صاحب الكلمة

[الجابري الجابري]

المقدمة

دعوني أكون تلقائياً وبسيطاً في سرد قصتي التي سيجدها أكثركم صعبة التصديق. في سبتمبر من عام 2009م كنت أمارس هوايتي الجيولوجية وهي البحث عن بلّورات المعادن والمتحجرات في الجانب الشمالي الغربي من جبل حفيت في المنطقة الشرقية من الامارات، وأذكر تاريخ اليوم بالضبط -13 سبتمبر-لأني في ذلك اليوم بالتحديد كنت أنوي البقاء حتى الليل لأراقب طلوع نجم سهيل الذي يعني انتهاء فصل الصيف من أعلى الجبل. قصدت مكاناً بين انثناءات الجبل وحرصت على إخفاء سيارتي في منخفض بين الصخور خوفاً من الفضوليين. بعد ساعة من البحث بين صخور السفح والجزء الأدنى من الجبل جمعت عدّة متحجرات لكائنات قديمة من القشريات وبعض قطع الكوارتز الدخاني، ثمّ وجدت شيئاً جعل قلبي يقفز من الفرح. ما وجدته كان حجراً أسود بحجم قبضة اليد وله جزء مسحوب كثمرة الفراولة. بالنظر لشكله ووزنه الثقيل ووجوده في منطقة أحجار رسوبية فقد تعزز اعتقادي بأنّ يدي قد وقعت على نيزك تاريخي، وهو كنز ثمين بكل المقاييس، وما زاد الأمر أهمية هو طريقة انحشاره بين الصخور، أي أنّه لم يسقط حديثاً، بل سقط منذ مئات ملايين السنين هي عمر صخور جبل حفيت الرسوبية.

أخذت الحجر عائداً للسيارة وأنا أتلهف للوصول، كانت هناك طريقة بسيطة للتأكد من أنّه فعلاً نيزك سقط من السماء، فإن كان يتأثر بالمغناطيس فهو نيزك، وإن لم يكن فهو ليس نيزكاً على الأرجح. كانت حافظة هاتفي تغلق بواسطة قطعة صغيرة من المغناطيس، حين وصلت السيارة أخرجت الهاتف وفصلته من الحافظة. فردت الحافظة ورفعتها بشكل متدلّي بيدي اليمنى، كان قلبي يقرع طبوله وأنا أقرب الحجر الأسود منها باليد الأخرى، وما إن اقترب الحجر حتّى أخذت الحافظة تنثني لأعلى بصورة قوية مدهشة........قفزت كالأطفال.....وبقيت أقلّب الحجر وأعيد تجربة المغناطيس مرّة بعد مرّة وأنا أبتسم، فقد صرت مكتشفاً لنيزك تاريخي له قيمة علمية وتاريخيّة كبيرة.


روابط الفصول

المقدمة .. اعلاه
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس ج1
الفصل السادس ج2
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع

[الجابري الجابري]

الفصل الاول

بالطبع نسيت أمر استطلاع نجم سهيل، فقد استحوذ التفكير في أمر النيزك كل ذرّة في عقلي. تخلّصت من كل ما جمعته من متحجرات وأحجار في حقيبة الظهر ووضعت فيها النيزك وحده كالملك بعد أن لففته في أحد جواربي. كنت أحسّ بنشوة كبيرة وأنا عائد للبيت، ولم أقرر بعد ماذا يمكن أن أفعل بالنيزك، هل أسلّمه لجهة رسميّة في الدولة؟! وماذا لو لم أفعل؟!......هل سأتحمل أي مسئوليّة؟!......وهل يمكن أن يبقى بحوزتي حتى لو أبلغت عن حصولي عليه؟!
تلك التساؤلات كانت تدور في رأسي حتى وقفت سيارتي أمام باب البيت، وحين أطفأت المحرك تذكّرت أمراً غريباً، يبدو أنّي لفرط فرحتي بالنيزك لم أنتبه حين كنت أجري اختبار المغناطيس، لقد كان النيزك دائماً وعلى كل الجهات يدفع المغناطيس بعيداً ولا يجذبه. بسرعة أخرجت النيزك وأعدت الاختبار.......حقاً لقد كان أمراً غريباً، المغناطيس في كل الأحوال يندفع بعيداً عن الحجر الأسود.
لم أتخيّل أي تفسير معقول لتلك الخاصيّة الغريبة، لكن ذلك لم يكن بأي حال من الأحوال ينقص من فرحتي العارمة بالحجر الأسود، ولمدّة أسبوع كامل كنت أنام وأنا أتأمله، وحين أصحو أطمأن عليه وأحييه بابتسامة فرح. ولأرضي غروري أكثر وأزداد ثقة بإنجازي بدون الكشف عن السرّ أخذت من الحجر قطعة صغيرة بحجم ظفر الاصبع، فصلتها بعناية شديدة بواسطة كلّابة مسامير وأخذتها لمختبر الجامعة الجيولوجي. حرصت بالطبع أن أذهب برفقة أحد الأصدقاء العاملين بالجامعة، وادّعيت أنّ أحدهم يعرض عليّ حجراً للبيع بدعوى أنّه نيزك وأني أريد التأكد من خلال العينة التي معي.
في اليوم التالي ذهبت للجامعة لأعرف نتيجة الفحص، وجدت بانتظاري استاذان للجيولوجيا متلهفان لاستجوابي، أثار ذلك في نفسي غروراً لكني حاولت أن أبدو طبيعياً، قال أحدهما – أظنّه رئيس قسم علوم الأرض - وهو يقلّب قطعة الحجر بين إبهامه وسبّابته وعيناه تطفر من الدهشة
-هذا عجيب جداً يا أخ سالم.....هل تصدّق أنّي البارحة سهرت لساعات طويلة وأنا أبحث في عدّة مراجع عن سرّ هذا الشيء!!!.
-لا أفهم سبب حيرتك أستاذي، ما وجه الغرابة في هذا الحجر؟.
-سأخبرك.....كما فهمت من صديقك أحمد أنك هاوٍ لجمع الأحجار والنيازك، وأن المفترض بهذا الحجر أن يكون عيّنة من نيزك. قد يكون حقاً نيزك، وتركيبه على كل حال يشابه النيازك، فهو يتكون من حديد المغنيتايت والنيكل. لكن هناك ما هو أعجب بكثير.
-حقاً؟!.....ما هو ؟!.....أخبرني أرجوك.
-كما تعرف، جزيئات المعادن الذائبة حين تتجمد تتأثر بالمجال المغناطيسي للأرض، وتتوزع بترتيب معيّن تبعاً لذلك، لكن جزيئات هذا الشيء مرتبة بطريقة دائرية وكأنها تجمّدت في مكان خال من أي مجال مغناطيسي، وهذا غير ممكن بالطبع، ولا حتى في ظروف صناعية مفتعلة، اللهم إلا إذا افترضنا أن هذا الشيء قد تجمّد بالضبط في وقت كانت الأرض تغيّر اتجاه مجالها المغناطيسي، وهذا بالمناسبة قد حدث قبل أزمان سحيقة. على كل حال أنت يهمّك فقط كونه نيزك أم لا، وأنا أرجّح أنّه نيزك.


