آخر 10 مشاركات
زهرة النار -قلوب أحلام زائرة- لدرة القلم: زهرة سوداء (سوسن رضوان) *كاملة* (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          ✨الصالون الأدبي لرمضان 2024 ✨ (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          317 – صدى الذكريات - فانيسا جرانت - روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          أنين الهوَى - الجزء 1 من سلسلة تايري -شرقية زائرة -للكاتبة:ملك على* مكتملة & الروابط* (الكاتـب : ملاك علي - )           »          ودارتـــــــــ الأيـــــــــــــام .... " مكتملة " (الكاتـب : أناناسة - )           »          عــــيــــنـــاك عــــذابــي ... مكتملة (الكاتـب : dew - )           »          عيون لا تعرف النوم (1) *مميزة & مكتمله * .. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree77Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-05-15, 03:18 AM   #11

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


لأنكم تستاهوا نزلت لكم الفصل قبل وقته

قراءة ممتعة للجميع



الفصل السادس


أمسكت ذراعها وسحبتها لغرفتي وأغلقت الباب على

نظراتها المصدومة , وضعتْ يدها على المقبض لتفتحه

فوضعت يدي على الباب وقلت بحدة " هل من تفسير

لتركك الجامعة وكل تلك الحركات الصبيانية "

بقت تنظر لي بتبات وصمت فقلت بغضب

" وسن لا تستفزيني بصمتك وأجيبي "

قالت بجمود " دَين ... عليا الإيفاء به لك وعزة نفس لم

تعد ترضى أن تأخذ مليما منك فهل أنا مخطئة في هذا "

ضربت بيدي على الباب وقلت " بل كل الخطأ , إلا دراستك

يا وسن إلا هي وأنا وليك والمسئول عنك وعن كل ما تحتاجينه

وديون والدك ليست في حساباتي ولا أفكر فيها "

ابتسمت بسخرية وقالت " بلى في حساباتك كلها

ودفّعتني ثمن ديونك منه ولم يتبقى سوى النقود

فعليك أخذها أيضا لنتصافى نهائيا "

تنفست بقوة ثم قلت بضيق " وهل بضنك ستسددين

تلك المبالغ الضخمة , قلت أني لا أعدّها نقود

ضاعت فأنا نسيت أمرها تماما "

نظرت للجانب الآخر وقالت " أنا لم أنسى ويحق

لي كما يحق لك إيفاء الديون "

ثم نظرت لعيناي بعيناها السوداء الواسعة وقالت

" ولا تحاول معي فأنت تعرفني حين أضع أمرا في رأسي "

قلت بسخرية " نعم أعرفك جيدا وجربت ذلك منك أيضا "

وها قد فتحنا ملفات ألمنا باختيارها لأنها ترفض أن تعيش

جراحنا تحت الركام كما رفضت أنا يوما أن تشفى , لم

أكن أرغب بالحديث في ذاك الأمر أبدا لكنها اختارت هذا

أشاحت بعينيها عني بحركة جفنيها التي لا يتقنها سواها

وكأنها تسدل ستائر سوداء على نافذة مظلمة تحرق قلبي

قبل النور فيهما ثم ابتسمتْ ابتسامة صغيرة متألمة ليخرج

معها صوت أنة لعبرة مكتومة في صدرها ثم قالت بألم

" كاذبون أنتم يا معشر الرجال وكم يسهل عليكم

تبديل النساء كورق اللعب "

أنزلت نظري عنها وابتسمت ابتسامة لا تقل ألما عن

ابتسامتها وقلت " لن نفتح الدفاتر يا وسن واتركي

ما في القلب في القلب "

رفعت نظرها لي وقالت بحدة " حجج ... كلها حجج

لتستبيحوا بها لأنفسكم العبث كما يحلو لكم , ومن

سذاجتنا نحن النساء نصدقكم دائما "

رفعت نظري لها وقلت بسخرية " لم أكن أحتاج

لحجة لأستبدلك بأخرى وأخبرتك أن تغلقي الدفاتر

لأن ما ترميني به ترمي نفسك به قبلي "

قالت بسخرية مماثلة " نعم فأنا تحججت بوالدي لأتركك

وأتزوج بذاك التاجر الثري لأنك لا تملك المال وحين مات

والدي تركته وركضت خلفك أترجاك أن تصفح عني لأنك

أصبحت أكثر ثراءً منه , هذه أنا فهمناها فاشرح لي عنك أنت "

أخفضت رأسي وأغمضت عيناي بقوة وألم , نعم يا نواس

لن تحضا بهذه الفرصة بعد اليوم لأن الخيط الأخير بينكما

سينقطع الليلة فدع الجنون يمارس ما يريد , رفعت يدي لها

وأمسكت ذراعها وسحبتها لحضني بقوة وأطبقت بذراعاى

عليها وقلت " تلك أنتي من وجهة نظر نفسك لنفسك "

انطلقت حينها الدموع التي كانت تحجرها في مقلتيها

وقالت بحسرة " بل أنت تراني هكذا أنت يا نواس"

شددتها لحظني أكثر أمارس الممنوع عني لأبيحه في

لحظة جنون أولى وأخيرة وقلت بهدوء حزين

" أنتي قتلتني يا وسن وشر قتلة كانت تلك "

وضعت كفها على صدري ودفعت نفسها لتبتعد عن حضني

وقالت ورأسها أرضا " وها أنت سددت لي طعنة أعنف منها

وحجتك أني قتلتك , كلانا لا نختلف عن بعضنا يا نواس

فإن كنت تراني مجرمة فلستَ بأفضل مني "

أعدت كف يدي على الباب و أخفضت رأسي كي لا تعود

لي تلك الأفكار المجنونة لاحتضانها مجددا فتشتعل النار فوق

اشتعالها في جوفي أو أمارس جنوني الأكبر بأن أفعل ما تمنيته

حياتي كلها وانتظرته بالسنين وهوا تقبيلها وتقبيل عيناها

معذبتاي وسبب عشقي الجنوني وهذياني في يقظتي

هززت رأسي أنثر منه تلك الأفكار وقلت بهدوء

" وسن عودي لدراستك "

قالت باختصار " لا "

قلت بحدة وحالي كما هوا عليه " بل تعودي لها منذ الغد "

قالت بتحدي " قلت لا يعني لا ولا أحد له سلطة علي وديونك

سأرجعها لك تأخذها أو ترميها في البحر تلك مشكلتك "

نظرت لها وقلت بغضب " أنا وليك ولست عاجزا عن

تكاليف دراستك ومتطلباتك لتعملي وتتركي الدراسة "

قالت بصراخ غاضب " لست وليي ولا أريد وصايتك

ولا نقودك , أنت لا تصلح حتى لتكون رجلا "

لم أشعر بنفسي إلا وصوت الصفعة القوية يثقب أذناي

ويدها تحتضن خدها الأبيض تنظر لي بصدمة ورجفة

وعينان تمتلئ بالدموع , قبضت يدي ودسستها في جيبي

متمنيا أني قطعتها قبل أن تفعل ذلك وأنها أصيبت بالبكم

قبل أن تقول لي تلك الكلمة القاتلة وكأننا نتبادل الأوجاع

ولم يخرجنا من وحشة مشاعرنا تلك إلا صوت والدتي

الضعيف المتعب من خلف الباب وهي تقول

" نواس افتح الباب "

فتحته بسرعة ودون شعور فوالدتي لا تستطيع الوقوف

طويلا ولا حتى المشي فما الذي جعلها تخرج وتعبث

بصحتها , كانت تستند على كتف الممرضة الخاصة بها

وتنفسها يخرج قويا تريد التحدث وتعجز عن الكلام بسبب

وقوفها المنهك لصحتها , أمسكتها ونظرتُ جهة وسن التي

قالت بوجع وعيناها في عيناي " علمت أنك لن تعطيني

ذاك الشيء الذي لن أحصل عليه منك كل حياتي بدون

مقابل , دائما تسترجع ديونك يا نواس "

ثم خرجت من الغرفة واجتازت والدتي ولم نسمع سوى

صوت ضربها لباب المنزل وهي تغلقه خلفها , عدت بوالدتي

لغرفتها ووضعتها على السرير وما أن استوت جالسة عليه

حتى رمت بيدي عنها فنظرت لها بصدمة فقالت بصوت

غاضب ومتعب " تضربها يا نواس !! تضرب النساء يا تربية

يداي , ومن ... ابنة خالتك اليتيمة التي ليس لها غيرك , ومَن

أسمك مسجل تحت اسمها كَولي لها ووصي عليها , تضربها

وأنا حية فبعد موتي ما ستفعل "

قلت بضيق " لم أكن أعي لنفسي , استفزتني

وتطاولت علي بلسانها "

قالت بحدة " وإن يكن هل ترى ضربك لها حلا وسيأتي

بنتيجة , وافقتك وجلبتها لك هنا لتتفاهم معها ونقنعها بروية

لتعود لدراستها لا أن تختلي بها في غرفتك وترفع يدك عليها "

ثم تنفستْ بقوة وتعب وقالت بأسى "خذلتني فيك يا

ابن قلبي قبل رحمي "

نظرت لها بصدمة وقلت " لا يا أمي لا تقوليها "

بقيت على صمتها والضيق جليا على ملامحها المتعبة

فأمسكت يدها وقبلتها وقبلت رأسها وقلت

" آسف يا أمي ولن يتكرر ذلك ما حييت "

قالت بهدوء " ليس مني تعتذر بل من التي ضربت

اليوم قلبها قبل وجهها "

أعطيتها ظهري وقلت بأسى " لا تحكمي عليا ظلما

فأنتي لا تعلمي من الذي ضرب قلب الآخر "

تم خرجت من عندها وغادرت المنزل برمته بعدما تعقدت

الأمور أكثر بدلا من أن تُحل , توجهت للمزرعة من فوري

دخلت المنزل وقلت بصوت مرتفع " وليد "

نزل من السلالم وهوا يقول " يا ملائكة الرحمة زوريه

وخففي ما يعتريه و..... "

ثم ضحك ولم يكمل فابتسمت رغما عني وهززت رأسي وقلت

" لا تقلع عن عاداتك أبدا وأقسم أني لست في مزاج لك "

ثم قلت وأنا اصعد السلالم

" سأستحم ونغادر لمنزل الشعّاب سنتم الأمر الليلة "

قال وهوا يلحقني " لم نعطهم خبرا بزيارتك "

قلت وأنا أدخل جناحي " بل لديهم العلم منذ أسبوع ولكنهم لا

يعلمون عن سبب زيارتي , أستحم وأجدك في سيارتك تفهم "

ضحك وقال " ألا تريد أن تجدني جالس فوق السيارة "

قلت وأنا آخذ المنشفة وأدخل الحمام

" أخبرتك أني لست بمزاج لك فلا تطرني لضربك "

جاءني صوته من خلف باب الحمام

" لن تكون نواس الذي أعرفه إن مددت يدك علي "

فتحت صنبور المياه لتدفق بقوة وقلت بهمس خلف ضجيجها

" بل فعلتها بمن هي قطعة من قلبي فلا تستغرب أن أقتلك "

*
*
" جواد أنت تغش اقسم رأيتك "

ضرب وزيري بوزيره وقال " بلى مات

وزيرك فاقبلي الهزيمة "

قلبت اللوح وقلت " انتهت اللعبة "

ضحك وقال " غشاشة ومشكلتي أني أحبك "

رميته بوسادة الأريكة وقلت " وهل يحب الغشاشة غير الغشاش "

ضحك وأمسك خدي وقال " متى سننجب لنا غشغوشا صغيرا "

ضحكت كثيرا حتى تعبت ثم قلت " ولما ليس غشغوشة "

ضحك وقال " وغشاغيش كثر أيضا "

انفتح حينها باب الشقة وأغلق بقوة حتى ظننته سيتحطم

ثم مرت وسن من أمامنا لغرفتها مباشرة ووجها لا يبشر

بخير , نظرنا لبعضنا باستغراب فحرك جواد رأسه

بمعنى ما بها فرفعت كتفاي وقلت " ألست تعلم أني

معك هنا منذ ساعتين أم الغش أعماك "

مرت والدتي بنا ووقفت وقالت " مابها وسن "

قلت بحيرة " لا أعلم كانت في الخارج وعادت للتو "

تنهدت وقالت " مسكينة هذه الفتاة متى سترحم

نفسها وصحتها "

تم غادرت باتجاه غرفتها قائلة " سأحاول التحدث

معها رغم أنه مستحيل "

هززت رأسي وتنهدت وقلت بحزن " لا تفعل هذا إلا

إن رأت شقيقك أو سمعت خبر يخصه بالتأكيد "

أخرج هاتفه وهوا يقول " أخبرته فجر اليوم أنها تركت الجامعة

لابد وأنهما تحدثا معا لا شك في ذلك أبدا "

جرب الاتصال بأحدهم ثم تأفف بضيق ويبدوا أنه لم يجب عليه

ثم أجرى اتصال آخر و قال " مرحبا أمي هل جاء نواس "

سكت لوقت ثم قال " وتقابل ووسن بالتأكيد "

" لا لم أره ولكن رأيت ابنة شقيقتك تبدوا الأمور ازدادت تعقيدا "

" لا بالطبع هل تعرفينها تقول شيئا , ماذا حدث بينهما "

تنهد بضيق وقال " جربت الاتصال به ولا يجيب

سأسأل عنه في المزرعة لا تقلقي "

أغلق بعدها الخط منها واتصل مجددا ثم قال

" مرحبا وليد هل أنت في المزرعة الآن "

قال بعدها بابتسامة " طبعا لن تكون غير هناك يا أريكة المنزل "

ثم ضحك وقال " أجل أجل هذا ما تفلح فيه المهم نواس هناك أم لا "

قال بضيق " عندما يخرج أخبره أن يجيب على اتصالاتي

لا أعلم لما يتعب نفسه باقتناء الهواتف "

ضحك كثيرا ثم قال " هكذا إذا عينك على

هاتفه ذاك .... يالك من جشع "

" حسنا وداعا الآن "

قلت من فوري " ماذا حدث "

قال وهوا يعيد هاتفه لجيبه " تقابلا في منزلنا وتبدوا

مشاجرة كبيرة حدثت وخرج كل واحد منهما

غاضبا وهذا المتوقع طبعا "

قال بعدها " ألن تذهبي لتريها "

قلت بحسرة " ولما اتعب نفسي لن تفتح الباب

وإن فتحته لن تتحدث "

ثم قلت وأنا أجمع قطع الشطرنج " هل تحدثت

معه في موضوع الدراسة "

قال بهدوء " ليس بعد سأتحدث معه قريبا

هي فرصة لن تعوض "

قلت بحزن " لا أريد ترك عائلتي خصوصا وسن

وهي في هذه الظروف "

أمسك وجهي بيده وقال " وتتركيني أنا يا ظالمة أقسم

لن أتحرك شبرا من دونك رضي من رضي وكره من كره "

اقتربت منا والدتي فقلت من فوري " هل تحدثت معها "

هزت رأسها وقالت " كالعادة قالت أنها بخير وتريد البقاء

وحدها وطلبت مني أن أجلب لها الحبوب المسكنة "

قلت بدمعة محبوسة " ستموت وترتاح ويرتاح ذاك الجلمود "

وقف جواد وقال " عن إذنكما وأعلماني لو احتجتم أي شيء "

غادر فلحقت به عند الباب قائلة " جواد انتظر "

التفت إلي في صمت فنظرت للأرض وقلت بهدوء

" أنا آسفة لا تغضب مني "

لم أشعر سوى بشفتيه قبلت خدي وهمس في أذني قائلا

" لست غاضبا حبيبتي لا تقلقي "

ثم غادر وأغلق الباب خلفه

*
*
بعد ساعة كنا خارجان من المزرعة بسيارتينا وغادرنا

المنطقة لأخرى تبعد ساعتين عن هناك , وصلنا ونزلت

أنا وبقي وليد بعيدا , استقبلني عند الباب الابن الأكبر للعائلة

تصافحنا ثم قال " تفضل يا سيد أنورت المدينة "

قلت بابتسامة " أنورت بساكنيها "

دخلت برفقته ليستقبلني شيخ كبير في السن وشابان

آخران , وقف بصعوبة فتوجهت نحوه أجلسته وقلت

" لا تتعب نفسك يا عم أنا من آتيك عند قدميك "

قال برحابة " ابن أشراف كما سمعت عنك فمرحبا بك عندنا "

صافحني الشابان وقال الأكبر " هذا عمي الأكبر كبيرنا وكلمتنا

عندما علم بقدومك اختار أن يكون في استقبالك معنا "

جلسنا وقلت بلطف " أطال الله في عمره وأبقاه فوقكم

ورحم والدكم ونعم الرجل كان "

تجلى الحزن على ملامحهم بسبب ما عانته هذه العائلة بعد

موته فقلت " من خلف ولدا صالحا ما مات "

نظر كل واحد منهم للأرض بضيق وحسرة فقلت

" طبعا تجهلون سبب قدومي لكم اليوم "

قال الأصغر " مؤكد من أجل التجارة , باعك وصيتك كبير

في تجارة الخيول لكننا لا نتاجر فيها "

قلت بابتسامة " لم آتي من أجل التجارة بل من

أجل النسب الشريف "

نظروا لبعضهم بصدمة واستغراب ثم قال أكبرهم

" وفي من !! "

جلت بنظري بينهم ثم قلت " مي وليس لديكم غيرها حسب علمي "

قال بتلعثم " لكن ... لكنك .... قد "

قلت بجدية " لكني أعلم ما حدث وما كان ولا يهمني وقلت

أريد نسبكم إلا إن رفضتم ذلك "

قال عمهم من فوره " ناسبنا خيار الناس وأنت فوقهم

ولكنك قلت أنك تعلم بما حدث لها وما قيل

وما مرغ سمعتنا في التراب "

قلت بهدوء " نعم أعلم "

قال " وهل ستطلقها لتزيد نكبتنا , احمل نفسك يا بني وأخرج

من هذه المعمعة كي لا تُغرق نفسك معنا في الشوشرة "

قلت " لن تكون هناك أي شوشرة أنا بعيد عن الموضوع

ولن يتحدث أحد عني "

قال الابن الأوسط " عذرا ولكن لما تفعل هذا "

قلت من فوري " دَين لرجل لا تعرفونه "

قال أكبرهم " أعذرنا لن تتصافى في ديونك بباقي سمعتنا "

تنهدت وقلت بجدية " بل لن تكون تصافي ديون , ابنتكم فوق

رأسي لن أضيمها ولن تمتد يدي عليها ولن يخرج ما تحدثنا فيه

من مجلسنا هذا حتى الموت ومهرها وجهازها كغيرها

وأفضل ومؤخر يضمن لكم صدق كلامي وأني لن أطلقها "

قال عمهم " لن تعجز عن دفع مؤخرها مهما كان كبيرا "

قلت " ومن قال أنه مال "

نظروا لي بعدم استيعاب فقلت " لن أطلقها إلا على عقد لها

على زوج غيري وبموافقتها ورضاها , من يكتب ورقة طلاقي

منها يكتب ورقة زواجها به ولن يكون ذلك قبل عام أو ستبقى

في ذمتي حتى آخر عمري أو عمرها "

كانت أعينهم ستخرج من الصدمة فقلت " إن وافقتم الآن

عقدنا الليلة ولكم أن تطلبوا رأي الفتاة وتتشاوروا ولن

أغادر إلا بكلمة قبول أو رفض "

قال أكبرهم بسخرية " وهذا ما بقي نأخذ رأيها "

تنهدت بقوة وقلت " لا تكونوا والزمن على شقيقتكم , ستخرج

من هنا معززة مكرمة وتعيش عندي بعزتها وكرامتها كما رباها

والدها وأقسم أنَّ رجلا مثله لن يربي فتاة تجلب العار لأهلها "

قال عمهم " سلم لسانك ومنطقك فكم قلت أن حق اليتيمة لن

يضيع, جعلها الله الزوج الصالح لك وكلمتي لن يثنيها أحد وقد

أعطيتها لك وسنعقد الليلة كما أردت ومتى ما حددت

موعدك تعال وخدها من بين الجميع "

وقفت وقلت " إذا على بركة الله , الوالدة متعبة ولا

يمكنها التحرك لكانت جاءت كما تستدعي الأصول

ولا شقيقات لدي وأنا الأكبر "

وقفوا وقال أكبرهم " وحدك تكفي وتزيد ولن

نقول شيئا بعد قول عمي "

قلت " أعذروني لديا موعد مع شخص هنا وسأوافيكم

عند المغيب نتفاهم وتضعون المهر الذي يناسبكم

ونكتب العقد والشروط أيضا فيه "

تنهد عمهم وقال " أي رحمة أرسلها الله لنا هذا اليوم أقسم

أن الناس أكلت وجوهنا وسلخت ظهورنا وبعد اليوم

لن يجرأ أحد على قول شيء "

ربتت على كتفه وقلت بابتسامة

" الله لا يُضيّع شرف الأشراف .... عن إذنكم "

ثم خرجت من فوري بعدما كتبت أول سطر في حياة فتاة لا

أعرفها وآخر سطر في حياة فتاة لست فقط أعرفها بل وأعشقها

حد الجنون فما سنقول في وجع القلوب وحكم أقدارنا غير

أن الواقع واقع وعلينا أن نعيشه فلم أنسى بعد كلمات الرجل

الذي لو أفنيت عمري ما رددت جميله وهوا يقول لي في

فراش الموت ( مي يا نواس لا أريد منك شيء ترد به

جميلي عليك سوا أن تخرج ابنتي من براثن أشقائها )

*
*
تقتلنا الهموم وتصفعنا حياتنا من كل صوب , أحيانا نقول هذا

قدرنا ولا مفر لنا منه والصبر قالوا أنه المفتاح الوحيد للفرج

وأحيانا نقول ما اختار الله لنا أمرا إلا وكان لنا فيه الخير

يبتلي عباده المؤمنين وجعل مع العسر يسرا

لم يتبقى لها شيء سوى هذه الكلمات النورانية ترثي بها

حالها بعدما أصبحت وصمة عار مجتلبة للنكسات فحتى

والدها هي المذنب الوحيد في موته وفي سجن شقيقها وحتى

تقلبات الجو باتت هي السبب فيها لأنها أصبحت الشيطان

والوباء المدمر التي لا تستحق الحياة وأي حياة هذه التي

يتبجحون بها عليها , تجلس على سريرها تحضن ساقيها

وتخبئ وجهها فيهما لأنها تخشى إن أخرجته تهب الرياح

المغبرة ويتهمونها بها , مسجونة في غرفة بنافذة مغلقه

بالحديد كي لا تقفز منها رغم أنهم موقنون أنها إن فعلتها

ستموت ومؤكد لا يخشون موتها , باب موصد لا يفتح

إلا من الخارج وليته لا ينفتح أبدا لأنه لا تدخل منه إلا

السموم, في عمر الزهور ابنة والدها الوحيدة بعد أربع

ذكور , المدللة الحنونة من تحملت جور زوجاتهم من

أجلهم لكن العقول لا ترحم والرجل الشرقي يتحول

لوحش أمام كلمة عار وعرض ولا يهتم للأسباب

* * * *
سمعتُ مفتاح الباب يدور فخبأت وجهي أكثر وانكمشت

على نفسي فمؤكد لن يدخلوا إلا لضربي من جديد أو إهانتي

ولومي , يا رب خذ روحي وارحمني فوحدك تعلم

بحالي ولديك فقط العدل بلا ظلم ولا جور , انفتح الباب

ثم أقترب صوت كعبي حداء يتبعه الآخر ليصلني صوتها

الساخر قائلة " مبروك يا فضيحة جاءك عريس "

لم أرفع رأسي ولم أتكلم فقالت الأخرى " بعد اليوم كل

الفتيات ستهرب مع الرجال ليحضوا بالعرسان "

أي عريس هذا بواب الشركة أم البستاني أو قد يكون

ملك الموت وأرتاح , قالت أسماء " ارفعي رأسك أقسم

أنك ولدتِ في يوم الحظ السعيد "

قلت ودموعي باشرت النزول " لو كنت ولدت فيه ما

كنتي أنتي هنا وأنا فيما أنا فيه ففيما ولدتِ أنتي إذا "

قالت بحدة " لا تلعبي معي بالكلام لأنك الخاسرة الوحيدة

ليته الليلة يأخذك معه لما يبقيك لنا بعد أن يتزوجك "

ثم ضحكت بسخرية وقالت " لا ومهر خيالي وجهاز

لن يكون عاقلا أبدا "

رفعت رأسي لها وقلت " تزوجيه أنتي إذا "

ضحكت وقالت " وهل تركت لنا شيئا إلا أشقائك بسمعتهم النتنة

فحتى إن تطلقنا منهم لن يرفعنا أحد لأنك كالوباء لطختِ الجميع "

رمت بعدها بيدها في الهواء وقالت مغادرة " عمك العجوز

يريدك في الأسفل بسرعة انزلي وعودي "

قلت بسخرية " ومنذ متى حررتموني من سجني لأنزل وحدي "

وقفت عند الباب وقالت " منذ قليل يا ابنة الحظ السعيد "

ثم غادرت تجر معها شبيهتها وتركت الباب مفتوحا على غير

العادة, نزلت من السرير وغيرت قميصي بآخر بأكمام طويلة

احتراما لعمي الذي لم يراني يوما دون حجاب فكيف أصبح

اليوم وصمة عار لهم جميعا , ولكي أخفي أثار الضرب

الوحشي الذي أتلقاه منذ أسابيع بلا توقف ولا رحمة

لبست حجابي وأنزلت التنوره لتلامس الأرض فهم لم

يتركوا مكانا بي لم يشوهوه , نزلت السلالم الضخمة التي

تتوسط المنزل الكبير وتوجهت لمجلس الرجال حيث سيكون

هناك وحده بالتأكيد , طرقت الباب ودخلت بهدوء وما أن

وقعت عيناي عليه حتى أدمعتا فورا فمد يده لي وقال

" تعالي يا ابنتي فلا يمكنني الذهاب لك بسرعة

فوقوفي بحسابه كما تعلمي "

ركضت ناحيته وجلست أمام ساقيه وقبلت يده وأنا أقول

ببكاء " إلا أنت يا عمي لا تكن مثلهم أرجوك فوحدك لي

بعد والدي ويكفيني منك ولو كلمة أنا أثق بك يا مي "

مسح على رأسي وقال " بل كثقتي بنفسي وقد نهيتهم

وأقسمت عليهم أن لا يضربك واحد منهم بعد ذاك

اليوم ولن يثنوا كلمتي بالتأكيد "

كيف أخبرك يا عمي كيف أقول لك أن ذاك اليوم كان

أرحم مما يليه رغم أني ذقت فيه ضربا تعجز عن تحمله

البغال كيف وهم هددوني كي لا أخبرك أمسك يدي

وقال " اجلسي بجواري لدي ما سأقوله لك "

وقفت وجلست بجانبه أمسح دموعي فقال بهدوء

" أحدهم خطبك اليوم وأنا أعطيت , كان عليا مشاورتك

لكنه رجل لا تُشاور عليه النساء وسأطمئن عليك لديه "

قلت بحزن ورأسي للأرض " لن يكون أسوء من حالي هنا "

لاذ بالصمت ولم يعلق فقلت " ومن يرضى الزواج بمثلي

كيف وثقتم برجل يتزوج بي مؤكد ورائه شيء يخفيه "

ثم رفعت رأسي ونظرت لوجهه وقلت " لو كانوا إخوتي

لقلت أنه لن يعنيهم أمري أما أنت فلن تفكر مثلهم بالتأكيد "

تنهد وقال " بالتأكيد لن أفكر مثلهم ولن أبيعك لأي أحد

فقط لنتخلص منك , إنه تاجر خيول كبير ومعروف

صحيح أنه دخل السوق من عامان فقط لكنه فاجئ

الجميع وسمعته كالمسك وخيوله تسمى في السوق بالخيول

المدللة فمن دلل الخيل لا يقسوا على النساء قطعا "

بقيت أنظر للأرض ودموعي تسقط في حجري الواحدة

بعد الأخرى فقال " مي يا ابنتي إن كنتي غير

راضية تصرفت في الأمر "

هززت رأسي وقلت " لن أثني كلمة قلتها له

ولقد تساوت عندي الأمور "

تنهد وقال " رجائي أن لا تندمي يوما ولا أندم على ثقتي

به لكنه اليوم أكد لنا أنه لم يأتي ليبيع ويشتري بفتاة سمعتها

ضاعت ويستغل الوضع بل وضع شرطا على نفسه

يربطك به كل العمر أو يحررك لأشرف منه "

مسحت دموعي وقلت " ولما يفعل هذا لماذا "

قال " لم يفصح عن السبب , إن تعبتِ معه

اتصلي بي فقط وسأرجعك منه لمنزل والدك "

وقفت وقلت " كما تريد يا عمي "

قال بهدوء " سنعقد عليكما الليلة وسيأخذك في وقت

لاحق, مهرك سيكون لك لا أحد يناصفك فيه إلا على جثماني

وسيدفع تكاليف جهازك فاشتري كل ما في خاطرك "

ابتسمت بألم وقلت " هذه الأمور لم تعد تعنيني فلقد

ضاعت أحلامي كأي فتاة بيوم كهذا اليوم "

ثم خرجت من فوري وصعدت لغرفتي ابكي حظي

والساعات الأخيرة لي قبل أن أصبح زوجة المجهول والله

وحده يعلم عجوز أم شاب وأي شاب سيفكر بي وأستغرب

حتى من كبار السن أن يقتربوا مني , طلبت الموت فهل

حقق الله دعائي وسيكون موتي على يديه , توجهت من

فوري لخزانتي وأخرجت الأوراق التي تُدخلهم لي الخادمة

خلسة منذ أيام ومكتوب فيها ( سأخرجك من هناك يا مي

أنا السبب فيما حدث وسأنقدك مما أنتي فيه )

ترى من صاحب هذه الرسائل وما علاقته بمن جاء

اليوم لخطبتي أم هي مجرد مصادفة ومن هذا السبب

أقسم لو أدركه أقطعه بأسناني

************************************************** **

******************************************

عند دخولي اليوم للفصل بعد الفسحة فجعت بورقتي

على لوح الإعلانات , ورقة امتحان مادة الهندسة

التحليلية التي علقها الأستاذ نزار مليئة بالرسوم لقلوب

وكلمات غرامية مني إليه فتوجهت للوح ونزعتها بغيض

ونظرت جهة وجدان التي قالت بسخرية" هل رأيتم بأنفسكم

هي من نزعها فجدي لنفسك جواب حين سيسأل أين الورقة "

قلت بغضب " وأنتي من كتب هذا عليها أليس كذلك "

قالت باستعلاء " بل أنتي من فعل هذا "

ثم نظرت للطالبات خلفها وقالت

" هل قلت كلاما غير صحيح ؟ من يشهد معها "

سكتن جميعهن ينظرن لي بصمت فقالت بسخرية

" ستصل الورقة للمدير ومطرودة يا سما "

لن تصل للمدير ولكن المصيبة أنها ستصل للأستاذ , أي

فضيحة هذه وإن كان يعلم أنه ليس أنا من كتبها ولكن ما

أعرفه أن هذه الأشياء سيئة ولا تجوز , دراستك آخر ما

تبقى لك يا سما وما خسرته كان أعظم منها , توجهت نحوها

وأمسكتها من شعرها بكلى يداي ودخلنا في عراك شديد , سألقنها

درسا قبل أن أغادر علها تخاف من باقي الطالبات أو أخرجها

معي من المدرسة ويرتاح منها الجميع , بعد قليل جاءت

المصلحة الاجتماعية ومعلمتان معها لأن الطالبات أبلغوهم بما

يجري وطبعا حليفتا وجدان لأن الباقي تمنين لها هذا منذ زمن

فكوا شعرها من يداي بصعوبة وبعدها على الفور كنا في

مكتب المدير الذي صرخ من فوره " لا مكان في المدرسة

لكما ولا تشرح أي منكما ما حدث وتتعب نفسها وتبرر

بسرعة تخرجان من هنا "

قلت بهدوء " أعطني ملفي لأن لا أحد سيأتي لأخذه "

أخرجه من المكتبة ورماه على الطاولة بغضب فأخذته وخرجت

وتوجهت لخلف مبنى المدرسة انتظر وقت قدوم الحافلة لأني

لن أستطيع الذهاب سيرا فالمكان بعيد , جلست أبكي كل ما

حل بي منذ داست قدماي هذه البلاد , أبكي فقدي لعائلتي

ووحدتي وخوفي ممن يطاردونني وفقدي لدراستي لحبي

الشديد لها فأي عام سيضيع منها يضيع من عمري , كنت

أضن أن الخالة عفراء ستبقى بجانبي وتبحث لي عن عائلتي

ليأخذوني كما قالت لي وأن هذه المدرسة هي المكان الذي

ستجدني فيه حين تلقاهم لكنها اختفت مثل الجميع وتركتني

وحدي, بعد وقت هدأت من بكائي وتذكرت كلام والدتي

حين كانت تقول لي ( الله لا يموت ولا ينام يا سما يحمينا

ويرانا ويدافع عنا فلا يجب أن نخاف أو نحزن أو نشعر

بالوحدة والعجز ) وما هي إلا جزء من الثانية وكان

الأستاذ نزار قادم باتجاهي فوقفت من فوري متمنية أن أشق

الجدران وأهرب منها فقد يكون قادم لتوبيخي أيضا لعلمه

بالورقة وما فيها

*
*
فتحت الباب بالمفتاح لأني أعرف مكان وضعه له عند

الباب ليدخل أي من معارفه للبقاء مع والدته في غيابه أو

إلقاء نظرة عليها من حين لآخر, عليا أن أعلم منها هي إن

كان ما قالته رهام صحيح أم تكذب عليا لتبعدني عنه

إن كان صحيحاً فستكون والدته على علم بالتأكيد , أغلقت

الباب ودخلت بهدوء حتى وصلت حجرتها وطرقت

الباب فقالت بابتسامة " ادخلي يا دعاء يا ابنتي "

اقتربت منها وقلت " صباح الخير كيف أنتي اليوم "

قالت مبتسمة " الحمد لله مادمت جالسة بأحسن حال أما

إن تحركت عانيت من ألم ساقاي لبعض الوقت "

جلست أمامها وقلت " لا تتحركي إذا إلا للضرورة "

تنهدت وقالت " وهل أتحرك إلا للحمام وبصعوبة بالغة

كم حاولت ترتيب المنزل على الأقل ولم أنجح في ذلك

فيبقى نزار رجلا ولن يلتفت لكل الأمور الصغيرة , زوجة

عوني باركها الله لا تقصر في تنظيفه لكنها أم لأبناء صغار "

قلت بابتسامة " وما الذي أفعله أنا أتركي الأمر لي "

أمسكت يدي وقالت " أقسمت عليك بالله لن تفعلي فلم أتحدث

معك من أجل هذا , فقط كنت أفضفض عن خاطري "

قلت بلوم " لما حلفتِ يا خالة كنت سأفعل ذلك عن طيب خاطر "

قالت وهي تعدل جلستها على الوسائد " يكفيك مسئولية

منزلك وأخواتك , قريبة لي ستزورني هذه الفترة

لا تقلقي بشأن هذا "

نظرت للأسفل قليلا في صمت ثم قلت

" رهام قابلتي وتحدثت معي "

ساد الصمت من ناحيتها فرفعت نظري لها فكانت تنظر

لي بصدمة ثم قالت " وما الذي جاء برهام الآن !

أليست مسافرة منذ سنوات "

تنهدت وقلت " بل عادت منذ زمن وزارتني في منزلي

عدة مرات وآخر مرة أمس في المستشفى وكانت ..... "

قطعت كلامي فقالت بحيرة " كانت ماذا "

قلت بهدوء " كانت تريد مني معرفة إن كان نزار لازال يحبها "

بقيَت مصدومة لوقت وصامته ثم قالت " وما تريده من نزار بعد

كل هذه السنوات وهي من تركته وهما مخطوبان وتزوجت بغيره "

تنهدت وقلت " طلقها ذاك منذ مدة وبقيت هناك مع خالها

وأنهت دراستها وعادت الآن وعلى ما يبدوا تريد إرجاع

أوصال الحب القديم "

هزت رأسها وقالت بحزن " وما تريد منه الآن

بعدما تركته دون أسباب "

قلت بابتسامة سخرية " تقول أنه أخبرها أنه عقيم

ولن ينجب أبناء وترك الاختيار لها وطلبت

مني أن لا أخبر أحدا لكني أضنها تكذب "

نظرت لي برجفة وتغير لون وجهها وبدأت شفتاها بالارتجاف

فعلمت مباشرة أنه السكر ارتفع لديها فاقتربت منها وأمسكت

يدها وقلت " ما بك يا خالة أين حبوب السكر "

زاد العَرق في وجهها واصفرار لونها فأمسكت بهاتفي

برجفة واتصلت بالإسعاف

*
*
توجهت نحوها فوقفت من فورها وعادت بخطواتها للوراء

فأمسكت يدها وأرجعتها حيث كانت جالسة وقلت

" ما الذي حدث يا سما "

سحبت يدها مني وضمتها لصدرها وقالت ببكاء

" لا شيء سأترك المدرسة وانتهى أرجوك لا تسألني عن السبب "

قلت بحدة " ما الذي جعلكما تتضاربان وأنتي تعلمين أن القوانين

تطرد من يفعل ذلك تحت أي سبب كان "

مسحت دموعها وقالت " كان عليا تلقينها ذاك الدرس لأني

خارجة من هنا على كل حال وبمحض إرادتي "

هدئت نفسي لأني أعلم كم تخاف من الجميع وقلت بهدوء

" سما ما حكايتك ستخبرينني الآن وأنا من سيوصلك لمنزلك تفهمي "

هزت رأسها بلا وقالت " ستأتي الحافلة وتأخذني "

تنفست بقوة وقلت بهدوء " كل ما أريده مساعدتك فمما أنتي

خائفة وأين هم والداك وأين تعيشين , الآن أجيبي لأني

لن أتركك قبل أن أعلم "

بقت تنظر لي بصمت وريبة فقلت

" لا تخافي مني أقسم لن أؤذيك , فقط أريد مساعدتك "

قالت بتوجس " ولما تريد مساعدتي "

قلت من فوري " لأني متأكد من أن هناك خطرا يحدق

بك من خوفك من كل شيء "

قالت بريبة " وماذا إن كنت واحد منهم ؟ أنا لا أتق بك "

نظرت لها بحيرة وقلت " واحد ممن !! قولي من هم "

أغلقت أذناها بيديها وقالت برجفة ونظرها للأرض

" ممن يلاحقونني ويطرق بالعصا ليعلم أين مكاني "

كنت أنظر لها بصدمة وكأنني أشاهد فيلما وليس واقع

أمامي ,أمسكت كتفيها وأجلستها حيث كانت جالسة

وجلست بجانبها وقلت " سما لا تخافي مني أقسم أني

لا أعرفهم ولا أريد أذيتك فقولي ما حكايتك وسأساعدك "

نظرت لي بريبة فقلت بجدية " سأساعدك يا سما اقسم على ذلك "

قالت بتوجس " حقا ستساعدني "

هززت رأسي بنعم دون كلام على صوت رنين هاتفي في

جيبي فأخرجته ونظرت للمتصل بحيرة ... غريب ماذا تريد

دعاء الآن هل هي عند والدتي هل حدث لها مكروه يا ترى

فتحت الخط ووضعته على أذني وقلت من فوري

" مابك يا دعاء هل والدتي بها مكروه "

وصلني صوتها صارخة " نزار تعال بسرعة أنا في

الإسعاف والدتك ارتفع عندها السكر ألحقنا للمستشفى "

وقفت بسرعة مغادرا ثم التفتت لها وكانت واقفة , وضعت

يداي على كتفيها وقلت " ابقي هنا حتى أعود لا تتحركي مهما

حدث , والدتي متعبة وعليا المغادرة , لا تغادري

يا سما مهما حدث حسنا "

نظرت لي بصمت فقلت " عديني أنك لن

تغادري حتى أعود "

قالت بشبه همس " أعدك "

ثم غادرت ركضا وركبت سيارتي وتوجهت من فوري

للمستشفى تاركا المدرسة والحصص وكل شيء ورائي

وتوجهت إلى هناك من فوري , وجدت دعاء عند أول

الممر فوقفتْ ما أن رأتني فقلت بخوف

" مابها ما الذي حدث ؟؟ لم يرتفع لديها السكر قبلا "

قالت " ارتفع فجأة وبنسبة كبيرة يحاولون خفض معدله

وصل حتى الـ600وانخفض الآن للــ400 ستكون بخير

أعذرني لأني كنت خائفة ومرتبكة وقد أفزعتك "

قلت بخوف " هل ستكون بخير هل سيؤثر عليها مستقبلا "

قالت " لا أعتقد مادامت لم تعاني منه قبلا وليس لديها

مشاكل في ضغط الدم والقلب "

تنهدت براحة وقلت " هل استطيع رؤيتها "

سارت بجانبي وقالت وأنا أسير معها

" لازال سكرها مرتفعا ما أن ينخفض أكثر تستطيع الدخول لها "

بقيت هناك لساعات ألف على الأطباء واشرح حالتها

وأتأكد أنه لن يتسبب لها هذا بمضاعفات وأصررت عليهم

أن يجروا تخطيطا لقلبها وفحص لنظرها ودماغها ومر اليوم

أركض من ممر لممر ومن طبيب لآخر ولم يرتح لي بال

حتى اطمأننت عليها وسمحوا لي بزيارتها فدخلت لها

واقتربت من سريرها وقبلت يدها وقلت " ما الذي جعل

سكرك يرتفع , أمي لو فقط ترتاحي من الحركة "

قالت بابتسامة متعبة " لن يرتاح قلبي ولو ارتاح جسدي

نزار عد للمنزل وارتاح يكفي أنك أضعت

الحصص اليوم وتعبت النهار هنا "

وكأن تلك الكلمة أيقظتني من سبات عميق , حصص ومدرسة

و... , نظرت لها بصدمة وقلت " سما "

قالت بتوجس " من سما !! "

خرجت مسرعا وأنا أردد " كيف نسيتها كيف "

