آخر 10 مشاركات
أبواب الجحيم-زائرة-ج1 من سلسلة دموع الشياطين-للآخاذة::زهرة سوداء (سوسن رضوان)كاملة (الكاتـب : زهرة سوداء - )           »          ودواهم العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : emy33 - )           »          نعم يا حبيب الروح (17) الجزء1س عائلة ريتشي-للآخاذة أميرة الحب*مميزة -حصرية**كاملة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          موعد مع القدر "متميزة" و "مكتملة" (الكاتـب : athenadelta - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          فضيحة فتاة المجتمع الراقي (83) لـ:مورين شايلد (الجزء1 من سلسلة فضائح بارك أفينو)كاملة (الكاتـب : * فوفو * - )           »          وهج الزبرجد (3) .. سلسلة قلوب شائكة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          لنجعل اليوم يوم الاعتراف .....؟ (الكاتـب : ميكاسا أكرمان - )           »          لوحة ليست للبيع -ج2 من أهلاً بك في جحيمي- للكاتبة الآخاذة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : Omima Hisham - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

Like Tree31Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-06-16, 08:41 PM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


\\

تتمـــة




.
.
.
.
.
كان يقف مسندا جسده المديد على الجدار يراقب من حوله بصمت .. الألم و الحزن اللذان رآهما في عين أبوه و أعمامه الثلاثة لم يكن يضاهي الوجع الذي لاح على وجه بو مايد و لا على ابنه .. لقد كانوا هم العائلة الوحيدة لحمد منذ سنوات ..! شعر بصعوبة في التعاطف مع أبوه و أعمامه .. و ذاك الشرود الذي بدا على وجه حامد .. ما كان يسحق فؤاده حقا هو ردة فعل جدته .. كيف له أن يبلغها بخبر كهذا .. لم يخبروا أباه سيف حتى الآن .. أتوا إلى هنا على عجل .. كان والده يعيد رأسه للوراء و هو شارد .. نظرة كسيرة تسكن عينيه ..
كبح شعورا ساخرا في غير وقته .. هل شعر والده الآن بالندم لابتعاده عن أخيه كل تلك السنوات ..؟؟ اعمامه هؤلاء .. أي إحساس يسكنهم بفقد أخٍ قد هجروه لسنوات .. و ها هي الأيام تعيدهم للقاءه بعد رحيله ..
سخرية حقّه .. لا يمكن للأمر أن يكون أكثر تعقيدا من هذه الصورة ..
يجلسون هنا في انتظار أن يسمح لهم الطبيب برؤيته .. تحرك من مكانه ليقترب من بو مايد الذي كان واقفا في الطرف البعيد .. و قال بهدوء حالما وصل إليه ..
- كيف مات ..؟؟
بدا السؤال قاسيا .. و لم تبدو المراعاة على وجه غيث الصلب .. الحقيقة أنه لم يكن يشعر بأي رثاء سوى على حال أبناءه .. شعر بالشفقة لمصيرهم بعده .. أين سيؤول بهم الحال يا ترى ؟؟
قال بو سلطان بتعاسة ..
- لقوه عياله راقد عند باب الميلس و ما طاع ينش لهم .. و اتصلت - تردد لبرهة و كأنما لا يريد نطق اسم الفتاة أمام هذا الغريب .. رغم علمه بأنه زوجها !!- آآ حور بمايد و شله هو و عبيد المستشفى .. و .......
بتر كلماته و رأسه يلتفت بقوة مع استدارت الجميع نحو الصيحة التي انطلقت من الغرفة القريبة ..! كانت صرخة الفتاة واضحة ..
- كذااااااااااااااااااااب ..
بدأ الجميع يلتفتون لبعضهم توترا .. أما غيث فقد لمع في رأسه شيء و هو يسأل بحزم ..
- حد من بناته هنيه ..؟؟
هز بو سلطان رأسه و قد شحب وجهه بشدة .. و هو يهمس ..
- هاي حور .. أكيد مايد قال لها عن أبوها ..!
نظر له غيث و هو يعقد حاجبه لوهلة قبل أن يرفع طرفه بكبر .. مايد ؟؟! و ما شانه بها ليخبرها بذلك .. استدار متوجها للغرفة التي خرج منها الصوت .. شيء من الضيق اضطرم في صدره .. على كل حال هذه الفتاة زوجته .. و لا يحبذ وجود رجل غريب لمواساتها في لحظاتها هذه .. طرق الباب ثلاث مرات بخفة قبل أن يدفعه دون انتظار الأذن .. كان مايد يقف قربها .. عرفها .. هي نفسها حور .. عقد جبينه .. مايد الذي التفت له بنظرة أليمة بدا أنه الوحيد الذي شعر بدخوله .. فيما استمرت حور بالنظر لوجه الأخير بشيء من الذهول .. كان وجهها مكشوفا و حجابها قد تراجع للخلف قليلا كاشفا خصلاتٍ انزلقت من تحته على جانب وجهها .. التعبير على وجهها يشبه الصدمة و هي تتوسل بصوت ضعيف ..
- مايد .. حرام عليك .. ليش تتبلى على أبويه .. نحن يبناه هنيه .. سير شوفه .. وين ودوووه .. ؟؟
نظر مايد لغيث بحزن .. و لكن وجه غيث كان قاسيا و هو يشير بيده آمرا أن يخرج .. اتسعت عينا مايد ..
ماذا ..؟؟ أيترك أخته مع هذا الزوج الذي لم تعترف به يوما .. أيتخلى عنها الآن تاركا مهمة تماسكها على عاتق هذا الرجل .. لم يكن لديه الخيار .. كان غيث ينظر له بصلابة منتظرا خروجه .. غيث الذي كان بودّه أن يهشم أنف هذا الشاب الذي يقف متأملا زوجته .. وجهها .. شعرها .. في حين لا تدرك هي ما يجري حقا ..!!
و يقف مترددا في إخلاء الغرفة لهما .. قال ببرود قاتل ..
- تفضل برا .. أنا بتصرف وياها ..
ارتخت كتفا مايد و هو يخرج .. عينا حور تتبعه بحيرة .. مشاعرها متخبطة .. لا تفهم ما قال مايد للتو .. لماذا خرج و تركها .. ؟؟
من هذا ..؟؟ نظرت له .. لا تزال الصدمة على وجهها مما قال أخيها للتو .. تشعر بالضياع .. الأمر ضخم للغاية .. لا تستطيع مشاعرها تفسير ما يقال ..!
.
.
هذا الوجه رأته في مكان ما ،، و لكنها لا تهتم الآن .. بدأت بالتحرك في مكانها .. اقتربت من الستارة التي تقبع المها خلفها .. و لكنها توقفت لتتراجع .. ماذا تريد ..؟؟ والدها هناك في الخارج ؟؟ التفتت مجددا نحو الباب ..
نعم هو هناك ستخرج لتراه جالسا .. لا بد أنه متعب .. متعب كثيرا .. و الا لما سقط هناك .. ستخبره بأن المها هنا مسجاة .. و أنها فقدت الوعي .. ستشكو مايد إليه .. لقد كان يمزح بثقل .. لقد قال أنه ميت .. الأبله .. لا يعلم شيئا ..
لا يمكن لوالدها أن يموت .. تحث الخطى نحو الباب .. أبي في الخارج .. حتما سأجده ..
سرعان ما التفت قبضة قوية على ذراعها تمنعها من الوصول للباب .. التفتت بعينين لا تريان لصاحب اليد الذي سأل بصوت قوي ..
- وين سايرة ..؟؟
بدت تسحب ذراعها .. عقلها المشتت لا يدرك من هذا الرجل الذي يقف هنا .. رأت وجهه في مكان ما .. لا يهم .. تريد الخروج ..
- بسير لأبويه .. بنرد البيت .. بيعصب .. غداه برد .. محد وعاه لصلاة العصر .. ممـ ..
بدت الكلمات تتقطع .. و هي تسحب ذراعها من تلك القبضة المحكمة .. لم تكن ترى شيئا .. ذهنها لم يعد يعي سوى أن عليها الخروج .. ستجد أباها حتما خلف هذا الباب ..
- خوز .. أبا أظهر .. انت .. ما تعرف .. المها طاحت .. كانت خايفة .. ولـ .....
.
.
كانت تهذي .. تجر ذراعها من قبضته .. غير واعية .. لا تزال مصدومة و إلا لما أرادت الخروج بلا غطاء و شعرها ينسدل .. نظرتها الضائعة .. شفقة قوية اجتاحته و هو يرى حيرتها البالغة .. لم تبكي حتى ..!
بدت تجر يدها الآن و صوتها يرتفع ..
- ودرنيه .. أبا أظهر .. ابويه يرقبنا .. يا ويليه لو أبطيت ..
تحاول الإفلات فيما يحكم يده حولها و يمسك ذراعها الأخرى بيده .. و هو ينبهها بهدوء ..
- حور .. حور ..
شعر باسمها غريبا على لسانه ..
لكنها لم تكن تسمع .. تشد نفسها .. تريد أن يتركها .. و صوتها يردد بجنون ..
- بطل ايديه .. بطل ايديه .. ابا أظهر .. هناك .. هناك ..
كان صوتها يرتفع بهستيرية .. بدت على وشك الإصابه بالجنون .. و عينيها المتسعتين تكاد تخرج من محجرها بذهول ..
- أبااااااااااااا .. أظهاااااااااار .. ودرنيييييييييييه ..
كان عليه أن يوقظها مما هي فيه .. أن يعيدها للواقع .. لا يجب أن تصاب بانهيار الآن .. هزها بشيء من العنف و صوته القوي يقول بصرامة ..
- حووور .. بس .. أبوج مات .. ترحمي عليه .. و لا تسوين بعمرج كذيه ..
ما إن ذكر الموت حتى ازداد جنونها و هي تدفعه من صدره بيديها ..
- خوز .. يا الكذاااااااب .. منوه لي مااااااااات .. ودرنيييييييه ..
بدت تضربه الآن بقوة .. قبضاتها تصطدم بصدره القوي .. لم تؤثر تلك الضربات فيه و لم تزعزع ثباته .. شدها فجأة بين ذراعيه متجاهلا صيحاتها الهستيرية و هو يدفن وجهها في صدره .. يخنق صيحاتها في حضنه .. و هو يقول بصوتٍ واضح .. قوي ّ..
ذبحها ..!
- أبوج مات ... مات .. تسمعين .. ؟؟ مات أبوج .. ترحمي عليه ..
تهز رأسها فيما يشد زراعيه حولها ..
- لأ .. لأ .. لااااااااااااااااااااا .. لاااااااااااااااااا ..
بدت تصيح و هي تضربه تحاول الهروب .. لا تريد أن تسمع شيئا من هذه الكلمات و هي تصيح بصوتٍ عالٍ ..
- لاااااااااااااااا .. أبوووووووووووويه مااااااااااااا مااااااااااات .. كذااااااااابين ..
صوتها ينخفض الآن و أنفاسها تتقطع .. ذهنها الذاهل أخذ يرسم الصورة جاهدا .. لقد أتوا بوالدها إلى هنا .. لكنها ستعود دونه ..!
- لااااااااا .. أبوووووووووويااااااه .. أبووووووووووياااااااااه .. لاااااااااا ..
بدت مقاومتها تخمد و هي تتشبث بصدر ثوبه باكيا .. تنتحب بصوت عالٍ كالطفلة .. بدت ذراعيه تلين بعطف .. و هو يربت على ظهرها مواسيا ثم يمسح على شعرها بأسىً على حالها .. صوتها المبحوح إثر صياحها .. يخرج متقطعا من بين شهقاتها المتتابعة ..
- أبووووووووووويااااااااااه ...
غريب كيف أدناه الموت من هذه الغريبة ..!
يشاركها أحزانها و يواسيها ،،
بدت تنزلق جالسة على الأرض و تسقط على ركبتيها .. شعر بالرحمة تسري في عروقه .. و هو يرى وجع قلب هذه الشابة .. لم يفقد أحدا من أحبته .. و لا يتخيل هول ما تشعر به .. لقد أدركت للتو أنها أصبحت بلا أب ..
.
.
يا بوي وينك ..؟؟
صرخة ضاعت بين ونات المواجع ،،
يا بوي وينك ..؟؟
هذي صيحة ما سمعت لها مجيب ..
راح صوتي ..
وين انته يا الحبيب ..؟؟
غاب صوتي عن شعورك ..؟ و إلا سامع ..؟؟
شوف لي عبرة تكابر .. ما تطاوع ..
شوف حالي يوم سمعته هالخبر .. كله كئيب ..
شوف لي شوقٍ ذبحني ..
يرجي حنانك .. قسوتك ..
يرجي ملامح بسمتك ،،
ينتظر منك وجودٍ .. يطفي وسطه هاللهيب ..
ليه عزمت الموادع ..
صار بَعدكْ كل هذا الكون يسعى للمغيب ..
هذي دنيا يغشى ضيّها لون السوادي ،،
هذا يوم أصبح لحاله رمادي ..
وين ألوان الشوارع ..؟!
ليه تغرق عيني عبرة .. يا تكابر ..
أو على خدي سكيب ..؟؟
من يكفكف هالمدامع ..؟؟
وين راعي هالأصابع ..؟
ليه كني بعد يومه .. منحبس و الا غريب ..!!
.
.
لم يدرك غيث جزءا بسيطا مما تشعر به حور في تلك اللحظة .. تجثو على ركبتيها على الأرض .. و تستند بإحدى راحتيها .. و هي تضع يدها الأخرى على صدرها .. ترى إخماد ذاك الوجع .. ذاك الألم الرهيب الذي يمزق فؤادها الآن ..
تنشج باكية بصوتٍ مخيف .. تناديه ..
تردد اسمه ..
أين هو .. ؟؟ كيف له أن يتركهم لوحدهم .. من لهم بعد الآن ؟؟
كانت الدموع تطفح أنهارا .. مع إدراكها لحقيقة هذه الفاجعة .. لن ينتظروه بعد الآن .. لن يأتي متأخرا ليراقبوه و هو يتغدى مصدرا الأوامر ..
لن يجمع لهم الحطب حين يقترب الشتاء ليشعل نارا تدفئهم .. لن يلقي تلك العمامة طالبا منها أن تغسلها ..
أن تضيّع عرقه الذي تحتضنه بحب ..
صورة وجهه الحبيب ترتسم أمام عينيها و هي تصيح بمرارة ..
هذا الأمل رهيب .. رهيب للغاية ..
يمزقها .. يخنقها ..
و جزء من روحها .. لا يريد أن يصدق بعد هذه الحقيقة ..!!
يأبى أن يدرك ..
أنها أصبحت يتيمة ..!!
.
.
راحة ايدٍ تمسح على راسي بحنان ..
صوت حرمة تبكي على حالي الأليمة ..
صوتها شتت كياني ..
تقول مسكينه بنته .. منهو لها بعده .. يتيمة ..!!
كلمة شلّت شعوري ..
يتيمة ..!
لا .. لا ..
ماني يتيمة ..
ولا غريبة و لا وحيدة ..
ماني شريدة ..!
لا ثيابٍ ترتديها .. لا مساكن تحتويها ؟!
لا عيون ترتجيها .. غير قاع ما تبيها ..
أنا بنته .. بنت أبوي ..
بنت رجل لا انتخوا به ما يخيّب من نخاه ..
بنت شيخ ما ملكْ من مال شي و لا له جاه ..
بنت واحد شفته في عيني كبير ..
واحدٍ يسوى فحياتي كل شي .. يسوى كثير ..
ماني يتيمة ..
صيحة تحرق فوادي .. من يبرِّد هالسعير ..؟؟!
ليتني على جنح طير .. ليت أوجاعي بخير ..
ليت حزنٍ يغسله بعد الفجر باقي الندى ..
ليت به من يسمع صرختي و يرد بعدي هالصدى ،،
ليت حلم ما يضيع .. ما يتوه .. ما يروح في بُعد ذاك المدى ..
.
.
رحـــل ،،
لم يعد لهم في هذه الدنيا سوى الأوجاع .. أخواتها .. نايف .. أمها و الطفل المنتظر ،،
روح ستنبلج للدنيا بلا أب ..
ماذا .. هل أضناه التعب .. هل طفح به الكيل من شقاء هذه الدنيا ..
هل أسلم أمره .. و لم يعد في قدرته المواصلة ..؟! أ فضّل المضي إلى ربّه ..
ستريحه أحضان الثرى .. بعيدا عن المواجع .. عن التعب .. عن الركض خلف لقمة العيش تحت قسوة ظروفهم ..!
سيغفو أبدا ..
تاركا خلفه أرواحا لا تزال ظمأه .. بحاجة له .. لوجوده ..
و قوته .. بدا أن هذا الحزن أبدي .. يتملك روحها يلوّعها ..
و هي تبحث باستماتة عن بصيص أمل .. بعودته ..
أي وهم قد يخمد هذه النيران التي تستعر في جوفها .. محرقة كل فرحة ..
تهدم كل ما هو باسم و سعيد ..
لم يعد هناك مأوى إلا للوجع ..!
.
.
ليت ألوان الشوارع ثاني تعود ،،
ليت ضيّ غاب عني يرجع و مرة يسود ..
ليت ضحكة صار مسكنها تراب ..
تنرحم من حر نارٍ تلتهب .. تنشد ذنوب ..
ليت فردوس ندية تحتضن وجهه سعود ..
.
.
شعرت بالحزن يحطمها .. يفتتها .. و انعدام بالشعور بالمكان و الزمان .. لازالت تجثو .. و أنينها يختلط بشهقاتٍ تهز جسدها بقوة ..
و هي تردد اسمه بلا كلل ..
أصبحوا الآن بلا سند .. بلا أمل ..!!
.
.
ابتدت لحظة شقيّة .. و أخنق الدمعة خفيّة ..
ماني ببنته بعد هاليوم العسير ..
أنا يتيمة ..
و أنتفض بردٍ و جوع ..
أغرق الأفراح فيني من بحر تلك الدموع ..
لا لي عون و لا لي عزوة و لا كبير ..
هذا ظهري أصبح الليلة كسير ..
من يداوي خاطري بعده تحطم .. و لا جبير ..
آه لو لا الخوف من ربي ..
قلت ليت لي نفس المصير ..
ليتني جنبه دفينه .. ما أقوى أيامي الحزينة ..
.
.
يقف عند رأسها متأملا .. لم يجد في يده شيئا قد يفعله .. رغم أن منظرها هذا أثر به ..
انحنى بهدوء يساعدها على الوقوف ..
- حور نشي ..
لكنها لم تجبه ..
لم تسمعه أصلا .. لم يعد في أنيها سوى طنين ذاك الوجع ..!
كانت هذه هي المرة الأول في حياتها التي ترى فيها الحزن و تقابله ..
وجها لوجه ..!
.
.
علميني يا سنيني ،، ذكريني يا ترى ..؟!
هي راحت أفراحي و حنيني ..؟؟!
هو ما بقى غير الكرى ..؟ *

* * * * *

كانت الإضاءة الخفيفة الصفراء .. مصدرها تلك المصابيح الخافتة التي عُلّقت في سقف المكان .. تصلب ظهره .. لم يكن يشعر بالارتياح أبدا .. شيء من البرود لا علاقة له بجو المكان الجليدي .. سرى في جسده و هو يقف عند الباب .. رائحة المطهرات القوية تعبق في المكان .. تتطفل على الأنفاس ..
إحساس الرحيل يلف هذا الهواء الذي يخترق رئته بنفس الهدوء البطيء الذي يستشعره هنا ..!
صمت يجتاحه روحه .. شيء من الإحترام شعر بأن عليه أن يلتزمه .. و هو واقف .. يشعر بأن لمحراب الموت هذا قدسية السكون ..
عينه ترتكز على ظهر الشخص الوحيد هنا .. الرجل الذي وقف دون حراك عند أحد الأسرّة الموزعة على وسع القاعة ..
ظهره المتصلب لا يبدي أدنى إنفعال قد يظهره وجهه الذي يخفيه ..
أدار هو ظهره له .. رغم أنه أصرّ على اصطحابه إلى هنا .. إلا أن شعوره بأنه تطفل على خصوصية ما له ..
منعه من القيام بأدنى حركة ،،
سوى الإنتظار ..!
.
.
.
كانت يده التي تجعد جلدها بقوة تلتف بقبضة قوية حول يد ابنه المسجى ،، لا يعلم حقا أي رغبه تعتريه .. أ ينحني ليطبع قبلة وحيدة و يودعه مديرا ظهره ليخرج من هذا المكان ..؟؟ أيدفن وجهه في صدره و يستنشق رائحته العزيزة للمرة الأخيرة ..؟؟
رغبة وحيدة ملحة أدرك أنها الأقرب لقلبه الآن ..
أراد أن يبكي بصوتٍ عالٍ كطفل صغير .. أراد أن يجد مخرجا لكل هذا الألم الذي يخنقه الآن ..
أراد أن يبرد شيئا من حرّةٍ لفحت قلبه بقسوة ..
أراد أن يستلقي في ذاك الفراش القريب .. و يطلب منهم أن يساق بدلا عنه للحفرة التي هي في انتظاره ..
لكن شيئا من ذاك لم يستطع القيام به .. بدا أن دموعه تعصيه .. تأبى النزول .. و كأنما تحرقه عقابا ..
مر وقتٌ طويل مذ رآه آخر مرة ..!
وقت طويل للغاية .. فمن يراه هنا الآن كان مختلفا تماما عن ذاك الشاب الفتي الذي قام بطرده من البيت ..!
راحت عينه تمسح وجهه بوجع ،، بشرته المسمرة إثر لفح نسائم السموم لها في عز الظهيرة .. وجهه الكالح .. يديه الخشنتين .. و همٌّ لا زال ينعقد على جبينه ..
لا يشبه طفلا بُشَّر ذات يوم بعيد بقدومه لهذه الدنيا .. لا يشبه فتىً لازم نشوءه .. لا يشبه شابا ضاع في غمرة الحياة ..
هذا رجل أضنته معارك الدنيا و كفاحها .. ملَّ قتالا فارغا .. أسقطه ..
هذا رجل غريب تماما هيئة عنه ..
لا يعرفه .. لو كان التقاه في مكان آخر لما قتله هذا الألم ..!
هذا ابنه ..
لكن بينهم سنوات .. بينهم كِبرٌ زائف .. بينهم وقت ضيّعاه .. بينهم قدر أقسم على أن لا يلتقيا إلا أمام رب العباد ..
بينهم برزخ .. إجتازه ذاك راحلا ..
و بقي هو هنا بحسرته .. متندما .. متأخرا ..
أرخى جفنيه الثقيلتين بإحساس معذب .. إنه حتى لم يسترضه ..! قضى وقته في استدراجه عبر ابنته ليحثه على القدوم مجددا .. يلتمس قربه ..
ماذا كان سيضره إن ذهب ببساطة له و مد يده داعيا اياه أن يعود لكنفه ..
لماذا بدا الزمن جائرا في هذه اللحظة .. ألا يمكن له ان يعود للحظات فقط..؟؟
هناك مئات الأخطاء التي هو بحاجة لأن يصلها .. ثغرات يبغي سدّها ..
خطوات أراد أن يعيدها لطرقات يعرفها .. لا تلك المسالك التي غرّبت ابنه لسنوات ..
ينظر لوجه الحبيب .. لازال ذاك العناد يستوطن ملامحه حتى بعد رحيله ..
ابتسامة مرّة غالبت دمعة حارة سالت بطيئة على وجنته المجعدة ..
لقد كان متأخرا .. متأخرا للغاية ..
الآن يفصل بينهما عمر ..
لا يمكن تجاهله ..
قبضته التي تتشبث بيد ابنه الثلجية .. تعتصرها بقوة ..
للمرة الأخيرة .. يقف هنا .. يواجهه ..
للمرة الأخيرة تحتضن عيناه وجهه الذي كان بلا حياه ..!
.
.
للمرة الأخيرة هو راضٍ عنه ،، راضٍ عليه ..
يسامحه ..
ينحني ببطء ليطبع قبله عميقه على جبينه البارد .. أطلقت عبرات تساقطت على وجهه ..
.
.
للمرة الأخيرة يدعو من الله أن يرقد هذا الإبن بسلام ..
مرّ كالدموع طعم الرحيل ..
حين لا تعلم ما كان يحمل ذاك الراحل في قلبه قبل المضي ..!

* * * * *

لم تكن تلك اليلة كغيرها من الليالي ..!
وقع الخبر على عائلة حمد كان مروعا ،، عادت المها و حور للبيت ليجدن أن الحزن قد سبقهن إلى هناك
..
في اللحظة التي دلفن فيه البيت .. حور تسند المها التي كانت تتعثر في مشيتها و صوت شهقاتها يختلط ببكاء حور الخافت ..
عرفت أن الجميع قد علم بالمصيبة تلك .. ازدادت وتيرة بكائها دون أن تستطيع السيطرة عليها ..
أخواتها الصغار و دانة و نورة كانن في حجرة أمهن .. الإنهيار على الوجوه .. و صوت البكاء العالي كان يصم الأذان .. فيما تحاول الخالة عذيجة الموجوعة مواساتهن ... لم يكن أحد ما أكثر تماسكا من أمها ..
أمها التي خافت عليها جدا نظرا لحالتها الصحيّة المتدهورة .. خشيت ما قد يفعله هذا الخبر بها .. و لكنها كانت تبكي بدون صوت جالسة في فرائها و هند و دانة يدفنّ رؤسهن في حجرها باكيات في ما انزوت نورة في طرف الغرفة .. و ضمت عذيجة ابنتة أختها الصغرى إلى صدرها تهدئها ..
كانت الصورة فضيعه للغاية .. شيء يعيد صدى الخبر و كأنها تسمعه للمرة الأولى ..
لم ترى عفرا و لا نايف .. اندفعت تحتضن أمها باكية تتبعها المها .. بدا أن قدومهن فجّر بقية التماسك في أخواتهن ،،
قادت حور المها بهدوء لغرفتهن كي تستلقي في فراشها .. ما إن دلفت الغرفة المظلمة حتى راعها الصوت الأنين الخافت ..
التفتت لفراش عفرا التي استلقت عليه .. دون غطاء و هي متكومة على نفسها ..كانت تنشج ببكاء يمزق نياط القلب .. ساعدت حور المها على الإستلقاء في فراشها .. قبل أن تسحب تلك اللحاف مغطية جسدها و رأسها كاملا ..
ملتفة بأحزانها ..
استدارت نحو عفرا و جلست على طرف فراشها .. تعض شفتيها .. و هي تشعر بالوهن يدب في روحها .. لم تستطع ايقاف سيل دموعها و هي تكتم شهقاتها التي أهلكتها .. تمد يدها لتمسح على شعر عفرا بهدوء .. و تمسح دموعها بقوة .. تنظر حالهم ..
بلا أب ..
انهيارهن جميعا .. خروج نايف الذي لا تعلم أين هو الآن .. أمها المريضة ،،
إلى أين سيؤول بهم الحال ..؟!
كم هو مخيف هذا الشعور بأن الأيام القادمة ستكون خاليــــــة ..!
لا شيء فيها ..
مجهولة ..
شيء يتملكها و هي تواصل مسح شعر أختها بلا شعور .. و عبراتها الحارقة تنزل تباعا على وجنتها ..
لا تستطيع تفسير ما يتملكها بأن هذه هي النهاية ..! و أن xxxxب الساعة لم تعد تدور ..
.
.
- حور ..؟
الصوت الهامس المرتجف .. انتشلها من ذاك التيه الذي تخبطت فيه للحظات .. و عفرا ترفع وجهها المنتفخ من البكاء و هي تقول بصوت متهدج ..
- شوه بنسوي عقبه يا حور .. ابويه راااح .. راااح و خلاناا ..
ضمتها حور و هي تبكي ..فلفت عفرا ذراعيها تتشبث بها بقوة .. و بكاءها يرتفع شيئا فشيئا .. كانت حور تشعر بأن ثقلا ما ألقي على كاهلها .. الآن و الجميع قد تداعى تحت وطأة هذا الخبر ..
هذه الفاجعة التي هبطت عليهم فجأة ،، كيف لهم أن يتجاوزوها ..؟؟!
شعرت بأنه يجب أن يكون هناك من هو متعقل منهم .. من هو مستعد للملمة حطامهم ..
من يقع على عاتقه واجب مواساتهم ..
و من غيرها قد يكون الملزوم بهذا .. أ و ليست هي الكبيرة ..؟؟ بعد أمها الضعيفة ..؟
إحساس قاتل راح يسري داخلها و هي تدرك بأن عليها أن تداوي أوجاعهم بصبر .. متجاهلة أوجاعها ..!
عليها أن تصبر .. ان تتماسكْ .. أن تبتلع ألمها .. و إلا من المسؤول عن آلام إخوتها ..؟؟
كان هذا الإدراك يهبط على روحها ثقيلا .. ثقيلا للغاية ..
لا تطيقه النفس ..
رغم ذلك .. تلك الكلمات المواسية تنفلت بقوة من بين شفتيها و هي تمسح دموعها باستماته ..
- ادعيله بالرحمه .. ادعيله ان الله يوسع قبره ..
و راح صوتها يغيب بين شهقاتها ..
يصعب حقا ادِّعاء القوة حين نكون محطمين ..!
.
.
.
كانت الساعة تشير للواحدة و النصف .. الهدوء يغشى البيت التي بدا أن جدرانهم تشاركهم الحداد على فقيدهم ..!
تجلس هي على درجات مدخل المجلس .. المكان الذي غفا فيه أبوها غفوته الأخيرة و لم يستيقظ بعدها ..
تنتظر أن يعود نايف الذي كان قد خرج قبل المغرب و لم يعد إلى الآن .. لم تعرف كيف عليها أن تتصرف .. و ماذا يجب أن تفعل .. تشعر بأنها بطيئة في فعل أي شيء و كأنام تحمل أثقالا من الدموع على ظهرها ..!
أجفلت و هبت واقفة بلهفة مع صوت الخطوات الذي اقترب من باب البيت الموارب .. ما ان دفع القادم الباب حتى بدا الإحباط على وجهها المحمر من فرط البكاء و شفتيها المرتجفتين و هي تكبت شهقة معذبة ..
نظر لها عبيد الذي كان يحمل كتبه و عددا من الملابس بتعاطف ..
- بلاج حور ..؟؟
ارتجف صوتها الهامس .. تجاهد أن لا تبكي ..
- أرقب نايف .. ظهر يوم .. آآ - لم تستطع التفوه بالكلمة - ... ما رد الين الحين .. الساعة وحدة ..
دلف عبيد الذي كان قد تقرر أنه سيقضي بضعة ليالٍ هنا المجلس و علّق ثيابه و وضع كتبه جانبا .. قبل أن يخرج مجددا و هو يقول بثقة ..
- لا تخافين ما بيسير مكان .. أكيد هنيه في الحارة .. منوه ربعه خبرينيه أنا ظاهر أدور عليه عندهم ..
مسحت دمعة خائفة انزلقت على خدّها ..
- لا عبيد ايلس بنرقبه شويه بعد .. أكيد بيرد الحين ..
نظر لها مترددا قبل أن يطيعها و يجلس إلى جوارها .. لحظات صمت و هما ينظران إلى الأرض قبل أن تسأله بصوت مرتجف ..
- دفنتوه ..؟؟
رفع نظرها لها بدهشة .. و لكنها لم تلتفت إليه .. أصبحت روحها كومة من الفتات لا تريده أن يراها .. صوته الحزين يتدفق قربها ..
- لا بنصلي عليه باكر عقب الظهر و بندفنه في مقبرة العوهة ..
ابتلعت ريقها بحزن فظيع ..
- و العزا ..؟؟
صمت مطولا .. لا يدري حقا إذا كان هذا هو الوقت الملائم ..؟! و لكنها ستعرف إذا على كل حال .. الأفضل أن تكون مستعدة من الآن .. كان صوته حذرا و هو يقول ..
- العزا في بيت يدج العود ..
نظرتها المصدومة و الكلمة التي انفلت برعب من بين شفتيها ..
- شووووووه ..؟؟؟؟؟؟؟
هز رأسه بأسى .. هبت هي واقفة من مكانها ..
كيف ..!!
كيف تجرءوا على فعل هذا ..؟!
شعرت بالحقد يمتزج بالألم في صدرها .. يعتصر روحها ..
الأوغاد لم يورا أحدا منهم طوال حياة والدها .. لم يكن أحدهم يشاركهم الأحزان أو الأفراح ..
لم يعرفوهم قط ..!!
و الآن بعد رحيله يأتون لينتزعوا حق الرحمه ،، المواساة التي يفترض بان تكون لأبناء المرحوم ..؟
يغتصبون حقهم في تقبل تعازي أبيهم ..
شعرت بالدموع الساخنة تغسل وجهها مجدداو هي تبكي ..
- هب ع كيفهم .. يحطون العزا فبيتهم .. نحن عياله و العزا لنا ..
أحاط عبيد كتفها بحنان ..
- لا تضيقين صدرج يا الغالية .. هاييل معروفين و بيونهم العرب من كل بقعة .. و المكان هنيه ما بيسدهم .. و بعدين أبوه يبا عزا ولده يكون فبيته .. و بعدين يدتج ما تروم تتحرك من مكانها ..
لم يفهم ..!
لم يفهم ..!
صاحت بمرارة ..
- ما يهمنيه عزا الرياييل وين يكون .. بس عزا الحريم لازم يكون فبيتناا .. أمايا في العدة .. شووووه ما تبانا نحضر عزا أبويه ..
كان عبيد يقول كلمات و لكنها لم تكن تسمع ..
حتى هذا الحق الضيئل حُرِموا منه ببساطة ،، لم يكونوا هم بحاجة للتعزية ..
فهم لم يتذوقوا المصاب مثلهم ..
لقد تخلوا عن هذا الحق منذ سنوات .. كيف يعودون الآن بعد فوات الآن مطالبين به ..
.
.
كانت كراهية شديدة لهم تمتزج بلوعة غريبة و رثاء بالنفس ..
جعلت حور في ضياع .. لا تدري إلى متى سيستمر هذا الألم ..!
حتما سيقتلها قبل أن يتوقف .. تشعر بذراع عبيد تحيط بها مواسية .. و لكن لا شيء يخمد هذا اللهيب الذي يحرقها ..
صوته و هو يهتف باسم جعلها تنتفض في مكانها ..
- نايـــــــف ..!!!
كان أخوها قد دلف للتو من الباب .. وجهه المنتفخ و عيناه الحمراوين و هو يقف عند الباب ..
ركضت نحوه و هي تنسى كل شيء قبل أن تحتضنه بلهفة باكية ..
- وين كنت ..؟؟. وين روحت يا خويه .. روعتنا عليك ..!
لكن نايف لم يجبها .. بل إنخرط في نشاج عالٍ جعله أقرب للأطفال ..
- أبوووووووووووويه ماااااااااااااات .. ماااااااااااااااات ..
كانت الكلمات تنغرس كالحراب في قلبها و لكنها ضمته أكثر و هي تبكي معه ..
دموعهما تختلط ..
و جسده الصغير يرتعش بين ذراعيها كورقة ذاوية في مهب الأوجاع ..
.
.
ينتحب بقوة .. و هي تشاركه البكاء ..
تبكي مصيرهم المشترك ..
الألم .. الفقد .. اليتم ..
تبكي الخوف الذي راح يغلف كل إحساس فيها ..
مجهول مصير الأيام القادمة ،، لا يعلمون ما تحمل في طياتها ..!

* * * * *

مرر أنامله برقة على وجنتها المجعدة .. ثم إلتقط كفّها الحبيب ليطبع قبلة عميقة قبل أن يعيده برفق إلى جانب جسدها الراقد على ذاك الفراش الضخم الوثير ..
لم يكن ينير الغرفة سوى ضوء مصباح النوم الذي وضع جانب سريرها .. و أضواء تسللت عبر النافذة التي أزاح ستارها للتو .. تلقي بظلٍ خافت في الغرفة ..
استند هو على حافة النافذة العملاقة .. يشيح ببصره في الحديقة الممتدة ..
كان لليوم مذاقا غريبا .. صور تداخلت في ذهنه راحت تدور مرارا و تكرار ..
فيما يقف هو هنا عاجزا عن النوم قبل أن يطمئن إلى أنها بخير ..
لم تتقبل الخبر بصلابة جده .. إنهارت فور علمها بوفاة إبنها ..
أسدل أهدابه و حاجبيه الأسودين ينعقدان بضيق ..
صورتها بذاك الشكل مزقت فؤاده .. ذات الهياج و البكاء و الصرخات .. قبل سقوطها إثر ارتفاع السكّر في دمها .. أوجعه ذاك الألم الذي تجرعته بعد فقدها لإبنها ..
صورتها أمام عينيه تتداخل مع صورة تلكْ التي سقطت راكعة على أرض المستشفى .. وجهها الذي أخفاه شعرها المنزلق من تحت الحجاب .. دموعها التي أغرقت وجهها الصافي ..
شيء غريب و هو يتذكر تلك الصورة .. جعله يحس بأنها تتجرع الألم للمرة الأولى ..!
شتان بين شعوره .. لم يراوده غير الشفقة و الأسى على حالها .. بينما شعر بألم رهيب يعتمر صدره حين أفجعه منظر جدته ..
ربما لأن تلك قضت عمرها كلها معه .. بينما مضت سنوات جدته الأخيرة و هي تتقلب بين الشوق الذي لا يخمد لرؤية ابنها ..!
أجفل فجأة .. و التفت إلى الخلف بقوة . حين ارتفع من الجانب الآخر صوت بكاء منخفض .. علم أنها استيقظت .. اقترب بسرعة من فراشها ليجد جسدها الضئيل متكورا بوهن و هي تبكي ..
لم يفزعه سوى صوت بكاءها الذي بدا كالعويل .. أو كأنين لبوة جريحة .. شيئا جعل قشعريرة من الخوف عليها تسري على ظهره ..
التقط رأسها بين يديه الكبيرتين و هو يجلس على فراشها ليريحه المخدة .. و صوته الحنون يلامس أذنيها ..
- امااااه .. فديتج .. تسمعينيه .. تعوذي من ابليس .. حرام لي يالسه تسوينه .. ترحمي عليه الحين و ادعيله ترا الصياح بيتعبج و لا بينفعه .. ادعيله هو هب محتاي غير لدعواتج .. ادعيله ،،
.
.
لكن الألم كان كبيرا .. فضيعا ..
كان أكبر من حدود قدرتها على الصبر ..
كان يقتلها ببطء و إمعان ..!
تشعر به يخنقها ..
يعذبها ..
هذا البكاء و هذا العويل لا يخرج شيئا مما يختلج حقا في أعماقها ..
كيف لهم أن يفهموا ..؟؟! سنوات كانت تعيش صابرة .. محتسبة .. لمْ تشتكِ قط ..
تبتلع كل ليلة دموعها و حنين مؤلم يجرها لرؤية ابنها .. فلذة كبدها ..
لا يعلمون أي حرقة تسكنها لفراق ولدها منذ سنوات .. و لكنها كانت صابرة ..
يكفيها أنه يسكن أراضٍ قريبة .. ممتنة لأنه لازال قريبا .. تحتضن مخدتها غير الدموع حلما ..
بأنه يوما ما سيدنو منها .. ستعيده خطاه إلى هذه الأراضي مجددا ..
و ستلتقيه ..
كان أمل تحتويه بين أضلعها الواهنة .. يدفعها لمواصلة أيامها ..
و يتفاقم الشوق ..
.
.
و لكن الآن ماذا ..؟؟!
ما هذا الوجع الرهيب الذي يحرق قلبها ..
لم يعد ابنها هنا .. لم يعد يسكن هذه البقاع .. لم يعد يتنفس هواء قد يكون عانق وجهها ذات يوم ..!
لن تعيده الخطوات يوما إلى هنا ..
لن تراه و لن تلتقيه ..
كم هو قاتل إقتلاع الأمل بقسوة الأقدار من أرواحنا ..
فراغ يجتاح الروح الخالية .. شعور قاتل بالاستسلام ..
لن يفهموا الآن معنى أنه رحل دون أن تراه ..
حاملا معه خيوطا كاذبة من الأمل البعيد .. من التفاؤل ..
لن يفهموا ..
كم عذّبها فراقه منذ سنوات ..
ليعود فيفجعها مجددا .. و كأن الموت هو ما تتجرعه ..!
.
.
علِّ روحي ..
و أوجعني حزن هذه الأم ..!

* * * * *
*







يا بوي وينك / من بوح قلمي ،،





لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 12:11 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


\\



الخطـــــــــــــــوة السادســـــــــــــــــــ ـة .. }




[ .. خطوات متوجِّعة ،، تواصل .. ]




و أخيرا كانت خيوط ضوء الفجر قد أقبلت باستحياء .. مترددة .. تلامس زوايا بعيدة من أطراف ذاك - الحوش - الضيق ،، و كأنما لا تجد عذرا من أنه يومٌ جديد رغما عن أحزانهم .. و أن الحياة لا تتوقف لمجرد أن رب هذه الجدران العتيقة التي تلوحها بجرأة قد شد الرحيل ،، إلى البعيد ..!
رفعت رأسها الذي كانت تسنده لركبتيها و هي تضمهما لصدرها ،، شعرها الذي تناثر حول وجهها بدا تعيسا هو أيضا و قد فقد شيئا من رونقه .. و هي تجلس على عتبة مدخل الصالة تراقب انبلاج الفجر البعيد ..
لم يغمض لها جفن منذ ليلة البارحة .. شعرت بان لا مخلوقا على وجه الأرض قد يكون مثقلا بالهموم مثلها ،، لا أحد يضاهيها في ذاك الوجع الذي يسكن روحها .. تعلم أن هناك أعينٌ غيرها تجرعت السهاد البارحة ،، واضح من وجوههم حين أيقظتهم لصلاة الفجر أن منهم من أهلكه البكاء ليسقط صريع رحمة النوم ،، و هناك من تجرع دموعه كؤوسا مرّة الليلة الماضية ..
تنهدت بتعب ،، طوال ليلتها الكئيبة .. وجدت أن الأمر عسير على الفهم .. من المستحيل أن يواصلوا حياتهم دون أبيهم ..! كيف لذلك حقا أن يحدث ..؟؟
لا إجابة ترتد صدى لأفكارها ،، سوى صوت إقامة صلاة الفجر دون أن تتردد صوت الطرقات على حجرتهن منبهه للصلاة .. لا يزال حقد عميق يكتنف صدرها لمجرد التفكير بأمر التعازي التي ستقدم في بيت جدّها ..
أنانيون .. انتهازيون ،، اغتصبوا حقّهم في المواساة ..
سنوات لم يروا لهم وجها ..و الآن لم يجدوا وقتا أفضل من هذا للظهور .. لم يكونوا بحاجة للتعزية ..
و ليس لهم حق فيها ..
نهضت من مكانها ببطء متوجه بخطوات متثاقلة للمطبخ عليها أن تحضر الإفطار فهناك من يجب أن يُرغم على تناول الطعام .. أمها تحتاج لتغذية .. إخوتها الصغار ..
يداها تتحرك بآلية لا تشعر بها .. تلهي روحها الممزقة عمّا يسكنها من أحزان ..!
.
.
بعد فطور لم يمس .. انطلق مايد و عبيد مصطحبان نايف للعزاء المقام في بيت الجد ،، و بدأن نساء الجيران و قريبات أمهن يتوافدن للبيت .. فاطمة و أمها كانوا أول الحضور للبيت .. لن تنسى حور كيف احتضنتها فاطمة بشدة و هي تبكي و كأنما فقد أبا هي الأخرى ،، توقفها عن البكاء و كلماتها التي وزعتها عليهن واحدة تلو الأخرى .. مواساتها لهن .. وقفة أمها مع خالتها .. و استقبالهن لنساء الحي و الأقارب ..
كان هناك دعم قوي .. شي من السلوى بثها وجودهن ..
حتى بدأن أخواتها يتمالكن نفسهن ببطء .. توقف النواح .. الصراخ .. و بدأ ذكر الله يلف المكان .. دموع صامتة .. تغرق الوجوه كانت هي الحداد على روح ذاك الراحل ..
وقفت هي تراقب الوضع بهدوء .. و كأنما أسلمن أمرهن .. و رضين بما حملته الأقدار ..
شعرت لوهلة بأن حطامها بالأمس قد جمع .. لا ليجبر .. بل ليتكوم في زاوية من الروح .. بعيدة عن أنظار الآخرين ..
كان وجه أمها المتماسك .. جلدها .. و الصبر الذي لاح على وجهها ،، هي القوة .. و السكينة التي تهبط عليهن .. هدوءها يدفعهن للتماسك .. هي أيضا متألمة ..
و لكنها صامدة .. لأجلهم ..!