خرجت وأنا ممتلئ إثارة، وتملّكني فضول أكثر، ولذلك قررت العودة لذات المنطقة من الجبل علّي أجد شيئاً جديداً. ليومين أو ثلاثة أيام من كل أسبوع كنت أنتهي من عملي في البلدية لأتوجه مباشرة لتلك البقعة من الجبل، استمرّ ذلك لمدّة تزيد على الثلاثة أشهر، حتى اضطررت للكذب على أمي والادعاء أن مديري في العمل يكلّفني عملاً إضافياً.
كانت المنطقة التي أبحث فيها على شكل لسان داخل الجبل، أو على شكل حرف يو اللاتيني، قست أبعادها من خلال الصور الجوية المتوفرة على جوجل إيرث، طولها يبلغ ثمانمئة متر، وعرضها لا يتجاوز المئتي متر. الحجر الأسود، أو النيزك كما كنت أعتقد حينها كنت قد وجدته في نهاية تلك المساحة في الجزء الأدنى من الجبل. في نهاية الثلاثة أشهر لم أكن قد وجدت شيئاً وتلاشى حماسي لمواصلة البحث. ذلك اليوم كنت قد صعدت لمكان مرتفع، أحسست بالتعب فجلست للراحة وأخذت أتمعّن في المساحة المنبسطة في الأسفل، لاحظت شيئاً غريباً، في وسط تلك المساحة هيئ لي أنّي أرى تشكيلات منتظمة لمربعات متداخلة لكنها غير واضحة، وكأنها ممرات ضيّقة، وربّما ظننت أنها بقايا لأساسات مباني متجاورة.
نزلت مسرعاً للأسفل واقتربت من تلك التشكيلات الحجرية التي يصعب ملاحظتها عن قرب بسبب عوامل التعرية وتراكم الطبقة الطينية ونمو الشجيرات، لكنّي استطعت تمييز حدود التشكيل وساعدني على ذلك وجود بعض الأحجار الناشزة بوضوح في بعض الزوايا. كان الأمر محيراً جداً، ولم أستطع أن أفكّر في شيء حتى قاربت الشمس على المغيب وركبت سيارتي متجهاً للبيت.
كالعادة، قبل النوم تأتيني أفضل الأفكار، فكّرت في عمل رسم مساحي هندسي لتلك المعالم الغريبة على الأرض لتتضح الصورة، في اليوم التالي أخذت إذناً بالخروج مبكراً من العمل للهفتي الشديدة لتنفيذ الفكرة. هناك كان علي أن أختار نقطة مرجعية وانطلاقاً منها يمكن قياس المسافات والزوايا لكل أحجار وملامح الشكل الظاهرة. اخترت أكبر حجر في البقعة وكان مسطحاً ومنه انطلقت لتسجيل القياسات. عندما عدت للبيت في المساء ورسمت الشكل على الورق اعتماداً على المسافات والزوايا، وقبل حتى اللمسات الأخيرة أصبت بدهشة لا توصف. بل كان شعر جلدي يقف وموجات القشعريرة تأخذني من قمة رأسي حتى أخمص قدمي كلّما نظرت للخطوط التي ظهرت أمامي. ما ظهر أمامي كان عبارة عن متاهة......متاهة واضحة من سبع مستويات متداخلة، والحجر المسطح الذي اخترته نقطة مرجعية لم يكن سوى مركز المتاهة الذي يفترض أن يصل له من يدخلها.لم أستطع النوم تلك الليلة من فرط الإثارة. إثارة تفوقت بكثير على إثارة النيزك.
وكأنّي كنت أساق لطريق محدد، أُثناء تصفّحي رسائل الواتساب التي عادة لا أقرأها خصوصاً تلك التي من خلال المجموعات. قرأت لأحد زملاء العمل وهو يحكي عن تجربته في علاج الغدّة الدمعية في العين بدون عمليّة. هذا كان أمراً مهماً لي لأنّي كنت أعاني من نفس المشكلة، وكنت أخشى من العملية بشدّة. التقيته في صباح اليوم التالي وأخبرني أنّه عرف أثناء زيارته لجمهورية جورجيا عن طبيب روسي يعالج انسداد الغدة الدمعية بالضغط بأصابعه فقط، ولا يستغرق الأمر سوى ثوان معدودة.
أخذت إجازة وحجزت مقعداً لرحلة إلى تبليسي عاصمة جورجيا. وكان الأمر فعلاً كما حكى لي زميلي، تدليك خفيف في أعلى الأنف ثمّ ضغطة قوية في محجر العين. أحسست بخروج شيء ما مع ألم شديد، بعدها أحسست براحة وتدفق الدمع بصورة متواصلة. لم يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة وبدون أي أدوية، ومع ذلك فقد نصحني الطبيب العجوز بأن أتجنّب ركوب الطائرة لمدّة أسبوع على الأقل لاحتمال تأثر الغدّة بانخفاض الضغط الجوّي.
أمضيت يومين في العاصمة، وكانت النصيحة العامة التي أسمعها هي أن أذهب لمدينة باتومي الواقعة على ساحل البحر الأسود لشهرتها السياحية. بعد وصولي لباتومي، وفي أول خروج لي من الفندق باتجاه الواجهة البحرية مررت بمتحف باتومي الطبيعي. هممت بالدخول إلا أنّ حارس الأمن الذي كان ينظر لي وأنا أقرأ اللوحة الإرشادية أشار بيديه بأن المكان مغلق وعلي أن أعود غداً، توقفت لثواني أتأمل المبنى والمحيط به لأتمكن من العودة له. نسيت الأمر حتى تذكرته في اليوم الثالث، حين دخلت أحسست من ردّة فعل موظفي الاستقبال أن زوار المتحف نادرين، حتّى أن كل صالات العرض كانت مقفلة واضطرت مشرفة الطابق السفلي للبحث عن المفاتيح في عدّة مكاتب حتى وجدتها. في الطابق الثاني رافقتني مشرفة أخرى، اسمها سيرينا، بدت في نهاية العشرينات من عمرها، وأعترف أنّي بذلت جهداً كبيراً في التركيز أثناء شرحها عن موجودات المتحف بسبب جمالها المبهر. كان جمالاً ناضجاً يأخذ اللبّ.

