آخر 10 مشاركات
1014 - معا إلى الأبد - ليز فيلدينغ . د.ن ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          حقد امرأة عاشقة *مميزه ومكتملة* (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          خفايا الروح / للكاتبة أنجال مكتملة (الكاتـب : درة الاحساء - )           »          133 - وداعا يا حب - روبين دونالد (الكاتـب : حبة رمان - )           »          رهان على قلبه(131) للكاتبة:Dani Collins (الجزء الأول من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          طائف في رحلة أبدية *متميزه ومكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          انتصار الإسباني (48) للكاتبة: Daphne Clair (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (الكاتـب : الحكم لله - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-05-15, 12:06 PM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




تابع / النبض الرابع : فوضى






-53-
قال وهو ينتعل نعاله : يمه أنا طالع تبغين شيء ؟
ردّت : لا حبيبي ، روح الله يحفظك و يستر عليك
قالت مريم بزعل : إيه بس هو حبيـبش و أنا بنت البطة السوداء
ردّت وهي تضحك : انتي نور عيوني
ضحك علي و قال لأمه موزة : عَقليها هالخبلة
طلعت مريم لسانها بطفوله

خرج وهو مبتسم ، تغيرت الحياة عليهم فجأة لكن مريم تظل مريم ما تطمس الحياة طفولتها و براءتها مهما كبرت ، وراح تظل تضفي للبيت جو خاص !

بما إنهم أجَّـزوا من المدرسة ، أصبح علي يشتغل في الصباح و في فترة العصر وهذا كله علشان يعيشوا حياة كريمة بدون لا يحتاجوا لأي أحد ، هذا تفكير علي ، علي ذو 13 سنة ، لا تستغربوا فالحياة – يا كِرام - تكبّر الطفل ، وتعقل المستهتر ، و تجنن العاقل وهلُمَّ جَرا .






-54-
كانوا سعود و روضة و سارة و حنين و أمهم مجتمعين في الصالة حول التلفزيون ، وطبعا مها ويوسف كـ العادة ما يجلسوا في البيت ، دائماً برا .

في حضن سعود حنين ، سألها : حنين من أنا ؟
ردّت بابتسامه طفولية : ثاعود إنت
ابتسم : لا مو ثاعود ، سعود
قالت : ثعود
قال لها بحب : مو ثعود ، مو ثعود
وبدا يدغدغها وهي بين يديه تضحك

كانت أمهم تتأملهم وهي تستذكر موقف مشابه في حياة ماضية ، كان فيه محمد مكان سعود !
يوم عن يوم يكبر سعود أمامها ، وتتضح فيه ملامح الرجولة ، ملامح أبوه .

تنهدت ، ابتسمت وهمست : الله يرحمه

مع أنه كلام كثير انقال في حق حبيبها و أبو عيالها إلا إنها ما صدقت ، ومستحيل تصدق ، وما زال قلبها يوم بعد يوم ينضح شوق و حنين وحب له ، له وحده .









-55-
في أحد محلات بيع المواد الغذائية ، واقف علي يحسب مشتريات رجل في الخمسين من العمر ، قال الرجل بفضول وهو يتأمل علي : إنت شـسمك يا ولدي ؟
رد علي : علي بن عبدالله الـ.... طال عمرك
رد وهو يهز راسه : والنعم
ابتسم : ينعم بحالك
: ما ظنتي تجاوزت الخمس طعش ، وش حادّك ع الشغل ؟
: الظروف
قال وهو يتناول الأكياس : الله الكريم والمعين

هذا ما هو أول شخص يسأله ، تلقى من قبل أسئلة واجد !

توالت الثواني ، الدقائق ، الساعات ، وخلّص دوامه فخرج من المحل ، لكن فجأة توقف ، تفحص أحد زوايا المحل ، اقترب منها ، كان فيه محفظة ، تناولها وقلّبها بين يديه ثم فتحها ، ضمّت فلوس ، وبطاقة بنك ، وبطاقة الشخص المدنية والعسكرية
قرأ اسم ذاك الشخص بصوت خافت : مبارك جمعة الـ
تأمل صورته وتذكره ، كان الشخص نفسه اللي سأله قبل ساعات

الأكيد أنه هالشخص من أهل المنطقة لأن فقط القريبين من الدكان يجوا يشتروا منه ، مشى بضعة أمتار إلى أن وصل لأحد البيوت ، رن الجرس فخرج له شاب فبداية العشرين
سلّم عليه وقال : تعرف وين بيت مبارك جمعة الـ ؟
رد عليه الشاب : بيته آخر هالشارع دورين ولونه أبيض
رد علي بابتسامه : مشكور ما قصرت

مشى ناحية البيت المنشود ، رن الجرس فخرجت له بنت عمرها 10 سنين
سألها : هذا بيت مبارك جمعة الـ
ردّت باستغراب : أيوه
قال علي : ممكن تناديه ؟
ردّت : طيّب

خرج الرجل الأربعيني وتفاجأ بعلي ، سلّم عليه وعلامات الاستغراب يضج بها وجهه
سأل : خير يا ولدي ؟
قال علي بابتسامه : كل خير ان شاء الله ، ما فقدت شيء اليوم ؟
رد مبارك : لا ويش أفقد ؟
أخرج علي المحفظة وناوله إياها : ما فقدت محفظتك ؟
تفاجأ : والله توني أنتبه لغيابها
باس راس علي وهو يقول : عليم الله لو حد غيرك ما رجعها ، أشهد انك أصيل
قال علي بابتسامة : تسلم عمي ، ما سويت شيء هذا واجبي
قال مبارك : تفضل ادخل
رد علي : لا الوالدة تنتظرني ، مرة ثانية ان شاء الله
قال مبارك : حلفت عليك تدخل

وماقدر علي أنه يرفض .







-56-
في مدينة الضباب ، لندن
مشى عُمر (19 سنة ) ناحية الشقة اللي يتشاركها مع زميله عدنان ، راجع من الجامعة
سمع صوت ضحك ، وموسيقى صاخبة وازعاج خارج من الشقة فاستغرب وتساءل : ايش اللي صاير ؟
فتح الباب ، وشاهد أنواع الخمور ، أنواع البنات ، أنواع الجهل
كانوا محولين الصالة لحلبة رقص ، ومن بين الجمع الغفير الراقص شاهد عدنان اللي واصل أقصى دراجات السُكْر .

انتبه عدنان للهامة الطويلة اللي تناظرهم باستغراب وغضب ، مشى اتجاهه بعدم اتزان
مسكه عمر من ذراعه ومشى به ناحية الغرفة ، قال بغضب : إنت جنّيت ، وصلت بك الوقاحة تجيب قذارتك لبيتي
رد عدنان : ريلاكس حبوب ، ريلاكس ... أنا ..ما سويت ... شيء خطأ ... أوكي ؟
صرخ عمر : إنت بكبرك أكبر خطأ
رد عدنان وهو يلوح بيديه : ريلاكس ، قلت لك ريلاكس
مسكه عمر من قميصه وبفحيح غاضب قال : لِمْ قذارتك لا والله العظيم ما يحصل لك طيِّب !

قال عدنان بهديد : رقبتك بيدي لا تنسى هالشيء ، أوكي ؟
وتوجه ناحية الباب علشان يخرج ، قبل ما يخرج إلتفت ناحية عُمر وقال : تعال شاركنا إذا تحب ، ثمّ ضحك ضحكة بشعة فيها من السخرية الكثير






-57-
عمر بن عبدالعزيز

تابعته وهو يمشي بترنح بعد ما رمى كلمته ، كوّرت يدي وضغط عليها بقوة ، حسيت أنه شوي وهيتدفق الدم منها من كثر ما شدّيت عليها .
ومثل ما دخلت الشقة ، خرجت منها لأني هعدم هذاك الإنسان إذا بقيت أنا وهو في نفس المكان

مشيت لأقرب مقهى ، طلبت قهوة مُرة ، عساني أصحصح وأفكر عدل بالمصيبة اللي أنا فيها
المصيبة اللي رميت نفسي فيها بدون تفكير
امممممم ايش كانت بدايتها ؟؟

البداية قبل تسع شهور ، أول ما جيت لبريطانيا أدرس التحقيق الجنائي
الحقيقة أنا ما اخترت هالتخصص هو اللي اختارني ، كيف ؟ ما أدري
بس اللي أعرفه إنه ما كان شغفي التحقيق الجنائي أبداً
لكن مع كذا حبيته جداً ، استمتعت وأنا أفك الألغاز والشفرات للوصول لنهاية قضية أو جريمة

بعد أربع شهور من وصولي لبريطانيا تعرفت على مستر جون ، محقق جنائي معروف ويعطينا أحيانا دروس بين الأسبوع والثاني ، الغريب كوني شديد الحذر فعلاقاتي لكن علاقتي مع السيد جون كانت قوية ، صرنا أصدقاء ، نطلع مع بعض وكذا مع أن فرق السن كبير نوعاً ما .
وهالراحة كانت مُتبادلة ، في يوم قال لي عن عصابة تهريب مخدرات معروفة ولها فروع ممتدة لدول كثيرة ، كانوا يشتغلوا فقضيتهم من زمان .

وقالوا أنهم شاكين فطالب عربي يشتغل مع هالعصابة وبكذا عرض عليي أشتغل معهم بهالقضية .
تفاجأت أولاً أنه يحكي لي شيء عن شغله اللي المفروض أسراره ما تطلع لأيٍ كان ، ثانياً تفاجأت بالعرض اللي قدمه .

و قال : اسمع عُمر بيدِكَ الخَيار ، لكن فرصة كهذه لا تُعوض وخاصة أنك ستُكرّم من جنائيات بريطانيا على هذه الخدمة ، و أنت تعرف من جنائِيات بريطانيا وستتقلّد من بلدك رُتبة عالية لا يصلها من هُم بعُمرك ، عِوضاً عن ذلك ستتسلم راتباً طالما أنك تعمل معنا .
سألته : لماذا اخترتني أنا بالذات سيد جون ؟
قال : لأنني أثق بِك ولأنكَ ذكي وحَذِر و تُحسِنُ التصرُف مع الناس .

ومع هذا العرض المُغري الرفض مرفوض .
وبكذا صرت أشتغل معهم براتب مُغري ، مكَّني من إني أشتري الشقة اللي أنا فيها الآن !

وبديت الشغل بصدفة ( متعمدة ) علشان أتعرَّف على الطالب اللي كلّمني عنه مستر جون ، ولمّا عرف إني مُحقق جنائي أصبح حَذِر فمعامَلتُه معي وهالشيء أبداً ما فاتني .

هالشاب العربي / الخليجي / العُماني اللي من ثوبي ، اللي قهرني لمّا عرفت أنه عربي ويشتغل بهالشغل الوسخ وقهرني أكثر لمّا عرفت أنه عُماني ومُبتعث ، مع العلم أنه ما أي شخص عادي مُمكن أنه يُبتعث إلا إذا كان مُتفوق فدراسته وهالشيء يزيد القهر قهر .

خليته بأسلوبي يثق فيني وعرضت عليه يشاركني في السكن وبعد تردد وافق ؛ لأني أدري أنه أكثر شيء يحاتيه الشاب المُبتَعث السكن والمصاريف .

لكن بعدين بدأ يهددني لمّا بديت أتدخل فحياته ، فشربه للسم الهاري وعلاقاته الوسخة
ما تدخلت فيه إلا لأني ما أقدر أسكت على خطأ يصير قدّام عيني ولأن حاله ما هو حال .

لكن ومع كل تهديداته ما يقدر يحرك فيني شعره ولا هيقدر ؛ لأنه مو عُمر اللي يخون ثقة أهله وديرته .... ويخون نفسه !

( ورجع بذاكرته لخمسة شهور مضت و بالتحديد لذاك الموقف اللي للحين فباله )







-58-
الماضي / قبل خمسة شهور
في منتصف الليل قرابة الساعة الثانية

يرن الجرس رنين متواصل أزعج ذاك اللي ما غفت عينه الا من ساعتين ، قام بتثاقل وانزعاج وبين عيونه عقدة ، مسح وجهه وتوجه ناحية الباب ، فتحه وهو يشوف عدنان يرتمي في الأرض بعد ما اختل توازنه
مسكه عُمر من ياقة قميصه بغضب ، أدخله الشقة وهو يالله ماسك عمره لا يذبحه
قال بفحيح غاضب وبصوت جهوري وهو يسحبه ناحية الحمام: فضحتنا يا ******* ، الله يلعن الساعة للي قبلت فيها بذا الشغل والساعة اللي شفتك فيها .

و عدنان ، هِهْ عدنان فعالم ثاني ، بعيد ، وسخ !

رماه ع البانيو ، فتح الدش البارد عليه ، وخرج من الحمام : والله كأنِّي البيبي سِتر تبع حضرتك ***** .
ياكثر السب اللي طاح ع راس عدنان .

أخذ عُمر منشفة ودخل الحمام مرة ثانية ينتظر حضرة جنابه يصحى من سكرته ، نظر ناحيته بسخرية وهو يشوفه يلهث ، ما عارف ايش اللي يتساقط على راسه .
مرّت خمس دقائق وعُمر ما زال على وقفته وينظر لعدنان بنفس النظرة الساخرة .

بدأ عدنان يستوعب اللي يدور حوله ، نظّر ناحيَة عُمر باستفهام ، نظَر للأعلى يشوف ايش اللي يطيح ع راسه ، وأخيراً فهم أنه كان سكران .
استند ع الجدار وحاول أنه يقوم لكن راسه كان يدور ، أغمض عيونه بقوه وحاول أنه يقوم مرّة ثانية مستند ع الجدار .... و استطاع بعد جهد ، أغلق دش الماي ، مسح على وجهه وشعره بيديه .
نظر باتجاه عُمر اللي رمى له المنشفة
النظرة الساخرة ما زالت على عيونه وبفحيح غاضب قال : صباح سعيد مستر عدنان

قال عدنان وهو يمسح نفسه بالمنشفة : عندك كلام أجله لبعدين ؛ لأني تعبان وأبغا أنام
أفسح عُمر له علشان يخرج من الحمام والسخرية ما زالت تلف نبرة صوته : تفضل حضرتك روح نام و ارتاح لا تتعّب نفسك .

مر عدنان من أمامه وتوجه ناحية غرفته لكن قبل ما يدخل قال عُمر بصرامة وبدون تفكير : إسمعني زين وحط هالشيء فبالك تبي تجلس هنا تجلس باحترامك أما أنك تجي أنصاف الليالي وتزعج خلق الله بك فهالشيء مرفوض عندي . صرخ بصوت جهوري : فاهم والا لأ ؟

رد عدنان بتحدي وهو يقترب من عُمر : لا ماني فاهم ، ايش بتسوي يعني ؟
ضحك عُمر بدون نفس : أبد والله حضرتك بس تشل قشك والبيت ذا يتعذرك
نظر له عدنان بسخرية وبعدها ضحك ضحكة عميقة ، ضحكة أشعلت جنون الغضب عند عُمر
قال عدنان وهو يالله يتمالك نفسه من الضحك : ما تقدر
سأل عُمر بتحدي وهو يشوفه من فوق لتحت : ما أقدر ؟
رد عدنان بثقة : إيي نعم ما تقدر

قال عُمر : فوق شينك قوات عينك ، و من وين لحضرتك (بسخرية قالها) هالثقة الزايدة ؟
قال عدنان وهو يتجه ناحية غرفته : أنا مجنون وإنت تعرف هالشيء ، طلِّعني من البيت علشان أرسل لأهلك صور البارات اللي أروحلها والبنات صاحباتي ( غمز له ) و الأشياء الثانية اللي إنت عارفها .

دخل عدنان غرفته وأغلق الباب بقوة ، تارك خلفه عُمر المذهول من كلامه ، مذهول من حقارته ، مذهول من وساخته اللي تشبّع فيها لدرجة إنها تفيض للي حوله .

يهدده ، الحقير يهدده ، شد عُمر على قبضة يده بقوة وهو مازال مذهول ، هيرسل الصور على أساس أنه عُمر هو اللي يسوي كل هالأشياء الوسخة .
كييييف قذر !
وعلى أساس أنه أهله راح يصدقوا هالشيء ؟
ليش ما يصدقوا ؟
راح يصدقوا و راح تقوم وتقعد مليون سالفة و سالفة
خل يبعد عن الشر أحسن له .

توجه عُمر ناحية غرفته وأغلق الباب ، كان مُمكن يرد عليه ، مُمكن يطرده بدون ما يعير تهديداته أي إهتمام ؛ مو هو اللي ينهان بهالطريقة ، لكن بينه وبين عدنان هذا شغل لازم يكمله للآخر ، لازم يصبر ... لازم .
كانت لحظة غضب لمّا طرده من بيته ، لحظة غضب .
هو أساساً ما يريده يطلع من البيت لسبب واحد فقط ؛ علشان يراقب تحركاته ويكون قريب منه فلازم يصبر ع هالشيء .

أخذ نَفَس عميق ، عميق وهو يحاول يستعيد النوم اللي طرده عدنان من عيونه بكل بساطة .








-59-
الحاضر / الساعة 12 منتصف الليل

اقتربت من الشاب الطويل الوسيم اللي مستند على الكرسي براحة ظاهرية ويتأمل العالم الخارجي من النافذة الزُجاجِيَّة بعيون مهمومة
وقفت بجانبه بدون ما ينتبه لها ثم قالت بانجليزية مُهذبة : عُذرا سيدي لكننا سنُغلِقْ !

إلتفت ناحيتها ، ضيّق عيونه باستغراب وقال بهدوء : عفوا ؟
أعادت ما قالته بتهذيب وبابتسامة ساحِرة

قال وهو يستقيم : أووه عُذراً لم أنتبه للوقت
تناول معطفة من على الكُرسي ولبسه بعجل وتوجه ناحية الباب
أوقفه صوت المرأة العجوز صاحبة المقهى مرة ثانية
إلتفت ناحيتها : نعم سيدتي ؟
قالت والإبتسامة ما فارقتها : لم تدفع الحِساب سيدي
ضحك بانحراج وهو يخرج بوكه من جيب جاكيته : أعتذر مرةً أخرى
قالت : لا عليك أيها الوسيم
ناولها الفلوس

قالت بنبرة عميقة وبعيون خبيرة بالناس : لا تسمح للحياة أن تطمس وسامتك ، حسناً ؟

ابتسم ، ثم فلتت منه ضحكة بسيطة ، هز راسه وقال : حسناً ، ليلة سعيدة

خرج والإبتسامة ما فارقته ثمّ ضحك وهو يهز راسه بأسف
ما بقى إلا هي يعني ، حتى العجوز تغزلت فيه

" لا تسمح للحياة أن تطمس وسامتك "
" لا تسمح للحياة أن تطمس وسامتك "
" لا تسمح للحياة أن تطمس وسامتك "

عبارتها تتردد فأذونه ، الأكيد أنه ما راح ينساها فحياته

تنهد بتعب ، والإبتسامة تدريجياً تنكمش ، الساعة 12 والأكيد أنه السهرة الحقيقية الحين بتبدا في بيته .
أستغفر الله حتى بيته ما هو متهني يجلس فيه ، مكان مثل الخَلق ما لاقي علشان يرتاح .

اللي فيها فيها ، راح يروح للبيت و يكش المزبلة اللي هناك برا وينام ، مصدّع ويبي ينام !
هذي وحدها سالفة ، بيته وما يقدر ينام فيه !!! هزُلَتْ والله .

توجه للبناية ، صعد بالأصنصير للشقة ، وقابله عدنان ع الأرض قدام باب الشقة المفتوح ، مستند بظهره ع الجدار، بيده زجاجة خمر وبحضنه وحدة زبالة ، المنظر مقزز بشكل فظيع .

ضحكهم العالي وحركاتهم المقيتة أشعلت غضبه
همس عُمر بحنق والغضب وصل حده : الله يلوع كبدك ، ما بك حياء ولا خجل

عن يمينه خرج فادي من الشقة اللي جنب شقته لمّا لمح زول عُمر يقترب
قال فادي اللبناني الأربعوني بانزعاج واضح وهو يقترب من عُمر : يا عَمْ وينَك ، صرلي مِده آعِدْ عم بتصل فيك ، شوفلك حل مع رفيئَكْ ، عنّا عَـيْلِه وولاد لَك عُمر
مسح وجهه بكفيه وهو يالله ماسك نفسه : أنا أعتذر فادي ، أعتذر ، راح أتصرف الحين لا تحاتي .

دخل فادي من وين ما طلع
زفّر عُمر بقلة حيلة وهو يتوجه ناحية المرأة الشقراء اللي بحضن عدنان ، مسك يدها بقرف وهو يقوّمْها بقوة لدرجة إنها صرخت بوجع .
سحبها ناحية الأصنصير بدون ما يعير أي انتباه لعدنان اللي يصرّخ واللي يحاول يقوم على حيلُه لكن الخمره تدور فيه فيسقط من جديد !

في الأصنصير ، كانت تحاول تقترب منه بكل قذاره ، تغريه بكل وقاحه ، لكن كان صاد عنها بقرف .
انفتح باب الأصنصير ، تنفس من جديد بعد ما كان مخنوق في الأصنصير من القرف والريحة ، سحبها لخارج البناية ، رماها خارج بقوة بدون ما يهتم لوجعها .

أبداً ما انهانت إمرأة على يدُّه بهالشكل ولا راح تنهان ، لكن فباله أنه هذي ماهي إمرأة هذي زبالة جاية من الشارع فهو رجّعها مرة ثانية من وين ما جات .

صعد لشقته ، كان عدنان على حاله ، سحبه لداخل الشقة وقفل الباب بقوة
شد على قبضة يده بقوة وما تردد بلكمه على وجهه ، صرخ : الله يلعنك ، ماعاد لي وجه أقابل الناس من عمايلك ، الجيران مستحي منهم ، لو ماهم عاملين لي شوية تقدير والا كان الشرطة على عِلم بكل اللي يصير هنا .
صرخ وهو يلهث بتعب بعد ما ضربه مرة ثانية بكل قوته : ******

دخل غرفته وأغلق الباب بقوة تارك عدنان يأن بألم على الأرضية ، دخل الحمام و رمى روحه تحت الدش البارد ، بعد ما هدا شوية خرج ، لبس بيجامة نوم وانسدح ع السرير بتعب ، وسافر لعالم النِيامْ على طول .







-60-
مشى ناحية بيتهم بعد ما خرج من عند العم مبارَك ، دخل لبيتهم
سمع أمه موزة تصارخ على مريم : لو ما كلفتي على عمرش والله ، توش تعطيني إياها
قالت مريم والصيحة في صوتها : والله العظيم إنه كنت هعطيش اياها
قالت والغضب يلف صوتها : إيش ذا مريم ، متى هتتعدلي ؟ ، درجاتش زفتة والكل يشكي منش ، ومصايبش في المدرسة مالها أول ولا لها تالي !
قالت مريم وهي تحط سبابتها على فمها : والله والله هتصلَّح السنة الجاية ، وما هسوّي مشاكل بس إنتي ما تضربيني
رفعت أمها موزة يديها بقلة حيلة : أصلاً أنا تعبت من كثر ما أضربش بس إنتي ما يفيد فيش الضرب .

