان كملك القرن الثالث عشر جالسا وحوله جواريه من الشقراوات الأمريكيات ومن حين لآخر كان ينظر إلي لم أستطع بعدها أن أكمل السهرة. استأذنت من الجميع وشكرتهم عن المفاجئة الرائعة التي ستبقى خالدة في ذهني وفي قلبي تبعني لوتشو ولحق به ملك زمانهرامي.

_ غالية سنوصلك إلى الحي الجامعي مثلما وعدك رامي.

لم أر قط رامي في الجامعة، ونحن في طريقنا كان يتحدث عن مغامراته مع الفتيات وكيف يتسابقن عليه ولوتشو يستمع إليه معجبا بثرائه وبسيارته وفتياته. شعرت بغيظ لحديثهما التافه قاطعتهما قائلة:

_ لم أرك قط في الجامعة يا رامي.

ضحك وحرك رأسه مستهزئا: ولماذا أحضر إلى الجامعة وأقيد نفسي بالمحاضرات فأنا لا أحتاج إلى ذلك.

_ ولماذا جئت إلى نيويورك أليس للدراسة؟

_ لا ... لا ... ليس للدراسة ولكن للحصول على شهادة من جامعة أمريكية.

_ لم أفهم ... كيف ستحصل ...

قاطعني قائلا: اسمعي يا غالية بالنقود يمكن للمرء أن يعمل المعجزات ومن ضمن المعجزات شراء شهادة الليسانس والدكتوراه أيضا.

_ لكنك سترجع إلى بلدك مثلما أتيت خالي الوفاض.

_ لا ... لن أرجع خالي الوفاض سأرجع بالشهادة.

وصلنا إلى الحي الجامعي كانت الساعة الثالثة صباحا. نزلت من السيارة ودعتهما. اتجهت إلى غرفتي لم أستطع أن أنام رغم تعبي: أطار النوم من عيني هذا الرامي الفارس السعودي وجواريه الأمريكيات يمارس كل أنواع الزندقة لكن عندما يرجع إلى بلده يتزوج فتاة طاهرة شريفة عذراء وإن لم تكن سيشهر هو وأهله كافة أسلحتهم البيضاء والسوداء، يدافعون عن الشرف. لا أعرف لماذا فكرة البكارة والشرف تلاحقني في كل مكان. تلاحقني في منامي ويقظتي، هذا الرامي سلطان زمانه وحسناواته الشقراوات يحرثهن كما يشاء. ولم لا فهو امتلكهن بماله وأصبحن له حلالا. ما كان في نيتي سوى الهروب من جحيمك وعصاك يا أبي وليكن ما يكون. إنما الأعمال بالنيات فأنا لا أريد إلا أن أشق طريقي، أكون حياة تليق بإنسانيتي. هذه الإنسانية التي هي منحة الخالق للبشر. ليتهم في مستوى تعاليم الخالق. نعم في مستوى إنسانية الإنسان أنثى أم ذكراً. ليتهم ... ولكن ماذا تنفع الأماني؟!

ـــــــ 0 ـــــــ

لم يعد عملي في المطعم مريحاً رغم كل التسهيلات والدعم الذي يقدمه لي صاحب المطعم. العمل بحد ذاته مريح، وعوائده المالية مغرية. أستطيع إكمال دراستي الجامعية والعيش براحة ومستوى جيد. لكن المشكلة في الزبائن لا يمر يوم دون أن يقطف مني أحد الزبائن قبلة، قبلتان رغم أنفي وينقدني مبلغا من البقشيش بالدولارات طبعا ودائما فوق العشرين دولاراً وحظي دائما يكون عليها صورة إبراهام لينكولن محرر العبيد. لماذا الربط بيني وبين الرئيس المبجل إبراهام لينكولن. لا أدري هل يعتقدون أنني مضطهدة وأحتاج لمن يحررني؟ ربما مضطهدة الآن في نيويورك أعاني اضطهاد رسائل الإمام سلطان والدي الغالي العزيز والاضطهاد الإستراتيجي هو إلحاحه عليّ أن أتزوج وهذا يعني عنده العودة إلى المغرب لعرض سلعتي من جديد ورغم اقتراب انتهاء صلاحيتي، إلا أن عودتي من الأمريكا الشقيقة العزيزة أمريكا، يعني الكثير عند شباب المغرب وهذا يُمدّد تاريخ صلاحيتي. فالفتاة في بلادنا لها تاريخ صلاحية كالطعام المحفوظ في المعلبات وهي تحتفظ في مكان ما من جسمها بذلك الجزء، تلك القطعة اللّحمية التي تحدد مستقبلها وشرف العائلة أيضا. لا أدري لماذا شرف العائلة مرتبط بصلاحية الفتاة ومحافظتها على بكارتها؟ الفتاة في الغالب إن فقدتها، تفقدها بسبب رجل فلماذا هو يظل بكراً صالحا للزواج لا تنتهي صلاحيته في حين الفتاة لم تعد بكراً، بسبب ذلك الغشاء الرقيق الذي أفقدها إياه رجل، شاب من بلادها وأحيانا ربما اعتداء من أحد أفراد عائلتها. ألم يكن معها حق تلك السيدة التي أطلقت صرختها منذ أربعة عقود، مُحاولة رد الاعتبار للفتاة وإعطاء الرجل الصفة التي يستحقها في تلك الحالة. لماذا نسمي الفتاة مومساً ولا نطلق نفس الصفة على الرجل؟ والله يا أطال الله عمرك معك كل الحق. إن كانت الفتاة أو المرأة تستحق لقب أو صفة مومس فشريكها الرجل يستحق صفة رجل مومس. هل أنتم مجتمع الرجال أعدل من الله تعالى؟ في نفس الحالة أطلق الخالق نفس الصفة على الرجل والمرأة، عندما خاطبهم بقوله " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد مائة جلدة" " الزاني لا ينكح إلا زانية" ليتهم يطبقون شرع الله، ويبحثون عن الرجل الذي أفقد الفتاة بكارتها. ذلك الرجل الذي مارس فحولته، وأخترق خط دفاعها. أليس شريكا معها في الجرم؟ آه متى ننال العدل ولماذا أثرثر كثيرا ومن يدري بما تخبئه الأيام؟ فرسائل الإمام سلطان تتلاحق، محذرة من بلاد الكفر وشرورها.

ذهبت إلى عملي في المطعم اللبناني لابد أن أتحدث مع صاحب العمل. أصارحه بانزعاجي من الزبائن وأطلب منه أن أشتغل بالمطبخ. وجدته مشغولا بالحديث مع شاب في الثلاثين من عمره يشبهه كثيرا. كان يحدثه بكل حرارة وحب

ـ إلى متى ستظل عازبا وحيدا ألا تريد أن تستقر كباقي إخوتك؟

ـ إنني أبحث عن الفضيلة، أبحث عن المرأة المحترمة ... المرأة التي لم تخض ولم تنزلق في هذا العالم المليء بالشهوات الإباحية. أين هي التي أبحث عنها ... أين هي التي تعرف ما معنى الحب وتقدره وتخلص له وتملك الحرية والأخلاق والمبدأ. إنني سئمتهن كلهن ... في هذا المجتمع الذي لايعرف الفضيلة ولا المبادئ ولا الأخلاق، وحيث الجنس مشاع. خال من الإحساس ... كل تسعى وراء تلبية رغبة معينة، وكل تجري وراء نقودي وإشباع رغباتها. فراغ ... وجفاف ... الأحاسيس ... وانعدام لتلك السلوكيات التي أريدها أن تكون في المرأة التي ستصبح أما لأولادي. أريد امرأة تتحلى بعذرية الأخلاق وتتصف بجمال القيم ... وتقدس كلمة الحب ... نظرت إليه ... إلتقت عيني بعينيه ... شعرت بانجذاب إليه ... ابتسم إلي ابتسامة دافئة ... حوّلت بسرعة بصري إلى صاحب المطعم.

_ هل يمكنني التحدث إليك؟ أريد أن ...

_ أولا أعرفك بأخي عادل جاء من النرويج لزيارتي ...

شعرت بسخونة في وجهي ... صافحته ولكي أخفي خجلي قلت له بسرعة وأنا أنظر إلى الأرض مستحية:

_ أريد أن أشتغل في المطبخ ...

_ ... إن العمل في المطبخ متعب ... كما أن الزبائن مرتاحون لعملك ولباقتك و...

نظرت إلى أخيه وازداد خجلي ... ثم أردفت قائلة بتلعثم:

_ لكن أنا لست مبسوطة مع الزبائن ولا أريـ ...

_ اسمعي غالية ...لا أريدك في المطبخ ... أريدك نادلة تخدمين الزبائن وذلك لأن شخصيتك وجمالك يجلب الزبائن ويشجعهم أن يأتوا إلى المطعم. ولقد رأيت بأم عينك كيف أصبحوا يترددون على المطعم أكثر من السابق، فأنا ليس في مصلحتي أن تشتغلي داخل المطبخ ...

_ يعني هذا قرارك الأخير ...

_ آسف ... هذا قراري الأخير ...

_ رغم أنني بحاجة ماسة إلى العمل ... وإن كان عملي في تقديم الطلبات للزبائن يدر عليّ مالا أنا بحاجة إليه أكثر من وجودي في المطبخ، إلا أنني لن أرضى أن يكون جسدي أو جمالي وسيلة لجلب الزبائن إلى هذا المطعم. فأنا لست سلعة أو أداة إعلامية من أجل هدف مادي. إذا ما عليّ إلا أن أودعك شاكرة ...