[الجابري الجابري]

الفصل الثاني

من الموجودات التي توقفنا عندها طويلاً العملات النقدية التي تؤرخ للتأثير العربي والإسلامي في جورجيا. كانت سيرينا تتحدث بإسهاب شديد، وبلغة انجليزية شهيّة قلّما يوجد من يجيدها في جورجيا. وأنا لم أكن لأمانع حتى لو بقيت أستمع لأسبوع كامل، فكلامها ونظراتها ومشيتها ووقفتها كانت سيمفونية رائعة، حتى رنين المفاتيح التي كانت تلوح بها كان لها وقع ساحر.
في نهاية حديثنا أمام خزانة العملات المعدنية خفضت سيرينا بصرها في نظرة خجولة، ثمّ دعتني لتناول الشاي في مكتبها. مشت أمامي بدون أن تنتظر الجواب، وكأنها كانت متأكدة من أن لا يمكن لأحد أن يقاوم أو يتأخر.
تبعتها على أيقاع كعبها وهو يعزف على الأرض المخشّبة وتأرجح ذيل الحصان بين كتفيها. دخلت مكتبها وأشارت لي لأجلس. أحسست بخجل شديد أمامها، ولم أعرف عن أي شيء أتحدّث. خطر لي أن أسألها عن تاريخ دخول المسيحية لجورجيا، أخبرتني أنّ ذلك حدث في القرن الرابع الميلادي. لم أجد شيئاً آخر أتكلم عنه، أخذت أجول ببصري في الصور المعلّقة فإذا بشيء جعل عيناي تتسمّر وأنفاسي تتحيّر. كان ذلك الشيء هو صورة علوية لأشخاص ينّقبون في موقع أثري يشبه إلى حدّ بعيد المتاهة التي وجدتها في جبل حفيت، لم تكن عيني لتخطئ أبداً، المدخل والمركز والمستويات السبعة.
تمالكت نفسي وقلت لها بكل هدوء وأنا أشير للصورة
-ما هذا الموقع يا سيرينا؟!
-آهـ.....هذا الذي تراه في الصورة بروفسور آثار روسي مشهور، وقد أكتشف هذا الموقع في سبعينات القرن الماضي، وهو عبارة عن متاهة.
-متاهة!......وهل هذا طبيعي؟!....أعني لماذا كان الأقدمون يبنون المتاهات؟
-غير معروف بالضبط لماذا. هناك تأويلات عديدة، منها اعتقادهم أن الأرواح الشريرة لا تسير إلا في خطوط مستقيمة، ولذلك فهي لا تستطيع الدخول للمتاهة. ويجب أن تعرف أن المتاهات قديمة قدم الانسان، وقد وجدت في أماكن كثيرة، خصوصاً بالقرب من دور العبادة. بالقرب من بلادكم بنى السومريون والأكاديون والفينيقيون الكثير منها.
-معلومات رائعة سيرينا، أعترف أنّك مفاجأة جورجيا بالنسبة لي. يبدو أنّك تعرفين الكثير عن حضارة الشرق الأوسط.
-شكراً لك. أنا مهتمة كثيراً بتاريخ تلك المنطقة لأن التاريخ بدأ فيها، وما يلهمني أكثر هو نشأة الأبجديات، تلك هي العبقرية الحقيقية التي تشكّل عليها بعد ذلك كل ما نراه من علوم. ولا يداخلني أي شك أن فكرة اللغة هي أعلى وأكثر تطوراً من العقل البشري ذاته، ولذلك فهي بالتأكيد ليست من إنتاجه، بل أُهديت له من أعلى.
بمقابل فنجان الشاي في المتحف دعوت سيرينا على العشاء. ودعتني بالمقابل لتناول الغداء مع عائلتها لأكتشف سبباً آخر يشجّعها على الاهتمام بالحضارة العربية، لقد كانت والدتها من الأقلية الآشورية في العراق، وكم كانت المفاجأة كبيرة حين استقبلتني بعبارات الترحيب العربية بلهجة عراقية رشيقة.
بقيت في باتومي عشرة أيام، قضيت كل الوقت مع سيرينا، حتى أثناء دوامها في المتحف كنت معها واستفدت من معرفتها الشيء الكثير، وفي موعد رحلة العودة لدبي أصرت أن تقلني مع أخيها لمطار تبليسي الذي يبعد أكثر عن خمس ساعات بالسيارة. العجيب في الأمر أننا ورغم تأثرنا بالوداع لم أعدها بالعودة أو بلقاء ثان، ولا هي سألتني إن كنت سأعود، وكأن كلينا كان متأكداً من أمر ما.
بعد عودتي للعين بيومين أردتهما إجازة لعيني من نور الشمس المبهر وغبار الصحراء عدت لموقع المتاهة في جبل حفيت، وقفت أتأملها وأدور حولها وأنا أحمل بيدي المخطط الذي رسمته على الورق وفي رأسي تلك الصورة التي رأيتها في مكتب سيرينا. اقتربت من الصخرة المركزية المسطحة، حفرت التراب عن حافتها لأتأكد أنها متجذّرة في الأرض وليست واقعة هنا بالصدفة. حفرت لعمق يزيد عن العشرين سم وجذر الصخرة مازال يضرب في الأرض لكن لونه في الأسفل بدا داكناً أكثر. أخذت مفتاحاً من جيبي وخدشت سطح الصخرة من الأعلى ومن الأسفل، كانت النتيجة غريبة جداً لأن الخدش الأسفل أنتج مسحوقاً رقيقاً يلمع في نور الشمس أما الجزء الأعلى فكان بالكاد يتأثر بالمفتاح.
ذلك قادني للافتراض أن الجزء الأسفل مكوّن من مادّة جزيئاتها أصغر ومغايرة لجزيئات الجزء الأعلى من الصخرة حتى وإن بدت كلها صخرة واحدة. تذكّرت كيف كنّا نختبر بعض المتحجرات لنعرف أنها طبيعية أم صناعية تم تقليدها باستخدام الطين ووضعه في أفران لتظهر بعد ذلك كأنها قديمة. تفحصّت الصخرة جيداً بعد أن حفرت عن حوافها من كل الجهات، واكتشفت شيئاً مذهلاً.