خرجت ركضا من ممرات المستشفى وركبت سيارتي

ووصلت عند باب المدرسة ثم نزلت ووصلت عنده

وضربته بقدمي لأنه مقفل بالقفل والوقت ليل يستحيل أن

تكون انتظرتني حتى هذا الوقت ولكني طلبت منها البقاء

تحت أي ظرف ترى هل تكون في الداخل وأغلقوا عليها الباب

ولم تتمكن من الخروج , عدت لسيارتي مسرعا وانطلقت

ساعدتها حقا يا نزار لو تركتها على الأقل عادت لمنزلها

مؤكد لن يقبل بها أحد بعد نهار كامل تقضيه في الخارج

آآآآخ هذا إن كان لها منزل أو عائلة , وصلت للمنطقة التي

يسكنها مدير المدرسة وتبعد النصف ساعة وهوا يسكن مقابلا

لجابر فهوا عمه, وصلت المنزل وضربت الجرس ففتح لي

ونظر لي بتوجس وقال " نزار ما جاء بك هنا ولما خرجت

من المدرسة ولم تجب على اتصالاتي !! لقد شغلتني عليك "

قلت من فوري " هاتفي بقي في فناء المدرسة وأريده

لأمر ضروري جدا هلا أعطيتني المفتاح الخارجي

فقط أرجوك سيد منصور "

نظر لي بحيرة ثم قال " لما لا تستخدم هاتفا

عموميا أو هاتف والدتك "

تنهدت وقلت " أريد هاتفي تحديدا الأمر مهم ويمكنك مرافقتي


لن أدخل المدرسة فقط مفتاح الباب الخارجي "

دخل في صمت وكل رجائي أن لا يرافقني هناك , خرج

بعد وقت ومد لي بالمفتاح وقال " اتركه معك حتى

آخذه منك في الغد لديا نسخة احتياطية "

قلت بامتنان " شكرا لك يا سيد منصور وكن على ثقة , فقط

سأخرج هاتفي وسأغلق الباب وأعيد المفتاح لك الليلة إن أحببت "


قال بابتسامة " لا تتعب نفسك غدا آخذه منك "

شكرته مجددا وغادرت ومن فوري ذهبت للمدرسة فتحت

الباب ودخلت متمنيا أنها أخلفت بوعدها وغادرت ولم تبقى

كل هذا الوقت هنا وفي نفس الوقت متمنيا أن أجدها لأنها إن

رحلت فلن تعود ولن أعلم من هم أولائك الذين يطاردونها

وما يريدون منها , توجهت من فوري لخلف المبنى ووقفت

مصدوما حين رايتها تجلس مكانها الذي تركتها عنده في

الصباح حين غادرت

************************************************** **

******************************************

وقفت أنظر له مصدومة , من يضن نفسه هذا ومن يسمح

له بدخول منزلي في غيابي , أي فوضى هذه هل لأنه ضابط

جنائي يعطيه الأحقية في انتهاك حرمات الغير , آخر ما لديك

سمعتك يا أرجوان وهاهي تمرغت في التراب , وقف عندما طال

صمتي وتوجه للباب مجتازا لي وأغلقه فقلت ونظري يتبعه

" هل لك أن تشرح لي ما يجري أيها السيد المحترم "

وقف أمامي وقال " نتفاهم في مصلحة من تناديهم

بأبنائك إن كان أمرهم يعنيك "

قلت بحدة " وأين تضننا ؟ في بلاد الغرب , ينقص أن نشرب

النبيذ معا , أنت تعلم أنه منزل فتاة وحيدة ما سيقول عني

الناس وهم يرونك تدخل وتخرج "

قال ببرود " وما الذي قالوه وهم يرون سائق الحافلة

يفتح الباب ويدخل ويخرج "

قلت بذات الحدة " ذاك زوجته معه في الحافلة لأنها تدرس

في ذات المدرسة وينزل الأولاد أمام مرأى الجميع ويغادر "

قال بسخرية " هذا في مخيلتك فقط , أربع مرات دخل

فيها ولم يخرج قبل الربع ساعة "

بقيت أنظر له بصدمة ثم قلت " ولما يفعل ذلك !! "

جلس مكانه السابق وقال " اسأليه هوا وليس أنا "

بقيت أنظر له بصمت لوقت ثم قلت " والمطلوب مني الآن "

قال بجمود " تعلمين المطلوب ... تتحدثين معهم وفورا "

قلت بذات جموده " ما لديا قلته أخبرني عن أمور خاطئة يفعلونها

تحت مسمى أني من أباحها أو حرمها فأتكلم معهم حالا "

تنهد بضيق وقال " نحن لدينا نظام حياة مختلف فوالدتي لها

مظهر واحد تظهر به أمام الناس وتكره العبث وتخريب

النظام , قد لا تكون أمور خاطئة لكنها تراها كذلك "

ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت " آه فهمت تريدونهم أطفالا كبارا إذا "

قال بتبات " شيء من هذا القبيل ولو في أغلب الأمور "

قلت بسخرية " أنتم كمن يحرث في البحر هل لك أن تقتنع أن

تتصرف كطفل هل يستوعب عقلك ذلك وهل توافقه , إن كنت

تفعلها الآن أمامي تأكد حينها أنهم سيفعلون ذلك ويتحولون

لكبار في ثوب أطفال "

قال ببرود " كنا أطفالا وتحكمنا في تصرفاتنا كالكبار "

قلت بجدية " والنتيجة "

نظر لي بنظرة حارقة وقال " وما تريني أمامك صعلوك

أم خريج سجون أم مهرج "

قلت بهدوء " أعذر وقاحتي لكني أراك صخرة "

وقف ينظر لي بغضب فقلت ببرود " لن أكذب عليك أو

أجاملك لا أعترف بطفل يوضع له نظام قاتل يقتله في النهاية

فيفشل في جميع نواحي حياته مهما كان ظاهره ناجحا "

قال بضيق " ما تقصدين بما قلته "

تنهدت وقلت " أقصد هل لك أن تشرح لي لما هربت حسناء

بأبنائها وأخفتهم عنك وهل يقتنع الأولاد الآن بما تطلبه مني , هل

تقربت لهم خلال هذه الفترة , جلست معهم لعبتم وضحكتم وعلمتهم

ما تريد تعليمهم بطرق يستوعبها الأطفال ؟ هل تعلم عن مشاكلهم

هل تجد لها حلولا غير رميها على الغير ليحلوها لك "

قال بضيق " لن تعلميني أنتي كيف أربي أبنائي والمجرمين

يتحولون لقطط بين يداي ... لا تغتري بنفسك "

قلت بهدوء " آسفة ولكن الأطفال ليسوا كالمجرمين عليك أن

تقتنع بذلك فلا يمكنك تشكيلهم كما تريد خصوصا أنهم عاشوا

وتربوا في غير البيئة التي تتحدث عنها الآن لأن النتيجة ستكون

مؤسفة وإن نجا أحدهم لن ينجى الاثنان الآخران , مستعدة الآن

لتنفيذ ما تريد لكن تأكد أنه لن ينجح الأمر ولن تنتهي المشكلة

فهم في النهاية بشر لهم عقول وليسوا حاسوبا فبالرغم من كل

جهودي معهم حتى الآن لم استطع تعليم ترف الأكل دون فوضى

والنوم لوحدها دون خوف وأن لا تغار من شقيقاها في كل شيء

وخصوصا أمجد فالكمال لا يصل إليه أحد هوا عند الله وحده "

عاد لهدوئه وقال " وما تريده والدتي ليس خاطئا وقابل للتجربة

هي جدتهم ويحق لها ذلك , أنا أتناقش معك كوالدة لهم وليس

فتاة غريبة عنهم فسلوكيات كثيرة غرستِها بهم تعجبني وما

كانت حتى والدتهم ستهتم بها "

تنفست بهدوء بعدما وصلت لمرادي , جيد علمت أنه من

هذا النوع يحتاج لعقل يتعامل معه وليس الغضب والحدة

والعناد, وكيف أستغرب هذا بل كان عليا توقعه منذ البداية

فضابط يتعامل مع القضايا ويحقق فيها ويفك غموضها

سيكون من الذكاء أن يفهمني دون كلام وأن يتحدث بما يأتي

له بالثمار فعلي التعامل معه من طبقته العالية في التفكير

قلت بهدوء " أطلب منك فقط أن تنظر للأمر من منظورك

أنت بقلبك وعقلك أنت يوم كنت طفلا إن رأيت هذا تستسيغه

نفسك يمكنك الآن أن تتصل لي بهم , وإن وجدت ريبة في

قلبك ولو ذرة فتيقن أنه لن ينجح ذلك وأنا تحت أمرك "

وقف في صمت وتوجه جهة الباب ليغادر فالتفتت له وقلت

" كنت أتردد في أن أطلب منك أن أتحدث معهم ولو مرة

ولو أسمع أصواتهم دون أن يعلموا بي لكني الآن

علمت أن ذلك مستحيل "

نظر لي مطولا بصمت ثم فتح الباب وغادر دون كلام

تنفست بقوة وأغمضت عيناي , لو نجح مخططي فسيتركني

أكلمهم بمحض إرادته كي لا يظهر أمامي بمظهر من تتحكم

والدته بتصرفاته وتربيته لهم , كان عليا اتخاذ الأساليب الملتوية

لأني إن قلت له حرفيا والدتك تتحكم بتربيتك لأبنائك لن تكون

النتائج مرضية أبدا , هذا الرجل التعامل معه أمر يتعب الروح

فحتى حركة حدقتي عيناه توتر من أمامه , لا أحسد حسناء

على السنين التي عاشتها معه فهوا يحتاج لعقل أكبر من عقله

ليسيطر عليه ويروضه فهذا الرجل لا ينفع للنساء أبدا

*
*
خرجت من عندها صفر اليدين وأنا من كنت موقن من أني

لن أخرج دون غرضي بالطيب أو بالإكراه , هذه الفتاة

وضعت عقلي في لحظة بين نقطتين صعُب علي ترجيح

إحداهما على الأخرى , لا أنكر أنني في طفولتي كنت

أخالف والدتي وقوانينها الصارمة أحيانا وبالخلسة لكني

مقتنع بما ربتني عليه وصنعت مني الرجل الذي أنا

أريد لكن أبنائي تربوا في غير البيئة التي ولدوا فيها

وأخشى أن تكون النتائج سلبية ونصبح ليس في معتصم

جديد بل أسوء منه فلن أتخيل أن يصبح أمجد مجرما في

المستقبل وأنا من عليا سجنه أو أن تنحرف إحدى الفتاتان

وأذهب بنفسي لاستلامها من قسم الشرطة , يبدوا أني لم

أعتد تحمل مسئولية أبنائي فلم أفكر لحظة أن أجلس معهم

ونلعب ونتحدث , هذه ترهات بالنسبة لي ولن أجد لها وقتا

ولم أعرفها في صغري وكبرت بدونها , كانت حسناء تلومني

دائما لأني أنجبت أبناء لا أراهم ولكنها مسئوليتها هل سأتحمل

معها حتى وظائفها في الحياة , كانت مشاكلي معها لا تنتهي

وما أن أدخل جناحي حتى تستقبلني من الباب ... أمك قالت

أمك فعلت أختك قالت أبنك فعل ابنتك فيها ولديها وتحملني

نتائج كل شيء حتى بات القصر بالنسبة لي جحيم لا أدخله

إلا ليلا لأنام بعدما أتأكد أنها نامت حتى فوجئت بها اختفت

وأبني وابنتاي وكانت النتيجة أن اختفت بهم لسنين , أوقفت

السيارة ونزلت ودخلت المكتب أخذت بعض الأوراق وانتقلت

بعدها لقسم الجوازات بالمطار كجولة تفقدية لسير بحتهم

وغادرت لموقع الشقة التي شهدت الجريمة الجديدة اليوم

وصلت هناك والشرطة تملئ المكان اجتزت الشرائط

الصفراء واقتربت منهم قائلا " هل أقترب أحد من شيء "

التفت لي الواقف أمامي وضرب التحية وقال

" كل شيء حسب الأوامر ولم نحرك شيئا "

اقتربت من جثة السيدة الملقاة أرضا نزلت عند مستواها

كان الدم يملئ شفاهها أمسكت ذقنها وفتحتهما يبدوا تلقت

ضربة قوية على المعدة أو الصدر لكنها لن تكون سبب

الوفاة بالتأكيد قلبت الجثة وكما توقعت كسر في الرقبة أي

وحش هذا الذي يفعل هكذا , وقفت وقلت " انقلوها لقسم التشريح

ووافوني بالنتائج فورا وأريد الشهود عندي في المكتب , توجهت

لداخل غرف الشقة وكل شيء مرتب ليست السرقة الغرض إذا

ولم يفكر القاتل في فعلها كتمويه , اقتربت من المطبخ كان ثمة

كوبا قهوة في صينية تقديم اقتربت وتفحصت الفناجيل , يبدوا

أنها شُرِبت منذ وقت واستقبلت ضيفة من أحمر الشفاه على

الكوب ويستحيل أن تفعل امرأة ذلك بها , خرجت لهم وقلت

" ثمة من زارها اليوم تقصوا من الشهود والجيران عن

الأمر واسألوهم من يزورها دائما و أوفوني بما جمعتموه الآن "

قال وهوا ينظر للورقة في يده " اسمها حياة عامر القصدي

أرملة لديها ابنة متزوجة وتعيش في منطقة بعيدة وابنان

متزوجان أحدهما يسكن قريبا منها ولديها شقيقة وشقيقين

الجيران يتحدثون عن إرث من زوجها ومشاكل مع عائلته

حوله ومشاكل بينهم وبين ابنيها "

قلت مغادرا " أغلقوا الشقة وامنعوا دخول أي أحد لها

أوفوني بأبنائها لمكتبي وكل من اشتبه الجيران بدخوله لها اليوم "

وقضيت النهار في القسم بين هذا وذاك وغيره وعند نهاية النهار

عدت لمدينتي ودخلت القصر منهكا تماما ولكني لم أرهم

منذ يومان وعليا رؤيتهم , اقتربت من غرفة الفتاتين لأن

أصواتهم تخرج من هناك فهم لا يفترقون أبدا إما في غرفة

أمجد أو هوا معهم حتى أنه لا يتضايق من وجودهم ولا من

عبثهم بأشيائه رغم أنانية ترف حياله هوا تحديدا ودونا حتى

عن بيسان , اقتربت من الباب وكانت ترف تجلس معطية

ظهرها لي وبيسان تنام على بطنها على الأرض تلعب

بقدميها في الهواء وأمامها كتاب لقصص مصورة وأمجد

يجلس على مكتب بيسان في الغرفة ولا أحد منهم مقابل لي

سوى المربية التي أشرت لها بأصبعي أن تسكت لأن ترف

كانت تمسك جهاز التحكم الخاص بالتكييف وتضعه على

أذنها وكأنه هاتف وتقول " مرحبا ماما هل أنتي بخير أين

أنتي لم تأتي , أمجد ضربني اليوم أليس هوا رجل والرجل

لا يضرب الفتيات تعالي وعاقبيه , ماما العيد قريب هل ستأتي "

ثم سكتت لوقت وقالت " نعم بيسان بجانبي ها هي "

ثم رمت لها بالجهاز وهي تقول

" ويلك من ماما يا بيسان قالت ستغضب منك كثيرا "

ضحكت بيسان وقالت " هذا ليس هاتف لن تخدعيني "

آآآه حتى متى سيخفون مشاكلهم لتحلها هي لهم وما هذا الذي

فعلته بيسان أيضا , لا اعلم أي سحر ألقته في قلوبهم كي تعلقوا

بها هكذا وبجنون , تنهدتْ بيسان وقالت " ترى هل ستأتي ماما في العيد "

قال أمجد " مؤكد ستأتي وتكون معنا ككل عيد "

قالت ترف بمرح " وستشتري لنا الملابس التي نحبها وتأخذنا

للسوق وتوقظنا في الصباح وتقبل جبيننا وتهنئنا بالعيد "

قالت بيسان بسرور " نعم ونخرج للحديقة ككل عيد ونلعب كثيرا

ونزور خالة سوسن ونلعب مع ماجد وعبير وستشتري لنا هدايا

غير هدايا والدتنا ونلعب بالبالونات ونملئ بها المنزل "

هل ينتظرون كل هذا في يوم العيد ! يالا مخيلتهم فأنا أكون

في مكتبي في القسم حتى في هذا اليوم ووالدتي لن تفعل هذا

ولا زهور ولا المربيات , سنكون في مشكلة كبيرة ذاك اليوم

بالتأكيد, فتحت الباب أكثر ودخلت فوقفت ترف مبتسمة

وتوجهت نحوي فرفعتها إلي وقبلت خدها ثم أنزلتها وقلت

" المربية تشتكي منك يا ترف هل تريدين أن اغضب منك "

قالت بعبوس " هي سيئة لا تحفظ حكايات ولا تحب أن تلعب معي

لعبة الأصابع ولا تتركني استحم بنفسي ... أمجد ضربني بابا "

غريب لأول مرة تشتكي لي من أحدهما ! نظرت جهة

أمجد وقلت " لماذا ضربتها "

وقف من الكرسي وقال " خطت بالقلم في كراستي "
نظرت لها بضيق فقالت بحزن " ماما كانت تعطيني

ورقة من كراسته لأكتب فيها , هوا لا يريد الآن أن يعطيني "

تنهدت بضيق وقلت " أليس لديك كراسة وقلم وكتب تلوين وكل

ما يلزمك فما حاجتك بورقة من كراسته "

قالت بتذمر " بل من كراسته ... لا أريد التي لدي "

تأففت وقلت " بيسان أجلسي جيدا بسرعة "

جلست ثم نظرت لي وقالت

" أريد فستانا أحمر من أجل العيد أخبر ماما تحضره لي "

قلت بجدية " سيأخذكم السائق والمربية والحراس لتشتروا ما

تريدون, انتهى هذا الأمر عند هنا ولا نقاش فيه "

فتحت فمها لتتحدث فقلت بأمر

" ولا كلمة يا بيسان ستختارينه بنفسك ألن يرضيك هذا "

قالت عبوس " ولكن ماما تحضره لي من المصنع كما أحبه

لا أحب تلك التي في السوق "

قالت ترف وهي تنظر للأعلى حيث وجهي

" هل ستأتي ماما في العيد "

قلت ببرود " هي مشغولة في عملها وقد لا تأتي "

أمسكت جهاز التحكم المرمي أرضا وقالت

" سأتصل بها وأخبرها أن تأتي "

هززت رأسي بيأس وأخرجت هاتفي وجلست معهم على

الأرض وقلت " سأتصل لكم بها الآن وتتحدثون واحدا واحدا

ولا تذكروا مشاكلكم التي لا تنتهي مفهوم أو لن تروها في العيد "

قالت بيسان بفرح " حقا سنكلمها "

قفز أمجد جالسا أمامي واحتضنت ترف جسدي من الخلف وهي

تقفز فقلت " ترف أجلسي معنا هنا أو لن تستطيعي محادثتها "

دارت أمامي ووقفت بين بيسان وأمجد وجلست بينهما تحرك

جسدها لتجلس بينهم فدفعها أمجد وقال " ابتعدي يا ترف "

ابتعدت بيسان جانبا وهي تقول " احترموا الإمبراطور يا همجيين "

لم أستطع إمساك ضحكتي وقالت ترف " ستري إن لم أخبر

ماما الآن , ألم تخبرك أن لا تقولي عنا همجيين "

قالت بيسان " وأنا سأخبرها أنك .... "

قلت بضيق " يكفي أو لن تتحدثوا معها "

سكتوا عن الكلام نهائيا فاتصلت بها وأجابت بعد وقت بأن فتحت

الخط في صمت فشغلت مكبر الصوت ووضعت لهم الهاتف

أمامهم فبدئوا يتحدثون معا وترف تبعد رأسيهما لتتحدث هي

فقلت بحدة " ترف "

توقفوا جميعهم عن الكلام فقلت بغضب " ما هذا الذي تفعلنه "

قالت بدمعة محبوسة " أريد التحدث مع ماما "

جاء حينها صوت أرجوان من الهاتف قائلة

" ترف ماذا نفعل حين يغضب منا والدنا "

قالت بحزن " آسفة بابا لن أفعلها مجددا "

قالت " لن أسامحكم على إغضاب والدكم وسأغضب

منكم ولن أكلمكم "

قالت بيسان من فورها " لا ماما نحن لا نغضبه ترف فقد تفعل "

جاء صوتها قائلة " سأغضب منك يا ترف "

قالت ودمعتها سقطت من عينها " لن افعلها مجددا أقسم لك "

جاء صوتها " أمجد كيف أنت بني "

قال بابتسامة " بخير ماما وأدرس جيدا وأستحم كل يوم , الحمام

هنا كبير وجميل لكنهم لا يسمحون لنا باللعب فيه "

قالت من فورها " بيسان بنيتي كيف أنتي "

وتجنبت طبعا أن تخبرهم أن ذلك خطأ ولا يفعلوه , قالت

بيسان " بخير ماما متى ستأتي ؟ هل ستأتي في العيد "

قالت " لا اعلم ... لا تتعبوا جدتكم ووالدكم وكونوا عاقلين حسننا "

قالت ترف " أنا أنا ماما كيف حالي "

ضحكت وقالت " كيف حالك يا ترف "

قربت وجهها من الهاتف وقالت " بخير ماما "

قالت " لا تتعبي والدك بنيتي أو غضبت منك تسمعي "

قالت من فورها " لا والدي لا ... المربيات بلى "

سكتت وكأنها اختفت من الوجود ثم قالت

" هل المربيات من يعتنون بكم "

قالت ترف " نعم ... لا أحبها ماما ليست مثلك "

قالت بحدة " عيب يا ترف كيف تقولين هذا

أنتي متعبة ولا تتغيري "

قالت ببكاء " لا أريد لا تغضبي مني "

لاذت بالصمت فقالت بيسان " مشتاقة لك ماما متى

نراك ونعود لبيتنا "

قال أمجد " وأنا كذلك تعالي في العيد أرجوك "

سكتت سوى من صوت شهقتها الباكية ثم أغلقت الخط

نظروا لبعضهم ثم لي وقالت ترف " أين هي !! "

رفعت هاتفي وقلت " انقطعت المكالمة ستحدثونها لاحقا "

امتلأت عينا بيسان بالدموع وقالت

" لا هي لم تجبنا إن كانت ستأتي في العيد "

قلت بضيق " انتهى عودوا لما كنتم تفعلونه

هيا أو لن تكلموها ثانيتا "

وقفت وغادرت من عندهم وتوجهت لجناحي , يبدوا

المشكلات لن تنتهي , دخلت الغرفة استحممت ولبست ملابس

النوم ونمت من فوري بسبب الإنهاك
*
*
قلت وأنا أصعد الدرجات الطويلة القليلة

" لا لن أتأخر سأتحدث معك لاحقا انتظر اتصالي "

قال ضاحكا " إن لم تكن هنا عصرا قصفت قصركم "

ضحكت وقلت " لا يا رجل ومن أي جبهة "

قال ببرود " معتصم لا أمزح , علينا إنهاء ذلك بسرعة "

قلت من فوري " حسننا وداعا الآن "

دخلت القصر حاملا كيسا كبيرا في يدي وكانت العائلة السعيدة

تتناول الفطور معا فوقفت بالمقربة منهم وقلت

" بيسان تعالي لتري ما جلبت لك "

قفزت من الكرسي تركض نحوي , هههه ستخنقها والدتي

بالتأكيد لمخالفتها الأصول واللباقة وسيصيب هؤلاء الأطفال جدتهم

بالجنون ويخرجون بحق الجميع منها وابنها , وقفت أمامي وقالت

" ماذا أحضرت لي ؟؟ "

قالت أمي بحدة " بيسان "

التفتت لها فقالت " وهل الماما من تسمح بترك

طاولة الطعام قبل الانتهاء منه "

قالت بهدوء " لا "

قالت بسخرية " وكيف خالفتِ الدستور المقدس لديك "

كان جابر في صمت تام ويبدوا والدتي ترميه هوا بكلامها

أمسكت يدها وقلت " هيا كونتيسة علينا تناول الفطور أولا "

عدت بها جهة طاولة الطعام وأجلستها بجواري فقالت ترف

" أنا بجوار عمي معتصم "

نظرت لها والدتي وقالت " ترف كم سنعيد هذا "

قالت بعبوس " ولكني كنـ.... "

قالت أمي بحدة " كنتي وكان وكله في الماضي ولا يجب أن يكون هنا "

لاذت بالصمت فقلت بابتسامة " في المرة القادمة أجلس بجوارك حسناً "

ابتسمت وقالت " وتحضر لي كيساً مثلها "

ضحكت وقلت " بالتأكيد "

وقفت والدتي وغادرت متضايقة وقالت وهي تبتعد

" جابر وافني في غرفتي ما أن تنهي فطورك ومعتصم معك "

نظرت لي بيسان وقالت " ماذا ستفعلون "

ضحكت وهمست لها " سيرقصان على جثتي "

ضحكت ضحكة صغيرة وقالت " وأين تخبئ زوجتك "

ضحكت كثيرا ثم قلت " جثتي وليس زوجتي "

قال جابر " ترف توقفي عن اللعب بالزيتون حالا "

قالت بمرح " كنت أعدها فقط "

ضحكت وقلت " وكم وجدتها "

قالت من فورها " كثيرة "

قلت بجدية " ولكن اللعب بالطعام خطأ صحيح "

قالت بهدوء " صحيح لكني أحبه هكذا "

قال جابر " كلي بترتيب أو عاقبتك يا ترف "

قالت بحزن " حاضر "

جاءت إحدى الخادمات وقالت بهدوء " سيد جابر المدرسون وصلوا "

قال من فوره " حسننا أدخلوهم لمكتبي وسأقابلهم الآن "

ثم وقف وقال " اسبقني لجناح والدتي وسأوافيك فورا "

قلت ببرود " لا بل سأنتظرك في الاستقبال في الطابق هناك "

توجه هوا جهة مكتبه وصعدت أنا من فوري

*
*
توجهت لمكتبي حيث ينتظرني مدرسا أمجد وبيسان

هناك, دخلت وألقيت التحية وتوجهت للمكتب وجلست

على الكرسي وقلت " سألت بنفسي عن مستواهما في مدرستهم

السابقة ... بيسان كانت متفوقة في الرياضيات وأمجد كان

مستواه فوق الممتاز , آنسة وجد هلا فسرتِ لي سبب

تأخرها وأنت هل لاحظت عليه شيء في تدريسك له "

قالت بهدوء " ذات المشكلة سيدي لا تفهم مني أبدا مهما حاولت

وتقول أن والدتها تشرح لها عن جنود ومملكة وإمبراطورية

لا أعرف عن ذلك شيئا ولم أدرسه حياتي "

تنهدت وقلت " هذا الشيء لا يدرسونه في المدارس ولكن

تلك الحقبة الرومانية تسيطر على عقل بيسان فعليك

استغلال هذه النقطة "

هزت رأسها وقالت " حاولت ولم أفلح حاولت فقط أن أفهم

منها طريقتها معها ولم ننجح أبدا , لا حل سوى إرجاع الفتاة

لوالدتها قبل فوات الأوان "

قلت بحدة " واضربيني بالعصا لتعلميني ما أفعله في حياتي "

أخفضت بصرها وقالت " آسفة لم أقصد "

نظرت للذي بجانبها وقلت " وأمجد "

قال بهدوء " يرفض التجاوب معي , كل شيء يقول طريقتك

خاطئة هذا خطأ لم أفهم لم أتعلم وكأني أنا الطالب لديه , هوا

يرفض الفهم وليس أنا من أقصر في تعليمه دروسه "

قلت بضيق " أريد أن أفهم أمرا ... كيف يكون مستواهم في

مدرستهم الجديدة سيئا هكذا ومدرستهم السابقة متفوقان فيها وهي

كانت مدرسة حكومية وبدون مدرسين خصوصيين ولا مشاكل كهذه "

قالت بهدوء " فعلت ما في وسعي ولم أنجح , المواد الأخرى نسير

فيها بشكل جيد الرياضيات لم أعد أعرف حلا لها "

قلت بضيق " وما الفائدة إن كانت مادة سيئة ستضيع كل المواد "

ثم تنهدت وقلت " يمكنكما المغادرة الآن "

خرجا من فورهما ومسحت وجهي بيداي وتنهدت بضيق

كنت أهرب للقصر من هموم عملي وها قد بات هوا أيضا هم

جديد ولم يعد لدي أي مكان يجلب الراحة , وقفت وغادرت المكتب

متوجها لجناح والدتي , صعدت السلالم فأوقفني صوت بيسان قائلة

" بابا أنظر "

التفتت للخلف وقلت بصدمة " من أين لك بهذه الثياب !! "

قالت وهي تلف بفستانها ممسكة القبعة بالشعر المستعار بيد

والأخرى تمسك مضلة صغيرة " لورد معتصم أحضرها لي "

تنهدت بضيق لا أعلم من أي متحف تحصل على هذه وعلى

حجمها تماما, قلت " إلى غرفتك كي لا تراك جدك وتغضب "

قالت بحزن " هل هي ليست جميلة "

ابتسمت وقلت " بلى جميلة بسرعة العبي بهم هناك "

قالت وهي تلعب بالمضلة " قل لماما لا تحضر لي فستان العيد "

قلت بضيق " بيسان هذا تلعبي به في غرفتك في العيد لا


تلبسي هكذا وكأنك خارجة من فيلم قديم "

مدت شفتيها باستياء فقلت " لا يجوز أن تظهري هكذا أمام

العائلة والأصدقاء لأنهم سيجتمعون هنا حينها وجدتك

ستغضب وسيضحكون عليك "

قالت بتذمر وهي تضرب بقدمها الأرض " بلى أريد هذا "

قلت بأمر " قلت لا يعني لا وعودي لغرفتك بسرعة "

غادرت تمسح دموعها وتابعت أنا سيري أتأفف بغضب

ودخلت جناحها ولحق بي معتصم الذي كان يجلس خارجه

دخلنا وجلست بجوارها ومعتصم أمامنا فقالت بجدية

" ثلاث سنوات ضاعت عليك إن كنت لا تدرك "

قال ببرود " بل وشهران وخمسة أيام أعلمهم بالعدد

ولن أسامحكم عليهم "

قالت بضيق " ومن ضيعهم غيرك لقد خيرناك بين

ثلاث تخصصات ورفضتهم "

قال ببروده ذاته " أدرس ما أريد أو لن أدرس "

قالت بغضب " وهل تعي من هوا الخاسر , إنه أنت يا معتصم

من المفترض بك أنك تخرجت الآن بدلا من أن تعيش

عالة علينا وعلى غيرنا "

وقف وقال بحدة " أنا لا أعيش عالة على أحد هذا قصر والدي

وأمواله ولا أحد يمن عليا باللقمة وهناك مرحب بي في كل

وقت ولا أحد ذكرني أني عاله عليه كما تفعلون يا عائلتي "

قالت بغضب أكبر " معتصم متى ستضع عقلك في رأسك "

قال بجمود " أتركوني أعيش كما أريد هذا هوا العقل في الرأس "

خرجت من صمتي وقلت بجدية " معتصم ذاك

التخصص لا يليق بك ولا يناسبك "

أشاح بوجهه جانبا وقال " لستم أدرى مني

بنفسي ثم ما فيه يعيب "

قالت أمي بحدة " كلية الفنون يا معتصم نهاية ذكائك

وتفوقك وسمعة عائلتك "

قال بتحدي " ولن أدخل غيرها وما بها كلية الفنون تعرفون

أني أحب هذا المجال من صغري , والدي نمى

مواهبي وأتيتم أنتم لتقتلوها "

قالت بسخرية " يعجبك حالك تعيش في مزرعة خيول

ترسمهم ليل نهار "

قال بحسرة " حتى الخيول تشعر بي أكثر منكم "

قلت بحزم " علينا أن نجد حلا لهذه المسألة الآن إما تدرس

ما تريد أو ما تريد والدتي , أما أن توقف دراستك

لسنين أخرى هذا لن أرضاه بعد اليوم "

كل ما كنت أخشاه لحظتها أن تقول والدتي إن درس ما يريد

لا هوا ابني ولا أعرفه ولا أريد أن أراه لأني أعرف معتصم

وعناده جيدا سيخرج من هنا ولن يعود لكنها خانت كل توقعاتي

ودخلت غرفتها وأغلقتها خلفها فنظرت له وقلت " معتصم عنادك

هذا لم يأتينا إلا بالمشاكل , ما في الأمر إن درست ما تريد

هي وموهبتك بقيت كما هي عليه "

قال بسخرية " لن ترضى وقتها حتى بريشة الرسم هنا وغير

ذاك التخصص لن أدرس وبغير إكمال دراستي في الخارج

لن أرضى ولن يمنع ذاك إلا موتي "

وقفت وقلت بحدة " هل ترضى أنت أن تربي ابناً

ثم يخالفك حين يكبر "

قال ببرود " التربية شيء وقتل الأحلام شيء آخر "

قلت مغادرا " هذه المشكلة الأولى تخلصنا منها أخيرا

سجل في الجامعة والتحق بها بدلا من ضياع سنينك أكثر

رغم أني لازلت لا أتمنى لك ذلك "

خرجت بعدها من القصر برمته وذهبت للقضايا والموتى

والمجرمين فهموم أرحم من هموم , على الأقل أولائك إما

ميتين أو مجرمين ترميهم في السجن وترتاح ويرتاح رأسك


*
*
لا أعلم كيف أقنع عيناي أن تشبع من النظر هناك

هل تجوع العينان يا ترى وإن كانت كذلك فلما لا تشبع

وتكتفي, هي كما هي لم يتغير فيها شيء سوى حزنها المغلف

بالبرود والصمت ... تقف في شرفة غرفنها , رحمتني أخيرا

وخرجت رحمت ساقاي من الوقوف وانتظارها بالساعات

تقف بفستانها الطويل والشرائط السوداء عند أول خصره

الخصلات الذهبية المتناثرة والأنامل البيضاء تعبث بأزهار

الشرفة, كما كانت دائما حبيبتي تعشق أزهار شرفتها وتغدقهم

من عطرها ولمساتها , كم زهرة أهديت إليك وكم مرة أخبرتني

أنك تعشقين اللون البنفسجي من الأزهار , كم جمعتهم لك وكم

حملتهم إليك حتى باتت حياتي كلها بنفسجية اللون والعيون

كلها عندي زرقاء والشعر إن لم يكن أشقر فليس بشعر

كم امتلكتني رغم أني لم أمتلكك وكم عبثي بمشاعري رغم أنك

لا تعترفين بالحب وكم كنتي حلمي رغم أنك لم تخرجي سوى

من الحلم, مررت أناملي على زجاج النافذة التي أختبئ خلفها

وكأني أتلمس صورتها وكأني أريد أن أتأكد من الوهم أنه خيال

فهي باتت كخيال الخيال , لماذا تزوجتِ به يا زهور وأنتي

تعلمي أن ذاك سيكون مصيرك معه لماذا قتلتني مرتين مرة

بالزواج بغيري ومرة برؤيتي لك تعانين منه بسببي, لماذا وأنتي

تعلمي كل ذلك ... كيف ألقيت بنفسك للجحيم !!

لم تترك عيناي تشبع منها بل لم يتركوها لي لأنها التفتت بسرعة

جهة باب الشرفة حيث أحدهم قد اجتاح عزلتها فغادرت بخطواتها

تتبعها حواف فستانها ودخلت وأغلقت أمام عيناي المشتاقة

ذاك الباب, أبعدت نظري عن الطيف الذي مات مع النور

ونظرت للأوراق الممزقة في يداي , لكم تعشقين تمزيقي

يا زهور , لما تقرئين كلماتي ثم تعودي وتمزقيها

" رضا "

التفتت للخلف حيث مصدر الصوت يد في جيب بنطالي

ترفع أحد طرفي قميصي الخارج منه بإهمال ويد تمسك

شراييني التي تَمزق جزء منها ثم قلت بهدوء

" نعم يا أميرة "

قالت بابتسامة " الغداء جاهز اتصل بك منذ وقت ولا تجيب "

نظرت جهة الطاولة حيث هاتفي صدقوا أني لم أسمعه , نظرت

لها وقلت " كنتِ أرسلتِ لي بتول أو عمر لما تتعبين نفسك "

قالت بابتسامة " وأي تعب هذا ! زيارتك لي تساوي عمري كله "

اكتفيت بالابتسام ونزلت معها بعدما وضعت الأوراق في حقيبتي

فلن تفارقني ما حييت يكفي أنها باتت الذكرى الوحيدة منها

*
*
وضعت قطعة القماش من يدي وقلت

" يبدوا أنني بدأت أفكر جديا في الدراسة "

رفعت رأسها عما في يديها ونظرت لي وقالت بسرور

" وأخيرا وضعتِ عقلك في رأسك "

ضحكت وقلت " وهل ترينني مجنونة , لكن عليا أولا

أن أراجع المناهج التي نسيت أغلبها وسألتحق كمنتسبة

بالامتحانات فقط لأنه لن يتناسب عملي ودراستي ولا

يمكنني خسارته لأنه دخلي الوحيد "

قالت بابتسامة " أراك بثي أفضل بعدما تحدثي مع

الأطفال درجة أنك فكرتي في الدراسة "

قلت بابتسامة حزينة " شعرت أن جزءً مما ضاع مني قد عاد "

تنهدت وقالت " جيد أنهم لم ينسوك لكانت صدمة كبيرة لك "

قلت من فوري " هي مدة قصيرة كيف ينسوني بسرعة هكذا "

قالت بابتسامة " غيرهم وجدوا أنفسهم في ثراء فاحش وعالم

جديد ينسون حتى أنفسهم "

قلت بسخرية " أولئك الكبار يفعلونها الأطفال لا "

ضحكت وقالت " معك حق "

ثم وقفت وقالت " انتهينا أخيرا هيا بسرعة أكاد أنام في مكاني "

ضحكت وقلت وأنا أقف معها " ألا تشبعين من النوم أبدا "

قالت بضيق ونحن نخرج " وهل يترك الأطفال لك وقتا للنوم "

وتابعنا سيرنا كالعادة من حديث لآخر حتى وصلت المنزل وفتحت

الباب ودخلت ثم نظرت تحتي مستغربة , قطعة السجاد هذه لم تكن

هكذا يبدوا أحدهم سحبها بقدمه وهوا داخل !! اقتربت للداخل بتوجس

فوجدت المشهد ذاته قد تكرر السيد المحترم رئيس مكتب الشرطة

الجنائية يجلس على الأريكة في الصالة , لا ويمسك جهاز التحكم

الخاص بالتلفاز ويقلب القنوات وكأنه في غرفته , نظر لي ثم عاد

بنظره للتلفاز وقال " قهوتي متوسطة "



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 21-05-15, 12:27 PM   #12

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل السابع


فتحت الباب بهدوء ودخلت غرفتها ببطء فبعد أن قضت ليلة

البارحة سجينة وحدتها يمكنني الاقتراب منها الآن والتحدث

معها , كانت متكئة على سريرها وتخبئ وجهها تحت ذراعها

فما أن اقتربت منها حتى رفعت رأسها ونظرت لي فابتسمت

وقلت " أردت أن أفزعك وأسترجع ذكريات

الطفولة لكنك أمسكتي بي "

سندت نفسها بمرفقها لتقوم ونزلت من إحدى عيناها دمعة سقطت

على غطاء السرير , وسن طبعها تبتسم صباحاً مهما كان ما

مرت به في اليوم الذي قبله فأن تستقبلني بدمعة يعني أن ما

حدث لا يبشر بالخير أبدا , اقتربت أكثر وجلست على حافة

السرير وساعدتها لتجلس فصحتها يبدوا لي ليست جيدة , استوت

جالسة ثم رفعت لها خصلات شعرها المتمردة دائما عن وجهها

وقلت بقلق " وسن ما الذي حدث ؟؟ "

قالت بابتسامة مغصوبة " ما سيحدث غير الوجع تلو الوجع "

أقسم أن ما حدث بينهما كبير لأنها لم تجبني بكلمة لا شيء

كعادتها, قلت بتوجس " ما الذي قاله لك ذاك المغرور "

ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت بدمعة تترنح على رموشها

الطويلة " قال موتي يا وسن "

ثم ضمت يدها لصدرها وقالت بدموع تنسكب لتتساقط عليها

" حضنني يا فرح , تصوري نواس الذي لم أسمع منه حتى

الكلمات الغرامية طيلة سنوات خطوبتنا ضمني لحضنه "

ثم ضربت بقبضة يدها على صدرها ضربة خفيفة وتابعت بأسى

" ضمني لصدره لحيت منفاي وعذابي وحلمي فما يكون ذلك

يا فرح غير الوداع الأخير وغير نهايتي على يديه "

أمسكتُ يدها بين يداي بقوة أبكي أكثر من بكائها فشدت بيدها

الأخرى على يداي واتكأت عليهم بجبينها وقالت بعبرة " رأيته في

الحلم يا فرح , رأيته يُخرج أخرى من الوحل ويتركني فيه "

فككت يداي من يديها وحضنتها أبكي معها في صمت واتركها

تبث أوجاعها كي تخفف من الألم القاتل في أحشائها , الألم

الواضح على ملامحها رغم صمتها عنه , قالت بوجع

" ويريد أن يبقى يعيلني كالمتشردة ويذر بأفضاله علي , يخاف

على دراستي ومستقبلي وهوا يعلم أني لم أعد سوى جثة

لا ويقول لي أنني قتلته فما سأقول أنا عنه "

وبقيت على ذاك الحال تسرد ما قال لها بوجع وتعقب على كلماته

بوجع أكبر حتى سكتت ثم ابتعدتْ عن حضني واتكأت على ظهر

السرير تتنفس بهدوء فيبدوا لي باتت أفضل بتحدثها عما يضايقها

مسحت على وجهها بيدي وقلت " وسن هل أنتي أفضل

الآن ؟؟ هل أحضر لك الحبوب المسكنة "

هزت رأسها بلا وقالت بهمس " أحضري لي كوب حليب بارد "

وقفت من فوري وتوجهت للمطبخ مسرعة وأخرجت الحليب من

الثلاجة وسكبت منه في كوب وأخذته لغرفتها وحين وصلت لها

لم تكن هناك, بحثت بنظري في الغرفة تم توجهت جهة باب

الحمام واقتربت أكثر فسمعت صوتها تتقيأ فطرقت الباب

وقلت " وسن هل أنتي بخير "