لما سمع عادل الحوار، شعر بغبطة محدثا نفسه:" الله ...أيعقل أن تكون هذه الفتاة ضالتي. لو أن هذا الكلام الذي يقوله أخي لغالية، يقوله لفتاة أخرى لطارت فرحا ولاختالت وتفاخرت أمام صديقاتها أنها جميلة وأنها تجلب الزبائن للمطعم. لكن هذه الإنسانة ترفض أن تكون أداة أو وسيلة لجلب الزبائن بجمالها أو بجسدها. هذه الإنسانة يبدو أنها ضالتي.

غادرت المطعم بسرعة كالبرق. كان عادل يمشي وراءها لم تنتبه إليه ...كان الحزن يظهر على وجهها وصوت حوارها يسبح بفضاء عقلها يردد بصوت عال في نفسها ليعكس همومها وأحلامها، ويهجس بما هو آت بمسرح حياتها الذي رسمه قدرها. فصارت كل أحلامها في تلك اللحظة مجهضة، وانتابها وجع حقيقي لا يمكن رؤيته ولا وصفه، وجع قديم لطالما كان راقدا. استفاق وبدأ يدب في روحها وقلبها وعقلها، فأحست بالامتعاض والاحتجاج والتمرد على الظلم والإستغلال والخطأ، تبحث عن سبيل للخلاص، تتزاوج فيه الأشراك المنصوبة لتصل إلى عالمها الجميل الذي رسمته في لوحة بخيالها بشكل جميل وأكثر رحابة.

فقدت وظيفتي ... هذا معناه لن أستطيع إكمال دراستي ... لن أرجع إلى المغرب بعدما خرجت منه بأعجوبة. ولن أضع نفسي مرة ثانية مكبلة بأحبال سجان ظالم. لن أعيش كالفقير المشرد، يمضي في طريق حياته، مهضوم الحق معذبا، بيد أن هذا ليس نصيبه.

عادت بها الذكرى إلى الماضي البعيد... تذكرت كابوس لياليها المزعجة وتذكرت شغف والديها لتزويجها، فسرى تيار بارد في جسمها. بغتة هاجت في نفسها ذكرى أخرى. تراكم في نفسها العار الذي تحمله. سبب لها شعورا مؤلما باقتراب أجلها حين رجوعها إلى أهلها. إن لم أرجع إلى وطني سيلحقني العار أينما رحلت وارتحلت. سيغضب علي والدي ويغضب علي الله ولن أفلح في إتمام مشوار حياتي. لكني إن رجعت إليهم سينتهي مشوار حياتي بموتي في ليلة زفافي. ماذا أعمل؟ وإلى أين سأذهب؟

أحست بيد على كتفها ...التفتت مرعوبة، فإذا به عادل.

ـ لا تخافي ... أنا أخ إلياس اسمي عادل ... صراحة، ومن غير مقدمات أعجبت بقرارك ورفضك للعمل كنادلة، مع العلم أن الفتيات اللواتي يشتغلن في المطاعم يحببن هذا العمل بالتحديد، خصوصا وأنهن يأخذن بقشيشا من الزبائن فوق دخلهن. والذي جعلني أهتم بالتعرف إليك، أنك تختلفين عن غيرك ممن عرفتهن. أنا كذلك لي مطعم في النرويج، والموظفات عندي لا يهمهن مضايقات الزبائن بقدر ما يهمهن جمع النقود. النقود أهم شيء، جمعها بأي طريقة ولو كانت على حساب نفسيتهن. النقود لهن كل شيء في الحياة ... وأنت ترين الأمور عكس ذلك. هذا هو السبب الذي جعلني أتبعك آملا أن تقبلي صداقتي.

ابتسمت غالية ... أحست بالاطمئنان إليه وبأن هناك من يفكر مثلها وينظر إلى الحياة وإلى التعامل بالطريقة التي تراها صحيحة. توطدت العلاقة بينهما، وأصبحا صديقين حميمين، تجمعهما المحبة الصادقة والتوافق في الأفكار. كانت غالية تميل إليه كثيرا، معجبة بشخصيته. لكن، هل يمكن أن يكون لها زوجا في المستقبل؟ هل يمكن أن تصارحه بسرها؟ هل يمكن أن يقبلها عندما تعترف له؟ إنه رجل شرقي ... مهما وصل من درجات الوعي والعلم فسيبقى ذلك التفكير الشرقي يطغى عليه. إنه مثل أي رجل شرقي حصل بينه وبين فتيات، قصص غرامية وكانت آخر صديقة له تعاشره صباحا وتعاشر غيره مساء. لم يعد الجمال الخارجي بالنسبة له من جمال الجسد والوجه يجلبه وإنما يبحث عن جمال الروح والأخلاق والعقل وجمال المبادئ. رغم أن شخصيته قريبة من شخصية غالية وصاحب مبدأ إلا أنه مارس الجنس لأنه رجل وهذه هي مصيبة العالم الشرقي. فالمجتمع يتقبل ذلك لأنه ذكر ... لأنه رجل. لذلك أباح لنفسه أن يخوض تجارب جنسية كثيرة وبعد ذلك اكتشف أنه يريد عالم الفضيلة، ويريد امرأة عفيفة لم يمسسها رجل.لكن ما ذنبي أني أصبحت أحبه ... هل سيتخلى عني إن رويت له قصتي ...؟ هل سيكون أفضل من سمير فارس صحراء الجزائر؟ هل سيهجرني ويتركني فريسة كابوس سري الخطير؟!ً لما أفكر في الزواج الآن؟ ألست أنا التي قررت أن أدرس لكي أتخلص من كابوس الزواج، وسيرة الزواج .... ألانني امرأة وطبيعة المرأة أن تكوّن عشا يحميها من عواصف الحياة ...وأنا أقلد ما يحدث في الحياة ...غاضبة أنا على عجل أسير ... ولا أعرف أين أذهب ...حافية أركض وراء الخيال ... في زوايا الزقاق المعتمة ... أتسلق قمة الجبال فأهوي ساقطة إلى قدمه ودموعي على كتفي ...أصرخ من شدة الألم ... وأنا لم يكن قصدي ....

ـــــــ 0 ــــــــ

انتهى الفصل الدراسي، حصلت على شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي. لابد أن أسلم مفتاح الغرفة اليوم إلى الإدارة. ها أنا الآن أحمل شهادتي. كم كنت أتمنى أن أحصل على شهادة الدكتوراه أيضا. هل أستطيع أن أحمي نفسي بشهادتي هذه وأرجع إلى أهلي؟ هل شهادتي ستمنحني الاستقلال بذاتي؟ هل ستجعلني أدافع عن حقي أمام والدي وأقول لا؟ بالطبع لا... ذلك يعتبر عقوقا. لأنهم هم الكبار وهم ملوك الحكمة ...وهم الذين لهم الحق في تشكيلي كما يرغبون لا كما أرغب أنا. لا يهمهم ماذا يجري في ساحة قلبي من حروب ومجازر، حروب أكثر شراسة من التي تدور حولهم أو يتحدثون عنها. هل أرجع عند نبيل إلى ليبيا؟ لا،لا، غير ممكن. فهو يريدني زوجة وذلك مستحيل.

اختلطت الموازين في ذهن غالية، فلم تستطع الفرار ولا الردى. ولم يكن أحد الحلين أحلى من الثاني ولا أمر منه، كلاهما شوكة حادة عالقة بحلقها. أسرعت إلى الإدارة، سلمت مفاتيح غرفتها، ودعت موظفيها، ثم انطلقت بسيارة الأجرة إلى حيث تمثال الحرية. رجعت إليه بعدما خاصمته وعادته. رجعت إليه لا لتستمد شيئا منه، ولكن لأنه يذكرها بذلك الأسبوعين التي قضتهما مع نبيل. وضعت الحقائب على الأرض ووقفت منتصبة تتأمل زرقة المياه ويد تمثال الحرية الذي كانت تحس يده تمتد إليها لكي يأخذ بيدها ليصالحها. مدت يدها محاولة مسك يده. أغمضت عينيها تواجه نفسها وتتأمل عالمها الداخلي، تحاوره محاولة إظهار مناطقه الظليلة وإعادة اكتشاف ما يدور داخل ذلك السر الخطير المحكوم عليه بالتشريعات الاجتماعية التي لا تعرف معنى الشرف ولا معنى الحق.

نزلت من عينيها دمعة ووقعت وسط المياه كوقعة صخرة كبيرة متدحرجة من قمة الجبل. فاختلطت دمعتها بمياه البحر، أيقظت تمثال الحرية من سباته، فأمسكها بيده وحلق بها في الفضاء، يسري بها بين النجوم ليلا ويحوم بها حول الشمس بالنهار. وكانت تضحك في ذلك الفضاء بكل ما لديها من قوة. تضحك ضحكا كالبكا. ثم أرجعها التمثال إلى حيث كانت تقف ورجع منتصبا في مكانه.