تأكدت أن الجزء العلوي صخرة طبيعية، وأما الجوانب فهي فخّار صنع بعناية فائقة ليشابه الصخرة ويعتقد الناظر إليه أنهما شيء واحد، ولطول بقاء الفخار تحت الأرض تغيّر لونه قليلاً ولولا ذلك لم أكن لأنتبه للأمر.
لكن لماذا يفعل أحدهم ذلك؟!
لأعرف الجواب تعمّقت في الحفر لحوالي نصف متر دون أن يتضح شيء، ثمّ لم أستطع الحفر أكثر بسبب وجود طبقة متراصة من الصخور. وأنا أعيد دفن التراب حول الصخرة سمعت شيئاً كاد يطير له قلبي، صوت اصطدام الحجارة الصغيرة في الصخرة كان غريباً، أمسكت المطرقة بالمقلوب وطرقت على الصخرة بالجزء الخشبي، تأكدت فعلاً من الملاحظة، وابتسمت ابتسامة فرح مع أن القشعريرة كانت تكهرب جسدي. كان صوت الطرق على الجزء الفخاري الأسفل من الصخرة ينبئ بلا شك أنها مجوفة، ولم تكن لتصنع مجوفة وتموّه بهذا الشكل وتوضع في وسط متاهة إلا لأنه يمكن المرور من خلالها......لكن المرور إلى أين؟