نظر علي لأمه موزة وهي تتوجه للغرفة ، نقل نَـظَرُه لمريم اللي تمسح دموعها وتشاهق باستهجان ثم سأل : ايش صاير ؟
رفعت مريم بصرها لأخوها : أبلة تماضر اللي فمدرستنا واللي ساكنة هنا في الحارة جابت شهادتي مال ذي السنة وشافتها أمي موزة وعصّبت
سأل علي : ليش ؟ إنتي راسبة ؟
قالت وهي تناوله شهادتها : بس في الدين والعربي
تناولها علي وانقهر : ايش ذا الغباء مريم ، فيه أحد عاقل يرسب في العربي والدين ؟
قالت مريم بقوة : إيه فيه أنا ، ما أحب العربي ولا الدين وما أحب الأبلوات وما أحب المدرسة خير شر ... والله

جلس بجانبها وشعور المسؤولية تملّكه ، هذي أخته الوحيدة وهي من ريحة أمه ، يخاف عليها ويحاتيها . ما كأنه بينهم أربع سنين بس ، كأنه سنوات وسنوات ، كأنه أبوها أحيانا !

ناولها الشهادة وهو يقول بنبرة حنان : ترا كل اللي تسويه أمي موزة لمصلحتنا ، لأنها تخاف علينا ، ما بقى لها من ذي الدنيا غيرنا واحنا مالنا أحد غيرها
تناول شهادتها مرة ثانية وهو يتفحصها : وإنتي ذكية وما ناقصش شيء علشان تتفوقي ، ما دام إنش متفوقة في الرياضيات فإنتي ذكية بدون شك فهالشيء
رفع نظره ناحيتها وباستغراب قال : لكن بعدني هذي ما فهمتها ، أحد يرسب في الدِّين ؟؟ العربي مو مشكله هَـنعدِّيها لش ، لكن الدِّين يا الظالمة إيش فيه صعب ؟؟

قالت بانزعاج : خلاص عاد زودتها ، هذي السنة خلّصت وعدّت ، السنة الجاية ما راح أرسب
بابتسامة قال : قولي إن شاء الله
قالت بهمس وهي تلعب بأطراف ثوبها : إن شاء الله
: والحين روحي لأمي موزة وحبّيها على راسها واستسمحي منها

قامت وتوجهت للغرفة لكنها وقفت وإلتفتت ناحية علي وكأنها تذكرت شيء قالت بمكر : وإنت ما جبتها شهادتك ؟
إلتفت علي ناحيتها وقال : إحم ، بلا جبتها
قالت : شافتها أمي موزة ؟
قال : إي شافتها
قالت وهي تكمل طريقها : عبالي بعد
قال باستنكار وهو يرفع يده ناحيتها : طاع هذي ، ع الأقل ماني راسب في الدِّين مثلش
أخرجت لسانها له وهي تصدر صوت مُضحك !
ضحك علي وقال : هذي الحركات من قلة الدين
قالت بانزعاج : جب ياخي ، جب زودتها تراك

أكمل ضحكه عليها : يا قليلة الدين ، فيه إخت تقول لأخوها جب ؟

-61-
في الصباح
لفّت حجابها على راسها ومشت بثقة لبيت عمها
دخلت من الباب الجانبي اللي يفصل بين بيتهم وبيت عمها ، مشت في الممر وعلى جنباته أزهار ملونة و أمامها إمتداد واسع لحديقة رائعة ، دخلت البيت : السلام عليكم
مشت للصالة وكان عمها متصدر المكان بهيبة تحبس الأنفاس ، بلحيته الطويلة البيضاء وملامحه الحادة وحظوره الطاغي : السلام عليكم عمي

نزّل الجريدة وهو ينظر ناحية الصوت اللي قاطعه ، نزّل نظارته الطبية وقال بحبور : هلاااا روضة ، هلا أمي وعليكم السلام والرحمة
حبته على راسه : كيف أصبحت ؟
رد : بنعمة الحمد لله ، كيفش إنتي ؟
ردّت بابتسامة : بخير الله يسلمك
سألها : أفطرتي والا بعد ؟
قالت : لا الحمد لله أفطرت في البيت ، وينها عمتي شيخة عنك ؟
قال وهو يتناول الجريدة من جديد : تلاقيها في المطبخ
قالت وهي تمشي ناحية المطبخ : بروح أسلم عليها عن إذنك
قال بابتسامة : حياش روضة

يحبها هالبنت ، وهالشيء واضح كثير فمعاملته الخاصة لها ؛ يُمكن لأنها تحمل إسم أمه أو لأنها هي نفسها تملك شخصية واعية بالرغم إنها ما تعدّت 13 سنة لكن الكُل يُعاملها مُعاملة المرأة العاقلة الراشدة ، الشيء الأكيد واللي مفروغ منه أنه لا يمكن أحد يعرفها وما يحبها ؛ لأنها قريبة من القلب بشكل كبيييير !

بعد ما سلّمت على زوجة عمها ، صعدت فوق عند شما بنت عمها ، قابلها حُذيفة ( 23 سنة ) قال وهو يصلّح التمصيرة على راسه : ما شاء الله مبكرة اليوم روضة
قالت بخجل : لا كل يوم أجي هالوقت
إبتسم : كيف حالش ؟ يصير تسلمي انزين !
صافحته بخجل وهي تقول : طيبة الله يسلمك

أخذ كتبه الجامعية وهو يشوف ساعته : أوووف تأخرت ، الله يغربل إبليس التعيس
نزل من الدرج على عجل وعيونها تراقبه

دخلت غرفة شما وقالت بصوت عالي : شموووه إصحي الساعة تسع
ما جاها رد من شما اللي مستغرقة في النوم
: شمااااا قومي يا الله بنمر على جِنان
ردّت شما بنعاس وعيونها ما زالت مصكرة : أووووف ايش تبي انتي ، أطلعي برااا
سحبت عنها اللحاف وقالت : قومي أشوف ، أقولش بنروح عند جِنان
قالت شما بانزعاج : رجعي اللحاف روضوه والا ما هيصير لش طيِّب
قالت روضة بنبرة لها معنى وهي خارجة من الغرفة : طيِّب على راحتش ، بس إن خبرت سعود عن ذاك الشيء اللي قلتيه لي لا تلوميني ، انزين ؟
جاها صوت شما العالي : طيب خلااااص تعالي بقوم ، أووووووف أستغفر الله العظيم ع ذا الصبح ، إنتي ما أحد يأتمنِش على سِر أبداً .... ...
وما سمعت روضة باقي التحلطم لأنها خرجت خارج الغرفة تنتظرها في الصالة عند عمها .







-62-
تجمعت مها مع بنات الحارة اللي قريبات من عمرها و كالعادة كل صبح وعصر يقضن وقتهن مع بعض باللعب ، ولأنها كما تقول زعيمة الشلة فأرغمتهن إنهن يقاطعن ريم وما يسمحن لها إنها تجي معهن تلعب ، وهذا الشيء ضمن الخطة اللي رسمتها مع سلطان !

قالت بتسلّط : لما تجي راح نبعد عنها ولا كأنه أحد شافها واللي تكلمها يا ويلها هتطلع من ذي الشلة فاهمات ؟
ردّن عليها باجابات متفرقة : أوكي ، طيب ، ليش انزين ؟ .... الخ
جاوبت ع السؤال الأخير : إنتن تعرفن اللي صار أمس لمّا سوّت نفسها الشيخة علينا ولما ضاربتها جا أخوها اللعين يضرب سلطان ولد عمي فأنا علشان كذا راح أنتقم ، فهمتن ؟

مر الوقت ، وجت ريم لعندهن لكن مثل ما قالت مها ، ابتعدن عنها ولا كنه أحد جاي عندهن
سألت ريم باستهجان : ايش فيكن ؟
ما أحد رد عليها
قالت بصيحة بانت فصوتها : ردن انزين

وقفت مها قدّامها ، تكتفت وميّلت راسها وقالت : احنا ما راح نكلمش من اليوم ورايح ، وإنتي برا الشِلة
قالت للبنات الباقيات : يا الله بنات نروح عنها مكان ثاني

صاحت ريم : خلاص انزين ، إذا عشان أمس أنا آسفة
قالت مها بتسلُط : لا حبيبتي كلمة آسفة وهالدموع ما ينفعن عندي
قالت ريم وهي تشاهق : خلاص انزين اللي تبيه أنا أسويه لش
ردّت مها بانتصار : أيوووا كذا الكلام الصح ، تعالي على جنب لا أحد يسمعنا

بعد ما ابتعدن شوي قالت مها : ايش يحب أخوش من الأشياء ؟
قالت ريم بعد فهم : كيف يعني ؟
ردّت مها بنفاذ صبر وهي تلوّح بيدها : يعني غير السيكل ايش يحب ؟
قالت : يحب البلاستيشن
قالت مها بشر : آها ، طيب روحي جيبيه بدون لا ينتبه عليش أحد فاهمة ، وألقاش ورا بيتكم
قالت ريم باعتراض : لااااااا والله هيضربني
قالت مها بقسوة : طيب على كيفش ، بس تذكّري إنش إنتي برا الشلة من اليوم ورايح

وراحت مها باتجاه البنات وهي تمشي بغضب
لكن وقّفتها ريم لما قالت : خلاص نزين راح أجيبها
ابتسمت مها بفرح : أوكي ، إنتي الحين راح ترجعي رسمياً للشلة






-63-
صعدت ريم درج بيتهم بحذر ، دخلت غرفة أخوها ، السرير كان فاضي ، سمعت صوت الماي في الحمام فمغصها بطنها زيادة ، وبسرعة البرق أخذت البلاستيشن وطلعت .
خرجت ريم بسرعة من الباب وعند الدرج الخارجي تعثرت من الربكة وسقطت سقطة موجِعة ، وطاحت البلاستيشن من يدها ، تمالكت نفسها وهي تشوف مها عند الباب الحديدي الكبير اللي تأشر لها علشان تقوم بسرعة

قامت بسرعة ، وأخذت البلاستيشن وطلعت لمها اللي قالت : بسرعة روحي ورا بيتكم وكسريها تكسير ولا تخلي فيها شيء صاحي
قالت ريم وهي تلهث بتعب : أوكي
لما ما مشت مها معها سألت ريم : إنتي ما هتجي ؟
قالت مها : لا هجي لكن بعد شوية الحين بدخل بيتنا هجيب شيء وبعدها راح أتبعش ، كسريها تكسِّير لا أوصيش
قالت ريم وهي تركض ورا بيتهم : انزين

ضحكت مها بنذالة وهي تتبع بنظراتها ريم

-64-
قابل أمه فدربه فسألها : أمي وين اختفت البلاستيشن ؟
قالت أمه بغضب : عافانا الله ، الناس يقولوا صباح الخير ، يسلموا ، شيء
لوّح بيده وهو يعطيها ظهره : ما متفيق أنا

نزل للصالة ، بحث عنها فكل مكان لكن ما كان لها أثر
طلع للحوش وشاف واير خاص بالبلاستيشن من وين ما طاحت ريم
هذا كيف وصل هنا ؟؟؟

شاف مها بنت جيرانهم تناديه من ورا الباب الحديدي ، قال بغضب : إنتي اللي ماخذة البلاستيشن ؟؟؟
قالت مها ببراءة : لا ما أنا ، بس أظن شفت ريم شالتنها وراحت فيها لورا بيتكم

تظن !!
قالت تظن !!
لاحظتوا معي هالشيء ، هالبراءة المُغلفة بالدهاء ، هالمِكر الطفولي الخبيث .

راح ركض لورا بيتهم ، وهناك حصل ريم تقوم بمهمة التكسير مثل ما قالت لها مها ، نفذت كل شيء بالحرف الواحد ، ما خلت في البلاستيشن شيء صاحي !!

نظر لها محمود أخوها بدهشة ، بمفاجأة ، بعدم تصديق ، من وين جات لها الجُرأة .
كأنه أحد يكسر قلبه من كثر ما يحب البلاستيشن

صرخ فيها بقوة : أيا قليلة الأدااااااب ، إيش تسوي ؟؟ ، يا ***** ، *********
من الفزع والرعب طاحت ريم على الأرض ، رجولها ما شالتها وهي تشوف محمود أخوها يتقدم منها وشرور الدنيا كلها في عينه
ضربها ضرب فظيع ، لدرجة أنها كانت راح تموت بين يديه ، تشققن ملابسها من قوة الضرب ، سال الدم على وجهها من كثر ما لكمها عليه .
وهي ما غير تصارخ صريخ ما طبيعي ، بوجع تصيح ، بحرقة تصيح وهي تحس انه روحها هتطلع ، بعد ما أشفى غليله راح عنها وهو يلهث بدون حتى ما يلتفت ناحيتها
وهو ما زال يتلفظ بأقذر الألفاظ ويسبها سب ما طبيعي !









-65-
فتلك الأثناء كان سلطان في مكانه المُعتاد ، تحت سُمره ... وحيد !

سمع الصريخ المُفزع ، فز من مكانه والتفت حوله
شاف محمود يضرب أخته ضرب ما طبيعي ، ركض ناحيتها ، شافه فجأة توقف عن ضربها وابتعد عنها وهي ما زالت تصيح صياح ما طبيعي وحالتها حالة ما هي طبيعية .

اقترب منها ، جلس قربها وهو يتأمل حالها اللي يُرثى له ، كانت تون ونين ينفطر له القلب ، حط يده على كتفها ومع لمسته علا صراخها مرة ثانية .
كانت تظن أنه محمود رجع مرة ثانية علشان يضربها

من غشاوة الدموع ما ميّزت أنه هذا ماهو محمود ، هذا سلطان !
ما ميَّزت أنه الناس تجمعوا حوالهم و أنه أبوها جاء ناحيتها والدهشة في عيونه من حالها
ما ميَّزت أنها بدون ما تدري رمت لسلطان تهمه بشعة وقذرة .
ما ميَّزت لمّا أبوها ضرب سلطان ضرب مُبرح ؛ لأنه ظن أنه هو اللي اعتدى على بنته !
ما ميَّزت الوجع اللي أحاط بالمكان فجأة واللي يتقاذفها هي وسلطان يمين وشمال .
ما ميزت أنه سلطان حاول يدافع عن نفسه بس الوضع اللي كان فيه ضده !

غابت عن الوعي تماماً ، لمّا كل أهل الحارة تجمّعوا في ذاك المكان واتهموا سلطان بالإعتداء عليها . لأنه ببساطة كان هو الوحيد فنفس المكان لما كانت هي تصارخ وتنوح بألم .







انتهى .






لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 30-05-15, 04:39 PM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




النبض الخامس
أحتاجُكِ أمي !







-66-
مع تعامد الشمس على الأرض و إنسياب أشعتها المُمتدة مُقـبِّلة كُل شِبر من مساحتها ، ومع إرتفاع حرارة الجو اللي يخلّي المشاعر تزيد حِدّة ، مَشى بتثاقل وهو يعرج ، و بين اللحظة والثانية يلتفت خلفُه بتوتر ، يشوف إذا فيه أحد يتبعُه ، لكن الطريق في الساعة الثالثة من ظُهيرة كل يوم يكون خالي من البشر تقريباً !

دخل أحد المساجد بتعب ، وحاله يُرثى لها ، ملابسه مغبَرَّة وكلها دم ، و وجهه تشوّه من كثر الضرب .

فتح صنبور الماي وبدأ يغسّل وجهه والجروح اللي فيه تحرقه مع كل لمسة ماي ، ثمّ أخرج ملابس نظيفة من الكيس اللي بين يديه وإرتداها بصعوبة من الوجع اللي يُحيط بجسمه

إنتهى من مهمته الصعبة ودخل المسجد وإرتمى في أحد زواياه وأنين قلبه ما سكت
تذكّر كل اللي صار له في الصباح ، تذكّر القهر اللي صَرَع قلبُه ، تذكّر الألم والوجع اللي احتواه ، تذكّر الظلم اللي واجَهه .
ومع أنين الذِكرى بدأ يبكي ، يبكي بحرقة ووجع وقهر وألم وظلم ، يبكي على نفسُه الضايعة والمُشتتة .
استعاد كل اللي حصل له بالتفاصيل الصغيرة ، بالتفاصيل الموجِعَة .






-67-
سلطان بن ناصر


والله العظيم أنهم ما عاد يشوفوا وجهي ، والله

اللي صار شيء يفوق المُستحيل ، ما أدري إيش اللي صار ؟؟ ، كل الأحداث صارت بسرعة صاروخية ، بس اللي أعرفه إنّي انظلمت والبيت ذاك ما راح أدخله لو أنام بالشارع ، ولا راح يشوفوا وجهي من بعد اليوم !!
مسحت دموعي بقهر وشهقة تصاعدت من الأعماق نتيجة إنتفاظ ذا القلب اللي ما عاد يتحمل أكثر من كذا .

كنت جالس تحت السُمرة وكافي شرِّي وسمعت صوت صياحها ومحمود النذل أخوها يضربها ، ركضت ناحيَتهم وشفت إبتعاد محمود عنها ، ولما اقتربت منها زاد صياحها فالتَمُّوا علينا الناس وهجم عَلَيْ أبوها بدون حتى ما يعطيني فرصة أشرح أو أبرر ، وفي دوَّامة كل هالأحداث عقلي اللي مو قادر يستوعب اللي حصل .

لا و الأدمر من كذا لمّا عرَف السيد الوالد باللي صار ، ما خلّى ضِلع فيني صاحي ، ضربني ضرب عمري ما راح أنساه !

مسحت دموعي اللي زاد مجراهن

حاول عمي عبد العزيز يبعده عني ، وحاول طارق ، وحاول سعود ، وحتى خالد و حمد أولاد عمي عبد العزيز واللي المشاكل بيني وبينهم ما تنخمِد حاولوا يبعدوا أبوي عني لكن ما قدروا !
القوّة العجيبة اللي تلبسَتُه ما استطاع أي أحد أنه يثنيها .

بعد ما فرّغ غضبه رماني في المستودع اللي دائماً يرميني فيه ، رماني بدون لا يسمع اللي أقوله ، رماني وهو مُغلق آذانُه ، رماني وهو مصدِّق كلام الناس بدون ما يعير كلامي وتبريري أي اهتمام ، صار أعمى وما عاد شاف الحقيقة ، صار أعمى وما شاف البراءة في كلامي وأنا أبرر له سبب وجودي فذاك المكان .

مسحت دموعي وأنا منقهر من حالي ، منقهر من هالدموع اللي مو راضية توقف .

وبعدها قفَلْ باب المُستودع الموحِش ، وسمعت أصواتهم تبتعد وفــ ذيك اللحظة بدأت شهقات الظُلم تعلو وبدأت الدموع تأخذ مجراها وتعبّر عن كل اللي يجول في داخلي .
بعد فترة ، سمعت صوت الباب ينفتح ، والضوء القادم من الخارج يسلك مساره باتجاهي وينير وحشة المُستودع المُظلم .
دخلَت وهي تُغلق الباب ، عرفتها هذي اللي بسببها صار اللي صار ، اللي بسبب خُطتها الغبية انظلمت ، هذي مها !
مشَت باتجاهي بخطوات قصيرة والتردد و الأسَف واضح في وجهها

احتقن وجهي بالغضب وصرخت ببحة وحِدَّة : اطلعي برااا
ومع الصرخة اللي صدرت مني صاحت بصوت عالي
قالت ببكاء تبرر اللي حَصَل : والله العظيم إنّي ما أدري أنه هيصير كذا
صرخت مرّة ثانية و بغضب قلت : اطلعي برا ، إنتي ما تفهمي ؟؟

ابتعدت عني وقبل ما تطلع قلت لها : اطلعي غرفتي بدون ما تشوفش شعشبونة وجيبي لي ملابس نظيفة و محفظة الفلوس هتلقيها فدرج الكمدينة
وسكّت بتعب وأنا أحس أنه الكلام يستنزَف الطاقة اللي ما زالت باقية فيني

إلتفتَتْ نحوي بدون ما تقول شيء ، ثم خرجت وهي تغلق الباب.

رجعَت بعد مُدة وفي يدها كيس بلاستيكي بداخلة الملابس ومحفظة الفلوس ، نَفّذت طلبي بهدوء وبدون ما تسأل عن سبب طلبي لـ محفظة الفلوس على وجه الخُصوص وهالشيء مُريح جُزئِياً ، أعطتني الكيس وهي تلهث من التعب ، أخذتُه منها بدون صوت ، وإتجهَت هي ناحية الباب وخرجَتْ بهدوء مثل ما دخلت .

مُستحيل أنسى اللي سوته فيني ، مُستحيل !


حاولت أوقف مُستند بالجدار لكن ما قدرت من قوة الألم ، حاولت مرة ثانية و أنا أجاهد نفسي وبعد استنزاف الكثير من الجُهد قدَرت أتجه نحو الباب ، خرجت وأنا أمشي بصعوبه ، وابتعدت عن ذاك البيت بدون ما يرف لي جفن ع فراقه أو فراق أهله بعد ما ظلموني ، ابتعدت عن ذيك الحارة اللي شَهَدت فيها الظلم والقهر والوجع والذل بأنواعه .

وُجهِتي كانت مجهولة ، ما أدري وين مُمكن أروح ، بس اللي أعرفه زين إنّي لا يُمكن أعود لذاك البيت من جديد ، لا يُمكن .





-68-
مشَت بسرعة ناحية بيتهم ودموعها تركض على خدها ، بكل اللي سوته كانت راح تنتقم لــ سلطان من ريم و أخوها ، كانت راح تنتقم له ، بس كل شيء انقلب على راسها وعلى راس سلطان !

ليت كل شيء طاح في راسها ، ليته ؛ لأنها السبب بكل اللي صار ، سلطان ما له ذنب ولا له يد بالموضوع ، الخطة كانت خطتها رسمتها هي و ابليس مع بعض ، سلطان ماله دَخِل بهالشيء .

ايش تسوي ؟؟؟
ايش مُمكن تسوي علشان تصلّح كل اللي صار ؟؟؟

اتجهت ناحية غُرفتها وهي تمسح دموعها في حين خرج سعود من غرفته ، رفع راسه وشافها باستغراب وتعجُب للدموع اللي لمحها في عيونها ، وقّفت وهي تناظره بحزن وبتردد ، أرخت نظرتها ع الأرض وهي تفكّر .

تقول له عن اللي صار ؟؟؟
بس والله هيذبحها
لكن لازم أحد يفكر معها علشان تظهر براءة سلطان ، هي لو فكّرت لحالها أكيد راح تحط على راسه مُصيبة ثانية أكبر ، ما عادت تثق فنفسها و بخططها !
راح تقول له واللي فيها فيها ، سعود يفكر بعقل ومُمكن يخرّج سلطان من هالمُصيبة

سألها بعد ما شاف التردد اللي في عيونها وعقدة مرسومه بين عيونه : ايش فيه ؟؟
تجرّعت مها ريقها ، رفعت نظرها وبصوت باكي قالت : أبغا أقولك شيء

دخلت غرفته ودخل سعود وراها وأغلق الباب ، جلست على السرير الكبير اللي يتوسَط غُرفة شبابية الألوان تمزج بين الأزرق والأبيض والأسود ، فركت يدينها بتوتر وهي تناظر الأرضية البيضاء والعِبرة تخنقها .