فتحت الباب بعد قليل وأخذت مني الكوب وقالت

" أنا بخير لا تقلقي "

وصلت للسرير وجلست عليه وشربت كوب الحليب دفعة

واحدة ثم وضعت الكوب واستلقت على السري وقالت

" سأنام قليلا "

قلت من فوري " سأتصل بجواد ونأخذك للمستشفى "

قالت بهمس وهي تدس رأسها تحت اللحاف

" أنا بخير يا فرح لا تجعليني أغضب منك "

تنهدت بيأس وقلت " أنتي تضرين نفسك يا وسن فذاك

الجلمود لن يضره شيء فكوني مثله أو أقوى "

قالت من تحت اللحاف " أغلقي الباب خلفك سأنام وأكون بخير "

خرجت وأغلقت الباب , كنت أود التحدث معها في موضوع سفر

جواد وأنه يريد أخذي معه لكن يبدوا الوقت غير مناسب

*
*
كنت اتكأ بمرفقاي على لوح السياج أراقب جواد

ومعتصم وهما يدربان الفرس , لوحت لهما بيدي وقلت

" أنزل يا جواد ليركبها معتصم بعدك يكفيك هذا يجب

أن تتبادلا ركوبها "

لوح لي بيده ثم نزل وركبها معتصم ورن حينها هاتفي فوليتهم

ظهري وأجبت من فوري قائلا " أجل يا معاد ماذا حدث معك "

قال مباشرة " كل الأمور تسير على ما يرام حصلنا على كل

كمية النشارة والقش وبالسعر الذي نريده "

قلت بابتسامة صغيرة " جيد أترك الباقي لي وسأستلم

البضاعة منهم بنفسي ما أن تنزل الميناء "

قال " هي مقاربة لجودة البضاعة المحلية وبسعر أقل

منها وستوفر عليك الكثير "

ابتسمت وقلت " شكرا لك يا معاد أنت رجل يُعتمد عليه "

قال بصوت مبتسم " وأنت تستحق , وداعا الآن ونلتقي قريبا "

قلت من فوري وأنا أنظر للقادم نحوي " وداعا واعتني بنفسك جيدا "

أغلقت منه الخط على وصول وليد عندي , ضرب كتفي بيده

وقال " من يراك لا يصدق أنك تزوجت البارحة "

لكمته على كتفه لكمة صغيرة وقلت " أنت بالذات تسكت ولا تتحدث "

هز رأسه وقال " حتى الآن لم أقتنع بما تفعله يا نواس "

لففت للخلف وعدت للاتكاء على السياج ونظرت جهة معتصم

وجواد وقلت " بل هوا عين الصواب ليس من أجلك وحدك بل من

أجل الرجل الذي لو بعت سمعتي من أجله ما وفيته أفضاله "

قال بهدوء " والدها مات فما سيغير ذلك في الأمر "

أنزلت رأسي للأرض وقلت " لكن سمعة الرجل لا تموت مهما

طال الزمن وما طلبه مني مقابل لما فعل لي لا أستطيع رده

فيه ولا على رقبتي ثم هل كنت ترى فكرتك أنت لإخراجها

هي الصواب , كنت ستزيد الأمر سوءً بتهورك ولا تفتح

الموضوع معي مجددا يا وليد كم مرة سأعيدها "

وقف بجانبي وتنهد وقال " لو لم يضن أولئك الأوغاد أنها

شقيقتي ما حدث كل ذلك بسببي "

نظرت لوجهه وقلت " لآخر مرة أسالك يا وليد هل لهذا السبب

فقط كنت تريد إخراجها من هناك وإنقاذها من بطش إخوتها

أم ثمة شيء في قلبك لها "

أنزل رأسه للأرض وقال " نعم لذاك فقط ولا تجعل الأفكار

تتحكم في حياتكما وعش معها كزوجين حقيقيين ولا تذبحها

فوق ما هي مذبوحة يا نواس "

أبعدت نظري عنه ولذت بالصمت فقال بهدوء

" وكيف أقنعتهم أنك لن تطلقها من فورك "

قلت ونظري للبعيد " أمر تفاهمنا فيه بيني وبينهم "

توجه جواد ومعتصم حينها ناحيتنا فقلت بهمس

" أنا أتق بك يا وليد لا أحد يسمع بسبب زواجي بها مهما طال بنا العمر "

قال بذات الهمس " لا تقلق سأفعلها من أجلها وليس من أجلك طبعا "

ابتسمت ابتسامة صغيرة ولذت بالصمت على وصول معتصم أولا

قفز لخارج السياج وقال " هيا يا وليد إلى الإسطبل أمامي وفورا "

ضحك وليد وقال " أنت لا تنسى أبدا "

وضع يده على كتفه وقال وهما يسيران معا مبتعدان عني

" طبعا لأنه دورك هذه المرة هل ستهرب "

اقترب مني جواد وقف مستندا مثلي بالسياج وهوا داخله واقفا

بجانبي وقال بهدوء " هل أخبرت والدتي بزواجك "

قلت بذات الهدوء " وقبل أن اذهب إليهم "

تنهد واكتفى بالصمت فقلت بشبه همس " هل أخبرت فرح بذلك "

أنكس رأسه للأسفل وقال " لا طبعا فشقيقتها لم تتجاوز يوم

الأمس بعد لتخبرها بهذا الخبر "

قلت بابتسامة باهتة " لا أعتقد سيعنيها الأمر فوسن تغيرت كثيرا يا جواد "

قال بسخرية " بل قناع يلبسه كل واحد منكما أمام الآخر "

ثم نظر لوجهي وقال " لقد أدرجوا اسمي ضمن بعثة الطلبة للدراسة

في الخارج وسأبدأ بالإجراءات وآخذ زوجتي معي "

نظرت له وقلت بضيق " جواد سبق وأخبرتك أنه علينا أن نقنع

والدتي بالعيش معي هنا أولا ومن ثم سأسفرك على حسابي "

وقف على طوله مبتعدا عن السياج وقال " ولما تكلف نفسك

والبعثة موجودة ولا تنسى أنها ستوفر لي ميزات

أكبر من دراستي على حسابك الشخصي "

ثم قفز خارج السياج وقال " ووالدتي كما تعلم لن تقتنع بترك

منزلها مهما حاولنا وشيء آخر والدة فرح سيأخذها شقيقها معه

لقرية عائلتها حيث أشقائها جميعهم أي أن وسن بين أمرين أن

تذهب مع زوجة والدها أو تعيش مع والدتي , هذا إن لم تركب

دماغها العنيد وأصرت على أن تبقى في شقتهم لوحدها "

قلت بحدة " أي هراء هذا لن تذهب لتعيش مع الغُرب ولن

تعيش لوحدها وأنا حي وأتنفس ولن تكون إلا مع والدتي

فهي خالتها وقريبتها الوحيدة "

هز رأسه وقال بحيرة " إن كانت تكاليف دراسة وبعض النقود

والطعام لم تعد تقبلهم منك كيف ستأخذها هناك أو هنا وتبقى

وزوجتك معها , ارحمها منك يا نواس "

قلت بضيق " لا تزدني على ما بي يا جواد أقسم أن النيران تلتهم

ضلوعي التهاما وها قد قلتها لك ولغيرك لم ولن أقلها , وعلينا أن

نجد حلا أو لن تسافر لأي مكان وستعيش معك أنت وزوجتك "

نظر جانبا حيث منزل المزرعة وقال ببرود " أتركها تتزوج

إذا , أنا أعلم أنها خُطبت منك أكثر من مرة وأنك رفضت "

عدلت وقفتي ونظرت باتجاهه وقلت بحزم

" لا فهذا ليس وقته الآن "

نظر لي وقال بضيق " أنت وتزوجت فاتركها تأخذ نصيبها "

قلت بحدة " ليس قبل أن تنهي دراستها وأقنعها

بالعلاج على حسابي تفهم "

ابتسم بسخرية وقال " تضحك على نفسك يا نواس , أنت لا

تريد أن تزوجها لا لك ولا لغيرك فلن تستحملها نفسك

بينما أنت ضربتها بها ولم تكترث "

قلت ببرود " أسبابي مقتنع بها ولا يجب أن يقتنع غيري "

كان سيقول شيئا لولا رنين هاتفه بنغمة أعرف جيدا لمن

تكون, أخرج هاتفه وأجاب من فوره قائلا " نعم يا فرح "

سكت قليلا وغضن جبينه ثم قال " ما بها "

نظر بعدها نحوي ثم قال " نعم "

استمع قليلا ثم ابتعد عني بضع خطوات , مؤكد هي طلبت

منه أن يبتعد عني والموضوع يخص وسن بالتأكيد

*
*
ضربت الأرض بقدمها وقالت بحدة " وسن عليك أن

تليني دماغك هذا , جواد في الطريق وسيأخذك حالا "

قلت بضيق " فرح أنتي تري بعينيك أنني بخير فأخبريه أن لا يأتي "

تأففت ثم قالت ببرود " هوا قادم في كل الأحوال فوالدته تعبت

البارحة وسأذهب ووالدتي لنراها فهل ستأتي معنا "

نظرت لها بحيرة وقلت " ما بها خالتي "

رفعت كتفيها وقالت مغادرة " قال تعبت كثيرا البارحة

وهي أفضل اليوم , نواس في حظيرة بغاله يمكنك الذهاب معنا "

ابتسمت بحزن وأنا أراقبها تغادر ... فرح لن تحب نواس مستقبلا

مهما فعل لهما هي وشقيقه , ليتها تعطيني قلبها ولو بالمال

غيرت ملابسي ولبست حجابي وبعد نصف ساعة كان جواد

تحت العمارة ينتظرنا , نزلنا وركبت وفرح في الخلف وزوجة

والدي في الأمام ثم انطلق بنا ونظر لي جواد في المرآة الأمامية

وقال " كيف حالك يا وسن "

قالت بابتسامة صغيرة " بخير لا تكترث لفرح كثيرا فهي

تحب مشاهد أفلام الإثارة والغموض "

ضحك وقال " المهم أن تبتعد عن أفلام الرعب "

ضربته بقبضة يدها على كتفه وقالت " أفلام القتل والإجرام

محطتي القادمة فما رأيك "

وعلى مشاكساتهما مرت الطريق , لا أعلم كيف سيعيشان في بيت

واحد, وصلنا منزل خالتي وفتح لنا جواد الباب ودخلنا وقضينا

عند خالتي ساعتين , كانت ملامحها متعبة ووجهها مصفر

لكنها تقول أنها بخير , يبدوا لي حدث معها شيء البارحة

سبب لها كل هذا التعب فوق تعبها , وقفنا جميعا لنغادر

بعدما تناولنا العشاء فقالت خالتي " وسن ابقي معي الليلة

بنيتي مشتاقة لك وأنتي لم تزوريني منذ مدة "

قلت بعد صمت " حسنا "

ابتسمت ومدت لي بيدها لأجلس بجوارها وغادروا جميعهم

فجلست بجانبها ونمت في حضنها , الحضن الوحيد الحبيب

لي بعد والدتي ووالدي فأنا بث أجدهما فيه وأجد حتى نفسي

فيه معهم , كنت أنتظر أن أعيش معها بزواجي من نواس ولكن

هكذا شأت الظروف , كم أود أن أكون معها وأعتني بها ولكن

هذا بات مستحيلا فلا أريد مقابلته على الدوام هنا ويكفيني ما

بي, كانت تمسح على شعري بحنان ثم قالت

" وسن بنيتي كيف تتركين دراستك وتتعبيني فوق تعبي "

قلت بحزن " فلنترك الحديث في هذا حتى الغد خالتي أرجوك "

تنهدت واكتفت بالصمت وقضينا الليل نتسامر ونتجنب الحديث

عن المواجع بجميع أنواعها ونِمت معها في غرفتها وجواد نام في

المزرعة الليلة , لا أعلم رغبة منه أم ليترك لي الحرية في المنزل

عند الصباح استيقظت مبكرا ووجدت خالتي في الحمام والممرضة

تنتظرها عند الباب فلبست حجابي وخرجت من الغرفة ودخلت

الحمام الفردي ثم توجهت للمطبخ حيث الخادمة وهي محببة

لدي جدا لأنها عربية مسلمة تحافظ على صلاتها ومحترمة

دخلت ووجدها تعد الإفطار فقلت مبتسمة

" صباح الخير ما كل هذا النشاط "

ضحكت وقالت " وهل توجد خادمة كسولة "

ضحكنا معا وساعدتها ونحن نتبادل الأحاديث فسمعنا باب

المنزل يفتح ويغلق , مؤكد هذا جواد لأنه قال لوالدته أنه سيمر

بها صباحا , أنهينا كل شيء وحملت صينية الفطور وقلت

" سآخذها أنا معي لا تتعبي نفسك "

خرجت بها من المطبخ وحين اقتربت لغرفة خالتي سمعت

صوت جواد وهوا يقول لوالدته " وما الذي سيتغير في الأمر "

كنت سأعود أدراجي للمطبخ حين سمعت خالتي تقول بضيق

" يتغير الذي يتغير ... لما الاستعجال هكذا يتزوجها من أول

زيارة له لهم كان أجل الأمر قليلا , شقيقك هذا قد فقد عقله "

أحسست حينها بالأرض تدور تحتي وقدماي تتخلى عني , حاولت

تثبيتهما فانتقلت الرجفة حينها ليداي ووقعت الصينية مني على الأرض

************************************************** **

******************************************
اقتربت منها فوقفت من فورها فقلت مباشرة

" أمازلتِ هنا !! كيف لم تغادري "

قالت " ألم تطلب مني أن لا أغادر ووعدتك "

مررت أصابعي في شعري وقلت

" أنا آسف انشغلت ونسيت أنك هنا "

قالت بدموع تلمع في عينيها الواسعة تحت ضوء القمر

" كلكم تنسونني , كل من يقول بأنه سيساعدني يتركني وينساني "

أمسكت كتفيها وأجلستها وجلست على مسافة منها ثم قلت

" كانت والدتي متعبة جدا وكنت معها في المستشفى

وما أن تذكرتك تركتها هناك وأتيت ... أنا آسف حقا "

هزت رأسها بحسنا وهي تمسح دموعها بطرف كم

زيها , ليست فقط مراهقة بل تبدوا طفلة , قلت بهدوء

" لما لم تنتقلي أماما حيت الأضواء ألم تخافي وحدك هنا "

هزت رأسها بلا وقالت " لم أخف ومما سأخاف "

قلت بابتسامة " ما أعرفه أن الفتيات يخفن من الظلام

فكيف إن كان ظلام وفي المدرسة "

قالت بنبرة حزينة " ليستْ أقل ظلاما من هناك "

بقيت أنظر لها بحيرة فقالت " هل تؤمن بالأشباح "

قلت بعد صمت " لا قطعا ولكني أؤمن بالجن "

قالت " ومن يكونون هؤلاء "

قلت من فوري " مخلوقات مثلنا يعيشون معنا ولكنهم يروننا

ويسمعوننا ولا نراهم ولا نسمعهم سوى في بعض الحالات "

ضمت يداها لصدرها وقالت " إذا أنا أسمعهم "

بقيت أنظر لها بصدمة لوقت ثم قلت " سما ما قصتك "

أنزلت يديها وأمسكت بحقيبتها وقالت " هل ستصدقني وتساعدني حقا "

قلت بجدية " أعدك أن أساعدك يا سما ألا تثقين بوعدي "

قالت " أمي كانت تقول لي أن من أخلف وعده

اكتسب إحدى صفات المنافقين "

هززت رأسي بنعم مبتسما وقلت " أجل فهوا إذا

حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "

لاذت بالصمت فقلت " احكي لي حكايتك وسأصدقك وأساعدك "

قالت بهدوء " ولكن الخالة عفراء قالت لي أن لا أتق في الرجال

ولا أقول سري ومكاني لأحد منهم ومن سألني أهرب منه "

أقسم أنها طفلة أكثر من سنها وعليا كسب ثقتها أولا , قلت

بهدوء " عليك أن تتقي بي لأساعدك , لو كنت أعلم من

تكونين وأريد إيذاءك ما سألتك ولا انتظرت حتى تحكي لي

سما لو بقيتي هكذا لن تجدي حلا لمشكلتك "

نظرت للبعيد بشرود وقالت بعد صمت " كنت ووالداي وشقيقي

سامي نعيش في الهند منذ ولدت , والدي لديه مصنع هناك ولدينا

منزل كبير جدا وأموال كثيرة لكن والدي كان يخاف علينا كثيرا

حتى أنه لا يسمح لنا بالخروج وحدنا ولا الاحتكاك بأحد خصوصا

الرجال وحين نخرج يمنعنا من ارتداء الحلي أو الثياب باهظة الثمن

حتى التلفاز لم يكن يتركنا نشاهده لأنه ضد ما يعرض فيه , هذا

العام جئنا للعيش هنا ومعنا خادمة وابنتها لأنها أصرت إلا أن

تأتي معنا وتوفيت بعد وصولنا بقليل وابنتها بقيت معنا, والداي

كانا يحبانها ويعاملانها كأنها واحد منا , سجلنا والدي في مدارس

خاصة وبعد شهرين بدأ والدي بجلب أمواله وباع مصنعه هناك

ووضع المال في قبو المنزل وعلّمنا كيف نفتحه ونغلقه وكيف

ندخل ونخرج وأين ينتهي "

امتلأت عيناها بالدموع فمسحتها وقالت " وبعد شهر كنت في

الفناء الخلفي للمنزل حيت هناك عش صناعي للحمام تطعمهم

والدتي فيه ويأتوه من كل مكان , كانت والدتي تحب الحمام وفي

منزلنا في الهند كان لدينا واحد مثله يشبه البرج وأبيض اللون

كان الوقت عند المغيب وطلبت مني والدتي أن أضع الحبوب

لأن هذا الوقت يكون فارغا ولم يعد لدينا خدم لأن والدي صرفهم

جميعهم وقال بأننا سنسافر قريبا , عندما كنت هناك سمعت أصوات

رجال فنظرت من باب البرج فكان ثمة رجال بملابس سوداء يخفون

وجوههم قفزوا من سور المنزل وبدؤوا بالدوران حوله "

ارتجفت يداها فضمتهم لصدرها ونظرت للأسفل وقالت

" كنت خائفة كثيرا ولم أتمكن من الخروج , تمنيت أن نبهت

والدي ليخرجوا أو ذهبت إليهم ليحدث لي ما سيحدث لهم "

مسحت دمعة نزلت من عينها وتابعت " بعد وقت قصير اختفى

أولئك الرجال وسمعت جلبة كثيرة في الداخل ثم هدأ كل شيء

فانتظرت أن يخرجوا من حيث جاءوا وطال الوقت ولم يخرج

أحد وبعد ذلك بوقت طويل سمعت أصوات لصفارات سيارات

الشرطة تقترب وتقترب حتى بات صوتها داخل أذناي وعاد

الضجيج وصوت كسر للباب , خرجت من البرج واقتربت من

المنزل لأني ضننت أن الشرطة جاءت لتمسك باللصوص الذين

ظننت أنهم جاءوا لسرقة المال ولم أتخيل أنهم جاءوا لسرقة

عائلتي مني, اقتربت من إحدى نوافذ الطابق الأرضي لأنه كان

مليء بالنوافذ ورأيت رجال الشرطة يخرجون والداي وشقيقي

وابنة الخادمة على حمالات ويغطونهم بأغطية بيضاء"

بدأت دموعها بالنزول وقالت بحقد " كانوا يكشفون وجه والدتي

ويقول أحدهم ( تعالوا وانظروا للجمال الميت ) ويضحك

ويضحكون معه وكأنهم يحملون دمى وليس عائلة قُتلت بدم

بارد بل ولم يكلفوا أنفسهم عناء القبض على المجرمين الذين

لازالوا يلاحقونني ولم يتساءلوا أين أنا "

قلت بشبه همس " هل قتلوهم جميعهم !! "

مسحت دموعها وقالت " لست تصدقني أليس كذلك "

هززت رأسي بلا وقلت بجدية " بل أصدقك يا سما تابعي ما حدث

وأين ذهبتِ بعدها ولما لم تتحدثي مع الشرطة ليأخذوك معهم ويحموك "

قالت بضيق " لن يحدث أبدا , لن يحموني أولئك ميتين القلوب , لما

لم يفتقدوا هم ابنة هذه العالة , كل ما فعلوه أنهم بقوا في المنزل لأكثر

من يوم وأخذوا عائلتي ثم أغلقوا الباب الخارجي فقط وغادروا

أكرههم وما كنت سأطلب مساعدة أمثالهم "

قلت بهدوء " وما حدث معك بعدها وكيف تعرفتِ على

المدعوة عفراء وهل هي قريبتك "

هزت رأسها بلا وقالت " لا هي ليست قريبتي ولم أرها سابقا

فبعد مغادرة الشرطة دخلت المنزل , كانت تعمه الفوضى

وكأنهم بحثوا عن شيء فيه , رتبت المنزل وأنا أبكي ولا أعلم ما

أبكي بالتحديد ثم جلست في الصالة وحدي أحضن المصحف حتى

صباح اليوم التالي حين دخلت عليا سيدة لا أعرفها قالت أنها صديقة

والدتي وأخذتني معها لشقتها البعيدة عن منزلنا , حكيت لها كل ما

حدث معي فقالت لي أنها ستبحث عن عائلتي ليأخذوني وأن لا أخبر

أحد بما يجري معي وأن لا أخرج أو أتحدث مع أحد , يبدوا لي

كانت تعرف أشياء عنهم وكان زوجها سيئا يضربها دائما ويرجع

في الليل يغني ويتمايل ولا أعرف لما يكون كذلك في الليل فقط

كانت تطلب مني أن أسجن نفسي في غرفتي ليلا ولا أفتح الباب

مهما حدث ومهما ضربها وصرخت , كنت أتجنبه طوال الوقت

وأسجن نفسي في غرفتي كلما كان في المنزل , الخالة عفراء هي

من سجلتني في مدرستي الجديدة ولا اعلم كيف استطاعت ذلك

وهي من كانت تهتم بي وتحبني وطلبت مني أن لا أترك دراستي

أبدا لكي تجدني هنا عندما تعرف مكان أهلي , بقيت معها لشهرين

وفي إحدى الليالي فتح زوجها باب غرفتي ولا أعلم من أين جلب

المفتاح , كان يترنح في مشيته ويقول كلمات لم أفهمها , حاولت

الهرب منه فأمسك ساقاي وأوقعني أرضا "

سكتت ترتجف فقلت بصدمة " ماذا حدث يا سما ماذا فعل "

هزت رأسها وقالت " كان يسحبني ولا أعلم لما لا .... "

توقفت عن الكلام فتأففت وقلت بضيق " ماذا ؟؟ قولي "

قالت بعد صمت " لا أعلم لما كان يسحبني "

قلت بضيق أكبر " ماذا فعل أيضا سما تكلمي "

قالت بهمس " لا شيء "

قلت بعد صمت " لا شيء أبدا !! "

بقيت تنظر لي باستغراب ثم قالت " ما تقصد !! ما

الذي كان يريد فعله "

تنهدت وقلت " شيء يبدوا أنك لا تعرفينه وكنتِ ستتعرفين

عليه بطريقته النجسة لولا ... "

بترت جملتي ثم قلت بحيرة " وماذا حدث وكيف ابتعد عنك "

رفعت يداها وكأنها تمسك شيئا وأنزلتهما للأسفل وقالت " جاءت

الخالة عفراء وضربته بالمزهرية على رأسه ووقع أرضا "

قلت من فوري " وما حدث بعد ذلك "

قالت بهدوء " طلبت مني مغادرة منزلها حالا والهرب والعودة

للمنزل والبقاء في القبو وأنها ستتفاهم مع سائق الحافلة يأتيني

أينما أنا أحدد له فخرجت من شقتها وركضت في الشوارع كثيرا

كي لا يستيقظ زوجها ويلحق بي , نمت تلك الليلة في الشارع عند

سور أحد المباني وفي الصباح ركبت سيارة أجرة بالأموال التي

معي وطلبت منه وضعي حيث يمكنني الوصول للباب الخارجي

للقبو حيث يبعد عن منزلنا بعض الشيء وهوا بين الأشجار

وبقيت هناك أعيش فيه حتى اليوم لشهرين كاملان , لم أرى

الخالة عفراء بعدها ولم تزرني ولم تعد تجيب على اتصالاتي

وهاتفها مقفل دائما ولا أعرف عنوان شقتها "

قلت " ولما لم تخبر هي الشرطة عنك "

رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم "

بقيت لوقت أنظر للأرض أستجمع في رأسي ما قالته ثم

نظرت لها وقلت " وكيف تعيشين وحدك هناك "

قالت " لا مكان لي غيره وتوجد هناك نقود كثيرة جدا أشتري

طعامي من مقصف المدرسة وتوجد إنارة موزعة في جميع

أماكن القبو ولكل جهة منه مفتاح وحدها , كنت أعيش جهة

السلالم التي تأخذ للمنزل والباقي مظلم "

ثم تابعت بخوف " هناك أشخاص يتهامسون في الليل في

تلك الجهة أسمعهم بوضوح "

نظرت لها بصدمة وقلت " من ؟! "

قالت " كنت أضنهم أشباح وأنت قلت أنه لا وجود لهم "

بقيت أنظر لها بحيرة ثم قلت " وما قصة الذين يبحثون

عنك والعصا والطرق "

حضنت نفسها بيديها وقالت " هناك من يبحث عني في المنزل

ليلا ويطرق بعصا على الأرضية ليعلم أين باب القبو لكنه

لا يُفتح إلا ببصمات أيدي عائلتنا "

تنفست بقوة ... يا إلهي وكأنني في قصة من الخيال !! صحيح

أني أتعاون مع جابر في حل بعض قضاياه لكن هذه كلها ألغاز

محيرة , كنت سأسرد عليها الملايين من الأسئلة التي أحتاج

إجابتها لكن هذا المكان ليس مناسبا أبدا , وقفت وقلت

" هيا قفي معي يا سما لنغادر "

وقفت وقالت " أين ؟! "

قلت من فوري " ألم أعدك أن أساعدك وأنا

سأساعدك حتى نجد عائلتك "

قالت من فورها " ولكن أين سنذهب "

قلت بهدوء " لمنزلي الليلة وفي الغد نرى ما سنفعل "

بقيت تنظر لي بصمت فقلت " سما لا تخافي مني

أنا لست من الذين يطاردونك تأكدي من ذلك "

اعلم أن هذا مصدر خوفها الوحيد أما أن تخاف مني كرجل هذا لا

تعرفه ولا تفكر فيه أبدا , مددت يدي وأمسكت يدها وسرت بها

بخطوات سريعة وهي في صمتها لم تتحدث , خرجنا من المدرسة

وأغلقت الباب وفتحت لها باب السيارة وقلت " اركبي يا سما ولا تخافي

والدتي ستخرج غدا من المستشفى وتبقين معها حتى نجد أهلك "

ركبت السيارة بتردد كبير فأغلقت بابها وركبت أنا أيضا وما

أن أغلقت بابي حتى فتحت بابها ونزلت , خرجت من السيارة

وقلت " سما لا تخافي مني ما بك "

هزت رأسها وقالت " لا أريد سأعود لمنزلنا لتأتي الخالة عفراء "

تنهدت وقلت " ولما تثقين بها و بي لا "

لاذت بالصمت فأخرجت المسدس المرخص الذي أعطاه

لي جابر وحركت زناده ثم مددته لها وقلت " جاهز للإطلاق

إن فعلت لك شيئا فاقتليني به "

بقيت تنظر ليدي بحيرة ثم فتحت باب السيارة وركبت دون أن

تأخذه مني فركبت السيارة وأعدت المسدس مكانه , لقد تصرفت

كما توقعت فما كنت سأعطي المسدس لمراهقة صغيرة قد تؤذي

به نفسها قبلي , انطلقنا في صمت من كلينا لأن بالي كان مشوشا

وكل الأفكار تأخذه وترجعه , أتمنى أن لا أكون تهورت وسأجلب

لنفسي مشاكل أنا في غنى عنها ووالدتي لا أحد لها غيري , لكن

هل كنت سأترك هذه الفتاة بعدما علمت منها ما علمت , نظرت

لها فكانت تنظر ليديها في حجرها وتمسك حقيبتها فقلت بهدوء

" سوف آخذك للمنزل الآن تنامي وترتاحي وغدا عليا معرفة

أمور كثيرة منك ولدي صديق في المباحث الجنائية

سيساعدنا كثيرا "

نظرت لي وقالت " يعني شرطي "

تنهدت وقلت ونظري للطريق " سيساعدنا فقط يا سما لن

يأخذك ولن يستلم هوا زمام الأمور حسناً "

عادت بنظرها لحقيبتها وقالت " لا أريد مقابلته "

قلت بضيق " سما كيف سنعلم حقيقة ما حدث إذا "

قالت بعبرة " خذني لقبو منزلنا إذا "

تنهدت واكتفيت بالصمت فليس هذا وقتا مناسبا لنناقش هذا فيبدوا

أن عناد المراهقات مركز لديها ولكن عليها التجاوب مع جابر

وسأعلم منه مجريات الجريمة فمؤكد هوا استلمها , ما يحيرني

وهوا كثير كيف لم تبحث الشرطة عنها هل ظنوها تلك الفتاة

الهندية ولكن يستحيل مؤكد تلك ستكون طفلة , وما قصة عفراء

تلك وكيف علمت عن مكانها وكيف دخلت المنزل وما صلتها

بالذين يبحثون عنها بل وكيف تحصلت على ورقة تثبت أن

والدا سما أعطاها تصريحاً بإدخال ابنتهم لثانوية السيد منصور

ولما لم تستخدمها في إخراجها من مدرستها الأولى وغيره

الكثير والكثير , نظرت لها مجددا وقلت " هل تريدين

شيئا أشتريه لك يا سما , أقصد شيء تحتاجينه الليلة

حتى نذهب غدا لجلب أغراضك "

أنزلت رأسها أكثر وقالت " جائعة فقط وأريد النوم "

نعم يالا غبائي كيف نسيت أنها لم تأكل شيئا اليوم

نزلت لأحد المطاعم واشتريت عشاءً لها وعدت للسيارة

وغادرنا للمنزل لأنه بات قريبا

*
*
لا اعلم لما أشعر بالأمان معه بقدر شعوري بالخوف منه !!

ماذا لو كان أحد أولئك المجرمين وسيسلمني لهم وماذا إن

كان يكذب علي وسيسلمني للشرطة ليهملوا القضية ثم يرموني

في دار الأيتام , وصلنا منزلا صغيرا جدا بالمقارنة بمنزلنا , نزل

من السيارة وتوجه لبابي وفتحه وقال " انزلي يا سما هنا منزلي

الليلة فقط وغدا ستأتي والدتي من المستشفى "

تردت كثيرا لكن ما باليد حيلة سأسلم قدري لهذا الرجل يصلحه

أو يدمر ما تبقى منه , نزلت أتبعه فتح الباب بالمفتاح ودخلنا , كان

هناك ممر طويل قليلا اجتزناه فكنا في صالة متوسطة الحجم بها

باب واحد يمينا يبدوا غرفة ودرج ملاصق لها يؤدي للأعلى

وفي اليسار بابين يبدوان واحدا مطبخ والآخر حمام , شغل

الإضاءة وقال " لا يوجد في هذا الطابق سوى غرفة والدتي

بسرير طبي , الغرف في الأعلى الحقي بي "

ثم توجه من فوره لتلك السلالم وتبعته ببطء وصعدنا للأعلى

كان في الأعلى ممر طويل به أربع أبواب فتح ثاني باب ودخل

ووضع الكيس هناك وقال " هذه غرفتي نامي هنا الليلة حتى أجهز

لك الغرفة الأخرى غدا أو تنامي مع والدتي , الطعام في الكيس

والمطبخ في الأسفل فيه كل ما تحتاجينه , يوجد حمام في الغرفة

هنا وفي الأسفل , سأذهب لوالدتي الآن لأراها وحين أعود

سأنام في الطابق السفلي حسنا "

هززت رأسي بحسنا فقال " إن كنتي خائفة اتصلت بها

فقط وغادرت صباحا "

هززت رأسي بلا دون كلام فخرج من الغرفة ونزل السلالم

وغادر, دخلت الغرفة أحضن حقيبتي ونظرت لها كانت نظيفة

ومرتبة وهناك صور على الحائط لمخططات هندسية وأدوات

هندسية أيضا , كانت بسرير واسع ومكتب ومكتبة متوسطة الحجم

مليئة بالكتب والمذكرات الهندسية والأوراق الملفوفة وكأنها مكتب

مهندس وليس غرفة نوم , اقتربت من السرير ووضعت حقيبتي

عليه وضحكت في نفسي ... من كان يتصور أن أدخل منزل

الأستاذ نزار وأنام في غرفته , تُرى لو تعلم وجدان ما ستفعل

لا أعلم لما دائما مخططاتها تنقلب ضدها , سمعت صوت معدتي

تتحرك من الجوع فأمسكتها وابتسمت وحمدت الله أنه ليس هنا

وسمعها , ماذا لو كانت قصة والدته غير حقيقية وذهب لجلبهم

لي أو تسليمي لهم ؟ لا أعلم لما لا أثق به ! وكيف سأثق بأحد

بعدما رأيت , ولكنه قال أن له صديق في الجنائية وتحدث مع

تلك المرأة المسماة دعاء أمامي وأخبرته عن والدته , من تكون

تلك يا ترى هل هي زوجته ! لكن أين تكون إذا وهوا قال يعيش

ووالدته فقط قد تكون خطيبته أو ....آه لا أعلم وما علاقتي أنا

نزلت للأسفل حاملة معي كيس الطعام , دخلت المطبخ كان

صغيرا ومرتبا وضعت الكيس على الطاولة وبحثت عن الأطباق

وباقي الأدوات وفتحت الثلاجة وأخرجت العصير وجهزت الطعام

على الطاولة وجلست أتناوله وقد عادت الهواجس والمخاوف

تسيطر على عقلي وكل خوفي أن أكون سلمتهم نفسي بنفسي

*
*
فتحت باب غرفتها ببطء ودخلت وما أن وقع نظري عليها

حتى ابتسمت وقلت " ظننتك نائمة !! كيف تشعرين الآن "

قالت بابتسامة صغيرة " بخير بني هل نمت وارتحت "

اقتربت منها وقبلت رأسها وقلت " لم يغمض لي

جفن حتى الآن "

قالت بلوم " نزار لما تحب إتعابي على تعبي "

جلست على طرف السرير وأمسكت يدها وقبلتها وقلت

" ولما تُتعبي نفسك فأنا بخير "

تنهدت وقالت " لو كنت أم ولك ابن لعلمت معنى ما أقول "

لذت بالصمت أنظر للأرض فقالت " نزار لما تركتك رهام "

نظرت لها مطولا بصدمة ثم قلت " أمي ما مناسبة هذا

الموضوع الآن "

قالت بتعب " أجبني يا نزار هوا سؤال خطر في بالي "

تنهدت وقلت " يمكنك السفر لها وسؤالها هذا السؤال

فحتى أنا لا أملك جوابه ولا يعنيني "

قالت من فورها " ألم تتحدثا قبل تركها لك ؟ أصدقني

القول بني وأَقسم قبل أن تتحدث "

قبلت يدها وقلت " أقسم أنها الحقيقة وأني لا أعرف السبب

ولا أريد معرفته لأني خمنته دون أن تقول "

قالت " وما هوا ؟! "

ابتسمت وقلت " يبدوا جابر أصابك بعدواه "

ابتسمت وقالت بحنان " أين هوا لم يعد يزورنا

هذا على أساس وعدني أن أتعرف على أبناءه "

قلت مبادلا لها الابتسامة " تجديه الآن يشد شعر رأسه منهم

الأطفال ليسوا مسئولية سهلة خصوصا من غير زوجة ولا أم "

قالت ببرود " أمامه الزوجة والأم ولكنه يغمض عينيه "

ضحكت وقلت " يبدوا لي أنك وراءه وراءه حتى تزوجيه بها "

قالت بضيق " ولما لا ... هي ربتهم وتحبهم وتعودوا عليها وفتاة

وصغيرة فما المانع غير أنكم أنتم الرجال رؤوسكم كالصخر

وأجبني بسرعة عن السؤال الذي تهربت من إجابته "

قلت بابتسامة " حسناً فقط لا تتضايقي من أجل صحتك أمي

رهام تزوجت غيري من أجل المال والسلطة , وجدت بي

فرصة لها وحين وجدت الأفضل مني تركتني "

قالت بضيق " لو كان أفضل منك ما طلقها "

نظرت لها بحيرة وقلت " وما يدريك أنه طلقها "

قالت بضيق " نزار هل مازلت تفكر بها "

ضحكت وقلت " لا طبعا فلما فسرتِ هذا التفسير "

قالت بذات ضيقها " ولما إذا سألت هذا السؤال "

قلت من فوري " أنا استغربت فقط كيف علمتِ

وهي مسافرة من سنوات "

قالت بلامبالاة " علمت ولا يهم كيف , إنسا الموضوع هي

لم تستحقك يوما بني "

قبلت يدها مجددا وقلت بابتسامة " وحدك تستحقينني أليس كذلك "

ضحكت ضحكة متعبة وقالت " بل بنات الكون

ملايين وفيهم الكثير يستحقونك وليس أنا "

نظرت ليدها في يدي وقلت بهدوء

" أمي ثمة فتاة نائمة الليلة في منزلنا "

طال صمتها فنظرت لها فكانت تنظر لي بصدمة فتابعت

" هي يتيمة وتمر بظروف صعبة بل بمشاكل كبيرة وأنا

وعدتها أن أساعدها قبل حتى أن أعلم قصتها "

قالت بصدمة " فتاة وفي منزلنا !! "

قلت " نعم هي الآن .... "

قاطعتني بضيق " نزار أين عقلك كيف تجلب فتاة لا تعرفها وقد

تكون ورائها مصيبة وتلصقها بك وأضنك تفهم ما أقول "

قلت بجدية " لا أمي لا مصائب ورائها من النوع الذي في

بالك ولكني لن أتخلى عن مساعدتها حتى أجد أقارب

والدها أو والدتها وأسلمها لهم "

قالت بضيق " نزار تتوقف عن الجنون فورا

وتعيد الفتاة من حيث جئت بها "

قلت بضيق مماثل " أمي الفتاة قتلوا والداها وشقيقها أمام عينيها

ويطاردونها هي أيضا فهل أتركها وهي وثقت بمساعدتي لها "

قالت بحدة " وهل كل ما نسمعه نصدقه ؟ ماذا لو كانت لعبة

منها وتجد نفسك غدا في قسم الشرطة بتهمة شرف أو

تسرق المنزل وتهرب "

ضحكت وقلت " أمي من أين لك بكل هذه الأفكار يبدوا أن

جابر أثر عليك بما نقوله أمامك "

تأففت ولم تتحدث فقلت بهدوء " قصتها حقيقية

ومتأكد منها اطمئني "

ثم وقفت وقلت " الطبيب قال بإمكانك الخروج غدا , سآتي

مبكرا لأخذك قبل ذهابي للمدرسة ولا تخبري أحد ولا حتى

دعاء بقصة الفتاة لأني سأقول للجميع أنها قريبة لنا "

فتحت فمها لتتحدث فقلت " أمي اتركي كل شيء للغد حسناً "

تنهدت بضيق ولاذت بالصمت فقبلت رأسها وخرجت وعدت

من فوري للمنزل , دخلت وكان هادئًا تماما فتوجهت من

فوري لغرفتي حيث تكون سما , عليا إخبارها أني سأقول

أنها قريبتي وأن لا تتحدث مع والدتي حتى أعود من المدرسة

كي لا تقسوا عليها أمي بكلماتها وترحل , طرقت الباب عدة

مرات ولا جواب , هل نامت يا ترى ؟!