احترت فيما يجب أن أفعل، وكان ينتابني القلق من المسائلة القانونية. عملية التقاط حجر من على سطح الأرض كالمتحجرات أو معاينة صفوف أحجار متناثرة شيء، وأمّا حفر الأرض فشيء آخر. فلكي أعرف أكثر كان علي أن أحفر تحت الصخرة لعمق كبير وكسر الفخّار. كنت أصعد بالسيارة في الشارع الصاعد للجبل وأتوقف لمراقبة المكان من أعلى، في إحدى المرات لمحت ثلاثة أجانب يمارسون رياضة قيادة الدراجات، أوقفوا سيارتهم في إحدى الفسح بين ثنيات الجبل ونصبوا خيمة صغيرة للراحة. واتتني فكرة رائعة.
اشتريت دراجة هوائية وخيمة وانتظرت ليوم الجمعة. خرجت من البيت قبل صلاة الفجر متجهاً لذلك المكان الذي أصبح ملهمي لشتّى أنواع الأفكار والتخيلات عمّا يمكن أن أجده في الأسفل. بالطبع كان للخوف نصيب من تلك الأفكار، لكن الرغبة في الاكتشاف كانت أقوى بكثير. وصلت المكان مع بداية انشقاق النور، نصبت الخيمة فوق الحجر المسطح مباشرة وأنزلت الدراجة وتركتها على باب الخيمة، وإمعاناً في التمويه أحضرت معي صندوق تبريد وملأته بالمشروبات ووضعته في زاوية الخيمة. كل من كان سينظر كان سيعتقد أنّي أحد أولئك الذين يمارسون رياضة الدراجات الهوائية.
قطعت الفراش البلاستيكي المبطن لأرضة الخيمة بالمشرط لأكشف عن الصخرة وما حولها. اقتربت بوجهي لأتفحص الحدود بين الصخرة العلوية وجدار الفخار الذي يشبه الرقبة تحتها، جاءتني رائحة برودة، عرفت أن هناك مسامات تتسرب منها البرودة، دققت أكثر فتبيّنت منطقة الالتصاق بين الحجر والفخار والذي لا شك أنه صنع بعناية فائقة، لكن عوامل الحرارة والرطوبة وطول الزمن فكّت اللحمة بينهما في بعض النقاط. تركت عدّة الحفر وأحضرت مفكّ البراغي من السيارة، حاولت إدخاله في بقعة هشّة بين الصخرة والرقبة الفخارية، واجهت صعوبة في البداية ثمّ اندفع المفك في الفراغ الداخلي. تأكدت الآن أن هناك فراغ بالداخل، وبدأت بتتبع الأماكن الهشّة بالمفك على كل الحواف، بعد حوالي الساعتين كنت تقريباً قد فكّكت كل اللحام بين الصخرة والرقبة وأصبحت كغطاء البئر يمكنني إزاحتها بسهولة.
توقفت عن العمل وأعدت البطانة البلاستيكية لتغطّي الصخرة، خرجت للخارج وأخذت زجاجة ماء وجلست للتفكير في السيّارة. كنت أراجع نفسي، هل فعلاً أريد أن أفتح ذلك الشيء؟!.....وأي شيء يمكن أن يكون بالداخل؟!....ربّما يكون قبراً!......أو وكر أفاعي!....أو مجرّد بئر قديمة.......لكن لماذا تقام متاهة لقبر أو لبئر؟!. ما دمت وصلت لهذه المرحلة ولم يتبّق غير إزاحة الحجر فسيقتلني الندم إن لم أفعل.
بالطبع كنت خائفاً. فكّرت بدفع الحجر بطرف المجرفة والبقاء بقرب باب الخيمة تحسباً لخروج شيء ما من تلك الفوهة. أحسست أن الحجر ينزلق بسهولة فوق الفوهة، عندما تزحزح قليلاً لاحظت أنّه مصقول من الأسفل بشكل متقن. أزحته للنصف ولم أجرؤ بعد على النظر، لكن كان علي حينها أن أقترب أكثر إن أردت أن أزحزحه بسبب قصر عصا المجرفة. توقفت أفكّر للحظة، ثم استجمعت شجاعتي وأضئت المصباح اليدوي ووقفت، اقتربت ببطء شديد وأنا أٌردد الآيات والأدعية، وجّهت ضوء المصباح للفجوة، استطلت برأسي ورقبتي في حذر شديد. المفاجأة أن المكان في الأسفل لم يبدو شديد الظلمة، بل بدا أن نوراً فضياً خافتاً ينعكس على جدران الفوهة التي بدت بدورها كأنها صنعت للتو، كانت ملساء نظيفة لامعة.
استدرت قليلاً وخفضت رأسي لأوسع من زاوية الرؤية للداخل، فرأيت طرف نتوء لم أتبيّنه في حينها. قوي قلبي على إزاحة الحجر مع أنّي بقيت على حذري. بدفعة قوية واحدة انزاح الحجر وانكشفت كامل الفوهة، تراجعت بضع خطوات للوراء وانتظرت لبعض الوقت. لم يحدث شيء ولم يخرج أي وحش، بدت الفتحة أليفة وطيّبة، تلبّسني اطمئنان عجيب واقتربت بكل ثقة وكأني أقترب من باب غرفتي.
النتوء الذي لمحته من قبل كان جزءً من أول درجة من درج هابط. جثوت على ركبتي وقرّبت رأسي أنظر للداخل

[الجابري الجابري]

العجيب أن الداخل لم يكن شديد الظلمة، بل أقرب لبهاء ليلة قمرية. أضأت المصباح اليدوي ووجهته للداخل، كان هناك الدرج الهابط لمسافة لا تزيد عن الثلاثة أمتار، أي بارتفاع سقف غرفة عاديّة، وأما طول وعرض المكان فكانا أيضاً مثل أبعاد غرفة، حوالي أربعة أمتار عرضاً وخمسة أمتار طولاً. ليس هناك أي شيء بالداخل، بدت الأرضية نظيفة جداً كأنها مسحت للتو. حتى الهواء الصاعد من الداخل كان بارداً وزكياً، والأعجب أنه كان يخلو حتى من الهباء الذي يمكن رؤيته في ضوء المصباح.
بعد كل هذا كان الوقت قد تأخر، وأحسست بإجهاد شديد، قررت العودة للبيت ومن ثم التفكير فيما يجب أن أفعل. أعدت الصخرة لمكانها بعناية ودفنت حولها. رششت مكان الحفر بالماء لتثبيت الرمل لألا يلاحظ أحدٌ شيئاً، طويت الخيمة وألقيتها بالسيارة هي والدراجة وعدت للبيت وبي شيء من الإحباط.....وكأنّي كنت أتوقع أن أجد كنزاً من الذهب أو الجواهر.
في تلك الليلة أمضيت الوقت حتى الفجر في محادثة سيرينا على الفيسبوك، ويبدو أنها بالكتابة كانت أشجع على الإفصاح عن طبيعتها المميزة، فبرغم مظهرها الصبياني ومشيتها السريعة وعباراتها العملية إلا أني اكتشفت تلك الليلة أنها أرق بكثير مما تبدو، وأن الجانب الروحاني-أو ما وراء المادة- يشغل جزءً مهماً من تفكيرها. لا أخفي عليكم، حتى أنا أؤمن أن لهذا العالم ظاهر وباطن، وأن إدراكنا للأشياء ناقص بسبب قصور عقولنا وحوّاسنا، لكننا مع ذلك لا نستطيع إلا التعامل مع ما تدركه حواسنا.