جلس على مكتبُه المُقابل لها وسأل ونظره الفضول فعينه : مُصيبة جديدة صح ؟
لمّا قال كذا صاحت بصوت عالي وهي تغطي وجهها بكفوفها

صياحها أكّد له أنها مسوية مُصيبة ومُصيبة كبيرة هالمرّة ، قال بغضب : تكلمي إيش فيه ؟؟
ما ردّت عليه وصياحها يعلو
ضرب قبضة يدّه على الطاولة البيضاء بنفاذ صبر وصرخ بصوت مُراهِق غليظ : قسماً بالله لأكسِّر راسِش لو ما قلتي إيش مسوية

حاولت تهدا وقالت بنشيج : أبغا منك وعد قبل علشان ما تضربني
حاول أنه يهدا ، عض شفته السُفلية بقهر وهو يشيح نَظَرُه عنها ، أعاد نظرته ناحيتها وقال بنبرة أهدأ من اللي قبلها : وعد

رفعت راسها تنظر لعيونه ، تنظر لصِدق وعدُه ، ولمّا تطمنَت بدأ لؤلؤ الكلام يتناثر ، حكت له كل شيء ، كل شيء ، وبين الكلمة والثانية دمعة تسقط و تمسحها على طول ، حكت له كل شيء من يوم ما تضاربت مع ريم إلى الضرب اللي تلقَتُه ريم من أخوها !

أما عن سعود فالصدمة ألجَمَتُه ، شلّت لسانُه ، ما هو قادر يتكلم من الشيء اللي يسمعه ، عيونه متسعه بصدمة ، وحَدَقة عينه زاد سوادها من شدة الغضب .

لمّا أنهت حديثها ، ناظر حوله والصدمة تلف وجهه ، يبغا يفهم الكلام اللي توُّه انقال ، يبغا يفهمه ، رفع عيونه ناحيتها علشان يستوعب ، دموعها ونظرتها الخائفة أكّدت له صِدق اللي سمعه .
بفحيح غاضب وبنبرة حادة قال : إنتي كم عُمرش ؟؟
صرخ وهو يعيد السؤال مع أنه على عِلم بالإجابة : كم عُمرش ؟؟
لو ما الوعد اللي أخذَتُه منه والا كان راسها اللي يحيك هالخطط مكسَّر ، كان راح يكسِّر راسها اللي يتفنن برسم المصايب بكل ذكاء ودهاء ومكر !!

أغمضت عيونها لمّا صرّخ ، قالت بهمس خائِف : عشر ، عشر سنين
صرخ وهو يوقف ويمشي ناحيتها : إنتي طِفلة ، مها إنتي بعدش طِفلة
سكتت وما ردّت عليه ونظرة الخوف ما زالت في عيونها ، ما استوعبت الرابط اللي يربط بين الكلام اللي يقوله وبين الحكي اللي حَكَـتُه له !
يروح ويجي في الغرفة بتفكير وعقله مو معه ، مو قادر يستوعب أنه الدهاء مصدَرُه هالطفلة اللي أمامه الآن . مرّت أكثر من دقيقه وهو يلف حول الغرفة بتفكير لكن صوتها قطع عليه حبل أفكاره لمّا قالت بهمس : سعود دخيلك ساعد سلطان ، هو ما له ذنب

قال بغلظه وهو يلتفت لها : لا والله بالزمان عليش ، تو الناس ، توش تعرفي أنه ما له ذنب
صرخ : قومي إنقلعي خارج لا أشوف وجهش قدّامي ، عنبو شيطان إنتي شيطان !!

ركضت خارج وهي تصيح بنشيج عالي !!





-69-
في أحد أكثر المُدن ضجيجاً وحَركة ، في العاصمة البريطانية ، مشى بطوله المُلفت وهيئته اللي تُعطيه أكبر من عُمره ، مُرتدي جنز أزرق قاتم و قميص أبيض عاكس ملامح وجهه المُلفِتة بشكل كبير وفوقه جاكيت رسمي أنيق وحول عنقه شال قُطني خفيف أزرق !

ملامحه جذّابة بشكل كبير ،عيون رمشها طويل وفوقها حاجبين كثيفين وشعر كثيف ناعم مُسرحنّه بعناية و خشم يَحمِل أصالة وعَراقَة عَربية ولِحيَة كثيفة مُهمَلة زادته وسامة ، مشى بثقة وعيون المارّة عليه وبخاصة النساء .

دخل نفس المقهى اللي دخله البارحة ، حيّا المرأة العجوز بحركة من راسه و بابتسامة فاتنة ، ردّت الإبتسامة له وهي تمشي نحوَه . قالت بإنجليزية ودودة : أهلاً بكَ أيها الوسيم ، سعيدة لأنك جئتَ مُجدداً

يَ العجيّز النشبة ، ما زالت تتغزّل فيه !

ابتسم : الحقيقة أن قهوة البارِحة أعادتني
قالت وهي تبتعد عنه : تفضل إذاً لأُعِدُها لك
سألت من وراء الطاولة : أتود أن تأكُل شيئاً مع القهوة ؟
رد وهو يجلس على نفس المقعد اللي جلس فيه البارحة : كرواسون بالجبن من فضلك
هزّت رأسها بلطف

نظّر لساعة معصمه ، الساعة ثمان إلا ربع صباحاً ، موعده مع جون بعد ربع ساعة ، تنهد وهو ينظَر للخارج من النافذة الكبيرة اللي على يمينه وسرَح في عدنان مصدر مشاكله .
لمّا خرج من الشقة اليوم كان ما زال على وضعيته اللي من أمس ، ما زال على الأرضية الباردة ونايم بعمق ، السُكر يُثقل نومه لدرجة أنه ما حَس أبداً أنه نايم أمام باب الشقة وعلى الأرض ، وضعُه كان مُهين لدرجة كبيرة !
لازم يلقى له حل معه ، ما هي حالة كل يوم يسكر ويزعجه و يزعج الجيران معه .

تنهَد مرة ثانية وهو ينظر ناحية العجوز المُبتسمة القادمة نحوُه وبين يديها طَلَبُه .





-70-
خرجوا من المسجد بعد ما صلُّوا العَصر ، مشّى عبد العزيز وعن يمينه ولده الأكبر طارق ( 26 سنة ) وعن يساره حُذيفة ( 23 سنة ) وهم - ما زالوا – يتناقشوا باللي حصل مع سلطان اليوم ، وبإختفاء ناصِر عن الأعيُن من لمّا ضرب ولده ذاك الضرب المُبرح !

وخلفهم مشى خالد بن عبد العزيز ( 14 سنة ) و حمد بن عبد العزيز ( 11 سنة ) و يوسف بن محمد ( 9 سنين ) و أخوه سعود اللي ما زال يفكر بحل يُنقذ سلطان من الظلم اللي وقع فيه .

نَظر سعود ناحيَة عمُّه عبد العزيز ، اقترب منه وقال : عمي بغيتك بكلمة
توقف العم والتفت ناحية ولد أخوه ، وتوقفوا طارق و حُذيفة و نظروا له باستغراب ، قال أبو طارق باهتمام : خير يا سعود ؟
قال سعود بثقة : عمي سلطان انظلم اليوم ، اللي ضرَبَ البنت أخوها محمود لأنها كَسّرت البلاستيشن ، والبلاستيشن ما زالت هناك في المكان اللي انضربت فيه

الكل نظَر له باندهاش

قال طارق بتساؤُل : لكن سلطان هو الشخص الوحيد اللي كان فذاك المكان لمّا كانت هي تصارخ !!!
قال سعود بثقة أكبر : كان قريب من المكان وقتها ولمّا سمع الصوت اقترب وشاف محمود يضربها وذاك النذل لمّا شفى غليله تركها ، وعشان كذا الناس ما شافوا غير سلطان اللي ما كان له ذنب

نظروا ناحيته بصدمة

قال حُذيفة : علشان كذا كان سلطان يحلِف أنه ما له ذنب وقت ما كان عمي ناصر يضربه
وجّه حُذيفه نظره ناحية سعود وقال بتساؤُل : بس إنت كيف عَرفت ؟؟
كَذب لمّا قال بصوت متزعزع : مها أختي كانت تلعب قريب وشافت اللي صار

أبو طارق ما زال ساكت يحاول يستوعب ، مسح على وجهه وهمس : يا الله

تأكدوا من كلام سعود ، آثار البلاستيشن المكسرة فنفس ذاك المكان أكّدت لهم الكلام اللي قاله ، وعلى طول توجهوا لبيت أبو محمود الفخم اللي يُشابه أغلب البيوت فذاك الحَي الراقي ، استقبلهم وعلامات الغضب ما غابت عن وجهه ، تصدّر أبو طارق المجلس العربي الكبير و قال : كيفها بنتك يا أبو محمود ؟
رد بقهر : والله حالتها ما تسر ، واسمح لي يا أبو طارق على هالكلام لكن والله لو ما الجيرَة و لو ما معدنكم الطيِّب اللي أنا عارفه والا كان ما بيني وبين وَلَدكم غير الشرطة .
قال أبو طارق بثقة : ولدنا انظلم يا بو محمود و أكيد أنت ما ترضى بالظلم ، اللي حصل كان مُجرد سوء فهم

و حكى له اللي صار

ما كان فيه مجال لأبو محمود أنه يشك بصحة الكلام اللي يسمعه ؛ لأنه ببساطة لا يُمكن أنه أبو طارق يكذب في الحَق ، وما مُمكن أن يظلم أحد ، ويشهد له الكل على هالشيء !!





-71-
دخل على بنته اللي منسدحه على السرير بتعب و آثار الضرب باينة فكل وجهها ، وبجانبها أمها اللي حاضنتنها بحنان ، جلس بجانب بنته الحبيبة وعيونه تُشفق عليها ، فتحت عيونها بثقل لمّا حست بأحد يجلس بجانبها . هذا أول لقاء بينهم بعد ما انضربت وبعد اللي صار لها اليوم الصبح !

مسك يدها وقال بحنان : كيفك بابا الحين ؟؟
قالت بصوت باكي لمّا سمعت صوته الحاني : بابا لا تخلي محمود يدخل هنا ، ضربني اليوم بقوة

بعدها دخلت فنوبة بكاء عميقة ، صحَت الأم لمّا حسّت ببكاء بنتها العنيف وضمتها ناحيتها بقوة وهي تهدّي فيها .
خرج أبو محمود بعد ما تأكد من صِدق الكلام اللي سمعه قبل شوية من أبو طارق ، محمود ولده هو اللي ضرب ريم بنته ، وسلطان انظلم بسبب هالشيء .
يا ربييي ، كيف الواحد لمّا ينعمي عن الحقيقية ، يتصرف بدون عقل و بعدين يندم ببساطة ، يندم بعد ما ظلم ناس وشوّه سُمعتهم وقهرهم وذلهم .
يا الله كيف جانب الشر عند البني آدم حقير ، حقير !!

توجّه ناحية غرفة ولده والغضب يحتويه ، بيده عصا رفيعه تفي بالغرض اللي رايح عشانه ، وهو يحلف بالله العظيم أنه راح يأدب هالولد اللي صغّر قدرُه بين الناس .






-72-
إلتفت جون وهو يدور بوجهه ذا الملامح الغربية والبشرة البيضا المُحمره والعيون الزرقا والشعر الذهبي ، قال بانجليزية لعمر بعد ما سلّم عليه وهو يتأمل ديكورات المقهى الخشبية : مقهى جميل

جلس مُقابل عُمر وهو يقول : ما الجديد يا عُمر ؟ ، لستَ على ما يُرام
قال عُمر بنبرة جادّة مُتذمرة : جون الوضع سيء جداً في البيت ، ما عُدت أتحمل عدنان وأنا أراه بتلك الحالةِ يومياً ، نَفُذ صبري
خَتَم كلامه بتنهيدة

أشار جون للعجوز وهو يطلب منها قهوة سادة
ضحك جون باستغراب ونظرته ما زالت نحوَ العجوز : أنظر كيف تنظُر لَكَ تلك المرأة ، أظنُها أحد المُعجبات
قال عُمر بعصبية : دعك منها و ركِّز معي
قال جون وهو يحاول يمسك ضحكته : أنت لا تعرف سِوى الشكوى والتذمر ، ستُصبح في الغد محققاً يا بُني هل ستظل هكذا عديماً للصبر ، الصبر مُهم لعملِنا !
التفت عُمر ناحية النافذة وما رد عليه
قال جون وعلامات الجِدِيّة تكتسي ملامحه : إسمعني الآن هُناكَ ما هو أهم
اعتدل عُمر في جلسته ونظر لجون بترقُب

اقتربت منهم المرأة العجوز ووضعت قهوة جون على الطاولة وقالت بنبرة حلوة : بصحة وعافِية
شكرها جون بابتسامه ، رشف رشفة من قهوته اللي أسكرتُه ريحتها ، وزادُه طعمها سُكر ثم قال بتلذذ : امممم يا سلام ، مَذاقُها طيّب !
قال عُمر بعصبية وهو يقوم : سأتركك الآن إن كُنت لا تُريد التكلُم
رفع جون نَظَرُه لعمر وقال باستغراب : اجلس الآن أيها العربي البَدوِيْ ، يا لك من نار مُشتعلة !
جلس عُمر وهو يزفِّر بغضب
قال جون قاصد يغيضه وهو ياخذ رشفة من قهوته : إنها لذيذة حقاً ، أطلُب واحدة يا عُمر كي يَعتَدِلَ مِزاجُكَ السيء
قال عُمر بتهديد و نظرة نارِيّة في عيونه : جوون
ابتسم جون ثمَّ قال بجدِية ونبرة صوته تخفُت بشكل واضح : وَصلنا بلاغ أنّ واحداً من الأشخاص المشكوك فيهم ومن ضِمنهم عدنان سيُسافر نهاية هذا الأسبوع إلى مكان لم يُحدد بالضبط ، سيتم تهريب شُحنة كبيرة مِن المُخدرات !
أخذ جون رشفة من القهوة ، أكمَل بنفس نبرة الصوت الجادَّة والخافتة : راقبه جيداً يا عُمر ، عملُكَ الحقيقي يبدأ اليوم

هز عُمر راسه بفهم

أشار جون مرة ثانية للعجوز صاحبة المقهى وهو يطلب فنجان قهوة ثاني بعد ما أنهى فنجانه الأول ، قال بمرح وهو يرمق عُمر : عُمر صدِّقني إنك وهذه العجوز مُناسِبان لبعضِكما جداً

أشاح عُمر نظره عن صديقه وهو يضحك بعد ما تخيّل نفسُه معها

جون هو الوحيد اللي مزاجه مَرِن بشكل عجيب ، يقدر بسرعة جنونية ينقلب من شخص جاد إلى مَرِح ومن مَرِح إلى جاد !






-73-
مشى سلطان ناحيَة مكتب باصات النقل العامة ، سأل عن أقرب باص يمشي لـ صلالة ، و حس بشوية راحة لمّا عرف أنه فيه باص راح يتحرَك بعد ساعتين ، يعني بعد المَغرِبْ مُباشرةً !
ما يريد يجلس فــ مسقط أكثر ، يكره كل شيء فيها ، كل شيء ضاق عليه هنا ، نفسيته متدمرة لأنه هنا .... فــ أحسن حل أنه يبتعد .

سمع صوت معدته الفارغة تصدر صوت ، ما أكل شيء من الصبح ، من لمّا انظلَم ، اتجَه بوجه مختفيه ملامحُه الحلوة من كثر الرضوض اللي فيه ، عيونه الحادّة متورمة ومنقلب لون جفنه بنفسجي ، باختصار وجهه يخوّف من الضرب !

طلب ساندويش وبيبسي وجلس يأكل بصعوبه ؛ حتى ما هو قادر يبلع اللقمة من الألم ، زفّر بتعب وبقلّة صبر وهو يحس أنه الوقت يمشي ببطئ .





-74-
حَمَد الله في سره أكثر من مرّة ، استبشر وجهه لمّا اتصل عليه حُذيفة ولد أخوه وقال له أنه سلطان انظلم ، سلطان ولده انظلَم ، سلطان ما اعتدى على البنت ، وعشان هالشيء حلف أنه يذبح عشر خواريف ويوزعهن ع الفقارى !
اتجه بسيارته ناحية بيته والراحة تحف قلبه بعد ما خَرَج قبل ساعات وجبال الهموم على ظهره ، خرج من الحارة بكبرها لأنه استحى من نظرات الناس ولمزاتهم بعد ما كان يظن أنه سلطان وطّى راسه بين الناس .
شاف أخوه أبو طارق و أولاد أخوه أمام بيته ، نزل لهم وهو يحس بتوتر بعد ما شاف وجوههم ، سأل : إيش فيكم ؟؟
قال طارق : عمي ، سلطان ما هنا ، مافي البيت لفينا بالسيارة على المنطقة كلها بس ما حصلناه
قال ناصر بفزع : كيف يعني ؟ وين راح ؟؟
قال عبد العزيز ( أبو طارق ) بحزم ونظرات القهر في عيونه : لو صار فهالولد شيء يا ناصر ، ذنبُه في رقبتك ليوم الدين ثمّ إتَّجه أبو طارق بهامة مُستقيمة مُهيبة لبيته الفخم واللي يعكس مستوى معيشي عالي .

قال حُذيفة لعمُه اللي يناظر أبو طارق بأسف : عمي اتصِل على خواله وخالاته يمكن يعرفوا عنه شيء

تحرَّك ناصر لداخل بيته بأرجل راجِفَة وهو يبلَعْ صَدمة غِياب ولده شوي شوي مع كل خطوة يخطوها ، وفي باله ينفِّذ الكلام اللي قال عليه حُذيفَة .





يُتبع ,






لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 30-05-15, 04:41 PM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




تابع : النبض الخامس
أحتاجُكِ أمي






-75-
مشى بتعب راجع من الجامعة ، الجَو خانِق من زحمة لندن ، والسماء بدت تتلون بألوان الغروب الحالِمَة والمدينة تصدر موسيقاها الخاصة اللي ما تسكت طول اليوم .
صعد بالأصنصير متجِه لشقته ، قابله جاره فادي ذا الملامح الغربية والشعر اللي بدا الشيب يغزوه ، كان ينقل عفش بيته للخارج ، سلّم عُمر عليه وسأل : أشوفك تنقل العفش راح تنتقل من هنا ؟
رد فادي وهو يهز راسه بإيجاب : بدنا نروح على بيت أكبر
إبتسم عُمر : بالتوفيق يا فادي ، واذا احتجت حاجة أنا موجود
رد فادي الإبتسامه وهو يشكره

فتح باب الشقة ودخل ، صاروا جيرانه يهربوا من جيرته والسبب معروف طبعاً ، بسبب عدنان وقرَفه ، دَخَل غرفته ، أخذ ملابس نظيفة ثم دخل الحمام ياخذ دش بارد يهدئ أعصابه التالفة من عصبيته الزايدة .
خرج ، سرّح شعره بعد ما نشَفُه و رش عطر ثم وجَّه للصالة بديكوراتها الإنجليزية و ألوانها العصرية الباردة
قابَلَه عدنان اللي منسدح ع الكنبة ويطالع التلفزيون ، سلّم عُمر وهو يجلس على الكنبة المُقابلة له ، رد عدنان السَّلام بملل وهو يقلّب في قنوات التلفزيون بدون هدف مُعين .
قال عُمر بهدوء : مُمكن أتكلم معك بهدوء وعقلانِيّة و رجال لـ رجال
إعتدَل عدنان فجلسته ، أحنى ظهره وهو يرفع حاجب : حبِّيتها هذي رجال لرجال ، سكت للحظات ثم أَكمَل باستنكار : أوكي قول اللي تبيه بس مو قبل لا تقول لي سبب الحركة السخيفة اللي سويتها اليوم الصبح !!
عقد عُمر حواجبه باستغراب ، سأل : أي حركة ؟
رد : يوم مشيت من الشقة وأنا مسدوح على الأرض بذاك الشكل
ضحك عُمر بسخرية : رجاءً لا تضحكني عليك أكثر ، و إذا تكلّمت عن الحركات السخيفة فإنت على بعضك كومة سخافة وكومة غباء بعد
نظَر عدنان ناحية عُمر بعيون حادة غاضِبة وهو يحس بإحساس المهانة يتملّكُه ، فداخله توعَدُه بشر !
قال وهو ياخذ نَفَس ويحاول يتمالك نفسه : ما علينا ، إيش كنت تبي تقول ؟
صمت عُمر للحظات ثمّ قال بهدوء وهو يرفع عيونه : أبغا أعيش بهدوء وهالشيء من حقي طبعاً ، من اليوم ورايح مالي خِص فيك ولا لك خِص فيني ، كلن يعيش لحاله وبدون مشاكل ! وطبعاً هذا يتضمن أنّك ما تجيب شلتك اللي أمس لبيتي مرّة ثانية .
رد عدنان بمكر : بشرط ؟
تنهد عُمر : إيش ؟
قال عدنان بعيون خبيثة : تجي معي الليلة تتعرّف على شلّتي اللي مو عاجبتك ( غمز له ) وعلى فكرة فيه بنات أمس لمحنّك وطار عقلهن بك ، راح يحبهن قلبك صدّقني
ختم كلامه بضحكة تحوي جميع أنواع الشرور
سَكَت عُمر وهدوء ظاهري وجمود غريب احتواه بعكس أعاصير العصبية والغضب اللي تدور داخله ، قال بعد مُدّة صمت : أوكي ، أنا موافق

استغرب عدنان لكن في الأخير فرَح لهالمُوافَقة ، وافق عُمر لسبب واحد لا غير علشان شغله لازم يتقرّب من شلة الفساد هذي ، لازم يعرف إيش اللي يدور بينهم ، ويعرف الكلام اللي تتداوله ألسِنتهُم ؛ لأنه عدنان وحده ما يكفي !
وافق لأنه تذكر جون لمّا قال : " راقبه جيداً يا عُمر ، عملُكَ الحقيقي يبدأ اليوم "

في اللحظة نفسها عدنان يحبِك خطة توقِعْ عُمر وتمحيه من طريقه .
ضحك فداخله باستهزاء على عُمر وهو يتوعَدُه بشر !