* * * * *

المجلس الفسيح المتسع ،، سقفه العالي الذي تدلت منه ثريات ضخمه .. الحضور الذين ازدحموا في المكان ،، و الرجال الذين وقف هو وسطهم .. يرفع رأسه يتمعن في هذه الوجوه الغريبة .. شيء فيها يذكره بأبيه ..
أباه ..!
و ارتجفت شفتيه و هو يمسك دموعه بصعوبة .. آخر ما يرده هو الانفجار بالبكاء في هذه المكان المجهول .. تلفت حوله بذعر .. يبحث جاهدا بين هذه الأجساد الكبيرة .. عيناه المتلهفتين تنبش المكان بحثا عن وجه مألوف ،، أين عمّه سلطان و مايد ..؟؟ أين عبيد الذي أتى برفقته إلى هنا ..
افترقوا عند دخولهم ليتسلمه هؤلاء الغرباء الذين عرف بأنهم أعمامه .. و منذ تلك اللحظة و هو يجلس بينهم يقف ليسلم على طوفان لا ينقطع من المعزين ..
مع مضي الوقت دون أن يظهر في زخم هذه الأوجه أحدٌ يعرفه .. بدا الذعر و الوحدة يدبان في قلبه .. شعر بأنه ممزق .. و تائه ..
أصبح الجو خانقا للغاية حوله .. و عيناه تدوران حوله بجنون ،، يبحث عن طوق نجاة .. عن ملامح لا يجهلها .. عن شيء يتمسك به .. يغيثه ..
أصبحت دموعه تنحدر على وجهه الآن دون أن يشعر ..
.
.
إنه لا يعرف هؤلاء الغرباء .. لا يعرفهم ..
لا يريد أن يكون هنا ..
إنه ضائع ..
يريد أن يعود للبيت حيث أمه و أخواته .. يريد أن يجلس منتظرا عودتهن من مدرسة ليصيح مطالبا للغداء ..
يريد أن يعود أباه لينهره حين يراه جالسا وسطهن ..
يريد أن يعود ليجد أن كل هذا مجرد مزحة كبيرة .. أو خيال ..
يريد أن يكون هذا كابوس .. و أنه ليس هنا حقا ..
ليس واقفا ليمد يده متقبلا كلمات التعاطف من هذه الوجوه المختلفة .. المجهولة ..
شعر بأن المكان يلفه الضباب و أن الصرخات تنطلق من كل مكان ..
أبوه ملقي على عتبات المدخل .. راقدا بهدوء ..
حور تصرخ .. و دانة تبكي ..
أمه لا تتكلم ..
أبوه يخرج من المنزل محمولا بين يدي عبيد و مايد ..
عبيد و مايد اللذان أحضراه إلى هنا .. و لا يجدهما الآن ..
عادا دون أبيه ..!
أيعزمان على الرحيل دونه الآن ..
تبا ..
من هم هؤلاء الناس .. لماذا يحتشدون ..
أين دموع أخواته .. مواساتهن عنه ..
أين حضن أمه .. أين جدران بيتهم المتشققة،،
الدافئة .. المألوفة ..
الأصوات ترتفع حوله .. و يرتفع بكاءه دون مقاومة ..
يصم أذنيه بيديه .. و هو يندفع راكضا .. لم يكترث بمن نظر له متفاجئا أو مشفقا ..
.
.
نظر له بهدوء و هو يتجاوز الباب للخارج .. كان يسترخي في جلسته و هو يسند فكه بيده .. رفع عينه على الفور لوجه جده ليرى الإستياء و الحزن المتكبر يلمع في عينيه و هو يلقي نظرة عتب على ابنه الأكبر علي ،، و كأنما يلومه على ما أصاب الطفل .. عاد ينظر للباب الذي انطلق منه نايف للتو .. شعر برثاء غريب لحاله ..
كيف يجد طفل لم يتجاوز الثالثة عشر من العمر أن يجد نفسه فجأة بين هذا الكم الهائل من الغرباء ،،
رأى حامد الذي كان قد خرج خلف نايف عائدا للمجلس فأشار له بصرامة .. ليتقدم إليه ..
- وينـــــه ؟؟
أجاب حامد بهدوء ..
- شفته و را البيت ،، خله شوي ييلس بروحه .. الصبي متروع من كل شي ..
هز غيث رأسه موافقا .. و هو يسترخي مجددا ،،
.
.
كان الرجل الذي بجانبه انخرط في مناقشة عميقه معه .. و ذهنه المشغول لم يعد يلتقط من كلماته شيئا .. كان يتأمل الباب الذي خرج منه نايف للتو .. و هو يهز رأسه بتركيز محاولا أن يكون لبقا .. شعر بالأسى على حال الطفل .. و عينه تعود لترتكز على ذاك الذي استرخى في جلسته بجانب جده .. تدفقت الكراهية كالعادة في عروقه فور رؤيته له .. كم يكره هذه الملامح المتعجرفة المتبجحة .. كم يكره هذه الثقة و هذه السلطة التي تمنح له دونهم .. ما الذي يميزه عن البقية ..؟؟ أ لأنه أكبرهم فقط ؟؟! لم يكن هذا معيارا للكفاءة .. !
و كأنما شعر به يسلط النظرات عليه .. ارتفعت شفته العليا بشبه ابتسامة ساخرة و هو يتقدم في مقعده للأمام .. قبل أن يدير جانب رأسه نحوه .. و يغشى عينيه الإحتقار العميق ..
شعر فهد بالحقد ينخر قلبه نحو هذا الوجه المتعالي المغرور .. و هو يتوعده في داخله كالعادة ..!
هاتفه الصامت الذي اهتز في جيبه قطع سيل المشاعر السيئة ليلتقطه بحركة سريعة مجيبا بصوت مثقل ..
- مرحب ..
كان صوته أبوه يأتيه آمرا عبر الهاتف و هو يقول بحزم ..
- اظهروا شوفوا الغدا و رتبووه ..
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
كانا يبحثان عنه مذ شاهدوه يخرج من المجلس راكضا .. تقدم الأول بهدوء و هو يراه قد لف ذراعاه حول ركبتيه و هو يدفن وجهه فيها ..
كان منظره موجعا .. يفطر القلب ..
طفل أضاع طريقه .. لم يعد يدرك إلى أين تسوقه أقداره ..!
.
.
منظر صعيب ويقسم القلـب قسميـن
................لا قـام يمسـح دمعـة بكـف يـده

يمش ولا يدري طريقة علـى ويـن
...............لين التعب من كثـر مـا تـاه هـده

اثقل حـروف يشيلهـا فيـة حرفيـن
...............لا أب يـدريـبـة ولا أم تـــرده
.
.
بينما كسا التعاطف وجه الآخر .. اقتربا منه بهدوء فرفع رأسه حين شعر بوقوفهما فوق رأسه .. نظر لهما و وجه المغرق بالعبرات ينظر لهما متسائلا .. جثا الاثنين قربه قبل أن يقول أحمد بهدوء ..
- افاا يا بو حمد .. الرياييل ما يصيحون ..
تدفقت عبراتٌ جديدة على وجه ..يسهل عليه قول هذا .. تبادل الاثنان نظرة شفقة .. قبل أن يمد هزاع يده و يلتقط كف نايف .. و هو يقول بهدوء ..
- انته ما تعرفنا ..؟؟ نحن نعرفك ..!
هز نايف رأسه نفيا .. لا يعرفهم و لا يعرف ما يريدون ،، و لا يهمه هذا في غمرة وجعه ..!
.
.
في خطوته رحلـة ودمعـة وسكيـن
................وحـظ توسـد بالمراسـي مـخـده

جيت اسألـة بالله قللـي ولـد ميـن
...............وبغى يجاوب وختنـق صـوت رده

أنـا يتيـم ومـا لدربـي عنـاويـن
...............وجزر الحزن فينـي يسـاوي لمـده

وطعم الطفولة ما عرفته لهـا لحيـن
.............وثوب السعادة صـرت مانيـب قـده

ابكي إلى من شفت غيـري سعيديـن
................ليـن البكـا فينـي يوصـل لحـده
.
.
و لكن أحمد تبرع بتعريفه على أنفسهم ..
- أنا أحمد ولد عمّك علي ..
و ابتسم له ببساطة .. نظر له نايف من بين دموعه .. كان وجه أحمد مريحا للغاية .. رغم ذلك توجس منه نايف و لم يرد أن يقدم على حركة ..
استمر أحمد في الابتسام و هو يرى نظرات نايف المتمعنة .. ارتاح لأنه انشغل عن البكاء قبل أن يشير لهزاع ..
- هذا هزاع بطيخة ولد عمّك سعيد ..
امتقع وجه هزّاع و هو يسدد لكمه لصدر أحمد الذي قهقه بقوة و هو يتابع لنايف الذي بدأ ينشغل بهم ..
- ههههههه .. الحين يوم بيخوز الغترة شوف كبر راسه .. و بتعرف ليش يقاله بطيخة .. هههه ..
توقف عن الضحك و هو يرى دموع نايف تتدفق مجددا .. شعر بفظاظة و هو يضحك بهذه الطريقة أمامه .. اعتصر كتفه بحنان و هو يعتذر ..
- و الله كلنا زعلانين على عميه الله يرحمه .. بس شوه بنقول .. انته فكر انه الحين مرتاح عن الله .. بيدخل الجنة .. و بيودر الحر و الشغل و التعب ..
شعر بأنه يتلفظ بكلمات بلا معنى .. نظر لهزاع مستنجدا .. فحول ذاك عينه لوجه نايف بقوة و هو يقول بعمق ..
- الحزن في القلب .. هب عيب انك تصيح .. بس هذا ربك كاتبنه .. الحين انت ريّال و لازم تفهم ان خواتك و أمك محتايينك .. لو انته صحت و حطيت ايدك ع خدك امنوه لي بيوقف وياهن .. امنوه بيداريهن هاا ..؟؟
بكى نايف بشدة .. و تبين حقا أمام عينيهما كم هو طفل ..
و ضائع ..!
كان صوته يخرج مخنوقا من بين شهقاته ..
- أنا مـ .. مادري شوه أسوي .. أناا .. أبـ .. أبا أبويه .. ما با تم بروحيه في البيت .. أبا أبوية يرد ..
نظر له الاثنين بتعاطف شديد شعر هزّاع بقلبه يعتصر حزنا عليه .. التفت لأحمد بأسى .. ليصدم بقوة ،،
.
.
كانت دمعة صافية تنحدر على جانب وجهه الأسمر و هو يمسح شعر ذاك الطفل اليتيم بحزنٍ غريب ..!

* * * * *

كان المكان مزدحما للغاية .. الكثير من نظرات الحزن و التعاطف المبالغ فيها .. و تربيتات حنونة .. حقا كان يمكنها أن تترك كل هذه المهزلة و تمكث في بيت خالتها .. بدلا من أن ينتشلها أبوها بحجة القيام بالواجب ..
هه .. أي واجب ..؟؟ إنها لا تعرف المتوفى حتى .. !!
لا تعرف اسم العم و لا يهمها .. رغم شعور خبيث بالشماتة .. راودها لا تدري لما استلذت الحزن الذي أصاب تلك العائلة .. متأكدة بأن تلك الزوجة المهملة قد مزقها الأسى الآن ،،
لن يجد غيث الوقت لمواساتها و المحاباة ..!
تضع ساقا على ساق و هي تنفخ بضجر .. شعرت بأن شيخة تنظر إليها .. فالتفتت لها لترى انعكاس الاحتقار في عينيها .. لتقول بنبرة لاذعة ..
- خير الشيخ ..؟؟ فيه شي ..؟؟
نظرت لها شيخة بتكبر دون أن ترد .. ربتت عوشة على خدّها بأظافرها الطويلة ..
- شوه معجب ..؟؟
تجاهلتها أيضا و أشاحت بوجهها مشمئزة .. لا تريد أن تنحدر الآن لشجار معها كما اعتادتا .. أدارت عينها في المكان .. النساء من مختلف الأشكال و الأنساب و الأعمار يملأن الردهة و المجالس الداخلية .. حقا لا مجال لافتعال شجار هنا .. ابتسمت مفكرة بأن العزاء هذا على الأقل أفسد عطلة عوشة التي بدا الضيق بيّنا على عينيها المثقلتين بالكحل .. وجدت الأمر غريبا أن تتلقى التعازي و المواساة على رجل غريب لم تره في حياتها .. لا تنكر أن قلبها انفطر حال رؤيتها لجدتها .. و لكن شعورها نحو موته لم يختلف .. لا تعرف هذا الرجل البتة .. و لم تره أو تقابله في حياتها .. تعلم أن لها عما .. أ و ليست ابنته الكبرى هي زوجة غيث ..!؟
رغم هذا لم تسمع عنه شيئا لا أحاديث عنه .. لا ذكريات .. و لا حتى قصص قد يرويها أبوها .. أعمامها جميعا لم يذكروا اسمه قط .. و كانت المفاجأة كالقنبلة حين أفصح غيث عن عزمه في التقدم لخطبة ابنته الكبرى ..
من أين يعرفها ..؟؟ كيف علم أنه له ابنه في سن الزواج ..؟؟ كيف استطاع تجاوز خلاف الجد الذي لطالما أرعب ابناءه من ذكر اسم ذاك العم البعيد حتى ..؟! لم يبد في تلك الفترة أن أدنى خلاف قد نشب بينهما .. فآمنت بأن الجد قد استسلم لرغبة غيث الغريبة رغم أنه لم يحضر عقد القران تلك الليلة ..!! لم يذهب أحدٌ منهم سوى أبوها و إخوتها .. و عمّها سعيد و ابناءه ،، رفض عمّها أحمد و ابنه فهد الذهاب استرضاءً لجدها .. عمّها مطر كان مسافرا .. و منعت هي و روضة من الحضور .. لم تذهب أحد من النساء سوى أمها و زوجة عمّها سعيد .. طوال سنوات عمرها لم تشعر بالفضول نحو أولئك الأغراب .. و لم تهتم لأمرهم قط .. و اليوم هي هنا مجبرة على المكوث لمدة ثلاثة أيام تتقبل مواساة هي في غنى عنها .. كان يمكنها أن تشغل وقتها فيما هو مفيد لها حقا ..
تنهدت ببؤس و هي تفكر فيما هو مفيد حقا ..! كان يجدر بها أن تحاول الاتصال براية مئة مرة بدل الجلوس بلا فائدة هنا ..!
و على هذا التفكير أخرجت هاتفها بلهفة .. لن يمنعها الجلوس هنا من محاولة استرضاءها .. راحت تطقطق بأصابعها على أزرار الهاتف بسرعة ،، و كلمات الرسالة النصية تتزاحم على الشاشة الصغير ،،
.
.
( رايــــه يا حبي ،، دخيل قلبج ردي عليّه .. و الله ان حالتيه هب حاله ..عطينيه فرصة أرمسج بس .. حتى لو كانت المرة الأخيرة .. دخيلج راية .. و الله أحبج .. أحبج .. ماروم أعيش من دونج )..
.
.
أرسلتها و هي تتنهد بأمل .. لا تريد أن يكون مصير هذه الرسالة كاللواتي سبقنها .. ترجو بقوة أن تجيب رايه عليها ..
راحت تجيل نظرها فيمن حولها مجددا .. وقعت عينها على روضة التي كانت تجلس في زاوية بعيدة .. وجهها شاحب .. و أنفها محمر .. شعرت شيخة بالحنان .. هذه هي روضة .. لم تعرف ذاك العم يوما .. و لكنها انفجر بالبكاء حال سماعهم للخبر و سارعت لبيت جدها معلنة الحداد عليه .. دوما هي مندفعة بهذا الشكل .. ابتسامة خفيفة اعتلت شفتها قبل أن تتداركها بسرعة .. ليس المكان و لا الظرف مناسبا للابتسام ..

* * * * *

دلفت السيارة الفارهة ذاك الحي المتواضع ،، تقطع شوارعه الضيقة ببطء و أشعة الشمس تنعكس عن سطحها اللماع و نوافذها الداكنه .. لتتوقف أمام ذاك البيت العتيق ..
شدت هي يدها على مقبض حقيبتها و قلبها ينعصر .. طار الاسترخاء في تلك اللحظة و هي تتململ في جلستها .. شيء من التعاسة خالطت الخوف في قلبها و هي تنظر لجدران البيت بالية .. و تمنت لو أنها أصرت على شيخة أكثر بان تأتي برفقتها .. لا تعلم حقا كيف ستتصرف الآن ..
لا زالت نظرتها الكئيبة تنصب على الباب الوحيد للبيت الصغير .. لا شيء يدل على أن العزاء يقامن هنا أيضا .. شتان ما بين هذا الخلو و الإزدحام الفضيع في بيت جدها الكبير ..!
لا شيء يدل على حداد هؤلاء سوى تعاسة تلوح على واجهة البيت العتيق .. و بابه الذي انحلّّ طلاءه .. نظرت مجددا لمرآت السائق الخلفية لتجده ينتظر نزولها .. شدت الغطاء أكثر حول رأسها .. و هي تضم حقيبتها السوداء لتفتح الباب مترجلة من سيارتها .. و هي تقول بصوت مضطرب ..
- خلدون .. سير يوم أخلص بسويلك تييني ..
هز السائق رأسه بطاعة و هي تغلق الباب خلفها بهدوء .. اجتذب نظرها عدة أطفال ارتدوا ملابس بسيطة يقفون معا بأقدامهم الحافية و قد أمسك أحدهم كرة قدم بين يديه .. يتأملون السيارة بعيون مشدوهة .. يبدو أن قدومها قد قاطع لعبهم .. راحت تعب من الهواء بتوتر .. و كتلة من الشوك تسد حلقها .. حزن رهيب جثم على صدرها حتى كاد يخنقها .. و هي تتقدم من البيت كان بابه مفتوحا .. و أحنت رأسها لكي لا تصطدم بقمته المنخفضة .. شعورها المر سببه هذا المكان ..!
كان الذهول يلجم عواطفها .. أيعقل أن يسكن عمّها و أبناءه في هذا البيت بينما يستحلون هم تلك القصور ؟؟ وجدت نفسها أمام مجلسٍ ضيق و قد امتد على يمينها طريق قصير قطعته في خطوتين لتعبر الفرجة في آخره .. فتجد نفسها في باحة ضيّقة للغاية و قد صبّت بالاسمنت القاسي .. أمامها مباشرة كان مدخل للبيت و قد تباينت نساء يجلسن أرضا أمامها و قد لفتهن دخولها ..
لم يعد هناك مجالٌ للتراجع ..!
راحت تدفع خطاها ببطء و يدها المرتعشتين تتقبض كقلبها الذي راح يخفق بجنون .. القدوم إلى هنا مغامرة كبيرة ..! ما الذي يدفعها للاعتقاد بأنهم على استعدادٍ لاستقبالها و أهلها قد أنكروهم لدهور ؟؟!
وصلت للمدخل تخلع حذائها الثمين بجانب الأحذية الملقاة أمام الباب .. و العيون تتحلق حولها .. تقدمت خطوة .. و هي تجلي حنجرتها قبل أن تسلم بصوتٍ مرتعش ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
هبن النساء جميعا واقفات في أماكنهن .. لم تجد فرصة للنظر حولها باحثة عمّن قد تكون احدى بنات عمها .. بدأت بالسلام عليهن إمرأة تلو الأخرى .. و ذعرها يتعاظم .. لمن ستقدم تعزيتها و هي لا تعرف أحدا هنا ..؟؟
وصلت فجأة لتجدن نفسها أمام فتاتين متقاربتين من العمر بدا عليهن الشبه .. و قد أبلى الدمع مآقيهن الحزينة .. تأكدت من أنهن بنات عمّها .. شعرت بالدمع يلسع مؤخرة عينها ..
بنات عمّها ..!! مدت ذراعيها لتحتضن الفتاة الأولى بعاطفة شديدة .. لم تكن لتتمنى أن تلتقيهن في هذه الظروف التعيسة .. تهدج صوتها و هي تشعر بحرارة الدموع تتدفق على وجنتيها ..
- أحسن الله عزاكم ..
بكت الفتاة بين ذراعيها دون أن تعترض على هذه الموساة من تلك الغريبة ..
- البقا لله .. أحسنتي ..
رفعت روضة رأسها لتضم الأخرى بحنان و هي تردد عبارات التعزية .. ثم التقت إمرأة بدا عليها التقدم في السن لتسلم عليها بدفء .. المرأة التي كان صوتها حنونا و هي ترى وجه روضة الجميل قد أغرقه الدمع الذاهل .. الحقيقة أنها صدمت للغاية لسوء حالة عمها و أبناءه .. لم تتخيل قط بأن تكون بهذا السوء ..! شدت يد المرأة بحزن ذاهل و المرأة تقول بحنان حين رأت عيناها الحائرتين ..
- مرحبا ينتيه .. قربي يعلنيه فداج .. هاي أم نايف ..
و أشارت لإمرأة تجلس على الأرض نحيلة .. تلبس - البرقع - و ثوبا من القطن .. و قد جلست طفلة على يمينها و فتاة على أعتاب المراهقة من يسارها .. نظرت لوهلة مرّة إليها .. المرأة هذه تعرفها بزوجة عمّها .. علمت إذا أنها لا تعرف أحدا هنا .. لا تعرف أحدا في بيت عمّها ..!!
عجبا ..!
كيف ألقت الأقدار كلٌ منهم في طريق .. حتى التقوا أغرابا ..!
انحنت و دموعها تتدفق و هي تسلم على الطفلة بحنان قبل أن تسلم على أم نايف و تقبل رأسها بأسى .. شدت على يدها و هي تقول بصوت خافت ..
- شحالج خالووه ؟؟ أحسن الله عزاكم ،،
ابتسمت المرأة المسنة قبل أن تقول بصوت هادئ حين انتظرت روضة من المرأة ردا لم يأتها ..
- ما تسمعج فديتج ..
ارتجفت روضة .. حمقاء ..! كيف نسيت ..مدت يدها الناعمة لتشد على قبضت أم نايف الضئيلة و هي تربت عليها .. لم تعرف كيف توصل إليها تعازيها ..!!
سعد أن سلمت على الفتاة المراهقة و النساء المتبقيات .. أوسعت لها المرأة المسنة مكانا بجانبها و هي تشير لها أن تجلس هنا .. جلست روضة دون أدنى ضيق قد يخالجها و هي تجلس في هذا المكان المغاير لطبيعتها .. كانت المرأة عن يسارها و إحدى بنات عمّها اللواتي لا تعرف لهن اسما عن يمينها .. قربت منها إحدى النساء التي بدا أنها وافدة فنجانا من القهوة .. و هي تقول ..
- سمي حبيبتي ..
التقطت روضة الفنجان تشكرها قبل أن تنظر لها المرأة بهدوء ..
- حيا الله من يا ،، شحالج بنتيه .. ربج بخير ..
هزت روضة رأسها و هي تنظر للفنجان .. حقا لن تستطيع ابتلاع شيء .. فغصة كبيرة تسد مجرى الهواء وسطها ..!
- يحييج خالوه - و ارتعش صوته و هي تقول بتعاطف - الحمد الله ع كل حال ،،
هزت المرأة رأسها موافقة ،،
- الحمدالله ع كل حال .. سمحيليه فديتج ما عرفتج .. بنت منوه انتي ؟؟
آن الأوان الآن لتعرف عن نفسها شعرت بالوجوه تنتظر منها تعريف نفسها .. الحقيقة أنها ودّت لو أنها تحتفظ بالاجابة لنفسها .. لا تريد أن يعلم أحد أنها ابنة عائلة لفظت المرحوم خارج حدودها .! ارتعش صوتها و هي تخفض بصرها بألم ،،
- أنا روضة بنت علي بن سيف .. و المرحوم الله يغفر له كان عمّي ..!
بدت الصدمة جلية على وجه العجوز الذي لم تفارقه عيني روضة .. تخشى أن تنظر لأوجه بنات عمها فتجد شيء لا يسرها .. سرعان ما اكتسى وجه المرأة ابتسامة مرحبة و هي تقول بهدوء ..
- مرحبا بج و الله .. حياج يا بنيتي .. أنا عمّتج عذيجة .. يقال لي أم مايد خت حرمة عمّج - و أشارت بيدها للمرأة التي عرّفت عنها مسبقا - هاي عمّتج وديمة .. و هاي بنتاا هند و هاي مزنة ..
نظرت لها الطفلة بعينين متسعتين لا معتين وجهها الحلوة كان حذرا و أهدابها ترف مرارا .. التفتت للخلف نحو الفتيات اللواتي كانت تشير لهن أم مايد ،،
- هاي نورة .. و هاي دانة .. بنات عمّج الله يرحمه ..
لم تكن نورة تنظر إليها بينما قابلتها دانة بنظرة متوجسة و هي ترفع رأسها قليلا .. رغم الحزن الذي يغشى ملامحها إلا أن شيئا غريبا كان ينعكس على وجهها أيضا ..!
نظرت عذيجة لدانة تأمرها بهدوء ..
- سيري ازقري خواتج يسلمن على بنت عمّج ..
أومأت دانه مطيعة و هبت من مكانها لتنفذ ما طلبته خالتها متوجهه الى المطبخ الذي كان بابه يصل للصالة عبر مدخل ضيّق .. دلفت المطبخ لتجد حور و فاطمة يقفن قرب الموقد و المها مشغولة بترتيب شيء ما في الخزانة .. بينما جلست عفرا على أرضية المطبخ بصمت و هي ترتشف كوبا من الشاي الساخن .. الصمت هنا كان لذيذا .. شيئا يغرق الإنسان أحزانه فيه .. قالت بحذر يخالط البؤس الألم في وجهها و هي تجيل بنظرها فيهن حين التفتن اليها فور دخولها ..
- خالوه تزقركن .. تباكن تسلمن على بنت عميه علي ..
وضعت عفرا الكوب أرضا و هي تنظر لها بذهول امتزج بالحزن الذي يسكن ملامحها ،،
- منــــــــــــوه؟
غالبت حور الصدمة قبل أن تعلو وجهها نظرة غضب شديد .. و هي تشد على القفاز الاسفنجي بغضب . فيما التزمت فاطمة الصمت احتراما لنقاشهن .. عادت دانة تقول بهدوء و هي تنظر لحور بإمعان ..
- روضه بنت عمي علي ..
وخرجت لتتركهن متخبطات في صدمتهن ..التفتت عفرا الى حور والمها التي لم تفهم شيئا مما قالته دانه قاطبه جبينها وتهز راسها تسالهن وهي تشير بيدها مستفسرة ... استدارت حور للمغسله لتغسل الصحون التي لم تكن بحاجة لذلك ونظرة الغضب لم تفارقها .. الحقد والغضب يتعاظم في داخلها اتجاه هذه العائله التي سلبتهم ابسط حقوقهم في المرحوم ..وسدت حلقها غصه كبيره حين تذكرت والدها ..في حين راحت عفرا تشرح للمها الأمر بسرعة قبل أن تقول بصوتها المتهدج ..
- يله حور .. خلينا نظهر نسلم عليها ..
تستحثها لترى رده فعلها ..ردت حور دون أن تنظر اليها وهي تشغل نفسها بالغسيل ،،
- سيرن سلمن عليها مابظهر ..
لم تلح عفرا عليها و هي تتبادل نظرة متيقنة مع فاطمة التي قالت بهدوء ..
- أنا بسير وياكن ..
خرجن بهدوء ليصلن إلى الصالة الضيقة .. قبل أن تقع أعينهن على فتاة توسطت أم مايد و دانة .. شابة أنيقة طغت على ملامحها الجميلة علامات الحزن وآثار الدموع ...لفت ذراعيها على عفرا بحنان والدموع تلمع في عينيها و أم مايد تعرفها بهن .. صوتها الهادئ كان مطمئنا ..
-أحسن الله عزاكم ...
ردت عفرا بحيره من هذا التدفق لمشاعر ابنه عمها .. بدت لها الأمر غريبا .. هذه الفتاة حزينة على رجل لم تعرفه يوما ..!
- يزاج الله خير ..أحسنتي
وسلمت على المها وفاطمه التي تشبثبت بها بنفس الطريقه والدموع تسيل على خدها ...تكلمت خالتها لتسالهن
- وينها حور؟
اكتست ملامح روضه الصدمه وهي تنظر الى الفتاه التي لا تشبه الفتيات متسائلة عن هويتها ..!
ردت عفرا وهي تنظر الى خالتها وتشعر باحراج بالغ من النظر الى روضه ،،
- في المطبخ ..
قالت خالتهن بعفويه..
- زقريها تسلم على روضه..
توترت عفرا وهي تنظر الى لفاطمة ..
- تقول مشغوله..
كان الأمر واضحا للغاية و عفرا تجلس في الطرف البعيد مع المها و فاطمة ..فهمت روضه الرسالة و أنها لاترغب بلقاءها ،، لكن ذلك لم يؤثر في عزيمتها .. لقد وصلت إلى هنا .. لا لترتد عند أول محاولة لرفضها .. قالت بابتسامة شاحبة ..
- ما عليه عموووه بسير لها المطبخ ،،
توجهت روضه الى الباب الذي خرجن منه الفتيات منذ برهة .. وطرقته بخفه .. لم تنتظر ردا و هي تدفع الباب للداخل .. دلفت بهدوء و منظر المطبخ الضيق النظيف البسيط يملأعينيها .. فتاة تعطيها ظهرها و هي تقف أمام المغسلة .. غطاء رأسها المنزلق يكشف شعرا أسود ناعم جمع بشكل فوضوي و قد انفلتت بعض الخصلات المتمردة .. ابتلعت ريقها بهدوء .. و صوتها المرتعش يرتد بين جدران المطبخ ..
- السلام عليكم والرحمه....
تصلب ظهر حور دون أن تلتفت .. هذا الصوت الناعم الذي انساب برقة لم تسمعه من قبل .. ما يعني أن .......
استدارت ببطء و هي تمسح يداها في منشفة نظيفة .. و عيناها تستقران على وجه زائرتها الجميل .. اتسعت حدقتا روضة باهتمام .. الحقيقة أن رؤية حور كانت تهمها جدا .. ذهلت بشدّة حين رأتها .. تأملت وجهها الصافي و عينيها المتسعتين ببرود و هي ترد السلام بصوت هادئ لا يكشف شيئا من البراكين التي راحت تغلي في داخلها .. بدت أصغر سنّا مما إعتقدت ..!
- و عليكم السلام و رحمة الله ..
تقدمت روضة خطوتين منها .. تريد أن تسلّم عليها .. لكن وجه حور الجامد كان يصدّها .. و يقلقها .. مدت يديها بتردد قبل أن تضمّها ..
- أحسن الله عزاكم
ذهلت حور لحركتها تلك ،، شعرت بالارتباك لوهلة .. لم تتخيل أن تفضل هذه الغريبة التي بدت عليها معالم الثراء و الأناقة القوم للمطبخ و تقديم التعزية لها بهذه البساطة ..
و كأنها تعرفها مسبقا .. أو كأن مصابهن واحد .. شعرت بأن دموعها توشك على الانهمار مجددا .. فكل مواساة تجدها تذكرها برحيله .. و لكنها أبت أن تبكي هنا ..
لقد شهدوا من حطامها ما يكفيهم .. ألم يشأ ذاك أن يلقاها في ظروف أقل مرارة ..! سحبت نفسا عميقا تصد دموعها ..
- يزاج الله خير ...
كانت روضه تجيل النظر متمعنة في ملامح حور التي يطغى عليها الحزن بشده رغم أنها ليست بذاك الجمال الذي قد يقارن بأخيها .. إلا أن وجهها كان حلوا للغاية .. ذكرتها عيناها بعيني أختها الصغرى التي كانت تنظر لها بحذر .. لن تلومهم .. غريبة هي هنا ..!...
أحست بالم كبير يعتصر قلبها و هذه الفكرة تتردد داخلها .. غرباء يلتقون .. لا يعرف أحدهم الآخر .. رغم رابط الدم الذي بينهم .. هذه الفتاة هي زوجة أخيها و لكنها تراها للمرة الأولى .. رثاء بالغ تملكها و هي تشعر بحرارة الدمعة تدفئ وجنتها .. صوتها يضطرب ..
- سمحوليه كان وديه انيه أيي البارحة لكن يدوه كانت تعبانة و العرب يايين هناك عسب يعزون ..
بدا الفتور جليا في عينيها حالما ذكرت روضة العزاء .. و لكنها لم تغفل عن شعور خائن بدأ يتحرك في داخلها نحو هذه الشابة .. لا تعلم كم عدد أقربائها .. و لكن هذه هي الوحيدة التي فكرت بزيارتهم ..!

* * * * *

- الحين كلهن حريم و البيت ما فيه ريّال ..
ساد الصمت الرهيب في المجلس الذي خلا في تلك الساعة المتأخرة من الليل بعد مغادرة جميع المعزّين .. تبادل هزّاع و أحمد النظرات بحذر و هما ينظران لغيث الجالس بجانب جدّهم باسترخاء مبتسما لسيف المنفعل بعد أن ألقى كلماته تلك فيما بدا أن لصداها دوى الإنفجار فوق رؤوس الموجودين ،، حقا هذا جانب لم يطرأ ببالهم ..!
كان الجد يلتزم الصمت و شموخ بارد يعلو ملامحه ،، فهد ينقل بصره بين أوجه أعمامه و أبيه ينتظر ردا على ما قيل للتو .. و حامد يجلس و قد عقد ذراعيه و كأن الأمر لا يعنيه البتة ..
قال عمهم مطر أصغر أبناء الجد سنّا بهدوء و هو ينظر لسيف الذي بدا متضايقا للغاية ،،
- أخوالهم عندهم ،،
اتسعت حدقتا سيف بذهول من هذا البرود ،، قبل أن يزم شفتيه و هو يقول بغضب مكتوم ..
- أخوالهم هب ملزومين بهم .. نحن هلهم و نحن أولياهم .. باكر لو يا حد يخطب وحدة من بنات عميه حمد .. تبون لي يناسبكم يخطب عند من ..؟؟ خوالهم و الا انتو ..؟؟
هز بو غيث رأسه بموافقة ..
- سيف ما ياب الا الحق ،، الرمسة هاي المفروض انفكر ابها أول ما توفى حمد الله يرحمه .. - ثم رفع عينه لوالده الذي يكتنف الصمت - شوه الشور يا بويه ؟؟
برهه ثقيلة من السكون قبل أن يرفع الجد عينه لغيث الجالس بجانبه .. فأقام ظهره و هو يستوي في الجلسة قبل أن يقول بصوته الرجولي العميق الذي تردد في المجلس الكبير ..
- الشور إنّا نييب بنات عميه حمد و حرمته عدنا .. نرعاهم و يكونون تحت عينّا .. أمايا نورة تقول تبا عياله عندها .. - ثم التفت لعمّه مطر بشيء من القسوة الباردة - هاييلا عرضنا .. و ملزومين بهن .. بس حاليا ما بيدنا نسوي شي .. حرمة عميه حمد في العدّة ما نروم نييبها هي و عيالها هنيه الين ما تقضي احتجابها ..
ثم ارتفعت شفته العليا لسبب غير معروف بهزل ،،
- يعني أربعة شهور لازم ايتمون هناك ،، و عقبها بنييبهم هنيه البيت العود ،، و في هالمدة من وقت لوقت .. حد يمر عليهم و يشوفهم شوه محتايين و شوه يبون ..
استدارت الأعين للجد متوقعين إعتراضا أو شيئا من هذا القبيل .. و لكن الجد التزم الصمت .. عاد فهد ينظر لغيث مفكرا و هو يقول بخبث ،،
- و تبونهم ايتمون اروحهم في هالاربعة أشهر ؟؟ - ثم قال بنبرة هازئة و عينه ترتكز على غيث - هاييلا عرضنا .. و ملزومين بهن ،،
لكن ابتسامة غيث الهازلة لم تختف عن شفتيه رغم أنها لم تصل لعينيه القاسيتين و هو يقول بلهجة ناعمة خطرة ..
- و شوه تقترح ؟؟
رفع عينيه ممثلا التفكير في حركة ساخرة قبل أن يعود ليقول بنبرة متحمسة مصطنعة لم تقنع الجميع ،،
- و ليش محد منا ييلس عندهم الين ما تقضي حرمة عميه شهور العدّة ؟؟
ساد الصمّت في المكان لبرهه و الفكرة تستقر في رؤوس الجميع قبل أن يقول بو سيف بصوت هادئ ..
- و شوه الفرق بتّم الحرمة في العدّة و محتجبة و أي واحد هناك يمكن يخرق إحتجابها ..
لكن ابتسامة فهد الواثقة لم تفارق وجهه ،،
- هيه هذا لو لي بييلس وياهم واحد منّا .. بس لو كان هالشخص محرم .. ما ظنتيه فيها شي .. و الا شوه الشور ..؟
كان سيف حازما و هو يقاطعه ..
- فهد شوه قصدك ..؟؟
نظر فهد لغيث بلؤم و هو يقول بلهجة مباشرة ،،
- قصديه إن لي بييلس وياهم لازم يكون محرم لها .. و محد محرم لها إلا غيث .. هب ريل بنتها ..؟؟
اتعست الأعين و هي تتسلط بنظرات دهشة على غيث الذي لا يزال مسترخيا في جلسته و هو يقول بلهجة هادئة ،، خطرة ..
- عيل اظهر منها انته .. و خلها علينا .. - ثم ابتسم ببرود - مثل ما قلت .. بنات عميه و أمهن في بيتهن و الدار أمان ما عليهن خوف .. أربعة أشهر و بنييبهن هنيه ،،
ثم استدار لأخيه حامد متجاهلا الجميع يقول بنبرة آمرة و هو يقف ..
- حامد نش ويايه ..
نهض حامد بسرعة يتبعه للخارج .. فيما صر فهد أسنانه بغيض ،، يبدو أن ابعاد غيث مستحيل تقريبا ..
سار غيث و حامد لخارج المجلس متوجهين للبيت الكبير و غيث يملي تعليماته بسلطة ،،
- باكر عقب العزا تخطف ع الجمعية و خذ يواني عيش و طحين و سكر .. و كراتين خضرة .. كثّر من هالسوالف و لا تخلي شي .. ودها بيت عميه حمد .. و تخبرهم كان محتايين شي .. مانبا القصور يي منّا ،،

* * * * *


نظرت لها بحنان مؤلم .. و هي ترى وجهها الصغير قد قفز عّة سنوات و خطوط الهم تغفو بين ثنيات ملامحها .. كانت الوقت يقارب منتصف الليل .. جلست بجانبها بهدوء .. لتلتفت تلك لها فترتسم ابتسامة مهمومة صغيرة .. ذابلة على وجهها .. لتردها تلك بواحدة متوجعة على حالها ..
- حور غناتيه .. ما بتنشين توطين راسج ..؟؟ عنبوه من البارحة ما غمضت لج عين ..
بدت ابتسامتها مثيرة للشفقة وسط وجهها الشاحب .. و هي تقول بمرارة ..
- لاحقين ع الرقاد يا وديمة ..
كان الظلام الدامس يغرق الدنيا و أعمدة النور في الشارع تلقي بشيء من الأضواء داخل الحوش الضيق .. رائحة الهواء المحملة بالرطوبة تبشر بيوم ضبابي .. سكون تام .. لا يقطعه سوى صوت أنفاس حور الثقيلة بعد أن أنهكتها الدموع .. و بوق سيارة قادم من الشارع العام البعيد .. تشعر بمآقيها ساخنة .. و مؤخرة عينها تلسعها .. لم تعد تذرف الدموع ،،
هل استنزفت طاقتها على البكاء يا ترى ؟؟
مدت و ديمة راحة يدها تمسح على شعر حور المنفلت من عقدته .. منسدلا بفوضوية على طول ظهرها .. سألتها وديمة بحنان ..
- تقول أمايا ان بنت عمكم علي يت اليوم هنيه ..
هزت تلك رأسها ببطء .. فقالت وديمة بهدوء ..
- أخت ريلج ..؟
انعقد جبينها بضيق لبرهة .. تسند ذقنها لركبتيها المضمومتين قبل أن تهمس ،،
- هيه ..
نظرت لها وديمة بحذر ،،
- حليلها .. فيها الخير .. احسن عن غيرها ..
صمتت حور دون أن تجيبها .. و هي تستعيد في داخلها ردة فعلها الأولية حين علمت بوجودها ..
- أول ما دريت انها هنيه بغيت أظهر لها و أطردها من البيت ..
ذهلت وديمة ،،
- ليش ..؟؟؟؟؟؟؟!!
نفخت حور بحقد ..
- ما يسد لي سووه أهلها فينا ..؟!
اتسعت عينا أختها بالرضاعه بحيرة
- و شوه سوو - و ضغطت على الأحرف - أهلج ؟؟
التفتت لها حور بقسوة و هي تنكر ..
- هاييلا هب هليه .. ما يسدج العزا لي مسوينه في بيتهم و هم يدرون ان امايا في العدة و انها ما تروم تظهر .. من يابتنيه أميه ما شفت حد منهم ياي بيتنا و الا مسير و الا ذاكرنا بتيلفون .. العيد لي هو عيد ما نعرفهم فيه .. الحين عقب - و تهدج صوتها و هي تكبح دموعها - عين ابويه .. تذكروه .. و يسوون عزا محد من عياله بيحظره .. و ........
بترت عبارتها و هي تتوقف عن الكلام و دموعها تهدد بالهطول .. مدت ظاهر كفّها تمسح عبرة انزلق على خدّها .. شعرت وديمة بالألم يمزّقها .. و لكن الحقد الذي لمسته في صوت حور لم تعرفه فيها قط .. لذلك كان صوتها هادئا ..
- يا حور الانسان ما يحس بقيمة خوه الا لو فقده .. ما فكرتي ان لي تحسين به من حرّة و منقهر يمكن يحسونبه .. عقب ما ضيعوا عمرهم و عمر خوهم في القطاعة .. و بعدين ع العزا انتي ما تحتايين الغرب لي بييونهم من عربهم عسب يعزونهم .. أهم شي أحبابج لي حولج .. و لا تنسين ان أمه ما فيها حيل تظهر من البيت .. العزا حاطينه هناك عشانها ...
بدا أن حور لا تستسيغ ما يقال و هي تشيح بوجهها و تدفق الدموع يزداد .. فيما تابعت وديمة ..
- و حتى لو لي قلتيه كان صح .. بنت عمج ما يخصها .. الله يقول : [ و لا تزر وازرة وزر أخرى ] .. لا تاخذينها بذنب أهلها .. أنا أشوف ان فيها الخير لي ياية الين هنيه و العزا فبيتهم .. مطنشة لي هناك و ساعية للغرب لي هم انتو ...
بدا صوتها قويا و هي تقول بعمق ..
- حور .. الواحد ما يستسلم للوساوس و الشيطان .. كرهج للغير ما بيفيدج بشي .. لكن التسامح بيجنبج المشاعر الخبيثة لي يمكن تحسينبها .. ع العموم أنا ما ضايقنيه غير ردة فعلج ع البنية ..
قالت حور بضعف وسط دموعها .. تشعر بأنها واهنة .. لا تقوى هذا التدفق من الكلمات ..
- لا يا وديمة .. أنا ما أذيت و لا عقيت عليها رمسة ،، رغم كل شي يلست ويانا أربع ساعات حاشمينها و محترمينها .. و قبل لا تظهر اترخصت تيينا مرة ثانية .. و رحبنا بها ،، حتى رقميه عطيتاا اياه يوم طلبتنيه ..
.
.
شعور بالتعب .. بالارهاق ..
انطباع غريبة بأنها تقف على شفير هوّة مظلمة .. تريد أن ترمي بروحها في قعرها ..
أخذ يغزوها .. و الدموع تأخذ طريقها لوجهها من جديد ..
كم سيستمر هذا الوجع يا ترى ..؟؟

* * * * *




>>







لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 12:12 AM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

تتمة




كن يجلسن في ردهة المنزل الفسيحة .. و ترفع هي قدميها على طاولة القهوة .. و يداها تعبثان بأزرار هاتفها دون توقف .. حتى حانت منها التفاتة لأختها ..تنصب نظراتها على وجهها الشارد .. بدت من نظرتها للفراغ بأنها ليست على أرضهم هذه .. تبعد عنهم أميال .. لم يكن هذا ما لفتها .. بل نظرة منكسرة في عينها حيّرتها .. أما تزال حزينة على ذاك العم ..؟؟ أم أن هناك سبب آخر ..؟؟
جزء منها كان واثقا بأن الأمر يتعلق بزيارتها لبيت عمّها اليوم .. نادتها بصوت واضح ،،
- روضاني ؟؟
أجفلت روضة و هي تلتفت بعينٍ غائمة لأختها و بريق دمعة بعيدة في أفق العين لا يخبو ..
- هااا ..
عقدت جبينها و صوتها الخشن ينخفض قليلا ..
- بلاج ؟؟
هزت رأسها بحيرة ..
- ما شي ..!
رفعت تلك حاجبها بانكار ..
- مساعة يالسة عندج و انتي هب داريه عنيه .. سرحانة .. شفيج ..
أخفضت تلك بصرها و هي تهمس بصوت ضعيف ..
- أفكر ..!
- فشوه ؟؟!
رفعت نظرها تتأملها لبرهة .. قبل أن تسأل سؤال لا علاقة له بالاجابة المنتظرة ..
- ليش ما ييتي ويايه اليوم يوم قلت لج انيه بسير قدا قوم عميه حمد الله يرحمه ..؟
هزت شيخة كتفيها ..
- مادري بس ما حبيت أسير عند عرب غرب .. ما أعرفهم .. و ثاني يوم في العزا ..!! يعني يا الله يا الله يتعبلون بعمارهم .. هب ناقصيناا نفر عمارنا عليهم في هالمحنة ..
لوحت روضة بيدها بعدم موافقة ..
- عذر غريب الصراحة .. دوري غيره ..!
رفعت شيخة حاجبها ..
- و شوهالغريب فيه أخت روضة ؟؟ - ثم نظرت لها باستفسار - شوه سويتي هناك ؟؟
هزت روضة كتفيها و هي تتنهد بعمق ..
- ما شي .. يلست عندهم ثلاث ساعات .. و عقب صلاة العصر رديت البيت ..
بدأ الفضول يدب داخل شيخة و هي تسأل ..
- شفتي بناتهم ..؟؟
- هيه ..
- كم عددهن ..؟؟
- سبع ..
شهقت شيخة بقوة ..
- أوووووف شبع .. يخرب بيته هالعم ما عنده وقت ..
عقدت روضة جبينها بقوة و هي تقول باشمئزاز منها ..
- صدق انج ما تخيلين .. الريال متوفي .. استحي ع ويهج ..
وضعت يدها على فمها ..
- أوبس .. سوري .. صدق خبرينيه .. كم عمارهن شوه أساميهن .. شفتي حرمة غيث ..؟؟ حلوة ..؟؟ كيف شكلها ؟؟
نظرت لها روضة بحاجب مرفوع ..
- خيييييييييبة شوي شوي علينا .. و بعدين يوم انج مهتمة هالكثر ليش ما خاويتينيه يوم شرت قداهم ..؟؟
- الحين خلينا من هالرمسة .. و ردي عليّه ..
رفعت روضة عينها متذكرة ..
- آممممم .. العودة حور هي حرمة غيث .. عمرها يمكن 23 أو 24 مادري و الله .. بس شكلها يبين أصغر عن كذيه ..!
نفخت شيخة بضيق ..
- وايد صغيرة ع غيث .. أصغر عن العلة عوشوه ..
- لا اله الا الله .. انتي ما تيوزين ..
لوحت شيخة بعدم اهتمام ..
- لا تسوين لنا فيها .. كملي ..
نظرت لها روضة شزرا قبل أن تتابع ..
- تيي عقبها المها .. هاي الصمخة .. بس شوه أقولج .. سبحان الله .. شيخاني أحلى وحدة فخواتاا .. وايد حلوة و نعومة .. مادري كيف حتى ابتسامتاا غير .. خاطريه كان أرمس وياها و الا آخذ و أعطي .. بس ما أعرف كيف أرمسها بالاشارة ..! عمرها حول 19 سنة .. لن خالتهن تقول ان بينها و بين حور 4 سنين .. و الباقيات متّابعات .. يعني عقب المها تيي عفرا .. في الثنوية العامة و عقبها نورة ثاني ثنوي .. خلاف دانة هاي أول ثنوي .. و هند في الاعدادية بس ما أدري أي صف .. و نايف خوهن هذا ما شفته .. بس أكبر من مزنة بـ 3 سنوات .. يعني تقولين عمره 13 سنة .. و آخر العنقود مزنة عشر سنين .. و هاي كافة التفاصيل .. عيبج التقرير أخت شيخة ؟؟
هزت شيخة رأسها بذهول ..
- ما أصدق .. ع قلة فلوسه الا ان عنده 8 عيال .. ما شا الله .. الله و أكبر عليهم .. نحن أكبر عايلة عدنا عايلتنا و بس خمسة نفر .. هاييل وين البيت لي يسدهم ..
انقشعت الراحة المؤقته عن وجه روضة فور تلفظ شيخة بتلك الكلمات .. و كسى ملامحها الجميلة الألم الشديد ..
- يا الله يا شيخة .. لو تشوفين بيتهم تحمدين ربج ألف مرة .. نحن متبطرين ع النعمة و كل يوم تغيير أثاث و ديكور .. و العيشة نفر دبل أكلنا في الكشرة .. و مواتر و طلعات .. و أسواق غير الفلوس لي ما ندري وين نحطها .. و عميه و عياله هب محصلين غير بيت مقسوم .. بثلاث حجر ة مطبخ و حمام .. تخيلي .. انا خطفت على حجرة أول ما حدرت بيتهم تحريتاا ستور .. طلعت ميلس الرياييل و وراها حمام ..!! تخيلي عميه و حرمته و عياله الثمانيه يتشاركون هالحمام .. لو تشوفين صبغ اليدار كيف رايح .. صح البيت نظيف .. بس الفقر في كل مكان .. مادري كيف عميه كان يسد لقمتهم .. مادري كيف بيدبرون عمارهم الحين ..!!
و تهدج صوتها و ألماسة متألقة تنحدر من عينها اليسرة و هي تقول ..
- تمنيت انيه ما دريت ان عنديه عم و لا ييت بيته .. عسب ما أشوف هالشي .. حسيت بالذنب .. كأنيه ظالمتنهم .. مصروفيه في الشهر يي دبل ميزانيتهم أربع مرّات ..
دفنت وجهها بين كفيها و هي لا تقدر على منع دموعها من التسرب ..
- و الله انهم قطعوا فواديه .. كيف بنساعدهم .. كيف ؟؟؟!

* * * * *


كان هذا هو يوم العزاء الأخير و الوقت يقارب العشاء ،، حين توقفت سيارة فارهة لم يعتد هذا الشارع على وجود أمثالها بعد .. و توقفت وراءها شاحنة فان صغيرة ..
ترجل الرجل من سيارته و هو يجيل نظره في الحي .. لم يأتِ إلى هنا مسبقا سوى مرّة واحدة .. و لكنه لا يتذكر أن هذا المكان كان بهذا البؤس ..
وصل للباب المنشود .. قبل أن يطرقه بقوّة .. ثم تنحى منتظرا أن يأتي أحد .. كان يستنشق الهواء مشغولا بالعديد من الأفكار حين وصله صوت حاد خشن ..
- السلام عليكم ..
التفت نحو صاحب الصوت لتقع عينه على ابن عمه الصغير الذي فغر فاهه بعد أن تعرف عليه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
سلّم نايف عليه رغم أنه كان قد رآها صباحا في ذاك القصر و هو يحاول مراجعة اسمه في ذهنه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ،، حييه بو حمد ..
قال نايف بشيء من الخجل ..
- الله يحييك ..
ابتسم الرجل بهدوء و هو يقول ..
- أنا حامد ..
أجاب نايف بسرعة منكرا جهله ..
- أدري ..
- شحالك .. و شحال هلك .. ربكم بخير ..
- يسرك الحال .. الحمد الله .. اقرب
لمع الاعجاب في عيني حامد ..
- قريب .. بس مستعيل و الله .. سير شف ختك العودة قولها انيه هنيه .. برقبكم ..
عقد نايف جبينه ..
- منوه ..؟؟ حور ؟؟ شوه تبابها ..
اتسعت ابتسامة حامد ..
- ريلها مطرشنيه عليها ..
كان الشك يكسو ملامح نايف لبرهة و هو يستعيد في ذهنه صورة - ريلها - قبل أن يقول ..
- لحظة بس ..
و اختفى في الداخل .. و عاد حامد يستند على الجدار .. شعر باختلاف كبير بينهم و بين بيت عمهم هذا .. لم يكن في صغره يعلم ما يعلمه هذا الصبي .. لا بد أن ملازمته لأباه بيد أنه ابنه الوحيد قد أثرت عليه كثيرا .. دقائق طويلة مرت قبل أن يتناهى لمسمعه صوت الأقدام القادمة نحو هذا الباب ابتعد عن الجدار مترقبا القادم .. فجأة وجد نفسه يخفض بصره حال ظهور شابة ترتدي عباءة سوداء و ترد الغطاء على وجهها .. قال بهدوء ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
كان صوتها مبحوحا و منخفضا .. جليديا ..
- و عليكم السلام ..
- شحالج يا بنت العم ..
كان برودها مربكا ..
- بخير ..
شعر بتوتر .. لا يدري لما راوده احساس بأنه غير مرحب به هنا ..!
- الله يسلمج هاي شوي أغراض يايبينها للبيت .. و بغيت أشوف كان محتايين شي و الا فخاطركم شي ..
صمت مطبق كان الرد على كلماته .. قبل أن يأتيه صوت الفتاة قويا .. آمرا .. و قاسيا ..
- أغراضك شلها وياك .. نحن هب في حاية شي منك و لا من أهلك .. توكل من هنيه و مرة ثانية هالباب لا تعتبه .. الله يحفظك ..
فغر فاهه مصدوما مما قيل للتو و الباب الحديدي الصغير يرتد بقوة منغلقا في وجهه مصدرا صوتا قويا ..
شعر بالاهانة .. و هو يضم قبضته بغضب .. يكبح رغبة تحثه على تحطيم الباب على رأسها ..