[الجابري الجابري]

الفصل الثالث

لمدّة شهر ونصف شغلني مشروع تحديث قاعدة بيانات نظم المعلومات الجغرافية الذي قامت به بلدية العين، لم يغب الأمر عن بالي بالطبع، ولم أكن لأقنع بأي حال من الأحوال دون النزول لتلك المساحة في الأسفل والتجول فيها. صحيح أن حماسي قلّ حين اكتشفت فراغ المكان، لكن بعض التساؤلات بدأت تلهبه. لماذا تلك الغرفة تحت الأرض غير مظلمة؟! ونظيفة؟! ولماذا تمّ إغلاقها بعناية كبيرة؟!.
خلال ذلك استمرّت علاقتي بسيرينا الرائعة. هي أيضاً كانت تعمل على مشروع توثيق مناجم الذهب التاريخية في جورجيا وفي باتومي بالذات، وحاولت من جانبي تقديم بعض المساعدة لها في مجال تطبيقات الحاسب الآلي، أما هي فقد استطاعت إثارة اهتمامي بالحضارات القديمة، وأحسست أنّ لديها صورة رومانسيّة عن العربي الذي بنى أجداده أولى الحضارات، وكانت تشير دوماً إلى القمّة اللغوية التي وصلوا إليها حتّى أنّهم اعتبروا غير العربي أعجمياً، أي لا يستطيع البيان، واستدعى الأمر أن يكون التحدّي لهم في لغتهم من الرب فقط. وكانت تصرّ على فكرة أساسية، وهي أنّ اللغة تشكّل خريطة الطريق العامّة للفكر، فهي ليست وسيلة تواصل فقط، وإنّما تؤطر التفكير وبالتالي ترسم مسار الحضارة للمجتمعات.


بعد فراغي من مشروع قاعدة البيانات توفر لي الوقت لإعادة التفكير والتأمل في مغامرتي السرّية. حسمت أمري وقررت النزول للغرفة رغم كل الهواجس اللامنطقيّة والمضحكة أحياناً من قبيل وجود الجن أو أن لا أستطيع الخروج من تلك الغرفة الأرضية. انتظرت يوم جمعة، واتبعت ذات أسلوب التمويه المتمثّل في الخيمة والدراجة. ويبدو أني خضعت أخيراً للوساوس المخيفة، فقبل أن أفتح الفوهة عدت للسيارة وكتبت رسالة توضح دخولي لغرفة أسفل الخيمة. عدت للخيمة وأغلقت الباب، أزحت الحجر وأنا أحاول التلبّس بالشجاعة والتحدّي. لكن مرّة أخرى بمجرّد نظري للدرج الهابط وأرضية الغرفة شعرت بطمأنينة وسكينة، ولم أشكّ أبداً حينها أن من قام بهذا العمل قام به بروح مطمئنه ولم يقصد به أن يكون مخيفاً، بقيت روح نيّته في المكان ترحّب وتقفز لقلب من ينظر.

بعد دقيقة تأمل قدّمت رجلي اليمنى للدرجة الأولى، وتبعتها اليسرى، ثم لم ألبث إلا وأنا على أرضية الغرفة أنظر للفتحة التي دخلت منها في الأعلى. جلت ببصري على ضوء المصباح اليدوي، لم أجد أي معالم لأي شيء. ثمّ لفت انتباهي دقة الدرجات التي هبطت عليها، وكأنها قطعت بشعاع ليزر. لمست إحدى الدرجات فكانت باردة وناعمة كأنها مادّة مصقولة. جثوت على ركبي لأتلمّس الأرضية، كان لها ذات الملمس. أطلقت ضوء المصباح على الجدران والسقف فكانت كلّها تبدو كأنها صنعت من مادّة واحدة. لكن ليس من معالم أخرى. فتّشت الأركان والزوايا، لم أجد أي شيء.


صرت أدور حول نفسي وفمي مفتوح من الدهشة وأنا أمسح جدران الغرفة ببصري، كانت الرموز الغريبة تملأ كل الجدران إلا الجهة التي يلتصق بها الدرج ملئت إلى النصف. كان واضحاً أنّها كتابة، السطور مستقيمة وتفصلها مسافات متساوية، وأمّا الرموز فقد نقشت بدقّة لا تصدّق.

لم أعلم كم من الوقت بقيت واقفاً حتى استوعبت المشهد المدهش، لكن بالتأكيد أن حلقي كان قد جفّ حين انتبهت. اقتربت من أحد الجدران ومددت يدي برهبة شديدة لأتلمّس الرموز، لكن ذلك زاد دهشتي أكثر، فالرموز لم يكن لها ملمس على الإطلاق، بل كانت كأنها ظلّ في الجدار. هذه الملاحظة قادتني لاستنتاج مهم يفسّر وجود الضوء والبرودة، افترضت أن الغرفة بنيت من مادّة تحوّل الطاقة الحرارية إلى نور فوسفوري، لكن هذا الأمر مع أنّه ممكن نظرياً إلا أنه يتطلّب معرفة وتقنيّة عالية ليست مشاعة حتى في زماننا هذا!!!، ثمّ بأيّ شيء استطاع من قام بهذا العمل أن ينقش هذه النقوش الكتابية بإطفاء هذه الخاصيّة بقلمه ليجعل الكتابة تظهر كأنّها ظلّ؟!؟!، ولا تظهر إلا عند غياب أي نور خارجي!!!.