طرقت الباب بقوة أكبر ولا شيء , فتحته ببطء ونظرت للسرير

فكان فارغا , فتحت الباب بوسعه فلم تكن في الغرفة والحمام

مفتوح فنزلت للأسفل ركضا وتوجهت للمطبخ ولم تكن هناك

ما كان عليا تركها وحدها كيف لم يخطر في بالي أن تُغير

رأيها وتترك المنزل


************************************************** **

******************************************

وقفت أنظر له بغيض , ما الذي يريده هذا الرجل وها هوا في

كل مرة يتمادى أكثر من سابقتها , عملي ثم منزلي والآن يطلب

القهوة وكأنه منزله أو مقهى , قلت بضيق" أود سؤالك فقط

لو كانت شقيقتك أو إحدى ابنتيك مكاني هل كنت ترضى

لهما ما يحدث الآن "

قال ببرود ونظره على التلفاز " هل يرضيك أن اجلب معي

سيارات المباحث وأفراد مكتبي ونحدث شوشرة في الحي

زيارتي لك في المصنع لم تعجبك فكيف تريدين أن أتحدث معك "

قلت من بين أسناني " هناك اختراع اسمه هاتف إن كنت لا تعلم "

رمى جهاز التحكم وقال " هذا أمر لا يكون التحدث فيه في الهاتف

ولا تنسي أني في المرة الماضية حدثتك في الهاتف ولم نصل

لنتيجة فأنتي الملامة الوحيدة فلا تلقي باللوم علي "

قلت بسخرية " يا سلام أصبح كل شيء الآن بسببي ما رأيك

لو أزورك في مكتبك فكرة أفضل أليس كذلك "

قال بحدة " أرجوان انتهى النقاش في هذه النقطة "

نظرت له بصدمة كادت تخرج معها عيناي , يا عيني وأرجوان

حاف هكذا , ما هذا الهمجي صدقت بيسان حين كانت تردد هذه

الكلمة على تصرفات إخوتها لأن البعض يستحقها

قلت ببرود " حاضر يا سيد جابر "

نظر لي مطولا بصمت فذكاءه كفيل بفهم مغزى كلامي

أشاح بنظره عني للتلفاز وقال ببرود " رأسي يؤلمني

فلم أشرب القهوة اليوم "

لا أعلم قالها ليتجاهل ما قلت أو ليذكرني أنه طلب القهوة

سابقا أو ليوضح لي سبب قوله اسمي دون رسميات , تنفست

بقوة بل بغيض ودخلت المطبخ وأعددت له كوبا من القهوة

أتأفف كل حين , انظري ما ألتي إليه يا أرجوان رجل غريب

في منزلك لا وتضيفينه أيضا , لا ينقص الآن إلا أن يدخل

علي أحد الجيران وتكون نهايتي , لابد وأنه عاد ليقنعني

مجددا بالتحدث معهم , هوا ووالدته لن يرتاحا حتى يأتيان

بأجلي, خرجت له بكوب القهوة ووضعته أمامه على الطاولة

وقلت " في المرة القادمة اشرب قهوتك في منزلك "

ثم قلت مغادرة جهة السلالم " أغلق الباب حين تغادر "

وصلني صوته قائلا " سوف آخذك لزيارة الأطفال "

وقفت جامدة مكاني ثم التفتت ناحيته وكان ظهره لي

يشرب القهوة فقلت بهدوء " ولما !! "

وضع الكوب على الطاولة وقال " عليك زيارتهم سريعا "

كل الأفكار حينها سافرت بي وأعادتني وتلتها مخاوفي فقلت بتوجس

" هل أحدهم به مكروه هل ستتركون البلاد ؟! ماذا هناك "

وقف وقال " بيسان تراجعت للصفر في الرياضيات وأمجد بدأ

مستواه يتراجع تدريجيا وترف تتعب الجميع , كل مخالفاتهم يتسترون بها

على بعض ليحكوها لك ما أن يروك والمشاكل تتراكم في السر ولا تُعالج "

قلت بهدوء وأنا أنظر له معطيا ظهره لي " بيسان لا تفهم الرياضيات

إلا بطريقة واحدة وقد تحدثت عنها في الورق , أمجد كان متفوقا دائما

كيف تتراجع درجاته هكذا أما ترف فما تزال صغيرة وتحتاج لوقت

لتصبح كأخويها فبيسان في سن ترف كانت أسوء منها "

التفت ناحيتي وقال " المعلمة الخصوصية لبيسان حاولت وعجزت

معها أريدك أن تُفهميها على الطريقة وأمجد يُتعب المدرسين وينتقدهم

وكأنهم طلبة لديه وأصبحت تصرفاته عدوانية في المدرسة , ترف تشتد

عنادا يوما بعد يوم وتتعب المربية حتى في تدريسها , لم ألجا لك

إلا لأني جربت كل الطرق ولم تنجح "

لذت بالصمت فقال " هم يُصرون على وجودك في العيد

معهم فهي فرصة لنبحث سبيلا لحل مشاكلهم "

هززت رأسي بلا وقلت بعينان تمتلئ بالدموع

" آسفة يا سيد , أن أحاول معك لحل مشاكلهم لا بأس لكن أن

تقتلني وأنا ميتة لا , أنت لا تعلم ما أقاسي حتى الآن ولم أعتد

على غيابهم فأن تأخذني لهم لأيام ثم ترمي بي خارج منزلك وترجع

بي لنقطة الصفر أبدا لن يحدث , سأذهب من أجلهم لكن أن أبقى

لأيام لا وألف لا ... يكفيني عذاب أرجوك "

تنفس بقوة ثم قال " والحل , لقد تعبت معهم لا والدتي انصاعوا

لها ولا أنا يعتبرونني والدهم , يعيشون عالم هم فيه لوحدهم

وينتظرون أن تجتاحيه لتجبري كسوره, إن لم أكن

خائفا على مصلحتهم ما أتيت "

لذت بالصمت فقال " لما لا نجري اتفاقا ... أنتي تعملي الآن

لتوفري لقمة العيش لك لما لا تكوني في القصر عندنا بدلا من

المدرسين والمربيات وتتقاضي راتبهم جميعا لكن بشرط

كل شيء على نظام والدتي "

قلت ببرود " أعذرني لن أدوس النار بقدماي مجددا فهم في

النهاية ليسوا لي وفي أي يوم ستطردونني إن أنت أو والدتك

وأعود أسوء مما كنت "

قال بضيق " لا أخرج منك بنتيجة أبدا , تعلمين أن الأطفال

متعلقين بك كثيرا وتستغلين ذلك يا آنسة "

قلت بضيق أكبر " لا يا أناني أنا أفكر بنفسي أيضا لأنها

ستكون المتضرر الوحيد , ثم ما تعني بأني أستغل

ذلك لما لا تتكلم بوضوح "

قال بحدة " أعني تضغطين علي لأرجعهم لك "

قلت بغضب " واهم لن آخذهم من والدهم وهوا أحق مني بهم

وسيحميهم مما أعجز أنا عن حمايتهم منه , أقسم أني بقدر

حزني عليهم سررت أن لهم أبا مثلك "

نظر لي نظرة غريبة في صمت , ويحي ما هذا الذي قلته كيف

سيفهمه الآن , قلت بهدوء وخجل " أعني رجلا في مركزك

سيحميهم وخصوصا الفتاتين "

غادر من أمامي ووقف بالمقربة من الباب وقال ونصف وجهه

مقابل لي " أنتظرك في السيارة عند أول الشارع , أعلم أنك

لن ترضي أن يكون لأحدهم مشكلة لديك حلها وتبخلي , سوف

آخذك وسأعيدك متى أردتِ ذلك وعرضي ما يزال قائما "

قلت بهدوء " سأذهب ونرى حلا لذلك وأعود اليوم وعرضك

لن أفكر فيه مطلقا , وابتعد بسيارتك قدر الإمكان

أرجوك لا أريد مشاكل "

التفت إلي وقال " إن تكلم معك أحد بسوء أعطني اسمه فقط "

قلت بسخرية " لن أدخل المنازل لأسمع الأحاديث الخفية ولولا

الأولاد ما قبلت بكل هذا ولو كان ثمنه موتي أو قتلتك "

ابتسم ابتسامة صغيرة وقال " لو لم أكن أعلم أنك من هذا

النوع ما دخلت منزلك في غيابك ولا أخذتك لأولادي

سأنتظرك أمام باب منزلك ومن له لسان ليتحدث "

ثم خرج من المنزل وتركني أغلي كالبركان , يفعل ما في

رأسه ولا يهتم مهما شرحت وقلت وأعدت , أخذت حقيبة يدي

من على الأريكة حيث وضعتها عند دخولي وخرجت من المنزل

وكان كما قال أمام الباب بسيارته , نعم فهوا لن يمس سمعته شيء

ولما سيهتم بي وبما سيقال عني فلست أقرب له ولا اعنيه في شيء

هذه نهايتك يا أرجوان وتركبين معه السيارة أيضا , تنهدت بضيق

وأغلقت باب المنزل , سأعتبره سائق تكسي فكلاهما رجل ولم

أفعل شيئا جديدا , ركبت السيارة في صمت وانطلق يتحدث

بهاتفه طوال الطريق ويصرخ ويتأفف بغضب , مما مخلوق

هذا الرجل لا يعرف حتى الابتسامة , منذ قليل في منزلي حين

ابتسم تغيرت كل ملامحه وظهرت وسامته فلما يعشق أن يكون

بشعا ومخيفا هكذا , أعان الله من ستتزوجه عليه بل علمت الآن

من قتل حسناء بالبطيء , بعد مسافة لا بأس بها وصلنا للمدينة

المجاورة للعاصمة ودخلناها وسار بعض المسافة ثم دخلنا

شارعا بمنازل راقية جدا وبه قصر كبير على الطراز القديم

في نهاية الخمسينيات , لا يشبههم تماما ولكنه يقرب أن يكون

مثلهم, هل يسكن في هذا الحي يا ترى ؟؟ لا بد وأن بيسان

ملتصقة بالنافذة طوال الوقت تشاهد هذا القصر فهذه الحقبة

من الزمن جنونها الحقيقي ولكن المفاجأة أنه دخل بي لسور

القصر ذاته !! هل هذا هوا منزله ؟!

كنت أنظر لكل شيء بدهشة ... ما كل هذا العالم الخيالي

والخدم والحراس , صدقت سوسن حين قالت أنه من الجيد

أن الأطفال لم ينسوني , هذا ونحن في الخارج ففي الداخل كيف

سيكون ! وقفت السيارة عند باب القصر وفتح لنا الأبواب

الحرس الشخصي أو لا أعلم ما يكونون , نزل من فوره

ووقف ينتظرني فنزلت ببطء وتوجه هوا للداخل يقول

" اتبعيني يا آنسه وأنت يا علاء جهز لي السيارة

الخاصة بعملي لأني سأعود هناك حالا "

دخلت أتبعه ... كل شيء في الداخل لا يقل فخامة عن الخارج

كتلك القصور تماما , الخشب المحفور والأثاث وحتى اللمسات

البسيطة , اللوحات وتوزيع الأثاث ونقوش الأعمدة والأقواس

وأشكال الأبواب , غريب من هذا الذي ورثت منه بيسان

هذا الهوس ! هل تكون هذه الصخرة أم والدته وقد يكون

والده فهوا لم يتحدث عنه ويبدوا ميتا

توجه بعدها ناحية السلالم الضخمة بل المخيفة أعمدته وكأنها

جذوع أشجار عالية ... النقوش في خشبه العريض وكأنه سلالم

لوحده , توجهت خلفه أصعد ببطء ووقع نظري على الثريا المعلقة

في الجزء الموجود خلف السلالم , كانت وكأنها نجوم تتدلى من

السماء , غريب هذا القصر يبدوا مزيجا بين الحاضر والماضي

أي فنان هذا الذي صممه هكذا وفكر فيه بهذه الطريقة !

تجاوزنا الطابق الثاني وصعد بي للثالث , لا أعلم لما يكون

قصرهم بكل هذه الفخامة ولا يوجد مصعد يوصلك للأعلى

مباشرة أم يريد أن يتعبني , لكنه رغم ضخامته درجاته متقاربة

ومريحة , وصلنا الطابق وتوجه بي لممر معين وما أن وصلناه

حتى خرجت ترف تركض من إحدى الأبواب تبدوا هاربة من

أحدهم وفي يدها شيء ما لم أستطع التأكد ما يكون لأن عيناي

امتلأتا بالدموع ما أن رايتها , كانت تركض ونظرها للخلف

وما أن رأتنا حتى رمت ما في يدها وصرخت

بكل صوتها " ماماااااااااا "

وركضت مسرعة نحوي فنزلت جالسة على الأرض من

خور قواي وارتمت هي في حضني تصرخ بفرح وتنادي

أمجد الذي خرج يركض من الباب ذاته الذي خرجت منه

وارتمى هوا أيضا في حضني وتعلق في عنقي يبكي وما هي

إلا لحظات وخرجت بيسان من باب آخر ترتدي فستانا من

فساتين أحلامها الذي لم أستطع توفيره لها كما تريد , كان منفوشا

وطويلا ومتدرجاً كفساتين الكونتيسات , ترتدي قبعته بباروكة

الشعر وفي يدها مظلة ما أن رأتني حتى رمت المضلة وركضت

لتقع القبعة خلفها وأصبحوا ثلاثتهم في حضني كالحلم الذي لم

أتخيل أن يصبح حقيقة كالسنوات التي ضننت أنها رحلت ولن

تعود , كنت أحضنهم بقوة وأبكي ... كم اشتقت لكم يا أبنائي

وكم اشتاق لكم هذا الحضن وكم تعبت من فراقكم , بعدها

همست لهم بصوت مبحوح من البكاء " حيوا والدكم بسرعة "

ابتعدا أمجد وبيسان عني وقالا معا " مرحبا بابا "

وبقت ترف متعلقة في حضني فقلت " ترف بسرعة تحركي "

ابتعدت عني ورفعت يداها له وقالت " مرحبا بابا "

رفعها من ذراعيها وقبل خدها وأعادها للأرض ويبدوا

اعتادت على هذه الحركة منه , قال بعدها " سأغادر الآن

لأمور ضرورية وسأعود وقت حضور المدرسين

لا تتعبوا والدتكم مفهوم "

قالوا معا بمرح " مفهووووم "

ثم غادر على صدمتي من كلماته فلم أتوقع منه أن يبقى يعترف

أمامهم أني والدتهم رغم أنهم هم ذاتهم يعلمون أني لم أكن أمهم

ويضنونني شقيقتهم , سحبتني بيسان من يدي وهي تقول

" تعالي ماما لتري غرفنا "

وقفت معها أسير ببطء ... نعم هم لم ينسوني لكن هذا العالم

سينسيهم منزلنا ذاك بالتأكيد , دخلنا لغرفة فخمة بسريرين

كانت واسعة جدا حتى أن السريران بالكاد يظهران فيها

بها مكتب صغير للدراسة وخزانات كبيرة وأريكة طويلة

وكراسي تجلس على أحدهم فتاة تبدوا في نهاية العشرين

وقفت وحيتني باحترام فأجبت تحيتها , لابد وأنها المربية

لكن الغريب أنها لم تلحق بالأطفال وقت خروجهم

هل هي ممنوعة من مغادرة الغرفة أم ماذا ؟!!

جلست على الأريكة وبدأ ترف و بيسان بجلب كتب التلوين

ومجلات الأطفال والحلي الصغيرة المناسبة لهم ويرونني

إياها فقلت بابتسامة وعيناي تمتلئ بالدموع

" جميل كل شيء رائع هنا أليس كذلك "

هزوا رأسيهما بنعم وقال أمجد من فوره " لكن منزلنا هناك أجمل "

نظرت له باستغراب فقال " هنا كل شيء ممنوع هناك أفضل "

قالت بيسان " لا يسمحون لنا باللعب في الحديقة , جدتي تغضب

إن ركضنا في غير ممر غرفنا ولا تريد أن ننزل السلالم بسرعة

أمجد تزحلق عليها فوبخته ولا تتركنا نأكل البطيخ وحبوب

الرمان بأيدينا ولا أن ..... "

قاطعتها قائلة " بيسان لا يجوز أن تتحدثي عن جدتك هكذا "

قالت بدمعة محبوسة " هي لا تحبك ماما وتقول كلمات لا أفهمها "

قلت بضيق " بيسان لا تجعليني أغضب منك

جدتكم تحبكم لا تغضبوها "

لاذوا بالصمت ثم قالت ترف " لا أحب المربية ماما "

نظرت لها حيث جالسة بعيدا فابتسمت وهزت رأسها وقالت

" لم أعرف كيف أتصرف معها وأجعلها تتقبلني "

نظرت لترف وقلت بهدوء " ولما لا تحبينها بنيتي انظري

لها جميلة وعيناها جميلتان وتحبك "

هزت رأسها بلا وقالت " هي لا تتركني ألعب في الحمام وأتوضأ

كثيرا مثلك ولا تحب القصص والحكايات وتغضب مني دائما

وتقول أني مُتعبة وتهددني وتخبر والدي عني فيغضب مني "

مددت يداي لها فنامت في حضني فحضنتها بقوة وقلت

" إن لم تحبيها فيعني أنك لا تحبينني "

طوقت خصري بيداها الصغيرتان وقالت " لا أحبك ماما "

قبلت رأسها وقلت " إذا لا تتعبيها حبيبتي وستحكي لك

القصص وتتركك تتوضئي كما تريدين "

ابتعدت عني وقالت بمرح " إذا أحبها وعليها أيضا أن لا تمسك

لي شعري بالمشابك لا أحبهم وتلعب معي لعبة الأصابع مثلك

ولا أريد أن تمسكني وأنا أشاهد من الشرفة و.... "

واشتغلت كالمذيعة دون توقف , نظرتُ للمربية فهزت رأسها

بقلة حيلة وقالت " ليس الأمر بيدي أوامر السيدة الكبيرة كثيرة

وصارمة وهم لم يستوعبوها "

لذت بالصمت فقالت " انفصال الوالدان يتعب الأبناء دائما "

قلت بابتسامة " لست والدتهم ولا انفصال بيننا "

قالت بإحراج " آسفة ظننتك والدتهم "

رن بعدها هاتفها فأجابت عليه ثم وقفت وقالت

" السيد سمح لي بالمغادرة اليوم لقد سررت بمعرفتك "

قلت بابتسامة " وأنا كذلك شكرا لك "

وما أن خرجت حتى قالت ترف " ماما امجد

يضربني ولا يعطيني ورقة من كشكوله "

نظرت لأمجد وقلت " أمجد ألم نقل انك رجل وهي صغيرة "

قال بتذمر " لديها كتب تلوين كثيرة أحضرها بابا لها

وحدها لما تأخذ مني "

قلت بجدية " عليك إعطائها إياها "

ثم نظرت لترف وقلت " سأخبر والدك يأخذ

كتب التلوين لأنك لا تحتاجينها "

قالت باعتراض " لا .... أنا أريدها "

قلت " لا .... ستأخذين من كراسة أمجد وتلك لم تعد لك "

قالت بعبوس " لا ماما "

قلت " إذا "

قالت بحزن " لا أريد ورق كراسته "

ثم نظرتْ جهة أمجد وقالت " أمجد يسهر على التلفاز ماما "

نظرت له بضيق فقال من فوره " لا ماما هي مرتان فقط

ووبخني والدي ولم أعدها "

فنظر لبيسان وقال " هي تقول عنا همجيين وتأكل الشكلاتة

كثيرا وكسرت علبة التلوين الخاصة بي و.. "

قاطعته بيسان قائلة " أنت رميتني بها وقلت للمربية أني من كسرها

من تلقاء نفسي , أنا رميتها عليك وارتطمت بالحائط و... "

قلت بضيق " ولما تتركون كل هذا لتخبروني به

ولا تخبروا والدكم "

لاذوا بالصمت فقلت " بعض المشاكل تافهة المربية تتصرف فيها

أما الأمور الكبيرة تخبروا والدكم عنها فأنا لن أكون هنا دائما تفهموا "

قال أمجد "والدي دائما غير موجود لا نراه أبدا إلا لوقت قليل جدا "

قالت بيسان " نعم هوا لا يجلس معنا "

قلت " هذا لأنه مشغول دائما ليوفر لكم كل هذه الأشياء الجميلة

التي لديكم , هوا يسهر ويتعب هل تضنونه يحب التعب

هذا من أجلكم لأنه يحبكم "

قالت ترف " ماما لما لا تبقي معنا "

قلت بهدوء " لا أستطيع حبيبتي لا يمكن

هذا منزلكم وليس منزلي "

قالت بيسان " إذا نذهب معك "

قالا أمجد وترف معا " نعم "

قلت بحدة " بيسان لا تكرري هذا ولا أسمعه من أي منكم

ولا تعيدوه خصوصا لوالدكم تفهموا "

ثم قلت بحزم " إن علمت أنكم قلتم هذا لأحد لن آتي إليكم أبدا "

لاذوا بالصمت وقالت بيسان " آسفة ماما "

قلت بلوم " والدكم يحبكم ويريدكم لو سمع هذا سيغضب "

قال أمجد بهدوء " ونحن نحبه أيضا ولكننا نريدك معنا "

تنهدت بيأس فيبدوا لن نجتاز هذه النقطة أبدا , ثم فتحت

ذراعاي لهم وقلت بحب " لما لا نترك المشاكل تعالوا

لحظني لعلي أشبع منكم "

بقوا قليلا في حضني يتحدثون عن كل شيء حتى رن

جرس في الغرفة فوقفوا وقالوا " الغداء "

نظرت لهم بحيرة وقلت " هل ينادونكم بالجرس هكذا "

هزوا رؤوسهم بنعم فنظرت للساعة في الحائط , يبدوا أنهم

يتناولونه متأخرا ! قلت " مع من تتناولون الغداء دائما "

قالت بيسان " مع جدتي وبابا وعمي معتصم أحيانا "

ابتسمت وقلت " لكم عم "

قالت ترف " نعم وهوا يحبنا ويحضر لنا الهدايا "

قالت بيسان وهي تلف بيديها " ويطيرني هكذا ويقول

لي كونتيسة ويقبل يدي مثلهم "

ابتسمت بعفوية فيبدوا في هذه العائلة طفرة وراثية , واحد لا

يشبه شقيقه ووالدته , قلت " ومن لديكم هنا أيضا "

قال أمجد " عمتي زهور لكننا لم نراها "

غريب كل هذه الفترة ولم يروها هل هي مريضة !! قالت

بيسان " يبدوا لا تظهر إلا في الليل هي شبح ماما "

قلت بهدوء " وهل هذا جيد بيسان كيف تقولي عنها شبح "

قالت بحيرة " ولما هل هم سيئين "

قلت بجدية " نعم ولا يقولون عن شيء أنه شبح إلا سيء "

قالت " حسنا لن أقولها "

قلت بابتسامة " بسرعة انزلوا للأسفل لتتناولوا الغداء "

قال أمجد " وأنتي ألن تنزلي معنا "

فتحت فمي لأتحدث على صوت طرقات على الباب ثم فتحته

امرأة يبدوا أنها الخادمة وقالت " آنسة السيد يطلب نزولكم جميعا للغداء "

آه من هذا السيد الذي أوامره لا تنتهي , وقفت وقلت " حسنا "

نزلت معهم وصلنا لطاولة طويلة تجلس في رأسها سيدة يبدوا

عليها الشموخ والتعالي وكأنها جبل , مؤكد هي كذلك فمن ستنجب

هذا الصخرة غير واحدة مثلها , كان جابر يجلس في الكرسي

المجاور لها وهناك ثلاث خادمات يقفن بعيدا وما أن اقترب

الأولاد حتى اقتربت إحداهن وقالت ترف " أجلس بجوار ماما "

رفعتها الخادمة ووضعتها على الكرسي واقتربت أنا أكثر

وألقيت التحية وقلت " سرني التعرف عليك سيدتي "

قالت ببرود دون أن تنظر إلي " شكرا "

يا إلهي ما هذه الجليدية ؟ سحبت الكرسي بجوار ترف

وجلست فتوجهت بيسان للكرسي بجانبي فقالت ترف

" كرسيك هناك أنا فقط بجانب ماما "

تحدثت حينها جدتهم بحدة " فوضى ككل يوم وها هي تزداد "

ما الذي تقصده هذه المتعجرفة هل أنا ربيتهم على الفوضى وأزيدها

بوجودي , تكلم حينها والدهم قائلا " بيسان لكرسيك فورا "

توجهت للكرسي المجاور لأمجد الذي يفصلها عنه وجلست

حزينة وبدأ الجميع بتناول الطعام في صمت تام , ما هذا النظام

المتجبر ! ما في الأمر إن جلست بيسان بجواري , ترف أخطأت

وهذه خصلة سيئة فيها لم أستطع تغييرها لكن ما ذنب بيسان ولما

لم تترك الأمر لي كنت سأحل المشكلة بطريقتي ككل حياتهم معي

نظرت جهة ترف وقلت " عليك أن تتخلصي من أنانيتك يا

ترف ما في الأمر إن جلست بيسان هنا لقد أغضبتِ جدتك "

قالت بهدوء " آسفة ماما "

قالت جدتهم بسخرية " جيد تعرفون عبارات الأسف "

نظرت لها بصدمة وهي على حالها تنظر لطبقها ... أعانكم الله

يا أبنائي على كل هذا هل تريد أن تعقدهم أم ماذا , قد تكون تتعمد

هذا فقط بسبب وجودي , وهذا التمثال أين لسانه ؟ نصف

قوتها تستمدها منه وهوا لا يتكلم معها أبدا , عدت للصمت

دون تعليق فقالت بيسان " ماما ترف لم تأكل الخضار هنا أبدا

ألم تقولي أنه علينا أكلها لنكبر بسرعة "

نظرت لها فقالت " لا أحبها ماما وهم لا يصنعون طائرات من

الجزر مثلك ويغمسون رأسها في الشكلاته لأطيرها وأكلها "

آه لابد وان ترميني هذه العجوز بقدمها خارج القصر , ابتسمت

وقلت " سنصنعها معا فيما بعد بنيتي "

قالت بمرح " حسنا "

قالت جدتهم ببرود " كم مرة قلت كثرة الكلام

على الطعام عادة سيئة "

ثم وقفت وقالت مغادرة " جابر عليكما أن تتحدثا في حل

مشاكل بعض السلوكيات وليس الدروس فقط "

ثم غادرت مبتعدة وهوا لم يتحدث بحرف وكأن الأمر لا

يعنيه , رن حينها هاتفه فأجاب عليه وقالت ترف هامسة لي

" لما بابا يتحدث على الطعام ؟ جيد أن جدتي ليست هنا لوبخته "

لم استطع إمساك ضحكتي وقلت بهمس " ترف كلي في صمت "

خبئت فمها بيدها الصغيرة بضحكة صامتة فنظرت لوالدها فكان

ينظر لنا , لابد يعتقد أننا نضحك عليه أو على والدته وهذه نهايتك

يا أرجوان, وقف حينها وقال " سيصل المدرسون بعد ساعة "

ثم غادر في صمت فنظرت لهم وقلت " هل انتهيتم "

قالوا معا " نعم "

قلت بابتسامة " وماذا نقول "

قالوا " الحمد لله "

وقفت ووقفوا معي وأنزلت ترف وصعدنا لغرفتهم

*
*
توجهت لمكتبي جلست وشغلت حاسوبي المحمول فلم أفوّت

اليوم شيء مما يجري في غرفتيهما لأني الفترة الماضية زودت

الغرف بكميرات مراقبة كي لا يفوتني شيء مما يجري وخصوصا

المربيات, تبادر لذهني الشك للحظات أنها ستستغل تعلقهم بها وتَقلبهم

علينا لكنها خانت تلك الظنون , ركزت الكميرة عليهم حيث استقروا

على أحد أسِرتهم وجلسوا جميعهم , رفعت بيسان القبعة والمضلة

وقالت " انظري ماما أحضره لي عمي معتصم "

ثم قالت بعبوس " لكن بابا قال لا تلبسيه في العيد بل في غرفتك فقط "

قالت أرجوان " وعندما يقول بابا لا يعني لا "

قالت بتذمر " لماذا "

قالت ببعض الضيق " بيسان حبيبتي عمك لم يحضره إلا لأن

والدك موافق , إن خالفته لن يتركه يحضر لك غيره "

قالت بهدوء " حقاً ؟ "

قالت أرجوان " نعم لا تخالفوا والدكم ولا تغضبوه سيغضب الله منكم "

بعد ذلك نزعت أرجوان حجابها ونزل شعرها الأسود بانسياب

يغطي ظهرها كشلال حريري فوقفت ترف على السرير تمسده

لها بيديها وقالت " ماما هيا نمشطه لك كما كنا نفعل "

جمعته للأمام وقالت " لا ترف هذا ليس منزلنا وقد يأتي والدك

في أي وقت , أنا شعرت برقبتي تؤلمني من الحرارة بسببه

فقط وسأعيد حجابي بعد قليل , هذا ليس وقت التسريح "

قالت ترف بعفوية " حسنا وإن رآه والدي ها نحن نراه "

كتمت ابتسامتي وأنا أراقبهم , يالا سذاجة الأطفال كيف ستشرح

لهم الآن, قالت أرجوان " أنتم صغار أما والدكم كبير لا يجوز "

قالت بيسان " ولكنه يرى شعري "

ضحكتْ وانطلقت ضحكتي معها ثم قالت

" وأنا والدي كان يرى شعري "

قالت ترف " ولما والدي لا "

قالت بهدوء " أنتم صغار حين تكبرون ستفهمون لما لا يرى

الرجال شعرنا ماعدا رجال محددين "

بقيتا تنظران لها باستغراب فقال أمجد " يا غبيتان لا يراه سوى

الأطفال والنساء وزوجها ووالدي ليس زوجها "

قالت أرجوان بحدة " أمجد كم مرة أقول هذه الأمور لا تتحدث

عنها خصوصا أمام شقيقتاك , أنت كبير وتفهم هما لا "

قال بهدوء " آسف ماما لكن معلمة التربية الإسلامية قالت لنا هذا "

تنفست بقوة ولمت شعرها وأعادت حجابها وقالت

" لن تروه أنتم أيضا "

قالت ترف بضيق " هل ارتحت الآن لن نراه

حتى تصبح ماما عجوز وتموت "

وقد عادت أرجوان للضحك مجددا , لا أعلم كيف جعلتهم يعتذرون

من أي شيء يضايقها واستطاعت حل أي مشكلة تحدث أمامها

بسرعة , أنا حين اشتكت لي ترف من أن أمجد ضربها ولم

يعطيها الورقة أسكتهما وتركت المشكلة مُعلقة وهي وجدت لها

حلا في ثواني , هل هي كثرة احتكاكها بهم أم حبها لهم يجعلها

تخرج بالحلول من تحت الأرض , ومر الوقت بعدها تتحدث

وأمجد ولا أسمع شيئا لأن الفتاتان تقفزان على السرير

وتغنيان ولم تنهاهما طبعا كالمربية التي تكبلها الأوامر

بعد وقت نظرت لهما وقالت " ترف بيسان يكفي ستقعان

أرضا قفزتما بما فيه الكفاية "

توقفت بيسان ونزلت من السرير وترف العنيدة طبعا وكأن

الكلام لا يعنيها فقالت أرجوان ببرود " ترف لا حلوى اليوم

ولا لعبة أصابع ولا حـ.... "

توقفت وقالت بصراخ " ها قد توقفت ماما لا تتابعي "

قالت بهدوء " جيد تداركتِ الأمر ولم تخسري غير اللعبة

والحلوى, عنادك يزعج الجميع ترف هل تعلمي بهذا "

قالت بعبوس " أنا لست سيئة كلكم لا تحبونني "

فتحت ذراعاها لها وقالت " بل أنا أحبك أكثر

من كل شيء إلا أمجد و بيسان "

قفزت في حضنها وقالت " وأنا أحبك أكثر من أمجد "

ضحكت وقالت " لو أعلم ما عقدتك من أمجد "

ثم نظرت جهة أمجد وقالت " ولحسن حضك امجد

بعقل كبير ورجل رائع يستحملك دائماً "

ابتسم أمجد وقال " هل تحبينني كثيرا "

مسحت بيدها على وجهه وقالت " لا تتصور كم يكون ذلك بني "

بهذا إذا تكسب قلب أمجد بالتشجيع والرفع من معنوياته

قالت بيسان " ماما لما تبكي "

طرق أحدهم باب مكتبي فأوقفت الصوت وابتعدت عن

الحاسوب وقلت " تفضل "

دخلت الخادمة وقالت " المدرسان وصلا سيدي "

نظرت للساعة في يدي , هل مر الوقت بسرعة هكذا !!

قلت " اتركيهما يدخلان "

دخلا بعد قليل وقفا أمامي فقلت " الفتاة التي كانت تدرس

الأطفال هنا اليوم وستتعلمون منها طرق تدريسها حسنا "

قالا معا " حسنا "

وقفت وقلت " آنسة وجد ستأخذك الخادمة للمكان المخصص

بتدريسهم دائما وأنت أستاذ ربيع ستأخذك لغرفة الضيوف حتى تنتهي

الآنسة لأني أريد حضور دروس اليوم معكم لأعرف أين المشكلة "

قال من فوره " كما تأمر سيدي "

ثم ناديت الخادمة الواقفة في الخارج وسارا معها

وصعدتْ لهم إحدى الخادمات لتخبرهم وينزلا , بعد قليل

توجهت لغرفة الدروس كانت غرفة بطاولة طويلة وكراسي

كانت سابقا غرفة طعام واستبدلتها بأخرى , فتحت الباب

ودخلت فكانت المعلمة تجلس بجانب أرجوان و بيسان بجانبها

توجهت نحوهم وجلست مبتعدا عنهم بعض الشيء , أمسكت

أرجوان الكتاب وقالت " لنرى ما هوا الدرس الأول لك

معها لأن كل الدروس مرتبطة ببعضها "

قالت وجد " جمع الكسور "

فتحت كراسة كشكولها وأمسكت القلم وقالت

" بيسان ماذا قلنا عن تقسيم الجيش قبل الخروج من القلعة "

قالت من فورها " كل صفوف متشابهة مع بعضها ويترأسها واحد "

قالت " جيد .... وكما قلنا سابقا عن طريقة خروجهم "

قالت " المتشابه مع بعضه "

قالت " ممتاز ... إن خرجَت كهذه مجموعة من أربع جنود

يترأسها واحد وأخرى من أربع يترأسها واحد كم يكون

مجموعهم في الحرب "

قالت من فورها " اثنان على أربعة كل اثنان يقاتلان بالتبادل

ورؤسائهم يقاتلون جميعا "

قالت " رائع هكذا جمعنا الكسر المتشابه أليس كذلك "

قالت " نعم هكذا سهل جدا "

وأعطتها بعدها أمثلة أخرى ثم قالت

" والآن سيستدعون الاحتياط وأولئك ليسوا متشابهين "

قالت بيسان ناظرة لها بصدمة " ولما !! هل سيخسرون

الحرب وهل سيموت الإمبراطور "

قالت بابتسامة " لا حبيبتي سنحاول جهدنا حسنا "

هزت رأسها بحسنا فقالت أرجوان وهي تكتب في الكراس

" مجموعة من ست جنود وحارسان وأخرى ثلاث جنود وحارس

أنظري كيف سنفعل ليكونوا متشابهين ويهزموا العدو , هنا

ست جنود وهنا ثلاثة كم يلزمهم ليصبحوا كهؤلاء "

قالت من فورها " ثلاثة "

قالت " جيد ولكن لا جمع فيهم ما الذي سنفعله , نريد كيف

نطعمهم ليزيدوا كما تعلمنا السنة الماضية "

قالت بيسان من فورها " اثنان يطعمونهم يصبحون ستة "

قالت أرجوان " ممتاز يعني يطعموهم اثنان بالشوكة والسكين "

وكتبت لها علامة الضرب ثم قالت " ولكن الحارسان سيأكلان أيضا "

واستمرت معها هكذا حتى انتهت من درس الكسور بجمعها وطرحها

بيسان مثل أمجد تم رفعها سنة فوق سنها فمن المفترض أنها

في الثانية لكنها الآن في الثالثة الابتدائية وكانت ستخسر هذه

السنة وكل التي تليها بالتأكيد , نظرت بعدها أرجوان للمعلمة

وقالت " الأمر سهل إن اعتدتِ عليه "

هزت رأسها وقالت " مستحيل هناك أساسيات لكم لا أعلمها

ولكي أصدقك القول لم أفهم مما قلتما شيئا وكأني أشاهد لغزا

هذا صعب ولا يمكن لغيرك شرحه لها سأحتاج

لجامعة تدرسه لي من جديد "

قلت حينها بضيق " وهل احتاجت الآنسة أرجوان

لجامعة ؟ هي الرغبة فقط "

وقفت وقالت " أعذرني وابحث عن غيري عن إذنكم "

ثم خرجت من فورها فتأففت وقلت " بيسان اصعدي لغرفتك

وأخبري أمجد أن ينزل حالا وأخبري الخادمة

ترافق مدرسه إلى هنا "

وقفت وقالت " حسناً "

ثم غادرت وأغلقت الباب خلفها ولم يبقى غيري وأرجوان

التي كانت تجمع الأوراق والكتب ثم قالت بهدوء ونظرها

عليهم " تحتاج بعض الوقت لتستوعب الطريقة

ليست صعبة لكنها تحتاج وقتا "

قلت بضيق " لو كانت ابنتها لاخترعت أفضل منها ولم

تتركها ترسب ولكنهم لا يهتمون سوى بالرواتب "

لاذت بالصمت ولم تعلق على كلامي ودخل حينها أمجد

يتبعه معلمه وأعتقد أن هذه الجلسة ستفشل كتلك , اقتربا فوقفت

أرجوان مبتعدة وجلسا هما الاثنان وقلت " أمجد ما مشكلتك مع الفهم "

قال أمجد من فوره " طريقته مختلفة ولا يريد أن أتعلم غيرها

وفي الامتحانات أربكتني ولم أستطع الإجابة عن شيء "

قالت أرجوان " أنا وكما تعلم لم أنهي دراستي بعد الثانوية

وتخصصي كان أدبي والمناهج تغيرت السنتين الماضيتين

وازدادت تعقيدا لذلك أتخذ أساليب سهلة لتعليمه مما

درسته في كتب تعليم الطالب "

قال ربيع " ولكن تلك الكتب لا تتماشى مع طرق

دراستنا إنها أسلوب مختلف "

قالت أرجوان " ولكنه صحيح وسهل ولا علاقة له بالمسألة

هوا في خطوات الحل فقط وتكون في ذهن الطالب أثناء الحل

فقط ثم هوا في السنة الرابعة الابتدائية وليس في الثانوية "

قال بهدوء " سأحاول الإطلاع عليها بنفسي وأرى رغم

أن الأمر سيكون صعبا لكني سأحاول "

وقفت حينها وقلت " يمكنك المغادرة الآن "

وقف ورفع كتابه وغادر فقلت " أمجد عد لغرفتك "

خرج من فوره فقلت " يمكنك البقاء حتى الليل سأذهب وأعود مساءً

وأرجعك لمنزلك وإن كنتِ تريدين الذهاب معي الآن فلا بأس "

قالت بهدوء " المساء أفضل سأشرح لبيسان المزيد من الدروس "

غادرت حينها في صمت وخرجت من القصر ومن المدينة للمركز

*
*
كنت جالسة على السرير وأصابعي تلعب على ضفاف تك

الصفحات أقرأ البقية المتبقية من الكتاب

( القصاصة الخامسة ـ على أعتاب الخريف )

( عند تلك الطاولة الدائرية بأغطية بنفسجية اللون ومزهرية

وزهرة بنفسجية وحكاية من بنفسج وقصيدة في جريدة ملقاة على

تلك الطاولة, هل تعلمين أين أنتي هناك ؟ أنتي الزهرة والغطاء

أنتي البنفسج في الحكاية أنتي الخيال والطائر الحزين الذي يغني

على تلك الشجرة فوق تلك الجريدة , لكنك لستِ القصيدة أتعلمين

لما !! لأنها ليست بحبر بنفسجي اللون وأتعلمين أنا أين أكون ؟

أنا المزهرية لتلك الزهرة أنا الطاولة لذاك الغطاء وأنا حكاية البنفسج

وطبعا لست الورقة الصفراء التي سقطت على تلك الجريدة أتعلمين لما !!

لأنك لستِ تلك القصيدة , إذاً أنا الغصن حيث يقف ذاك العصفور )

سمعت حينها طرقات على الباب فقلت بهدوء " تفضل "

دخلت الخادمة وقالت " سيدة زهور هناك طرد بريدي وصلك "

نظرت لها باستغراب وقلت " وصلني أنا ؟! "

قالت من فورها " بعم "

قلت باختصار " ضعيه هناك "

وضعته على الطاولة وقالت " السيدة الكبيرة قالت أسألك إنـ "

قاطعتها ببرود " سأتناوله في غرفتي كم مرة

سأقولها وأغلقي الباب خلفك "

قالت من فورها " حاضر سيدتي كما تريدين "

ثم خرجت وأغلقت الباب , بعد وقت غادرت السرير وتوجهت

للطرد , كان شيئا مغلفا وكأنه علبة مسطحة بلا طوابع بريدية

ولا عنوان , أي طرد هذا !! , أزلت الغلاف من عليه فكانت

علبة بنفسجية فتحتها برفع غطائها فكان فيها كتاب وزهرة بنفسجية

من النوع المفضل لي , رفعت الزهرة ثم الكتاب فكان كتاب

( قصاصات من ألم ) للكاتب ( رضا أسعد الحارث )

وبطاقة داخل الصندوق رفعتها فكان مكتوب فيها

( لا تمزقيني مع كتاباتي يا زهور ليس من العدل

قتل قلب كاتب يعشق بجنون )

رميت البطاقة والزهرة وحتى الكتاب في الصندوق وعدت

لسريري, كاذب ... أنا لم أعدك بشيء يوما كنا أطفال نعبث

ونلعب , كنت تقوم بتهريبي من نافذة غرفتي كي لا تراني

والدتي ونلعب في الخارج , تحضر لي الأشياء الممنوعة عني

والتي أحبها , تغني لي كثيرا رغم أني لا افهم كلمات أغانيك

كنت معتادة عليك وكنت تعبث ... أجل عبثت كثيرا حتى

دمرت كل شيء لكنك لست عاشق ولم أعدك أنا بشيء

مررت حينها أصابعي على الجرح القديم في عنقي وعاد

الألم لقلبي المكسور , أنت تعي يا رضا أي أذى سببته لي

في زواجي بذاك لكنك لا تعلم حجم الألم في داخلي من

تسترك عن أمر كذلك الأمر , لقد شوهتني من

الداخل يا رضا ... لقد دمرتني

*

*
مر بي الوقت من مركز الشرطة لمكتبي للمصنع الذي تتكرر

فيه الجرائم الغامضة حتى سرقني الليل وسرقت منه الكثير

رن هاتفي نظرت للمتصل ثم أجبت قائلا " نعم يا نزار "

قال من فوره " أريد مقابلتك سريعا "

قلت بتوجس " لما ما الذي حدث معك هل والدتك بخير "

قال " تعبت اليوم لكنها أفضل وستخرج غدا من المستشفى أريدك

في أمر مختلف وشيء آخر والدتي تسال عنك وعن

وعدك بإحضار أطفالك لها "

قلت من فوري " سنزورها خلال أيام العيد , أخبرني أنت ما بك "

قال على عجالة " نتقابل في أسرع وقت ماذا قلت "

قلت " أنا الآن منهمك وأكاد أنام واقفا وورائي مشوار للقصر

وعودة هنا ثم عودة هناك , غدا نتقابل حسنا "

قال من فوره " حسننا وباكرا اتفقنا "

قلت بابتسامة " لا أعدك بذلك ولكن سأحاول , تصبح على خير "

أغلقت الخط منه وركبت سيارتي وعدت من فوري للقصر ودخلت

مسرعا فعليا أخذها والعودة , كم أنا منهك ولا تدري عني لرحمتني

ونامت هنا, وصلت غرفة الفتاتين وطرقت الباب عدة طرقات ولم

يجب أحد ففتحته ولم يكن في الغرفة أحد , غريب أين يكونون !!

