السحر المائل للسمرة

[طارق خلف]

السحر المائل للسمرة

ها أنت تحمل هم امرؤ القيس و خمرة الحب تلهيك عن ثأر أب سجيته فى قلب لحد وضعت خده على صفحة الرمل ولم تجد من يرحم علتك ويحفر معك .. وأنت تنبش بيدك العليلة وروحك الكسيرة .. تكرم مثواه .

فكوا جبيرة الجبس عن شقك الأيمن من أعلى ، انتزع الطبيب سلك خاط به فروة رأسك بعد أن التأم الجرح .. أرسلت عيون النساء اللواتى أحطن كغرابيب سود بسريرك سؤالا متى تفتك بقاتل الأب الواقع فى قبضتك ؟ الراقد فى الغرفة المواجهة لك يئن من سكين حاول به ابوك أن يذبحه , سمى وكبر عليه , أخطاء العروق .. رسم بنصله خطوطا غائرة فى الجلد ، لحظة اصطكاك الفئوس على أم رأس أبيك قبل أن يسقطوه ويعزقوه كأنه نبته شيطانية تجتث من حقل سلبوه من جدك فى جلسة عرفية وصمته بالغمز بعينه لحرمة شمطاء من نسائهم .

بعد شهور حصده منجل غضبهم متشفعين بقول شهود انه تعدى بفعل على الشمطاء .. نصبوه فى جرنهم لأيام، مرفوعا على خشبة تحول لونها للاحمر القانى .. رد ابوك بطلقة يتيمة سكنت صراخ طير يقال له الهامة يقف على الدم النازف من القتيل ينادى
: اسقونى .. اسقونى .

تتناول حبات فيها شفاء من يد ممرضة , تتغذى بطول النظر لوجهها المائل للسمرة ، أناملك تمس يد تحمل كوب ماء .. يسرى تيار من النشوة فى دمك تركب صهوة المقامرة تقرص خدها .. تحمر وجنتيها .. ترميك بنظرة تأنيب و تنعقد جبهتها بالغيظ .. يجف الريق من حلقك فتسعل .. تنفرج شفتيها عن ابتسامة ماكرة حمالة اوجه وقابلة لكل تأويل .. دعوة ، تحذير تفقد البوصلة التى ترشدك لاى سبيل معها فيه تسير .

أنت اسير رأس أبيك الذى فصلوه عن جسده ألقوه لصبيانهم ، يجرون به وأنت المضروب بالشوم على لوح كتفك تميل بشقك على جرحك وتصرخ فيهم وتركض وقعت فى حماهم ولو شاؤا ألحقوك بالوالد ويسقوك بضربة جزاء كأس المنية بيد إنهم تركوا لك الرأس ملطخا بالوحل .. مسحت عنه الاذى بعرقك والدموع .. وضعت الرأس فى حجر الجلباب جذبت طرفة حشوته فى فمك .. أطبقت عليه أسنانك .

سرت تتوكأ مستندا على الجدران ، طابور المتفرجين من خلفك ، عيونهم كاميرات تصوير توثق جمعك للحمك .. رد الرأس لحضن الجسد, حمل النعش على أعناقهم من أشفقوا عليك , أرادوا اقتسام اجر تشييع الجنازة معك .

تحملت قدرك تصارع ألم الفرع والجذع الباقى لشجرة أوشك أن ينتزع جذرها من حديقة العائلات بالسجل المدنى .. قطيع الثكالى حول السرير يقرضون السكون بهمهمات لا تفسر لها معنى وعينيك تدور على السقف المطلى بلون الاستسلام الابيض .

الفرخ الكسير الذى ألقوه بين اسنانك طمعا فى صيد النسر بطعم فاسد لم يعد هدفك زهدت فيه ، لن تقبل بديلا عن ابيك عصفور شراقى كسيح .. مازال فى الزمن بقية وفى الامر متسع لتفتل حبل انتقامك .. لن تتعجل الفخ وتصبح مطلوبا لديهم .
لم تقصر فى حق ابيك حيا .. أطلقت بعد خروجه من السجن إشاعة طاف دخانها بالقرية : هرب أبوك الى ليبيا ، و هو رهين غرفة لا تزورها الشمس .. امتطى المرض ضعف جسده ، أخرجته مجبرا لعيادة طبيب وعند العودة .. شموا رائحته.. حاصروكما .. ضباعا تفترس حملين ، تحول كتفك والذراع لرجل بنطال ليس له قوام .. تنحيت عن المعركة .

تشعل روحك بالوجد وقع خطواتها على البلاط ، يرتجف قلبك بنبض عنيف مع اهتزاز أردافها .. تشرب من نهر عينيها كأس الشجاعة تباغتها بالتفاف أصابع كفك على معصمها ، يهش خجلها - من فعلك - حمامة تعشش على ثغر أمك فتنظر مشدوهة ببلاهة .. ترفع صوتك قبل أن تهوى- ملاك الرحمة - بيدها الحرة .. تهتك ستر خدك : " تتجوزينى "
يضوع المسك من فمها .. ينتفض جسد الغزال و هى تفر من الوعل و يبقى صوتها أغنية بمقطع وحيد يتردد فى قوقعة أذنك: نتكلم فى الليل .

تنهال نعال الثكالى على ظهر الرجل المرتجى .. تختم أمك فاصل الغيظ من فعلك ببصقه تستقر على أرنبة انفك .

تعلم النسوة أن أبيك ليس ابوزيد الهلالى أو الرجل الذى تنتظره الحياة فاردة ذراعيها ، تنفث ريحا – طيبة - بمركب حياته ، يصل لمرفأ أمله .

قبل أن تقع الواقعة صارحك الطبيب بحال ابيك عناكب السرطان تمكنت من الكبد ، اضحى طلوع الروح مسألة وقت ينزل فيه القضاء ثقيل الوطأة على من يحيطون به ، عاجلوه .. بقطف ثمره قلبه ، استراح من ألم ينهش أحشائه نهش كلب مسعور .. ترد على نفسك تحملهم وزر قتله .

تقص النساء حبل الوصل و تنزف الدمع جمرا على فتاهم، أغرقه سحر أسود ببحر الهوى ينظرون بقلوب منفطرة .. الممرضة تتأبط ذراعك .. تقبض يدك على تذكرتا سفر لوجه بحرى فى أول رحلة بقطار الغربة .

سيضرب القلق بجبروته ليالى من قبضوا روح ابيك ، أصبحوا مدينين لك ، ينتظرون لحظة تحط عليهم ، تقضى منهم و ترك لن يضعوا ايديهم على خدهم حتى تحل عليهم سيضربون الودع و يستخبرون الرمل ويرسلون للمدن بالعيون لترصدك وأنت تنسج فى غيبتك لهم أكفان المكائد تذهب بها راحة بالهم .


طارق الصاوى خلف