فتحت غالية عينيها وبدأت تنظر إليه وتبتسم، تحاوره بصوت غير خافت لكي يسمعها: سامحتك وصفحت عنك، جعلتني أتفهم حالك، جعلتني أدرك معنى الحب واشتباكه مع الحياة، جعلتني أعفو وأصفح عن من يمثل الحياة من الجنس الآخر. ذلك الجنس الذي يجعل للحياة تناغما وتطابقا عندما يصير فيه المحبّان روحا واحدة ويسكنون بعضهما البعض. حيث يصبح صوت أحدهما صدى الآخر ويتطابق ظل أحدهما مع قوام الآخر.

شكرا لك أيتها الحرية التي جعلت خيالي ينظر إلى الحب بشكل واقعي وليس إلى وصفات محددة يمليها خيالي، وجعلت تطبيق واقعي صورة بعقلي وأخضعه إلى صورة ذهني، لكي لا يتسع كابوس سري الخطير به ويستفحل.

كانت غالية وكأنها في غيبوبة داخل عقلها وحوارها مع تمثال الحرية غير معيرة الإنتباه للمارة وغيرهم من الذين كانوا واقفين ليس بعيدا عنها مشدودين مستمتعين بتمثال حريتها. كان أخ صاحب المطعم ينظر إليها. سمع صوتها الذي كان يستعصي على أي أذن قريبة منها أن لا تسمعه. كانت تتكلم باللغة العربية، اقترب منها ليسرق سمع كلامها. وكانت عيناها مصوبتين إلى التمثال، مبتسمة له، مكملة حوارها معه، تقول الأشياء دفعة واحدة وكأنها تريد أن تصفي الحساب مع الخيالات والأوهام والكوابيس التي هدمت تواصلها مع محيطها وحياتها. رفعت يدها لتمسك يد تمثال الحرية مرة ثانية وقالت بصوت مرتفع غير مبالية بمن حولها من المارة لأنهم لا يفهمون لغتها: اسمعي أيتها الحرية، من الآن فصاعدا لن أخلق كلمات أعزي بها نفسي. لن أخلق كلمات لا تعني للواقع شيئا أو قد تكون نقيضة، لأن عالم الواقع هو الحياة نفسها والحياة أكبر من أن تخضع لسجن كلماتي. من الآن فصاعدا لن أكون مدمنة كلمات خيالي. سأعيش حياتي وأنفق من حبي لأهلي ولكل من أخلص له بقيمي وبروحي، بقلبي، وبلا محرمات. وسأجعل حبي لمن حولي حبا حقيقيا، به أنتصر على كل شيء. على كل شيء حتى ولوكان ذلك الشيء هو الموت. كانت عيناها مغرورقتين بالدموع، التي حجبت عنها تمثال الحرية. كانت تراه وكأنه يقترب منها شيئا فشيئا...تحاول فتح عينيها ليتجلى نظرها، فرأته واقفا أمامها، يبتسم إليها، راضيا عن قولها وعن التغيير الذي حصل لها. أمسكت بيده وقالت: لم أكن أعرف أنني كنت مريضة إلى هذا الحد...إنني أحبك...أحبك من كل قلبي، ولا أستطيع الاستغناء عنك...أعترف أنني لك...أحبك حبا شبيها بالعبادة...عانيت آلام الصد وهيجانات الشوق إليك ومرارة الغيرة عليك. ستحبني كما أحبك؟ هل ستكون عادلا في تصرفك ومعاملتك معي ومع نفسك؟ هل سيكون رداؤك العدل وتصرفك النبل وروحك المتمردة، مرحة، رومانسية، جذابة مثل التي لقيتها في الصحراء التي تركتها ورائي والتي جعلتني أفتح خزائن قلبي التي كانت مقفولة داخل ألف صندوق ومقفولة بألف مفتاح؟ أحست يد التمثال تلمس يدها بدفء وينحني إليها قائلا:

_ سأكون لك العدل والنبل وسأكون لك فارس الصحراء، الشهم الشجاع، الجذاب الوسيم، سأكون لك الروح التي تجري في جسدك والقلب الذي ينبض في عروقك، سأجعلك تسكنين بذاتي وسأجعل ذاتي تسكن فيك.

أحست برعشة تسري في كل جسمها، أفاقتها من غيبوبة حوارها معه. مسحت عينيها المغرورقتين بالدموع لكي تستجلي رؤيته، فرأته واقفا أمامها، قريبا جدا منها حتى كادت أنفاسها تختلط بأنفاسه، فسألته مستغربة:

_ هل أنت تمثال الحرية؟ هل أنت هو؟ هل...

ابتسم وقال:

_ أنا الحرية ذاتها... أنا الحب الحقيقي والنبل الصافي... المنبعث من تجربة وحقيقة الحياة... أنا الحلم الواقعي...أنا قاهر معاناتك وآلامك...أنا الشجاعة والنزاهة وقوة البصيرة...أنا تجربة مستقبلك التي ستدون بنبضات قلبك وجرأة موقفي وستكتب في تاريخ حياتنا منذ اللحظة إلى نهايتها...أنا أنت وأنت أنا. فلندع يدنا في يد بعضنا لنرجع مرة أخرى نسري ليلا بالفضاء، مستمتعين بالنجوم ونحوم حول الشمس بالنهار.

ضحكت وضمته إلى صدرها وقالت:

_ أنت الحرية...نعم، أنت الحرية...لقد عرفتك...هيا بنا أريد أن أذهب معك، أطير معك في دنياك وأحلامك وأجعلها جزءا من أحلامي ودنياي.

حمل حقيبتها ... أمسكها من يدها من دون أن ينبس ببنت شفة وانطلقا إلى الفندق. إلتفت إليها يبتسم فوجدها تنظر إليه والفرح يضيء كل وجهها. جلست تتحدث إليه ... وهو يستمع إليها بكل جدية ... شعرت بالإنجداب إليه من أول نظرة وهاهي ذي تحس باقترابها منه أكثر فأكثر ... اسمه عادل، شاب وسيم المنظر والمظهر، شهما، كريم، لطيف، وديع. كالطفل تماما في حبه للفرح والمرح والغناء، يحب الريح التي تجلب الغيوم لتمنح المطر. يحب الشمس المضيئة والأشجار المورقة والأزهار...كالطفل تماما يكره الحزن والبكاء والعاصفة الهوجاء والغيوم الداكنة السوداء. علمته الحياة منذ حداثة سنه كيف يتعلق بالأمل ويرفض الفشل حتى الرمق الأخير. علمته الحياة أن يمارس حياته الطبيعية في الحلم والشعور والنظر، وفي الواقع والتجربة والممارسة. لن أترك الدنيا ولن أجعل الدنيا تتركني. إنه شاب في مثل سني. مقبل على الحياة الدنيا بعطش وحماسة. سأخوضها معه بحماسته، بشجاعته، وسأعيش فيها معه بحب وإخلاص لأنفسنا وللحياة.

_ لا تؤاخذيني يا آنسة غالية ... من أول ما شفتك .... حبيت أتعرف عليك.

_ وأنا كذلك ... يسعدني التعرف عليك ... لكن ...

إغرورقت عيناها بالدموع ...

_ لماذا يا غالية؟

_ لا شيء ...

أمسك بيدها وقال هل تقبلينني صديقا لك؟

_ سعيدة بصداقتك لكنك ستسافر إلى البلد الذي تقيم فيه وأنا لا أعرف إلى أي أرض سأذهب ...

_ لا تكوني متشائمة إلى هذه الدرجة ....

_ لا أعرف ما تخبئه الأيام ... فرسائل والدي تتلاحق، محذرة إياي من بلاد الكفر وشرورها ...

_ لماذا لا تسافري معي ...

_ أسافر معك إلى أين؟

_ إلى النرويج ... وهناك تكملين دراستك إن أردت. عندي إحساس أنك ستكونين زوجتي ...من اللحظة الأولى التي رأيتك فيها في المطعم ... قلت لنفسي هذه هي التي ستشاركني حياتي وإلا ما تبعتك من المطعم إلى الجامعة ومن الجامعة إلى مكان تمثال الحرية.

_ لكن ... النرويج؟! بلد الفايكينغ ... أوسلو ...قاتلة الأحلام ...

_ لماذا قاتلة الأحلام؟

_ أليس هناك تمت اتفاقية أسلو 1 و أسلو 2 ...صحيح أنا لا أفقه تلك الغابة الموحشة التي تسمى السياسة فأنا أكرهها ... لأنها مليئة بالأسرار والمؤامرات ... وأنا أخاف من كل أمر ذي صفة سرّية ... ألا يكفيني أنني أهرب بسري الخطير من بلد إلى بلد ...

ـ ماذا تقصدين ... عن أية أسرار تتكلمين؟!

ـ أخي ... هل تعتقد أن الأمور بهذه السهولة ... ليس كل الأسرار والإتفاقيات يمكن الحديث عنها بسهولة ... إنسى الموضوع ...

فكّرت في المسألة بجديّة ... وصرخت: لقد وجدتها؟ تخيلت عمتي الطيبة صفية، تسألني:

ماذا ضاع منك ... وأين وجدته.

