آخر 10 مشاركات
صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          مع الذكريات(70)قلوب شرقية-للكاتبة المبدعة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة&روابط (الكاتـب : منى لطفي - )           »          جارية في ثياب ملكية (60) -ج1 قصور من رمال- بقلم:نرمين نحمدالله *كاملة&بالروابط*مميزة (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كاثرين(137)للكاتبة:Lynne Graham (الجزء1من سلسلة الأخوات مارشال)كاملة+روابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          عندما يُخطئ حبيبان!! (21) -رواية شرقية- بقلم: yaraa_charm *مميزة & كاملة* (الكاتـب : yaraa_charm - )           »          54-لا ترحلي-ليليان بيك-ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : dalia - )           »          بين قلبين (24) للكاتبة المميزة: ضي الشمس *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-16, 10:02 PM   #51

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


السلام عليكم حبيباتي كيف أحوالكم...
البارت تأخر شويتين ...بس مليء بالحماس والاكشن ...
في بعض التفاصيل اللي راح نغوص فيها الحين وراح تنكشف بعض الامور للمتابعات...
المتابعات اللي يقولون ان نهاية الرواية هي رجوع ليث...خيبتوا ظنّي مليون ...مو معقول ان تقوم احداث الرواية بغياب ليث وتظل على هالوتيرة طول الوقت...الرواية قاعدة توصف معاناته وراح تبين الحياة بحذافيرها...
واكيد لرجوع ليث اشياء ثانية...يعني بظلم شخصية ليث لو خليت النهاية هي رجوعه...بينما في احداث وامور لازم نتعايش معاها ونعطي الرواية حقها...
المتابعات اللي ينطون لي كل يوم سناب شات وينتظروني...والله احبكم مليون...

قراءة ممتعـــة ...


البارت (37) :


أتيتك ...
صحبتي الأوهام .. والأسقام ..
والآلام .. والخور
ورائي من سنين العمر ..
ما ناء به العمر ..
قرون .. كل ثانية
بها التاريخ يختصر
وقدّامي
صحارى الموت .. تنتظر
فيا لؤلؤتي السمراء! كيف يطيب
لي السمر؟
وكيف أقول أشعاراً
عليها يرقص السحر؟
قصيدي خيره الصمت
... فقولي إنه القمر!
لِـ : غازي القصيبي ..




لقَد أكل الغياب من لحمي ودمِي ، أكل من بدنِي ما أكل ، لفظنِي في كل نقطة مهملة من العالم وكأنني قمامة هذهِ الحياة ، الشمس تتشربُ ملامحي وتخبئني الغيوم وأمطر ، العروق التي في بدني كانت تضجر من غيابي، كانت تضطرب بمجرد تخيل البقاء بعيدًا عن عينيها اللوزيتين ، تلك اللوزتانِ اللتانِ ما إن أراهما حتى انفصل عن العالم ، ثكلى هي حين تبتسم او تضحك بجنون ، وأنا أكثر جنُونًـا بها حينما تبادلنِي الابتسامة ، اتساع شفتيها مثل اتساع كل محيطَات العالم ، تلك الدَوخة العظيمة حينما تضحك عينيها لي وتبتسم شفتيها ، إلهَي ما أعظم قدرتكَ في خلقك ، دعائِـي ياربِّ في كل وقت ... أن لا تحرمني من دنيا تكون فيها ...
تنهد طويلاً وهو يحتسي من قهوتهِ التركية الداكنة ، يراقب نومها على اريكته بينما يده اليمنى تحرك الفرشاة على اللوحة ، كانت عينيها النائمتين قصة تعجز يدي عن ترتيلها على الورق ، اذا ماوصفتُ جمال العالم كله ، لن اصل لوصف تلك اللوزتين ، بعثرت تلك الالوان الرمادية على اللوحة ، كنت اطمح ان اصنع لوحة احادية واضمها لبقية لوحاتي ، لكنني كنت مدرك بأن هذهِ اللوحة ستكوني الأغلى والأحب الى قلبي ،
هل تستطِيع البساتِين وصف عذُوبة تلك العينين؟اللتان تشبهان الغيم حينما يعود بالمطر! ، كم تعاقبت الايام حولي حتى رأيتُ دمعك يوبخني ، كأن الله يعاقبني لأني لم أجفف دمعكِ الحُلوَ بصوتِي ، لم أقبلها حتى تعود أدراجها القديمة ، كأن غيابي يعود كشيطان يطوف حولنا يجعلنا نستنزف حياتنا ، وكثيرًا ، ليت مامضى يعود ، يعود الى قبل تلك المصيبة التي جردتني مني وجعلتني شخصـًا آخر ،
انتهى من اللوحة ، استند على كرسي ليرتاح ظهره ، يحتسي من قهوته ويراقب اللوحة ويعود بنظره نحوها ، كم كانت جميلة ، بريئة ، هادئة ، تتسلل تحت وشاحه الصوفي حتى تشعر بالدفء ، ابتسم للطافتها اثناء النوم ، استيقظت امام عينيه ، لم تكن لتستوعب المكان ، تفرك عينيها النصف مفتوحتين ، الناعستين تماما ، تتمدد في الهواء مع تثاؤب خفيف، تبتسم لليث بعد استيعابها لعينيه اللتانِ تراقبها ، وقفت لتتقدم ناحيته ، لكنها شعرت بدوار تام كادت ان تسقط منه ، التقطها ليث بين ذراعيه ووسدها على كتفه ، اجلسها على كرسيه لتنظر ناحية اللوحة ، وزعت نظراتها بين ليث واللوحة بفرح يشبه فرح الاطفال ، ابتسمت بسعادة وعينيها تكاد ان تدمع لتردف : ماعمري حد رسمني...انت رسمتني...رسمت كل تفاصيلي
ابتسم ليث وهو يقبل جبينها : اجمل شيء ممكن ينرسم على ورق...عيُونك
دمعت عينيها بابتسامة تلوي شفتيها بسعادة : كل مرة تخليني احبك اكثر واكثر
ليث يمسك بيديها ويمسحها بابهامه : الحمدلله على دنيا من بعد التعب...فيها وجُودك
احتضنته بسعادة ، طوقت عنقه بيديها وهي تريح رأسها على كتفه ، اشتم رائحة شعرها الجميلة ، عطر اللافندر الذي لاتستغني عنه في حياتها ، اصبح موشوما بها ، وقفت بهدوء وهي تشعر بانهاك جسدي وتوجهت الى دورة المياه ، خرجت وهي تطل برأسها من المطبخ ناحيته : ما افطرت صح؟
ابتسم ليث : لا...
هزت رأسها تجهز الفطور بسعادة ، مُغرمة بتفاصيل رسمة ليث لها ، لقد حفظ تفاصيلها اكثر منها....وهذا مايجعلها تبتسم بسعادة !



،


تُقيدنِي كسجينَة بينَ يديِك ، ترهقني صلابة عيناك وحدتها ، همستك القوية التي لايسمعها غيري ، انفاسك التي تقاطع كل كلماتِي ، غرورك الذي يهدم اركان انوثتِي ، نرجسِيتك التي لا تشبه سوَى عنهجيتك ، جميع الاحتمالات التي نضعها للحب تتحرر عبثًـا حينما يكون العاشقْ مثلك ، او يشبهك ، آدم لقد كنت ذاك الرجل الذي بمجرد النظر اليه يتبعثر النبض لدِي ، تختنق اوردتي ، تغادرني روحي ، اشعر بأن الموت يتسلل الى جسدي ويمتص طاقتي ، الحب في تاريخَك هو ان نشيخ كلانا على وسادة واحدة ، ان تكون يدي الناعمة مغروسة كزهرة اقحوان في ارضِ صلبة على يدك الخشنة ، ان تعيرنِي من أبجديتك كل الحروف الناقصة وتبقي اسمي على رفات شفتيك ، الصبّرُ جفّ في قلبـي ، والحب بات يغزوني ويمحو كل معركتي بك ، جفاف الصبر بي يجعلني كدودة الارض ...كالسمكة التي لايمر في خياشيمها الماء ، جافة تماما كل ماغزاها المد ...دفنها التراب ...أريد ان اتسلل نحوك ، ان اعيش في غابة حضنك ، اخبرك بأني احبك ، أحبك بقدر كرهي لك ، احبك رغم مكابرتي وعنادي ، رغم انهيار مينائي ، رغم سفنك التي لاترسي علي ، رغم الشواطئ التي لم تجرفني نحوك ، أحبك حتى وان كان عنادي يشبه كل الحروب التي لا تتوقف حتى يموت كل مقاوميها ، يشبه ذاك الجندي الذي لا يتحرك حتى تدخل طلقة موحشة في اواسط صدره ، ويفور دمه في الارض ، ويشربه التراب ، حبي لك لا يشبه الا شيئًـا واحد ....وهو العناد

الجمها الصمت...والجمها صوت ادم الذي حرق اذنها وهو يخبرها بالحقيقة التي تتهرب منها فِـي ذاتها : لو كانت اي بنت غيرك...كان سهل عليها تقول انها معجبة فيني...بس انتي ماتعرفين الا العناد...
رفعت عينيها نحو عينيه بصدمة ، كان يقرأ أفكارها وكأن لايوجد على عقلها اي غطاء خارجي ، وكأن جبينها يكتب بالخط العريض بأنها تميل نحو ، لكنها ابت ان تُفضح امامه وهي تنظر له بحدة :بدري عليك انعجب بك...هذا سابع احلامك
ابتسم بسخرية وقد مال صدغه ، حاصرها اكثر ونظر لها بعينيه بضياع ، لم تستطع الاحتمال لتجد نفسها ايضا تضيع في عينيه ، ناداها بدفء : هـاجر....
كانت ضائعة في وحل الغوص بعينيه ، تائهة وطويلاً حتى تعود الى الواقع : هممم؟
ضحك ادم هذه المرة ، احمر خدها وتمالكت نفسها ، استمجعت ذاتها امامه وهي تحدق فيه بغضب لتسمعه يردف : تكابري تكابري وكثيييير....
هاجر بغيض وهي تنظر ناحيته وبغضب : خير بالله انت ليه شايف نفسك؟ على ويش شايف نفسك؟ يعني منو انت حتى اعجبك فيك؟ زوجي وامنا بالله...بس لاتحلم كثير
آدم يرفع حاجبه مستنكرًا : وانتي مصدقة حالك اني منتظر منك اعجاب؟ بس لو ماتصرفاتك تبين هالشيء ولا ماكان حاكيتك... بيني وبينك الله ...لاتستخدمين انوثتك حتى تلفتي انتباهي...وبعدها تمنعيني...فاهمة كلامي ؟؟؟
ارتعش صدرها وهي تشيح بوجهها الصغير عنه لتردف بصوت منخفض : ثوور...مغرور...عملاق...
ابتسم طويلاً وهو يحدق فيها : بدري عليك يام شبرين ونص توصفيني ...
تغلغل شعور بالقهر في صدرها وهي تشيح تنظر للسماء التي بدت رمادية ، ابتسمت تلقائيًـا وهي تحدق للغيم الذي يوشك على ان يمطر ، اردفت بهدوء وهي تسحب نفسًـا طويلاً بعد ان أغمضت وداهمتها قطرات المطر على عينيها لتبتسم : اللهم صيبــًا نافعا ...
التفت ناحيتَها ، كم بدت مسالمة تحت المطر ، تلمعُ بهدوء وكأنها ليست تلك الانثى التي تحمل الوحشية بداخلها ، مسالمة وكأنها تنصاع لأمر المطر ، وكأن مابداخلها يذوب ، حرارة جسدها بدأت تنخفض تحت برودة هذهِ القطرات التي تنساب كالدموع على جسدها ، مدت كفها البيضاء كالأطفال ، تنتظر الغيث يبلل يدها ..يغسلها كاملاً ...كما يغسل روحها ...حينما فتحت عينيها كان ينظر ناحيتها مبتسمًـا لتردف : كنت بالطفولة احسب انو المطر الجاي هو موية فايضة من الجنة ...ابوي تعب وهو يفهمني ان المطر من عند ربي بس عجزت افهم ...
ابتسم آدم وهو ينظر لقطرات المطر تبلل حذاءه الجلدي ويستمع لحديثها المليء بالذاكر وتفاصيل الطفولة ليردف : معناها عشتي بطفولة غشيمة ...
ابتسمت هاجر بغيض ، وهي تبلل شفتيها بلسانها ، بعثرت شعرها لتردف : بالعكس...عشت طفولتي بحذافيرها...
آدم يضحك بسخرية : صحيح...بدءًا من الخيال المغلوط اللي عندك...
هاجر تبتسم وهي تمد كفها بقوة للمطر الذي بدأ يشتد قليلاً : الخيال دليل على ذكاء الطفل...
آدم يحبس ضحكته وهو يحاول اغاضتها طويلاً : ليت هالذكاء ينفعك هالحين...
أبعدت يدها تلقائيًـا عن المطر وهِيَ تستدِيرْ نحوه ، كلَمته هي ماجعلها تلتفت ناحيتَه ، لتردف : لو ماذكائي كان استغلتني رجولتك!
آدم يرفعَ حاجبِيه ويهمس : مع الأسفْ خانك ذكائك!
اختارتْ ان لا تطيل المسألة بعدَ ان جعلها بالفعل تنطق بتلك الكلمات تحت وهيج المطر ، باتت مبللة ، فستانها الكحلي المشجر التصق تماما بجسدها ، شعرها التصق بوجنتيها وجبينها ، بدت جميلةْ اكثر ، مرهقة للنظر اكثر ، لاطاقة لآدم للاحتمَال ، امرأة بقوة هذا الغيمْ ، بقوة هذا المطرْ ، لايمكن لرجل في هذا العالم احتمالهاْ ، حتى لو كانت قوته تسع البحار والمحيطَاتْ ، سيضعف امام هذهِ الانوثة المطرية القَوية ، كانت رائحة التراب تفوح من بعد قطرات المطرْ ، تنفست بابتسامة اكثرْ وهي تغمض عينيها ، عرف تماما بأنها مُغرمة برائحة المطر ، لذلكَ هي نقيَّة كالمطرْ ، شعرت بقلق حينما احست بيدهِ على كتفها ، يجرها ناحيته وهو يضع عليها معطفه الذي بات طويلاً على جسدها ليردف : ادخلي...ماهو عدلة يشوفك ابيك واخيك بـ هالحال...
شعرت بالخجل وهي تحدق بفستانها كيف التصق بجسدها ، رفعت عينيها بصعوبة ناحيته ، شَـاهدت عذابـًا لم تشاهده قبلاً ، شاهدت في عينيه جحيمًـا لم تكن لتشعر بحرارتِه من قبلْ ، كان يقاومها كي لا يجرحها ، وكانت تعاندهُ كي لا تضعف امامه ، المكابرة هي طريقة عشق هذِين الاثنينْ ، كلاهما لا يتنازل للآخر ، كلاهما يتعذب ، كلاهما يعاني!!



،


كانتْ تقف على البابْ بهدُوء بجوارها زوجها يحمل بعض الاكياسْ عنها ، طرقت البابْ عدة طرقات ، حتى سمعت صوت فهد وهو يعلن عن وصوله لفتحَ الباب ، فُتح الباب ، ودخلت اسماء ، راكان ينتظر من فهد ان يفتح له طريق حتى لا يصادف امه بالخطأ ، دخل راكان ، ليبتسم لفهد الذي كان يقف بسروال وفانيلة محدقًـا براكان الذي يضحك : انت مامداك كبرت ومن هالحين مسنتر لي بسروال وفنيلة؟
فهد يبتسم بقوة لراكان : والله اليد مابها حيلة...انتظر سونا تخلص كوي ثوبي والشماغ...معلوم اليوم اني بزف الوالدة ع العريس
اسماء تنظر له بقوة بينما راكان يضحك : الله يقطع شرك يافهيد ...صدق انك مدري شأقول...انا عارفة انك مطلع عيون امك هالحين...
فهد يبتسم لاسماء : تذكري لما كنت اطلع عيونك...يوم كان رويكن خطيبك؟ ..بالضبط الشريط قاعد يعاد هالحين...
اسماء بغيض : ااااه على ذيك الايام...جننتي من جد...الله يعين امك بس...وينها فيه امك؟
فهد : فوق جاية لها الكوافيرة....جعلني كوافيرة بس
اسماء نظرت له بحدة ثم تلقائيا تبتسم بسعادة : يابعدي والله...
التقطت الاكياس التي بيد راكان وصعدت للاعلى لتصادف والدتها التي خرجت للتو من غرفة شوق ، احتضنت والدتها وابتسمت بسعادة : يالببيييه ام الليث....وش علومك وش ورا طرواك..
احتضنت ابنتها بحب لتردف : الحمدلله بخير انا...جبتي الاغراض اللي طلبتها شوق؟ وجبتي فستانك؟
اسماء تتفحص الاكياس : اي يمه مانسيت شيء...راكان اليوم واقف على راسي عشان مانسى اي حاجة...
ثم حدقت خلف امها للباب وهي تبتسم وتغمز في عيني والدتها : شخبار العروسة؟
ابتسمت والدتها : الله يصبرني على توترها والخوف اللي فيها ... هذا والحين بس شبكتها كيف لو جى يوم عرسها...
ابتسمت اسماء بتفهم : طبيعي يمه ...اول تجربه لها ماكانت طيبة يمه...
ام ليث : طيب روحي روحي لاختك صار لها ساعتين تنتظرك...واذا خلصت انتي خلي الكوافيرة تبدا فيك...
ابتسمت اسماء بطاعة وتوجهت ناحية الغرفة لتدَخل على شوق التي كانت مغمضة عينيها للكوافيرة التي تضع المكياج في عينيها ، وقد انتهت من شعرها الويفي ، ابتسمت وعينيها ممتلئة بالدموع ، شوق لاتزال فتاة صغيرة لكنها جابهت الكثير ، واثبتت امومتها العظيمة دفاعًـا عنها وعن ابنها ، الحمدلله على حسن نصيبها ، فمسفر رجل لايرد ، تمنت ان لاتكون فرحتها ناقصة بليث مثل فرحتها ، لكن الله كتب لهم ذلكْ ، ان لايسمعوا أيّ خبر عن الغائب الحاضر ، الغائب عنهم ، الحاضر في قلُوبهم ، زغردت بسعادة وعينيها تجتاحها الدموع ، لتبتعد الكوافيرة عن شوق التي ابتسمت لاسماء ، اسماء بحب تحتضن شوق : يابعدهم ياجعل عيني ماتبكيك ...ياعروسة يا اجمل عروسة....
شوق بمزح تقرصها : يغربل بليسك خرشتيني ...لاعاد تزغردي مو لايق...
ضحكت اسماء بحب : يالبىى الجماللللللل....يخسى مسفر لو عافك اليوم...يا انه بيتشدق مبسوط لاشافك...
شوق بتوتر تمسك بطنها : اسكتي يرحم والديك لاتذكريني اني بشوفه اليوم...وربي كل ماتذكر هالشيء يمغصني بطني...
اسماء : حياااااتي ... لاتخافين وسمي بسم الله... وينه فستانك طلعوه؟
شوق : امي قالت انها بتجيبه من الدولاب وبتطلع طقم الالماس...موجودين في غرفتها...
اسماء وهي تلتفت لوالدتها التي دخلت فورًا بالفستان وباليد الاخرى البخور تبخر فستان ابنتها شوق ، اسماء تبتسم : شوفي هالقمر على الحلا اللي اهي فيه متوترة من الشوفة...
ام ليث تبتسم بحب وحنان امومي : ماله داعي الخوف يايمه...ولو انه طبيعي لكل بنت بس لاتتوتري...انتي خوافة بزيادة...حتى اختك اسماء ماتخاف مثلك...
ضحكت شوق : هههههههههه والله غصب عني...كذا شعور لا ارادي...
ام ليث : خلي اللا ارادي على جنب...ولاتطفشين الكوافيرة....
ابتسمت الكوافير لام ليث : بالعكس والله بنتكم عسل...ماشاء الله الله يحفظها...
ام ليث تبتسم : الله يعطيك العافية ...
التفتت لاسماء : روحي جيبي من الحلى والقهوة للكوافيرة تروق شوي قبل لاتبتدي فيك...
اسماء تنتزع عبائتها وتطويها وهي تهز رأسها : ان شاء الله...
ثم نزلت بسرعة للاسفل تقطع من الحلى وتجلب لها من القهوة ، ابتسمت لفهد الذي كان يرتدي للتو ثوبه وشماغه ، وراكان يساعده في نسفة الشماغ ، كان فهد *يستهبل * على الخادمة سونا وهي تحمل البخور مما جعلها *تتحلطم* طويلا على فهد الذي ما ان سمعها حتى نطق : عنبوها تتحلطم على الشيخ فهد....هذي ليه مو حاطينها اسفلت لين هالحين؟
ضحكت اسماء :ههههههههههههههههه يقطع شرك وانت بعد جننتها تبي تبخرك مو راضي لها حرام ومدري وش...اللي يسمعك يقول عمرك 20 ...تراك كبر اصغر بزرانها..
فهد : تعقب مافي الا هي تبخرني....انا مايبخرني غيرك انتي وامي وجدتي...وحرمتي اللي بالطريق
راكان : اقطع واخس حرمتك مرة وحدة ؟ ناوي تتزوج من ذا الحين...
اسماء تبتسم : هو لو يحصل له مابيقول لا ...عينه مشفوحة ع الحريم...
فهد يبتسم : لاتخافين ...يوم من الايام بتنفجعين بدخل ووراي بزاريني تراكض
اسماء : الله لايقولها الا بعد 15 سنة ايه....بس هالحين ناقصنا ابوهم يكتمل الجيش بعد؟
ضحك راكان ، استأذنتهم لتصعد للأعلى وتضيف الكوافيرة التي انتهت من شوق....



،


لولَا أن طيفك يزورنِي كل مرة ، لولا ان ذاكرتِي لا تجهضك ، لولا ان عقلي لا يُبعدك عن تفكيري ، والا انتي لن تغادريني ، أنا أعرفُ تماما مضض الهزائم ، لقد اخترت دائمًـا ان اكون منتصرًا ، اخترت ان لاتكون اي كلمة بعد كلمتِي ، لكنك بالفعل جعلتني اعلن شريعة انهزامي امام عينيك ، استغفر الله مراراً وتكرارًا حتى لايزورني طيفك ، ولكن وكأن الله يخبرني بأنكِّ ذلك النصيب الذي كنت اهرب منهُ دائمًـا ، واحترقُ لأجلهِ الآن ، أعيرني أي أشارة حتى أكون لك ، أو آتِـي إليك ، أعيريني الهواء والشمس والنجُوم حتى اقطب حاجبيك واخبرك بأن الاندهاش الذي رأيتُكِ فيه آخر مرة ...كان يؤذي قلبي وحواسي جميعها ، كان يسيرني كرجل لم يتعلم قط ان يبتعد عن امرأة ، او يضعف لاجلها ، لقد كانت مقاييس الرجولة امام عيناك صفرًا ، ومقاييس الانحباس الحراري الذي في جسدِي يتجاوز المليون ، كدت ان انفجر والله يعلم ، ولازال ذلك الحريق يعبث بداخلي دون ان يهدأ ، لماذا هذا الهذيان يحمل تلك النظرات التي تحمل الألم والضنى ؟ لماذا يبعدنا عن النوم ويهدينا الأرق؟ لماذا؟

كان يجلس على سرير جده ويعطيه طعامه بنفسه ، كان سارحًـا غير مدركًـا لجده الذي عرف تماما ان هنالك مايشغل عقله بقوة ، هناك مايجعله ينفصل عن العالم وينحل عنه ، حينما ادرك جده سرحانه نكزه بعصاته وهو يحدق فيه : عنبوك انت وش وراك لك يومين شارد وماكأن معك احد...
انتبه من سرحانه ، اطلق تنهيدة عظيمة وابتسم وهو يعطي جده من صحن الشوربة ، ويردف : مابي شيء ياجدي...الحياة ومشاغلها...
جده يضيق عينيه بعد ان شرب من الشوربة ليردف : الحياة ومشاغلها؟ تسوقها على ورع كبر فخذك ولا على مين؟ تفكرني مالي حس بعلومك وانك متخوبص ومو راضي تحكي...
متعب ويشعر بالفعل انه تمت محاصرته ليردف : لاحول....مابه شيء ياجدي ولو به شيء كان قلت...
نكزه هذه المرة بعصاته بقوة ليردف غاضبـًا : شف يالتيس ياتكلم يا هالعصا تسلخ جلدك هالحين...وش بك متضايق تبا فلوس ولا تبا شيء ؟
متعب يقبل رأس جده بتعب : الله يديمك يايبه الله يديمك...المشكلة مقدر اخبي عنك شيء ومقدر اقوله...الله يجيب اليوم اللي اقدر اقولك به وش وراي...
غادر جده وهو يحمل صينيه طعامه ، متوجهـا بها الى المطبخ لتلتقطها الخادمة من يده ، خلخل اصابعه في شعره معيدًا اياه للخلف ، مطلقًـا تنهيدة عظيمة ، وقف امام المرآة وهو يلتقط شماغه وينسفه ، بدأ وسيمًـا في نسفة شماغه مرهقًـا من عينيه ، ومن داخله ، اصبح مفضوحًـا ، قبل يومين امه تسأله عن حاله ، واليوم جده ، كل تنهيدات العالم خرجت من صدره ، ابحر فيه ما ابحر من الم ، وفي كل مرة يتذكر بها عينيها ، يتصدع به جزء من صدره ..وقلبه...



،



كان يقف امام المطرْ ، عيناه تراقبانه ، تراقبان السد الذي امام واجهَة الفُندق ، قصص غريبة تمر عليهِ بحياته ، ولكن الأغرب من ذلك ، الحياة التي يعيشَها الآن ، يراقب هروب الناس تحت المظلاتْ ، امرأة عجوز تحمل حقيبتها على رأسها لتعبر الشارع ، يراقب انعكاس اضواء السيارات على بقعة المطر الصغيرة في طرف الشارع ، كان الرصيد المظلل مكتظ بالمشاة ، الذين كانوا جبناء في اتخاذ قرار قطع الطريق والمشي بعيدًا عن غزو المطر الذي اجتاحهم فجأة ، هذا الاجتياح العظيم الذي يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر ، انه يشبه تماما حياته ، اوراقه التي يبللها الماء حينما يقرر ان يمرر اصبعه عليها ، باكية من المصير الذي قد يحيطها فجأة ، انهمك في مراقبة العالم ، لعل هذا العالم يريحه من عبء التفكير ولو لثانية ، اختنق صدره ، شعر بالخواء يزوره ، هدوء ، مطر ، والعالم ، موسيقى الطريق ، رائحة عوادم السيارات ، كلها تخترق رئتيه ، تخترق حواسه وعقله ، نزل ماشياًا ، حاملاً مظلته السوداء فوق رأسه ، متوجهًـا الى الرصيف الذي يعبر عليه المشاة ، اتخذ قراره ، قطع الطريق متوجهًـا ناحية المقهى، ظهرت امامه قطة بموائها المتشرد ، تجاوزها ، دخل المقهى ليستمع الى صوت الجرس المعلق في اعلى الباب ، ويصدر صوتًـا نحاسيا بمجرد دخول اي زائر ، طلب طلبه المعتاد ، قهوة اسبيرسو مرة ، مع كورسان الزبدة ، جلس على الكرسي ينتظر طلبه ، وصل ، وبدأت يتناوله ، رفع عينيه نحو الباب حينما اصدر ضجيج الحضور ، ليرى اخر شخص يرغب في رؤيته يقف امام طاولته ،يسحب كرسيـًا ويجلس عليه ، يشيح برأسه الى طاولة الاستقبال دون ان ينظر نحوه وهو يردف : انا موافق على اللي قلت...
ياسر يرفع حاجبه بغير استيعاب وهو يحتسي الايسبريسو : كيف؟؟؟
ناصر يعيد كلمته ولكن هذهِ المرة ينظر الى عيني ياسر : انا موافق على زواجك بمهره...
ياسر يحرك عينيه بدهشة ويهز رأسه : بس ؟؟؟؟
ناصر : لا ابوي بها الف شرط وشرط...
ياسر يبتسم بعد ان رفع كلا حاجبيه : قايل انا انت ماتعطي شيء بالساهل...
ناصر : بنتنا مانساوم بها يا ياسر...انت رجال وانا من اكثر الناس اللي يشهدون بـ هالشيء... ويشهد الله ان لو مااني اعرفك عن حق وحقيق ولا كان سابع احلامك شوفتها
ابتسم ياسر وهو يلتفت نحو طاولة الاستقبال ثم يعيد نظره الى ناصر ويطلق تنهيدة : البنت من بعد حفظ الله ...محفوظة بالعين...
ابتسم ناصر ، ولكن ياسر تنهد محدقًـا ناحية ناصر : ايه ...وش هي شروطكم؟
ناصر يبتسم وهو يعقد يده ليردف : اول حاجة ماتضيمها لو يصير شنو مايصير... شيء ثاني... اوصلها بابيها ...بس اول خلها تتخطى اللي هي فيه...خلها سليمة مثل مهاب....وتالي ردها لابيها...
يهز ياسر رأسه بتفكير ثم يعقد حاجبهْ ، بلل شفتيه ، احتسى رشفة من قهوته ، ثم نطق : بعد ماترجع الموية لمجاريها... بترجع انت؟
ناصر يعقد حاجبيه : ماظن اني برجع...
ياسر وعلامات الاندهاش تغزو ملامحه الرجولية ليشد قبضة يده مردفـًا : انت جزء في حياتهم عاشوه اكثر من ابيهم... تتوقع شيء زين انك تتركهم؟
ناصر : لصالحهم... يرجعوا لابيهم بعد مرضهم....
ياسر برفض : كنت تنتقد بو مهاب في غيابه...وش له تعيد الشيء بك انت؟
رفع ناصر عينيه بغير استيعاب لينطق ياسر : انت ماتختلف عنه...
ناصر بغيظ يشد على كفه ويهز رأسه : ثمن كلامك..
ياسر : قايس كلامي لاتخاف...قايس كلامي...انت انتبه لافعالك ياناصر... لاتطعن عيال اختك بسكاكين انت كنت شايلها من ظهورهم... الطعنة من الظهر توجع وانا اخيك...
وقف ياسر ، ارتدى نظارته الشمسية ، غادر المقهى تاركـًا ناصر جالسًـا على الطاولة في حِـيرة ، يعيش منهمكًـا بآلاف الافكار التي كان يهرب منها ، وياسر واجهه بالحقيقة ، ...


،



في مزرعة آل مالك ...
بينما القبيلة كلها ملتمة بـ فرحة ابنة عبد الرحمن آل مالك ،
كانت تبتسم بخجل لام مسفر وغادة اللتين لم تغادر اعينهم منذُ بداية الحفلة ، ام عبد الرحمن كانت تبتسم بسعادة عظيمة لشوق ، امنيتها هي ان يأتي رجل شهم مثل مسفر ويخرس كل تلك الالسنة البالية التي تقطر قذارتها في كل زاوية وتخدش زجاجات الانفسْ ، ام عبد الرحمن عينيها تجولان بالمكان بحثًـا عن ام ليث التي كانت تبتسم للحضور وعينيها مليئتان بالدموع ، في كل فرحة لبناتها هناك وردة ذابلة تضطر لدفنها حتى يغزوها المطر وتنبت من جديد ، في الآونة الاخير تشعر بأنه لولا الايمان بالله...لفقدت الصبر وانغمست بالجزع ، ولكن ايمانها بخالقها الذي جعلها تتوشح بالصبر ، وتتجاهل كل الهمسات التي تذم في ابنها بالمجلس ، تتجاهلها تماما ولا تحاول ان ترد على اي حرف متزمت ، كل كلماتهم هي مرتزقة تجول بلاد صبرها ، وما ان يأتي هذا الابن ويعود الى حضنها ، حتى يقمعهم جميعًـا ، ابتسمت بحب وهي تراقب ابنتها التي ترتدي فستان باللون الاخضر العشبي ، من دولتشي أند جابانا ، مع حذائها الفضي بكرستالات مزينة ، وشعرها الويفي ، كان مكياجها سموكي خفيف ، زاد جمالها ، كان الجميع يتحدث عن مدى جمالها في تلك اللحظة ...
رغم الالسن التي طالتها عن حياتها السابقة مع ذاك المدعو خالد ، حتى الآن ، توجهت ناحية امها ام عبد الرحمن وجلست بجوارها بعد ضيفتها القهوة ..
ام عبد الرحمن تبتسم لام ليث التي تعدُّ آية من الصبر : استريحي يام ليث استريحي ...من جيتي وانتي واقفة ..خلي البنات يقومون عنك...
ابتسمت ام ناصر : الله يعطيك العافية يام ليث اجلسي صحيح ...وراه تراكضين حول العالم...اناا اخلي جمانة وبنتك اسماء ورؤى يقومون بالواجب...
ابتسمت ام ليث : هذا اقل من حق الجماعة...وبالعكس انا متعودة على هالحوسة...
ام رياض : الله يعطيك القوة والعافية ... خلاص ريحي ..
ام ليث : صحيح ماكلمتك وريف...
ام رياض تبتسم : قالت بتدق عليك بعد شوي وبتبارك لشوق...مسكينة تمنت انها تكون معنا...
ام ليث تبتسم : يالله هانت مابقى لها الا كم شهر وترجع...
ام رياض : الله كريم...بس تدق علي بقولك ...
ابتسمت ام ليث وانتبهت لام عبد الرحمن تمسك باسماء : تعالي يالثولة...
اسماء تنظر لجدتها : حرام عليك يايمة شسويت انا؟
ام عبد الرحمن : قومي انتي والعجيز اللي معك وضيففي الناس بدل امك... قليلة الحياء تخلين امك تحوس ويا الخدم وانتي جالسة لي ومريحة...
اسماء تبتسم بحب لامها : ياجعلني فداها والله قلت لها بالبداية بس مارضت...خلاص الحين اقوم واخلي حشد العجيز على قولتك يقوم معي...
وقفت اسماء وتوجهت نحو البنات ، دقائق حتى وقفت جمانة ورؤى وغادة واسماء وبدؤا بضيافة الناسْ ، بينما اسماء كانت تغمز في وجه شوق في كل دقيقة والثانية ، شوق ..عبارة عن هالة من التوتر والقلق...رغم ان اسماء اصغر من شوق الا انها اكثر شجاعة منها ..
كانت تعتصر يديها ، متوترة وجدًا من اللقاء ، متوترة وكثيرًا من الحياة الجديدة التي ستعيشها ، متوترة من ان تبوء التجربة بالفشل!



،



كانت تقف بهدوء وهي تراقب المطر من بلكونة ليث ، وتراقب الطريق من الاسفل ، كانت تفاصيل الحكاية هي نفسها ، شوارع كامبريدج اليوم باردة ، ريح باردة وعاصفة قادمة مع المطر ، كانت ترتعش ، تشعر بحريق يشتعل داخلها ، رفضت فكرة هذا الحريق الذي لم يبقى منه سوى الدخان وهي تدخل تنظر لليث الذي خرج توًا من دورة المياه وهو يرتدي روب السباحة ، كان ذو جسد رياضي بعضلات موزعة في جسده ، رغم مايعانيه من غربة لم يترك الرياضة ، كان يتوجه دائمًـا نحو النادي في اسفل الفندق ، ابتسمت لليث وهي تشعر بانهاك وتحدق بالصور الموجودة في الالبوم على الطاولة : في صور كثيرة لمخيمات وجبال ومناظر تخبل...
ابتسم ليث : وانتي تفكري ظليت عشر سنوات مقابل الجدران؟؟ كنت اطلع رحلات تخييم مع الناس بس ماحتك فيهم كثير...وغالبا كانت رحلاتي تسلق جبال او تجديف بالبحيرات...
وريف تنظر لعينيه : يعني الله عوضك شويتين بـ هالمناظر اللي تشلع القلب
ابتسم ليث وهو يقبل جبينها : والله انتي اللي تشلعي القلب... *ثم وضع يده على جبينها* ليه جبينك حار؟ تحسي بشيء
ابتسمت تهز رأسها بانهاك وعينين ذابلتين : لا مابي شيء...بس من البرد يمكن...
ليث يمسك بكفيها ويقبلها : هذا من قل الاكل...ملاحظ عليك هالفترة ماتاكلين مثل العالم والناس...بينما اول ماعرفتك كنتي تاكلين الاخضر واليابس...
ضحكت وريف بانهاك : شأسوي..الاكل شهوة وهالايام مالي خلق ..
ليث يتنهد : ها كلمتك *ونقطها بصعوبة* أمـ..ــــي؟
وريف : لأ لسة... بس كلمت شوق قبل ساعتين كذا...مابعد توصل المزرعة...الحين اكيد وصلت
ابتسم بألم يخبأ جروحه في صدره وهو يتنهد ، ينطق بصوت ملتهب وجعًـا وروح ملكومة بالالم : الله يوفق بس...
ثم بعنهجية غاضبة بشكل غير معقول : والله ثم والله لو اشوف خالد اقسم بالله مايمسي صاحي وان مدفنه علي
وريف تمسك بكفيه : تكفى ليث لاتفكر كذا...انت مو ناقص قضايا فوق ما انت بريء هالمرة يطلع الحق معهم...خلاص اختك بذمة واحد(ن) ثاني... قل الله يكتب اللي فيه الخير
ليث بوجع : الله يكتب اللي فيه الخير...بس الذل اللي عيش اختي فيه مايرضى بها اي احد
وريف تبتسم : لاتخاف...ابوي مو مقصر ...عطاه ماعطى الديّان ديّانه...
ليث يتنهد براحة : الله يبقي راسه...
وريف تقف : انا بروح اتـحمم عشـ.............
سقطت مغشية بين ذراعي ليث دون ان تشعر امام عيني ليث المدهوشتين!!



،




توجَهت للمطبخ وهي تشعَر بحرارة تكويهَا ، فتحت باب المَطبخ الخارجي للمزرعة ، لتمشي في وسط المكان بالجو ...تنفست بهدوء وهي تلتقط بهاتفها الآيفون لقطات للمكان البديع بخلائق الرحمن ، الزهور الموزعة ألوانهـا في العشبب المفروش بالارضية الخضراء ، كانت تمشي على البلاط بهدوء ، تلتقط بعض الفيديوهات بأغنية " تنَادِيك رغبات المقادِير " ، بصوت ماجد المهندس ، لم تنتبه حينما شعرت برجلها تلتوي في فتحه غير محكمَة الغطاء ، علق حذاءها والتوى كاحلها ، صرخت بوجع وسقط هاتفها من يدها ، لم تشعر بأي شيء سوى بالوجع الذي يهلكها ، حاولت النهوض لتصل لهاتفها الذي زحف بعيدًا عن المنحدر ، لكن الالم وكعبها العالق في تلك الفتحَة الغير محكمة جعلها أسيرة لهذا الموقف ، صرخت مرارا وتكراراً لكنها لاحظت بوحشَة انها ابتعدت ، ابتعدت كثيرًا عن قصر المزرعة الذي تجتمع فيه القبيلة ، بدا المكان مرعبًـا ، صوت الموسيقى يصلها من بعيد يحمله الاثير في هذهِ الليلة الباردة ، كناية عن ابتعادها امتاراً طويلة عن المكان ، اختنقت كالمجنونة ، وهي تشعر بأنها غير قادرة على التنفس ، تعاني من فوبيا الظلام والبقاء وحيدًا في مثل هذهِ الأماكن ، صرخت بقوة غير مدركة لصوتها الذي اختفى تدريجيًا من شدة الخوف... مواقف في الطفولة جعلتها تعاني من هذهِ الفوبيا العصّية ، انتبهت لكاحلها يتحول لونها للازرق تدريجيًـا ، بكت هذهِ المرة ، لم تبالي بأمر مكياجها، هاتفها اللعين بعيد جدًا عنها ...وهي بعيدة عن كل من في تلك المزرعة ...



مِن جهَة أخرى ، شعَر بخفقان شديد في صدره ، وتترائى امامه تلك الملامح التي تعيش في مُدن التِيه ، حاول ان يتماسك وهو يجلس بجوار جده تماما وبالجانب الاخر يجلس اخيه وابيه ، شعر باختناق من كمية الضغط التي يعيشها والهواجس التي تزورهَ ، ليته لم يراها ، ليتها لم تشغل عقله ، ليتها لم تزره يومًـا ، زرعت فيهِ بذور الارهاقِ وغادرتْ ، مضت وكأنها لم تعثي فيهِ فسادًا ، مضت وكأنها لم تغرق عالمهُ بجحيمَ طيفها ، قدموا له الماء والقهوة ، شرب الماء في دفعة واحدة ، تنفس بصعوبة ، كل هذا امام عيني جدّه الذي ابصم ان هذا الحفيد غير طبيعي في هذهِ الايام ، وان هناك مايصيبه ، نهض مغادرًا المكان ، سيخرج مغادرًا من المجلس ، لم يلتفت للخلف ، لم يبالي بأي شيء سوى بأن ينقذ نفسه قبل ان يصاب بالجنون ، خصوصا وأنه اصبح في الآونة الاخيرة يكره الاماكن المزدحمة ، خرج من المكان ماشيًا على قدميه في الظلام ، كان يقرأ الاذكار لعله يتخلص من شياطين توسوس في عقله ، اخرج هاتفه ، وضع السماعات وبدأ يستمع الى بعض الايات ، وانغمس في مشاهدة المناظر الخلابة في هذهِ المزرعة الواسعة ، لاحظ طيف يرتجف ، يرتجف طويلاً ، لم يميز ملامح الوجه ، ركض بسرعة ناحية الشخص الذي كان ينازع الالم ، فور ان اكتشف انها فتاة رماها بشماغه لتغطي شعرها فورا وكتفيها ، همس وهو مديرًا ظهره عنها : وش اللي بك وش اللي طيحك هنا؟
عضت شفتيها بألم ، ولامست اناملها مكان الالتواء لتشعر بجلدها مشدود ، كتمت صرخة ، وهمست بتحامل على الالم : ماكنت منتبهة للمكان...يرحم والديك بس ارفع الغطا تراه حديد وثقيل وماني قادرة اتحرك منه...رجلي منكسرة...
لايعلم لماذا كتم ضحكته وهو يردف : لاتخافي لو كانت منكسرة ماكنتي راح تتحملي... دايري الله يعافيش عشان اعرف ارفع الغطا
تهز رأسها بألم وهي تكتم دموعها : مو قادرة ...
تحوقل متعب وهو ينزل بمستواها ، راقب مسار سقوطها كاملا ، لم تكن منتبهة للمنحدر ، انتبهة لرجلها الملتوية وكعبها العالق ، شعر بخفقان قريب في قلبه وهو يحاول ان يطرد تلك الفكرة من باله ، الفكرة المستحيلة ، بأن يكون ذاك الملاك الصغير هوو ذاته الذي يجلس امامه الآن ، حاول ان يمحو فضوله ، خانته عيناه ، انها تصطدمان بعينيها الآن ، لم يتعرف عليها في الظلام ، لم يكن منتبها لملامحها ، كل ماينظر اليه سوى عينيها ، كان عالقًـا ، عاجزا تائهـًا عن الحراك ...
تلكَ الحرب العظيمَة التي أشعلتها بداخلِي ، ورجوتِك اياماً طويلة ان تغادري هاجس هذيانِي ، لازلتِي تتعلقين فيه وتتشبثين ، تاركتًا اياي عاجزا عن التعقل ، مسيبًـا انا في طريق المجانينْ ، لم تتركي بي ذرة عقل واحدة ، لا يمكننِي معاقبتكِ على تلك الدوحة العظيمة التي أسرتنِي بها ، جعلتني مقيدًا أسير نحو هوا عينيكِ ، ايامًا لم أكن استطيع النوم وانا المح تلك الدرة من بعيد ، فكيف بها تصطدمان الآن بعيناي ، كيف لرائحتك ان تعلق في هذا الشماغ ، هل يرحمني الله من بعدِ رؤياكِ؟ أم يعاقبنِي الله بكِ لكلِّ مرة قلت فيها لأمي " لا " للعروس التي ترشحها في كل وقت ؟ ، هل أنتِ جزاء الله لي ودعاء أمي عليّ؟ ، أم أنّكِ الجنة التي تدعو بها امي ان تكون لي؟ يشهد بي ارتعاش صدري وهذيان عقلي وحيرَة عيناي؟ ، كيف لرجلٍ مثلِي ان يضعف امام عينيكِ الغجريتين؟ وآهٌ من صدَى عينيكِ ..

ابعد عيناه ، كانت ثوانٍ قصيرة ، يداه ثابتتان ، جسده يرتعش من الداخل ، قلبه كالطبول الافريقية التي تقرع دون ان تتوقفْ ، قلبه الذي كان كثمرة جوزٍ قاسية ، اصبح الآن مرنًـا لكل مرة تزوره عينيها ، رفع الحديدة بسرعة ، تحررت قدميها ، وقفت تحاول الاتزان مستندًة على السياج الذي يحجز الزرع عن الرخام ، لكنها كانت تعرج ، بالكاد تمشي ، فتح هاتفه ، هاتف هديل بسرعة ليأتيه صوتها : هلا متعب..
متعب بصوت مشلول من التعبِ : بسرعة هديل اطلعي لبنت بو ناصر طايحة ورجلها متعورة...تعالي دخليها داخل
دُهشت ، كيف عرف انها بنت بو ناصر ، وقلقت من ان تكون بالفعل هي جمانة ابنة ابو ناصر ، ركضت بسرعة للخارج ، ترى جمانة تعض شفتيها بألم ، وترى ظهر متعب يمشي مغادرًا ، دهشت من غرابة الموقف ، هديل تضرب على صدرها : شفيييييييك انتي مهبولة ماتطالعي قدامك؟
جمانة ببكاء وغير احتمال : والله العظيم اني قاعدة اموت من الالم ...خلي هيفاء تتصل على ناصر ولا سلطان من جد بموووت من الالم ...
هديل سحبت كرسي واجلستها : طيب اهدي اهدي بروح اجيب لك موية واجي..
جمانة بخوف : لا ...لاتروحي عني اخذيني معك...او خلي هيفاء تجيبه...
هديل بخوف وقلق ونبرة غاضبة : وش بلاه متعب اخوي مسوي بك شيء مخوفك ؟؟؟
جمانة تعض شفتيها ببكاء فور ان عرفت اسمه لتردف : لا ... بس مابي ابقى لوحدي...
هديل تتنهد وهي ترفع هاتفها وتتصل على هيفاء لتخرج هيفاء فورًا بكأس الماء وبخوف : بسم الله لا اله الا الله...شبلاك انتي الحين وش صاير معك؟
كانت تبكِي غير قادرة على نطق اي شيء ، عينا ذاك الرجل لازالت تحفر دواخلها وتصل الى صميم اعماقها ، لقد وصل الى قاع بحرها ، ولم يخرج ، لقد اصبح غريقـًا بداخلها ، وابت أمواجها رفعه الى شاطئها ، لتردف هديل : شكلها طايحة ... زين اني شفتها ولاكان راحت فيها...
هيفاء والهاتف بأذنها تنتظر صوت ناصر : زين زين يارب مابها شيء...*اجابها ناصر* ألو هلا ناصر.... تعال بسرعة اختك طايحة وشكل رجلها ملتوية... ايه...توها الظاهر طايحة...طيب...يلا
اغلقت الهاتف ونظرت الى جمانة : يلا انا بروح البس عبايتي وبجيب عباتك...*نظرت لهديل* خليك جنبها ليما اجي....
هزت هديل رأسها وهي تنظر لجمانة بريبة وتفكر بمتعب...تخشى بالفعل ان يكون متعب قد تعرض لها رغم معرفتها تماما بأن متعب لايمكن ان يخطأ بهذهِ الاخطاء التي لا تليق بصلب رجولته، وتدعوا من الله ان تخيب ظنونها






،



كان ينتظر خارج المستشفى بقلق ، يحترق بجحيم لايمكنه وصفه ابدًا ، من الصعب ان يدخل الدوائر الحكومية كالمستشفيات ، كانت خيبة امل له ان تمرض صغيرته ولا يقوم بخدمتها في ابسط حقوقها ، لذلك اضطر بمهاتفه مشعل ليقوم بمهمة نقل الوريف للمستشفى ، كان مسندًا رأسه للمقود والمطر يصطدم بزجاجة سيارته ، بينما منظفات الزجاج تتحرك بصعوبة على الزجاجة مما يدل على حاجتها للتزيت ، كان يتخيل منظر سقوطها بين ذراعيه وفقدانها للوعي تماما ، هروب اللون من وجهها وقد أصبحت صفراء تماما ، باردة ، نبضات قلبها غير منتظمة ، رفع رأسه ليفرك مقدمة رأسه ، ضغط على انفه من الاعلى وهو يدعو الله ان تكون بخير ، فهو لن يجازف خطوة واحدة بفقدانها ، متوترًا يعد الدقائق الوخيمة وكأنها ساعات لا تكف عن البقاء ورفض المضي ، رفع رأسه للاعلى ، خاطب الله ، طويلاً ....





داخل غرفة الفحص ، كانت تجلس على السرير ، استغربت ان الطبيبة ستعرضها على السونار ، بعد ان سحبوا جرعة من الدم ، ارتجفت طويلاً على السرير وهي لا تتخيل نفسها وحيدة او مريضة بورم خبيث في جسدها ، كل الاحتمالات خطرت على عقلها الا احتمال واحد ، كانت عينيها تنظر الى شاشة السونار ، اخر ماتتذكر انها سقطت بين ذراعي ليث لتجد نفسها مستيقظة في المشفى تضع الممرضة ربطة على مقدمة ذراعها لكي يقوموا بسحب الدم ، وهاهي الآن تقوم بفحص مهبطي بالاشعة المغناطيسية او مايسمى " بالسونار " للتحقق من هوية المرض الذي بداخلها ، شعرت بالقلق ، ثم نظرت للطبيبة تبتسم وتحدق في الشاشة وهي تحرك الجهاز على بطن الوريف ، ارتبكت من ابتسامة الطبيبة لتردف بانجليزيتها الطلقة : ماذا حدث؟
ابتسمت الطبيبة : انتِ بالفعل لاتملكي اي فكرة عما بكِ؟
وريف نهضت بخوف وهي تراقب الطبيبة : لا ...هل اصابني مكروه؟
الطبيبة وهي تحدق بالشاشة : هل بامكانك ان تنظري للشاشة؟
ادارت عينيها للشاشة ، لم تكن مستوعبة ماتراه ، شاشة سوداء احادية الالوان ، رحم تستوطنه قطعة صغيرة ، تسبح في قعره ، نفت كل مافي عقلها ، هرعت الدموع الى عينيها ، كانت الطبيبة تمسح بطنها من السائل اللزج الذي وضعته للتصوير ، تلقائيًـا وضعت يدها على بطنها ، كان شعورا مختلفا جعل قلبها ينبض بسرعة لتردف بهمسات متقطعة : هل...أنا...حـ..ـامل؟
ابتسمت الطبيبة : اجل... تهانيّ لك ...
هزت رأسها للطبيبة بغير تصديق وهي تستلم اول صورة لتلك الروح التي تسكن بداخلها لتسمع الطبيبة : تفضلي هذهِ صور التقطتها لجنينك ... انتِ حامل منذُ مايقارب شهر ونصف ...
هزت رأسها بغير استيعاب : كيف...كيف لم اشعر بذلك....
ابتسمت الطبيبة : لان جنينك في بداية تكوينه... جسدك الآن بدأ يعتاد على مرحلة الحمل... لذلك فقدت الوعي..
مسحت دموعها وهي تقف وتلم حجابها ، خرجت بسرعة للخارج لترى مشعل في الرواق ، شعرت بقلق ، شعرت بتوتر وخجل يضطرب بها ، مشعل كان يحدق بها بقلق ليسألها عما بها ، تمالكت نفسها وهي تغمض عينيها مردفة : حـامل... انا حامل مشعل....
فتح عينيه بصدمة يعيد الكلمة وكأنه رافض لسماعها : حـ...ـــامل؟؟؟؟ وريف انتي مستوعبة اللي تقوليه؟
وريف تهز رأسها لمشعل بقلق وصوت ملتهب من الخوف : ايه ...انا حامل من شهر ونص مشعل...
مشعل يمسكها من معصمها ويشدها الى زاوية منعزلة ويهمس بغضب : لاتطلعيني من طوري ....انتي من جدك اللي قاعدة تقولينه ولا تستهبلين؟؟؟؟
وريف بخوف تنظر لمشعل : مشعل شصاير...انا ماسويت شيء غلط...انا حامل
مشعل وعيناه تطيران بالشرر : حامل من شخص ممكن يموت بظرف ساعة ومايلحق على ولده....حامل من شخص مصيره ممكن يضر بحياتك طول عمرها...
وريف امتلأت عينيها بالدموع لتردف بغضب : مشعل انت وش قاعد تقوووول؟؟؟؟؟ انت من جدك الكلام اللي قاعد تقوله؟؟؟!!!
مشعل بغضب : طبعا من جدي اجل استهبل عليك؟؟؟ مازوجتك الا لما وصيت زوجك ان يتأجل موضوع العيال ليما يحل قضيته...
شعرت بصدمة تزورها ، غير مستوعبة لما يقال الآن ، رمشت بغير استيعاب وعبرتها مخبوءة في حنجرتها : مشعل انت مو قاعد تلعب معي؟؟؟ كيف اتفقتوا على شيء ماخذتوا شوري فيه....كيف؟؟؟؟
مشعل بنبرة غامضة : خلاص هالحين صار اللي صار...وانكتب اللي ربي كاتبه.... بس لو صار بك شيء او بولدك شيء والله يازوجك بتنزل عليه الويلات
وريف بقهر : الا مو هذا العشم فيكم....تفصلون الثوب وتبوني البسه؟؟؟ وكيف مالي خبر؟؟؟ عليك حق انت وياه....
مشت متجاوزة مشعل الذي استغرب مغادرتها ليردف : وين بتروحين؟
وريف بغضب وهي تلتفت ناحيته وتمسح دموعها : باروح بتكسي لين الفندق...رح وراه شرواه وفصل اللي تبيه زين...وتالي لا اتفقتوا تعالوا كلموني وصرخوا بوجهي وكأني انا الملام الوحيد...
خرجت مغادرة بينما مشعل يلحق بها ، ركبت التاكسي وغادرت بينما هي تنظر لليث ينزل من سيارته يحاول ان يتوجه لمشعل لكي يفهم سبب مغادرتها بالتاكسي ... ليث يقف امام مشعل : مشعل وش صاير ليه خليت اختك تمشي لوحدها؟؟؟
مشعل بنبرة غاضبة : ماكان لازم اوثق فيك.... الوريف حامل!!!!