-76-
قالت شمّا وهي تتربَّع على سرير روضة الكبير في غرفة بناتِيّة مُلونة بدرجات الزهري : متى راح نقابل النِذلة جِنان مرّة ثانية ؟
قالت روضة وهي ترتب كُتبها في المَكتبة اللي تُقابل السرير : ما أدري ، وأصلاً ما راح أروح معش خلاص ، تبي تروحي روحي وحدش
نطّت شمّا من السرير ناحية روضة وهي تقول باعتراض : لا روضة تعالي معي ، أخاف تاكلني ما شفتي أسنانها كيف كبار ؟!
قالت روضة بصرامه وهي تلتفت ناحيتها : ما زين تعيْبي على خِلقة الله ، و بعد اللي صار مع سلطان عِفت أسوي مشاكل
قالت شمّا بنبرة حزينة وهي تتوجه ناحية السرير : أوكي ، وأصلاً أنا لمّا رجعت أفكر قلت أنه ما عندي سالفة ، وأنه عقلي صغير لمّا أضارب بنت ليش أنها مُعجَبَة في ولد عمي اللي أنا مُعجَبَة فيه .
توجَهَت روضة ناحية صديقتها وبنت عمها ، مسكت يدها وقالت : صدقيني أنا ما أريدش تتعذبي بذا الحُب ...
قاطعتها شما بصرامه : أنا ما قلت أحبه ، هو مُجرد إعجاب بشخصيته القوية
وبتردد قالت : وبشكله .
إبتسمت روضة : أوكي ، أخاف عليش ، أخاف أنه يتحوّل هالإعجاب لـ حُب فيوم وتتعذّبي ؛ لأن سعود بارد وجامد وما وجه حُب .
تنهدَت شمّا بيأس
قالت روضة وهي تشد على يد شمّا : إنتي الحين مُراهقة وهالإعجاب طبيعي ، متأكدة أنه لمّا تكبري شويْ ما راح تشوفي سعود من أساسه
وكمّلت روضة بحدَة : وللحين ما عرفت إيش المُمَيز في شخصيته ما غير يصارخ علينا و يتأمّر ومسوي نفسه الشيخ اللي لازم يُطاع ، مالت عليه !

قالت شمّا بانزعاج وهي تلتفت ناحية روضة : اسكتي انزين انتي وهالصوت
قالت روضة بخبث : ليش ؟ ما ترضي على حبيب الألب ؟
قالت شمّا بضيق : جب
ضحكت روضة
استقامت شمّا وهي تقول : بروح بيتنا ، من كثر ما ألزّق فبيتكم أحس إني مشتاقة له ومشتاقة لأمي من زمان ما شفتها
ضحكت روضة : خبلة
توجهت شمّا ناحية باب الغرفة ، لكن إلتفتت لروضة وهي تقول بابتسامة : تعرفي روضة مرّات أحسش مثل أمي لمّا تنصحيني ، مع إنّه أنا وإنتي نفس العُمر
ردّت روضة بغرور : أصلاً إنتي ومها بدون نصايحي راح تضيعن ؛ لأني أعقل وحدة فيكن
رمقتها شمّا بنظرة نارية

نزلن تحت وشافن سعود وأمه في الصالة يتكلموا وحولهم سارة وحنين يلعبن وما داريات بالدنيا اللي تدور حولهن .







-77-
دخل لأمه اللي جالسة في الصالة المُصمَمَة بطابِع شرقي فَخم ، سلّم عليها وجلس جنبها بتعب
سألت : ايش اللي صار ؟؟ حصلتوه سلطان ؟؟
همس بتعب : لا
قالت بتوتر وخوف : وين راح هالولد ؟؟ الله يستر عليه
رد سعود وهو يغمّض عيونه ويرخي راسه ع الكنبة : عمي ناصر اتّصل بخواله وخالاته بس ما عندهم عِلم عنه
: الله يستر عليه ويحميه " رددت سلمى بخوف "

فتح عيونه بثقل وهو يسمع خطوات أحد نازل من الدرج اللي يتوسط البيت الكبير بديكوراته الشرقية الراقِية ، وكانت روضة مع بنت عمه شمّا ، شبح ابتسامه ارتسم على وجهه وهو يناظر الأخيرة .
خلُّه يجننها شوي
قال بصوت غليظ و عالي : ما شاء الله بنت العم عندنا
قالت شمّا وهي منقهرة من نبرة صوته الساخِرة : إيه والله قلت أجي أزوركم عشان يتبارك شويّة هالبيت
قال بابتسامة ساخِرة : تزورينا أجَل ، أنا أقول تنقلي أغراضش معنا عشان ترتاحي من الروحة والردّة

احتقن وجهها بغضب وهالشيء ما خفى عنه قالت بقهر : يَ الله مع السلامة
ضحك بصوت عالي علشان تنقهر أكثر
ردّت سلمى ( أم سعود ) واللي شهدت الصراع اللي دار أمامها والإبتسامة على وجهها: مع السلامة يُمه وما عليش من سعود البيت بيتش
ردّت شمّا : أدري عموه ما يحتاج تقولي

وصَّلَـتْها روضة للباب
همست شما بغضب : شفتي كيف ، يقهر والله
قالت روضة بنفس الهمس : وإنتي بعد ما قصرتي فيه
وأكمَلت تقهرها زيادة وهي ترفع حاجب : ويَ الله مع السلامة زودتيها عاد ، صِدقُه سعود أحسن تجي تسكني معنا
زمجرت شمّا : قليلة الأدب ، صدق ما تستحي إنتي وأخوش ، لا بغيتيني مرّة ثانية تجيني بيتنا ، والله ما أدخل بيتكم ذا أسبوع كامل وهذاني حلفت
ومشت مُبتعِدة ناحية بيتهم وهي تطرق الأرض بخطوات غاضبة
ضحكت روضة وصرخت علشان تسمعها : والله ما تقدري ، أسبوع كثير عليش

ما ردّت عليها ؛ مسوية فيها زعلانة !






-78-
صار له ساعتين من لمّا ابتعَد عن مسقط ، المدينة اللي شَهَد فيها آلامه و أوجاعُه ، و باقي تقريباً عشر ساعات عشان يوصل لصلالة ، يعني على الساعة سبع الصبح في الباكر راح يوصل بعون الله .
إلتفت لـ الهندي اللي جالس جنبه ومد له فلوس وهو يقول : عطني أكلّم تلفون
أخذ الهندي الفلوس و أعطاه التلفون
اتصل على رقم حافظنه زين ، رن أكثر من مرّة و أخيراً ردْ عليه صوت إمرأة : ألوو
قال بوهن : خالتي مزون هذا أنا سلطان
قالت بلهفة وخوف : يمّه خفت عليك سلطان ، إنت وينك ؟ ، أبوك أتصل فيني يدوّر عليك

أبوه يتصل على خالتُه !!! يسأل عنه ؟؟؟ ليش ؟؟؟ ، هو أصلاً ضاربنه ضرب قبل ساعات لين ما رجَّعْ العافية ، يسأل عنه ليش ؟؟؟

رد عليها : خالتي أنا جاي لش ، أنا جاي لصلالة إمكن على باكر راح أوصل تقريباً الساعة سبع
قالت خالته بخوف : ليش تسوي كذا يمّه ؟؟ ، أبوك خايف عليك ، ومع من جاي ؟؟

خايف عليه ؟؟ ، أبوه خايف عليه ؟؟!! نكتة حلوة

قال سلطان بتعب : لا تسأليني خالتي عن شيء ، أنا جاي لش أبي أرتاح
قالت بتفهم وحنان الدنيا كله يغلِّف صوتها : عيوني تشيلك ، إنت ولدي يا سلطان وحيّاك متى ما جيت
رد وهو يغمض عيونه بعد ما خنقته الغصّة من حنانها : راح أسكِّر الحين

أغلق بدون لا يسمع ردها ، أعطى الهندي تلفونه وهو يشكره ، بلع ريقه أكثر من مرّة لعل الغصة اللي فبلعومه تختفي ، لكن ما راح تختفي الا بالدمع اللي تعب منه .






-79-
لبس جينز أسود وقميص بنفس اللون وفوقه جاكيت رمادي ، لف شال قطني حول رقبته يمزج بين درجات الرمادي والأسود ، و أكمَل أناقته بساعة فِضية تُشير للثامنة والنصف مساءً بتوقيت لندن .
خرج للصالة و وجد عدنان فيها ينتظره ، علّق على أناقته بسخرية لكن ما أعاره عُمر أي إهتمام .


توجَّهوا ناحية أطراف لندن وبالتحديد لبيت ضخم يقع منعزل تقريباً عن باقي البيوت ، دخل عُمر وعن يمينه عدنان مُتجاوزين السور الحديدي بعد ما أوقف عُمر سيارته في المواقف المُخصصة ، تأمّل الحديقة الواسعة المُرتبة اللي تُحيط بالبيت ، و لمح أشخاص متفرقين فيها .

اقترب من بوابة البيت ، الضجيج الصادر من داخل كان عالي ، والموسيقى الصاخبة أزعجت سكون روحه .
تنهد وهو يدخل داخل البيت والحَذَر ما غاب عنه ، تأمّل المكان الفاخِر ، تأمل الحشد الكبير الملتمِّين في صالة واسعة جداً تتوسط البيت .
الإضاءة كانت خافته ومع الديكورات الإنجليزية الراقِية كان المكان أسطورة إلا أنه مع الأسف الناس اللي فيه أقذر من القذارة .

دخوله بطوله المُهيب ووسامته الطاغِية وحضوره اللي يسلب الأنفاس سبّب ضجّة كبيرة والهمهمات بينهم عَلَتْ ، ونظرات الإعجاب في عيون النساء تاكله أكل .
قال له عدنان بضحكة : عيش جوّك يا عَم ، عملت لهم بلبلة .
ما رد عُمر

إلتفت حوله ، لمح البار اللي يحتل مساحة واسعة عن يمينه ، و إتجه ناحيته بمشيته الرجولية الواثقة ، الرفوف أمامه كانت مليئة بزجاجات الخمر ، تأمل المكان وانقرف من نفسه وحس بخنقة تكتم على صدره ، أخَذ نَفَسْ وهو يجلس في أحد المقاعد الطويلة ، ثم طلب من الشخص اللي يخدم خلف الطاولة ماء عشان يبل ريقة بعد ما نشّف الجو حلقُه .

حَس أنه ندمان لأنه جاء لهالمكان الوَسِخ اللي ما يرتقي لذاتُه !






-80-
اقتربت من الشخص اللي معطيها ظهره بجسد فاتن وظهَر مُستقيم ، خطواتها ترن على الأرضية الرخامية بإيقاع طربي مُغري ، وشعرها البُني مُنساب على أكتفاها بفتنة و فستانها الجلدي القصير زادها فتنة على فتنة ونظرتها المُتسلطة ترمق الجميع وكأنها تقول لهم " هذا الشخص لي وحدي "

لمسَت كتفه وهي تنزّل راسها له وقالت برقة : مساء الخير سيدي
إلتفت لها بمفاجأة ونظرته تحولت مُباشرةً لــ تقزز ، أبعَد يدها بشيء من القسوة وما رد عليها ، رجع يتأمل كوب الماي اللي أمامه وفِكرُه يصول ويجول .
إيش هالمسخرة اللي تحصل ؟؟
لازم يطلع من هالمكان ، ما يتحمّل هالوضع !!

أما بالنسبة للفاتِنة اللي بجانبه ، فانقهرَت كثير وحسَّت بالإهانة لبرودُه رغم أن كثير رجال يتمنوا نظرة وحدة من عيونها إلا أنّ الشخص اللي أمامها الآن ما نظر لها إلا نظرة عابِرة كلها جمود ، وانقهرت أكثر لمّا ما رد عليها ، لاكنها في الأخير ابتسمت بتحدي وهي تهمس لنفسها : أعشق الرِجال المُمتنعين .
جلست على المقعد اللي على يَساره ، واتكأت على الطاولة وهي تتأمله بإغواء ، همست برقة : حسناً ، لا تتكلم دعنا هكذا صامتين و اترك لي المجال كي أتأملُك .
صمتت ونظرة الإعجاب في عيونها البنية اللامعة واضحة بقوة .

إلتفَت عُمر لها بعد تفكير طويل ، إبتسَم لها إبتسامة طيّرت عقلها من محله و أربكتها ، نظرت له بضياع وما فاتته هالنظرة أبداً
همَس لنفسه " إنتي اللي راح تكشفي لي كل الأسرار اللي أريدها "

لكن اللي ما يعرفه عُمر أنه كان فيه وميض أبيض يشع بين الحين والآخر ، يلتقط له و لِـ الجميلة اللي بجانبه تهديد على هيئة صوَر .






-81-
في أحد البيوت الشعبية في العاصمة العُمانية ، بالتحديد في بوشر ، في حيْ من أحياء الطبقة المتوسطة ، وقف أمام باب البيت الحديدي الأسود اللي لونه رايح مع مرور السنين ، تأمل البيت الصغير اللي يحوي على غرفتين صغار وصالة و مجلس ، رن الجرس فخرج علي ، الشاب المُراهق صاحب العيون الجذابة والبشرة الحِنطية و الأنف المُستقيم والطول المُتوسط .

قال علي بمفاجأة : عمي مبارك
هز مبارك رأسه وإبتسامة وَقورَة على وجهه : السلام عليكم
رد علي السلام والمُفاجأة ما زالت واضحة على وجهه

قال علي بعد فترة وَجيزَه وهو ينتبه لنفسه : تفضل عمي للمجلس ، وإسمح لي لكن تفاجأت بوجودك
قال مبارك وهو يتجه ناحية المجلس : لا تتفاجأ و لا شيء ، بس عندي لك كلمتين ودي أقولهن
عَقَد علي حواجبه بإستغراب : طيب ، عطني ثواني هروح أجيب القهوة و أرجع
هز العم مبارك راسه ويدينه مشغوله بالمسبح اللؤلؤي ، جَلَس على الجلسة العربية البسيطة وهو يحس أنه أربَك علي بمجيئة ، تأمل المكان البسيط اللي هو فيه بجدرانه العتيقة اللي تحمل لون بيج باهت و الفرشة المتهالكة اللي تدل على بساطة مستواهم المعيشي .

رجع علي وبين يديه صينية تضم قهوة عُمانية و تمر سُكري وضعها على الأرض وهو يقول بابتسامة : حيّاك عمي مبارك
رد مبارك : الله يحييك ، إسمح لي ياعلي لكن من يوم ما عرفت أنه أنت تشتغل في ذاك الدكان والفضول ياكلني .

سكت لوهله ثم سأل وهو يرفع عيونه ناحية علي : إنت ليش تشتغل ؟
رد علي وهو يرخي نظرته : علشان أصرف على البيت
سأل مبارك : ليش ما في رجّال غيرك في البيت ؟
رد علي وهو يتنهّد : لا ، ما غير أنا وجدتي وأختي
قال مبارك بضيق من حاله : و أهل أبوك ؟ وأهل أمك وينهم عنكم ؟
قال علي : أبوي كان وحيد أهله ، وأمي ( بلع ريقه ) أهل أمي في البَلَدْ وهم كانوا زعلانين عليها فانقطعوا عنّا و ما نعرف عنهم شيء .


كان راح يقول أنه أهل أمه متبرين منها لاكن سَكَت فآخر لحظة و أبدَل كلامه بلفظ ثاني يفيد نفس المعنى .
لكن ما فهم هو ليش يسأل كل هالأسئلة ؟؟


قال مبارك بعد فترة صمت : شوف يا علي ، إنت مُمكن تتقدم للعسكرية وتتدرب عندهم وأنا راح أتوسط لك
كرَه علي نبرة الشفقة اللي غلّفت صوته فقال بسرعة : لا ما يحتاج أنا مرتاح في الدكان وبعدين ما أقدر أبعد عن أهلي
قال مُبارك : فكّر يا علي بالموضوع إنت راح تتدرب عندهم وفـ نفس الوقت تكمل دراستك ، وفي فترة التدريب راح يعطوك راتب
وكأن الموضوع لقى استحسان ولو بسيط من علي ، لكن سأل بحيرَة : ليش تعرض عَلَيْ هالعرض ؟
رد مُبارك بامتنان : لأنك قدّمت لي جَميل ما راح أنساه ، والشيء اللي أعرضه عليك اليوم ما يجي شيء قدّام اللي سويته إنت
هز علي راسه : راح أفكّر في الموضوع
صَب له القهوة وهو يمد له الفنجان بذهن شارد .






-82-
بعد مرور قُرابة 12 ساعة سَفر ، وصل صلالة ، المدينة الخلّابة اللي تتزين باللون الأخضر في فصل الصيف ، تنفّس سلطان بعمق وهو يغمض عيونه براحة و الرذاذ يلفح وجهه مع نسيم بارد أنعش روحه اللي أثقلتها الهموم .
يحس أنه مكسّر و مُتعب من كثر الضرب و من قلة الراحة و من السفر و من كثرة التفكير .

أخذ تكسي وتوجه للحي اللي ساكنه فيه خالته ، وقف أمام باب بيتها المتوسط واللي يعكس مستوى معيشي عادي ، رن الجرس وراسه يدور فيه بوجع ، مسح على وجهه و أنفاسه تتسارع ، رن الجرس مرة ثانية ولمّا انفتح الباب كان سلطان مغمى عليه أمام العَتبة والتعب هدّه وأسقطه طريح على الأرض .





-83-
فتح عيونه بثقل ولقى نفسه على السرير في غُرفة جدرانها خضراء ، شاف خالته مزون أمامه وهي تبكي بصمت و خوف على حالته وعلى وجهه اللي ملامحه أزالها الضرب .
لأول مرّة ، لأول مرّة حَس أنها تشبه أمه بشكل كبير ، بنفس ملامحها الناعمة وعيونها العسلية وبشرتها البيضاء وشعرها البُني ، نفس الملامح بالضبط .
شهق شهقة من أعماق روحه وهو يتأمل ملامح أمه بصدمة ، بعد الشهقة الأولى توالت الشهقات ، ضمته خالته بسرعة وبقوة ، ضمته بخوف من شهقاته المُميتة ، ضمته بقلق وماي عينها يجري على خدودها.

همَس وهو يضمها بتعب ودموعه تنزل : يمّه " كرر مناداته أكثر من مرة "
كرر نداءه وفي كل مرة ينفطر قلب خالته ، و أدرَكَت أنه اليوم جاء لها من بين الكل يرمي روحه فحضنها ، جاء لها على أساس أنها أمه اللي محتاجها بشكل كبير ، ما راح تخيّب ظنه ، و راح تكون له الأم اللي هو فاقدها .

بكت معه بصوت عالي وهي تسمّي عليه ، بكت معه وهي تدعي من كل قلبها أن الله يريّح قلبه .






-84-
ضحك عُمر وهو يدخل غرفته ذات الطابع الكلاسيكي ، جلس على طرف السرير ، فسخ جوتيه الأسود الجلدي و رماه في زاوية الغرفة وتمدد بتعب ، إبتسم وهو يتذكر اللي حصل قبل ساعات قليلة ، كانت المسألة جداً سهلة ، وعرف بواسطة ليزا كل شيء ، كل شيء .

استقام مرة ثانية ، ومثل ما دخل الشقة رجَع خرج ، اتجه لبيت جون ، كانت الساعة تُشير لـ الواحدة من منتصف الليل بس لازم يخبّر جون عن الأشياء اللي عرفها ، ما يقدر يصبر لباكر .
اتصل فيه ، رن رنين متواصل وبعد مدّة رد جون بصوت نعسان : آلو
قال عُمر بحماس : لكَ عندي أخبار ستُفرِحكَ يا جون
رد جون بغضب : أنت ، ماذا تريد مني الآن في هذه الساعة من الليل
قال عُمر بنفس نبرة الصوت : افتح الباب أنا أمام بيتك ، لنتحدث
أغلق بدون ما يسمع ردّه ، و بعد مُدة فتح جون الباب وعيونه كلها نُعاس و عليه بيجامة كُحلية فوقها روب بنفس اللون و شعره الأشقر مُبعثر .
قال جون وهو يتَجِه للصالة الدافية : ماذا تُريد الآن ؟ واختصر في الكلام ؛ لأنني ليومٍ كامل لم أنَم
أغلق عُمر باب البيت ومشى خلف جون ، جلس على الكنبة وقال بهمس متحمس : عرفت متى موعد السفر لتهريب المُخدرات
فز جون من مكانه وحس فجأة بالنشاط ، صرخ بفرح : بهذه السرعة يا رَجُل ، أنت بطل عُمر ، أنت بطل حقيقي .
ضحك عُمر لحماس صديقة المُفاجئ : ليس هذا فحسب ، بل عرفت أيضاً من هوَ الشخص الذي سيُسافر
تحمّس جون زيادة و زاد فرحه : هيا هيا ، أخبرني بسرعة كيف عرفت ؟؟
قال عُمر بغرور وهو يرخي ظهره على الكنبة ، غمز له : استغليت إعجاب أحداهُن بي
قال جون بنفاذ صبر : تكلّم بسرعة

( وبدأ عُمر يسرد اللي صار له قبل ساعات )





-85-
عُمر بن عبد العزيز

قلت لجون الجالس أمامي ويصغي بإنصات :مَشت باتجاهي وجلست بجانبي ، كانت جميلة جداً تِلكَ المرأة ( غمز له ) و مُثيرة
أسكته جون بعصبية وهو مُنقهر ؛ لأن حظ عُمر في النساء يفلق الصخر من جمالهن : اخرس ، لا داعي لأن تصف جمالها . وسكت بقهر
أكمل بصوت عالي غاضِب وهو يكلّم نفسه : نساء غبيات ، يلتفتن لرجُلٍ لا يُلقي لهنَّ بالاً

ما استحملت فــ ضحكت عليه

قال جون : هيا أكمل و دعكَ من الضحِك
قلت و أنا أعتدل بجلستي : في البداية لم ألقي لها بالاً ، لكن لاحِقاً أيقنتُ أنّ هذه المرأة هي من ستخبِرُني عن كل شيءٍ أريده فــ تبادلنا أطراف الحديث وضحكنا .
سكّت وأنا أرمقه بعيون حالمة ، أكملت بهمس قاصِد إغاظته : آآآآآه يا جون كم كانت ليزا جميلة ، جميلة ذلك الجمال الآسِر
قال بغضب بعيون نارِيّة : إن استمريت على هذا النحو ستكتبُ فيها شِعراً .
قُـلت : جمالها يستحق دواوين شِعر
أكملتُ بجديّة : كنت أناولها كؤوساً من الخمر بين الحين والآخر أثناء حديثِنا ذاك ، ومن كأس إلى كأس ، من كأسٍ إلى كأس حتى ثمِلَت ، فسألتها عن كل شيءٍ أريدُ معرفة إجابته فأجابتني بكل بساطة

اتسعت عيون جون بدهشة وقال : يا لكَ من داهِيَة ، ومتى موعد العملية ؟
قلت : الأثنين القادم أي بعد ثلاثَةِ أيّام بالضبط
هز جون رأسه بجدِيّة و عيونه ع الأرض بتفكير
سألته : فيما تُفكِر ؟
قال وهو يرفع عيونه : يبدو أنّ ليزا هذه شخص مُهم في العِصابة ، لو لم يكن كذلك لما عَرِفَت هذه المعلومات السرية .
أجبته و أنا أهز رأسي بإيجاب : فِعلاً هيَ كذلك ؛ لأن الجميع كان يهتم بها ، ولها سيطرة على الجميع كذلك .
قال جون بجدِيَة وحدقة عينه الزرقا تتسع : استمِر بمصاحبَتِها يا عُمر
نظرَت له باندهاش وهمَست بنبرة رافضة : أجننت ؟ ، مُستحيل



انتهى ,








- ايش اللي راح يصير لسلطان ؟ ، وهل راح يرجع لبيتهم من جديد بعد ما الكل تأكّد من براءته ؟
- هل راح يرضى عُمر أنه ينفّذ اللي قال له جون ؟
- بأي شكِل مُمكن أنه ينتقم عدنان من عُمر ؟
- إيش اللي راح يصير لـ شمّا ؟ وهل راح تعترف أنه مشاعرها تجاه سعود هي حُب ؟ وايش تتوقعوا يحدث بين هالأثنين ؟
- هل هيوافق علي على العرض اللي قَدَّمُه له العم مبارك ؟









*





لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 12-06-15, 10:25 AM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




أعتذر على التأخير ، كان فيه شوية مشاكل في النت
لكن الحمد لله انحلت المُشكلة بشكل جُزئي !!
وهذا هو البارت ... استمتعوا
...