أوسلو 1، أوسلو 2 ... إذن أوسلو حلاّلة المشاكل. نحن النساء أسهمنا في انتاج سلوك وعادات، ثم نشكو حظنا العاثر ... ونعيد إنتاجه سلوكا وعادات ... ونحن معشر النساء، أسهمنا في الرضوخ إليه، وتأسيسه ... ثم نبكي نساء ... وليس كالنساء ... إذن لابد من أوسلو ... فهي الأقدر على حل مشكلة فضّ غشاء بكارتي إن كان قد حدث ذلك ... هل هناك مشكلة أكبر من أن تعيش مشكلة دون أن تكون متأكداً، أنها موجودة فعلاً ... ربما تكون موجودة وغير موجودة ... وهذه هي حالتي مع سرّي الخطير ... لقد جعل المجتمع المعادلة كالتالي: غشاء بكارتي موجود، فأنا موجودة ... غشاء بكارتي مفضوض، فأنا مقتولة! ... إذن لابد من أوسلو، وإن طال السفر !!... وهل سيختلف وضعي بإختلاف المكان ... نيويورك ... أوسلو ... أوسلو ... نيويورك ... نفس الوضع، فكلّها عند الإمام سلطان بلاد كفر وإلحاد ... وأوسلو ... عاصمة الفايكنغ ... أليس فكرة الإمام عنهم، أنهم من أشهر قطاع الطرق البحرية ... ولن تتغير فكرته عنها ... وعنهم لو قرأ كتاب رحلة أحمد بن فضلان عن هذه البلاد وما جاورها ... رحلة قبل ألف وسبعة وسبعين عاماً ... يا مُقدّر الأرزاق ... عربي ... عربي مسلم يصل إلى هذه البلاد ... هل جاءها عادل مقتفيا خطى إبن فضلان ... آه لو يقرأها الإمام سلطان ... تلك الرحلة كما جاءت على لسان إبن فضلان ... أو بعظمة لسانه كما نقول ... رغم أن اللسان لا عظام فيه ... عظّم الله أجرك يا إمام ... لو قرأت ثلاثة ... أربعة سطور محددة من كتاب إبن فضلان ... وبعظمة لسانه، لحكمت عليه بالجلد مائة جلدة ...

وصلت غالية إلى أوسلو عاصمة النرويج مع فارس أحلامها. عاشت معه في الحي الجامعي. كان ما يزال يدرس العلوم السياسية والإقتصادية. تجلت لغالية رؤية الحياة بوضوح وأصبحت في حالة شديدة من الصحو العقلي والنفسي. كما أصبحت ترى سرها الخطير أقل قدرا. بل أصبحت تحاول التعايش معه دون هلع، تحاول تحليل أفكارها ومشاعرها نحو نفسها ونحو عادل حبيب قلبها وتحليل ماذا سينتظرها معه. لم تعد تعيش في الأوهام ولا تلفظ عبارات التأسي والتحسر، ولا تتذكر لقطات حياتها القاسية الحزينة. أصبحت تحس بشجاعة في نفسها وصفاء في رؤيتها، بعيدة عن الزيف، دون خوف.

هكذا علمها عادل هذا الفارس الذي أغدق عليها القليل من ثروته والكثير من ذاته وحبه. علمها أن تؤمن بالحياة وسخاء الحياة. أطلعها على مخبأ الكنز الذي لا يفنى...علمها أن تزرع حقل حياتها بالمودة وتحصده بالامتنان. كان لها الفارس القوي الذي يتكلم صامتا، يتصدى لنكبات الحياة بوجه فرح. كان حبه لها كالفضاء لا حد له، وكالبحر بدون شواطئ. كان حبه متأججا دائما. كل ذلك زادها ثقة بنفسها. جعل لها رغبة في أن تفتح صفحة الماضي كله. خاصة وأنها استمدت منه قوة، لم تكن تمتلك مثلها من قبل. جعل منها كائنا مساويا له وليس مجرد أنثى، يراها بطريقة مختلفة، كزهرة قمر متلألئة. تمنته زوجا، أرادته حلالا. لم يكن لها من جسر للعبور إليه إلا أن تكشف بنفسها سرَّ سرها الخطير.

لابد أن أذهب عند الطبيب النسائي وأكشف عن حالي. لابد من الذهاب إلى طبيب نسائي كي أقطع الشك باليقين. فإما أن أكون له وإما أن تكون الموت لي. لابد أن أبدد الغيوم الهشة وأفسح المجال لرؤية أوضح. ها أنا أتزحلق مرة ثالثة نحو مصيري، بمسرح الحياة التي رسمها قدري ولا أعرف ما هو هذا المصير، ولا كيف سيكون.

اتصلت بالمستشفى:

_ ألو...هل يمكنني زيارة الطبيب النسائي؟...إسمي غالية....غالية سلطان...اليوم؟ عظيم...شكرا.

وضعت غالية السماعة...هيأت نفسها ونفسيتها... انطلقت إلى المستشفى...انتابتها قشعريرة في كل جسمها...تنظر إلى الممرضين والممرضات وإلى المرضى والأصحاء...حولت عينيها الخائفتين الكبيرتين إلى مكتب الاستعلامات...توجهت مسرعة نحوه ...تستفسر عن المكان...رافقتها ممرضة إلى فرع الأمراض النسائية...جلست في غرفة الانتظار. كانت مليئة بالنساء أغلبهن حوامل ومن سكان البلد...شعرت بالخجل...بالحرج...بالخوف...وب� �لحياء...تبللت يديها...بردتا ...أقبلت ممرضة...نادت واحدة من النساء...ابتسمت إليها ثم دخلا معا إلى الغرفة وأقفلت الباب.

وقف كابوس السر الخطير أمام عيني غالية، شاخصا ممتثلا، مؤكدا لها صدقه وأن ماوقع لها بالماضي مازال حولها، وأنها مازالت ستلاقيه في الليل وتصارعه متعثرة بانفعالها وخجلها وخوفها.

صرخت في وجه كابوسها ساخرة: لن أبكي مرة ثانية، ولن أصرخ ولن أندب، ولن أخافك ولن أبالي بتهديداتك. رغم أنني بكيت كثيرا وظُلِمت كثيرا ويئست كثيرا إلا أنني أحببت كثيرا وأملت كثيرا وها أنذا أضحك كثيرا لأنني علِمت أن طفولتي كانت حلما ووهما. فأنا الآن سأوقف هذا الاتهام وسأثبت براءتي.

نادت الممرضة غالية، فوقفت هلعة من مكانها، ترتعد خوفا من وشك معرفة الحقيقة، التي ستكون عليها تهمة ثابتة وسيحكم عليها بسجن قلبها إلى الأبد.

وقفت من مكانها واتجهت نحو الممرضة التي كانت تبتسم لها. كانت مسافة خمس خطوات نحو الممرضة كخمسين ألف خطوة. ترتعش...ترتعد...تتعرق...يصفر وجهها ...تتلعثم...تقول بخجل:

_ هل أنت الدكتورة؟

_ لا، الدكتور الذي سيكشف عليك في الداخل.

تشعر بسخونة في وجهها وبخوف وخجل. مستحيل أن أدعه يفحصني، أن يمد يده علي...لا...هذا غير ممكن...هذا عيب كبير...هذا مستحيل...

نظرت إلى الممرضة...تلعثمت...أرادت أن تغير رأيها وترجع من حيث أتت...أمسكتها الممرضة بلطف من يدها وقالت: لا تخافي، سأكون معك.

أدخلتها إلى الغرفة وقفلت الباب. نظر إليها الدكتور مبتسما...مد يده...سلم عليها...طلب منها الجلوس. جلست غالية... أطبقت على رجليها بقوة... شبكت يديها ببعضهما... خفضت عينيها. هل هذا الشاب هو الذي سيكشف علي؟ لا، لا، مستحيل!

أرادت أن تقف من مكانها، قاطعها الدكتور متسائلا: ما خطبك؟

رفعت عينيها تنظر إلى الممرضة خجلة، ثم حولت نظرها إليه وقالت:

_ أنا...أنا...لا أعرف كيف أبدأ...أريد..أريد أن أفحص نفسي.

_ ما المشكلة؟ هل أنت حامل؟

_ أريد أن أفحص إن كنت عذراء أم لا؟

نظر الدكتور إلى الممرضة مستغربا، ثم حول نظره بسرعة إلى غالية وقال: لا داعي للخوف.

نظر إلى الممرضة من غير أن يتفوّه بكلمة. اقتربت الممرضة منها وقالت: هيا.

قالت غالية خائفة: إلى أين؟

أشارت الممرضة إلى ستار يفصل الغرفة إلى قسمين وقالت مبتسمة:

_ خلف هذا الستار، يمكنك أن تخلعي لباسك الداخلي، ثم أشارت بيدها وأضافت: بعدها ستجلسين على هذا الكرسي.

نظرت غالية إلى الكرسي الذي كان يختلف عن كل الكراسي، حيث الجالس فيه تكون رجلاه مفتوحتين ومرفوعتين إلى فوق. بلعت غالية ريقها ونفذت ما أُمِرت به. كانت تنظر إلى الممرضة وكأنها تحتمي بها، وكانت هذه الأخيرة تمسك بيدها محاولة تهدئتها. أقبل الدكتور ويديه داخل قفازات بلاستيكية. اقترب منها وقال مبتسما:

_ لا تخافي. أدخل أصبعه فشعرت بالألم وصرخت وهي تنظر إلى الممرضة التي كانت سيغشى عليها من الضحك. فارتبكت أكثر وتوترت أعصابها. أخرج الدكتور أصبعه. نظرت إليه وعيناها مفتوحتان، جاحظتان.

_ ما الأمر يا دكتور؟ هل أنا ...هل أنا ...لست عذراء؟

قال مبتسما:

_ بلى.

