و تحزن .. للكاتب أحمد حسن الزعبي

[تميمة عشق]

كنا أطفالاً نلهو في حوش الدار ، فيلاحقنا اسم فلسطين مثل "الفراشة" من راديو الشبّاك الغربي ..أخبار ، استشهاد، اعتقال ،تحرير ، وأمي تغسل بنطالي القصير وتحزن..


كانت الذبذبات تقصر او تطول وقت الضحى فتقوم أمي عن كرسي الخشب تغير زاوية الراديو كي تسمع اسم "فلسطين" كاملة ، دون إخفاء أو إدغام مع أحد..ثم تعاود الغسيل تحت غيمة بيضاء مسالمة...وتحزن...


كنا صغاراً نفتح كتاب القراءة في الصف المعتم لنقرأ "فلسطين داري"..نحفظ اسم الشاعر كما نحفظ عنوان النشيد ، نفوز بــ"ترويحة" باكرة اذا ما انشدناها دون كسر أو نسيان ، نحمل حقائب القماش على ظهورنا ، ندندن في طريق الحلّة ذات اللحن نقفز عن الطين ونراجع الأبيات ...لم تكن فلسطين مجرد "درس" كانت وطناً ننشده ونحزن...


على دفاتر الرسم صورة الأقصى ، وتحت جدول الضرب قبة الصخرة ، لم نكن نفتح الحقيبة او نغلق الحقيبة حتى تداهمنا الحقيقة..ونحزن..


تحت شجرة الليمون قالت جارتنا أم العبد لأمي وهي تتذكر "وطن المفتاح"...كان لنا بيتٌ في الخليل، وكان لدينا حاكورة، مثلك كنت أزرعها بكل شيء ، ومثلك أجلب الماء على رأسي، كان لدينا عريشة ، وكنت مثلك أسرب القمح وقت الظهيرة ،وكنت انتظر الأولاد لحين عودتهم من المدارس..."مش كلهم" ..."العبد" راح وهو "كدّ هاظ"- .... تشير إلي - وتحزن...


تصمت قليلاً لتشذّب الذكرى ثم تبوح...قالوا لنا ..اتركوا أغراضكم ، واغلقوا بيوتكم جيداً بضعة أيام ونعود...كانت هاجر "بدها عروستها".." ما لحكناش" تركناها هناك "وشردنا"...من 18 سنة بعدني بــ"خلكة هالثوب"..لو بعرف "هالأكمن يوم بدهن يطولن هالكد "..كان جبت للبنت "لعبتها" ... كانت تقولها وتحزن...


يتساقط زهر الليمون على رأس الشرقية والغربية ، تبكي أمي وتمسح الجارة دموعها من جديد وتقول ..لو بقيت الأرض وراح الأولاد "بسيطة"..ولو بقي الأولاد وراحت الأرض بسيطة..بس راحت الأرض وراحوا الأولاد... كانت تقولها وتحزن...





كلما تطابقت xxxxب الأيام على يوم الأرض ، ودق الحزن في تمام الذكرى..اتذكر امي ، وفلسطين،وشجرة الليمون ، وجارتنا بثوبها المزركش بالأحمر والأخضر والأبيض كربيع آذار...اتذكر كل الذين رحلوا وفي قبضاتهم بعض احلام...وأحزن...