* * * * *

مرت ثلاثة أسابيع بطيئة للغاية عاد الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي .. و كأن شيئا لم يحدث .. و كأنما يؤكدون بان ارتحال رحٍ الى بارئها لا يعني نهاية العالم ،، جميعنا لنا نفس المصير ذات يوم .. فلماذا نقضي ما تبقى من الوقت في الرثاء على شخص قضى نحبه ،، و لن تعيده الأحزان و ذرف الدموع ..
كان ذاك يقين قاسٍ .. و مؤلم .. و غير مراعٍ لمشاعر الغير التي لا تزال معلنة الحداد على فقدها ..
و لكنها تظل حقيقة .. و لن يجعلها التهوين مختلفة بأي شكل ..
مضت الأيام لتعود الأمور إلى نصابها بالنسبة للجميع ،، باستثناء بيت المرحوم .. بو نايف ... لا زالت تلك الجدران تحتضن مرارة اليتم .. تحوي داخل حدودها من الأنين ما لن يسمع و لا يتجاوز الصدور .. تستر تحت جنح الظلام تلك الدموع الخفيّة ،، حين يسعى كل ساكن في ذاك البيت لإخفاء أوجاعه عن الأعين .. التظاهر بالقوة .. و تجرع حرّ ما يؤلم لوحده ..
بدت الحياة في الأيام الماضية تمشي برتابة بائسة .. عاد أبناء بو نايف لمدارسهم .. يكافح كلٌ منهم أن شيئا لم يحدث و أن الحياة حتما ستعود لطبيعتها بعد بعض الوقت ..
كان مؤلما إدراك بأن الحياة تواصل المسير دون والدهم ..!
.
.
.
.
.
.
- يا غيث هاي خامس مرة تروغنيه من البيت ..
خرجت العبارة من فمه بضيق و هو يدور في مكتب غيث الواسع .. و الأخير يعيد كرسيّه للوراء بابتسامه هادئة أخفت تحتها غضب مكبوت ..
الحقيقة أنه يصارع رغبة في ترك مكتبه هذا و التوجه لبيت عمّه ليدق عنق تلك الطفلة السخيفة ..إلى ما ترمي برفض كل المعونات التي يحاولون تقديمها و إدعائها بأنهم لا يريدون صلة بهم .. لديه ما يشغله و لا يريد تضييع وقته بألاعيب سخيفة .. كان صوته متحكما و هو يقول بسلطة ،،
- ما عليه يا حامد .. سير لهم بعد هالمرة نحن ملزومين ابهم .. ع الأقل الين ما ألقى وقت و أتصرف أنا في الموضوع ..
كان بامكانه أن ينهي الموضوع ببساطة عبر الهاتف لو لم يكن يرد عليه بمغلق طوال الوقت ..
عقد حامد جبينه بضيق ..
- أقولك رايغتنيه خمس مرّات .. و تقول لو ييتهم المرة الياية بتتصل بالشرطة .. - ثم فتح عينه باستهجان - الشرطة أونه .. بنات عمّك ما فيهن مذهب ..
كان رد فعل غيث فوريا و هو ينهره بصوت مرتفع محذر ..
- حامد ..
احمر وجه حامد فورا وو هو يعض شفته السفلى .. سرت رعشة على طول ظهره .. يبدو أنه أثار أخاه الأكبر .. زلة أخرى و لن يجد ملجأ في مرابع الغفران ..!!
ابتلع ريقه و صوت غيث يتدفق بقسوة ..
- عيدها و ما تلوم الا نفسك .. ثمن رمستك قبل لا تعقها ..
هز حامد رأسه بطاعة .. كان عليه أن يحذر فهو بذلك يمس زوجته أيضا ..! قال بهدوء ..
- اسمحليه يا خويه .. بس و الله من لي فينيه .. شوف كم مرة ساير لهم .. و كل ما ييت تطلع بنتهم و تروغنيه .. ما تقول غير ياي أشحت منهم ..!!
فكرة غريبة راودته و هو يسترخي - بنتهم - و ليست - حرمتك - ،، هه .. لا يشعر احد منهم بذاك الارتباط ..!
حامد يقف بيأس منتظرا ردا على ما قال منذ برهه .. تابع يقول ..
- أنا ما عنديه خلاف مستعد انيه أوصل لهم لي يبونه .. و حتى بنتبادل أنا و أحمد و هزاع .. لكن تفاهم وياهم أول .. ما نبا فضايح يا غيث .. و هاييلا شكلهم ما يدانونا ..
كان وجه جامدا لا يفصح عن شيء ،، و هو يركز بصره على وجه حامد المترقب .. عليه ان ينهي هذه التفاهة بشكل ما .. لا يجب أن يشغل ذهنه بهذه الأمور أكثر من ذلك ..
كان صوته باردا و هو يلوح بيده ..
- أنا ساير البيت لهم الليلة و برتب الموضوع ..
ثم تصلبت عيناه بغضب .. و هو يضمر تأديبها في نفسه ..

* * * * *

تجلس على أرضية الساحة المدرسية و هي تحرك العصير في زجاجته .. و صوت صديقتها يتدفق بهدوء و هي تقلب وريقات في حجرها ..
- يعني الحين ما بنمتحن انجليزي في المدرسة .. بيكون هو و امتحان السيبا واحد و بنمتحن في الجامعة ..
ارتشفت عفرا جرعة من العصير و هي تعقول بتفكير ..
- انزين علايا .. يعني معدل السبا داخل في مجموع الثانوية ..!
- هيه ..
هزت عفرا رأسها بهدوء ..
- أهاا الله يعين عيل .. كان ما بترتفع نسبة الرسوب من التخبيص ..!
نظرت لها عليا بحنان .. تعغيرت كثيرا .. أصبحت أكثر جدية ..
أكثر هدوء ،،،
و حزنا ..
الحقيقة أنها قالت تلك الكلمات بآلية دون أن تشعر .. أفكارها كانت تأخذ منحنا آخر تماما ..
الآن و بعد تغيب اسبوع لما طرأ من ظروف .. شعرت بعرة تسد حلقها .. تخنقها و هي تفكر بالظروف ..!
عادت للمدرسة و متابعة الدراسة هي و أخواتها .. مؤلم أن تنتشل نفسك من أحزانك لتدفع بها في غما رالحياة مجددا فتكتشف بأن شيئا لم يتغير .. و أن الدنيا لا تقف على حدود وجعك ،،
سحبت نفسا عميقا .. ها هي تعود للاجتهدا في الدراسة .. و لكن إلى أين ..؟؟
هذه هي السنة الأخيرة لها في الثانوية .. السنة القادمة ستنتقل للجامعة لمتابعة الدراسة ..؟؟ و لكن لا تظن ..!
منذ بعض الوقت علمت أن لا مستقبل لها في الجامعة ..؟؟ و خصوصا بعد اختلاف الظروف ..
الآن إذا تقدمت للدراسة هناك .. ألن يلزمها الكثير من الملابس .. مصروف ..و أشياء لا تجد الطالبة الجامعية غنى عنها ..!
من أين لها هذا ..؟؟!
يستحيل أن يغطي معاش الشؤون الذي يصرف لوالدتها و التعويض الذي يصرف لأبيها الراحل شيئا ..
بالكاد تكافح حور لسدِّ حاجاتهم .. شيء كدخولها للجامعة لن يفعل سوى نسف مزانيتهم ..
لن تستطيع فعل ذلك بهم .. أبدا ..
ستنجح هذه السنة متأكدة و بتفوق .. و لكنها لن تستطيع المتابعة بعدها ..
عليها أن توئد تلك الأحلام السخيفة .. فرغبتها في العيش .. و سد رغبات إخوتها الذين أكثر احتياجا منها أهم من تلك التفاهات ..
.
.
تودع هذا الهاجس الذي اجتاحها ذات يوم ..
ستكفيها شهادتها الثانوية .. ليست بحاجة لأخرى كي تثبت جدراتها ..
شعرت بدمعة قد أقبلت .. تنشد الحرية .. فكبحت جماحها داخل عينها التي أرخت هدبها بهدوء .. تأسرها مجددا و هي تعيدها لمكانها ..
لا يجب أن يعلم أحدا كم الأوجاع تتكوم هنا ..
ألما على ألم ..
فقط عليها أن تصمد .. حتما سيكون هناك فرج قريب ..
و إلى ذاك الحين لن يضيرها أن تزهق من الأحلام ما تعلم أنه صعب المنال ..!

* * * * *


تمشي في الحرم الجامعي و هي تحمل على ظهرها حقيبة الظهر الرياضية التي امتلأت بكتبها .. علقت على كتفها الآخر حقيبة جهاز حاسوبها المتنقل .. كانت هدى تتكلم دون توقف بسرعة .. فيما لم يخترق ذهنها المشغول شيئا من هذا الحديث .. بدا أن هدى مصرة على ازعاجها .. و اضجارها .. لذلك قاطعتها بملل ..
- هدوي لو سمحتي صخي دقيقة بس .. عنبوه هب لسان عليج رادوو ..
اتسعت عينا هدى بقوة قبل أن تضيقهما بعتب ..
- أخخ .. طاح ويهي ..!! سبالوه اصلا انتي ما تسمعين شوه كنت أقول و الا ما سكتينيه ..
نظرت لها شيخة بنفاذ صبر ..
- لا ما أسمعج شوه كنتي تقولين ..؟
نظرت لها صديقتها شزرا و هي تقول ساخرة ..
- و ليش أقول ؟؟ خلينيه صاخة دقيقة أخيرليه ..
- اففففف .. بتقولين قولي ما بتقولين برايج ..
رفعت هدى حاجبها ..
- أقولج البارحة شفت بنت عمج .. هاييك الغاوية لي دوم أشوفها فبيتكم ..
شخرت شيخة باستهزاء ..
- هه .. منوه .. عوشوه ؟؟ صدق ما عندج سالفة .. وينها هاي و الغوى وين ؟؟
- خافي ربج و الله انها تخبّل .. المهم ما سألتينيه وين شفتاا و ويا منوه ..؟!
- وين شفتيها ؟؟
قالت هدى ببساطة ..
- في المول .. وياها خوها ..
توقفت شيخة عن المشي .. و توقفت هدى هي أيضا .. أخاها ؟؟!اجتاحتها موجة من احساس غريب لم تدري كنهه .. لم ينجب عمّها مطر قبل وفاة زوجته غير عوشة .. أي أخٍ هذا ..
شعرت بذعر خفيف مفكرة بأشياء تفسر هذا .. تبا لذلك .. لا .. لا يمكن أن تكون عوشة من ذاك النوع .. مدللة .. بل مفسدة بالدلال .. تافهة بأفكار سطحية .. و لكنها ليست منحطة .. انتبهت لهدى التي بدأت تنظر لها بغرابة ..
- بلاج ؟؟؟؟
هزت رأسها عاجزة عن الكلام و هي تواصل سيرها بصمت .. هدأت هدى لفترة .. قبل أن تهمس بها بحدّة مشيرة ..
- شيخان .. شوفي راية ..
خفق قلبها بعنف مع سماعها لاسمها .. ترفع عينيها المتلهفتين للبحث عنها .. لتقع عليها واقفة في مسافة ليست ببعيدة عنها .. تحيط بها صديقتين ..انتزعت حقيبة الحاسوب و هي تلقيها على هدى ..
- يودي أنا بزخعها الحين و غصبن عنها برمسها ..
كانت تشعر بقلبها يضرب بسرعة .. و أنفاسها المشتاقة تتسارع .. خطاها تتسابق الى حيث وقفت تلك الفتاة بهيئتها المميزة .. الآن .. أو أبدا ..!
حال وصولها لمكانهن رفعت عينيها لها ثم اتسعتا بصدمة ..
- هاي ..
ردن الفتيات معا و هن ينقلن أبصارهن بين راية وشيخة ..
- أهلين ..
سلّطت هي نظرتها على تلك الجالسة بتوتر و هي تلتف يمنة و يسره .. لا تدري ملا بدت لها خائفة في تلك اللحظة .. كان صوتها حازما و هي تقول ..
- راية لو سمحتي .. أبا أرمسج يمكن خمس دقايق ..؟؟
تجنبت راية النظر لها بتردد .. قبل أن تنهض و هي تقول بصوت منخفض ..
- يمكن ،،
سارت شيخة لمنعزل قريب تتبعها راية إلى هناك .. ما إن اختفين عن أعين الآخرين .. حتى استدارت شيخة بشوق و لهفة و هي تقول ..
- راية حبي .. و الله العظيم انه ما يخصنيه في منى لي شفتيه فهمتيه غلط .. بس كنت أربط خيط تنورتها من ورا .. أدريبها دوم تغايظج و انتي تغارين .. بس و الله انتي بس حبيبتي و روحي و حياتي .. رايه حرام عليج شهرين و انتي ما تردين ع تيلفوناتيه .. أحبج .. ماروم أعيش من دونج .. لا تحرمينيه منج دخيلج و الله انتي ظالمتنيه ..
كانت شيخة تقول هذه الكلمات بسرعة وسط دموعها التي سرعان ما انهمرت ،، دموع وجدت الطريق هنا ،،
.
.
تذهلني قذارة هذه العبرات ،،
لم تكن لتهطل حين آن الرثاء على روح راحلٍ فقدت الحق في بكاءه ..!
.
.
التقطت كف راية و هي تدنو منها أكثر ..
- حبيبتي .. و الله توبة .. ما بتشوفينيه ويا هاللوث منى مرة ثانية .. بس انتي رديليه .. أحس بالموت و انتي بعيدة عنيه ..
ذهلت حين انتزعت راية يدها و هي تضمها الى صدرها .. لاح الخوف على وجهها و هي تقول بصوت مهتز ..
- أنا هب زعلانة عسب منى و الا غيرها .. هالأشكال ما تهمنيه ..
بدا الضياع على وجه شيخة و هي تهمس بوله ..
- عيل ليش ..؟؟ ليش هاجرتنيه من شهرين .. دون سبب ..!!
نظرت لها راية و هي تتظاهر بالثبات .. الحقيقة أنها كانت خائفة من ردة فعلها .. فما الذي يمكن أن تفعله بعد أن تحطمها ..!! كان صوتها ضعيفا و هي تقول بقلق و تراقب وجه شيخة ..
- أبا أقطع علاقتي فيج .. أباج تنسينيه .. أنساج ..
بدت الصدمة جلية على وجه شيخة و هي تقول باستنكار ..
- شوووووه ؟؟ تخبلتي انتي ..؟؟
ارتجفت راية و هي تقول ..
- أنا بعرس ..

* * * * *

الله أكبر الله أكبر ،،
الله أكبر الله أكبر ،،
.
.
كانت أبواب السماء تُشرّع بذاك النداء على اتساعها ،، بعد أن غفت الشمس خلف حدود الأفق منذ ساعتين ..
التقطت دانة بعض أوعية العشاء و هي تقول لهند التي استلقت بجانب نايف و مزنة تحت التلفاز ..
- هند نشي شلي ويايه الصحون عسب نغسلها ..
نظرت لها هند بضجر و هي ترفض ..
- البارحة انا و نورة غسلنا ما يخصنيه خلي عفاري و الا مزنه يساعدونج ..
نظرت لها دانة بغضب ..
- عفاري تخم الخوش .. مزنوووه نشي شلي وياية و ساعدينيه ..
نظرت لها مزنة بعينين متسعتين ..
- أنا ما عرف أغسل .. و اذا شليت الصحون بيتكسرن ..!!
نفخت دانة بغل و هي تقول ..
- بيتكسرن هاا ..؟؟ ما عليه يا مزين .. انا بداويج ..
بدا الخوف على وجه مزنة و هي تشيح به .. قبل أن يفتح باب غرفة أمهم و تطل حور برأسها تنظر لنايف الذي لا يزال مستلقي تحت التلفاز ..
- نايف .. نش صل العشا .. عسب ترد و ترقد .. باكر دوام ..
عقد نايف جبينه بضيق و هو يزيد من غلظة صوته ..
- بصلي و بخطف ع حمّود ،،
نظرتله حور بحزم و هي تأمره ..
- لاحق عليه حمود باكر بتشوفه في المدرسة .. سير صل و رد بسرعة ..
أشاح بوجهه معترضا ..
- هب ع كيفج ..
اتسعت عيناها بذهول قبل أن تنفجر به غاضبة ..
- ولـــــــد .. تأدب .. عين خير و نش صل و رد البيت .. يا ويلك لو دريت انك سرت يمين و الا يسار ..
كانت لا تزال تقف بباب أمها و هي تضع يدها على خاصرتها .. قام نايف من مكانه طوعا .. و هو يتذمر .. تتبعه عيناها .. لا تدري لما يلجأ للتمرد هذه الأيام .. ما الذي جرى له يا ترى ..؟؟!
أصبح كثير الضجر و الاعتراض و المعاندة .. رغم هذا عليها أن تعالج الأمر بحكمة و صبر لا أن تنفجر في وجهه في كل مرّة ..
رأت نورة تحمل ثيابا مكوية لتختفي في الغرفة قبل أن تعود فتخرج بسرعة .. رأت حور لا تزال تقف في مكانها و الشرود يسكن ملامحها .. فلوحت بيدها أمام عينيها ..
- حووووه وين وصلنا ..
هز حور رأسها ..
- و لا مكان ..
- وينها المها ..
- تمسد أمايا ..تقدمت نورة لتجر مخدة فتسند رأسها عليها و هي تقول بتسلط ..
- مزنة نشي قولي لدانة تسوي جاهي ..
هزت مزنة رأسها و هي تنظر لحور باطمئنان ..
- ما يخصنيه .. هاذوه المطبخ سيري انتي قوليلها ..
نظرت لها نورة قبل أن تقول ..
- لا و الله .. أشوفج مستقوية الشيخة مزنة .. أقول نشي الحين لا تييج رفسة تكسر عظامج ..
نظرت لها حور ..
- ها لي قاصر بعد ..
زفرت نورة بحقد ..
- ما عليه يا بشكارتنا دواج عنديه يوم بستفرد بج .. و الله لداويج ..
ثم صاحت بصوتٍ عالٍ ..
- دانوووووووه .. سوي جاهي بنيلس في الحوش ..
صاحت دانة موافقة .. قبل أن تنظر نورة لحور ..
- بلاج واقفة ..
- بسير أصلي عسب نيلس رباعة .. مزنة .. هند .. صلن و أشوفكن في حجرة أمايا رقود .. تسمعن ..؟؟
تجاهلت أصوات التذمر الصادرة منهن و هي تدلف غرفتهن لتصلي بها ..
.
.
.
كانت دانة تسكب الشاي في الأكواب حين جلسن في - الحوش - بعد أن أوت مزنة و هند للفراش و لم يعد نايف من الصلاة بعد.. و هي تقول بهدوء ،،
- علومها فطوم .. مالها شوف هالأيام ..
أجابت حور التي كانت تمسح على شعر عفرا التي استلقت فوق بطانية و ضعتها تحتها و هي تسند رأسها على ركبة حور ..
- فريت على درشتهم حصى و قالت ان أمها ميهوده ..
هزت دانة رأسها ..و هي تناول المها كوبا من الشاي ..
- الله يعينها ..
سألت نورة دون مناسبة و هي تضم كوب الشاي الذي تصاعدت منه الأبخرة ..
- تعالي حور نسيتأسألج .. تعرفين وحدة اسمها .. حمدة حليمة صالح ..؟؟
عقدت حور جبينها مفكرة ..
- حليمة صالح ..؟؟؟! حليمة .. حليمة .. هب غريـ .... - ثم صاحت متذكرة - أوووووه حليمة صالح .. هيه هيه .. تذكرتاا .. كانت فدفعتيه .. ليش ..؟؟
هزت نورة كتفيها ..
- تشتغل عدنا سكرتيرة .. شافتنيه في الادارة مودية أوراق و يودتنيه .. تسألينيه اذا أقرب لج .. قلت ختيه ما تشوفين نفس الشيفة ..
ابتسمت حور ..
- عنلاتج .. انتي وين و أنا وين ..
قالت عفرا بخبث و هي تدير كوبها على الأرض ..
- شياب الثرا للثريا ..
عقدت نورة جبينها ..
- جب زين .. أن أحلى عن حور حمدي ربج انيه شبهتج بعمريه و الا انتي أصلا مستقبلج ضايع .. زين لي لقوا واحد يلصقونج فيه .. مسكين حاله هالولد العم ..
ضحكت دانة هي و نورة و عفرا .. فيما تقلب المها نظرها بينهن بهدوء ،،
لم تسمع ما يقال .. و لكن هذه الضحكات عنت شيء واحد ..
.. ها هم يعودون لسابق عهدهم ببطء ،،
قالت حور بغل ..
- جب زين .. يلصقونيه أونه .. يحمد ربّه و الا وين يطول ظفريه ؟؟!
لوحت نورة بيدها ساخرة ..
- هيه وين يطوله .. المهم ترانيه حذرتاا .. و قلت لو حصلتي كائنين بشريين في المدرسة نفس الديزاين لا تروعين هاييلا خواتيه بعد .. و........
بترت كلماتها و هي ترى نايف يدلف من الباب مسرعا .. وقع ناظره على أخواته اللوتي يجلسن في الحوش .. اقترب بسرعة قبل أن ينظر لحور باهتمام ..
- حور ..
- هاا حبيبي ..؟؟
ألقى بكلماته بسرعة ..
- ريلج يباج ..
فغرت فاهها و هي تنظر له دون أن تفهم ..
- شوه ..؟؟
أشار بيده بلهفة ..
- غيث ولد عميه علي .. في الميلس عدنا .. لقيته في المسيد ياي صوبنا و قربته .. قاليه سير ازقر حور ..
كانت حور مذهولة عاجزة عن الكلام و هي تحدق بوجه أخواتها .. دانة تحتضن وجهها بكفيّها بصدمة .. و عفرا اعتدلت جالسة فورا تنظر لوجه حور .. فيما ضحكت نورة بقوة .. المها تنقل بصرها جاهدة لفهم ما حمل نايف للتو .. كانت نورة تهتز بقوة ..
- ههههههههههههههه .. طريت الأقط قاي ينط .. لو طارين مليون ..
تجاهلتها حور و هي تشعر باللون يهرب من وجهها .. و عينيها الجاحظتين تتسعان بتوتر ..
- هذا شوه يايبنه .. شوه يبا ..؟؟!!
عفرا تضع أناملها على شفتيها و هي ترد بتفكير ..
- أكيد عسب سالفة أخوه لي كل يوم و الثاني و انتي رايغتنيه ..
وضعت حور يدها على صدرها بجزع .. لا تدري لما دب القلق في روحها .. لماذا تتوتر .. هل هي خائفة منه ..؟؟ هل تشعر بأنها تمادت في صد محاولاتهم لتقديم المساعدة .. أم كل هذا لأنها كانت قد اصطدمت بقسوته ذات صدفة ..!
نفضت كل هذا من ذهنها .. و هي تشد من عزيمتها تنظر لعيون اخوتها المتعلقة بوجهها و هي ترفع رأسها بكبرياء .. لن يخيفها هذا الرجل .. و سترد عليه كما ردّت على أخيه مسبقا .. لا حق لهم أبدا في التدخل أو ادعاء القربى . اكتفوا من هجرهم طوال تلك السنوات .. نهضت من مكانها و هي تشعر بارتجاف قدميها لتختفي بالداخل لدقائق قبل أن تخرج و هي تحمل غطاء رأسها .. أمرت نايف بحزم ..
- أنا بظهر له .. سير ارقد باكر دوام ..
شعرت بانها تريد أن تتظاهر بأنها لا تخشى شيئا .. و أنها تسيطر على الأمور .. نظرن لها أخواتها بحذر قبل أن تقول دانة بحذر ..
- تبينيه أيي وياج ..
ابتلعت حور ريقها و هي تقول ..
- ما يحتاي .. أنا بدبره .. دقايق و برد ..
و توجهت نحو المجلس .. شعرت بالمسافة قريبة جدا .. توقفت لبرهة عند الباب و هي تلف غطاء رأسها بإحكام .. فكرت بأن ترده على وجهها كما اعتادت .. لكنها شعرت بسخافة الفكرة .. سيسخر منها حتما أو سيقدم على حركة كريهه كما فعل مسبقا .. سحبت نفسا عميقا و تبعد ذكرى تلك المواجهه .. الحقيقة انها لا تذكر لقاءهما في ذاك اليوم المشؤوم .. كل شيء استحال في ذهنها إلى ضباب لا ينقشع ..
شدت قبضتيها و هي تحاول خنق نبضات قلبها المذعورة .. راحت تدفع قدميها دفعا للدخول الى المجلس .. حال وقوفها بالباب كافحت بشدّة رغبة تدفعها للهرب للداخل .. و هي تراه يجلس أمامها مسترخيا و جسده الطويل يقابلها مشغول بشيء ما في يده .. شعرت بأن الكلمات لا تخرج من حلقها و هي ترفع يدها لتطرق الباب .. و صوتها الهامس بالكاد يسمع ..
- السلام عليكم ..
غبية .. حمقاء .. لماذا ارتعش صوتها هكذا
هل لاحظ كم بدت ضعيفة و متوترة يا ترى ؟؟..
رفع وجهه اليها و عينيه تضيقان بحدة و هو يسلط نظرة متمهلة عليها .. بدا و كأنه يقيّمها ببطء و ابتسامه غريبة تناوش شفتيه و هو يقول يرد ببرود ..
- و عليكم السلام ..
سرت رعشة على طول ظهرها و هي ترى انعكاس الصقيع في عينيه .. لم ترد أن تهزّها هذه النظرة فظلت تقف داخل المجلس قرب الباب .. و هي ترفع أنفها بعنفوان تخفي رعشة يديها و تعقدهما على صدرها .. لا تدري لما هابها مرآه هكذا .. ابتلعت ريقها و و ي تحاول أن تخرج صوتها قويا غير مهتز ..
- نعم ..؟؟.. خير ان شا الله ..؟؟
.
.
يمعن النظر إليها و عيناه المتكاسلتين تجولان على وجهها .. لن يغفل رجفة يديها و لا اضطراب أنفاسها .. لماذا تتظاهر بالقوة في حين ترتعد خوفا ..
أشار برأسه آمرا ..
- يلسي ..
رفت أهدابها بتوتر .. قبل أن تقول بسرعة ..
- ما يحتاي انته ما بتطول .. قول لي عندك و اظهر ..
شعر بظهره بتصلب بقوة .. و عيناه تقسوان و هما ترتكزان على وجهها ..
حسنا حسنا .. ها هي القطة الصغيرة تبرز مخالبها .. فليفسح لها مجالا لمحاولة خدشه قبل تقليم أناملها اللطيفة ..
لم تخبو ابتسامته الجليدية و هو يقول بصوت متسلط ..
- ليش رديتي الأغراض لي مطرشينها لكم .. ؟؟
كان ردّها فوريا و كأنما رددت الكلام مرارا و تكرارا و حفظته عن ظهر قلب ..
- لنا ما نبا شي منكم .. الله يغنينا .. نحن هب في حايتكم .. لو عندك غير هالسالفة قولاه .. و الا توكل على الله ..
احساس بأنها تدوس على لغم سيطر على شعورها و هي ترى وجهه يشتد قسوة .. نفضت الخوف عنها و هي تراه ينهض ببطء من مكانه .. أرعبها مرآه بهذا القرب و جسده الطويل المديد يقترب ببطء .. بدا أن حضوره يملأ المكان .. فبدا المجلس ضيقا كما لم يكن قبلا .. كان يشرف عليها و هي تقاوم كي لا تفر من المكان .. لا زالت تشمخ بأنفها و قلبها يخفق في عنقها بعنف ..
تبا .. لماذا يبدو مخيفا هكذا ..!!!!!
كان صوته هادئا خطرا و هو يسألها بنعومة خطرة ..
- شوه ؟؟! تروغينيه ..!
ارتجفت حور و هي تشد يديها المقودتين .. تحاول أن لا تشيح بوجهها .. ارتجف صوتها رغما عنها و هي تقول ..
- اسمع .. أنا قلت لي عنديه .. نحن ما نبا شي منكم .. و ما نبا علاقة بكم ..- ابتلعت ريقها قبل أن تندفع و تقول بسرعة و صوتها يرتفع - نحن ما شفنا حد منكم طول حياتنا .. الحين بس تذكرتوا .. خلوكم ناسين الين ما نموت ما شي بيظركم .. أصـ ..
بترت كلماتها و هي تشهق بقوة حين مد يده فجأة ليقبض على مؤخرة عنقها ..ارتعشت و هي ترى عيناه تضيقان بقسوة .. بدت مخيفتين في تلك اللحظة و هي تحاول تحريك رأسها يمنة و يسرة لتنفلت من قبضته .. أحنى رأسه و هو يقول بصوت منخفض أخافها ..
- لا .. لا .. وين الأدب .. يوم بترمسين ويايه ما ترفعين حسج تسمعين ..؟!
ابتلعت ريقها دون أن تجيب تحاول جاهدة الاحتفاظ ببقايا قوتها قبل أن تنهار تحت ضغط يده بارتياع .. مد يده الأخرى بتسلط و هو يسحب غطاء رأسها و هي تتشبث به بقوة تحاول التمسك ببقايا شيء من درعها هذا .. و هي تغمض عينيها رغما عنها .. و ترفض بصوت مرتفع ..
- لااا ..
و لكنه كان قد انتزع غطاء شعرها و هو يلف في يده و ينتصب في وقفته ..
- و شعرج مرة ثانية لا تغطينه عنديه ..
رفعت يدها تغطي شعرها بيدها و كأنما تسعى لستره و خصلات خائنة تنزلق على جبينها و جانب وجهها.. شعرت بألم يوخز روحها .. لا تدري لما راودها احساس بأنها جرّدت من كرامتها بهذا الشكل المهين ..
أخفضت بصرها حين شعرت بدموع مذلة تملأ مقلتها .. و صوته الرجولي الغليظ يتدفق لمسمعها ..
- باكر بطرش السامان مرة ثانية و لو رديتيه ما بتلومين الا نفسج .. من اليوم و رايح أي شي ييكم من صوبنا تشلينه .. و بنفتح لكم حساب و بتييج البطاقة عسب لو قصر عليكم شي يكون عندكم لي يسد حايتكم ..
لم يكن يطلب رأيها و لم يكن يطلب منها .. كان يأمرها ..!!
عاد يقول بشيء من البرود ..
- هالشي بتم الين ما تخلص أمج العدة عقب أربع شهور .. خلاف بتنتقلون البيت العود .. و بتسكنون هناك ..
همست دون ادراك ..
- البيت العود ..؟
رفع حاجبه بتحدي ..
- بيت ابويه سيف ..
تدلى فكّها بصدمة و عيناها تتسعان .. لا .. لا يمكن أن تصل الأمور إلى هذا .. شدت قبضتها لصدرها .. و هي تقول بغيظ ..
- و منوه قال لك اننا نبا نعيش وياكم ..
ابتسم بسخرية .. ما بال هذه الطفلة الغبية لا تنفك تصارعه على ما لا حيلة لها فيه ..!
- و منوه قال لج انيه أخيرج ..؟؟
شمخت برأسها و هي تستجمع ما تبقى من قوة في نفسها و تقول ..
- نحن ما بنسير مكان و ما بنشبر من بيتنا .. هذا بيت ابويه الله يرحمه .. ما بنودره ..
نظر لها و كأنما لا يجد معنى لما تقول ..
- لا يا حلوة بتودرونه ..
تمنت لو أنها تحمل حجرا لقذفتها على رأسه المتعجرف .. صاحت بانفعال ..
- هب ع كيفج ..
التفت لها بهدوء أخافها ..
- أنا ما قلت لج لا ترفعين حسج ..؟!
ارتاعت من نبرته و هي تعود خطوة للوراء .. و لكنه أمسك بذراعها بقوة .. و هو يسأل بصوتٍ منخفض ..
- اذا هب ع كيفيه . ع كيف منوه عيل ..؟؟ نسيتي انيه ريلج .. أروم الحين أشلج بيتي و انتي ساكته و محد بيقوليه شي .. شوه بتسوين عقب .. منوه بيتم ويا خوانج و أمج ..؟؟
كان هذا تهديدا سافرا .. الحقير .. جرت ذراعها من قبضته .. لماذا يجد حرية في لمسها هذا الكريه .. لا حق له في رؤيتها ..
لا حق ..!!
رغم كل هذا راحت تكابد رعبا اجتاحها .. و هي تقول بصوت خائف ..
- ما تروم ..
مال برأسه ببرود ..
- جربيني ..
ابتلعت ريقها .. تشعر بأنها محاصرة .. يائسة ..
و مذعورة ..
- نحن ما نريد نعيش وياكم ..
نظر لها بهدوء ..
- بس بتعيشون ويانا ..
نظرت له بتحدي و هي تكشف الورقة الأخيرة ..
- أمايا ما بتخلص العدة عقب أربع شهور .. أميه حامل عدتاا الين ما تربي يعني تقريبا 7 شهور ..
الآن تشعر بانتصار خفيف و الدهشة تغزو محياه لبرهة قبل أن يقسو من جديد و هو يسأل ..
- حامل ..؟؟!!
- هيه ..
نظر لها متمعنا للحظات قبل أن يقول بابتسامة غريبة ..
- و شوه عليه .. نرقبها تخلص العدة عقب 7 شهور..
شعرت بضيق يكتنف صدرها .. و اختناق شديد .. راحت تبلع عبرتها بتخاذل و هو يقول بتعالي ..
- المهم .. أنا ييت و لي عنديه قلته .. مابا عيدها الرمسة لي ياج لا تردينه .. تسمعين ..
ماذا تقول ..؟؟!
عاد يسأل بقسوة و صوته يرتفع ..
- تعسمعين و الا لا ..
همست بصوتٍ ضعيف ..
- أسمع ..
مد يده الكبيرة ليلتقط خصلة من شعرها انفلتت بين أصابعه الطويلة .. لتبعد رأسها بسرعة قبل أن يشدها دون اكتراث .. فتأوهت متألمة .. قبل أن يبتسم برضا و هو يقول ..
- و تيلفونج بطليه .. ماريد أتصل و ألقاه مبند ..
.
.
خرج تاركا اياها واقفة للحظات قبل أن تجلس على الأرض .. حين لم تعد قدماها تقويان الوقوف ..
قلبها يخفق بعنف و دموعها تتزاحم على شفير المقلة بيأس ،، شعرت بالأنفاس لا تصل لرئتها و وحزن رهيب يكتسحها ..
.
.
رباه ..
ماذا كان هذا ..؟!!
ما الذي حدث للتو ..!

* * * * *





لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 12:41 AM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



\\

الخطـــــــــــــــوة السابعــــــــــــــــــة .. }

[ .. خطوات أضناها المسير ..! ]




ضوء ضئيل يتسرب من بين الستائر ليكشف عن جسدها الذي تكور فوق أريكتها الوثيرة .. و هو يهتز ..
توقفت عن الانتحاب ،، و أصبحت دموعها تسيل بصمتٍ الآن ..
وقع خطوات يقترب من غرفتها قبل أن تتعالى صوت الطرقات على الباب .. يتبعها صوت أمها مناديا ..
- شيخة .. شيخة .. ما تبين غدى يا أميه ..
ازدادت دموعها بالانهمار .. لا تريد الغداء .. تريد أن تموت ..
صوت أمها يعود للنداء مجددا و هي تهوي بقبضتها على الباب بلا رحمة ظنا منها أنها نائمة ..
- شيخة .. شيخة ..
مدت ظاهر كفٍ مرتجفة تمسح شيئا من الدموع التي شقّت طريقا على وجنتيها .. و هي ترفع صوتها المبحوح ..
- ماااباااا الغداا .. أبا أرقد ..
صمت تبع كلماتها .. إذا ذهبت ..!
استوت جالسة في مكانها و هي تضم ركبتيها .. تشعر بأنها محطمة .. لقد أحبتها من كل قلبها .. عشقت وجودها في حياتها .. أمضت ثلاث سنوات معها .. تعيش كل لحظاتها .. كي تأتي تلك الحقيرة الصغيرة .. تلك الخائنة القذرة .. لتقول ببساطة أنها لم تعد تحبها و تنوي الزواج .. اشتدت قبضتها مع انهيار دموعها ..
لماذا ..؟! ما الخطأ الذي ارتكبته لتستحق مثل هذا الألم ..؟ لم تقم بخيانتها قط .. لماذا إذا جازتها بهذا الفعل ..
انهارت أنفاسها و هي تنشج بقوة .. لا تستطيع أن توقف التفكير بالأمر .. تريد إيجاد سبب واحد لما حدث ..
هبت واقفة من مكانها و هي تمشي ببطء شديد كالميتة ،، تصل لطاولة الزينة العملاقة ..
لتفتح درجها بعينين لا ترى .. و الغرفة الكبيرة لا تزال غارقة بالسواد .. تجد غايتها المنشودة لتلتقطها بيد و هي تفلت شعرها باليد الأخرى قبل أن تجره بقسوة .. و عبراتها تتدفق بعذاب .. صوت اصطكاك الحديد الخافت يصل لمسامعها و هي تشعر بالخصلات تنزلق من بين يديها ..
تتهاوى من علو ،، بلا إحساس ..
.
.
كما تفعل هي الآن ..!

* * * * *

- ضاقت يا فاطمة ..!
قالتها تعلن اليأس و قد أسقطت يدها .. مر أسبوع مذ التقته و أفجعها بالحكم الذي أصدر على عائلتها .. و من يومها تخنق هذا الخبر في طيات نفسها .. لم تجد الشجاعة بعد لإعلامهم بالأمر ..
لا تعلم سبب جبنها .. هل هو خوف من أن يوجعهم الخبر كما أوجعها .. أم أنها تخشى خيبة في حماس قد يبدوه نحو أولئك الغرباء ..؟!
لم يبد على أحدهم الرفض حين أتت ابنتهم إلى هنا باستثنائها .. زفرت باختناق و هي تشعر بحدود الكون تتقلص في عينها لم تبدو أبعد من جدار بيتهم هذا و هي تجلس في - الحوش - .. قبل أن تمد فاطمة لتشد على يدها و هي تقول بصلابة ..
- ما ضاقت إلا و فرجت يا حور ..
همست حور ببؤس و هي ترفع نظرها للسماء الصافية ،،
- وينه الفرج ؟؟ كل ما قلت هانت تعاندنيه همومي .. المشكلة انيه ما رمت الين الحين أخبرهم عن شي .. مادري شوه بتكون ردة فعلهم ؟؟ ما يسدهم لي صار ببويه ..! و الله ماروم أقولهم انه عقب ما تربي امايا حسبوا حسابكم بنظهر من البيت لبيت يدكم لي ما قد شفناه ..!ها كله كوم و العله لي يقال له ريلي كوم .. تخيلي الحين غصب كل ما طرشوا شي أخلي هنديهم و الا خوهم ها لي قد رغته يدخلونها ..
عقدت فاطمة جبينها بعدم فهم ..
- أنا مادري ليش انتي خايفة منه ..!!
هزت حور رأسها بقلة حيلة ..
- لنج ما شفتيه و ما قد جربتي تتعاملين وياه .. هذا بس نظراته يوم يطالع روعتنيه .. غير اسلوبه في الكلام .. ما تقولين غير بشكارة أبوه .. يتحكم و يتأمر ع كيفه .. لو غيره كان وقفته عند حدّه .. بس هذا غير و الله انه خوفنيه .. خص يوم قال انه بيشلنيه و محد بيقول له شي .. حسيت انيه انشليت يا فاطمة ..!
ابتسمت فاطمة تطمئنها ..
- و ليش تتروعين ..؟؟ مالت عليج صدق انج مقصة ..! يشلج أونه .. شوه ما وراج ولي و لا والي ..؟؟
صمتت حور لثوانٍ قبل أن تسأل بصوتٍ ضعيف ..
- وينه الولي يا فاطمة ..؟؟
عقدت فاطمة جبينها تتحدها ضعفها ..
- و قوم خالكم أم مايد وين سارو ..؟؟
ابتسم حور بمرارة ،،
- خليها ع ربج .. و الا وين يرومون عميه بو مايد و عياله يحطون راسهم براس هاييلا .. ؟؟ نسيتي هم أعمامنا و ع قولتهم الأولى بنا .. و بعدين أنا ماخذة واحد منهم .. يختي هاييلا مستحيل شي يردهم .. و الا سنين فارين خوهم و هب ناشدين عنه .. لا تنسين انه مايد يشتغل عندهم ..!
عم السكون بعد كلماتها هذه للحظات طالت .. قبل أن تقول فاطمة بحذر ..
- حور ما تلاحظين انج ماخذة موقف منهم ..؟ يعني يمكن نيتهم سليمة و نادمين ع لي استوا و يبون يعوضونكم عن القطاعة عقب عين أبوج ..؟!
التفتت لها حور بجمود .. و صوتها يستنكر ..
- نادمين ...؟؟!!! يختي أولا شوفي حركة العزا .. في ذمتج هاييلا نادمين ..! عنبوه ما حشمو أمايا و لا ظروفهاا .. شوفي ولدهم لي ياي يتعنطز عليناا .. انزين وينهم الأعمام ..؟؟ ما شفنا حد منهم من يوم ما توفى أبويه .. وينه هاليد لي ما نعرفه ..
هزت رأسها ببطء رافضة .. و يقينٌ عميق حفر على وجهها و هي تقول بقوة ،،
- كل شي .. كل شي يا فاطمة بتوقعه الا انهم يكونون نادمين ..!

* * * * *
يجد نفسه عاجزا الآن ،، لا حيلة بيده .. لا يمكنه الاقتراب منها بسهولة ليواسيها .. ليحوي حزنها هذا الذي حفر في محجري العين ..
ليمكنه إيقاف تلك الدموع الجامدة في مقلتها .. لا يمكنه أن يعيد الأيام إلى الوراء ليصحح خطأ سلبها الحياة ..
لم يعد للروح انعكاس في عينها ..! بدت كالميتة .. جسد تحركه الحاجة للاستمرار بالعيش ..
مخطئ .. بل هي الرغبة في الانحدار إلى النهاية .. ليحتضن التراب جسدها كما فعل مسبقا مع ابنها .. عندها ستكون في عالمه على الأقل .. لهما المصير نفسه ..
و لكن الآن ..
و هي تجلس هنا .. عيناها الشاردتين تنظران للأمام دون اهتمام لما ترى .. و لم يعد للحياة بريق ضئيل فيهما ..
وجهها الشاحب لا يعلوه أي تعبير و كأنما لا تراه هنا .. أو لا تريد أن تراه ..؟؟!
لم يكن هذا كله مهما .. المهم هو ذاك الوجع القاتل في روحه قبل روحها .. هو ذاك النصل الذي راح ينحر الروح ببطء مقيت ..
الألم الذي يسكنه أكبر من ألمها .. مات راضٍ عنها و راضية عليه .. و رحل و هو غاضب عليه بعد أن نفاه ..
بعد أن انتزعه من هنا .. من بين أهله .. أمه .. إخوته .. بعد أن حرمه العيش بينهم .. حتى بعد أن فعل ما أراد ..!
كان موته الآن .. دون أن يجد الوقت ليصفي حسابهما .. ليسامحه .. ليغفر كل منهما للآخر ..
دون أن يجد الوقت ليعيده إليه ..
دون أن يمهله الزمن حتى يلتقيه مرة أخيرة .. ليفرغ ما في قلبه .. كم يتمنى لو يعود الزمان للوراء .. ليخمد هذا اللهيب الذي راح يلتهم كل إحساس بالحياة داخله .. ليروي هذا الظمأ الخبيث الذي راح يزداد بعد فقدانه له ..
.
.
لكن الزمن لن يعود ،، و تلك الأفكار السخيفة لن تفعل شيئا ..
ها هي زوجته هنا جسدا و الروح حملها ابنها الميت معه .. و ها هو الحزن يذبحهما ببطء .. هو حسرة .. ندم ..
و هي شوق و حنين للقاء ببارئها و بابنها البعيد ..
فلم تعد تريد من الدنيا سوى فراقها .. لتجد خلف حدود عالم الأحياء مبتغاها ..
أما الآن .. فبينهما برزخ لا يلتقيان .. كان حيّا على الأقل .. و تؤمن بان الأقدار قد تحمل في جعبتها لقاء سيعيدها حيّة ..
سيبثها الروح بعد أن قضت سنوات تتجرع كؤوس الانتظار المرّة بصبر لا ينتهي ..
الآن لم يعد هنا ..
رحل ابنها .. و رحل الصبر .. و رحلت هي أيضا رغم جسدها هذا ..
.
.
كل هذه الخواطر بلا معنى ..
كل هذا الندم لن يفيد ..
هذا الوجع سيستمر أبدا حتى يرحل هو بدوره ..
سيظل متوقدا بلهيب لا يخب ..
ستستمر آلامه أبدا .. جمرة غضا ..!

* * * * *

وقفن بالباب دون حراك يراقبن الموقف أمامهن .. كن قد وصلن للتو من المدرسة حين وجدن حور ممسكة بنايف في الصالة و مشادة حادة بينهما .. دانة و تعبير غريب يعلو وجهها تتجاهل الأمر و هي تتوجه لغرفتهن فيما ظلت عفرا و نورة واقفات بالباب يتابعن ما يجري ،، حور تهز نايف بعصبية و هي تصيح ..
- شوه سويت ارمس ..
نايف و صوته يعلو على حور تحت نظرات الدهشة من أخواته ..
- أقولج ماااسويت شي ما تسمعين ..
لكن حور لم تهدأ ..
- شوووه ما سويت شي .. و هالاستدعاء ان شا الله ..؟؟ ليش طالبين ولي أمرك ..؟
أشاح بوجهه و هو يرفع رأسه .. قامت حور بضربه بالورقة على كتفه ..
- ارمس يا الله ..
صاح بوجهها بقوة ..
- ما برمس .. تسمعين .. طالبين ولي أمري .. و انتي هب ولي أمري ..
تهدج صوته و هو يسحب الورقة بعنف من يدها و يشقها لنصفين .. و دموعه ترتجف على حدود الهدب ..
- و لي أمري مااااات ..
ثم ركض للخارج تحت صدمتهن .. وضعت حور يدها على رأسها بذهول ... يا الهي .. ما الذي دهاه ..؟؟ أو بالأحرى ما الذي دهاها .. ؟؟ كيف أصبحت بهذه العصبية .. التفكير يوترها و أصبحت تجد في إخوتها و المشاكل متنفسا لضيقها .. أغمضت عينيها و هي تسحب نفسا مرتجفا .. تشعر بدموعها قريبة .. أين ذهب الآن أخوها .. الوقت ظهرا و الحرارة في أوجها .. لم يتناول الغداء حتى ..!شعرت بيد توضع على كتفها .. فتحت عينها لتجد عفرا و نورة قد اقتربن منها .. لتقول الأخيرة ..
- لا تضيقين صدرج يا حور .. نايف ياهل ..
قالت حور بألم ..
- أنا هب زعلانه منه .. زعلانه عليه و على حاله لي انقلب من يوم ما اتوفى ابويه .. غادي متمرد .. ما يبى يسمع شور لحد ..! مادري شوه مشكلته ..مادري ،،
شدت عفرا على كتفها بهدوء ..
- ما عليج أكيد متأزم شوي لنه كان متعود روحاته كلها و يياته ويا أبويه .. و كان الله يرحمه دوم ما يخليه ييلس ويا البنات وايد .. أكيد الحين متضايق لنه يشوف البيت كله بنات ..
ثم همست ..
- بس انتي بعد .. خفي الدوس عليه .. وايد غادية عصبية وياه .. كله صريخ و ظرابه .. ترى الصوت بالصوت ما بيحل شي .. قدري انه الولد يمر بمرحلة حرجة الحين ..
هزت حور رأسها بيأس ..
- أقدر و الله أقدر .. بس هو هب ياي ويايه لا بالشدة و لا باللين .. مادري شوه الحل وياه .. الحين يايبليه ورقة استدعاء ولي أمر من المدرسة عسب مشكلة مسونها هناك .. و ما طاع يقوليه شوه مستوي .. !!
أمسكت بجانب رأسها و هي تشعر بصراع شديد .. أكان صراع .. أم صداع .. لم تعد تدري .. كل ما ترغب به في هذه اللحظات الكريهة هو أن تأوي لفراشها و تتدثر لتنام حتى تتغير الأمور أو تعود لنصابها ...!
- سيرن بدلن .. أنا بحط الغدا و أزقر أمايا و البنات ..
.
.
دلفن للغرفة لتقع عين عفرا على دانة التي كانت تجلس على فراشها و شرود حزين يعلو وجهها .. رمت حقيبتها و راحت تخلع عبائتها و هي تسأل بهدوء ،،
- بلاج ..؟؟

رفعت دانة نظرها و هي تقول بصوت غريب ..
- وايد أشياء تغيرت ..!
تجنبت عفرا النظر اليها فيما توقفت نورة عن إخراج ثوبٍ لها و هي تنصت لدانة .. سألت عفرا مجددا و هي تدير لها ظهرها ..
- مثل ..؟؟
هزت دانة ..
- عصبية حور .. نايف ما كان يطول لسانه و لا يرفع صوته كذيه .. المها كله الحين تيلس عند أمايا .. !!
لم ترد أي منهما على ما تقول .. و ساد صمت صاخب في الغرفة .. لا يقطعه سوى حركتهن فيها ،،
و دانة تحني رأسها ببؤس .. ما لم تشر إليه حقيقة هو تلك الغصة التي تخنقها الآن ..
ذاك الحقير أصبح يتبعهن أيضا لباب البيت .. لم يعد خوفه من أبيهن يمنعه الآن ..!