لو لم يكن القصر محاطا بالحراسة المشددة لقلت أنها كررت فعلة

حسناء , توجهت لغرفة امجد وطرقت الباب وأيضا لا مجيب ففتحته

ببطء فكانوا ينامون جميعهم معها على ذات السرير ... ترف وبيسان

في حضنها وامجد نائم فوقهم شبه بالعرض , ابتسمت على منظرهم

وبقيت واقفا مكاني لوقت حتى سمعت صوت والدتي من خلفي

قائلة " يبدوا أنك تفكر في مشروع زواج "

أغلقت الباب بهدوء ونظرت لها وقلت بصوت

منخفض " لا أعلم "

ثم هممت بالمغادرة جهة جناحي حين استوقفني صوتها قائلة

" أخبرتك سابقا عن ابنة راضية فما يميز هذه عن تلك "

التفتت لها وقلت " أمي أنا إن تزوجت فمن أجل أبنائي

ابنة راضية غيرها لا يهم وهذه لديها سبب يرجحها "

نظرت لي نظرة أفهمها جيدا فقلت " لا شيء مما في راسك "

قالت مغادرة " أتمنى ذلك لأن الرجل إن ابتلي بعشق

امرأة تحول لأرجوحة في يدها "

تنهدت بضيق ولحقتها لجناحها تحدثنا قليلا ثم توجهت

لجناحي استحممت ونمت فورا

*

*
استيقظت مبكرا وغادرت غرفة الأطفال ونزلت للأسفل

وسألت إحدى الخادمات عنه فقالت لم ينزل من جناحه بعد

فجلست انتظر حتى مر بجواري فوقفت وقلت " سيد جابر "

التفت لي في صمت فقلت " هلا أعدتني لمنزلي من فضلك "

سكت لوقت ثم قال " أمازلتِ مصرة على رفض عرضي لك "

قلت بهدوء " نعم وأسبابي وحدي أفهمها , يمكنني تقديم المساعدة

من أجلهم في أي شيء وغير ذلك لا أستطيع , يمكنك التعاقد مع

معلمة جديدة لبيسان وتأتيني يوميا لأعلمها طريقتنا ومعلم

أمجد وعدك أنه سيحاول مع الكتاب المساعد للطالب "

قال مغادرا جهة الباب " اتبعيني للسيارة "

سرت خلفه أردد بهمس " ياله من متحجر ومغرور حتى أنه لم

يشكرني أو يعتذر لأنه لم يأتي مساء أمس ليأخذني لمنزلي "

وخيرا فعل فهكذا أفضل لي ولهم أن أذهب وهم نيام , ركب

السيارة وركبت أنا أيضا وانطلقنا من فورنا خارجين من القصر

كان لا شيء طوال الطريق إلا الصمت وهاتفه كان يضيء طوال

الوقت وهوا لا يجيب عليه , عندما اقتربنا من المنزل قال

" خلال هذا الأسبوع سنكتب كتابنا "

ثم رفع هاتفه وأجاب على المتصل وكأن شيء لم يكن



نهاية الفصل السابع أتمنى يكون نال إعجابكم


طبعا همس الريح من توقعت إن جابر بياخد أرجوان لأولاده يومين

وتوقعها فاجأني ما تخيلت بيخطر على بالكم فهدية الفصل من

نصيبها وهي أي جزئية من الفصل الجاي تحب تنكشف لها

طبعا حدث واحد بحواره والاختيار ليك هموسة وتستاهلي

وأعتذر من إلي راحت توقعاتهم هدر لكننا في البداية والجاي

أكثر من إلي راح إن شاء الله

ودمتم في رعاية الله وحفظه أخواتي الحبيبات على قلبي




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 25-05-15, 03:42 AM   #13

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثامن

سمعنا صوت تحطم لأواني فوقفت وتوجهت لخارج الغرفة

ركضا, كانت وسن تجمع الأطباق والطعام من الأرض وتضعه

في الصينية... يالا الكارثة هل سمعت ما دار بيننا يا تُرى

اقتربت منها ورفعت يدها التي تنزف وهي وكأنها لا تراها وقلت

" وسن يدك مجروحة أتركي كل شيء و فتحية ستأتي لتنظيفه "

انصاعت لي وكأنها دمية تتحرك دون ردة فعل , وصلت بها

للمطبخ وفتحت صنبور المياه لأغسل الدم وأرى الجرح , كان

بسيطا وسطحيا, ناديت على فتحية فجاءت من فورها وقالت " نعم "

قلت وأنا أغلق الصنبور " هاتي لي شاشا ومعقم جروح واجمعي

الأطباق المكسورة والطعام من الأرض أمام غرفة والدتي "

خرجت من فورها , كنت ضاغطا على الجرح بيدي كي لا ينزف

أكثر وقلت " جرح بسيط سنعقمه ونلفه بالشاش وينتهي الأمر "

وطبعا لا مجيب ولا أي رد فعل , أحضرت فتحية ما طلبت منها

ولففت الجرح فخرجتْ قبلي من المطبخ وتوجهت لغرفة والدتي

وأنا أسير خلفها , دخلتُ فقالت والدتي مباشرة

" وسن ما بك يا ابنتي "

لم تجبها بل أخذت حقيبة يدها من على الأريكة وقالت ببحة

" جواد خذني لمنزلنا "

نظرت لوالدتي ثم لها فقالت أمي " أين يا وسن ! ستقضين

النهار معي وسنتحدث فيما تركناه البارحة "

كانت تتنفس بقوة وتنظر لنا وكأنها تائهة في الصحراء

فقلت " أجلسي يا وسن وسوف آخذك فيما بعد

هل سترفضين طلب والدتي منك "

جلست في صمت ... لو أعرف فيما تفكر وما سر هذا الصمت

المخيف, أشعر وكأنها ستقع ميتة في أي لحظة , تكلمتُ ووالدتي

أمامها عن موضوع سفري وعن كل ما يخصه وهي كالكرسي

الذي تجلس عليه عيناها في الأرض وكأنها منفصلة عن عالمنا وتهز

رأسها بنعم كلما قلت ( ما رأيك يا وسن ) كنت أريد أن أحثها على

الحديث ولكن على ما يبدوا لي هي لا تعي حتى ما نقول حتى أنها

لم تنتبه أني قلت بأنني سوف آخذ فرح معي رغم أنها لا تعلم

بالموضوع حتى الآن , نظرتُ جهة والدتي وأشرت لها بعيناي

على وسن وأشرت بأصبعي على أذني لتفهم أنها سمعت حديثنا السابق

فأشارت لي بعيناها أن أخرج وأتركهما وحدهما ففعلت على الفور

خرجت من المنزل فوصلتني رسالة من والدتي وفيها باختصار

( أخبر نواس يأتي هنا بعد الغداء ولا تخبره عن شيء )

ترى ما الذي تخطط له والدتي ! وسن لن تستطيع رؤيته في

هذه الحالة, أرسلت لها

(سأكون قريبا من المنزل اتصلي بي فورا إن تعبت وسن )

*
*
ربتّتُ بيدي على السرير بجانبي وقلت

" تعالي اجلسي بجانبي يا وسن "

امتثلت لي من فورها وجلست حيث قلت واتكأت برأسها

على كتفي فقلت ماسحة على كتفها " حين كنت في سنك كنت

أحب ابن عمتي كثيرا , كنا نجلس معا ونتحدث بالساعات , كان

يغدقني بكلماته الغرامية وأنا فتاة بقلب حالم فتعلقت به حد الإدمان

ثم سافر للخارج من أجل إكمال دراسته ولم يرجع حتى اليوم بل

وتزوج بواحدة من هناك بعد عام من سفره , لقد تعبت كثيرا بادئ

الأمر حتى أنني وصلت لمرحلة كرهت فيها الرجال وأصبحت

أراهم صنف واحد لا يختلفون عن بعض حتى تزوجت من

زوجي رحمه الله وعلمت أن نظريتي كانت خاطئة

وأني أرهقت نفسي بلا داعي وأكتشف... "

قاطعتني قائلة بهمس " نواس تزوج يا خالتي "

تنهدت وقلت بحزن " أعلم يا وسن وهذا سبب تعبي بالأمس

وسن يا ابنتي أنتما جربتما شيئا لم ينجح فلا تقف الحياة هناك "

قالت بهمس خافت " قتلني يا خالتي قتلني "

قبلت رأسها وقلت " لازال يحبك يا وسن لازال كما كان "

هذه العبارة آخر ما كنت أود قوله لها لكننا سنفقدها على هذه

الحال, قالت بعبرة " كذب .... لا يحبني أبدا "

أشرت بيدي للممرضة وهمست لها بشفتاي أن تحضر الحبوب

المسكنة لأني لاحظتها منذ وقت تمسك معدتها بين الحين

والآخر , ناولتني إياهم فقلت " لا تكوني مثلي في الماضي يا وسن

لا تدمري نفسك فالحياة ستمضي والناس ستعيش أنتي فقط من

ستبقي في الخلف وكل عام سيضيع منك ستندمين عليه فيما بعد "

قالت بهمس " تزوج .... قال لن أكون لغيرها , قالها

لوالدي مرارا ... وسن لي ولن أكون لغيرها "

قلت بهدوء " أنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد يا وسن

تلك هي الحياة وأنتي كنتي ستتزوجين بغيره ولم تريدي ذلك "

قالت بحزن " كنت مجبرة أما هوا فلا ، هوا تركني من نفسه

وتزوج بغيري , لم يُقدر ظروفي .... حتى أنه لم يبرر

لي سبب ما فعل ولم يصدق عذري"

قلت بهدوء " هوا لم يُكذبك يا وسن هوا مجروح منك بشدة

إن كان هوا من تركك وأنتما مخطوبان وزواجكما قريب وبدون

أن يعلمك وخطب أخرى هل كنتي ستسامحينه حين يعود إليك ومهما

كان العذر الذي سيقدمه لك ؟ حتى الناس لن تتقبل عودتك إليه حينها

لا أحد يرضى بها يا ابنتي , ليتك أخبرته وقتها يا وسن

لو فقط وضعته في الصورة لما حدث ما حدث "

قالت ببكاء " ليثني مت يا خالتي ولم أدرك هذا اليوم "

ثم جلست مبتعدة عن حضني وقالت " لا أريد أن يصرف علي

لا أريد نقوده , لا أريده في حياتي ولا بأي شكل "

تنهدت وقلت " وهل يرضيك أن تتركي دراستك وأنتي في سنتك

الأخيرة وأن تعملي ونحن عائلتك موجودين , أنا لن أرضى بذلك

يا وسن ولازال بي نفس في الحياة وبعد موتي أحرقوا الدنيا

أنتي ونواس والمنتصر يفعل ما يريد "

أمسكت وجهي بيدها وقالت بدمعة تتدلى من رموشها

" لا خالتي لا تقولي هذا , لا تتركيني أنتي أيضا فيكفيني من

فراق الأموات والأحياء ... أمي ثم والدي وشقيقي ثم نواس

فزوجة والدي وفرح من يبقى لي بعدك من "

أمسكت يدها قبلتها وقلت " لن أتركك يا وسن إلا إن نفذ أمر الله

وأنتي تري صحتي من رديء لأردأ منه , أريد أن أطمئن عليك

أريد أن أحفظ أمانة شقيقتي التي أوصتني بها قبل أن تموت "

ثم رفعتُ علبة الحبوب وقلت " خذي يا وسن المسكن "

هزت رأسها بلا وقالت " أنا أفضل الآن لا أريدها "

تنهدت وقلت " هذا لأنك تحدثت ولم تسجني ألمك في نفسك كعادتك "

هزت رأسها مجددا وقالت بدمعة تدحرجت من عينها

" لما أنا لازلت في وعيي ولم أجن , لما لم أفقد عقلي حتى

الآن أو يغمى علي , كنت أتصور أن أموت إن تزوج نواس يوما

بأخرى , لما لم أمت حتى الآن لما "

مسحتُ دمعة تمردت من عيني ثم مددت يدي ومسحت دمعتها

وقلت " هذا لأن الحياة تريدك ولا زال لديها المزيد من

الأشياء التي تستحق لتعيشي من أجلها "

هزت رأسها بلا وقالت " بل لأنه جرعها لي على جرعات

دفعة دفعة كي لا أموت قبل أن أرى زوجته في

حضنه وأبنائه منها يلعبون حولهم "

قاطعتها بضيق " وسن لا تحقدي عليه , لا تحاولي

قتل قلبك بل اقتلي حبه فيه "

ابتسمت بسخرية ولم تعلق فقلت بهدوء

" هيا قفي واحضري لي العلبة الخشبية في أسفل خزانتي "

وقفت وأحضرتها وعادت للجلوس ففتحتها وقلت

" في هذا الجزء حلي والدتك أحضرتهم لي قبل موتها بيومين

سبحان الله وكأن ثمة من أخبرها أنها ستترك الحياة , أوصتني

عليك كثيرا وطلبت مني أن أترك حليها لك ولا أعطيهم لك إلا

حين تحتاجيهم بشدة ولا حتى حين تتزوجي , لم تكن ستكفي ديون

والدك لكنت أعطيتها لك وبعد وفاته رفض نواس أن يأخذها

ويزيد عليها باقي ثمن الدين "

ثم أشرت للجزء الآخر منه وقلت " وهذه حليي أنا خدي كل هذا

وأكملي دراستك ثم اعملي بشهادتك ولا تضيعي مستقبلك يا وسن "

لاذت بالصمت وعيناها في عيناي فقلت

" لن تدرسي من ماله أليس هذا ما تريدينه "

هزت رأسها بنعم فقلت " بقي موضوع سفر فرح وجواد سنتناقش

فيما يخصه لاحقا والآن هيا لنتناول إفطارنا المتأخر "

جلبت الممرضة الفطور وجلسنا نفطر معا وحاولنا فتح مواضيع

عدة أنا والممرضة ولكن وسن كانت وكأنها ليست معنا

كانت جثة بلا روح مجرد خيال , وهذا المتوقع فلن

تجتاز الصدمة في يوم واحد وقدوم نواس قد يزيد الأمور

سوءً لكن علينا حل كل هذه المشكلات التي تدفع وسن ثمنها

*
*
قال وهو يكشف عن مكان أسنانها " كم عمرها قلت لي "

ابتسمت وقلت " قلت لك سبع سنين هل ستتأكد من أسنانها "

ضحك وقال وهو يمسح على وجهها " لا يحتاج الأمر أن افحصها

يكفي الغرة التي تدل على أنها من النوع الناذر الذي أريده "

ضربت بيدي بخفة على عنقها وقلت " والسعر هل سنرسى على ما قلت "

نظر جهة ساحة التدريب حيث الوسن تحرك رأسها ويتطاير شعرها

الأسود مع الهواء وقال " أعطني تلك الشعلاء الشهباء

وسأعطيك في هذه فوق ما تريد "

قلت بابتسامة صغيرة ونظري عليها " تلك لا أبيعها لك ولا بكل ثروتك "

ضحك وقال " هل تضع تلك الفرس فوق هذه النادرة "

قلت من فوري " هي عندي لا أخرى مثلها "

عاد بنظره للفرس أمامنا وقال وهوا يلعب بشعرها

" إذا اتفقنا وأريد مولودة معها ولن آخذهما الآن "

قلت " إذا السعر سيزيد "

ضحك وقال " ولما وهما ستزدادان عمرا "

قلت بعد ضحكة صغيرة " أنت تعلم أنهما سيكلفان

أعني لا فنادق بالمجان هنا "

ضحك وقال " اعتبرني لم أشتريهم بعد "

ضربت على ظهرها وقلت " إذا إن جاء غيرك بعت له "

هز رأسه وقال " أنت لا يمكن التغلب عليك أبدا , حسننا

اتفقنا سيبقيان لشهور قليلة فاحسب كل تكلفة طعامهما والاهتمام

بهما ولك ما تريد "

ثم قال بمكر " اخبرني ما تطعم خيولك "

ضحكت وقلت " هل تريد حساب التكلفة "

قال بعد ضحكة عالية " لا بل أريد أن أعرف فقط "

قلت وأنا أمسح على عنق الفرس أمامي

" أكثر ما يحب الفرس ورق الرودس وكميات لا بأس بها

من التفاح والتمر والذرة "

قال بابتسامة " البرسيم والشعير أقل كلفة لهذا هي مدللة وقوية "

ثم غمز بعينه جهة الوسن وقال " وما تأكل تلك "

ضحكت وقلت " تلك لا يخلوا يومها من السكر النباتي "

أمسك كتفي وقال ضاحكا " يبدوا أنك مبتلى بعشق امرأة

بيضاء وبشعر أسود كفرسك تلك "

قلت بابتسامة صغيرة " أعشقها وأعشق حتى اسمها "

بقي ينظر لي بصدمة فقلت بعد ضحكة " أعني الفرس فهي فرسي

الأولى رغبت بها ما أن رأيتها وسميتها قبل أن أشتريها "

ربت على كتفي وقال " إذا اشتريت واتفقنا سأدفع لك عربونك

وسأكون لديك هنا الأسبوع القادم ونكمل كل شيء "

قلت من فوري " ألن تتناول الغداء معي "

قال متوجها جهة سيارته " في المرة القادمة "

ثم ركب وأغلق الباب وفتح النافذة وقال مبتسما وهوا يحرك سيارته

" لا تنسى أن تطعم فرسي السكر والحلويات "

ثم ضحكنا معا وغادر المزرعة , توجهت بعدها لمنزل المزرعة

دخلت وقابلني وليد فقلت مجتازا له " تأكد من أنهم نظفوا

أعنة ورشوم الخيول جيدا أنا سأغادر الآن "

قال بصوت مرتفع لأسمعه " ألن تتناول الغداء "

قلت وأنا أصعد السلالم " لا رغبة لي في الطعام , تغذى

أنت وجواد فهوا في طريقه إلى هنا "

صعدت لغرفتي أخذت بعض الأوراق ونزلت فكان ينتظرني في

الأسفل فقلت بضحكة " ما بك وكأنك زوجتي "

ضحك كثيرا ثم قال " لو كنت زوجتك للحقت بك

للغرفة ولم أتركك تخرج منها "

لكمته على خده وضحكنا سويا ثم قال وهوا يلحقني لأني

غادرت من عنده " اتصلت بعائلة الشعاب كما طلبت "

قلت وأنا اركب السيارة " جيد وما قالت لك جاسوستك هناك "

ضحك وقال وهوا يتكأ بذراعه على باب السيارة المفتوح

" تلك الخادمة الجشعة لم يعد يرضيها ما أدفعه لها وتريد المزيد

وقالت لم يعودوا يسجنوها وتوقفوا عن ضربها أيضا "

سحبت الباب من تحت ذراعه وقلت " ذلك أفضل وداعا الآن "

ثم غادرت المزرعة لمدينتي لأرى ما تريد والدتي مني وغريب

أنها طلبت من جواد إخباري ولم تتصل بي بنفسها

*
*
طرقت عليا الخادمة الباب لتخبرني أن شقيقي الأكبر يريدني في

الأسفل , وما سيصنعه بي ولما توقفت زياراتهم لي منذ الأمس !

هل الزواج وحده الذي كان سيحررني منهم , لما ليس ثقتهم بي

ولا حبهم لي , نزلت للأسفل ببيجامة النوم على غير عادتي ...

مي المحترمة التي تخجل من أن تظهر أمام أشقائها بملابس النوم

وشعري مفتوح تتدلى خصلاته على وجهي وجبيني وهم لم يروه

مفتوحا يوما , لكن مي ماتت ... نعم ماتت مع ماضيها النظيف وبقيت

النجسة فقط , وصلت للأسفل وكانوا ثلاثتهم هناك مجتمعين

وصلت في صمت وجلست مبتعدة عنهم وعيناي في أعينهم

بعدما قتلوا نظرة الاحترام المكسورة التي اعتدت عليها أمامهم

قال رافع وهوا الأكبر " مدير أعمال زوجك اتصل وقال أنه

أودع نقود جهازك في حساب عمي سعيد كما مهرك "

هه يبدوا ذاك الزوج يفكر جيدا ولم يسلم لهم المال ليسددوا به

ما تبقى من ديون خسارتهم بعدما عبثوا بتجارتنا بعد وفاة

والدي, قال بعدما طال صمتي " أخرجي برفقة

أسماء أو عالية لتشتري ما يلزمك "

قلت ببرود " لن أخرج ولن أشتري "

نظروا لي بصدمة ... نعم ذوقوا مي الجديدة التي صنعتموها

بأنفسكم, قال عصام " وكيف تذهبين له من غير جهاز "

قلت بذات برودي " وما الحاجة له , نجسة تتجهز يالا

المسخرة , ولمن !! لعجوز قد لا يراها "

قال عاصم " عجوز !! بل شاب ولم يسبق له الزواج "

قلت بضيق " وما الذي يجعلكم توافقون على شاب يتزوج بي

لما لم تفكروا في عواقب هذا الأمر ؟ سوف يرميني لكم من

جديد ولن نجني شيئا سوى المزيد من الهرج والشائعات "

قال رافع " لن يطلقك لأنه وضع شرطا بأنه من يكتب ورقة طلاقه

منك سيكتب ورقة زواجك بغيره وبموافقتك أو لن يطلق أبدا "

وقفت وقلت " ما هذه المهزلة كيف يرضى بي ويضع

شرطا كهذا هل لأحدكم أن يشرح لي "

وقف رافع وقال بحدة " لم نعرفك ترفعي صوتك علينا

وتخالفينا أم سقطت القشرة يا مدللة والدك "

قلت بحسرة " ومدللتك حتى أنت في الماضي يا رافع إن نسيت "

ضغط قبضة يداه ثم قال بغيض " قلت تتجهزي يعني تتجهزي

ولا تفضحينا مع الرجل بلسانك الطويل الجديد "

قلت بسخرية " لا تخف لن أفرط في الزوج العزيز

فلن يكون أسوء مما رأيت هنا "

تقدم ناحيتي عدة خطوات يقبض يده وقال بغضب

" مي لا تطريني لضربك مجددا "

قلت بحدة " مد يدك علي وسأخبر عمي سعيد ليخبر

زوجي فلم أعد للسبيل يضربني من مر من أمامي "

ثم صعدت لغرفتي وتركتهم وارتميت على السرير أبكي

حياتي الضائعة والمتبقي منها والله وحده يعلم ما سيكون
*
*
دخلت المنزل وتوجهت من فوري لغرفة والدتي طرقت الباب

وفتحته وصدمت بوجود وسن معها وهي نظرت لي بصدمة لا تقل

عن صدمتي ويبدوا أنها لا تعلم بقدومي , نظرت بعدها لوالدتي

فقالت بهدوء " ادخل واجلس يا نواس "

بقيت أنظر لها كالتائه ... ما قصة ما تفعله أمي وما الذي يجري

وقفت حينها وسن وحملت حقيبة يدها تريد المغادرة فقالت أمي

" أجلسي يا وسن وأنت تجلس أم لا كلمة لي لدى أي منكما "

كانت وسن ستتحدث فأسكتتها قائلة

" من لا يجلس الآن ويستمع لي لا أعرفه ولا أعترف به "

جلستْ مشيحة بوجهها جانبا وتقدمت أنا وجلست مقابلا

لها في صمت فقالت أمي " لن نترك المشاكل عالقة ولن أسمح

لعنادكما أن يدمر مستقبل ابنة شقيقتي , وسن ستكمل دراستها

من مالها وحين تتخرج لها الخيار "

قاطعتها محاولا الكلام فقالت بحدة

" لا أحد منكما يتحدث حتى أنهي كلامي "

عدت للصمت ونظري على وسن لم يفارقها وهذا حالي في

كل مرة أشعر أنني أودعها للأبد , تابعت أمي

" وستعيش وسن هنا معي بعد سفر جواد وفرح "

نظرت لها وسن بصدمة فقالت " هنا منزل خالتك إلا إن كنتي

لا تعتبرينني خالة لك , هذا ليس منزل أحد غيري وستبقي معي

فيه حتى تخرجي منه عروسا لبيت زوجك أو أموت "

كل خيار منهما كان كالسم , وسن من حقها أن تتزوج وتعيش

حياتها لكن كيف لما لا أستطيع تقبل الفكرة ولا بأي شكل

نعم مجروح منها حد الوجع وأعشقها حد أني لا أريد أن يلمس

رجل غيري ولا خصلة من شعرها لأني سوف أجن حينها بالتأكيد

رفعت حينها وسن عيناها لتلتقي بعيناي ونزلت منهما دمعة تتدلى

على رموشها الطويلة ... لغة لا تتقنها سواها ودموع لا يعرف

غيرها كيف يبكيها , أخفضت بعدها نظرها وقالت ببحة

" لم أرضى أن يتصدق عليا بالمال فلن يتصدق عليا بالمأوى

فإن بقيت معك هنا لن أخرج لمكان غيره "

هي تعلم أني أريد من والدتي أن تنتقل للعيش معي في المزرعة

وهذا ما ترمي إليه بالتأكيد , وسن الجديدة وسن التي تقتل وسني

يوما بعد يوم حتى نجد أنفسنا في يوم أندم فيه أنني قتلتها ووقتها

قد أتمكن من أن أغفر لها , قلت ببرود " أعتقد يا وسن

أني المسئول عنك بعيدا عن كل مشاكلنا وتراكمات

الماضي فأنا وليك وأنا كلمتي النافذة "

نظرت لي بجمود وقالت " كلمتك على زوجتك وليس علي "

************************************************** **

******************************************

وقفت وسط المنزل ولم أعرف في أي اتجاه سأتحرك

هل أخرج أم أبحث عنها هنا ؟ فكان أول ما فعلته ولا إراديا

أن ناديت " سما أين أنتي "

كانت فكرة غبية ولكن ليس لي غيرها , هل والدتي معها حق

وأنها لعبت تلك اللعبة لتسرقني أو تلتقط صور لغرفتي وتفعل

بها ما تريد , لكنها لا تعلم أني راقبت حافلتها ونزلتْ كما قالت

في مكان مقطوع واجتازت الأشجار

توجهت نحو باب المنزل وخرجت ووقفت أمامه لا أعلم ما سأفعل

سوى أنه عليا الخروج , أخرجت هاتفي واتصلت بجابر لأقابله في

أقرب وقت فإن كانت قصة ما حدث لعائلتها حقيقية سيكون على

علم بها بالتأكيد , عدت ودخلت المنزل فلا خيارات لدي في هذا

الليل المتأخر سوى جابر ولكن مهلا هي تحدثت عن قبوا يفتح

لخارج منزلهم بمسافة لهذا لم أجدها ذاك اليوم واختفت بين الأشجار

المتباعدة وهذا يعني أن ما قالته حقيقة , ولكن ذاك المكان بعيد عن

هنا هل ستنام الليلة في الشارع كما حدث حين تركت منزل تلك السيدة !

هممت بالخروج مجددا ووصلت عند الباب فاستوقفني حينها صوتا يقول

" أستاذ نزار "

التفتت للخلف مباشرة وكانت هي خلفي تحتضن حقيبتها المدرسية

ولم تغادر المنزل , بقيت أنظر لها مطولا بصدمة ثم قلت

" سما أين كنتِ !! "

أشارت بإصبعها للمطبخ وقالت

" في الخزانة , خفت أنك تكذب علي وستسلمني لهم "

أخفظت رأسي وهززته ضاحكا ثم نظرت لها وقلت

" وأنا ظننتك هربتِ وكنتِ تكذبين علي "

ضمت حقيبتها أكثر وقالت بحزن " أخبرتك أنك لن تصدقني "

يا إلهي كيف نسيت أني أتعامل مع مراهقة طفولية , قلت بجدية

" بلى أصدقك فقط لعبت بي الظنون قليلا بادئ الأمر ثم لو لم

أصدقك ما كنت سأخرج للتو للبحث عنك "

بقيت تنظر لي بصمت فقلت بابتسامة " وأين أخفيتي كيس الطعام "

أخفضت بصرها وضحكت ضحكة صغيرة ثم قالت " في حقيبتي "

قلت مبتسما " حسنا عودي الآن للغرفة ونامي وغدا سنتحدث حسنا "

هزت رأسها بحسنا ثم توجهت ناحية السلالم وصعدت في صمت

وتوجهت أنا لغرفة والدتي ونمت هناك ولم أتذكر إلا وقت الفجر أني

لم أخبرها بما كنت سأقوله لها فكتبته في ورقة وتركته لها عند الباب
*
*
كنت أحاول ترتيب مفرش السرير تحتي حين طرق أحدهم الباب

ودخلت دعاء وقالت مبتسمة " صباح الخير ما كل هذا النشاط "

قلت مبادلة لها لابتسامة " هكذا نحن العجائز نمرض في

الليل وتنشط ألسنتنا في الصباح "

ضحكت وقالت وهي تأخذ كيس الأدوية

" ليت الكل بطيبتك , ثم أنتي لستِ عجوز "

قلت وأنا أساعدها في جمع أدويتي " أي لست عجوز هذه , لو نزار

تزوج منذ ذاك الوقت لكان ابنه الآن سيدخل الثانوية قريبا "

ابتسمتْ حينها دعاء بأريحية لأنها فهمت أن ما قالته رهام

محض كذب, لو أفهم فقط أي لعبة يلعبانها هما الاثنتان وكم

أخشى من عواقب هذا فيكفي ابني عقد لم تشفى بعد ليزيدوها

على ما فيها , دخل حينها نزار بعدما طرق الباب

وقال بابتسامة ونظره علي " صباح الخير "

قلنا معا " صباح النور "

اقترب بالكرسي وقال " هيا منزلك اشتاق لك أم أنك تريدين البقاء هنا "

ابتسمت وأنزلت قدماي من على السرير وقلت

" ومن يحب البقاء في المستشفى غير الأطباء والممرضين "

قالت دعاء بعد ضحكة " ومن قال أننا نحبه هي لقمة العيش فقط "

ثم تابعت ونزار يجلسني على الكرسي

" يمكنني أخذها في طريقي لتلحق حصصك "

قال وهوا يعدل ثيابي ونظره عليهم

" وكيف علمتِ أن عندي الحصص الأولى "

أخفضت بصرها وقالت خجلة

" من زيارتي لوالدتك في نفس اليوم من الأسبوع الماضي "

نظر لها وقال " وأنتي متعبة من سهرك البارحة في مناوبتك

فلا تتعبي نفسك أكثر وشكرا لك على كل شيء "

ثم غادر يسحبني معه على ابتسامة الدهشة والرضا منها لأنه

انتبه لأوقات عملها هنا , دعاء فتاة طيبة ومحبوبة فما في الأمر

إن تحركت مشاعره لها ولكن الخوف يبقى من رهام لأنها

وعلى ما يبدوا تعرف شيئا وتريد إبعاد دعاء عنه بأي طريقة

ركبنا المصعد فرفعت رأسي ونظرت له وقلت

" ماذا حدث في أمر الفتاة "

قال ونظره على أرقام المصعد " حين أعود من

المدرسة نتحدث أمي حسناً "

تنهدت بضيق ولذت بالصمت , وصل بي المنزل وأوصلني حتى

سريري وساعدني للجلوس عليه وغادر في صمت , غريب أين تلك

التي قال عنها !! المنزل لا يبدوا به أحد , ويحك يا نزار هل

تنام الفتاة في الأعلى ؟ أمسكت المصحف وبقيت أقرأ فيه لوقت حتى

سمعت صوتا خفيفا جهة الباب فرفعت نظري فكانت ثمة فتاة ....

لا لم تكن كما تخيلتها هذه صغيرة جدا أعتقد لم تتجاوز الرابعة

أو الخامسة عشر من عمرها بعينان زرقاء واسعة وشعر

كستنائي ممسوك للخلف شفتان صغيرتان وملامح طفولية جدا

ونظرتها كانت بريئة جدا وحزينة وترتدي زيا مدرسيا , فهمت

الآن هوا جلبها من المدرسة , قالت بهدوء " صباح الخير يا خالة "

قلت بعد صمت " تعالي اقتربي "

اقتربت مني بخطوات بطيئة ثم قالت بأدب " آسفة سيدتي إن

سببت لك إزعاجا بوجودي هنا , إن كنتي لا تريدي بقائي

غادرت حالا ... أقسم لك "

أجزم أن هذه الفتاة من عائلة غنية وعاشت كل حياتها بين الأثرياء

أسلوبها وأدبها وحتى نبرة حديثها تدل على ذلك ولا أعلم لما تدخل

القلب بسهولة , قلت بابتسامة " اقتربي يا ابنتي واجلسي هنا على الكرسي "

اقتربت أكثر ثم جلست على الكرسي أمامي وقالت

" حمدا لله على سلامتك قال لي الأستاذ نزار أنك في

المستشفى وسيخرجك اليوم من هناك "

قلت بهدوء " هل أنتي إحدى طالباته "

أخفضت نظرها وقالت " نعم "

قلت " ما أسمك وأين هم عائلتك "

قالت بدمعة غلبتها تمسحها بكمها " أسمي سما وعائلتي ماتوا جميعهم "

أحسست حينها بغصة في صدري , مسكينة هذه الفتاة إن كانت

كما قال نزار فهم ماتوا مقتولين ويبدوا أمامها

, قلت بحنان " الله لا يموت يا سما فلا تحزني "

نظرت لي وقالت بابتسامة حزينة وعينان دامعتان

" أمي كانت تقول لي هذا دائما "

ربتّتُ بيدي على السرير وقلت " تعالي اجلسي بجانبي "

وقفت من فورها وجلست حيث قلت فمسحت على شعرها وقلت

" احكي لي قصتك يا سما "

اتكأت على كتفي وبدأت بسرد قصة أشبه للخيال من الواقع وهي

تبكي كل حين وتمسح دموعها , مسكينة يا صغيرة كيف تعيشين

بعقلك حتى الآن ! يبدوا لي قد فعل نزار الصواب بجلبها إلى هنا

قلت بحنان ماسحة على شعرها " نزار وعدك أنه

سيساعدك وسيفعل فاطمئني "

هزت رأسها بحسنا دون كلام فقلت " هل تناولتِ إفطارك "

جلست مبتعدة عني وقالت " لا "

قلت بابتسامة " ولا أنا هل تجيدين طهوا الطعام ؟ تبدين صغيرة

لذلك علينا أن ننتظر نزار ليطعم السيدتان الكسولتان "

ابتسمت ابتسامة صغيرة ثم قالت " بلى أعرف كيف أطهوا

أطباقا كثيرة عربية وحتى هندية أمي كانت تتركني أساعدها

لأن والدي لم يكن يحب أن يأكل غير طعامها "

قلت بحزن " لما لا تقولي رحمهما الله كلما ذكرتِ اسمهما

يا سما , ذاك الدعاء يفيدهما حيث هما الآن "

تدحرجت دمعتها وقالت بحزن " لا استطيع أشعر أنهما على قيد

الحياة وهذه الجملة تسبب لي اليأس والحزن "

تنهدت وقلت " سما أنتي امرأة عاقلة ومسلمة عليك الإيمان بالموت

والرضا بحكم الله لأنه العدل في السماء والأرض "

مسحت دموعها وهزت رأسها بحسننا ثم وقفت وقالت

" هل تسمحي لي أن أقبل رأسك يا خالة "

قلت بابتسامة " ولي الشرف يا سما أنتي فتاة مؤدبة حقا "

قبلت رأسي ثم قالت " سأعد لنا إفطارا سيعجبك "

قلت بضحكة " لا تسرفي في المطبخ وراعي جيب نزار هوا ليس كوالدك "

ابتسمت وهزت رأسها بحسنا وغادرت بهدوء , أتمنى أن يجد لها

أهلها ولا تجلب لنا مشاكل كثيرة فهي تبقى فتاة مطاردة من أناس الله

وحده يعلم من يكونون , ولكن ليس من العدل تركها وحيدة تواجه

كل هذا الرعب , كم في الحياة من قصص كالخيال

*
*
ما أن انتهيت من حصصي خرجت من المدرسة فورا فعليا

العودة للمنزل قبل أن تقابلها والدتي , أعلم أنها تفكر في مصلحتي

لكنها قد تجرحها بما قالته عنها البارحة فأنا أعرف أمي جيدا

طيبة القلب وحنونة لكن خوفها علي قد يجعلها تتصرف معها

بخشونة , كتبت لسما في الورقة أن لا تنزل وتتحدث معها

أو أن تتقبل ما قد تقوله لها ولا تغادر , وصلت المنزل

فتحت الباب ودخلت على صوت ضحكات خارجة من

غرفة والدتي لابد وأنها دعاء جاءت لتفقدها , دخلت وتوجهت

لغرفتها من فوري ووقفت عند الباب مصدوما من المنظر

ثم قلت بابتسامة " سبقتماني وتعرفتما على بعض "

التفتت سما من فورها ما أن سمعت صوتي ووقفت مبتعدة

قليلا وقالت أمي بابتسامة " لم تخبرني أنها صغيرة وجميلة

ومؤدبة وابنة عائلة مرموقة , ظننتك أحضرتها من الشارع "

دخلت الغرفة وقلت " لم تتركيني أقول شيئا "

ثم قلت ناظرا لصينية الطعام " ما هذا !! من أعد الإفطار "

قالت أمي بابتسامة ناظرة جهة سما " طالبتك النجيبة طبعا إنها ماهرة

ها قد وجدت من سترفع عنك حمل إعداد الطعام من اليوم "

قلت ضاحكا " جلبتها لأساعدها لا لتساعدني "

ضحكت وقالت " يكفيك عجوز كسولة واحدة

هيا تعال تذوق إنه رائع "

ثم نظرت جهة سما وقالت " ما بك هربتِ هناك يبدوا

أستاذك هذا يشكل لكم رعبا في الحصة "

نظرت لي ثم أخفضت بصرها وقالت بحياء

" لم أره يضحك إلا هنا "

ضحكت والدتي وقالت " ستتسبب بعقد للفتيات

خف عليهن قليلا "

قلت مغادرا الغرفة " لن يجدي غير هذا الأسلوب

سأستحم وأنزل لكما "

دخلت غرفتي فكانت مرتبة وكأنه لم يكن بها أحد , توجهت

للحمام فكان نظيفا ومعطرا أيضا , تبدوا فتاة نشيطة وليست

كباقي الثريات لا تعرف إلا إحداث الفوضى , استحممت

ولبست ثياب المنزل ونزلت للغرفة فكانت والدتي وحدها

فجلست بجوارها على السرير وقلت

" جيد تغير كلامك ورأيك عنها البارحة "

تنهدت وقالت " يا لها من فتاة مسكينة أتمنى أن تجد حلا

لمشكلتها لا أن تجلب لنا مشاكل أخرى "

قبلت يدها وقلت " قد يكون الله وضعني في طريقها لأجد لها أهلها "

قالت بابتسامة " ها هي المسكينة ترتب المطبخ منذ وقت

من يراها لا يصدق أنها ابنة أثرياء "

قلت بهدوء " يبدوا والداها لم يربيانها على الترفع والدلال "

قالت " بالتأكيد ولكن أين هي ملابسها هل ستبقى

بزي المدرسة طوال النهار "

قلت من فوري " سآخذها حالا حيث كانت تعيش

ونحظر كل ثيابها وحاجياتها "

قالت " وما ستفعل في أمرها "

نظرت للساعة في يدي وقلت " كنت سأقابل جابر وأتحدث

معه لكنه لم يتصل بي يبدوا ثمة ما يشغله , عليا أولا فهم بعض

الأمور منها وزيارة ذاك المكان الذي حكت لي عنه ثم أتحدث

وجابر فمؤكد مرت به قضية عائلتها وسنرى ما سنفعل "

دخلت حينها سما تمسح الماء من يديها في زيها فقلت

" تعالي اجلسي يا سما واتركي عنك التنظيف , علينا أن نتحدث

في أمور أخرى أهم من المطبخ "

اقتربت ببطء فقلت " اجلسي على الكرسي لا تخجلي يا سما "

رفعت نظرها وقالت " هل يمكنني الجلوس بجوار الخالة على سريرها "

مدت والدتي لها يدها وقالت " بالطبع تعالي هيا وقم

أنت واجلس على الكرسي "

وقفت وقلت " أمري لله تبيعينني في يوم واحد يا أمي "

قالت ضاحكة " إكرام الضيف واجب "

جلست أنا على الكرسي المقابل لسرير والدتي وجلست سما

بجوارها ونظرت لها وقلت " أخبريني يا سما ما كنتي تلاحظين على

تجارة والدك, أعدائه مثلا وما الذي جاء به إلى هنا بعد كل هذه السنوات "

هزت رأسها وقالت " كل ما أعلمه وما لاحظته كثرة اللقاءات بينه

وبين شريكه في الهند قبل مجيئنا , كان والدي مستاءً كثيرا في الآونة

الأخيرة ثم قال أنه سيبيع حصته وسنرجع للوطن , اشترى هنا

مصنعا له ومن ثم باعه وجلب كل نقوده "

قلت " كيف علمتِ أن عفراء تعلم شيئا عنهم "

نظرت للفراغ بشرود ثم قالت " سمعتها مرة تتشاجر وزوجها

وقالت له إن دللتهم على مكان الفتاة سلمتك للشرطة وأنت

تعلم أنك لن تخرج من السجن ما حييت "

قلت بحيرة " ترى ما علاقة زوجها بهم !! "

رفعت كتفاها وقالت " لا أعلم ما أعرفه أنه يسرق أوراق

وأشياء من أحد ما ويبتزه بها "

مررت أصابعي في شعري وقلت " الأمور تزداد تعقيدا

بدل أن نجد لها حلا "

ثم تنهدت وقلت " وكيف حصلت عفراء على ورقة تثبت

مسئوليتها المؤقتة عنك وبتوقيع من والدك "

قالت " لا أعلم قد تكون سرقتها من الأوراق لدى زوجها

لأن جميع أوراق ومستندات والدي سرقت "

قلت من فوري " ما الذي تعرفيه عن عائلتي والداك أو قالاه أمامك "

قالت " لا اعلم شيئا لم أرى أحدا منهم في حياتي , أذكر في مرة

حين كنت في العاشرة تقريبا سألت والدي لما ليس لديا أعمام

وعمات كباقي الفتيات هناك فقال هم لا يريدوننا

ونحن في غنى عنهم "

نظرت للأرض بشرود لوقت ثم وقفت وقلت " هيا سنغادر

معا لقبو منزلكم حيث كنتي تعيشين ونجلب أغراضك وثيابك

وسأجهز لك الغرفة في الأعلى وستبقي معنا حتى نجد عائلتك "

هزت رأسها بحسنا ثم وقفت وخرجنا معا فقالت والدتي

" كونا حذرين "