أخيراً وجدت شيئاً صغيراً في قعر أحد الأركان، كأنّه جناح حشرة صغيرة، حاولت التقاطه بأطراف أصابعي لكنّي لم أستطع الإمساك به، بلّلت إصبعي من فمي ووضعته على ذلك الشيء فالتصق به، وضعته في راحة يدي وتمعّنت فيه طويلاً، وأخيرا رجّحت أنّه قشرة حبّة من الحبوب.

رفعت بصري لأعلى حيث الفتحة التي دخلت منها، فكّرت أن أغلقها وأنا بالداخل لأتبيّن مصدر الضوء في الأسفل. صعدت الدرج وسحبت الحجر حتى أعدته لمكانه على الفوهة. أخذت عيناي بضع ثوان حتى اعتادت انقطاع النور الخارجي. عدت للأسفل، أحسست بشعور غريب وصرت أنظر ليدي وثيابي، شعرت أنّي أسبح في نور رقيق بارد. لكن المفاجأة التي جعلت شعر جسمي يقف كالأشواك كانت حين وصلت للأسفل ونظرت لجدران الغرفة.

[سما نور 1]

مبروك روايتك واتمنى تنال النجاح الي تستحقه يارب

حبيت بس انوه انها بالمكان الخطأ ... اذا تحب لازم تبلغ أحدى مشرفات القسم حتى تنزلها بالمكان الصح ..اسفه على الازعاج

[الجابري الجابري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سما نور 1

مبروك روايتك واتمنى تنال النجاح الي تستحقه يارب

حبيت بس انوه انها بالمكان الخطأ ... اذا تحب لازم تبلغ أحدى مشرفات القسم حتى تنزلها بالمكان الصح ..اسفه على الازعاج

جزاكِ الله خيرا.....ما هو المكان الصحيح؟

[الجابري الجابري]

الفصل الرابع

لا شكّ أن من كتب هنا قد كتب ما كتب ليُقرأ.....لكن لماذا يخفيه تحت الأرض؟! بل وأمعن في أخفاه حتى أنّه لا يمكن قراءته إلا والغرفة مغلقة!!. ثمّ ماذا وراء كل هذا؟!.
كانت الرموز المكتوبة لا تشبه أي شيء رأيته من قبل، اعتقدت أني قد أستنتج شيئاً لو صوّرت هذه الرموز وبحثت عن مصادر تتعلق باللغات القديمة. حاولت استخدام هاتفي المحمول للتصوير، لكن بدون جدوى، فالرموز لا تظهر مع وجود أي ضوء خارجي، وبالتالي لا تظهر مع انطلاق فلاش الكاميرا. حاولت التصوير بدون فلاش لكن لم يظهر شيء في الصورة سوى صفحة باهتة. لم تطل حيرتي، عدت للسيارة وأحضرت ورقة وقلماً لأنسخ شيئاً من تلك الأسطر، لكن عندما وقفت أمام الجدران صرت في حيرة، بالطبع لا أستطيع أن أنسخ كل شيء، فما كتب عليها لو وضع في كتاب كان سيشكّل 200 صفحة على أقل تقدير. بعد تفكير طويل افترضت أن الكاتب كان يكتب من اليمين إلى الشمال، أنبأني بذلك نصف السطر الأخير مما كتب في الجهة القريبة من الدرج، فقد كانت بدايته من اليمين والنصف الأيسر مازال خالياً. وعلى ذلك بنيت أن أبعد جدار عن الدرج هو أول ما كتب. نسخت ما يقارب الصفحة من الرموز، وحينها لاحظت تكرر بعض الرموز فافترضت أنها فواصل بين الكلمات، ولاحظت مسافات صغيرة خالية افترضت أنها فواصل بين الجمل.


حملت النسخة وكلي ثقة بنفسي أني سأستطيع فك رموزها، وكنت أحدّث نفسي بأنها لا تعدو أن تكون إحدى اللغات القديمة التي اكتشفت أبجديتها وترجمت نصوصها، فحتى النصوص الهيروغليفية الأقدم أصبحت واضحة.

كرّست كل ما أملك من وقت للبحث في شبكة المعلومات، كان اسلوبي في البداية يعتمد على مقارنة الابجديات القديمة ورموزها بالتي عندي، مررت بكل الأبجديات، النبطية والفينيقية والأوغاريتية والسومرية والآرامية.....وكل ما سمعت عنه من أبجديات. ثم وجدت أنّي أحتاج لبعض الجدّية، بدأت بقراءة الكتب والمراجع، لكن حتى ذلك لم يوصلني لشيء. بعد أكثر من شهرين من السهر والتعب قررت التوقف عن الغرور والاعتقاد بأنّي قادر على فك طلاسم الخط. فما كان ينقصني هو المعرفة الأساسية بهذه الأمور، تخيّلت لو أن شخصاً ليس له أي دراية بالجيولوجيا أعطي حجرا وطلب منه أن يحدد نوعيته، وتخيلته يحاول معرفة نوعية الحجر من خلال مقارنته بالصور على الانترنت، بدا لي الأمر مضحكاً......وهذا بالضبط ما كنت أنا أحاول فعله.