_ ماذا؟ ماذا قلت؟ هل أنا عذراء؟! أنا عذراء ...أليس كذلك؟

_ نعم، أنت عذراء.

انفجرت تبكي وتضحك، تنظر حينا إلى الممرضة وحينا إلى الدكتور كالذي فقد عقله أو كالذي وجد جبلا من الكنز فجأة. أنزلت رجليها اللتين كانتا معلقتين وضعت كلتا يديها على وجهها بكت بكاء ثم توقفت عن البكاء وعلا ضحكها في تلك العيادة. نظرت إلى الدكتور والممرضة بعينين مليئتين بالحزن العميق والخوف من الموت ظلما من كابوس سرها الذي كانت تظنه حقيقة. ذلك السر الوهمي الذي أفقدها طفولتها التي لم تعشها كغيرها، كانت رعبا منذ ذلك اليوم الذي سيصل وستزف فيه إلى القبر. يا كم عشت كذبة هدمت حياتي وحعلتني أجوب الأرض شرقا وغربا والآن يقول لي الطبيب أنت عذراء. كان الدكتور والممرضة ينظران إليها مستغربين ... لم يفهما شيئا. علا ضحك غالية وامتزج بالبكاء كالذي فقد عقله وبدأت تلطم وجهها وتشد شعرها بكل ما لديها من قوة: أهذا هو سري الخطير ...! أهذا هو الوهم الذي قتلني ... أزهق روحي ... بدد حنيني لوطني ... قتل كل ذرة حب لأهلي وجعلني وحشا مجنونا يفتك بنفسه. كان الدكتور يحاول إمساكها آمرا الممرضة أن تأتيه بحقنة مهدئة.

ـ لا أريد حقنة مهدئة يا دكتور. أنا الآن جد هادئة. كنت أعيش مع شكي بنفسي ... لكنني الآن رزينة .... هادئة وحكيمة أيضا.

نظرت إليه بعينين ينبعث الشرر منهما وكأنها تريد أن تنتقم منه ... من أي شيء ... من نفسها ... لنفسها. ها هو الوقت الآن يا غالية قد حان وأزفت ساعة الإنتقام من أبيك ... من أخيك ... أبناء عمومتك ... من جدك الأول ... جدك الآخر ... وحتى من كل النساء اللواتي منحن الرجل هذا الحق في أن تكون المرأة نعجة تساق إلى سرير ذبحها ... إلى كل امرأة تمنح حناجر المتعطشات لسفك الدماء صوت الزغاريد على صرخات ألمها ... لتنتقمي من هذا المجتمع من ذاك المجتمع الذي قدمها على طبق طائر من التشرد والهروب لسمير الذي حاول أن يفترسها ولنبيل الذي حاول أن يستولي على قلبها برقته وكرمه وعطفه يا الله ... يا ربي ورب كل مظلوم ألا يحق لي أن أثأر لنفسي لموت روحي ... لزوال آمالي ... لفقداني فرحتي ... لضياعي وتشردي. تبكي غالية ... تشعر بالقوة والعجز يمتزجان في داخلها، لا تدري ماذا تفعل أو كيف ستعيش مع واقعها الجديد. تنتفض كعصفور أُخرج من بئر ... وبلهجة حادة:

ـ دكتور ...أريدك أن تخلصني منها.

_ نظر إلى الممرضة ، احمر وجهه الشديد البياض وقال: تخلصي منها بنفسك.

قالت مستغربة: كيف؟ لا أستطيع.

_ هل لك صديق؟

_ نعم.

_ هو يمكنه فعل ذلك؟

قالت بعصبية وهي تبكي: لا أريد أن أهديها لأحد في طبق من فضة.

قال الدكتور والدهشة على وجهه: وما الحل؟

_ أريدك أنت أن تزيلها.

احمر وجه الممرضة وعيناها تسيل دموعا من هيستيريا الضحك الذي كانت تحبسه بداخلها، خرجت فارَة من الغرفة وضحكها يسمع مدويا من وراء الباب.

قال الطبيب متلعثما: إذا لابد من إجراء عملية بسيطة نشق فيها غشاء البكرة وفي نفس الوقت نفتح في موضع التبول شيئا ما، لأنه مخيط وذلك يسبب عدم خروج دم الحيض كاملا بطريقة طبيعية. هل أجريت لك عملية الختان؟

قالت غالية وشرر الغضب والإستياء يتطاير من عينيها.

_ نعم، لقد أجريت لي عملية الختان لكي لا أشعر بالرغبة الجنسية وأفقد العذرية. هذه الأخيرة التي عذبت حياتي منذ الطفولة بسبب شكي في افتقادها. بتروا عضوا بداخلي وخيطوني ولم يتركوا إلا ثقبا صغيرا للتبول. عملوا ما عملوا لكي لا أفقد عذريتي التي يعتبرونها رمزا لعفة الفتاة وشرفها. إلا أنني أريد أن أتخلص من هذا الشرف...العذري ومن دون احتكاك جنسي. أريد أن أقضي على هذا الكابوس بنفسي، هنا عندكم بالمستشفى.

عندها فهم الدكتور ما تقصده فقال: إذا يمكنك المجيء إلى هنا في الساعة العاشرة صباحا لإجراء العملية.

_ هل سأمكث طويلا بالمستشفى؟

ابتسم قائلا: ستخرجين في نفس اليوم.

شكرته وغادرت العيادة إلى الحي الجامعي. وجدَت عادلا غارقا بين أوراقه يتهيأ للامتحان. قبلته في خده وقالت:

_ غدا سأكون طيرا يحلق في الفضاء. غدا سأنتصر على الكون كله، غدا سأتخلص من قيد نجس كان منغصا علي حياتي، محولا مجراها إلى طرق متشعبة ووعرة. غدا سيكون يومي يوما جديدا ونظرتي إلى الحياة متفائلة حقا.

قال عادل مبتسما ورزمة من الأوراق في يده يصففها على منضدته: ألا تخبرينني سبب هذه الفرحة؟

اقتربت منه، وضعت يديها على كتفه وقالت: إنها مفاجأة ... إنها انتصاري لنفسي بسبب ما ذاقت من عذاب ... من وهم كاد يقتلها ... أهيم على وجهي ... أركض ...أرقد .... أموت ... أحيا ... أموت ... أعيش ما بين الموت والحياة ... فلا الحياة تهبني سعادتها ...سبب حبها ولا الموت يدركني فيخلصني من حياة الموت وموت الحياة. أتدري يا عادلُ لم كل هذا ... لأن قدري أوجدني في مجتمع يفرض علي أن أسير في ركابه دون وجود لذاتي أو كيان لإرادتي.

وقف عادل مستغربا: ما هذا الكلام يا غالية ... أهو نص فرأته في رواية ما ...أم أنك تفكرين بكتابة رواية... لم تقولي لي أنك تملكين هذه الموهبة.

ابتسمت ابتسامة طويلة ... لا تندهش أنا لست كاتبة ولم أقرأ رواية، غدا ستفهم ما أقول ... غدا ستشرق شمس حقيقتي ويموت ظلام دنياي ... غدا سأكلم البحر شعرا، أغازله يغازلني .... غدا سيرسل لي البحر عروسه لتهبني كلَّ ما فيه من رحابة واتساع ...لأن غدا هو غدي ...

_ هكذا إذا. أنا كذلك عندي مفاجأة لك ولن أقولها. جلست على كرسي بالقرب منه، تتوسله ما هي المفاجأة؟

_ لن أقول شيئا حتى أسمع مفاجأتك.

قالت وهي تتغنج وتبتسم: مادمت مصرا ستسمعها غدا.

_ وأنا أيضا لن أقول شيئا حتى الغد.

لم يعد هناك سرا، ولا خلوة في وحدتي. ولم يعد لك أيها الكابوس مطرحا في منامي. انتصرت عليك ألف انتصار. كنتَ بالأمس ناضجا، نشطا في أحلامي، وعدوا لدودا ترافقني.وكنت وحدك تسمع صراخي وسكوتي وقذائف براكيني الثائرة في دواميس ليالي. سقطت الآن واندثرت. فاضحك لوحدك أيها الكابوس ودع العاصفة تضحك معك وتحفر لك قبرا بدون قعر... تهوي فيه إلى الأبد.

تخلصت غالية أخيرا من وهم العذرية. فأصبحت بعد نزعها متحررة، متأكدة من عذريتها الحقيقية، عذرية أخلاقها وسلوكها وطهارتها التي لم تدنس يوما رغم صحراء الجزائر وليبيا. غادرت المستشفى بعد زوال تأثير البنج، فوجدت عادلا ينتظرها.

_ مساء الخير غالية، أين كنت؟

_ سأخبرك عندما تخبرني عن مفاجأتك.

_ ما رأيك أن نذهب إلى حديقة قصر الملك؟ إن هناك طبيعة حلوة واخضرارا يغطي كل تلك المساحات التي تحيط بالقصر. فالطقس مازال دافئا والشمس مازالت ساطعة.

انطلقت غالية وعادل ويداهما متشابكتان إلى أن وصلا إلى حديقة قصر الملك. تلك الحديقة التي كانت لا تحضن بذراعيها سوى المحبين.