* * * * *

ابتسمت أمه بحنان شديد و هي تمد يدها بفنجان قهوة .. كان لا يزال يرتدي الملابس الرسمية للشرطة .. و فضل الجلوس معها قبل أن يذهب ليرتاح قليلا .. التقط الفنجان بهدوء و قد بدا عليه التفكير العميق ..
اصبح كثير الشرود و التفكير هذه الأيام ..!
لا يلومنه أحد .. فقد تأخر غيث كثيرا بالرد عليه .. ها هو شهر قد مر مذ أخبره عن رغبته في التقدم لخطبة أخته .. و لكنه لم يرد له جوابا حتى الآن .. !
تنهد بصبر ،، لن يتصله به الآن .. لن يعجزه صبرا .. ما زال الوقت مبكرا على كل حال .. فلم يمر على موت عمه بعد سوى شهر ..!
.
.
- حوووه ،، الحبيب .. وين وصلت ؟؟!
رفع رأسه متفاجئا ليجد أن أخويه يجلسان امامه ،، لم يشعر بهما حتى صاح به هزاع .. الذي تابع هازئا ..
- سلمنا.. و يلسنا و تقهوينا و قلنا قصة حياتنا و انت سرحان .. - ثم غمز بعينه يقول بخبث - لي ماخذه عقلك ..
اهتز الفنجان في يده بارتباك ،، شعر بالذنب الشديد و لا يدري سبب هذا الإحساس .. رفع هزّاع حاجبه بعجب .. و أيقن أنه أصاب سهما في الظلام ..!
لم يشأ أن يحرج أخاه الأكبر لذلك استدار لأمه ..
- يوم الخميس أنا بسير ويا الربع كشته .. و بنتم هناك الين الأحد ،،
رد سيف فورا ..
- كشته وين ..؟ و منوه هالربع ..؟
ابتسم هزاع بمكر .. يبدو أن سيف قد سيطر على الأمر لذلك أجاب ببساطة ،،
- ربعيه لي تعرفهم .. قوم مطر ،، و أحمد طبعا ويانا .. بنسير الشمالية ..
نظر له سيف متمعنا بصمت و بدا أنه يريد قول شيئا و لكنه تراجع أخيرا يلتفت لحارب متسائلا ،،
- كم باقي لكم ع امتحانات آخر السنة ..؟؟
وضع حارب كوب الماء يرفع رأسه لأعلى ..
- باااااقي .. آآممم .. تقريبا شهر و اسبوعين .. الحين يدربوناا ع السيبا ..
تذمر هزاع ..
- يدربونكم ..!! حليلكم و الله .. نحن كانوا يفروناا في قاعات و ما ندري وين الله حاطنا .. كل مدارس العين يلخبطون أسامي طلابها .. و تلقى عمرك اروحك في هالقاعة محد من أخوياك قريب يغشش !! و يحطون دفتر ما تعرف كوعك من بوعك فيه .. حد من الشباب يكتب في الدفتر .. و آخر شي يقولون هذا للأسئلة بس و الحل في الثانية أم دواير ..
ضحك حارب و هو يغمز بعينه لأمه التي كانت تستمع لهم بحب ..
- احلف انك هب الثور لي حليت في ورقة الأسئلة ؟
نظر له هزاع شزرا ..
- تخسي .. انا كنت يالس و ما عنديه وقت في القاعة .. كل ما ييت أبا أحل .. حد دزنيه و الا فر عليه ورقه .. قلم .. جوتي مرات عادي تصير تراها - ثم أخفض صوته مقلدا- هزاع .. هزاع .. غششنيه ..غششنيه ..
- رب ما غششت المساكين ..؟؟ أنا أقول نسبة الرسوب في السيبا مرتفعة في دفعتك ..
رفع هزاع حاجبه ..
- احلف و الله - ثم التفت لسيف الذي عاد للشرود مجددا - لا لا .. يا خويه .. حالتك صعبة و الله .. مالها إلا حل واحد ..
و التفت لحارب بخبث و قد رفع سيف رأسه بهدوء .. ليتابع هزّاع بضحكة ..
- العرس ،،
احمر وجه سيف فورا و هو يقول بحنق ،،
- جب ..

* * * * *

لا يزال أمامه نصف ساعة أخرى قبل انتهاء دوامه .. لذلك تراجع إلى الخلف قليلا عن مكتب الاستقبال الرخامي الأملس و هو يلصق الهاتف في أذنه ،، و يجيبها مطمئنا ،،
- خلاص و لا يهمج ,, أنا برتب أموريه مع حد من لي هنيه عسب أتـأخر باكر و أسير وياه المدرسة .. ما قال لج شوه مسوي ..؟؟
صوتها يصله عبر الهاتف مهتزا ،،
- لا ما قال يا مايد .. نايف هب لولي .. هاي أول مرة ييب استدعاء و الا يكون عنده مشاكل تعرفه هو من الأوائل ..! و دومه شاطر .. بس الحين غير ..
تهدُّج صوتها كان واضحا ..
- من عقب عين ابويه .. و هو ما يمسك الكتاب و غادي أذيه .. و ما يحشم حد .. مادري شوه لي قلب حاله ..!
شعر بقلبه ينغزه من النبرة الكسيرة التي لمسها في صوتها .. بدت عرضة للانهيار أمام ما يواجهها من ضغوط .. أين لفتاة مثلها يلقى على عاتقها بحملٍ مثل هذا مقاومة ..
- ما عليج منه .. أنا أول ما شوفه برمسه .. الحين انتي دوم مبطله تيلفونج ..؟؟
- هيه ،،
اعتذر منها ،،
- أدري انيه مبطي ما ييتكم .. بس الدوام كراف هالايام و أمايا طايحة من هالحمى لي ما ترحم العرب .. أول ما أحصل فرصة بسير عليكم .. اما عن باكر فخليه في البيت يرقبنيه و أنا بخطف عليه أوديه المدرسة و أشوف سالفة الاستدعاء .. انتي بس لا تستهمين ..
.
.
لحظات صمت مطبق قبل أن يأتيه صوتها الهامس بامتنان ،،
- مشكور يا خوي ..
و أيقن أنها تقاوم دموعها ..!

* * * * *

تأكدت من أن الغطاء يلتف جيدا حول رأسها و هي تنزل الدرج العملاق الذي توسط ردهة البيت الرئيسية ترفل في ثوبها الناعم الذي لم يكن يعكس شيئا من حقيقتها أو ما تشعر .. اقتربت ببطء حيث تعالت الأصوات لتجدهم يجلسون جميعا جنبا إلى جنب .. صمتوا حال وصول و هي تسلم بهدوء ..
- السلام عليكم ،،
رد الجميع سلامها و هي تواري وجهها .. تمنت من قلبها أن لا يلاحظ أحدهم احمرار عينيها و انتفاخها .. توجهت رأسا نحو أخاها الأكبر الذي توسط الجلسة بجانب أبيهم .. مر ما يقارب الأسبوعين مذ رأته آخر مرة ..!!
رغم تغيبه عن البيت و حضوره النادر .. إلا أن رهبة تسكنها حالما تقع عينها عليه أو تجلس بوجوده .. تشعر بأنه قد يفضح بعينيه الحادتين شيئا تخفيه ..!
سلّمت عليه بارتباك و جلست بجانب روضة التي تجلس جواره .. رفعت عينها لهم لتصطدم بوجه أباها الذي اعتلاه العتب و هي يقول بابتسامة ..
-أفاا .. السلام لغيث بس ..؟؟!
قفزت من مكانها بتوتر ,, و هي تقترب لتسلم على والدها .. شعرت بالغباء .. لا تدري لما يخالجها الذنب الآن و يدفعها للارتباك ..! تأكدت و هي تعود لمكانها بأن الغطاء ثابت حول رأسها .. آخر ما تريده أن تفجعهم جميعا دفعة واحدة ..!
نظرت لأباها الذي وجه لها الحديث مباشرة و روضة تناولها فنجانا من القهوة ..
- شحالها شيختنا ..
ابتلعت ريقها و هي تتمالك نفسها بابتسامة و تتجاهل حامد الذي شخر ساخرا و همس بشيء ما ..
- بخير فديتك .. شحالك ابويه ..؟
- بخير يعلج الخير ..
نظر لها أخوها الأكبر و صوته الرجولي يرسل الرعشة في أطرافها .. تعلم جيدا أنه سيقتلها إن رأى مظهرها ذاك ..
- شحالج شيخة .. و شوه الدراسة وياج ؟؟
سددت نظرها لصدره متجنبة عينه الثاقبة .. و هي ترد ..
- الحمد الله .. و الدراسة زينة ..
رفع أحمد رأسه من وعاء الطعام الذي كان مستغرقا في الأكل منه و هو يلقي عليها نظرة ساخرة ..
- ما شا الله .. شوه أخت شيخة .. أسلمتي ..!!
ألقى عليه غيث نظرة صارمة ألجمته .. ليعود و يأكل بصمت .. الحقيقة أن تجمعهم كان مربكا نوعا ما و مملا للغاية فقد استغرق غيث و أباها في الحديث مطولا في أمور الأعمال التي يغرقان أنفسهما دوما بها .. لم يعتادوا كثيرا على التجمع معا كعائلة واحدة ..!!
يبدو أن المصادفة وحدها قد قادتهم إلى هنا .. تنهدت بضجر شديد و وقت طويل يمر قبل أن يرفع غيث رأسه لأختها الكبرى و هو يقول بصوت حازم ..
- روضة تعاليه ويايه ،،
انعكس القلق الشديد و الارتباك على وجه روضة الجميل و هي تجيل بصرها في الفضول الذي علا محيا من حولها ..
تأملتها شيخة بهدوء ..
على الأقل تبدو روضة على قدر كبير من الثقة و الشجاعة .. فلو وجه إليها غيث هذه النبرة و الكلمات ..
لإنهارت فورا معترفة بما لم تفعله ..!!

* * * * *

- انتي تخبلتي ...!!!!!!!!!
صاحت بتلك الكلمات مستنكرة و هي تنظر لوجه أختها الذي بدا مصمما بقوة و تدور في الغرفة الضيقة .. و هي تصر مجددا ..
- لا ما تخبلت .. هالقرار أنا مقتنعة فيه .. حور خلاص أنا صرفت نظر عن الجامعة ..
كانت حور تلهث من الصدمة ..
- هب ع كيفج .. انتي ما تعرفين مصلحتج وين .. تودرين الجامعة و نسبتج ما تقل عن 95 ..!! مينونه انتي .. أنا ما عليه حسافة و الدراسة عايفتنها .. بس انتي .. !!
هزت رأسها برفض قاطع ..
- عفاري .. انتي تدرسين من 12 سنة .. لا تيين عند الأهم و تخلينه .. الجامعة شهادة و مستقبل .. بتنفعج و بتنفعنا ..
و لكن عفرا بدت أكثر من مؤمنة بتلك الفكرة اذ قالت بهدوء تواجه عاصفة رفض حور ..
- أنا ما ريد هالنفعة .. ابا ايلس في البيت ..
نظرت لها حور بقوة ..
- تيلسين في البيت شوه تسوين هاا ..؟؟ تغسلين و الا تنظفين ..؟؟؟
نظرت لها عفرا بغرابة دون أن ترد .. و لكن حور أشارت باصبعها آمرة ..
- دراسة بتكملينها يا عفرا .. و يلسة في البيت ماشي ..
و رفعت رأسها تنتظر اعتراضا .. و لكن صوت عفرا الهادئ صدمها ..
- حور .. بلاج ..؟؟
توقفت عن المشي العصبي .. و هي تلتفت لأختها دون أن تفهم .. و لكن عفرا لم تضف كلمة واحدة .. شعرت حور بالدوار في تلك اللحظة .. شيء ثقيل جثم على أنفاسها و إدراك واحد يترسخ في ذهنها .. أصبحت تتجرد عن نفسها ببطء .. تعالج الأمور بعصبية و قلق .. التوتر يلازمها كل حين .. حتى النوم لم يعد يجد السبيل لعينيها ..!
جلست بتعب على فراشها .. تكبح رغبة عارمة في التدثر بالغطاء و البكاء تحته للأبد ،، لا تعلم حقا ما الذي دهاها .. ما هو هذا الإحساس الذي ينتابها طوال الوقت .. الخوف .. الترقب ..
أم أنها مقاومة .. ؟!
تقاوم ماذا يا ترى ..؟!
هي نفسها لا تعرف .. لا تعرف شيئا .. كل ما تعرفه أن هذا الحمل ثقيل ..
ثقيل للغاية .. و أنها لم تعد تقوى المواصلة .. متأكدة بأنها قريبا ستصل للانهيار ..
ليست صلبة بما يكفي و إلا لتصدت لذاك الدخيل الذي قرر ببساطة سلبهم حقهم في تقرير الحياة .. و أصبح يتسلط بقراراته ،، و يصدر الأحكام كيفما يشاء ..
.
.
فتح باب الحجرة لتطل نورة من خلفه .. تدير عينيها في وجهيهن و هي تقول ..
- زين و الله عفاري بعدج على قيد الحياه ..- ثم التفتت لحور - تحريتج ذبحتي عفرا يوم صخيتن فجأة ..!!
أدخلت دانة رأسها من خلف كتف نورة ..
- حتى أنا ..!! حور .. أم عتيج لي آخر الحارة تسلم عليج و تقول قصري حسج ..
لم تجد حور في نفسها الرغبة في الابتسام ما زال رأسها منخفضا .. حين دلفت نورة و دانة الغرفة تتبعهن و لدهشة حور المها .. قبل أن تسألهن ..
- انتن سمعتن صوتي .. المها شدراها ؟؟
أجابت نورة بسرعة ..
- تراه صريخج وصل لطبلة المها بعد .. المهم .. شوه السالفة الحين ..
تجاهلتهن حور لتلتفت للمها و هي تشير بيدها و تتحدث بصوتٍ عالٍ ..
- عفراااا .. ما تباااه ترووووح .. الجاااامعة .. بتم .. في البييييييت ...
اتسعت عينا المها و هي تضع أناملها على شفتيها بصدمة و شهقت نورة و دانة معا قبل أن تقول الأخيرة بذهول ..
- عفاري صدق ما بتخلصين الجامعة ...!!!!!
هزت عفرا رأسها رفضا و هي تقول بصوت قاطع ..
- هيه .. ما بدرس في الجامعة بخلص الثانوية و بيلس في البيت ..
نظرت لها المها غير مصدقة و هي تدير سبابتها بحركة دائرية قرب صدغها .. لكن عفرا لم تجب .. كانت تحني رأسها بهدوء .. قالت حور بقوة ..
- أكيد مينونه .. و الا علمي و بهالنسبة و تيلس في البيت .. شوه بتسوين .. تضيعين مستقبلج ..
نظرت لها نورة و هي تعقد جبينها و قالت بحذر ..
- انزين حور انتي ليش معصبة ؟؟
نظرت لها حور فورا ..
- يعني شوه تبينيه أسوي حبيبتي .. أدق معلاية و ايلس أرقص .. ختج تبا تهدم مستقبلها ..
ضحكت دانة ..
- حلوة .. بس لا تعيدينها .. عفاري ليش تبين تهدمين مستقبلج .. هب عايبنج الديكور ..
نظرت لها عفرا شزرا ..
- هب وقت سخافتج دندن ..
احمر وجه دانة و هي تصر بأسنانها ..
- دندن فعينج .. حور صادقة .. انتي من يوم يومج تكرفين في المدرسة كراف الويل .. الحين يوم يات على آخر سنة قلتي مابا أدرس ..!!
ضربتها المها على كتفها بخفة .. فالتفتت لها عفرا .. لا تدري لما شعرت في تلك اللحظة أن المها تعاني كثيرا .. فتاة ذكية في مقتبل العمر .. لم تتلقى من التعليم شيئا سوى ما لقنته اياه اختها الكبرى في البيت و ما استشفته من أكوام الكتب تلك التي تغرق نفسها بها ..! أشارت بيدها مستفسرة .. تطالب بإجابة على سؤال إلى الآن تجاهلنه جميعا .. الكل اعترض دون أن يسألها عن سبب القرار ..!
مسحت عفرا وجهها بكفيها .. قبل أن تسند فكها بهما .. و هي تقول ببطء ..
- انزين نفرض سمعت رمستكن .. و سجلت في الجامعة .. و بدت الدوامات .. الجامعة هاي ما يبالها مصاريف ..؟؟ لبس .. و لوازم دراسة .. و مصروف .. و عقب ما أتخصص يباليه جهاز و خط نت .. مادري شوه .. انتن تعرفن خرابيط البنات .. يعني حتى لو حاولت ما أصرف الفلوس .. لازم بيظهرليه شي يباله دفع ..
ثم نظرت لحور التي تدلى فكها من الصدمة .. و هي تقول ..
- الحين من وين لنا فلوس .. ؟؟ شؤون أمايا و تعويض أبويه يا الله يا الله يسدن مصروف البيت .. تبنيه بعد أسحب منه .. شوه بناكل نحن ..؟؟ رودس ..؟؟
وضعت دانة أناملها على خدّها بذهول ..
- صح و الله .. ما فكرنا فيها ..!! يعني أنا و نورة بعد بنيلس عقبج في البيت ..؟!!!
.
.
- لا ،،
التفتن لحور التي وقفت و هي تنفي ذلك بصرامة .. كان في عينها بريق تصميم جعل وجهها يبدو قاسيا و هي تقول بصلابة ..
- كلكن بتدخلن الجامعة و بتخلصن دراستكن و أولكن عفرا .. و الفلوس موجودة .. عدنا خير الحمد الله ..
قالت نورة بهدوء ..
- وين الفلوس يا حور .. انتي تعرفين ان ابويه الله يرحمه ما كان عنده غير معاشه من شغله ..!
نظرت لها حور بثقة ..
- ما عليج الا انج تخلصين الثنوية و تدخلين الجامعة .. الفلوس لي تبينها موجودة ..
نظرت لها دانة بابتسامة ..
- ليكون تعرفين مكان الكنز .. ما ظنتيه بس لو ناوية تصرقين دبي الاسلامي .. ترانا خوات .. ريليه على ريلج في اللين و الشدة .. بس القسمة ففتي ففتي ..
- لا ما بصرق شي - ثم التفتت لعفرا تقول بعتاب - و ماريد أسمع هالرمسة مرة ثانية .. لا تتحرن شي بيتغير علينا عقب ما توفى أبويه .. الحال هو الحال .. بس شدن على عماركن شوي ..
ثم نهضت من مكانها .. و هي تنظر لنورة ..
- امايا وينها ..؟؟
- يالسة في الحوش .. عندها مزنة و هند ..
تنهدت و هي تسأل ..
- و نايف ..؟
أجابتها دانة بدلا عن نورة ..
- بعده راقد في الميلس ..
قالت حور بهدوء ..
- خلاص عيل .. اظهرن يلسن ويا امايا .. و أنا بسير أوعيه قبل المغرب .. الله يعين كانه ما بيرقد الليلة ..!
خرجت من الغرفة متوجهة للمجلس مباشرة فيما خرجن المها و عفرا و نورة و دانة نحو أمهن و الأخيرة تنظر لعفرا و هي تضحك ..
- أونها عفاري مضحية .. وايد مأثرة فيج الأفلام ..
و لكن عفرا لم ترد عليها .. كان ذهنها مشغولا بالطريقة التي قد تعمد إليها حور لإحضار النقود .. بدت واثقة و هي تصر بان إحضارها سهل ..
أمهن تجلس بهدوء على ذاك البساط ممزق الأطراف و يدها كالعادة ترتق أحد ثياب أبناءها أو تخيط شيئا لهم ..و أمامها قد وضعت صينية الشاي التي أعدتها المها مسبقا .. مزنة غارقة في حديث طويل تسهب في سرده على هند الذي بدا جليا أنها لا تستمع لها بل مشغولة بالمجلة الملونة التي بين يديها ..
جلسن جميعا و راحت نورة تسكب الشاي و توزعه و دانة تنظر لمزنة ..
- حوووه يا الحشرة .. صخي شوي ..
نظرت لها مزنة و وجهها الصغير ينعقد .. فتابعت دانة آمرة ..
- سيري المطبخ بطلي الثلاجة بتلقين البسكوت و الكيك لي يابوه هيئة الهلال الأحمر ..
قالت مزنة و هي تضع اصبعا في فمها ..
- من هيئة هلال أحمر ..؟
دفعتها دانة بيدها و هي تقول ..
- عمامج حد غيرهم .. بسرعة .. سيري هاتيه .. و أول وحدة بنعطيها قسمها انتي ..!
اتسعت عينا مزنة و هي تقفز مسرعة للمطبخ .. استلقت نورة على البساط و هي تضع رأسها في حجر أمها التي ابتسمت بحنان و هي تمسح رأسها .. لترد تلك بابتسامة كبيرة ..
- فديتج و الله يا الغالية ..
ثم نظرت للبنات اللواتي بدا على وجوههن الشرود ..
- حوووه .. شعندكن كل وحدة في بلاد .. اسمعن .. ما تلاحظن شي ..؟؟
قالت عفرا بهدوء ..
- لا ما لاحظنا .. لاحظيناا ..
ضحكت نورة ..
- حلوة لاحظيناا .. من زمان ما لعبنا سحب بالخشبة ..
عقدت دانة جبينها ..
- صدق ما عندج سالفة .. منوه لي له نفس يلعب الحين ..؟؟ ما تشوفين ظروفنا هاي ..؟؟ - ثم نظرت لمزنة التي خرجت من الصالة تحمل في يدها كيسا - وين الصحن و السكين ..؟؟
قالت مزنة بدهشة ..
- انتي ما قلتيليه أييب صحن وسكين ..
قالت دانة بثقة ..
- قلت بس انتي ما تسمعين ..
وضعت مزنة الكيس جانبا و هي تجلس جوار هند ..
- لا ما قلتي ..
نظرت لها دانة بتحدي ..
- تكذبينيه ..؟!!!!
قالت هند دون أن ترفع عينها عن المجلة ..
- لا ما تكذبج .. تقول الصدق .. انتي ما قلتي لها هاتي صحن و سكين ..
نظرت لها دانة بضيق ..
- انطبي يا فيلسوفة زمانج .. و يا الله نشي انتي هاتي الصحن و السكين ..
قالت عفرا آمرة ..
- بس دندن .. تراج حشرة .. هندوه سيري هاتي الصحن و السكين حبيبتي ..
نهضت هند بعد أن ألقت نظرة جليدية على دانة التي لوحت بيدها ساخرة .. و التفتت لنورة بلهفة تسألها ..
- صح نوري نسيت أسألج .. شعندهن بنات صفكن .. شوه مسويات بمعلمة العربي ..؟؟ لقيتاا في الادارة تشتكي ..
رفعت عفرا حاجبا بانتقاد ..
- و حضرتج شوه تسوين في الادارة ..؟؟
- أتفقد أحوال الرعية .. هاا نورة شوه مسويات مسودات الويه بهالمسكينة ..
هزت نورة كتفيها ..
- ماشي يا غير حصتين ورا بعض تشرح و محد سوالها سالفة .. لي منهن تلعب .. و لي تسولف .. و لي ترسم .. و لي راقدة ..!
ابتسمت دانة و هي تنظر لعفرا بنظرة خبيثة ..
- و انتي شوه كنتي تسوين ..؟؟!
هزت نورة كتفيها ببساطة ،،
- كنت آكل ..!
نظرت لها عفرا باشمئزاز ..
- امحق طالبات علم و الله ..!!!!
- شوه تبينيه أسوي حبيبتي اذا ما كلت برقد .. أعرف عمريه .. يعني رسم كتابيه كله شخابيط .. لعب و الطاولة ما فيها الا اكس أووو .. و سوالف خلصن .. بس المشكلة هب منا ..
كتفت عفرا ذراعيها ساخرة ..
- لا حشى هب منكم .. من الوزارة .. ليش ما يابت أفلام و ديجي و مجلات و فتحت بوفيه آخر الصف لعيونكن.. تعرفين بعد نحن هنيه نحب نكون على أرقى مستوى ،،
اعتدلت نورة جالسة و المها تراقب النقاش الغير مسموع بصمت ..
- تطنزين ؟؟ لا ما قلنا نبا أفلام و الا بوفيه .. نبا مناهج شرات الخلق .. نبا شي نستفيد منه ندرسه و نتعلمه .. هب حشو ملزومين نصمّه صم و آخر السنة نفر المعلومات و يا الكتب .. لا فهم .. و لا استفادة .. يعني بالله عليج شوه بستفيد من ص1 و س2 في حياتيه ..!! انزين رياضيات بقول ما عليه .. كله خبص و تقديرات ،، تعالي للعربي .. يختي لا تلوميناا ... انتي ما تشوفين المنهج .. كتاب كبر راسج .. هب فاهمة منه شي .. و بعدين من وين يابوا شكسبير هذا يدخلونه في القصة العربية .. يعله العلة ..
- الريال ميت من سنين .. كله الدود ..
ردت بغل ..
- أدريبه ميت .. و الا كان مات من دعاوينا .. انتي هاوية علمي .. فهم و تطبيق .. عسب كذيه ما تحسين بمعاناتيه .. انا أحسنيه قبل بداية كل سنة لازم أسوي رفرش لمخي .. عسب أتأكد ان فيه فراغ للحشو الياي .. أبا أتعلم ..أسعى للعلم .. أستفيد منه يا ناس ..!
هزت دانة رأسها موافقة ..
- صادقة نوري .. المفروض شهادة الثانوية العامة تعادل الشهادة الجامعية ..!
هزت عفرا رأسها بعدم رضا ..
- انتن ميؤوس من حالتكن .. الحمدالله انكن قربتن تخلصن .. شوه لو كنتن دارسات المناهج اليديدة .. !!!
.
.
.
.
.
.
مدت يدها بحنان تمسح على شعره الأسود و قد بدا غارقا في النوم ..جفنيه المتورمين خير دليل على نومه و هو يبكي ..!
ألم شديد يكتسح روحها .. و إحساس غريب بالتشتت يسكنها .. و هي تنظر لوجهه الصغير ..
غدا سيكبر هذا الطفل .. دون أب .. و سيصبح من العسير توجيهه .. !
شعرت بأن كل ما حولها استحال لفوضى عارمة .. هناك صخب صامت فيما حولها يدفعها للجنون ..
تتخبط في ما لا تدري كنهه ..! تدعي القوة دون أن تجد الوقت كي تفرغ شيئا من أوجاعها ..
ان استمرت هكذا ستتهاوى الروح تحت وطأة هذا الحزن العميق الذي يكتنفها .. اعتادت صد الدموع حتى يئست تلك فلم تعد تجد طريقا لمقلتيها ..
الآن و هي تجلس هنا .. تنظر لوجهة أخيها الأصغر .. و الهموم تتراكم على بعضها .. حتى غدت لا تميز أحداها عن الآخر ..
الآن و هي تستنشق هواء العصر الساخن .. تتلذذ بلحظة الخفاء هذه .. ترخي جفنيها .. لتنزوي خلف السواد مختبئة من كل شيء ..
حتى هي ..!
محاولة بيأس أن تنتزع شوكة خفية توجع قلبها ..
غزا روحها شعور بارد بالوحدة .. بدت الأيام القادمة أمام عينيها الحائرتين بلا ملامح ..!
شعرت بازدحام خواطرها يخنقها .. لم تعد تريد شيئا في الكون سوى لحظة هدوء ..
لحظة واحدة .. يتيمة .. كحالها ..!
تريد أن يتوقف فيها الزمن .. لتجد حلا لجميع ما يؤرق إحساسها .. رحيلهم القريب الذي لم يعرف به أحد ..
عزم إخوتها على ترك الدراسة لقلة المال .. و تمرد هذه البراءة التي رقدت بسكون أمامها ..
لم تعد تريد شيئا لنفسها .. لن تجد الوقت لكي ترغب أو لا تفعل .. ستكون دوما لاهثة خلف ما يبغون أحبتها ..
لن تسمح مطلقا أن تُدهس أمنية صغيرة لهم ..
عليها أن تصمد .. فما زال الطريق طويلا أمامها .. هناك من الأوجاع ما سيضطرون جميعا لمجابهته ..
.
.
أحنت رأسها ببطء لتطبع قبلة حنون على جبينه و هي تهز كتفه برقة ..
- نايف ،،، نايف ..!
تحرك لبرهة .. يفتح عينيه ببطء .. نظرة غائمة علت وجهه .. قبل أن ترتجف شفتيه لتلمع عينيه مجددا بالدموع .. أوجعتها هذه العبرات المرتعشة .. لتريح يدها على جانب وجهه .. و غصة كبيرة تسد حلقها .. صوتها المخنوق يهمس مطمئنا ..
- لا تزعل فديتك .. أنا آسفة ..
ازداد انهمار دموعه تلك و هو يشهق بقوة .. بدا أصغر من سنوات عمره الثلاثة عشر و حور تضمه بقوة ليجهش باكيا في حضنها ..
شعرت بشهقاتها تلك تمزق فؤادها .. و هي تهمس قرب أذنه مطمئنة ..
- بس .. خلاص .. يا الله حبيبي .. خلك ريال .. ليش تصيح ..؟؟ باكر مايد بيسير وياك المدرسة و بيخلص الموضوع ..
و لكن نايف كان يبكي بقوة .. راحت تهزه بصبر .. مر وقت طويل قبل أن يهدأ و يمسح وجهه المحمر المنخفض .. هناك نبض في صدغها يكاد ينفجر .. و لكنها تجاهلته و هي تمسك بقبضته في يدها و تسأله بحنان ..
- بلاك ..؟؟!
لم يرفع رأسه .. و عادت الدموع ترتجف على شفير مقلتيه و ارتعشت شفتيه .. بدا أنه سيبدأ البكاء مجددا .. انتظرته قليلا دون أن يجيبها .. ظنت أنه لن يرد .. و لن صوته تسلل لأذنها ..
كان صوته منخفضا .. ضعيفا .. و بالكاد سمعته ..
- أنـــــا خايــــف ..!
أرسل همسه قشعريرة على طول ظهرها .. رفعت عينيها المتسعتين له و هي تهمس بخفوت و يدها تعتصر يده بقوة ..
- من شوه ..؟
.
.
انحدرت دمعة يتيمة على وجنته المبتلة من جديد و صوته يتهدج ،،
- ما دري ..!!
تأملت تلك الدمعة الصافية التي احتضنت وجنته بيأس ،، تكابد داخلها واحدة تشبهها ،،
.
.
هي أيضا مذعورة ..
و لكنها تدري مما ..!


* * * * *

رغم استسلامها للسواد المحيط بها و انفصالها عمّا حولها .. إلا أن أذنيها التقطتا صوت الباب الذي فتح بهدوء .. ثم تلك الخطوات الواثقة الرشيقة التي تقطع المسافة من الباب إليها ..
لقد ظلّت لسنوات تنصت لهذه الخطوات .. لقومها .. لرحيلها .. لتواترها ..
و لحنينها ..
ها هي تتوقف أمام سريرها مباشرة .. تكاد تجزم بما قد يرتسم على وجه هذا الحبيب ..
كم اشتاقت أن تمد يدها إليه لتحتضن رأسه على صدرها .. لتقبل جبينه بشوق .. لتلاحقه بدعواتها و ابتهالها للرب كي يوفقه ..
و لكن ..
هناك الكثير من الأحلام و الأمنيات التافهة كانت قد رمت بها طي النسيان ..
لم تعد ترغب بشيء الآن .. أضحت تنفر من كل شيء حولها .. من كل شيء ..
ثقل هذه الجدران حولها تجثم على أنفاسها .. تخنقها .. و تخنق تلك الذكريات الصغيرة الباقية داخلها ..
لم تعد تريد شيئا من حاضرها و المستقبل .. تتمنى لو يتركوها و شانها ..
أن تظل لوحدها كي تغرق نفسها فيى زاوية من الروح تزخر بالصور القديمة ..
نقيّة ..
لها رائحة ذاك الزمان الغابر .. الذي حمل في جعبته كل ماهو جميل و أصبح طي الذكرى و الأيام ..
فلم يعد له بقية سوى في أذهان و أرواح من عاشوه .. تكاد تراهم أمامها الآن .. اطفالها صغارا .. جميعهم هنا الآن .. تداعب هذا .. و تصيح بهذا .. و تؤدب هذا ..
و تغسل ذاك .. ثيابهم البسيطة .. أرزاقهم القليلة .. و ألوان باهتة لم يعد لها انعكاس في تلك الصور .. و صدى ضحكات ذاوية .. بعيدة .. تخفت مع ابتعادها ..
و احساس له رائحة التراب المبتل .. بالماء أو الدموع ..
و صرخات أطفال يلعبون ..
و حماس براءةٍ لم يعد لها أثر هنا ..
و وجود ..!
.
.
لامست شفتيه الدافئة جبينها بحب و هو يطبع عليه قبلة عميقة . حملها كل ما يخالجه من شوق .. لتلك الأم التي آمن منذ أيام أن لا أمل قد يعيدها .. و لكن ..
هناك فتيل أشعتله تلك الطفلة الخرقاء بتحدٍ أجوف .. علم أنه بمثل هذا الخبر قد يوقد قابس نور في روحها .. سيحملها للحياة مجددا ..
يوجعه أن يرى أبناء الراحل قد تجاوزا ألمهم بينما لا تزال هي تتذوق الأمرين من حر فراقه ..!
يركع على ركبيتيه و هو يلتقط كفها و تهدج الأنفاس تأثرا دليل على أنها ليس غافية .. هي هنا .. و تشتاق له أيضا ..
و لكن تخنق الاحساس في جوفها .. فلم يعد هناك ما يستحق أن يُشعر به بعد رحيل ذاك الابن و الحرمان ،،
غريب كيف لاقتلاع الأمل من قلوبنا أن يتركنا موتى احساس .. بلا أنفاس .. ممزقين ..!
يدنو من أذنها بحنان و هو يهمس بهدوء ..
- السلام عليج يا أميه ..
و انزلقت تلك العبرة تسيل على جانب وجهها و شفتيها ترتعش .. شعر بشيء كالنار يتقد داخله و هو يلتقط تلك الدمعة بين أنامله ..
- ليش الدموع يا الغالية ..؟!
ازداد تدفق عبارتها تباعا و ارتفعت شهقاتها تهز جسدها الضئيل .. كانت عاجزة عن كل شيء الا البكاء .. عاجزة عن الابتسام .. عن النسيان .. عن مواصلة العيش .. و الحب مجددا ..!!
راح يمسح على شعرها الأبيض التي استباحه الشيب بوقاره .. و هو يقول ..
- الواحد لو مات منا ... ما يبا الا صبر أحبابه و دعواتهم .. و الا الدمع يعذبه و يعذبهم .. و لا به فايدة .. سبحان الله .. هو لي يعطينا .. و هو لي ياخذ منا .. كل شي حق لويهه ..
راح يملس خصلة .. يشعر بان الصورة انقلبت بشكل ما .. أصبح هو الكبير و هذه صغيرته .. أراد باخلاص أن يمسك بكفها هذه التي رسمتها السنون اخاديد عميقة .. ليعيدها لطرقات الأمل مجددا ..
- انتي تعترضين على حكم الله ..أمااه .. الله يهديج .. الله عطاج الولد و خذه .. و عوضج بعياله ..
ثم ابتسم بوجع .. كان ألمها بمزقه .. هو .. الذي اعتاد أن يكون صلبا .. قويا .. لا يقوى رفع رأسه ليجابه دمعة قد تسكن مآقيها الحبيبة ..
- انتي ما تبين تشوفين عياله ..؟! بنييبهم عندج هنيه .. بيتمون تحت عينج .. عيال حمد و بناته .. و عيال عياله بعد ان شا الله ..
أجهشت باكية حال تلفظه بتلك الكلمات و هي تشدبيدها على طر الفراش .. كان صوتها يخرج من بين شهقاتها متقطعا ،،
- عياله مايبوناا .. ما تشوف محد منهم يانا البيت ..؟!
أرخى جفنيه بثقل .. هنا المربط اذا ..! ابتسم بتفاؤل و هو يقول ..
- الله يهديج .. وين ايونج هنيه .. انتي ناسية انهن بنات .. و ما وراهن ريال .. أمهن في العدة و ما يروم يودرنها .. و خوهن ياهل .. أول ما توفي أمهن العدة كلهم بنييبهم هنيه .. حرمة عميه و عياله .. في البيت العود .. ما ينحطهم الا عندج .. شوه تيبن أكثر ..
كان صوتها ممزقا و هي تهمس بيأس ..
- معاد فيها .. لي انكسر انكسر .. عيال ولديه غرب .. لا أعرفهم و لا يعرفونيه .. كبروا بعيد .. و ولديه مات .. مااات ..
و انتفضت بنشيج عالٍ و صوتها يرسل وخزات ألم موجعة في قلبه و هي تقول متلوعة ..
- آآآه ليتني مكانه تحت التراب ..
مسح غيث وجهه بصبر حقيقي و هو ينهرها عن هذا القول ..
- استغفري ربج يا أميه .. انتي انسانة مؤمنه ..
و راح يكشف تلك الورقة الأخيرة .. اليتيمة ..!
- الله يخليج لنا و لعيال حمد .. و لولده لي ياي في الدرب ..
تستمر لوهلة في ذرف الألم من محجريها .. ثم تتوقفها تلك الهمسة ..
لمسة من أنملة أمل .. بارقة من حلم قديم أخذت تنبثق من بين أوجاعها و هي تتأمل وجهه الأسمر القوي و هو ينظر اليها بثقة ..
للحظات لم تعد في الأبجديات أية كلمة قد تتلفظ بها .. لتفجر حيرتها .. دهشتها .. فرحها .. و بكاءها .. املها و يأس استبد بها ..
لم تعد تنطق سوى بأصابع أرهقها الزمن تعتصر قبضته الكبيرة و تشد عليها .. و دموع أخرى ترتجف على عينيها ..
و تتساقط لتروي قلبها غير مصدقة و هو يبتسم لها بشجاعة ..
- حرمة عميه حمد حامل ..
.
.
لم يعد لكل ما مضى قيمة .. و لم تكترث مطلقا لما قد تحمله أيامها القادمة .. تمنت الموت الآن و على خدها دمعة الفرحة هذه .. و هي ترتجف بشدة و تبكي بصوتٍ عالٍ .. هذا أمل ..
هذه حياة ستشهد مولدها و ترعرعها .. ستعيش ما حرمت من ابنها معه ..
ستكون حية لمرّة أخرى .. لترى جزءا من روح ابنها الراحلة .. كان هذا الاحساس اكبر من حدود أوجاعها ..
تحرك بسرعة يضمها لصدره بقوة .. يحوي فرحتها المتفجرة ..
.
.
لم تعد تجد وسيلة للتعبير هذه الأيام سوى ملوحة الدمع ..
أو حلاوته ..!

* * * * *


>>







لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 12:42 AM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

تتمة




كان الغد الجديد قد أزف ،،
و هذا هو أول يوم من بقية حياتهم ...!
.
.
أصوات الحافلات المدرسية و ازدحام السيارات القادم من البعيد .. رائحة دخان المركبات تعبق بالجو ..
رغم هذا لا زال تلك النسائم المعتدلة في أول النهار تبرد وجوههم المحمرة حماسا و هم يحملون حقائبهم على ظهورهم متوجهين في مجموعات لانتظار الحافلة عند المواقف ..
ضحكاتهم .. أحاديثهم .. و حتى ألعابهم .. تملأ الطرقات ..
ستقع عينيك على تلك الصور الجميلة .. نشاط يدب في هذه الكائنات الصغيرة و هي تقصد أن تستشف علما ..
أشعة الشمس اللطيفة تداعب الشوراع السوداء .. و بيوت الطين المنتشرة في هذا المكان ..
تجاور المنازل .. و تلاصق جدرانها .. نوافذها القريبة .. أبوابها المنخفضة ..
و هناك تقبع نخلة وحيدة .. او يحتضن السور الضيق أشجارا وضحت قممها ..
ذلك زوج حمام يداعبان بعضهما على سقف منخفض .. أو سربٌ فضل الرحيل فجأة في منظر مهيب أشعل فتيل صيحات طفولية و أنامل صغيرة أشارت له ..
تلك البراءة تختفي في البقالة العتيقة لتخرج منها محملة بقطع الحلوى الصغيرة .. يتقاسمونها ..!
هذه أم تقف ببابها تنتظر وصول الحافلة لتنطلق بابنتها .. و ذاك رب عمل ترك بيته متوجها لطلب الرزق ..
عامل البلدية بلباسه البرتقالي المميز يعلق على كتفه كرتونا كبيرا فارغا يلتقط القمامة من الطريق ليضعها فيه ..
.
.
سحبت نفسا عميقا و ابتسامة غريبة تناوش شفتيها .. رغم أن عينيها الساخنتين تكادان أن تخرجان من محجريها و رأسها أخذ يضج بأصوات لا وجود لها .. ثقل في أطرافها يمنعها من التحرك ..!
رغم سخونة جسدها البالغة .. و شعورها بالبرد .. إلا أن تلك البسمة أبت إلا الظهور ..
هذه الصورة من الجمال بحيث حفرت بالدفء الذي احتوى قلبها الصغير في الذاكرة ..!
لتشد اللحاف حول جسدها و هي تجلس أمام البيت .. و تلوح بيدها لهند التي قادت مزنة نحو موقف الحافلة .. فيردن التلويح بحماس .. قبل أن ترفع رأسها لدانة التي تقف فوقها و تسألها بصوتها المتحشرج بفعل المرض .. و هي تريح جبينها الحر على يدها ..
- متى يي باصكن ..؟؟
أجابتها بتعاطف ..
- عقب ثلث ساعة .. حور حدري .. و الله شكلج تعبانة من الخاطر ..- و مدت يدها تلامس وجنة حور - أووووف .. شابة ضووو .. يوم ما فيج الا العافية ما تظهرين .. الحين يوم انتي رايحة فيها بتطلعين ..؟؟
تأوهت حور و صوتها المخنوق يخرج من حنجرتها المتعبة خافتا ..
- انتي غبية .. أصلا انا ما مرضت الا تضامنا ويا أمايا عذيجة .. الحين مايد بيي و يشجع ..
و ابتسمت برثاء .. جلست دانة جوارها و هي تتنهد ..
- أونها تنكت الأخت .. عاد هاي نكتة محمومة ما تضحك !! ..متى بيظهرن هالعيايز .. ما بقى شي ع الباص .. - أطلت برأسها داخل البيت تصيح - نووووووراااه .. عفراااااااا .. غريبة عفرووه تتأخر أحيدها أول وحدة تظهر فيناا ..
- بلاها عفرا .. سمعتج تسبين ..
قالتها عفرا و هي تنظر لدانة شزرا .. لترد تلك مدافعة ..
- اعوذ بالله .. أحسني الظن يختي .. شعندكن أبطيتن عليه ..!
خرجت نورة خلفها .. و هي تنظر لحور و دانة ..
- عفرا انطر جوتيها .. و لصقناه .. - ثم أضافت ساخرة - تعرفين من كثر الجواتي احتارت أي واحد تلبس آخر شي عز عليها لولي .. - ثم استدركت بعينين متسعتين و هي ترفع الغطاء على وجهها - حوووه نحن في الشارع .. شعندكن كاشفات الشيفة ..
تلفتت عفرا حولها بسرعة ..
- لا تسوين لنا فيها محد هنيه ..
حور ترفع طرف الشيلة لتغطي نصف وجهها بسرعة ..
- صادقة نورة العرب سارحة دوامااتها .. و نحن مبسطات ..
صاحت دانة بحماس و هي تشير لحاوية النفايات القريبة التي كانت ترمي فتاة فيها كيس كبير ..
- ها هب فطوم ..- و صرخت بقوة منادية - فطاامطاام ..
التفتت المقصودة في اللحظة التي قرصت حور أختها بغيض ..
- و الله انج هب صاحية .. يا الخبلة فضحتيناا ..
أدارت دانة عينها ببراءة ..
- الشارع فاضي ..
قالت عفرا بسرعة ..
- حتى لو كان فاضي .. عيب ..! هاي فطوم ياية قدانا ..
وصلت فاطمة و البنات يقفن جميعا ..
- السلام عليكن بنات حمد ..
رحن يسلمن عليها واحدة تلو الأخرى ..
- و عليكم السلام ..
قالت حور بصوت متحشرج بفعل المرض ..
- حيا الله القاطعة ..
توقفت فاطمة تنظر لها متفاجئة ..
- مرحب خويه .. مناك الميلس ..
ضحكت نورة بقوة .. فيما صرّت حور أسنانها بغيظ ..
- سبالووه لا تطنزين ..
خرجت من البيت المها تحمل كوبا تصاعد منه البخار لتدسه في يد حور و هي تبتسم لفاطمة بحب .. سلّمت فاطمة عليها بحبور و هي تقول ..
- هاي شيختكن كلكن و الله .. مادري ليش أحبها ..!
عفرا بسرعة تلتقط حقيبتها عن الأرض ..
- خلاص يوم تكبرين بنيوزج اياها ..
لوحت فاطمة بيدها ..
- و انتي الصادقة بيوزها خوية ..
طفا الاشمئزاز و الكراهية على وجوه الثلاث تباعا و هن يتبادلن نظرة حقد قبل أن تقول نورة بسرعة ..
- ما نيوز مطلقين نبا واحد أعزب .. فرش .. هب مستعمل ..
رفعت فاطمة حاجبها ساخرة ..
- لي يسمعج يقول يالسة أحلف عليج انتي تتيوزينه ..
قاطعتهن دانة بسرعة قبل أن يقال أكثر مما قيل ..
- بس خلاص .. الحين بيي الباص .. يا الله باي ..
قبّلت نورة حور و إحساس غريب يخالجها و عينها على فاطمة ..
- ادعيلناا ..
و وصتها عفرا بإصرار ..
- اشربي مضاد و بندول .. و ارقدي .. ما بيي العصر الا و انتي ترقصين ..
هزت حور رأسها بأسى و هي تشعر بالدوار ..
- خير ان شا الله ..!
بقيت فاطمة تحدّثها لبعض الوقت هي و المها قبل أن تذهب مضطرة لترى أمها .. لحظات قبل أن تدلف المها هي الأخرى .. تاركة حور في انتظار مايد الذي مرّت ثلث ساعة أخرى قبل قدومه .. و هي تحمي وجهها من أشعة الشمس التي راحت تتسلط عليها بلا رحمه ..
في اللحظة التي توقفت فيها سيارته الصغيرة أمام البيت و هو ينزل .. هبت حور واقفة تستقبله .. سلّمت عليه و هو يقول باعتذار ..
- تأخرت عسب ندخل الإدارة سيده و ما نرقب الطابور ..
ردّت عليه بهدوء و هي تشعر بأنها خائرة القوى .. جلوسها هنا لم يساعدها كثيرا ..!
- ما عليه أنا بسير أزقره من داخل و أول ما تخلص أمورك وياهم اتصلبيه و خبرنيه شوه الموضوع ..
أمسك يدها قبل أن تستدير للداخل و هو يسأل فجأة ..
- بلاه صوتج ..شي يعورج ..؟؟
هزت رأسها بسرعة و الغطاء يخفي ابتسامتها المتعبة ..
- ما شي .. بس تعبانة شويه .. يا الله ما بأخرك .. دقيقة بس ..
و دلفت للداخل و عيناه تتبعها ..
بدت غير طبيعيّة تماما ..!