بالطبع لم تغب سيرينا الرائعة عن بالي، لكن غروري أبى علي أن أستشيرها. ليس غروري فقط، ولكني كنت أعتبر الأمر سرّي الكبير، وهناك أيضاً محاذير كبيرة لو افتضح الأمر، فقد أواجه المسائلة القانونية، وأما في حالة وجود طرف أجنبي، فالمسائلة ستكون أكبر بكثير، ولا أقل من أن أتهم ببيع وتهريب الآثار.

حسناً.....قررت مرغماً أن استشارة سيرينا هي أفضل فرصة لدي، هذا مع احتمال أنها حتى هي لن تستطيع أن تكتشف تلك الأبجدية المجهولة. إرسال صورة عن الورقة التي نسختها بواسطة شبكة المعلومات أخافني، خشيتي كانت أن تفكّر سيرينا بمشاركتها مع زملاء آخرين للتباحث حولها، وقد تنتشر في مواقع على الشبكة، وقد يؤدي ذلك في النهاية لتوريطي.
تحججت بمراجعة طبيب العيون في جورجيا لآخذ إجازة من العمل ومن أمّي. لم أخبر سيرينا بشيء، إنّما أخبرتها برغبتي في رؤيتها فقط. استقبلتني في مطار تبليسي وفاجأتني ببهاءها وجمالها الذي ازداد إشراقاً، حتى أنّي لم أعرف ما أقول حين اقتربت مسرعة لتلتقيني
-ما بك تنظر لي هكذا؟.....قل شيئاً....هيّا...
-سيرينا...لقد تركتك وأنتِ في غاية الجمال، وكنت أعتقد أن ذلك هو نهاية الجمال، وإذا بكِ الآن أجمل!!!. أنتِ تعطّلين العقل واللسان والجوارح!!!.
-حقاً تراني هكذا؟!...أم أنّك تجاملني؟!.......على كل حال أسرع لنلحق بالطائرة المغادرة لباتومي.
-هناك طيران داخلي لباتومي؟
-نعم، وستغادر الطائرة بعد ساعة.
-لا أخفي عليكِ، كنت أحمل همّ الساعات الخمس التي سأقضيها في السيارة، كنت أجهل وجود طيران داخلي.
-أمي تنتظرك على الغداء وطلبت منّي أن أخبرك أن أبي جلب اللحم الحلال من الملحمة التركية خصيصاً من أجلك، كانت سعيدة عندما أخبرتها أنّك ستأتي. هناك شيء آخر، لقد أصرّت أن تقيم معنا خلال وجودك.
-سيرينا.....هذا كثير. تريدين الحقيقة، أنا أخجل. أمّك كريمة جداً....لكن هذا كثير.
-صدّقني أنّي لم أتفوه بكلمة ولم أشر عليها بشيء. لعلّها تجد فيك شيئاً يذكرها بوطنها العراق، بدت لي متحمّسة جداً، وتقول أنك يجب أن تشعر أنك بين أهلك، حتى أنها اتهمتني أني أجهل ثقافة العرب وعاداتهم......على كل حال إن لم توافق كلّمها هي وليس أنا.
-بالمناسبة سيرينا، ألم تتعلمي شيئاً من العربية من أمّك؟
-حاولت معي المسكينة بكل جهدها في مراحل مبكرة من عمري، لكن لم ينجح الأمر كثيراً. مازلت أحفظ الأبجدية العربية وأستطيع تهجئة الكلمات بدون أن أعرف معناها، هذا كل شيء.
-آهـ......الأبجدية....عندي شيء أريد أن أريكِ إياه. ذكريني حين نصل لباتومي.

[فاطمة كرم]

أهلا وسهلا بك الجابري في منتديات روايتي وقسم قصص من وحي الأعضاء أتمنى أن تجد الفادة والنجاح بين صفحات المنتدى

لقد نقلت روايتك للقسم العام بقصص من وحي الأعضاء وعند اكتمالها سنعيدها لقسم الروايات المكتملة

لاحظت أنك تنزل اجزاء الرواية بشكل متتالي .. فهل هي هي قصة أم رواية طويلة ؟

عامة أنصحك ألا تنزلها دفعة واحدة فلتنتظر حتى يقرأها الاعضاء بالتتابع ويتابعوك بردودهم فتستفيد بهذا التفاعل المثمر كما أرجو أن تقوم بترقيم الاجزاء حتى يسهل على القاريء متابعتها

أيضا هنا قوانين القسم ودليل الكتاب الجدد أتمنى أن تقرأها للأهمية على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t306680.html
بالتوفيق

[الجابري الجابري]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة كرم

أهلا وسهلا بك الجابري في منتديات روايتي وقسم قصص من وحي الأعضاء أتمنى أن تجد الفادة والنجاح بين صفحات المنتدى

لقد نقلت روايتك للقسم العام بقصص من وحي الأعضاء وعند اكتمالها سنعيدها لقسم الروايات المكتملة

لاحظت أنك تنزل اجزاء الرواية بشكل متتالي .. فهل هي هي قصة أم رواية طويلة ؟

عامة أنصحك ألا تنزلها دفعة واحدة فلتنتظر حتى يقرأها الاعضاء بالتتابع ويتابعوك بردودهم فتستفيد بهذا التفاعل المثمر كما أرجو أن تقوم بترقيم الاجزاء حتى يسهل على القاريء متابعتها

أيضا هنا قوانين القسم ودليل الكتاب الجدد أتمنى أن تقرأها للأهمية على هذا الرابط
https://www.rewity.com/forum/t306680.html
بالتوفيق

جزيتِ الجنة وبارك الله فيكِ