نظرت إليه بشغف وقالت: ما هي المفاجأة؟

اقترب منها، أخرج علبة صغيرة من جيبه، فتحها، أخرج منها خاتما، ركع أمامها وقال: هل تقبليني زوجا لك؟

شدته من يديه ... ساعدته على الوقوف، نظرت في عينيه بكل قوة وشجاعة وقالت:

_ إن كنت تريدني أنا، قبلتك زوجا. وإن كنت تريد عذريتي فهي هناك بمستشفى الأوليفول. وتلك هي مفاجأتي.

جحظت عيناه، سحب يده من يدها، تراجع إلى الوراء. لم يصدّق ما سمع ولم تكن له القدرة على أن يطلب منها استفسارا. انطلق مسرعا إلى غرفته بالحي الجامعي. أما هي فكانت تضحك، إلى أن وصل صوتها إلى الفضاء. كانت تجري وتقفز فوق الحشيش الأخضر، تحرك يديها وكأنها تريد أن تطير وتحلق في الفضاء. كانت تحوم كفراشة من ركن إلى آخر في الحديقة إلى أن تعبت. استلقت على ظهرها تنظر إلى السّماء. لم تكن تر غير السماء. أغمضت عينيها، فرأت تمثال الحرية ينزل من السماء ويمسك بيدها ويأخذها محلقا بها إلى الفضاء. فتحت عينيها وأسرعت إلى الحي الجامعي، طرقت الباب، لم يفتح لها. فتحت الباب ببطء فإذا بها تندهش لما رأته عيناها. كل الغرفة كانت مليئة بالورود الحمراء. لم تفهم شيئا ولم تستوعب ماذا يجري. تخطو ببطء لكي لا تدوس على الورود منادية: عادل...أين أنت يا عادل؟

خرج من الحمام، أقبل نحوها، ضمها إلى صدره، أخرج الخاتم من جيبه، وضعه في يدها ثم ركع على الأرض مرة ثانية يسألها:

_ هل تقبليني زوجا لك؟

كانت واقفة أمامه كالحلم، كالأسطورة اليونانية، المعطرة بأحلام الأيام السعيدة وأحلام الأجيال. واقفة بجسدها الرائع الممشوق وشعرها الطويل المفروش على ظهرها وقالت:

_ أنا لك... أنا الآن ملكك...أنا هنا...أنا معك إلى آخر يوم في حياتي.

تحشرجت الكلمات في حلقها وتعثرت الحروف في لسانها، وقالت بصوت مبحوح... فرح، متأثر. أحبك، نعم أحبك...لأنك...لأنك...

وسكتت...

ضحكت وهي تحاول مسح الدموع من عينيها وقالت:

_ ضمّني إلى صدرك بقوة، إصهر روحك بروحي ...إجمع قلبينا كي يخفقا سويا.

ضمها إلى صدره... كانت هادئة...مطمئنة...عائدة إلى طبيعتها ... كحال أية فتاة.

خرجا معا بسيارة أجرة إلى وسط المدينة ... مارين بمبنى تاريخي مكتوب عليه المسرح القومي ... وأمامه تمثال عملاق بطول خمسة أمتار تقريبا للكاتب المسرحي النرويجي المشهور هنريك إبسن ... بلحيته ذائعة الصيت كمسرحياته ... من يُصدق؟! غالية بنت الإمام سلطان أمام تمثال هنريك إبن إبسن ... وأين ... في أوسلو ... في مملكة النرويج ... قريبا من القطب الشمالي ... هنريك إبسن ... هل هي مصادفة، أن يأتي بي عادل إلى هنريك إبسن قبل زواجنا ... تذكرت مسرحيته المشهورة دُمية البيت ... تلك المسرحية التي كانت صرخة احتجاج على اضطهاد الرجال واستغلالهم للمرأة ... آه هل يقصد عادل ذلك ... وكيف أدري ... ربما هو لم يقرأ المسرحية ولم يسمع عنها ... ووجودنا الآن أمام المسرح القومي النرويجي وتمثال هنريك إبسن مجرد صدفة، قادنا إليها التجوال الحرّ في هذه المدينة، بليلها الساحر، والثلوج تغطي أرصفة الشوارع ... لا يهم ... ولكن المهم يا عادل ... لن أكون معك أقل حزماً من نورا ... بطلة المسرحية ... تذكر يا عادل أن نورا ... عندما رفضت قبول اضطهاد زوجها، طرقت الباب خلفها متمردة خارجة إلى الشارع ... إلى الفضاء ... باحثة عن حريتها وكرامتها ... يا الله ... يا مقسم الأمكنة والأرزاق ... صرخة نورا هذه قبل مائة سنة ...

فجأة دخلنا في شوارع داخل حديقة كبيرة ... نمشي ... يدانا متشابكتان ... وحرارة يد عادل تسري في عروقي، مذيبة الثلوج ليس من جسدي فقط، ولكن من الأرصفة المجاورة كذلك ... فجأة ظهر أمامنا وعلى بعد أمتار بناء ضخم ... كأنه من الأبنية الرومانية ...

ـ ما هذا يا عادل؟

ـ القصر الملكي ... ألا تشاهدين الحراس الملكيين على أبوابه، بملابسهم المميزة، وخطواتهم المهيبة ...

ـ القصر الملكي ... منذ دقائق ونحن نمشي في حدائق القصر الملكي ... من المؤكد تقصد القصر القديم ... المهجور ... وهو متحف الآن ...

ـ لا ... ليس مهجورا ولا متحفاً ... القصر الملكي الحالي ... والآن داخله الملك والملكة والعائلة المالكة ...

ـ لا تصبني بالجنون ... يعني نحن على بعد أمتار من مخدع الملك والملكة ...

ـ تماما ... وما الغرابة؟

ـ عادل ... وتسأل وما الغرابة ... وكأنك مولود في النرويج ... رحمك الله يا عمر ألست القائل:" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا."

ضحك عادل ... وجرّني من يدي نحو باب القصر ... سحبت يدي من يديه، متراجعة:

ـ أيها المجنون ... إلى أين؟

ـ إلى مدخل القصر ... سألتقط لك صورة مع الحرس الملكي ... وربما يتصادف خروج الملك والملكة ... ونلقي عليهما التحية ...

لم أصدق كلمة مما قاله ... إلا بعد أن وقفت أمام مدخل القصر كتمثال هنريك إبسن، وعادل يلتقط لي عدة صور من زوايا مختلفة ... عندها شعرت أنني نورا وليست غالية يا الله ...


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-11-13, 07:18 AM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الفصل السادس عشر



وعادت شهرزاد إلى فاس



كانت عائلة غالية تنتظر قدومها بكل شغف وفرح، خاصة والداها اللذان فقدا الأمل منها ومن تمردها اللذين لا يقبلا اللين ولا الدعة. هاهي ابنتهم ستصبح زوجة عن اقتناع منها من غير أن يفرضا عليها ذلك. وصلت غالية مع حبيبها إلى المغرب، حيث أقامت عائلتها عرسا فخما لم يسبق له مثيل بالحي الذي كانت تسكن فيه. حفلة لفرحتين: فرحة نجاحها وفرحة زفافها.

كّنا في منزل القاضي سلطان حوالي الساعة الرابعة عصراً ... حشد كبير من الرجال والنساء ... الأهل والأقارب والجيران ... إختفى عادل بينهم ... سلام ... وتحيات ... وقبلات ... وأيمان غليظة أنهم أحبوه ... وأنه واحد من العائلة ... جلس جواره القاضي سلطان ... مبتهجا ... مشرق الوجه ... وكل خمسة دقائق، يسمعه ويُسمع الحضور:

ـ يا سي عادل ... والله أنت واحد من ولادي أهلا بك ... شرفتنا في المغرب. يا سي عادل ... نحن المغاربة نحب كل العرب ... خاصة اللبنانيين ...

إنعقدت حلقات الرقص والغناء للنساء والرجال ... طبول مغربية، إيقاعات موريتانية وسودانية تصم الاذان ... ولا أحد يشعر بضجيجها ... فالكل يعيش لحظة ضجيج زواج غالية بنت القاضي سلطان ... والحدث الأهم ... عريس لبناني مستورد من لبنان ... مشحون من النرويج ... تم التخليص عليه في مطار الدار البيضاء بعد تدقيق وفحص كامل للأوراق الثبوتية وتاريخ صلاحية الإستعمال ... الإخوان بوشناق يشدون في حلقة الرجال ... ويتناغم معهم صوت الحاجة الحمداوية من حلقة النساء ... فرح لا مثيل له ... إنه حدث فريد في تاريخ مدينة فاس. وحانت ليلة الدخلة ودخلت مع عريسها عادل إلى الغرفة التي كانت يوما منفردة فيها مع عريسها السابق نبيل. دقت الطبول وارتفعت الزغاريد، وانهال على باب غرفتهما طرق. فلم يكن لعادل إلا أن يخرج شفرة حلاقة من حقيبته ويكشف عن فخده محاولا جرحه لإخراج شيئا من الدم. كان العرق يتصبب على وجهه ويده ترتعش... لم يستطع أن يجرح نفسه...نظر إلى غالية التي كان رأسها سينفجر من شدة الأصوات والزغاريد المرتفعة ومن شدة الطرق على الباب المستمر من غير توقف.

_ غالية، هل يمكنك أن تفعلي هذا؟

نظرت إليه مندهشة وقالت:

_ أفعل ماذا؟ أجرحُك...؟ لا، لا أستطيع فعل ذلك.