،







ككلُ فتَاة ، تجربتها لم تفز بالحظ الجمَيل ، بارتباك وقلقْ ، من رجلٍ قد وصفه الجميع بالشهَامة ، بين هي تخشى ان تقع خشية للماضي القديم ضحية ، ارتبكت وهي تقف وتفرك يديها ، اغمضت عينيها وامالت شفتيها بقلق ، عضت شفتيها حينما شعرت بهِ يتقدم ، سمعت زغاريد عماته وخالاته وامه واخته غاده ، ابنهم الغالي الذي لطالما حلموا بأن يزف عروسًـا على عروس تليق بهِ ، غرزت اسنانهاا العلوية على شفتها السفلى ، التفتت لخلف حينما شعرت بقربه وهي تشعر بالحرارة ، علم تماما انها تموت خوفًـا ، لذلك ابتسم بوسامته الثلاثينية وهو يلفها ناحيته ، لكي يجعلها تبتعد عن الخوف للحظة واحدة ، ولكن بائت محاولاته بالفشل حينما لمحها تبكي بخوف وتمد اصابعها الرشيقة لعينيها تمسح الدموع ، احتضنها بقوة وقبل رأسها ، غرزها كشجرة خريف في متاهات الربيع ، ابتسم اكثر حينما شعر بنبضات قلبها تضطرب ، ابتسم حينما ابتعدت تدريجيًـا ومسح دموعها ثم مال ناحيتها وهو يهمس في اذنها : من بدايتها كذا دموع وحركات دلع؟ مسفر ماعنده صبر
رفعت عينيها ناحيته بخجل ، احمرت تماما حينما قبلها في جبينها وهو يهمس في اذنها : كيف حالك..
لاتعلم هل سمع صوتها حينما قالت " بخير" لكنها تجاهلت ذلك حينما اشغلها بيده التي احتضنت يدها الصغيرة ، والبسها دبلتها الألماسية بيده ، شعرت بدفء تفاصيله لتبتسم امام وجهه ، اتسعت ابتسامته حتى بانت صفة اسنانه البيضاء ، البسته دبلته ، همس مرة اخرى : ياجعل هاليدين ماتمسها النار...
هزت رأسها بخجل وهي تجلس معه على الاريكة ، تتمنى ان تغوص وتغوص داخل الاريكة بعيدًا عن العالم وعن انظار مسفر التي اخجلتها بالفعل ...
تقدمت غادة لتقبل شوق : حبيبتي شوق... ماتعرفي قد ايش مبسوطين كلنا بك... الله يحفظك ويحميك... بس ماله داعي هالخوف والتوتر كله...
شوق بارتباك تهمس لها امام ابتسامة عيني مسفر : شأسوي غصب عني...
مسفر ينكز غادة : انتي وش تبغين بزوجتي...لازم تخربين اللحظات...يلا انقلعي عطيني مقفاك...
ضحكت شوق على تعابير غادة : حرام عليك احمد ربك اني خليتك تسمع صوتها...
مسفر : جعلني ملح لذا الصوت بس....
قبل يديها ، وألبسها طقم الماس ، كانت خجلى من ان تنظر لعينيه ، لكنه نجح هذهِ المرة وجعلها تغوص مبحرة في عينيه ...تخلت لثانية واحدة عن الخوف...



،



كأن هناك مايهزه ، كأن رعد يصعقه ، كأن هناك من يدفنه في التراب ، كأن هناك من يجعله يسقط من بناية مرتفعة الى اخر طابق من الارض ، ماهذا الخبر الذي هزه من العمق ، سعادة عظيمة لم يستطع ان يخفيها امام انظار مشعل ، صغيرته تحمل قطعة منه ، ستكون كما في احلامه ، ام لطفله ، صحيح ان الظروف لا تسمح له بأن يكون أبًـا لأي طفل ، لكن الله سبحانه وتعالى جعل الخيرة في ذلك بأن يكون أب ... أجمل خبر تلقاه في حياته ، سعادة لا يستطيع وصفها للكون ، حمد الله تلقائيًـا حينما سمع بالخبر وكأنه للمرة الاولى يعيش ، واخيرًا وجد سببا عظيمًـا لكي يكافح لأجله ، لعينيها ، ولأجل الروح الصغيرة التي تسبح في رحمها ، لأجل عائلته الصغيرة ، لأجل امه واخوته ، لأجل الوطن الذي تركه ، ابتسم امام غضب مشعل ، ابتسم بشكل غير معقول وهو يهز رأسه : مشعل انت ماتستهبل صح؟
مشعل بقهر : انا وين وانت ويــــن...
ليث يبتسم بفرحة : يعني مايمدي أبارك لك بأنك صرت خال لعيالي؟
مشعل تلقائيًـا ابتسم وهو يتخيل ذلك : لاحووول...انا مو مجنني الا انت ووراعينك... احنا اتفقنا من قبل انك تأجل موضوع الحمل لبعدين...
ليث يربت على كتف مشعل : صار كذا بعد شنسوي ... امر الله...
مشعل بتأنيب ضمير : الظاهر اني ضغطت عليها كثير
ليث رفع عينيها بغضب : ليكون قلت لها ؟؟؟؟؟؟؟
مشعل : شأسوي.... انفلتت اعصابي وصارت هي الضحية ..
ليث بغضب يمسك مشعل من ياقته : يعني انت الا ماتخرب علي فرحتي...
مشعل يبعد يدي ليث عن ياقته : استهدي بالله ... ولاتزيد الطين بله...وضعك مايسمح ان يجيك عيال هالحين...بس شنسوي بك....خربتها على نفسك...
ليث بقهر ينظر لمشعل : انت قهرت اختك هالحين... وش بتقول هالحين يومها عرفت بأن حنا متفقين على تأجيل موضوع العيال ...
مشعل يمسح وجهه : لاحول ولا قوة بالله...كل حاجة تجي ورا الثانية...
ليث بغضب على مشعل : طول عمرك تفكر من خشمك...مدري متى بتشغل المكينة اللي براسك... تعبت وانا افهمك ان هذي انثى وما ينهجم عليها بمثل هالمواضيع....
مشعل شعر بالحرج من نفسه ليردف : خلاص لا تحسرني بعمري...الحين اروح البيت اكلمها ...
ليث برفض : اترك زوجتي الحين...انا بروح لها ... عندي وياها كلمتين راس...
ليث يشغل سيارته ويركبها ، مشعل ينظر لليث بتساؤل : وانا مع مين اروح؟؟
ليث يدير المقود وينظر لمشعل : دبر نفسك....
مشى ليث عن مشعل الذي رفع معطفه الجلدي على رأسه وعبر الشارع محاولا الوصول الى سيارة تاككسي عابرة بعد ان تركه ابن عمه واخته...

انتهـى ...
إلى الملتقى بإذن الله :$




اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:06 PM   #52

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..كيف حالكم حبيباتي؟
الآن قاعدين نعيش نقلة نوعية بالرواية ، فيه مواجهات خطيرة راح تبدأ من بعد البارت الـ 40 تقريبًـا ، راح تستمر الى المدى الطويل وراح تأثر بالرواية ، شيء من الممكن يغير وجهة نظر البعض اللي قالوا ان الرواية واقفة على رجوع ليث ، او واقفة على قصص الحب ، هذي مجرد 38 بارت ولم يعبر عن ماسيحدث بالرواية بعد...يعني اتمنى تكون نظرتكم طويلة للمدى البعيد وتكون نظرتكم اوسع من هالدائرة اللي حصر البعض الرواية فيها..
صدقوني ماراح تندموا من القصة لو قرأتوها...
وللناس اللي تنتظرني بكل اسبوع..اقسم بالله انكم جنّة هذِه الرواية..
وان معرفتكم هي اجمل شيء اهداني اياه رب العالمين..معرفتكم ووجودكم يسوى هالدنيا ومافيها..
سعيدة بتعليقاتكم معي بكل مواقع التواصل الاجتماعي
رسائلكم الايجابية على سناب شات..دعمكم لي ع الاسك..
وللي يسألون عن حسابي بسناب شات وانستقرام ..تفضلوا ..

snap : i_gaid
insta : i_gaid9


البـارت (38) :


كانتْ إذا ما حدَّثتني
أستثيرُ ركابَها
كيما ألاقي دفئها وسحابَها
كانتْ إذا ما عاتبتني
خلتُ أنَّ الأرضَ ضيقةٌ
وما من خيمةٍ عندي
لأطرقَ بابَها
ما أصعبَ الساعاتِ .. أذكرها
وأذكرُ لهفتي الكبرى
لتفتحَ بابَها
وإذا التقينا في ذُرى الآدابِ
لم نكتبْ من الأشعارِ ما يبقى
ولا يوماً كتبنا قصةً تُحكى
إذا أمْلتْ عليَّ كتابَها
كان موعدنا الضحى
وستائرُ الجدرانِ تعرفنا ضحى
والخوفُ ملحمةٌ من الماضي
كسرنا نابَها
كانت إذا ما جاملتني صدفةً
بين الرفاقِ أتيهُ من فرحٍ
وأدركُ أنني
لامستُ خارطةَ الهنا وقبابَها
ولمستُ رائحةَ الندى
وعصرتُ خاصرة الشذى
وسترتُ عورةَ لهفتي
لما دخلتُ حجابَها
كانت إذا ما أغضبتني .. وهي لمْ
تغضب كثيراً
كنتُ أرفعها على هُدُبي
لتتركَ فوقَ خارطةِ الخصامِ سرابَها
كنت أعشقها وتعشقني
وأحرسها وتحفظني
وأكتبها وتُلهمني
فأكتبُ فوق منتجعِ الرخامِ خطابَها
وقصيدتي الأولى لها
كانت نذوراً
يا أعادَ الله كل نذورها
كي أستردَّ شبابها
كانتْ .. وكم كانتْ
ولكني رضيتُ بقسمةِ المنفى لها
لما عذرتُ غيابَها


# لِـ : كريمْ معتُوق .


لازالت السمَاء رمادِية ، موشَحة بدَاء الغُروب ، تتركَ فينَا شعُور الخوف والضَياعِ في أواسطِ التيه ، كانت المَدينة مبللة ، انعكاسات الناس على الشوارع بدت واضحة ، صوت عازف الكمان يزُورنا من بعِييد ، لازال يجاهد المطر والبرد محافظًا على صوت الموسيقى التي بداخله ، ليسمعها الاف المارة اللذين يرمون له البقشيش من بعِيد ، صوت سائق تاكسي من بعيد يتشاجر مع الزحام الذي شلّ حركة الشارع بسبب قطة صغيرة وقعت في بقعة وحل ، اطفال يشدون أيدي امهاتهم رغبةً في حلوى البائع ، مشهد مضنِي كانت تراه بعينينِ دامعتين ، فارغتَان من الفرحَ ، كل تلك السلسلة التي مرت امامها جعلتها تشعر بأنها مخدُوعة وبأنها مجرد طفلة يتعمد الجميع توجيههَا دون الرجُوع اليها ، شعرت بانهاك جسدِي ، لم ترغب في الصعود بالفندق ، دخلت مقهى الحلوى ، اجتاحتها رائحة القهوة ورائحة البسكويت التي طُهيت توًا ، القهوة التي يحمصها البائع امام أعين الزبائن ، كانت طريقة مهمة لجذب انتباه المشترين ، جلست على طاولة تراقب غياب الشمس من بعيد وسط السحب الرمادِية ، وبرق يوبخ رجفة العالم ، كانت غائرة تراقب العالم تخاطبه بصمت ، غير مصدقة للروح التي تستوطن رحمها ، مدت يدها المُرتجفة على رحمها ونزلت دُموعها كالمطر المنزلق على زجاجة المقهى ، تنفست الصعداء لتمسح دموعها حينما اتى لها الجرسون يتقدم لطلب طلبها ، طلبت لها آيس لاتيه ، مع قطعتي كوكيز بشكولاته الهيرشي ، انغمست في صمتها وهي تراقب دبلتها الالماسية التي في يدها ، رفعت عينيها لتجده يجلس على الكرسي ، يرتدِي معطفه الجلدي الاسود ويستند على الكرسي ، اشاحت بوجهها عنه مبتعدَة عن هالة انظاره ، يحدق بعينيها يحاول جذبها الى هالته ، لكنها كانت مشتتة ، بالكاد رفعت عينيها لتسمعه يهمس : اسمعيني...
وريف تبتسم بسخرية : طبعًـا ...انت وياه تتفقون ولما يطيح الراس بالباس تبوني اسمعكم...كلكم ماتختلفون عن بعض...
ليث يبتسم لعنادها ثم يتنهد : معك حق بكلامك اللي تقوليه بس هم كان اتفاق مشعل معي به حق ...
وريف تعقد حاجبيها عقدة غاضبة وتبلل شفتيها : لاتنسى انو اللي اخل بالاتفاق ع قولتك هو انت مو انا...لكن بالنهاية انا اللي اكلت التهزيء من اخوي...
ليث ينظر لعينيها : لان لو ابو الولد حالته طبيعية ماكان خاله سوى اللي سواه بك...
رفعت عينيها بعينين مترعتانِ بالدموع ، وضع القرسون الكوكيز والقهوة ، لم تبالي بالقهوة ، اكلت للمرة الاولى قطعتي الكوكيز بشراهة ، وعينيها تدمعانِ امام انظارهِ المبتسمة والمندهَشة بذات الوقت ، وكأنها لم تكتفي حينما انتهت لتطلب القرسون قطعتين أخرتين ، احضر لها قطعتي الكوكيز لترفع رأسها للقرسون : هل يوجد شوكولاته بالبندق؟
ابتسم القرسون : بالتأكيد...هل احضرها لكِ سيدتي؟
وريف تهز رأسها وهي تحدق لابتسامة ليث : أجل من فضلك...
حينما ذهب القرسون بدأت تأكل الكوكيز وهي تتجاهل دموعها وتنطق بغيظ شديد : دائمًـا انا الضحية بقرارتكم...لما كانت فرحتي ماتضاهيها اي فرحة ...يصدمني قرارك انت ومشعل...
ليث يتنفس بهدوء وهو ينظر لعينيها اللوزيتين مزينتَان بكريستالات الدُموع : كل اللي ابيه اني ما اظلم عيالي وانا ممكن بلحظة اروح فيها...
وقفت اللقمة في حلقها وهي تنظر له بصدمة ، سعلت بقوة ليعطيها الماء ، شربت الماء دفعة واحدة ثم نطقت بغيض شديد : انت ماعندك اي ذرة امل ...كل اللي تتعامل معه مجرد اوهام ممكن تودينا لسهيل انا وياك...
ليث يمسك بيديها وينطق بصدق : بالعكس...انا اتكلم معك بالواقع
وريف تلتقط الشوكولاة وتبدأ بأكلها بجنون : الواقع؟ الواقع الخرا اللي انت ومشعل تتكلمون عنه هذا ممكن يخرب حياتي وحياتك اذا ماكنت متفائل برجوعك... وش الفايدة الكل متفائل برجوعك بينما انت تمشي ورا الواقع؟؟؟
ليث يحاول كتم ضحكته : انتي من جدك اللي قاعدة تسويه؟
لم تفهم كلامه وهي تكمل تناولها للحلوى بجنون : من جدي ايه..انا واضحة معك من البداية!!
ليث يضحك هذهِ المرة ، وهو يهز رأسه على جنون حالها : الظاهر ان الوحام بدا يطلع عليك من اول ماسمعتي الخبر!
انتبهت لنفسها وهي تترك الحلوى من يدها وتحدق في ليث بخجل ، بالفعل لم تشعر بذاتها ، هرمونات الحمل هي ماكانت توجهها بكل بساطة ، تنفست بغيض : الوضع طبيعي لاتخاف!
سحب كفيها ناحيته : طيب ممكن تهدي عشان نتفاهم؟
وريف تقف وهي تسحب معطفها وحقيبتها : مابي اتفاهم معك...ولا مع مشعل...خلوني بحااااااااالي ياخي...استغفر الله بس
رفع حاجبه وهو ينطق بغضب: اجلسي مكانك....لما اتكلم معك ممنوع تقومي...
وريف بغضب : وهذا انا قمت ايش بتسوي؟ ليكون بتجلسيني غصب بعد؟
ليث يحاول كتم غضبه والصبر على جنون غضبها المفاجئ ليردف محاولاً الصبر : وريف اجلسي...
وريف بغيض : تسوي سواتك وتبيني اسمعك بالغصب؟ ...اللي يجي بالطيب مايجي بالغصيبة...
غادرت المقهى ، خرج خلفها ، مجنونة من الممكن ان تفعل اي شيء الآن وهو لايريدها ان تتعرض للأذية ، مشى خلفها وهو يمسكها من معصمها ويلفها بقوة ناحيته وعينيها مليئتان بالغضب : وريف لاتختبرين صبري...
وريف تحمر عينيها بالدموع ، تبتلع غصتها الحارقة ، وهي تحدق طويلاً في عينيه تحاول عدم التكلم لكنها اردفت بصوت مخنوق بالغصة : اتركني يرحم والديك...مافيني طاقة اتكلم واحرق بأعصابي... ماراح ينفعك ولا ينفعني نتكلم هالحين ...
حدق بها طويلاً ، رغم انه لايريدها ان تذهب غاضبة وبدموع غصاتها ، الا انه اختار هذهِ المرة ان يتركها وشئنها كما تشاء ، فعل ذلك لأجلها ، لأجل مشاعرها التي قد هاجت لفجأة !


تجلس على سرير المُستشفَى بينما الطبيبة كانت تحرك قدمها ، صرخت بألم وهي تشعر بالفعل انها تموت من هذا الألم العصّي الذي اصابها فجأة ، عضت شفتيها حينما شعرت بارتخاء عضلاتها بعد تدليك خفيف من يدي الممرضة ، قامت بإضافة مرهم للعضلات وقامت بلف قدمها وشدها قليلاً ، جميع مادار بالمكَان لم يكنُ يهمها ، ذكرَى عينيه تبعث لجسدها الرعشَة ، عينانِ بحدةِ الحجر ، تخترقان اواسط روحها وكأنه يعيش فيها مسبقًـا ، وكأنه لم ينظر لعينيها اليومْ قط ، هناك مايجعلها تشعر بالجنون حينما تتذكر بأنها هذهِ المرة الثانية التي يصادف طريقها هذا الرجل المدعو بـ متعب ...
رعشة تشبه الموسيقى التي اوقفها نشاز الآلة ، ترتجف وسط السكون فجأة حينما تتذكر كيف كانت تلمح عينيهِ ، صوت بداخلها يُخبرها بأن هذا الرجل سيسببْ لها وسواَسْ ان لم تستجمع ذاتها ، خصوصَـا بأنها تكاد ان تقسم كونها غير طبيعية ، بالعادة حينما تصاب بأدنى خدش تتعمد النحيب والدلال ، هذهِ المرة كانت صامتة ، تبكِي بصمتْ ، ثم تمسح دموعها وتبتسم دُون وعِي ، أجل ... دُون وعِي ، أسيرة لظلامِ عينيهِ الحالكتِين وسط الظلمة ، رجل بعينينِ كعينينهِ يعلن عدم انهزامه لأيْ فتاة ، يعلن مدَى قسورتَه وقساوةَ قلبه ، يعلن مدَى تجاهله للصوت الذي يصدح في عقله ، يتجاهل عواطفه ارضاءًا لرجُولته ، وضعت فيهِ آلاف العيوب والحجج كي لا تفكر بهِ ، لكنها كانت غبية ، تدُوخ بمجرد تذكر عينيهِ ، تقدمت هيفاء ناحيتها وهي تبتسم : ها مكسورة زي ماقلتي ولالا؟
جمانة تبتسم بألم وهي تعضّ شفتيها : لا سليمة ..بس رضة...
هيفاء : ههههههههههههههههههه انا قايلة انك تحبين الدلع ... يالله خطاك الشر والسوء...وماعليك خلاف ...فيك حيل تمشين ولا اخلي اخوك يشقلك ؟
"يشقلك بمعنى يحملك"
ابتسمت جمانة : هههههههه لا وين...بعرج عليكم كم عرجة بس مو مشكلة ...يلا خلينا نطلع الحين اكيد امي حرقت جوالي من الاتصالات...
ابتسمت لها هيفاء : لاتخافي ناصر توه كلمها وطمنها...
جمانة تستند على هيفاء لتخرج امام عيني ناصر الذي تقدم واسندها على كتفه : ها ست جمانة ... وش طلع معك؟
جمانة تبتسم بمزح : مبروك انا حامل...
فتح عينيه بغضب على مزحتها السخيفة لتبتسم جمانة بخوف : ههههههه والله والله امزح...بس طلع معي كم رضة في رجلي والتواء بالكاحل...
ناصر يبتسم : ماوراك خلاف ان شاء الله... ها تامرين على كم بوكس يفقع وجهك؟
جمانة تبتسم : ابد اتركني سليمة ...امي بتقوصبك لو صابني شيء فوق ماجاني..
ناصر يفتح لها باب سيارته : قلنا لك امشي عدل وطالعي...بس الله يهديك..تطالعين من خشمك..
ضحكت هيفاء : هههههههههههه انت مستلم اختك هاليومين مدري شجايك... اقول يلا بس خل نمشي خالتي الحين ميتة القلق على جميين...
جمانة تبتسم بحب : ياجعلني فداها بس...


يُجرِي عدّة اتصالات ، يتحدث مع اكثر من جِهة معينَة ، هاجس من هواجسِه ، الحصُول على محامِية جيدَة للمتهم " ليث آل مالك " ، كانت هناك عدة مرشحات ، تركهنُ مهملات في القائمَة ، رشح له الدكتور وليد احدى المحامياتْ ، *جاكلِين* ، كانت مشهورة في هذهِ الفترة بحل قضايا كثيرة لأبرياء متهمين في حادثة 11 سبتمبر ، لم يكن بوسعه سوى ان انهى اتصال مع مدير اعماله واتفق على الحصول على موعد زيارة الى القصر ، خرج الى الباحة الخارجية ، ينتظر وصول المحامية ، تنهد طويلاً وهو يشعر بتوتر شديد جراء هذهِ الخطوة ، لكنهُ كان مُقدمًـا على الخطوة باصرار ، كان يدرس الموضوع بحذافيره ، خطوةً بخطوة ، نظر اليها تمشي من بعيد ، حينما استدارت تنظر اليه تجاهلها ، وابتسم للمحامية التي تدخل من بوابة القصر ، بحلة رسمية انيقة وشعر اشقر وعينين بلون البحر ، جميلة ، بجمال عروقها والمكان الذي تنتمي اليه ، دخلت وبلكنتها الانجليزية البريطانية كانت تتحدث معه ، حينما لاحظت انسجامهم في الحديث تدخلت سريعًـا وهي تتقدم نحوهما ، بعينينِ شاخصتين تبديان عدم الاعجاب ، حينما تقدمت ابتسم آدم يعرف المحامية جاكلين بـ هاجر التي تنظر للمحامية بنظرات حادة ومغتاضة :أعرفك آنسة جاكلين...زوجتي الآنسة هاجر...
تمد المحامية كفها لهاجر ، هاجر تبتسم بمجاملة دون ان تصافح : مرحبـًا بك ..
ابتسمت المحامية لآدم : هل نباشر بالعمل سيد آدم؟
آدم يهز رأسه ويشير الى الداخل : لطفًـا ... تفضلي من هنا...
دخلت الى الداخل امام انظار عينيها وهي تشتعل ، لم تعجبها نظراتها لآدم ، لم تعجبها فكرة العمل البتة ، اختنقت اكثر وهي تلحق بهما وكأنها مصرة على فعل ذلك ، توجهت الى الطاولة التي يجلسون عليها لتجلس ، شعرت المحامية بالاحراج من تطفل هاجر ومن تصرفها الطفولي ، آدم عقد حاجبيهِ ونظر اليها ببرود : وش له قاطة وجهك معنا؟
هاجر بغيض : ابد حابة اعرف وش يشتغل به زوجي المصون...
آدم بسخرية : اعتقد اني في محيط عمل حاليًـا ...مو ناقص حركات طفولية
هاجر تكتم غيظها الشديد وهي تنظر للمحامية بغير رضا : ومالقيت غير هالقشرة جايبها لي هنا؟
وكأنّ فكرة غيرتها اعجبته ، وكأنه شعر واخيرًا بغليانها ليستغل الموقف لصالحه ، ويبتسم وهو ينظر للمحامية التي غير مستوعبة مايدور حولها ببتسامة ، لتشتاط هاجر غضبًـا ويبين من ملامحها الجنون ليردف آدم بدفاع مصطنع : اولاً هي شقراء مو قشرة ... وشيء ثاني مالقيت محامية كفو وتسد اللزوم مثلها..
جاكلين تتكلم : سيد آدم هل بامكاننا المباشرة بالعمل ... لدي مواعيد اخرى ...
وكانت تحدق بهاجر التي فتحت عينيها بدهشة من تلك المحامية ، آدم يحبس ابتسامته وهو يطرح على المحامية القضية دون ان يذكر اسماء او اية احتمالات ، كان يراجع البنود التي قد تفيد قضية ليث آل مالك حسب المحكمة العامة الدولية للحقوق ، أخبرها بعض التفاصيل واستخدم القضية لصالحه دون ان تعلم المتهمين ، فقط استشارات قانونية منها ، هاجر بغيض تحدق في المحامية التي كانت تنظر لادم باعجاب ، يبدو بأنه شخص مثقف مطلع على معظم البنود الدولية وتلك الاستشارات كانت لرفع الستار عن بعض الثقوب الصغيرة ، لم تفت ابتسامة الاعجاب هاجر التي بالفعل كانت تغلي وتنظر بشكل غير راضي ومتوتر بينما آدم يبتسم بهدوء ويتكلم بأريحية واحترام مع المحامية ، هاجر قاطعت كلامهم فجأة : انت وش قاعد تخربط معها من مساعة ... ولا حلت السوالف؟ هذا شغل ولا جلسة تعارف...
المحامية رفعت حاجبها بغيض وهي تنظر لهاجر وتتكلم بعد صبرها على مقاطعات هاجر لها في الحديث عدة مرات : انا لا احب بأن اشير اليك بأن تصرفاتك طفولية وغير مهذبة ...لكنها بالفعل كذلك...
هاجر تفتح عينيها بغير استيعاب لكمية الغضب التي دخلت فيها ، تقف وهي تتخصر امامها وتنظر لعينيها وبانجليزيتها : انا طفولية وغير مهذبة ؟؟*بالعربي* جعلك الماحي اللي يمحي دماغك قولي آمين...ماناقص انتي يالعبدة تقعدين تنتقديني...حماااارة
آدم يمسكها من الخلف ويعتذر للمحامية : اعتذر مجددًا باسمي آنسة جاكلين...انها تمر بموجات عصبية في هذهِ الفترة...امهليني فقط عشر دقائق كي اتحدث معها..
جاكلين تبتسم وهي تنظر في عيني هاجر وبنبرة مقصودة : لا بأس...اتمنى ان لاتشقى في ذلك...
هاجر تفتح عينيها وهي تحاول ان تتحرر من قبضة يدي ادم الذي كان خلفها يدفعها للداخل، وبمجرد ان ادخلها امسكها بقوة وبغضب : انتي ايش قاعدة تسوين؟ طفلة انتي ولا ايش؟ متى بتكبري عن حركاتك هذي؟
هاجر بغيض ونبرة غضب مختلفة جدًا عن كل مرة : لا والله؟ انا اللي طلعت طفلة الحين... قاعدين تتقاززون كنكم طيور الحب ...
آدم يستغفر الله وبحدة : اعتقد اني انسان متزوج وماله داعي اقز بها وانتي عارفة هالشيء
هاجر بغيض : الحمارة كانت تطالع فيك...
آدم : هاجر انتبهي لالفاظك ولتصرفاتك الطفولية...انا في مجال عمل مو في مجال هبال ...ياتقضبي لسانك او تجلسي محلك فاهمة؟؟
هاجر بقهر شديدِ : يعني عاجبك الوضع الزفت اللي انت فيه؟
آدم يحبس ضحكته على غضبها ليردف : وضع ايش؟
هاجر تعض شفتيها بغيض : سوي حالك ماتفهم سيد آدم...
آدم يضيق عينيه ويصمت لفترة ثم يردف : لحظة؟ .....*اتسعت ابتسامته وغمز لها * ليكون هاجر هانم تغار علي بعد؟
هاجر ترتبك وهي تنظر له ثم تستجمع نفسها : اغار ؟ ليش اغار بالله؟ مابه شيء اغار عليه...بس وضعها زايد وهي تطالع فيك *وبقهر* هالعوجاااء...الطويلة المنتحلة...
آدم يهز رأسه وبأسف : أبد...لو اضرب راسك بألف جدار وجدار ماتتعضين وتقضبين لسانك...*توجه خارجًـا وقبل ان يخرج من الباب* اجلسي محلك لا تفشلينا قدام خلق الله وناسه بحركاتك الطفولية...
كان سيخرج لكنها كالمجنونة لحقته وهي بالفعل تشعر بأنها من المستحيل ان تقبل بجلوس آدم مع المحامية على انفراد لتردف بأسف مصطنع : آسفة والله آسفة اخر مرة...لحظظظظظة آدددددددم....

ابتسم وهو يلتفت لها وينظر لها ، وهو يرفع كتفيه بعجز واستسلام : وخالقك انتي مصيبتي بذا الدنيا وامتحان ربي لي.... الله يصبرني على جنونك...


تجلس امام التلفاز تشاهد فلم رومنسيًـا ذو نهاية حزينة ، كانت تبكِي بطريقة مضحكة بينما ملعقتها الصغيرة تغوص في آيسكريم الشوكولاته وتحشرهُ بجنون في فمها ، حتى هي لم تستوعب كيف لمزاجها ان يتاعب تلك الافلام التي لا تميل اليها البتة ، خصوصًـا وهي تبكي وتتفاعل مع الاحداث ، حتمًـا ستجن من الوضع التي هي فيه ، ربما ذكرى ليث واخيها أثرت فيها ، فهي لم ترغب بان ترى مشعل طوال اليوم رغم توسله لها على الهاتف من اجل التحدث اليها ، لكن ومن دون جدوى لم ينفع ذلك ، بحزن لوت شفتيها وهي تحدق تجاه البلكونة ، شعرت بحريق جنينها يشتعل في رحمها ، بمجرد ان تذكر والدهُ يزورها هذا الألم الذي يجعلها بالفعل لا تتخيل بأنها ستعود الى التحدث معه ، حينما سمعت الباب ، وقفت وهي تمسح دموعها ، توجهت لفتح الباب وهي ترى عبير ، عبير تنظر بصدمة لحال الوريف : الوريف؟؟؟شفيك ياقلبي ؟؟؟
الوريف تلوي شفتيها وتحتضنها وتبكي : مدري شفيني...حالي منقلب وماني قادرة استوعب نفسيتي...كرهت نفسي قسم بالله...
عبير تجلسها على الاريكة : بسم الله عليك ايش هالكلام؟ صلِّ ع النبي وماله داعي كل هالانفعالية ...اكيد انها وساوس ..
وريف ترفع كتفيها بعجز : يمكن من الحمل....
عبير تفتح عينيها بفرحة : قولي قسم؟ يوووووووووسف يدري؟؟؟
لم تستوعب بالبداية اسم يوسف على لسان عبير لتردف باستغراب : يوسف؟
انتبهت بأنها تقصد ليث لتهز رأسها بألم : يدري...
ابتسمت له عبير : اجل هذا الحال اللي بك من الحمل؟
وريف بعجز عن الفهم : حتى انا اقول...لان حالي مو طبيعي..صايرة عاطفية بزيادة ومشاعري تظهر بزيادة...يعني ماقدر اتحكم باعصابي...وابكي على اتفه الاشياء..
ضحكت عبير طويلاً : ههههههههههههههههه اكيد انك مطلعة عيون زوجك هالحين؟
وريف تعض شفتيها بحيرة : عبير لا تحسريني بعمري وتخليني اندم اني قلت لك!
عبير تضحك بابتسامة : طيب خلاص ...عموما لاتستغربي من وضعك الحمل بالشهور الاولى تنقلب فيه نفسية البنت...يعني ياحبيبتي لاتخافي...بس هم انتبهي لانفعالاتك لأن اي شيء انتي تحسي به يحس به طفلك...حاولي انك ماتعصبي حالك او تزعلي كثير...
حينما تذكرت ليث بلعت غصتها وهي تشيح بوجهها للبلكونة : هذا يعتمد على اللي حولي...
عبير : طيب ليه جالسة كذا ومتكدرة ؟ يوسف كلم فهد وقاله جب زوجتك عند زوجتي...الرجال ميت قلق عليك وانتي صادته...ولا ليكون تتوحمي منه؟ وماتطيقي ريحته؟
ضحكت وريف وهي تهز رأسه : هههههههههههههه لا ...بس مزاجي متعكر عليه ...ومو بس عليه حتى على اخوي...
عبير : طيب انا مابي اسوي تضامن نسائي معك لانه واضح انهم مزعلينك...بس بسوي المهمة اللي ارسلني زوجك لها... استهدي بالله الحين وريحي بالك ولاترهقي نفسك...بالليل كذا خلي زوجك يجي معك وتفاهمي معه...هالشيء يخصكم انتم الاثنين..
وريف تفرك اناملها وهي تحدق بكفيها : معك حق...
عبير : ولا تتنرفزين بسرعة ...تحكمي بانفعالاتك عشان اللي ببطنك...
وريف تهز رأسها : طيب..*ونظرت لعبير ببراءة * طيب انا مشتهية تشيز كيك من يدك هالحين؟ ممكن؟
عبير تبتسم بسعادة وهي تضحك : هههههههههههههههههه ياربيه عساااه ولد بس... واضحة العلامات...
وريف تبتسم : اللي يجي من الله حياه الله... اهم شيء يكون بصحة وسلامة ...بس ياليت تحسي فيه وتخلينا ناكل شيء نحلي به ونروق انا واللي في بطني..
ابتسمت عبير وهي تقف : من عيووووووني...
توقفت عبير بينما هي جلست تحدق بالبلكونة ويدها على بطنها ، لاتتخيل بأنها ستورث هذا الغائب ابنًـا ، قد يشبه ابيهِ في الغياب ، والعذاب ، وقد يشبهها في التضحية والقُبول ، ارهقها التفكير وهي تتذكر عيني ليث حينما لحق بها خارج المقهى مصرًا على الحديث معها ، كيف تحامل على مشاعره كي لا يؤذي مشاعرها ولم يزد اصراره في التحدث معها ، تركها لأجلها ، لكي تعود الى عقلها ، تنهدت تنهيدة طويلة حينما رأت رسالته تصدح في شاشة هاتفها :
" كل ماحسيت ضيقة بغربـتي ... أتنهد ، واذكر الله ثم اذكرك "

بلعت غصتها ولمعت عينيها بالدموع ، أطفئت شاشة الهاتف ، ونظرت للبلكونة ، هناك مايربطها بذاك الاتجاه ، وكأنها خلقت لتقودها روحه الى تلك البلكونة لتنظر الى الغائب من تلك الاماكن التي تفصلها المسافات القصيرة والبعيدة بذات الوقتْ ، حينما يلامس ملامحهم الغياب ، تصبح المسافات طويلة تشبه ابتعاد القارات عن بعضها البعض ، عليهم ان يعبرُوا محيطات العالم لكي يلتقوا .. اضائت شاشة الهاتف برسالة أخرى منه تعبر عن مدى رجاءه بأن تطمئن قلبه برد وخصوصا بأنه يعلم بأن حتى مشعل اخيها لم يستطع ان يتطمئن عليها :
" انا في عذاب...لاتزيديني عذاب..."

لم تتحمل ان تقرأ أي نص آخر منه ، اطفئت هاتفها بالكامل ، شاركت عبير وساعدتها رغم اعتراض عبير عليها وطلبها له بأن ترتاح ، لكنها لم تفعل ذلك ، كل مافعلته بأنها انغمست تأكل بجنون من تلك الحلوى ، وكأن هذا الطعم الحُلو يواسي حزنها ويبرد اللهيب الذِي بداخلها ، ...

كان يجلس متوترًا في المقهى الخارجي اسفل فندقه ، وامامه مشعل ، ينتظر منها ردًا لكنها تتجاهل محاولاته ، ضرب على الطاولة بغضب وهي يتنهد ، كره حاله وكل الاشياء التي يمر بها ،الحالة التي يجعله مضطرًا بأن يعيش بهذهِ الطريقه هو والوريف وطفله ،كانت حياته مرسومة في نظره بطريقة مختلفة تماما ، جنون يصيب عقله يشعره غير قادر على الاحتمال ، قلقٌ عليها ، يعلم انها في حالة نفسية غير جيدة وهذا مايجعله ييعيش قلقًـا غير طبيعي ، لايمكنه المجازفة بتكرها وحيدة ، خصوصا وانها لم تقبل بأن ترى اخيها ، لذلك اضطر لطلب فهد بأن يحضر زوجته ، نهض عاجزًا عن التفكير وهو ينظر لمشعل بألم : اختك بتجنني والله..خذها مني ...كلها سنتين وانا مابي عقل...
مشعل يكتم ضحكته : طيب استهدي بالله واجلس لاتتوتر..
ليث بسخرية : المشكلة اني ميت قلق عليها وهي ابد..ولاذرة احساس...
مشعل بـ ابتسامة : تلاقيها مو قادرة تتحمل وتبي تكلمك بس تبي ترد الموقف لي ولك...مو هين انها ماتدري بقرار مثل هذا...
ليث يتنهد ويشعر بالمنطقية من كلام مشعل : كلامك منطقي..ابي اتفاهم معها واكلمها ماهي جاية تعطيني فرصة...
مشعل ينظر لليث وهو يضحك : الحمدلله اني مو مجرب شعور حرق الاعصاب ومريح راسي...
يبتسم ليث : من عاب ابتلى يامشعل...
مشعل : الله يجيرنا ...المهم انا بمشي الحين مع اثنين من ربعي...انت تقهوى وروق بالك...واذا ماردت عليك لين الساعة 11 بالليل انا اعطيك الضوء الاخضر ...*اخرج بطاقة الشقة التي للفندق* واخذ البطاقة واقتحم...
ابتسم ليث : طيب...
ابتعد مشعل مغادرًا ، استند على الكرسي وهو ينظر لساعته ، الساعة الـ 8 مساءًا... امامه 3 ساعات لصبره ..بعد ذلك...سيضطر بأن يتحدث معها ولو قسرًا


،


فِـي مُختلف الثقافاتِ التي أعرفها ، كانت عينَاكِ هي التي تغزُو الشعِر ، كان صوتها يزلزلُ الأبجدِيّة حرفًـا حرفًـا ، كانت رموشَ عيناكِ تسُبل القصائِد الغزلية على الوَرق ، آهـ ..مُوجعة..لاترحم ، وليتها ترَحمْ ، علّ الجحيم الذِي اشتعل في صدرِي يخمدُ ناره ، عله يُصبح بردًا وسلامًـا بعد أن كان نارًا مُحرقة ، ليتنِي أعود إلى سابق عهدِي دُون هذيَانِي وانهزامي ، ليتنِي لم أعلن لقلبِي ضعفي أمام عيناكِ وانجراف بحارِي نحو شاطئكِ ، ليتنِي لم أرسي على عيناك ، كلما تذكرتِك يرتعش مافِـي صدري ويبدأ بالهذيان ، تُهاجمنِي حتى في نومِي ، تحرمني من الراحة ، تخترق حواجزي وجدرانِي ، كنت قد بنيتُ جدرانًـا سميكة ضد الانهزام لكل امرأة ، جدارًا أقوى لربما من جدار برلين ، لكنكِ اخترقتُهِ في ثانية واحدة ، وجهتِ سهامِك ورشقتها مباشرة هُنا في صدرِي ، زرعتِي بذورك الحارقة ونسيتي أن ترشيها بالماء ، تركتها عطشى تندُب الليل بالنهار وتهذِي بعودتكِ ، أستغفر الله من ذنبِ النظر الى عيناكِ ، أستغفر الله من كل صدفة جمعتنِي بك وجعلت منِي رجلًا هاذيًـا بك ، أنت تلك الذنوب التي ألبستنِي خطايا الهزائم وجعلت مني عيناكِ آثمًـا ، حرقتنِي ألسنة اللهب برجُوعك بعد ان حاولت نسيانك ، أشعلتي النار ولم تخمديها ، متباهية بأن الله خلق لكِ حُسنًـا وأحسن صنعك؟ هل تجحدي النعمة التي أنتِ فيها وتعذبي رجلاً لايملك سلاحًـا سوى رجُولته؟ لقد ضعت في ردهات الطريق ، لم أعلم أيّ وجه سأذهب بها .. باختصار...حينما رأيتُ عيناكِ ..ضاعت كل اتجاهاتِي!

فتح ازارير ثوبهِ بضيق بعد ان عاد من العمل ، استنشق هواء يشعل بأنه حارقًـا ، كان مرهقًـا بالفعل امام انظار الجميع ، فيصل أخيه يجلس بجواره بعد ان دخل خلفه ، ابتسم لأخيهِ الذي كان يجلس بتعب وشرود وحقيبة العمل امامه مفتوحة في الطاولة ليردف فيصل : متعب ياخوك وش بلاك ؟
متعب بارهاق : مابي شيء انا بخير...
بو فيصل ينظر لعينيه وبغير راحة : انت وراك بلى...لك يومين ووجهك متغير وحاس ان وراك علم...قل يابوك ريح قلبك ..
متعب يضغط على مقدمة رأسه بتعب ثم يردف لأبيه : لو بي شيء كان قلت...
جده ينظر لأبو فيصل: وانت بتسمع كلام ولدك؟ لو عليه ترا مانطق بحاجة...بس انا اعرف كيف اجيب علومه
متعب يحدق فيهم بعجز وهو يتحوقل : لاحووول...
فيصل يضحك : متعب ترا ابوي وجدي معهم حق ...حالك مقلوب وهالحين لو شافتك امي بذا الحال بينشغل قلبها زيادة ..صار لها يومين تقولي شف اخيك...
متعب يبتسم بهدوء وهو يتقدم ناحية الطاولة ويخرج الاوراق التي فيها ويراجع بعض قضايا السفارة للمبتعثين والمغتربين من كل انحاء المملكة ليردف لوالده : يبه شفت اخر الاوراق اللي وصلت لنا؟
بو فيصل ينزع شماغه ويضعه على طرف الكنب : لا ماتفحصت بريد السفارة اليوم...اليوم انت وفيصل اشتغلوا عليه...
متعب يبتسم بهدوء لجده الذي يرفع حاجبيه بغضب : تبي تغير الموضوع يالهيس تفكرني مادري بعلومك..بس انا اوريك
متعب يضحك : ههههههههههه حتى لو بي شيء انا روقت هالحين منك ...الله يبقيك يايبه ..لاتشغل بالك ..حبة راس ويطيح اللي براسي
فرز الاوراق ولملم بعضها ، ثم اعطاها والده ليردف : يبه خذ هالاوراق راجعها مع الادارة ...ووقعوا عليها خلصوها ...عشان عندنا دفعة ثانية مع البريد..
بو فيصل يستلم الاوراق : خلاص رح انت واخيك شيكوا ع البريد والباقي انا احله...

غادرهم متوجهًـا الى غرفته ، نزع ثوبه وملابسه ورماها على السرير ، توجه الى دورة المياه ، ليستحم ، بالماء البارد ، لعل الذي في صدرهِ يبرد ، دون ان يهاجمه هاجسُهًـا ..



وَقفتْ المُحامِية ترتب أوراقها وتضعها في رزمة واحدة في حقيبة عملها ، وهي تحدق لآدم بابتسامة ، لسَان هاجر الذي من المفترض ان يسكتْ بعد تهدِيد آدم لها الا انها لم تحتمل عدم مقاطعتها بين الحِين والآخر ، وقف ادم لتقف هاجر تلقائيًـا معه ، مدت المحامية يدها لهاجر لكي تصافحها ، هاجر حدقت فيها بغضب ونظرت لآدم لتمد يدها بغيظ شديد وهي تبتسم بمجاملة واضحة : أتمنى لكِ عمل لايعيدك الى هنا عزيزتي المحامية...
ضحكت المحامية بغيض من هاجر لتردف لها : لاتقلقي عزيزتي هاجرًا ..*ثم حدّقت بآدم* أظن ان عملنا القانوني لن ينتهي بهذهِ السهولة...
هاجر بغيظ لم تحتمل وهي تعض شفتيها : انتهى عمرك جعل مالك عمر...قال قانوني قال...عساهم ينفخوا قانون موتك...
آدم يمسك بهاجر حينما لاحظت جاكلين ان هاجر بدأت تتحدث بالعربية وبالتأكيد انها تتحدث بطريقة غير لائقة خصوصا وان آدم بدا محرجًـا وهو يمسكها ويهمس بأذنها بغضب : وعدك بعدين...
نفضت يدها من آدم وهي تحدق فيه بغضب وقهر شديدِين : وعد ايش؟؟؟ جالس لي مع هالمومياء وتهددني بعد...
شد بقبضته على يدها لتصمت من الالم ، رافقوا المحامية للخارج من حديقة القصر ، حينما اغلق آدم بوابة القصر التفت ناحيتها وعينيه غاضبتين ، ارتجفت هي ، رجعت خطوات للخلف كبداية لهروبها ووسيلة للدفاع ، لكن آدم شدها ناحيته بقوة لدرجت انها ارتطمت بصدره ،تنهد آدم وهو يحدق في عينيها التي اخفضتهما ليردف : عاجبك يعني اللي سويتيه؟
هاجر وهي تتحامل على غضبها : الحمارة شوي وتطلع عيونها وهي تطالع بك...اكيد بستجن...
آدم يمسك بكتفيها ويحدق بعينيها طويلاً : مالك دخل فيها تولي ...هذا راجع للبيئة الزفت اللي عايشة بها...طالعي فيني انا...وشوفيني لو خنت الثقة وطالعت بغيرك يازوجتي المصون... وبعدين وش يعجبني فيها كلها على بعضها كراعين...
ضحكت هاجر بفرحة : ههههههههههههه يعني؟
آدم يسندها بالجدار ويحدق بعينيها : يعني ياست هاجر...بلا من حركات المكابرة واعترفي باللي قلبك مايقوله...
هل تفضحُنِي عيناي؟ هل تتحدث بصوت قلبِي وانتَ له منصتٌ وسامع؟ هل بانت عليّ تفاصيل الغيرة والجنُون؟ هل لمحت تخبطي بين الحديثْ؟ هل اعترف؟ آدم؟ انصت الى صوت عيناي ..سترى بأن تلك الفتاة التي تغادر شبابيكك دائمًـا ما تلتفت خلفها تودّ العودة لكن كبريائها لايكبح جماحه ، هل تعلم أنّك أجمل هدية أرسلها الله لِــي؟ هل تعلم اني ارسمك على سطح الماء وأرى صورتك على قهوتِي الطافية؟ هل تعلم بأني أحتضنُ وسادتك ليلاً وأهذِي باسمك ؟ وأعدّ النجُوم طويلاً لكي لا أنسى بأننا ننظر للسماءِ ذاتها ، هناك صوت في قلبي أخشى ان أسمعك اياه ، هناك كلمات تأبى أن تبوح بما داخلها ، لأنني ومع الأسف لم أحلك بعد ، لازلت أتسائل عن ماضيِك ، وحاضرك ، وماهيّة مشاعرك ناحيتي ، هل تلومني؟ لقد اتيتنِي من المجهول وعذّبت قلبي في سرابيل الهوى ؟ ، هل تلومني الآن ان أصبحت اكثر النساء تناقضًـا في هذهِ الحياة؟ هل أبوح لك بسر؟ أنا منذُ اللحظة الأولى التي رأيتُ فيها عيناك ..سمعتٌ تخبطًـا غريبـًا في قلبي ، شعرت بأشياء غريبة تدخل الى روحي وجسدي ، ورعشة غريبة تزورني في كل ليلة ، دفئك هذا ودفء قربي منك يجعلني اكثر الناس جنونًـا بك ، أعتذر...لأني غير مستعدة للبوحِ الآن...لأني لا اتنازل بمشاعري بينما انا لا اعرف مشاعرك نحوي...