النبض السادس
لقاءٌ و وِد






-86-
ذرّات الرمال الذهبية مرايا صغيرة تعكس أشعة الشمس اللي تسقط عليها كـ عادة يومية ، البحر يكر و يفر بأسلوب الماكرين وهو يخطف قُبَلْ سريعة من الشاطِئ ، السماء مُلونة بألوان نارِيَة زادت المكان روعة و حميميّة .


شاطِئ القُرم في ذيك اللحظة من كل يوم يضج بالأطفال اللي يبنوا أحلامهم على شكل قصور رملية ، يضج بالرياضيين وهم يُفرغوا سلبياتهم مع كل زفير ينطلق من صدورهم ، وهنا و هناك من ذاك الشاطِئ الجميل يتوزعوا أزواج ربطهم العِشق ، ينظروا لمغيب الشمس في لحظة حالِمة و وعودهم العاشقة تنساب من شفاههم ناحية السماء فـ تعانقها .


و في وسط الزِحام كان هناك من إختار السباحة في البحر قبل حلول الليل ، ترك أصدقاؤه المُجتمعين على الرمل و مشى باتجاه البحر بعد ما نزع قميصه . برودة أنعشت روحه ، دخل للبحر و هو يحس أن الملح تسرب لـ خلايا جسمه فبعث له راحة زائِلة ، دخل للبحر أكثر وهو يسمع أحد أصدقاؤه يصرخ بسخرية : انتبه لا تغرق

رفع يده بعدم اهتمام وهو يشيح وجهه ناحية الشاطئ يخبر ذاك المُتكلم أنه هالشغلة شغلته هو بالذات ، تقدّم أكثر و الماي بدا يوصل لـ كتفه ، غطس للأسفل وهو يسبح ببراعة ، صعد للأعلى و الهواء يدخل و يخرج لرِئته بسرعة .


أعاد الحركة نفسها من جديد لكن هالمرة حس بثقل يشل أطرافه ، ثقل يكبس على راسه و يمنعه من الوصول للأكسجين ، زادت حركته وهو يحاول يقاوم ، ذراعيه يتحركن بحركة عشوائية في الماي و هو يحاول يقاوم أكثر ، و أخيراً استطاع انتشال نفسه من الماي وصوت أنفاسه اللاهثة يتزايد . يكح بتعب من الماي المالح اللي دخل فـحلقه ، و أنفاسه المُضطربة تخلّي صدره يعلو ويهبط بسرعة جنونية .

لكن ايش اللي صاير؟؟
ايش اللي يحدث هنا ؟؟
وين الشاطِئ ؟
وين الناس ؟

دار حول نفسه وهو يشوف الدنيا متغيرة ، حَل الليل فجأة والظلام طغى على المكان ، الشاطئ أمامه اختفى ومو واضح منه غير السواد ، السماء فوقه مليانه غيوم مفزعة تخفي نور القمر ، والماي حوله .... أسود ، رغم الظلام وعدم وضوح الرؤية إلا أنه استطاع يميّز لون الماي ، الماي أسود بشكل مُخيف !


صدره ينبض بخوف و الإستيعاب بدأ يضعف عنده ، ما هو فاهم شيء من اللي يصير حوله !

القوة الغريبة اللي كبست على أنفاسه قبل لحظات ، دفعته مرة ثانية عشان يتقدم للأمام ، للعُمق ، حاول يقاوم و يرجع للشاطئ ، حاول يرجع للخلف لكن مقاومته بالرجوع فشلت ، محاولته لإنتشال نفسه تراخت شوي شوي ، ولما وصل الماي لرأسه اندفع بقوة هائلة لـ داخل فمه ، كان طعم الماي مُر مرارة الحنظل و أشد ، ما كان مالح مثل ما المُفترض أنه يكون ، كان مُر مرارة مُقيته وهالطعم هو اللي أرخى جسده و أخرس أنفاسه وجعل جسده يطفو على سطح الماي بعيون مُغلقة .



،



صحى من نومه بفزع ، نظر حوله وهو يلهث ، أغمض عيونه براحة جزئية بعد ما استوعب أنه حلم ، حَمَد ربه في سره أكثر من مرة ، حمد ربه على أنه كان مُجرد حِلم .... لكن مو أي حلم ، حُلم مُقيت بشكل فظيع ، أخذ نَفس عميق وهو يحاول يهدا ، أعصابه مشدوده و جسمه متصلب ، أخذ نفس ثاني وهو يرخي جسده من جديد .

الحلم هذا صار له يومين يتكرر ، صحيح مو نفس الحلم بالضبط لكن نفس السواد يتكرر كل ليلة ، نفس الظلام ، نفس خنقة النفَس ، نفس مرارة الطعم ... كل شيء مُفزع يتكرر .

فَتح الأبجورة اللي بجانبه بعد ما استعاد بعض من سكون روحه ، نَظر للساعة اللي كانت تشير لـ أربع الفجر ، تنهّد وهو يبعد اللحاف عنه و يستقيم بهيئة مُبعثرة دلّت على أنه نومه ما كان مُريح ، توجه للحمام ، فتح صنبور الماي وتسنّد على الجدار وهو يغمض عيونه بتعب .

اليوم الأثنين ، اليوم موعد العملية اللي ينتظرها هو وجون و الآخرين بفارغ الصبر ، ودّه يخلّص روحه من كل هالأشياء الوسخة بأسرع وقت ، يحس أنه توسّخ معها ، وده يرجع نظيف ، يريد من كل قلبه يرجع عُمر اللي ما عرف عدنان ولا عرف ليزا ولا حتى عرف جون ، وده يرجع عُمر اللي ما زال في عُمان ، يريد يرجع عُمر اللي ما سافر لبريطانيا عشان يدرس ، لكن كل أمنياته هذي مُستحيلة .

نظر ناحية الماي اللي يصب بدون جدوى ، تأمله بعيون تايهه ، وده كذا يكون مثل الماي صافي و نقي ، لكن بعد هذي أمنية مُستحيلة ، زفّر وهو يحط يديه تحت الماي ويبلل وجه ، توضأ لصلاة الفجر لعل بصلاته تستعيد الروح هدوءها و سكينتها ، ويرجع القلب ينظم دقّاته .





-87-
أخرجت صينية المعمول من الفرن ، حطتها على الطاولة عشان تبرد ، وبدون تركيز حطت يدها على الصينية الساخنة و بسرعة رفعتها وعلامات الألم ارتسمت على وجهها ، مسكت يدها المتألمة باليد السليمة والوجع ينبض من الحرق ، حطت يدها على الماي البارد ، وشوي شوي الألم بدا يخف ، ما كانت منتبهه ، تحرك يدينها حركة آلية بدون تركيز ؛ لأن ذهنها مشغول بالتفكير ، مشغول باللي قاله لها علي ، ما تبي ترفض روحته وشغله عشان ما تحرمه من هالفرصة وفي نفس الوقت ما تبي توافق عشان ما يبعد عنهم ، هي ما صار لها بهالدنيا غير علي و مريم أما الباقي ضمتهم الأرض عنها أو ابتعدوا وما عاد شافتهم والسبب معروف طبعاً لأن ولدها وحيدها كان فـ يوم قاتِل ، وببساطة هي تكون أم القاتل .



رشّت بودرة السُكر فوق المعمول ، رتبته بحِرفية في صحن التقديم و غلّفته ، صارت تقضي معظم وقتها في المطبخ و في الطبخ ، و صار لها إسمها المعروف ، الكل قام يحب شغلها و يتلذذ بـ طبخها ، والمدخول اللي يدخل عليها من هالشغل في تزايد مستمر .

فذيك اللحظة دخلت مريم المطبخ ، سحبت كرسي وجلست عليه : صباح الخير يمه
إلتفتت موزة بمفاجئة ناحيتها ؛ صوتها باغتها وقطع عليها أفكارها : صباح النور ، تو الناس ؟
حطّت راسها على الطاولة و غمضت عيونها الناعسة والتذمر يصاحب نبرة صوتها : ودي بعد أرجع أنام ، لكن إنتي ما تخلي أحد فحاله ، و بعدين الحين الساعة تِسع ، أحد يصحا هالوقت ؟

ضربتها أمها موزة بالملعقة على راسها ضربة خفيفة و بصوت حاد قالت : ما تدري أنه الصبح تتوزع الأرزاق ، قومي الحين و وصلي هالطلبية لـ بيت أم عبدالرحمن جارتنا
قامت مريم بتثاقل و علامات التذمر خطّت طريقها على وجهها الصبوح ، حملت الطلبية وتوجهت ناحية الباب الخارجي ترافقها وصايا أمها موزة :
" شوي شوي لا ينكب المعمول ع الأرض "
" لا تسرعي "
" إمسكي الصحون عدل "

ردّت مريم بصوت عالي عشان تسمعها أمها موزة : لازم تعطيني راتب ع الروحة و الردة تحت الشموس
( الشموس = جمع شمس و بجمعها دلالة على شدّة حرارة الجو )

خرجت للشارع بدون ما تسمع رد أمها على كلامها الأخير ، مشت على الرصيف وضفيرتها الطويلة تتدلى إلى أسفل ظهرها ، غرّتها الناعمة تنساب على وجهها مع كل خطوة تخطوها فـ تبعدها بحركة من رأسها .

وصلت لبيت جارتهم و أمام الباب شافت مصعب ذو السبع عشرة سنة ، كان متكئ على سور البيت و كأنه ينتظر أحد ، اعتدل لمّا شافها وابتسم ابتسامته الخبيثة وهو يعدّل الكُمة اللي على راسه ، تأمل وجهها المُتورد من حرارة الشمس ، تأمل عيونها برسمتها المُميزة و رموشها الكثيفة اللي تزيدها جمال ، ملامحها جميلة بشكل عجيب وفنفس الوقت يطغى عليها البراءة .

مريم بشراسه ونظراته ضايقتها : عمى بعينك ، ايش تشوف ؟

تقدّم منها والنظرة التأملية ما غابت عن عينه ، تأمّل ثوبها الصيفي الأزرق الساتر اللي يعكس بياض بشرتها ، تأمل شعرها الفاحم الطويل واللي تنزل خصلات منه على وجهها بشكل مُغري لأمثال مصعب.

هيَ طفلة ، مريم طفلة عُمرها تسع سنين ، ما وصلت لذاك العُمر اللي مُمكن فيه تغري شخص بجمالها ، لأن براءة الأطفال ما زالت تحاوطها و تحميها ، لكن المرضى أمثال مصعب ما يقدروا يفرقوا بين الطفل و غيره ، لأن الدناءة تعميهم ، الوساخة اللي داخلهم ما تخليهم يشوفوا أو يميزوا هالشيء !!

لمّا تقدّم منها إبتعدت للخلف كـ رَد فِعل طبيعي ، والغضب يشع من عيونها وصوتها : ترا والله هـَ خبِّر علي عن اللي تسويه "صرخت" إبعد عن دربي
ميّل رأسه بسخرية ثم بدأ يضحك بقوة كأنها قالت نكتة
صرخت بقهر من ضحكه الساخِر : إبعد إنت ما تسمع ؟ أصمخ ؟
مسح وجهه وهو يحاول يكتم ضِحكته : لا بس أعجبتني هذي هخبِّر علي " قلّدها وهي تقولها "
أكمَل بسخرية والبسمة ما انمحت من وجهه : إنتي شايفة علي هذا اللي تبيه يحامي عنش ؟ والله لأدوسه بإصبع رجلي الصغير
صرخت و ايديها ترتجف بالصحون : تخسي الا أنت
قال يكلّم نفسه بصوت ساخر وهو يلوّح بيدينه : قال علي قال ، لا و الأخ مسوِّي نفسه رجال البيت و يشتغل ، و الله ماخذ بنفسه مقلب "ختم كلامه بضحكة ساخرة"
فار الدم في عروقها من كلامه ، مهما كان هذا أخوها اللي يستهزء فيه ، ما ترضى عليه أبداً . صحيح تختلف معه كـ أي أخوين ، وتتضارب معه دائماً ، و تغار منه بشدة لمّا تميزه أمها موزة بوِد خاص ، لكن يظل أخوها ، أخوها شقيقها اللي تتشارك معه بالدَّم و أمور كثيرة ، تحمل له حُب خاص و وِدْ ، و له مكانة عندها ما يرتقي لها أحد . هو الأمان بالنسبة لها لدرجة أنها ما ترددت أبداً أنها تقول لمصعب قبل لحظات " هـَ خبِّر علي عن اللي تسويه " !

تعدَّتُه قاصدة باب البيت و وجهها زاد احمرارُه من الغضب ، لكن وقّفت قبل ما تدخل و إلتفتت ناحيته والشرار يتصاعد من عيونها : ع الأقل علي اللي مو عاجبك رجّال ويشتغل مو مثلك يَ الحريمة (تصغير حرمة) جالس في البيت لا شغل و لا مشغلة


دخلت البيت بسرعة بعد ما شافت الصدمة تكتسح وجهه ، يحاول يستوعب أنه النتفة اللي اختفت من أمامه ردّت له الصاع عشرين صاع ، يحاول يفهم الإهانة الكبيرة اللي يحملها كلامها ، ولمّا بدأ يستوعب الشرار تطاير من عيونه ، و كلامها – ما زال - يصول ويجول فعقله ، حس بالإهانة بشكل ما له مثيل ، وكرد فِعل لواحد نذل مثله بعد الكلام اللي سمعه بدأ الإنتقام ينبض داخله .


انتظرها لدقائق أمام الباب والغضب المجنون يحرق صدره وفي راسه فكرة وحدة لا غير أنه ينتقم من هالبنت ، لكن كانت أذكى منه ، رغم صِغر سنها إلا أنها قدرت تفهم أنه كلماتها أثَّرت عليه بقوة ، قدرت تفهم أنه ما راح يعدِّيها لها ، قدرت تفهم أنها لازم تفلت منه وتهرب قبل لا يشوفها .
وصّلَت الطلبية لأم عبد الرحمن وخرجت من الباب الخلفي لبيتها ؛ لأنها تدري أنه اللي قالته لمصعب شيء كبير و كانت تدري بعد أنه ما راح يسكت لها وراح يأذيها .





-88-
وضع كفوفه تحت الماي البارد ، تدفقت برودته بكل كَرَم و أرسلت له رعشه سرت من يديه لـ عموده الفقري لـ كامل جسده ، رش الماي على وجهه لعل النار اللي في صدره تبرد ، لكنه عَجَز معها ما هي راضية تنطفي .

رفع راسه للمرآه ، تأمل وجهه ، تأمل علامات الضرب اللي بدت تزول الا من قلبه ، مد أصابعه للجرح اللي امتد من منتصف جبهته لـ حاجبه ، مرر سبابته عليه بعيون مُغلقة والنار في صدره زاد توقدها ، فتح عيونه فجأة ، غسل وجهه أكثر من مرة بحركة جنونية سريعة ، وده يُزيل كل ملامح الضرب اللي على وجهه عشان تنطفي ناره المستعرة في جوفه ، وده تنطفي عشان يرتاح .


: سلطان


التفت لمصدر الصوت اللي يناديه ، أغلق حنفيه الماي و صدره يعلو ويهبط بسرعة وكأنه ركض مئات الأميال وهو ما تحرك من مكانه ، أخذ نفَس عميق وزفّر بعنف ، خرج من الحمام و لقا خالته متوسطة الغرفة .

ابتسمت بحب و وجع خفي : صبحت بالخير يمه
رد عليها بوجوم : الله يصبحش بالنور " بتردد" خالتي

وكأنه "خالتي " اللي خرجت بصعوبة من فمه تمحي ذِكرى هِذيانه بأمه ، لكن هالشيء مُستحيل لا هو راح ينسى أنه انهار بضعف من يومين في حضن خالته ولا خالته راح تنسى وجعه اللي حط عليها وهد قلبها ، يريد من كل قلبه أنه يمحي ذِكرى بكاؤه فـ صدر خالته ، ما عاد يقدر يظهر ضعفه أكثر من كذاك ولأي شخصٍ كان ، وكأن بـ وجومه اللي تسلّح فيه بعد الحادثة يقدر يضم وجعه في صدره عن الكل !!

غلطان يا سلطان ... غلطان
تقدر تخفيه عن الكل الا عن مزون خالتك اللي شهدت أقصى درجات ضعفك و وجعك .

حاوطت ذراعه بحُب والحنان يشع من عيونها : تعال فديتك ، حطينا الريوق
نظر لذراعه المُطوقة بكل رقة بيدينها الناعمة ، رفع نظره لخالته اللي ابتسمت له ، ما قدر يرد لها الإبتسامة ، وجهه متشنج من البرود اللي احتّله .

مشى بجانبها وفرق الطول بينهم بضعة سنتيمترات ، جلس على الأرض وجلست بجانبه وهي تقرّب له الأكل اللي يحبه ، أكل بدون نفس ، أصبح ياكل عشان يعيش لا غير .
: تبا شاهي ؟
رفع نظره لخالته بضيق من الحنان اللي تكرمه به بدون ما تنتظر منه مقابل : لا
وقف على حيله بعد ما أخذ شهيق عميق وهو يهمس : الحمد لله

توجه ناحية المغاسل في حين رفعت مزون عيونها تتأمل ظهره ، ما ضغطت عليه عشان ياكل مع أنها ملاحظة انسداد نفسُه وأنه أكل عشان ما يكسر بخاطرها ، لاحظت بروده وضيقه الواضح لكنها ما تكلمت أو بيّنت له إنها ملاحظة هالشيء ، خليه على راحته لين الله يفرجها .

زفّرت بضيق وهي تسمع صوت أولادها يتضاربوا كالعادة ، بتهديد صرخت : قسماً بالله إذا سمعت صوت زيادة يا إنّه ما يردكُم عن الخيزرانة شيء .
جاها جُلدى و أدهم ( 6 سنين ) وهم يشرحوا لأمهم سبب ضرابتهم وكل واحد يرمي اللوم على الثاني ، في ذات الوقت رن جرس الباب يُعلن وصول أحدهم ، ركضوا التوأم بسرعة ناحية الباب وهم يتسابقوا من يفتحه أوّل .

سمعت أطفالها يهتفوا من الخارج : خالي محماااااد


نظرت مزون لـ سلطان كردة فِعل طبيعية بعد ما عرفت هِويَّة القادِم ، في حين نظر سلطان ناحية باب الصالة ينتظر دخول الزائِر ، كان مُترقب هالزِيارة من يومين واستغرب كثير إنها تأخرت.



-89-
مشى في أروقة الجامعة والبسمة مرسومة في وجهه ، يحادث صديقُـه باندماج واضح إلى أن طاحت عينه عليها وهي تضحك وترفع لا إرادياً يُمناها تغطي بها فمها بارتخاء رأسها للأسفل .

البسمة اللي كانت مرسومة على وجهه تقلّصت شوي شوي ، ونظرته أرتخت ويده تشد بقوة على الكتب اللي حاملنها ، ما كان ناقصنُه إلا شوفتها ، ما كان ناقصنُه إلا شوفتها وهي تضحك ضحكتها اللي تزلزل كل خلية فيه ، ما كان ناقصنُه إلا شوفة وجهها اللي يضج بالجمال .
سأله صديقه وهو يصد جهة الشيء اللي لفت انتباهه : اشفيك ؟
رد بخفوت وهو يتنحنح : احم ، ولا شيء .. خلينا بسرعة نسلّم البحوث لأني خلاص تعبت ودي أرجع البيت

ضحك صديقه : هـَـ نرتاح قريب ، هذي الأيام الأخيرة في الجامعة
رد عليه وهو يتنهد : صحيح غثا ولوعة كبد ، لكن السنين ركضت بسرعة وما حسينا بشيء والحين نتخرج

ما سمع رد صديقه ، ما سمع إيش قال له ؛ لأن صوت ضربات قلبه كان أعلى و طغى على كل الأصوات ، بلع ريقه وهو يحاول يسيطر على نفسه ، شد على نفسه أكثر وهو يحاول أنه ما يعكِسْ اللي داخله خارجه و ينكشف ، رفَع عيونه وهو يشوفها متجهه صوبهم فـــ زادت ضجَّة قلبه .

يا رب ما تكون جاية هنا ، يا رب ما تكون جاية هنا ، دعا من كل قلبه اللي يعشقها ومتولع فيها ، دعا من كل قلبه أنها تغيّر مسارها فآخر لحظة وتبتعد ، ما هو متحمّل شوفتها اللي تشعل جنون دواخله .

انساب صوتها بكل ما في العالم من رقّة و نعومة وهي ترمي عليهم السلام ، ردوا السلام عليها .
بنظرات مرخيّة للأسفل بخجل وبنبرة ناعمة خافته : أخوي حُذيفة إسمحلي لكن بغيت المُلخصات اللي عطيتك اياها من يومين .

أخوي ؟؟؟
أخوي !!!
ما ركّز فكلامها الباقي كثر ما ركّز على " أخوي " ، يااااا تعب قلبه من هالكلمة .

تنحنح بخشونه وهو يحاول لملمة شتات نفسُه العاشقة : ما عليه باكر بعون الله بعطيش ؛ لأني اليوم نسيتهن في البيت إلا إذا كنتِ تبيهن ضروري فـ راح أروح أجيبهن
بسرعة قالت وهي تصلّح حجابها بارتباك : لا عادي مثل ما قلت باكر راح أخذهن إن شاء الله ، مشكور

عطتهم ظهرها وابتعدت ناحية صديقاتها
تنهّد حُذيفة بصوت مسموع وعيونه تحرسها بحُب
سمع صديقُه يُقول بعد فترة صمت : إذا تحبها إخطبها
استغرب بشدة ، لهالدرجة حُبه مفضوح ؟؟ ، و بنبرة مرتبكة رد : لااا وييين أحبها ؟؟
ضحك صديقه : حُذيفة عادي ترا ، شفيك كذا مختبص ؟؟؟ ، إخطبها إذا تبيها و تحبها

ما رد ، أساساً هالفكرة تصول وتجول فعقله من فترة ، و قريب قريب راح يكلّم أبوه عن هالموضوع ، ابتسم بحب وعيونه تبرق بشوق وهمَس لنفسه : إنتظريني يا أميرة الروح ، إنتظريني يا بعد هالقلب .