قالت مغادرا " لا تقلقي يا أمي سنعود حالا "

خرجنا وركبنا السيارة فقلت ونحن ننطلق " أخفضي رأسك يا

سما ولا تنظري لشيء لا السيارات ولا المارة ولا أي شيء فإن

نجوتِ في السابق قد لا تنجي في القادم ومؤكد زوج تلك السيدة

دلهم عليك وهوا يعرف شكلك "

قالت بهمس " حسنا "

سرت لمسافة لا بأس بها حتى وصلت المكان الذي تنزل

عنده ووقفت مبتعدا عنه قليلا وقلت " وصلنا "

رفعت رأسها ونظرت لي بصدمة ثم قالت " كيف علمت "

ضحكت ضحكة صغيرة وقلت

" لست منهم طبعا لكنت أمسكت بك من وقت "

بقت تنظر لي بحيرة ودهشة فقلت " تبعت حافلتك منذ أيام

حين شككت في أمرك ورأيتك تنزلين هنا "

تنهدت ونظرت للأسفل وقالت بعبوس " آه يعني أني كنت

لقمة سهلة لو أحدهم علم أني في تلك المدرسة "

قلت وأنا أفتح باب السيارة " وأستغرب كيف لم يجدوك

حتى الآن , هيا أنزلي سنقترب للمكان من هنا "

نزلتْ وتوجهنا لداخل المكان وسارت أمامي وأنا أتبعها حتى

وصلت لجهة معينة ثم نزلتْ للأرض وأزالت الأوراق عنها

وظهر لوح وكأنه زجاجي ووضعت يدها عليه فأصدر صوتا

وكأنه سحب لشيء حديدي على الأرض , كنت أضن أن هذه

الأمور توجد في الأفلام فقط لكنها ها هي حقيقة أمام عيني

استوت بعدها واقفة وأشارت بأصبعها وقالت

" الباب هناك لقد فتحته "

إذا الصوت كان لفتح الباب وليس من هذا الشيء , يبدوا والدها

فكر في حمايتهم جيدا حتى أن باب القبو لا يفتح إلا ببصمة أيدي

عائلته أي إن دخلت هناك وانغلق خلفها لن يصلوا إليها مهما حاولوا

توجهتْ نحو الباب وأنا أسير خلفها مباشرة وكان فتحة مربعة الشكل

وبه درجات للنزول عند فتحته مباشرة , نزلتْ هي ونزلت خلفها

حتى كنا في الأسفل ثم وضعت يدها على زر مماثل فانغلق الباب

مباشرة وأصبحنا في الظلام الدامس وأخرجت حينها مصباحا من

حقيبتها وشغلته فقلت بحيرة " ألا إنارة في الممر هنا "

قالت وهي تسير وأنا أتبعها " زر الإنارة في مقدمة الممر فقط "

قلت بحيرة " ولما "

قالت " لا أعلم هكذا التصميم "

قلت وأنا أتجول بنظري على جدران الممر

" ولما هوا ليس مضاء من المفترض أنك شغلته حين مغادرتك "

قالت " بلى شغلته ولكنه ينطفئ بعد تشغيله بعشر دقائق "

غريب لما يا ترى !! بعد مسافة وقفت عن السير ووجهت

مصباحها للجدار وضغطت بيدها على زر آخر فصدر ذات الصوت

هناك وقالت " هنا توجد فتحة عميقة في الأرض ستغلق حالا "

ومن ثم سرنا فوقها وتابعنا سيرنا , هكذا إذا لهذا لا إضاءة هناك فإن

كانت مطاردة ونزلت وأحدهم خلفها يقع في الحفرة لأن مصباحه

سيكون موجه للأمام وليس الأرض هذا إن كان معه مصباح

تصميم غريب وذكي ليس أي أحد يمكنه التفكير فيه , قلت

" ألا يوجد زر لفتح الحفرة من جديد "

قالت من فورها " بلى وتفتح من تلقاء نفسها بعد دقائق أيضا "

وصلنا حينها لمكان واسع جدا بأعمدة ومضاء في جهة واحدة

فقط كما قالت وجهتان به مظلمتان , توجهتْ من فورها للجهة

المضاءة وأنا أتبعها كان هناك فراش وبطانية وصناديق وخزانة

أيضا وبعض الأثاث الغير مستعمل وباب في نهاية الجدار

يبدوا حماما وهناك توجد مغسلة وصنبور مياه , اقتربت سما

من الصناديق وفتحت إحداها وهي تقول " هذه كلها أموال

بقيت هي وذهبت عائلتي , كريهة لما يعيش المال

ويموت البشر في المقابل "

كان الصندوق مليء بالرزم قلت بدهشة " الصناديق كلها كهذه "

قالت " نعم كل أموال والدي رحمه الله "

ثم رفعت أصبعها وقالت " وهناك فتحة تأخذ لوسط المنزل

تفتح وتغلق من هنا ومن هناك "

ثم أشارت بأصبعها للجهة المظلمة وقالت

" وهناك يتهامسون في الليل .... في الليل فقط "

قلت بحيرة " ولما لا تشغلي أنوار تلك الجهة أيضا كي لا تخافي "

قالت من فورها " لأني لا أريد أن أراهم يكفي أصواتهم "

أخذت المصباح من يدها وقلت " أجمعي كل أغراضك وثيابك "

ثم توجهت جهة الجانب المظلم وتجولت فيه بالمصباح , كان

المكان فارغا تماما وتوجد بعض صناديق للكهرباء وفتحات

تهوية لا أعلم أين تنتهي وفقط لا شيء آخر , قلت بصوت

مرتفع " ومن أي جهة كنتي تسمعين الطرق "

قالت بصوت بالكاد أسمعه " من أكثر من جهة خصوصا هنا "

بعد وقت عدت ناحيتها فكانت قد جمعت أغراضها في كيس

كبير بعض الشيء فقلت " والمال ما ستفعلين فيه "

قالت بحزن " لا أريده وأكرهه , بسببه خسرت عائلتي "

قلت بهدوء " ولكنها أموالك ومستقبلك لا تخسري

الاثنان معا , لن نأخذهم معنا الآن حسنا "

قالت مغادرة أمامي تجر الكيس بصعوبة

" لا أحتاجهم خدهم أنت كلهم أكرههم قلت أكرههم "

هززت رأسي بيأس وتبعتها , الشرطة والمال أكثر ما باتت

تكره وهما أكثر ما ستحتاج في حياتها , وصلت عندها وأخذت

منها الكيس وغادرنا المكان وتوجهنا للسيارة وركبنا متوجهين

للمنزل , لو لم أرى كل هذا بعيني لقلت أنه كذب وأستغرب حتى

الآن كيف صدقتها بادئ الأمر , مقتل عائلتها أمور تحدث كثيرا

لكن القبو وألغازه شيء غريب جدا ويبدوا والدها كان خائفا من

شيء ما من قبل قدومه لذلك اشترى هكذا منزل , هذا إن لم يكن

بناه بنفسه, عليا مقابلة جابر بسرعة وبحث ما علينا فعله

نظرت لها وكانت تنظر للأسفل كما طلبت منها عند

قدومنا فقلت بهدوء " هل تحتاجين شيئا أشتريه لك "

هزت رأسها بلا دون كلام ثم قالت " يكفي أنك صدقتني منذ

البداية وتريد مساعدتي , لن أنسى لك هذا أبدا ما حييت "

عدت بنظري للطريق وقلت " لا تشكريني يا سما حتى نجد

عائلتك وتنجي من الخطر المحدق بك , تأكدي بأني لن

أتخلى عن مساعدتك أبدا "

لاذت بالصمت حتى وصلنا للمنزل نزلت وأنزلت كيس

ملابسها ودخلنا المنزل وتوجهت من فوري لغرفة والدتي وهي

تتبعني ودخلت ملقيا التحية وأجابت والدتي مبتسمة ثم دخلت

سما فقلت " سأشتري اليوم سريرا وخزانة للغرفة الشاغرة

في الأعلى يمكنك البقاء في غرفتي يا سما "

هزت رأسها بلا وقالت ونظرها للأرض " سأبقى اليوم هنا مع

خالتي وأستخدم الحمام الأرضي أنا لا أنام بعد الظهيرة "

قلت متوجها نحو الباب " كما تريدي سأصلي الظهر ثم أعد لكما الغداء "

قالت من فورها " بل أنا من ستطبخ الطعام منذ اليوم , أنا أحب الطبخ

كثيرا وسأنظف المنزل أيضا لا تقلق بشأن كل هذا "

التفتت لها وقلت " ولكن ... "

قالت والدتي رامية بيدها " اذهب هيا انتهى الأمر طعامها لذيذ

وألذ من طعامك وستنظف المنزل بعناية أكثر منك "

ضحكت وقلت " أين كنتي تسكتين على كل هذه

العيوب التي ترينها بي "

ضحكت وقالت " ليست عيوب بك ولكن الرجال

لا يمكنهم إتقان عمل النساء مهما حاولوا "

غادرت من عندهما وتوجهت لغرفتي صليت الظهر واتصلت

بجابر كثيرا ولم يجب ثم أرسل لي ( نتقابل بعد العصر )

جلست على السرير وفتحت حاسوبي وشغلت الانترنت وبقيت

لوقت أبحث عن اسم عائلتها في ملفات الجرائم , المشكلة أنه

لا لقب لها ولا يوجد بينهم ولا حتى في الاسمان الأولان مشابه

بحثت عن احمد عبد الله فيهم ولا نتيجة بحثت حتى عن سما

أحمد عبد الله ونفس الشيء غير موجود , بعد وقت سمعت

طرقات خفيفة على باب غرفتي فوقفت وفتحت الباب

فكانت سما , نظرت للأرض وقالت بهدوء " الغداء .. "

قلت قبل أن تنهي كلامها وأنا أخرج وأغلق الباب

" هيا لنتذوق مديح والدتي فلن أطهوا لها بعد اليوم

إن كان طعامك سيئ "

قالت وهي تنزل السلالم أمامي " وإن كان جيد "

ضحكت وقلت " سأكون في مشكلة حين نجد عائلتك وتغادري "

وصلنا عند الباب فالتفتت لي ونظرت باتجاه نهاية الصالة

وقالت مشيرة بأصبعها " لما لا نجلب تلك الطاولة والكراسي هنا

لتكون كطاولة أكل في الغرفة ولا تأكل والدتك وحدها "

نظرت للطاولة وقلت " ولكن سيتعبها كثرة انتقالها من السرير للكرسي "

قالت ونظرها هناك " ولما تجلس على الكرسي سنقرب الطاولة

من السرير وتنزل ساقيها فقط "

حككت حاجبي بتفكير وقلت " فكرة لا بأس بها ولكن سيكون

علينا إدخالها وإخراجها في كل مرة لأن البعض

يزورون والدتي في غرفتها "

قالت بعد صمت " تلك مشكلة ولكن قد نجد لها

حلا دعنا ندخلها الآن "

قلت متوجها نحوها " حسننا ستساعدينني في إدخال

الطاولة أما الكراسي سأدخلهم أنا "

نقلنا الطاولة للغرفة ثم خرجت وأدخلت كرسيين فقالت

والدتي " ماذا ستفعلون بهم "

وضعتهما وقلت " سما ستغير ترتيب أثاث المنزل أيضا "

ضحكت والدتي وقالت سما ونظرها للأرض " آسفة إن أزعجك

هذا ونعيدهم حالا إن كنت لا تريدها هنا "

قلت من فوري " لا أبدا فكرة جيدة أن نأكل مع

والدتي بدلا من وحدتها الدائمة "

قربنا الطاولة من السرير وجلست والدتي مقابلة لها وأحضرت

سما كل ما يلزم تحت إصرارها أن لا أساعدها , آه غداء مريح

وأخيرا وبدون زوجة وأبناء وتدمر وإزعاجات ومصاريف زائدة

حتى ترتيبها للأطباق والملاعق والشوك كان مختلف عني وكما

قالت والدتي أمور النساء لن نجيدها نحن الرجال مهما حاولنا

كان الطعام مرتبا ومزينا وكأننا في مطعم , من يُصدق أن هذه

الفتاة الصغيرة من فعلت كل هذا , تناولنا الطعام ثم أخرجنا الطاولة

ووضعناها بجانب الباب لتكون قريبة لنقلها وإرجاعها ثم قلت

" سأصعد لأنام قليلا هل تحتاجين شيء "

هزت رأسها بلا في صمت فابتسمت وتركتها وصعدت , والميزة

الأخرى فيها قليلة الثرثرة حتى نعم ولا لديها بالإشارات

نمت حتى العصر ثم استيقظت استحممت وصليت ونزلت للأسفل

وتوجهت لغرفة والدتي فكانت نائمة وسما تجلس وتقرأ كتابا من كتبها

المدرسية فقلت بهمس " هل صلت والدتي العصر "

نظرت لي وهزت رأسها بلا فقلت " أيقضيها إذا لتصلي سأخرج

لأمر مهم هل ينقص المنزل شيء "

قالت بصوت منخفض " بعض منظفات السيراميك وملمع

للزجاج وللخشب أيضا "

هززت رأسي بحسننا ثم غادرت من عندها وخرجت من المنزل

وتوجهت من فوري لمكتب جابر أخذت إذنا للدخول ودخلت له

وأغلقت الباب خلفي فرفع رأسه من حاسوبه وقال بضيق

" أخرتني يا مستهتر هل تزوجت ولا أعلم "

ضحكت وقلت " إن تزوجت فلن تراني طوال اليوم "

قال بضيق " يالك من مدعاة للشفقة هل ستلتصق بها من أول يوم "

جلست أمامه وقلت " لا مدعاة للشفقة غير التي قد تتزوجها "

قال بلامبالاة " قل ما لديك هيا وخلصني ليس ورائي إلا أنت "

ابتسمت وقلت " أريد سؤالك عن قضية مقتل لعائلة من رجل

وزوجته وطفل وطفلة هندية واختفاء ابنة في الرابعة عشرة "

نظر لي بحيرة مطولا ثم قال " ما علاقتك بهذه القضية "

قلت من فوري " مرت عليك إذا , كيف أهملتها أيها المحقق الفاشل "

قال بضيق " قل ما لديك ولا تتدخل في عملي "

قلت " الفتاة لد..... "

وقف على طوله وقال بصدمة " سما رفعت الشاطر لديك "

************************************************** **

******************************************

وضعت الوسادة على وجهي مجددا فلم يستوعب عقلي تلك

الفكرة المجنونة منذ قال تلك العبارة ونحن في السيارة

عائدا بي من القصر فبقيت أنظر له بصدمة ودون حتى

أن أرمش ثم قلت بهمس " أعد أعد ما قلت "

أعاد هاتفه لجيبه وقال بجمود ونظره على الطريق

" سنتزوج هذا الأسبوع "

قلت بذات جموده " أوقف السيارة "

نظر لي بصمت فقلت بحدة " أوقف السيارة "

توقف وقال بغضب " هذه آخر مرة تصرخي بي تفهمين

وصوتك هذا لن يرتفع عليا لاحقا "

فتحت الباب وأنا أقول " هذا إن كان هناك لاحقا يا سيادة المحقق "

ونزلت وضربت باب سيارته بكل قوتي وتوجهت لمنزلي لأنه

أصبح قريب جدا , يالا السخافة قال نتزوج قال لا وبالأوامر

ما يحسبني خادمة لديه وحتى الخادمة يحترمونها ويحترمون

رأيها ,لم يحضا بموافقتي كمربية ومعلمة قال أتزوجها

وأرميها هناك تتفاهم معهم , لا ومع من مع والدته تلك

فتحت باب المنزل ودخلت وأغلقته خلفي بقوة ورميت

الحقيبة بطول يدي وقلت بغيض " وما الغريب يا أرجوان

دخل منزلك مرغمة وشرب القهوة ركبتي سيارته ما

تتوقعين أن يفعل غير أن يأمرك حتى بالزواج به "

توجهت للأعلى ودخلت غرفتي استحممت ودخلت السرير

أحاول النوم أو الهرب , ومنذ ذاك الوقت وأنا على هذا الحال

تقلبت كثيرا أدس رأسي في الوسادة أثنيها بيداي عليه محاولة

أن لا استمع لأفكار رأسي , صحيح أحب أبنائه ولا أريد أن

يضيعوا أو يضيع مستقبلهم وأتمنى أن يكونوا معي كما كنا

لكن أن أتزوج بهذه الصخرة الميتة وأعيش مع والدته

المتوحشة التي لا يرفض لها أمرا ولا يناقشها في شيء لا

وألف لا وزد عليها شقيقة مختفية الله وحده يعلم عاقلة أم

مجنونة وكلهم في كفة وأن ينغلق باب غرفة عليا أنا وهذا

المتحجر في كفة أخرى , لن أجن وأفعلها أبدا ولو ذبحني

نمت بعد وقت وجهد كبيرين ولم أستيقظ إلا وقت الظهر , صليت

ونزلت من غرفتي توجهت للحقيبة وأخرجت هاتفي كانت هناك

مكالمات كثيرة من سوسن ورسالة فتحتها فكانت منه وكان فيها

( قررت وانتهى الأمر يا أرجوان وحسب علمك من

أجل الأولاد ليس من أجلك ولا من أجلي )

رميت الهاتف على الأريكة ودخلت المطبخ لأعد شيئا آكله

*
*
أبعدت ريشة الرسم وقلت " لا تتحركي يا بيسان كم مرة قلتها لك "

حكت أذنها ثم ساقه ثم عنقها وقالت " كله يحكني كله , كيف لا أتحرك "

قلت بابتسامة وأنا انظر للوحة أمامي " هذا لأني طلبت أن لا

تتحركي فأصابك الجرب يا مجروبة "

قالت " ما تعني مجروبة "

ضحكت بصوت مرتفع ثم قلت " تعني كل شيء فيك يحكك "

مدت شفتيها مستاءة فقلت " لا تبقي هكذا أو رسمتهما ممدودتان "

حركت المضلة وقالت " ارسمني وهي تتحرك هكذا في الصورة "

ضحكت وقلت " هذه لوحة وليست كميرة فيديو توقفي عن

الحركة أو رسمت ترف وتركتك أنتي "

جمدت مكانها وقالت " حسنا لن أتحرك لكن إن

حكني شيء سأتحرك "

قلت وأنا أمزج اللونين " حسنا ولا تكثري الحركة "

سمعنا حينها طرقات خفيفة على الباب وصوت ترف تقول

" أفتحوا لي الباب لما تغلقونه ماذا تفعلون في الداخل "

ضحكت بيسان بصمت وهي تخفي فمها في يدها وقالت

" أنظر كيف تطرق كالمتسولين "

ضحكت كثيرا ثم قلت " لو تسمعك جدتك قطعت لسانك "

قالت باستياء " لما جدتي لا تحبنا "

قلت ببرود وأنا ألون الفستان في اللوحة

" هي لا تحبني حتى أنا , لا تكترثي لها "

قالت باستغراب " ماما تقول لا تغضبوها لكنها

لا تحبنا ولا تحب ماما "

قلت بابتسامة " هذا لأن ماما سندريلا وجدتك

زوجة والدها الشريرة "

قالت من فورها وبعفوية " وهل ستتزوج ماما من الأمير

في النهاية وجدتي ستصبح خادمة لديها في قصرهم "

ضحكت وقلت " نعم لكن هذا سرنا لا تخبري به أحد حسنا "

قالت " حسنا ولكن أين بنات زوجة والدها اللتان ستعملان

في القصر أيضا , لا توجد سوى عمتي زهور

فقط إذا الأخرى ستكون أنت "

نظرت لها بصدمة وقلت " ها قد انقلب السحر على

الساحر, اسمعي كله مزاح ولا تفكري فيه مفهوم "

هزت رأسها بحسنا فوضعت الريشة وقلت

" يكفي لهذا اليوم سنتابع في يوم آخر هيا حُكي ما تريدين "

وقفت وقالت " لم يعد يحكني "

ضحكتُ وفتحتُ الباب وكانت ترف تجلس أمامه فوقفت

وقالت بدمعة محبوسة " أنت تحب بيسان فقط , تدخلها

غرفتك وتغلق الباب وتتركني في الخارج "

حملتها عن الأرض ودخلت بها وأنا أقول

" الآن دورك سترسمينني أنتي وسنغلق الباب

ونترك بيسان في الخارج "

دخلت بها وأغلقت الباب وبدأت بيسان تطرق وتنادي

فقلت بضحكة " أنظري كيف تطرق كالمتسولين "

ضحكت وصرخت قائلة " ليس لدينا مال "

ضحكت وأعطيتها لوحة بيضاء وألوان وجلست أتحدث بالهاتف

*
*
دخلت القصر أحمل مصعب بين يداي سأتركه يلعب مع ترف

وبيسان لتحل لي المربية واجب اللغة الانجليزية لأنها ماهرة فيها

ولأهرب قليلا من أعمال المنزل , أمي لا أعرف كيف تفكر لما

ترفض أن تكون لدينا خادمة هل تغار على والدي ! ولما من جماله

أو صغر سنه فهما لم ينجباني إلا بعد عشر سنين من زواجهما

وأنجبا عمر وعمري تسع سنين ليتبعانه بعدها بخمس سنين باثنين

وراء بعض, لا وتريد والدتي أن تنجب أيضا وهي في الخامسة

والأربعين الآن !وصلت السلالم ويالا الحظ السعيد ... معتصم

نازلا من الأعلى ولكن الحل عندي هوا يسخر من طريقة

كلامي وتصرفاتي إذا سأغيرها أمامه لأنجو منه ومن سخريته

لا أعلم ما علاقته بي أخته أمه زوجته أكون ما أكون فيما

سأضره ثم لا أفهم ما الخطأ بي هل يريدني كالرجل مثله أم

كوالدته وشقيقته الصامتة طوال الوقت , مررت بجانبه دون

أن أنظر له بكبر ككل مرة وقلت ونظري على أعلى السلالم

بصوت جعلته جديا قدر الإمكان " مرحبا معتصم كيف حالك "

وتابعت صعودي على نظراته المصدومة وأنا اضحك في صمت

مبتعدة عنه , لعله يرتاح الآن إلا إن لم تكن المسألة في صوتي

وكلامي بل يكرهني دون سبب , وصلت لغرفة الفتاتين

وطرقت الباب ودخلت واستقبلتا مصعب بفرح طبعا فهوا وعمر

الوحيدان اللذان يزورونهم للعب معهم وتوجهت أنا للجلوس

مع المربية لتحل لي واجبي وما هي إلا لحظات ووصلتني رسالة

على هاتفي أخرجته وفتحتها فكان من المتعجرف معتصم وفيها

( إن كان ثمة جني سكنك فأخبرينا لنحضر لك قارئ يقرأ عليك

يكفينا علكة لا نريد علكة مسكونة )

أوف ما به هذا لا أعجبه في كل الأحوال ويقتنص الفرص ليهينني

, أرسلت له ( علكة أعجب من حولي والداي يحبانني هكذا ومن

سأتزوجه يحب العلكة وخصوصا بالفراولة أنت ما شأنك بي )

أرسل على الفور ( من تقصدي بمن سيتزوجك )

أرسلت ( أقصد لن أتزوج إلا ممن يحب العلكة مثلي )

أرسل بعد قليل ( إن قلتها مجددا قطعت لسانك )

أرسلت ( أنت لما لا تعطيني مواعيد قدومك للقصر لأقطع

ساقي إن عتبته وأنت فيه )

ثم أغلقت الهاتف نهائيا وانشغلت مع المربية في حل الواجب

*
*
استيقظت متأخرة جهزت نفسي بسرعة كي أدرك وقت دخول

العاملات للمصنع فلست بمزاج توبيخ من ذاك المدير المتعجرف

حملت حجابي وحقيبتي في يدي ونزلت مسرعة ألف الحجاب على

رأسي وما أن وصلت للأسفل حتى رأيت المنظر الذي توقعت أن

أراه وقت عودتي وليس ذهابي , لا وينام على الأريكة واضعا ساق

على الأخرى ويخفي عيناه بذراعه , كيف أتصرف مع هذا الرجل كيف

اقتربت منه وقلت بضيق " هل ضاق بك ذاك القصر الضخم ولم

تجد أين تنام أم استحليت هذا , لعلمك سأبلغ عنك الشرطة حالا "

ضحك ضحكة واحدة غلبته فقلت بسخرية " نعم تعجبك النكتة كثيرا "

قال وهوا على حاله " كيف تكون هكذا نكته ولا تعجبني

من هذا الذي سيأتي ليسجنني "

قلت " نعم هذا ما يجعك تفعل كل هذا بثقة , ورائي عمل أريد

الذهاب إليه فليس لدي وقت لأعد لك الإفطار ونجلس نتسامر "

أبعد ذراعه وقال ونظره للسقف " لم يعد هناك عمل "

نظرت له بصدمة وقلت " ما تعني بهذا !! "

نظر لي مسندا رأسه بذراعه للأمام وقال ببرود

" أعني صرفك مدير المصنع من العمل نهائيا "

قلت بصدمة أشد " وبأي حق يصرفني ومن أخبرك أنت "

جلس وقال " بحق أنك لم تعودي تحتاجينه وعلمت

لأني من طلب منه ذلك "

رميت الحقيبة من يدي وقلت بغضب

" حتى هنا ويكفي يا سيد , أخبرني بأي حق تقطع رزقي "

قال بهدوء وهوا يتكئ بمرفقيه على ركبتيه ونظره للأسفل

" لا داعي للصراخ والغضب أخبرتك أنني قررت وانتهى والمصنع

لستِ بحاجة للذهاب إليه أبناءك يحتاجونك أكثر إن كنتي تحبينهم بالفعل "

قلت بضيق " وكيف وافقتك والدتك على المستهترة التي ربتهم

على الاستهتار , ولا تقُل أنك تريد أن أربيهم عل طريقتها "

قال بحدة ورأسه ما يزال للأسفل " لا تخطئي معي في الكلام يا

آنسة , أنا من قررت رضيت والدتي أم كرهت تفهمي "

قلت بسخرية " لدي سؤال واحد فقط لو كان لي والد أو شقيق

هل كنت ستأمرني بالزواج بك هكذا "

نظر لي وقال بجمود " لو كان لك أحدهما أو حتى كلاهما ما كانا

سيرفضانني ولو أمرتهم أمرا وأنتي أذكى من أن تفوتك هذه النقطة "

قلت بابتسامة جانبية " ولما كل هذه الثقة وأخبرني كيف تتزوج بابنة

الرجل الذي هربت معه زوجتك "

عاد بنظره للأرض وقال ببرود " هذه مسألة شخصية "

كتفت يداي لصدري وقلت " وهل لي أن اعلم خبايا

هذه المسألة لأني لم أقتنع بها بعد "

رفع رأسه وتنفس بنفاذ صبر وقال " الزواج سيتم يا أرجوان نبشتِ

في دفاتر الماضي أم لا وأضنك تحبين الأولاد ولا تريدي أن تكوني

معهم إلا للأبد وها هي أتتك حتى عندك أم ستجدي حجة أخرى "

قلت بهدوء ممزوج بالضيق " هل لي بسؤال تجيبني عليه بصراحة "

نظر لي وقال " ما هوا "

قلت من فوري " ما هي مكانة الزوجة لديك "

وقف وقال " أخبرتك أن كلانا يعلم أن هذا الزواج من أجل الأبناء "

قلت ببرود " وإن رفضت "

قال مارا من أمامي " لست هنا لآخذ رأيك ولا تتعبي نفسك

بالذهاب للمصنع لأنه لن يقبلك فيه "

ثم خرج وأغلق الباب خلفه فجلست منهارة فوق الكرسي وبدأت

بالبكاء ولا اعلم لما وعلى ماذا بالتحديد وبقيت أبكي مكاني لوقت

طويل وهاتفي يرن في حقيبتي طوال الوقت ولم أجب عليه ولم أرى

من يكون , مؤكد هذه سوسن تطمأن لما لم أذهب للمصنع

ذاك المتعجرف المتحجر الصخرة الميتة الأحاسيس حتى عملي

حرمني منه ولا أستبعد أن يخرجني للشارع أو يهددني بالسجن

لأوافق , لو أعرف فقط كيف يفكر ... يتزوج بي ووالدته تكرهني

وتكره طريقة تربيتي للأطفال لا ويقولها بصريح العبارة من أجل

الأولاد فقط , أي سأعيش حياتي كلها مربية لأبنائه أعيش في

غرفة في نهاية ممر غرفهم مهمشة وخادمة ليس إلا

لم أحلم حياتي بزوج كهذا وما كنت أرضى به , كان مناي

زوج محب عطوف رومانسي ينسيني سنين وحدتي وفقدي لأبنائي

اللذين ربيتهم وليس ذاك الصخرة الخالية من المشاعر والأحاسيس

جلست لساعات أفكر في مخرج من هذه الورطة التي لا مخرج

منها فإن هربت من المدينة وعشت في أخرى سيحضرني طبعا

وبسهولة وحتى إن بقيت هنا واستمررت في رفضي له لن أجد

المال حتى لآكل ولن أحضا بفرصة عمل أخرى لأني من دون

شهادة وحتى إن تحصلت عليه سيخرجني منه كسابقه , ما هذه

الورطة هل هذا ثمن اعتنائي بأبنائه وتربيتي لهم يريد دفني

بالحياة , لو كنت وافقت على عرضه السابق لما حدث كل هذا

ولكني محقة في رفضي أقسم أن قلبي يتشقق عليهم ولست أحبهم

فقط بل وأدمنهم لكن والدهم ذاك مستحيل لا يمكنني إدخال

الفكرة لرأسي ولا بأي شكل , بعد وقت طويل قضيته مكاني

ولم أتحرك إلا لصلاة الظهر سمعت طرقات على باب المنزل

ومؤكد هذه سوسن إن لم يكن أحد الجيران جاء ليسألني من

هذا الذي نام في منزلك البارحة فلا شيء لدى الناس سوى

تهويل الأمور , وقفت وفتحت الباب فكانت سوسن , دخلتُ

وهي تتبعني قائلة " أين أنتي لا ذهبتِ للمصنع ولا تجيبي

على اتصالاتي ؟ ماذا حدث وكيف لم يأتينا مدير

المصنع يزمجر غاضبا لتغيبك "

جلست وقلت بضيق " لأنه تم صرفي من العمل وانتهى دوري هناك "

جلست ونظرها المصدوم علي وقالت " كيف ولما !! "

أمسكت وسادة الأريكة وقلت بغيض " قال لم أعد أحتاجه "

قالت باستغراب " من ؟! "

قلت بحدة " ومن غيره مصيبة ابتليت بها في حياتي "

قالت بحيرة " ولما يخرجك من المصنع ويقول أنك لا

تحتاجينه, هل سيصرف عليك من ماله "

ابتسمت بسخرية وقلت بحسرة

" ليتها كذلك , الحقيقة أقسى من كل هذا يا سوسن "

قالت بتذمر " أرجوان بربك لا تنفخي لي رأسي بالألغاز

أحكي لي ما حدث معك بالتفصيل "

تنهدت وحكيت لها كل ما حدث فضحكت كثيرا ثم

قالت " يالك من محضوضة يا أرجوان "

قلت بضيق " أي محضوضة هذه أقسم أن الحظ

لم يعرف لي طريقا في يوم "

قالت ببرود " أتركي عنك كل هذه السخافات هذا زوج تتمناه

كل امرأة في البلاد حتى أنا إن طلبني للزواج تطلقت

من زوجي وتزوجته "

قلت بصدمة " مجنونة تبيعين زوجك بهذا المتحجر "

قالت بابتسامة " وسيم وطويل وعريض ورئيس الشرطة

الجنائية ولديه قصر وخدم وحرس وشخصية مدمرة

لما لا أبيع زوجي من أجله "

قلت بضيق " أقسم أنك فقدتِ عقلك ولا تنسي أن تضيفي

للائحة متعجرف ومتحجر ووالدته تهرب منها الجدران ويحترمها

حد أنه لا يعصي لها أمرا ولا يمد للرومانسية بصلة وزيديها

يريدني مربية لأبنائه فقط "

قالت بلامبالاة " لا رجل بلا مشاعر وحجر ... فقط من لديها

العقل ستحركه وتحرك المشاعر داخله , لا تكوني غبية

هذه فرصتك لتكوني مع الأطفال اللذين أفنيتي خمس سنين

من عمرك تربينهم ولتحضي بزوج تتمناه كل امرأة

حركي عقلك واكسبيه في صفك "

قلت ببرود " نعم معك حق فأنت لا تعرفينه ووالدته "

قالت بضيق " أرجوان لعلمك هوا سيفعل ما يريد إن بالطيب أو

الإكراه وعنادك هذا لن يزيد الأمور إلا ضدك فستتزوجينه في

النهاية فلا تكثري المشاكل بينكما لتكبر الفجوة من قبل أن تتزوجا "

أغلقت أذناي وقلت " لا تقولي تتزوجا أصمتي يا سوسن "

قالت بضيق " غبية ستكونين اكبر غبية إن أكترثِ من المشاكل

بينكما ليكرهك من الآن , حركي عقل الأنثى لديك واكسبيه ولو

بالبطيء وستكسبين كل شيء في النهاية "

اتكأت بمرفقاي على ركبتاي ورأسي بين يداي وقلت بحزن

" لما أنا من تدفع ثمن أخطاء الغير ؟ لما يجلبون لي أبناء ليسوا أبنائي

لأربيهم ثم يأخذونهم مني ليحرقوا قلبي عليهم ويرموهم في الجحيم

ويرموني معهم وعليا إخراجهم , ذاك ليس قصرا يا سوسن ذاك جحيم "

وضعت يدها على كتفي وقالت بجدية " وهل ستتركينهم في ذاك

الجحيم حتى يدمروهم وأنتي بإمكانك إنقاذهم , هي فرصتك يا

أرجوان لتكوني معهم وتربيهم كما تريدي "

تنهدت وقلت " ومن سيسمح لي هناك بذلك سيجنون علي معهم "

وقفت وقالت " ها أنا أقولها للمرة العاشرة يا أرجوان كوني

ذكية وأكسبي كل شيء لصفك فأنا لا أصدق أن ثمة رجل بلا قلب

ولا مشاعر , فقط هوا ينقصه امرأة بعقل وسيصبح تحت جناحك

وتصرفك وتضربين كل القوانين حينها عرض الحائط وأولهم والدته

أما رفضك وإصرارك لن تجني منه شيء سوى كرهه لك

وأنتي الخاسر في النهاية , هذه فرصتك يا صديقتي وفكري لما

تزوجك أنتي بالتحديد وليس غيرك "

نظرت لها وقلت " لأن أطفاله ستضيع دراستهم

وإلا ما كان سيتزوجني "

قالت ببرود " غبية يمكنه حل ذلك بسهولة لكنه بالفعل يعتمد

عليك, لن نقول يحبك ولكنه يثق بك الخطوة الأولى كانت

منه الثانية وحتى العاشرة يجب أن تكون منك , أعرفك

أذكى من غبائك هذا يا أرجوان "

هززت رأسي وقلت " مستحيل مستحيل "

قالت مغادرة " ما لدي قلته ولا أريدك أن تندمي يوما حين

تريهم ضاعوا أمامك وأنتي جاءتك فرصة ولم تستغليها "

ثم خرجت وغادرت وتركتني أسوأ مما كان بي

*

*

كنت واقفا ويدي في جيب بنطالي متكأ على حافة باب

المنزل وانتظر تلك المشاكسة التي لم تأتي بعد , هل كل هذا

بحث تحت نافدة غرفتها والشرفة , بعد قليل دخلت من الباب

الخارجي فسويت وقفتي وقلت " ها ما حدث معك يا بتول "

اقتربت مني ونزعت حجابها وقالت " لا شيء لم أجد شيء "

قلت " ولا أي شيء أبدا هل أنتي متأكدة "

قالت بغنجها المعتاد وهي تبرم خصلة من شعرها بين أصابعها

" لا شيء خالي رضا أنت تعلم أني أحرك الحراس هناك

للبحث ولم يروا شيئا والخادمة قالت لم تُخرج أي أوراق

ممزقة من غرفتها حين نظفتها "

ابتسمت وقلت " وكيف جعلتِ الحراس يبحثون لك "

ضحكت وقالت " أنتم الرجال حمقى كلمتين بغنج منا

نحن تلبون كل أوامرنا "

ضحكت وقلت " لهذا إذا تكرهين معتصم لأنه لا يتأثر بمياعتك "

تأففت وقالت بصوتها الرقيق " ذاك مريض نفسيا

لا أعلم ما الذي يكرهه بي "

قلت بابتسامة جانبية " قد لا يكون كرها "

قالت بتذمر " وما سيكون إذا وأنا لم أعجبه في كل الأحوال , لو

فقط يبتعد عن طريقي لا أريد منه أن يحبني "

قلت بابتسامة " عليك أن لا تكرهيه هكذا فقد تتزوجينه يوما "

قالت بصدمة " ماذا !!! أنا أتزوج ذاك "

ضحكت وقلت " لا تنسي أنه ابن عمك وأن والدك حين

رزق بك بعد سنين انتظار وعد شقيقه إن رغب

بك أحد أبنائه لن تكوني إلا له "

قالت بضيق " ذاك كلام في الماضي هل أنا سلعة يبيعونها "

ثم تابعت وهي تدخل المنزل " قال أتزوجه قال

يع ألم أجد من أتزوج "

راقبتها تدخل بابتسامة على اقتراب والدتها المتذمرة منها

وصلت عندي وقالت بابتسامة " ألن تغير رأيك

يا رضا وتبقى معنا مزيدا بعد "

قلت بهدوء " لا فعليا الذهاب ولكن قد أؤجله للغد

لأني سأقابل جابر أولا "

قالت باستغراب " جابر !! ولما ؟ "

نظرت للأرض وقلت " سأحدثه في موضوع زهور "

قالت بضيق " رضا لما لا تنسى تلك الزهور أخبرتك

أنها لا تليق بك ووالدتها لن توافق "

نظرت جانبا وقلت " أعلم وحتى إن وافقت والدتها

لن توافق هي لكني لن أيأس "

قالت ببرود " لا أعلم ما تحبه فيها , رضا هي كوالدتها اقتنع بهذا "

قلت بهدوء وقد عدت بنظري للأرض " لا هي ليست كوالدتها يا

أميرة هي فقط كانت تفعل ما تطلبه والدتها منها كي لا تغضب

عليها , أنا أكثر من كان يعرف زهور هي تربت على طريقتي

وليس طريقة والدتها وأنتي أكثر من يعلم لكن زواجها بذاك جعلها

تصبح هكذا صامتة ومنعزلة طوال الوقت حتى أنها لا تتبادل

الأحاديث إلا مع خادمة واحدة ومعينة , هي ليست

كوالدتها هي فقط مصدومة ومجروحة "

تنهدت وقالت " وهل أنت من عليه شفاءها , صحيح أنك كنت

تهربها من غرفتها في صغركم والممنوع عنها معك يصبح

مباحا لكنها لم تتذكر لك كل ذلك , ببساطة وافقت على

غيرك وتزوجته وتركتك رغم عشرات الرسائل التي

كنت ترسلها لها "

نظرت للبعيد وقلت " بعض الأمور تحتاج لتفسير كبير

يا أميرة, فقط لو أعلم لما فعلتها وهي تعلم !! لما "

قالت بحيرة " تعلم ماذا يا رضا ! ما الذي كان بينكما "

تنفست وقلت ببرود " لا شيء مهم "

ثم دخلت وصعدت لغرفتي وتركتها

*

*
فتحت خزانتي وأخرجت ذاك الصندوق البنفسجي

ولا أعلم لما لم أتخلص منه حتى الآن ! لما لم أرمه خارج

غرفتي والقصر كله , فتحت الصندوق وأخرجت الزهرة

لتعود بي الذكرى لتلك السنين


(( ... طرقات خفيفة على النافذة لأركض مسرعة وأفتحها وأقول

بابتسامة للفتى الواقف خارجها " رضا لما تأخرت "

مد يداه لي وقال " هيا بسرعة مدي يديك "

مددت يداي له وأخرجني من النافذة ككل يوم وسار بي حتى

صرنا في آخر الحديقة وقال " انظري هنا "

قفزت من الفرحة وقلت " حمامة من أين أحضرتها "

قال وهوا يخرجها من القفص " أحضرتها من صديق لي لهذا

تأخرت لقد اشتريتها من مصروفي طوال الشهر الماضي لتصبح لك "

ضممت يداي الصغيرتان لصدري وقلت " صحيح هي لي ... لي أنا "

قال بابتسامة " نعم لك أنتي وهل لدي غيرك أدفع عمري كله له " ))

رميت الزهرة في الصندوق وأغلقت الخزانة عليهم , كنت

صغيرة لكن كلماتك كانت كبيرة يا رضا وأعجز عن فهمها , تعلم

أني صغيرة ولم تشرح لي حقيقة تلك الحادثة بل تركتني أكتشف

لوحدي وبأبشع الطرق , لممت خصلات شعري وأمسكته بمشبك

وفتحت باب غرفتي , لم أفكر أن أفعلها منذ زمن ولكن هذه الأصوات

الصغيرة تبعث فيني الفضول ولا أعلم لما , سرت بضع خطوات

حتى نهاية الممر فتقابلت وطفلة صغيرة بل تقابلت مع نفسي في

صغري ... نعم نسخة عني تماما , نظرت لها مطولا بصمت

وهي تنظر لي باستغراب ثم قلت " من أنتي "

نزلت قليلا للأسفل ترفع فستانها الطويل وقالت بابتسامة جميلة

" الأميرة بيسان "