* * * * *

كان يقطع الممر الفاخر المؤدي لمكتبه بخطى واسعة و هو يسأله بصرامة في الهاتف ..
- متى بيكون عندك بريك اليوم ..؟؟!
تدفق صوت أحمد مفكرا و هو يجيبه ..
- آممم .. ع الساعة وحدة و نص ..
تجاوز مكتب بطي ليدلف مكتبه بسرعة مغلقا الباب خلفه .. صوته يتردد بين الجدران .. ىمرا ..
- خلاص مرنيه الشركة بعطيك بطاقة و أوراق الحساب توديها بيت عميه حمد .. انشد عن حور يوم بتظهر لك عطها الأوراق و قلها غيث طرشنيه أعطيج اياها .. فهمت ..؟!
سأله أحمد بفضول حذر ..
- حور .. لي هي حرمتك ..؟؟
أجابه غيث بنعومة خطرة ..
- هيه ..
رد أحمد بطاعة ..
- خلاص أنا بشل بو سلطان ويايه و بنسير رباعة .. و لا يهمك يا خويه ..
.
.
أنهى المكالمة بسرعة و هو يمد يده نحو جهاز الاتصال الداخلي قبل أن يتوقف فوق الزر مباشرة ..
رفع يده و عينيه تلمعان بشيء غريب .. التقط الهاتف المحمول مجددا .. و تلك الفكرة تنبثق في ذهنه من العدم .. عليه أن يتصل بها ليخبرها أنه سيرسل البطاقة مع أحمد ظهرا ..
ابتسامة غامضة ناوشت شفتيه ..
هل هذا هدفه .. أن ينبئها بقوم أخاه .. أم أنه أراد أن يختبر طاعتها ..
يرغب في التأكيد على أنها تسير وفق ما رسمه من منهج لها ..
شيء مجهول يدفعه للمس العناد مجددا و هي تقاوم بيأس ما يفرضه عليها .. يستلذ ذاك التخبط اليائس و محاولتها البحث عن فرجة للانفلات من قبضته ..
راحت أصابعه الطويلة تبحث عن رقمها بسرعة بين الأسماء .. كم سيكون مذهلا أن يجد هاتفها مغلقا بعد أن أمرها بفتحه ..
ستكون حجة لتلقينها الأدب مجددا ..!
لحظات و أعلن الصوت المتقطع توافر الرقم .. و لكنه استمر في الرنين حتى انقطع .. تصلبت ملامحه و حاجبه الأيسر يرتفع ببرود ،،
حسنا مرة أخرى .. و سيرى إذا كان بإمكانها أن تتجاهله أيضا ..
.
.
.
.
.
.
كان الظلام الكثيف يحيط بها .. و هي تشعر بالهواء يضج في أذنيها .. رأسها ثقيل .. و هناك عرق ينبض بجنون في صدغها .. أنفاسها الساخنة تحرق انفها و فمها .. و هي تبتلع ريقها لتبلل حنجرتها الجافة .. رغم جسدها الساخن .. إلا أن الشعور بالبرد يكاد يقتلها و هي تلتف في بطانيتين مثنيتين .. تغرق للحظات في عالم سوداوي مليء بأحلام مزعجة غير مفهومة .. لتجد نفسها ليست نائمة .. بل تهذي ..!
هناك صوت يصيح بجنون عند رأسها .. تريد أن تهوي عليه بقبضتها فتسكته .. و لكنه يخرس لوحده ..
ثانيتين قصيرتين من الراحة قبل أن يعود للصياح قرب أذنها بجنون .. تشعر بأنه يكاد يشل حواها المرهقة .. أ هو الهاتف ؟ .. بالتأكيد ..!
بشكل ما استطاعت التقاطه و الرد عليه .. و رأسها يعود ليغرق في الوسادة .. عيناها مغمضتين .. و صوتها ياتي من غياهب الحمى .. هامسا .. تستميت ليصل إلى أذن من يريدها ..
- ألووه ..!
.
.
.
.
.
.
انعقدا حاجبيه حال تدفق صوتها الرخيم المبحوح عبر الهاتف ليسأل بقسوة ..
- ليش ما رديتي يوم اتصلت ..؟
لحظات صمت ثقيلة تمر دون صدى لإجابة ينتظرها .. ماذا ..! هل أنهت المكالمة ..؟؟ بالتأكيد لا .. يمكنه أن ينصت لأنفاسها المتسارعة ..
و لكن ما أثار دهشته و ألجمه صوتها الحائر و هي تسأل بهمس ..
- منوه ..؟
أبعد الهاتف قليلا .. ماذا ..؟! هل أخطأ في الرقم ..؟؟!
تساءل بهدوء ..
- حور ..؟
عاد صوتها الخافت يتردد في أذنه ..
- هيه .. منوه ..؟
راح يضرب بأنامله سطح المكتب في حركة رتيبة .. هل انتشلها من نومها يا ترى ..؟
- أنا غيث ..
- نعم ..؟
- أنا غيث ..
قالت وصتها الخافت يرتفع أكثر ليبدو مسموعا و هو يتقطع .. حقا يبدو أنه أيقظها .. فلم تبدو في كامل وعيها ..
- ادري انك .. - و صمتت لبرهة قبل أن تتابع - انك .. غيث .. خير شوه تبا ..؟
حسنا .. ألا تبدو أقوى الآن و هي بعيدة عن متناول سلطته و المواجهة ..! قال ببرود ساخر ..
- أبا أسولف وياج ممكن ؟؟..
- فاضي انت ..!
جيد .. تتمادى في تمردها .. سيجد الوقت حتما ليعلمها الخضوع قربه .. و إن قطعت بينهم مسافات .. قال يوجز بعجرفة يعرف أنها ستوجعها بما يكفي حتى يلقاها مجددا ..
- أحمد خوية بيمركم الظهر و بيعطيج البطاقة لي حولت لكم فيها فلوس ..
حالا أتاه الرد و هي تقول بصوت متحشرج ..
- انته ما تفهم نحن ما نبا منك شي ..
أراح يده على الطاولة باستمتاع .. يدرك أنها تتألم لما يفرضه عليها ..
- هب ع كيفج .. البطاقة لي بييبها أحمد شليها أخيرلج لا تخلينيه أييبها أنا بنفسي ..
كانت نبرة التهديد واضحة .. و صوتها الضعيف يردد العبارة متقطعا ..
- ما .. ما تفهم .. ما نبا شي .. منكم .. مانبا شي ..
انقطع الخط بينهما فأدرك بغيظ حقيقي أنها أنهت المكالمة و أغلقت الهاتف في وجهه .. قاوم رغبة مجنونة في أن ينهض من مكانه ليريها حجمها ..
أعاد الهاتف على الطاولة بصبر ..سينتظر إلى أن يرى ما قد تفعله بالبطاقة التي سيحضرها أحمد ..
إذا رفضت .. سيتمتع كثيرا بإجبارها على الإحجام عن المكابرة ..!
.
.
الغريب أن تلك الفتاة التافهة أصبحت تتمعن في إثارة غيظه ..
و هذا ما لن يسمح لها به ..!

* * * * *

- انخطبتي ..!!
نظرت لها روضة بهدوء ..
- لي يشوفج يا رواية يقول أول مرة أنخطب ..!
هزت راوية كتفيها و هي تلتفت حولها لتتأكد من أن انفعالها لم يجذب أيا من أنظار المتواجدات في مقهى الجامعة ..
- لا هب أول مرة .. بس مادري .. قلتي ولد عمج ..؟؟
أومأت روضة بإيجاب و هي تحرك عصيرها ببطء شديد .. لم تكن صدمتها أقل من صدمة صديقتها .. التي تابعت تتساءل ..
- شوه اسمه ..؟
- سيف ..؟
- أكبر عنج ..؟
- بسنتين بس ..
ابتسمت راوية بمكر و هي تتأمل وجهها الهادئ ..
- أهاا .. و شوه .. كشخة ..؟؟
ارتفعت عينا روضة تغشاها الحيرة ..
- هاا ..؟؟
رفعت راوية حاجبها ..
- كشخة .. حلوو .. كيف شكله ..؟
نظرت روضة للأسفل ثانية قبل ان تهز كتفيها بعجز ..
- مادري ..!
شهقت الأولى بصدمة ..
- ولد عمج و خاطبنج و ما قد شفتيه ..!!!!!
هزت روضة رأسها و ذهنها يتشتت .. لم تنتبه يوما لسيف .. لم يخطر لها أن ترى وجهه اذا كان جميلا أو لباسه إذا كان مهندما .. كانت هناك هالة من السلام تحيط به تشغلها عن ذلك .. لقد كان دوما هادئا .. منزويا في اجتماعاتهم المختلطة ..
- لا شفته .. بس مادري .. يعني شوه أقولج .. هو نشوفه بس ما ندقق في ملامحه ..
ضحكت راوية ..
- شوه يستحي ..؟!
ارتشفت روضة عصيرها بشرود ..
- لا بس .. هو ملتزم .. و ييلس بعيد عنّا ..
كان النفور جليا من الفكرة يعلو وجه صديقتها و هي تستنكر ..
- مطوع ..!!!!!
اتسعت عينا روضة باستفسار ..
- هيه مطوع .. ليش .. فيها شي ..؟
صمتت راوية لبرهة قبل أن تقول بصراحة سافرة ..
- لا ما فيها شي .. بس الله يعينج .. الصراحة الريال يوم يكون مطوع يلعوز حرمته .. تشوفينه بس يتأمر .. الا يبا يغير هذا .. و هذا هب عايبنه .. و هذا حرام .. و هذا غير مستحب .. الدين يسر .. بس الرياييل لي كذيه يخلون كل شي ممنوع ..!! يعني بيشد عليج وايد روضاني ..
بدا الكلام قاسيا للغاية و هي تحاول استعادة صورة ابن عمها الطيبة .. تلك الأخلاق العالية .. و ذاك التعامل النظيف لم يبدو لها بهذه الفظاظة أو هذا الجانب الذي صورته صديقتها بإجحاف ..
- و الله الحرام محد يرضاه لا مطوع و لا غيره .. انا نفسيه الحمد الله .. ما قد سويت شي يسحبنيه للغلط .. - ثم نظرت لراوية بشك - أحسج تبالغين ..!
شخرت صديقتها ساخرة ..
- و الله ما أبالغ . هو الموضوع أولا و أخيرا لج و القرار من صوبج .. بس أنا أبين لج جانب لازم تحطينه في بالج .. وحدة من بنات عميه ماخذة مطوع .. و ما نشوفها بالمرة .. و اذا لقيتاا في المناسبات ما يبين عليها الزين .. لا لبس شرات العالم و الناس و لا مكياج .. مادري رويض أحسج انتي بالذات حرام تاخذين مطوع .. يعني بما انج تحبين الكشخة و الطلعات و هالسوالف .. اعرفي ان كله هذا انسيه اذا عرستي بواحد بيشد عليج .. ع العموم هذا راي و انتي سوي لي يريحج ..
الغريب أن صديقتها بدت معارضة للفكرة بقوة .. غير راضية عن زواجها من سيف ..
هي لم تعرف سيف و لم تلتقيه قط ..
سيف رجل مسالم و هادئ .. وجوده في المكان يعطي إحساسا دافئا بالطمأنينة .. و ابتسامته المتواضعة .. ربما لم تلتفت لوجهه يوما .. و لم تفكر به كزوج و لم يخطر لها ما شابه من هذه الأمور..
حاولت اعتصار مخها لتكوين صورة قريبة له .. و لكن لم ترى أمام عينيها سوى وقار لحية سوداء و ملامح مبهمة ..!
و لكن ..
هناك خيط خبيث أخذ يُحبَك في الصورة الجميلة.. ليشوهها .. و كلمات صديقتها ترتطم بصفحة الماء الصافية في ذهنها .. مكونة دوامات كبيرة ..
.
.
دوامات ،،
دوامــــات ..
دوامــــــــات ..!
.
.
كثير من هذه الدوامات في حياتنا .. شيء من المعتقدات السخيفة يخلقها ..
و أشياء خاطئة تجعلنا موقنين بأن هناك جانب أسود للخير .. لن نراه إلا إذا اقتربنا منه ..
عندها لن يكون هناك خير قط ..
سيكون له اسم آخر ..!

* * * * *

الضيق يكتنف صدرها و هدى تصدر أصوات انفعالاتها المضجرة التي أعلت قلبها ..
- حيوانة .. أنا أقول هالاشكال ما منها أمان .. حبيبتي لا تضيقين صدرج .. بنعرفج على وحدة تسواها و تسوى طوايفها ..
دفنت وجهها بين كفيها .. لا تريد الا أن تتوقف عن الحديث فهي تمعن في غرس ذاك النصل في روحها .. قالت بصوتٍ غليظ تنهرها ..
- بس سدي السالفة .. طاريها يكرهنيه فحياتيه .. ماريد أتعرف على غيرها ..
و بحركة سريعة سحبت غطاء شعرها بخفة لتضعه على كتفيها .. و كأنما بهذه الحركة و ما ظهر وراءها تنهي الحديث ..
شهقة هدى المنبهرة كانت خير دليل على فداحة ما فعلت .. تعلم الآن أن أمها ستقتلها دون شك .. لن يطول بها الأمر قبل أن تكتشف الأمر ..!
- قصيتييييييييه ..!!!!!!
أومأت برأسها و هي تتخلل شعرها القصير الذي يصل لمنتصف رقبتها بأصابعها .. و عيني هدى تضيقان ..
- ليش ..؟؟ أحيدج ما كنتي تبين تقصينه ..!!
هزت كتفيها تقول ببرود يعاكس تلك الحرقة التي تسكن روحها ..
- غيرت رايي ..
.
.
رغم صوتها الواثق إلا أن احساسا انهار بداخلها .. شيء أرادت أن تبكي لأجله ..
شعور قاتل بانها تجاوزت حدا ما .. و لم يعد هناك وازع غيره قد يردعها ..!

* * * * *

تحركت الحافلة منطلقة بعد أن أنزلتهن عند رأس الشارع .. و نورة تتلفت حولها بسرعة و هي تقول بحماس ..
- شرايكن نربع البيت قبل لا يي ويه العنز الحين ..؟!
و كأنما علم بنيتها برزت مقدمة سيارته العتيقة من الشارع المجاور .. تسير بتهالك نحوهن و دانة تقول بحقد ..
- و الله لو راكبة صاروخ بيلحقج الحقير .. الله يغربله ان شا الله .. هذا ما وراه شغله غيرناا ..!!
قالت عفرا بقوة ..
- انطبن و طنشنه شرا كل مرة .. و نورة لا تردين عليه أبدا و لو يلس يسب حتى ..
لوحت نورة بيدها غير مكترثة و هي تقول بكراهية ..
- يخسي و الله أفره بجوتييه لو زودها .. عنلاته ..
كانت السيارة تمشي بمحاذاتهن الآن .. و صوته القذر يرتفع بشوق زائف ..
- يااا الله يا رب .. كم بعيش أنا .. كل يوم و أنا شوف أغصان البان تتمايل .. هيييه .. هيييه .. يا الله .. يسار .. يمين .. آآه يا فواديه ..
همست نورة بمقت ..
- غصن في عينك يا الكلب يعلك العمى .. يعل فوادك العلة .. يا ويه العنز ..
صرت عفرا أسنانها بخفوت ..
- جب ..
كان ألم رهيب يكتنف صدرها .. و كل أملها أن لا يطل أحد من نوافذ البيوت المجاورة ليرى هذا المنظر البمعتاد .. ما الذي قد يقال عنهن ..! كل يوم و هو يقوم بملاحقتهن و لا يردعه التجاهل ..
ليس لهن ظهر يسند اليه حملهن .. هن ،،
فتيات .. لا هم .. و لا فخر .. و لا ثمين لهن .. سوى سمعة ..
قد تلطخ بأدنى قذف يصيبهن ..
لم يجدن الشجاعة ليخبرن أباهن حين كان هنا .. الآن في غيابه تمادى هذا الحيوان .. و أصبح يدنو من افتراس حرماتهم ..
شعرت بالضعف .. باليتم ..
لا أحد قد يتصدى لهذا الحقير .. فها هو يصل لعتبات بيتهم الآن بعد أن كان يهاب اقترابه ..!
من أين لهم أن يأتوا بعزوة .. من أين ..!
.
.
يــابــــوي شــفـت الـــويـل وأنا لحـــالــي
....تـــــركـــتنــي للـــــوقــــت ولضــيــــم الأقـــــــــــــراب
مــــالي عضـــيــد(ن) في حيــاتي مــوالي
.... أنخــــــــاه لاضـــــاقــــــت مــــعــــي كـــل الأســــــباب
أخــــذ بــرايــــه لاتسـكـــــر مجــــالـــــي
...... وفيـــه اعـــــــتزي كــــــــان الــــزمـن كشـــر الــــناب
مــــالي سنـــــد غــــــيرك ولالي ولا لي
......غــــــــــيره ســــــــوى المــعـــــبـود هــــو رب الاربــاب
.
.
.
.
.
.
أخفضت صوت المسجل الذي كان يصدح في السيارة بقوة و هو يقول بضيق ..
- يا خوك ما رمت أقوله ..!
نظر له هزّاع بقوة و هو يقبض على مقود السيارة بعصبية ..
- و الله انك معثور .. ترانيه قلت لسيف انك ظاهر ويانا .. شوه بيقول يعني غيث .. قلّه انيه ساير وياك .. شدراه اننا سايرين سباق .. احمد .. لا تطولها و هي قصيرة ..
أعاد أحمد ظهره للخلف و هو يشير لمقدمة السيارة ..
- انزين طالع قدامك لا تخطف الشارع لي فيه البيت .. بعدين انا تميت ساعة واقف قدامة .. لقيته معصب و يهازب .. ما يتناغى يا رياال .. لو قلتله كان كفخني بشي .. اصبر الين العصر بسير بيت يدي و برمسه هناك ..
ثم قال بهدوء ..
- و بعدين نحن ليش حارقين أعصابنا .. يعني سباق دراجات .. و هب رسمي .. لمة شباب .. لو ما سرنا العافية ..!! أهم شي السباقات العودة لي صدق بتسابق فيها .. - ثم أشار إلى الشارع الجانبي - حول حول .. هذا الفريق ..
أدار هزاع المقود و هو يقول بعناد ..
- حتى و لو .. ياخي خلنا نظهر و نوسع صدورنا .. و لو ما طاع غيث خبرنيه .. بنقردن سيف يرمسه .. أي بيت ..
- آخر واحد الأبيض ويا البني .. الحين سيف لو درا ان غيث ما طاع بيعيد و بيقولك لا ..
صمت لبرهة و عيناه تضيقان مما يرى ..
- هاييلا البنيات هب سايرات قدا آخر بيت ..؟!
احتبست الأنفاس للحظة مع ادراكهم أن صاحب السيارة الذي يلاحق الثلاث فتيات يصل لآخر الشارع الذي لم يعد به بيت سوى بيت عمهم ..
ليضغط هزاع بقوة على دواسة البترول و تنطلق السيارة بسرعة رهيبة للأمام مع صوت أحمد الذي شتم بقوة ..
- ولد الكلب ..!!
للحظات لم يعد يرى سوى اللون الأحمر يغشى كل شيء أمام ناظره .. و مقدمة سيارته الفارهة تقترب بسرعة جنونية من مؤخرة سيارة سالم المهالكة لتصطدم بها من الخلف بصوت مروع قفزت اثره الفتيات اللواتي تجمدن دقيقة في مكانهن مصدومات قبل أن يهرعن للباب الذي كان قريبا ..فتح بابه هو و أحمد بقوة لينزلا راكضين نحو صاحب السيارة الذي كان قد نزل منها مذهولا .. في خطوتين وجد نفسه يقف أمامه يجره من تلابيبه .. و أحمد يسدد لكمة مباشرة لأنفه .. انهالا عليه ضربا و ركلا دون توقف ..
شيء كالسعير كان يحرق جوفه و رغبة عارمة في تمزيق هذا الحيوان بأسنانه ..
لم يكونا يعرفان الفتيات أو أسمائهن .. لا يعرفان عددهن .. و لم يصادفا هن قط .. و لكن يكفيهما بأنه يشار اليهن ببنات عم ..!
و قد تخطى هذا الحثالة حدوده و مس عرضهم .. تعرض لمن تربط بهم صلة قرابة دثرتها السنوات نسيانا ..
رغم هذا كاد يقتله .. كان أحمد يضربه بقوة و حقد غير طبيعيين .. و أدرك بأن الرجل قد يقتل بين يديه .. لذلك راح يشده بقوة للخلف فيما ينفلت مجددا منه ليركله و يبصق عليه .. و هو يشتم عاليا ..
حقا هذا الأمر تجاوز حدود تمالكهما للنفس ..
لم يحدث أن مشت أحد بناتهم في الشارع ليعترضها مثل هذه الحثالة ..
كان موقفا رخيصا .. أصابهم في كرامتهم ..!
.
.
.
.
.
.
- شووووه ..؟؟!
همست بتلك الكلمة بما تملك من بقايا قوة .. و رأسها يثقل ببطء ..
عفرا لا تزال ترتجف و دانة تبكي بخوف .. أما نورة هي من تمالكت نفسها لتدرك الأمر ..
- سالم ولد ييرانا ..؟؟!
ارتعش صوتها و هي تنظر لحور التي راحت تقاوم الارهاق البادي عليها و عيناها تجحظان ..
- هيه .. هوو .. بس مادري منوه راعي السيارة .. قدام البيت يا حور ..
ضغطت حور بيديها على جانبي رأسها و هي تهمس ..
- نايف ..!
التفت اليها و وجه الصغير يتميز غيظا .. همست له ..
- سير شوف شوه السالفة .. بسرعة ..!
قفز بقوة من مكانه و هو ينذرهم ..
- و الله لراويه الحقير .. و الله ما خليها له .. بفلعه بقب .. و الله ليروح دمه اليوم ..
ضغطت حور على عينيها و هي تشعر بأن فقدانها لرشدها دانٍ اليوم .. حقا هذا ما ينقصها .. ابن جيرانهم يعاكس اخواتها .. و أحد ما قام بالاصطدام به ...
.
.
.
مرت دقائق ثقيلة قبل أن يأتي يعود نايف مهرولا و في وجه المتجهم يتصارع قلق و حماس غريبين ..
- هذا أحمد ولد عمي علي و هزاع بطيخة .. دعموا سالم الكلب و ظربوه .. الشرطة يت الحين ..!
.
.
دفنت حور وجهها بين كفيها الحارين .. و هي تشعر بيدي المها التي كانت تقف جانبها تحتضن رأسها بحنان أتعسها ..!
و هي تمسح على ظهرها بهدوء ..
أي احراج .. و أي ضيقٍ و أي فظاعة قد تفوق هذا ..!
شعرت بعينيها الملتهبتين لا تتوقفان عن ادرار الدموع و هي تبلل صدر المها التي بدا لها باردا في تلك اللحظات ،، لا يمكن أن يبلغ بها اليأس قمة أخرى ..!

* * * * *


وقف بجانب ابن عمّه و هما يقفان قرب الباب و أخاه الأكبر يسترخي في المقعد المواجه لمكتب الضابط و كأنما يملك المكان .. كان هادئا للغاية .. و يتحدث بصوت منخفض حازم النبرات .. كان الضابط ينصت له باحترام و اهتمام جلي ..
للحظات فكّر بأنه ربما أخطأ في الاتصال بغيث .. فإذا كان غاضبا الآن و يلجم ثورته .. سيمزقه اربا حال اخلائه به ..
ارتعد للفكرة .. و هو يبتلع ريقه .. نظر لهزّاع بتوتر لينصدم بابتسامة أنيقة تحتل وجهه .. همس بغيظ ..
- شعندك تتضيحك يا الخبل ..!!
نظر له هزاع ببساطة ..
- كيفي عيناوي .. - ثم عاد يتأمل غيث بشيء من الغرور - و الله ان خوك هب هين شوف كيف قلب السالفة عليهم و الحين هو لي يبا يشتكي ..
- حتى لو .. ما تنفع الشكوى و نحن ضاربين الريال .. يعله العوق ان شا الله ..
وقف في تلك اللحظة غيث يصافح الضابط الذي هب هو الآخر باحترام ثم نظر لهما و غيث يوقع ورقة مدّت أمامه بسرعة ..
- تفضلوا وقعوا التعهد يا شباب .. و مرة ثانية ما نبا نشوفكم هنيه ..
ابتسم غيث للضابط مرة أخرى ..
- ما قصرت يا بو عبدالله ..
أومأ الضابط برأسه و هو يتأمل هزاع و أحمد يوقعان واحدا تلو الآخر ..
- حاضرين طال عمرك .. و نشكركم ع التعاون الطيب ..
.
.
بعد تبادل عبارات المجملة الطويلة التي بدت للاثنان كأنما تسرد في حفل عشاءو هما يقفان هناك بثيابهما الممزقة و الملطخة بالدمة ..
خرجا مع غيث الذي كان يتقدمهما بسلطة و ما ان استقلا سيارته التي كانت البديل عن سيارة هزاع التي أُخذت لكراج تصليح السيارات بدل أن تحجز ..حتى تأملهما باشمئزاز و هزاع يشيح بطرف وجهه الذي الذي خُدش .. و أحمد يضع يدا تخفي شفته المتورمة .. و صوته الغليظ يملأجو السيارة ..
- ماريد حد يدري عن لي استوا .. و لا حد حتى اعماميه .. الموضوع هذا لا ترمسون فيه حتى امبينكم .. تسمعون ..
كانا كطالبين مذنبين يتلقيان العقاب من أستاذهما و هما يجيبان ..
- ان شا الله ..
و أردف هزاع بشيء من الحذر ..
- و قوم عمي ..؟!
بدت نظرة غيث أقسى من الجليد و هي تنعكس على المرآة الخلفية و صوته العميق يقول بوعيد ..
- انا بخلص الموضوع ..
.
.
كان يغلي بشدة الآن ..
بدا أنهم بشيء من الاهمال قد فتحوا بابا لن يسد ..!

* * * * *

كانت الشمس قد غفت خلف حدود الأفق منذ ما يقارب الساعتين و سيارته الصغيرة تقطع الشوارع متوجهه لبيت خالته .. ألقى نظرة أخرى عليها ليجدها لا تزال تسند رأسها على زجاج السيارة و يديها المرتخيتين تحتضن كيس الدواء الذي أحضراه للتو من المستشفى ..
صوت أنفاسها يتردد في السيارة بثقل كالخشخشة .. و هي تزفر باستماتة ..شعر بموجة حنان هائلة تجتاحه .. لم يرها قط مريضة بهذا الشكل .. كان هذا الفيروس منتشرا في الهواء و بين الناس بشدة هذه الأيام .. و حين اتصلت به عفرا تخبره بان عليه الحضور لأخذها للمستشفى .. ظن أنها تهول الأمر فقط .. فقد رآها صباحا و لم يكن بها خطب سوى ثقل صوتها و الارهاق ..!
و لكن الآن راعه مظهرها البالي .. و قد أنهكتها الحمى .. ماذا يقال عن رشح الصيف ..؟؟ أ و ليس أحد من السيف ..!!
مد يده ليحتضن كفها الصغيرة و هو يهمس ليتأكد من أنها ليست نائمة ..
- حور ..؟
.
.
كانت قد أسدلت أهدابها .. بتعب .. بحزن .. بيأس ..
خواطر شتى أخذت تتنازعها و هي تشعر بانها ضعيفة كما لم تكن قط ..!
ممزقة للغاية .. و مستنزفة .. لا تدري بالضبط ما الذي عليها أن تفكر به ..
طريقة لجلب المال لدفع اخوتها للدراسة .. أم الحرص عليهن مما قد يواجههن خارج حدوةد البيت كما حدث اليوم .. ام عليها أن تجتهد في مراقبة أخاها الوحيد الذي تبين أن سبب استدعاء ولي أمره لم يكن سوى نتيجة عنفه اتجاه طالبٍ قام بضربه .. في مرحله يحتاج حقيقة الى ارشاد رجل فيها و ليست وقفتها هي ..!
أم يجب أن تهتم بامر أمها المريضة أم إخوتها الصغار .. أم ... أم ...
مئات الأفكار تتزاحم في ذهنها المريض حتى خيل إليها أنها تهذي بصوةتٍ عالٍ أو أنها ترى رؤى أمام عينيها الغائمتين .. رأسها يضج بأصوات لا مصادر لها و لا أساس .. و شريط صور ينزلق أمام عينيها الساخنتين ..
تضم شفتيها و هي تشعر بحرارتها .. برد شديد يحيط بها .. و صوت مايد يأتيها من مقعد السيارة المجاور و يده تحتضن كفها بقوة ..
- حور ..؟؟
قاومت هذا الضباب باستماتة و هي تجيب بصوتها المبحوح ..
- لبيه ..
- لبيتي في منى .. رقدتي ..؟!
هه .. أنى إليها أن تفغو عينيها و أقدار تنهال عليها مرّة واحدة .. أ لك أن توقف الزمن أخي للحظات ..
للحظات فقط ..
تلك استراحة محارب اتلهف اليها .. اريد أن أضع رأسي بعيدا عن كل شيء .. لأنام .. لأموت ... لأغيب فقط ..
للحظات ..
ثم بعدها فليحدث ما يحدث ..!
- لا ما رقدت ..
- انزين وصلنا ..
رفعت رأسها لتجد السيارة قد توقفت أمام البيت .. ليسألها بهدوء ..
- محتاية شي ..
كانت ابتسامتها ميتة و هي تقول بارهاق جعل عينيها الواسعتين تبدوان فجوة بلا قرار ..!
- سلامتك يا الغالي .. سلم على أمايا و عبيد و عمي سلطان ..
- يبلغ .. باكر العصر ان شا الله بخطف عليكم .. و انتي اشربي الدوا و ارتاحي .. تحملي ع عمرج ..
همست و صوته الحاني يدفعها لشفير البكاء .. تشعر بدمعتها المتخاذلة قد أقبلت .. فتتدارك أحزانها و هي تفتح الباب ..
- لا توصي .. و مشكور فديتك ..
لم يتبين ذهنها الغائب ما يقول و هي تغلق الباب بهدوء لينزل زجاج النافذة و يلوح بيده فترد التلويحة بوهن قبل أن ينطلق .. تستدير للبيت و هي تمشي بخطى متثاقلة .. تشعر بان كل خطوة ترتج لها عظامها و المخ بقوة ..
بدا الليل باردا للغاية .. و الباب الذي تدنو منه ببطء بعيدا ..
قبل أن تشهق بقوة و أنفاسها تحتشد في حنجرتها حين أطبقت قبضة حديدية من المجهول على ذراعها الغضة و هي تجرها جرا للداخل ..
لم تستوعب ما يحدث خلال تلك الثواني حتى وجدت نفسها تدفع لمجلس الرجال بقوة جعلتها تتعثرو هي تصر بيدها على كيس الدواء .. التفتت بصدمة نحو هذا الهمجي الذي قام بهذا . لتجده يقف أمامها ملامح وجهه المتصلبة بدت شيطانية للغاية و هو يلهث بفرط ما يخالجه من غضب .. كان صوته مزلزلا و هو يصيح بها بغلظة قبل أن تبدأ بالهجوم ..
- امنووووه هالحيوااااان لي كنتي ويااااه ..؟؟؟!!
انتفض جسدها الضعيف بقوة ذعرا .. بدا مجنونا في تلك اللحظة و أخافها بشدة لم ترى هذه الناحية من قبل .. فكل ما كانت تواجهه مسبقا جبل الجليد ذاك ..! ارتعش صوتها و هي تقول بخوف و تنأى بنفسها عنه ..
- مــ .. ماا .. مايد ..!
تجمد لبرهة في مكانه .. قبل أن يدنو منها .. تراجعت للخلف بسرعة .. بدا مخيفا و هو يشرف عليها بهذا الشكل .. و عاد يصرخ في وجهها مجددا ..
- و شوووه كنتي تسوين وياااه .. انتي ناسية انج ع ذمة ريال .. و الا شفتي الدنيا فالتوووه و قمتي ترتغدين يسار و يمين .. عنبوووه أبوكن ما قد له شهر متوفي و خواتج يرتغدن في الشوارع .. و انتي كل ساع و يا هالسبال .. انا بربيج يا الخايسة و بربيه ..
كان صراخه يصم أذنيها و هي تشعر بالدوار .. حتى بدأ بشتمها .. فانتفضت بغتة و هي تصيح بضعف ..
- انته تخبلت .. ؟؟!!
كان الرد فوريا و هي تشعر بأن الدماء سد مجراها في الذراع ..
- تخبلت يوم انيه ميودنج ظاهرة ويا واحد .. شوه كنتي تسوين وياااه هااا ..؟؟
ارتجفت بشدة و هي تصارع الدموع بقوة .. لم ترد أن تبكي أمامه قط رغم أن صوتها راح يتهدج بوضوح ..
- انا و خواتيه أشرف منك و من لي يابووك .. ماااايد أخوووووية ..
هزها بعنف ..
- هندي تقصين عليه .. أخوج من وين ..؟؟
راحت تقاتل بضعف .. تشعر بانها تستهلك ذرات القوة الأخيرة .. تفني نفسها ..
- خوووية بالرضاااع ..
لحظات طويلة شعرت بانها ستتهاوى خلالها قبل أن يفلت ذراعها .. بدا وجهه مجردا في تلك اللحظة و خاليا من أي تعبير .. لا زال يقف أمامها بجسده الكبير .. و هي تنظر لغطاءها الذي سقط أرضا .. و شعور بالموت يزحف في روحها .. ينهكها .. و يلتهم الاحساس في داخلها .. و هي تقول بصوتها المبحوح ..
- انته شوووه تباا .. شوووه تبووون مناااا ..
هزت رأسها بجنون و خيط التعقل قد انقطع و صوتها يرتفع باستماته إلى ما يقارب الهمس ..
- أنااا ماا اباااك .. طلقني .. فكني من شرك .. طلقني و اظهرووو من حياتنا .. ما نباا منكم شي .. ما نباا فلوووس .. و لا معووونة .. خلووونااا في حالنااا ..
.
.
كانت حدقتيها تتسعان بغرابة و هي تتلفظ بتلك الكلمات بغير ادراك بدت غير واعية لما تقول و هي تتحرك بسرعة لتدفع صدره بيدها .. لم يجد في نفسه الرغبة في الاعتذار حين وبخها على ما اعتقد بأنها تفعله .. و لكن لما بدت هكذا كالميتة .. و هي تنظر اليه بلا هدى و صوتها المبحوح المنخفض يتهدج ..
- ما نباا شي منكم .. اناا بييب فلوس و بخلي عفاري تدرس .. ما نباا صدقة .. انتووه شوه دراكم .. كل واحد لاهي بـ ..- ثم أمسكت رأسها بين يديها و هي تتوجه للباب -.. و نايف بحامي عليه .. أنا ولي أمره .. محد بيروم يأذي خوانيه .. انتووو .. مـ ..
عادت صورتها يوم وفاة والدها لذهنه .. ها هي تهذي الآن .. و لكن,,
كنت تترنح بشدة و بدا أنها على وشك السقوط .. في خطوة واحدة وصل اليها ليمسكها بقوة قبل ان تهوي على الأرض .. وضع يده خلف عنقها لتلذعه حرارة جسدها الساخن .. اتسعت عيناه بقوة ..!
قبل أن يرفعها ببساطة بين يديها ليعيدها من عند الباب إلى داخل المجلس فيمددها بهدوء على الأرض و يجثو قربها ..
وجهها الشاحب و وجنتيها الحمراوين الساخنتين ..و شفتها القرمزية .. بدت كالميتة .. رغم حرارتها .. شعرها المتدلي على جبينها بدا حالك السواد بالنسبة لشحوبها ..
و صدرها يعلو و يهبط في أنفاس متحشرجة ذات صفير غريب .. بدأ نبضه يتسارع بقلق .. أمسك كفها اليمنى لتضيع في يده الكبيرة و راح يضرب خدها بخفة و هو يناديها يقلق ..
- حور .. حور ..
اضطربت أنفاسها .. تسمعه إذا ..!
مسح على رأسها برقة و هو يسالها بعطف ..
- حور بلاج ..؟
شعر بانقباض في قلبه .. شيء كالشلل جمده و هو يرى دمعة صافية .. ساخنة .. تنزلق من جفنيها المطبقين .. و صوتها الهامس يخرج بوهنٍ يقارب الاحتضار و كأنها تسلم بأمرها ..
- انا تعبااااانة ..
سرى ألم غريب يخالطه شفقة .. و قد بدت و هي تستلقي كم استنزفت آخر قواها .. اقترب منها ليقول بشيء من الدفء ..
- انتي مريضة ..؟
لم يكد يقولها .. حتى بدأت تبكي .. كانت تبكي بخفوت و تعب شديدين لتنقل على جانبها .. أوجعه منظرها هذا .. و صوتها المتألم يأتيه من بين أنفاسها المتحشرجة ..
- هييييه .. انا مرييييييضة ..
التفت للوراء و كأنما وعى ذهنه الغائب لشيء ما فتسقط عينه على كيس الدواء الملقى أرضا .. أراد أن يلكم الجدار بكل قوته و هو يشعر باحساس ثقيل و الذنب يكتنفه .. و كل صراخه و عنفه يدور أمام عينه الآن .. لقد هاجمها بهمجية و وحشية في حين كانت خائرة القوى عاجزة حتى عن الدفاع عن نفسها ..!
رفع رأسها عن الأرض و هو يجلسها فيما ارتخت و لا زال صوت نحيبها يتردد بخفوت قرب أذنه ليمزقه باحساس قاتل .. لم يكن قط حقيرا مع من هو أضعف منه ..!
لم يضر إلى استعمال قوته أو قسوته حين بامكانه حل الأمور بغيرها ..
و لكنه الآن دهس هذه الفتاة الهشة حين جرّدت من قوّتها .. ليصدمها بعنف و يفرغ كل غضب يومه ليصب جامه عليها ..!
أسند رأسها برفق لصدره الفسيح .. و هو يتخيل ما قد تقول أمه نورة عن كل هذا .. و عبارات أخرى تمتزج ببعضها في ذهنه ..
تحدثت عن مال و دراسة لفتاة ما .. ! و عن أخاها ..!! هل كانت تواجه ضغوطا ما ..!
شعر بأن حملا ألقي على كاهله و هي تحول بضعف الابتعاد عنه .. و صوت خبيث يتردد في ذهنه ..
.
.
.
((قصديه إن لي بييلس وياهم لازم يكون محرم لها .. و محد محرم لها إلا غيث .. هب ريل بنتها ..؟؟ ))
.
.
.
رغم الحقد الذي تجلى في تلك الفكرة إلا أنها كانت صائبة .. وجودهن هنا دون رجل جعلهن عرضة للأذى ..
الآن و هو يجمع حطامها بين راحتيه .. ادرك أن لا حل لهذا الوضع سوى خطوة واضحة ..
عليه أن ينتقل للعيش هنا حتى يتمكن من نقلهم لبيت جده ..!

* * * * *



لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 12:43 AM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الخطـــــــــــــــوة الثامنــــــــــــــــــة .. }


[ .. خطوات تدنو ..! ]






xxxxب الساعة تغفو على التاسعة مساءا ،،
هذا السكون الذي عايشته طوال حياتها .. هذا الصمت المطبق الذي احتوى مسامعها و لم يخترقه شي يوما ..
إلا حفيف ..!
مناوشات تلك الأصوات المستميتة التي قد تبلغ شيئا من المستحيل لتداعب مخيلتها ..
تجيل عينيها الواسعتين في تلك الأوجه الحبيبة التي تحيط بها .. قبل أن ترفعها مجددا لxxxxب الساعة ..
لا زالت غافية على التاسعة ..!
هل ترتقب عودتها هي الأخرى ..؟!
تأخرت كثيرا .. مضت ساعتين على قدوم أخاها ليأخذها للمستشفى ..
ما هو حالها الآن يا ترى ..؟!
هبت من مكانها واقفة متجهة نحو غرفة أمها القريبة .. دوم تتكسر الخطوات عند هذه العتبة العتيقة ..
ابتلعت عبرة كبيرة سدّت حلقها و هي تريح راحتها على الباب الخشبي بهدوء ،، تقاوم رغبة ملحة في أن ترفع يدها عنه و تعود لمكانها ..
تعلم جيدا أي وجع سينخر روحها مع تحطم أمنية حمقاء بأن أباها لم يرحل و أنه سيعود في لحظة ما .. لتفتح الباب فتجده يريح رأسه على مخدته القاسية .. و قد أرخى جفنيه استعدادا لسعي غدٍ منتظر ..!
رغم هذا تفتح الباب ببطء .. لتجد مكانه الخالي يسخر منها ..
شيء يمزق وجدانها .. كلما اصطدمت عيناها بفجوة تركت بعده .. و كأنما تواجه رحيله للمرة الأولى ،،
مدت راحتها تمسح وجهها بهدوء .. لتنحي ذاك الإحساس الأسود جانبا .. و ترسم ابتسامة باهتة على وجهها و هي تنظر لأمها بحبور .. فترفع تلك عينها مع شعورها بوجود أحد معها لترد ابتسامته بأخرى شاحبة مثقلة بالحب ..
فتربّت إلى جانبها .. تتقدم و عيناها تمسحان منظر أمها الهادئ ،، نحولها البالغ .. و الإرهاق الذي حفر أبدا على محياها ..
جلست بجانبها و هي تبتسم لها .. لم يعدن يتركنها لوحدها كثيرا يتبادلن الحديث معها .. و يلهينها عن أحزانها ..
رغم عدم إبدائها رغبة للانتباه أحيانا .. و لكنهن يعلم أنها ستضيق ذرعا بالحزن إن جلست لوحدها و الأفكار ..!
.
.
.
.
.
.
- بيتخبلن ربيعاتيه يوم أخبرهن السالفة .. خص نوفانه موتاا و سوالف الفزعة ..
قالتها دانة بحماس و هي تنقل بصرها ما بين عفرا التي راحت تقلب صفحات كتابها بهدوء و نورة التي ابتسمت بتفاعل هي الأخرى و هي تثني الثياب و تنهي كيّها في دورها اليومي .. و تبتسم قائلة ..
- و كيف بتقوليلهن السالفة و انتي ما حضرتيها ..؟؟!
ابتسمت بمكر و هي تلتفت لنايف الذي استلقى تحت التلفاز وسيلة التسلية الوحيدة في البيت و أختاه الصغيرتين تقبعان عند رأسه ..
- هب صعبة صاروخين من صواريخي و المعلومات لي بيفيدنا بها بو حمد . بس أهم شي تعرفين انتي تفاصيل السالفة عسب لو يت عبير تسألج عنها اذا صدق .. هي تستحي من عفرا .. و أكيد بتيلس تكذبنيه .. عاد هاي هب ربيعة .. عذول الله يخسهاا .. ويها لووح التافهة .. تخيلي تتصيدليه .. ما طاعت تصدق - و ابتلعت ريقها مع اتساع عيني نورة اهتماما - انيه بنت حمد بن سيف لي نشروا نعية في كل الجرايد .. يعني بدل لا تعزينيه و تيلس تواسي .. قالت كذيه - و راحت تغير نبرتها تقليدا - أحين أبوج ينعونه الشيوخ و انتي تسيرين و تردين بالباص ..؟ - تنهدت و هي تلوح بيدها اشمئزازا - الحمد الله انها ما يت ويا البنات لي ين ويا المدرسة العزا ..!
قالت نورة بلا اهتمام ..
- و الله أنا من شفتاا هالعبير ما حبيتاا .. احسهاا وايد خقاقة مادري ع شوه ..؟!!! عفاري شرايج ..؟
ردت عفرا دون أن ترفع عينها عن الكتاب ببرود ..
- راييه ان ما عندج سالفة انتي وياها .. نشن زخن كتاب و ذاكرته بدال ما تاكلن لحمها المعفن .. باقي اسبوعين ع الامتـ .....
بترت عبارتها تلك الصرخة الرجولية التي اخترقت المكان بقوة ..
- ناااااااااايف ..
انتفضوا جميعهم و نايف يقفز واقفا و عيناه تتسعان .. سقط الكتاب من بين يدي عفرا .. و هي تقف الأخرى و دانة و نورة يقتربن من باب الصالة المفتوح ..
- منوه هذا ..؟؟!
ارتعشت مزنة التي قالت بصوتٍ باكٍ و هي تندس خلف هند بخوف ..
- يمكن حرامي ..
نظرت لها نورة بغيظ ..
- حرامي بيزقر نايف .. و شوه عدنا عسب يصرقه ..؟!
قالت دانة يتوتر ..
- هذا عند باب الميلس صوته قريب .. يمكن حد من أعماميه ياي عسب السالفة لي استوت اليوم .. أمييييييييييييه ..!! وينج يا حوووور ..؟؟
نظر لنايف الذي دنا من الباب بعزم يهم بالخروج لتقبض عفرا على ذراعه باضطراب ..
- تبانيه أسير وياك ..؟؟
نفض ذراعها بصرامة و وجهه الصغير ينعقد بضيق و هو يزيد من خشونة صوته الحاد ..
- تظهرين للريال ..؟؟؟ استريحي .. بسدكن أنا ..
و خرج تاركا إياها .. راح يدفع الخطة ليجتاز الحوش الصغير ثم يدلف من الباب الذي يوصل للفسحة الضيقة الواقعة بين الباب الخارجي و باب المجلس الداخلي ..
هناك فردتي حذاء رجل كبيرتين تركتا عند باب المجلس الذي كان بابه مفتوحا و أنواره مضاءة ..اقترب منه بسرعة ليطل برأسه مع الباب .. فتصطدم عيناه ببياض ثوب ذاك الرجل الذي كان يوليه ظهره العريض و هو يجثو على ركبته .. لفت انتباهه سواد طرف تلك العباءة الذي زحف خارج حدود تغطية الجسد الكبير ليعقد جبينه و هو يسلم بصوت مسموع ،،
- السلام عليكم ..
التفت رأس الرجل نحو نايف بحركة سريعة فيما لا يزال جسده ثابت في مكانه و لكن تلك الالتفاتة كانت كل شيء و عيناه تتسعان بارتياع .. و الرعب يشل أوصاله ..
شعر بنبض خافقه يتباطأ .. أين رأى هذا الاستسلام و الشحوب الذي يسكن وجهها الشاحب الآن ..؟!
هنا .. على هذه العتبة .. حين غفا والده للأبد ..
ارتعشت قدماه و الاحساس .. ذاك الرجل الذي تعرف وجهه وسط رعبه بضبابيه يسندها بصلابة فيما تستلقي هي و ترخي أطرافها بلا حراك ..
لما تبدو بهذا الشكل ..؟ لماذا هي خائرة الشعور هكذا ..
هل ستغفو هي أيضا إلى غير يقظة ..؟!
انغرس ذاك اليقين في قلبه بقسوة .. و هو يشعر بعبراته تنزلق بخوف ..
لا يريد أن يفقدها .. لا يريد ..!
.
.
.
ينظر له و هو يقف بجمود في مكانه .. نظراته تنصب على أخته بجزع .. استغرب تلك الدموع التي بللت وجهه الصغير و هو يتقدم بخطى متعثرة .. لم يلقي نظرة واحدة عليه ..!!
جثا على ركبته ليتضح حجمه الضئيل أمام ضخامته .. و هو يلتقط كفها التي تلامس الأرض برقة ..
و صوته المتهدج الهامس يداعب وجنتها الحارة ..
- حور ..؟ حور ..؟!
لم تجبه .. كانت واهنة ..
واهنـــــة للغاية .. لم تقوى أن تطمئنه حتى ..!
- حـــور .. حـ ... حــ..ــور ..- ابتلع شهقة و هو يدنو منها أكثر - ليش ما تردين عليه ..
يبدو أنا قد استهلكت آخر قواها .. لم يعد بامكانها الحراك و انهاء رعب هذا الطفل .. الذي راح يشد على قبضتها و هو يحاول احتواء جسدها بين ذراعيه الصغيرتين و قد بدأ يبكي ..
- حووووور .. انتي ميتة ..؟! حووور لااااا تموووتيييين .. لااااا تمووووتين ..
دفن وجهه في حضنها و هو ينشج ،،
- حووووووووور ..
اتسعت عيناه دهشة من هذا الانفجار .. قبل أن يشعر بشفقة هائلة اتجاه هذا الطفل .. هل فقدانه لأبيه انتزع شعوره بالامان ..؟! لماذا اعتقد أنها ميتة ..؟
كان عليه ان ينهي خوفه بطريقة ما لذلك قبض على كتفه بقوة و هو ينهره بصرامة ..
- ناااايف .. بلاك .. حور تعبانة شوي و بتنش الحين لا تخاف .. خلك ريّال ..
لا يريد ..
لا يريد أن يكون رجلا .. انه خائف ..
يرى ركائز حياته تنهار واحدة تلو الأخرى .. لا يريد أن يفقدها الآن ..!
رفع عينه و و هو لا يمسك شهقاته ..
- ليش ما ترد عليه ..؟
نظر في عينيه بقوة ..
- لنها مريضة .. ما تحسها محمومة هي دايخة شوي .. يوم ترتاح بتنش و بترمسك ..
و لكن يبدو أن كلماته لم تكن سوى استفزاز لعزمها .. لتمد يدها المرتعشة بارهاق شديد و هي تكافح لتفتح عينيها الحمراوين الدامعتين ..
- نااايف ..
نظر الاثنان إليها فيما تركز رؤيتها الضبابية على وجه أخيها الصغير .. قبل أن تعود لترخي جفنيها بمرض ..
أومأ نايف برأسه موافقا و هو يمسح وجهه بهدوء و غيث يتابع آمرا و هو يعود فيمددها على الأرض بهدوء ..
- الحين سير شوف ليه الطريق بوديهاا حجرتاا ..
- حور ما عندها حجرة ..!
عقد جبينه بعدم فهم ..
- وين ترقد ..
- يعني ما عندها حجرة بروحها .. هاييك حجرة البنات كلهن .. بس بتوديهاا حجرتيه ..
هز رأسه بعجل و هو يقول بسرعة ..
- غايته .. سير شوف لي الدرب ..
ركض نايف نحو الباب قبل أن يوقفه صوت غيث القوي الحازم ...
- نايـــــف ..
توقف نايف ينظر له بلهفة .. ليقول له ذاك آمرا ..
- امسح ويهك عسب لا يتروعون هلك ..
هز نايف رأسه .. قبل أن يختفي خلف الباب .. عاد ينظر لها .. صدرها يرتفع و يهبط بقوة و هي تتنفس بصعوبة .. جبينها ينعقد بضيق .. للحظة عادت لفتح عينيها التي كانت تمتلئ دمعا ينزلق باردا على خدها الساخن و هي تهمس بضعف محاولة بجهد أن تستوي جالسة ..
- ماابااك تودينيه .. انا أروم أمشي .. ماابااك ..
و لكنها تهاوت تحت راحته التي أجبرتها على الاستلقاء مجددا و هو يقول بقوة آلمتها ..
- ما سألتج ..
راحت تنقلب على جنبها مجددا و تتدفق الدموع من بين جفنيها المطبقين و صوتها الرخيم يهمس ..
- خلناا فحالناا .. انتـ .. أناا ماباا شي منكم .. ارحمــ ..
تتقطع الكلمات المنفلتة من بين شفتيها .. قبل ان يظهر نايف مجددا و هو يلهث ليلتقط كيس الدواء المرمي أرضا..
- الطريق فاضي .. اقرب ..
انحنى عليها بسرعة و هي تضع يدها على صدره بيأس ترفضه و هي تدفع هذا الجدار الصلب باستماتة و همسها تخنقه الأنفاس فلا يصل إلا لمسامعها ..
- لاااا ..
و لكنه رفعها بين ذراعيه بخفة و كأنما لا تزن شيئا ليدني رأسه من أذنها بصوت خافت ..
- أوصصص ..
تقدمه نايف ليتبعه و هو يقطع الممر القصير ليدلف مع باب اوصله للحوش الصغير الذي كان يصل الصالة الضيقة التي بدت رثّة المنظر في عينيه بباب دلفه ليشير نايف بسرعة لباب توسط اثنان آخرين و هو يقول بخوف ..
- هاي حجرتيه ..
تقدم منها بسرعة ليدفعها بقدمه فينفتح الباب على بقوة .. كاشفا عن حجرة ضيقة قبعت في زاويتها خزانة ملابس صغيرة و ألصق في الجدار سرير صغير وضعت عليه أغطية بسيطة للغاية ..
شعر بصدره و قد أغرقته دموعها التي لم تتوقف .. فاقترب من الفراش ليمددها بهدوء عليه .. لا تزال ترتدي عبائتها و الحذاء .. أما الغطاء فقد سقط في مكان ما ..
التفت لنايف الذي دنا منها بسرعة ليأمره بصوت قوي تعمد أن يرفعه كي يصل لمسامع أي أحد يقف قرب الباب ..
- ارقبنيه برا .. لا تخلي حد يحدر الحجرة الين أظهر .. فهمت ..؟
ابتلع ريقه و هو يومئ برأسه غير قادر على سلخ نظراته عن وجهها .. و عيناه تتأملان كل ارتفاع و هبوط لصدرها ..
لا زالت تتنفس ..هي حية إذن ..!
لن يعود أبدا لتك الأمور السيئة التي قام بها بعد موت أبيهم .. و لكنه يتوسل اليها أن لا يفقدوها ..!
استدار بسرعة و تلك الأفكار تعصف بعقله الصغير .. قبل أن يغلق الباب .. مخلفا وراءه الصمت المطبق ..
.
.
.
ما أن تناهى لمسامعها صوت الباب و هو يغلق .. شعرت بأن عزائمها تنفلت ..
شعور بالإنكسار غزا روحها و هي تستلقي هنا بلا قوة .. لقد اقتحم الآن حدود بيتهم و حرمته ..
هذا الغريب وجد الفرصة لتصل يده إلى أمان هذه الجدران ..
شعرت بالضعف .. لا يمكنها التصدي لهذه الفكرة .. عاجزة عن كل شيء .. تشعر بانها تجر لدوامة من الأوجاع ..
هذا الهدوء الذي يلفها .. هل ذهبوا ..؟!
ارتعشت شفتيها و أنفاسها المتثاقلة .. شعر بأنها على وشك الانفجار سخونة و هي تغطي وجهها بكفيها و تترك العنان لدموعها التي لم تتوقف للحظة و شهقاتها المتتالية التي راحت ترتفع بقوة .. و تهز جسدها الضعيف بفعل المرض حين أجهشت باكية .. صوتها المخنوق يتردد في الغرفة و هي تأن بأوجاع تكاتفت عليها في تلك اللحظة ..
كان كل شيء يعاكسها ..كل شيء ..!
تصلب جسدها و اختنقت أنفاسها حين شعرت بتلك الذراع القوية ترفعها من على الفراش لتسندها على ذاك الصدر الصلب الذي سرعان ما ميزته ..
راحت تشيح بنفسها بعيدا عن منأى نفاقه ..
تكرهه ..
تكره وجوده ..
و تركه ذاك الرابط الذي يأخذه حجة ليعاملها بهذه الحرية..
تكره ادعاءه لهذا العطف و هي التي قد اصطدمت بقسوته المجحفة ..
.
.
و تكره نفسها أكثر .. و قد بدأت تخذلها بإحساس الأمان الذي راح يتسرب لها ببطء و مقاوماتها تخمد بين يديه و هو يضمها بقوة و كلماته الخافتة تسعى لتهدئتها لتحتضن فؤادها المضنى بدفء حقيقي .. كادت تصدقه ..!
لما عليها دوما أن تسكب أحزانها بين أضلعه ..؟!
لما تعاندها قوتها ليكون شاهدا على كل تحطم لها ..؟!
كان البكاء قد استنزفها أو أراحها لم تعد تدري ..
شعرت به يعيدها مجددا على المخدة و عيناها لا تفارق السواد خلف أجفانها .. هذه الظلمات رحمة ..
لا تريد أن تواجه الانتصار يلمع في عينيه .. مرت لحظات طويلة ..
أ لحظات كانت .. أم ساعات ..؟!
لم تعد تدري .. مر كثير من الوقت .. و ربما كانت قد غفت و استيقظت مجددا .. كل ما تشعره بأنها عادت تتماسك من جديد .. غريب كيف افترستها الحمى بهذه السهولة ..!
فتحت عينيها ببطء و لا يزال موجودا .. اذا لم يمر وقت طويل ..
رأته ينظر لها بطريقة لم تفهمها و هو يجلسها في مكانها ملتقطا كوب ماء ليسقيها اياه ..
حسنا لم تعهده بهذا الحنان بتاتا .. هل شعر بالذنب لهجومه الذي شنه منذ يعض الوقت ..؟!
يده تسترخي على شعرها .. و تقاوم رغبة قوية في نفضها عنه .. و صوته الهادئ يصلها .. لم تسمعه يحدها بهذه النبرة مذ التقته ..!
دوما كان للقسوة نصيب ..
- حور انتي تعبانه الحين .. ارتاحي و عيني من الله خير .. لا تتعبين عمرج .. باكر من الصبح بيكون عندكم سيارة بدريولها توصل البنات المدرسة و تقضي مشاوريكم و في الليل يردها الدريول ..
هزت رأسها ترفض بشدة و هي تفتح فمها للاعتراض و لكنه لم يهتم لها و عادت نبرته تقسو مجددا .. يكره أن يجادله أحد ..
- بس خلاص .. انتي ما تعرفين غير العناد ؟!!.. فكري بمصلحة أخوانج مرة وحدة ..
اغرق الدمع مقلتيها .. ما الذي يقصده .. دوما تهتم لمصلحتهم .. تابع و هو ينهض من مكانه واقفا .. جسده المديد ملأ جو الغرفة حتى بدت ضيقة للغاية .. خانقة ..!
- أنا برتب أموريه و بيي أسكن هنيه الين تنقضي عدة أمج و تنتقلون البيت العود ..
ارتعشت أوصالها و هي تهمس معارضة بضعف ..
- لااااا .. ما نباااك عدنـ ...
- انا أخبرج ما أطلب رايج و الا عايبتنج يلستكن و انتن كلكن حريم من دون ريّال .. نحن ملزومين بكن .. و محد بيروم ييلس هنيه الا محرم .. و بما انيه .. - صمت للحظة و هو يرفع حاجبا ساخرة - ريلج ..
كرهت طريقته في قول - ريلج - و هي تشيح بوجهها بعيدا عنه .. فيما تابع هو الحديث غير مكترثا لحركتها تلك ،، و كأنما كان ينتظر منها أن تتماسك فقط ليعود إلى خشونته تلك .. حسنا على الأقل تعرف أين موضع قدمها الآن ..
هذا هو العدو و عليها أن تتصدى لمحاولاته الخبيثة في خرق امان حياتهم .. لا يمكنه أن يسلبهم ما تبقى من أيامهم قبل أن يضمهم ذاك الجد لكنفه .. شعرت بان تلك اللحظة ستكون الأخيرة لا تدري لما ..!
- أنا الوحيد المحرم لكن و لأمج بعد .. عسب كذيه .. من باكر برتب الميلس عسب أيلس فيه ..
تسحب نفسا قويا تلتمس شيئا من الصلابة .. تبا .. ألن تتوقف مآقيها عن ذرف الدموع ..
- نحن هب محتايين ريال ويانا .. سادين عمارنا ..
نظر لها بامعان يتفحصها .. شعرت بوطء نظراته تلك رهيبا .. عيناه المتكاسلتان تسخران من الضعف الذي بدا في صوتها .. أم شيء آخر ..؟!
- صدق و الله ..؟ سادين عماركم ..؟؟ و نايف و عفرا ..؟؟
رفعت رأسها مجفلة بضعف .. لم تكن تعلم أنه يصطاد بثقة في الظلام .. و أن اجفالها هذا كان كل ما يحتاجه ..
هناك مشاكل إذا تعجز عن السيطرة عليها .. !
ابتسامته البغيضة التي توسطت وجهه الصلب كان بمثابة طعنة لها .. لا يمكنها التذكر حتى ما الذي تفوهت به في غمرة غضبها المجنون .. كان عليها أن تحكم نفسها .. كي لا تجد نفسها هنا الآن تحت رحمته ..
تعلم جيدا أنها ليست حمل معارضته أبدا .. يمكنه أن يدمر أي عذر تقدمه ..
كانت تجلس على السرير و هي تسند ظهرها المنهك على الجدار .. ضمت ركبيتيها لصدرها .. شعرت بأنها لا تقوى على رفع خصلات شعرها التي تلتصق بجانب وجهها بفعل الدموع ..
أسندت جبينها الساخن بيدها تعبة .. أفكار شتى تتنازعها .. لم تعد للحظات تريد أن تفكر بشيء ..
.
.
يعقد ذراعيه أمام صدره و هو يقف في مكانه يتأملها .. لم تجبه بعد كلماته الأخيرة ..
بدت و هي تضم نفسها هكذا كطفلة خائفة .. لا زالت تعتريه الدهشة كلما قابلها .. لا يمكنه تصور أن هذه الفتاة تبلغ من العمر أربعة و عشرين عاما .. بدت أصغر من ذلك .. في سن أخته شيخة مثلا ..؟!
الحقيقة أن هناك العديد من الأمور لا تزال في انتظاره .. هناك الكثير لينجزه ..و أولها رؤية جده وجدته ..
متأكد بانهما سيصعقان بالخبر .. ما الذي سيفكر به جده يا ترى ..؟! هل سيكفيه ذلك حتى تخرج زوجة عمّه من العدّة ..؟!
لطالما كان يثق به و بوعوده .. ما الذي يتغيّر يا ترى حين يصر على تأجيل توقيع عقد نقل الملكية حتى زواجه ..؟
متأكد بان جده واثق بانه لن يخدعه .. و أنه حتما سيفي بوعده بالزواج بها ..!
أمعن النظر في رأسها المطرق ..
يتزوجها .. !
هذه الفتاة زوجته ..!! ها هو يراها بلا غطاء .. شعرها ينسدل على جانبي وجهها بتعب و ظهرها المنحني يرتفع و ينخفض .. أتاه صوتها الضعيف و هي تتساءل بحيرة ..
- ما دري ليش متعبل ابنا .. نحن ما نشوفك الا غريب ..!
هل تفكر بصوتٍ عالٍ ام أنها تطرح سؤالا ينتظر اجابة ..؟! لا يزال وجهه شامخا يخلو من التعبير و صوته العميق يتردد بين جدران الغرفة الضيقة ..
- انتي حرمتيه .. و بنت عمي .. و نحن ملزومين ابكم ..
انتفض قلبها بطريقة كرهتها و هو يتبجح بقوله - حرمتيه - و كأنما يسعده حقا هذا .. !
رفعت رأسها لتسقط عينها في عينيه و هي ترفع صوتها الهامس تلتمس شيئا من الصلابة ..
- خلاص طلقني و فك عمرك من الهم ..
رفع حاجبه بتكبر و هو يقول بقوة ..
- و من قال لج انيه أبا أطلق .. انا مرتاح بالهم ..
وضعت أناملها بألم على شفتيها .. تشعر بالدوار .. الصورة هذه مشوهة أمام عينيها بطريقة ما .. و هي تقول بخفوت ..
- أنا أباك تطلقنيه .. طلقنيه ..
تصلب فكّه بقسوة .. و عينه تتحولان لقطعتي جليد .. جسده المديد يتقدم ببطء نحوها ..
حمقاء .. لا تعلم ما الذي تقف حقا عليه .. هي المفتاح الوحيد لذلك الجهد الذي كان يكابده منذ سنتين ..
راح يكبح رغبة عارمة في مد يده ليشد نعومة شعرها الذي احتضن وجهها الشاحب المحموم بقوة ..
اكتفى بنظرة متسلطة عليها .. قبل أن يعيد كتفيه إلى الخلف و يمد يده و هو يمسك بذقنها الرقيقة بإحكام عجزت عن الانفلات منه .. و صوته الآمر يقول بصرامة قاطعا هذا الحديث التافه ..
- انتي تعبانة الحين ارقدي ..
لمس بإبهامه طرف خدها .. فارتعشت و هي تشيح بوجهها عن رؤيته ..