ابتعدت عنهُ قليلاً وهي تتنهد بتنهيدة طويلة وتبلع غصة خانقة لانها تشعر بأنها جارحة : انت مهووس بأني فعلاً أحمل مشاعر ناحيتك بينما هذا شيء مستحيل... انا تزوجتك زواج اللي "خذوه فـ غلوه " ... فلا تتوقع اني ممكن اهوجس بك ..الغيرة بالمرأة فطرة...لاتعلقها بالمشاعر...واعتقد انها شيء من حقي في النهاية..
ضيق عينيه غير مصدق وهو يرسم شبح ابتسامة ساخرة : وهل تعتقدي اني بالفعل متيم بك او مهووس بك ؟ لاتنسي ان الزواج اللي جمعني بك هو ظرف اجباري...يعني انا مُجبر على احتمالك يازوجـــــــتي!
شددّ على الكلمة الأخيرة ، لقد انقلبت الطاولة على رأسها ، بلعت غصة وخيمة ، كانت هي من ستجرح ، لكنه جرحها بكلماته ، الذي في صدرها مجنون الهوى به ، يحتضن تفاصيل رائحته ، يحتضن كل التفاصيل التي عاشتها معه منذُ اللحظة الاولى ، كل ما نفتهُ بجملته هو صحيح ، هي مهووسة بهِ ، وغيرتها سببًـا لجنونها به ، وتعلقها السريع برجولتهِ الشهمة ، لكن ماجعلها مجروحة بضمير هي انها اعتقد للحظة واحدة بأنه يبادلها المشاعر ، شرخ عميق في اصل انوثتها ، اهانة عظيمة وصفعة تعلقت بها ، رغم انها وجهت الاهانة ذاتها على آدم ، لكنها لم تلاحظ انه تأثر بالفعل كما تأثرت هي الآن ، وعدم مبالاتهِ تلك هي دليل على صحّة كلامه بأنه لايفكر حتى بنسبة صفر بالمائة ان يفكر بها ، دمُوع لمعت في عينيها ، حرارة اشتعلت في صدرها ، حريق لم يخمدهُ آدم برماد كلماته الحارق ، استجمعت نفسها وهي تنظر له وبسخرية نطقت : حلو...اذا الاثنين متفقين بأن ولا بنسبة واحد بالمية ممكن يبادل الاخر اهتمامه..
آدم يرفع حاجبيه لهذهِ الانثى التي لاتشعر بأية مشاعر ، يقسم بأنه لايفهمها ، مرة يشعر بأنها مهووسة به ، وهذهِ المرة شعر بأنها مجردة من المشاعر ، ابتسم وهو يدوس على جروحه بقسوة : ولا حتى بنسبة صفر بالمية...
عضت شفتيها تحبسُ دموع رهينة في عينيها ، اختنقت بالعبرة ، غادرته ، قابلته بظهرها ومشت عنه بدموع ، دموع نزلت على سطح وجنتها ، يعاكس المنظر الذي يراه لقفاها ، كان يرى وقفة واثقة وغير مهزوزة للكلام الذي وجهه لها توًا ، حتى وان لم تشعر بشيء ناحيته ، هي لم تبدي أي تأثرًا ، لايعلم بالحريق الذي يجتاح وجهها الآن والشهقات المكتومة في وسط صدرها ، مجرد دموع تخرس صرخة مذبوحة داخلها ، بينما هو شعر بجرحها له ، كيف كانت تنطق بتلك الكلمات بينما هوو آملًا بأن تعترف ، حتى وان كان هذيانًـا فهو قد عاشه ، محتملاً بأن هذهِ الفتاة الرقيقة تحمل قلبًـا رقيقـا ، لكن الذي اكتشفه الآن ، كلاهما يملكان قطعة جليد يصعب ذوبانها في صدرهم ، وضع يده على صدره وهو يتنهد : لاتضعف..لاتعشق...سوي اللي انت جاي عشانه...انت اكبر من انك تضعف لبنت ماتبدي أي اهتمام عشانك...


مرتَ تفاصيلُ العقد بكل بساطة ، ياسر عقد على مهره ، مهره التي لا تدرك أي شيء ، يقع عليها حكم الجاهل ، لذلك ناصر هو من كفل امر الموافقة ، اسبوع منذُ ان تم العقد ، ياسر لم يزر ناصر ولم يرى مهره ولا مهاب ، كان يحتمل اي شيء قد يصادفه ، حينما تسمع الخبر الذي من الممكن ان تنساه عشرون الف مرة ان لم تسجله في هاتفها او في دفترة ملاحظاتها او على الجدار كما تفعل ، اعتاد ان يراها تخرج احيانا من غير حجاب غير مدركة للوضع الذي هي فيه ، يتدارك مهاب الوضع باحراج وهو يدخلها للخارج ويلبسها الحجاب ، يغض النظر طويلاً حتى لاينظر لها ، لكي يشعر براحة اكثر اختار ان يكون زوجًـا لها ، وخصوصا بأنه قد بدأ يعتاد على فكرة مرضها ويشعر بأنه يستطيع ان يساهم في حل العقدة التي بها ، ناصر هاتفه قبل عدة ايام يخبره بأنه من المفترض ان لايأتي كي يستطيعوا اخبار مهرة بأمر الزواج وان يجعلوها تتقبل الامر ، طوال الاسبوع ينتظر اتصالا واحدا من مهاب وناصر ، اليوم ومن حسن حظه بينما هو يمشي في الاسواق الشعبية بمدينة كامبريدج ، هاتفه مهاب واخبره بان ياتي لرؤية مهره ، عاد مسرعًـا للفندق ، استحم ، وهاهو الآن في سيارته يركنها امام الكوخ ، نزل بهدوء وهو يرى ناصر ومهاب امامه ، ابتسم لهم : السلام عليكم...
ناصر يصافحه : وعليكم السلام...
جلسوا في الباحة الخارجية للكوخ المزينة بمظلة وطاولة خشبية وكراسي من ذات الخشب المعد ، ناصر يتنهد براحة : خبرنا البنت والحمدلله بالبداية معترضة بس شوي شوي لما مهاب كلمها بدت تتقبل الفكرة ..
ياسر يبتسم : حلو...انا بلغت ابو مهاب عن الزواج...ولو ما قرار منعه من دخول امريكا ولاكان دخل وكان شريك لك بـ هالشيء
ناصر يبتسم : حلو الله يتمم لكم كل خير...
مهاب يشير الى ناصر بعينيه ثم يقف : يالله انا بمشي هالحين مع ناصر متواعدين مع رجال... البنت داخل..
ابتسم ياسر : طيب..

غادرا كلاهما ، بقي هو على الطاولة ، وقف وتوجه ناحية السور يراقب المكان ، لمحها هي من الجهة الاخرى بوشاحها الزهري تلم ذاتها، تفرك كتفها الايسر بكفها اليمنى محاولةً التدفئة ، شعرها يحركهُ الهواء ، غازيـًا كل ذراتها ، بدأت تستجيب للعلاج ، اصبحت افضل ، تأتيها نوبات نسيان عظيمة احيانًـا الا انها تصبح افضل وافضل بعدها ، تنفس الصعداء وهو يمشي على الارض الخشبية في بهو هذا الكوخ ، كان صوت حذاءه يسمع على طرق الخشب ، التفتت تلقائيًـا ليراها ، عينينِ هادئتين تراقبانه ، انهُ هو الذي اخبرها ناصر عنه كل ليلة ، كي لاتخطأ وتخرج دون حجاب ، وهاهي الآن تقف امامه بحكم انها زوجته ، بهدوء وبغرابة كان اللقاء الاول لهم كزوجين ، من اغرب اللقاءات التي حصلت ، وقف امامها تماما ، قصيرة امام بنيته ، تراقبه بهدوء دون اي ردة فعل ، ابتسم يمد يدهُ ليصافحها ، تلقائيًـا صافحته وهي تبتسم لتسمعه يردف : زوجك المستقبلي..
مهره تضحك بهدوء : زوجتك المستقبلية...
صمتت قليلاً وهي تشيح برأسها ثم اردفت : الفاقدة للذاكرة...
ياسر يستند على السور وهو يبتسم : اللي بدأت تتحسن !
مهره تهز رأسها : صح ...ماننكر هالشيء..
ياسر بابتسامة : ايه كيف حالك؟
مهره تضحك من سؤاله : حالي ؟
ياسر يبتسم لضحكتها : ايه حالك؟
مهره تزم شفتيها ثم تردف : بخير...بدون هالمقدمات... وش تبي من هالزواج؟؟؟؟
ياسر رفع حاجبيه من صراحتها القوية ومن قوة منطقها ، دُهش ليردف مبتسمًـا بدهشة : ماتوقعتك تكوني قوية من النقاش الاول لنا...خالفتي توقعاتي..
مهره بابتسامة ثقة : بل تفوقت عليها...كنت تتوقع ان الانسان المريض بالذاكرة هو ضعيف شخصية..
ياسر عيناه تبتسمان وينظر للفتاة التي تقف امامه تراقب المدى البعيد وهي قوية الى تلك الدرجة ، ابتسم : الافضل لك انك تبقين قوية كذا..
مهره ترفع حاجبيها : ممكن انساك الف مرة..بس مش ممكن انسى ثقتي بنفسي..
ياسر بإعجاب من منطقها يرفع حاجبيه : كل مرة تبهريني اكثر واكثر...
مهره تبتسم بصمت دون ان تنظر اليه وعيناها منشغلتان بالمنظر البعيد لتردف بسخرية : مو محتاجة ابهر احد...هالشيء لنفسي..
ياسر يبتسم : بدون خلاف..
مهره تضيق حاجبيها وهي تلتفت نحوه مكتفة يديها واقفة بانتصاب وثقة : صحيح؟ انت ليه اخذت بنت من الممكن انك ماتتحملها؟
ياسر يبتسم : كلامك خطأ...لو ماتحملك مااخذتك..
مهره ترفع كتفيها وبصراحة تبتسم : ظني بك منت بمجبور تتحملني...
ياسر : ظني بنفسي اني انا اخترت اتحملك...وبعدين تعالي؟ انتي ليه تعتقدين انك مشكلة حتى نتحملها؟ *وبممازحة لطيفة* ممكن اكون معك في نعمة
مهره تضحك بسخرية : نعمة نسياني؟
ياسر يبتسم : نعمة وجودك...
رفعت حاجبيها ، قلبها تسارعت نبضاته بشكل غريب ، نسبة الادرنالين كانت سريعة بشكل غير معقول ، ياسر يعالج فتاة تناقض الثقة بـ اللاثقة ، الكثير من المرضى لايتعاملون مع امراضهم بثقة ، مما يزيدهم مرضـًا ، قضية مهره ماسة جدًا الى كل من يفتقد الثقة ، رغم ماتعانيه من نسيان وتيه وضياع الا انها تبدو واثقة من ذاتها وكأنها شخص طبيعي ، حتى ياسر الذي ظن بنفسه بأنه سيبذل المستحيل من اللقاء الاول فاجئته بهذهِ الثقة والثبات وكأنه يتحدث الى اي فتاة طبيعية لايمكن ان تنسى...حتى نسي للحظة ما انه يتحدث مع فتاة قد تدخل الى الداخل وتخرج وهي تنسى كل شيء ، النعمة الموجودة في البعض هي نقمة لدى البعض ، او ان البعض لايستطيع ان يتصرف مع مرضه بالطريقة الصحيحة ، ربما يعاني طويلاً حتى يجابه الشبح الذي يعيش في رأس مهره ، الا انه وثق الآن بأن مهره هي المحارب الاول لما بها ، وانه الشخص الاخر الذي سيساندها مهما كان الثمن غاليًـا ..


،


يفتح هاتفهُ ، الحادِية عشر، دُون اي رد منها ، كم اصبح الجو باردًا في هذا المقهى الخارجي ، تنهد طويلاً وهو يراقب هاتفه ويضع الف سبب لكي يمنعهُ من الذهاب اليها ، لكنهُ لم يجدْ ،خصوصـًا حينما غادرت زوجة فهد قبل نصف ساعة ، مضطر لكي يتحمل المشاق الطويلة ليأمن له ولزوجته ولطفله حياة كريمة ، فلا يقال للحياة التي يعيشها الآن بالحياة الكريمة ، الغربة والتشرد ، والايام التي كان يجُوع فيها دُون ان ينقذه فيها احد ، الايام التي اضطر فيها ان يعمل في المطاعم والمقاهي،ويغير مقر عمله بين الشهر والآخر حتى لايكشف، كانت ايام صعبة طويلة ، لكنها انقذته برصيد عالٍ في البنك ، يتزوج الآن لكي يقضي على وحدته ، يعلم بخطأه حينما تسرع بموضوع الطفل ، لكن الله لم يرسل هذا الطفل في رحم زوجته الا لحكمة لايعلم بها الا هو ، وهو يثق تماما بحكمتِه تعالى ، صحيح ان الحياة التي سيعيشها الطفل مليئة بالخوف ، مليئة بالاكاذيب، لايتخيل بأنه سيضطر بأن يكذب على ابنه بهويته ، سيكذب عليهِ باسمه ، حتى لايخطأ طفله بنطق اسمه امام العامة ، كي لايفشي سر والدهُ ببرائته دون ان يعلم بأن مافعله سيضر ابيه ، هذا اذا لم يحل موضوعه الى الآن ، لذلك هو يرى العلاقة معقدة وكثيرًا بينه وبين الوريف ، ومعها حق ، بينما هي تفرح بأجمل الاخبار التي تلقتها عن طفلها منه ، هو يشعر بالقلق الشديد من هذا الطفل ،وقف بهدوء وهو يرتدي معطفه الجلدي ، قطع الشارع متوجهًـا نحو الفندق المقابل لفندقه ، وهو الفندق الذي تعيش فيه ، عرفه الحارس وسمح له فورًا بالدخول ، توجه نحو الاعلى بسرعة ، يعد الدقائق التي ستنقضي ، وقف امام الباب ، لايعلم لماذا تذكر اول مرة دخل بها الى هذهِ الشقة ، ابتسم للحال الذي وصل اليه..سبحان مقلب الاحوال...من حال الى حال ، كيف كان يدخل الى هذهِ الشقة باسم يوسف ، دون ان يعرف هويته الاصلية مشعل ، لكنه الآن ، اصبح مكشوف الهوية لهذِين الاثنين ، كثر من يعرفون هويته ، لكن بقيت برائته رهينة لخبايا العالم ، رنّ الجرس ، واسند رأسه على الجدار الفاصل بين الباب ، سمع خطواتها تقترب وهي ترى بالعين ، ثم تفتح الباب ، كانت تنظر لعينيهِ بعينينِ والهتين ، عينينِ مليئتان بشوق الافصاح والفرح ، الثرثرة الانثوية اللذيذة التي افتقدها منذُ تلك الليلة حتى الآن ، ابتسم وهو يدخل الى الداخل ويغلق الباب ، قبل جبينها ، كانت هادئة على قُبلته ، توجه معها ناحية البلكونة الخارجية وهو يقف مبتسمًـا ويديها تغوصان في يدِه ليردف : ليه تتعبيني كذا؟ تعرفين قلبي مايقوا بعد...يكفي العذاب اللي انا فيه..
شتت عينيها عن مجال عينيهِ ، ثم اطلقت زفيرًا لتردف : لان صدمتني ردة فعلك..خصوصا واني كنت مبسوطة كثير بالخبر بينما انت ومشعل كنتم على العكس..
ليث يحدق في بطنها ثم يبتسم وهو ينظر لعينيها : شيء طبيعي ياوريف..انا ومشعل مانفكر بعاطفة..قاعدين نفكر بالاشياء اللي راح تتغير في حياتنا ..راح نواجه صعوبة اكثر في حماية الطفل وحماية انفسنا..لو انا وضعي طبيعي مثل اي رجال..صدقيني لايمكن اني اخليك تعيشي هالشيء...بس هذا اللي ربي كاتبه لي..
تقدمت ناحيته وهي تنظر لعينيه بصدق : انا من البداية قلت لك..لو بتروح بجحيم..انا بمشي معك...انا معك ع الحلوة والمرة ياليث... لاتفصلني من هالشيء..لاتبعدني عنك في سبيل حمايتك لي...انت تقهرني وتقهر نفسك.. اللي ابيه انك ترجع...مو انك تحميني...
هز رأسه رافضًـا الفكرة تماما : وكيف تهون علي رجعتي وانتي وولدي ممكن تكونوا في خطر؟ وريف مستحيل اقبل اني ارتاح على حساب تعاستكم...
وريف تهز رأسها ايضًـا بعدم قبول : لاتفصلنا عنك..اي شيء انت تمر فيه احنا نتحمل نمر فيه.. احنا بالنهاية عائلة وحدة..
ليث يربت على كتفيها ، يرفع ذقنها ووجهها لمستوى وجهه ويردف : مستحيل ومن سابع المستحيلات اقبل اني اخليكم تعيشوا في خطر على حساب قضيتي...ماكنت حاسب حساب الطفل...بس ربي رزقني به..هالحين اللي ابيه منك انك تطاوعيني بكل كلمة اقولها لك...
عقدت حاجبيها : ليث شفيك؟؟؟ شصاير؟؟!
ليث يبتسم لها وهو يحتضنها ويمسح على رأسها ، ذعرت وهي بين ذراعيه ، ذعرت وكأنه يهديها لحظات الوداع ليردف وهو ينظر لعينيها : جى الوقت اللي ترجعي به السعودية...


انتهــى ...الى الملتقى بإذن الله :$



اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:07 PM   #53

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي










السلام عليكم حبايبي... البارت واخيرا خلصنا منه ، البارت عبارة عن مدخل بسيط لـِ البارت 40 ، يعني لاحد يستعجل ع الاحداث...صحيح انه فيه احداث كثيرة...بس التطورات كلها من بعد هالبارت..ومثل ماوعدتكم راح تنصدمون من الاحداث...ويمكن تعترضون...ويمكن تأيدون..بس بالنهاية انا مشيت على خط معين بالرواية..وراح اكمل عليه..
شكرًا من القلب لكل من ينتظر... ودي احط رسائلكم الموجودة بسناب كلكم..
بس راح اتركها لبعد هالبارت...
انتظر تعليقاتكم بشغف...


قراءة مـــمتعة..:$








البـــارت (39) :






أحرقـي في غُربتي سفـني

ا لاَ نّـني

أقصيتُ عنْ أهلي وعن وطني

وجَرعتُ كأسَ الذُّلِّ والمِحَـنِ

وتناهبَـتْ قلـبي الشجـونُ

فذُبتُ من شجَـني

ا لا نني

أبحَـرتُ رغـمَ الرّيـحِ

أبحثُ في ديارِ السّحـرِ عن زَمَـني

وأردُّ نارَ القهْـرِ عَـنْ زهـري

وعَـنْ فَـنَني

عطّلتِ أحلامـي

وأحرقتِ اللقـاءَ بموقِـدِ المِنَنِ ؟!

ما ساءني أن أقطَـعَ ا لفلَوَا ت

مَحمولاً على كَفَني

مستوحِشـاً في حومَـةِ الإمـلاقِ والشّجَنِ

ما ساءنـي لثْمُ الرّدى

ويسوؤني

أنْ أشتري شَهْـدَ الحيـاةِ

بعلْقـمِ التّسليمِ للوثنِ

**

ومِنَ البليّـةِ أنْ أجـودَ بما أُحِـسُّ

فلا يُحَسُّ بما أجـودْ

وتظلُّ تـنثا لُ الحُـدودُ على مُنايَ

بِلا حـدودْ

وكأنّني إذْ جئتُ أقطَـعُ عن يَـديَّ

على يديكِ يَـدَ القيـودْ

أوسعْـتُ صلصَلةَ القيـودْ !

ولقَـدْ خَطِبتُ يـدَ الفراقِ

بِمَهْـرِ صَـبْري، كي أعـودْ

ثَمِـلاً بنشوةِ صُبحـيَ الآتـي

فأرخيتِ الأعِنّـةَ : لنْ تعـودْ

فَطَفـا على صـدري النّشيجُ

وذابَ في شَفَتي النّشيـدْ !

**

أطلقتُ أشرِعَـةَ الدّمـوعِ

على بحـارِ السّـرّ والعَلَـنِ :

أنـا لن أعـودَ

فأحرقـي في غُربتي سُفُـني

وارمـي القلـوعَ

وسمِّـري فـوقَ اللّقـاءِ xxxxبَ الزّمَـنِ

وخُـذي فـؤادي

إنْ رضيتِ بِقلّـةِ الثّمَـنِ !

لكـنّ لي وَطَناً

تعفّـرَ وجهُـهُ بدمِ الرفاقِ

فضـاعَ في الدُّنيـا

وضيّعني

وفـؤادَ أُمٍّ مُثقلاً بالهـمِّ والحُـزُنِ

كانتْ توَدِّعُـني

وكانَ الدَّمـعُ يخذلُهـا

فيخذلُني .

ويشدُّني

ويشدُّني

ويشدُّني

لكنَّ موتي في البقـاءِ

وما رضيتُ لِقلبِها أن يرتَـدي كَفَني

**

أَنَا يا حبيبـةُ

ريشـةٌ في عاصِفِ المِحَـنِ

أهفـو إلى وَطَـني

وتردُّني عيناكِ .. يا وَطني

فأحـارُ بينكُما

أَأرحَـلُ مِـنْ حِمى عَـدَنٍ إلى عَـدَنِ ؟

كمْ أشتهي ، حينَ الرحيلِ

غـداةَ تحملُني

ريحُ البكـورِ إلى هُناكَ

فأرتَـدي بَـدَني

أنْ تُصبِحـي وطَنـاً لقلبي

داخِـلَ الوَطَـنِ !





#لِـ : احمد مطر...






الرجل الذِي يقفُ أمامها الآن ، هُوَ الرجل الذِي كانت تترقب كل صباح لكي ترى طيفهُ من البلكُونة ، كانت تترقب الساعات الطويلة لكي تلمحهُ ولو من بعِيد ، يقفُ أمامها بشموخ لم يهزهُ الغياب ، بحنينِ لم يقتلهُ الحنين ، بصدَى لم تخنقه اصوات الذكرى ، تدافعت ذكرياتها وسلسلتها الطويلة معه ، وطفت فوق عينيها دُموع تحجب عنها الرؤيا وتهديها غشاوة في النظر ، ابتلعت غصة مخنوقة وهي تعقد حاجبيها تحاول رفض ماتسمعهُ الآن ، وكأنها تعيش في منفى بعيد ، في غربة غير الغربة التي تعيشها ، غربة الرجل الذي عانقتهُ طويلاً واخبرتهُ انها معه مهما كان الثمن غاليـًا ، معه حتى لو كانت سهام العالم المؤلمة تتراشق نحوها ، ليُجدد لها صفعة اخرى لم تضع احتمالًا ولو بسيطًـا لكي تسمعه منهُ ، كم كان سهل النطقُ بالنسبة اليه ذكر تلك الكلمات العقيمة التي اغرقتها في وحل الوجَع ، اختنق صدرها وهي تشعر بأن عجلات السيارات التي تدوس الاسفلت هي ماتدوس على صدرها ، هزت رأسها بغير تصديق ، بخيبة أمل ، بقهرٍ لم تعشهُ حينما كانت مجرد طفلة لأبيها ، تلك الغربة التي سرقت من عمرها رغم انها لم تكمل السنة الى الآن منذُ ان غادرت وطنها الغالي ، كلمتهُ التي اخبرها بها جعلتها تشعر بأنه عجُوز أهرمها الانتظار والامل ، ليهديها صفعة الخيبة على طبق من ذهب ، لم تقبل بذلك وهي تهز رأسها برفض شديد وصوت يكاد يختنق من احباله الصوتيه ببحة ممزوجَة بالدهشة : ليث انت مستوعب اللي قاعد تقوله؟
ليث يُحدق بها ، لايهُون هو عليهِ ان يجرحها بابعادهِ لها ، لكنهُ يعلم في حال ان ذهب الى المحاكم لكي يثبت برائته ، لن تسلم هي ، ستتعرض للمسائلات وربما تتعرض الى امور اخرى هو لايريدها ان تتعرض لها ، حياته المهددة برصاصة طائشة من احدى الشرطة البريطانيين لايريدها ان تخترق صدرها هي ، حينها سيفقد الأمل ، سيجن ، سيختار الموت بدل ان ينتظر املًا آخر ، سرق عبارات الرجاء من عينيها ، لكنه تحامل على كل ذرة الم تزوره وابتسم بألم ، وبحنان وهو يضع وجهها بين كفيهِ الدافئتين ويهمس : انا في غاية استيعابي وريف...متأكد من كل كلمة اقولها...مستحيل اجازف ببقائك هنا مقابل سعادتي...ع الاقل تروحي عند اهلك مأمن عليك ومتطمن وعيني تقدر تنام..بدل لا كل ليلة اسهر وافكر بهاجس ان ممكن اي احد يتعدا عليك...
شهقت بوجع شديد وهي تعض شفتها السفلية بأسنانها العلوية ، ابعدت يديه بقوة عن وجهها وعينيها مليئتان بالدموع والوجع لتصرخ بجنون لم يجابهه ليث قط : انت جبااااااااااااااان...همك تخااااااااف على غيرك بس ماتهمك نفسسك ابدًا...مستحيييييييييييييي� �ل ليث ...انت قاااااااااعد تطلب مني المستحيل...مستحيل اتركك في اهم مرحلة انت بحاجتي فيها...

دُهش من صراعها والفوضى التي بداخلها ، توجه نحوها محاولة تهدئتها ليردف بغصة تخنقهُ هو الآخر : وريف..بغيتك عون لاتقلبين لي فرعون...افهميني...وخالقي مايهون اتركك بس ماني كفو لافي وجه ابوك ولا في وجه نفسي لو جازفت بك...وش بيقوووول علي لو فرطت بك؟؟؟؟
وريف بألم تكاد روحها ان تتفطر منه لتردف : ألف مرة قلت لك لاتلوي ذراعي بأبوي!!
ليث يتقدم ليمسح دموعها وهو يسحب كفها الصغيرة ناحية ايسر صدره : وخالقي هالقلب ماهو قاوي بعادك...بس وريف انتي تسهلي علي حركتي لو رجعتي البلد...
وريف بقهر تضربه على صدره وهي تبتعد عنه ومن عُظم غصاتها المتألمة كانت همساتها تتقطع بوجع : يعني انا اللي موقفة حركتك الين هالحييييييييييين؟؟؟؟ ليث لاتبعدني عنك...انا احتاجك وانت تحتاجني..لاتبعدني عنك في سبيل حمايتي...انا ماراح يصير لي شيء..
سحب نفسًـا طويلاً ، رفع كتفيه بعجز : ممكن يعتقلوك انتي ومشعل وتتعرضوا لمسائلات ...راح تدخلي في مشاكل ماهي قليلة وخصوصا انك زوجتي وريف..ممكن اي احد يتعرض لك..وانا وقتها مستحيل اسامح نفسي لو صار لك شيء
اختنقت وهي تتنهد طويلاً تحاول حبس الالم والدموع التي لاتنتهِي ، لتردف : انا قابلة باللي راح يصير لي ليث...
ليث برفض : انا ماني قابل... اسمعي يابنت الكلام ...قلت كلمتي ومالي بها رجعة..خلال هالاسبوع راح احجز لك تذكرة وترجعي مع مشعل السعودية..
برفض وهي تبتسم بسخرية بين دموعها وتهز رأسها : انا حمارة لو ططاوعتك...
امسك بذراعها وبشدة يصر على حدِيثه : مجبورة تطاوعيني...وان حصل بنفسي اشيلك واركبك الطيارة هم ماعندي مانع...
وريف بغصة وهي تضع يدها على شفتيها تحبس دموع رهينة وعينيها باكيتين : ماااابي اتركك..
شعر بوجع في صدره وصغيرته ترتجي منهُ عدم الافتراق ، لكنهُ مصر منذ ان عقد عليها بانه لن يتحرك في المحكمة الا حينما تذهب هي ومشعل الى السعودية ، عجز ان يكابر بسبب دموعها ، سحبها بقوة الى ذراعيه محتضنًـا اياها بعمق، كلاهما يحدقان الى وجهة واحدة ، الى بلكونته ، الى المنظر القديم التي كانت تستمع بالنظر اليهِ وانتظاره ، الى مأوى افكارهم وآمالهم ، الى مقر مخاطبتهم للسماء ومراقبتهم لسرب الحمام ، والطيور الموسمية ، الى مكان عدهم النجُوم النجمة تلوى النجمة ، الى مراقبتهم الشهب التي تقطع كبد السماء في ثواني ، الى مخاطبتهِم الله والتجائهم اليهِ ، كلاهما ينظران للمكان بصمت ، بعجز ، يختارانِ الاستسلام للواقع ، الصق جبينهُ في جبينها مبتسمًـا رغم الالم الذي بداخله وهو يتنفس عبقها : امهليني ثلاث شهور حتى اخلص من جلسات المحاكم...كلها ثلاث شهور وارجع لك ولامي وللوطن...
لمعت عينيها وهناك شعور بعدم الارتياح في صدرها تحبسهُ بقوة :
اوعدني...اوعدني انك راح ترجع...
ابتسمت عيناهُ بلمعة مختلفة ، وكأنه يتحرر من جميع قيوده ليردف بأملهِ الآخر ، بهمسة طويلة في اذنها من المستحيل ان تنساها ابدًا : أوعــــــدك...



،





تَستيقظ من النوم فزعة ، كأنما أحدٌ يصرخُ عليها فِـي الحلم، بل الكابوس الذي رأتهُ ، هزت رأسها تتحوقل بالله وتتحسب من الوجع الذي ارهق صدرها ، ألم الفراق التي هيَ فيه يسرقُ من عمرها ، طالما كانت تخاف ان يأخذَ الله امانتها قبل ان ترى وجه ابنها ، ابنها الذي غادرها قبل 10 سنين ولم ترى له طيفًـا الى الآن ، نهضت وهي تخرج بلا شعور خارج غرفتها ، تمشي بين ردهاتِ البيت المظلم بظلماتِ الليل الحالك ، توجهت الى ذاك الباب الخشبي ، الذي رسى عليهِ غبار الذاكرة ، فَتحت الباب ، عانقت الباب بشدة ، وهي تشتم رائحة ذاك الصبي الذي تدرك بأنه اصبح رجلاً الآن ، هذا في حال ان كان على قيدِ الحياة كما تعتقد هي ، ابتسمت بين دموعها وهي تتخيل سيناريو رجوعه الى حضنها ، ارهقَـها التفكير الطويل ، كيف ياترى سيكُون اللقاء؟ ، كيف سيعود ذاك الغائب الى حضنها الحنون ، تشعر بأنها ستموت بمجرد ان تراه ، غيابه سرق من عمرها وايامها ، جعلها كمن بلغت السبعين في عمرها ، بينما عمرها لم يتجاوز الأربع والخمسون عامـًا ، رَمت جسدها الذابل على سرير ابنها ، بكت طويلاً راجيةً الله ان يعود صاحب هذهِ الرائحة التي طغت المكان ، عانقت سريره طويلاً كأن صغيرها الذي اصبح كبيرًا في الغربة في صدرهاا ، جنُون انتظاره يفقدها الصواب والادراك ، كانت تتحدث مع طيفه ، تخبره بأنها اشتاقت طويلاً اليه ، اردفت بوجع شديد وصوت مخنوق : ماشفت ولد عاق بامه مثلك..عاق بغيابه وماهو جاي يبر بها عشر سنين...وينك ليه تعلقني بانتظارك يايمه..غزى الشيب شعري وانا كل يوم اقول شـ حالك؟ ..
كانت تنتظر صوته يردّ عليها ، كانت تنتظر يدهُ تعانقها وتحتضنها الى صدره ، لكن لايوجد غير الصمت ، ورائحة الغائبين ، ابتسمت بين دموعها لتردف : يعني ترضاها اموت وانا ماشفتك يامك؟ ...قاسي قلبك ..قاسي على امك غيابك...
نهضت تفتح دولابه ، تخرج اقمصته ، ثيابه ، شماغه ، سبحته ، كتبه ، صوره ، احتضنتها جميعًـا وهي تبتسم لكل ذكرى تزوره مع ثياب العيد ، تتذكر كيف تحمل المسؤولية باكرًا بعد ان مات والدهُ بعمر مبكر ، فكان العاتق الاكبر على كتفه ، صحيح ان عمه لم يقصر قط ، لكن وجود ليث كان يحمل الكفة الارجح لتحمل مسؤولية منزلهم ، لاتنسى كيف كان يبتسم في يوم العيد ، يضاحك اخته اسماء ،كان في عمر العشرين ، شاب ، طموح ، يحلم بالوظيفة ، يؤسس حياة تليق بهِ ، وبأهله ، يجازف بالمستحيل كي لايصيب اي اهله ضرر ، يجن ولا يستطيع ان ينام في حال ان تعرض احد ابناء القبيلة لامه بسوء ، أمه هي عيناه التي يرى العالم بها ، لكن من الواضح ان الغياب جعله اعمى ، فهو لا يستطيع ان يرى بعينيهِ التي هي امه ، حينما يرى والدتهُ مرهقه ، هو بذاته من يأتي الى قدميها ويدلكها لها ، يقبل قدميها ويحاول ان يرضيها رغم انه لا يفعل الا ماتأمره بهِ ، ابتسمت لتلك الذكرى التي بقت معانقة العشر السنوات الماضية ، واطلقت تنهيدة وجع وهي تستلقي على السرير وبجوارها ملابس ابنها واغراضه التي كانت منذُ عشر سنوات..ولازالت تنتظر رجوعه..


،



يتصفح عدة ملفات لمرضاه ، بينمَا هو يجلسُ في حديقة منزله ، أغلق الملفات سريعًـا وتلك القضية اصبحت تشغل عقل الجميع ، رغم ان من يسعون لقضية هذا الرجل لا يتعدوا العشر الاصابع ، الا انهم لا يستطيعوا ان يتحركوا او يثقوا بأشخاص اخرين كي لاتكون العواقب وخيمة ، لا يعلموا ان كان على قيدِ الحياة او لا ، لايعلمون هل هو أسير ، رهينة ، مقتول لا قدر الله ، او حتى انه مسجون في احد السجون البريطانية لكن الحكومة لا تعترف ، رغم تواصل دكتور وليد مع السفارة ومحاولته اخذ معلومات في حال ان كان فعلا مسجون ولكن دون ان يعترف ، لذلك أجرت السفارة بحثـًا قبل اسبوعين في السجون محاولين الوصول الى اسم هذا الغائب الذي كان اختفاءه مريبـًا ، أغلب قضايا المختطفين في البلاد الاجنبية بعد سنين تظهر لهم جثة ، او يعودوا بعد ان يحتجزوا كرهائن ، قلة من لايعرف عنهم اية اخبار ، او ربما لا يعرف لهم اخبار ولكن على الاقل لايكونوا متهمين ظُلمًـا كما في قضية ليث المالك ، لذلك اصبح من الواجب على دكتور وليد ومن معه اثبات براءة هذا الرجل حتى وان كانت المخاطر تحيط بهم ، تنهد تنهيدة طويلة وهو يبتسم لسبأ التي دخلت بهدُوء وهي تضع امامه قالب الحلوى الذي يحبه مع قهوة عربية ، ابتسم يقبل يديها لتردف سبأ : أرهقت نفسك كثير في هذي الفترة ياوليد...ارفق بنفسك شوي..
ابتسم وليد ويديهِ تحتضنان يديها : لاتخافي...هالارهاق والتعب النفسي وراه الخير...ادعي ان ربك يحل هالموضوع بسرعة..
كانت تقطع قالب الحلوى وهي تبتسم له : تقصد قضية ليث ال مالك؟
ابتسم وليد وهو يهز رأسه ليلتقط صحن الحلوى من يدها بهدوء : ايه..يعني الرجال عشر سنين ماحد اصدر اي صوت بقضيته..لما رجع ولد عمه لبريطانيا والتقى بصاحبه يوسف عرف ان ولد عمه ماختفى منن عبث...
سبأ تقدم له فنجال القهوة : صحيح..قصته توجع القلب...انا ماكاسر خاطري الا امه وخواته...كيف انتظروا عشر سنين وبالنهاية ممكن يكون ولدهم ميت...لاسمح الله
وليد باندفاع : حتى لو كان ميت لا قدر الله...الرجال بريء...لاربي ولا رسوله يرضون بالظلم...ع الاقل يرتاح قلب امه واهله ويعرفون بانه انسان بريء...لاتنسين ان اهله ماسلموا من لسان القبايل...اللي تبرا منه وخواله اللي هجروا امه...
سبأ بقهر شديد : طيب وفرضـًا كان الرجال بالفعل قتل ...واجرم...على اي اساس يتركون امه وخواته ؟؟؟ليه؟؟؟
وليد يتنهد وهو يشرب من فنجانه : لان بعض البدو عندهم الحمية اهم من الاهل والمشاعر...عايشين بجهل لاخر يوم بحياتهم...
سبأ تبتسم بدهشة : كلنا اصلنا بدو...بس ماعندنا هالجهل والتعصب الغبي...
ابتسم وليد لكلام سبأ : الله يعين امه...محد كفو وشال اسمها غير اخو زوجها علي آل مالك...ابو مشعل...
ابتسمت سبأ : الله يبقيه يارب ويكثر من امثاله..طيب متى راح تتحركون بقضيته؟
وليد يتنهد : انا انتظر خبر من يوسف... خبرني انه خلال هالاسبوع بيتحرك...
سبأ عقدت حاجبيها بدهشة : غريبة؟ ولد عمه مابيكون موجود!! لان اخته قالت انهم بيمشون هالاسبوع...
وليد يستريح للخلف على الاريكة : حتى انا استغربت ان مشعل راح ينزل...بس احسن له حتى يوصل خبر لامه ويكون مع اهله...اللي اعرفه انهم راح يرجعونن بس عندهم ظروف خلال هالفترة...
سبأ تتنهد : يالله الله يعين...اهم شيء انه خلال هالفترة سعى لقضية ولد عمه...وطلع بنتيجة..يعني جيته ماكانت عبث...
ابتسم وليد : صحيح...
أضائت شاشة هاتفه الآيفون باسم يوسف ، وقف متوجهًـا امام النافورة التي بالحديقة وهو يجيب على الهاتف : السلام عليكم...
يوسف "ليث" : وعليكم السلام... كيف حالك دكتورنا؟
ابتسم دكتور وليد بهدوء : الحمدلله بخير... انت كيف احوالك...؟
تذكر ان حاله ليس بخير ، وانه سيضطر للمرة الثانية ان يودع احبته ولا يعلم ان كان سيرجع لهم بعد اشهر او بعد 10 سنين اخرى ،...اجابه بهدوء : الحمدلله...ها حنا على موعدنا يوم الاربعاء للمحكمة ؟
ابتسم وليد وهو ينظر للمدى البعيد : باذن الله..بلغت فهد ؟ وآدم؟
جائه صوته المختنق : ايه...خلاص الاربعاء موعدنا ... الصباح
دكتور وليد : باذن الله...
يوسف : فمان الله...
وليد : فمان الله...

أغلق هاتفه وهو لايعلم لماذا شعر بنبرة مختنقة في صوت يوسف ، دعى الله ان لا يكون الا الخير ، حتى يتيسر امرهم الى النهاية...



،




يَعُود من عملهِ بإرهاق وهو يجلسُ على الاريكة ، هُناك مايشغل عقله في هذهِ الآونة الاخيرة ، الاشياء والهواجس التي تلاحقهُ تشعرهُ بأن روح أخيه لم ترقد بسلام إلى الآن ، رفع رأسه للسقف المكان وهو ينزع شماغه ويضعه على طرف الاريكَة ، أتت زوجتهُ بعد عدة دقائق بكأس الماء وهي تقدمه له بصمت ، شرب الماء ، لم يتحدث ، فقط ضيق يؤذي قلبه لعدة أيام ولا يعلم سببه ، هناك مايبعثر مشاعره ويفتتها في الهواء ، كان صامتًـا بغير عادته دون ان يحادث زوجته التي كانت تشعر بالفعل بالقلق ، ذكر الله طويلاً حينما يرتعش جسده من تلك الهواجس العقيمة ، ويخشى من كل شيء قادم ، لكنهُ علق أملهُ بالله ، تناسى في تلك الآونة وجعه ، وابتسم لزوجته : كيفك يام رياض؟
ام رياض براحة بعد ان سمعت صوته وبقلق : الحمدلله انا بخير...انت كيف حالك ياعلي...من دخلت وجهك تقلبت الوانه...ابسطها الله يكفيك شر اللي حولك لاتخلي امك تجي وتشوفك بـ هالحال...رجيتك ياعلي...قل لي همك...
ابتسم علي يبعد الالم عن صدره ويقبل رأس زوجته : مابي شيء..بس ساعات قلبي يضيق من انتظار خبر عن ولد اخوي...خايف من اي خبر سيء ممكن يعذب قلب امه...
ابتسمت ام رياض : لاتخاف يابو رياض ان شاء الله مافيه الا الخير... وهذا هم شبابنا مو مقصرين..حتى راكان زوج اسماء ماهو مقصر وكل من راح وكله...
اتسعت ابتسامة بو رياض لذكر فضل راكان مبتسمًـا : راكان ماترك ليث لما كان موجود...تتوقعي يتركه لو كان غايب؟ هذا الرجال شهم وقد اللزوم والعطية..الله يعلي شانه...
ابتسمت ام رياض ليضيء هاتف ابو رياض ، ابتسم لزوجته : هذا مشعل...
ابتسمت اكثر بفضول وهي تسمعه يتحدث مع والده ، بو رياض : هلا مشعل...هلا يبه...
مشعل يحاول ان يبعد كل التوتر عن صوته : هلا فيك يالغالي...كيف حالك وكيف حال امي؟ وجدتي شلونها ...والله وحشتني...
ابتسم بو رياض وهو يهز رأسه لام رياض يطمئنها : الحمدلله يبه كلنا بخير...نسأل عنكم...
مشعل : الحمدلله ماورانا الا الخير يبه...يبه خلني اكلم امي وبعدها بكلمك بموضوع...
بو رياض تغيرت ملامح وجهه بقلق لكن لكي لاتشعر ام رياض حاول كبت ذلك ليردف : عساه خير يابوي؟
مشعل بتوتر يتنهد : ان شاء الله خير يبه...عطني امي اكلمها...
نبض غريب زار قلبه ، شعر بأنه سيضعف في هذهِ اللحظة وهو يمد السماعة لزوجتهِ ، وهو لا يعلم ماهو هم اولاده ، كان ينظر لام رياض وهي تلتقط السماعة وتبتسم بفرحة بينما هو يموت قلقًـا ، ليسمعها تردف لابنها : هلا يمة مشعل..كيف حالك يايمة وكيف حال اختك؟ عساها بخير؟؟؟
مشعل ينظر للوريف التي تغط في نومها الهادئ على الاريكة هاربة من واقعها افتراقها عن الليث ليردف : الحمدلله يمة بخير..انتي كيف حالك ؟عساك طيبة يمه؟
ام رياض وهي تشعر بدموع شوق تزورها وحنين : ماعليك من حال امك يايمه انا مشتاقة لكم ...
مشعل بابتسامة ألم : ان شاء الله قريب نزولنا يمه...
ام رياض : ان شاء الله... وينها الوريف خلني اكلمها؟
بارتباك اخفاه جيدًا ليردف: الوريف نايمة يمه..لاصحت اخليها تكلمك...
ام رياض : طيب يمه...انتبه لها يمه...
شعر بشرخ عظيم في صرح مشاعره ليردف بعد ان بلع غصة خانقة : ان شاء الله يمة...سلمي على جدتي وزوجة عمي...ان شاء الله رجوعنا قريب...
ام رياض : طيب يايمه...ها اعطيك ابوك؟
مشعل بتنهيدة : ايه يمه..
مدت له الهاتف ، ليقف بو رياض ويخرج الى "حوش" المنزل ، كان يمشي وهو يتحدث بالهاتف : الو...هلا ابوي مشعل...شفيك يبه شصاير؟
مشعل يشعر بالضعف ، بالضياع ، بالقلق ،بالارهاق وبكل شيء من الممكن ان يعبر عن حالته الآن ، وقف متوجهًـا ناحية البلكونة الموجودة في الصالة ، ينظر للمارة والطريق المبلل ، سحب نفسًـا عميقا ثم اردف : مابه شيء يايبه...بس حنا راح ننزل هالاسبوع...
بو رياض بقلق : ليه مو قلتوا بتنزلوا بعد شهر؟ شفيه صاير شيء لك ؟ *تعالى قلقه اكثر* وريف بنتي صاير لها شيء؟؟؟؟؟
مشعل يتنهد : لا يبه ...كلنا بخير الحمدلله...بس مضطرين ننزل ...
بو رياض بعدم اقتناع:مضطرين؟ ليه مضطرين يايبه صاير شيء؟
مشعل يتحامل على اوجاعه وتمر عليه احداث عاشها مع الغائب لمدة 11 شهرًا منذُ ان اتى الى كامبريدج ، ثم نطق واخيرًا : يبه بارجع...بس مابي اعدي الوطن الا وانت مسامحني...
بو رياض تجمد بقلق شديد وهو يشعر بغرابة : مشعل يابوك شفيييييييه عشان اسامحك؟ ليكون ضيعت ربك ...ليكون سويت شيء مايرضاه ربي..
مشعل ابتلع غصة عظيمة يحدق بالوريف : يبه سويت شيء اضطريت به بالشرع...لاهو حرام ولا هو عيب..واعتقد انك بتتفهمني اكثر لما ارجع...
بو رياض بقلة صبر وقلق : انت مسوي شيء وماتبي تقوله....متزوج؟
مشعل وهو يبتسم بسخرية في ذاته ويهمس بحيث لايسمعه والده : ياليت كذا...
ثم اردف له بصوتًـا مسموع : يبه بعد بكرة حنا جايين...بس اشوفك بقولك كل حاجة...وانا المسؤول في هالموضوع...
بورياض بغضب :تعال وتكلم مثل الرجال...لما يصير بك شيء قوله...وش له تخبيه؟؟
مشعل يتنهد : يبه صل ع النبي لاتعصب...انت معك الضغط...
بو رياض بغضب:لاتقهرني فيك وفي اخيتك...قل لي وش سويت؟
مشعل يتنهد بألم ووجع شديد وهو يلتفت لاخته التي جلست بهدوء تحدق بصمت وقلق في اخيها ليردف بصعوبة : يبه صل ع النبي مافيه الا الخير...تطمن وهدي حالك...بس ارجع اكلمك يايبه...بكرة الصباح حنا بنروح المطار..ان شاء الله بالليل او الفجر نوصل... سامحني يبه...
بو رياض بفجعة : اسامحك يايبه ليه وش مسوي؟ لاتتعب قلبي ...
مشعل بألم شديد يعتصر قلبه : عليك الله يايبه اجلس وارتاح ولا تحاتي...انتظر رجوعنا وككل العلم بيوصلك... يلا يبه فمان الله...
بو رياض عرف تماما بأن مشعل لن يتكلم : فمان الله...
أغلق السماعة بقلق شديد من ابنِه الذي يتحدث بنبرة غريبة وصوت مرتبك ، شعر بالخوف بالفعل، جلس على الارض العشبية وهو يفتح ازرار ثوبه العلوية ، تنفس بصعوبة ، شعر بوجع يعتريه لايمكنه احتماله ، تحامل على هذا الوجع كعادته ، ليرى زوجته تأتي وقد سحب لون وجهها حينما رأته هكذا بقلق شدديد: علي؟؟؟؟ وشفيك ...وش صاير ؟؟ عيااااالي فيهم شيء؟؟
علي ينظر لعيني زوجته بقلق شديد : مافيه الا كل خير..بس مشعل طالبني السماح..
ام رياض تضرب على صدرها : يمه عياااااالي....علي وش صاير؟؟؟ ليكون فيهم شيء ومايبي يتكلم...
علي يربت على كتفها : استهدي بالله يامرة...لو فيهم شيء كان ماحجزوا عشان يجوون... هم خلهم يرجعون سالمين...تالي انا اعرف وش بلاهم...
ام رياض تمسكه وتسنده عليها : طيب قم ياعلي لاتجلس هنا...ادخل داخل ارتاح على سريرك ليما يجهز الغدا...
وقف مطيعًـا زوجته وهو بالفعل يضع الاف الاحتمالات امام عينيهِ، وكل الاحتمالات لم تكن جيّدة ، كل الاحتمالات لم تكن في مكانها ، كلها باتت خائبه ، دعى الله طويلاً ، ناجاه بأن يحفظ له هذين الابنين ، وعد نفسه بأنه حينما يصل ابنيه الى هنا بالسلامة ، لن يسمح برجوعهما مرة اخرى ، فقد ابنه رياض مرة ، ولن يفقد هذين الاثنين مرة اخرى ، لن يفرط بهما ، اسند رأسه على السرير ، لم يكن لديه سوى القلق ، يتمنى من الله ان تمر هذهِ الايام بسرعة ، وتنطوي الساعات حتى يجد ابناءه امامه...



من جهة اخرى ، أغلق الهاتف ، كاد ان يعتصره بيده ويحطمه بتلك القبضة التي كانت تعتصر الهاتف ، لمعت عينيه بالدموع المتحجرة ، لكنهُ ابتلع غصته ونظر لاخته التي تراقبه بألم ، من أين الى اين ؟ ، تلك الغربة التي كانت للدراسة والنجاح ، الآن هي مجرد صراع أزلي يلاحقهم الى الوطن ، وقفت متوجهة نحو مشعل لتحتضنه بهدوء تحاول فيه عدم البكاء لتردف : كلمت ابوي؟
مشعل هز رأسه بوجع واطلق تنهيدة : ايه... ها جهزتي شنطتك واغراضك؟
وريف بللت شفتيها واحتضنت ذاتها : ايه... خلاص خلصت تجهيز الشنطة من الصباح ..
مشعل صمت وهو يرفع شعره الى الخلف باصابعه ثم سمعها تردف : يسامحك عشان الوضع اللي احنا فيه؟
مشعل هز رأسه وربت على كتفيها : احنا ماسوينا شيء غلط وريف ، صدقيني لو مكلم ابوي وقلت له راح ازوج ليث بالوريف بيقول زوجها...بس خبينا الموضوع عنهم للضرورة ...ابوي راح يتفهم ...بالبداية بيعصب ..ممكن يتفاجئ اكثر انك حامل...بس خلاص هذا هو الوضع وهذا الامر الواقع..
وريف تبتلع غصة ودموعها بدأت لامعة وواضحة : انا خايفة على ابوي مشعل يصيبه شيء..
مشعل قبل رأسها وابتسم لها ماسحًـا دموعها : لاتخافي ولاهم يحزنون...ماراح يصير في ابوي شيء لان احنا ماسوينا غلط...حركتنا كانت اضطرارية...ولو ماني عارف قرار ابوي ولاكان مازوجتك...وهالشيء من صالحك ومن صالح ليث...خلاص لاتفكري...اتركي الموضوع علي ..انا المسؤول...
وريف تهز رأسها برفض : ليث ماسمح لي اكون معه واوقف معه...رجاءا لاتسوي لي هالشيء وانا اختك...خلني معك نتلقى الضربة احنا الاثنين..
مشعل يتنهد : بس انتي حامل وخايف يصير لك شيء ..ساعتها الله يعينني على زوجك..
وريف تهز رأسها باصرار : ماراح يصير فيني شيء لاتخاف... الاشياء اللي شفتها هنا خلتني اقوى...
مشعل ابتسم مقبلاً رأسها : طيب... بكرة الصباح بنمشي المطار...
بلعت غصة اخرى ، غصة الودَاع ، هاربة الى الآن من اتصالات ليث ومن حالات الوداع ، لاتريد ان تودعه ، تشعر بأنها تفقد عقلها في تلك اللحظة ، يكفي تلك السنين الماضية من الغياب ، هل تودعه الآن ويغيب عنها وبكل بساطة ؟ لاتستطيع نسيان مواقفهم الجميلة ..حياتهم التي كانت في السابق ، لاتستطيع نسيان كيف كانت اكثر الناس سعادة حينما كانت معه ، قصتها الطويلة خلال الـ 11 شهرًا انقضت الآن ، كيف ستعود وتتركه؟ هل سيعود كما وعدها؟ لقد قطع له وعدًا كافيه بعودته؟ هل يعود ويوفي بذاك العهد؟ توجهت ناحية البلكونة ومافعلت ذاكرتها الا انها خانتها الذكرى لتعود امام عينيها وكأنها اليوم ..لأول مرة تكون فيهِ حلالًا له ، ولأجمل لقاء لهمُ ، لأجمل ذكرى خلدتها في عقلها ولم تنساها ابدًا



بعد خُروج سبأ وعبير ، لم يتبقى في هذه المساحة المحدودة من هذه الشقة الا هي .. وسيأتي الغائب عن دياره ليقف امامها وقفةُ حلال ، يالله .. كَمْ هذه الدُّنيَا شحيحَة ، تبخَلُ علينا حتى ان تُهدينا السعَادة كاملَة ، ماذا لو وقفنَا وكانت أمُه تنظر اليه ولِي ، وأبي يحتضنني ويوصيه علي ، كيف سيصاغ الكلام ؟ حينما أراه سأرتبك ، سينظر للمرة الأولى لامرأةٍ حلال ، تكون له بعد انقطاعٍ كاد أنْ يقتُله ، ارتباك مخيف يصيب جسدها ، وبرودة خفيفة تسري من كتفها العاري ، تمرر يدها بهدوء لتحافظ على دفئها وهدوئها ، كان الجَو غائمًا والسماء تكاد تبتلعُ القمر ، حتى القمر اختبأ .. فهل ستختبأ السعادة معه ، هل تبتسم ؟ ام تبكي ؟ ام تضحك ؟ سؤال تردد في نفسها ، وصار يحرقها من الداخل ..
سمعت صوت الباب يُفتح ، والمقبض يدار ، وقفت دون ايما ادراك ، وهي تنظر فقط للأسفل ، للأرض التي تتمنى ان تبتلعها كبذرة منسية من الغيث ، تحاول ان تشعر باقترابه لكن الخوف اعمى قلبها وصار قلبها ينبض بشكل مريب ، شعرت بالحرارة تشتعل في حنجرتها وعينيها ، رأسها ينبض كمن يطرق فيه دئبًا .. شعرت بيد تقدمها قليلا الى الامام ، هيَ يد مشعل ، لكن لماذا يقدمها للأمام .. سمعت مشعل يتمتم له ، لكنها لم تميز التمتمة ، جل ماتميزه هو لون حذاءه الاسود اللامع الذي ينتصب على الارضية الخشبية العاتمة ، الصمت فقط هو ما يجبلها على صياغة الاحرف ، .
لقد غُلق الباب ، رفعت رأسها بخوف فجأة وهي ترى مشعل يغادر ، ثم دارت بعينيها ناحيته ، ينظر اليها بحَسرة ، وبسعادة ايضًا ، هي تنظر للذي غاب عشر سنين ؟ هي تنظر للذي تبكيه امه كل ليلة ، هي تنظر لمن بكته جدتها وامها وخواته ايضًا .. فهل يستحيل عليها ان تفرح وتبتسم ؟ ، تقدم بخطواته اليها ، الصمت هو مايميز المكان ، لكن صوت خطواته شق السكون ، وقف امامها زفر براحة ، ثم رفع رأسها الى حيث يستطيع ان ينظر .. وكل مانظر اليه .. هو عينيها ، هويته !
أأضيفها الى هوياتِي الأربع ؟ أم أكتفِي بها هوية ؟ هل حينما يقال من هو الليثُ أشير الى عيناك ؟ هل استقطبت يومًا عذاب عشر السنين ، ولملمته في ليلة مغيمة وجمعته في عيناك ، هل سمعتِي عن شقائي ؟ اني أرى فيهما لهيبي وعذابي ، وسعادتي وشقائي ، لا اظنك تدركين ما ادركه ،
وتمر الدقائق وهو ينظر الى عينيها فقط ، وهي ترتجف اكثر واكثر ، وكل مافعله .. انحنى الى مابين عينيها وقبله ، استنشق انفاسها ثم وضع كفه على جبينها قائلاً :
اللهم إني أسألك من خيرها ومن خير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها ومن شر ما جبلت عليه ..