-90-
دخل مجلس أخوه وهو يسلّم بصوت مُهيب وعلامات الهَم مستقرة على وجهه ، رد أخوه السلام وهو ينزل الجريدة على الطاولة الزجاجية ، أنزل الأخير نظارة القراءة وهو يتتبع أخوه بصمت ثمَّ قال بنبرة حازمة ونظرات اللوم في عيونه : متى ناوي تروح لعند ولدك ؟ والا بعدك مشكك أنه بريء ؟؟

رد ناصر بصوت أجّش : لا حشا ، لكن خالته تقول ننتظر كَمِن يوم لين ما يهدا
أخذ أبو طارق التلفون وهو يقول بحزم وبذات النظرة النارية الحادة : إنت خلِّك هنا لكن أنا راح أروحلَه ؛ لأني واحد من المذنبين اللي آذوه وحرقوا جوفه ... يكفي إني سمحتلَك تطلع جنونَك عليه .
ضغط أرقام التلفون ، حط السماعة على أذنه ، بعدها بثواني قال : السلام عليكم و رحمة الله ....... ما عليك أمر أخوي بغيت تذكرة لأقرب رحلة لـ صلالة

سمع ناصر يتنهد : خلها تذكرتين يَ بو طارق

البَسمة ما تعدّت عيون أبو طارق اللي أكمل : خلها تذكرتين يطولّي عمرك ...... بـ إسم عبدالعزيز بن طارق الـ و ناصر بن طارق الـ ...... العصر ؟؟ ......... إن شاء الله ........ مشكور ...... حيّاك الله

حط التلفون على جانب : بعون الله الرحلة العصر الساعة أربع
هز ناصر رأسه بوهن : الله يعين يا خوي ، ما أدري كيف بقابله؟ ، أخطيت عليه واجد
رمق عبدالعزيز أخوه : عيبك يا ناصر أنه عصبيتك كلها تحطها فيه ، من هو طِفل و إنت ما غير طايح فيه ضرب وتكسير عَ اللي يسوى واللي ما يسوى

سكت ياخذ نَفَس ثم أكمل بحدة : لا تلومه إن اختار يجلس مع خالته وما يرد معك ، لا تلومه ، اللي سويته آخر شيء ما يسويه العدو وما ظنّتي بينسى أو يسامح بسهولة ، في الأخير دمُّه يجمع بين الـــ ( قبيلة سلطان ) و الــ ( قبيلة أمُه ) وإنت أدرى وِشْ من القبايل هالقبيلتين .

ردد ناصر بخفوت وهو يستشعر كل كلمة قالها أخوه : الله يعين .. الله يعين
أرخى أبو طارق نبرة صوته : إتصل على الجماعة خبّرهم إنّا معزمين نخطِفْ صوبهُم
هز ناصر راسه وجفونه مرخيّة على الأرض ، يفكر ويفكر والندم المشوب بـالحسرة ينهش فواده على بِكرُه وأول فرحتُه و .......

و قطعة من معشوقته المرحومَة !




-91-
تأمّل ولد أخته الصغيرة اللي خطفها الموت من بين يديهم ، تأمّل الضرب اللي باين على وجهه وآثاره الموسومة عليه بشكل مُرعب ، زفّر بغضب وحواجبه يلتقن بعصبية مجنونة : عليم الله أنه ناصر جَن وطار عقله .

فز من مكانه والقهر مشتعل داخله ، شَبَك يديه خلف ظهره وهو يروح ويجي في الصالة ، يا عَرب الله هذا سلطان ، سلطان ولد وضحى أخته ، غالِـيته الصغيرة ، ربيبته ، كذا يصير فيه ؟؟ ، ينهان بهالشكل ؟؟ وعلى يد من ؟؟ أبوووه !!

ايش اللي يصير في هالدنيا ؟؟
إيش اللي يصير ؟؟

في سنينه الستة والخمسين شاف كثير وعايش كثير والشيب الأبيض اللي يعطيه وقار -على وقار- ما تلوّن في شعره من فراغ ، إلا أنه في حياته ... في حياته ما تخيّل أنه ولد وضحى ينذل بهالشكل !!

همسَت مزون بخوف من حالة أخوها و من جنون عصبيته ، هي عارفة وفاهمة إنه هالغضب من المعزّة العميقة اللي يحملها لـ سلطان : يطوّلي عمرك يَ بو عبيد إهدا شوية ، كل شيء وله حَل يا خوي

أسكتها بنظرة من عيونه اللي صغرت فجأة من العصبية وبهمس حاد غاضب : مزون خليني ساكت عنش لا أفجِّر كل قهري فيش ، لأني للحين ما عرفت ليش خبيتوا عني شيء مثل ذا ؟؟
بلعت ريقها بخوف من عيونه اللي انقلبت بشكل مُفزع : كنت مسافر يا خوي ، تبينا نقولك و إنت فـ شغل

زمجر بحدّة وهو يضغط على شفته السفلية بغيظ : ينقطع شغلي ، ينقطع رزقي ما همني تسمعي ، ما هـ م ن ي المهم تقولوا لي ، يكون عندي خَبَر

تأمل سلطان حال خاله بصمت ، هو يدري بمعزته عنده ، و يدري أنه ما يرضى عليه لكن أنه يشوف هالشيء يتجسد أمام عيونه فـ هذا يحسسه بالأمان المشوب بالفرح ، يحسسه أنه فيه أحد وراه يمسكه لا وَقَع ويحتويه لا انظام .

وجّه أبو عبيد أنظاره لـ سلطان وبتهديد زمجَر : راح تنتقل عندي وما لك رجعة لعند أبوك ، سامعني ؟؟ " بحدة أكثر " سامع يا سلطان ؟؟
بسرعة قالت مزون وهي تتمسك بذراع سلطان : لا والله وهذاني حلفت ، سلطان ما يطلع من بيتي .

قطع نقاشهم الحاد صوت التلفون ، أخذت مزون نَفَس وهي تقوم ناحيته ، ردّت بصوت متزن : السلام عليكم و الرحمة
تفاجأت من المتصل وهالشيء وَضَح في وجهها ، وجّهت أنظارها لأخوها : هلا بو سلطان
إلتفتوا أبو عبيد و سلطان ناحيتها وأصغوا السمع لصوتها : بخير الله يسلمك ......... كلنا بخير وعافية ما علينا قاصِر و لله الحَمد ......... يا هلا فيك ............ حيّاك الله ........... مع السلامة

أغلقت التلفون ، وصلها صوت أخوها : هذا ناصر ؟؟ إيش يبا ؟
بخفوت ردّت : يقول جاي هنا وهَـ يوصل بعد المغرب بعون الله
هز أبو عبيد راسه بوعيد والشر ينضح من عيونه !

إرتجف صدر سلطان وهو يسمع أنه أبوه جاي لـ صلالة ، يدري أنه براءته ظهرت ، لكن كيف ظهرت ما يدري ؟؟ ومع كذا هو يرجف ، يرجف وهو يتخيل اللقاء الأول مع أبوه بعد الحادثة

كيف هـ يكون يا ترى ؟!




-92-
دخل جَناحُه واستقبلته ريحة الدخون العطِرة ، اتجه ناحية غرفة المكتب الخاصة فيه ، أخَذ مُبتغاه منه وطلع ، قابلها فـ وجهه وهي تناظره باستغراب مُتسائل : طارق ؟؟ ، غريبة ليش راد هالوقت من الدوام ؟؟

ياااااااا ناس ، انخرَس ، انكَتَم ، صوته ما هو راضي يطلع ، صوته اندفَن في جوفه واختنق داخله !!

تأمل هيئتها المُثيرة لـ رجولته الطاغية ، تأمل روب الإستحمام القصير وشعرها المبلل بتموجات مُغرية ، تأمل قامتها المُمتلئة بمعالِم أنثوية صارخة ، عض شفته السُفلى بإثارة وهو يتجه ناحيتها بشوق !

حارمتنه منها شهرين ، شهرين وهو يذوق علقَم بُعدها ، شهرين وهو يتقلب على لظى الشوق ، لين هنا و كافي ما يقدر يصبر !! ، من ذاك اليوم النَحس والدنيا أظلمت عليهم ، من يوم ما قالوا له أنه زوجته عقيم وهي مُبتعدة عنه ، كارهه قُربه ، من ذاك اليوم و أحلامه تتلاشى تدرجياً.


رمى الملف اللي في يده على جنب ، خرج صوته بنبرة آمرة رجولية وهو يلاحظ خطواتها المُبتعدة : أوقفي


نفّذَت اللي قاله ، وقفت مكانها بس ما زالت ترتجف ، ما هو بيدها اللي يصير ، ما هو بيدها ، من يوم ما قالوا لها أنه مُشكلة الإنجاب منها وهي حاسّة بالنقص في أنوثتها ، حاسة بالفراغ يحتويها ، ما هو بيدها !!

تموت عليه ، تحبه بجنون ، وشوقها له أضعاف شوقه ، وحرمانها منه موت بطيء ، لكن هالشيء مو بيدها .... مو بيدها ، هو احترم ابتعادها و ما أجبرها على شيء مع أنه له كل الحق أنه يجبرها وياخذ حقوقه من عيونها ؛ لكنها تدري أنه رجّال بكل ما تعنيه هالكلمة من معنى ، رجّال ما يجبر أنثاه على شيء هي ما تريده ، ما يقرب من أنثاه وهي ممتنعة ورافضة هالقُرب .

مسك خصرها و فلمح البصر ما كانت فيه أي مسافة تفصل الجسدين عن بعض ، حرارة الشوق النابعة من جسده ألهبتها وصارت ترجف من الحرارة ومن المشاعر اللي هلّت عليها ، ترجف كـ عصفورة انجرحت جرح بليغ .... وتنتظر موتها .

أسنَد جبهته على جبهتها و أنفاسهم تختلط بمزيج ساحِر ، همَس بدفئ : اشششش إهدي ، ما راح يصير شيء ، إهدي
همسُه الدافئ حاوط قلبها بُحب ، و بعقل مُشوَّش و حواس غائبة رفعت يديها على صدره ، و شبكتهن حول عنقه واقتربت منه أكثر .

بحركتها هذي أعطته شيء من الفرح اللي غاب عنه من فترة ، مسدَت قلبه بشيء من الراحة الغايبة عن دواخله فترة طويييلة ، طويييلة عليه كثير !
اقترابها منه بذاك الشكل كان إشارة وبداية لإقتراب أكثر حميمية ، لفح الفرح قلبه وحس أنه في جنة قُربها أخيراً ، طال أحلامه بعد طول إنتظار و بعد بُعد مرير وعلقمي .

من شفاهها إقترب ، و طبع قُبلته المجنونة ، قُبلته الشهيّة ، قبلته المُحملة بالشوق والحُب و الدفئ ، مُحملة بكل المشاعِر الجميلة اللي يحملها قلبه لـها ، لها وحدها .

همس وهو يسند جبهته على جبهتها بمشاعر محمومة و أعيُن مُغمضة: اشتقت لش ، ولَهت عليش و ربي ولَهت عليش يَ كل أحلامي

بنفس همسه ردّت وهي تشد على رقبته ومشاعرها المضطربة تتخبط في صدرها : طارق ... طارق أنا ايش أسوي ؟؟
فهم سؤالها رغم تشوّش عقله بالعاطِفة ، همس وهو يحضنها بقوة : دخيلش لا تبعدي الحين ، ما بعد أرتويت !!

قبّلها من جديد بـ قُبلة أقوى من سابقتها ، ألذ ، أشهى ، قُبلة رجوليّة بامتياز ، فيها من نيران شوقه الكثير ، فيها لظى مشاعره كلها وفيها من عشقه العميق .



بعد فترة ، استوعبت اللي يصير حولها ، فتحت عيونها بثقل و أبعدته بيد ترتجف ، أبعدته بقوة بدون ما تحرك فيه ساكن و بدون ما يحس عليها ، أبعدته بقوة أكبر وحس فيها أخيراً والحزن رجَع يلف صدره من صَدها الباعث للأسى ... وابتعد والعَتَب في عيونه ارتسم .
أعطته ظهرها وهي تمسح دمعة خانتها ونزلت ، أحكمَت ربط روبها ، وتنهدت بعنف وجسمها يرجف من اللحظات الحميمية اللي جمعتها مع أمير روحها ... ورجلها .

: أحلام " نادى إسمها بنبرة قاسية على قلبها ، قاسية كثير "
تجرعت ريقها ، وهي ما زالت معطيته ظهرها
: طالعيني مُمكن ؟
إستجابت له ، ولفّت وجهها ناحيته وعيونها تنظر للأرض ، ما تبي تشوف وجهه ؛ لأنه هالشيء يتعبها زود !
قال بحنان مشوب بتعب ، حنان يشع من عيونه ومن صوته ومنه كله : قولي لي يا غناة الروح ، ايش أسوي عشان ترتاحي و أرتاح معش ؟ ، قولي لي !!

ضغطت على نفسها عشان ما تبكي ، لكنها ما قدرت فـ بكَت ، ما تحملت نبرة صوته الحانِية ، ما تحملت حُبه اللي يعذبها ، حُبه العنيف اللي ما تستحقه .
قال متعذب وهو يطالع دموعها : خلاص ، اهدي ، راح أطلع مثل ما دخلت بس إنتي اهدي

أخذ الملف المرمي على الأرض والتفت ناحية الباب ، لكن قبل ما يخرج وصلُه صوتها الباكي : تزوّج
إلتفت بسرعة ناحيتها والصدمة شلّت وجهه ، همس : إيش ؟
أعادت اللي قالته بنبرة مخنوقة ، باكية ، حزينة .
همس والصدمة ما خَفَت من وجهه : إنتي جنّيتي ع الأخير

و خرج بسرعة جنونية من الجناح قبل لا يرتكب فيها جريمة ، يتزوج ؟؟ ، يتزوج ؟؟ لا بالله انجنَّت وانعمى على فوادها ، كيف تطلب منه هالطلب وهي تدري أنه استودع عندها مفاتيح قلبه أمانة ، هي تدري أنه أعطاها قلبه بكل ما فيه ، تعذبه تجرحه تسوي فيه اللي تبي ؛ في الأخير هو مِلك لها وما في أحد يشاركها فيه ، كيف تطلب منه هالطلب ؟؟ وهي وتدري أنه إذا تزوج غيرها راح يظلم الأخيرة لأنه في قانون حُبه ما في عَدل ، كل الحُب لـ أحلامه و كل مشاعره لها .

ركب سيارته وشق طريقه للشركة والهم يحتويه من جديد .


أما هي بالرغم من أنه قلبها يوجعها لمّا تتخيل أنه فيه أحد يشاركها فـ حبيبها لكن ما تقدر تكون أنانية و تحرمه من أطفاله اللي ما راح يكونوا أطفالها ، هي مو أنانية وحُبها له عميق ، شديد ، قوي ، كبير لدرجة أنها مستعدة تتخلّى عن راحتها عشان يتزوج ، هي تؤمن كثير بالمقولة اللي تقول " الحُب تضحية " وهي مستعدة تضحي وتضحي وتضحي بس عشان يرتاح هو .

لكنها ما دَرَت أنه راحتُه بجنبها وفي قُربها و حضنها ، وهي باللي تسويه تحرمه من هالراحة !!







لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 12-06-15, 10:25 AM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




تابع / لنبض السادس
لقاءٌ و وِد






-93-
: سعود إيش بينك وبين مها ؟؟
باغته صوت أمه والقلق واضح فنبرتها ، رد وهو يعتدل في جلسته و نظرة التوجُس تلمع في عيونه : ما فيه شيء
بغضب شع من عيونها ومن صوتها : ليش عبالك ما ملاحظة برودك معها وعصبيتك عليها وخوفها الواضح منك ؟
أكمَلَت بصرامة بعد ما أخذَت شهيق من الأكسجين المُحمّل بالصبر : إيش مستوي بينكم ؟

هو عارف إذا قال لأمه عن اللي صاير راح تقوّم البيت وتقعده على راس مها ، هـ تكفخها وتطلع اللي سوته من عيونها فقال بكذب : ما فيه شيء أمي صدقيني بس هذاك اليوم داخله غرفتي ومتعبثة بأغراضي فـ ضربتها وبس .

صار عشان خاطر عيون مها يكذب على أمه ، هزُلَت والله .
نظرت له بعيون متشككه ونبرة الكذب في صوته فضحته لكن مع كذا ما علّقت وسكتت !

,

شتَّت نظرُه عن أمه ؛ لأن نظرتها تربكه ، ولمّا دخلت مُتعته الخاصة - أوه أقصد - لمّا دخلت شمّا بنت عمّه إلتمعت عيونه باستمتاع غريب ونسى كل شيء حوله وركّز أنظارُه عليها .

سلَّمت شما بصوت واضح وهي تحاول تشيح بنظرها بعيد عن سعود ، واقتربت من أمه : كيف الحال عموه ؟؟
ما سمعت إيش ردت عليها عمتها ؛ لأن صوت سعود شتت فِكرها و أشعل غضبها : يا هلا ببنت عبد العزيز ، يا مرحبا وسهلا ، تو ما أظلَم البيت " ابتسم بخبث " أقصد تو ما نوّر البيت

تمتمت داخلها بكلمات غير مسموعة وهي تعض شفتها السفلية والقهر واضح في وجهها

بنبرة آمره وبرجولة مراهقة وجَّه كلامه ليوسف الجالِس أمام التلفزيون : يا ولد قم هات القهوة زايرينّا ضيوف
رفعت حاجبها الأيسر والشرار يتطاير من عيونها ، سمعت عمتها سلمى تقول له : خل البنت فـ حالها يَ سعود
رد وهو يرخي جسده على الكنبة أكثر وعيونه مُسلَّطة على بنت عمه المتصنمة من الغضب : من زمان ما شفتها عندنا ، من يومين فلازم نقوم بالواجب " ببراءة سأل وهو يحني ظهره باهتمام " عسى ما شر يَ بنت العم مريضة والا شيء ؟

أخرجت له لسانها بطفوله قبل ما تلتفت ناحية الدرج وتصعد بسرعة والغضب يتقاذفها يمين وشمال ، ترافقها صوت ضحكته المُشعِله لأشياء غريبة فصدرها \ المُحرِكه لـ كثير من الأمور فــ دواخلها !




-94-
الساعة تُشير للثامنة صباحاً بتوقيت لندن ، خرج من شقته وهو يصلّح جاكيته القُطني المفتوح ، على غير العادة هيئته هالصباح كانت كاجوال أكثر ، استغنى عن لبسه المُعتاد اللي نوعاً ما كان رسمي ، لكن بالرغم من هذا كله هيئته اليوم كانت شبابية أكثر وتضج بالحيوية !

مزاجه اليوم ناري وصدره مشتعل بشكل غريب بعد الحلم اللي حلمه ، و بسبب توتره لأن اليوم يوم العملية الأولى في سجلُه المهني ، العملية المُرتقبة اللي انتظروها من زمان واللي راح تفيدهم كثير – إن نجحت – بالإمساك على كل شخص ينشر سموم المُخدرات .

إلتفت فجأة لـ شقة فادي المُقابلة له ، كان يصدر منها أصوات عالية بالرغم من أن فادي وعائلته إنتقلوا منها !! ، ميّل راسه بريبة وضاقت عيونه بحركة لا إرادية .

فيه أحد جديد سكن فيها ؟
جيران جُدد !!
أكيد راح ينتقلوا بعد فترة قصيرة، متأكد من هالشيء ؛ لأنه ما راح يتحملوا إزعاج عدنان كل ليلة .



إلتقن حواجبه باستغراب وهو يشوف بنتين يطلعن من الشقة ، الأولى دفعت الثانية برا بغضب : إنقلعي لا بارك الله فيش ، أتلفتي نومي يَ الخايسة
بعدها أغلقت الباب بقوة في وجه البنت الثانية اللي ردّت بنفس غضب الأولى وهي تضرب الأرض برجلها : والله راح تندمين يَ البقرة
ضربت الباب برجلها بقوة وصرخت بقهر : إفتحي الباب سُميوه الزفتة ، عطيني شنطتي ع الأقل
صرخت بحدة أكثر : بسرعة متأخرة واجد عن شغلي

إنصدم من المسرحية اللي تصير أمامه ، إيش هذا ؟؟
كان يحاتي جيرانه من الإزعاج ، الحين يحاتي نفسُه من إزعاج جاراته الجُدد
جارات ؟؟ .... بنات ؟؟
لا بالله كدينا خير ، راح يسنتر عدنان قدّام باب شقتهن يحرسهن كل يوم مَا دام السالفة فيها بنات .

,
انفتح باب الشقة من جديد ورمت البنت الأولى شنطة الثانية بعصبية و رجعت أغلقت الباب بقوة ، الشنطة ارتمت على بُعد خطوة منه ، إلتفتت صاحبة الشنطة خلفها عشان تاخذ شنطتها وهي تهدد وتتوعد ، ولمّا شافت ذاك الرجال الطويل اللي واقف يتأمل الموقف باستغراب شهقت شهقة مُميتة .

تنحنحت بارتباك من حضوره المُربك والمُزلزل ، من متى ذا واقف هنا ؟؟ ، تساءَلت والإحراج بان بإحمرار وجهها ، مشت ناحية شنتطتها المرميّة أمامه وهي تعدّل حجابها برجفة ، تناولت شنطتها من الأرض وسمعته يرمي عليها السلام .

وييييييه بسم الله هذا عربي طلَع ، يَ الإحراااااااااااج
يعني شاف كل اللي صار لها من شوية !! وفهم كل حاجة !
ويل حالش يَ الريم


: عليكم السلام " ردّت وهي تشد على شنطتها بقوة "

لاحظ إرتباكها فإبتسم ، ما درى أنه بابتسامته زاد إرتباكها أكثر ، بلعت ريقها وهي تهمس لنفسها : يخرب بيتك ، ما كان ناقصني غير شوفتك الحين ، ولا و يبتسم الماصخ

مشت ناحية الأصنصير وخطواته تتبعها ، صعد الأصنصير معها وسأل : إنتي مُبتعثة ؟
هزت راسها بأنفاس مُختنقة بـ " نعم " ، وهي ما زالت تحاول السيطرة على إرتباكها ، ليش ترتجف بهالشكل ؟؟ ، ليش ترتجف ؟؟ ، إيش الغباء اللي صابش فجأة يـَ الريم ؟؟

شدّت على شنطتها أكثر ولاحظ هالشيء ، أساساً المُحقق له دقة ملاحظة تفوق الإنسان العادي فكيف ما يلاحظ حركاتها المُرتبكة الغريبة ، إنفتح الأصنصير أخيراً ، وطلعت بهرولة و بخطوات سريعة وهي تدفع الأكسجين داخلها بقوة بعد ما كانت حابسة أنفاسها ، تعثرت وكانت راح تسقط لكنها في الأخير توازنت ، التفتت حولها وحمدت ربها أنه ما كان فيه أحد يطالعها أو منتبه لها ؛ كلٍ مشغول بحاله ، لكن ما دَرَت أنه نظرات عُمر المُستمتعة تتبعها ، و ضحك بمُتعة غريبة وهو يشوف حركات هـــ البنت .


إلتفت فجأة لشخص ناداه وسلّم عليه برفع يده ، رد عُمر السلام بابتسامه ، ما كان أبداً هالشيء مُستغرب لأنه بطبيعته إجتماعي ، يسلم على أي أحد يقابله و يبتسم في وجه أي أحد ، و بوصوله بأيام قليلة أغلبية من في البناية و المحلات اللي حولها صاروا يعرفوه .