* * * * *

- ياااااااااا وييييييييل حالييييييييييييه ..!!!
كانت تلك الصرخة المروعة لأمها التي وضعت يدها على صدرها و عيناها تزيغان بقوة .. هبت روضة التي شحب وجهها من الصدمة لتمسك بيد أمها التي بدا أنها على وشك الإصابة بالفالج ..!
بينما وقفت هي دون حراك .. ببنطالها الخشن الواسع و الفانيلة القطنية التي تكاد ان تصل لركبيتيها .. و شعرها المقصوص الذي صعق أمها بشدة ..
وجه أمها المحمر و أنفاسها المتسارعة .. كانا خير دليل على العاصفة التي تعتمل في داخلها .. و لكنها لا تكترث الآن .. يمكنها ابتلاع غضب أمها و تجاهل اخوتها .. تعلم جيدا أن أباها لن يجد الوقت ليعنفها على ما لا يهمه ..!
أمها تصرخ بجنون و عيناها تكادان تفارقان محجريها و هي تلهث ..
- شيخووووووه ويييييييين شعرج ..!!!!!!!!
كانت هناك لمعة في عينيها .. لم تعلم إن كانت دموع أم أنه بريق الصدمة .. لكن ذلك لا يهنيها لذلك رفعت أنفها بثقة و هي تقول ..
- قصيته ..
صاحت روضة في وجهها و هي ترى أمها على وشك أن تفقد وعيها ..
- لييييييييييش قصيتيييييييييه ...؟؟ شوفي شكلج كييييف غااادي .. تقولين واحد من الشبااااب .. و الله لو يشوفج غيث ليذبحج ..
لوحت امها بيدها بهستيرية و هي تصيح لروضة ..
- اتصلييييبه .. اتصلييييبه الحين .. خليييه ايي و يشوف سواااد ويهااا ..
ارتعدت لفكرة مجيء أخيها الأكبر و رؤيته لها بهذا الشكل .. رغم ذلك حاولت التظاهر بالشجاعة و هي تقف في مكانها دون أن تتزعزع .. كانت روضة هي من أنقذها و هي تنظر لها بعتب ..
- لا يميييه غيث خليه برا السالفة .. تعرفين انه ما بيستوي خير لو درا ..
لكن أمها كانت مصرة بجنون ..
- أناا ما باالها الخير .. حسبي الله عليها من بنية بتذبحنيييه .. اتصلبيه .. هاي تخبلت ... باكر بتلبس كندورة أحمدوه و بتسير تصلي في المسيد .. آآآه يا فوادييييييه .. قصت شعرهاا الخبلة .. قصت شعرهاا .. يا ويل حاليه ..
روضة استمرت باصرار في تهدئة أمها .. عليهم نسيان الأمر و أن لا يعرف غيث بالموضوع .. تخيلت مجيئه ليراها فقط بهذا الشكل .. سيدق عنقها ..!!
استرخت هي على الأريكة في الردهة الكبيرة فيما أخت روضة أمها لغرفتها .. تريد ابعادها عن شيخة .. سرعان ما عادت لها .. لتقف أمامها و هي تضع يدها على خاصرتها و تسألها بذاك الصوت الناعم ..
- عايبنج يعني لي استوى .. وااايد أشوفج مرتاحة و لا هامنج شي ..!
تأملت أختها الكبرى دون أن تجيبها .. بثوب البيت الرقيق و هي تقف هناك .. ملامحها الجميلة تنعقد في عزم هادئ .. تقف امامها .. تبعد عنها خطوات فقط .. رغم ذلك كله بدت بعيدة .. أمالا عن هنا ..
شتان بينهما .. لا يمكنها أبدا أن تكون كروضة ..أبدا ..
أشاحت بوجهها عنها و صوت روضة الهادئ يقول بحزم آمر ..
- تقول أمايا خواليه عقب باكر بيووناا .. ما فيه داعي للفضايح شيخة .. بليز ..
رفعت حاجبا محتقرا لأختها الكبرى و صوتها الغليظ يستاءل ..
- شوه قصدج ..؟
رفعت روضة رأسها و هي تقول بثقة ..
- تعرفين شوه قصدي ..

* * * * *

زفر نفسا طويلا من دخان سيجارته و هو يسترخي في مقعده مضيقا عيناه بتفكير ،، كان قد أبلغ جدته و جده للتو عن قراره بالإنتقال ،، و أظهرت الأولى حماسا بالغا كسر روتين بؤسها الذي يغشاها منذ فترة .. رغم تلك الدموع التي خالطت دعاءها له بمرارة .. الغريب هو التعبير المبهم الذي اعتلى وجه جده و هو ينصت له بصمت .. ها هو الآن يستقر خلف مكتبه و عينيه تركزان على وجه حفيدة الأسمر و هو يبدو غارقا حتى أذنيه في ما لا يعلمه .. يسحب نفسا عميقا من السيجارة الذاوية بين أنامله لينفثها دخانا في الهواء .. لا يدخن إلا إذا كان مشغول البال .. عادة سيئة للغاية .. و لكنه لم يفارقها منذ سنوات ..
نظر لجانب وجهه الجامد قبل أن يقول بهدوء ..
- شوه لي خلاك تغير رايك في سالفة السكن و انته ما خليت حد يتدخل فيها من الأول ..؟!
ضاقت عيناه أكثر قبل أن يدس طرف السيجارة المشتعل في المنفضة ليدوس عليها بقوة و يرفع عينيه و هو يهز كتفه ..
- غيرت رايي .. شفت ان فهد صادق .. حريم و اروحهن .. لو يستوي عليهن شي .. ما بتكون السالفة فمصلحتناا .. نحن معروفين و أي شي يمسناا ..
همهم جده بتعبير غير مفهوم و هو لا يزال ينظر له بطريقة غريبة ..
- لا .. زين سويت .. ما قلتلي .. و البنية ..؟!
عقد حاجبيه بتفكير .. يعرف من يقصد بالبنية ..
- بلاها ..
لم يرد جده عليه .. فيما استعاد هو في ذهنه .. صورتها اليوم .. بوجهها الشاحب و خديها الحمراوين .. و مدامع عينيها المتدفقة و هي تطلبه الطلاق ..!
ما الذي قد يفعله جده ان رأى ذلك ..؟! ما الذي يقف حقا خلف نيته في تزويجه حفيدته تلك ..؟!
قبل موت حمدا كان متيقنا أنه يحاول التقرب من ابنه ذاك دون أن يمس كرامته أو يتنازل عن علياءه ..
الآن ..!
ابنه رحل .. و ليس عليه استرضاءه بما أن ابنته ستأتي للعيش هنا على كل حال ..!
لقد عقد العزم على الزواج منها للحصول على حقّه و ما أفنى سنتين من عمره لأجله .. و سيفعل ذلك ..
سيتزوجها ..
لا يهم ما الذي قالته اليوم .. تلك مراهقة لا تعرف عن الواقع شيئا .. كل ما ترغب به هو أن تمنح إحساسا .. لا بد أنها تكرهه الآن .. لذلك لا تريد الزواج به ..
سيكون سعيدا بأن يمنحها الاحساس الذي تريد اذا كان ذلك سيجعلها طوع أمره .. لن يخسر على كل حال ..
فهو سيضطر يوما للزواج و الانجاب و ها هي الفرصة أمامه .. سيضرب عصفورين بحجر .. زوجة لا تعرف الشكوى .. و وسيلة للحصول على الشركة ..
ناوشت شفتيه ابتسامة ساخرة و هو يفكر بما قد يوهمها به من مشاعر كي تميل اليه و تصرف النظر عن طلبها الأخرق .. لن يصعب عليه بتاتا أن يغرر بها .. فلا خبرة لها أبدا في الحياة خارج حدود تلك الجدران البائسة ..
.
.
يراقب تلك الابتسامة الساخرة التب اعتلت شفتيه .. مفكرا بعمق .. ما الذي قد يدور في رأسه المعقد يا ترى ..!
رد بصوته الصارم حين رأى الاستفهام يعتلي محياه مجددا ..
- بعدك تباها ..؟!
رفع غيث حاجبه و هو يبتسم بخبث .. يريدها ..؟! نعم لا زال يريدها .. و بقوة ..
- بعدنا ع الاتفاق ..
تصلب ملامح جده و هو يقول بقوة و صوته يعلو ..
- أنا ما أرد في رمستيه يا صبي ..
ابتسم غيث بحب شديد .. لا زال يهاب غضب جدّه .. و المعاملة الخاصة التي يتلقاها كونه قد تربى في كنفه .. لن تعني شيئا إن أثاره ..
لذلك أردف بثقة ..
- و أنا ما أرد فرمستيه .. بس أشوفك وايد واثق يا بويه .. يمكن البنت ما تبانيه ..؟!
لمعت عينا العجوز بقسوة و هو يصر أسنانه ..
- و يمكن أنا أبا الشركة اتم بسميه .. خلاف لا مت اتقاسموها ..
رفع حاجبه و هو ينظر لجده بهدوء .. هذا تهديد إذا ..!
- خلاص هب مشكلة ،،
- يعني ..
هب واقفا من على كرسية .. يلتقط علبة السجائر و الغترة المرمية على الطاولة أمامه و هو يقول بقوة ..
- يعني من باكر بختار تصميم البيت و هالشهر ببدا الحفر في غرب الحوش ..
و رفع رأسه يقول واثقا ..
- أول ما تظهر أمها من العدة بنحدد العرس ..
كان الارتياح الشديد على وجه جده و هو يتنفس الصعداء .. معبرا ..
هل فكر بأنه قد يغير رأيه ..؟!
صحيح أنه يكره أن يجبر على شيء ..
و لكنه لا زال يريدها ..
لا زال يريد شركته ..

* * * * *

وضعت حقيبة يدها جانبا و هي تحرر شعرها من الغطاء و عوشة تتذمر ..
- أوفففف .. حررررر .. عنبوه لو بنتم هنيه في الصيف بينسلخ جلدي ..! و بشرتيه بتخترب .. لازم نسافر هالصيف .. لنا سنتين و محد طايع يسفرنا عسب يدوه ..!
لم تكن روضة تستمع لثرثرتها .. وافقت على مرافقتها إلى هنا .. على أمل أن ترى غيث مصادفة .. لا تجرؤ على الاتصال .. تود حقا أن يمسكها و ينفرد بها ليسألها عن قرارها .. أن يجبرها على البوح بحيرتها .. تعلم أنها ليست الوحيدة هنا المتأملة برؤيته ..عوشة أيضا لا يدفعها شيء لقطع حياتها الاجتماعية الصاخبة و التكرم بزيارة لبيت جدها أو بيت عمها الأكبر إلا لتراه ..
راحت تعصر يديها بتوتر .. هي على وشك احداث طفرة في علاقتها بذاك الأخ .. تسأله رأيه و تستشيره .. رغم أنها و إخوتها كانوا دوما يهابونه و يحترمونه .. دوما كان يبدي استياءا واضحا على ما لا يعجبه .. يأمرهم .. و ينهرهم .. أحيانا قسوة .. و أحيانا جانبا من اللطف في تلك اللحظات الخاطفة التي يلتقونه ..
لم يكن غيث قط قريبا منهم .. ربما بسبب عيشه هنا .. ربما بسبب فارق السن .. لا تعلم .. شيء واحد دوما تتساءل عنه ..
كان أبوها قد تزوج بإمرأة قبل أمها حين توفت زوجته أم غيث و قامت بتربيته لثلاث سنوات .. حتى بلغ السابعة من العمر قبل أن يطلّقها و يتزوج أمها ..!
لماذا انتقل للعيش إلى هنا بعد زواج أبيها بأمها ..؟! أ كانت أمها من رفض ايواءه في بيتها يا ترى ..؟! أ لهذا دوما ترى الصقيع يقطر من معاملته لها ..؟!
كل ذلك غير مهم .. المهم الآن أنها بحاجة لأن يكون قريبا منها الآن ليفهمها .. ليدلها ..
تنهدت بصوت مسموع لتقطع عوشة سيل حديثها بضيق ..
- مالت عليج .. انا من الصبح أرمس عمريه ..!
احمر وجه روضة باحراج و هي تعتذر ..
- لا وياج ..
زفرت عوشة بنقمة و هي تلتقط حقيبتها و تعدل من هندامها ..
- نشي عيل ..
- وين ..
- أمينة تقول يدوه يالسة خاري .. يا الله بنظهر لها ..
هبت واقفة من مكانها تلتقط حقيبة يدها .. متوجهات إلى الخارج حيث تجلس جدتها .. هل ستستطيع الإختلاء بغيث و عوشة هنا .. ربما لا .. فستسعى ابنة عمها حتما للالتصاق به .. توجهن معا للخارج و عوشة تتمايل في مشيتها بغنج .. حيث جلست جدتهن على المنصة الرخامية و قد فرشت فيها سجادة عجمية عملاقة .. وضعت عليها القهوة و توابعها من الأطعمة الخفيفة التي يُعتاد أن توضع معها
ما إن خرجن من الباب المؤدي للحديقة العملاقة حتى بدأت الجدة بالترحيب بهن بصوتها الضعيف .. الحبور الخفيف الذي علا محياها و هن مقبلات أذهلهن فكل من يعرف هذه المرأة أدرك أي ألم كانت تكابد في الأسابيع الماضية .. ما الذي حدث ليجعلها تعود لطبيعتها ..
تقدمت عوشة مسرعة لتحتضن جدتها بحب و هي تقبلها بقوة ..
- فدييييييتج و الله .. تولهت عليج أمايا ..
برقت عيناها بحنان حقيقي و هي تمسح على شعر عوشة التي جلست بجانبها ..
- تولهت عليج العافية يا حبيبتي ..
ابتسمت روضة بهدوء و هي تسلم عليها بحب و احترام ..
- السلام عليج يا أميه ..
- مرحبا .. مرحبا .. حيا الله ببنت علي .. حيا الله برويض القاطعة لي ما نشوفها غير في المناسبات ..
شعرت روضة بالخجل الشديد من تقصيرها و هي تقبل رأسها لتجلس على يسارها و هي تعتذر باحراج ..
- مقصرين يا الغالية سمحيلنا ..
مسحت الجدة على رأس عوشة التي كانت تتباهى بدلال كطفلة صغيرة ..
- عاد العاش يعلنيه هب بلاها ما تفارقنا .. كل يومين و هي مسيرة.. و انتي و شيخة امرررة ما لكن شوف .. عنبوه .. تعالن تخبرن عنيه و الا عن يدكن .. ما بقى في العمر باقي خلوناا نشوفكن ..
- الله يطولنا بعمرج فديتج .. يا غير غربلتنا الدراسة و عوشة فاضية ..
و راغبة في المجيء أيضا ..!
و لكن الجدة واصلت العتب عليهن ..
- حامد كل خميس أشوفه هو الشباب .. و غيث يعلنيه أفدااه عنديه .. أحمدووه و هزاع كل يومين طابين عليه .. و عيال سعيد و فهد ما يقصرون .. و انتن الثنتين تخطف عليه شهور ما شوفكن ..
هزت روضة رأسها بخجل .. دون أن ترد و احساس بالذنب يخالجها .. لا تعلم جدتها سبب هذه الزيارة ..!
و تابعت جدتها بأسى خالطه نبرة مختلفة و هي تقول بابتسامة هادئة ..
- عاد الحين لازم تخطفون عليه و تيونيه .. يدكن و ملتهي ما يفضي الشيبة .. مادريبه متى بيرحم عمره من هالاشغال .. و غيث ودر البيت و أنا يالـ ...
- ودر البيت ...!!!!!!!!!!!
كان هذا صوت عوشة الحاد مذهولا .. و هي تتابع بلهفة ..
- ليش يا أميه ..؟!
ابتسمت لها و لوجه روضة المصدوم .. ما الخطب ..!
- ماشي يعلنيه فداكن لا اتروعن .. يا غير شل قشاره و سار يلس في بيت عمه حمد .. بيتم هناك الين تنقضي عدة حرمة عمه .. و خلاف بييبونهم هنيه .. تعرفون عاده .. حريم و ما عندهن ريّال .. و هو ما طاع لهن و عزر ييلس هناك ..
كانت جدتها تواصل الحديث دون أن تدرك الضجيج الذي يضطرم به صدر كل واحدة منهن .. روضة مشدوهة بسيل المعلومات المتدفق هذا .. لابد أن أمها و أبيها و أخوانها على علم بهذا .. لمَ لم يتبرع أحد باخبارها .. متأكدة بان شيخة و عوشة التي بدت الصدمة على ملامح وجهها المرسومة بعناية لا يعلمن شيئا عن كل هذا ..!
هذه تطورات لا يمكن أن تستوعبها الآن .. لقد انحرف مسار تفكيرها تماما ..
و صور بيت عمها بجدرانه المشققة تعود لذهنها .. زوجته و بناته .. أشهر قليلة و يكونن هنا ..!
عجز ذهنها عن الرسم صورة لما ستكون عليه الحياة في هذا البيت بعدها ..!
.
.
.
تتميز غيظا و حقدا مما سمعت للتو .. شيء كالسعير يضطرم في صدرها ..
لقد ذهب إليها .. سيمضي وقته قربها من الآن وصاعدا .. لم يستطع الانتظار حتى مجيئها إلى هنا .. !
شعرت بدموع القهر تندفع لعينها فرفعت رأسها تقاوم سقوطها ..
أيعقل أنه سيقدم على الزواج حقا بتلك النكرة ..؟! ستموت ان فعل .. سيقتلها ذلك دون شك ..
بعد هذه القنبلة لم تعد ترغب بالمكوث هنا .. شعرت بحرقة تجتاح صدرها .. و هي تبتلع دموعها مقاومة رغبتها بالبكاء ..
وقفت على قدميها .. لتنظر اليها روضة و جدتها بدهشة ..
- وين فديتج ..؟
ابتسمت بشحوب ..
- بسير يدوه .. بنات خالوه بيوونيه اليوم .. تعرفين محد في البيت غيريه .. بسير أعابل الفوالة و المكان ..
نظرت لها روضة بشك واضح .. متأكدة بأنها مجرد حجة .. فوقفت هي الأخرى بسرعة .. و شعورها بالذنب يتعاظم .. ها هي ستترك المكان حالما علمت بأنه ليس هنا .. لم يعد هناك فرق بينها و بين عوشة ..
- و أنا وياها يدوه .. و ان شا الله قريب بنخطف عليج و بنييب شيخة ويانا ..
و ابتسمت و هي تستمع لاعتراضات العجوز .. راحة طفيفة سرت في عروقها و هي تقبل رأس جدتها ..
بدت بخير تماما .. لم يختف الألم عن وجهها .. و ما زال الوجع يسكن عينيها .. و لكن أفضل حالا بكثير من حالها في العزاء و الأيام التي تلته ..!
سبقتها عوشة و هي تمشي بسرعة تقطع الردهة الكبيرة و صوت كعبها على الأرض الرخامية تردد صداه الجدران .. لم تلتفت لروضة التي كانت تمشي بهدوء خلفها و هي تحاول لف غطاء شعرها قبل أن تخرج .. ما ان فتحت الباب الخارجي لتلحق بعوشة حتى تجمدت في مكانها .. تقبضت يداها بقوة .. و قداماها تعجزان عن مواصلة المسير للأمام .. و هي تنظر للثلاثة الذين توقفت عوشة عندهم لبرهة .. توجهت الأنظار نحوها .. و راح قلبها يخفق بجنون .. شعرت بالدم يهرب من وجهها .. هذا آخر من كانت تتمنى رؤيته الآن ..!
دفعت نفسها للتقدم مع إطالتها الوقوف هناك .. و هي تبتلع ريقها بهدوء .. اهدئي .. لا تفضحي نفسك .. لا شيء يستدعي هذا الخجل كله ..
كالعادة أطولهم يقف خلفهما قليلا و عينه تتأمل الأرض الذي يقف عليها .. ابتسامة هزاع اللطيفة كانت مشجعة و هي تقترب منهم بهدوء ..
- مرحبا مرحبا بشيخة البنات ..
ارتجف صوتها و هي تسلم عليهم ..
- السلام عليكم و الرحمه ،،
.
.
.
شعر بقلبه يطرق أضلعه بقوة رتيبة .. و صوتها الناعم يداعب مسمعه بهدوء .. رد عليها بهدوء دون أن يرفع عينه ..
- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
رآها للتو حين كانت تقف عند باب المدخل .. بدت مترددة في التقدم ..
هل أسر لها أخاها بطلبه يا ترى ..؟! حك لحيته بهدوء .. و صوته العميق يوجّه لها ..
- شحالج روضة ،،
ناوشت شفتيه ابتسامة حلوة أخفاها بجهد و صوتها الهادئ يخاطبه ..
- بخير ربيه يسلمك .. شحالك سيف ربك بخير ..
- فنعمة ما نشكي باس .. شحالج و شحال أهلج ..
- يسرك حالهم .. علومكم ،،
- علوم الخير .. حيّا الله بنت علي ،،
همست بهدوء ..
- الله يحييك و يبقيك ..
راح ينصت لصوتها الهادئ و هي تتبادل السلام مع هزاع و حارب .. يختلط بصوت كعب حذاء عوشة الذي راحت تهزه بقلة صبر ..
- حارب أخبار الدراسة ،،
.
.
كانت تحاول جاهدة أن تبدو طبيعية .. هل لاحظ إهتزاز صوتها يا ترى ..؟! كان حارب يرد عليها و هي تحاول التركيز فيما يقول ..
- و الله يا بنت العم نكرف في هالمدرسة .. ما بقى شي ع الامتحانات اسبوعين و تبدا .. دعواتكم ..
- الله يوفقك إن شا الله .. و يسهل عليك .. و ترفع الراس ..
ابتسم لها حارب بلطف ..
- آمين .. عاد أنا على الله و على دعواتكم .. دعوليه ربيه يعينيه عليها ..
قال حارب مازحا ..
- أقول كل يوم تيينيه .. و تحب راسيه .. – و راح يمثل ويقلد صوت حارب – هزاع يا خوية .. ادع ليه ..
هز حارب رأسه مستنكرا ..
- و الله لو بطلب حد يدعيليه .. بخلي بو هناد .. ريال يعرف ربه .. و الا انته ما ظنتيه دعوتك توصل سقف الحجرة ..
ابتسمت روضة بهدوء .. وهزاع يوجه ضربه لظهر أخيه الأصغر مازحا و في حين نهرهما سيف بقوة ..
- محد يمزح في هالسوالف ..
غمز هزاع لروضة التي راحت تخفي ابتسامتها ..
- عصب المطوع ..
قاطعتهم عوشة و هي تقول بفتور تمسك برسغ روضة و تسحبها ..
- يا الله شباب .. البيت بيتكم .. و يدوه يالسة خاري .. نحن مستعيلات سمحولنا ..
نظر لها هزاع ببرود ..
- غصبن عنج بيتناا .. – ثم ابتسم لروضة بهدوء – خلينا نشوفج روضة ..
هزت رأسها بإحراج .. و هي تشعر بسيف يتحرك بضيق و كأنما لا يعجبه الوقوف هنا ..
- إن شا الله .. يا الله عيل نحن بنتوكل .. فداعة الله ..
- الله يحفظج ،،
مضت بسرعة ترافقها عوشة فرفع عينه للحظة لتصطدم بابتسامة هزاع الواسعة .. عقد جبينه و هو يشعر بأنه قد افتضح أمره بشكل ما ..
- شعندك متشقق ..
ضحك هزاع و حارب يهز رأسه .. ثم وضع ذراعه حول كتفي سيف العريضين ..
- هههههههههههه .. ياخي و الله انك سالفة ..
شعر سخونة في رأسه وهو يدفع هزاع بضيق ..
- و انته ما عندك سالفة ..
هز هزاع رأسه بوقار مصطنع ..
- ما عندي سالفة .. ما عندي سالفة ،، هب مشكلة .. أهم شي يود سوالفك .. يااا ..
ثم نظر بخبث له و هو يهمس قرب أذنه ..
- ياا المعرس ..
و أطلق ضحكة مدوية حين احمر وجه سيف غيظا أو خجلا .. و هو يسدد لكمة سريعة لكتفه ،،
.
.
.
.
و ضعت كفها على قلبها الذي راح يتراقص بطريقة مختلفة .. لمرة الأولى يراودها هذا الاحساس ..! لطالما رأته و لم يؤثر فيها بهذا الشكل .. الآن طلبه دفعها للنظر اليه من منظور آخر ..
تنفست بعمق و هي تلتفت لعوشة .. لتتسع عيناها بصدمة ..
كانت غرتها متدلية على جبينها كالعادة و لكن عينيها الواسعتين محمرتين و قد سالت دموعها سواد كحل على جانب وجهها و هي تعظ شفتيها ..
صوتها يتهدج و هي تعتصر طرف شيلتها بقوة باكية ..
- أخوووووج حقييييييير .. أكرهـــــــــــه ..!! و الله لينـــــــــــــدم .. و الله ..

* * * * *
>>







لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 02:01 PM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\

تتمة





- أنا يوم شفته شالنج ويربع بج .. شوه أقولج .. ويه الخايف الملهوف .. حور .. تقولين شاروخان في واحد من أفلامه !!
قالتها نورة بحالمية و هي تضم كفيها في حركة مسرحية حين كن يجلسن في الحوش عصر اليوم التالي .. قبل أن تضربها دانة على كتفها معارضة ..
- مالت عليج ما لقيتي إلا هالهندي المعفن .. حور ما يي صوبه شاروخان .. أحسه يقرب لبراد بيت يوم مثل في تروي .. آآآه والله انه هيبة ..
تصر على أسنانها ووجهها المنتفخ المحمر خجلا .. أم بفعل بقايا الحمى .. لا يتبين منه سوى الغيظ .. وهي تقول بصوتها المبحوح ..
- و الله ما عندكن سالفة ..
ضحكت نورة و دانة بقوة و ابتسمت المها رغم أنه بدا واضحا أنها لم تسمعهن ولكنها خمنت فحوى الحديث من وجه حور المحتقن فنورة و دانة لم يكفن منذ الأمس عن السخرية من حور .. ناولت عفرا حور كوب الحليب الساخن قبل أتمد واحد آخر لأمها التي كانت تلاعب شعر مزنة المستلقية على ركبتها ..
- ما عليج منهن .. خراطات أصلا يوم حدر الريال كنا في حجرتناا .. ما شافن شي ..!
قالت دانة بثقة ..
- و الله شفنااه من الدريشة يوم انه ظاهر ويا نايف .. تم زاخنه و يرمسه .. ظنتيه يسويله استجواب .. – ثم استدركت بخبث – يمكن كان يوصيه عليج ..
هزت حور رأسها بحقد ..
- شكلج ما بتصخين الا يوم أرشج بالحليب ..
ابتسمت نورة لوجه حور الذي بدا جميلا بشكل ما وهي تحمر هكذا ..
- هيه .. عيل السيارة لي ودتناا و ردتناا من المدرسة اليوم ليش حاطنها .. ؟؟ و تقولين بيسكن عدناا .. أخ يا فواديه ع الاهتمام ..! الله يعطيناا مما عطاكم .. أقول حور .. هب كنه طويل عليج شوي .. ؟ ما يي تقسمينه نص لي ونص لج ..؟
لم ترد حور على أي منهن و راحت تتأمل هند التي انبطحت على بطنها و هي تقرأ في أحد كتبها بصوتٍ عالٍ .. تستذكر دروسها مع اقتراب وقت الامتحانات ..تشعر بالخجل الشديد .. بدت ليلة البارحة و كأنما حدثت منذ سنوات .. تضطرب معدتها و تشعر بالخجل الشديد كلما تناهى لها تفصيل مما حدث بالأمس .. رغم ضبابية الذاكرة .. إلا أنها ودت لو تمر سنوات قبل أن تواجهه مرة أخرى ..!!
لا تستطيع منع نفسها من ذاك الشعور الغريب وهي تتذكر كم كان قريبا منها البارحة .. تبا له .. يبدو أنه تخطى الكثير من الحدود الحمراء دون اكتراث حقيقي لما قد يكون رأيها بذلك .. كانت تشعر بأنها أفضل حالا لولا تعليقات نورة و دانة المستمرة منذ البارحة .. و أحاديث نايف المتحمسة عن سيارته و العاملين الذين أخذوا بعض الوقت في المجلس لإحداث ما لم تستطع فهمه ..!
الأحمق هل ينوي تحويل المجلس لغرفة خاصة له .. تبا .. وكأنما يتحدى رفضها بمد أصوله هنا ..!
أخفضت نظرها وهي تزفر بهدوء .. لم يبدو على اخوتها أدنى اعتراض على وجوده هنا ..
تذكرت بألم كيف تفاعلوا جميعا مع الخبر بارتياح .. و استعادت وجه أمها المضطرب القلق و هو يلين بابتسامة حين ضمتها لصدرها ..
كرهت هاجسا راح يؤرق احساسها .. هل هذا كله هو انعكاسٌ لبريق المال في أعينهم .. أم أنهم شعروا بالراحة لوجود رجل هو الأمان بالنسبة لهم ..؟!
رفعت عينها مع نهوض البنات بسرعة و دخولهن واحدة تلو الأخرى .. وانتبهت لوجود نايف هنا .. وهي تسأل عفرا قبل أن تختفي في الصالة ..
- وين ..؟؟
- ريلج بيي ..
اتسعت عيناها و هي تهمس بارتياع ..
- هاا ؟؟!!!!
نظرت لنايف و هي تجيب ..
- أخوج يقول انه يبا يسلم على أمايا و يشوفج .. بنلبس شيل صلاة و نيي ..
ثم اختفت .. تلفتت هي حولها برعب شديد .. الجدار الذي تستند عليه .. و حولها بطانية تلفها رغم الحر فبرودة ما يقشعر لها بدنها بفعل الحمى .. شعرها الأشعث ووجهها الشاحب .. كرهته في هذه اللحظة من قلبها .. ألم يجد وقتا أفضلا ليأتي .. شعرت بأنها قطة متسخة استوت هند جالسة و هي تحكم لف غطاءها و مزنة تجلس على جانب أمها التي راحت تعدل من وضع برقعها ..
رباه أين لها أن تختفي الآن .. أ ما من أرض تنشق لتبتلع احراجها هذا ..؟!
لا تريده أن يدخل إلى هنا .. ليجلس بينهم .. لا تريد أن يقتحم وجوده عائلتهم الصغيرة ..
.
.
.
كان نايف يمشي إلى جانبه حين طرق الباب الذي يصل ممر المجلس بالحوش بقوة و صوته الرجولي يرتفع منبها ..
- هووووووود .. هوووووود ..
سمع صوت فتاة واضح تأذن له بالدخول ..
- هدااا .. اقرررب ..
تجاوز الباب ليدخل الحوش الصغير ..
- السلام عليكم ..
كن الأربع يقفن احتراما لقدومه أول من سقط نظره عليها .. إمرأة لم يتبين ملامحها جيدا من خلف البرقع .. جسدها الضئيل جعلها أقرب لابنتها تلك .. رغم بروز بطنها الصغير .. لا يدري لما تذكر أمه نورة حين رآها .. شيء من الوجع يسكن زوايا عينيها المسالمتين مس قلبه و ذكره بها .. هذه أيضا توجعت على فقدها ..
أي حدود وصل وجعها يا ترى ..
حين رحل حاميها .. سندها .. تاركا لها هؤلاء اليتامى ..
و شيء من الحياة لا تزال تحتضنها داخلها لن ترى أبا لها ..
وعجز ..!
لا زال في قلبه من الانسانية ما دفع موجة الشفقة الهائلة في عروقه و هو يسمعها ترد سلامه الذي حتما استشفته من حركة شفاهه و هو يدنو .. و ترحب به بلهجتها المتكسرة بفعل إعاقتها السمعية ..
- واا عييكم الساام .. مااحبااا ماا حباا ..
لم يستطع سلخ عينه عن مقلتيها الدافئتين وزوايا عينيها تتجعدان بدفء واضح دل على ابتسامة أخفاها البرقع ..
- لمرحب باقي ..
سلم عليها بشيء من الاحترام كما اعتاد أن يفعل مع زوجة أبيه .. وهوى على رأسها الذي يقل طولا عنه يقبله باحترام .. رغم كل شيء .. هذه الغريبة هي زوجة عمّه .. و لها من الاحترام ما كان له ..
التفت للجانب الآخر .. حيث تقف زوجته في مكانها .. وجهها المرهق بدا أفضل مما كان عليه بالأمس .. وجبينها ينعقد في هدوء .. ونظرة الغيظ و العداء تلك جلية في عينيها .. لم يقاوم ابتسامته الساخرة التي تسللت لشفتيه وهو يرفع حاجبه متحديا ويقترب منها .. تحولت مشاعرها السلبية إلى ذعر اتضح على وجهها وهي تتراجع خطوة للوراء حتى تكاد تلتصق بالجدار .. فيما أحنى رأسه نحوها بعجرفة و يده تقبض على زندها كي لا تتحرك و هو يسلم عليها .. توترت أنفاسها بقوة و تسارعت .. و هي تشيح بوجهها مع ابتعاده قليلا لينظر للفتاة التي وقفت قرب أمها تراقبه بهدوء .. علم أنها هي من صاحت تأذن له بالدخول حين سألها ..
- منوه انتي ..؟
ردت بصوتها الهادئ .. وهي تعقد يديها بتماسك وحيادية لا تمتلكها أختها الكبرى ..!
- أنا هند بنت حمد ..
أومأ برأسه متأملا ..
- و النعم ..
- النعم بحالك .. ما عليك زود ..
استدار ليرى طفلة حلوة اتسعت عيناها بانبهار و هي تنظر له و اصبعها في فمها .. لا يدري لما اندفعت ابتسامة لطيفة تليّن صلابة وجهه .. حسنا أ ليس بيت عمه هذا زاخر بالمفاجآت .. يشعر بأنه يخوض تجربة جديدة مع التقاءه هؤلاء الأقرباء و تعرفهم .. سيكونون عائلته لسبعة أشهر قادمة .. !
- منوه هالحلوة .. ؟؟
أمسكت الطفلة ثوب أمها بشيء من الحذر و نايف يجيبه بسرعة ..
- هاي مزنة ختيه ..
هز رأسه لها دون أن يضيف شيئا و أمها تبتعد عن طريقه تدعوه باشارة أن يجلس مكانها .. و لكنه أشار بيده رفضا و هو يشير بخبث لحور .. التي بدا السخط على وجهها و هو يجلس لجانبها براحة قبل أن يقرب له نايف مخدة الاتكاء .. ليريح جسده عليها في جلسة أغاظتها للغاية .. يبدو مستمتعا بالأمر .. ! لا تدري لما استنكرت جسده الضخم بثوبه الفاخر وهو يجلس على سجادتهم البسيطة .. يشاركهم هذه الجلسة و يريح نصف جسده على تلك المخدة المربعة الثقيلة ..
راح يتبادل الأخبار مع أمها بطريقة ما رغم اخطاءه الا أنه كان يقوم بحركات اشارة عامة .. التفت اليها قبل أن تشيح بناظرها بسرعة ..
عليه اللعنة لا تريده أن يظن أنها تتأمله .. شعرت بنظراته تخترق بشرتها وهو يمعن النظر فيها بصمت .. شدت قبضتيها .. كان قريبا للغاية .. لا تفصله عنها سوى هذه المخدة التي وضعت بينهما ..تكاد تشعر بدفء جسده الكبير و هو يسألها بصوته العميق ..
- شحالج ..
لم ينطق اسمها .. شعرت بهدوء غريب يهبط على نفسها و هي تبتلع ريقها و تجيبه بخفوت ..
- الحمد الله ..
لا تريد النظر اليه أو التقاء عينيه .. وهو يعود ليسألها ..
- شوه تانسين اليوم ..؟
بللت شفتيها و هي ترد بضيق ..
- أحسن ..
تكره وجوده هنا .. تريده أن يرحل حالا .. راح يتبادل الكلمات مع هند ونايف .. ومزنة تتأمله بعينيها الواسعتين بفضول .. قبل أن تخرج المها من باب الصالة حاملة بين يديها صينية كبيرة وضع عليها ابريق الشاي ودلة القهوة .. و مرفقاتها .. تتبعها دانة و عفرا و نورة .. ليهب نايف واقفا و يلتقط من أخته الصينية و يضعها أرضا فيبدأ بالصب ..
جلسن الأربع بجانب أمهن الأيمن تباعا .. و مزنة و هند على الجنب الأيسر .. يقابلن غيث و حور التي كانت تخفض بصرها .. لا تدري لما تشعر بالاحراج يقتلها .. بامكانها سماع تعليقات نورة و دانة من الآن ..
تبا له .. إن الحوش يتسع بما يكفي ليبتعد عنها ..!
تمنت من قبلها بقوة أن يلتقط الفايروس من اقترابه ليسقط طريح الفراش حتى يموت ..
أوف .. هل نظرات الجميع مسلطة عليها أم يخيّل إليها ..؟! لن تتبين نظرات أخواتها أو تستشف احساسهن من خلف أغطيتهن .. لكن المها بدأت بتبادل الأخبار و السؤال عن الحال بحركات يدها و لهجتها المكسرة الرقيقة ..و غيث يبادلها الاجابة كما فعل للتو مع أمها .. ثم صوت عفرا العميق .. تتبعها نورة ثم دانة ..
- شحالك يا غيث ،،
- يسرج الحال يا بنت العم و من صوبج ،،
بعد أن انتهين من تبادل السؤال و المجاملة .. التفت لها بهدوء و بصوت خافت لم يسمعه سواها بعد أن التقط فنجان القهوة من يد نايف ..
- عرفي بخواتج ..
عضت شفتها السفلى بقوة .. لا تريد .. لا تريد ..
لا تريد أن يخترق تلك الحدود أكثر .. لما عليه أن يعرفهم واحدا واحدا ؟؟! ابتلعت غصة سدت حلقها و هي ترفع صوتها المبحوح فوق مستوى الهمس و تشير بيدها على كل واحد من البنات ..
- هاي المها بنت حمد تبيعتي .. و هاي عفرا لي أصغر منها .. و هاي نورة .. و هاي دانة ....
- و النعم ابهن ،،
- النعم بحالك ما عليك زود ..
.
.
كان مسترخيا للغاية .. سمة البساطة هي الطاغية هنا .. اسلوب معيشتهم المتقشف .. جلستهم .. تقاربهم ..
و حتى استقبالهم له .. لم تكن هناك ردة فعل مميزة ..
مجرد استقبال هادئ و كأنما اعتادوا رؤيته هنا .. نظر لها .. لا ترفع عينها عن الأرض .. و احمرار طفيف لا يفارق وجنتيها .. مغتاظة .. أو محرجة ..؟
ربما كان تأثير الحمى ..!
لا يهم .. صمم على الجلوس هنا حتى حلول الظلام ..!