ثم همس بآمين خاتمًا اياها ، التفتت الى النوافذ التي تهتز بالمطر لقد نزل الغيث ، وبلل قلبه وقال لها هامسًا : حتى المطر مابخل علينا .. بارك لنا بطريقته ..
ابتسمت بارتباك من تعبيره واحمر وجهها ثم قال : محفوظة بالعين ..لا تخافي مني وحقك تخافين..طيف انسان اختفى عشر سنين وتكونين حلاله .. يامصعبها ..بس تحمليها..
رفعت عينيها اليه ودموع قفزت الى محاجرها وقالت : ماهي صعبة .. بس احس بحسرة ..
ابتسم ومسح اول دمعتين نزلتها منها وقبلهما ثم قال : لا تبكين ..مابي شيء يخرب ليلتنا ..ممنوع البكا سامعة ؟
وريف تهز رأسها بطاعة ، يجلس معها ثم يقول : ماخبري بك كبرتي..وحلويتي هالقد !
احمرت ، وحكت جبينها باحراج وهي تقول : مبروك علينا !
ليث رفع حاجبه : كمليها ..
عقدت حاجبيها بدون فهم ! ، ابتسم وقال : كلمتك مبتورة .. قولي مبروك علينا بعضنا ..
ابتسمت بخجل ، قبل يدها وهو يشمها بعمق ويحتار اهي رائحة الوطن ام رائحة امه التصقت فيها فهيجت حنينه ، قال وكأن الدموع من عينيه تعلن انهزامه ، لكنه لم يكن لسمح بها ، فقط لمعانها هو ما نبأها بأن الليث يتوجع ، سحبت كفها بقلق وقالت : لا تشمها ..اذا هي بتهيج احزانك..
هز رأسه : حقك تطلبين..بس محروم ..وريحتها تذكرني بريحة امي..
هُنا هي لم تتحمل كلامه فانفرطت في بكاء شديد وهي لا تنسى شريط المعاناة ، بعد كل هذه السنين ، يريد امه بقوة ، وامه تريده .. ما اكثر العقُوبة ، واكثر الحُرمان .. ، حينما احتضنها ابتسم وهو يقول لها : ليه تبكين ؟
وريف تمسح دموعها ، لم تكن لتخشى على المكياج ، عبير تعرف بأن وريف ستبكي لذا وضعت عليه مثبت ، كرر سؤاله وقال : علميني .. ليه تبكين ؟
وريف تنظر لعينيه بأسى : كل ماذكرت امك ينكسر قلبي عليك وعليها ..
ليث يبتسم : مابقى شيء..
احمرت بخجل من نظراته ، ثم قال لها : مابيك تبكين ..
وريف تبرر موقفها بابتسامة خجولة : غصبًا عني
ليث يمسك يدها ويضعها على صدره وهو يقول : قد قرارك ؟
وريف تبتسم له بحياء وتهز رأسها ،
ليث يتجرأ ويضع يده على شعرها المموج ويغلغل اصابعه بين خصلاته الناعمة : تدرين اني قبل كنت اقول لامك اني ابيك ؟
وريف تعقد حاجبها : ماكنت ادري الا بأن امك وابوي يبونا لبعض..
ليث يبتسم : كنت احرك شعرك بذات الطريقة واقول لامك..لاكبرت لاتقصين شعرها..ابي شعرها يطول..
وريف بخجل تبتسم : عرفت الحجة اللي كل ما اقول لامي بقص شعري تمنعني
ليث تتسع ابتسامته : زين سوت فيك
يفرك يديها بين كفيه ويقول لها : لو في يوم شفتيني بارد وجامد.. وماكنت اعرف اعبر عن مشاعري ..فاعذريني..سنين وسنين ماتعاملت مع انثى بهذي الطريقة ..وكل شيء حولي كان اقسى من اني اكون لين..
وريف تهز رأسها : مقدرة وضعك..
يحتضنها فجأة ليكون رأسها على صدره ويقول : لا تتحركين.. داخلي جحيم..قربك يطفيها
وريف بقلق تضع يدها على صدره : يارب ينور لك صدرك..عسى ان تطفى نيرانك
ابتسم ، وهذا مافعله، صوت البرق وتطاير الستائر هو اجمل منظر كان يتستمعان برؤيته ، سهروا طويلاً بين احاديث كثيرة لم تكن لتنقطع .. احاديث محبوسة في اقفاص العشر سنين .. كان قد سمح لمشعل ان يأخذ شقته ريثما ينتهي من هذا اللقاء ..
بعد انقضاء ساعات طويلة وكان الليل قد انتصف ، قبل رأسها وقال : يلا ..ريحي راسك وبعدين اشوفك..لازم امشي الحين..مشعل بشقتي وعيب في حقه اخليه طول الليل لوحده..
ابتسمت وهزت رأسها ، قبلها في عينيها وقال : الله يحفظ هالعينين يشهد الله انهن يسرون الصدر..
ابتعدت بخجل انثوي ثم وصته على نفسه قائلة : انتبه لنفسك..
ليث يودعها بنظراته بعدما هز رأسه بطاعة ، وانسحَب عن المكان ..
هي ايضًا دخلت حجرتها بانهاك ، لكن السعادة هي ماتميز شعورها..فتحت دولابها لتخرج لها بيجامة قطنية وترتديها بعدما ان مسحت المكياج ، شعرت بمشعل يدخل ، خجلت من مقابلته ، قررت ترك المقابلة للصباح ، من الواضح انها منهكة جدًا .. هل هي من السعادة المفرطة ؟ او من صدمة اللقاء !

نَامتْ ، وَحسبْ !




لمعت عينيها بالدموع على هذهِ الذكرى القديمة ، كيف كانوا سعداء محملين بالآمال ، مستعدِين للتضحية بكل شيء حتى يعودوا بسعادة اكبر واكبر ، أسفها على الوقت التي هي فيه الآن ، رهينة للألم الذي جعلها تعود مجبرة لأجله ، رغم عدم اقتناعها بالرجوع الا ان اصراره عليها كسر بها كثيرًا ، منذُ اللحظة الاولى التي عرفت فيها ليث ،علمت انها ستعاني وهي مستعدة لذلك ، لكنها لم تتوقع انه يبعدها عن المعاناة ليتلقى كل شيء هو بنفسه ، جعلها بهذهِ الطريقة تعاني اكثر من المعاناة بذاتها ، اختنقت بحزن شديد وهي تعض على شفتيها ، تتمنى من الله ان تكون الليلة القادمة نسيمًـا على صدرها وصدره ، لاجحيمًـا تتعذب منه ، لانها تعلم ...انها لا تستطيع ان تتواصل معه بعد الآن ...ستولي امره لله ، عائدة الى الوطن ، تحمل قطعة منه ...




،



فَتحت عينيها لخُيوط الشمس التِـي تسللت في مكانها ، تزورها وكأنها تُذكرها بوضعها الذِي يتسلل اليها كابوسًـا كالحلم ، ابتلعت غصة خانقة وهي تشيح نحو النافذة ، كيف تذكرت عيني آدم ، تحولت الى عيني اقسى انسان فرعوني على وجه الارض ، كان قاسيًـا مثل حدة السكِين ، يجرح بقوة رغم انه لم يدخل الى العمق ، ليتها لم تتذكر كل كلمة قالها وطعنها بها ، حرامٌ عليك يا آدم كل تلك الايام التي قضيتها وهجًـا بعينيكِ ، وجعلتك من الظلمة دليلًا لي ، أنرتُ بكَ كل محيطي ، وداخلي المظلم أصبح مشعًـا في كل مرة تبتسم فيها لي ابتسامتك الرجُولية التي تضحك فيها عيناك لِـي ، كم كان مؤسفًـا علي أن اعطيك تلك القيمة التي لم اعطيها أي رجلٌ آخر ، موحشة هي ليلة البارحة ، كيف كنت استلقي بالسرير باكية احدق في ستائرة النافذة ، تحركها الريح وتتقاذفها بين الفينة والاخرى ، كما تفعل انت بجروحي ، تقلبها على مزاجك ، كنت انتظر قدومًـا منهزما منك ، تأتي لتعتذر لتخبرني بمشاعر كنت اصدقها في عيناك ، أسفي على تلك اللحظات التي صدقت بأن لديك قلب ، لكن ومع الاسف ، انت لا تحمل في صدرك سوى حجر قاسي لايمكننا هدم حصونه التي بنيتها اسوارا حول قلعة مشاعرك ، ليتني لم اكن هشة ولينة الى تلك الدّرجَة ، فقد كان تشكيلي في يديك سهلاً ، ولم تبالي لهشاشتي ، اشعر بالخواء يزور بدني ، ألم عظيم يزور قلبي ويودعه الى العالم ، حتى ان التنهيدةة اصبحت ثقيلة ، لاتطرد الوجع ، بل تبقيه وتمجده بين اضلعي ، لقد اعتدت على تجريحاتك آدم ، لكن هذهِ المرة ...انا بالفعل لا اشعر بأنني بخير...

نهضت بسرعة ودخلت الى دورة المياه ، ارتدت فستانا هادئًـا ، لمحت وجهها وملامحها امام المرآة الطويلة ، كانت شاحبة ، بياض بشرتها لم يخفي كل هذا الشحوب ، بللت شفتيها وهي ترفع كتفيها بعجز وباعتراف خطير امام المرآة : مايستحق... وخالقي مايستحق انه يشوفك بهذي الطريقة...
قررت انها تبتسم ، حتى وان كانت الابتسامة صعبة ، حتى وان كانت تخفي مشاعرها وتدوسها ، فالحقيقة غالبا ماتكون مرة ، ولكن لايجب ان يرى الآخرون ضعفنا فيستغلوه لصالحهم ، ...
خرجت الى الاسفل الى غرفة الطعام ، للفطور ، كان الجميع متواجدين ، الاب والاخ ، وآدَم...
حينما رأته يبتسم وكأنه لم يُجرح ، جرحت اكثر واكثر ، وكأنه لم يتأثر ولم يواجهه شيء ، نام ليلته ككل ليلة بينما هي سهرت طويلاً باكية ، منكمشة تحت ثوب تجريحاته ، هاهي الآن تبتلع غصتها واقفة امام الباب سارحة دون ان تخطو خطوة واحدة ، عينيها تلمعان بالدموع وكأنها ستبكي ، لكنها لم تفعل ذلك ، تحاملت على جروحها وابتسمت بصعوبة لم تواجهها من قبل وهي تتقدم بهدوء لتجلس مقابله ، همست بهدوء : صباح الخير...
يبتسم سعود لابنته وهو يحدق بها : صباح النور ...كيف حالك يبه ؟
هاجر تهز رأسها وهي تضع من الفطور في طبقها وتبتسم رغم الجروح العميقة التي بها لتردف : الحمدلله يبه...*نظرت الى عيني آدم مباشرة وبقهر شديد * حالي في أحسن مايكون...

توقف آدم لوهلة ، كيف لهذهِ الانثى ان لاتكون بلا شعور؟ بينما هو لم يستطيع النوم ليلة البارحة؟ كيف كانت بارعة وهي تبتسم جميلة وكانها لم تجرح منه؟ هل يعقل ان يوجد انثى سادية المشاعر مثلها في هذا الكون؟ اين الكم الهائل من العاطفة الذي كان بانتظاره؟ كيف تنظر لعينيه مباشرة وتقول بأنها في احسن مايكون؟ بينما هو يتعذب بسبب كلماتها الغير مبالية؟ ، تحامل على كل مابه من غيظ شديد ليبتسم وهو يحدق بعينيها وبنبرة مقصودة : الله يديم سعادتك...
توقفت لثوانٍ قليلة عن المضغ ، ثم عادت لتبتسم بعينينِ ساخرتين : اللهم آمين...
سعود يحدق في هاجر : هاجر يبه كلموني الجامعة انه راح تبدأ دراستك في شهر أبريل الجاي...
هاجر بنبرة غير مبالية لادم : ايه انا نسقت جدولي... قبل اسبوع...مع بداية الدراسة اكون انا بديت معهم..
سعود يمسح فمه بالمنديل : حلو ..الله يوفقك يايبه...يالله انا ماشي مع اخيك عندي شغل...تبين حاجة؟
هاجر تهز راسها لتكمل فطورها وبابتسامة : سلامتكم...
خرج الاثنان ، وبقيَ الاثنان ، هي وآدم ، آدم كان صامتًـا منشغلا بحديثه ، بينما هي كادت ان تجن من صمته ، حاولت ان لاتفتح اي حديث معه ، لكن لسانها يخونها في كل مرة لتردف : ماسألتني وش ادرس...
صعقها بالاجابة وهو يرفع كتفيه بصراحة قاسية : مش مهم بالنسبة لي...ولكن مع ذلك ابوك قالي انك تدرسين علاقات عامة...
دُهشت من مدى تجرده من المشاعر ، لقد اصبح اقسى واقسى من السابق ، كأنها نفثت عليه رمادًا لصيبح دخانًـا ، تقسم بأنها لم ترى حجرًا مثله ، لايشعر ، لايملك قلبـًا ، لايمتلك الشعور ، ابتلعت غصة اخرى فوق غصاتها التي تبحر في ذهنها ، ليصدمها بينما يغرز شوكته في المارتديلا ويقطعها بسكينه ويلوي شفتيه بغير اهتمام : رغم اعتقادي بأنك آخر شخص في هالعالم ممكن ينجح بـ هالتخصص
صفعت بشوكتها بقوة على الطبق وهي تغمض عينيها بغضب ثم تفتحها وتحدق فيه بقوة : خير سيد آدم؟ وليه مش ممكن اني انجح؟
آدم ضيق عينيه وحدق فيها بصمت ، جمالها الغاضب يأسره في كل لحظة ، لايستطيع اخفاء اعجابه بهِا وخصوصا حينما تغضب ، لكنه تحامل على مشاعره ليردف بسخرية : لانك افشل انسانة ببناء العلاقات...والدليل *اشار اليها واليه باصبعه* حنـــا!
اطلقت ضحكة سخرية قصيرة رغم قهرها وغصتها المؤلمة : المفروض تكون ممنون من هالوضع سيد آدم لان السبب في هالشيء هو انت مش انا...
آدم يمضغ طعامه وهو يحدق بها ساخرًا : مابي اتناقش معك في هالموضوع...*ووقف وهو يمسح فمه بالمنديل وبنبرة مختلفة* لاني اعتقد ومن وجهة نظري ان حنا نهيناه امس وحطينا له حدود...
هاجر بغيض تبتلع غصتها وهي تقف : ابدًا حنا مانهيناه سيد آدم...بل بالعكس حنا بديناه...
آدم يبتسم وبنظرة قوية هزتها : ماعليك زود ..سويتي اللي عليك وزيادة
هاجر شتت نظراتها كي لاتبين ضعفها وتبكي أمامه : وانت ماقصرت ...كفيت ووفيت...
ابتسم آدم وهو يمسح يديه بالمنشفة وصمت للحظة وهو يحدق فيها لدرجَة انها شعرت بالارتباك الشديد ، خاف ان يضعف امامها وتبين ملامحه التي تبين مدى هذيانهِ بها ، هز رأسه يطرد الافكار العقيمة من رأسه ثم توجه لكي يخرج متجاهلا تلك الفتاة التي تحدق فيها بأمل ، لكنه صُعق حينما سمع نبرتها المهزوزة للحظة مردفة : كيف كانت نومتك ليلة البارح؟
ضيق عيناه مبتسمًـا ثم التفت ناحيتها بسخرية : يهمك؟
هاجر بضحكة ساخرة اردفتها : ههههه طبعا مايهمني... بس سألت لان اول مرة يدور بيننا حديث بـ هالقساوة...
آدم مبتسمًـا ابتسامته الرجولية الوسيمة وكأنه يحللها ، وكأنه وصل الى انها مجرد انثى مهزوزة من الداخل لكنها تكابر جدًا ، لم يتأكد من هذا الموضوع بعد ، الا انه شعر بهِ وكثيرًا من سؤالها ، اردف : بما ان مايهمك؟ وشو له تسألين؟
صمتت هاجر بارتباك وهي تحاول ان تبرر : لانو...كنت...
آدم تقدم ناحيتها بطريقة اربكتها جدًا ، ازالت حصونها الماكرة امامه ، فتحت ابوابها الحبيسة وتحررت عينيها وهي تظهر الارتباك رغمًـا عنها ، خصوصا حينما اقترب كثيرًا وشعرت بهِ يغمض عينيه ويشتم من انفاسها ثم يقترب من اذنها مردفًـا : لانك مانمتي...
رفعت عينيه لمستوى عينيه سارحة ، تائهة ، شاردة ، الا انها انتبهت لتردف بقوة : بل بالعكس...كانت نومة مريحة لي..
آدم بسخرية يبتسم ببرود : والله برافو ياهاجر... انا ايضًـا نمت نومة مريحة...لاني قلت الكلام اللي من المفترض انه ينقال..
هاجر لوت شفتيها تحاول كبت الغيض وهي تبتعد عنه كي لاتضعف اكثر واكثر : اذا على كذا...اعتقد انه مافي احد منا مضطر انه يعيش حياته مع الثاني يا آدم...
آدم يصمت لدقائق ثم يردف : بالضبط...وخصوصا اني مو قادر على احتمالك...
صمتت وهي تشعر بالجرح العميق يصيب النخاع ، هُزمت بصمتها حينما غادر المكان ، أتت الخادمة التي شهدت نهاية الحديث ومن الواضح توتر الجو ، ارتبكت وهي توضب طاولة الفطور بينما هاجر لازالت واقفة في مكانها تحدق لطيفهِ الذي رحل ، تتمنى لو انها تخبره بما تشعر ، لكنه في كل مرة يجرحها ويستهين بها وكأنها خردة ، بينما هي تموت وجعًـا كل ماتذكرت تجريحاتِه الاخيرة ، هل يعقل ان يكون الانسان الى تلك الدرجة منن دون قلب؟ ، قوست شفتيها تحاول كبت دموعها ، لكنها فشلت وهي تضع كفها الصغيرة على شفتيها وتشهق لتستمر في نوبة بكاء مؤلمة ، ركضت الى غرفتها بألم شديد وهي تراقبه من نافذتها ، متوجهـًا الى حلبة الخيل ، يمتطيه ، ويجعل من نفسه فارسًـا ، كما يفعل دائمـًا لمهرته....


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:09 PM   #54

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي










،


صَحت الساعة الخامسة صباحًـا ، لاتعلم لماذا شعرت برغبة في النهوض ، رغم تعبها الشديد ، تنفست طويلاً وهي ترجع شعرها الاسود الى الخلف ، نهضت وهي ترتب فراشها ثم نزلت الى الاسفل ، مرت في ردهات المنزل لتجد ابنها فهد قد تغيرت ملامح وجهه ، تلقائيًـا هي سحب اللون من وجهها ، نظرت الى باب غرفة اخيها الغائب مفتوح ، توجهت بخوف شديد ناحية والدتها التي كانت تبكي بصمت ، عينيها امتلأت بالدموع وهي تحتضن والدتها بخوف وتبكي : يمه...يمه صلِّ ع النبي لاينخفض السكري معك...خلاص يمه وكلي الامر لله...لاتتعبي قلبك يايمه...تكفين..لو مكتوب له يرجع بيرجع...
ام ليث بألم شديد وهي تمسح دموعها : عذبني اخوك ياشوق...حتى خبر منه ماوصلني...وحتى كلام اللي حولي مارحمني...ابيه خبر عنه حتى لو كان مفقود او مسجون...المهم اسمع ولو خبر صغير عنه وارتاح ياشوق...
شوق بألم تمسح دموع والدتها وتقبل رأسها : تكفين يمه خلاص...ادعي ربي واتركي الامر عليه... وصدقيني الله بيكتب له ولنا الخير...
ام ليث بابتسامة وهي تمسح دموعها : ياحلو طوله ياشوق...ياحلو طوله لا اقبل علي...
شوق بوجع تصمت وهي تحدق في صوره ، شاب في العشرين بذقن خفيف يرتدي ثوبه وشماغه ونظارته الشمسية مبتسمًـا في الصورة يقبل رأس جدته، سعيدًا وسعادته لاتشبه اي شيء ، كان هذا قبل ان يداهمه المرض ويصل الى روحه بعدة ايام ، تتذكر انها التقطت تلك الصورة في يوم العيدِ ، بآخر عيد لهم حينما كانت هي بعمر الثامنة عشر واسماء لازالت صغيرة بعمر الثالثة عشر ، ابتسمت تلقائيًـا وكأن الموقف يزورها اليوم..كانوا يجلسون في الصالة وبجوارهم جدتهم ، حتى انه في الصورة كان يقبل رأس جدته ، ضحكت كثيرًا بين دموعها وهي تتذكر كيف كان يوبخها لانها لم تلتقط الصورة سريعا
ليث بتملل : وبعدين معك انتِ؟ ماتنعطين وجه...يالله اخلصي علينا ابي اروح اصلي الصلاة مع الجماعة ...
شوق وهي تضبط اعدادات الكاميرة بحماس : طيب والله اخر مرة بس الصور مظلمة ....يالله عاد انتظر بس شوي..
التفت الى جدته وهو يبتسم : جدتي تفاهمي وياها...انا عطيتها وجه بما فيه الكفاية...
ام عبد الرحمن بغضب : انتي بتخلصي على اخوك لا اكسر هالعين على راسك...
شوق بضحكة : ههههههههههههه وش عينه يايمة ...هذي كاميرة ...
ليث يقبل رأس جدته بحب : ياعساني مانحرم من هاللسان يايمه...
ام عبد الرحمن بدموع : فديت طولك يايمة...
تأتي ام ليث بحذاء ليث بعد ان قامت بتلميعه بنفسها ، وقف ليث ناحيتها وبعدم رضى مسك الحذاء يحدق بأمه : الله يسامحك يايمه يعني كان له داعي انتي تسوين هالشيء؟ كان قلتي لي وانا سويته...
ابتسمت ام ليث بحب لابنها : ياجعلني المع لك جزمة عرسك يايمه...وشفيها يايمه انت ولدي وخلني اسوي لك كل حاجة ...بعد ماعندي ليث غيرك...
ابتسم مقبلاً رأس والدته : جعلني مانحرم منك بس...
شوق بمقاطعة وبحماس: ضببببببطتتتت ضطبتتتتتتتتت....
ليث يلتفت وهو يبتسم ضاحكًـا على حماسها المفاجئ : انزين طيب خلاص العالم كلها عرفت ان كاميرتك ضبطت...خلصينا انا ابي امشي هالحين...
نظر لساعته وهو يجلس بجوار جدته ، نطت اسماء في حضنه لتردف جدته : وهذي هالنسرة من تشوف احد بيتصور قطت وجهها...
اسماء تحتضن ليث : جدتي انا بصور مع اخوي...شفيها حرام؟
جدتها تبتسم : ياجعلني مانحرم من هالاخوة بس
شوق تنظر لهم بابتسامة : ها جاهزين...
ليث يبتسم وهو يحاول ان "يجننها " : لا اصبري بعدل شماغي...
وقف امام المرآة يضبط شماغه امام عيني امه التي ابتسمت له : ياجعلني ازفك معرس...
اتسعت ابتسامته : اللهم آمين...
جلس على الاريكة بجوار جدته يقبل رأسها مبتسمًـا لتلتقط تلك الصورة واخيرًا بعد عناء ، مُمجدَة تلك اللحظة التي من المستحيل ان تُمحى من خيالها ، بكل حذذافيرها كانت تلك اللحظات دافئة لا تشبه اي شيء آخر ، داعبتها الغصة الأليمة لتمسح دموعها وهي تمسك بامها تساعدها على الخروج ، اجلستها على الاريكة وهي تنظر لفهد الذي ينظر لهم وقد تغير وجهه ، سمع والدته تردف : فهد يمه قوم جيب لجدتك موية..
توجه راكضـًا الى المطبخ وجلب الماء لها ، اعطاها امه ثم مدته لأم ليث التي شربت منه بعد ان بلعت دوائها ، هدأت قليلاً ثم ابتسمت لشوق : اجلسي خلاص مافيني شيء..
شوق تضع كأس الماء على الطاولة وتحتضن والدتها : يمه انا مابيك تشغلي عقلك وتفكري ..خلاص احنا سوينا كل اللي بيدنا...ماظل احد ماوكلناه يدور له...لو كان موجود بيجي خبر عنه...
ام ليث بغضب تحدق بها : استغفري ربك ...تفاولي على اخيك...ماتدري انه ممكن يكون عايش مثل ماقلبي يقول...
شوق تهز رأسها : فال الله ولا فالي يايمة...انا ماقصد انه ممكن يصير له شيء لاقدر الله...بس انا اقول خلاص اتركي الامر لله...انتي تتعبي اكثر لو فكرتي به...
ام ليث تنظر لابنتها بلوم : تلوميني يعني؟ لو فهد ولدك بسم الله عليه اخذه ابوه يوم وانتي ماتدري تعرفي ايش ممكن يصير فيك؟
شوق بخوف وقبضة على قلبها همست معتذرة لامها بعد ان شعرت بشعور ارهبها : معك حق يمه...اعذريني والله...بس انا خايفة عليك...
ام ليث تهز رأسها : لاتخافي علي ياشوق...انا ربي باذن الله كاتب لي العمر لين اخوك يرجع..
شوق تحاول التماسك وعدم البكاء:عسى عمرك طويل يايمه ...تشوفينه وتشوفين احفاد احفاده...
ام ليث تبتسم لابنتها وهي تحتضنها : يابعدي يايمه...خلاص قومي نامي...
شوق تهز رأسها بابتسامة : مو جايني نوم يمه..انتي يمه قومي ريحي شوي وانا بجهز الفطور الحين مع الخدامة ...
ام ليث تبتسم : طيب...وقومي اكوي ثوب ولدك عشان يداوم...
شوق بابتسامة : ان شاء الله...
توجهت الى فهد الذي بالفعل كان لون وجهه مسحوب ، رافقته الى الاعلى لتسمعه يردف : يمه الحين يوم كنت موجود بـ هالدنيا...لحقت على خالي؟
ابتسمت شوق لسؤاله وهي تكوي ثوبه : اكيد حبيبي...كان عمرك سنة ...بس ماشافك كثير لانه كان ببريطانيا...كان يشوفك بالزيارات...
فهد بعدم فهم : طيب ليه غايب طول هالوقت وش صاير؟
شوق استغربت من سؤاله كثيرًا لتلفت ناحيته : ليه تسأل هالسؤال؟
فهد بدهشة وهو يرمي القنبلة : يمة انا من حقي اعرف عشان احدد موقفي ناحية خالي
شوق عقدت حاجبيها بغير فهم وهي تلتفت ناحيتيه : تحدد موقفك ناحية خالك؟ وش اللي تحدده بالضبط!!
فهد بارتباك وهو يحدق في والدته : ابوي....*حينما لمح عينيها تفتحان بصدمة غضب اردف متلاشيًـا* أعني الناس....يقولوا ان خالي قاتل
صُعقت مما يقوله ، وهي تحدق فيه وتهز رأسها برفض مما سمعته : انت طاوع ابوك وبتوديني وياك في داهية...
فهد يهز رأسه : يمه انا اعرف ان ابوي ينتظر الزلة عشان بس يسوي مشكلة...بس المشكلة حتى الناس يتكلموا...وانا مثل الاهبل ماعرف ولا حاجة...خلاص يمة ماعادني طفل اقدر افهم وتقدري تقولي...
ابتسمت له وهي تحدق في عينيه : يمه فهد انا ماقدر اقولك شيء لاني حتى انا ماعرف حاجة ...وشنو صار...بس الحكومة البريطانية متهمين اخوي ليث بقضية قتل واعتبروه مجرم هارب ومن ذيك السنة والدنيا مقلوبة عليه هنا وهناك....اللي نعرفه انا وامي وعمي علي شيء واحد بس...ان ليث مستحيل يسوي هالشيء بدون سبب...وواثقين بانه انسان بريء...وانه بيجي يوم من الايام وربك يكشف الحقائق...انت سكر اذنك يايمة عن كلام الناس وامشي على كلامي ...خلك واثق اني انا اعرف اخوي كثير وفاهمة انه ما اقدم على هالخطوة الا وهو عارف الصح من الخطأ ...وكلنا نعتقد انه كان مضطر...بس لو ترك لنا اثر او دليل عنه يمكن هالشيء يسكت افواه الناس...
ابتسم فهد : ثقي بالله وثقي تماما بأني مستحيل امشي ورا الناس..انا محتاج شيء يثبتني ولا انا واثق ان ربات ام ليث ماتبور...
ابتسمت بفخر وهي تقبله : حبيبي الله يعتز بجدته...ياجعل عيني ماتبكيك...
فهد : طيب يمة تتوقعي في مجال ان احد يلقاه؟
شوق لوت شفتيها ولازالت تكوي ثوبه وبحيرة : امممم...شوف..عمي علي يقول انه في احتمال كبير ان ليث يكون متخبي عشان يلقى حل لقضيته...وهالشيء حتى الشرطة البريطانية والسفارة السعودية متوقعته..عشان كذا الكل متحرك في قضيته...بس اللي مو معقول كيف انه عاش هالعشر سنين متخبي وكيف مدبر امره...
فهد بتفكير : عدل كلامك يمه...بس في احتمال ثاني...
شوق بألم : هذا اللي انا خايفة منه...لا ان شاء الله يكون باقي عايش ويرجع لنا...
فهد : يعني هذا السبب اللي خلى جدتي تنتظر طول هالسنين..
شوق تهز رأسها : ايه...وبدون شيء امي بتظل تنتظر لين اخر يوم في عمرها...جعلني ماشوف فيها يوم..
ابتسم فهد : ان شاء الله يارب يرجع...وتزوجوه وتزوجوني في نفس اليوم مرة وحدة...
شوق تضحك وهي تنفض ثوبه بعد ان كوته : بس هذا اللي انت فالح فيه ههههههههههه...
فهد يغمز لامه : افا عليك...
شوق تبتسم : طيب يالله انزل عشان تفطر ويمرك عمي يوصلك المدرسة ...لاتتأخر عليه لانه بيروح العمل...
فهد : ليه السواق شفيه؟
شوق وهي تنزل : السواق مريض حتى انا اشغالي أجلتها على حسابه...يالله انزل بسرعة لاتتأخر يمه..
فهد : ان شاء الله...
ابتسم وهو يتخيل خاله المنشود رجوعه...خاله ليث ، تخيل لو انه بالفعل يعيش متخبئـًا في ظل تلك الملاحقات ، كم سيكون بطلاً عظيمًـا في صبره وانتظاره في نظره ، تمنى من الله ان يعجل تلك اللحظة ، لكي ترى جدته او تسمع اي خبر عنه.



،




يَجلسُ في سيارته اسفل الفندق التي تقطن فيه الوريف، السيارة التي كانت واقفة وتشتغل الماسحات لمسح رذاذ المطر ، أصبح موسم المطر أطول في هذهِ السنة ، حتى هو شعر بما في الدنيا ورفَق!، لكن هناك قلوب من حولنا لازالت قاسية ولا ترحم ، ابتسم تلقائيًـا بحزن وهو يتذكر سلسلة اللحظات التي قضاها هنا ، كيف قضى لحظاته معها ، كل زاوية حول هذا المكان تذكرهُ بتفاصيل الحياة معها ، اولها شقته ، البلكونة ، الحديقة الخارجية ، سيارته ، لاينسى ردة فعلها اول مرة حينما عرفت بأنه ليث ابتسم تلقائيًـا واصدر ضحكة قصيرة وهو يتحدث فيها مع نفسه : كنتي تدعين علي بمال الطرم! وين كنا ووين صرنا يابنت ابيك؟
ابتسم وهو يلتفت الى المقعد الذي بجواره تذكر تماما كيف كانت منكمشة في زاوية الباب تنظر اليه بنظرات خائفة ، كانت في بداية الغربة لذلك كانت بالفعل جبانة وتخاف من اقل الاشياء ، يتذكر انها كانت لاتمشي الا خلف مشعل كظل له ، تحتمي به ، يتذكرها ويتذكر تلك التفاصيل كيف كتمت سره وحفظته في صدرها ولم تطلعه حتى لاخيها ، حتى انه اضطر ان يتشاجر معه اكثر من مرة ، تلك الفترة التي كثر فيها العراك مع مشعل ، لانه تمرد قليلاً مع الوريف لذلك لم يرضى بهذا الامر واضطر ان يحاسب مشعل على تمرده ، تنهد طويلاً ليبتسم وتلك الذاكره لم تخنه الى الان ...الاصوات نفسها...وردات الفعل تنطوي امامه كشريط يعاد تشغيله


تخرج لتقفل الباب..تلتهي في ترتيب البالطُو الذي ترتديه وتلمح سيارة مشعل وهي تقرر فِي دواخلها بأنها ستُخبِرهُ مهمَا كان السّببْ..تجلس باهمال وتوتر ..تفتح النافذة لتشّم الهواء وهي تهمس وتفرك جبينها بتردد : مشعل..من زمان خاطري أقولك بشيء..بس خايفة اكون غلطانة او ظالمة الانسان..بس مافي شيء يوقف بصفه الا اغلاطه..واتوقع انه يستغلك وماهو واقف معك..هذا الانسان يوقف ضد ليث ماهو معه ..ويبي يستغلنا لان حنا هل قبيلته ووينكب بنا وبولد عمنا..انا هذا اللي جى في باله..صاحبك يوسف يامشعل شفته مرة وانا بسكر الباب يطيح منه شعر مركبه في وجهه..هذا اكيد يستغلنا..وحرام اني اسكت واشوفك واثق فيه وكأنه اخوك بينما انت توك قبل كم يوم شايفه..اسمع مني وانا اختك هذا انسان ماينوثق فيه..الا انت الحين ليه ماتمشي..

مِن المفترض ان يرد مشعل ولكن الصوت الذي جائها أرعب كيانها : نمشي عشان خاطرك بس لي كلمتين علي الحلال ان مانزلك الا وناا قايلهم ولا انتي فاضحتني..

مشى يحرك سيارته ويقفل الابواب مضطرًا حتى لا يخرب مشروع هويته الصغير فتَاة بعدَ كل هذهِ الايام تأتي فتاة لتكون كعطل غير ارادي يتحرك في مسيرته ..
وريف بخوف : عليك الله ان تنزلني وش تبا انت ..علييييييك اللعنة نززززلي يامال الطرررررررم..
لم يرد على تساؤلاتها لانه كان صامتًا ويمشي بينما هي ترد عليه : لله ان تتركني وش بتسوي فيني..تبي تخطفني..؟؟؟ ترا والله ماهو من صالحك من يوووومي دارية وعارفة انك تبي تستغل اخوي مشعل
بكت بدموع اسيرة وهي تردد : ياحسرتي..ياويل حالي على نفسي بعد عمري هذا كله يخطفني انسان مثلك نزززززززززززلني الله لايوفقك نززززززلني..ليه ماترد...رد علي يامال الطرم ..

لم تلقى ردا سوى انه وقف خلف بناية الفندق لانه فقط استدَار وله حكَمة من استدارته : انكتمي..ماني مسوي لك شيء..قايل لك كلمتين ونزلي..عنبوك 10 سنوات من عمري ساتر على نفسي وبالنهاية بنت تفضحني..

ارتعدت بخوف وهي تقرأ آيات الله ثم تردف : وش بتقول ..
لم يرد عليها لكنها حذفته بعلبة صغيرة على وجهه ليرد ..اصابت وجهه ..من خوفها لاتعلم ماهي التصرفات التي تصدر منها..جلّ ماتفكر به بأنها ستموت بعد هذا العمر كله على يد هذا االانسان الذي من البداية كان يخطط لخطفها..

تنفس ليث بغضب : شوفي يابنت ان ماانكتمتي لله ان لذبحك لله !!
وريف تمسح دُموعها بخوف وهي تحتضن حقيبتها : طيب يابونا غلطنا يوم ركبنا سيارتك ومن السماح كنت افكرها سيارة اخوي ..افتح السيارة ياخوي حرام اختلي فيك بمكان واحد..

ابتسم ليث بسخرية : بدري ..ماظلت دعوة مادعيتيها علي..تبين اتكلم معاك وانتي تدعين علي بمال الطرم..

شعرت بأنها شيء صغير حقير من تصرفها لانها لم تكن في عقلها وهي تنتقد هذه التصرفات فكيف ترضى بأن تكون هذه التصرفات صادرة من فتاة ذات ترببية واخلاق..سمعته يكمل كلامه وهو ينظرر للخلف لكي يقوم بتعديل موقف السيارة : وريف..اسمك وريف !!

التفتت بعينين خائفتِين ودَامعتِينْ ترتجف شفتيها وهو يقرأ أفكارها ويضحك : مابسوي لك شيء وربي ..بس بقول لك شيء وابي اضمن انك ماتذيعينه لان لي حكمة..وانتي بنت ناس وانا اعرف من ربوك !

ابتلع غصته وهو يذكر عمه ابو رياض ثم اردف ويصرف عيناه الى النافذة فعيناها تشتتان كلماته : هم كلمتين..مثل ماكنتي تفكرين اني استغل اخوك وسمعتك..الحين ابيك تسمعيني وتفهميني..

لازالت الى الان لاتضع له مبرر لتصرفه فمهما حدث لا يحق له أن ينتشلها من بين طريقها ويأخذها بهذهِ الطريقة الصبيانية..ماذا يريد ان يقول..لامبرر لأقواله ولا حتى لافعاله..لكنه لمحته ينزل الشنب..وشعر بعدما تأكدت بأن السيارة مظللة تمامًا ..
وقبل ان تتعرف على من يكون ولم تنظر الا للجانب الايمن لوجهه ..بمعنى أحرى انها لم تتعرف عليهِ جيدًا ..رأته يبتلع غصّات واضحه ويتحدث بنبرة غريبة : انتي حكمتي علي من غير ماتعرفي اسبابي..واطلبك طلب امام الله ان تستري ع اللي بقول لك..لان مهما حدث فعلا مالي مبرر اني اخذك بهذي الطريقة واتكلم معك بس انا مضطر لاني ماقدرت اوصلك بأي طريقة وانبهك..وانتي جيتي وجابك الله لمكانك ..انتي يوم شفتيني هذاك اليوم وناظرتك كان قلبي مقهور انه بعد عشر سنوات من عمري ممكن تكون بنت هي اللي توديني بداهية والسجن وماعاد ارجع لهلي..

وريف بشك وبدموع ماطِرَة وكأنها عَرفتْ او لمَست خيطَ الحدِيث وهي تدعو الله ان تكُون الشكُوكَ بمحّلها لتهمس وهي تضَع شدها على شفتيها وبشهَقة مكتُومة : ميـ...ـن انت ؟؟؟

ليثَ بغصّة : ولأول مرة من ضاعت من عمري عشر سنين..انطق باسمي لاحد واعرف بنفسي..انا ليث !! ولد عمك..




أغمض عينيه ، حينما تذكر كيف بكت ، بغير تصديق ، حينما عرفت بأنه بالفعل ليث وكيف لامت نفسها بأنها لم تلاحظ ، كادت ان توشي به او تفضحه ، لكن ومن حسن الحظ انه صارحها ، الجمها الصمت حينما علمت بأنه صاحب الهوية المفقودة ، بأنه الغائب عن دار اهله ، اسند رأسه على المقعد ، فتح هاتفه المحمول ، ولم يكن بوسعه ان يكتب اي حرف ، كلما كتب رسالة اعاد مسحها ، لايعلم كيف يخبرها بانه يريد توديعها ، هو اكثر الاشخاص على هذهِ الكرة الارضية كرهًـا للوداع ، لان الوداع لايولد الا الغياب ، والغياب لانعلم حتى متى ينقضي ، خانته غصة في حنجرته لم يستطع ابتلاعها ، تنهد طويلاً لماذا يكره تلك اللحظات رغم انه من الواجب عليه ان يعيشها ، تلك الظروف التي تفرض عليه الافتراق عن احبته ، حتى لا يكشف وتخان بهِ عودته ، حتى لا يتأذى من حوله ، حتى لايعانوا ، يعلم تماما بأنه سيرسلها الى الوطن ، ولكن سيكون الوطن عليها كالجحيم ، لن تسلم من كل لسان ، الا حينما يأتي هو ويثبت بالفعل انهم لم يخطئوا ، وان زواجهُ بها كان اضطراريـًا ، ولابد من اخفاءه عن العيان حتى لايكشف امره ، انتبه لهاتفه وكتب لها رسالة :
" مساء الخير... ادري بك تعبانة وزعلانة..بس تتوقعي قلبي يقوا اخليك تروحي وانا ما ودعتك؟ ...تعالي لاهنتي...لاتحرميني من ريحتك..."





،




فِي شُرفة الفندق كانت جالسة على الكرسي المتأرجح ، تراقب صمت هاتفها ، منذُ البارحة كانت تحترق تنتظر رسالة منه ، وجع وداعه يرتمي في صدرها وكأنه جحيم ستزاوله طيلة الايام الباقية ، تحركت يدها الناعمة على القطعة التي تركها بداخلها ، ابتسمت بين دموعها وهي تضع يدها على رحمها ، تخاطب هذا الغائب وكأنه يسمعها ، فتلك الروح التي هي منه اصبحت فيها ، الوداع يصبح اصعب حينما يترك احدهم فينا اثرًا ، فكيف بهذا الغائب؟ كيف ترك لي قلبًـا كسيرا وطفلاً في رحمي؟ ، كيف جعلني رهينة الى هذهِ اللحظات الموجعه؟ بكت بعمق وهي تنظر الى بلكونته الفارغة ، كيف كانت تلك الايام التي تقضيها بانتظاره ؟ كيف مضت تلك الايام وكأنها اليوم .. أصبح هذا الزمان سريعًـا اسرع حتى من خطف البصر ،
ليتنِي استطيع انتشالك مني ليث، ليتني استطيع اغتيال كل جروحي وارسالها بعيدًا ، لقد وضعتني في اكثر المواقف صعوبة ، كيف سأكذب على الجميع وانا انظر في اعينهم؟ ، هل من المعقول ان اكذب وانا انظر في عيني امك ووالدي واخبرهم بأننا لم نراك؟ ، صعب ، بعد كل تلك الايام الحلوة التي عشناها في الشتاء ومواسم المطر ان نغادر ، انا لا انسى اخر ايامنا ، ولحظاتنا ، انت عشق لا يشبه الا الوداع ، وحب لا يشبه الا الغياب ، وكأن غيابك كل تلك السنين لم يكفيك،لتغيب اكثر وتودع اكثر وتكون اقسى في الغياب والوداع ، تلك الانفاس التي اتنفسها تصبح ثقيلة اكثر كلما اتذكر بأنني لن اراك الى اجل غير مسمى ، لا اعلم فيها متى موعد عودتك ، وعدتني بثلاثة اشهر ، مجرد ثلاثة اشهر ستمضي بعيدًا عني ، تلك الافكار تقتلني ليث،
عضت شفتيها وحزنت عينيها وهي تكتم بكاءًا وغصة جريحة ، تبكي كالاطفال وهي تحاول حبس تلك الغصات الخانقة ، ولكن التماع الدموع واحمرار عينيها وانفها اصبح واضحًـا ، كانت ستنهض الى الداخل لكن هاتفها اضاء برسالته الجارحة :
" مساء الخير... ادري بك تعبانة وزعلانة..بس تتوقعي قلبي يقوا اخليك تروحي وانا ما ودعتك؟ ...تعالي لاهنتي...لاتحرميني من ريحتك..."

حاولت ان تكتب اي شيء لكنها بكت اكثر واكثر حينما شعرت بانها دخلت بهذا الواقع التي تعيشه الان، بكت بحزن لانها ستتحرر عنه بعيدًا وقسرًا ، تلك الظروف هي ماتحركهم ، رفعت عينيها الباكيتين للسماء وهي تخاطب الله : يااااااااربي ليه هالعذااااااب ....متى يخلص ويرجع معي...متى اطلع للعالم كله وتكوني ايدي بإيده من غير كل هالخووووف....
بكت امام عيني اخيها الذي كان مارًا ووقف امام زجاج البلكونة يراقبها ، ابتلع غصة اخرى وهو يرى اخته في هذا الموقف الذي لم يكن يتوقع ان الحال يصبح الى هذهِ الحالة ، يقال ان الشباب غالبـًا مايخطئوا في البداية في قراراتهم ، ثم يكتشفون بعد ذلك ان كل شيء مضى له حكمة وانه يجري في محله الصحيح ، كما هو مكتوب عند الله تعالى ... حاول ان يدخل ويحتضنها ، لكنه رآها وقفت تمسح دموعها ، غادر قبل ان تراه الى غرفته ، دخلت الى الداخل ووجهها مليء بآثار البكاء ، سحبت حجابها ومعطفها الاسود وارتدت حذائها البوت الاسود ، التقطت حقيبتها ووضعتها على كتفها ، وهي تبتلع غصتها تراقب المكان ، كم مرة سحبها الى تلك الاريكة واحتضنها ، تحدث معها عن امور كثيرة ، كم مرة كانوا هنا وعاشوا تحت هذا الضوء المنكفئ بالغياب ، ابتسمت تمسح دموعها على ذكرياتها السعيدة ، خرجت الى الاسفل وهي تنزل ، هناك شعور بداخلها يذوب ، تريد تقصير المسافات لتراه الآن امامها ، وكانت كما رأته الآن يقف بمظلته السوداء تحت المطر ، يرتدي معطفه الاسود ، يبتسم وسط عينين مليئتان بالالم ، ظلت صامته تراقبه بوجع ، واضح جدًا على ملامحها اثر البكاء ، التماع الدموع في عينيها سبب لها غشاوة ، مسحتها بسرعة ، لازالت تنظر في صلب عينيه ، عله يعدل عن قراره ، حينما رأته يبتسم بحسرة ، تقدمت ناحيته ، احتضنته بقوة ، بقــــــوة عظيمة ....تعبر عن مدى حبها ، اشتمته طويلاً ، تلك الاشهر التي مرت كافيه لجعلها عاشقة لهذا الرجل كما هو يعشقها بالفعل، عانقته طويلاً ، رفع يديه بصعوبة لانه لايريد الافتراق عنها ، اغمض عينيه محاولا حبس دموعه التي لم تخنه ولم تنزل ، شتت عينيه وابتلع حسرته ، لم تنزل تلك الدموع ، تحامل على وجعه ليشد في احتضانها طويلاً ، اشتم رائحتها ، يعلم بأن حضنه القاسي قد يوجعها ، لكنها كانت سارحة عن اي وجع سوى وجع الابتعاد عنه ، وللمرة الاولى ، بينما كانت عينيه مغمضتان ، سمعها تنطق بتلك الكلمة التي لم يسمعها الى هذهِ اللحظة لتردف في اذنه بعد ان تأكدت من مشاعرها كاملة : أحــــبك...
فتح عينيه وهو لازال يحتضنها ، ابعدها عن حضنه قليلاً يتأمل عينيها وسط هذا الليل ، كانت تلمعان وكأنها الضوء في حياته ، لقد جعلت من عينيك لي هوية ، لقد زرعتها وسط صدري ونمت لتضيء لي عمري وحياتي، تلك الكلمة التي خرجت من شفتاك تسوى هذهِ الدنيا بمن فيها ، هل تحبين رجلاً عاشقًـا لك ؟ مدمنًـا على اسمك والنظر الى عيناك؟ الهي كيف سأتحمل الايام التالية التي لن أرى فيها عيناك؟ الهي ارحمني برحمتك الواسعة! ، فقد اصبحت الالام كثير ، ومن الصعب احتمالها ، لقد ضعفت امام تلك الكلمة التي جعلتني مهووسـًا بترك تلك اللحظة والعودة الى الماضي ، هز رأسه وشدها مرة اخرى وبقوة اكبر الى حضنه ، كان دفئها بين ذراعيه يغزوه ، ورائحتها الحلوة تداعب انفاسه ، ليهمس وهو يقبل جبينها : وحق اللي خلق هالروح اللي ببطنك...اني احبك الى يوم يبعثون...
غزت عينيها الدموع وهي تبتسم بين دموعها وترى السيارة : ايه؟...وين بتاخذني؟
ابتسم بضحكته وبنبرة مختلفة رغم ان الحزن يحيطهم يجيب بهدوء : لازلتي ولآخر يوم لنا ماتتركين طبعك...فضولية..مثل ما احبك...
ابتسمت تبتلع الغصة ، تذكرت كل مرحلة فضولية صادفتها معه وكيف كان يضحك على فضولها المجنون ، فتح لها باب الراكب ، لتبتسم وهي تركب مراقبة اياه وهو يتوجه نحو مقعده ، ينظر الى عينيها وهو يشغل السيارة ، اطلق تنهيدة عظيمة وهو يبتسم ، اعاد نظره الى النافذة الامامية وهو يحرك المقود الى وجهة الوداع...