نهاية الفصل


طبعا الحدث إلي تم توقعوه هوا أختباء سما في المنزل

أول من فاز بهاتوقع طعون لكن فيتامين سي توقعت إنها في الخزانة

فاحترت منو بينهم بختار وأي وحدة بختارها بظلم الثانية فاثنينهم فازوا

بهدية الفصل وفيتامين سي ليها الخيار تاخذها هالفصل أو الفصل القادم

والهدية مثل السابقة حدث تبون أكشفه لكم من الفصل التاسع

وألف مبروك حبيباتي وتستاهلوا وترى في القادم أول من بيتوقع هوا بس

بياخذ الهدية ...... ودمتم في رعاية الله




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-05-15, 02:05 AM   #14

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


يسعد صباحكم جميعا

فصل اليوم بتتوضح فيه بعض الحقائق ولازال هناك الأكثر

والأكثر وشخصيات لم تظهر بعد ومفاجئة قريبة في الرواية

أتمنى تستمتعوا وينال الفصل إعجابكم


الفصل التاسع


لم يستطع نواس قطعا إخفاء الصدمة في ملامحه من كلام

وسن القوي الثابت عن زوجته وكأنها ليست من كانت قبل

قليل تبكي زواجه بغيرها فهكذا هوا الحب حتى القوة فيه ضعف

وهكذا هم العشاق لا تصدق منهم شي وهم يتواجهون بألمهم

ففي الفترة الماضية حين كانا يلتقيان عندي في زيارة وسن لي

نهاية الأسبوع يحاول نواس أن يكون هادئا ولا مبالي بعض الأحيان

لكن ابني نواس لا يعرف كيف يخفي ما في نفسه مهما حاول فأراه

طوال الوقت يحاول سرقة نظره إليها وهي في كل لقاء تبحث في

ملامحه عن أمل جديد يعيد ما كان بينهما لكن اللذان أمامي الآن

مختلفان تماما هي يائسة من الشيء الذي كانت تبحث عنه وتقاوم

مشاعرها بعنف المرأة المجروحة وهوا لم يعد يختلس النظر لها

بل أصبحت لا تفارق عيناه ملامحها وانقلبت الأدوار وباتت وسن

هي من تخفي مشاعرها ونواس هوا من يعطي مشاعره كامل

التصريح دون أن يجاهد نفسه لإخفائها

وقفت وسن وقالت " أعيش مع خالتي لأجل أن المنزل لها

ومن أجلها فقط غيره لا ولو نمت في الشارع "

بقي ينظر لعينيها بهدوء غريب وهي تنظر له بثبات حتى

قال بهدوئه ذاته " والدتي هي من تمنعني من نقلها للعيش

معي في المزرعة وأنتظر أن توافق فقط عندها كل

من هنا سينتقل هناك يا وسن "

قالت بحدة مشيرة بإصبعها له " لا لن أعطيها لك يا نواس

لن تأخذني لأعيش معها , لن تفرح بها يا ابن خالتي "

ثم أخذت حقيبتها وخرجت وتركت باب الغرفة مفتوحا ومارست

هوايتها الجديدة على باب المنزل , استند نواس بمرفقيه على ركبتيه

ونظره للأرض وقال بهدوء " أرأيتِ ابنة شقيقتك وأفكارها "

اتكأت على ظهر السرير وتنهدت وقلت " رأيتها ورأيت قراراتك

أيضا , كيف تأخذها للعيش معك وزوجتك هناك , عليك

أن تقدّر مشاعرها أو حتى صحتها على الأقل "

نظر لي وقال بضيق " وهل سأتركها تسكن وحدها هناك

لا وألف لا وأخبريها أن ترفع تلك الفكرة من دماغها نهائيا

أي جنون هذا أقسم أن ما يمنعني هوا رفضك أنتي الذهاب

للعيش معي ولا أرى ذاك الرفض منطقيا بعد أن قرر

جواد السفر فأفهمي ابنة شقيقتك هذا , وما تحدثتِ عنه

لا أعتقد أنه بات يعنيها والدليل كان واضحا أمامك "

قلت ببرود " وهل ترضى أنت أن تعيش معها وزوجها

في منزل واحد يا نواس ؟ هل تستحملها نفسك رغم

أنك من رفض مسامحتها من شهور "

أشاح بوجهه جانبا وقال بحزن " أمي يكفيني ما بي أرجوك "

تنفست بقوة وقلت بجدية " وسن أمانتك يا نواس لا تقتلها بذلك

عدني أنها لن تخرج من هذا المنزل إلا بعد موتي ولا تغادره

إلا لمنزل زوجها حية كنت أنا أو ميتة "

نظر لي بسرعة نظرة قوية لم أفهم مغزاها ثم وقف

على طوله وقال " مستحيل "

قلت " وما المستحيل بينهم ... حدد لأفهم "

قال مغادرا " قلت مستحيل يعني مستحيل "

ثم خرج وتوجه لغرفته وأغلقها خلفه بقوة

*
*
أخرجت هاتفي ثم أعدته لجيبي مجددا , عليا أن أنسى أمرها

بعد أن أصبحت زوجته يكفي ما تسببت به لها حتى الآن , ترى

هل تفغري لي يا مي إن علمتِ أنني من أوصلك لتلك المصيبة

دون قصد مني , مي الفتاة التي تحجبت عن الجميع قبل وقتها ولم

تعد تقابلنا أو تتحدث معنا إلا بالمصادفة , مي رمز الاحترام والعفة في

كل العائلة , حتى في مشيتها رأسها لا يرتفع عن الأرض تنتهي هكذا

نهاية وعلى يد أحد أصدقائي المقربين من كنت أحكي له عن مشاعري

نحوها ليحرمني حتى من أن أفكر في خطبتها لأنهم لن يرضوا بي بعدما

حدث وسأزيد الأمور سوءً , ترى هل ستحبين نواس يا مي وأبقى أنا

لحسرتي التي وحدي أستحقها , وحتى إن لم يحبها ولم تحبه لن

يطلقها كما قال فهي ضاعت مني وللأبد , نظرت للجانب

الآخر وقلت بابتسامة " ألا تشبع من رسم الخيول

جد لك شيء آخر غيرها "

وضع ريشته خلف أذنه وأمسك وسطه بيديه وقال

بسخرية " مثل ماذا يا أبو العريف , أنت مثلا "

ضحكت وقلت " وما المانع في الأمر ستكون لوحة الموسم "

ضحك وقال " أضحكتني يا أبو القناعة "

تجاهلته وقلت " وما تلك اللوحة بجانبك وكأن فيلا رسمها بخرطومه "

ضحك وقال " لو تسمعك صاحبة اللوحة ستجعلك تكره اسمك "

غمزت بعيني وقلت " ومن هذه ها "

ضحك كثيرا ثم قال " يالها من مخيلة التي لديك هذه ابنة

جابر رسمتني وأنا مضجع على السرير "

ضحكت حتى تعبت ثم قلت " ظننته صرصور أو نملة فوق

السرير وليس أنت , لقد أبدعت في رسمك "

نظر لي بضيق فقلت ببرود " دعني أرفه عن

نفسي قليلا يا معتصم فقلبي مسود "

قال بحيرة " ما بك يا وليد "

تنهدت ونظرت جهة الخيول وقلت " لا تكترث للأمر "

*
*
تأففت وقلت " فرح وما الداعي للبكاء الآن "

شهقت شهقة صغيرة وقالت " كيف لا تريد مني أن أبكي وأنت

تخبرني أن حفل زواجنا سيكون بعد ثلاث أيام والسفر خلال نهاية

الأسبوع القادم , منذ وقت وأنت تجهز للأمر ولم تخبرني بسفرنا إلا

الآن , متى سأشتري ما يلزمني ومتى سنجهز للحفل وأدعو زميلاتي "

قلت بضيق " فرح أنتي تعلمي أن صحة والدتي لا تسمح أن نقيم

أي حفل كبير , كم مرة سنتناقش في هذا "

لوحت بيدها وقالت بتذمر " لا شأن لي كيف أتزوج بدون

حفل يكفي لا حفل خطوبة ولا قران وكأنني أرملة أو

مطلقة, لما لا تراعي مشاعري أبدا "

تنفست بقوة مهدأ لنفسي ثم أمسكت وجهها بيداي وقلت

" فرح حبيبتي ما الداعي لكل تلك الشكليات لن نشتري الكثير من

الثياب وسأشتري لك هناك كل ما تريدينه , هل يرضيك أن نقيم حفلا

في صالة فندق ووالدتي تبقى وحدها في المنزل , ضعي نفسك مكاني "

قالت بحزن " ولما لم تخبرني منذ وقت عن كل هذا لما ؟ ألستُ شريكة

حياتك ومن المفترض أن أعلم منذ وقت وأرتب أموري "

قبلت خدها وقلت " حبيبتي أنتي يا فرح كنتي تعلمين أي ظروف

نمر بها كلانا فلما أشغلك بكل هذا , لا تعقدي الأمر أكثر

حبيبتي ودعينا نسعد كغيرنا "

نامت في حضني برفق وقالت بهمس باكي " لما زواجي محاط بكل

هذه التعاسة , لما لست كباقي صديقاتي فليس لدي حتى صورة

لحفل خطوبة مثلهن وكأنك مجبر على الزواج بي "

شددتها لحضني بقوة وقلت " ما رأيك لو أذهب لك في الجامعة

وأحملك بين ذراعاي أمامهم وألف بك الجامعة كلها ليصدقوا أني

أحبك ومتيم بك ولست مجبرا عليك "

قالت بصوت مبتسم " موافقة وفي الغد "

ضحكت وقلت " مشكلتي أني لا استطيع ولا حتى التنفس بدونك

سأفعلها غدا وإن طردوك من هناك لا تلقي باللوم علي "

ابتعدت عن حضني وقالت بحزن " أنا قلقة بشأن وسن يا جواد "

تنهدت وقلت " يبدوا والدتي ستجد حلا لكل هذا

خصوصا بعد أن تزوج نواس "

وضعت يدها على فمها مصدومة وقالت " تزوج "

تنهدت وهززت رأسي بنعم وقلت بهدوء " ووسن علمت بذلك "

وقفت وقالت بصدمة " ونحن نجلس نتبادل الغراميات هنا

انهض هيا لنذهب لها , هذا إن كانت في المنزل أساسا "

نظرت لها فوقي وقلت بعبوس " لا أعلم لما أنا دائما في المقام الأخير

لديك حتى زميلاتك ومظهرك أمامهم أهم من ظروفي "

وضعت يداها وسطها وقالت بضيق " جواد قف هيا وخذني

لشقيقتي أو ذهبت وحدي وتبقى أنت هنا وحدك "

زدت عبوسا أكثر ماداً شفتاي بزعل فضحكت على شكلي

ثم أمسكت وجهي وقبلت شفتاي قبلة سريعة وقالت

" قم هيا يا قلب فرح "

مثلت الإغماء على الأريكة وقلت وعيناي مغمضتان

" هل أنا في حلم وزوجتي قبلت شفتاي أخيرا "

سمعت ضحكتها ثم قالت " جواد هيا وأنت كالمراهقين "

قلت " أنا مغمى علي ولا يمكنني الاستيقاظ دون قبلة

جديدة ولكن ليس بخيلة كتلك "

سحبتني من يدي وهي تقول " لا تجعلني أندم حتى

على تلك , بسرعة تحرك "

تحركت معها وأنا أقول " أمري لله كلها أيام

قليلة وسنتصافى يا فرح "

خرجنا من الشقة ووجدنا وسن تصعد السلالم , تخطتنا في

صمت ودخلت الشقة فنظرنا لبعضنا ثم قلت بهمس

" اذهبي لها لقد تقابلت ونواس عند والدتي , أنا

في الأسفل إن احتجتما شيء ... حسناً "

هزت رأسها بحسنا ولحقت بها وأغلقت الباب

ونزلت أنا لسيارتي
*
*
سمعت طرقات على الباب ثم دخل أخي عاطف وقال

" عمي سعيد يريدك في الأسفل "

وقفت دون كلام ولا حتى أن أرفع عيناي فيه ونزلت

أمامه وتوجهت من فوري لمجلس الرجال حيث سيكون

ودخل خلفي عاطف فقال عمي " دعنا وحدنا يا عاطف "

خرج من فوره وأغلق الباب خلفه وقال عمي بحنان

" تعالي اجلسي يا مي "

توجهت نحوه وجلست بجواره فقال بهدوء

" أخبرني شقيقك أنك ترفضين شراء جهازك يا مي هل هذا

صحيح لأن زوجك يصر على أن أعرف ذلك منك شخصيا "

هززت رأسي بنعم وقلت " أجل أنا قلت ذلك ولم

يجبرني أحد أو يكذبوا عليك "

تنهد وقال " ولما يا ابنتي أنتي عروس كغيرك

لا تنقصي من قدر نفسك "

نزلت دمعتي فمسحتها ولذت بالصمت فقال

" نواس اتصل بي وقال أن زواج شقيقه بعد ثلاث أيام سيكون زواجا

عائليا بسبب مرض والدته إن كنتي تريدي الحضور ولتتعرفي والدته

أخذتك معي لأني مدعوا وشقيقك عاطف أيضا وزوجك طلب سؤالك "

هززت رأسي بلا وقلت " أي زواج سأحضره بهذه العلامات في كل

جسدي ثم بأي وجه أذهب لهم المشوه أم الملطخ بالعار "

قال بضيق " مي لا تعطي الأمر أكثر من حجمه زوجك ليس من

هنا ومدينته تبعد كثيرا ولا يعرف غيره بما حدث فلا تُرخصي

نفسك أمامهم أنتي أشرف من الشرف ذاته "

قلت بحسرة " يكفي أنه هوا يعلم "

قال بجدية " يعلم وراضٍ أيضاً "

لذت بالصمت أمسح الدموع التي غلبتني فوقف يستند بعكازه

وقال " سأخبره أنك متعبة قليلا ولا تستطيعين الذهاب وعليك أن

تشتري كل ما يلزمك يا مي وحسابي مفتوح لك فوق المال الكثير

الذي دفعه زوجك ومهرك محفوظ لك متى ما أردت كان بين يديك "

غادرت المجلس ركضا للأعلى وعدت لغرفتي وأغلقت الباب واتكأت

عليه , لما أنا من ماتت كل أحلامها في مهدها ؟ ترى ما تخبئ لي الحياة

من تعاسة ونكبات جديدة , مسحت دموعي واستغفرت الله ثم توجهت

لخزانتي وأخرجت الصندوق الصغير الذي يعيش في قلبي قبل الخزانة

جلست على الأرض أمامها وفتحته وأخرجت علّاقة المفاتيح الموجودة

فيه يتدلى منها حرفي الواو والميم بالإنجليزية مرتبطان ببعضهما

مرصعان بفصوص من الكريستال وفصوص ملونة تتدلى منهما

العلّاقة التي عاشت معي لوقت طويل منذ أن أخذتها من مجلس الرجال

بعدما نسيها وليد في مجلسنا ولم تطاوعني نفسي أن أعيدها له رغم

علمي بأنها غالية على قلبه وأنه بحث عنها وعاصم شقيقي كثيرا في

كل المجلس وهي عندي ولا أحد يعلم كما مشاعري نحوه منذ صغري

المشاعر النظيفة التي لا أحد يعلم عنها غيري وقلبي وخالقي

حركتها أمام عيناي الدامعتان أودعها أيضا مع كل أحلامي الجميلة

تُرى من تكون هذه التي حرفها مرتبط بحرفه ومتعلق به هكذا أم أنه

أسمه هوا وليد مختار فقط , حضنتها بقوة أبكي حتى الأحلام التي

لم أكن أجزم أنها ستتحقق , لو أني فقط أجد ذاك الشخص الذي

سرق مني كل هذا ودمر حياتي , صاحب الرسائل الخفية

لو ألتقي به فقط ولو ليوم في حياتي لآخذ بحقي منه

أعدت العلاقة للصندوق ووضعت معها الرسائل ليحتضن الحلم

ومن أحرقه وأغلقته , إن طاوعتني نفسي سأتركه هنا قبل ذهابي


************************************************** **

قلت بحيرة " ولكن التي معي اسمها سما أحمد عبد الله "

توجه للرفوف في مكتبه وأخرج ملفا بحث عنه لوقت ثم اقترب

مني وفتحه وأراني صورة فيه وقال " أليست هذه الفتاة "

نظرت لها وقلت " نعم هي "

قال مشيرا بإصبعه " انظر للاسم تحتها "

نظرت وقرأت " سما رفعت عمران الشاطر "

قال بجدية " هل تأكدت الآن "

قلت بحيرة " ولكن كيف !! "

عاد للجلوس على مكتبه وقال " احكي لي كل ما حدث

معك وكيف وجدتها وسأحكي لك كل شيء "

سردت عليه كل ما حدث معي للحظة وهوا يسمع باهتمام حتى

انتهيت فهز رأسه وقال بضيق " آخر ما كنت أتوقع أن

تكون تعيش هنا تحت اسم مزور "

قلت " حتى هي لا تعرف غيره "

تنهد وقال " قضية معقدة ولا تزداد إلا تعقيدا "

بقيت أنظر له بحيرة لوقت ثم قلت " ولما لم تعمموا صورتها

وتبحثوا عنها مادمتم تملكون الصورة "

قال بجدية " ستكون فكرة غبية أن نعطيهم شكلها واسمها "

قلت بهدوء " جابر هلا شرحت لي ما سر هذه القضية "

أغلق ملفها أمامه وقال " قضايا المصانع ذاتها مقتل شخص فيهم

أو صاحبه والنقطة المشتركة هي الهند إما تصدير أو استيراد

أو شراكة أو نقل أو أي صلة , الجرائم غامضة والأسباب

غامضة والسلسلة تجر بعضها ولم نكتشف السبب حتى الآن "

قلت بهدوء " سما ذكرت أنها كانت تلاحظ نقاشات كبيرة بين

والدها وشريكه ثم قرر الانتقال هنا بعدما باع حصته "

قال بضيق " والمشكلة أن جميع أوراقه مسروقة ككل

قضية فلا نعرف الشريك ولا ما حدث "

قلت بشرود " ولما زور أسماء أبنائه حتى أنهم هم

لا يعرفون أسمائهم الحقيقية "

قال بهدوء " يبدوا رجلا حذرا جدا وكان يتوقع كل هذا الخطر "

ثم وقف وقال " هيا خذني إليها عليا معرفة المزيد منها وزيارة القبو "

وقفت وقلت " مهلك يا جابر الفتاة رأت أفراد الشرطة يسخرون من جثث

عائلتها ويضحكون , هي لا تتقبلكم بل وتكرهكم ولن تتجاوب معك بسهولة "

قال بضيق " هل سنساير مراهقة صغيرة , عليها أن تتكلم ليس

من أجلها فقط بل ومن أجل غيرها "

قلت بضيق " جابر لا تستهين بالأمر وضع نفسك مكانها هم

عائلتها جميعهم وكل ما لديها , الخطأ على رجالكم لأنهم مستهترين

ولا يحترمون الموتى وكأنهم يخرجون قطط ميتة وليست

عائلة قتلت بدم بارد "

قال باستياء " وما سأفعله لهم برأيك أعاقبهم وأسجنهم , هم في

النهاية اعتادوا على رؤية هذه المناظر وماتت قلوبهم "

قلت بغضب " وهل تموت قلوبهم درجة أن يتغزلوا في امرأة

ميتة , هذا ليس موت قلوب هذا موت حياء "

قال ببرود " وهل سنجلب لها سرك التحقيق كاملا ليعتذر منها بربك

يا نزار الرجال تحت يداي يعترفون بسهولة لن أعجز من فتاة "

قلت بصدمة " ما قصدك بهذا هل ستعذبها لتعترف بما تريد "

قال بنفاذ صبر " نزار كم مرة سأقول وأعيد أني لا أضرب النساء "

قلت بسخرية " وكيف تحقق معهن يا حضرة المحقق "

قال بضيق " أرسلهن للقسم النسائي طبعا يا ذكي "

قلت ببرود " ما لديا قلته علينا أن نقنعها بالتعاون معكم أولا

أنا وعدتها بأن أساعدها لا أن أرغمها على مالا تريد "

قال بسخرية " نزار هل لعبت تلك الصغيرة بعقلك أم

بقلبك أم بكلاهما معا "

ضحكت وقلت " لن تنال مني بهذه يا ذكي فأنا أعرف

ألاعيبك جيدا , هي طفلة أمامي يا نبيه فبما ستلعب وتلعب "

قال بضيق " نزار قد يكون لدى الفتاة الخيط الذي سيحل

لنا كل هذه المشكلة فلا تتعب لي رأسي "

قلت مغادرا " أَخرج الفتاة حاليا من القضية سنتناقش أنا

وأنت فقط وأجلب لك منها كل ما تريد , وداعا "

*
*
تركتها أنهت صلاتها على سريرها ثم أحضرت صينية الشاي

والكعك وقلت " لقد حضرت كعكا لنأكله مع الشاي , والدتي رحمها الله

كانت تفعل هكذا دائما بعد أن نصلي العصر , سيعجبك كثيرا فأنا

أكثر ما أحب أعداده هوا الكعك "

قالت بابتسامة " حمدا لله الذي رزقني بابنة كبيرة على كبر

ورزق نزار بمن ستفضي له جيوبه "

قلت بحزن " آسفة يا خالتي لم أقصد أن أكلفه "

ضحكت وقالت " لا تخافي عليه إن نفذ ما لديه لن يخجل

منك , هيا دعيني أتذوق كعكك "

وضعت لها قطعة في الطبق وقلت

" لدي في قبو منزلنا أموال كثيرة لا أريدها ليأخذها هوا "

ضحكت وقالت وهي تأخذه مني " أنتي لا تعرفين نزار يا

سما هوا حتى من الرجال لا يأخذ النقود كيف سيأخذها

منك أنتي فلا تجرحي كرامته بقول هذا له "

قلت بهدوء حزين " ولكني لا أريدها فعلا وأكرهها

فبسببها خسرت عائلتي "

تنهدت وقالت " لو كل من فقد أحد تخلص من السبب لضاعت

البشر يا سما, المال سند للإنسان يا ابنتي رغم كل عيوبه "

سمعنا حينها صوت باب المنزل انفتح وأنغلق فقالت مبتسمة

" ها هوا أستاذك قد جاءت به رائحة كعكك اللذيذ "

وقفت من فوري مبتعدة عن الكرسي ووقف هوا عند الباب

متكأ بحافته وقال بابتسامة " ما هذه الرائحة هل

تأكلون شيئا من ورائي "

أخفضت رأسي خجلا وقالت والدته " هذه سما قررت سحق

أموالك وأعدت كعكا لم أتذوق مثيله فتعال قبل أن لا تجد منه شيئا "

دخل وقال " جيد والحكم على الطعم وليس الرائحة وأنتي ستدفعين

ثمن كل هذا يا أمي حين تعود سما لعائلتها لأنك ستُحرمين منه "

ضحكت وقالت " لم أفكر في هذه النقطة "

جلس وأخذ قطعة صغيرة من طبق والدته وأكلها وقال

" ممتاز هل حقا أنتي من أعدها ولم تشتريها من الخارج "

أخفضت رأسي ولم أستطع قول شيء من حيائي فضحكت

خالتي وقالت " طالبتك هذه تبدوا تخاف منك كثيرا "

خرجت حينها مسرعة من الغرفة للمطبخ فأنا حقا غير معتادة

على الاحتكاك بالرجال والأستاذ نزار كان جديا معنا كثيرا

في الحصص وما أن أراه حتى تتوتر جميع مفاصلي

دونا عن غيره من الرجال
*
*
ضحكت وقلت " الفتاة تخجل كثيرا أو تخاف منك "

أكل قطعة أخرى وقال " هي تخجل مني وغير معتادة

علي فوالدها رباهم في معزل عن الجميع خصوصا

الرجال فستحتاج وقت لتتعود "

قلت بهدوء " ماذا فعلت بشأنها "

قال بذات الهدوء " تحدثت وجابر , لديها اسم حقيقي غير اسمها

ذاك وسنبحث في أمرها فيما بعد لأني كدت أتشاجر معه "

قلت بحيرة " ولما تتشاجران !! "

قال بصوت منخفض " الفتاة تكره رجال الشرطة ولا تتق بهم

وهوا يريد استجوابها ومعرفة المزيد منها وأنا رفضت

حتى نقنعها بالتحدث معه "

تنهدت وقلت " خيرا صنعت فهي ناقمة عليهم حقا من

حديثها حين حكت لي عن قصتها "

ساد الصمت قليلا ثم كسرته قائلة " الفتاة معتادة على

حياة مرفهة وكل ما تريده تجده لذلك أفهمتها بطريقتي

أنك لن تستطيع توفير كل ما يلزم المطبخ "

نظر لي بضيق وقال " أمي ما هذا الذي فعلته

أنا لن أعجز عن توفير ما تحتاج "

قلت بهدوء " ولكنك توفر المال وهذا .... "

قاطعني باستياء " وإن يكن فليس من اللائق أن تخبريها

أني عاجز عن توفير ما ستحتاجه "

ابتسمت وقلت " آسفة بني كان قصدي خيرا "

وقف وقال " لا بأس أمي أنا هوا الآسف ولكن

ما كان عليك قول هذا لها "

ثم خرج من الغرفة , ويحي كيف نسيت أنه في النهاية رجل

ولا يحب أن يظهر عاجزا أمام امرأة عن توفير ما سيلزمها

*
*
دخلت المطبخ ووجدتها خلف باب الخزانة لا يظهر منها سوى

المنتصف من جسدها تقف على حافة الخزانة السفلية المفتوحة وترفع

نفسها على رؤوس أصابعها لتحضر شيئا من الخزانة العلوية

اقتربت منها وقلت " أنا سأنزل لك ما تريدينه "

ارتعدت حتى كادت تسقط وتمسكت بباب الخزانة السفلية

فأمسكتها من ذراعها وقلت " حاذري من أن تقعي يا سما "

ابتعدت عن الخزانة وعدلت من شعرها تخفي ما تناثر منه خلف

أذنها تنظر للأرض وقالت بشبه همس

" آسفة أردت جلب الصينية من الأعلى "

أنزلتها لها وقلت " الرفوف مرتفعة عليك سأجلب مع الأثاث

شيئا يساعدك في الصعود فلا تصعدي هكذا ثانيتا "

هزت رأسها بحسنا دون كلام فقلت مبتسما " يبدوا أنه لديك

مشكلة مع كلمة نعم ولا , ما رأيك أن تقوليها بالإنجليزية "

نظرت لي بصدمة فقلت بذات ابتسامتي " كلما سألت عن

شيء أومأتِ لي برأسك سلبا أو إيجابا "

ابتسمت وأنزلت رأسها وقالت بحياء " آسفة لم أقصد "

ضحكت وقلت " ولما تعتذري أردت فقط أن أمازحك

كي تعتادي على الحياة معنا هنا "

وضعت الصينية على الطاولة وقلت " سأجلب أثاث غرفتك

وما طلبته مني لأني تركته لأجلبهم معا , إن كنتي تحتاجين

لأي شيء في المطبخ اكتبيه في ورقة حسنا "

هزت رأسها بحسننا ثم ضحكت ضحكة صغيرة وقالت

" أعني حسننا سأكتب لك "

ضحكت وقلت " أخشى أن تتحولي لثرثارة بسببي , يمكنك

قولها كما تريدين كنت أمزح فقط "

هممت بالخروج حين استوقفني صوتها قائلة " أستاذ نزار "

التفت لها وقلت " وأستاذ هذه لم يعد لها لزوم حسنا "

أحمرت خداها وشتت نظرها وقالت " لا استطيع ... "

كم هي طفلة هذه الفتاة وكأنها لم تخرج للعالم بعد , قلت بابتسامة

" ستعتادين ذلك أنا لا أريد أن تناديني أستاذ اتفقنا "

قالت بهمس " سأحاول "

قلت " نعم يا سما ماذا كنتي تريدين قوله "

قالت بهدوء وعيناها في عيناي " هل فصلوا

وجدان أيضا من المدرسة "

لذت بالصمت للحظات ثم تنهدت وقلت " هذا ما حدث

أمامي لكن والدها أعادها "

نظرت للأرض وقالت بحزن " علمت أني

سأكون الخاسر الوحيد "

وضعت يدي على كتفها وقلت

" لا تقلقي يا سما لن يضيع من دراستك شيء كوني أكيدة "

رفعت رأسها لي وقالت بسرور " حقا لن تضيع دراستي "

هززت رأسي لها بنعم وقلت " أعدك لن يحدث ذلك "

ضحكت وقالت " ها أنت أيضا لم تقل نعم بل هززت رأسك "

حككت شعري وقلت ضاحكا " يبدوا أني أصبت بالعدوى منك "

ثم قلت خارجا من المطبخ " سأصعد لغرفتي قليلا

ثم أخرج للسوق فلا تنسي كتابة ما تريدين "

صعدت من فوري لغرفتي وفتحت الإنترنت مجددا أبحث

عن عائلتها الحقيقية وصعقت بأنها عائلة كبيرة ومعروفة في بيع

وتجارة قطع غيار الآلات الكبيرة كالمصانع والشاحنات وما إلى

ذلك, لديها ثلاث أعمام واحد مقيم في الخارج وآخران هنا أحدهم

الأكبر وهوا متوفى وأبنائه يديرون كل أعمالهم , رفعت هاتفي

واتصلت من فوري بجابر فأجاب بعد وقت فقلت مباشرة

" عائلة الفتاة معروفة وفاحشة الثراء "

قال " أعلم "

قلت " ما سر إخفاء والدها هويتهم يا ترى "

قال من فوره " في الهند كان أحمد عبد الله الجهري وهنا

أحمد عبد الله فقط وكأنه أخفى هويته مجددا والسبب مؤكد

أولئك العصابة لكن المخاوف أين يصل علمهم عن العائلة

فقد يكونوا يعلمون الاسم الحقيقي لهم ويبدوا يبحثون عن الفتاة

لسبب ما قد يكون مخاوف لديهم من أن يكون لديها أي معلومات

عنهم فحسب تحليلي للقضية المجموعة التي أرسلوها قتلت

الجميع ضنا أن الطفلة الهندية هي ابنتهم والأوامر كانت بقتل

الوالدين وابن والابنة ثم تبين لهم غير ذلك وعادوا للبحث عنها "

قلت بحيرة " ولما غيّر والدها حتى اسمه الأول ومن سنين

طويلة ومنقطع عن عائلته تماما "

قال بعد صمت " مشاكل شخصية بينهم لا يحق لي قولها لأحد "

قلت " وهل تصل به لتغيير اسمه !! غريب حقا أمره "

قال " أتركنا من هذا ودعني أقابل الفتاة سريعا "

قلت بضيق " جابر ما لدي قلته فلا تجعل الأمور تسوء بيني وبينك "

قال بحدة " علينا أن نعلم منها وعلينا حمايتها منهم تفهم "

قلت " عائلتها هي الكفيلة بذلك الآن مادمت وجدتهم "

قال من فوره " إياك أن تتهور يا نزار ستضعها في الخطر بعينه

تكتم عن كل ما علمت مني ولا تخبر حتى الفتاة مفهوم "

قلت بتوجس " ولما لا تعلم ولما ستكون في خطر "

قال بضيق " احتمال علمهم بهويتها الحقيقية كبير وهم يبحثون

عنها فأنت بهذا تقول لهم ها هي تعالوا خذوها "

تنهدت وقلت " والحل إذا "

قال " لا تفعل شيء حتى أراها حسنا "

قلت بهدوء " حسنا ولكن ليس الآن "

تأفف وقال " ليس الآن أمري لله ستسيرنا فتاة

صغيرة على مزاجها "

قلت ببرود " أخبرتك أني لن أجبرها على شيء

وأني سأساعدها للنهاية "

قال " ولا تلوم إلا نفسك إن عرضتها للخطر "

قلت " لا تقلق وداعا "

أنهيت الاتصال منه وفتحت الدرج وأخرجت كل ما كنت مقررا

صرفه لهذا الشهر , يبدوا أني لن أوفر شيئا هذه المرة لأن أثاث

الغرفة سيكلفني لا بأس هذا الشهر سألغيه من حساباتي , والدتي

تعيش شبه مقعدة من سنين تنتظر الابن الفاشل الذي يجمع ثمن

عمليتها ولم تجني سوى الأمل الكاذب , العملية كبيرة ومكلفة كثيرا

حتى لو أخذت المال من جابر لن أغطي كل تكاليف العلاج والسكن

والرحلة وأمي أيضا لا توافق أن آخذ المال منه , آه سامحيني يا

أمي لو بيدي شيء لفعلته , لو لم تخذلني رهام وتتركني في الماضي

لكنت سافرت ودرست وتخرجت منذ سنوات وأجريت لها العملية

منذ زمن ولم أنتهي هذه النهاية المأساوية .... مدرس يجمع القليل

من رواتبه على أمل أن يصبح ثريا ويجري لها العملية , تنهدت

بضيق ثم وقفت وغادرت الغرفة ونزلت للأسفل وكنت اسمع همسا

وضحكا من غرفة والدتي , جيد أنها تقبلت سما وأحبتها من أول

يوم , أعرف أمي قلبها طيب ولا يمكنها الحقد على أحد, وها

هي وجدت من يؤنس وحدتها وتتسلى معه , وقفت عند

الباب وقلت " سأخرج هل توصيان شيئا "

قالت أمي بابتسامة " سلامتك بني وأعتني بنفسك "

بينما لاذت سما بالصمت تنظر للأرض , هذه الفتاة تشعرني أنني

أضايقها ولا تأخذ راحتها وكل ما أخشاه أن أطر لسجن نفسي في

غرفتي من أجلها , قلت بهدوء " سما هل كتبتي ما تحتاجينه "

رفعت نظرها لي وقالت " كل شيء موجود لم أجد شيئا ناقصا "

مؤكد كلام والدتي معها هوا السبب فمنذ قليل قالت أنها ستكتب

ما تحتاجه , قلت " ولكن العيد سيكون بعد يومين قد لا أخرج

قبله لأن الأسواق تكون مزدحمة وأنا أكره الازدحام فيها "

قالت ونظرها لوالدتي " هل تستقبلون ضيوفا كثر "

قالت أمي " ليس كثيرا ولكن عدد لا بأس به "

نظرت لي وقالت " إذا أنا من سيعد كعك العيد

كل شيء متوفر ولا ينقص شيء "

قلت " والعصير والقهوة "

قالت " سأعد العصير أيضا بالفواكه الموجودة

أحتاج فقط لثمرة أناناس واحدة "

قلت مغادرا " حسنا "

أوقفني صوت والدتي قائلة " نزار ما ستفعل بشأن الأضحية هذا العام "

التفت لها وقلت " سنتشارك والجيران ككل عام "

قالت بابتسامة " أجعل جزءً مما تتصدق به من أجل عائلة سما "

هززت رأسي بحسناً مبادلا لها لابتسامة وخرجت وركبت

سيارتي وتوجهت لسوق كبير لبيع الأثاث , لففت المكان كثيرا

ولم أجد السعر المناسب لأشتريهم معا , تلك مشكلة فأنا لا أريد

أخذ شيء من المال الذي أوفره , توجهت للقسم المخصص

بالأثاث المستعمل فهوا حلي الوحيد كي أشتري كل ما

سيلزم غرفتها وأوفر مصروفا لباقي الشهر

تجولت فيه واخترت سريراً وخزانة صغيرة ومكتب للدراسة

هذا يكفي مؤقتا وسأكمل البقية الشهر القادم فقد تطول قضيتها

وتبقى معنا مدة طويلة , تعاقدت معهم لإيصاله للمنزل وعدت

قبلهم لإدخاله بعدما اشتريت باقي ما طلبته مني , من الجيد

أنها وفرت علي ثمن العصير وحلويات العيد فالأسعار

هذا الوقت تكون مرتفعة جداً

وصلت المنزل وتقابلت ودعاء بالمقربة من الباب فقالت مبتسمة

ما أن رأتني " مساء الخير كنت عند صديقة لي هنا وقررت

زيارة والدتك لأطمأن على صحتها الآن وإن كانت

تحتاج شيئا في المنزل من أجل العيد "

وضعت الأكياس على الأرض وقلت وأنا أفتح الباب

" شكرا لك وجدنا حلا مؤقتا لكل مشاكلنا العالقة "

رفعت هي الأكياس من الأرض ونظرت لي باستغراب وعلى

شفتيها سؤال لكني دخلت قبلها قائلا " سترتاحين منا مؤقتا "

ودخلت ضاحكا وهي تتبعني على خروج سما من المطبخ

*
*
شعرت قلبي هوى للأرض من سماع جملته وأول ما فكرت فيه

أنه تزوج وقد حذف دماغي كلمة مؤقتا من الجملة التي قالها

واكتملت صدمتي على الفتاة التي خرجت لنا من المطبخ ترتدي مريولا

فوق ثيابها بملامح طفولية جدا وجميلة وعينان زرقاء واسعة , نظرت لي

بحيرة ثم للأكياس التي في يدي فقلت من فوري لأفهم ما يجري

" نزار لم تخبرني أنك تقصد أنكم أحضرتم خادمة "

تغير وجه الفتاة وتوقفت أنفاسها فنظرت له مباشرة فكان ينظر لي

باستياء واضح أما الفتاة فركضت مسرعة عائدة للمطبخ

فقلت بتوتر " آسفة هل أخطأت في شيء "

قال بضيق " تعلمي أني لا أحب الخادمات ثم أنا أخبرتك أن

قريبة لي ستأتي إلينا , أي إهانة هذه التي وجهتها لها "

ثم توجه من فوره خلفها للمطبخ وتركني واقفة مصدومة من كلماته

وطريقته في التحدث معي فلأول مرة يكلمني هكذا فهوا كان مهذبا

معي دائما كما الجميع , لو لم أكن أعرف نزار جيدا وأنه لا يرى

الفتيات الصغيرات مثلها أكثر من كونهن مراهقات لقلت أن ثمة شيء

بينهما , دخلت خلفه للمطبخ , كانت الفتاة تقف عند المغسلة تمسح

دموعها وهوا يقف بجانبها مستندا بيده على المغسلة ويقول بهدوء

" دعاء فهمت الأمر خطأ فأنا لم أخبرها أنك

معنا .... توقفي عن البكاء يا سما "

سما ... اسمها غريب ومميز مثلها , جيد أنها صغيرة لكانت

منافسا وندا قويا لن أقدر عليه , حمحمت قليلا وقلت

" أنا آسفة يا سما لم أقصد "

وضع نزار يده على كتفها وقال بابتسامة

" وها هي اعتذرت منك هل ننسى كل ما حدث "

هزت رأسها بنعم دون كلام ودون أن ترفع رأسها , غريب من

تكون يا ترى هذه التي يلمسها بيده فأنا أعرفه من أعوام معرفة

جيدة لم يسبق أن اقتربت يده مني ولا بالخطأ , هوا بالفعل يعاملها

كطفلة وليس كامرأة لَما كان تركها تبقى دون حجاب معهم

نظر لي ثم لها ثم قال مغادرا " ابقيا في غرفة والدتي

فالعمال سيأخذون الأثاث للأعلى "

ثم خرج فوضعت الأكياس على الطاولة وخرجت في صمت

متوجهة لغرفة والدته ودخلت ملقية الحية بابتسامة فقالت بترحاب

" مرحبا بك يا دعاء ما هذه الزيارة المفاجأة "

اقتربت منها وقلت بابتسامة " كنت عند ماجدة وفكرت في

زيارتك في طريقي لأرى إن كنتي تحتاجين شيئا قبل العيد "

قالت بابتسامة ناظرة للداخلة من الباب " سما ستقوم

بالواجب وزيادة شكرا لك يا دعاء دائما ما نتعبك معنا "

قلت بابتسامة " لا تقولي هذا يا خالة أنتي في مقام والدتي "

توجهت الفتاة من فورها لسرير الخالة وجلست بجوارها عليه

وقالت الخالة " سما قريبة زوجي رحمه الله من والدته وهي فقدت

عائلتها في حادث وستبقى معنا حتى تذهب مع عائلة والدها "

قلت بابتسامة " سرني التعرف عليك يا سما "

اكتفت بابتسامة دون رد فتبدوا قليلة الكلام وقالت الخالة

" تذوقي كعك سما يا دعاء طعمه طيب وسيعجبك "

تحركت الفتاة سريعا وأخذت قطعة في طبق وقدمتها لي مع

الشوكة فشكرتها وأكلت منها قطعة صغيرة فكانت رائعة الطعم

بالفعل ويعجز مقاومتها لكن غصت نفسي من فكرة أن هذه الفتاة

قد تحوز على اهتمام نزار رغم فارق السن الكبير بينهما

أعدت الطبق على الطاولة فقالت الخالة " مآبك يا دعاء ألم تعجبك "

قلت بابتسامة صغيرة " أبدا هي رائعة , فقط أنا لا أحب الحلويات كثيرا "

فتح عندها نزار باب الغرفة وقال

" سما تعالي لتختاري أين أضع لك السرير والخزانة "

قالت بصوت منخفض " هل غادر الجميع "

قال مغادرا " نعم أنا من سيحركها , فقط اختاري المكان "

وغادرت من فورها خلفه وأنا كالعادة لم ينظر ناحيتي

وكأني لست موجودة في الغرفة

وقفت من فوري فقالت والدته " ما بك يا دعاء لازال الوقت مبكرا "

قلت بهدوء " اقترب وقت المغيب وورائي أعمال كثيرة فقد أكون

مناوبة يوم عرفة أو العيد , عِمتي مساءً يا خالة وكل عام وأنتي بخير مقدما "

قالت بابتسامة حنونة " وأنتي بخير يا ابنتي ولا تنسي تبلغي سلامي

وتهنئتي لوالدتك وشقيقتيك وزورينا لو لم تناوبي في المستشفى "

قلت مغادرة الغرفة " بالتأكيد ... وداعا "

غادرت منزلهم وركبت سيارتي وعدت لمنزلي ودخلت على صوت

تذمر شقيقتي فقلت بضجر " هيام متى تتوقفين عن التذمر كالأطفال "

قالت باستياء " لما أنا المنحوسة بين الجميع , امتحان في ثالث

أيام العيد لا وفي الهندسة التحليلية ولمن للأستاذ نزار , اسمعي

أخرجوني من المدرسة الخاصة أريد الحكومية أفضل "

قلت وأنا أنزع حجابي " ومن هذا النزار أيضا , متى

ستحبين أستاذ واحد من أساتذتك "

تأففت وقالت " لا أعلم من أين أحضروه لنا لا يعرف حتى

الابتسامة وازداد معنا سوءً من يوم طرد المدير سما

وأرجع وجدان وكأننا من طرد طالبته النابغة "

قلت بصدمة " ما هوا اسمه كاملا !! "

قالت مغادرة بضيق " نزار وجدي الأحمدي "

ماذا !!! نزار وسما طالبته ومطرودة من المدرسة أيضا

لم يخبروني بهذا

************************************************** **

نزلت بفستانها الطويل وقالت بابتسامة جميلة

" الأميرة بيسان "