* * * * *

توقفت عجلات الدراجتين تدريجيا .. و هي تنغرس في التراب الأحمر .. و أصوات البقية لا تزال تخترق سكون الليل محدثة ضجيجا مزعجا .. قفز الأول بسرعة يركض قبل أن يرمي الآخر حذاءه و يركض خلفه .. كان التراب يمنعهما من الركض بسرعة و خطواتهم تثقل كلما انغرست بقوة في الأرض .. كان ضحك الأول المتوزاصل يمنعه من الركض السريع ليتمكن الآخر من اللحاق به بسرعة و الامساك بثوبه من الخلف ليدفعه إلى الأمام بقوة فيسقط ذاك على بطنه دون أن يتوقف عن الضحك ..
- ههههههههههههههههههههههههه ههههه .. بااااااااس عنلااااااتك يا بو راس .. ذبحتني .. هزااااااع يا الدب ..
و لكن هزاع لم يكتفي بل وضع ثقل ركبته على ظهر أحمد و هو يقول ،،
- بتوووووووووووب يا حماااااااااااااااار ..
- ههههههههههههههههههههههههه هههه و الله لعيدهااااااا .. هههههههههه ما شفت ويهك يوم انقلبت الدراجة .. ههههههه .. كلت تراااااب .. آآآآآه يا السابل نش غربلك الله كسرت ظهريه ..
صاح واحد من الجالسين حول النار وسط المخيّم ،، حيث كان الجميع يراقب عبث هؤلاء الاثنين بابتسامة ..
- أفااا يا بو شهاب .. ولد عمك حاط راسك في التراب ..
تظاهر أحمد بالثورة و هو يصيح وسط ضحكاته و ينقلب بسرعة ليسقط هزاع هو الآخر أرضا ..
- أناااااا ولد أبوووية .. ههههه ..
للحظات شعر هزاع بالتراب البارد يلامس وجهه .. فيستنشق ذرات منه وسط ضحكات أحمد .. لهب واقفا بسرعة يحاول اللحاق به مجددا ..
- لو فييييييك خير تعال سابق مرة ثانية دون غش .. بغيت تنفدنيه انته وحركاتك ..
وقف أحمد بعيدا عنه قليلا و هو ينظر له و يشير مهدئا ..
- خلاص يا الحبيب هدنة .. أحس ثميه كله اتراب ..
و راح يبصق أرضا .. ليستغل هزاع الفرصة راكضا نحوه مجددا .. تنحى أحمد جانبا بسرعة و هو يشير بيده .. فتوقف هزاع باهتمام ..
- هااه بتموت .. اكتب الفتك اليديد باسمي قبل لا تودع ابسرعة ..
ضحكات أحمد امتزجت بسعاله و هو يشير لهزاع الذي راح يضربه بشدة على ظهرك .. و أحمد يقول محتقنا ..
- حشى هب ايد عليك .. طابوقة ..! يا الخبل شافنيه غاص بلقمة تدحنيه .. صدق ما عندك سالفة ..
و راح يدلك ظهره الذي كاد ينكسر تحت وطأة ضربات هزاع الذي ابتسم بانتصار .. و هو يضع ذراعه حول كتف ابن عمه و هما يتوجهان نحو مجموعة الشبّان الذين تحلقوا حول نار المخيّم و هو يقول ضاحكا ..
- يا خي عيبتنيه السالفة شرايك صدق نشارك في السباق ..
سعل أحمد بخفة قبل أن يرفض ..
- لا يا ريال خلنا ع المواتر .. هاي هب شغلتنا و ما نعرفلها .. و بعدين هاييك معروفة و مضمونة .. طبها .. طبها ..
- شورك ..؟
- هيه يا ريال .. و بعدين الشي ان زاد عن حده انقلب ضده .. اخاف يصيدوناا الشياب و الا غيث .. و الا ليخلينيه براطاا .. ما تعرفه انته بالزور مخلينيه أيي هنيه ..
و صمت مع وصولهما للمجموعة لينخرطا في الأحاديث و هما يجلسان إلى جانب بعضهما البعض كالعادة ،، كانت الضحكات ترتفع و المزح الثقيل مباح ..و خلو البال .. و المتعة دارجة تحت جنح الظلام و الهدوء الذي لم يعد كذلك مع هذه الأصوات المتفرقة و الأحاديث ،، و محركات الدراجات القادمة من بعيد ..
- بو شهاب .. شوه هالشمخ لي في يبهتك .. رب ما شر ..؟
نظر هزاع بسرعة لوجه أحمد الذي يدا الجرح من ذاك الشجار باديا على جبينه .. نظر له أحمد ساخرا قبل أن ينظر لصاحب السؤال ..
- هذا هزاع بطيخة .. ما يعرف كيف يظهر موتره من كراج بيتهم ..! دعم بابهم و بغا يوديناا في داهية .. يا غير ربك ستر .. ما تشوفونيه يايبنه فموتريه .. معاد أثق فيه ..
ظربه هزاع بقوة على ظهره ،، و أحمد يضحك بخفة ..
نجح في ابتلاع ذاك الغضب الذي كان لا يزال يشعر به نحو هذه الحادثة ..!

* * * * *

- كانها عيبتج اليلسة بلا شغل .. ؟!
قالتها دانة بحاجب مرفوع و ابتسامة ممازحة و هي تحمل بيدها سلّة الغسيل .. تنظر لحور التي استلقت بهدوء و وضعت رأسها في حجر أمها ،، لترد بصوتها المبحوح رغم عافيتها التي استردتها ..
- جب يا ناكرة المعروف .. يوم تمرضين اتمين شهر طايحة و معفينج من الشغل .. و نعطيج بعد اسبوع مجانا .. و الحين حاسدتنيه ع هالاسبوع لي مرضت فيه .. صدق ما فيج خير ..
ابتسمت دانة بخبث ..
- انزين خلاص صحيتي و ما فيج الا العافية .. نشي خمي الحوش و الميلس .. و سيري شوفي حمام الميلس اذا نظيف .. تعرفين ولي أمرنا الحين موجود في البيت و نسعى لتقديم أفضل الخدمات ..
تنهدت حور و هي تشيح بوجهها ..
- هاي لي تبانيه أعطيها بوكس يخليها كباب .. دندن .. يوزي عنيه أخير لج ..
هزت دانة كتفيها تقول ببراءة ..
- و الله أنا عادي عنديه .. بسير أرتب الميلس .. بس شفتج أولى .. يمكن يكون هناك .. و الا يي بالصدفة .. و يشوفج تخدمينه .. و نظرة حب .. و كلمة حلوة و غمزة ..
احمر وجه حور بقوة و هي تجلس بسرعة باحثة عن شيء ما حولها لترميه عليها ..
- يا السبااااااااالة ،،
تحركت دانة بسرعة و هي تضحك لتختفي لثوانٍ في الغرفة قبل أن تخرج و نورة ترافقها .. و كلٍ منهما تحمل بيدها غطاء شعر كبير ،، عينا نورة تلمعان بحماس ..
- حور بتخاويناا ..
عقدت جبينها ..
- ع وين العزم ان شا الله ..
ردت دانة عنها ،،
بنسير نشوف الميلس .. كيف رتبه ولد عمج ..
تذكرت حور بأنه ليس هنا بالتأكيد فاليوم هو الخميس .. و قد أخذ نايف أخاها الخميس الماضي لبيت الجد لحضور غداء أفادهم نايف بأنهما سيحضرانه كل خميس .. و تلك عادة حيث يجتمعون رجال العائلة هناك .. لم يكن يعجبها تعلق أخاها السريع به .. دوما يتحدث معه .. دوم يجالسه .. أصبح ملتزما و مطيعا صحيح و لكنها لا تريد أن تعزي هذا الانضباط لذاك الدخيل .. رغم أنها لم تره بعد ذاك العصر إلا أن ثرثرة نايف و مزنة التي لا تتوقف تثبت أنه هنا .. يعيش بينهم .. يخترق حدود أمنهم ..
نفضت أفكارها .. دوما ترهقها هذه الدوامة .. و ما يمزقها و يشتتها أكثر هو شعور خائن بالطمأنينة لوجوده هنا .. رغم تلك المشاعر البشعة التي تسكنها كلما لاح وجهه في مخيلتها .. رغم نفورها ..
و رغم اسمه الذي يندرج تحت قائمة العدو في لائحتها .. إلا أن راحة خبيثة تتسرب في نفسها لوجوده هنا .. بعد موقف إخوتها الأخير مع ابن الجيران و انقطاع فاطمة عن القدوم هنا لمدة اسبوع ..
بدت على وشك تغيير رأيها في أمور شتى ..
- حووه حووور بتيين و الا ..؟!
رفعت حاجبها تقول باستنكار ..
- انتن ما وراكن دراسة ..؟ الامتحانات يوم الأحد ..
لوحت نورة بيدها ..
- قالو لج عفاري ..!! نحن ندرس .. بس نرحم الورق .. الله يغنينا عن أكلها ..! اختج لو بيدها سوتها مكبوس و كلتاا .. حتى ارقام الصفحات تصمها ..
ضحكت دانة و هي تصفق يد نورة ..
- حلوة مكبوس ..! تخيلي .. عيش أحياء ويا فيزيا مشوي و سلطة كيميا .. وعع ..
قالت نورة بنفاذ صبر ..
- بتيين ..؟؟!
لا يمكنها أن تنكر هذا الفضول .. قالت بشك ..
- شوفن عفاري و المها ..
غمزت نورة مازحة ..
- حتى عفاري بتاخذ بريك .. دقيقة بس ..
و اختفت في غرفتهن للحظة قبل أن تخرج و وراءها عفرا التي علا وجهها الاهتمام و الفضول ،، و المها التي ابتسمت بهدوء و هي تهز رأسها .. ضحكت حور بخفة ..
- ما عندج وقت ..!
- بسرعة زين بيي الحين .. بتيين ..؟
هبت حور واقفة ..
- هيه يا الله ،، وين البنوتات ..؟؟
- في حجرة أمايا يذاكرن .. دخيلج لا تخلينهن اين ويانا ..
- أسأل بس ..! - ثم التفتت لأمها تخبرها تؤشر بيدها و صوتها يرتفع بقوة - أماااااه بنسييييير ،، الميلس .. الميلس .. الحييييين بنرد ..
و هزت أمها رأسها مواقفة .. تحركن بسرعة متوجهات نحو المجلس و نورة تنظر لحور شزرا ..
- ما شا الله عليج .. يوم انج بهالنشاط ليش ما تستلمين شغلج مدام حور ..؟! و الا الحيوية ما تظهر الا فمواقف ..؟!
صرت حور أسنانها تلطم كتف أختها ..
- جب ..
وصلن لباب المجلس و دانة تتسائل ..
- مبند ..؟
دفعته نورة بسهولة و هي تدلف ..
- لا أصـ .... - و بترت عبارتها و هي تهشق بحماس - اللـــــــــــــــــه ..
رحن يدخلن المجلس الضيق تباعا .. الواحدة تلو الأخرى .. اتسعت عينا حور بصدمة .. لم يالمجلس واسعا أساسا .. و السرير المنفرد الضيق الذي وضعه و الطاولة البسيطة جعلت مساحته تتقلص .. و وجودهن هنا كان له فعل الازدحام و نورة تلتقط شيء من الملفات المكومة على الطاولة الرفيعة و هي تقول ..
- بنات تعالن شوفن .. ملفات .. شرات الأفلام .. اكيد عقود و توكيلات .. الله وناسة ..!
المها تعقد ذراعيها بهدوء تراقب المكان .. و حور تجيل بصرها في المجلس .. السرير الضيق الذي غطاه ذاك اللحاف الفاخر الوثير و قد بدا أنه أزيح بغير ترتيب .. لم يتناسب مع الجدران القديمة و لا السجاد المهترئ .. ثياب رجل عدة علّقت في أكياس مغسلة خلف الباب .. و عمامات مختلفة مكوية بعناية وضعت على أحد وسادات الاتكاء في المجلس .. هناك كتابين ألقيا على الطاولة باهمال إلى جانب الملفات المكدسة على الطاولة .. اقتربت المها من الطاولة بهدوء تلقي نظرة على الكتب و هي تمرر أصابعها على عنوانه البارز ( رأس المال ) و قد زيّن باسم الكاتب أسفله ( كارل ماركس ) ،، تقدمت حور من السرير بهدوء لتمد يدها و تزيح الغطاء المبعثر عن ذاك الطرف الأسود الذي كان يلمع قبل ان تشهق ..
- بنااااات كمبيوتر محموووووول ..!!!
اقتربن جميعا و دانة تضحك بقوة ..
- و الله انج مغبرة .. كمبيوتر محمول أونه ..! مامي .. هذا اسمه لاب توب ..
عقدت حور جبينها ..
- اللي هوو .. كل الطرق تؤدي إلى مكة ..
عفرا تطالعه بذهول ..
- الله شكله روعة ..! بطليه حور ..
هزت رأسها رفضا ..
- لا .. لا أخاف ..
أعادت الغطاء عليه و عيناها تعود لتأمل الغرفة .. كيف يتكيف مع العيش هنا .. بعد أن سبق له أن ترعرع في وسع ذاك القصر الذي رأته يوما ..؟!
شعرت بجو الغرفة خانقا فتقدمت للنافذة تفتحها .. ما انفعلت هذا حتى اتسعت عيناها بذعر و هي ترى نايف يقطع الممر إلى داخل البيت لتشهق و هي تصيح منبه بجنون ..
- بنااااااااااااااااااااااا ااااات .. الله يغرلللللللللللللكن .. رد .. رد ..
تجمدن جميعا لبرهة قبل أن يتحركن في مكانهن بسرعة مصدرات جلبة و هي تراه يقطع المسافة القصيرة بين سيارته و باب المجلس بخطوات واسعة .. ركضت نحو الباب بسرعة لتستند عليه بقوة .. كي تمنعه من الدخول حتى يتمكن أخواتها من التغطي .. قالت عفرا بخوف ..
- حور لحظة لا تبطلين ..
شعرت حور بمقبض الباب يتحرك للحظة .. تدفعه بقوة كي لا يتحرك .. و أخواتها يصطفن إلى جانب بعضهن البعض و قد تغطين بسرعة .. كان الباب يهتز من خلفها بقوة .. و هو يدفع .. تحركت قبل أن يرفس الباب ليلصقها بالجدار المقابل ..
ما ان تركت الباب حتى انفتح على وسعه .. تدفق نور الشمس راسما ظله الطويل داخل المجلس و هو يريح يده على الباب و جسده يميل بخفة للأمام .. حاجبه يرتفع بهدوء و ابتسامه ساخرة تعلو شفتيه ..
تردد صوته البارد في المجلس و هو ينظر للأربع اللواتي انون قرب الطاولة .. و حور التي وقفت قرب الباب لا ترفع عينها ..
- هلا و الله ..
شعرت حور بالاحمرار يزحف لخديها و هي تتمنى الموت في تلك اللحظة .. يداها المتقبضتين تتعرقان بشدة .. و هي تشعر بخفقات قلبها تتصاعد لحلقها .. ارتجفت و صوته الرجولي يعود ليقول بنبرة مستهزئة ..
- حيا الله بنات العم ..
همهمن البنات و هن يقتربن من بعض بكلمات لا تسمع ،، لستند هو بكتفه على إطار الباب و عيناه تجولان عليهن لتتوقف على حور التي بدت رغبتها في الاختباء تحت السرير واضحه و هي تضم طرف - الشيلة - لفمها .. و قد احمر وجهها بشدّة .. ليتابع بتلذذ و عينيه مسمرتين على حور ،،
- ما خبرتونيه بالزيارة و الا ما سرت ..
ردت عليه دانة بشجاعة و صوتها برتعش ..
- و الله يا ولد عميه هاي ما نعدها زيارة .. بس قلنا نشيّك ع المكان .. كانك محتاي ترتيب و الا تنظيف و الا معونة في شي ..و الا الزيارة مأجلينها لغير وقت ..
تعجب غيث من قوتها و هو يلتفت للمجلس الذي لا زال عل حاله كما تركه ..
- أهاا .. و خلصتن ..؟
- شوه ..؟
- قلتن بتشيّكن ..
- هاا ..؟! .. آآ هيه .. الحين بنسير ..
و دفعت نورة من كتفها ..
- نترخص .. نحن ..
تنحى للخلف مبتعدا عن الباب سامحا لهن بالتحرك بسرعة و ابتسامته الساخرة لا تفارق شفتيه .. تحركت نورة و المها و عفرا و دانة متوجهات للباب .. لتتبعهن حور أخيرا .. و ما إن تجاوزت الباب حتى شهقت بقوة حن التفت أصابعه الطويلة على رسغها .. ليسحب يدها بحزم و يعيدها إلى جانبه .. حتى اختفت آخر الفتيات في الباب المؤدي للحوش .. شعرت بقدميها لا تقويان على الوقوف و عيناها لا تفارقان الأرض .. تلك السخونة التي تجتاح وجهها بقوة ..راحت تحرر يدها بتوتر من قبضته و هي تنوي للركض حتى تلحق بأخواتها .. و لكن يبدو أنه يخطط لشيء آخر .. فأمسك بذقنها بقوة ليرفع وجهها نحوه .. يجبرها على النظر إليه .. ما ان اصطدم ناظريها بوجهه حتى شعرت بنبضات قلبها تتسارع بجنون .. و هي ترى ابتسامته التي ألانت قسوة وجهه ،، و عيناه الحادتين تلمعان بنظرة غريبة لم تفهمها .. قبل أن يحني رأسه و هي تحاول الابتعاد بشهقة ليطبع قبلة رقيقة على جبهتها ،، ما ان أحست بشفتيه تلامس جبينها .. حتى شعرت بالدوار .. أصبح رأسها خفيفا للغاية و أنفاسها تتقطع بقوة .. و هي تعجز عن لملمة شتات نفسها .. أغمضت عيناها بشدّة ..
تريد أن تختفي من الوجود الآن .. و اللهيب يكسو وجهها ..
تمسك يدها بقوة كي لا توجه له صفعة تعيد له صوابه .. راحت تجر يدها من قبضته بجنون و هي متأكدة بأنها ستقع الآن أرضا لا محالة ..
و لكنه جرّها من يدها بحزم لداخل المجلس يسيّرها و هي في غير وعيها .. ليجبرها أن تجلس على السرير الضيقة .. فتغطي وجهها بكفيها كي لا تفضح حرجها .. تحرك ليسند جسده المديد على الطاولة .. و نظراته تتسلط على حركتها تلك .. و هي تزيح بيدها و تشيح بوجهها بعيدا عن عينيه .. لا تريد أن تقابل نظره .. أتاها صوته يسألها بهدوء ،،
- شحالج حور ،،
مبعثرة ..!
كانت تلك اول مرة تسمعه يناديها بوعيها .. نطق اسمها بنعومة خطرة شلتها .. راحت تبحث جاهدة عن صوتها و هي تبتلع ريقها لتهمس قائلة ..
- بخير ..
.
.
شعر بالشفقة اتجاهها و هو يراقب أصابعها التي اشتدت حتى ابيضت مفاصلها و صدرها الذي راح يعلو و يهبط بجنون .. وجهها الذي كان محمرا بشدة ..!
بدا واضحا أن ما قام به قد أحرجها للغاية و هي تنظر للطرف الآخر من المكان .. لذلك تقدم بهدوء نحو السرير ليجلس إلى جانبها ،، ما ان فعل هذا حت قفزت بسرعة كالملدوغة .. و لكنه عاد يمسكها ليجبرها على الجلوس جانبه ..
أنفاسها تترد بجنون .. و هي لا تزال تشيح ببصرها .. خصلات سوداء تتمرد على حجابها المحكم .. ليتذكر أنه سبق و قد نهاها عن ارتداءه عنده .. لذلك مد يده لحرره ببساطة ،، فيما هي جامدة في مكانها لا تتحرك ،، جانب وجهها الصافي لا زال يثير عجبه .. بدت أصغر سنا مما هي عليه ..!
.
.
تكره .. تكره بشدة حين يفعل ذلك ..
حين ينتهك حدودا رسمت بدقة منذ عمرٍ مضى .. حين يجد سهولة في أخذ ما لا يحق له في نظرها ..
حين يتعامل معها بهذه الطريقة الغريبة .. لتتشتت أفكارها .. و تتبعثر نفسها ..
ما الذي جرى لها ..؟! لما تبدو مستسلمة و طائعة هكذا ..؟!
أين صدها و قوتها التي كانت تتباهى بها .. أ لأنها تعلم أن لا سبيل للتمرد عليه ،،
لماذا يبدو غريبا عنها أكثر من قبل مع رحيل تلك الواجهة الحجرية التي اعتادتها ..؟!
شعرت بشعرها ينزلق للأمام ،، تكاد تحس باحتراق المكان الذي تسلط عليه نظراته القوية .. و هو يأمرها بهدوء ..
- طالعينيه ..
لا تريد .. تبا له .. انه يربكها ..
ارتعشت يدها بخفة و هي تحاول السيطرة على نفسها .. ما الذي دهاها لتصبح بهذه الغرابة ..
أين تماسك نفسها .. ابتلعت ريقها بقوة .. و أنامله الطويلة تلامس خدها الذي تديره له ..و هو يقول بدفء ،،
- ليش خايفة .. ما آكل أنا ..
سحبت نفسا مرتجفا و هي تهمس و تنظر للأمام مباشرة .. هذا أفضل من الاشاحة بوجهها فيضنها خائفة منه .. و أفضل من مقابلة عينيه ..
- أنا هب خايفة ..
- و ليش ما تطالعينيه ..؟
رفعت عينها تتظاهر بالهدوء .. هل يرى ذاك النبض المجنون في عنقها يا ترى .. اللعنة .. لما بدا قريبا هكذا ..؟!
أخفضت بصرها و هي تتحرك بسرعة واقفة قبل أن يمسك بها مرة أخرى .. تقدمت نحو الباب و هي تقول بصوت خافت بسرعة ..
- انا لازم أسير و ...
قاطعها بهدوء ..
- ما تبين شيلتج ..
شهقة خفيفة مدركة تصدر منها و وجهها يحمر حين أردف و هو يسترخي و يقلب الشيلة بين يديه بأريحية ..
- وديه انها اتم عنديه .. لنها فيها ريحتج .. بس شوه بيقولن خواتج و أمج لو انتي حادرة عليهن من دون شيلة ...!!
تجمدت في مكانها و هو يهب واقفا ليتقدم نحوها .. تراجعت خطوة للخلف .. و هو يسألها بهدوء ،،
- شوه تانسين الحين عقب الحمى ؟!
و مد يده بالشيلة لها .. لتلتقطها بتوتر و تضمها لصدرها ..
- الحمد الله أحسن ..
لحظات صمت و هي تقف بلا حراك .. يمرر عينيه عليها متأملا ..
التقط خصلة من كانت تتدلى على جبينها .. ليدسها بخفة خلف أذنها المتوردة خجلا ..
- ما كنتي بتسيرين ..؟! و الا بتمسن يالسة ويايه ..
انتفضت بغتة قبل أن ترفع عينيها المتسعتين نحوه بضياع وو ثانية فقط قبل أن تستدير لتختفي خلف الباب ..
أيقن أنه أمعن في تشتيتها هذه المرة ..!
لذلك ألقى بجسده المديد على سريره الضيق الذي بالكاد يتسع له .. و هو ينظر للسقف .. بدت غايته أسهل الآن ..
اعتلت شفتيه ابتسامة بارده .. و هو يوئد شعورا مختلفا انبثق في داخله و عيناها الموشحتان بالضياع تطالعه قبل هروبها ..
هل عليها حقا أن تبدو بهذه البراءة .. ستقتله احساسا بالذنب قبل أن يقدم على الزواج بها ..!

* * * * *


غطاء رأسها على كتفيها ،، و شعرها المقصوص تتلاعب به نسائم الصيف الساخنة فتبعثره .. وجهها المتجهم المختفي خلف تلك النظارة الشمسية الكبيرة ،، لا يفضح شيئا مما يدور من داخلها ..
و هي تحمل حقيبة الظهر الرياضية التي تحوي كتبها .. متوجهه نحو الكافتيريا الخاص بالطالبات ..
ستنتظر هدى هناك لبعض الوقت .. فرغم ثرثرتها و ازعاجها .. الا أنها تضل رفيقة يمكنها أن تمضي الوقت معها بدل التجوال وحيدة ..
ما إن وصلت الكافتيريا حتى دفعت بابه الزجاجي لتغمرها موجة من الهواء البارد المنعش فتنتزع نظارتها و ترفعها على رأسها ،، و هي تقطع المقهى متجاهله بعض النظرات الفضولية التي تتوجه للباب كلما فتح ،،
صوت خشيش عباءتها الخشنة كان مسموعا لها .. و هي تتقدم بخطوات واسعة ساعدها ذاك الحذاء الرياضي الذي ترتديه .. ألقت حقيبتها على أحد الكراسي الخالية لتجلس على الطاولة بتعب .. كانت جائعة للغاية ،،
فهبت مجددا لتتوجه نحو الطاولة التي صفت عليها أصناف الأطعمة فتلتقط صحنا تضع فيه بعض المعكرونة الساخنة و تلتقط زجاجة مياه باردة .. ثم تدفع للمرأة خلف طاولة الدفع .. قبل أن تعود لطاولتها ..
تقلب الطعام بالملعقة بشرود .. و مئات الأفكار تختلط في ذهنها .. الضجة التي أحدثتها أمها حين قصّت شعرها ،، الخبر الذي أبلغتها به روضة عن بنات ذاك العم و أشهر قليلة قد تصل قدومهم إلى هنا ..
و تلك الحبيبة .. الغادرة ..
شعرت بغصة تتضخم في حلقها لتعيد الشوكة إلى مكانها .. و هي تسحب نفسا عميقا حين شعرت بالدموع تندفع لعينها مجددا .. لن تبكي .. الخائنة لا تستحق الدموع حتى .. هي أقوى من أن تتحطم لأجلها .. ستواصل حياتها ..
عادت تملأ شوكتها مجددا بالمعكرونة لتدفع الطعام دفعا لحلقها و هي تبتلعه بقوة .. قبل ان يفتح باب الكافيتيريا بقوة لترتفع العيون نحو من وقفت خلفه ،،
تلك الوقفة اللامبالية الرجولية ،، و تلك العباءة المفتوحة تظهر ساقيها في بنطالها الواسع المتباعدتين غطاء الشعر على الكتفين و نظّاراتها المعلقة على أذنيها و تتدلى تحت ذقنها في حركة استعراضية و أنفها يشمخ في الهواء و هي تدير عينيها في الموجودين و كأنما تبحث عن أحد ما ..ما ان وقعت عيناها على ضالتها حتى تقدمت بمشيتها العسكرية .. تتبعها الفتاتين اللواتي رافقنها .. لا تكترث ببعض الأعين التي تنظر لها باشمئزاز .. و هزات الرأس .. و التجاهل من الأخرى ،،
كانت هي قد أعادت بصرها فور رؤيتها لها لطبق المعكرونة دون أن تهتم لها .. شعرت بقدومها نحوها حين رفست كرسيا وقف في طريقها تنحيه جانبا ..و شيخة ترفع الشوكة لفمها .. فتتوقف قبل أن تضعها في فمها حين التقطت تلك الكرسي المقابل لها و تقلبه فتجلس عليه و هي تريح ذراعيها على ظهر المقعد و تنظر لوجه شيخة بوقاحه .. قبل أن تلقي الأخيرة نظرة باردة و هي تدس الشوكة في فمها و تمضغ اللقمة دون مبالاة بوجود تلك الذي جذب الأنظار لهذه الطاولة .. الفتاتان المرافقتان لتلك لازلن يقفن عند رأسها قبل أن تقول بصوتها الغليظ و هي تميل برأسها لجانب واحد ..
- علومج الشيخة ..
وضعت شيخة الشوكة على طرف الصحن و هي تعود للوراء في مقعدها ..
- خير ..؟
رفعت تلك حاجبها بابتسامة قذرة و عيناها تتحركان على شيخة نزول و صعودا ..
- كل خير حبي ،، أبا أشوفج الليلة .. عـ ..
قاطعتها شيخة و هي تترك صحنا و تلتقط حقيبتها لترميها على كتفها ..
- آم سوري حمدة ..
قالت تلك بشراسة ..
- حمدان ..
- What ever .. عنديه كويز باكر ..
- عقب باكر .. ؟
أدارت لها شيخة ظهرها و هي تترك الطاولة ..
- أفكر ..
و لوحت بيدها تاركة المكان بثقة ..
لتسلط حمدة .. أو حمدان .. أيا يكن .. نظراتها على الطاولة بتصميم .. و هي تهس بصوت كالفحيح ..
- و الله ما ييب راسج غيري .. و الا ما كون حمدان ..

* * * * *




لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 04:18 PM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


\\



الخطـــــــــــــــوة التاسعــــــــــــــــــة }



[ .. خطوات مترددة .. تتعثر ..! ]






صفق باب سيارته الفارهة ثم توجه للمقعد الخلفي يفتح بابه ليلتقط الثياب التي التف حولها كيس نايلون شفاف يقيها من أي اتساخ و هو يقطع بالخطوات المسافة القصيرة ..
ابتهاج غريب بهذه الثياب سرى في داخلها .. سعيد بأنه سيبث السعادة في قلب ذاك الصغير .. لا ينكر حبا يسكنه لذاك الطفل .. كان يذكره بنفسه بشكل ما ..!
وصل لباب المجلس ليفتحه بهدوء .. فكر بأن عليه أن يركب قفلا جديدا للباب .. هناك من الأوراق ما هي من الأهمية التي قد لا تصل لعقول سكان هذا البيت ..!
علّق الثياب بجانب ثيابه .. و وقف و هو يغلق الباب بهدوء .. و يشعل نور المجلس ..
المجلس .. أم مأواه الجديد ..
لو كان أحدا قد أخبره أن سيمضي أشهرا في هذه الحجرة الخانقة الأشبه بالعلبة الكريهة لنعته في وجهه بالمجنون .. لم يعتد ضيق المكان بعد ..
لسنوات كان يرفل بالرفاهية .. ليجد نفسه يغفو كل ليلة في هذا السرير الضيق .. الخشن .. و يجلس على هذا الكرسي المستقيم لساعات حتى يئن ظهره من الألم ..!
سحب نفسا عميقا و هو يتوجه للمكتب الصغير يفتح جهاز حاسوبه المحمول و يديره .. و يده الأخرى تخرج الهاتف من جيبه .. ليضغط أرقام هاتفها بآلية .. يلصق السماعة بأذنه ..و عينه على الشاة التي لا يراها ..
قفزت ابتسامة غريبة على شفتيه حالما تدفق صوتها المبحوح بخفوت عبر الاتف ..
- ألوووه ..
خرج صوته دافئا يحمل من المشاعر ما ألجمها للحظات ..
- حلاااتااا الألوووه من ثمج .. عيديهااا..
صوت أنفاسها المتسارعة تلتقطها أذنيه و هو يتراجع في مقعده الصلب و يريح احدى ذراعيه على صدره الفسيح .. ليهمس بشوق مثقل .. تعمد أن يصلها ..
- شحالج ..
كانت اجابتها مختصرة .. هامسة ..
- بخير ..
- اشتقتيليه ..؟!
لم تجبه .. تنهد بقوة .. يعلم رغم كل شيء أنا ترتعش .. ترتبك .. أمامه ..
اذا هو يأثر فيها ..
اذا لا زال لجامها في يده .. سيعلم كيف سيروض تلك الطفلة ..
- وديه أقولج تعالي بس ماريد أضغط عليج .. بس بغيت منج خدمة ..
- آمر ..
ابتسم بهدوء و هو يميل على المكتب و أصابع يده الحرة تطقطق على لوحة مفاتيج جهازه بسرعة ..
- ما يامر عليج عدوو .. طرشيليه نايف الميلس ..
قالت بهدوء أوضح له انها تمالكت نفسها ..
- ان شا الله ..
- شي فخاطرج ..؟!
الهدوء المعتاد .. قبل صوتها المبحوح ..
- سلامة راسك ..
ابتسم بشيء من السخرية ..
- الله يسلم قلبج ..
.
.
ألهاها عن فكرة الطلاق على الأقل ..
لم ترددها مذ بدأ هذه اللعبة ..!

* * * * * *

يتدفق صوت الموسيقى الهادئ من جهاز التسجيل الضخم في زاوية الغرفة ليملأ سكونها و هي تستلقي على فراشها الوثير .. الإضاءة البيضاء الخافتة تنعكس على الجدران ذات اللون البنفسجي الفاتح .. و هي تحتضن مخدتها الناعمة .. عيناها الجميلتين ترفان بتوتر .. و هي تنظر للهاتف المحمول الملقى على فراشها بشيء من الاضطراب ..
تجلس الآن بإصرار على سريرها و هي تراقبه عن قرب .. شفتاها مضمومتين بشيء من القلق ..
تمد اناملها بتردد .. قبل أن تهوي بيدها عليه بسرعة فتلتقطه ..تهزه بقوة ..
ثم تتوقف عن كل هذا فجأة ..
ما الخطب أيتها الحمقاء ..؟! أيربكك الأمر إلى هذا الحد ..؟!
لم يحدث شيء إلى الآن .. يمكنك التراجع في أي لحظة و نسيان الأمر ..
نسيانه ؟! هه .. كيف لها ذلك ..؟! سيعاودها الأمر كلما وقعت عيناه على ذاك الطيف الهادئ .. المسالم ..
كل ما في الأمر أن هناك هاجس يؤرقها .. تريد أن تعلم لما اختارها حقا .. هناك عوشة .. و شيخة أختها .. و قريباته من أمه ..
ما الذي دفعه لخطبتها ..؟! يهتم لأمرها ربما ..؟! لا تظن .. تعلم جيدا أنه لا ينظر اليهن .. و لا يحادثهن الا فيما ندر ..
الأمر هو قلقها .. قلقة للغاية من أمور شتى ..
لا يمكنها أن تتخيل كيفية العيش معه .. أو قضاء حياتها قربه ..
لا تعرفه .. ليس قريبا منهم .. دوما يجلس بعيدا .. يرونه للحظات قبل أن يترك المكان لهم ..
كل ذلك لأنه يكره الاختلاط ..!
هل كانت راوية محقة يا ترى ..؟! هل أصابت في قولها انها ستجد صعوبة في التأقلم معه ..؟!
ماذ لو فرض عليها هي الأخرى تجنب رؤية أبناء عمها أو الجلوس معهم ..؟!
سيجد ان الاختلاط عذر مقنع .. هناك الكثير مما قد لا يلائمه فيها .. أو لا يعجبه ..
ماذا عن لباسها .. هواياتها .. لا تظن أنه بالتزامه قد يسمح بأمور تجد سهولة في فعلها دون ناهي ..!
أراحت رأسها بين راحتيها .. قليلا من هذه الأفكار ..
كل ما عليها هو أن تتبع احساسها .. ليقودها نحو ما تظنه صواب .. مؤكد ..لن تندم ..
فعلى الأقل سيكون قرارها نابعا من داخلها .. و لن تكون آسفة لتحمل تبعاته ..
تلتقط الهاتف بتردد بين يديها .. لم تبلغ الجرأة بها حدا كي تتصل بأخاها لتبلغه بقرارها أيا كان ..
تفتح صفحة رسالة نصية فارغة .. تضيف اسم أخيها في أعلاها ..
ثم تضع السهم في مربع الرسالة ..
الآن ليس عليها سوى رسم تلك الأحرف البسيطة التي ستحدد مصيرها أيا يكن ..
فكري روضة .. فكري جيدا ..
أهذا ما تريدين .. متأكدة ..
ترتجف أناملها على الأزرار بارتباك .. و هي تكتب الرد له بسرعة رهيبة ..
تشعر بانها تشق لها طريقا ..
تنحت معالم قدر منتظر ..
رمت بالهاتف على السرير بعد أن ضغطت زر الارسال .. لتتبعه و تدفن وجهها في مخدتها الناعمة ..
ضربات قلبها تخفق في هدوء رتيب ..
و هي تسحب نفسا عطرا من الوسادة ..
و تغرس فيها دمعة ..!
.
.
ارتفع رنين الهاتف بقوة يملأ جو الغرفة ..
عرفت أنه غيث ..
و لكنها لن ترد .. ليس الآن على الأقل .. عليها أن تجمع قواها أولا ..!

* * * * *

- عربية أرضاً سماء محتداً .. عمراً وتاريخاً يضيء ويزهر .. عربية يا قدس مهما دبروا .. لك في الخفاء وهيئوا وتنكروا .. عربية ((عمرٌ)) ببابك واقف .. يملي على التاريخ فيك و يأمرُ .. وأبو عبيده والصحابة حوله .. بالله ، بالقرآن فيك تجمهروا ،،، و آآآآآآ ..
و ترفع عيناها للسقف محاولة أن تتذكر قبل أن تنبهها حور و هي تنظر للكتاب ..
- حملوا إليـ ...
قاطعتها و هي تصفق رأسها بحماس ..
- حملوا إليك العدل أرفع راية .. تبقى على مر الزمان وتعمرُ .. عربيه (( الله أكبر)) … تعتلي .. قمم الجبال الشامخات وتنذر .. هم يحملون بأن تضيع معالم .. لك شادها شعب عظيم خير .. هيهات ، والإسلام أنت منارة .. ولواؤه والملتقى والمحشر .. إنا هنا في القدس ، فوق جبالها .. و وهادها ، ابد الزمان نعسكر .. تبقين ما بقى الزمان عزيزةً .. يا قدس ، مهما حاولوا أو دبروا ..
ناولتها حور الكتاب و هي تقول بهدوء ،،
- هنوده حبيبتي راجعيها مرة بعد .. خلاف ارقدي .. بوعيكم قبل الصلاة بساعة عسب تراجعون .. خلاص ..
هزت هند راسها و عينها في الكتاب ..
- أوكيـــه ..
نظرت لأمها التي كانت تنام بسلام و قد تدثرت ببطانية ثقيلة .. لا يخترق هدوء نومها هذا الازعاج حولها .. كانت مزنة قد أنهت مذاكرتها و نامت في غرفة أمها التي أصبحت مكان نومهن هي و هند منذ وفاة أبيها ..
حانت منها التفاتة لفراش أبيها الذي لم يحركه أحد منذ رحيله .. و ابتسامة هادئة متوجعة تناوش شفتيها ..
لم تعد ذكراه تدر الدموع ..أصبحت متمرسة في رسم تلك الابتسامة الرثة ..!
هبت واقفة من مكانها تترك حجرة أمها لترى ما الذي تفعله اخواتها .. فنايف قد نام الآن .. و غدا هو أول يوم في إمتحانات آخر العام الدراسي .. كانت الصالية خالية و أصواتهن تتدفق من الحوش ..
صوت حركة جذبتها لتلتفت للمطبخ و تتقدم نحوه بهدوء .. تدلف المطبخ الضيق لترى المها مندمجة في إعداد الساندويتشات و قد صفت أكوابا و ابريقا على صينية عريضة .. تأملتها بهدوء دون أن تشعر تلك بوجودها .. وجهها الناعم قد بدا مستغرقا في ترتيب الطعام .. و قد عقدت شعرها الطول على قمة رأسها .. لتتدلى غرتها القصيرة على جبينها و خصلات طويلة تحيط بوجهها الجميل ..
تقدمت منها بابتسامة لتلامس كتفها بخفة فتنتفض المها متفاجأة قبل أن تبادلها الابتسام بحلاوة .. لتلتقط حور ملعقة و تقوم بمساعدة المها في عملها بصمت ..
وضعت لفافة الخبز المحشوة الأخيرة في الطبق الكبير .. و هي تبتسم بهدوء ،، لا تعلم لما تعلقت الابتاسمة على شفتيها .. فقط هناك هالة من الهدوء .. تدفع ذهنها للصفاء حين تكون لوحدها مع المها ..
كيف هو الحال لهذه الشابة التي تسكن الصمت منذ سنوات ..؟!
بسمة خفيفة علت شفتي المها لتتبين - غمّازتيها - الجميلتين ..حملت صينية الشاي و الأكواب و التقطت حور صحن الشندويتشات .. ليتوجهن نحو - الحوش - حيث جلسن أخواتهن .. بمجرد أن تجاوزت الباب للخارج حتى هزت رأسها بأسى .. كانت نورة تجلس في الطرف الشرقي الأقصى من الحوش .. و دانة في الطرف الغربي .. و الأولى تحادثها بصوتٍ عالٍ .. فيما كانت عفرا تمشي ذهابا و ايابا تقطع الحوش و هي تضع سبابتيها في أذنيها لكي لا تستمع لأحاديث أختيها و هي تتمتم بخفوت لنفسها .. التفتت نورة للمها و حور دون أن تقطع حديثها ..
- لا حبيبتي .. هاي ما عندها ون تو .. سيده حولت مريوم لجنة خاصة .. حتى علاماتاا في هاك الامتحان انخسفت .. اللجنة الخاصة ما تراعي حد .. تدريـ ....
قاطعتها حور بصوت ساخر ..
- ما شا الله ع المذاكرة .. أي سالفة وصلتي أخت نورة ..؟؟
ابتسمت نورة ابتسامة واسعة لمعت خلفها أسنانها البيضاء ..
- لي في الوحدة الثالثة صفحـ ..
لوحت عفرا بيدها بضيق و هي تقترب من السجادة لتجلس عليها و المها تضع في منتصفها الصحن الذي لازالت تحمله ..
- من يلسن و هن سوالف ما شفت حد منهن بطلت كتابها ..!
اندفعت دانة تقول بسرعة أمام نظرة حور الغاضبة ..
- أصلا نحن مخلصات مذاكرة و مراجعات .. بس نخطف ع الكتاب بعد مرة عسب تتثبت المعلومة ..
تقدمت حور و وضعت الصحن قرب الصينية التي وضعتها المها لتجلس بجانبها فتهب الاثنتين نورة و دانة نحوهن أيضا .. و الأولى تقترب من حور لتطبع قبلة على خدها ثم تفعل الشيء نفسه مع المها بقوة شديد و الأخيرة تضحك بهدوء .. لتضم نورة كفيها لقلبها بحماس و هي تقول بصوتٍ عالٍ ..
- فديييييييييييييتج .. أحببببببببببببج أنااااااااااااا ..
مسحت حور على خدها باشمئزاز ..
- بس هي لي تحبينها ..! ترانيه مسوية السندوتشات وياها ..
وضعت دانة الخبزة التي التقطتها بتمثيل قرف ..
- أقول ريحتاا هب شي .. اللهم لك الحمد و الشكر ع النعمة ..
رفعت حور طرف حاجبها ..
- و الله انكن هب ويه يماله .. حطي السندويشة .. حطيها .. مالت عليكن و ع لي يراعيكن .. لو متن من اليوع كان أخير ليه ..
ضحكت دانة و هي تلكز حور ..
- عنبوووه حور .. غادية كبريت هالايام .. ما تتناغين .. امزح وياج ..
ثم تبادلت مع نورة نظرة خبيثة و الأخيرة تردف بمكر ..
- يمكن تواجد ولي أمرنا في البيت ينرفزها شوي .. و تخاف طباخها ما يلاقي قبول .. - ثم راحت تربت على كتف حور بثقة ساخرة - اذا المثل لي يقول أقصر طريق الى قلب الرجل معدته .. فلا تخافين .. أنا متأكدة انه وائع لشوشته ع قولة المصارية ..
رفعت حاجبها و و هي تصر أسنانها ..
- قسم بالله لو ما تيوزن عنيه .. انكن ما بتشوفن خير .. طفرتنبيه تراكن .. أففف ..
و التقطت سندويشة تقضمها بغيظ و دانة ترتشف كوبها ببراءة ..
- شوه نسوي زين ..وجوده هنيه حدث الموسم .. بعدين انتي لي تخلينا غصب نرمس .. و الا هاي حركات ..
ثم هزت رأسها بعتب مصطنع و هي تكتم ضحكة ..
- عيب عليج .. ندري ريلج ما قلنا شي .. و غاوي و كشيخ ع العين و الراس .. بس يعني أنا ما شوفها حلوة .. كل شوي تتغافلينا و تسيرين الميلس .. عيب حور .. أحين بعدج بنتنا يوم بتعرسين سوي لي تبين .. ما تبينا نربطج و الا نبند عليج الحجرة ..؟ صح .. و الا شرايج نوري ..؟
كانت عفرا تضحك الآن بقوة و المها تبتسم و عيناها على وجه حور المحتقن غيظا و نورة تقول بحكمة ..
- أنا أشهد .. حور .. يقولون الحب أعمى .. و انتي عميا الحين .. ما تشوفين وين مصلحتج .. نحن خواتج و أدرى بمصلحتج .. لازم تحكمين أهوائج .. ما يستوي فديتج .. شوه بيقول الريال عنج .. عاقه عمرها عليّه ..؟! اثقلي شوي ..
تعتصر كوبها و هي تشعر بالضيق يكتنف صدرها بقوة ..
- عنلااااتكن .. زودتنها تراكن و أنا ساكتة .. بتنطبن و الا شوه ..؟!
رفعت نورة حاجبها باستفزاز ..
- تنكرين انج ما سرتي الميلس أول أمس ..؟
صرت على أسنانها بقوة تدافع عن نفسها من أفكارهن ..
- سرت أشوف اذا شي كنادير وصخة تبالها غسيل ،،
شخرت دانة ساخرة ..
- يعني ما شفتي أكياس الدوبي .. انزين و أمس ..؟
احمر وجه حور بشدة .. لا تدري لما تشعر بأنها متهمة هنا ..
- وديت القهوة ..
- أوكيه بنخطفها .. و الخميس لي طاف .. يوم شردنا و تميتي اروحج هناك شوه كنتو تسوون ..؟ تلعبون تيلة ..؟
- أفكارج الخايسة هاي شرا ريحتج ما صار منها شي ..
ثم اردفت بثقة ..
- ريلي و يرمسنيه .. عندج خلاف انتي وياها ..
صفقت نورة بحماس .. و هن تصيح بقوة ..
- وووووووووووووو .. عاااااااااااشت حور بنت حمد ..
ثم تنهدت بدرامية ..
- أخيرا قلتيها .. من امتى و أنا أرقبج ..
عقدت دانة جبينها و هي تزفر ..
- أفاا .. ما توقعتج سهلة كذيه يا حوير ..
شعرت حور بالضياع ..
- شوه السالفة .. حوووه انتي وياها .. قلت شوه ..
راحت نورة تحرك حواجبها بابتسامة عريضة ..
- اعترفتي بغيث .. قلتي ريلي قبل شوي .. دانة قالت انج ما بتسوينها ..
شعرت بحرارة تزحف على خديها و هي تقول بصوت محرج مقاومة رغبة في دفن وجهها بين كفيها ,,
- انزين .. شوه فيـ .. فيها .. هب ريلي ..؟ سخيفات ما تستاهل السالفة .. غيرنها .. و الا و اللـ .....
و قاطعها صوت طنين متقطع صادر عن هاتفها المتحرك الذي كان في جيبها معلنا وصول رسالة نصيّة .. اتسعت عيناها لوهلة قبل أن ترخي جفنيها مبتهلة حال رؤيتها ابتسامة نورة و نظرة دانة الماكرة ..
رباه ليس هو .. ليس الآن على الأقل ...
لكزتها نورة بحماس و هي تدنو برأسها نحو الهاتف الذي أخرجته حور من جيبها ..
- يا ويل حاليه مسجات بعد .. اقريه ..
نظرت لها حور شزرا تخنق خفقات قلبها المجنونة .. لا ينقصها هذا الاحراج ..!
تعبث بأناملها المرتجفة محاولة الوصول للرسالة الجديدة .. و أنظارهن تنصب عليها باهتمام ..
.
.
و في لحظة حقيقية .. حيرها الاحساس بالذنب الذي راح يكتنف صدرها ..
شيء يشبه الخجل من احساسها .. رغبة خفية في دفن تلك اللهفة التي راحت تتفاقم في روحها و هي تدنو من تلك الرسالة ..
كرهت تلك الخيبة التي خالطت راحتها و هي ترى رقم مايد يعلو الرسالة .. و ابتسامة غريبة تسكن شفتيها و هي ترفع عينها لأخواتها بصوتٍ غريب ..
- من مايد ..!
و أشارت للمها التي تطالعها بتساؤل عن أمر الهاتف و هي تدني الشاشة منها لتقرأ الرسالة .. لحظات و تبتسم المها بحنان .. و عيناها تمران على الأحرف المطبوعة في السطح ،،
.
.
( مرحبا غناتيه ،، أدري انيه من زمان ما ييتكم .. أمايا كانت عندكم أمس بس ما رمنا نيي وياها عبيد عنده امتحانات الفاينل الحين .. و أنا ماخذ دوام مسائي في الشركة بعد .. بس عقب الامتحانات ان شا الله بنرتب أمورنا و نحول نييكم .. ما عليكم خوف و ريلج وياكم في البيت .. ردي السلام على خالوه و البنات )
.
.
همست بابتسامة و عينها تدور أكثر من مرة على سبب اطمئنانه ..
- يسلم عليكن مايد ..
- الله يسلمه ..
و دانة تقول بخيبة ..
- يعني هب من غيث ..؟
هزت عفرا رأسها و هي تقلب كتابها .. و ترتشف قليلا من كوبها الذي تصاعد منه البخار ..
- و الله انكن قليلات ادب .. شوه خصكن .. غيث و الا غيره ..
رفعت نورة حاجبها ببرود ..
- محد سالج .. سيري احفظي مقدمة المؤلف يمكن ما خطفتي عليها ..
ردت عفرا دون أن ترفع عينها عن الكتاب ..
- و انتي صادقة .. اخيرليه .. لنه رزة الفيس من طبايع التيس ..
عقدت نورة جبينها ..
- التيس ريلج .. لا تسبين يا الناقة ..
نظرت عفرا لها بحاجب مرفوع مهددة بصمت ..اتسعت عينا حور التي نست أمر الهاتف لوهلة ..
- حوووه انتي وياها .. شوه استوى عليكن .. مـ ....
- آآآآآآآه يااااااااا الخاااااااااااااينة .. يااااااااااااا مسودة الويييييييييه .. و الله انييييييييه كنت شاكة ..
صاحت دانة بذلك بطريقة مبالغ فيها و هي تقذف الهاتف لنورة و عفرا اللواتي نسين أمر الخلاف و هن يلتفن حول هاتف حور .. لتكتم عفرا ضحكتها و قد بدت الصدمة و الاحراج على وجهها جلية .. و نورة تقرأ بصوتٍ عالٍ ..
- سلام لك يصفي فوادك و يرضيك .. رضاك غاية في فوادي أكيده ،، صوت الغلا في خاطري قام يدعيك .. مدري سمعت الصوت و إلا نعيده ..؟! ،، الشاهد الله كم نعزك و نغليك .. رغم المسافة و الظروف الشديدة ..
ثم عقدت جبينها تلتفت لعفرا ..
- أي مسافة ..؟! هم إلا يدار .. اسمعن .. اسمعن ..!! - و راحت تكمل القراءة بصوت خبيث - يعلنيه هب بلا الايدين لي سوت القهوة ..حطيتي شكر و الا اصبوعج في الجاهي ..
انفجرن ضحكا كلهن و ابتسامة المها لا تفارق شفتيها رغم أنها لا تسمع من ذلك شيئا و حور تنتزع الهاتف من بين يدي نورة بقوة .. حين لم يعد يتبين من وجهها شيء ..
- سخيفااااااات ..
- ههههههههههههههههههه أونه اصبوعهاا .. وععع .. بيتسمم الريال .. هههههههه كفج دندن ..
كانت عفرا لا تتوقف عن الضحك ..
- افاا حور.. من ورانا .. هههههههههههههه .. ماشي غير هالمسج ..؟ سمعيناا ..
دست حور الهاتف في جيبها بغل شديد محاولة بجهد كبت خجلها مما يحدث و هي تلتقط كوبها لتشرب منه ..
- حتى أنت يا بروتس .. اذن فليسقط قيصر ..! - ثم أبعدت الكوب فجأة عن فمها و هي تكح بشدة - أححححح .. حرقنيه الله يغربلكن ..
ضحكت دانة ..
- تستاهلين .. هاي يزات اللعب من ورانا .. المرة الياية تخبرينا بكافة التفاصيل .. و بعدين نحن محترات و حالتنا لله .. سون عصير شي بارد يرد الروح .. مسويات جاهي ..؟! عنبوه أنا أشربه منيه .. و يظهر من جلدي منيه .. حرررر ..
عقدت عفرا جبينها ..
- شوه هالتعبير المجازي المقرف ..
لوحت دانة بيدها ..
- كيفي مواطنة ..
شخرت عفرا ساخرة تعود لأوراقها ..
- في ذمتج ..!!!! متى عطوج اليواز ..؟!
- قبل لا يظهر سنامج يا الناقة .. آآآآآآآآآآه ..
صاحت بذلك متألمة حين سددت لها حور ظربة على ظهرها ..
- لا تعايبين ع أختج .. شفيكن الليلة ..؟
تنهدن معا و بدأ البؤس على وجوههن و نورة تقول بصوت يائس ..
- باكر الامتحانات حوووووووووووور ..
- و العثرة ثركن بتتذابحن قبل لا تيي العطلة ..!
- لازم حبيبتي توتر الامتحانات .. بس نحن نرفه عن عمارنا شوي و ننسى التوتر ..
قالت عفرا ساخرة ..
- هيه .. يعني يبندن الكتاب و سوالف و حش ..
- أووونج عااااااااد .. في منوه حشينا ..؟!
- شاروخان ..
شهقت دانة بحماس قبل أن تقول بقرف ..
- حوور .. في ذمتج .. وين هالهندي و الحلا وين ..
نظرت لها نورة بحاجب مرفوع ..
- جب ما يخصج انتي .. المهم انه عايبنيه ..
نقلت حور عيناها بينهن ..
- لا و الله .. حلفن بس ..!
التفتت للمها .. و هي تشير بيدها في حركة دائرة قرب صدغها ..
- مخببببببببببل خواااااااااااااتج ..
و تشير بحركة خاتم في الخنصر و هي تردف مع ابتسامة المها ..
- نورااااة .. تبااا هندييييي .. بوزار مشخط .. و حل تاتا ..
ظربتها نورة على كتفها ..
- شاروخ ما يحط حل تاتا ..
رفعت حور حاجبها مستنكرة ..
- شميتي شعره ..؟
- لا هو خبرنيه ..
- حلفي و الله .. في التيلفون و الا فيس تو فيس ..
رفرفت نورة بأهدابها بطريقة مضحكة ..
- في الرسالة لي طرشها لي ويا بشكارة المقصف .. تشاندي ..
عظت حور شفتها السفلى كي لا تضحك ..
- أهاا .. و شوه قال لج بعد ..؟
ابتسمت نورة بحالمية و هي تغني ..
- قال ،، يا لييييييتك تكووووووون وااااااحد من بني عميي .. و أكووون أناااا لووولي بالحق لمطالب ..
اختفت ابتسامة حور و هي تقول بعتب ..
- نوووروووه .. غير إن الأغاني حرام .. أبويه ماله شهرين و شي متوفي ..!
وضعت نورة يدها على فمها معتذرة ..
- أستغفر الله .. سوري ..!
برهة صمت ثقيلة أعقبت الكلمتين الأخيرة .. قبل أن تقول حور و هي تنفض السكون ..
- المهم .. شاروخان ما بينفعج باكر في الإمتحان ..و لا بيعطيج الشهادة ..
وضعت نورة يدها على خاصرتها ..
- منوه قال ما بينفعنيه ؟؟ .. حواري .. فكري بعقلج شوي الشهادة ما بتدخل وياي القبر .. ما بينفعنيه الا ولد صالح يدعو لي يعني لازم تيوزونيه شاروخ عسب أضمن حسي في الدنيا قبل لا أموت.. أنا قررت خلاص .. مابا الا شاروخ ..
أجابتها دانة مفكرة و عفرا تضحك حين هزت حور رأسها باشمئزاز ..
- بس الهنود عندهم الحرمة لي تعطي الريال المهر .. و نحن على بساط الفقر .. من وين بنييب مهر هالهندي بو وزار مشخط و تاتا ..؟!
- نبيع ذهبنا و حلالنا .. كل شي فدوة لعيونه ..
- أي ذهب .. أي حلال يا حسرة .. كان ما بتبيعين مواعين المطبخ .. و التلفزيون .. و تحطين مزنووه اختج وياها مجانا للي يشتري ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
على عتبة شهدت رحيل روح ذات غفوة .. يجلس مصيخا و الحر لا يضايقه مطلقا و هو يتخلخل فانيلته القطنية و ازاره الابيض ..
عقب السيجارة يذوي بين أنامله .. يتآكل اللهب أطرافها حتى النهاية و خيط من الدخان يتراقص مرتفعا لأعلى ..
يتأمله بهدوء .. و الجدار الذي يفصلهن عنه لا يحجب أصواتهن .. و لا احاديثهن المتحمسة ..
لا يخفي تلك الابتسامة التي ناوشت شفتيه ..
ثرثرتهن التي بلا معنى .. مشاحناتهن .. و تعابير حمقاء يستخدمنها ..
جعلته يشعر بأنهن يكشفن شيئا من خبايا أنفسهن .. أو أنهن يجردن احساسا ما على مسمعه ..
و أنه متطفل .. و أنه متطفل ..!
ألقى بعقب السيجارة يدهسه بقدمه بقوة .. قبل أن يهب واقفا .. و أصواتهن المتحمسة لا زالت تتسلل لأذنه ..
امسك الهاتف الذي كان في يده الأخرى ينوي أن يضيق النطاق عليها حتى في لحظاتها الطبيعية .. سيقتحم حياتها و الوجدان .. كي لا ترجو عالما لا يسكنه ..
و على الزر الأخر توقف الابهام معاندا ..
شيء من الإحترام أبى أن يخدش لحظة الصفاء التي لمسها عبرهن ..
بخبث ما يخطط له ..!