انتهـــــى ..الى الملقتى باذن الله :$


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:10 PM   #55

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

البـارت (40) :

شيء في قلبي يحترق
إذ يمضي الوقت ... فنفترق
و نمدّ الأيدي
يجمعنا حبّ
و تفرّقها .. طرق
***
.. ولأنت جواري ضاجعه
و أنا بجوارك ، مرتفق
و حديثك يغزله مرح
و الوجه .. حديث متّسق
ترخين جفونا
أغرقها سحر
فطفا فيها الغرق
و شبابك حان جبليّ
أرز ، و غدير ينبثق
و نبيذ ذهبيّ و حدي
مصطبح منه و مغتبق
و تغوص بقلبي نشوته
تدفعني فيك .. فتلتصق
و أمدّ يدين معربدتين
فثوبك في كفّي ..
مزّق
و ذراعك يلتفّ
و نهر من أقصى الغابة يندفق
و أضمّك
شفة في شفة
فيغيب الكون ، و ينطبق
...............
و تموت النار
فنرقبها
بجفون حار بها الأرق
خجلى !
و شفاهك ذائبه
و ثمارك نشوى تندلق

لِـ : # أمل دنقل


يَفتح لها باب السيارة بينمَا هي كانت جَامدة تجلُس بهدوء غير مستوعبة المَكان الذي وُجدَت فيه ، أصَبحت دهشتَها تساوي الألم الذي يسكنُ ليث الآن وهو يحدق لعينيها المغويتينِ بالدموع الجَميلة ، لِكَي يجعلها تزور ارض الواقع مرة اخرى ، أمسك بكفيها ليجعلها تترجل من السيارة ، واغلق الباب خلفها ، بينمَا هي تحدق بحسرة بيده الممسكة بكفها وبذراعه التي قدمتها ناحيته اكثر ، كانت حائرة تنظر لعينيهِ وللمكَان وكأنها تخبره عن مدى عذابها في زيارة اماكنه القديمة ، فماذا تفعل هي في هذا المكان ؟ الذي من الصعب تسميتهِ بوجهة الودَاع ، وخصوصًـا انها ستغادر الليلة الى مدينة بروموث وستتوجه بالقطار الى مطار لندن ، تنهدت تحاول الا تبكي ، فمن الجيد ان تبقى متماسكة لكي تستطيع الشبع من ملامحه ، خصوصًـا وهو انه يفعل ذلك بالمقابل ، يتلمس تفاصيل وجهها الشاحب بعينيه يحاول ان لا ينسى تلك التفاصيل والملامح وان لا تذهب من عينيهِ ، كانت لحظة صامتة على تلال كامبريدج الجبلية وهي تطل على المدينة بأسرها وتغزو مساحات الضباب المنطقة العلوية لها ، لوَ أنني أستطيع ان أمدَّ يدِي للسحاب ، واخبرهُ بأن الحلم في المطر اصبح كابوسًـا يزورني في كل مرة تغفو فيها عيناي ، لقد اصبحت سخرية للعثرات التي تزور مصيري معك ايها الرجلُ ، انا مصابة بك حتى العظم ، وعميَاء لأجلك حتى الممَات ، الا ترفق بمن ركضت لأجلك في مُدنِ التيه واعطتك ما يليقُ بكَ من الحب؟ أذكر انني قلت لك هل يقود الغياب الناس الى الجحيم ، هل يجعل قلبهم الذي بحجم كفوفهم محرقة لكل نارٍ عابرة سكنت فيهم؟ ابتسمت ، وصمتت ، ولم تكن في عيناكِ سوى اجابة اولئك الغائبين الذين احترقت قلوبهم في تلك المحرقة ، وهمست لله حينها ، يانار كوني على قلبهِ الملتهب...بردًا وسلامًـا ...كما كنتِي بردًا وسلامًـا على ابراهيم ..
جلست معه بهدوء على سطحِ التلة انتزع معطفه الاسود وبانت وسامته الغائبة بمقيصه الابيض ، فتح الازرار العلوية ثم رفع رأسه للسماء لكي يتنفس الحرية ، الحرية التي سرقتها عولمة العالم عليه ومنحته وسمة سوداء للعروبة ، ابتسمت وانا انظر لقيوده الوهمية ، بكل بساطة قلدت حركته ، اغمضت عيني ، رفعت راسي للأعلى وتنفست لأجله الحرية ..فتح عينهِ اليمنى بينما اليسرى كانت مغلقة ، حدق اليَّ وابتسم لتقليدي لحركته ثم التفت لناحيتي وانا لازلت مغلقة عيناي ، لم اشعر بشيء ، لم انتبه انني في ذلك العالم حتى سرق تلك القبلة الخاطفة التي سرقت مني تلك الاحلام الوردية ، التي احلم ان اكون فيها سعيدة واصرخ على متنِ هذهِ التلال للعالم بأني أكثرُ العاشقين ادمانا له ، ابعد وجههُ بمسافة تقل عن 3 سم ، وهو يحدق الى ملامحي المتفاجئة من قسوة حصاره المودع، لويت شفتي محاولة سرقة اللحظة واللذة التي تغادرني بمجارد رؤية عيناه المغازلتان تودعاني في اللحظة ذاتها ، اختقنت وكأن الاكسجين الذي يحيطنا هو عبارة عن غاز سام يحطم أفئدتنا ويقدمها قُربانا حيًّا لهذا الوداع ، ابتسم لي طويلاً رغم الحزن الواضح في عينيهِ ، ذبولنا واضح ، اننا الزهور المتروكة بلا مياه في وحل هذا النهر العظيم الذي جرفنا نحو الخلاص ، بعثرت تنهيداتي لعلي اطرد ما اطرد من صدري المكتوم بهِ وجعه وانا التفت مشيحة وجهي عنه انظر الى العالم الذي امام من فوق القمة وانطق بحسرة : يعني خلاص؟
ابتسم بينما هو يعبث في بعض حبيبات الصخور ويرميها بخفة من على قمة هذهِ المدينة ويتنهد بابتسامة مقتولة بالالم : لاتقولي خلاص..يارب مايكون بيني وبينك خلاص...يارب اكونك طول العمر...
ابتسمت وريف اليه وهي تحدق فيه : الله يجيب فيه اليوم اللي يتحقق فيه حلمي وحلمك...
ليث يبتسم وهو يمد ذراعه ناحيتها ويشدها ناحيته مقبلاً رأسها : اللهم امين...
نظر لعينيهَا ، يرى الحزن ، يرى طريقًـا للدموع ، يبتلع غصة المخنوقة ويبتسم محاولاً ابعاد هذا الحزن عن حيزه ، غمز بعينيه بابتسامته لها وهو يضع يده على بطنها : كيفه شيخنا؟
ابتسمت وهي تعقد حاجبيها محاولة حبس الدموع ، لكنها نفرت فجأة الى وجنتها حينما لامست كفه الحنونة بطنها ، وضعت يدها على يده وهي تبتسم وتحدق في عينيهِ التي تغوص في عينيها وبنبرة مخنوقة بالفرح والبكاء : شيخنا يسلم عليك ويقولك اكثر من ثلاث شهور لو ماجيت خلالها ماراح اسامحك...لا انا ولا امي
ابتسم ليث يقبل دموعها : تكفين لاتبكين...عشاني تماسكي...لاتخليني انهار وانا مابديت...دموعك اغلى ما املك لا تنزليها...
مسحت دموعها وهي تحرك يديها تحاول تجفيف الدموع وتحاول الابتسامة : انا مابكي...هرمونات الحمل مأثرة فيني بزيادة...
ابتسم وهو يراقب حركتها ، كم كانت جميلة ، بارعة في حزنها وكأنها تحاول تجريح عروقه وشرايينه بهذهِ الدموع المالحة التي اخترقت مصير حياته ، تنهد وهو يحتضن كفها بكفيه : آسف على كل شيء سويته ممكن انه ضايقك او أذى روحك، بس اعرفي ان ربي مازرع في قلبي حب اي بنت قبلك وماراح ينال هالنصيب احد من بعدك...
ابتسمت تتأمله طويلاً لتردف وهي ترفع كتفيها بعجز : مافي اعظم من جرح توديعك ليث...
ليث باندفاع وهو يشد على يدها : ومافي اجمل من وجودك معي بـ هالغربة...انتي اجمل شيء حصل لي من بعد هالعشر سنين...ومعك كانت اجمل ايامي هنا...
ابتسمت وريف تحاول الا تذرف دموعها : ليه احسك تودعني وداع اخير...تحسنني وكأني ماراح اشوفك مرة ثانية...
ابتسم صامتًـا محدقًـا الى السماء وللبعيد ، ثم اعاد نظره ناحيتها واردف: لان الانسان مايضمن روحه في هالبلد ، فكيف لو كان شخص مطلوب مثلي؟
اهتز جسدها وارتجفت بقوة وعينيها امتلئت بذرات الدموع المالحة لتردف بغضب حزين وباكٍ : بس انت وعدتني انك راح ترجع...
ليث يبتسم لها بحنان وهو يقبل يدها : وانا عند وعدي...ثلاث شهور لو خلصت فيها مثل ماخططت راح ارجع...ادعي مافي بلا يصيبني غير هالبلا اللي نازل فوق راسي...
وريف تحتضنه بقوة وكأنه تغوص بداخله وتشتمه بقوة : يارب مايصير غير رجوعك لنا بالسلامة...
ابتسم لها ليث وهي ملتصقة بهِ تشتمه وتودع رائحته ، غمرها بيديهِ وجعلها رهينة بين ذراعيه ، أغمض عينيه الحزينة التي لمعت بالدموع امام غياب الشمس ، الا انه عند وعده لنفسه ، تلك الدموع لن تنزل ، ستظل شامخة تعذبه حتى انتهاء المصير ، أستمر مغمضًـا عينيهِ يشتم رائحتها العذبه ، رائحتها الناعمة والهادئة التي تدل على حضور انوثتها وجمال طفولتها ، رائحة زهور اللافندر التي لا تتخلى عنها ، كانت تبكي لديه متكورة تحاول البقاء متماسكة ، ذراعه تحيطها ، ويديها تشد على قبضة الرمال محاولة بهذهِ الطريقة التماسك ، كانت قاسية في هذا الوداع وهي تعتصر الرمال والصخور في يدها ، رفع يدها من الارض راميًـا التراب والحجارة عن يدها الناعمة وهو ينظر لها ناهيـا : بتجرحين نفسك..
كررت كلمتها وجرحته اكثر واكثر : مافي اعظم من جرح غيابك...
ليث يمسك وجهها بين يديهِ ويقترب ناحيتها اكثر محدقًـا فيها برجاء : ورحمة والديك لاتجرحيني بكلامك اكثر...
وريف تستمر بهذا الالم العجيب : الحين عرفت وش هو شعور امك...الحين عذرتها مليون مرة ومرة...
اختنق صدره بالجرح ليترك وجهها تلقائيًـا وهو يدير وجهه ويتنفس بقوة محاولا طرد الحريق والجرح الذي اشتعل بداخله ، بلع غصة عميقة خشنة لا تشبه الغصات الماضية وهو يحاول الا ينهار امامها ، امسك بكفيها وقبلها وابتسم لها : باقي قدامنا اجمل ايام العمر...بعيشها وحق خالقي معك...نذر نذرته وانا اللي بوفيه...
وريف نهضت وهي تقف امام غروب الشمس المتسلل ، كم بدأت عينيها الدامعتين تعكس انعكاس ضوء الشمس وكأنها بعينيها النقيتين مرآة لهذهِ السماء ، جميلة تتسلل بحزنها وتبتسم رغم ذلك ، وقف هو بجوارها ينفض التراب عن جسده ، واستدارت نحو السيارة ليستدير هو ايضًـا ، بصمت ، وداع ختمه الصمت ، ربما يكون اكثر قساوة ووطأة على جروحنا من دون تذكر هذا الحديث الموجع ، لايعلم كلاهما لما هرب الى حلبة الصمت ، ربما هو الخير الوحيد لانقاذ ماتبقى فيهم من بقايا ، ركبت بعد ان فتح لها باب السيارة ، صمتت قبل ان تدخل دون ان تنظر اليه ، وقفت للحظات وكانها تتحدث بصوت مرتفع عن مدى قساوة الوضع الذي وصلوا اليهِ الآن ، ان يبعدها عنه لحمايتها ، عضت شفتيها لاتريد ان تهدر الدمع اكثر ، تعلم انها ستبكي اكثر حينما تذهب للوطن ، ركبت بهدوء ، امام صمته ومراقبته لها طوال الوقت يفكك شفرات صمتها وكأنه يستمع لصوت صمتها جيدًا ، توجه نحو مرتبة السائق وقاد سيارته وسط السماء الغائبة في الغروب ، اعادهم صوت الرعد في منتصف الطريق الى الواقع ، ليلتفت كلاهما الى الآخر وينظرا لبعض ، صوت هذا الرعد يذكره بأشياء جميلة عاشها معها حينما كانت معه في شقته، حينما كانت تعاني من فوبيا صوت الرعد تستيقظ من نومها كل ليلة حينما تستمع الى هذا الصوت ، لتسمعه يهمس في اذنها بانه معاها ويقرأ ذكر الله في اذنها لتغفى نائمة ، هذهِ المرة حينما سمعت صوت هذا الرعد وارتعش جسدها اصطدمت عينيها بعينيه ، وهو يراقبها وسط صمتها ، كلاهما ينظر للآخر دون اية كلام ، وكلاهما يعلمان معنى هذا الصوت لهما ، اعادت نظرها الى النافذة بجوارها ، بينما هو اعاد نظره للطريق ، وبداخله رجل يشتعل الجحيم بداخله..
وصلوا الى بوابة الفندق وكان مشعل قد انزل حقائب سفرها وسفره للذهاب للمطار والوطن ، نزل من السيارة ، نزلت هي ايضًـا ، ابتسم لمشعل بحسرة الذي يودع احبته للقاء احبته بينما هو سيبقى ليعاني وحيدًا ، لتعود حياته وحيدة وخالية من كل شيء ، مشعل يتقدم ناحيته ليبتسم ايضًـا وهو يحدق في كلاهما ويربت على كتف ليث : وش في ملامح وجهك وكانك رايح للموت؟ توكل على الله وباذن الله بترجع...
عاد نظره للوريف التي تقف صامته تراقب المطر وتراقبهم ثم ابتسم رغم حزنه : حطها في عينك يامشعل...لاتكسرها اكثر من الكسر اللي فيه هي هالحين...
مشعل يبتسم بدهشة ويجيبه بهدوء : عجيب...ابوي يوصيني بالوطن...وانت توصيني عليها بالغربة..
ليث بهدوء : بما انك كافل اختك...لاتضيعها ...حطها بعينك ...واوقف معها لانها بتروح والكل بيكون ضدها..*حك جبينه ثم اردف وهو يراقب بطنها* وخصوصا انها حامل بولدي هالحين...
مشعل يبتسم : لاتوصيني عليها وعلى اللي في بطنها...اختي بعيني...وتطمن محد يقدر يسوي لها شيء بحضوري..
ليث : الله يوفيك حق وقفتك معي بـ هالغربة...يشهد الله اني عرفتك رجال وجيتني رجال...
مشعل بعتب: بس لو مخليني ابقى معك لين ماتخلص قضيتك...
ليث ينظر للوريف : انت تعرف اني مقدر اخليها تروح وتواجه كل شيء لوحدها...عشان كذا ابيك تكون معها..
مشعل يهز رأسه وهو يحتضن ليث : الله يرجعك لنا بالسلامة يابو يوسف...
ابتسم بصمت، وهو يتأمل هذا الاسم الذي يسمعه الآن ، اتسعت ابتسامته اكثر وهو ينظر للوريف ويحتضن مشعل بالمثل ويهمس بأمل : اللهم آميــن...
مشعل تدور عينيه بينه وبين الوريف ثم يردف: يالله انا بخليك معها على ما اودي الشنط بالسيارة...
ليث يهز رأسه ويبتسم متقدما ناحيتها ، ارتجفت طويلاً ، تسللت يده ناحية كفها ليجعلها تقترب منه اكثر مبتسمـا لها : ما اوصيك على نفسك يا اجمل شيء حصل لي؟
ابتسمت له بين دموعها وكانت اجمل واكثر انوثة بهذا الوداع لتردف : اوصيك على نفسك...ارجع لنا بخير ...
ليث يبتسم لها وهو يتقدم ناحيتها اكثر ، احتضنها ، الوداع الذي يفصل بينها وبينه ، الوداع الذي يفصل بينه وبين الوطن ،الوداع الذي يفصل بينه وبين امه ، الوداع الذي يفصل بينه وبين اهله ، الوداع الذي يفصل بينه وببين حياته ، غرزها كزهرة في تربته ، نمت نمت طويلاً ، وصعب عليه اقتلاعها ، بللت دموعها قميصه ، لم يبالي فهو لا يفكر ان يفرط بهذا القميص الذي بللته دموعها العذبة ، حاول ان يحتفظ برائحتها طويلاً وابتسم وهو يضع يده على بطنها ويهمس لطفله امامه : هالله هالله في امك يابعد ابوك...
ابتسمت وريف وهي تقبله في خده الايمن : لاتنسى اني انا واللي ببطني ننتظرك..
ليث يبتسم لها وكان مختلفًـا هذهِ المرة في عينيها : اسمه يوسف..
وريف تتسع ابتسامتها اكثر : انا ويوسف ننتظرك...
ليث يقبل جبينها طويلاً ، ليردف لها بعينينِ مليئتين بالحب : وداعة الله ...يا اعز ناسي...
وريف تبتسم وهي تبتعد وتلوح له : ودعتّــــك الله...انتبه لنفسك
ابتسم ملوحـًا لها وهي تركب السيارة ومشعل يغلق لها الباب بعد ركوبها ، استدار وهو يطلق تحية لليث من بعيد ، هز ليث رأسه مبتسمـًا لهم بينما عينيهِ تراقبان السيارة تغادر المكان ، ليبقى وحيدًا يرفع رأسه الى البلكوونة ، يتذكر تلك القصص والحكايا التي مرت عليه هنا ، الناس الذين سكنوا قبل مشعل ووريف هنا ، لكن لم يسكن في قلبه مثل اللذين غادروا الآن ، تلك الليالي العظيمة التي لايستطيع نسيان حتى تفاصيلها ، بقي وحيدًا تحت المطر ، عاد كما كان ، وحيدًا في ارض كامبريدج ينازع الغربة ، يتحسر على الايام والاعياد التي تمر دون اي احد من اهله ، رفع معطفه الجلدي فوق رأسه وعبر الطريق الى فندقه الامامي ، صعد للاعلى وهو يشعر بأن هناك شعور ثقيل يمر به ، كلما تذكر غيابهم عنه...


،


يجلُس في الحوش وهو يترقب الليلَ يمضي من هذَا اليومُ الكئِيب ، هناك وحشَة عظيمة تقنطُ في أيسر صدره ، وكأن العالم كله يعتصر هذهِ القطعة الصغيرة النابضة فيه ، يوبخه على ضميرٍ احياه في لحظة الندم ، أطلق آه موسومة بالارهاق النفسي ، كلمات مشعل المتوسلة تنهال على اذنه كالسياط التي تؤذِي بدنه ، يرتدِي فروته وهو جالس على كرسي عريض في الحوش الموضوع على عشب ، امامه منقلة فوقها الحطب وابريق شاي ، كان الجو قاسيًـا ببرودته ، الضباب الابيض يخرج من افواههم بمجرد التنفس ، كتلة من النجوم تضيء هذا الليل الدامس الذي اوشك على الوصول الى اقصاه ، موجات البرد ترتطم في جسدهِ ويرتعش كل ماتذكر بأن لدِيه من توسل بهِ كي يسامحه ، حتى انه لم يستطع النوم ، جافاه منذ تذكره لتلك الكلمة العقيمة التي سرت في عقله كالكهرباء ، رفع رأسه للسماء وناجى ربه ، سكب له من الشاي الدافء ، شربه ، شعر بالدفء قليلاً ، امام هذا الحطب الذي يشتعل ويستعر في صدره ، أتت ام رياض بعد ان انتهت من ترتيب المنزل ، وهي تخرج ببطانية متينة وتجلس امام الحطب بهدوء ، لتبتسم له : وش فيك منت على عهدك؟ وينك ماتجي 11 الا انت نايم؟ هالحين عدت 2 وانت بعدك جالس...
بو رياض يفرك عينيهِ ويرتشف من الشاي الساخن : النوم مجافيني...
ام رياض تسكب لها من الشاي وهي تنظر لابو رياض وبمزح: صاير تحب السهر اشوف...ولا السالفة فيها مرة وانت مطابن علي؟
بو رياض يضحك وهو يهز رأسه : الله!!! انا وييييــــــن وانتِي وييين...
ام رياض ترتشف من الشاي وتبتسم وهي تضيق عينيها : تسويها...مافي رجال يقدر يخلص لزوجته...الا مارحم ربي..
بو رياض : واللي تشوفيه قدامك ماهو بمخلص لك؟
ام رياض ترفع كتفيها : لو بتبع قلبي ايه انت اكثر الناس اخلاص لي...بس لو اتبع عقلي بقول مامن الرجال امان..
بو رياض يبتسم : لو في يوم قررت اتزوج بجي وباقول لك يام رياض...
ام رياض برعشة : فال الله ولا فالك...
ضحك بو رياض : ههههههههههههههه ماظن به مرة تملي عيوني غيرك...عاندت ابوي وامي عشان اخذك بالاول...وش له اخذل فيك هالحين؟؟ على الرغم اني لو سويتها مابغضب رب العالمين..
ابتسمت ام رياض : بس انت مو محتاج...رب العالمين ماخلاه حرام...بس هم ماخلاه حلال عبث...الله حلله للي محتاج...وشيء ثاني الزواج احيانا يحل مشاكل بين الاهل ويحفظ الدم والعرض...
بو رياض يتنهد ويبتسم : خلاص ماظن بعد هالعمر افكر بـ هالشيء...هالحين انا افكر ازوج هالولد...بس مدري وش سواد الوجه اللي مسويه وجاي به...
ام رياض بعدم رضا : لاتتكلم عن ولدي كذا...انا اعرف ولدي اجودي ومايسوا خوايب... وبتشوف ان وجهك ابيض لا جى...
بو رياض : هالحين ولدك ماهو بولدي؟
ام رياض تهز رأسها : ايه...
بو رياض : اجل خلني العن خيره لين ماقول امين...دام قلبي مو مرتاح من كلمته... وش له تقولين ولدي ماولدي وكأنك جايبته بروحك...
ام رياض باصرار : بس انا اعرف ان مشعل مايطين لك وجه ...من صغره ماجاب لك كلام لاهو ولا اخيته...مستحيل يجيبه هالحين...
بو رياض : خله يجي...ويصير اللي يصير..
ام رياض : انا واثقة من هالولد يابو رياض...طمن قلبك وحط رجلك بمويه باردة...
بو رياض : الله يجيب الخير بس...
ام رياض : طيب ماتفكر تنام؟ ولا خلاص ؟ حلى لك السهر...
ينهض بو رياض وهو يتمدد ويبتسم ويغمز لها : ماتخاوني؟؟؟
تضحك ام رياض وهي ترتشف رشفة اخرى من الشاي ، يترقبون ان يأتي ليل يوم غد حتى وصولهم ، يترقبون تلك اللحظة التي ينتظرها الجميع ، وبدون اية مواراة ، كانت هي ايضـًا تراقب النجوم ، تشعر بوحشة الليل ، وبغرابة الشعور ، بكهرباء غريبة تتسلل الى منزلهم ، تشعرهم بالرعشة ، تبعثرهم دون اية رحمة!



،


مقَهى تحت الارض وُجد بعد الحَرب العالمية الثانية ، كان ملجأ للنازيين للاختباء من جنود الألمان ،مزين بالورود ورائحة القهوة المحمصة توًا ، الأزهار تنتشر بشكل جذاب ، وفي الزاوية يوجد فنان يرسم العابرين المارة من هذا المقهى ليخلد صورهم في الجدار الخلفي المليء بصورة مضت عليها قرون ، كانت عينيها تتفحصان المَكان كالفراشة التي انطلقت توًا من يدِ صائدها ، عينيها ترى بديعية المكان والاطلالة ايضًـا لتنرسم تلقائيًا عليها ملامح الدهشة ، لم تنتبه لنفسها بأنها وصلت الى الطاولة وبأنه ازاح كرسيها لتجلس عليه بهدوء ، وضعت حقيبتها الصغيرة على طرف الطاولة وهي تنظر الى اللوحات التي تم تصويرها قديمًا ، دُهشت تلقائيًـا من المكان ، انتبهت لذاتها حينما رأت ابتسامته المبتسمة على ردفة فعلها الواضحة ، سعلت بحرج محاولًـة بكل ضراوة تفادي هذا الامر ، ولكن كل هذا باء بالفشل ، سحبت نفسًـا سريعًـا وهي تبتسم : من وين طلعت هالمكان؟
ياسر يرفع كتفيه ويستند على الكرسي وبإجابة صحيحة تلائم موقع المكان : من تحت الارض..
ضحكت ضحكة قصيرة ولم يكن بوسعها النقاش ، فالمكان بالفعل تحت الارض هزت رأسها بغير تصديق : كم عمر هالمكان؟
ابتسم لها : قولي اكثر من 200 سنة ...
مهره بتفاعل غريب تبتسم : يجنن يجنن...اعشق الاماكن التاريخية...خصوصا اللي تكون غريبة ومبنية تحت الانقاض..
ياسر يبتسم : لوما ان احياه الناس وتساعدو ولا كان هالمكان مقبرة جماعية بدل ان يكون بـ هذا الجمال...
حدقت في عينيه قليلاً ، كأنه يشير لذاتها التي تفضل ان تدفنها بدل ان تحارب عجزها هزت رأسها بغير رضى وهي تحاول ان تهرب من الموضوع ، تسحب قائمة الطعام بارتباك وبهروب واضح امام عيني ياسر المستنكرتين مع ابتسامتهِ التي تود منحها هذهِ المساحة ، انشغلت في رؤية واختيار الطلب بينما ياسر نطق : كوني اقوى من انك تواجهين ضعفك...
مهره بسخرية تشيح برأسها للنافذة ثم تنظر له : كون اجمل بصمتك...
ياسر يضحك ثم يشبك يديه ويتقدم بشكل مفاجئ ناحيتها على الطاولة مردفًـا : اعتبريني صوت ضمير ميت في عقلك...جرس انذار مفاجئ قرر انه يزعجك حتى يخلصك من الدوامة اللي انتي فيه...
مهره تهز رأسها : انا مافيني حاجة...*بارتباك* بدأت أتحسن واتذكر...وو...
ياسر : مش بسهولة...خطوة كبيرة انك بدأتي تتحسني...بس مش بسهولة راح ترجعي كأي انسان طبيعي...راح تواجهي مخاوف لانك ماواجهتي مثل الاشياء اللي يواجهها اي احد...
مهره تبتسم للجرسون وتتجاهل ياسر : كورسان الشوكولاته مع قهوة عربية لو سمحت...
يدير الجرسون عينيه لياسر الذي كان رافعًـا حاجبه الايسر ملتكأً بابتسامته ثم يردف له : اريد من ذات الشيء الذي طلبته...
رفعت عينيها نحوه ثم استدارت ناحية الرسام تراقبه ، لاحظت شيئًـا غريبا ، الرسام كان يركز ناحيتهما ويعود بنظره للوحته ثم عقدت حاجبيها وكأنها توصلت للنتيجة لترى عيني ياسر تبتسمان بانتصار ليردف : هذا وسم ماينسيك اللي حصل هنا...بدون لاتسجلي اي شيء في دفتر ملاحظاتك...عيشي اللحظة وانتبهي للاشياء المرئية ، لها وقع اكبر في ذاكرتك..
مهره تهز رأسها بعدم قبول وسخرية لتردف بشعور غاضب : خير يعني انت شنو مفكرني؟ جاهل؟ مجنونة ؟
ياسر يمسك بيديها فجأة لكي يجعلها تهدأ بينما هي شُغل عقلها بيديهِ الدافئتين اللتين تحيطان بيديها محاولاً ترويض غضبها ليردف : طبعًـا لا ...اللي ابيه منك انك تتخطين هالعقبة في حياتك...
مهره بغير استيعاب تبتسم ساخرة وعينيها مليئتان بالدموع وهي تقف : انت ليه باني هالزواج بيني وبينك اصلا؟ حتى تعالجني؟ حتى تربح قضيتك وتكون بالفعل تستاهل فلوسك؟
ياسر بصبر يزم شفتيه ويسحب نفسًا عميقًا وهو يسمع حديثها الهاذي : مهره...
قاطعته بقهر وهي تصفع على الطاولة بقوة : انا اعرف اشكالك مثل راحة يدي...اشخاص مايسوون الخير لاجل الخير...يسوونه عشان يريحون ضميرهم...
ياسر يقف وهو يحاول ان يتحدث معها : مهره اجلسي خليني اكمل كلامي...لاتكونين انفعالية ونخسر التفاهم بيننا...
مهره بغيض شديد : انت منو وكلك طبيب نفسي علي؟
ياسر يتحوقل وهو يتمسك بكل خيوط الصبر : لاحول ولاقوة الا بالله...اجلسي وهذي اخر مرة انبهك...كل الناس قامت تطالع فينا...
استوعبت مالدوامة التي وضعت نفسها بها ، وهي تدير عينيها بارتباك للناس وتستوعب اعينهم المحدقة لهذا المشهد المحتدم والمفاجئ ، عادت طواعية الى كرسيها ولكنها كانت غاضبة تشد قبضة يدها ، لم تلمس صحنها وقهوتها بقت تندب الفراغ فقط ، ياسر يحتسي قهوته وهو يحدق بها ، مهره تغمض عينيها بقهر شديد : بأي حق تتزوجني وتستغلني لاجل قضيتك؟
ياسر يضحك ساخرًا : انتي من وين تجيبين هالكلام؟ من وين تطلعين هالافكار المجنونة وتصدقينها؟
مهره تحدق فيه وتشير الى كلاهما وهي تضيق عينيها بغيض وباندفاع : والله ماهو بعيد المصدر...كاهو جالس قبالي...
ياسر يتنهد وبصبر طويل وهو يهز رأسه : لا لا...انتي ماينفع معك كذا...انتي انسانة معدومة الثقة...
مهره بغضب : انا معدووومة الثقة ؟؟؟؟؟ يابو الثقة ؟؟؟؟
ياسر يصدمها بأحرفه التي رنت قارعة في اذنها : حتى انوثتك انكرتيها؟ صح انا محامي...وابي اكسب قضيتي...ولكن مو باستغلالك...ليه ماحطيتي احتمال جاذبية انوثتك مثلا؟
فتحت عينيها بصدمة ، تشنج فكّها ، انه اول رجل يذكرها بأنها انثى كاملة ، حتى انها حدقت بجسدها وكفيها ، تلمست بشرتها ، رمشت بغير تصديق ، هل بالفعل ياسر وضع الجاذبية خطًا اولا بدل ان تكون مرحلة استغلالية في حياتيهما كثنائي مبعثر كليًا ، ارتبكت ، ارتجفت ، راوغت امام ياسر الذي ابتسم كاشفًـا مصدر مراوغتها وهو الخجَجل ، ابتسم يكمل فنجان قهوته ، ليسمع مهره بهمسة مردفة : ء..أنوثتي؟
ياسر هز رأسه : ايه...اللي انتي مو منتبهة لها في وسط حالتك...الا انها بالرغم من ذلك طاغية وظاهره رغم اهمالك...
مهره تحاول كتم خجلها بغضبها المصطنع : انت ماتستحي على وجهك؟ ماعدت تعرف وتثبت كلامك؟
ياسر يفتح عينيه ويبتسم وهو يرفع كتفيه ويهز رأسه : بالعكس...انا بكامل قواي العقلية...
مهره بغيظ شديد تجن : خير يعني انا مجنووووونة الحين؟؟؟؟
ياسر يعقد حاجبيه وويردف : انتي ليه تحبين تقوليني كلام انا ماقلته؟ لاحظي طول الوقت وانتي تتهميني بشيء انا ماسويته..
مهره تقف للمرة الثانية وهي تضع حقيبتها على ظهرها وتشير له : انا اعرف امثالك زين... بس ولايهمك سيد ياسر...بتعاني مني الكثير....
ياسر يهز رأسه مبتسمًـا : وانا مستعد لـ هالمعاناة...
خرجت من امامه غاضبة تمشي رغم ابتسامة ياسر المُستمتعة بطيف غضبها الممزوج بالخجل ، سحب اللوحة من الرسام ودفع له مبلغه ، وخرج خلفها مباشرة ، كانت تمشي وهي تحاول ايقاف سيارة تاكسي بينما تحادث نفسها وتلعن ذلك الرجل الذي وقف بجوارها مُبتسمًـا لها : ليه موقفة تاكسي؟ ولا انا مامعي سيارة!
مهره بغضب : مابي اركب سيارتك...
ياسر يفتح لها باب التاكسي لتركب دون ملاججة مُندهشة من عدم اصراره ، لكنه صدمها حينما ركب بجوارها ودفع للسائق ، نطقت بغضب شديد هذهِ المرة : انا بالداخل حاولت ابلعك ماقدرت...هربت منك...ويومني هربت تلحقني بالسيارة؟ اي مريض نفسي انت؟
ياسر يبتسم وهو يضبط حجابها برفق بينما هي جمدت مكانها لتسمعه يردف بجوار اذنها : مريض نفسي بك...
فتحت عينيها على كامل اتساعها وهي تسعل بحرج وتلتفتت للنافذة محاولة تجاهل هذا الرجل وهي تدعو الله ان يمر هذا اليوم بخير وينتهي دون ان تتفاقم على رأسها المشاكل


،

فِي المطار ، بينَما هي تقف على درج الطائرة وخلفها مشعل ، شعرت بألم غريب يزورها ، ألم وكأنهُ يفتتها ويبعثرها الى اشلاء ، ألم يهديها المخاض لتودع طيف الوطن ، كيف أعود يا إلهي وأترك أيام الضياع في طرقات التيه معه؟ كيف انسى كل شدٍ وجذب حصل بيني وبينه ؟ كيف اسلم نفسي للوداع واتركهُ رهينة للغياب؟ كيف يمكنني ان ادوس على هذا الحب الذي جعلني مفتونة بسماع اسمه ، الى اخشى ان يطُول هذا الغياب ويفتتني ، آه من تلك الروح التي وضعتها في رحمي ليث ، اخشى عليها من غيابك، جميعنا بتنا نخشى من غيابك ، نخاف من ان يطول ، لانك لا تترك الانسان حتى يهذِي بك ، لقد علمتني الصبر والانتماء ، علمتني اشياء كثيرة ، علمتني التضحية رغم كل العقبات التي تحيط بك ، الا انك لم تجازف بي ولو لمرة واحدة ، شرودِي طوال هذهِ الاشهر بك ، انساني فرحة العودة الى الوطن ، لقد اصبحت العودة موجعة كما لم ارسمها من قبل ، كنت قد وضعت نهايات سعيدة لهذهِ العودة ، لكنني والآن ادركت انني ذاهبة الى حربٍ عظيمة ، حربٍ نفسية لا يربح فيها الا القوي ، وانت مصدر قوتي ،
احنت رأسها قليلاً لتتلمس بطنها ، شعرت بمشعل من خلفها يمسك بظهرها مردفًـا بنبرة هادئة : وريف...خلينا نصعد الطائرة لانعطل السير...
ادارت عينيها ناحية مطار لندن ، ودعت هذهِ الارض بصعوبة ، وهي تخاطب الغائب ، صعدت بألم شديد الى تلك الطائرة ، جلست على مقعد بجوار النافذة ، ومشعل بجوارها ، بللت شفتيها وهي تشرب من عبوة الماء الموجودة محاولة التماسك ، تراقب من النافذة مطار لندن ، اختنقت بقوة حينما سمعت صوت كابتن الطائرة يخبرهم عن بداية الاقلاع ، لماذا؟ لان قلبها يقتلع من مكانه الآن ، لانها لا تملك طاقة كافية للاحتمال ، ومشعل اكبر شاهد على ذلك ، فهو يحدق فيها بشفقة من الالم الذي يعتريها ، من الارهاق المنهك لها ، حاول ان يخبرها بانه معها ككل مرة ، امسك بكفها ونظرت له بابتسامة وبعينينِ لامعتين بالدموع ، مسحت دموعها وهي تستمد من شقيق غربتها القوة ، قرأت اذكارها وهي تدعو الله ان تكون بخير ، امسكت بطنها كلما تذكرت والده ، حاولت طرد الالم عنها لكي تغفو في ساعات الرحلة الطويلة ، لكن كلما مرت ساعة تليها ساعة اخرى نبهتها عن بعد المسافة عنه ، تجعلها تفكر باللذي سيحصل له لاحقًـا ، هل سينجح ؟ هل سيتمكن من ذلك؟ هل سيعود ويخبر العالم بأنه بريء؟ ، اختنقت بذلك ، مشعل يغفو في مقعده بهدوء ، هي تراقب الليل الذي اظلم من الطائرة ، بقيت 5 ساعات للوصول الى وجهتهم ، مطار الرياض...
وضعت سماعات الهاتف وهي تستمع لصوت القرآن الكريم بصوت القارئ ماهر المعيقلي ، غفت مع صوت القرآن وكأن طفلها يحتاج الى سورة ياسين فقط لكي يرتاح



،

يرتدِي نظارته الشمسية ويقف بمعطفه الاسود امام بنية فندقه الضخم ، سنين طوال وانا احتصن الامي وهمومي بك ،سنِين غير منقطعة تنقضي دون ان يشعر بها شيبَ قلبي المفقودُ في مدينة التيه ، ان هذهِ المدينة هي لعنتِي ، كامبريدج الكئيبة ، التي جمعتني بأغلَى من احب وغادرتهم غائبًا بينما انا بينهمُ ، كيف يقوى هذا القلب على توديعهم؟ كيف يستطيع عقلي تقبل فكرة ضياعهم عني وابتعادهم في صددِ المواجهاتْ ؟ بينما انا امضي تائهًـا مشردًا باحثا عن الخلاص ، اذا كان في سجودي خضوعًـا وتذللي لله ، فإني اليه من الساجدين ، اختنق مافي الصدر من احرف ، تبعثرت ، اشعر بأنني لا استطيع مجابهة هذا العالم ، يكفي هذا التيه والضياع ، يكفي هذا البعد والمضي ، اريد أمي ، أريد موطني ، اريد ارض وطني التي ابتعدت عنها سنينًـا طِوال ، اريد أن احرم للحج في بيت الله ، اريد ان ازور كل شبر في تلك المدينة ، اتذكر ذاك البحر الازرق الذي يجابه الريح ، تتراقص موجاته على وجهِ المدى سارقة منّا ربيع الاغنية ، نغفو على تيه المياه ونغادر مجدفين دون عودة ، ليت قواربي تعود الى مينائهَا ، وتعيد النظر في مسألة ابتعادي عن من احبهم ، تلك الغربة التي تسرق من الانسان عمرًا ، وجدتها سرقت منيَّ دهرًا ، بقيت اخاطب الجدران تحت ضوء هذهِ المدينة المدهشة ، التي تجعلنا فارغين افواهنا ننتظر الخلاص من الدهشة التي تحيط بملامحنا المرتبكة ، الهي اسألك عودَة ، عودَة لا غياب بعدها ...
التفت الى سيارة دكتور وليد التي تخاطب ممسحاتها الزجاج مبعدة المطر عنها ، كان فهد يجلس بجواره ، هناك مايجعله يجنّ بالفعل ، هناك شيء ما يخنقه تماما ، يجعل قدمه الثابته ترتجف تحت عشر سنين من الوحدة ، امام المطر الذي يغازل الزجاج ، مرّ امام عينيهِ كل عيد قضاه وحيد ، كل يوم تذكر فيه اهله ، تذكر كل موسم حج ، تذكر كل يومٍ يحتفل فيه مع اهله بسعادة عارمة ، تذكر كل موقف قضاه وحيدًا تائهـًا في هذهِ الطرقات ، سمع صوت السيارة ، ادرك ان وليد ينتظره مع فهد ، فتح الباب وجلس في المقعد الخلفي بوجهٍ مخطوف وملامح مبهمة ، ليردف فهد من المقعد الامامي : يوسف جبت كل حاجة معك؟
يوسف يهز رأسه : ايه..كل حاجة...
وليد يشد قبضته على المقعد : يالله الله يجعله للخير...وانا كلمت آدم وهو قال حل أمر المحامية وكل حاجة..
ليث بصمت يختنق وهو يشعر بأن المطر المنزلق عن النافذة يحذرهُ من مسافات الابتعاد ، كان ينظر الى طيف حريته المكبلة في كل شبر من هذهِ المدينة ، الى كل مقهى كان يجلسُ فيه وحيدًا يقرأ الكتاب نفسهُ مرارًا وتكرارًا ، الى الجحيم الذي استولى على صدره وسرقه من واقعه ، النيران تشتعل امام عينيهِ تحرق كل ماضٍ امامه ، الامل يمدّهُ بالنور ويخبره بأن الله معه ، يدهُ الممسكة بيدها يوم امس ، كانت تحتاج الى هذا الشعور مجددًا ، ان تشد على يدهِ بقوة مشاعرها المدهشة لتردف بصوتٍ مجنون بالأمل " راح ترجع " ... اكمل دعائه لله في نفسه ، يتمنى فقط تأشيرة حرّية للمواطن الهارب من الاعتراف ببرائته ، حرية تجعله يعود الى وطنهِ ممسكًـا بأمه محتضنًـا اياها بكل مجاديف الشوق التي رمتهُ الى وحل هذهِ الغربة ، ابتعد عن شارع فندقه ، دخلت السيارة بين الاحياء الاخرى وهو يشعر بغرابة تزور بدنه ، برجفه تجعله يفقد اي شعور يدور حوله ، هناك ما يجعله مجنونًـا وسط هذا العالم الكئيب...
الهِي ورجائِي ، زد قلبِي ايمانًـا بكِ ، وارزقني ثوابَ امتحان صبرِي طيلة تلك السنينِ ، اعطنِي الحرية وارشدنِي الى النور ، انك انت النور المُبين ، الهي لا تحرم هذهِ الروح من الفرحَ واجتماع الاهل ورؤية الأم واحتضان الوطن ، الهيِ امتحني امتحانًـا انجو بهِ في هذهِ الدنيا ، يارادّ يوسف الى يعقوب ، ردنّـي الى أمي.

اغمض عينيهِ بكل قوة ، قلبه كان منصتًـا لصوتهِ الداخلي ، كان العالم حوله هادئًـا وكأنه بلا صوت ، صوت عبور السيارات وصوت حديث الناس وصراخ البائع وهياج الكلب كله لم يجعله يفتح عينيهِ ، كأنه كان اصمًـا لكل شيء في العالم ، كان منصتًـا لشيءٍ واحد فقط...وهُوَ قلبه ...