وقع الضربات على الباب زادت من توتره وارتعاده مما أدى إلى سهولة جرح نفسه. لكن الدم لم يخرج منه...يضغط على لحم فخده المجروح حتى خرجت قطرة صغيرة، تنفس الصعداء...فرح...وأخيرا قام بذلك الإنجاز العظيم...مسح بقطعة قماش بيضاء على فخده...ألقى به خارج الباب وأغلقه.



زادت الزغاريد في الإرتفاع، وزادت الأصوات في التهاليل...

أما غالية فقد نامت في حضن عادل. ورأت في منامها البحر يتسع ويتسع ولون مائه يزرق ويزرق، والشمس تحمر ملونة الرمال التي تمتد في صحراء الجزائر وليبيا. كانت ترى نخيلات قصيرة ومتفرقة. رأت عادلا يقبل نحوها بفرسه... يحملها أمامه وينطلق بها في صحراء الجزائر وليبيا...يغني لها أغنيتها المفضلة...يوقف فجأة فرسه...ينزلها ...يضمها بكل نبل وإخلاص ويحلق بها آخر المطاف في عالمه، ذلك العالم الذي تشرق فيه فقط شمس الحرية والعدالة. بعيدا عن المتعطشين للدم ... أسقتهم غالية قطرات من دم عادل ... فلم لا؟! المهم دم ...أليس ذاك ما يريدون؟ ذلك هو الشرف في مفهومهم ... لقد أعطيته لهم لأن شرفي الحقيقي لا يفقهونه.

غالية محدثة نفسها ...ساخرة: ما أغباكن ....ما أتفهكن ... نسيتن أنكن وقفتن أمام هذا الباب سابقا تطرقنه ... تصرخن ... تردن دماء بكارتي ... كيف أستغرب وأنتن عندما تُدعونَ للإحتفال بيوم الدماء تفقدن الذاكرة وتنسين حتى ثوابت الأحداث.

كانت عائلتها في قمة السعادة. وأخيرا ارتاحوا من تحمل مسؤولية ابنتهم التي كانت حملا ثقيلا على عاتقهم ومهددة لشرفهم ومكانتهم الإجتماعية. هاهي الآن غالية أصبحت في بيت عدلها، وأصبحت في طريقها إلى تأسيس عائلة خاصة بها مع زوجها الذي استطاع أن يملك روحها وقلبها، قابلا شرفها الحقيقي.

أما والدها فكانت الفرحة لا تسعه، والإعجاب بعادل هذا الفارس الذي استطاع أن يقهر ابنته بحبه. ضمه إلى صدره بقوة ...

انطلقت العائلة كلها إلى المطار، لتودع ابنتهم الغالية، وفي مقدمتهم العمة الطيبة. هذه المرة كان الوداع وداعا مميزا على أمل رجوع ابنتهم مع زوجها تحمله لهم طفلها بين ذراعيها. توجهت غالية وعادل إلى داخل المطار. كانت تلوح بيديها من خلال الزجاج ، لكل فرد من عائلتها مبتسمة، سعيدة. أثار انتباهها عمتها التي كانت تحاول اللحاق بها وشرطي يمنعها الدخول إلى مكان الجمارك، كانت تصده قائلة: لابد أن أتكلم مع ابنتي..

قطبت غالية على جبينها...أسرعت نحو عمتها...لحقها عادل...

_ ما بك يا عمتي؟ ما خطبك؟

قالت العمة حائرة: لن يهدأ بالي ولن ترتاح نفسي حتى تجيبيني على سؤالي.

_ أي سؤال يا عمتي الحبيبة؟

وضعت العمة الطيبة يدها على رأسها تحكه وكأنها وقعت على معضلة فلسفية، معقدة تريد طرحها وقالت:

_ بالله عليك يا ابنتي، كم من عذرية لديك؟

قالت غالية مبتسمة: أنا...؟ أنا ليست عندي عذرية ولم أخلق بها.

_ لكن... كيف؟

_ العذرية الأولى كانت للدكتور نبيل والثانية لعادل.

نظرت العمة مستغربة مندهشة...لم تفهم شيئا ... إلا أنها ضحكت وضحك عادل أمسك بيد غالية وانطلق بها داخل المطار وهو يلوح بيده إلى العمة الطيبة التي كانت تحرك برأسها وتعدّ بأصابع يدها، محاولة فك العقدة واللغز الذي لم تستطع استيعابه.

حلقت الطائرة ... نظرت غالية إلى البحر ... بدأت تناجيه: آه أيها الحبيب أتراك ستفهم ما أقول ... أنا غاليتك ... ابنة اليوم ... أنا غاليتك الجديدة ... أعلم أنك تفهمني وأن أمواجك تحاول التحليق في هذا الفضاء لتقول لي: هنيئا لك يا غالية، انتصارك وحريتك. آه أيها البحر أتراك تصدق ما حدث ... ما أعجب هذه الدنيا وما أغربها وأغرب ما فيها أن ما يعذبنا قد يصبح سبب سعادتنا فها أنا عشت حياتي يعذبني سري الخطير ... يشقيني ... يشردني ...وعندما أكتشف أنه لا سرّ عندي أسعى لإيجاده ولكن، كي يسعدني ويحقق ذاتي.


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-11-13, 07:23 AM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 (السرد الإجرائي في العقل الشرقي )

الرواية انتهت عند ذلك وإليكم
(السرد الإجرائي في العقل الشرقي )

قراءة في رواية ( نهاية سري الخطير ) للروائية زكية خيرهم
١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥بقلم عبد الكريم الكيلاني



زكية خيرهم كاتبة مغربية بما أن عنوان أي نص أدبي يشكل عنصراً أساسيا ً فيه لأنه مفتاح إجرائي يسهل للمتلقي الولوج الى عالم النص وكشف أسراره وتكوين فكرة عن ماهيته فقد أجادت الكاتبة والروائية زكية خيرهم باختيارها لعنوان إيحائي ذي دلالة ضمنية مصاحبة للحدث الذي تدور حوله الرواية فــ ( نهاية سري الخطير ) عمل سردي يعالج مواضيع مهمة في المجتمع الشرقي المليء بتناقضات إجتماعية ومنها المرأة وحاجاتها الشخصية وكيفية التعامل مع هذا الكائن الذي يعتبر عنصراً فعالا فيه لامناص من الرضوخ لمتطلباته ومنحه فسحة أكبر من الحرية ليعبر عن رأيه في كافة مجالات الحياة . وقد كان طرحها لمواضيع ختان الأناث وكبت حرياتها ومنعها من اختيار الأطار الذي تريد أن تتحرك فيه بالإضافة الى النظرة الدونية لها من قبل العالم الذكوري طرحـاً جريئاً بأسلوب شيق ولغة رصينة وقد اختارت الكاتبة زكية خيرهم شخوصها من الواقع , وأضافت لها لمسات إبداعية ساحرة لتسهيل نقل وجهة نظرها للعقل الشرقي من خلال محاكاتها للشعور الانساني وعزفها على أوتار العاطفة التي تميز مجتمعنا عن باقي المجتمعات , وكان اختيارها لبطلة الرواية ( غالية ) اختياراً موفقاً الى حد مـــــا , فهذه الفتاة التي ولدت من أم مغربية وأب موريتاني عاشت في بيئة تتخللها عوامل قاسية نتيجة لعادات وتقاليد قديمة متأصلة في جذورها حتى باتت بعض الأسر والعوائل متطرفة في أحكامها على كل مايخص بناتها ووصل الأمر عند بعضهم للقتل خوفـــاً من إتهامهم بالعار والشرف أخذ منحىً سوداوياً غير قابل للنقاش وهذا أدى الى إصدار الأحكام بحق المرأة حتى بدون تحقق ودراسة للأ سباب المؤدية لهذا الأمر , فجاءت هذه الرواية لتكشف لنا جوانب خفية من ذات المرأة وهواجسها وآلامها وتسير بعقولنا الى مساحاتها الشاسعة بوعي وإدراك وحس عال ٍ ( العرابات يستعجلن العريس ليناولهن دليل الشرف والعفة , راية الانتصار المتمثلة بقطرات دم منقوع على منديل أبيض لايتجاوز طوله المتر الواحد ...... وإن تأخر ولم يستجب لطلبهن سيكسرن عليه الباب ) وبما أن ( غالية ) تظن أنها لاتملك هذا الدليل لأنها تعتقد بأنها قد فقدت عذريتها عندما كانت في سن السابعة بسبب سقوطها أرضا ً من مكان مرتفع وظل هذا الاعتقاد راسخاً في عقليتها فالمجتمع والعادات لاتسمح لها بالاستفسار عن مسببات هذا الدم فهي أنثى والتطرق الى هكذا مواضيع يعتبر عيباً يدخلها الى متاهات هي في غنى عنها فأخذت تركز على دراستها لانها تعتبر النجاح والتسلق الى مراتب العلم منفذاً لها تحقق أحلامها وتبعدها عن الزواج وبالتالي المسائلة والعقاب الذي سيكون قاسياً حتما .. بل مميتاً .