إلتفت حوله يدوّر البنت اللي قابلها من شوي ، بس ما كان لها أثَر ، وبسرعة أنّب روحُه على هالتفكير وضيق المسافة بين حاجبيه بعقدة وهو يلوم نفسه ، مشى ناحيَة مقهى العجوز وهو وده بـ قهوة تنعش خلايا دِماغُه ، مشى لـ المقهى اللي ما كان يبعد كثير عن البناية اللي ساكن فيها .
انتبه فجأة أنه هذيك البنت كانت تمشي أمامه ، من حجابها الزهري عرفها ، بدون ما يحس فنفسه وبحركه غير إرادية إتسعت إبتسامته !

لكن فجأة وبدون سابق إنذار إلتفتت خلفها بعد ما حسَّت بخطوات تتبعها ، شهقت وعيونها تتسع بصدمة : إنت ما تستحي على وجهك ؟
عقد حواجبه من هجومها المُباغت ، ورجع بظهره للخلف و سأل : إيش ؟
بهجوم وبنبرة حادة والغضب يشع من وجهها : أبيك تفهمني الحين ليش تتبعني ؟؟ ، أنتوا يَ الشباب ما عاد فيكم خجل أبداً ، ما عاد تستحوا ؟؟ ، بكل وقاحة تتبعوا أي بنت

إبتسم بسخرية ، مشى ناحيتها بغرور وهو يمسح على شنبه برجولة خاصة بـ عُمر ، همس بصوت مسموع لمّا وصل جانبها الأيمن : ما أحد إلتفت صوبش يَـ " بسخرية " الواثقة

تعدّاها و دخل المقهى وجلس على طاولته المُعتادة ، دخلت وراه ونظراتها ترمقه بصدمة ، تجرعت ريقها وهي توها تستوعب أنه ما كان يتبعها لكن وجهتُه كانت نفس وِجهتها ، كان قاصِد المقهى .
آآآآآآآآه يا الريم إنتي ما تتوبي أبدا ، ما تتوبي ، لازم تحطي نفسش فهالمواقف المُحرجة .


،


تنهدَت بخجل وهي تشيح نظرها عنه ، وابتسمت بارتباك للعجوز صاحبة المقهى اللي هتفت بسعادة : أهلاً بكِ عزيزتي في يومكِ الأول ، صحيح متأخرة نصف ساعة لكن سأسامحُكِ هذه المرّة
هزت راسها بدون ما تنطق ، وبدأت يومها الأول في العمل

ناولتها العجوز صينية وأشّرت على إحدى الطاولات وقالت : هيّا أوصليها لتلك الطاولة
نظرت ناحية الطاولة ثم نقلت نظرها للعجوز بارتباك ، بلعت ريقها للمرة المليون ، حملت الصينية اللي كانت تضم كوب قهوة وكرواسون ، إتجهت ناحية الطاولة المنشودة وقالت بإنجليزية : صباح الخير سيدي
إلتفت للصوت اللي أزعج سكونه ، أرعبتها نظرته الجامدة وهو يرفع حاجبة الأيسر : صباح الخير يا آنسة


وكأنهم ما إلتقوا من قبل وما جمعهم الموقف الهجومي اللي صار قبل شوي ، حوارهم الحين ما يدل أبداً أنهم إلتقوا من قبل ، الإنجليزية اللي يتحدثوا فيها تنفي إلتقاءهم من قبل ، وهذا اللي كانت هي تريده وكأنها تقول له " إنسى اللي صار" أو رُبما كانت تعتذر بطريقة غير مباشرة عن الكلام اللي قالته !

ما كان أقل ذكاء منها ، فهم مقصدها من حوارها معه بذاك الشكل ، فأعجبته هالمسرحية اللي هُم أبطالها ... والمُتعة برقت في عيونه .

حطت قهوته على الطاولة بـ يد ترتجف ، وزاد إرتجافها لما باغتها صوته من جديد وهو يكمل المسرحية اللي يمثلوها بكل إتقان : لم أرَكِ من قبل هنا ، أظنكِ جديدة " بنبرة تحمل معاني كثيرة أكمَل " لأنني آتي لهذا المقهى كُل يوم


رفعت عيونها صوبه بعد ما وصلها المعنى من عِبارته الأخير ، أدركت المعنى اللي يريد يوصله بـ عِبارته الأخيرة ، عبارته الأخيرة اللي كانت رَد على الموقف اللي صار معها قبل شوية ، رد على صراخها الغبي في وجهه ، وكأنه يقول لها للمرة الثانية أنه ما أحد إلتفت صوبها ، كأنه يذكرها بحقارة تصرفها وغبائها المُستحيل .


بدون ما تحس تجمعت الدموع فعيونها و قالت بالعربية قاطعة هـالمسرحية السخيفة : أنا آسفة

رفع عُمر عيونه بصدمة من إعتذارها المُفاجئ اللي ما توقعه أبداً ، طاحت نظرته على عيونها الدامعة اللي تتغيّر لون حدقتها بكل غرابَة ما بين العسلي والأخضر ، وهنا كانت صدمته ، ما توقع أنه يوصل الموضوع للدموع .

نسى إعتذارها ونسى الموقف السخيف اللي جمعهم ونسى كل شيء لمّا طاحت عيونه على عيونها ، لو قالوا له راح يظل الزمن واقف مائة سنة ... بدون تردد راح يوافق يكفي أنه يشوف أغرب عيون مرّت عليه ، ويتوه في غابتها الخضراء و يسبح بعدها في جرة العسل .

بلعت ريقها للمرة المائة مليون وهي تشعر بالخجل يعتريها من راسها لأخمص قدميها ، سحبت نَفَس وابتعدت عن ذيك الطاولة .


-95-
بعد سبع سنين من إنشاء هالشركة ، أصبح فخور ؛ لأنه فمدة تُعتَبر قصيرة استطاع أنه يوصل بها لـ مصاف الشركات الكُبرى ، من لمّا تنازل له أبوه عن الإداره وهو يطوّر فيها وإلى اليوم وهو يضغط على نفسه في الشغل علشان مصلحة الشغل أولاً وفـ ذات الوقت عشان .... ينسى !
ينسى كل هم وكل حزن وكل أسى يعتريه لمّا يندمج في شغله .

دخل عليه سكرتيره خلفان بعد ما طرق الباب الخشبي بخفّة : بو عبدالعزيز وصل هالمُغلّف الحين !
تناول طارق المُغلف البني الكبير ، فتحه في ذات الوقت اللي انصرف فيه خلفان بعد ما انسابت لأذنه كلمات الشُكر من رئيسُه .

أخرج محتوياته ثمّ إنصدَم ، توسعت عيونه بدهشه وهو يقلّب الصُور بين يديه
ردد بخفوت و عدم تصديق : إيش هذا عُمر ؟؟ ، إيش هذا ؟؟
ترك الصور من بين يديه ، مسح وجهه ثمّ مَسَك الصور مرة ثانية يتأكد من هوِيّة الشخص اللي في الصور .

هذا عُمر ، عُمر أخوه ، مُستحيل ما يعرف هيئته وهي واضحة أمامه بكل تفاصيل ملامحُه الحادة ، ليته بس يقدر يشكك في الصور ويقول أنه هذا مو عُمر لأن الصور مو واضحة ؛ لكن للأسف الصور أمامه بدقة عالية ، الصور أمامه لعُمر من زوايا مُختلفة .

مصدوم ببساطة ، مصدوم من المكان اللي جالس فيه شقيقه ، مصدوم من الشخص اللي جالس بجانب شقيقه و....... و مصدوم من شقيقه !!

أخذ نفس عميق عشان يفكر عدل فهالمُصيبة ، لازم يكلم أخوه قبل ما تطيح الصور فيد أبوه ؛ لأنها إن طاحت فيده تقوم القيامة !


أخذ تلفونه ، إتصل بأخوه وأحاسيس مختلفة ممزوجة في صدره ، رن أكثر من مرة لكن ما كان فيه أي رد ! ، رمى التلفون على الطاولة بغضب وصدره يعلو ويهبط بسبب موجة العصبية اللي أصابته ، أخذ سماعة تلفون المكتب وهو يهاتف سكرتيره بجديّة : خلفان إحجزلي أقرب رحلة لـ لندن ما عليك أمر !

أغلق التلفون بعد ما رد خلفان بإيجاب ، أرخى ظهره على كرسيه المُريح وتفكيره يصول ويجول في المُصيبة اللي هلّت عليه بدون سابق إنذار ، على أساس هو ناقص مصايب !!





-96-
ودّع الليل النهار وهو يبتلع ضوءُه بكل هدوء ، مشى بجانِب أخوه وهم متوجهين ناحية البيت المنشود بعد ما أدّت أرواحهم صلاة المغرب ، نظر للساعة الجلدية اللي تِلْـتَف على يساره وكانت تشير للسابعة !

رن ناصر الجرس وهم يترقبوا فتحة الباب بتوجُس ، انفتح الباب وظهر من خلفه أحد أولاد أبو عبيد اللي كان في العشرين من عمره ، قرّب بهم بعد ما سلّم عليهم ، و مشى أمامهم ناحية مَجلس الرجال .

أدرك ناصر أنه أبو عبيد موجود وما دام أنه دخل في السالفة فالأمور تشابكت أكثر ، أخذ نفس عميق قبل ما يدخل المجلس و يسّلم على الجَمع الحاضر بـ وجه مُندهش !!!

وقف الجميع مرددين السلام ، كل أخوال سلطان الأربعة متواجدين مع عيالهم و هالشيء كان أول رسالة يقدمها أبو عبيد لـ ناصر بطريقة غير مُباشرة ، مضمونها يقول ببساطة أنه سلطان وراه رجال تفزع له ، تفزع له حتى من ظلم أبوه و جوره !!!

فهم ناصر الرسالة الأولى اللي تلقاها بدهشة ، وقبلُه فهمها أبو طارق وعيونه تمشط الحاضرين بريبة .


جلسوا في صدر المجلس وهم يأخذوا أخبار بعض بشكل اعتيادي ، ما فات ناصر سلام ولده البارِد ، لكن أبداً ما يلومه ، خاصة أنه شاف نتيجة ظلمه على وجهه اللي انقلب بشكل مُرعب من الضرب ، فحس أن الألم يعتصر فواده .

بعد فتره هتَف أبو عبيد لأحد أولاده : قُم يا مبارك صب القهوة للشيوخ
وقف سلطان بهدوء مُهيب وهو يقول لـ مبارك بنبرة حازمة : إجلس يا مبارك ، ما غيري هيصب القهوة لـعمي عبدالعزيز




هدوووووووء عاصف طغى المكان ، الكل يحاولوا يستوعبوا المضامين اللي تحملها العبارة اللي قالها سلطان .





ولمّا فهموها إبتسموا الأغلبية ومن ضمنهم الخال أبو عبيد ، أما ناصر فرفع بصرُه ناحية ولده وصفعة كلامه أشعلت قلبه ، ما معترف بوجوده وهذا دليل على أنه شايل بقلبه كثير ، كثييييير !!!

بس الحقيقة كانت أعمق من كذاك ، سلطان قال اللي قاله تقدير لمجيء عمه لين عنده بالرغم من المسافة الطويلة اللي قطعها ، عمه بجيِّـته اليوم أعطاه إحترام فاق أي إحترام ذاقه فحياته ، عمُه قدَّرُه بعد ما أبوه أنزل قَدْرُه . مع العِلم أنه ما كان أبداً ملزوم أنه يجي لأنه ما أخطأ فحقه .


صب سلطان القهوة فأحد الفناجين المُذهَبة ، مد يمينه لعمه اللي رد وهو يتناول فنجان القهوة: يا جعلّك سالِم يا " بنبرة لها معنى " بو ناصر

وكأنه بـ " أبو ناصر " اللي خرجت من لسانه يذكره أنه له أبو إسمه ناصِر ، له أبو مهما سوّى فيه فهوَ يظل أبوه ، إسمه مقترن بإسم ذاك الأب مدى الحياة ، يظل أبوه مهما سوّى و ما من حقه أبداً أنه يحتقر قدره بين الرجاجيل .


صب سلطان القهوة للجَمْع الباقي اللي في المجلس ، وبعد ما أنهى هالمهمة رَجَع يجلس فـ مكانه على يمين خاله محمد ( أبو عبيد ) !

تنحنح ناصر وهو يحس أنه الكلام يخنقه ، لكن في النهاية أخرجه بنبرة مُهيبة تعكس هيئته الخارجية الرجولية : إسمع يا سلطان ، قدّام هالوجيه الطيبة جاي أعتذر ع الضيم اللي ذقته من يدي " بنبرة أبوية عنيفة هزّت أوصال سلطان قال " و ناشِد صَفحِك يا بو ناصِر


صمت ساد الأرجاء ، الكل ينظر ناحية سلطان يترقبوا منه رد .


رد سلطان برجولة مُشابهه لـ رجولة أبوه وفي عيونه لمعة غريبة : معذور يا بو سلطان ، معذور عليم الله لو كنت فمكانك سويت اللي سويته و أكثر
سكت للحظات ثم فز من مكانه ، و مشى ناحية أبوه وختم رجولته بقُبلة طبعها على راسه : جيّتك يابوي غالية ، وربي غالية ، واللي يردّك خايب قليل أصل و مرجلة .

خاله أبو عبيد ، عمه أبو طارق والأهم أبوه .... نظروا كلهم ناحيته بفخر ، هذا مو سلطان اللي يتكلم ، مو سلطان اللي عمره 14 سنة ، هذا واحد غير ، غييييير بكل ما تحويه هالكلمة من معنى !

ببساطه كلامه أخرس الجميع ، كانوا يحتاجوا وقت عشان يستوعبوا الكلام الكبير اللي طَلَعْ من هـ (الرجال) الكبير .

وصَل لسمع الجميع كلام ناصر اللي قاله بفرح واضح : أجَل تجهّز يا سلطان عشان نعود لـ مسقط سوى
قبل ما يرد سلطان على كلام أبوه ، هتف أبو عبيد : إسمح لي يا ناصر ويسمح لي بو طارق وجيتكم اليوم على راسي والله ، لكن سلطان ما يطلع من هنا " بنبرة أشد " ما يطلع من هنا وأنا أخو وضحى

من زود المعزة العميقة لـ وضحى فـ صدر أخوها ، كان أبداً ما يتردد أنه يقرن نفسه بإسمها ، كان إسمها ينساب من لسانه بفخر واعتزاز ، ولو الأمر بيده ما راح يتردد أبداً فتغيير لقبه المُتعارف عليه بين الناس من (أبو عبيد) لــــ (أخو وضحى) .

إرتجف صدر سلطان من طاري أمه في المجلس ، وفي المقابل منه إرتجف صدر ناصر من طاري الزوجة والحبيبة ... وترحموا عليها فسرهم !

رفع سلطان راسه لأبوه وهو يشد نفسه : إسمح لي يا بوي ومثل ما قال خالي محمد ، ما لي قدرة أرجع معك ، القلب عاف العاصمة ، عافها بكل ما فيها إلا من .... أهلها .
وختم كلامه بشبه إبتسامه ودودة خَصْها لـ أبوه

رد ناصر بوِد وحُب أبوي : لك اللي تريده يا سلطان ، ماني حارمك من اللي يريحِك يا بو ناصر




-97-
: يُمة ، أميييي ، موزاااااه ، المَوَزْ
جاها صوت أمها موزة من داخل المطبخ : هاه خير إن شاء الله ، ليش تزاعقي ؟
ردّت : هروح الدكان
جاها صوت أمها حاد وشديد : لا ما شيء
بعنادها المُعتاد ويَباس راسها اللي ما تخليه : هروح هشتري آيسكريم وأرجع

وبدون ما تسمع أمها موزة إيش ردّت ، خرجت من البيت ، و مشت ناحية الدكان ، وعشان تختصر الطريق دخلت سكة مُظلمة ، مشَت والظلمة تبتلعها شوي شوي ، حسّت بالخوف و الندم لأنها دخلت من هالطريق ، وفي المُنتصف حسّت بذبذبات الخطر تتردد في أذنها لكن ما كانت ردّة فعلها سريعة كفاية ؛ لأن يد غليظة كتفتها و أسكنت حركتها ، واليد الثانية لـ نفس الشخص أسكتت فمها .


الفزع دب في عروقها ، الخوف احتواها ، وسكنت مقاومتها لذاك الجسد لمّا إبتلعتهم الظلمة بشكل كامل !





للنبضِ تتمة ,
كونوا بالقُرب




لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 01-08-15, 01:54 PM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


تابع / النبض السادس
لقاءٌ و وِدْ





-98-
الغرفة مُظلمة إلا من ضوء الأبجورة الخافت اللي أرغم الظلمة على فرض نوره ، يتوسط الغرفة سرير واسع يعكس فخامة وذوق فاخر ، يتوسط السرير جسد مُفتح عيون جافاها النوم وسيطر عليها الحزن .
انقلبت و أعطَت النور ظهرها وإلتفتت للظلام ، الظلام اللي سيطر عليها وسلب كل جميل منها ، رجعت و إنقلبت من جديد للجهة الآخرى جهة النور وتفكيرها ياخذها ويجيبها وما يرسى له على بر ، رفعت جفونها للضوء وكأنها تستمد منه معاني مفقودة ، أخذت نَفس و إستجمعت قواها ، لملمت عزيمتها ، شدّت من نفسها ثمّ استقامت .


قبل ما تخطو خطواتها خارج الغرفة ، رشَّت من عِطرها اللي يحبه ، صلّحت شعرها المُموج بأطرافه اللي تداعب خصرها ، لوّنت شفاهها بلون الزهر ثمَّ حاولت رسم ابتسامة لكنها تلاشت تدريجياً لمّا طاحت عيونها على شنطة سَفــرُه ، وفذيك اللحظة قواها تراخت ، عزيمتها انهدّت و حصونها انهارَت .

رَجعت و جلست على طَرَف السرير و هي تعاتب نفسها والدمعة على رموشها تعلّقت .
أحلام ، أحلام إنتِ إيش تسوي ؟؟ ، إنتِ مستوعبة اللي تسويه ؟؟ أو بتعبير أصح إنتِ عارفة أصلاً إيش اللي تسويه ؟؟ ، عارفة فداحة اللي تسويه ؟؟ ، متخيلة نذالة اللي تسويه ؟؟
وعلى ضوء أسئلة ضميرها ، تَعَب قلبها فـ نزلت دموعها اللي أمسَت رفيقتها !


وعلى النقيض من صوت ضميرها ، هناك صوت آخر في داخلها يقول لها بأنها لازم تسوي كذا ، لازم تكون قوية وتشد من نفسها ، لازم تسوي كذا .... لمصلحته ، لمصلحته بغض النظر عن مصلحتها هي أو حتى رغبتها .

أخذَت نَفس عميق ، مسحت دموعها ، صلّحت شكلها مرة ثانية و خَرجت ، ولمّا طاحت عينها على غرفة المكتب توترَت ، لكنها شدّت من نفسها وطرقت الباب ، لمّا ما جاها جواب دَخلت بهدوء .
نظرت للشخص القابع ورا المكتب ويطالع النافذة وما باين منه شيء ، اقتربت من كرسي المكتب الجلدي بخطوات قصيرة ، اقتربت من حبيبها والتوتر تمكّن منها ، وانفطر قلبها لمّا شافته نايم وهو مسند راسه على الكرسي ، واضح أنه ما هو مرتاح حتى في نومه .

اقتربت منه ، نادت إسمه بصوت خافت ، و صحى من نومه على نداءها الثالث ، مسح وجهه بتعب ، رفع جفونه ونظر لها باستغراب لتواجدها في هالمكان وفي هالزمان !
سأل بخفوت وبصوت مبحوح خشن وهو يدور بالكرسي عشان يقابل طاولة المكتب : الساعة كم الحين ؟
برقة ردّت : الساعة وحدة

استقام ومشى ناحية الكنبة الطويلة بدون ما يلتفت صوبها ، انسدح وحط ذراعه على عيونه : طفي النور إنتي وطالعة
من شهرين وبرغبة منها ، ما قام يجمعهم فِراش ، هو في مكتبه وهي في غرفة النوم و هالبُعد المُقيت المرفوض من قلوبهم سار بعلاقتهم لطريق شائِك ، موجع لكِلا الطرفين !


بللت شفتها السفلية بتوتر ، ما متعودة يعاملها بهالشكل و بهالبرود ، بس هي تدري أنه هالشيء بسبب اقتراحها له بالزواج ، تنهدت وجلست على ركبها على جانبه الأيسر .

كان ينتظر – بفارغ الصبر - النور ينطفي والباب ينغلق وهي تطلع ، شوفتها ، شوفتها بس كفيلة لإستنفار كل خلية في جسده ، لكن لا النور انطفى ولا الباب انغلق ولا هي طلعت ، فتح عيونه لمّا حَس أنها قريبة ، عطرها العَبِق دليله ، قابَلُه وجهها الحبيب ، وقرا في عيونها الدامعة كلام ودها تقوله ، فاعتدل في جلسته ينتظر لؤلؤ كلامها ينتـثر !


جلست بجانبه ، التفتت له : طارق
بدون ما يطالعها : نعم
بهمس باكي : ممكن تشوفني !
نبرة البكا في صوتها تعذبه ، تذبحه ، تدمي قلبه ، و لو قالت له بذات النبرة أنه يرمي روحه في البحر ما تردد لحظة ، إلتفت ناحيتها ومع شوفة وجهها توقدت مشاعره أكثر ، هدوءه الظاهري كان يعاكس تماماً الضجيج الحاصل داخله .
سحبت نفس عالي مسموع : أنا آسفة
ضيَّق عيونه وميّل راسه بتساؤل : على ؟
رفعت جفونها له : على الكلام اللي قلته اليوم الصبح وعلى ... وعلى " و اختنق صوتها وعجز يطلع "
رُغماً عنها بكت ، وعلى إثر بكائها إقترب منها أكثر ، أحاط وجهها بكفوفه وأخفض وجهه لمستواها : لا تصيحي ، خلاص اهدي


ياكثر بكاش يا أحلام ، و يا شدّة وجع طارق منه ، ما تدري هالفاتنة اللي أمامه أنه على الرُغم من وجع صدها و وجع بُعدها و وجع الحرمان اللي يذوقه على يدها إلا أن كل هالأوجاع ما تجي رُبع الوجع اللي يعتريه لمّا تبكي وينفضح حزنها ... الكاوي لقلبه ، الحارق لروحه ، المُميت لكل شيء فيه .

أسندت رأسها على صدره و بنبرة حزينة ، باكِية ، موجوعة همست : أدري فيك تتعذب كل اليوم بسببي و أعرف زين إني سبب كل أوجاعك وإنك ما مرتاح من هالحال
رفعت راسها له ، أكمَلت : لكن أدري بعد أنك ممكن ترتاح لا ... " شهقت " لا صار عندك ولد .
انتفض بغضب من هالسيرة ، وقف ، واجهها ، و زمجر : إسكتي ، إسكتي ، عنبو دارش يا أحلام ما انتي واثقة إني أحبش وحدش ، راحتي وفرحي وحزني وكل شيء معش إنتي " بحدة " إنتي !
أغمضت عيونها سامحة لدموعها بالجريان والتدفق أكثر وبوجع و حرقة قالت : بس أنا ما أجيب عِيال
فتحت عيونها ، والحقيقة المُنطلِقة من فمها تحوّل قلبها لـ رماد : طارق إفهم دخيلك أنا.... " شهقت بوجع " أنا عقيم

رجع وجلس بجانبها ، حضنها وهو يحتوي حزنها ، يدري كيف هالكلام اللي قالته ذبحها مليون مرة قبل ما يخرج من فمها ، هي في النهاية أنثى وأي أنثى تحب يكون عندها أطفال ، و إذا انحرمت منهم حسّت بالنقص فـ أنوثتها .