،


الطائرة في وضع الهُبوط ، كانت تمسك مقعدها بشدة وقلق ، مشعل كان يعلم مصدر خوفها من هبوط الطائرات على عكس الاقلاع ، امسك بيدها ، يُشعرها بأنه معها ، ابتسمت له تبعد حزنها ، لا شيء يضاهي فرحة الرجوع الى الوطن ، لكن من دون ليث.... كانت لها مثل خيبة الامل ، مثل صفعة موجعة تجعلها هاذية بذاك الحُلم الذي لم يتحقق حتى الآن ، دقائق معدودة واذا بهمِ على الارض ، كل اعصابها المشدودة ارتخت فجأة ، شعرت بوخزة من جنينها ، وكأنهُ يوبخها على شدها لأعصابها المفاجئ ، ابتسمت وهي تتذكر والده مع كل شيء ، نهضت واقفة تمسك بحقيبة الظهر ، مشعل لم يجعلها تحمل اي حقيبة ، تولى المسؤولية بذاته وهو يبتسم في وجهها طوال الوقت ، حينما غادروا من الطائرة وتوجهُوا الى بوابة الرجوع من الرحلات الدولية الخارجية ، لمح مشعل والدهُ يقف بربكة ، امسك تلقائيًـا بيد الوريف وهمس لها : ثقي تماما بأنه مافيه شيء يخوف ، ماراح يحصل شيء الا اللي كاتبه ربي...وكل اللي كاتبه ربي خيرة... احنا مانقل عن ليث في شيء...كلنا بنخوض حروب...لكن هو في غربته وحنا في الوطن...
لاتعلم لماذا رفعت عينيها تلقائيًـا لترى والدها يقف ناظرًا الى ابنائهِ بعينينِ لامعتين بالشوق ، وكأنه نسى الذي قاله له مشعل البارحة ، الشوق انساه مايفعله الضنى بهِ ، هزت رأسها وهي تتوجه له راكضة بعينِين ملتبهتين بالدموع والشوق ، احتضنته وهو احاطها بين ذراعيه ، بكت دموعـًا غريبة ، فسرها والدها على انها دموع الشوق ، ولكن كل شيء كان يقف ضد احتمالاته ، فدموعها كانت دموع حسرة ، والم ومعاناة ، قبل جبينها ، ابتعدت تمنح مشعل فرصة التقدم ، ترك مشعل عربة الحقائب متوجها الى والده ليحتضنه ويقبل رأسه وكتفه وكفيه ، مشعل يبتسم لوالده : كيف حالك يبه؟
بو رياض يتنهد وهو ينظر لمشعل : انا بخير... خلونا نمشي...
وريف تبتسم وهي تتقدم وتحيط ذراعها بذراع والدها وتقبل كتفه : وخالقي اشتقت لك... بس ممكن تنتظروني البس عباتي وارجع...
بو رياض يبتسم لابنته بينما كان ينظر لمشعل بنظرة كان يفهمها : رافقها وانا ابوك...
مشعل ابتلع ريقه الجاف وهو يتبع الوريف مطيعًـا والده الى دورة المياه ، كان صامتًـا بقلق ، لتردف الوريف بوجع : والله ابوي حاس يامشعل...اخاف انه يصير له شيء...
مشعل يتنهد : لاتخافين...ابوي قوي وراح يتحمل...ابوي تحمل الاعظم فكيف بهذا الامر...وعموما احنا ماسوينا الا كل خير...واتخذنا الاجراءات اللازمة اللي تتناسب مع ظروف ولد عمنا...
وريف بأمل : ان شاء الله مايصير الا الخير...
مشعل يهز رأسه : امين...
دخلت الى دورة المياه دقائق معدودة ، وقفت امام المرآة تغسل وجهها ، كانت تنفض كل غبار الحزن عن وجهها ، لتعيد ذرات الحياةِ اليه ، كل شيء كان صعبًـا ، مخيفًـا مرعبا كما لو انها لم تتخيله ، ارتدت عباية الكتف مع طرحتها ونقابها ، خرجت بسرعة ناحية مشعل ، توجهوا الى والدهم الذي ابتسم ...الا ان ملامح القلق كانت مرتسمة على وجهه...
مشوا معًـا الى خارج المطار ، كانت الرياض في بداية موسم البردْ ، ابتسم مشعل للوريف : احنا مانخلص من البرد في كل مكان...
وريف تبتسم : مافي مجال تتشمس ابد... الحمدلله على كل حال...المهم وصلنا بخير...
يتقدم احد عمال المطار الاجانب بسيارة ابو رياض ، فتح الباب ليدخل هو وابناءه للسيارة ، بدأ يقود وهو يتحدث معهم حديث ودّي ، هناك قبضة في قلب الوريف تزورها بين الفينة والاخرى كلما سألهم عن الاشخاص اللذين التقوا معهم هناك او عن احوالهم ، عن كل شيء يخص تلك المدينة الضبابية ، بللت ريقها الجاف حينما اختلف الطريق ، مشعل يردف دون ادراك : يبه علامك غيرت الطريق؟ ولا ليكون اصلاحات؟
ابتسم والدهُ له : منت برايح للبيت اليوم...باخذكم على فندق اجلس فيه انا وانتم ونعرف وش بلاكم..
مشعل سعل بارتباك : طيب يبه امي راح تقلق كثير...
بو رياض : تطمن قلت لها ان طائرتكم بتتأخر وبتوصلون بكرة...
شدت على بطنها وهي تشعر بجحيم ينبذها الى الفراغ ، وكأنها اصبحت منبوذة ووحيدة منذُ الآن ، على الرغم بأنها تشهد امام جميع الملأ ، بأنّ أب مثل والدها من المستحيل ان ينبذها او يتصرف بجاهليه ، كل الذي سيفعله بأنه قد يمرض ، او يفرغ غضبه بهم ، وهي تتمنى من الله ان يفرغ غضبه بهم ، دقائق معدودة حتى وصلوا الى الفندق ، استلم عامل السيارة لركنها في مكان ملائم ، ثم نزلوا جميعهم ، توجه ابو رياض الى الاستقبال وهو يردف لعامل الاستقبال : حجزي باسم علي ال مالك...3 غرف...وصالة..
العامل كان يبحث عن الحجز في النظام ثم اردف للعامل : هويتك لو سمحت...
مد ابو رياض هويته للعامل ، تلك شاردة في هوية الغائب ، هو شارد بين والده وامرأة الغائب ، انتهى العامل من تأكيد صلاحية المستقبل ، ثم اعطاه المفتاح ، صعدوا من خلال المصعد ، الثلاثة في حالة صمت وارتباك ، كانت تدير عينيها لمشعل لكن مشعل كان صامتـًا مندهشًـا من صمتِ والده لحقوا بهِ الى مكان الغرفة ، 39 ، فتح لهم باب الغرفة بالبطاقة ، فتح الجناح الواسع الذي كان يضم ثلاثة غرف وصالة ومطبخ صغير ودورتي مياه ، جلست في الصالة بهدوء بعد ان انتزعت عبائتها ، مشعل كان يخلع حذائه الرياضي ، ويحدق في والده الذي ازال شماغه على طرف الاريكة ، صمت لمدة دقيقتين ، ثم اردف بو رياض : كيف حالك يبه؟
كانت سارحة في الطاولة ، لم تكن مستوعبة للسؤال ، حينما ادركت انه لايوجد جواب لمن كان يناديها ، استوعبت وهي تردف بصعوبة : بخـي...بخير يبه...انت وش حالك؟
بو رياض يتنهد مردفًـا : الحمدلله...حالي بخير...بس اللي شاغلني انتم...
مشعل ينظر لوالده بقلق من كيفية اخباره وهي يبتلع ريقه : يبه مابه الا الخير ان شاء الله...
بو رياض ينظر لمشعل بلوم : انا ماعرفت الخير من يوم ماجاني اتصالك هذاك اليوم...
مشعل بارتباك يفرك جبينه: كنت مضطر اجس منك النبض يايبه...حبيت امهد لك قبل لا قول لك العلم...
بو رياض بقلق يشبك كفيه بارتباك وينظر لابنه : طيب شفيك يابوك؟ علامك تكلم؟
مشعل ينظر للوريف بصمت ، وريف تبعد عينيها بهروب عن مشعل ، وهي تشعر بحريق يشتعل داخلها ، صار النطق صعبًا لوهلة ، الهروب واضح بين كلاهما ، كأنهما يتقاذفان كرة من النار كي لاتحرقهما ، لكن مشعل اضطر للتنازل وهو ينظر لوالده : يبه...صلِّ ع النبي قبل لا اقول لك اي حرف...
بو رياض يشعر بأن قلبه صعد الى حنجرته ، حرارة تزوره فجأة وهو يشعر بنبضات قلبه سريعة كالمدى السريع ، مالذي سوف يرميه مشعل الآن؟ الاخبار التي كنت اتوقعها هل هي صحيحة ام ان هناك قنبلة اعظم ستنفجر في يدي؟ الهي ماذا فعلت كي يزورني هذا البلاء ، لماذا لا ينتهي صوت الضمير المُحزن بداخلي ، لماذا لا يموت الأسى الذي يلاحقني مذ ان كنت شابًـا ، الهي لا تخذلني ، انر لي بصيرتي...انك انت النور... مدّني بغياث الصبر كما تمدُّ هذهِ الارض بغياث المطر ، ازرع فيَّ بذور التحمل كما تُخرج النبات من هذهِ الارض الميتة ! ، لا تذرنِي وحيدًا الهي وامددني بكل آيات الصبرِ والتحمل ..
زفر بقوة وبربكة واضحة وهو يصلِّ على الرسول : اللهم صلِّ وسلم عليه... تكلم...
مشعل احتار ، بماذا يخبره؟ هل سيسعُد والدهُ بالخبر ؟ ام انه سينفجر غضبًـا ، ام سيدخُل في صدمة استيعاب الجمل التي ينطقها ، كان يتخيل سيناريو الحدث قبل ثوانٍ من حدوثه ، لقد تأخر في تخيله ، عجز طوال الوقت عن تخيل ردة فعل والده ، كل شيء كان يقف ضده ، كل شيء محتمل الوقوع اصبح مستحيلاً الآن ، يجب ان ينقذ الموقف ويتكلم ، يرى وريف تشد على الوسادة التي في حضنها ، تحاول ان تفرغ توترها في هذهِ الاسفنجة المريحة ، والدهُ عيناه غير مدركتان للوضع الحالي ، يكاد يفقد صبره في تلك الثوانِ المعدودة ، فرق بسيط ...ثوان عديدة تفرق بينهم وبين معرفته بوجود ليث...ومن ثم معرفته بكل شيء... سيعرف اول خبر عن الغائب بعد عشر سنوات من اختفاءه الغريب ، سيزوره طيف الامل اكثر واكثر ، ويمتد في عروقه كترياق ضّد الغياب والفراق ، لكنما هناك ماسيوجعه ، وحتمًـا سوف يوجعه ، حينما يعلم بأن ابنته تحمل من ذاك الغائب جنينًـا ... رفع كتفيه وبنبرة مرتبكة كان يجرّ الاحرف جرًا : يبه... لاترتبك...واسمعني لين الاخير...
ارتجفت وريف بشكل ملحوظ في تلك الاثناء ، اللحظة التي كانت تتهرب من تخيلها طوال اشهر هي الآن تعيشها بشكل واضح ، ارتجف جسدها بشكل مؤلم لدرجة انها شعرت بوجع شديد في رجليها ، خوارٍ ما زارها وجعلها لاتتوقف عن الارتجاف ، تحدث مشعل مكملاً الى الاخير : يبـه...يومني رحت بريطانيَا عشان ادرس...ومن اول اسبوع......التقيت بشخص...كان يطالعني كثير...التقينا عند الخباز اللي تحت الفندق... ارتبك كثير يومه شافني...وانا حسيت بحكي داخل عيونه...بس ماعرفته ...
بو رياض لم يستوعب ماشأن هذا الرجل الغريب بالقنبلة التي سيفجرها مشعل لذلك حاول التركيز مع احرف مشعل التي كانت مرتبكة ، مشعل يأخذ نفسا مرتجفا وعميقًـا : يعني...هذا الشخص كان اخر شخص توقعت اني التقي فيه ووبـ هالسرعة...
رفع بو رياض عينيه فجأة لمشعل ، ارتبك مشعل ، لازالت عيني ابو رياض مفتوحتين وهو يشعر بأن الشخص الذي في ذهنه هو نفسه الذي يتكلم عنه مشعل ، لكنه لم يرد ان يعطي نفسه الامل ، فهو في كل مرة يصاب بالخيبة ، اكمل مشعل لكي يقطع الشك باليقين : يبه....الرجال اللي اكلمك عنه ....هو ....*نظر للوريف التي كانت تنظر للارض وترتجف بشكل غير طبيعي * ....هو ليـــ...ـث ولد عمي.....
عينيهِ لمعت بالدموع ، ارتبك داخله كما خارجه ، اصابت جسده رعشه وهو يتمسك بطرف الاريكة ويرتجف ، شعر بجفاف في ريقه وصدمة في عروقه ، ذكر الله كي لا يفقد نفسه وهو يتمسك بقوة في الاريكة وبنبرة امل وشكر مرتجفة : يــــــــــا وجــــــــه الــــــلــــــه ....
مشعل بسرعة توجه ناحية والده محاولاً تهدأته : يبه صل ع النبي واسمعني تراني توني في بداية الكلام...تمالك نفسك عشان ولد اخيك...تكفى يايبه...
بو رياض يحاول استجماع نفسه ، وريف بين رجفته تركض لتحضر لوالدها ماء من الثلاجة ، شرب الماء وهي جلست على طرف الطاولة التي امامه تمسك بيده وتقبلها ،وبجواره مشعل محاولا اسناده ، كان قد شحب فجأة وعاد الدم الى وجهه بعد وهلة الاستيعاب ، لم يكن متوقعًـا ان هذا الخبر الذي سيفجره مشعل ، كان دائمًـا ماينشدهُ عن الغائب في غربته ويخبره مشعل بأن لا اثر له ، الى اخر الاشهر قبل نزولهم كان يسأله عنه وكان يتعذر بـ لا أثر له حتى الآن ، اذًا لماذا كذب عليهِ بينما هو يجلس معه ويتحدث معه دون ان يطمئن والدتهُ ؟ لماذا يعاني تعصب القبائل ورميها الكلام السقيم على رأسه دون ان يشعر أي احد منهم بشيء ، نظر الى ابناءه نظرة طويلة مرمية بالحمد والشكر ،لكنها ايضـًا تلومهم على صمتهِم ليردف لهم بعتب واضح وشديد : يعني كنتوا تكذبون علي وانتم معه ؟ مافكرتو ولو للحظة انكم تواسوني انا وامه وجدته...خليتونا نعيش على الخيبات بينما انتم تعرفون علومه
مشعل وهو يتوقع ردة فعل والده الذي يرتجف الآن : يبه صل ع النبي اذا ضغطك مرتفع او شيء كل دواك وبعدين نتفاهم
بو رياض بغضب : والله ماني بساكت اليما يجيني العلم كامل...
مشعل باستسلام لرغبة والده المصرة : يبه اوضاع ليث الامنية ماكانت تسمح لي بأن نتكلم باسمه ع التلفون حتى..انسان محاصر من جميع الجهات...الحمدلله والشكر انه للحين محد عارف بوجوده غيرنا احنا...
بو رياض بقهر شديد : وش تبرير المعاناة اللي نعيشها حناا؟ ليه ماطالب بمحامين وتواصل معنا؟
مشعل يقبل رأس والده باندفاع : ورحمة والديك يايبه هدي ...ليث دفع دم قلبه بس عشان يرجع وللحين ماهو عارف الحل...اي حراك له راح ينحسب ضده ...ماله اي حق بانه يتكلم ليما يروح المحكمة..او يموت باطلاق ناري آثم..
بو رياض : وكيف عايش هو الحين؟ كيف رحتوا عنه وخليتوه؟
مشعل وصل الى القنبلة وهو يحتضن كف وريف داعمًـا لها : ماكنا بنرجع السعودية لولا انه اصر ان نرجع حتى مانتضرر من قضاياه المفتوحة الى الآن ... وخصوصا *بنبرة مرتبكة * انو معـي وريـ..ـف
وريف اغمضت عينيها لتسمع والدها يردف : ليه وش دخل بنتي ؟ ماهي عوق عليكم ...دامكم شفتوها عوق كان قلتوا لي اجي اخذها...مو بتخلونها عندكم في النهاية تعطلون موضوعه...
مشعل : الموضوع مو على عوق ماعوق... يبه في شيء انت ماتعرفه...
بو رياض يضع رأسه بين كفيه ويغمض عينيه بتعب غاضب : وشو باقي ماعرفته؟ في اعظم من هذا؟؟؟؟؟؟
مشعل بارتباك يهز رأسه وهو يحاول ان يتماسك : يبـه.....انـ...ـا زوجت الوريف لولد عمي.....ليث
فتح عينيهِ بصدمة ، لم يستطع حتى ان يرمش او ينطق ببنت شفه ، وزع نظرهُ للاثنين وهو غير متسوعب ومدرك للحدث الذي يحدث الآن ، غاية الصمت كانت تمركز الهدوء قبل العاصفة في المكان ، ارتبكت ارتجفت بكى داخلها واحترق المكان على جنينها ، خشيت ان تفقدهُ بسبب غضب والدها الذي اشتد فجأة وهو يحدق بخيبة امل عظيمة لهم ، لا يعلم لماذا راوغه هذا الشعور على الرغم من انه اكثر الناس رغبة في ان يزوج ابنته لليث ، وقف بغضب وبغير استيعاب ونبرة صوته كانت عالية وغاضبة : بأأأأأأأأأأأأأأأيييي حق تتصرفوووووون من غير شووووري؟؟؟؟؟ يعني سمحت لكم تدرسون برا وتشيلون انفسكم بالغربة....بس ماذكر اني قلت لكم تصرفوا بدون شوري.....دامني حي وما متت لاتوطون على كلمتي ...
وريف ببكاء تمسح دموعها : يبه اسم الله عليك...لاعاد تقول هالكلام...
بو رياض بغضب واضح : انتو خليتوا الواحد يركز بكلامه؟؟؟؟ انتوا خليتوا فيها عقل؟؟؟
مشعل يحاول ان يوصل الفكرة لوالده وهو مرتبك : يبه صل ع النبي...وحاول تتفهمنا...والله وربي شاهد بان ماهو بقصدي ادوس على كلمتك...واخسى لو كان في عقلي هالشيء...بس كانت ظروفه ماتسمح لنا بأن نعطيكم اي معلومة عنه...ولولا ثقتي بأنك تبي ليث لوريف ماكنت فكرت باني ازوجها...
بو رياض بغضب : انت وش داخل دماغك ابي افهم.....يومني ابيهم لبعض مو معناها اني عطيتك اذن تزوجهم بذي الطريقة اللي بتجيب علي القيل والقال.....
مشعل ينظر للوريف التي بدأت بالتعب وبالشحوب ليردف لها : وريف خلاص دخلي داخل....
بو رياض بقهر شديد : لاتدخل داخل...انتم الاثنين لازم تلقون جوايب فعايلكم...
مشعل يحاول امتصاص غضب والده : يبه وربي اني ما اخطيت...معك حق تخاف من كلام الناس وانت اللي تبي تخلص من القيل والقال...بس وربي ماسويت شيء غير مسار الشرع...زوجت اختي لولد عمي ...واللي سويته عشان مصلحة ليث...الرجال كان شاري اختي...وكان يبي له من يصبره بالغربة...
بو رياض يفرك جبينه بتعب ويجلس على الاريكة مرة اخرى وهو ينظر لابنته التي ترتجف بصمت : كل الناس كنت انشد فعايل سود منها...الا انتي...ماهقيت انك بتخليني علكة بأفواه الناس...
لم تنظر لوالدها كل مافعلته انها حاولت حبس غصتها لكنها شهقت لتبكي وتركض متوجهة لاحد الغرفة وتغلق فيها الغرفة عليها وتبكي ، لم تحتمل منظر خيبة الامل من عيني والدها ، لم تكن تحتمل الحزن الذي في عينيه ، مشعل الذي كان واثقًـا بأن والده سيتفهم ذلك بعد ان يهدأ غضبه ، لكنه الى الآن كان صامتًـا مدهوشـًا ، كيف سيتقبل تلك الصدمة وكيف سينقلها للناس ، خصوصا بعد ان اخبره مشعل بامر حملها ، جنّ ، كاد ان يجن ، كيف اصبح كل شيء يقف ضده ، كل الحروب التي نفخت ناقورها بدأ صوتها يعتلي ويعتلي ، اصبح هو في جبهة ، والعالم كله في جبهة مقابلة له ، سيحارب طويلاً ، لكنه الان لايعلم بماذا يحارب؟ خرج من الفندق تاركًـا مشعل في حيرة التصرف ، داعيًـا الله ان يتفهمه والده ، على الرغم بأنه مدرك بالخطأ الذي ارتكبه ، لكنه مؤمنًـا بأن هناك خلف كل شيء خيرة .



اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-02-17, 11:08 PM   #56

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

البــــارت (41 ) :
وقفت في زنزانتي
اُقُلُبُ الأفكار
أنا السجين ها هنا
أ م ذلك الحارسُ بالجوار ؟
بيني وبين حارسي جدار ،
وفتحة في ذلك الجدار ،
يرى الظلام من ورائها و ا ر قب النهار ،
لحارسي ولي أنا صغار ،
وزوجة ودار ،
لكنه مثلي هنا، جاء به وجاء بي قرار ،
وبيننا الجدار ،
يوشك أن ينهار
حدثني الجدار
فقال لي : إ نّ ترثي له
قد جاء باختيارهِ
وجئت بالإجبار


في سبات الليلِ، الساعة الثانية عشر والنصف، كانت ليلة هادئة من ليالِـي الرياض يخبأ صوت الريح فيها عواصف مأهولة بأشياء لايمكننا توقعها ، اصبحت الموسيقى الداخلية التي فينا تشبه مسارات اصوات مهترأة ويتلكأ فيها الصدأ ، لقد فاحت رائحة الدخان بشكل سيء جدًا ، باتت رسائلنا القديمة والقصص والحكايا السابقة هي ماتجعلنا بخير الى الآن ، هناك ومن بين النجوم ، وامام نافذة واسعة كانت تقف بعيون ملت من البكاء ، وجفت ، فقط احمرار عينيها وانفها يدل المارين على بكائها المحروق بالوجع ، نعم أخطئوا في هذهِ الغربة كثيرًا ، ربما اخطئوا بشكل غريب الى درجة ان يتأذى والدها في لحظة ما ، لكن وجود ليث في حياتها كانت اجمل الاخطاء التي ارتكبتها على الاطلاق ، شعور مهين يا ابني ان اضع ابي في موقف كهذا ، لكننا مضطرون للمجابهة جميعًـا ، انا ، وانت ، وووالدك ، يجب ان تكون مقاييس الصبر لدينا بحجم هذا العالم ياصغيري ، حتى يعود الدك الى الارض الوطن ويحمينا جميعًـا من السنتهم القاتلة ، هل تعلم انني لم اتوقع ان يكون رجلي رجلاً كوالدك ، يلوذ في بلاد الغربة ويتمسك بأمل هويته ، يحمي أحبته على سبيل نفسه ، ويرسلهم بعيدًا حتى يتلقى الوجع وحده ، ربما هذا الذنب الذي سيصعب علي تقبله من والدك حتى يعود ، وعدني وعدًا جميلاً في اخر الايام ، اخبرني بأنه سيعود بعد ثلاثة اشهر ، سيعود بدون اي خوف ، سيعود بفخر شديد ويقول للعالم ، انه بريء ، لكن لا تقلق ... مجرد ثلاثة اشهر ستجعلنا قادرين على الاحتمال ..
ابتسمت من بين دموعها حينما تذكرت كلمته " كل ما مر طيفي على فكرك ابتسمي ... لاتحزني لان قلبي مايقوا على حزنك.."
التفتت من السرحان في نافذة الصالة على صوت دخول والدها الى المكان ، كان محبطًـا ، مصاب بخيبة الامل ، مصاب بثقوب عظيمة ، رغم ذلك هو فرح جدًا ، فرح الى درجة انه عندما خرج سجد لله شكرًا على عودة ابن اخيه .. كانت ابنته تنظر اليه بأمل ، لكنه نظر اليها نظرة غضب ، عضت شفتيها تمنع نفسها من البكاء ، تجرأت بألم لتردف بتردد وصوت مبحوح : يـ...ـبه!
التفت اليها ليجرحها في عمقها : تطعنين ابيك وتقولين له يبه؟ بأي عين تقابليني؟
كتمت شهقتها وعينيها تلمعان بالدموع ، لايليق بكِ ان تجرحي والدك ، يالك من ابنه عاقة ، يالك من انسانة محاطة بالذنوب ولعنة السواد ، كانت كلها امور تخاطب بها نفسها ، داست على جروحها وهي تحاول ان تستلطفه بوجعها : يبـ..ـه تكفى....
قاطعها بسرعة وهو يحدق فيها بلوم : روحي غرفتك...انتي حامل لاتخلين اضرك بالحكي ويستضر اللي ببطنك... مالي كلام معك...
دخل مشعل على هذا الحديث وهو قد نزل الى الصيدلية ليشتري بعض الادوية للوريف ، نظرت لمشعل بمعنى أنقذني من ورطة حزن والدي ، فأنا والله لا اقوى على حُزنه ، انا افدي شيبهُ العظيم ، ورجولته السليمة ، مشعل ينظر للوريف برحمة ثم يحدق بوالده : يبه...ماهو حل انك تقاطع عيالك على شيء كنا مضطرين نسويه؟
علي بغضب : مو انت اللي تعلمني شأسوي...حاسبني بزر كبر فخذك تهوجس لي بذا الكلام...
مشعل باندفاع : حاشاك يبه...بس بالتفاهم بنلقى الحل...واذا الناس بتهذر خلها تهذر ليما تقول آمين...احنا امام ربنا ماسوينا غلط...ووالوضع اضطراري...وكل هالناس بتفهم وضعنا يوم تشوف ليث راجع للوطن...يمكن نعاني من قبيلتنا بل هذا شيء اكيد...بس احنا محتاجين نكون يد وحدة عشان نقدر نجابه هالشيء...
وريف تنظر لوالدها بأمل ، حدق في ابناءه ، ادار نظره للوريف ومشعل ، هز رأسه بحسرة ثم نهض من مكانه الى غرفته ، اغمضت عينيها بارتجاف حينما سمعت صفعة الباب ، بلعت غصتها وحاولت التماسك وعدم البكاء ، شعرت بتعب وهي تحاول البقاء ثابته ، لكنها سقطت بين ذراعي مشعل الذي اجلسها على الاريكة ينظر لها : خلاص هدي...لاتضغطين على نفسك... الوضع اللي نعايشه محتاج صبر
وريف بتعب : مشعل انا جد منهارة يعني كنت اتوقع اني بكون اقوى من كذا بس اكتشفت اني اضعف من اني اتحمل عتب ابوي...
مشعل يقبل رأسها : معليش تحملي...انتي مو لوحدك...هذي ظروف احنا عارفين ان حنا راح نعيشها...ابتسمي واتركي الوجع اللي بداخلك...ترى ليث ترك لك اجمل شيء ممكن تتمسكين فيه...ولده
ابتسمت تلقائيًـا من بين دموعها وهي تلتقط الدواء وتشرب الماء ثم تستند على الاريكة وبقلق كانت تقضم اضافرها بأسنانها ، عادتها التي كانت توتر ليث كثيرًا ، كانت شبه مخفية الا انها بالفترة الاخيرة بدأت تزداد حتى انه كان يغضب عليها بجنُون ، كانت سارحة بغير استيعاب لتنطق لمشعل بعد قلق : ماجاك خبر عنه ايش سوا؟
مشعل يبتسم لها : انتي لاتشغلين بالك...احنا حالين امره خلاص...باقي بس يمشي على الخطة اللي حطيناها ويضبط امره...
وريف تهز رأسها بصمت ثم تحدق بالنافذة ، الاطلالة تختلف،البلكونة اخرى، الشوارع مختلفة ، المدينة ، القارة ، كل شيء بات مختلفًـا عن ليلة البارحة ، كانت تنهيدتها مسموعة لتسقط كلماتها على اذن مشعل : يارب يفرجها عليه...
ابتسم مشعل مشجعًـا اياها : يارب...طيب ايش رايك تقومي ترتاحي شوي...بكرة الصباح بنمشي للبيت..لازم نتهيأ شوي لـ هالموضوع...
وريف بتوجس تقف : ياويلي اشتقت لامي وجدتي بشكل ماتتصوره...ابي اشم ريحتهم ...
مشعل يبتسم : الله يبلغك شوفتهم...
وريف تبتسم وهي متجهة لغرفتها :يالله...تصبح على خير...
مشعل:تلاقي الخير...
راقب دخُولها جيدًا حينما تأكد من انها ذهبت ، رفع السماعة ليتصل على د .وليد ، الذي رد عليه فورًا : اهلا...ها طمني ؟ شصار!


،
كانت تجلسُ على المكتب الخاص بها في الغرفة ، تراقب بهدُوء بعض المستندات المرسلة اليها على بريدها الالكتروني ، لاحظت دخوله العجُول والفوضوي وهو يفتش بالأدراج وبكل مكان عن نقطة تواجد الاوراق التي تعتبر مهمة اكثر من اي شيء آخر ، اختنقت من توترها وهي تراقبه كان شبه فاقد لتركيزه ، يتحرك بسرعة في المكان كالعصف ، لم تستطع التركيز على اي شيء حينما رأتهُ بهذهِ الحالة المنزوية من التوتر، كان يفتح الادراج درجًـا درجًـا يخرج الاوراق ، يفتشها دون ان يعيدها ، لكن فجأة وبكل بساطة وقفت امامه لتراه لا يحدق فيها وكأنه حيز بعيد عن هالة تفكيره .. بتوتر نطقت وهي تحدق في عجلته المستحيلة : آدم...آآآآآآدم ...
كان منزويًا في عالمه الخاص ، هناك شيء عظيم حتمًـا يشغل تفكيره ، زاد توترها اضعافا ، كأنها لم تستطع تحمل ذلك لتصرخ بصوتها الانوثي : آآآآآآآآآدم...
انتبه فورًا لها وهو يحدق بها : همم؟؟؟ *عينيه على الاوراق التي بيديه يفتشها جيدًا * نعم ست هاجر...شنو المصيبة اللي تبي تسويها بعد؟؟!
هاجر عقدت حاجبيها بغيض وهي تحدق فيه بغضب : انت شايف الوضع اللي انت فيه؟
آدم وجد ضالته من بين الاوراق ، واخيرًا قرر رفع عينيه لها ليردف : اعتقد انتي آخر انسانة ممكن تكلمني عن الوضع اللي انا فيه...
هاجر بضجر : بس...
قاطعها باندفاع وعينيهِ تصطدَمانِ بعينيها : ماعندي وقت لوجع الراس...امهليني حتى اخلص من الشغل اللي بيدي ...في ناس احوج بوقتي منك...ووداعة الله..
فتحت عينيها حينما لمحت طيفه يختفي ، بغضب ضربت حاسوبها على السرير وهي تجلس بهالة توتر تحيط بها ، تتمنى من الله ان يخلصها من عبء انتظار رجل يختار المكابرة على ان يفاتحها بموضوع جاد للنقاش ، هي ايضًـا لا تعترف بمدى عنادها ، كانت تنسب كل الصفات السيئة اليه متناسية مدى فظاظتها معه في الآونة الاخيرة ، لكن من منا يؤمن بأن تلك العنيدة الواقفة بانتصاب هي مجرد ساذجة امام آدم ، ؟
حرارَة عجيبة تسقط في صدرِي بمجرد معرفتي بأن عطرك يجتاحح المكان قبلك ، هروبِي منك ، لم يأتي الا بعد تتبعك ، لقد اخترتك طريقًـا لا اقوى على مقاومته ، لكنني استطعت كل هذا الوقت بأن اكون في موضع المتماسكة ، رجولتك التي تطغى على كل شيء ، هي ماكانت تفرض علي اخماد صوت قلبي وعدم الانصياع لأنوثتي ، انوثتي المشدوخة بمجرد التحديق في عينيك ، تجتاحني النار ، ترتجف ركبتاي ، تلتهب حواسّي ، ترتعش شفتاي ، يختنق صوتي ، ويضحمل كبريائي ، يضحمل حتى ينعدم ، يضحمل حتى يمحيه العدم ويخبأهُ في سباتِ التيه الذي لم استطع الاستيقاظ منهُ الى الآن ..
احترت ، هل هناك اشخاص في حياتك يعتبر وقتك العظيم مهمًـا لهم اكثر مني؟ هل تفضل الآخرين وتقدسهم بينما انا تجاوزت مرحلة تقديسك في شريعة العشق؟ ، هل ترفض الانصياع الى الهَوى ، ام ان قلبك لم يستسلم بعد ؟ هل تعلم؟
انت عظيم ، مثل أسطورة ترتلها جدة في ليلة هادئة ، تخبرهم ببطولتك التي استطعت فيها هزم الكبرياء ، لقد نافستني وانتصرت ، اما انا فسأظل خاسرة دائمـًا امام قلبي..

وضعت يدها على صدرها تستمع الى دقات قلبها المتسارعة ، هذا هو الحال الذي يتركها عليهِ في كل مرة . الشكر لك يا آدم...الشكر لك من بعدِ الهزيمة التي جرعتني اياها ، ها انا ذا تائهة امامك...كساذجة لاتستطيع الانصياع لرجل عشقته بمجرد الوصول الى قلبه.

،

فزعة في ليلةِ الفجر تلك ، تقوم بكل هوانها وهي تشعر بنبض شديد لم يزرها من قبل ، وقفت متوجهة الى دورة المياه للتتوضأ ، كانت تحاول مجابهة النبض السريع الذي يزورها لكنها مهزومة امام حواسها الفطرية ، هناك شعور عظيم يخبرها بأنها تملك العالم ، لكنها تخسرهُ في الوقت ذاته ، فرشت سجادتها لكي تصلي ، كانت تستغفر الله ، لسانها يتوه في كل مرة وكـأنها نست كيف تسبح وتهلل ، شعور طاغي يجعلها تنسى الكلام ، بصعوبة واجهت ذلك لتنتهي من صلاتها بقلق ، فتحت سورة يوسف ، اكثر سورة مقربة الى قلبها ، سورة جعلتها مؤمنة بأنه مهما ابتعد يوسف عن يعقوبه ، سيعيدهُ الله الى حاضنيه ، . انتهت من تلاوة السورة وهي تستمع الى صوت المنبه ، انها الساعة الخامسة والنصف صباحا ، اغلقت المنبه وهي تنهض من السجادة ، كانت تذكر الله تحاول تناسي هذهِ النبضات التي تزور قلبها بصعوبة ، نزلت من الدرج ، تجاهلت غرفة الغائب هذهِ المرة ، ربما آمنت الآن وفي هذهِ اللحظة ان الوقوف على الهم قد يجلب المصائب ، كانت تجلس في الصالة ، لمحت ابنتها شوق تبتسم وتأتي ناحيتها : صباح الخير...
ام ليث بنبرة مختلفة باهتة وسارحة : صباح النور يمه...
جلست بهدوء بجوار والدتها بعد ان وضعت القهوة على النار تغلي كان الصمت سيد الموقف انه الروتين الصباحي ذاته لاشيء جديد كل شيء يخبرنا بأن هذا العالم الذي حولنا بخير بخير الى ان نرى الحقيقة امام اعيننا ونؤمن بها شوق كانت تبتسم وهي تقرأ رسائل الواتس اب بسرحان استيقظت الخادمة وهي تصبح بهما شوق ترد بينما ام ليث كانت شاردة ربما هي الوحيدة التي تشعر بأن هذا الصباح بدا مختلفًـا وكأنه لم يكن...

،

على الطريق السريع ، بينما كانت جميع احاديثهم عن هذهِ القضية في داخل السيارة ، ليث كان يبتسم بهدوء ، ايام ، وربما ساعات تفصله حتى يستطيع الاعتراف للجميع بأنه " ليث " ، وليد كان يخبرهم بحماس بأن قضيتهم مضمونة مئة بـ المئة ، وان كل الادلة تقف معه ، كل الادلة ...على الاطلاق ... ، والدته ، كان يخاطب والدته بين صمته ، يعدهُا بأنه عائد اليها سريعًـا ، بأن كل مامضى سوف يذهب ولن يعود مجددًا ، كان يشكر يوسف في داخله طويلاً ، لانه كان الوحيد الذي انقذه من ورطة هذا العالم ، واخبره بأن العالم كبير جدًا وصغير في الوقت ذاته ، ولكي تنجو يجب ان يكون ذكائك اكبر من هذا العالم ، كم ثغرة ، كم عذاب نفسي قام بتغطيته ، كم مرة كاد الجميع ان يكشفه لكن الله نجاه من ذلك ، كم مرة جابه الجميع مقابل كل شيء ، كم مرة كذب على معارف عمه علي حتى لا يكشف ويُفضح ، كم مرة ومرة عانى فيها وحيدًا ،
كانت الهواء عليلاً ، الشمس تغمر المكان ، على العكس من مامضى ، لم تكن السماء ممطرة ، بل كانت مختلفة ، هناك الاف الاسباب التي تجعلهُ يؤمن بأن كل شيء هو من صالحه ، بين الصمت ، بين السكون ، كان صوت موسيقى عربية من الخمسينات ينطلق في المكان ، اطلق تنهيدة عُليا ، ليتها لم تنتهي التنهيدة ، ليت كل شيء كان كما يرنو اليه ...ليت...

كانت اضواء مفاجئة تحيط بهم ، غضب عظيم في عيني وليد وفهد امام اضواء وسيارات الشرطة التي احاطت بالمكان ، اخبروهم بأن لم يترجلوا من السيارة خلال دقيقتين سيضطرون لاستخادم السلاح ، كانوا ينادون باسمائهم ، لكنهم لم ينطقوا اسم يوسف ...كانوا يعرفون تماما من بداخل السيارة... فهد...وليد....وَ....
كان النداء صريحًـا ، صريحًا اكثر من اي نداء سمعهُ في حياته ، كانوا ينادونه باسمه ، وليد لم يكن مستوعبًـا ، فهد بقي صامتا ، كان فهد غاضبا وهو يريد ان يتحدث معهم لكن كان الرد كالتالي " اي شيء ستقوله الآن سيكتب ضدك في المحكمة !"
جنّ جنُون فهد ، وليد بقي محاولا تهدأة فهد ، اما هو بقي في صدمته وصمته ، خرج فهد غاضبًـا وهو يفتح الباب بقوة ، كان يحاول التقدم ناحية الشرطة ليحاول التحدث معهم لكنهم كانوا يخبرونه بأن يبقى مكان ولا يتحرك...والادهى من ذلك...ان لا يتكلم...
صرخ بغضبه وهو يتوجه بجنون...جنون لايشابهه اي شيء آخر ،
بين صدمته في السيارة وغضب وليد ، سمعوا صراخ من الخارج ، انه صراخ فهد ، وتهديدات الشرطة ، عناد فهد كسر كل شيء ليستمعوا الى صوت اطلاق الرصاص....
مثل الكهرباء التي سرت في بدنه ، نهض خارجًـا من السيارة بسرعة هو ووليد ، وليد قيدته الشرطة بعد ان لوو كاحله ولووا يديهِ الى الخلف وجعلوا وجهه على ظاهر السيارة ، بينما هو توجه بدهشة الغائب ليرى فهد ملقى على الارض بدمائه ، صرخ بغضب وهو يتوجه ناحية فهد ، كانت الرصاصة في كتفه الايمن.. ليث بجنون كان يتحدث بهلوسة غير مأهولة لفهد كمن فقد عقله : فهد....انت ....فهد شسويت انت.؟؟ ...حد قالك رح صرخ...فهد ...ليه...
فهد بتعب شديد كان ينطق : كل اللي سويته كان محاولة فاشلة‘*وبصعوبة * ما كنت اقدر اسوي اللي انا ابيه اعتبره معروف وانتظر منك ترده...
ليث بجنون : مستحيل اسمح انك تموت اللي مات قبلك حرق قلبي وماظنتي بقدر على شيء ثاني*كان يقصد صديقه يوسف*
فهد وقد بدأ يتعرق بعد ان فقد كمًّا هائلاً من الدماء ويبتسم بصعوبة محاولا التماسك : من البداية كنت شاك انك انت هو كل ما حاولت ابعد هالفكرة عن بالي تحاربني اكثر كنت ادري ان ربي مارسلني لـ هالمكان الا وعارف ان في انسان مثلك يحتاج السند من البداية كنت اعرف انك لــــــــــــــــــــــــ ـيـــــــــــــــــــــــ ـــــــــــث عبـــــــــــــــــــــد الرحمــــــــــــــــــــ ـن ال مـــــــــــــــــــالـــ ــــــك....
فتح عينيه بصدمة اتى اليه رجلين من الشرطة وهما يجعلانهِ مستلقٍ على بطنه وخده الايمن على الارض ويديهِ تحت رهن التكبيل كبلوا يديهِ وكان احد الشرطة قد انتزع شاربه الاصطناعي وبسخرية همسه وهو يجعله يقف على رجليه : انت رهن الاعتقال ليث المالك....
كان وجهه ناحية فهد الذي يتألم وينزف صرخ بغضب : سوف يمــــووت الرجل ان لم تسعفوووه.....الرجل يحتاج الى طبييييب....
بكل قساوة وضع احد الشرطة يده على رأس ليث وهو يركبه السيارة ، كان يراقب وليد يركب سيارة شرطة اخرى ، وفهد تحمله الاسعاف بسريرها المتنقل الى سيارة الاسعاف....بينما هو يقاد الى سجنه للمرة الثانية في حياته....ولكن هذهِ المرة...سيكون في السجن الحقيقي...
جنُون عارم نظرات فارغة ومصدومة الشرطة كانت تتحدث اليه بينما هو ينظر للفراغ بدهشة المصدوم بصفعة وخيبة جديدة من الامل الامل الذي كلما سار ناحيته صفعة بشدة على وجهه يهز رأسهُ برفض وقد جنّ جنونه بالسيارة وهو يصرخ لهم بأن لا يتركوا فهد كان يخبرهم بأنه سوف ينتقم في حال ان فقد فهد بسببهم كان منهارًا عن عشر سنينِ قضاها في سجنُ الغربة على امل العودة وحينما مد للأمل يده كسرتها بصورة قاسية ليتنِي لم انجر الى تلك الخيبات ليتنِي بقيت غريبًـا ولم احاول شعور ان يتأذى احدٌ من احبتك شعور مميت قاتل كالسرطان الذي جلبني الى هذهِ المهزلة ينتشر بقسوة دون ان يرحمك الهي ماهو الذنب العظيم الذي ارتكبته حتى انال هذا العذاب اللهم ارشدني الى ذنوبي حتى اتخلص منها جميعًـا لم يعد بيَّ طاقة الاحتمال والصبر الذي طال في عشرة اشهر اختفى اختفى حينما رأيت صديقي ممُددًا على الارض وجع مرهق الى حدث الثمالة يشبهُ نشيج الميازيب في ليلةٌ الحزن لقد حفرت قبرِي بيدِي ورششتُ ماء الوردَ على جروحِي ومضيت ليلتهب فيَّ كل جرحٍ وينزف دون ان يتوقف هل يمضي يا الهي كل احتمالي وصبري هباءًا؟ هل يغادرنِي ويتركني كسجين دون ان يخبرني الوسيلة ؟ الهي سئمت سئمت البقاء مكبلاً طيلة عمري ...
صرخ في وجه الشرطة بانهيار يخبرهم بأن فهد يحتاج لمن يسعفه وبأنه لن يسامحهم في حال حدث له شيء ، لكمه احد رجال الشرطة في وجهه بقسوة...ليغمى عليهِ فجأة ....مستسلمًا للضعف الذي زاره فجأة !

كانَ صباحًـا عاديا جدًا بالنسبة لنا كروتِين معتاد ننتظر فيهِ ما سيأتي بهدوء كنت جالسة احتسِي القهوة مع والدتِي كنت هادئة مستكينة ابتسم لرسائل مسفر الذي يخبرني بأنه عاد من العمل للتو واشتاقَ الى عينيَّ اشتياقًـا مطولاً والدتها امام تنتقِي حبّات الأرز لكِي تستعدَ لاعداد طعام الارز كانت تسألها بين الفينة والاخرى عن حفيدها فهد تجيبها بهدوء كعادة كل صباح تأتي الخادمة تضع الدواء لام ليث تأخذ جرعتها اليومية بصمت عقلها في مكان آخر لا تعرف ماهو الشعور الذي زارها صباحا يخبرها بأن لا تطمئن ويخبرها بان ترتاحَ في الوقتِ ذاته كأن التناقضات التي زارتها في المواسم التي مضت لم تنتهي بعد كأن أوراق الخريف ذاتها تتدحرج على أرصفتها دُون اي شفقة كأن النجُوم التي اسبلتها لياليَ طويلاً لم تعتكف اليها بعد عبد الرحمن ليتك ترى ماحل وجرى ليتك ترى أي حال انا وصلتُ اليهِ في هذا العمر أخشى ان افقد أي غالٍ على قلبِي من بعدِ الآن أخشى ان تزورني تلك الحرارة التي زارتني حينما فقدت أغلى ما أملك وهو بِكرَنا بكرنا ليث الذي لازال عاقًـا بالغيابِ لأمه يناجِي وحدته تاركًا ايايّ في رمضاء التيه ابعثر الرمال لاتفقد أثرًا له ليتك ترى أي حال جعلني بهِ ابنك كلاكما كان رحيلكما صعبًـا لكنّ قلبي كلَّ ومل ولم يطق الاحتمال...
الهي زدنِي صبرًا ، فإبن بطنِي في عينك ، احفظهُ لِـي وارسل لي مدرارًا من رحمتِك جزاءًا لصبرِ طال ولم يعد ينقطع لأنهُ آمن برحمتك التي وسعت كل شيء...
شوق سعلت فجأة وانتفضت بشكل غريب ، ام ليث صعقت من منظر ابنتها الذي شحب فجأة التي تركت القهوة لتقف وترتجف ركبتيها ووجسدها بشكل غريب ، هزت رأسها بغير تصديق وهي تحدق في امها ، امها كانت تظن بأن هناك خبر عن شخص مات للتو ان شيء ما قد حدث ، تركت صينية الارز وتوجهت ناحية شوق التي ذهب اللون عن وجهها لتهزها والدتها كي تستوعب بخوف : شوق يمممة شفيك عذبتي قلبي...شصاير يمة ؟؟؟؟قولي؟؟؟
شوق لازالت عينيها مصدومتان في الفراغ تحاول ربط الاستحالة ، لم تأتهم علامة من قبل بأن خبر كهذا سيأتيهم ، لقد اتاهم هذا الخبر الكبير فجأة في يومٍ معتاد كبقية الايام ، لم ترى اي اشارة او حتى علامة ، كان كل شيء مفاجئًـا ، تركت والدتها التي كانت تحاول معرفة مابها ، كانت قد توجهت الى التلفاز ، كانت تبحث عن قناة اخبار بريطانية قد اخبرتها بها احدى البنات ، شوق تلتفت لامها وعينيها قد اوشكت على البكاء : يمممة ....يممممة...يــــــــــــــ� �ة....
ام ليث كانت مصدومة من ابنتها التي تجد صعوبة في النطق وهي تكرر كلمتها ، عرفت ان هناك شيء كبيرًا قد حدث ، تماسكت بأسمى اياتِ الصبر لتردف بذهول قلق : يمة شفيك ...طيرتي قلبي...شصاير...؟؟؟
شوق تشهق باسم ذاك الغائب وهي تهز رأسها باكية حينما وجدت القناة : لييــــــــــــث ....لــ.....ــــــــ...ــــــــ ــــــــيث يممة...
ادارت عينيها ام ليث بذهول وهي غير مستوعبة للتلفاز ، كانت ترى خبرا مكتوبا باللغة الانجليزية وبحكم عدم معرفتها اللغة كانت تحدق للحدث ، شرطة تنزل من السيارة امام الصحافة البريطانية في دار المحكمة العليا ، رجال ومحامين عدّة امام التلفاز ، ومن بعيد....ومــــن بعيــــــد....ومــــن بعيـــــــــــــــــــد
لمحت وجها مألوفـًا ، مكبلاً بين شرطيين ، لمحت وجهًـا قد اهداه الزمن صفعات غير منتهية ، لمحت غائبًـا اهداها غيابهُ سكينًـا طعنت فيها حتى جف الدم من النزف ، اين ذاك الوجه الشاب الحي ، لماذا جثى عليهِ الدهر وسحب اللون من ملامحه ، لماذا هذا الرجل باهتًـا ، لماذا لم استطع معرفة ان كان هذا ابني ام جثمانهُ يمشيِ مكبلا، عيناه...انهما نفسهما ...مدهوشتان ، مخذولتان ، وشفتيهِ ملتصقتان بصمت ، ذقنه المهمل ، بنيته التي اصبحت مناسبة لرجلٌ ثلاثيني ، كل شيء كان يقف ضد استيعابها ، ارتجفت ، لم تعد قادرة على الوقوف قدميها لاتحتملان الوقوف بعد، لقد انتهى كل شيء ، لقد جاء اليوم الموعود ، اليوم الذي يخبرها الله فيه بأن ابنها حي...لكنه تحت رهن الاعتقال..
سقطت بين دموعها تبكي سقطت على الارضِ كالرهينة تسجد لله شكرًا غير قادرة على الاستيعاب لم تجف دموعها بكت بكت دموعها اصبحت منهمرة كالنهرِ الذي لاينضب الشكر لكَ ايها الرب العظيم حتى وان كان ابني مكبلاً لقد اتيتنِي بخبرٍ عنه حتى وان كان خبرًا يفجع كل ام الا انني احمدك يا الله بأنك حفظت لي ابني وجعلته حيًا الحمدلله الذي رزقني رؤيتك ايها الغائب حتى وان كان من بعد المسافات تلك الالام التي عشتها ليالٍ طوال تنقضي آهٌ كم التهب قلبي لرؤيتك، كمم انطلقت جروحي نوارسَ تُحلقّ على سماءِ قلبك الهي ما وجدتُ الهًا ارحم منك ولا وجدت عبدًا مقصرًا مثلي انت من رزقتني رؤية هذا الابن من حيث لا احتسب انت من جعلتني ابكي سعادة بعد بكائِي المغموم كل ليلة من بعدِ غيابه الحمدلله على فضلك الذي ارتمى اليّ...
تبكي بصوتها تبكي بكاءَ الام شوق نظرت لانهيار والدتها واصفرار وجهها الباكي ركضت لامها تحتضنها تحتضنها وهي تبكي معها تستمع الى بكاء الام المريرِ الى عذاب السنين وخيانتها الى مفاتيح الفرج بعد الصبر الى مسُتهلاّت السعادة التي انزلها الله رحمة لها بكاء يوجع القلب يدمى الفؤاد بكائها كان كبكاءِ طفلٍ مغموم تلك الام التي اوصلها غياب ابنها الى تلك الحالة كان من مستحقاتها ان تراه اليوم لقد اعطاها الله اجمل هدايا العمر التي لن تنساها مطلقًـا ...
شوق تحتضن والدتها ببكاء وتقبل رأسها : يمممة اهدي...يمة تكفين قطعتي قلبي....خلاص اهدي
ام ليث بانهيار تام وهي غير مستوعبة : ماهقيت اليوم هذا بيجي ياشوق...كنت انتظر موتي قبل شوفة اخيك...ربي اكرمني...
شوق بفجعة تقبل يديها : الله يحفظك يايمة لاتقولين هالكلام الحمدلله ربي بلغك ربي اعطاك الشيء اللي كنتي تحلمين به ويارب يكرمنا بشوفته ...
ام ليث كانت منهارة ، تبكي بانهيار وبغير استيعاب : ياويلي عليه شفتي شلون تغير؟ شفتي كيف تعبان اخيك؟! شفتي اللي انا شفته ياشوووق....والله قطع قلبيي هالولد....
شوق تمسح على رأس والدتها بعد ان جلبت الخادمة الماء لام ليث بعد ان رأت انهيارها: يمة تكفين لاتسوي بعمرك كذا....تماسكي بما ان ربي بلغك شوفته....عساه ان يبلغه شوفتك ويرتاح قلبك وقلبه...
ام ليث تحمد الله بعد ان شربتها شوق الماء : الحمدلله....
شوق تنظر لوالدتها التي لازالت ترتجف ، هزت رأسها بغير احتمال وهي تبكي ، رفعت هاتفها لتتصل براكان الذي اجابها بسرعة لتردف : راكان ياخوي ماعليك امر...امي تعبانة خل نوديها المستشفى...
راكان باندفاع : شوق حلفتك بالله...امي ام ليث عرفت ؟؟؟؟
شوق تبكي بكاءًا طويلاً : اييـــ...ـــه...تكفى تعال نوديها تراها منهارة...خايفة يصير لها شيء....
راكان : يالله يالله هذا انا جاي...دقايق وانا عندكم....
اغلقت الهاتف وهي تسند امها عليها وتجلسها على الاريكة وتمدد قدميها حتى لاينخفض لديها الضغط...هذا اذا لم ينخفض ، ركضت لتحضر عبائتها وعباءة والدتها لتلبسها ، لم ترى امها بهذا الانهيار من قبل ، هي موقنة بأن ان لم يأتي راكان خلال هذهِ الساعة...سيصيب امها مكروه بالفعل!!

،

استيقظت الساعة الثامنة صباحا على شجار بين والدها ومشعل اللذان كانا محتاران ، نهضت بخوف وهي تفتح باب الغرفة وتخرج ، لترى ان مشعل يجلس بصمت ووالده كان يتواصل مع السفارة والمحامين من جميع الجهات ، صراخه كان عاليًـا ، كان غاضبًـا وسعيدًا بشكل متضاد ، تلك المشاعر التي بالتأكيد ترتسم على كل من يعرف ليث تماما ، لكن هي لم تكن تعلم مالذي يجري ، حينما رأها مشعل وقف تلقائيًـا ، تقدمت ناحيته بغير استيعاب وهي ترى والدها يجري الاف الاتصالات ، صمتت وهي لا تعلم مالذي يحدث ، خمنت ان والدها تحرك في قضية ليث ، لكن المصيبة العظيمة انها لم تعلم بأن ليث اصيب بخيبة امل عظمى ..وصفعة قدر لن ينساها البتّة ! ، كانت تنظر لكلاهما تحاول الفهم لكن فورًا والدها اغلق الهاتف ونظر لمشعل بغضب : هذا الشيء اللي كنتوا تفكرون تمشون عليه من دون ماتشاورون اي احد ثاني ....هذا العجلة اللي انتوا عايشين فيها بطيشكم وجهلكم ...يالله خذ لك ...هذي النتيجة...
مشعل بقهر شديد : يبه حنا مامشينا من بريطانيا الا ومأمنين كل شيء لليث حتى دليل برائته موجود...ماني فاهم كيف اعتقلوه
وريف انتفضت فجأة وهي تحدق بهم وعينيها مفتوحتين وبغير استيعاب : كيف؟؟؟؟؟؟ مشـ..ـعل ؟ كيف يعني ليث اعتقلوه؟؟؟ انت من جدك تتكلم
مشعل نسى لوهلة ان اخته متواجدة ، لانه كان يود اخبارها بطريقة افضل ليردف بعد ان لعن ذاته :أكيد راح يفرجون عنه...دليل برائته وكل شيء مسجل عندنا...
بو رياض يصرخ : ليه ماقلتوا لـي؟؟؟ أبي افهم انتم كيف تتصرفون بذا الطريقة؟
مشعل يقف محاولا تهدئة والده : يبه ....كاننت الظروف مختلفة بهذاك الوقت...أي ثغرة صغيرة واي تواصل بيننا وبينكم عن ليث راح يكشفه في ثواني ويتسبب باعتقاله...ع الاقل الحين نقدر نتحرك بشكل افضل وخصوصا ان ليث معه دليل برائته...
بو رياض يستغفر الله ولكن بغضبه رمى كأس زجاجي في الجدار بغضب ليردف : انا بحجز رحلة لبريطانيا ...بكرة انا ماشي..ورايح مع المحامين اللي اعرفهم...
مشعل يحاول امتصاص غضب والده : خلاص تم ...انا بحجز لي ولك هالحين...
وريف تقف باندفاع : انا بروح معكم...
حدقّ فيها والدها بنظرة غضب لتردف بنبرة متراجعة : يعني اذا ممكن؟
بو رياض يهز رأسه برفض : انتي مكانك هنا...
وريف بعدم قبول تحاول ان تكسب رضى والدها : بس يبـ....
بو رياض بغضب : قلت لك لا يعني لا...خلاص انتهى النقاش...
وريف بلعت غصتها ، والدها اصبح اكثر حدة بعد ان اتوا ، اشتاقت لحضنه وحنانه، اشتاقت لقلبهِ الطيب ، لايليق بوالدها هذا الغضب الذي يسري في عروقه الآن ، لكن من يلومه ياترى؟ ، رجل مثل والدها لازال يتسم بآيات الصبر رغم كل ذلك...هزت رأسها بطاعة وهي تحاول ان لاتنهار ، لانها لم تتوقع ان يزّج بليث في السجن ، بو رياض تواصل مع ام رياض صباحا بعد ان سمعت بالخبر واخبرها بكل شيء ، حتى عن وريف وحملها... لاينكر انها صدمت، بل الجم لسانها ، لكنها بالفعل حاولت ان تتماسك لاجل ابنائها وذاك الغائب ،
جلس بو رياض على الاريكة وهو يشرب الماء ، محاولا الهدوء وعينيه على هاتفه ينتظر بعض الاتصالات ، بو رياض ينظر لابنته التي جلست بصمت ، لايعلم لماذا قلبه لايقوى على رؤيتها بهذهِ الكمية من الحزن ، خصوصا ان الذنب الاكبر لايرمى عليها بل على مشعل ، والاهم من ذلك بأنها حامل الآن بحفيد ام ليث، لكن على الرغم من ذلك ..قرر ان يأخذ موقف من تصرفهم الغير مسؤول بالنسبة اليه ، نظر لمشعل ونطق : قم شغل سيارتي بنمشي الحين...رايحين لامك...
مشعل يقف بطاعة : حاضر..
استلم المفتاح منه ليردف : انت سوق...انا مالي حيل اسوق..
مشعل يهز رأسه : حاضر ...
نظر مشعل للوريف واشار لها بعينيه ان تقوم وتجهز ، كانت ستقف لكنها سمعت والدها يردف دون ان ينظر لها : انتي خليك..
ادارت عينيها تلقائيًـا لوالدها لتسمعه ينطق : ابيك بكلمة راس...
مشعل تركهم بعد ان شعر بأن والده يحتاج للتحدث مع ابنته على انفراد ، انزلت عينيها الى الاسفل واغمضتها بانتظار الصفعة ، لكن والدها لم يصدر اي حراك ، كان يحدق فيها ، اردف بو رياض بنبرتِه : ليه منزلة عيونك؟ ليه ماتطالعيني!
وريف بخجل من نفسها وبنبرة متوترة دون ان ترفع عينيها : لاني خجلانة من نفسي يبه قدامك....
بو رياض بنبرة جادة : ليه انتي سويتي شيء تخجلين منه؟
رفعت عينيها هذهِ المرة لوالدها وحدقت طويلاً ، سهت في الاجابة لكنها استجمعت ذاتها وهزت رأسها بـ لا لتسمع والدها : بما انك ماسويتي شيء ماتخجلين منه اوعى تنزلين عيونك وراسك... دافعي عن الشيء اللي انتي وقفتي وراه...
عقدت حاجبيها بغير فهم واستيعاب ليردف والدها باستمرار : انتي ما سويتي شيء عيب او حرام ما سويتي شيء تخجلين منه لكن هذا مايعني اني راضي عن اللي صار بدون اذني...
هزت رأسها : معك حق ..
هز رأسه مؤيدًا لها ، صمت وهو يحدق بها طويلاً ، توترت ، لكن والدها اتاها بسؤاله الصريح : وش كانت اخباره معك؟
رفعت عينيها لوالدها احمر جفنها كناية عن الدموع المستحيلة لقد اتى اليوم الذي يسألها والدهُا عن زوجها ظنًـا منها بانها لن تعيش هذهِ الحكاية التي تعيشها الفتاة مع والدها بلعت غصتها اختارت عدم البكاء وهزت رأسها بعد ان استجمعت شجاعتها لتردف بقوة لم تكن قد تزورها من قبل : ان كنت بقدر رجل من بعدك يايبه فـ ليث اولاهم مافي ارجل منه واقوى منه طول عمري بفتخر فيه وبرفع راسي لاني زوجته...
لمحت شبح ابتسامة من والدها لتراه يقف وهو يغادر المكان ناطقها بينما ينسف شماغه : البسي عبايتك وانزلي تحت انا انتظرك على الباب...