الزمن
للزمن أهمية كبيرة في الرواية باعتباره ركيزة أساسية تستند إليها العملية السردية فلايمكن لنا أن نحيط بكيفة الاشتغال على عامل الزمن في أي عمل أدبي دون التوقف عند دلائل تربط خيوط ذاك العمل , وبالتالي فإن وجود الزمن في النصوص السردية حتمية يتخذ أشكالا ً متعددة ربما تكون لحظاتها متتابعة أو متناثرة تقوم على الانتقائية التي تحدث ترابطاً يعمد اليها المؤلف عبر البحث عن علاقات تربط الأحداث بعضها بالبعض الاخر وهذا الأمر يتضح جلياً في رواية الكاتبة زكية ( نهاية السر الخطير ) ففي الفصل الأول نجد بأن الكاتبة تحاول تكريس عامل الزمن لخدمة النص ككل ( وصلت علية من تونس العاصمة الى مطار كوبنهاجن . كانت الساعة تشير الى العاشرة صباحاً لم تكن تعرف أحداً في هذا البلد , كما أنها لاتعرف الى أين ستستمر في رحلتها متسائلة في نفسها : لماذا النرويج ؟ فأنا لاأعرف لغة هذا البلد ولم أسمع عنه قط ........لم تحصل على رحلة قريبة , لابد أنها ستنتظر حتى الساعة الثامنة ليلاً ) وهذا الوقت كان كافيا لسماع غالية وهي تحكي لها وجعها وكيف كان الزمان يضخ في فضاءاتها أشكالا من الظلم فوصلت الى ما وصلت اليه .

الفلاش باك
كما كان لخاصية الاسترجاع أو ( الفلاش باك ) دوراً فاعلا في البناء الدرامي الفني للرواية وسببا ً لإظهار الاضطرابات النفسية التي كانت تصاحب ( غالية ) على الدوام ولبنة أساسة في هيكل الصورة السردية للحدث العام في النص وهذا ما أضاف له طابعا ً خاصاً وجاذبية تدفع بالمتلقي للغوص في مفازات الرواية ومتابعة أحداثها وبالتالي ربطها الموضوعي بالهدف المزمع إدراكه , فاستعادة الراوي لعناصر وأحداث من زمن الى زمن آخر بإتقان وحرفية ظاهرة في بنية العمل أضاف له بعداً آخر وهذا مانلاحظه في أغلب فصول الرواية التي بلغت سبعة عشر فصلا ً ( فغالية إتخذت من ( علية ) رفيقتها في السفر جمهورا ً تروي لها أحداث مؤدية لهروبها المستمر من مجتمعها المتزمت حسب تصنيفها المثبت بقرائن ودلائل من واقع تجربتها الغنية فهي قد قررت العيش في مجتمع متحضر متسامح مع المرأة أو بالاحرى مع سرها الخطير الذي يعتبر مأزقها الأزلي ( - أمسكت يدها وتوغلت بين أشجار الصنوبر .

أختي لقد رأيت دما أحمر في ... ولا أعرف من أين جاء ؟؟ ابتسمت إبتسامة خبيثة وقالت أريني هذا الدم .
أطلعتها على بقعة الدم فنظرت اليها بإمعان ثم تطلعت الي ّ من غير أن تتفوه بكلمة .. كنت أرى في عينيها مئات الاسئلة .....لكنها لم تقل شيئا ً بل وقفت بسرعة والتفتت يمنة ويسرة لتتأكد إن كان هناك أحد إخوتي أو شخص بالقرب منا , ثم قالت : لنذهب بسرعة الى الحمام لكي أغسل بقعة الدم ولاتخبري أحدا عن هذا السر الخطير ... ماذا تقصدين ؟؟. هل أنا مريضة ؟؟).

المكان
للمكان حضور فاعل وضروري في حياة كل منا فهو الذي يرسخ فينا الانتماء للأرض والشعور بالمواطنة وهو بالتالي رمز وواقع وتاريخ , و ان علاقة الانسان بالمكان لايختلف عن الشعور بالزمان وذلك بمقتضى التآلف والترابط بين الإثنين فالطبائع والصفات والسلوك من تشكيلات المكان والبيئة وقد حاولت الأديبة زكية خيرهم إبراز هذا الجانب ومدى تأثيره على شخصية ( غالية ) حيث كان تنقلها المستمر بين المغرب وليبيا مروراً بصحراءالجزائر ومن قبلها أمريكا التي زرعت فيها بذرة التفاؤل بمستقبل مرموق واستقلال بذاتها عاملا ً أساسياً في بناءأفكارها وفتح مسامات رؤيتها وطروحاتها بل تحديها لكل ماهو ضد المرأة والطموح في سبيل الحرية والوصول الى مبتغاها فتواجدها في ليبيا وأمريكا أحدث عندها تغييرا ً في المكان لكنها لم تيأس ولم تستسلم للمغريات الكثيرة التي صادفتها مع انها تلك الفتاة الخجولة الغريبة عن هذا البلد بل ازداد لديها الاصرار للبقاء وشق الطريق نحو مراقي العلم ( بعد أربع ساعات تقريبا ً توقفنا في مدينة صغيرة أخرى في الجزائر . دخلنا الى مطعم لم يكن يختلف عن ذلك الذي تعشينا فيه .. كل شيءكان لونه أخضرا ً غامقا ً الكراسي والطاولات ولون الجدران .. وكالعادة إنزوى العجوز مع زوجته في زاوية ف يالمطعم .... كان سهيل وزكريا ينظران الى سمير ويتغامزان عليه ويضحكان .. احمر وجهه خجلا .. )

نهاية سري الخطير رواية جريئة ذات طرح مميز وبناءمتكامل لواقع المجتمع الشرقي وهي رسالة واضحة تدق جرسالانذار في العقول المتحضرة للعمل على نشر الوعي السليم للحاق بركب التطور وعدم الوقوف موقف المتفرج ومنح المرأة مساحة أكبر من الحرية لتأخذ دورا اوسع في كافة مجالات الحياة .

ما تمتاز به هذه الرواية هو الكيفية الحاصلة في مجتمع قيدته شروط القبلية المتزمتة بعادات وتقاليد جعلت من المراة لها حدودا غير مسموح بها في التداول لذا كانت هذه الرواية هي أداة شرط ديمقراطي ينفتح على أفق واسع في المجتمع الشرقي ولأجل خلق الحوار بين البيئات كي لاتحصل مثل هذه النهايات التي يفتض بكارتها السر الخطير إن الاندماج في خلق عقلية متنورة من خلال الروائية مع المجتمع هذا بحد ذاته تحد مغامر في كشف إشكاليات المجتمعات التي تقبض روح المزايا النبيلة عند المرأة .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-13, 06:31 AM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

******


كل القلوب افـ يـوم ميلادك ورود
يا وردة ٍ ماتـــشبـــهــك ايــــ وردة
هذا الفرح ماله بهاللحظـة حدود
وده يســولف للـزمن عنـك ودَه
ياللي القلوب افـ يوم ميلادك ورود
ياوردة ٍ بـك ياصل الزين حــد ِّه


************************



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-17, 05:48 PM   #27

ابوجدوع

? العضوٌ??? » 393978
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 94
?  نُقآطِيْ » ابوجدوع is on a distinguished road
افتراضي نهاية سري الخطير

في مجتمعاتنا يتم الخلط بين العادات وبين أحكام الإسلام وتصبح تلك العادات سيفا على رؤوس الناس لا يصح مناقشتها

ابوجدوع غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-01-19, 12:03 PM   #28

Eman Hassoun

? العضوٌ??? » 388322
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 457
?  نُقآطِيْ » Eman Hassoun is on a distinguished road
افتراضي

يما هاي روايه نرفزتني متوقعتش انو في هيك اشي لحد اسا الحمدلله اني من فلسطين لانو ممنوع تعدد زوجات ويلي بتزوج مرة ثانية لا تعد زوجة قانونيا والاشي كثير قليل وبالنسبه للتعليم مختلط والكل مجبور ينام برا حد جامعة بالسكن او بشقة قريبة مع انو ديانات مختلطة ولا مرة شفت هيك مضايقات عالطالعة ونازلة بس يشوفو اني انا لابسة بتجاوزوش بالحكي معنا ومحدا بلمس حدا حتى بغضو البصر مع انو عنا بالبلد بيجو عقدين بالنسبه لالي وتعقدت من مجتمع ذكوري بس عالقليلة في مساواه بالتعليم اما بالنسبه لسهر طبعا ممنوع عالمغرب لازم اكون بالدار اذا مكنش تعليم لانو احنا منخلص تعليم عتسعة بليل فابوي كان معارض الاشي بالاول بس تعليم بيجي قبل كلشي واصلا فش بنات بتجوزو الا اذا خلصو تعليم لانها اذا بلا تعليم وشغل محدا بتقدملها ومش ضرورة الزواج بالاخر بتقدر تضل عند دار ابوها ومفشاجبار مش اذا متجوزتش يعني عار 😡😤 واذا كان شغل بعيد بتنام برا بهاش اشي اصلا سفر من اول فلسطين لاخرها ماكسيموم 6 ساعات بالسيارةالحمدلله عنا الاشي اوعى وفش هاي تقاليد باليةالحمدلله الحمدلله


التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 05-04-19 الساعة 09:55 AM
Eman Hassoun غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-02-19, 07:35 AM   #29

Asmaa1997

? العضوٌ??? » 438166
?  التسِجيلٌ » Jan 2019
? مشَارَ?اتْي » 129
?  نُقآطِيْ » Asmaa1997 is on a distinguished road
افتراضي

لا اله الا الله

Asmaa1997 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للكاتبة, مكتملة, الخطير, خيرهم, زكية, نهاية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:26 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.