بكت بحرقة على صدره ، بكت حنانه اللي يغرّقها فيه بكل كرم ، بكت مشاعره اللي ما يبخل في إظهارها ، بكت حُبه المُوَجَه للشخص الخطأ ، ثمَّ بكت على حالها من عقبه بعد ما تبتعد عنه و تغنّي الموّال اللي في راسها ، والله لـ تموت من غيره ، تموووت .


قبّل قمة راسها وهو يمسح على شعرها : لو بس تعرفي إنه لا وَلد ولا حريم الدنيا كلها يسووش
بكت أكثر بصوت أعلى
رفع راسها ، مسح دموعها وعيونه تبرق بوجع من حالهم : إهدي يا نبض طارق ، إهدي

شبكت ذراعيها حول عنقه ، وأسندت راسها على صدره و بكت ، بكت أكثر ، ولمّا خَلص البكي هدَت هدوء ظاهري لكن قلبها - ما زال - يبكي ، أغمضت عيونها وهي تستشعر هالقُرب الحاني بوجع . للحين ما تدري كيف راح تعيش من غيره ؟ ، كيف راح تتحمّل فراقه ؟

سكون غلّف الأرجاء ، أتلفه صوت طارق : قومي نامي تأخر الوقت
كان يبيها تبعد ؛ لأنه يدري أنه هالقُرب الحامي يجر قُرب أكثر حميمية وهو ما يبي يأذيها بأي شكل من الأشكال !

لكنها أصدَرت صوت رافض لـطلبه ، وشدّت على رقبته أكثر
شعور بالفرح تحرك داخله ، لكنه همس وهو يستنشق أريج شعرها : قومي يلا
وكأنه بالي قاله يريد منها تأكيد على قبولها لـِ هالقُرب ، وحصل اللي يريده لمّا ردّت بصوت هامس وعيون مُغمضة مُثقله بالمشاعِر : ما أريد
سأل وهو يبعد وجهها عن صدره : ما تريدي ؟
هزّت راسها بالرفض وعيونها ترمقه بحُب ووجع وحزن وحنين وإحتياج وبـ مشاعر مختلطة ، هي محتاجة لهالقُرب أكثر منه ، محتاجة تحتفظ بـ ذِكرى أخيرة تجمعهم ، هي تدري أنها باللي راح تسويه هـ تكون نذلة في نظره ، لمّا تبتعد عنه وعن حياته وهو مسافر بدون ما يدري إنها استغفلته راح تصير صورتها في عينه بشعة ، وهذا هو الشيء اللي تريده ، إنه يتزوج غيرها ، يجيب عيال من غيرها ، يرتاح مع غيرها بغض النظر عن راحتها .


انتشى قلب طارق بالقبول اللي لمحه بوضوح فعيونها ، وما كان منه إلا احتواء روحها بكل شوق و رغبة ولهفة ، و كأنه كان تائِه في صحراء قاحلة ولقا نفسه فجأة في جَنّة غنّاء ، كان ميِّت عطش وفجأة ارتوى ، كان غرقان حزن وانتشله الفرح فجأة من العذاب .





-99-
ركب سيارة الأجرة وعلامات القلق بادية في وجهه ، يتصل في أحدهم لكن يبدو أنه الشخص الآخر ما يرد ، همس : رد جون ، دخيلك رد
ولمّا فقد الأمل أعاده جون له لمّا أجاب : نعم عُمر
رد بسرعة : جون هذا فخ ، العملية الحقيقية ليست اليوم ، إنها لعبة
صرخ جون باندهاش و جزع : ماذا تقول ؟
بنفاذ صبر : أقول لك أن كل شيء خططنا له ذهب مع الريح ، أنه فخ ، فخ
سأل بسرعة : متأكد ؟
رد بثقة : متأكد
جاؤه صوت جون وهو ينهي المُكالمة : حسناً سأتصرف


تنهد براحة جُزئية ثمّ أَمَر سائق السيارة أنه يعود أدراجه بعد ما كانت السيارة تشق طريقها للمطار ، يدري أنه اللعبة الحين تشَعَبَت ، تشعبت كثير ، كثييييير ، زفّر بصوت مسموع و إبهامه تنتقل بين أرقام هاتفه ، الحين بس يقدر يتصل على أخوه و يعرف منه سبب إلحاحه في الإتصال ، بعد كم رنة رد طارق بالسّلام ، رد عُمر عليه السَّلام هو الآخر ثم قال بعجلة : خير طارق حد مستوي له شيء ؟
وصله صوت أخوه بارد ، جاف ، غامض تتخلله سخرية : لا الكل بخير ، بس اسمح لنا الشيخ أزعجناك باتصالاتنا " بسلطة أخوية " ليش ما ترد على مُكالماتي ؟

مسح عُمر بيُمناه على شعره و التعجب سلك مساره على وجهه من السخرية الواضحة اللي تخللت نبرة أخوه : الله يهديك طارق، ارتعبت يوم انّي شفت الإتصالات وظنّيت أنه صاير لكم شي ، وبعدين كنت حاط تلفوني ع الصامت وما انتبهت .

: أنا جاي لندن ، حول الظهر تقريباً هوصل وأبا أشوفك

عقد عُمر حواجبه باستغراب من إتصالات أخوه أولا ، و من غرابة نبرة أخوه ، و من مجيء أخوه لـ لندن وحرصه الواضح على مقابلته : على خير ان شاء الله

وانتهت المُكالمة بين الأخوين ، وكل واحد فيهم انشغل بالتفكير في الثاني .





-100-
قبل بضع دقائِق مشى راجع للشقة ، فتح تلفونه و ارتسمت ملامح الريبة والاستغراب على وجهه لمّا شاف إتصال أخوه طارق أو بالأحرى إتصالاته !!! ، ثلاث مُكالمات !!! ، خير اللهم اجعله خير ، ما بالعادة طارق يتصل فأكيد شيء مستوي ، رجع و أغلق تلفونه وحطه في جيبه ، ما هيتصل بأخوه الحين ، ما يريد ينفجع بخبر الحين !!

يكفيه أنه جون اتصل عليه الصباح و أخبره أنه ما هيشارك في العملية ، ولمّا سأله عن السبب كانت إجابة جون : لا نريد المُجازفة بحياتك ، صدّقني عُمر الأمر ليس بالسهولة التي تتخيلها ، كل شخص في الفريق خاض تجارب وعمليات كثيرة مُسبقاً ، و أنت ما زلت تدرس ثم أن العمل الموكل لك هو مراقبة عدنان لا غير .

مشى ناحية شقته بخطوات طويلة ، زفّر بتعب وهو يخرج مفتاح الشقة من جيبه ، ارتفعت يده بالفتاح صوب القفل و اندهش لمّا شاف الباب مفتوح ، دفع الباب بهدوء و وصل لسمعه صوت غريب : أنا كم مرة اتصلت فيك ليش ما ترد ؟؟
وصله صوت عدنان اللي أجاب بخوف واضح يلف نبرة صوته : خلاص خلاص والله راح أكلمك بس إطلع الحين لا تسوا لنا مشاكل والله إن عرفوا جماعتنا اننا إلتقينا راح يطيروا رقابنا ، وبعدين عن يجي عُمر ويشوفك هنا
تعجّب عُمر من اللي يسمعه ، وفضّل أنه يظل مكانه يسمع نهاية الحوار

رد الغريب بغضب : راح أطلع بس مو قبل لا تقول لي ليش إنلغت العملية اللي كانت راح اتّم اليوم ؟
اتسعت محاجر عُمر دهشة ، و زادت المسافة بين شفتيه وهو يتراجع خطوة قصيرة للخلف من الصدمة ، كيف ؟؟ ، العملية انلغت ؟؟ ، مو معقول ؟؟ ، ايش اللي يصير هنا ؟؟ ، ايش اللي يصير ؟؟
أخذ نفس عميق وهو يحاول بصعوبة أنه يسيطر على انفعالاته ، بلل شفته السفلية وهو يسمع رد عدنان : لأنه بنت المعلّم فتّت كل شيء لـ عُمر ذاك اليوم ، خبَّرته عن موعد العملية وعن التفاصيل السرية ، فإذا انوجدت الشرطة اليوم في المطار فهذا يعني أنه عُمر يتعاون معهم ، هذاني خبّرتك بكل شيء والحين قم انقلع لا يرجع ويشوفك هنا .


استوعب عُمر أنه هذا هو نهاية الحوار ، فخرج بهدوء مثل ما دخل وعقله يصول ويجول بصدمة ، لكن في النهاية استوعب أنه الله له حكمته فكل شيء ، الباب ظل مفتوح عشان هو يرجع و يسمع المُخطط اللي يُحاك ضده ، حمد ربه فسره وهو يستل تلفونه من جيبه ويتصل على جون عشان يخبره بالمُستجدات اللي سمعها.




-101-
ارتبك لمّا حس أنه جسدها الصغير يتراخى بين يديه ، سدحها على الأرض المُتربة وحلكة الظلام تلفهم من كل جانِب ، صرير حشرات الليل هو وحده اللي ينسمع فذاك المكان ، والقمر وحده هو الشاهد ع اللي يصير بكل حزن .


وقبل لا يفكر بالخطوة اللي راح يسويها تِجاه الصغيرة الفاقِدة للوعي ، قبل لا يستعيد مفاجأته من إغماءها باغتته يد صلبة أمسكَت عنقه و أبعدته عنها ، تراجع للخلف بضع خطوات وارتمى على الأرض بعنف ، انصدم ؟ ، لأ ..... اللي حس فيه يفوق الصدمة بكثير ، شعور ممزوج بين الصدمة والرعب والمُفاجأة والخوف ، خلطة سحرية من هالمشاعِر كفيلة أنها تسكت قلبه عن النبض وتوقف دقاته ، و هالأحاسيس زادت وهو يشوف ذاك الشخص اللي ما تبينت ملامحه بسبب الظلمة ، زادت لمّا شافه يقترب منه ، خوفه ارتفع لمّا عرف أنه فيه أحد كشف قذارته – غير القمر، و وجعه بدأ يزيد من تخبط يدين ذاك الشخص على وجهه ، ذاك الشخص اللي يضربه بدون رحمة وهو يتلفظ بأشكال وألوان من السب !



ولمّا استطاع إلتقاط أنفاسه ، سأل بصوت متعثر ، خائِف ، جزع : من أنت ؟
وصله الرد بفحيح غاضب ، مجنون ، منتقم : عزرائيل اللي هـ يقبظ روحَك

ترنح بألم بعد ما لكمه لكمة غاضِبة ، سقط بسببها على الأرض ، توسّد التراب وجفونه ترتخي شوي شوي .

بالنسبة للآخر ، أخذ نفس عميق ، عمييييق ، وهو يرمق ذاك الطريح بإنتقام ، صدره يعلو ويهبط بسرعة جنونية ، ولمّا استعاد جُزء من عقله تراجع عن فِكرة قتله ، شَد من قبضة يده وتراجع خطوتين للخلف ثم إلتفت لـ ذيك الصغيرة وحملها بين يديه للمستشفى .




-102-
: يا ربي وين راحت هالبنت ؟

دارت حول البيت أكثر من مرة على أمل أنها مُمكن تلقاها لكن بدون فايدة ، وقفت أمام الباب الخارجي لذاك البيت البسيط ، وقفت في الشارع اللي كان شبه خالي من حركة السيارات ومن الناس ، وقفت تنتظر بصيص أمل يلوح لها و يخبرها أنه مريم بخير ، تنتظر – بفارغ الصبر - علي وهو راجع ويمينه مُمسكه يد أخته لكن كل هالشيء ما صار ، الأمل انطفأ لمّا شافت علي راجع بدونها .


رجولها ما شالتها فخارت قواها وجلست على الأرض لمّا لمحت علي ويده فاضية ، يده ما كانت مُمسكة يد أخته مثل ما كانت تتمنّى .
اقترب من جدته ، وبعيونه خوف وقلق واضح ، وصل لمسمعه تساؤل أمه موزه الخافت ، المُرتعب ، الجَزِع ، الواهِن : ما لقيتها في الدكان ؟
هز علي راسه بنفي : أصلاً الدكان مصكر من زمان ولمّا رحت لـ بيت راعي الدكان قال أنه ما مرّت خير شر اليوم

صرخت موزة بجزع وهي تضرب راسها : يا ويلي عليش يا مريم ، يا ويلي عليش
قال علي بغضب وبصوت عالي : أمّي رجيتش تهدي والله العظيم ماسك عمري غصب
أخذ نفس متوتر وهو يمسح شعره بيديه ، يحاول بصعوبة أنه يركّز ويفكر بهدوء ، سأل بخفوت : هي من متى خارجة من البيت ؟

ما ردّت عليه ، أساساً ما انتبهت إيش قال ، جلس على ركبة واحدة أمام جدته وهو يكرر سؤاله بصوت أعلى ، ردّت بصوت مبحوح و بهم واضح : قلت لها لا تروحي بس هي ما تسمع الكلام ، أيبس من راسها ما شي .

رفعت عيونها الدامعة لعلي و أكملت : ما حسبت أنها هتخالفني وهتروح ، التلفزيون كان شغّال حسبت .... حسبت أنها كانت تطالع التلفزيون

دمعت عيون أمه وانكسر قلبه ، ضمها وقال برجا ونبره واهنة : رجيتش يمه لا تضعفي ، لا ضعفتي أنا أضعف ، راح نلقا مريم ، بعون الله راح نلقاها
ابتعد عنها وكرر سؤاله : من متى وهي خارج ؟

أخذت نفس وهي تستعيد قواها : حول الساعة ، ساعة ونصف كذا
استقام علي وهرول جهة أحد البيوت في الشارع الثاني تارك أمه أمام الباب الخارجي لبيتهم ، جالسة بهم واضح في ذاك الشارع اللي أمسى خالي من الناس .




-103-
وقفت أمام الباب وهي تسترجع كلام أمها بأنها لازم تستسمح من أخوها الكبير ، أخوها اللي صار مجافيها من يوم ما عرف عن عملتها بـ سلطان ولد عمهم ، غاضب منها بشدة وما تستنكر أبداً غضبه ؛ لأنها اللي سوته خطأ ، خطأ عظيم .

طرقت الباب بخفة ، جاها صوته الخشن من ورا الباب : ادخل
دخلت بتردد ، شافته مستلقي على سريره واضع رجله اليُمنى فوق اليُسرى باسترخاء ، بين يديه كتاب مُشغل عيونه ومُشغِل فكرُه .
رفع جفونه ناحية الباب ، رمقها وهو يرفع حاجبه الأيسر : نعم ؟

أغلقت الباب وتقدمت نحوه وبدون أي مُقدمات قالت : أنا أعتذر
التفتت على جانبها الأيمن و أخفضت رأسها وهي تعض شفتها السُفلية وكأنها تواجه فداخلها صراعات و صراعات ، رجعت ورفعت بصرها نحوه و كررت : أنا آسفة
كان يناظرها بعيون حادة ، وضع كتابه على السرير واستقام ، واجهها بذات النظرة و بـ نبرة تساؤل تشوبها سُخرية واضحة : ليش تتأسفي ؟ ، أنتي أخطأتي فحقي بشي ؟ " زادت حدة صوته " أنتي آذيتيني بشي ؟
لمّا ما جاه منها رد ، صرخ بغضب : جاوبي ؟؟

انتفضت برعب على أثر صرخته ثم هزّت رأسها بنفي كـ إجابه لـ تساؤلاته
خطا خطوة للأمام ، باتجاهها ، وذات النظرة الغاضبة في عيونه ، وذات حدة الصوت تغلف نبرته : عَجَب ليش تعتذري مني ؟؟ ، ليش تتأسفي ؟؟


للأسف أسألته ما لها أجوبة عندها ، هي نفسها ما تعرف ليش ودها من أعماقها أنه أخوها يسامحها ، ما تدري ليش ودها سعود يعذرها ، يمكن لأنه هو الوحيد اللي يعرف بفعلتها ، هو الوحيد اللي يحتفظ بسرها ، السر اللي أبعَد سلطان عن أهله و عن مَسقط ، هو الوحيد اللي بيده نعش موتها ، فإذا أخبر سعود أمها - مثلاً - ببساطة هـتذبحها ؛ لأنه اللي سوَّته ما شي هيِّن ، هي أبعدت سلطان عن أهله ، هي الشيطان اللي حاك المؤامرة وابتعد على إثرها سلطان ، هي ظلمته و أهلها – سعود و أمها و الكل – ما يرضوا بالظلم !


لمّا تأكد أنها ما هتعطيه إجابة ، قال بخفوت وهو يتعداها قاصد الدريشة اللي تطل على حوش بيتهم و جزء من حوش عمهم عبد العزيز : إنتي عارفة ليش أنا عصبت عليش ؟ ، وليش زعلان منش للحين ؟؟

( حوش = باحة البيت )
( الدريشة = النافذة )

ما انتظر منها رد وهو يكمل وعيونه تمشط أشجار البيت من خلف الزُجاج : لأني ما أبا أي أحد يقول عن بنات محمد كلمة تمسهن بسوء أو تمس مرباهن ( يقصد أمه و أبوه )
إلتفت ناحيتها : إنتن متربيات ع الزين ، لا تغلطي على أحد عشان لا أحد يغلط عليش .

تأمل تيه نظرتها و شك أنها فهمت ثقل كلامه : فاهمة مها اللي أقصده ؟!!
هزت رأسها بـ " نعم " ، إلتفتت قاصدة باب الغرفة بعد ما لمحت بسمة عيونه ، وكلامه يرن في دماغها تحاول تستوعب كل كلمة فيه .




-104-
ما أعار كلام صاحبه اللي متولي زُمرة القيادة أي إهتمام ، يمشط بهدوء شوارع مسقط المضيئة وهم متجهين للمستشفى ، قال صاحبه بنبرة عالية لمّا لاحظ عدم إهتمام الأخير بالموضوع : أكلمك أنا ؟ ليش ما ترد ، من ذي البنية ؟

رمقه بطرف عينه وبصوت بارد رد : ما لك خص ، سوق و انت ساكت
هز السائق راسه بوعيد : ما عليه ، ما عليه
,



لمّا وصلوا المستشفى حملها بين يديه وهو يحس أنه بينها وبين يديه مسافات ومسافات ، الهواء هو الفاصل بينهم ، ما يحس بثقلها الخفيف كثر ما يحس أنه أضعاف و أضعاف و أضعاف وزنها يسدك على صدره ، تنهّد وهو يحطها على سرير المستشفى تارك للممُرضة والطبيب استلام مهمتهم .

تنحّى جهة الجدار ، أسند ظهره عليه وهو يمشط الوجوه اللي تمر أمامه بحذر ، بعد مرور بضعة دقائق وصل لمسمعه صوت الطبيب اللي اقترب منه : إيش تقرب للطفلة ؟

نظر للطبيب بشر وكأنه بسؤاله ارتكب جريمة ، جريمة بشعة كثير ، وهالشيء بان في وجه الطبيب اللي خاف من هالنظرة المتوعدة ، انتبه لنفسه بسرعة فــ زحزح القناع اللي تلبّس وجهه ، أجاب بشدة وهو يدعك عينه عشان تختفي نظرته : ما أقرب لها ، بس شفتها طايحة في الشارع وأنا مار وما كان حولها أحد ، كأنه عندها ربو أو شي من هالقبيل ؟؟

أكَّد الطبيب وعيونه تنظر للشخص اللي أمامه بشك وبخوف في نفس الوقت ، الخوف اللي أشعلته نظرة الرجل المُرعبة :هي فِعلاً عندها الربو ولو ما جبتها في اللحظة الأخيرة والا البنت هتروح فيها ، نفَسها كان ضعيف ، بس
بتردد سأل : ايش عرّفك أنه عندها ربو ؟


بكذب مُحترف رد وهو يشتت نظرته للمرضى اللي حولهم : لمّا وصلت لها كانت تكح بشدة وبعدها أغمى عليها ، " بذات النظرة المرعبة " بنتي كانت تجيها نفس هالأعراض .
هز الطبيب رأسه وهو يعطيه ظهره بسرعة ، وده يهرب من قبالة هالرجال الغريب ، ناداه و كأنه تذكّر شيء ثمّ هتف بصوت أجش كاذب ، بصوت مظلم ، بصوت عميق : قبل لا يُغمى على البنت سألتها عن اسمها وقالت لي " سكت للحظة وهو يرخي جفونه للأرض "

رفع عيونه للدكتور و حدّة ملامحة تزيد مع كل كلمة تنطلق من لسانه : اسمها مريم ، عبدالله ، سعيد ، بن مر ، الـ .
كان ياخذ زمن بين انطلاق الاسم و الاسم الثاني ، زمن كأنه سنوات ضوئية بالنسبة له .

رمقه الطبيب بريبة بعد ما تأكد أن بين هالرجل و الجنون شعره ، نبرة صوته المريبة أكدت له ، هيئته المغبرة أكدت له ، وتصرفاته أكدت له .
همس بجنون وهو يعطي الطبيب ظهره مُبتعد ناحية الباب الخارجي ، يكرر اسمها وكأنه أغنية يدندن بها :
مريم ، عبدالله ، سعيد ، بن مر ، الـ
مريم ، عبدالله ، سعيد ، بن مر ، الـ
مريم ، عبد الله ، سعيد ، بن مر ، الـ





-104-
هتف بسعادة وهو يركض باتجاه جدته : اماه ، أمي ، أبشرش لقينا مرياام " هز جدته من كتوفها وهو يكرر بسعادة " لقينا مريم يمه .
( اماه = هي أشهر مناداة العُمانيين لأمهاتهم . )

وما كان ضمير المتكلمين "نا" إلا إشارة لوجود شخص آخر ساعد علي في إيجاد مريم ، وهالشخص ما كان غير العم مُبارك اللي اتصل بصفته عسكري وله رتبة كبيرة في شغله بكل مراكز الشرطة القريبة وبكل المستشفيات يسأل فيها عن وجود مريم ، وجاهم الفرح على هيئة خبر من أحد المستشفيات يأكد فيه أنه فيه شخص بنفس هالاسم منوّم عندهم .

انتشى قلب الجدة بالسعادة لهالخبر اللي كانت توّاقة لسماعه ، بدون ما تنتبه أنه حفيدتها منومه في المستشفى ، أهم شيء أنها انوجدت ولقوا أثَرها ، وانطلقت – على طول - هي وعلي والفرح للمستشفى المنشود .







نهاية النبض السادس
بانتظار آرائكم / توقعاتكم / ملاحظاتكم

كونوا بالقُرب .


لامارا غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:45 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.