،
بينمَا يدخل الى مبنى السجن كان يرى وليد يحدقّ فيه من بعيد جميع من هم حوله سيلحق بهُم الأذى بدءًا من فهد والآن وليد يزج بهِ في السجن؟ هل لهؤلاء ذنب غير انهم سعوا في قضيتي؟ وليد بدت عليه ملامح الصدمة شخص مثله كان يتحدث مع ليث طوال الوقت ولا يعرف من هو كانت صدمة عارمة في جميع ملامحه اما هو فكانت نظراتهُ موجهة للفراغ تندُب الحظ الذي مرّ بعشر سنينِ من عمره ومن ثم اصبح سجينًـا في النهاية امام بوابة السجن رفع رأسه كانت بوابة كبيرة نظر اليها نظرة طويلاً هل يعقل ان يخرج بسرعة طالما انه فقد دليل برائته في السيارة الآن؟ ولا يعلم كيف يستطيع التواصل مع محامي او اي احد كلما حاول التحدث تم تهديده بأن كل شيء سيستخدم ضده في المحكمة ادار عينه للخلف للحرية المزعومة التي ودعها بعد ان وجد نفسه يقاد اسيرًا الى قفصِ النهاية مكبلاً كسيرا يمشي للخذلان الذي اصابه لايعلم هل يعتذر لأمه التي كان حلمه ان يعود اليها ويحتضنها احتضان الطفل لوالدته؟ ام لفتاتِه التي وعدها بأنه سيعود اليها بأسرع وقت ممكن لا اعلم كلما شيّدتُ بناء الخلاص انهَدم فجأة تناثرت ذرات الحرية كالغبار في وسط الجو فجأة ضباب مغيم اصاب حياتي التي انكمشت كثمرة جوزٍ قاسية ان أكون انا هذا يعني انني مصاب بداء الغربة الذي ينتشل من عمرِي سنينًـا طويلة وداعًـا للسماء التي كنت اخاطبها في كل وقتٍ ارى فيها غربتِي وداعا للنجوم التي كنتُ احصيها وداعًـا يليق بهذا الوداع الذي جعل مني اضحوكة للقدر أكبر هم نعيشه بعد حروبنا وقتالنا ضد العالم هو اعتقادنا بالفعل انها انتهت وهي لم تنتهي قط كل الرسائل التي كنت اكتبها لحريتي حرقتها اليوم خبئت رمادها لأنفثهُ على قبري الذي غير معروف اين سأدفن بعد بعد ان كان همي العودة الى موطني اصبح همي الآن اين سيكون قبري؟ ، هل سيكون قبري غريبـًا ايضا؟
ماذا عن ابني؟ هل سيأتي الى الدنيا ويرى ضوئها دُون ان يعرف والده او يراه؟ لماذا قسوتِي تجاوزت كل شيء وتعدت الرحمة على طفلي البريء؟ ، وماذا عن المرأة الوحيدة التي سلمتها مفاتيح قلبي وقطعت لها وعودًا طائلة؟ لماذا انا خيبة عظيمة لمن احب؟؟
دفعه احد الشرطيين من كتفه الى الداخل وهو ينطق بقسوة : تحرك الى الداخل...
بلع غصة قهر ومشت خطاه للداخل تلمس وجهه شعر توًا باللكمة التي لكموه اياها في السيارة دخل على ساحة رملية واسعة ويتوسطها برجي مراقبة ومبنى كبير بـ بوابة رمادية اللون عرف انه يساق اليها مُجبرًا فتح له احد الشرطيين الباب ليمر على بوابات السجون الانفرادية يستمع الى جنون السجناء في الزنزانة الانفرادية وهو يتمنى من الله ان لا يزج بها هناك كثير من السجناء ماتوا في تلك الزنزانة لايريد ان يساق الى ذات القدر مشى مرغمًـا الى بوابة الزنزانة رفع عيناه رمادية وتستوطنها فتحة لادخال الطعام فتح الشرطي الباب دفعه بقسوة الى داخل الزنزانة امام عيني السجناء الموجودين لازالت عينيهِ في الارض مصابتان بخيبة امل يحاول عقله استيعاب المسافة التي قطعها في الصبر لعشر سنين وكانت هذهِ النتيجة حاوية الموت السجن رفع عينيهِ للجدار كانت هناك ساعة حائط وكانت حركة xxxxبها مزعجة انها التاسعة والنصف ليلاً لقد مضى وقت طويل منذ ان امسكوا بهِ صباحا الا انه لازال تحت تأثير الصدمة أغمض عينيه وسحب نفسًـا طويلاً رمى عليه حارس السجن بدلة باللون البرتقالي وطلب منه تسليم ملابسه وكل مايملك توجه الى دورة المياه الموجودة بداخل هذا السجن جميع من في الزنزانة يحدق به الجميع دون استثناء كان هناك شاب من بعيد دُهش من وجوده وهو بهذا العمر الصغير حينما دخل الى دورة المياه توجه له الشاب يحذره :استخدم اخر حمام موجود...لان المياه في الحمامين الباقيين تكون مكهربة قليلاً..
هز رأسه وتوجه الى دورة المياه يرتدي اللباس المعطى له استحم بالمياه التي تتطاير بشكل مزري في المكان اسند رأسه على الجدار بينما جسده تحت المياه شعور غاضب زاره فجأة شعور بعدم الارتياح المفاجئ كتم صرخته الداخليه لكنه اطلقها وهو يضرب قبضة يده في المرآة المعلقة بالزاوية لتصبح حطاما مكسورًا نظر الى يده التي تنزف بشكل غريب لم يكترث لها خرج من دورة المياه بعد ان ارتدى ملابسه ليجد الجميع امامه في ساحة الحمامات امام المغاسل امسك يده التي تنزف بيده الاخرى شعر بغرابة مافعله لكنه تجاوزهم الى المغسلة وغسل يده هناك رجل اربعيني في عمره طلب من الجميع الخروج وبقي هو مع ليث.. ليث شعر بوجوده وقد اصبح هو والرجل في المكان فقط لم يلتفت ناحيته اكمل غسل يده ليردف له الرجل : لم تكمل حتى ساعة منذُ ان اتيت وبدأت بجرح نفسك؟ ...بالطبع قد تكون نسيت كيف تعتني بنفسك...
ليث يضبط اعصابه ويحاول السيطرة على غضبه دون ان يردف له وهو يلتقط المناديل ويحيط بها مكان الجرح ليردف له الرجل بسخرية : تجرح يدك بمجرد ان تحطم مرآة؟ اي مجرم متعلم انت!
التفت له ليث وبغضب اردف : سبب بقائي صامتًا لايعنني انني خائفًا ...لكن بحكم فارق العمر بيننا قررت احترامك..
الرجل يبتسم : هل غضبت سريعًـا؟
ليث بسخرية : سأتعلم منك هذا لاحقًـا...لاتقلق...
غادر المكان لكنه توقف حينما سمع الرجل من خلفه يتحدث : ان كنت تظن ان ماعانيته سابقًـا يدعى معاناة...فصدقني انت مخطأ...لقد اتيت الى الجحيم بقدميك... اتمنى ان تنجو بسرعة...
حرك عدسة عينيه بغضب وقلق وهو يزم شفتيه من كلام الرجل، رمى المنشفة التي يستعملها على كتفه ، وتوجه ناحية سرير دله الشاب الصغير عليه ، كان ستة اسرة متقابلة كل سرير من طابقين..ليث في الاسفل...والشاب الصغير كان فوقه....استلقى على السرير ووضع يديه خلف رأسه يحدق للاعلى..يخاطب نفسه الخطاب الأليم...لعلّ صوت عقله يصمت!


اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-02-17, 11:18 PM   #57

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

كانت الشوارع شبه رمادية المشي في شوارع الرياض في هذهِ الليلة الشتوية مريبًـا انها ليلة هادئة صامتة من اي تعابير فتيان الحارة يلعبون بالكرة عربية الآيسكريم التي يتجمهر عليها الاطفال هي احدى التفاصيل التي افتقدتها منذ ان غادرت البلاد رائحة عوادم السيارات قهوة زياد عابدين الرجل الاردني الذي يفتتح قهوته الشامية على الشارع ويتجمهر فيها كل رجال الحارة سوق الخضارين محلات الالكترونيات المطاعم الاسواق البشر هناك تغيير لاتعلم ماهو سره الاماكن نفسها الاشخاص نفسها لكن هناك تغيير لايعلم ماهو اصله تنظر لطيف والدها المستند بصمتٍ بتفكير مشغول ومشعل الذي يوزع نظراته لوالده ولها من خلال مرآة السائق فركت كتفيها حنيما شعرت بالبردـ كانت تعتقد ان الرياض دافئة لكنها بالفعل كانت باردة او ربما برودة العالم سرت في عروقها أمي؟ اشتقت لحضنك لحنانك لدفئك لرائحتك لكل تفاصيلك لاهتمامك بي وقلقك علي، لغضبك مني ونصحك لي لضحكك معي ولشكواك ، لكل حرف تنطقه شفتاك لاعذّب الله أمي...
دخلت السيارة الى حيهم زارتها تفاصيل حياتها السابقة حياتها الخالية من الذي تحتويه الآن حياتها المغايرة لكل مابها الآن ساذجة تائهة بلا هدف ضعيفة جدًا مسالمة بشكل مبالغ سعيدة بمعنى السعادة الحقيقي صورة عكسية لما تعيشه الآن لما تحمله الآن من امور لم تتوقع حدوثها بالحسبان توقفت السيارة نفثت تنهيدة بحجم السماء ارسلتها للغيوم علها تمطرها راحة فتحوا الباب خرجوا من السيارة بقيت هي في حيرة الخروج لا تعلم كيف سيستقبلها العالم نظرت الى باب منزلهم، الى النخلة التي بجواره والزرع الصغير الخارجي، تنظر طويلاً الى باب الحوش والحديقة التي بالداخل ارتجفت ملامحها تابعة والدها الذي يدير مزلاج الباب وصوت صرير الباب يخنق اذنها تبعته خطوات طويلة هي الآن داخل الحوش داخل الحديقة الحديقة نفسها الزهور التي زرعتها سابقًـا لازالت نفسها كل شيء نفسه..لكن هناك شيء ما قد تغير هي من تغير
مشعل توجه لامه يحتضنها بقوة يشم رائحتها الحنون لو مرت سنة دون احتضان والدته سيجن تذكر كيف احتمل ذاك الغائب دون ان يشم رائحة حضن والدته قبل يديها بحب وهو يحتضنها بين الفينة والاخرى..ثم فتح المجال لاخته ...التـــــي...

خطت خطوات واسعة، ركضت، ركضت سريعا لحضن والدتها التي فتحت ذراعيها بأوسعها لها ،بكت في حضنها طويلاً، بكت لغربتها ،لغربة ليث، لطفلهم الذي لاذنب له ، لقتالهم طيلة تلك الاشهر السابقة ، للجروح التي جابهتها في سبيل الوصول الى نتيجة صفعت بخيبة امل ، لغضب والدها الذي يجعلها تكره النوم ، لحزنها السرمدي الذي لم ينقطع منذ ان عرفت حقيقة الغائب، قبلت رأس والدتها وبقت في حضنها لتردف لها والدتها بعينيها الباكيتين: ياقلب امك انتي...ليه ماجبتي من نفسك الا البقايا؟
وريف بتعب وبكاء:اشتقت لصوتك يمة...تكفين لاتزيدين حزني وحسررتي حزن....ابي انام في حضنك وبس...
ام رياض تحتضن والدتها وبألم : ياويلي عليك يايمة ...اكيد تحملتي الكثير ومنهارة هالحين...
وريف بعبرة : شفته يمه وهو كل يوم يقول ابي ارجع لاهلي ...ابي ارجع لامي...بس مارجع...
ام رياض بحزن: ياجعل حزنك يبتعد عنك ...بسم الله على قلبك يايمة...دخلي داخل ارتاحي يايمة...
حدقت بوالدها ومشعل اللذان يحترقان لأجلها ولصوت نحيبها المنهار ، دخلت مع والدتها للداخل،لم تكن ستنهار،لكن احتمالها طوال هذهِ الاشهر، وعودتها الى حضن امها بحزنها هذا جعلها تجن من الوجع، دخلت بتعب شديد لتستلقي على سريرها في الغرفة وبجوارها والدتها تمسح على رأسها ، مسكت كف والدتها الدافء وقبلته لتردف: تدرين يايمة شقد تمنى يمسك يد امه ويقبلها؟ ياما ايدي مسكها وقال ليتني امسك من بعدها يد امي...قلبي كل يوم يتقطع...
ام رياض بلعت غصتها وهي تمسح دموع ابنتها: لاتحاتين يابنتي....بيرجع ...دام ابوك عرف كل شيء صدقيني ماراح يخليه...
وريف بتعب : بيصير حالي اعظم واردى يايمة الحين لاني عشت معاه وشفت كل جروحه ترك في بطني اعظم جرح وخلاني اروح
ام رياض: بسم عليك ياقلبي من الجروح...يمة فديتك نامي ريحي...صلِّ ع النبي ولاتحاتين شيء...ابيك بيحل الموضوع ...
وريف تغمض عينيها بتعب وصوت ليث وهو يعدها بأنه سوف يعود لها سريعًـا لا يتلاشى من دماغها ابدًا ، بين دفء امها ، وبين هدووء انفاسها،غفت واخيرا لتختار النوم هروبًـا وحلاًّ من الوجع ،حينما غفت ، قبلت والدتها جبينها وغادرت لوالدها الذي يجلس بالصالة ، حدق في زوجته لتردف ام رياض بزعل : قاسي عليها يا ابوها كثير...
بو رياض بتأنيب ضمير: نامت؟
ام رياض بحزن : ياويلي عليها نامت وهي تبكي...
بو رياض يتنهد بوجع: بنتك وجعها مو مني...هي عارفة اني باخذ موقف...بنتك واجعها موضوع ليث...
ام رياض: وش السوات الحين؟
بو رياض ينظر للفراغ وبثقة وهو يهز رأسه : الا ما يجي اليوم اللي يرجع فيه...
ام رياض: طيب ماقدرت تدبر له محامين؟
بو رياض: مانعين نتواصل مع محامينه...حاليًـا يبون يحققون معه شخصيًـا وبعدها يمكن يسمحوا...
ام رياض: وليه مانعين؟؟؟؟مو من حقه يعين له محامي!
بو رياض: مشددين عليه لانهم يعتبرونه مجرم هارب لمدة عشر سنوات...فما اتوقع يتساهلون معه من البداية...
ام رياض بقلق : طيب شبتسوي؟
بو رياض بارهاق: والله مدري يام رياض...هذا انا مو قادر انام وكل يوم مكلم الجماعة...وبقولك شيء بس لاتقولين بنتك...يمكن الحين يكون حال الليث اصعب من قبل...بس ربي بييسرها وباذن الله بيرجع...
ام رياض بتوتر :انا مو خايفة الا على امه الحين...مدري شنو حالها...
بو رياض بوجع : امه طايحة ومودينها بالمستشفى مركبين عليها مغذي...
ام رياض بألم : ياويلي عليك يام ليث...صبرتي وقلبك احترق على ولدك...مدري انا لو بمكانها شنو ممكن اسوي بعمري...صبرها كبير هالمرة...
بو رياض يهز رأسه بتأييد : اي والله...
ام رياض : اجل بالليل نروح لها اذا طلعوها من المستشفى؟
بو رياض يهز رأسه : خلاص مو مشكلة...

لن ينام،لن يزوره النوم، لن يستغرق في قيلولة العصر التي يزاولها كل مرة ، ستبقى عينيهِ مفتوحتان للجحيم الذي يحدق به الآن ، ستبقى يديهِ تحتضنانِ الصمت،، سيؤازر جرح ليث على جرح جديد قد ظهر، جرح ابنته وحفيده الذي قد يأتي بلا أب، سيكون مشوار الوصول الى ليث صعبًـا ، لكنه الآن لن يجلس مكتوف الأيدي ، سيحارب حتى يصل الى نجاحه، ليصل الى صلب النتيجة المستحيلة، التي انتظرها طِوال سنين ، وهي الوصول الى حريّة ليث... وتحريرهُ من قيوده التي تنهش كفيه...رغم برائته...رغم انه ضحية لقسوةِ الدّهر وجورِ الزمن، أطلق تنهيدة وهو يرى هاتفه تأتيه رسالة
" تم تأكيد حجزك على طيران الـ ..... الرحلة ..... المتوجهة الى بريطانيا "
اغمض عينيه باستسلام...وهو يخطط ان لا يبقى صامتًـا هذهِ المرة وسيردُّ على افواه الجميع خصوصا وانه متأكد من براءة ليث هذهِ المرة بوجود دليل برائته واخيِـــرًا .
،

أتت بعد ان اوصلها السائق بعد ان سمعت بالخبر مباشرة، راكان كان متوجهًـا الى عمله ولكنه صدم ايضًـا بالخبر ليأتِيه اتصال شوق وتخبره بتعب ام ليث، هيّ جنت لاتعلم كيف تبقى في مكانها،استأذنت زوجها بالقدوم للمستشفى مع السائق ، عينيها تدمعان دون توقف، روعة اللاتصديق اصابتهم بعد ذهول الغياب الذي تسلل كالسرطان الى عروقهم، لاطاقة لهم بعد على الاحتمال، الخذلان الذي عاشوه طِوال تلك الفترة لن يستطيعوا مجابهة شيء مثله في الفترة القادمة، رأت راكان وبكت حينما نظر اليها، دخلت الغرفة بعد ان دلها زوجها علي، حينما رأت شوق التي تحتضن كف والدتها النائمة ، نهضت لها شوق مباشرة وهي تتقدم ناحيتها وتحتضنها لتبكي الاثنتانِ بعجز الانتظار ورهبة الموقف...كلاهما روحانِ شاخت على وسادة الانتظار، انتظار ذاك الأخ الذي اوسمته الغياب وسام البطل الذي صبر رغم برائته، كيانهم مجروح بخدوش حادة، عظيم جرح غيابه ، عظيم هو شعور الوحدة والبقاء على امل رجوع الاحبة، كلاهما تواسيَان بعضهما بعض ويمرُّ عليهم شريط معاناةِ فقده منذُ اللحظة الاولى التي أُعلن فيها غياب ليث رسميًـا ، امهم التي كانت تنهزم دموعها مع ذكرياتِ الماضي ، تلك الامّ التي صبرت على غيابك ليث...ستبقى مدينًـا لها طوال عُمرك ...سيبقى على عاتقك دين الصبر الذي صبرتهُ امك طويلاً وجابهت لأجلك كل الالسن التي تغرس فيك ...
شوق بعيونها الدامعة وهي تحتضن اسماء وبتعب: مو مصدقة يا اسماء والله مو مصدقة...احسني في حلم...والله في حلم...
اسماء بانهيار: انا اللي انفجعت والله...شفت ربعي يكلموني في الواتس اب ولاني دارية عن الدنيا...فجأة افتح التلفزيون واشوفه...والله على طول فكرت بأمي...خفت عليها كثير...
شوق تبتعد عن حضن اسماء وتحدق بوالدتها المرهقة : ماتدرين قد ايش انهارت امي...تغيرت الوانها بسرعة لما شافته...طاحت على رجولها...
اسماء تمسح دموعها : بسم الله على قلبها ...الحمدلله ربي طمن قلبها...وهي طول عمرها كانت امنيتها ان تسمع بس خبر عنه...
شوق بتنهيدة عظيمة: من اول ماعرفت بالاخبار يوم جينا المستشفى دقت على مشعل وعرفت كل حاجة...وكانت مصرة انها تشوف الوريف...
اسماء تبتسم بين دموعها: ياقلبي عليها مسكينة...راكان يقول لي ان مشعل كان يخبره عنها ويقول انها تعبانة من الحمل ومن هالمصيبة ...
شوق ترفع كتفيها : الله يعينها ماندري ايش اللي تحملت..
والدتهم استعادت وعيها تلقائيًـا، وهي تحدق في سماء الغرفة بصمت، ابتسمت بسعادة عظيمة لم تجابهها من قبل، وكأنها امتلكت الدنيا بأكملها الآن، حتى ان وجهها تغير الى الاحسن الآن ، عاد اللون الى وجهها، الاثنتان تكاد ان تقسما بأنهما لم تريا وجه والدتهما ممتدُّ بالسعادة كالتي فيهِ الآن ، مسحت دموع فرحتها وهي تبتسم : الحمدلله والشكر لك يارب...الحمدلله ..
استعدلت وهي تحدق في بناتها وبقوة لم تمتلكها قط: قلت لكم ربي ماراح يخيبني...قلت لكم ولدي بيرجع...
كانت تتكلم عن ابنها الغائب كأنه حرًا ، هي تعلم انه مسجون، لكنه الآن حرُّ من الغياب ، الجميع يعلم الآن عنه ، حتى هي مدها الله بأخباره بعد ان زاره الصمت عنه لمدة عشر سنوات . اسماء بكل حب توجهت لوالدتها وهي تحتضن امها وبسعادة : شفتيه يمة؟
هزت رأسها وبفرحة عظيمة: اي شفته...
اسماء بسعادة تبتسم وهي تقبل رأسها : قرت عينك يايمة بشوفته...عقبال ماتشوفيه قدامك وتحضنيه...
ام ليث تدير عينيها للسماء وبقلب أمُّ صادق:يارب...

دارت بينهم احاديث ، عن ملامحه التي تغيرت وزادتها تفاصيل الغربة شيئًـا آخر، رجولته التي طغت، بينما في السابق كان مجرد شابا عاديًـا ، أصبح الآن رجلاً بمعنى الكلمة، ...تفاصيل الأحداث،كيف سيتم الافراج عن هذا السجين البريء،كيف سيصلون الى نقطة النهاية...؟
،

في السِجن، الليلة الثانية له في السجن كان يراقب من فتحة الطعام بقية الزنزانات، كان يحاول ان يتواصل مع الحارس لكي يعرف اين هي زنزانة الدكتور وليد او كيف بامكانه التواصل معه لكنه يأس، يأس حينما لم يسمع أي جواب منه اتاه الشاب الصغير الذي بعمر الواحد والعشرين عام وقف بجوار ليث مبتسمًـا وهو يمد له الخبز لكن ليث رفض ذلك حتى حينما نام الجميع بقي هو الوحيد مستيقظا يمشي يمينا ويساراً لا يستطيع النوم هناك مايشغل تفكيره اطلق تنهيدة يأس حينما لم يلقى اي خبر عن وليد ليردف له الشاب وهو يمضغ الخبز ببتسامة : أظنك ستنتظر طويلاً سيدي حتى تصل الى ماتريد لا يمكنك حل هذا الامر الا معه..
واشار الى الرجل الكبير الذي تعاكس معه ليلة البارحة ، نظر اليهِ طويلاً وهو نائما ، سحب نفس طويلاً ثم اردف ليث باستنكار : مالذي يجعله الوحيد الذي يستطيع حل هذا الامر لي؟
الشاب-فرانك-: لدى السيد مايكل الكثير من المعارف في السجن وعلاقته جيدة مع غالبية الموظفين هنا...هذا يساهم في الوصول الى امرك جيدًا..
ليث يرفع حاجبه بدهشة : حقًـا؟
فرانك يبتسم بمرح: يجب ان تشكر الله بأن هذا السيد معك في ذات الزنزانة...
ليث ابتسم بصمت ، ثم ادار عينيه الى مايكل النائم في سريره، ثم توجه الى سريره وتسلق فرانك الى السرير العلوي ليردف لليث: مالامر الذي تريد الوصول اليه من خلال الحارس؟
ليث كان منغمسًـا في دوامة صمته، رفع عينيه ليجيب فرانك : لدي صديق لا يستحق الذي يعايشه الآن...اريد ان اعرف مالذي جرى له؟
فرانك صمت طويلاً ، ثم قال بممازحة : انت رجل سعودي، بالتأكيد لديك امبراطورية اموال تجعلك تخرج من السجن في ظرف دقائق...لماذا لاتستخدم امبراطوريتك سيد ليث؟
ضحك ليث بغير استيعاب، ثم اجاب ساخرًا : حقًـا؟ هل هذا ماتفكرون بهِ ؟ ليس كل مواطن لديه ذلك الكم الهائل من الاموال...لاتقلق...لو ان لدي المال الذي تتحدث عنه...سأستخدمه لصالحي بلا شك
فرانك مندمجًـا بدهشته : حينما سمعت قصتك شعرت بالغرابة...هل يعقل ان يسجن الشخص دون ان يستطيع الدفاع عن نفسه...
ليث صمت وبوجع طويل وعينيه في سماء الغرفة : حينما يعتقل شخص مثلي يعتقد انه هارب لمدة عشر سنوات...سيكون من الصعب الانصات اليه...هم يعتقدون بأن الهرب دليل على صحة الجريمة...
فرانك يطل برأسه على ليث ليردف: اذا لماذا هربت؟
ليث يبتسم لفرانك : كيف اسلم نفسي وانا بريء؟ ..
فرانك : لماذا لم تلجأ الى محامي؟
ليث : لانني لا املك دليل برائتي...اضطررت لاخفاء هويتي طيلة تلك السنوات حتى احصل على دليل برائتي
فرانك بفضول يلوي شفتيه: وهل حصلت عليه؟
ليث بتنهيدة : اجل...لكنه بقي السيارة ....او ربما نسيته في شقتي...
فرانك بدهشة : نسيته؟ ماذا تقصد بأنك نسيته؟
ليث يحاول الاستذكار : اتذكر بأنني وضعته على المنضدة قبل خروجي لكي اخذه معي الى المحكمة...لكن...اعتقد انني نسيت!!
فرانك : وكيف ستحل قضيتك؟
ليث وعينيهِ تنظران الى المستقبل : من الجيد ان تنام سيد فرانك....بدل التحقيق في قضيتي...
ابتسم فرانك : لماذا لم تسألني عن سبب وجودي هنا؟
ليث ضحك بسخرية : السبب هو انك شاب مشاكس بلا شك...
ابتسم فرانك بغيظ من برود ليث ليردف: لا استطيع معارضتك في هذا...صحيح! كم سنة بقيت بلا هوية؟
ليث يتنهد على هذا الشاب الفضولي، قلب وضعية نومه الى جنبه الايمن ورفع الغطاء على عينيه ليردف : عمت مساءًا سيد فرانك...
فرانك بفضول مجنون : لماذا لا تجيبني؟
صمت...وعينانِ ليث مغمضتان...هو متأكد بأن ليث يستمع اليه ولازال مستيقظا..لكنه اختار الصمت، بمجرد ان احس ليث بنوم فرانك...فتح عينيه وانخرط في سلسلة تفكير طويلة!!


،

على سفُوح كامبريدج كان يقف امام اطلالة الجبل الكبيرة ، خلف سيده الذي يبتسم بهدوء، يبتسم بنصر بعد طيلة تلك السنين حيث لم يخيبه هذا الرجل ابدا منذُ الوهلة الاولى الذي وكله لهذهِ المهمة، عين عديدا من الرجال الا انهم فشلوا،وهو الوحيد الذي انتصر، استطاع فقط بذكاءه وربما خبثه ان ينتصر على شبح ذلك الرجل الملاحق، كان هو من وصل اليه اولاً حتى قبل رجال الشرطة، ولكي ينتصر ويخفي اثار جريمته اختار ان يبلغ عن ضحيته السابقة.. كم كانت هذهِ المأساة قد خلقت من ذلك الانسان الكثير من الرماد ،وفي آخر لحظة اختار هذا الخبيث ان يحرقه بتسليمه الى الشرطة من خلال بلاغه الذي يعلم بأن الضحية بريئة من كل اصابع الاتهامات التي وجهها...
يقف بمعطفه الاسود الطويل وفي يده ظرف، خلفه يقف رجله الذي عينه طِوال تلك الفترة للتحري عن ذلك الرجل ...انه...الاســـــتشــــاري الذي قرر ان يبيع أعضاء مريضه السابق *ليث عبد الرحمن آل مـالك*...
ابتسم بانتصار ساخر الى رجله الذِي اشتراه بالمال والتفت ناحيته بفخر: صدقني لو انني وضعت عشرة رجال غيرك...لما قدموا لي هذا الانتصار الذي قدمته الي الآن على طبق من ذهب..
يبتسم الرجل بسعادة حمقَاء متعاليًـا: الرجل يتبع ذكاءه سيدي...
اطلق ضحكة قصيرة ثم اردف بعد وهلة صمت: فعلا...سيكون معروفك هذا على عاتقي دينًـا طوال حياتي...لقد انقذتني من القيود التي هي من المفترض ان تكون من نصيبي...
يردّ الرجل بامتنان: كان دعمك هو ما أوصلني الى هذهِ الحالة سيدي...
هز راسه بأسف: لو أن والدك لم ينسحب...لما اضطررنا للبقاء طوال هذه الفترة...
أجاب باستنكار مازح : ولما؟ هل الابن غير كافٍ بالنسبة اليك!
ضحك الرجل "الاستشاري" الاربعيني من عمره ، ضرب رجله على كتفه مازحـًا وبابتسامة امتنان : كافي الى درجة انك انقذتني ...*صمت ثوانٍ قليلة ثم أردف بابتسامة وهو يمد له الظرف* تفضل ...خذ الجائزة!
ابتسم وهو يلتقط الجائزة بصمت، ينظر لسيده الذي رمى سيجارته، لوح له بيديهِ مبتعدًا ، لكن صوت الاستشاري استوقفه مردفًـا : عمــــار...
التفت اليه عمار وبيدهِ الظرف ليردف الاستشاري : لن يكون هذا آخر تعامل بيني وبينك!...سيكون بيننا اتصال!
صمت عمار مبتسمًـا...ثم غادر الى سيارته الحمراء التي ركنها بجوار احدى اشجار هذه الغابة الجبلية ، ركب السيارة وتفحص الظرف، انه المبلغ الذي انتظره طِوال اشهر، كان كل شيء مستحقًـا ، ، ابتسم بهدوء وقد اعادته الذاكرة علىى ثغرة تركها ليث المالك،تذكر اول مرة تبع فيها ذلك الرجل ....
كان ماشيًـا الى احدى شوارع بريطانيا وكان هو يراقبه في السيارة ، ووجد مجرمين قاما بالسرقة ، لذلك قدم بلاغًـا للشرطة ليرى ردة فعل ذلك الرجل...


فِي شَوارعْ بريطَانيَا ..
بينمَا الليلْ يغطّي خطَايا ويمحُوها بين دماسِ ظُلماتِه .. بين أناسْ افتقدُوا الهوية الحقيقية .. يهِيم في الشّوارعْ ..بلا سببْ..ربما هذَا يجعل حنِينُه المكُبوتْ يرتَاح ، يَجعل ضمِيرهُ المُؤنّب أن يرتَاح..يجَعل قلبهُ المَحرومْ أن يرتَاح ..فمَا توانى عن المَشي بينما الناسُ نيَام ..أغلقْ هاتفه ..وابتعد عن كل شيء يخاطب نفسه..بـ ..

أيّتها الدُنيَا ذرينِي..فلا هَويةْ لمَن أدَانتُه الدُنيَا بجِرُم لمْ يرتكِبهُ سوَى أن الحنِين أترعهُ في قارعَة الطّريقْ .. أتركيني أبحثُ عن أنصَافِي ذريني أشتّم هوَآء يريحني ولو لمرة !! .. أطفئي نيران شوقي ومُهجَتي .. مدِينٌ لكِ ياوالدتِي..مدِينٌ لكِ يانبع الحنانْ ..بعشر سنوات من عمري..قضيتُها بعيدًا عن عينآكِ الباكيتَان..امّاه.. أتذكرِينْ يُوسفْ ويعقُوب..هذهِ اللعنَة تُعِيد نفسها لأكُون أنا *اليوُسف* الذي يضيع بين متَاهاتِ دُنيَآيْ ..لأرِثَ الهمّ..أكهلتنِي الدنيا وشَابْت مشاعرِي كعجُوزٍ هَرم ..أينْ لِي من هذا كله أن أجدَ هويتي .. أينَ لِي من هذهِ الدّنيا أنْ أرتَاح .. يا الله ..هل اقترَب الأجل ؟ هل ابتعَدْ الأمل .. والأمل عن دُنيَايَ رحل ؟ هل ما حدَث بي مُجرد لعبَة هزَل ؟ هلَ ما أصابنِي مُجرَد قتيل انقتَل ؟ هَربتُ مِن هويتِي..ليحصل بي ماحَصل !! الهِي..ماذا حصلل !!!
دَار حَول نفسِه والدنيا من حولهِ تدُور..خطَابُ النفس ربما يريحه..جلس على أرصفةِ الحنينْ .. واضعًا يديه على ركبتيه ومسندًا كفيه الى رأسه..عاقدًا حاجبِيه ..عاضًّا على شفتِيه.. أشَقاهُ الألمْ ..فحَدث ما حدَثْ .. كيفَ يُحبّ .. أو يعشق..غير رجوع هويته..وموطنه ؟ ..كل مرة يرى فيها عينَي مشعل ..يريد ان يعترف له..فلم يعد الصبر يطيقه..كلما رأى أحدًا يقترب منه ومن قلبهِ أكثَر فأكثَر..لايعَلمْ لما الانهيار هزَمه..خصوصًا بعد مجِيء مشعل..هزَمهُ وقتله..ويشعر أن فضيحَته ستذاع .. رغم ان لا ذنب له من هذا كله..ربمّا يحتاج الى جرعات قاسية..يقوِي فيها طاقته التي انهارت منذُ صاوبته عينِينْ *مجهُولتِين* ...
ربمَا عيناها..ربما عيني مشعل..ربما عيني ....لايعلمْ ..هو الآن في حالة غريبة جدًا..حالة لا يُحسَد عليهَا المَرء..اهتز كِيانه حينما رأى شُرطَة تحاوط المَكان..اتسعت عينَاه بتوتر..وهو يدير عيناه يمينا وشمالا دون ان يحرك وجهه..ينظر للمكَان بحذر وارتجَاف خصوصا بعدما حاوطت الشرطة به....
يا الهِي ..هل أوقع عمّار بي ...هل كشفنِي..الهي..بحق اسمائك الحُسنَى..بحقّ اياتِك العُظمَى وكلمَاتكِ التي تتجلى بها عظمتك ورأفتك ورحمتك ومغفرتك..جِد لي مخرجًا..
أغمَض عينَاه بلا شعُور وهو يردد : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ

تبعَثر كيانه مع تحركَات الشرطة وهو يخاطب الله تعالى ...وينظر الى السماء ويردد الآية وهو ثابت في مكانه..ثابت في وقوفه..انها لحظَة ان لا يعيش..لحَظة ان يمُوت..او يُسجَن..ولا يرى حُضن امه..ولا يعترف لمشعلل..ولا يعترف لفهد..خاطب صديقه يوسف بأسف وخذلان..يخبره بأنه فشل بما كان يوصيه يوسف عليه...لان الشرطة حاوطت المكان وكان المقصود مِن المكان هُو ..بلا شك ..
كيانه لم يتوانى عن أيّ دعاء يحفظه..يذكر انه حينما كان في وطنه..لم يكن قربه من الله تعالى كما هو الآن..في وحدته اشتّد تعلقه بالله سبحانه وتعالى وحده دُون سوَاه ..فلفظ لسانه آخر دعَاء لينكشف بعد دعاءه الغطَاء والمقَصد : الهي انك أنت العزيز الجبار الذي لااله الا أنت الهنا واله كل شيء الها واحدا، أسألك بحرمة الكلمات التامات كلها الأمن والعفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، والأهل والجسد والمال والولد والمسلمين أجمعين يارب العالمين انك على كل شيء قدير، وارحمني برحمتك ياأرحم الراحمين، واكشف عني مانزل بي من ضر وشر كل ماأردت من الأمور، وخلصني خلاصا جميلا يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وَ !!!!

إلهِي هلْ سيكُون الخلاَصْ بهذهِ السرعَة ؟ هيهَات ما هكذا الظنّ بكِ ولا المعروفُ فِي جُودكْ وكرمك أعلم أنّك تخبأ لِي مستقبلاً واعدًا بعدْ صَبر وأنتْ خيرُ الواهبِينْ لكنْ أهلْ حانَ وقتُ الغيَاب الحقِيقِي أهل حان فكّ الربَاط الحَداد ؟ هل أجسد من نفسي شخصًا يحضُر عزَاء نفسِه ليقيم الحَداد وطقُوسه هذا ما ستجسده عيني بعَد كلّ هذهِ الأيَام أ وَهل يخضَعُ الليثْ بعَد عشر سنواتٍ عُجَاف ؟ آآآه يا الله لَم يخذلنِي الله ولكن كل التعاسة التي من حولِي كانت بسببي بسبب هُروبي المشؤوم أأنظُر الي يدَاي وأراها مُكبّلتَان ؟ أمْ سينقذنِي الله حينمَا يصبّ عليهِم طيرًا مِن أبابيلْ تَرميهم بحجَارةٍ من سجّيل فيجعلهمُ كعصفٍ مأكُول ؟ يالرَحمتك وسعة جُودِك وكَرمِك هَبنِي من رحَمتكِ مخرجًا يُخرجنِي مِن ما آلَ بِه بنُو البَشر فِي فعله بِي إلهِي اني اشكوك فإن القَوم كادُوا ان يقتلونِ يتهزهز كيَانِي مع كلّ تحَركّاتهم تخافُ عيونِي من وسَاوسِ شياطِينهمْ او بالاحرى هم الشيَاطِين تَدكدكُ الأرضُ تحت أخامصِ أقدَامهم بينَما ثباتِي بِعظَمتِك وثباتِ رحَمتك وقُدرتِك هيهَات مَا خاببَ من سمّانِي الليثْ انها إراَدة السّماء بأنْ يكُون الليثُ اعصَارًا مهزومًا لينتصَر..!

كَان الخَطابُ مع النّفسِ طويلْ..وإغمَاضُه عينَاهُ كان أطَول..بعَدما ان تمتمَ بما يجُول بخاطِره لله..اهتزّ كيَانه وهو يَرى الشّرطِي قادمْ باتجّاهه..لم يتحرك وجهه..لكن عدَسة عينَاه تلوذ بالفرار ..وتبحَثُ عن مكَان يُساعدها على النّفور مِن هذهِ الأوجُه .. اختنق كثيرًا حينما شعر بأن السّر مفضوحح..وأنهُ خيّب الأمل ! ..مع كل خطوة يخطُوها الشرطِي أمامه..وجبينه يتّعرقْ لأنه المَكان مُحاطٍ ولا يستطِيع ان يلوذَ بالفرار ..تقدّم الشرطِي اكثر..وأكَثر..ونبَضات الليث تعتلِي أكثر..وَأكثر..ثمّ ......................

ثُمّ تجَاوزهُ الشّرطِي زَفر زفرة راحة بعدَما التفت الى الخلف يَرى مُجرمين ..يتم القبض عليهَما لا يعَلم مالسعَادة العويصَة التي اجتاحته..لايعَلم مالرحَمة التي نزلت عليه للحظَة ما شك بأنهُ هو المقصُود ابتسم للمجُرمِين ابتسَامة امتنان عظيمة امتنان لأن جريمَتهما أنقَذت ليث انقذتُه من ان يُغتَال ويكون تحَت رهنِ الاعتقَال الأبدِي حَمدالله حمدًا كثيرًا وواسعًا تم القاء القبض على المجرمين بينما هو همس للشرطي بانجليزية قويمة: سيدي هل هما متورطَان بعملية سرقة ؟
الشرطِي : كالعادة ..سارققي المصارف لم ينتهوا من عمليَات السرقة ..
ليث:هل استطيع الانصراف؟
الشرطي يوقع بعض الاوراق التي في يديِه ويبتسمِ لليث:بالتأكيد ..

أنصرف مِن المَكان بسرعة..كما الليث!

في سيارته ، كان يراقب كل ردة فعل يقوم بها هذا الرجل المدعو بيوسف، تأكد في تلك اللحظة ان هذا الرجل لديه شيء ما في جعبته،لانه لم يراقب الشرطة ولا المجرمين، بل راقب تحركات هذا الرجل، اصر على تتبع حدسه وشكوكه التي أتته...ومن هذهِ الثغرة...مضى تابعًـا كل خطوة يخطوها آدم دون ان يعرف...لكشف حقيقة ليث المالك.
شغل محرك سيارته....ثم انصرف!

،

ينزل من سيارته بجنون وهو يتقدم الى داخل مركز الشرطة، دخل الى الداخل بغضبهِ وتوتره وصدمته التي بلغته، بلل شفتيه ، حاول احد رجال الشرطة منعه من الدخول عند المحقق لكنه قاوم بغضب وهو يدخل الى الداخل ، فتح الباب بقوة وبغضب ضرب على طاولة المحقق وعيناه تلفحان شرارًا وغضبًـا ، عيناه تحكيان حكاية الانتظار والوصول الى نتيجة اوشكت على الحدوث ولكن تمردهم المفاجئ جاء على عكس صالحهم ، صخب صوته وبغضب بعد ان ضرب الطاولة اردف وعيناه تطلقان الشرار : بأي حق تمنع توكيل محامِي عن ليث ال مالك؟ ثم بأي حق تسجنه دون ان تسمح لنا بأن نقيم جلسات بالمحكمة العليا؟
المحقق الشاب يقف بغضب من تصرف آدم ثم يردف متوجهًـا ناحية آدم : بأي حق؟ هل تسألني انا عن مجرم هارب لمدة عشر سنوات قام بأمور غير قانونية خلال تلك الفترة؟ تزوير هويات متعددة واستعمال اوراق غير مرخصة؟ والاعظم من هذا هروبه من الحكم رغم معرفته بأنه قاتل ؟
آدم بغضب وبجنون يصرخ : قاتل؟ هل هذهِ النتيجة التي خرجت بها أي المحقق ؟
المحقق باتريك ينظر الى آدم وبجنون لفحت عيناه : اجل...هذه هي النتيجة التي يستحقها أي قاتل...
آدم يهز رأسه بأسف: وكيف عرفت أنه قاتل؟ كيف تثبت التهمة على شخص دون ان تسمع دفاعه عن نفسه؟ كل الاقاويل التي اراد اخباركم بها تم تهديده بأنها ستستعمل ضده في المحكمة..
باتريك بسخرية : هل بامكانك ان تتخيل مجرم هارب لمدة عشر سنوات ثم يصبح بريئ بكل بساطة؟ هناك قوانين نتبعها في اي حكم يصدر من المحكمة ...كونه يعد هاربًـا ...فهذا يثبت جرمه...
آدم بقهر شديد يشير الى باتريك : مع الاسف...انا اعرف المحققين امثالك.. طموحهم محدود فقط على المال والشهرة...
باتريك يجن بغضب وهو يمسك بياقة آدم غاضبًـا : هل جئت لتسمعني كلامًـا فارغا؟ هل تعلم كم قضية قمت بحلها دون ان تذاع للصحافة ؟
آدم بغيظ شديد يبعد يدي باتريك بقوة عن ياقته ويحدق فيه : اذا اثبت لي اخلاصك لعملك...
باتريك يتنفس بقوة عدة ثوانٍ ثم يردف : ماذا تريد؟
آدم يفجر القنبلة في وجه باتريك : دعني اقابل ليث المالك...


،

استيقظت الساعة الثامنة ليلاً فزعة ، نظرت للوقت وهي ترجع شعرها للخلف، كيف يعقل ان تنام طوال هذا الوقت دون ان تصلي صلواتها ؟ وقفت كالملسوعة بسرعة وهي تتوضأ لتقضي صلاتها جميعها، تنهدت بعد ان انتهت وهي تدعو الله ان يحرر سجينًـا كبلتهُ قيودًا طويلة وهو بريء، طوت سجادتها حينها سمعت صوت الباب، وقفت وهي تحدق لوالدتها تبتسم لها ، أميّ؟ هل يعلم هذا العالم بأني أمتلك أجمل شيء في هذا العالم وهو انتِ؟ تقدمت بخطواتها متوجهة نحو والدتهها تقبل رأسها وتضع يديها على شفتيها تشتمها طويلاً كما يفعل ليث لها ... ابتسمت بعينيها اللوزيتان ، تنظر لوالدتها التي تبادلها الابتسامة .. ثم اردفت لها والدتتها : صح النوم...ياجعل محد يرتاح في نومه غيرك...ها كيف نومتك يايمه؟
ابتسمت وريف تهز رأسها : الحمدلله يمة...نومتي زينة...
ام رياض تمسح على شعر ابنتها : طيب يايمة انزلي اكلي من الاكل...توني طابخة لك اكل لازم تاكلين...
وريف تهز رأسها وهي تتنهد: ماني مشتهية اكل شيء يمة..
ام رياض برفض : مافي هالكلام وانا امك...تنزلين الحين تاكلين قدامي...انتي حامل يايمة لازم تاكلين وتتغذين...لاتفكرين بس في نفسك...داخلك طفل ويتاذى معك..
تلقائيًـا ابتسمت بحب وهي تمسك بطنها وبجنون : يابعد امه اكيد جوعان الحين...ياربي كيف نسيته ماوكلته..صار لي يومين ماكلت شيء عدل...
ابتسمت والدتها وهي تهز رأسها بأسف : يعني الله يرضى ؟ تتوقعين ابيه يرضى بسواتك؟
وريف شتت عينيها بذكر والد طفلها ، لتبتسم وعينيها تنظران للفراغ : والله لو يدري بسواتي يذبحني ويخليني اكل غصب..
ابتسمت امها وهي تمسكها من يدها : اجل يايمة بسك عناد وتعالي اكلي...بعد ساعة بنطلع لعند خالتك ام ليث...كلهم يبون يشوفونك..حتى جدتك كلمتني من العصر تبي تشوفك بس قلت لهم انك نايمة...
وريف تبتسم بحب : ياجعلني فداهم...والله اشتقت لهم...
نزلت مع امها للاسفل لترى والدها مع مشعل يتحدثان عن تلك القضية التي شغلت عقولهم..حينما رأوا قدومها صمتوا تلقائيًـا ، ابتسمت وهي تتقدم وتقبل رأس والدها وتحتضن اخيها مشعل، جلست على الكنب بجوارهم لتأتي ام رياض بطاولة طعام متحرك ناحية ابنتها ، بدأت تأكل بهدوء ، كان والدها يراقبها صامتًـا ، ثم ابتسم تلقائيًـا لابنته مردفًـا : سمعت انك ماتاكلين ولا توكلين شيخنا..
توقفت عن المضغ تلقائيًـا وبقيت تنظر للامام، ثم ادارت عينيها لوالدها مبتسمة بخجل : استغفر الله يبه...انت شيخنا...
والدها يبتسم بفخر : كل عيال ليث شيوخ...
ابتسمت بذكر ليث لتردف وهي ترتشف رشفة بملعقتها من الحساء التي اعدتها والدتها : متى بتمشون يبه ؟
بو رياض اطلق تنهيدة مردفـًا : بكرة...الصباح...
فتحت عينيها على اوسعها وهي تردف : الصباح؟
بو رياض يهز رأسه : ايه ...*ثم نظر بو رياض لام رياض* أي شيء تبوه اتصلوا على راكان يحله لكم...انا وصيته عليكم...
ام رياض تهز رأسها : طيب...
نظرت ام رياض لمشعل : يمة مشعل جهزت لك شنطتك...بس شيك عليها ...
مشعل يبتسم : يافديتك يايمة...قلت لك انا احل هالموضوع
ام رياض تبتسم : ماهنا خلاف يايمة...انت توك جاي من سفر وبترجع للسفر ...تعب عليك...
وريف بين صمتها وهي تتناول الطعام اردفت فجأة : طيب لو رحتوا بريطانيا...بيسمحون لكم تشوفوه؟
مشعل يرفع كتفيه ثم يردف : والله لله العلم...مااتوقع بس انا وصيت صاحبي آدم يحاول فيهم...
بو رياض : كلمت الرجال يستقبلنا بالمطار؟
مشعل يهز رأسه : ايه كلمت آدم...
بو رياض يهز رأسه : والله انه رجال كفو...
وريف تقف بهدوء وهي تحدق في مشعل وتشير له بعينيه ان يلحقها دون ان يشعر اي من والدها ووالدتها وهي تدفع عربة الطعام للمطبخ : يالله يمه انا بس اغسل المواعين والبس عبايتي وبجي معكم...
ام رياض باعتراض : خليهم عنك يايمة انا اغسلهم...
وريف تهز رأسها باصرارها : خلاص يمة خليهم علي...فديتك انا لاتخافين ماراح يصير لي شي لو غسلت...
ابتسمت ام رياض ثم دخلت للمطبخ وهي تفتح الماء ، ثوانٍ حتى اتى مشعل وهو يغلق باب المطبخ ويحدق بها : شفيك؟
وريف بقلق وهي تفتح الماء ليصبح صوته عاليًـا على اصواتهم : مشعل حلفتك بالله...شحالة ليث ؟ بيقدر يطلع..
مشعل يتنهد ثم يردف لها : شوفي...انا ماراح اكذب عليك ...بس زوجك محتاج وقت حتى نخلص اموره...وخصوصا ان حنا مانقدر نسلمهم اي شيء دون محامي...
وريف يرتجف صدرها وهي تجلس على احدد كراسي طاولة الطعام الموجودة في المطبخ : كيف يعني راح يطول موضوعه؟
مشعل يبتسم لها بحنان : لاتخافين موضوعه راح ينحل ..خصوصا ان الحين ابوي وناس كثير عرفت بوجوده..اكيد راح يتغير الموضوع ويسهل...
وريف بعينينِ تلمعان وبصوت مرتجف: ممكن اذا شفته توصل له سلام كثير؟ وتقوله اني انا وولده ننتظره...
مشعل يقبل رأسها : الله يعلي شانك لاتقلقين...
نظرت له برجاء ان يوصل رسالتها ليهز رأسه مبتسما ومردفًـا : ان شاء الله بوصل له...
ابتسمت فورًا : جعلني ازفك عريس...
مشعل بضحكة : مو قبل لاتولدين ورعك...بعدها نتفاهم...
ضحكت وريف، غادر مشعل وهي انتهت من تغسيل الاطباق، ثم خرجت لتلبس عبائتها وتخرج مع والدتها ووالدها متوجهين الى بيت ام ليث!!!!


،
فتح عينيهِ بصدمة من طلبه المفاجئ والصعب جدًا الذي قد يفتح له ابواب لايستطيع التخلص منها ابدًا ، هز رأسه ، كيف يستطيع هذا الرجل ان يفرض هيمنته ويطلب هذا الطلب بمجرد رؤيته له ومن اول مرة ؟ ثم ماهذا الدخول الغاضب كالعصف الى مكتبه؟ اقشعر بدنه برفض ليهز رأسه في وجهه بعد ان طلبه وبكل بساطة ان يقابل السجين ليث المالك ،برفضٍ صريح تقدم ناحية آدم وهو يحدق الى عينيهِ مباشرة : ماذا؟ هل جننت!!!!
آدم يهز رأسه بإدراك وببساطة يجيبه : لا! ....انا بكامل قواي العقلية...
باتريك يضحك بسخرية على جنون طلب ادم : هل انت مدرك للشيء الذي طلبته؟
يهز رأسه وببرود يجلس على الكرسي المقابل لمكتبه وهو يشعل سيجارته ويبدأ بالتدخين : اجل...مدرك تماما للأمر الذي طلبته...
باتريك يضحك بجنون غير مستوعب لجنون هذا الرجل المجنون بالفعل ليردف : هل انت مجنون يا ابني ام ماذا؟ هل تعلم ان هذا الامر يتجاوز الرقيب العام؟ فكيف بمحقق عادي مثلي؟
آدم بسخرية : محقق عادي؟ * ضيق عينيه وبفضول ساخر* ترى لماذا تستهين بنفسك الى هذا الحد؟
حاصره آدم الى درجة مهينة ليردف باتريك وهو يجلس على الكرسي المقابل لآدم ويردف : هذا الامر مستحيل...يجب ان تستوعب هذا الامر...انه يتجاوز اخلاصي لعملي...
آدم باصرار : يجب ان تفعل كل مابوسعك كي اصل الى ليث المالك...
ضحك ساخرا بغير استيعاب لجنون هذا الرجل : لماذا يجب علي ان ءافعل كل مابوسعي لاجلك؟ مالذي سأستفيده انا من هذا الامر سوى مخالفة المدعي العام؟
آدم يبتسم بثقة وهو ينفث دخان السيجارة ويحدق للرجل بعينان باردتان ، وبعد دقائق من الصمت : انا اضمن لك انك ستربح في هذهِ القضية سمعة جيدة ايها المحقق...
المحقق يصمت... يصمت دقائق طويلة ليصيح مردفًـا : ماهو ضمانك؟
آدم بصراحة : دليل براءة ليث المالك...انا رأيت الدليل بأم عيني...
باتريك يرفع حاجبه مستنكرًا : اين الدليل الآن...
آدم يلوي شفتيه ثم يردف : لا امتلك الدليل الآن * حينما رأى باتريك يضحك معترضا اردف باندفاع * لكنني أعدك بأنني سأجده بمجرد رؤية ليث المالك...
باتريك يقف وهو يهز رأسه بغير استيعاب لجنون آدم : انت بالفعل رجل مجنون ...اعتقد انك تتحدث مع الشخص الخاطئ
آدم يقف وهو يضع سيجارته في مطفأة السجائر ويحدق في باتريك : بالعكس انا واثق من انك الشخص الوحيد القادر على مساعدتي...
باتريك يقلب بالاوراق بينما هو واقف يحاول ان ينشغل بالقضايا الاخرى التي لديه ، وهو يردف لآدم : تفضل خارج مكتبي سيد آدم...
ابتسم آدم يلوي شفتيه، ثم اردف وبثقة تامة : سنلتقي كثيرًا من بعد الآن سيد باتريك...أعدك بذلك...
خرج آدم منسحبًـا ، لكن باتريك جلس على مكتبه وهو يضغط على مقدمة انفسه بتوتر من الموضوع الذي فتحه هذا الرجل له...