ابتسمت ابتسامة صغيرة , إذا هذه ابنة جابر الكبرى

قالت بذات ابتسامتها " وما أسمك أنتي "

قلت بهدوء " زهور "

قالت بسرور " أنتي عمتي زهور "

قلت باستغراب " نعم أنا هي "

ضمت يداها الصغيرتان لصدرها وقالت بسعادة

" كم أنتي جميلة عمتي "

ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت " وأنتي جميلة وحين

تكبرين ستصبحين مثلي تماما "

قالت بدهشة " حقا سأصبح مثلك هكذا وأرتدي فستانا

حريريا طويلا مثلك "

اقترب حينها صوت أحدهم يناديها فقلت عائدة جهة غرفتي

" نعم ستصبحين مثلي لأني كنت مثلك في صغري "

ثم دخلت غرفتي وأغلقتها خلفي وعدت لعالمي الوحيد الذي

يحويني ويحتملني , ما كان عليهم جلبكم هنا لأن هذا المكان

لا يفعل للأطفال سوى أنه يقتل طفولتهم وحتى من سيحاول إخراجهم

منه سيؤذيهم أكثر مما سينفعهم لأن البشر هكذا متشابهون

*
*
فتحت باب الغرفة لأرى سبب كل هذا الصراخ والضحك واتكأت

على حافة الباب انظر لأمجد وهوا يحمل بيسان على ظهره ويحبوا

بها وترف تصفق منتظرة دورها فقلت بحدة " بيسان انزلي حالا "

نظرت لي بصدمة وقد عم الصمت المكان ثم نزلت وجلس

امجد فقلت بضيق " أمجد ما هذا الذي تفعله ؟ هل تريد كسر ظهرك "

نظرت بعدها جهة المربية وقلت بحدة " وأنتي تتفرجين عليهم هل

تعلمي خطورة هذا على صحته وأنه في المستقبل سيكون

رجلا وسيدفع ثمن هذا العبث "

قالت بتوتر " لم أعلم أنه .... "

قلت بغضب " ماذا تعلمين إذا "

ثم نظرت لهم وقلت بذات الغضب " من علمكم هذه اللعبة السيئة "

قالت بيسان بصوت منخفض " عمي معتصم "

تأففت وقلت " معتصم معتصم كل شيء أصبحتم تتعلمونه منه

ووالدتي ستأكل لي رأسي منكم ومنه , هل كنتم تفعلون هذا سابقا "

هزوا رؤوسهم بلا فقلت بضيق " إذا والدتكم لم تكن توافق فعل هذا "

قالت بيسان " نعم كانت تقول هذا لعب سيئ ولا تسمح لنا به "

قالت ترف " بابا أمجد ضربني "

قلت بضيق " ولما هذه المرة "

قالت بدمعة محبوسة " قال لي أنتي سيئة وبابا يغضب منك دائما

والمربية لا تحبك وماما غاضبة منك "

نظرت له بضيق فقال " هي تفعل أمور سيئة وأخبرتها أنكم

ستغضبون منها فقالت أني فاشل وسأرسب هذا العالم "

ثم رمى يده في الهواء وقال ببرود " فضربتها "

قلت بضيق " كنت أخبرتني بدلا عن ضربها "

قالت بيسان بهدوء " هل سنرى ماما في العيد "

أسوء ما في الأطفال أنهم يغيرون المواضيع في لحظة وكأنهم

لا يكترثون لما تقول ويتجاهلونك , قلت ببرود

" أخبرتها وقالت لن تأتي لا تريد القدوم إليكم "

ثم غادرت على نظراتهم المصدومة , ما كان عليا قول هذا لهم ولكني

ذقت ذرعا بهذا الحال , أمي وانتقادها لهم ولقراري الزواج بأرجوان

وهم ومشاكلهم التي لا تنتهي وأرجوان وعنادها وغبائها , معتصم

والغرفة التي يخفي أمرها عني هذا غير مشاكل المكتب والتحقيق

أشعر أن رأسي سينفجر , دخلت جناحي وتوجهت لغرفتي فتحت

ربطة العنق ورميتها بعيدا رميت السترة وفتحت جهازي الحاسوب

وجلست أعمل عليه لوقت حتى رن هاتفي ونظرت للمتصل

باستغراب ثم فتحت الخط وقلت " مرحبا رضا كيف أنت "

قال من فوره " بخير كيف حالك يا جابر أين أنت لا أجدك في أي

مكان ولم أستطع حتى اصطيادك في القصر "

ضحكت وقلت " أبعد عني الشِباك وبنادق الصيد رجاءً , لم

أكن اعلم أنك هنا , متى عدت "

قال بصوت مبتسم " منذ أيام وأنا عند عمك منصور لكنك منقطع

عن العائلة بسبب عملك الذي سيقتلك في النهاية "

قلت بابتسامة " لم أجد موهبة الكتابة مثلك لكنت وجدت لنفسي مخرجاً "

قال بعد ضحكة " كنت ستلقى مصير معتصم ولن ترضى

والدتك أن تدرس في كلية الآداب "

قلت ببرود " وما كنت سأتصرف بغباء مثله طبعا "

قال " أريدك في أمر فكيف أجدك "

ضحكت وقلت " قل متى أجدك وليس كيف "

ضحك وقال " بل أنت لا يُعرف لك مكان وليس وقت "

قلت ونظري على الحاسوب " أنا في القصر الآن سأطلب من

الخادمة أن تدخلك لجناحي "

قال بعد صمت " لما لا تنزل لي قد يتضايق أحد من دخولي "

قلت " لن يتضايق أحد والدتي عند صديقة لها وزهور في غرفتها

ثم أنت ربِيت مع العائلة من سيعترض دخولك هيا ولا تكبر

المسألة أم تراني طفلا أمامك ولا كلمة لي في هذا المكان "

قال من فوره " أبدا لم أقصد ذلك فقط أنا .... "

قاطعته قائلا " سأخبر الخادمة لتوصلك لجناحي وانتهى الأمر "

قال بهدوء " حسنا سأصل القصر بعد لحظات "

*
*
جابر سيزيد توتري بأن أفتح معه الموضوع عنده , أعرف الرد

جيدا ولن تكون هذه الأولى فلم أرجع من سفري إلا لشيء واحد

أن تكون زهور لي أو أهاجر للأبد هذه المرة

وصلت القصر ووجدت الخادمة في انتظاري عند الباب فقلت

" مرحبا أنا رضا "

قالت من فورها مشيرة بيدها للداخل " نعم تفضل السيد بانتظارك "

دخلت أتبعها ببطء , لم أدخل هذا القصر منذ سنوات ومازال كما كان

هم يحافظون عليه كما بناه والدهم تماما , صعدت بي الخادمة للأعلى

لا أكذب لو قلت أني تمنيت مقابلتها ولو بالمصادفة رغم علمي أنها

لا تغادر غرفتها أبدا , وصلنا الجناح فوقفت الخادمة وقالت

" هنا جناح السيد يمكنك الدخول "

ثم غادرت من فورها وطرقت أنا على الباب عدة طرقات وفتحته

ثم دخلت كانت الردهة فارغة تماما ولا أحد بها , أغلقت الباب

واقتربت للداخل وكان صوت المياه يخرج من جهة الحمام الفردي

لابد وأنه يستحم , جلست على الأريكة وشغلت التلفاز , بعد قليل

انفتح باب الحمام وخرج منه يلف المنشفة على خصره فقلت بضحكة

" من قال لك أن إحدى النساء هي من ستزورك الآن لتغريها بعضلاتك "

ضحك واقترب مني فوقفت وتصافحنا وقال ضاحكا

" العضلات لا تغري يا وقح هي تخيف فقط "

جلست وقلت بابتسامة " غبي ولا تعرف عن عالم النساء

شيئا فهلا سألت نفسك لما ننام جميعنا في أندية الرياضة

ونربي ولو عضلة صغيرة "

ضحك وقال وهوا يجفف شعره بالمنشفة الأخرى

" ظننتكم تبحثون عن الصحة لا التباهي أمام النساء "

ثم توجه لغرفته وأغلق الباب خلفه وغاب لوقت قليل ثم خرج

مرتديا ملابس عمله فقلت " يبدوا جئت في وقت غير مناسب "

فتح الثلاجة الصغيرة في الزاوية وقال " أبدا أمامي وقت

كافي , ماذا تشرب "

قلت ونظري على التلفاز " لا شيء دعنا نتحدث قليلا فقط "

جلس بجواري وقال وهوا يأخذ مني جهاز التحكم

" ألازلت كعادتك مدمن للبرامج الوثائقية "

وضعت ساق على الأخرى وقلت بضحكة " وما الذي سيغيرني "

قال بابتسامة " ضننت الحياة في الخارج ستغيرك "

تنهدت وقلت " الحياة في الخارج لا تغير هي تحطم فقط "

نظر لي باستغراب فقلت بابتسامة " لا تفهم قصدي كما يحلو لك

أقصد تحطم النفسية فالغربة عن الوطن والأهل أمر صعب ومدمر "

قال وقد عاد بنظره للتلفاز " وما أطرك لهذا إذا "

قلت بهدوء " هروب من مرارة لأمر منها "

قال بضيق " أترك عنك حركات الأدباء وأخبرني

ماذا تريد قبل أن أطردك "

ضحكت وقلت " ستكون طردة مقبولة منك وأستحقها , كنت

أود التحدث معك في موضوع شقيقتك زهور "

قال ونظره لم يغادر التلفاز " مجددا يا رضا "

نظرت للأرض وقلت بشبه همس " لم يغب الأمر عن بالي يوما يا جابر "

تنهد وقال " هذه المرة لن تقف والدتي فيه ... أعدك "

نظرت له بصدمة فقال بهدوء " في المرة السابقة طاوعتها وتركتها

تختار هي من تريد من العدد الكبير الذي تقدم لخطبة زهور وكانت

النتيجة مؤسفة , هذه المرة زهور وحدها من ستقرر "

بقيت أنظر له غير مصدق فنظر لي وقال " لكن لن أضمن لك موافقة

زهور فحالتها منذ زواجها الفاشل ذاك لا تسر أحدا وعليك أن تعلم "

غادرت بنظري منه للتلفاز وقلت بهدوء

" أعلم كل شيء ولا أمانع , فقط لتوافق هي أولا "

ضحك وقال " سحقا للحب وأفعاله "

نظرت له وقلت بضيق " جابر احترم نفسك أفضل لك "

ضحك وأشار لي بأصابعه كشكل سلاح وقال " تصمت أو قتلتك "

ضحكت وقلت " أراني الله فيك يوما وقد دمرك عشق امرأة "

وقف وقال وهوا يثبت سلاحه في الحزام

" إن فقدت عقلي وفعلتها سأستحق ما يأتيني حينها , عشق النساء

لكم أنتم معشر الكلام والغرام نحن لا نفع منا سوى لإنجاب الأولاد "

وقفت وقلت ضاحكا " لا تتزوج أبدا رجاء "

لكمني على عضلة صدري بقبضته وقال " بل يبدوا أني سأفعلها قريبا "

ضحكت كثيرا ثم قلت " وأين كلامك السابق "

رفع قبعته وقال " للضرورة أحكام وأخبرتك أني لست

للنساء ومقتنع تماما بذلك "

ثم قال مغادرا " سأتحدث مع زهور في الأمر وسنلتقي

يوم العيد ونتحدث حسنا "

ثم خرج وتركني دون حتى أن يسمع ردي , أغلقت التلفاز

وخرجت من الجناح وأغلقت الباب , أعلم أن زهور لن توافق

لكن لا بأس المهم والدتها ابتعدت عن الموضوع , سلكت الممر

حتى نهايته ولمحت في الممر الآخر شيء شد انتباهي وجعلني

أقف متسمرا لوقت ثم غيرت وجهتي وعبرت ذاك الممر وكان

ما رأيته حقيقة فعلا ... زهور بل ليست زهور هي طفلة كزهور

لا بل زهور حين كانت طفلة , آه هل وصل بك الجنون هذا

الحد يا رضا بقيَت الطفلة تنظر لي باستغراب لوقت مختبئة

خلف الباب ثم ابتسمت ولوحت لي بيدها فمددت يدي

وقلت " تعالي "

هزت رأسها بلا دون كلام فقلت بابتسامة

" أنا صديق جابر لا تخافي مني لن أؤذيك "

خرجت من خلف الباب واقتربت مني ببطء حتى وصلت عندي

فنزلت لها للأرض وأمسكت ذراعاها وقلت

" من أنتي أيتها الجميلة "

قالت بابتسامة " بيسان "

هي ابنة جابر إذا لهذا تشبه زهور بل هي نسخة عنها في

صغرها يآآآآآه لو تعلمي يا صغيرة أنك عدتِ بي سنين كثيرة للوراء

ضممتها لصدري بقوة وكأني أحضن تلك الطفلة التي رحلت مع السنين

وكأني أضم الماضي والحلم الذي ضاع مع الريح , طوقتها بذراعاي

أشدها لحضني بقوة أستنشق رائحة الفراولة من خصلات شعرها الذهبية

حتى الرائحة ذاتها الصوت الابتسامة الجسد كل شيء ... كل شيء

كنت احضنها وأتنفس عطر شعرها بخدر كالمدمنين حتى

قالت بهمس مخنوق " أنت تخنقني "

أبعدتها عن حضني وأمسكت وجهها وقلت " هل تحبين الطيور يا بيسان "

قالت بسرور وهي تجمع كفاها معا " نعم كان لدينا عصفورا صغيرا

أحبه جدا أحضرته ماما لي ولكن ترف حممته بالماء والصابون

فمات وبكيت عليه كثيرا ثم دفناه نحن وماما "

قلت بابتسامة حزينة " وتحبين الحلوى وتسرقينها

لتأكليها لأنها ممنوعة عنك "

قالت بعد ضحكة " كيف علمت "

مسحت على خدها بظهر أصابعي وقلت بابتسامة

حزينة " نعم تشبهينها في كل شيء "

قالت باستغراب " من هي !! "

قلت وأنا ألعب بخصلات شعرها بين أصابع يدي

" حبيبتي وأميرتي التي تسكن وحدها في قلبي "

نظرت لي مطولا بحيرة ثم قالت " لم أفهم "

وقفت وقلت بابتسامة " هذا أفضل ... وداعا الآن يا بيسان "

هممت بالمغادرة حين قالت " وما أسمك أنت "

قلت مغادرا " رضا "

*
*
غادرت القصر والمدينة لمكتبي فورا , هذه المرة الجريمة ليست

في المصنع لكن ذات الحلقة المفقودة صلة المقتول بالمصانع والهند

أيضا في الحكاية , سيكون عليا المغادرة لتلك المدينة لأتابع القضية

دخلت المكتب لأجمع بعض الأوراق ورفعت الهاتف وقلت

" من غادر من الفريق إلى هناك "

قال من فوره " لا أحد لم تصلنا الأوامر منك "

قلت " إذا انتقلوا للمكان فورا الطريق طويل وسيأخذ

وقتا , هل نقلو الجثة لمعمل التشريح "

قال من فوره " نعم سيدي "

أغلقت الخط منه على طرقات على الباب ثم دخل من كان

خلفه ضرب التحية فقلت " ماذا حدث معك "

نظر للأوراق في يده وقال " خرجت من منزلها عند السابعة

وبحثت عن عمل , تجولت في خمس محال لبيع الملابس مدونة

عندي جميعها , وسوق لبيع الخضار ومجمع للتسوق ثم

عادت لمنزلها عند الظهيرة وعند الخامسة خرجت وزارت

المدعوة سوسن , لم تدخل بل تحدثتا معا قليلا عند الباب ثم

عادت للمنزل وعند السابعة والنصف زارتها الجارة التي

تقطن في المنزل الثالث يمين منزلها وأسمها أحلام النصري

متزوجة ولديها ثلاث أطفال بقيت عندها حتى التاسعة

وغادرت من عندها وهذا كل شيء "

غادرت من أمامه في صمت فقال وهوا يستدير لوجهتي

" هل نقوم بالخطوة الثانية سيدي "

قلت مغادرا المكتب " لا ليس الآن "

غادرت بعدها المكتب والمدينة ولم ارجع إلا منتصف الليل

ودخلت القصر منهكا حد الانهيار ولكن عليا مقابلتها الآن فالعيد

بعد الغد وقد لا أجد غدا الوقت المناسب , توجهت لغرفتها دون حتى

أن أغير ملابسي طرقت باب الجناح ولا مجيب فتحت الباب ودخلت

ولم يكن هناك احد توجهت جهة الغرفة وطرقت الباب عدة طرقات

فوصلني صوتها قائلة " تفضل "

فتحت الباب ببطء وكانت تجلس على حاسوبها , نظرت لي

بصدمة وحيرة فقلت بهدوء " هل نتحدث قليلا يا زهور "

بقيت لوقت تنظر لي دون أي رد فعل ثم أومأت برأسها موافقة

فدخلت وأغلقت الباب وجلست على الكرسي الأقرب لها , لن افتح

معها موضوع عزلتها طبعا لأني أعرف النتيجة , قلت بعد صمت

" أحدهم تقدم لخطبتك وأنا جئتك مباشرة والرأي لك وحدك "

نظرت لي بحيرة ثم قالت " ولم تخبر والدتي !! "

هززت رأسي بلا فقالت باختصار " ولما "

قلت وقد شردت بنظري بعيدا عنها " لن يتدخل أحد في هذا

الأمر من اليوم وصاعدا والقرار لك وحدك يا زهور "

قالت مباشرة " وهل تعلم كم سيغضبها هذا "

غريب أن زهور تأخذ وتعطي معي في الكلام على غير

عادتها مؤخرا حين تختصر اللقاء بصمتها التام مهما قلت

لتفهم أنه عليك المغادرة وتركها وحدها

تنفست بقوة وقلت " أمور الزواج في هذا القصر ستخرج

من روتينها الفاسد فجميع اختياراتها باءت

بالفشل سواء أنتي أو أنا "

لاذت بالصمت فقلت " مؤكد أنك تعلمي أنه خطبك أكثر من

شخص بعد طلاقك وأمي رفضت الجميع أليس كذلك "

نظرت جهة الحاسوب وقالت بهمس " نعم "

ضغطت على عيناي محاولا تبديد بعض الإرهاق منهما

ثم قلت " ما رأيك أنتي الآن "

نظرت لأصابعها وقالت " من الخاطب "

قلت بهدوء " رضا شقيق أميرة "

بقيت تنظر لشاشة حاسوبها دون كلام لوقت فقلت " هوا شاب

جيد خطبك في السابق مرارا لكن والدتي رفضت وهوا عاد

الآن من سفره وفاتحني في الموضوع صباح اليوم "

بقيت على حالها وصمتها فقلت

" أنا أخبرته أني سأعطيه رأيك يوم العيد "

والحال كما هوا عليه الصمت التام فوقفت وقلت

" خدي وقتك في التفكير يا زهور وسأؤجل حديثي معه

لبعد العيد وأعطني رأيك متى أردت ذلك "

ثم غادرت غرفتها وجناحها وتوجهت لجناحي استحممت

ولبست ثياب النوم وللسرير مباشرة ونمت من فوري

*
*
كنت أرى خمس خراف يقفزون حولي وأنا أنظر لهم بسرور

حتى قفز عليا واحد منهم وأمسكني من عنقي ثم بدأ يقول بتذمر

" بتول استيقظي بسرعة ما كل هذا الكسل عليك مساعدتي "

قلت بهمهمة " أممممم أمي اتركيني "

وصلني صوتها الغاضب " أنهضي بسرعة الأعمال كثيرة وسيأتي

والدك بعد قليل من المسجد ليغادر مع جابر ومعتصم وخالك لذبح الأضاحي

وأنتي كالبانده لا تعرفين سوى النوم , انهضي لتعيدي عليهم "

وضعت الوسادة على رأسي وقلت " اتركيني أنام قليلا لقد كسرتِ

لي ظهري البارحة بالأعمال , أمي الرحمة أرجوك الرحمة "

سحبت مني الوسادة وقالت " انهضي بسرعة وغيري ثيابك لنجهز

الحلويات والعصائر لأنهم سيأتون بعد قليل , بسرعة هم

يعرفون أنك كسولة لا داعي لأن يرو بأنفسهم "

جلست وقلت باستياء " كسولة كسولة ولا أنفع لشيء حفظتها

أمي استبدليها بغيرها من أجل الروتين فقط "

بقيت واضعة يديها وسط جسدها تنظر لي بضيق فقلت وأنا أعد

على أصابعي " عليا أن أحمم مصعب وعدي وألبسهما ملابس العيد وأن

أجهز الحلويات وأعطر المجلس وأن أغير ثيابي وأعيّد عليهم

حاضر أمي ولكن الأخيرة امسحيها من القائمة لأني لن أصافح

يد ذاك المتعجرف ولن يسمع مني تهنئة بالعيد "

قالت بحدة " رغما عنك ستعيدين عليه هل تريدي إحراج والدك أمامهم "

غادرت السرير وأنا أتمتم بضيق " كم أتمنى أن تنكسر ساقه ولا يأتي إلينا "

نزلت للأسفل ووجدت مصعب يلعب بوسائد الأرائك كعادته فضربته

طبعا كعادتي وسحبته من يده لغرفتهم حممته وألبسته ثيابه على صوت

توعده لي أن يخبر أمي أنني أضربه , نظرت للخلف وقلت

" عمر لما لم تغير ثيابك حتى الآن "

قال بلامبالاة " قلت من البداية أني لا أريدها ولن البسها "

وقفت واضعة يداي وسط جسدي وقلت " تعلم أن والدي سيغضب

منك ومعه حق في أن لا تشتري ثياب الشحاذين تلك "

قال بضيق " ليست ملابس شحاذين أنا أحب ذاك اللاعب فما المانع أن

أرتدي ثياب فيها صورته الجميع يلبسها "

أوقفت مصعب أعدل له قميصه وقلت ببرود

" تحمل النتائج إذا ولا دخل لي فأنت لست من ضمن لائحة أعمالي اليوم "

غادرت بعدها من الغرفة وأنهيت باقي أعمالي وغيرت ثيابي ولبست

حجابي وما هي إلا لحظات ودخل والدي وخالي وابني عمي

قبلت رأس والدي وهناته فقال ماسحا على رأسي

" وأنتي بخير يا بتول يحفظك الله يا ابنتي "

قبلت يده وقلت " ويحفظك لي دائما فوحدك تحبني "

عيدت بعدها على خالي رضا كما أحب حين كنت صغيرة بأن

حضنته وقبلت كتفه فضحك وقال

" وأنتي بخير يا بتول أراني الله لك عروسا "

مددت شفتاي مستاءة وقلت " ما بك كالعجائز هكذا "

ضحكوا وقال جابر " أمازلت كما في صغرك تكرهين هذه الدعوة "

قلت ببرود " نعم لقد كرهت الرجال بالضعفين أيضا "

ثم مددت يدي له وصافحته قائلة " كل عام وأنت بخير "

قال بابتسامة " وأنتي بخير يا بتول "

ثم مددت يدي جهة معتصم فمد يده وعايدته بتمتمة وسحبت يدي منه

بسرعة لكنه امسكها بقوة وقال " لم أسمعك أعيدي "

قلت بضيق " كل عام وأنت بخير يا معتصم "

ترك يدي وقال بابتسامة جانبية " جيد ظننتك دعيتي علي "

قلت باستغراب مصطنع " أبداً ... أنا أدعوا عليك "

قال بابتسامة جانبية " أقسمي أنك لا تدعين علي دائماً "

ضحك خالي رضا وقال " زوجوهما لبعضهما علهما يرحمان بعض "

نظرت له بصدمة وضحكوا جميعهم والسيد معتصم أول الضاحكين طبعاً

فغادرت قائلة " أنا لن أتزوج أبدا أبحثوا له عن زوجة غيري تعجبه وليست علكة "

وتركتهم ووالدتي وخرجت , لا أعلم لما خالي رضا يحب فتح هذا الموضوع

السيئ ويضعني في مثل هذا الموقف المحرج أمامهم
*
*
ما أسوء صباح هذا العيد لا ضحكاتهم ولا أصواتهم ولا ملابسهم

في كل مكان , وحدة ... لا شيء حولي سوى الفراغ حتى كلمة كل

عام وأنتي بخير ماما حرمت منها وضاعت كما الكثير غيرها

وآخرهم وضيفتي التي لم أجد بديلا لها مهما بحثت , منذ أن دخل

ذاك الرجل حياتي حولها لكابوس مخيف بل لسلسلة من الكوابيس

أقسم أني أحب الأطفال وأريدهم لكن ليس زوجة لذاك ولا زوجة

ابن لوالدته تلك , مسحت بقايا دموعي وتنهدت بحزن ووقفت

ودخلت المطبخ أجهز أي شيء أتسلى به بعدما أمضيت اغلب

الصباح نائمة هربا من هذه الوحدة

ترى كيف قضوا اليوم , من اهتم بهم وحممهم وألبسهم ثيابهم

أم المربيات كالعادة مؤكد هم ومن غيرهم مثلا تلك الصخرى العظمى

أم ابنها الصخرة الصغرى , خرجت من المطبخ دون أن أفعل شيء فيه

وتوجهت نحو السلالم لأصعد لغرفتي فسمعت خطوات كثيرة تركض

خلفي وأصواتهم ينادونني بماما , خفت أن ألتفت وأجده حلم صوره

لي عقلي فالتفت ببطء وشهقت من الصدمة وأنا أراهم أمامي ثلاثتهم

فنزلت للأرض على ركبتاي وفتحت ذراعاي لهم وضممتهم لحضني

ثم حضنتهم وقبلتهم واحدا واحدا وكأني في حلم تحول لحقيقة

ما أقساه من شعور شعور الفقد وما أجمله حين يختفي في لحظة

انتبهت من غمرة احتضاني وتقبيلي لهم للساقان الواقفتان بالمقربة

منا فوقفت ومسحت دموعي وقلت ونظري للأرض

" آسفة لم أنتبه أنك دخلت معهم كل عام وأنت بخير وشكرا

لإحضارهم لي هذه كانت أجمل مفاجأة اليوم "

عليا أن أتصرف كما قالت سوسن فقد يصبح أبعده الله عني

زوجي بالفعل وأكون بنيت المشاكل بيننا منذ الآن

قال بجدية " وأنتي بخير , سأتركهم معك لدي أعمال كثيرة

في مكتبي وسأمر بهم عند العصر "

قلت بامتنان " شكرا لك وكن مطمئنا عليهم "

قال مغادرا " أعلم أنهم في أيدي أمينة لما كنت أحضرتهم "

قلت موقفة إياه " سيد جابر "

وقف والتفت لي فقلت " هل يمكنني أخذهم لصديقتي وطفليها

ككل عام وأخرجهم معنا للحديقة "

قال مغادرا من جديد " لا باس , لا تتعبوا والدتكم مفهوم "

قالوا معا " مفهوم بابا "

وخرج من المنزل وأغلقه , طبعا لا حسيب ولا رقيب عليه يدخل

ويخرج كيفما يريد ووقت ما يشاء

عدت لاحتضانهم مجددا غير مصدقة لما أراه أمامي حمدا لله الذي

أبدل هذا اليوم المليء بالبؤس في لحظة لسعادة وسرور

دخلت بهم للمطبخ وهم يتحدثون عن كل شي وأنا أستمع لهم بحب

أجلست ترف على الكرسي فقالت بحيرة

" ماما بابا رأى شعرك !! "

وضعت يدي على شعري وتذكرت حينها فقط أني كنت بلا حجاب

لكن اللوم ليس علي بل على ذاك الأحمق والدكم , تنهدت بضيق

وقلت " لم أكن أعلم أنكم ستأتون الآن لكنت ارتديت حجابي "

قالت بيسان " ولما لم يخبرك والدي أننا قادمون "

آه ليتك تساليه هوا هذا السؤال عله يقتنع أنه يخطئ بما يفعل

قالت ترف من فورها بابتسامة ومغيرة مجرى الحديث

" جدتي يأتيها الكثيييير من النساء فيهم واحدة مخيفة جدا "

ثم تمايلت بجسدها وقالت " تلك التي تمشي هكذا ... الطويلة "

قلت بعتب " ترف عيب بنيتي كيف تقولين ذلك "

قالت بيسان وهي تكتم ضحكتها بيدها الصغيرة

" ترف سكبت لها العصير على ثوبها وغضبت جدتي كثيرا "

قالت ترف بضيق " لم أسكبه عليها بل كم فستانها الطويل

سحب كأسي فأمسكته لكي لا يقع "

ثم لوحت بيدها وقالت " فوقع على فستانها "

لم أستطع إمساك ضحكتي , تلك العجوز لن تصنع منهم ما

تريد مهما حاولت فلن تسبب لنفسها ولهم سوى المتاعب

قال أمجد " يذبحون الكثير من الخراف ماما , ذبح والدي ثلاثة

وعمي معتصم واحد وعمي منصور اثنان وخال بتول واحد "

قالت بيسان بضيق " بابا أخذ أمجد فقط معه ونحن لا "

مسحت على شعرها وقلت " أمجد رجل حبيبتي أنتم لا تذهبون

حيث العمال والخراف والأوساخ "

قال أمجد بهدوء " العيد ليس جميلا بدونك أبدا "

ابتسمت وامتلأت عيناي بالدموع وغمرتني السعادة أنهم افتقدوني

ورأوا العيد ناقصا بدوني رغم الأجواء الجديدة التي عاشها أمجد تحديدا

أكلنا الحلوى وخرجنا لزيارة سوسن ككل عام , وصلت لمنزلها قرعت

الجرس ففتحت لي وشهقت بصدمة وهي تنظر لهم معي ثم

نظرت لي وقالت " هل تزوجتِ والدهم دون علمي "

عضضت شفتي مهددة لها لتسكت أمام الأطفال فضحكت واحتضنتهم

واحدا واحدا ودخلنا منزلها فهي تقضي العيد مع زوجها وأبنائها

لتذهب في الغد لمدينة عائلتيهما لأنها بعيدة عن هنا

*
*
اتصلت به للمرة العاشرة بعد المئة فأجاب أخيرا فقلت بتذمر

" ما بك يا رجل لو كنت رئيس البلاد لأجبت عليا منذ وقت "

ضحك وقال " كنت مشغولا قليلا آسف "

قلت بضيق " نعم جد لي تصريفه ككل مرة , قل الآن ما كان جوابها "

قال " لاشيء "

قلت بصدمة " ما تعني بلا شيء !! "

قال " دعنا نتحدث لاحقا "

قلت من فوري " هيه جابر تحدث الآن أعلم أني لن أراك قبل أيام

ثم أنا سأغادر المدينة اليوم "

قال بهدوء " لقد تحدثت معها ذات اليوم الذي حدثتني فيه "

قلت " نعم وما كان ردها "

قال " لم تجب علي بشيء "

قلت بحيرة " وما معنى هذا هل هي موافقة "

قال " لا أعلم زهور حين تسكت ولا تجيب عن الكلام يعني أنها

لم تعد تريد السماع ولا التحدث , أخبرتها أني سأنتظر جوابها متى

ما قررت فعليك بالصبر فقط "

قلت بتذمر " بربك جابر لا تتركني معلق هكذا بين السماء والأرض "

قال باستعجال " بالنسبة لي لم أتوقع منها حتى الصمت بل الرفض

التام لأني اعرف حالتها جيدا وما مرت به لم يكن سهلا , وداعا الآن عليا

أخذ الأطفال والعودة بهم الآن للقصر نتحدث عندما تعود حسناً "

تنهدت وقلت " ولما لا نتحدث الآن "

قال من فوره " سأنزلهم عند الباب وأغادر فورا لا يمكن ذلك اليوم هيا وداعا "

قلت بهدوء " أمري لله وداعا "

دسست هاتفي في جيبي واقتربت من باب القصر الخارجي

ترى أمازالت تزور حديقة والدها تلك كل عيد وتسقيها من ماء زمزم

كما كان هوا يفعل , أذكر في آخر عيد قبل زواجها وسفري فعلت ذلك

ترى هل أجدها هناك أم العزلة أنستها حتى هذا

دخلت وتوجهت من فوري لذاك المكان في وسط الحديقة تحديدا ووجدتها

بالفعل هناك .... زهور حبيبتي أرها عن قرب لأول مرة منذ أعوام

تجلس على حافة حوض الأزهار ويدها تلعب بالماء في النافورة التي

تتوسط الحديقة وبجانبها المسقاة النحاسية الخاصة بوالدها , إذا هي

لم تنسى فعل ذلك وخرجت من سجنها أخيرا , اقتربت ببطء

كانت خصلات شعرها تخفي وجهها وملامحها ولا أرى سوى

جسدها وذراعاها المكشوفان من فستانها الطويل الحريري كعادتها التي

حببها والدها فيها , شعرتْ بخطواتي فنظرت باتجاهي مباشرة وبصدمة ثم

وقفت تنظر لي فقلت بهمس المشتاق المتلهف " زهور "

بقيت على صمتها وعيناها في عيناي ذاك البحر الأزرق الجميل

الهادئ الذي يهيّج موج مشاعري بأعاصيره , حبيبتي وحدي

جميلتي وفاتنتي , اقتربت منها حتى بات لا يفصلنا سوى خطوة واحدة

ومددت يدي دون أدنى تفكير وكأنها لازالت الطفلة المسموح لي

بالاقتراب منها كل حين , لمست بأطراف ظهر أصابعي خدها الناعم

وأغمضت عيناي بهدوء وقلت بلهفة وهمس

" مشتاق لك يا زهور لا تتصوري كم أنا مشتاق "

قالت بهمس وصلني بوضوح " كاذب "

فتحت عيناي أتنقل بهما بين عيناها وقلت بحزن ويدي تحتضن خدها

" بل تعلمين أني لا أكذب يا زهور "

ابتعدت عني للخلف بضع خطوات وابتسمت بسخرية وقالت

" بل كاذب ولم أعرف منك إلا الكذب , أنت حدودك مخيلتك فقط يا

رضا , حدودك غرفتك وأوراقك وحبر أقلامك , تكتب

الأكاذيب والجميع يصدقك عداي أنا "

لم يلتقط دماغي من عبارتها المليئة بالشتائم سوى اسمي

نعم اسمي من شفتيها بعد كل هذه السنين وأخيرا

, نظرت للأرض وقلت بابتسامة حزينة

" بل أحبك يا زهور وليس اليوم ولا الأمس بل من سنين طويلة "

ثم أشرت بأصبعي على جزء معين والأبعد من الحديقة وقلت

" وذاك المكان يشهد وتلك الشجرة

وحتى السور والطيور وحشائش الأرض كلها

عاشت معي حبي لك منذ كنتي طفلة "

أبعدت خصلات شعرها الذهبية عن عنقها لتكشف عن جرح في

نهاية فكها تحت أذنها وقالت بألم " وهذه عن ماذا تشهد ؟

هل تعلم ما يكون هذا ومن السبب فيه "

ثم ابتسمت بسخرية وقالت " سببه الزوج الذي اختارته لي أمي

ومن أول ليلة لي معه , لا بل أنت السبب فيه "

ثم أبعدت يدها عن شعرها وقالت " وتريد أن تتزوجني يا رضا

تريد أن ترى باقي هذه العلامات في كل جسدي "

أحسست حينها بألم يضرب قلبي بقوة حتى كادت أنفاسي تتوقف وأنا أتخيل ما

حدث لها وما لقيت من ألم , لماذا يا زهور لما فعلت ذلك لماذا

قلت بهمس خافت " لماذا تزوجته لما "

قالت بضيق " وما كنت تنتظر مني وما كنت سأنتظر منك , لقد دمرتني

قضيت علي تماما لم أرى منك سوى الرسائل التي تخبرني فيها

أن لا أتزوجه وأني لا يمكن أن أكون إلا لك ولا يمكنني الزواج بغيرك

ولم تكلف نفسك في إحدى أوراقك تلك أن تشرح لي ما حدث يومها

بل تركتني أعرفه من ذاك الرجل "

نظرت لها بصدمة , ما تعني بأني لم أكلف نفسي شرح ما حدث

كيف وما معنى كلامها , فتحت فمي لأتحدث فمدت يدها أمام وجهي

وقالت " لا تتعب نفسك لا أريد سماع أي تبرير على جرمك نحوي

كنت طفلة ولم تكن أنت سوى عابث تحت قناع عاشق وسقط

القناع وكسرني أنا وحطم جسدي قبل قلبي "

ثم غادرت من أمامي واختفت في لمح البصر , انتظري يا زهور

ما معنى ما تقولي انتظري فلن أجد فرصة غيرها لأتحدث معك

ركضت جهة اختفائها ولم أجدها , غريب أين ذهبت ومن

سيشرح لي ما عنته بأنها لم تكن تعلم وأني لم أشرح لها

أمسكت رأسي بيداي وأغمضت عيناي بألم

لهذا تزوجته إذاً , لهذا انصاعت لأمر والدتها ... كانت لا

تعلم أو لم تفهم , سحقا لك يا رضا ومن سيفهمها وهي لم تعرف

غيرك ووالدتها وإخوتها

*
*
كان اليوم لا ينسى بالنسبة لي ... يوم كأيامي السابقة معهم ولكن

لكل شيء جميل نهاية فعند العصر كان والدهم هنا كما قال

ليته يختفي من حياتنا ويتركهم لي هنا لكنه إن اختفى لن تعطيهم

لي جدتهم وسأحرم حتى من هذه الزيارات البسيطة ولو كل عيد

وقف عند منتصف المنزل وقال مادا مفاتيح السيارة لأمجد

" أركبوا السيارة وأغلق الباب جيدا كما علمتك سابقا

سأتحدث ووالدتكم قليلا "


نهاية الفصل

طبعا الفايزة بهدية التوقع هي طالبة هندسة إلي توقعت إن جابر

بيطلب مقابلة سما يعني ندوش وفيتامين بيختاروا هديتهم وينكشف

لهم أي حدث يختاروه في أي جزئية فيا لفصل القادم وتستاهلوا يا حلوين


Msamo and براءة ق like this.

فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 28-05-15, 02:40 AM   #15

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 4 والزوار 1)
‏فيتامين سي, ‏امل لا ينتهي, ‏روحي حرة, ‏dounya


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 29-05-15, 01:11 AM   #16

ألم الواقع الحزين

فراشة الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية ألم الواقع الحزين

? العضوٌ??? » 323824
?  التسِجيلٌ » Aug 2014
? مشَارَ?اتْي » 134
?  نُقآطِيْ » ألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond reputeألم الواقع الحزين has a reputation beyond repute
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

كيف حالك إن شاء الله دائما بخير ؟


بصراحة اسمحي لي ان اسجل اعجابي باسلوبك وقلمك المميز

قرات لك منازل القمر والان اوجاع بصراحة يعجبني اسلوبك وسرد الاحداث بتشوق وليس ملل


مع انك فتحتي لي باب لاتعرف علي قلم ليبي وان روايه منازل القمر واوجاع تركت لدي انطباع بان كتاب ليبيا مميزون جدا باسلوبهم وشجعني لبحث عن اسماء اخري لاتابع لهم فهل تزكين لي اسماء معينة لاتابعها وشاكرة لك


اتوقع جابر سيتزوج ارجوان وسيضع لنفسة حد يوهم نفسة بانه قادر علي مقاومتها ولا يعترف بحبه لها لكن ارجوان باسلوبها المميز وطريقتها تكسب قلبه ويعترف بالحب مع اعتقادي بوجود امه سيكون هو سبب المشاكل بينهم في البدايه

سما ونزار اتوقع ان نزار سيدافع عن سما بكل طرق حتي لو اضطر ان يتزوجها لحمايتها لكن في النهايه يعترف بحبه لها

مي حكايه اتوقع انها ستحارب وليد بكل طرقها حتي لو اضطرت ان تطلب الطلاق لتتزوج وليد للانتقام


فرج وجواد حكايه حب ممتعه

وسن ونواس ماساة الشعور بالخيانه صعب مع ان له ظروفه لكن صعب التقبل الطرف الاخر له
اتعاطف مع نواس كثيرا لكن اشعر بانه تمادي بالزواج من مي كسر قلب وسن مع ان زواجه منها له اسباب وواضحة لكن هل تقبل وسن بهذة الاسباب مثل ما هو نواس هل قبل باسباب زواجها من غيرة لا اعتقد سيكون صعب علي الطرفين تقبل الواقع

عموما اسمحي لي ان اسجل من المتابعين لك وارغب ان اعرف موعد تنزيل البارتات لك ولا تبخلي علينا بجزء طويل ممتع وفقك الله

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اختك ألم الواقع الحزين

للصمت اسباااااااااا ب



التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 29-05-15 الساعة 02:04 AM
ألم الواقع الحزين غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم اغفر وارحم امي وابي بواسع رحمتك واجمعني معهم بالجنة يا رب اشفي اخواني من كل داء ورجعهم لي سالمين واجمعني بهم علي الخير وفرح قلبي بامنياتي لهم .... وفرحني معهم يا رب
رد مع اقتباس
قديم 29-05-15, 04:04 PM   #17

نداء الحق

نجم روايتي وعضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاءوفراشة الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية نداء الحق

? العضوٌ??? » 122312
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 6,902
?  مُ?إني » العراق
?  نُقآطِيْ » نداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond reputeنداء الحق has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك action
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مساء الخيرات والسعادة يافيتامين سي
رواية جميلة وقوية
تسجيل متابعة معك ياوردة


نداء الحق غير متواجد حالياً  
التوقيع


رد مع اقتباس
قديم 29-05-15, 04:28 PM   #18

ام سلطام

? العضوٌ??? » 342240
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 126
?  نُقآطِيْ » ام سلطام is on a distinguished road
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

ام سلطام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-15, 09:44 PM   #19

ام سلطام

? العضوٌ??? » 342240
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 126
?  نُقآطِيْ » ام سلطام is on a distinguished road
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

ام سلطام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-15, 09:45 PM   #20

ام سلطام

? العضوٌ??? » 342240
?  التسِجيلٌ » Apr 2015
? مشَارَ?اتْي » 126
?  نُقآطِيْ » ام سلطام is on a distinguished road
افتراضي

ألف مبروك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ام سلطام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:54 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.