،

يمرر الطباخ عربية الطعام الى جميع السجناء ليستلم الستة السجناء المتواجدون في هذهِ الزنزانة طعامهم ، مُررت العربية على الجميع ، وحينما جاء دوره ، اختار الرفض بصمت، رغم انه جائع بالفعل ، الا ان الطعام كان بشكل مزري بالفعل ، هو متأكد بأن معدته لن تتقبل هذا النوع من السم طِوال هذهِ الايام التي سيقضيها في الزنزانة ، اغمض عينيه وضغط بأصابعه على مقدمة أنفه...توالت انفاسه بسرعة وهو يشعر بتوتر غاضب ، لايعلم لماذا هذا الشعور بالغضب يجتاحه فجأة بشكل غير متوازن ، لدرجة انه يفقد السيطرة على اعصابه..اشتاق اليها بجنون، الى عينيها ، الى صوتها ، الى ضحكتها ، الى دفئها ، الى احتضانه بين ذراعيه ودموعه التي لطالما بللت اقمصته ، اشتاق الى نطق احرف اسمها بين شفتيه... اشتاق الى كل تفاصيل عاشها معها ... هي من دفعته لكي يتخلص من قيوده ، هي كانت الدافع الثاني من بعد امه للوصول الى حقيقة خلاصه، الا ان خلاصه اصبح مستحيلاً فجأة ، ...
كلمَّا أنصتُّ الى صوتِ القمر، وأوسمنِي ضوءه ، كبلتنِي قيود النظر الى السمَاء ، قرأت وجه حبيبتِي طيلة ليال ، كان يُخبرني بأن أعود ، بأن أفِـي بالوعود التي قطعتها لها ، كنت أستمع الى صمتِ الحجارة ، وأعتذر! لكن كم مرة أوسمتُ صدرِي بالأمل؟ وقطبتُ جبينِي بالغضب ،أصبحت بهشاشة الغيم ، بقساوة الحجارَة ، وكلما غنيّتُ أرجوزة الحريّة ، تخبصت كلماتها مع قَشعريرة المُوسيقى ،لم أصبح عازفًـا ولا كاتبًا لتلك الاغنية ، كنت أسيرًا للكبت في كل مرة ، داخلي بات يُشبه خارجي...فارغًـا ...باهتًـا ، خاليًا من اللمعان... حتى ظلِي أصبح يخاف من مرافقتي في الطريق ، كلما مشيت على الرصيف ، فرّ هاربًـا من رجل لا يعرف الخلاص ولا الحرية ، مضيت وانا أرى الطير وأحسدهُ ، لو أنني طيرًا ، لو أنني شيءٌ لا يرى ؟ ، وها أنا ذا...وحيدًا بقيت...أشربُ القهوة ، أحرق لساني كلما تذكرت عينيها ، ترتجف اوردتِي كأوتار عودٌ مخلصٍ ليد عازفه ، وأسمعُ عزفِي على ألسنة العالم ، ولكنني في كل مرة ، أبقى صامتًـا ... متى سينهضُ الذي بداخلي ويصرخ؟، متى ينفجر غضبي ... متى
وقف بغضب يكسر زجاجة الماء التي بجواره وهو يصرخ بجنون، حينما تقدم ناحيته احد السجناء المخلصين لمايكل بعد ان امره مايكل بأن يذهب الى ليث ، لكمه بقسوة على وجهه ، ليسقط السجين ، انها اللحظة التي لم يتمالك فيها اعصابه، تقدم له رجلين من الشرطة لكي يحاولان ضبطه الا انه بادلهم بلكمات متعددة على ووجوههم ، كان ليث لحظتها انسان لايمكن السيطرة عليه ، لو أن الاشخاص الذين في حياته يرون مايفعله الآن ، سيقسمون بأنهم لا يعرفونه بهذهِ الطريقة ... كان هجوميًـا وهائجًـا كالليث ، لم يستطيعوا السيطرة عليهِ ، حتى أتى جهاز الصعق الكهربائي ...ليسقط مغمى عليه...مهدئًـا زئيرَ الليث بداخله...


انتهـــى الجزء 41 .
الى الملتقى في الجزء 42..
اتركوا تعليقاتكم احبتّي :$




اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-17, 12:06 AM   #58

اسطورة !

نجم روايتي ومشرفة سابقة وفراشة متالقة بعالم الازياء

alkap ~
 
الصورة الرمزية اسطورة !

? العضوٌ??? » 120033
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 15,367
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » اسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond reputeاسطورة ! has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

البَارت (42) :
أيها البعيد كمنارة
أيها القريب كوشم في صدري
أيها البعيد كذكرى الطفولة
أيها القريب كأنفاسي وأفكاري
أحبك
أح ب ك
وأصرخ بملء صمتي :
أحبك
وأنت وحدك ستسمعني
من خلف كل تلك الأسوار
أصرخ وأناديك بملء صمتي ...
فالمساء حين لا أسمع صوتك :
مجزرة
الليل حين لا تعلق في شبكة أحلامي :
شهقة احتضار واحدة ...
المساء
وأنت بعيد هكذا
وأنا أقف على عتبة القلق
والمسافة بيني وبين لقائك
جسر من الليل
لم يعد بوسعي
أن أطوي الليالي بدونك
لم يعد بوسعي
أن أتابع تحريض الزمن البارد
لم يبق أمامي إلا الزلزال
وحده الزلزال
قد يمزج بقايانا ورمادنا
بعد أن حرمتنا الحياة
فرحة لقاء لا متناه
في السماء
يقرع شوقي اليك طبوله
داخل رأسي دونما توقف
يهب صوتك في حقولي
كالموسيقى النائية القادمة مع الريح
نسمعها ولا نسمعها
يهب صوتك في حقولي
واتمسك بكلماتك ووعودك
مثل طفل
يتمسك بطائرته الورقية المحلقة
إلى أين ستقذفني رياحك ؟
إلى أي شاطئ مجهول ؟
لكنني كالطفل
لن أفلت الخيط
وسأظل أركض بطائرة الحلم الورقية
وسأظل ألاحق ظلال كلماتك !..
.
.
أيها الغريب !
حين أفكر بكل ما كان بيننا
أحار
هل علي أن أشكرك ؟
أم أن أغفر لك ؟ ..

* لِـ غادّة السّمان .

كنتُ أحسدُ نفسِي على وقوفِي هذا أمام بيتِ أمّك وحيدَة دُونك تخيل؟ كيف أنظر لعيني أمك واخبرها بأني كنت معكَ طيلة تلك الاشهر؟ كنت أعرف كل شيء وأسُبر كل شيء داخلي لك تخيل لو أن تلك الموسيقى تنفجر ويرعدُ صوتها ويخبر العالم بأننا كنا نُحارب تلك الاشهر التي مضت وحيدُون ؟ تخيلّ هل يعود اليوم دونك؟ وأعيش العمر بلا صوتك؟ حتى الخيال أصبح صعبًـا مضى في داخلي خليجًـا هاج على شاطئه تطايرت لآلئي على الرمال قرص بدني ألف سرطانٍ ماضي وانا وحيدة أتحدث الى هذا العالم وأندبُ وحدتِي وحياتي الخالية من صوتك ؟ رباهّ كيف مضى وداعنا؟ لماذا ربّيتنِي على الرحيل لماذا زرعت بداخلي بذورة المغادرة في منتصف الطريق؟ تاركًـا في بطنِي طفلا لك لا يُعرف ان كان سيرى أباه او لا؟غزوتنِي بشتاء الذاكرة ونسيت أن تطفئ شمعاتُك المنيرة واصلت خطواتي الى الداخل فتحت الخادمة الباب وكنت افرك يدي بيدي الاخرى توترًا كيف لا يحدث لي هذا الجحيم وأنا سأرى والدتك التي لطالما حلمت ان تراها وتشتم رائحتها؟ كيف لا يحدث كل هذا!!
أغمضت عينيها وهي تتمنى ان يكون ليث بخير فقط ربتت على كتفها والدتها وهي تبتسم لها : يمة شفيك واقفة؟ كملي طريقك يالله...
لوت شفتيها تخفي هالة التوتر التي بداخلها ، ثم بعد ذلك صعدت الدرج المكون من ثلاث خطوات...ودخلت للداخل لتستقبلها جدتها التي ضربت على صدرها وتوجهت للوريف تحتضنها بشوق وبدموع وكأنها تحتضن ليث لتردف : ابوووك ياليث جبت كل من تحبهم ومارجعت...
احمر انفها وعينيها كناية عن حبسها للدموع، صدرها يرتفع وينخفض بشدة غير قادرة على هذا الاحتمال، تركها ليث تعود الى هذهِ المعاتبات والأوجاع ، تركها تعود ليشتم الجميع فيها رائحته ، رائحة وجعه ، احتضنتها ام عبد الرحمن طويلاً باكية ، وريف تعض شفتيها تحبس الدموع لتردف لها جدتها : يمة شفتيه وتحملتي؟؟؟؟ قلبك ماعورك يامك؟
وريف بوجع ودموعها ظاهرة : يمة كل يوم أصحى أدعي ربي انه يرجع....
ام عبد الرحمن بألم : قلبه مايوجعه؟ ماينهار اذا انذكر اسم امه؟
وريف بوجع تلتفت الى ام ليث التي تبتسم رغم دموعها لتردف وريف بغصة : يموووت على ذكر امه ....ماتدرين بقلبه قد ايش محرووق....
توجهت لام ليث التي وقفت واحتضنت الوريف وهي تشتمها طويلاً ، احتضنتها احتضان قوي يدل على شوقها لابنها ولكل من له علاقة به ، عادت تحمل رائحته، بقيت رهينة للوجع، وهو بقي رهينة للقيود ، بكت بصوتها مع ام ليث التي كانت دموعها تهطل بصمت وتبتسم رغم الدموع ، الا ان وريف لم تكن قادرة على التماسك وهي تبكي وشهقاتها تعتلي بالمكان ، الاثنتان تشدان بالاحتضان ، وكأنهم يتمسكوا بخيوط الحقيقة التي لاتظهر كاملة ... تمسكت بها متعلقة تتشبث بذكر ابنها ليث...الذي اكرمها الله بمعرفة وجوده ...ما جعلها تفقد عقلها بالصدمة حينما سمعت همسة ام ليث في اذنها دون ان يسمعها اي احد آخر : الحين محد بينوجع كثرك يايمة...بتحسين بطعم غيابه اللي محد حس به غيري...
رفعت عينيها الدامعتين وهي تحدق في وجه ام ليث وتقبل رأسها وكفيها وتردف : ليث وصاني أقبل راسك وكفك...
ام ليث ابتسمت بين دموعها وغصاتها المخنوقة ظاهرة : يارب ياكريم يرده لي سالم...
ابتسمت وريف وهي تحتضن اسماء وشوق ، لم تتخيل يومًـا ما انها ستكون أول من تراه، واكثر الاشخاص تعلقًـا به، صَدقت أمكّ ياليث، لن يوجع غيابَك الآن سواي أنا وامك ، لن يأكل من لحمنا غياب أحد سواك ، لقد وصلني صوت صمتك ، لقد زارني هُجرانك، لقد أتيتنِي مرة ، وسبحتّ في مجرى الدم ، اجتحت خلاياي ، لازلت أشعر بيدك وهي تحتضن يدي ...لازلت أشعر بدفء جسدِك ، وهمساتِك الحلوة التي تنساب على أذني ، لازلت أشعر بروعة احتضانك والوصول اليك ، يا الله...كيف أطعتك وتركتك؟ كيف رضيت ان أرحل بدونك ؟ كيف! ، لماذا لم أجابه تلك الصعوبات معك ، لماذا لم اواجه ماواجهته؟ ... هل ستفِي بوعدك وتأتي قبل انقضاء ثلاثة أشهر؟ هل تستطيع؟ ...لكني أعدك...بأني لن اتخلى عن فكرة عودتك، سأظل متمسكة بها كما فعلت امك ، حتى لو بقيت الدهر انتظرك، سأنتظرك... بالتأكيد لن يفعل والد مثلك من الغياب هاجسًـا لابنه؟ ...أصبح من الصعب علي ذكر اسمك دون تذكر كل التفاصيل التي عشتها معك...مثلاً ...ضحكتك...غضبك...غيرتك...مشجار تك إياي حينما يزداد هاجس العناد لدي...
لازالت الغابات الخضراء التي بداخلي تلتهب مع اغصانك المحروقة ، لازالت تنتظر منك غيثًـا ممطر...لا تكن علينا بخيل بالعودة...
كيف أنسَاك وقد سكنت بينَ أضلعِي؟ كيف يخطر على عقلي هُجرانَك وقد كنتَ موطنِي ؟ وأشرت لي بأني هويتك التي فقدتها، بأن الأمل الذي في عيناي يعني حربك للهَوية...

شَعرت بوجع في قلبها لكنها تحاملت على ذلك وابتسمت لام ليث التي تبتسم لها بسعادة : كيف الحمل معاك يابنتي؟
ابتسمت وريف تهز رأسها وهي تمسح على بطنها : الحمدلله...
جدتها تحدق بها : كم صار لك وانتي حامل يامك؟
وريف تتذكر اول مرة سمعت بخبر حملها كيف كانت محتجة ومتقلبة المزاج لتردف بابتسامة : الاسبوع الجاي اكمل 3 شهور...
ابتسمت لها ام ليث : يابعد قلبي يامك...حيل نحفانة يايمة لازم تتغذين عشان ولدك..
ابتسمت شوق بممازحة : اييييييييه...الحين طاح سوق فهيد ولدي...
ام ليث تبتسم : كلهم معزتهم وحدة...بس ريحة ليث غير...وانتي ادرى بالسبب...
اسماء تغمز لوريف وهي تضربها بخفة على فخذها : الله يعينك الحين على امي...راح تمشي معك شبر بـشبر...
ام عبد الرحمن *الجدة* بمزح : بعد ما أغلى من الولد الا ولد الولد...
ام ليث تبتسم وهي طيلة الوقت تحدق بالوريف التي تبتسم بخجل : عرف عن حملك؟
عضت شفتيها وهي تسحب تنهيدة طويلة :ايه..
أخفضت عينيها للاسفل تخبأ الدموع أمام صمت الجميع المفاجئ الذي أحسوا بتقلب مزاجها المفاجئ ، كيف لا تستطيع ان تختنق وهي تتذكر كل شيء معه منذ هذهِ اللحظة ، ومنذ الآن هي تشتاق اليه بجنون ، اختنقت بوجع وهي ترفع رأسها وتتحامل على دموعها وتبتسم رغم شحوبها المفاجئ لتردف لها ام ليث بابتسامة : عمري كله كنت اتمناك له...ربي ماخيب ظني...
وريف تبتسم بسعادة : الحمدلله...
أسماء وهي تتذكر صورته في الاعلام :ياقلبي عليه والله صار يشبه ابوي مرة...
ام ليث بعد وهلة من الصمت اردفت : الله يحفظه لي يارب ويرجعه لي سالم....اللي ربي عطاني اياه الحين ...قادر يعطيني احسن منه بعدين...
بعد صمت أردفت بعتب للوريف : بس ماراح اخليك يامك لوحدك الحين...بنتبه لك وبحطك في عيوني...
ابتسمت ام رياض : ولا لك لوا يام رياض بس حنا مو مقصرين...وبنتنا بنتكم..
ام ليث : انتي ادرى وش مقصدي من هالكلام...وانا اشهد انكم ماراح تقصروا لا انتوا ولا ابيها...بس ابيها قدام عيني اصبر قلبي بها في غياب ليث...
بلعت غصة مخنوقة تحاول عدم تقويس شفتيها ، اصبحت الغصة حارقة جدًا ، بدأت تشعر بحرارة في حنجرتها،امك بدأت تصبر نفسها بي في غيابك ليث ... بدأت تشتم رائحتك الملتصقة في جسدي...بدأت تشعر بصوتك في عيناي الصامتتين... ليت مخاض غيابك يزورنِي وتعود ، ليت الاشهر تمضي شهرًا بعد شهر... ليتني اتحرر من فكرة البقاء دونك... حينما تعلق شخصـًا بك..يخشى حتى الهروب من التفكير بك... تجعله يتشبث بكل خيوطك وهو يقاوم بشدة...تجعله يحارب لأجل الوصول ناحيتك.... بعدَ غيابك....تشتتّ خارطتِي....انهارَ مينائِي...وعُصف بشاطئِي ناحيتك.... مضيت وليتني لم أمضِي....
مضــــــــــيـــــــــــت ُ وليــــــــــتَـــــــنِـ ـــــي لم أمــــــــضِـــــــي !


سوادٍ غاش في عينيهِ ، صور مموهة ومتقطعة، يغمض عينيهِ ، ويعاود فتحها الآن ، كرر تلك الحركة عدّة مرات ، لكنه فتحها فجأة ثم أغمض عينيه بفزع من الضوء الموجود، ضوء اصفر موضوع في غرفة مظلمة ، ينتشر الضوء ليضيف نورًا بسيطا الا انه مزعجًـا ، فتح عينيه ليستوعب اين هو ، هو يجلس على كرسي،امامه طاولة ، يبعد عنه بمسافة 3 امتار نافذة زجاجية لايرى من خلفها ، ولكن بالتأكيد ان من خلفها ينظرون اليه، على الطاولة جهاز لاقط للصوت، امامه كرسي عليه معطف اسود ، ويقف رجل يشعل سيجارته يرتدِي قميص ابيض وربطة عنق انيقة ، كان يراقبه منذُ البداية ،رفع عينيه لزوايا هذهِ الغرفة هناك كاميرات موضوعه عند كل زاوية ، كان يقرأ المكان في عقله ...شيئًـا تلو الآخر...شعر بوخز خفيف عند طرف شفتيه ليتلمسه، رفعه تلقائيًـا ، دم متجمد من جرح سابق تذكر مصدره حينما تضارب مع الشرطة قبل عدة ساعات، اعتدل في جلسته وهو ينظر للرجل الذي فتح ازرار قميصه ورفع اكمامه للأعلى ، بدأ يشرب من كأس الصودا ونظر الى ليث ، ليث بدا صامتـًا جدًا ، لم يصدر أي صوت، ولم يحرك ساكنًـا...
تحدث الرجل وهو يرفع حاجبيه مستنكرًا : لا يوجد هنا سجين أكثر جرأة منك... منذ الاسبوع الاول اصدر ضجيجًـا في زنزانته...
أشاح ليث بعينيه صامتـًا دون ان يردف ، لكن الرجل اردف محاولاً استفزازه : أنت تعلم أنك هنا لغرض التحقيق معك...
صمت ليث يستفز المحقق، لكن ليث ابتسم ساخرًا حينما اردف له الرجل : باعتقادي انك اكثر المجرمين حظًـا في هذا البلد...لقد نجوت من غرفة الاستجواب هذهِ لعشر سنوات...
صمت، لا شيء آخر، عينانِ فارغتان من اي تعبير كارهتان للحديث ، هذا ماوجده المحقق من ليث ، تصفح المحقق عدة صفحات ثم رمى الملف بقوة امام ليث واردف : هيا تكلم...لقد اعطيتك مهلة طِيلة هذه الدقائق...أوه عذرًا ..لقد تم منحك فرصة مدتها 10 سنوات..
اطلق تنهيدة طويلة ثم اختار ان يصمت، لماذا يتحدث وهو بريء؟ هم يريدون اعترافه بأنه مجرم ، لكن الحقيقة عكس ذلك، وان اصر وقال الحقيقة سيرفضونها بقدر استطاعتهم ، علت نبرة المحقق الحادة ليردف : لماذا فعلت ذلك؟ هل انت مدعوم من جهة معينة!!
نظر اليها نظرة متمللة وهو يلوي شفتيه ويحدق فيه بانصات دون ان يرد، جن جنون المحقق ليردف لـ ليث بسخرية غاضبة : لا تخبرني بأننا نلعب لعبة من يصمت اولاً؟، اخبرني...لماذا قتلت الدكتور حينما حاول مساعدتك؟
ضحك ليث بسخرية ثم اردف : انت كتبت سيناريو كامل من نفسك ثم تأمرني بالتحدث؟ هل هذا عمل المحقق ؟!
شعر المحقق بالاحراج لوهلة وهو يدير عينيه للزجاجة ويشعر بالحرج ممن خلفها ليردف لليث : اذا انت تمتلك قصة أخرى؟
ضيق ليث عينيه وهو يبتسم ويديه المقيدتين موضوعتان على الطاولة ، ثم اردف : ومالقصة التي تمتلكها انت؟سوى انني قاتل هارب لمدة عشر سنوات متخبط بعدة امور غير قانونية واجرامية؟ ولا امتلك دليل براءة!
المحقق يهز رأسه وهو يمشي يمينا ويسارا ثم حك ذقنه واردف : انت محق...انا لا امتلك سوى ماقلته الآن...سيكون من الافضل ان تعترف بكل شيء...
ضحك ليث بسخرية طويلاً ثم نطق : انا بالفعل لا اصدق هذا...انت بالفعل مضحك...هل اعترف بما تعرفه؟
المحقق بتوتر يحرر ربطة عنقه ويوسعها عن رقبته ليجلس امام ليث ويردف : صدقني انك تساعد نفسك...قبل ان تساعدني...يجب ان أحصل على أقوالك كاملة قبل ان ترفع الجلسة الاولى للمقاضاة...
ليث نظر اليه بصمت ، ثم اردف بغضب : هذا اذا حصلت تلك الجلسة...
المحقق باصرار وهو يحدق في ساعته: تحدث الآن....اخبرني بالذي جرى ...لا اريد تجربة وسائل اخرى لاتناسب حديثنا الودي الآن...
قال اخر كلامه ساخرًا ، ليث يهز رأسه برفض : لن تأخذ مني أي شيء حتى يأتي المحامي المسؤول عن قضيتي... بعدها ...ربما نتفق على شيء ما بيننا...
ابتسم المحقق بغيظ وهو يهز رأسه بتوعد : لا تقلق....انا من سيجعلك يتحدث...
ليث ينظر اليه بنظرة متحدية قوية : وانا اخبرك انه يجب عليك ان تقلق!...لاني لن اتحدث دون محامي.
وقف المحقق وهو يضرب على الطاولة ويبتسم بوعيد : سأجعلك تتحدث ليث...سأجعلك تتحدث!
ليث يهز رأسه بابتسامة ساخرة أغاضته : اتمنى لك التوفيق في ذلك...!
خرج المحقق وهو يسحب الملف ويصفع بالباب خلفه ، ليأتي بعد عدة ثوانٍ شرطي ويجره بقسوة خارج غرفة الاستجواب، متوجهـًا به الى الزنزانة ، وكان الشرطي الذي صعقه بالكهرباء ينظر اليه بنظرة وعيد ، تجاهله ليث ، وقد دفعه الشرطي الى الزنزانة بقسوة ، واغلقها خلفه ، اما هو وقف يراقب من فتحتة الطعام حارس الزنزانة ومتى تبدأ دورته الليلية ومتى تنتهي كعادته...
الا ان مايكل استند على الجدار وهو يبتسم الى الشاب الذي امامه ليردف : لقد ابرحتهم ضربا ايها الشاب...لم اكن اتوقع بأنك قوي الى تلك الدرجة...
ليث لم يلتفت اليه وهو لازال يحدق بغيظ الى الحارس الذي يجلس على الزنزانة وبعد دقائق تنتهي ورديته ليأتي رجل حراسة آخر ، اغمض عينيه بقلة صبر حينما استمر مايكل يحدثه : لقد اخبرتك بأني أمتلك المعلومات الكافية التي قد تفيدك ...أسألني ماذا تريد وبامكاني توفير الاجابة لك...
ابتعد ليث عن البوابة بغيظ وحدق في مايكل : عمت مساءًا..
ثم تجاوزه عدة خطوات الا انه توقف حينما اردف له : لا تقلق صديقك لديه محامٍ الآن ومن المحتمل ان يطلق سراحه ...
تحركت عدسة عينيه يمينا ويسارا دون ان يلتفت، ثم وبسرعة التفت الى الرجل بغضب وهو يمسكه من ياقته ويسنده على الجدار وعيناه تلفحانِ بالشرار : اياك أن تكذب ....ان اكتشتفت ان ماتقوله مجردكذب اقسم بأنني هذهِ المرة فعلاً سأرتكب جريمة....
تقدم احد الشباب الى ليث ليحاول ابعاده عن مايكل لكن مايكل اشار اليه ان يتوقف ، حينما شعر ليث بأن جميع من في الزنزانة يحدقون فيه سحب يده من ياقة مايكل تلقائيًـا ليردف مايكل وهو يبتسم ساخرا في وجه ليث : ستكبر يا ابني وستعلم ان الرجال الذين في عمري لايحتاجون الى الكذب وهم في السجن...ستتعلم هذا حتما
ليث بغيض : لايهمني كل ماتقوله الآن....مايهمني هو ان اكتشفت مخادعتك لي ...فلا تتوقع مني ان اصمت ...
مايكل بتساؤل : لماذا لاتهدأ وتشرب كوبا من الماء ونتحدث رجل لرجل عن جميع الامور التي تريد حلها؟
ليث يتنهد بصمت وهو يبحث بعينيه عن فرانك، وحينما نظر ناحيته حدق بغضب وناداه : هيييييي....ايها الشاب...تعال الى هنا بسرعة!
تقدم فرانك ناحية ليث ليردف : هل مايقوله السيد صحيح؟
فرانك حدق في مايكل ثم نظر لليث وهز رأسه : سيد مايكل لا يكذب ليث...أنا واثق بأن مايقوله صحيح..
هز ليث رأسه...ثم حدق في مايكل بصمت ليردف له مايكل : هيا تعال واجلس ...
جلس ليث بعد وهلة من التردد على الطاولة الموضوعة في الوسط ، سكب احد من في الزنزانة الماء لكلا السجينين المتقابلين في الكلام الخاص بعيدا عن بقية السجناء ليردف مايكل له : لماذا تحمل هذا الغضب بداخلك يابني؟ كيف بامكانك حل مشاكلك وانت على هذا الحال؟
ليث يشبك كفيه ببعض بعد وزع نظراته على السجناء واعادها لمايكل مردفـًا : اعتقد ان هذا الامر لايعنيك..بامكانك التحدث الآن...
مايكل يبتسم وهو يهز رأسه : حسنًـا ...سأتكلم...مالذي تريد معرفته؟
ليث ينظر اليه طويلاً ، ثم يردف : كيف عرفت بشأن صديقي؟ وكيف عرفت بأن لي صديق هنا؟
مايكل : لقد اخبرتك مسبقًـا بأن علاقتي جيدة مع الحراس والشرطة ؟...
ليث حدق فيه بشك ليردف : لماذا انت بالذات علاقتك جيدة مع الحراس والشرطة...
تضايق مايكل بشكل غامض وهو يشتت عينيه ويردف متمتمًـا بغضب : اعتقد ان هذا الامر لايعنيك...
ليث ظلت عينيه معلقة في مايكل يقرأ ردات افعاله ، صمت لعدة ثوان ثم اردف : حسنًـا... لن اسأل عن ذلك... كيف عرفت كل هذهِ الامور...
مايكل يستند على الكرسي ويردف : ان الحارس صديق سابق لي...فمن باب الصداقة هو يخبرني بما اريد على حسب استطاعته...
ليث باندهاش ضيق عينيه : الا يعد هذا خيانة ضد العدالة؟
مايكل : اعتبره معروف يرده صديقي لي...
ليث : حسنًـا... ماذا عن صديقي اذًا؟ كيف عرفت بوجوده!
مايكل يبتسم : لقد سألت الحارس عن سبب وجودك هنا ...فأخبرني عن صديقك...
ليث شعر بألم شديد وغصة تخنقه : هناك صديق خارج السجن قد تعرض لحادث اطلاق نار من قبل الشرطة....هل تستطيع ان تجلب لي اخباره...
مايكل يضيق عينيه : اعتقد ان هذا الامر يتجاوزني...فأنا محيطي يقتصر على السجن فقط..
ليث وعينيهِ تلمعان بالدموع التي لاتهطل ابدًا ، ويجعلها حبيسة لهذا الالم : أرجوك...أنا بحاجة الى معرفة ماحدث له....لااستطيع التوقف عن التفكير في هذا الامر...
مايكل يربت على كف ليث ويبتسم له : حسنًـا..لاتقلق...سأحاول حل هذا الموضوع لاجلك...
ليث يهز رأسه : شكرًا لك...
مايكل يبتسم : لا داعي لذلك....
التفت مايكل الى سجين يدعى ويلي يهتم بالطعام والشرب في الزنزانة ليردف له : احضر لنا كوبين من الشاي من فضلك...
ابتسم ويلي وهو يسكب الشاي لهما،!

،
يعودُ إلى المنزل بعد الإنهاك المزرِي من التعب المفاجئ الذي اصابهُ فجأة بعد القضية التي كانت شُغلهم الشاغل لأشهر طِوال حتى بائت بالفشل دخل بسيارته الفورد السوداء الى باحة القصر الداخلي واوقفها امام النافورة وأسند رأسه على المقود كأن الكهرباء التي تضيء مدينة ككامبريدج احترقت داخل رأسه الآن كأن العالم أطفأ ضوءه ولم يرفق عليهِ حتى بنجُومه اصبح دامسًـا جدا على الرؤية مغبشًـا وكأن الضباب يسحق الغيوم ويعبرها رجل تسحقهُ هشاشة الدنيا وتقويه قوتها التي لاتمدها الا مع الأمل رفع رأسه للسماء كيف كان يسهر ليالٍ طويله يسهرها دون ان يشفق على نفسه كان قاسيًـا على نفسه بالمرحلة الاولى يحاول ان يجد الثغرات التي لم تغلقها عثراتهم السابقة الا انه الآن نال الصفعة خصوصـًا بعد أن طلب رؤية صديقه فهد او على الاقل معرفة حالته ولكنهم لم يسمحوا له، لذلك اضطر هو ان يتوجه الى زوجة صديقه ويخبرها بالمصيبة التي حلت على رأسهم لازال في رأسه قصة انهيارها، وكيف كادت ان تجن المسكِينة، اتصل على اخيها الذي يدرس بجامعة بروموث واتى فورًا على اول طيارة مباشرة ناحيتها حينما رفع عينيه نظر اليها كانت قد جاءت من الجامعة وفي يدها ملزمة تحتوي على عنوان بالانجليزي " مقدمة في العلاقات العامة "
حينما رأت سيارته في باحة القصر الخارجية امام النافورة توقفت شعرت بالقلق وهي تحدق بالنافذة تحاول ان تفهم ماذا بالرجل الذي يضع رأسه على المقود بانهاك مزري ضربت باب النافذة حتى رفع رأسه ورآها امامه سرح في عينيها لعدة ثوانٍ ليته يستطيع ان يكسر كبرياءه ويغوص في مجرة تلكَ العينين الا ان ذلك بات مستحيلاً حينما شتت نظراتها بتوتر ترجل هو من سيارته ووقف امامها شعرت بارتباك حاد يؤلم مفاصلها وارتجاف في ركبتيها لتردف بتوتر ونبرة غير مستقرة الصدى : شفيك؟...
رفع آدم حاجبه وهو يغلق باب السيارة ويقفلها بالمفتاح عن بعد الذي اصدر صوتًـا بمجرد توجيهه على السيارة : يهمك؟
أصرّت وكانت اكثر الحاحًـا وهي تشد على نبرتها : شفيـــــك؟؟؟
آدم ينظر لها طويلاً بصمت ثم يردف : مافيني شيء...
كان سيرحل الا انه استوقفته وهي تقول : ماراح تموت لو قلت لي همك... نقدر نكون *وبصعوبة نطقتها * أصدقـ...ـاء ...اذا احنا ماتلائمنا كزوجين..
فتح عينيه على اوسعها، لم يلتفت لازالت وجهته الى الامام، لايصدق كيف تستطيع تجريح ذاته بهذهِ الطريقة ، التفت بسخرية ناحيتها وهو يحدق بها : شرايك نصير اخوان بعد؟
شعرت بسخافة مطلبها وهي تشد على الملزممة التي في حضنها وتتقدم ناحيته بينما عينيهِ مسلطتانِ تماما عليها لتردف : طيب...نصير اي شيء بس المهم مانصير اعداء...احنا مو قادرين نتفق على شيء للآن
آدم يهز رأسه : هذا بفضلك...
هاجر بغيظ : خير يعني كل ماحاولت اهدي الوضع بيننا توتره اكثر؟ انت مايعجبك العجب...
آدم يصمت وهو يحدق فيها، لولا الحواجز التِي تبنيها امامي..لاحتضنتك الآن واخبرتكِ بهمي، لشكوتِك عما يفعلهُ الدهر بِي ، وكيف ينهال علي الهم تلوَ الهمّ ، دون ان يسندنِي احد، لقد بقيت جافًـا من أثر الوقوف صامتًـا لوحدِي ، دون كتف استند عليهِ او مرجع ارجع له،رجل بلا اية احتمالات،يصمت كل ماشعر بتجريحك ينهال على قلبه، لماذا تستهينين بمشاعري ناحيتك وتطلبين مني ان نكون مجرد اصدقاء؟ لو اخبرتني بأننا اعداء ربما كانت هذهِ الفكرة الطف على مدى قلبي ، ومسمعه!...لكنك اخترتِي ان تكوني اكثر النساء قسوة وتسلطا، وتجبرًا وكيدًا...لم تتعلمي يوما ان تخبريني بماذا يدور في عقلك، او تبتسمي لي بدلال وتخبريني بأجمل الحروف التي كنت اتوق لانتظارها وسماعها...
اطلق تنهيدة بحجم الكون واكبر ليردف : هاجر...الوضع اللي بيننا مزري ..ماتوقع اني فيه زوجين بالعالم راح يحتملون الوضع اللي حنا فيه...
هاجر تشعر بغصة خانقة تحرقها من الداخل:اذا من البداية منت متحمل وجودي ...خبر ابوي وتخلص من همك...
صمت ادم يدير عينيه ويشتتها لتستكمل هي كلامها بالوجع : واذا كنت مو قادر تفاتح ابوي بالموضوع انا اقوله ....ان سبق السيف العذل وماعاد يتحمل حدفينا الثاني...
رفع عينيه ناحيتها لتردف بغصة مخنوقة وواضحة وانكسار يبين من انحناءة كتفيها : كثر الله خيرك على كل هم اسقيته قلبي...
آدم يشعر بالجرح يخنقه اكثر، يتفتت قلبه كلما حاول استجماعه لاجل انثى تحاول الهروب منه كل ما ارساها في بحار قلبه، لكنه حاول ان يتماسك وهو يشد على قبضة يديهِ ويطفي لمعان عينيه ليردف بقسوة تعاكس العصف بداخل قلبه : ولا لك لوا!
هزت رأسها بأسف وانكسار لتمضي حزينة للداخل، اما هو اغمض عينيه ، امسك قلبه، فتح عينيهِ ولمعت عينيه ، اختنق بجرحه وهو ينظر لطيفها الراحل الذي يتمنى ان يحضتنه ويرتاح فيه، يبث فيه همه، الا انها في كل مرة تغرز سكينًـا ساما في بدنه...
هز رأسه بتعب مردفًـا : ليتنــــي قبل أحبك...مســــــتخير!!!!

،
بعد انقضَاء الساعاتْ، عادت الى منزلها مع والدها ووالدتها في السيارة، مشعل لحق بهم في السيارة،ثم مضوا ناحية المنزل، هي معتكفة في الصمت، تحاول ان تشغل عقلها عن التفكير،لكن هناك وجع لطيف من جنينها الذي تشعر بحريق في داخل بطنها منه، تنهدت وهي ترفع عينيها للسماء وتغمضها كما يفعل والده،تضع يدها على بطنها وهي تتذكر كفه الحانية وهي تمسح على بطنها، اغفلت نفسها وسلمتها للانهاك،هي تستمد القوة من ابنه الذي بداخلها، ولكن الضعف الذي يزورها من شوقها اليه، هي غير معتادة ان تبتعد عنه كل هذا البعد بعد القرب منه كل تلك الاشهر، 11 شهرًا مع ليث...وفي شهرهم الاخير نزلت بوداعٍ مضني تاركًـا لها طفلاً في جوفها، صمتت بهدوء وهي تتمنى من الله ان ينقضي هذا اليوم الطويل وان يستطيع والدها ان يحل لهم الموضوع !سمعت نبرة والدها الحاني يناديها: يبه وريف...
فتحت عينيها وهي تعتدل بجلستها لتردف: سم يبه...
بو رياض: سم الله عدوك يابوك...انا كلمت راكان يضبط مواعيدك بالمستشفى...وهو راح يوديك...بكرة عندك موعد الساعة 8 بالليل...امك بتروح معك...
وريف تهز رأسها : طيب ...
بو رياض: ماراح نطول انا ومشعل باذن الله....وزوجك وماوراه خلاف ان شاء الله موضوعه محلول بما انه الدليل معنا...
وريف تشعر بخمود في توترها بعد تطمين والدها لها لترف: باذن الله...
بو رياض بنبرة اصرار عاتبة وقوية : واكلــــــــي!!...مابي اكلم امك وتقول انك معاندة....هالكلام مايصير وانتي مرة حامل...
ابتسمت بحب لوالدها:حاضر يايبه...
نزلوا من السيارة لتسبقهم والدتها الى الداخل ، وحينما كانت ستدخل للداخل استوقفها والدها الذي يردف لها : يبه وريف...
التفت بصمت لوالدها، عينيها كانت ممتلئتانِ ، لاحديث يخرج من فاهها المُقوس بالوجَع ، تجابه الحريق بتنهداتها الصعبة التي تخرج من صدرها ، حينما شعر والدها بحرارة جرحها تقدم ناحيتها يحتضنها بقوة لتبكي مثل المفزوعة في حضنه وهي تخبره بأنها تشعر بخيبة امل عظيمة ، لقد كانت تخطط معه طوال تلك الاشهر ، وكانوا يفعلون كل شيء ويفكرون بكل شيء معًـا ، لاتعلم لماذا تسلط عليه الغياب فجأة ؟ ابتسم والدها بحنان وهو يمسح على رأسها : هالحين انتي تحسي بخيبة من اللي صار لك مع ليث وانتي بس سنة معه ...كيف بأمه اللي تحملت عشر سنين؟ يايبه تصبري ..البكا والحزن ماراح يرجع لك الغايب...
وريف بألم : اخاف اجيب ضناه وهو مو معي...اخاف اجابه كلام الناس لوحدي...هو وعدني انه ماراح يطول عشان يحل موضوعنا ...يبه احس القبيلة بتاكل من لحمي ولحمه كثير!
بو رياض يمسك وجه ابنته بكفيه ويحدق في عينيها مباشرة : وحق اللي خلقك محد يقدر يدوس لك على طرف...ولو فكر احد يتعرض لك قدامي ..ماراح يدل غير قبره...
وريف تقبل كف والدها المستنده على وجنتها وبعينين تلمعان بالدموع ابتسمت بثقة : انا واثقة انك تحل كل شيء يايبه...
بو رياض يبتسم لابنته ويهز رأسه : من بعد اذن الله...
وريف : انتبه لحالك يبه...طمني لاتتركني بلا علم...ادري فيكم تخبون واجد...
بو رياض يهز رأسه : ان شاء الله...
وريف تهز رأسها وباصرار : اوعدني يبه...
بو رياض يبتسم لابنته ويقبل رأسها ، يعلم تماما بأنه لايستطيع ان يفي بوعده لها : ادخلي داخل ورا امك...بحل كم شغلة انا ومشعل وبنرجع...
وريف تصمت، والدها لايستطيع ان يعدها، لانه يعلم بأنه سيخبأ الكثير عن وريف ، خصوصا كونها امرأة حامل الآن ، وكما يعلم هي في شهورها الاولى... ودعت والدها ودخلت للداخل تفكر بالالم المستحيل الذي انتقل الى نخاعها ...

،

في السجن كان صامتًـا يراقب مايكل وهو يتواصل مع الحارس من اجل ان يطمئنه بفهَد ووليد كان متوترًا بشكل ملفت وهو يحك ذقنه توتره بدا واضحًـا الى درجة وقوفه وتقدمه ناحية مايكل الذي ما ان اغلق الحارس نافذة الزنزانة الصغيرة توجه لليث ليجده واقفًـا امامه بتوتر ابتسم مايكل وهو يراقب هالة التوتر الواقفة امامه رجل انهكه القلق منذُ ان وعده بأنه سيؤمن له اخبار صديقيه اللذان وقفا معه رغم صمته وكذبه عليهم فهد الصديق الذي كان يعلم بمـاهيته وهويته الحقيقية لكنه فضل الصمت كي لا يبعده عن طريقه ولا يشتت تركيزه مهمَـا كان جميلُهم صعبًـا وعظيما على عاتقه سيحاول ان يرد هذا المعروف الذي لايعلم كيف يرده بالفعل. سحبًا نفسًا عميقًـا وهو يحدق في مايكل . توجه معه الى الطاولة الخشبية ليجلسا متقابلان .
ليث بقلة صبر : ماذا حدث؟ هل وافق!
مايكل يبتسم : اخبرني ايها الرجل؟ لماذا افتقدت الصبر حينما اتيت الى السجن؟ يجب ان تتحلى بالصبر امامك الكثير لتصبر عليه!
ليث بدون اهتمام وبنبرة اصرار مشددة : أخبرني ماذا حدث؟
مايكل يشبك يديه : قال ان الامر صعب..لكنه سيحاول!
ليث بغضب : سيحاول؟ صديقي على صدد الموت وتخبرني بأنه سيحاول؟
مايكل يقف ليهدأ من ليث : إهدأ إهدأ انت تعرف ان صديقيك متواطئان في قضيتك بالتأكيد لن يستطيع الوصول أي احد لهما قبل سحب اقوالهما..
ليث باصرار : انا لا اريد أي شيء...اريد ان اتأكد بأن كل شيء على مايرام..*وبألم غامض* لا أريد من أي شخص ان يكون ضحية للسنين التي قضيتها بعيدا عن القضبان.
مايكل : ليث يابني...يجب ان تتحلى بالصبر..*نظر في عينيه مباشرة* وسوف أساعدك في الوصول الى صديقيك...لكَ كلمتِي!
ليث يحدق فيه طويلاً ثم يهز رأسه : شكرًا لك.
مايكل يمد يده لليث : هل بامكاننا ان لانكون اعداء الآن؟
ليث لازال لايثق بمايكل، تنهد طويلاً وهو يحدق فيه ليردف : لن نكون اصدقاء بالمقابل..
مايكل يبتسم : المهم ان لانكون اعداء...
صمَتت عينيِ ليث ودارت الى مكانه ، جلس على سريرهُ ، هناك حريقُ ينتشَل قلبهُ من صدره ، لا يدله الا على الردهَاتِ الضيقة في هذا العالمْ ، يختنقُ كلما شعر بأن الموت يقترب منهُ أكثر من الحرية ، الى الآن لن يحَسم مصيرهُ بعد ، لا محامِي ، لا جلسَة مقاضاة ، ولا حتى أي تواصلْ ، حقه في اجراء مكالمة بدا ممسوخًـا من القائمة بعد هروبه هذهِ السنين العشرْ ، مايحرَقُ قلبه و يفتت مهجتَه بأنهُ قد لا يرى طفله وام طفله ، اغمض عينيه يدعو الله ان ينهي هذا العذاب الذي يلاحقهُ طِوال ايام عمره.

،

في مقهى خارجِي في مدينة كامبريدج مقابل لمركز الشرطة كان يجلس وهو يحتسي قهوته الاسبرسو المزدوجة بدون اية تعابير يحَملها وجهه ينظر للمارةَ وبجواره كلبه الروسي يتناول طعام يوفره المقهى للحيوانات الاليفة وبما فيها الكلاب اطلق تنهيدة وجع حينما تذكرها كيف غادرت حياته وبلا أية مبررات تلك المحامية التي عشقها وطالت ايامه بها لمدة 3 سنوات متتالية ولم يتبقى منها الان سوى الحطام لقد تركته بقايا رجل محطم يتسكع في المقاهي الليلية ليشرب الكثير والكثير وتكون نهايته في مركز الشرطة تم تهديده من قبل المركز الذي ينتمي اليه بأنه سوف يطرد من وظيفته في حال ان لم يتوقف عن هذه التصرفات في النهاية اضطر ان يدخل هيئة اصلاحية ليكون مستعدا لمزاولة وظيفته .
اصبح كل شيء مغيمًـا في عينيهِ كتجمهر الغيُوم على ساحة الشمس السوداوية التي امتطت حياته بسبب تلك المرأة سرقت منه الكثير من الحياة من الصعب ان يُكسر الرجل بسبب إمرأة من الصعب ان يجمع فتاته وغروره الذي تناثر على حلبة الارض ، من الصعب ان يستعيد كبرياءه الذي جعله كطفل يتيهِ باكيًا في المقاهي بجنون .
لمعت عينيهِ بالشوق والوجع في الوقت ذاته ، تحامل على وجهه ، سعل يطرد الغصة التي خنقت حنجرته ، ليرَى ذلك الرجل يأتي من بعيد وهو يتجاوز الشارع والسيارات قاطعًـا الطريق . متقدمًـا ناحيته وبكل ثقة يجلس على الكرسي ، اشاح هو بوجهه تلقائيًـا ، وهالة من عدم الرضى تحيط بوجهه . تكلم بغير رغبة في الحديث : مالذي تفعله هنا ؟
ابتسم يطلب قهوته السوداء المرة من الجرسون ليتحدث مع الطرف المقابل بابتسامة : اعتقد بأنك فكرت جيدًا بالعرض الذي قدمته اليك سيد باتريك .!
باتريك بغضب : انت مخطأ سيد آدم ..فبعد هجومك الهمجي علي في مكتبي لا اظن ان فكرتك ستحضى بفرصة التفكير
آدم باصرار يبتسم : لكنني مصر سيادة المحقق! ..وبشدة!
باتريك يلم قبضة يده : هناك الاف المحققين في مقاطعات مختلفة في انجلترا..لا اظنك تحتاج الى محقق سيء السمعة في اعادة النظر لقضيتك التي من الواضح انها مجرد قضية فاشلة.
آدم يرفع حاجبه باستنكار : كيف تثق الى تلك الدرجة بأقوال الحكومة التي لم تستند الى دليل واضح؟
باتريك باندهاش : هل يوجد ما هو اوضح من البصمات في مسرح الجريمة؟
آدم يضحك ساخرًا : يا إلهي! ... بإمكاني ان اقتل شخصـًا ما هنا وستكون بصماتك في المكان سيد باتريك.. صدقني ان بصامتنا قد تكون متواجدة في مكان لم نرتكب فيه الجريمة!
باتريك يضيق عينيه : حسنًـا ؟ وماذا عن هروبه؟ الا يعد الهروب دليلاً واضحا على الجريمة؟
آدم : ليس في حال ان كنت شخصًـا لا يؤخذ بكلمته ولا يستمع الى دليل براءته.
باتريك بصمت يحرك عدسة عينيه ، ثم اردف : اسمع!..انت تحاول ان تتلاعب في دماغي...لكنك فشلت
آدم بانفعال : يجب ان تمنح هذا الرجل البريء فرصة ..عشر سنين قد ظلم فيها ...لقد ضاع عمره حتى يستطيع ان يكون بريئًا ..لايمكنك ان تحطم احلامه الى تلك الدرجة وتدهسها ...من الجيد ان يساعدك ضميرك في اعادة الروح الى جسد هذا الرجل... ان تعيد لوالدته التي لم تحضى برؤيته منذ تلك الليلة.
باتريك كان ينظر لآدم بصمت ، هناك ماحرك مشاعره فجـأة ، لكنه اختار ان لا يخطو خطوة واحدة الا وهو متأكد من كل شيء تماما : ولماذا ينبغي عليَّ ان اثق بك!
آدم يرفع كتفيه : مع الاسف انت لاتملك خيارًا آخر سوى ان تثق بي!
باتريك بسخرية : حقًـا ؟ واذا كان جهدك مجرد تلاعب؟
آدم : انا واثق جدا مما اقول سيد باتريك. لقد رأيت الدليل بأم عيني. انا احتاج فقط للتواصل مع ليث حتى استطيع معرفة مكان الدليل.
باتريك يهز رأسه ساخرًا : بالله عليك يارجل! اترك هذا الامر..امر لقائك بهذا المتهم يتجاوزني بالفعل.
آدم باصرار ونبرة مائلة للحدة : بالعكس! الامر تحت سيطرتك تماما...ان كنت تريد تحسين سمعتك...فلقد أتت الفرصة الي يديك..سيكون من الجيد ان ترى الصحافة تكتب عنك وترد اعتبارك بعد تلك الايام التي تم تشويه سمعتك فيها!
باتريك ينظر لآدم الذي لايعلم كيف عرف تلك المعلومات عنه ، اطلق تنهيدة : حسنًـا ...كيف سأؤمن اللقاء؟
آدم يبتسم بانتصار : لاتقلق...سأجد حلاً لهذا الامر. المهم اننا انتهينا من مهمة اقناعك..
صمت باتريك ، احتسا الاثنان قهوتهما وهم يتبادلان النظرات بصمت .



اسطورة ! غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-06-17, 05:29 AM   #59

زينه 4

نجم روايتي ومشاركة بمسابقة الرد الأول وابنة بارة بأمها

 
الصورة الرمزية زينه 4

? العضوٌ??? » 372378
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 3,418
?  مُ?إني » قلب امي
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
?  نُقآطِيْ » زينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond reputeزينه 4 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
يمّه على داعيك يزداد قدّي بك افتخر يا ملهمه يا عظيمه
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

من اجمل ماقرات اتمني أن تكملها الكاتبة

زينه 4 غير متواجد حالياً  
التوقيع

كل يوم حكاية تسرد على مسامعنا مزيدا من أمل
تخبرنا بأن ما عند الله أفضل
تجعلنا نتفائل ...💛💭
رد مع اقتباس
قديم 21-11-17, 07:54 PM   #60

هبةالربيعي

? العضوٌ??? » 362843
?  التسِجيلٌ » Jan 2016
? مشَارَ?اتْي » 718
?  نُقآطِيْ » هبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond reputeهبةالربيعي has a reputation beyond repute
افتراضي

الروايه تنزل حاليا لو متوقفه رجاءا ردوا ع سؤالي اخاف اتابعها وتنغلق

هبةالربيعي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:47 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.