* * * * *

ما ان انبثق الفجر الوليد و انتشر النور في الأرض .. و توجهن أخواتها للمدرسة لقضاء الامتحان الثالث عليهن .. حتى انطلقت هي الأخرى لمشاركة المها كي ينهين أعمال المنزل .. بدا أن حمل زاد عليهن مع انشغال الفتيات بالامتحانات .. أخرجت حور ملابس نايف من آلة التجفيف تضعها في السلة كي تنشرها على الحبل قبل أن تملأ الغسالة بالماء و الصابون لتضع ثيابا أخرى تحتاج للتنظيف ..
حملت السلة بخفة و توجهت للباحة الخلفية الضيقة لتنفض الملابس الرطبة و تعلقها على الحبل .. تأملتها بهدوء ساخر .. مؤكد لن يحتاجها نايف بعد الملابس التي أحضرها له غيث ..!
واصلت تعليق الملابس على حبل الغسيل .. حتى انتهت .. التقطت السلة و هي تهم بالعودة للداخل .. و لكنها توقفت للحظة .. و عينها تقع على الجدار المشترك بينهم و بين جيرانهم ..
و فجأة و هي تقف في مكانها .. عينها على الجدار .. شعرت بخواء غريب يجتاحها ..
كم من الوقت مر مذ رأت صديقتها تلك ..؟! منذ قدوم ذاك الغريب لم تطأ قدماها عتبات المنزل ..!
ما يقارب الشهر أو أكثر ..
لما كان عليها الابتعاد حين شعرت حور بانها تحتاجها حقا ..؟ هناك أحاسيس قد بعثرت في زوايا الروح تحتاج إلى تلك الصديقة كي تجمعها بين راحتيها ..
هناك أراضٍ مجهولة تطأها هي بقدماها .. تضللها تلك الأماكن .. أين الدليل ..؟!
أريدك صديقتي .. أحتاج صدقكِ .. ليس عليكِ أن تتركيني أضيّع نفسي في فوضى الشعور هذه ..
.
.
تضع السلة جانبا على الأرض .. تنحني ..
أناملها تلتقط تلك الحصي الصغيرة .. تحتنضنها راحة يدها بشوق ..
كم من الحنين مر عليها و لم تلقي بهذه الحصي .. لتلبيها صاحبة القلب الكبير ..؟!
ترجع يدها خلف رأسها لتقذف بالحصي الصغيرة .. عيناها تتابع اندفاعها بلهفة ..
تتطاير في الهواء .. سترشق مسامعها حتما ..
هل ستجيبها ..؟!
هل ستجيبها ..؟!
هل ستجيبها ..؟!
هل ستجيبها ..؟!
ضمت قبضتها و هي ترخي جفنيها بانتصات .. تصيخ السمع متأملة ..
لا تخذليني .. لا تفعليها فاطمة ..
تعالي ..
أرغب أن تري خرابة أضحت تعشش داخلي .. من سيجلي حيرتي غيركِ ..؟!
لحظات من الصمت و بدأ اليأس يدب في قلبها .. لن ترد ..؟!
.
.
- امنوووووووووه ..؟!
فتحت حور عينيها على اتساعها لتهتف بصوت أثقله الوله ..
- أناااا حوووووووور ..
لحظة سكون .. قبل ان يندفع صوت فاطمة ..
- حووووووووور ؟؟؟؟؟!!!!
صاحت حور بحماس ..
- هيه تعالي للفتحة ..
و دون أن تنتظر ردا على صيحتها راحت تجري بسرعة نحو الفتحة الواقعة خلف المطبخ .. تلك الفجوة .. لطالما تدفقت عبرها من الكلمات ما شد من عزمها .. لحظات و يظهر وجه فاطمة من خلف الفجوة الضيقة .. وجهها كان يشع بفرحة خالصة ودت حور لو تحشر رأسها في تلك الفرجة الضيقة لتقبل خدها بقوة .. كم اشتاقت لها ..!
قالت لها بعتب ..
- هب نحن لي ظاربين خوج .. هاييلا عيال عميه المفاليع .. لا تحطين السبة علينا ..
بدت الدهشة على وجه فاطمة .. قبل أن تسأل بحذر ..
- الحين انتن هب زعلانات عليه ..؟!
لم تفهم حور ..
- زعلانات ..؟!
- لن خوية .. تعرفين .. و الله أنا ما كنت أدري بس ....
قاطعتها حور بصدمة ..
- جب .. عنلاااااااتج يا السبالة .. الحين كل هالفترة مقاطعتنا و تتحرينا زعلانات .. أقول قلبي ويهج .. و البسي شيلتج و تعالي البيت الحين .. يلاااا ..
ضحكت فاطمة بفرحة و هي تهز رأسها .. تتأمل وجه حور للحظات ..قبل أن تلتفت فتناديها حور مجددا ..
- فطوم ..
التفتت فاطمة نحوها مجددا .. لتمد حور يدها فتقرص خدها بقوة و هي تقول بحب ..
- اشتقنالج ..
همست فاطمة و هي تضع يدها على خدها ..
- و أنا أكثر ..
.
.
و كانت حور متأكد من أن دمعة تألقت في عيني صديقتها قبل أن تشيح بوجهها ..!
.
.
صديقي من أصارحه فيبقى...
ودود القلب عف في اللسان
صديقي من يرى الإيمان بحرا...
عزيز النفس مشبوب الجنان
فلا الأهواء تجرأ تشتريه...
ولا الإعجاب يسبي ذا الجنان
ولا النزوات تنسج بردتيه...
ولا الأحقاد تسكن في الكيان
حيا ..مخلصا..عفا..جريئا...
سليل الهدي يا بقرب الحنان *
.
.
.
.
.
.
.
.
- وين المها ..؟!
قالتها و هي تضم كوب الشاي الكبير بين راحتيها .. حين جلست مع حور في - حوش - البيت بعد دقائق .. لتجيبها حور بهدوء ..
- عند أمايا ..
ارتشفت حور بعضا من الشاي و رفعت رأسها حين أبدت فاطمة ملاحظة ..
- محلوة حور ..؟!
احمر وجه حور ..
- أنا ..؟
- هيه انتي ..
- آآ .. هيه .. مادري ..
ضحكت فاطمة ..
- شوه هيه مادري .. بخطبج أنا ..؟ بلاج قفطتي ..
احمر وجه حور .. لا تدري لما .. و هي تهمس لفاطمة ..
- جب ..!
- هههههههههههههههه .. قولي و الله .. شعندج منفخة .. و ويهج محمر .. عنبوه لو واحد من الشباب بقول ما عليه .. بس فطوم البطة أنا صديقة الطفولة .. ليكون شاكة فجنسي ..؟
ابتسمت حور لها ..
- لا و الله .. بس كذيه أستحي يوم حد يمدحنيه ..
- أوووف من متى ..؟ ما حيدج ادلينه درب المستحى ..؟ شوه هالتطورات ..
سحبت نفسا عميقا .. تملأ به رئتيها .. ينتشر عبق الصباح داخلها ..
بماذا أبوح لكِ صديقتي ..؟! أ أخبركِ حقا أن هناك احساسا حفر في جوف الروح .. حين وُجد هنا من راح يمتدحني .. يدنو مني .. يشتتني ..
حتى أحال كرهي لحيرة ..
تضيّعني ..
- آآممم .. حور ..؟!
قالتها فاطمة بتردد ..
- لبيه ..
- البنتلي السودا لي كل ليلة واقفة عند باب بيتكم مالت منوه ..؟! مايد ..؟
ها أنتِ تكشفين ستر تلك الخبايا ..
ببطء ..!
أخفضت حور بصرها بهدوء ..
- مايد ..! من وين له يا حسرة عسب اييب هالموتر ..
- مالت منوه عيل ..؟!
ابتلعت حور تنهيدة عميقة و هي تقول بهدوء تعلم أنه سيصدمها ..
- مالت ريلي ..
أجفلت فاطمة بدهشة كبيرة ..
- ريلج ..؟؟؟؟ .. ولد عمج تطرين ..؟؟؟؟؟ شسمه ... هذا .. هيه .. غيث .. و الا ..؟!
أومأت حور برأسها ..
- هيه غيث ..
صمت تلى كلمتها المهزومة تلك .. قبل أن تقول فاطمة و هي تشد على يدها ..
- شوه يسوي هنيه كل ليلة ..؟
- يرقد عندنا ..
تدلى فك فاطمة بصدمة ..
- يرقد وين ..؟
- في الميلس .. سكن عدنا الحين ..
همست فاطمة بصدمة متسائلة عمّا حدث في غيابها ..
- شوه صار ..؟!
راحت حور تسرد ببطء كل ما حدث بالتفصيل طوال فترة انقطاع فاطمة عنهم .. جميع تلك التفاصيل الدقيقة .. راحت تنثر في حضن صديقتها كل شيء .. احساسها ذاك الذي لا تعرف له اسما يتكسر قلبها على حدود مده و جزره .. و صورة رجل ظهر في حياتهم ليلعب دور المنقذ في غير حينه .. و لحظات أصبحت تدرك فيها انها لا تعرف نفسها .. لا تعرف ما يخالجها .. كل ما شتتها .. كل ما مزقها .. أفكارها .. تلك الظنون .. أسرارها ..
تفاصيل نبضاتها الدقيقة .. و دموع أوشكت على الانفلات و لكنها امعنت في أسرها ..
يرتعد صوتها بالاحساس مرة .. و يتهدج بالمرارة مرة أخرى ..
- مادري شوه أقولج .. أحس انيه .. أحس انيه ما أعرفه .. أصلا أنا ما أعرفه .. هذا غريب .. بس شوه أقولج .. مرات ..
سحبت نفسا عميقا تحتبسه في صدرها .. تمد يديها بعجز للأمام .. كيف تسرد الشعور .. كيف ترسم بالكلمات ملامحا .. لحيرتها ... لإحساسها .. لكل ما يخالجها ..
- مرات .. كيف أقولج .. يعني .. أحس انه ريال و طيب .. و كل شي ..
سألتها فاطمة بهدوء ..
- كيف يعني كل شي ..؟!
ردت بإحباط ..
- مادري .. أتعود منه قسوته أول ما شفته فحياتيه .. و أوامره .. صراخه .. حسيته حقير و نذل .. و يبا يتحكم فينا .. بس أفكر .. الحين يالس ويانا مودر العز لي شفناه هنك .. يشغل عمره بنا مع انه مشغول .. فطوم اتعرفين كيف غدى نايف أذية يوم توفى أبوي ة.. يوم يظاربنا و يبا يظهر ع كيفه .. من يا هو البيت .. تغير نايف رد لولي .. يوم يكون موجود في البيت ييلس وياه .. يصلون الفير رباعة في المسيد .. و يسمع الرمسة .. و ما يرقد الا و هو خاطف عليه و كل سوالفة .. عنه .. هو سوى هو قال .. هو راح .. و هو عنده .. تدرين انه شله وياه مرتين يوم يسير يتغدا وياهم كل خميس .. بس أنا قلتله الخميس لي طاف لا يشله لن عنده مذاكرة و الامتحانات بتبدأ و يوم تخلص برايه ..
- ليش هو .. ليش ما تقولين غيث ؟؟
ألقت فاطمة سؤالها بهدوء ..
لكن كان له دويا غريبا و كأنما انتزعت شيئا من روح حور .. ها هي صديقتها التي لطالما عرفتها تمعن في نبش كل احساس مجهول .. أرخت حور أهدابها .. تبلع عبرة سدت حلقها دون سبب و هي تجيب ..
- مادري .. بس صعب اسمه عليه ..
- تخافين انج تهدمين الحواجز لي بينكم ..؟
- يمكن ..؟
- تحبينه حور ..؟
فتحت حور عينيها بسرعة ..
- لا .. شوه أحبه .. ما يمدينيه ..!!!
ابتسمت فاطمة بحكمة ..
- يعني ما تكرهينه ..
عقدت حور جبينها ..
- ما فهمت ..
قالت فاطمة ببساطة ..
- أول ما حيدج ادانينه .. ما تيبين حتى طاريه .. عقب ما يا و غصبج على سالفة السامان لي تردينه و الفلوس ما خليتي رمسة ما قلتيها .. و الحين .. ؟ أقولج تحبينه تقولين ما يمديني ..! كانج تقولين يبالي وقت بس و أحبه ..
نفت حور الأمر فورا ..
- لا .. هب هذا لي ..
قاطعتها فاطمة بهدوء ..
- حووووووور .. اسمعيني .. اسمعيني .. ليش تحسين انج في موقف دفاع .. ؟! ليش ترفضين الريال .. بسألج سؤال .. الحين الغلط لي تشوفينه في هالريال ..؟!
- بعد ما فهمت ..؟!
- الريال من يوم ما شفتيه و هو ما يبا الا يساعدكم و خايف عليكم .. العون و مده لكم .. و سكن و ياكم هنيه .. يمكن العيب الوحيد انه هو لي خبرج انكم بتنتقلون البيت العود .. فكري .. اذا خوفة و حرصه عليكم .. اندفاعه و عصبيته من عنادج عيب .. يعني ظركم في شي ..؟!
لحظات طويلة و كلمة بكاء تأبى أن تعبر حدود الشفاه المطبقة .. قبل ان تنفلت منها رغما عنها ..
- لا ..
- من يوم سكن عندكم .. غلط على حد منكم .. ؟
- لا ..
- ريال مودر بيته و أهله .. عسب يداريكم و يعابلكم .. البيت و سادنكم فيه .. مشاويركم حاط لها موتر .. خواتج مرتاحات في الروحه و الييه .. ريال و في البيت عندكم .. كيف اسلوبه وياج ..؟!
احمر وجه حور فورا بعد هذا السؤال ..
- يعني .. زين ويايه ..
رفعت فاطمة حاجبها بابتسامة ..
- زين بس ..؟!
- افففف .. لا تيلسين تنغزين فطوم ليتني ما خبرتج ..!
- ما بنغزج .. بس انتي خذتي سالفة ابوج دافع لردود أفعالج .. الحين قبل ثلاثين سنة أو أكثر سالفة استوت و انطر ابوج بسبتاا .. ريلج لي طرده ..؟
- لا بس هم أهله ..
- و أهلج و أهل أبوج بعد .. و ابوج لي انتي كارهتنهم ابسبته .. هو لي ميوزنج اياه .. ليش تحطين ذنب الريال من ذنب هله .. اوكيه بتقولين نفس الطينة .. حور الحين هو ريلج .. ما ترومين تغيرين شي من هالوضع .. ليش ما تطبين كل هالخرابيط من راسج و تعيشين حياتج .. من الرمسة لي تقولينها أحسه الريال .. شارنج .. و انج عايبتنه .. ودري الماضي .. ركزي ع الحاضر ع اليوم لي انتي فيه .. على باكر .. و شوه ياي وياه .. لا تخلين غلطة غيرج تأثر على حياتج حور ..!
عضت حور شفتها السفلى بقوة .. كانت كلمات فاطمة تنخرها بقوة .. تزعزع أسس تلك الركائز التي أسندت خوفها من مشاعرها عليها طويلا ..
.
.
أين ستقودها الخطوات في النهاية على أي حال ..؟!

* * * * *
>>





لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 08:45 PM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\




تتمة






كانت السيارة الفارهة تتقدم ببطء شديد .. في الشوراع المزدحمة .. و استغرب حقا من تواجد الناس هنا في أيام مثل هذه ..
التفت بسرعة لصديقه الذي استرخى في المقعد و كاد يغفو ..
- حوووه بو سعود ... لا ترقد يا خي .. و الا برقد وراك ..!
تثائب عبدالعزيز بكسل و هو يتمطى كالهرة الكبيرة و يقول ..
- بو هناد .. كراسي موترك عجيبة كنها شباري ..! أنود كل ما يلست فيها ..!
ابتسم سيف بمجاملة .. الحقيقة أنه يفضل استبدال هذه السيارة الفارهة باخرى بسيطة لا تتجاوز عُشر سعرها .. يكره التباهي .. يكره هذا البذخ .. و لكنها قد أتته عطيّة من أبيه .. قال بصوت حازم و هو يراقب جموع الناس المتفرقة في هذا المكان ..
- باكر هب امتحانات آخر السنة ..؟ شوه يسوون هاليهال و هلهم هنيه ..؟
- شوه حاسدنهم يا ريال .. خلهم يمكن يتأهبون نفسيا لامتحان باكر ..
و ضحك بخفة و كانما أعجبته الكلمة .. ثم أردف ..
- بس بتلقاها فرصة للعب الليلة .. أهم شي ما نضيّع الغنايم ..
و ابتسم بحماس .. و سيف يواصل الامعان بالنظر حوله و هو يقود الشيارة ببطء .. تلك المعالم الجميلة التي تمر على جانبيه كانت تشرح صدره .. - الأخضر الندي الذي زحف على صدور الجبال .. تلك الأعشاب اليانعة تنبثق من بين الصخور لتعطي ظلا رائعا داكنا في هذه الليلة .. الأضواء المسلطة على عمالقة الصخور الجاثمة على انفاس الأرض ،، و ينابيع الماء المتدفقة و الأفلاج المتعددة .. ضحكات الأطفال و ألعابهم .. أحواض سباحة عملاقة متعددة تحيط بها جدران متينة للخصوصية .. و حديقة ترفيهية صغيرة تقبع أمامه مباشرة .. و تلك الاكواخ المصغرة للسكن فيها .. بحيرة فسيحة .. توقفت أمام رصيفها عدة قوارب صغيرة ..
.
.
بقدرة الله العظيم ،، و رحمته ..
قد أمعنت كف ذاك الكبير بنحت الجمال قبل رحيله ..
فليرحمه الرب .. كان منبعا للخير ..
و لا زال الخير منبعا لأبناءه ،،
.
.
قال بصوت هادئ يشق الهواء البارد في السيارة ،،
- الله يرحمك يا زايد ..
تمتم عبد العزيز بذلك أيضا قبل أن يرتفع رنين هاتف سيف فيلتقط السماعة ليضعها في أذنه و عينه تنظر للأمام مباشرة و هو يرد ..
- حييه بو سلطان ..
تدفق صوت أخيه يقول بسرعة ..
- مسويلنا فيها مطوع و انته من تحت لتحت .. مطول اللحية و مقصر الثوب .. و انته ترتغد في مبزرة .. اعترف مواعد منوه ..؟
هزت سيف رأسه و هو يقول بقوة ..
- ما برد عليك لنك ما تستاهل .. شدراك انيه في مبزرة ..
- شفت موتر خطف من شوي ..
- انته هنيه ..
- هيه ..
- شوه عندك ..؟
- شوه عنديه بعد .. لي عند الخلق .. ياي أتمشى ويا الشباب .. تعال صوبنا يا ريال .. الربع كلهم هنيه .. و اليلسة وناسة .. حد عندك ..؟
- عبدالعزيز ..
- أهاا يا حييه .. بو حميد معزر انك تيينا ..
- لا يا ريال .. أنا هب فاضي .. يايين في مهمة .. نحن في وقت الدوام الحين ..
- يا ريال ..!!
- هيه و الله .. مرة ثانية ..
كان عبدالعزيز يلوح بيده معترضا .. و تجاهله سيف و هو يوصي أخاه ..
- لا تبطي هنيه .. رد البيت قبل 12 ..
أجابه هزاع باحباط ..
- ان شا الله أمايا ..
- يا صبي ..
- خلاص آسفين .. يا الله يا خي .. شغلتنااا .. أقولك يوّد أحمدوه يباك ..
ثانية و يأتيه صوت ابن عمّه المتحمس ..
- علومك بو هناد ..
ابتسم سيف بهدوء ..
- علوم الخير ..
- بغيت أخبرك يا ريال كانك أحين في وقت الدوام تعال شوف واحد من الربع مركب عاكس .. صادروا موتره ..
ضحك سيف و هو يسأل ..
- و انته ليش تفتن ..؟
- نذالة .. و أحافظ على نظام البلاد ..
- نظام البلاد ..؟ أقول بنصادر موترك أول .. و الا تحرانيه مادري انك مزود ..
- و الله انك سوالف بو هناد .. كم رقمك ..؟ أقول توكل على الله و لا تيلس تروعنا .. انتو تحريات و هاي شغلة المرور ..
- و لا يهمك أحين أتصل بالربع هناك ..
- عنبوه يا سيف .. محد يمزح وياك ..
ابتسم سيف من نبرة الاحباط التي لمسها في صوت أحمد ..
- القانون ما فيه مزح .. و النظام ع اليميع ..
- انزين أذيتنا .. تقول ما صدقت حد يفتح لك مجال محاضرة .. أقول بو هناد . و الله ان صوتك حلو .. بس بشوفك باكر في العزيمة .. فداعة الله ..
قال سيف بسماحة ..
- الله يحفظك ..
أعاد السماعة لجانب الهاتف و هو يجيب نظرة عبدالعزيز المتسائلة ..
- هزاع خوية و أحمد ولد عميه هنيه و شافوا موتريه .. ما طحت ع شي ..؟!
- لا طلعنا فوق .. بنشيك ع القمة .. تعرف بعضهم يروحون هناك خلاف يخطفون ع الفندق ..
و غمز بعينه لسيف و هو يقول عبارته الأخيرة .. ليقول ذاك باستياء ..
- أستغفر الله .. يا خي ترفع عن هاي الظنون ..
رفع عبدالعزيز حاجبه و هو يقول ..
- الحين يوم واحد يواعد وحدة من هاللوث .. و ييلس وياها اروحهم .. شوه يبابها .. ؟ شوه يسوي وياها ..؟ يلعبون تيلة ..؟!
- يسوون لي يسوونه ،، هب شرط ان كل وحدة ظهرت ويا واحد زانية .. اتق الله يا أخي ..
- و هب شرط انك وحدة تظهر ويا واحد عفيفة .. هاي باعت هلها .. هب صعبة تبيع عمرها بعد ..
لم يجبه سيف بل التزم الصمت حتى وصلا قمة جبل حفيت .. ليدوران ببطء في الساحة الواسعة و عيناهما تستقطبان كل سيارة منزوية .. قبل أن يقول عبد العزيز بسرعة ..
- سيف .. البي ام لي في الزاوية ورا المطعم ..
التفت سيف الى حيث أشار عبد العزيز قبل أن يقترب منها و يوقف سيارته على مسافة قريبة .. و أحنى سيف رأسه و زجاج السيارة ذو التظليل الخفيف يكشف عن رأسين متقاربين في الداخل ..
- أهل يمكن ..؟!
- بنشوف ..
مرت دقائق طوال و هما يراقبان السيارة المتوقفة .. دون أدنى اشارة قد تدفعهما للتدخل .. لحظات قبل أن يفتح باب السائق على وسعه .. ليكشف عن رجل مال إلى الخارج ليقذف كيس قاذورات و اتضح من خلفه شكل المرأة الجالسة بجانبه بلا غطاء شعر .. ليقول عبدالعزيز فور التفات سيف للجهة الأخرى ..
- أهل ..؟
أطفأ سيف محرك السيارة و هو ينظر للمرآة و يعدل من وضع - الغترة - ..
- بنشوف ..
- أنا ورا ظهرك هنيه ..
- ترتوب .. و فتح باب سيارته لينزل منها في اللحظة التي زحزح فيها عبدالعزيز جسده الثقيل ليحتل كرسي السائق المجاور ..
تقدم سيف بخطوات واثقة .. و هو يندفع لشي اعتاد فعله مئات المرات .. هامته الطويله تقطع المسافة القريبة بين السيارتين بثقة .. حتى وصل للسيارة التي بدا من خلف الزجاج الداكن طيف رأس الرجل يلتفت إليه .. مد أنامله ليقرع زجاج النافذة و لكن الرجل سيبقه لينزلها و هو يتساءل ببرود حين التفت المرأة بوجهها للجهة الأخرى فلا يراه سيف ..
- نعم يا الشيخ ..
قالها الرجل و هو يتأمل اللحية الوقور و الوجه السمح لذاك الشاب الذي يقف قرب نافذته بابتسامة بسيطة يقول بهدوء ..
- السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
قال الرجل ببرود ..
- و عليكم .. خير ..؟
هز سيف رأسه آسفا و هو يقول بنبرة عميقة ..
- رد السلام زين يزاك الله خير .. الله سبحانه و تعالى يقول : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا } ** ..
عقد الرجل جبينه ينظر لسيف بشك ..
- انته صاحي ..؟
- شرايك ..؟
- راز بويهك تعلمنيه السلام .. ؟!! انقلع زين ..
لا تزال الابتسامة الهادئة على شفتي سيف ..
- مشكور و الله يسامحك ..
- شكلك واحد فاضي و ما عندك سالفة و ياي تسويلنا فيها طيب .. بتذلف و الا شوه ..؟
- فالك طيب خوية .. بس لو تعطينيه الليسن أول .. و بطاقة شخصية للأهل لي وياك ..
تدلى فك الرجل في ذهول قبل أن يتلعثم ..
- ليسن ..؟! حق شوه ..؟
- ليسنك و أي بطاقة اثبات هوية للأهل لي وياك ..
- و امنوه انته عسب أعطيك اياها ..
نظر له سيف بهدوء ..
- أولا اتفضل انزل من السيارة ..
فتح الرجل بابه بغيض و هو ينفض ثوبه من رماد سيجرته و يرميها أرضا و يقول بعصبية و يدفع كتف سيف بيده في قوة ..
- انته بتفارق و الا أشل ويهك ابوكس يسنعك ..
في حركة سريعة امسك سيف بيده ليلويها بقوة خلف ظهره و هو يدفعه لمقدمة السيارة و يسأله ببرود ..
- الليسن وين ..؟
الرجل يحاول الانفلات من بين يدي سيف المحكمتين و لكنه كان يقبضه في حركة متمرسة منتظرا اجابة على سؤاله و جسده المديد لا يتحرك .. فيقول الرجل بضيق مع انفتاح باب السيارة و خروج المرأة منها ..
- منوه انته ..؟؟؟
- التحريات ..
شهقت المرأة بفزع و هي تقول شيء ما بخوف و الرجل يصيح باستنكار .. و عينه على السيارة التي فارقها سيف للتو و نزل منها عبدالعزيز الآن متوجها نحوهم ..
- تحريات بجاكوار XF .. هندي تقص عليه ..
تقدم منه عبدالعزيز بهدوء ليلتقط البطاقة و يرميها تحت أنف الرجل و هو يأمره ببرود ..
- الليسن .. و الهوية للي وياك ..؟
قبل أن يقدم الرجل على أي حركة صاحت المرأة بصوت منهار و بدا أنها على شفير البكاء ..
- ما يخصنيه فيه .. هالحيوان ماخذنيه بالغصب ..
و بكت و هي تقول لعبدالعزيز الذي لم يبدو على وجهه أدنى تأثر ..
- أنا ما أعرفه .. و هو شلنيه غصبن عنيه ..
لوح عبدالعزيز بيده في ملل .. لم يكن الدعاء غبيا و فارغا فقط .. بل بدا أحمقا للغاية و دون معنى .. و وجد أنه قد مر عليهم حالات ادعاء و صدمة بعد القبض كانت أقوى من هذه ..
صاح الرجل بصوت مخنوق تحت وطأة قبضة سيف ..
- ما تعرفيني يا كلبة الشوارع ..!!!! أنا ماخذنج غصب يا الحثالة ؟!!.. انتي سبيل يا الخايسة لكل من هب و دب ..
صاحت به في انهيار و دموعها تغسل وجهها المذعور ..
- جب يا النذل .. يا الخسيـ .. ..
تجاهل عبدالعزيز صياحها و انفعالها و هو يقاطعها باشمئزاز ..
- الهوية لو سمحتي ..
كان صوتها متقطعا و غطاء رأسها قد سقط عنها .. و الهواء المعتدل يتلاعب بشعرها .. و هي ترتجف ..
- مـ .. ما .. ما عندي هــ .. هوية ..
رفع عبدالعزيز حاجبه بشك و سيف يركز على الرجل متجاهلا المرأة التي لا يبغي التعامل معها اطلاقا ..
- ما عندج هوية ؟؟ هب مشكلة في المركز نظهرلج هوية ..
و رفع الجهاز اللاسلكي الذي في يده يطلق الأموامر طالبا سيارة شرطة لاصطحابهما و سيف ينتزع رخصة القيادة و مفاتيح السيارة من الرجل ليضعها في المظروف و يمسك دفترا يدون فيه بعض الأشياء .. تجاهلت المرأة عبدالعزيز و صوت بكائها يرتفع و هي تتقدم من سيف ..
- دخيلك خوية .. دخيلك .. أنا ما يخصنيه .. انته تخاف ربك .. استر عليه الله يستر على أهلك .. استر عليه .. و الله أنا بنت عرب و ناس معروفين .. الله يخلييييييييك .. و الله لو يدروون هليه يذبحونييييييه .. و الله بنفضح ..
و اقتربت من سيف الذي انكمش أنفه باشمئزاز من رائحة عطرها .. و هي تبكي قربه ..
- الله يخلييييييييييك .. كلله و لا المركز .. حراااام عليك و الله وراي خوات و أهل .. استر عليه الله يستر عليك ..
لم يرفع عينيه اتجاهها أبدا و هو يتراجع خطوة عنها .. و صوته المحتقر يقول بهدوء ..
- ليش انتي تعرفين الله ..؟!
بهتت للحظة قبل أن تنفجر في جنون و تنطلق نحو الرجل لتضربه بيدها ..
- يااااااا حيوااااان كله منك .. شوف وين وصلناااااا الحين ..
أمسك الرجل بصدر عبائتها المتهدلة يدفعها بعيدا .. و هو يصيح بغيظ ..
- خووووووووزي يا اللوووووووث ..
أطلقت المرأة صرخة قصيرة و انفتحت مقدمة عبائتها كاشقة عن نحرها و القميص الضيق الذي شد على صدرها ..
- ياااااااااا حيواااااااااااااان .. ياااااااااااا حقييييييييييييير .. اللــــــــه يلعنك .. اللـــــــــــه ياخذك ..ياااااا القذرررر .. اللـ .........
و بترت عبارتها و قد بدا الرعب عليها حين صرخ سيف في وجهها فجأة ..
- جاااااااااااب ..
فتحت فاهها قبل أن يلتقط - غترته - التي كانت تلتف على رأسه فيقذفها نحوها بقوة لتصطدم بصدر المرأة التي تلقتها بخوف بين يديها و هو يصيح بها في غلظة ..
- تستري ياا حرمة ..
ضمت الغترة بين يديها بقوة و هي تحاول بذعر اعادة الغطاء على رأسها .. الغريب أن ذاك الرجل لم يلتفت نحوها و لو لبرهة .. كيف علم بأن زمام الحشمة قد انفلت ..!
يده تعتصر الدفتر الصغير .. و هو يشعر بأنه ينفث لهبا لا أنفاسا و هو يحتقرها بقوة ..
- بنت عرب و ناس ..؟ بنت عرب و ناس ..؟ وين العرب و الناس لي انتي بنتهم ..! وين هلج عنج و انتي تحدرين و تظهرين ويا كل الياي و الغادي ..؟! تبينا نستر عليج و انتي الستر ما تدورينه ..!! خفتي من رمسة العرب .. من هلج .. !! ما خفتي من ربج .. ؟؟!! اتقي الله .. اتقي الله .. ما تخافين ربج ياخذ روحج و انتي ترتكبين الاثم ..؟؟ شوه بيسون هلج لي انتي خايفة منهم ..؟ يذبحونج ..
هز رأسه بأسى ..
- آخرتاا بتموتين .. ما خفتي من لي عقب الموت ..؟ جهنم لي بتكونين خالدة فيها أبدا ..
عبدالعزيز يكتف ذراعيه و عينه لا تفارق وجه الرجل الذي تململ في وقفته و المرأة الباكية .. يبدو أن كلمات سيف لا تجد صدى عندهما .. و يبدو أن سيف أدرك ذلك بشكل ما .. إذ قال بأسف ..
- إمرأة .. أعزج الاسلام .. و رفع شانج .. ترخصين بعمرج .. و تسعين للرذيلة .. ليش ؟؟ ما لقيت الا هالدرب .. شوه لي قاصر عليج .. و الله منعم عليج بالصحة و العافية .. اتقي الله .. غيرج أبوابهم مفتوحة للغلط و ما انقادوا له .. اتقي الله ،،
ثم أردف بصوت مقهور و قد بدت لمعة غريبة في عينيه كاد عبدالعزيز يجزم أنها أثر دموع حبيسة .. و صوته يرتفع ..
- اتقـــــــــــــــي اللــــــــــــــه ..
.
.
اتقي الله ..
اتقي الله ..
اتقي الله ..
.
.
يا غافلة ..
يا ساهية ،،
أ تلهثين وراء بريق دنيا زائلة .. وراء اشباع شهواتكِ ..
خلف ارضاء رغباتك ..
أ تسعين لدنيئة و قد رفّعك الإسلام عنها ..
أتكسرين شموخ دينٍ فيكِ .. لا زال يرسم حدود عزتكِ بسترك ..
أ تتقاذفكِ ملذات هنا و هناك .. فتلهيك ..
أ تنغمسين حتى النخاع في الرذيلة ..
أ تصلين لحدود نكران النفس فتضحين مجرد لقمة سائغة لفظتها أفواه الذئاب الجشعة ..
لفظتها .. متقززة .. كارهة .. شبعة ..
لفظتها ملوثة .. مغرقة بالقذارة ..
أي فاه قد يدنو منكِ بعدها ..؟!
أ تعلمين .. ؟ أم لا تعلمين ..؟!
أم أنكِ تنسين ذلك يا ترى ..؟!
.
.
لا زال رب يعتلي عرش السماء .. هو الصبور ..
يراك .. و يشهدكِ و تشهد قسمات ذنبكِ عليك ..
يتوعدكِ حشرا مع زمرة الخائبين ..
لتجرين على وجهكِ يوم الدين ..
مصركِ حيث تلقين ..
الحُطمــــة
الحُطمــــــــة
الحُطمـــــــــــــة ،،
نار الله الموقدة ..!
.
.
رباه أجرني و أجر أهلي و أجر من يقرأ أحرفي و من يلقى لها صدى ..
رحمتك يا ربي .. رحمتك ..!
.
.
كان يلهث بشيء من العصبية و هو يضم الدفتر و رخصة القيادة و يأمر عبدالعزيز ..
- هويتها ..
بكت مجددا و هي تسبق عبدالعزيز في الرد ..
- ما عندي هوية .. ما عندي .. دخيلكم خلونيه أسير البيت .. استروا عليه .. و الله ما أعيدها .. و الله ..
تجاهل الاثنان توسلاتها و قد بدا الضيق على صاحبها و يتحرك في مكانه بتوتر .. حين ظهرت مقدمة سيارة الشرطة عند أعلى الشارع القادم من الأسفل ليلتقط عبدالعزيز الجهاز اللاسلكي و يهتف بهم ..
- بي أم سودا .. يمين ورا المطعم ..
لحظات و تتقدم سيارة الشرطة بثقة .. حتى تصل إليهما فتتوقف بهدوء .. ليفتح بابيها و ينزل منها رجلين بملابس الشرطة الرسمية .. يتقدم الأول من عبدالعزيز فيسلم عليه ..
- السلام عليكم ..
ليرد الاثنان و الأول يسلم على سيف ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
تقدم الثاني ليسلم عليهما ثم يلتقط الدفتر من يد سيف .. و رخصة القيادة ..
- بو سعود شحالك ..
- بخير الله يعافيك .. و شحالك يا خوي .. ربك بخير ..
- بخير يعلك الخير .. بو هناد .. جيف الحال ..
- الحال طيب يا خميس .. و من صوبك ..
- كل شي يسرك ..
و انتزع الورقة من دفتر سيف و سيف يتبادل الأخبار مع الشرطي الآخر الذي سأله ..
- الحاله ..؟
أجاب سيف بهدوء ..
- خلوة ..
- و البطايق ..
- الليسن ويا خميس .. و الأخت ما عندها اثبات هوية ..
اقترب الرجل من سيف يسأله بخفوت ..
- متأكد خلوة ..؟!
أجابه سيف بهمس مستاء ..
- هدت علينا و تقول ماخذها غصب .. و اكيد ما بتخلي هلك ظاهرين قدام الشطرة و ييرونك التحريات دون ما تقول شي .. حتى ما أنكر .. !!!
هز الرجل رأسه دون أن يجيب قبل أن يتقدم ليقتاد الرجل و المرأة للجلوس في المقعد الخلفي من سيارة الشرطة .. و نحيب المرأة يرتفع .. اقترب سيف ليمد للرجل مفاتيح سيارته .. و هو يقول له بهدوء ..
- حبس .. و يمكن تظهر بغرامة .. بس وين بتروح من رب العالمين ..؟! فكر اذا يستاهلن انك تضيع دنياك و آخرتك عشانهن ..؟!
رفع الرجل حاجبه ببرود ..
- خلصت ..؟
ظل وجه سيف الجامد يراقب الرجل بسكون للحظات طويلة قبل أن يهمس ..
- فكر اذا فضلة الغير و النتنه .. اذا الشي المستعمل يغنيك عن الحلال ..؟!
لكن أي انعكاس لاحساس بسيط لم يلح بريقه في تلك العينين الجافتين و صاحبها يشيح بوجهه متجاهلا ..
معاندا ..
مصرا على ذاك المصير الأسود الذي لا زال في انتظاره ..
بعد عبارات التوديع المختصرة انطلقت سيارة الشرطة دون ضوضاء كما أتت تجنبا للفت الأنظار ..ظل سيف واقفا للحظات ينظر في أعقابها بصمت و هو يضع يديه في جيبه ..
عبدالعزيز يقف خلفه هو الآخر بهدوء انتقل له من صديقه .. دوما هذا الانفجار يحدث ..
دوما يستغل سيف لحظات مسروقة ليقذف ببضع كلمات أغلبها لا يلقى صدى في مسامعهم المتحجرة ..
تقدم منه بهدوء يمد له غترته التي ألقتها المرأة أرضا قبل رحيلها و هو يقول ..
- يا الله يا خوي .. باقي نص ساعة ع الزام خلنا ناخذ لنا لفة ..
التفت سيف بطرف عينه ليرى غترته الممدودة .. انكمشت ملامحه بقرف و هو يلتقطها بيده متجاهلا رائحة العطر النسائي الذي التصق فيها .. فيلفها بيده بقوة ..
يقترب من السياج الحديدي الذي يلتف حول قمة الجبل .. يحتضنهم خوفا من الهاوية التي لاحت في الأسفل ..
أضواء المدينة المترامية الأطراف في الأسفل .. نقاط من النور تنتشر هناك في خطوط منظمة ..
هواء الليل بدا أكثر برودا على القمة من حر الأرض و هي تحرك شعره القصير و هو يرمي الغترة بكل قوته للأسفل .. فتنفرد في الهواء .. لتنزل ببطء .. تهوي .. تهوي ..
يراها تتعلق بصخرة الآن .. شيء ما يخيفه كل ما رأى مثل هذه المناظر ..
كلما وقعت عيناه او يداه على مثل ما وجد هذه الليلة .. هاجس مرعب يجتاحه ..
هل تغلغل شيء من خبث الدنيا لبناتهم ..؟! هل هناك لطخة تلوث نقائهم في غفلة ..؟!
أغمض عيناه بقوة يبعد تلك الفكرة السوداء .. و هو يهمس ..
.
.
.
- يا الله استر على بناتنا ..!

* * * * *

صوت موسيقى الروك الأجنبية الصاخبة يتردد بقوة بين الجدران و تتجاهل النبض المتألم الذي يغزو أذنيها .. و هي تنظر لجسدها في المرآة برضا .. ببنطالها الواسع منخفض الخصر و قميصها الفضفاض .. و ذاك الاكسسوار الجلدي التي تعلقت به بعض الأحجار في عنقها و شبيه به قيد معصمها بغلظة ..
بدت تهز خصرها بقوة على أنغام الموسيقى و ايقاع طبلها .. كانت تتحرك بجنون .. عيناها المغمضتين لا تفتحهما و هي تقوم بتلك الرقصة الغريبة التي راحت تستفز على ذرة في جسدها للارتجاج ..
دقائق طويلة قبل أن تلقي بنفسها على فراشها بقوة ليئن هو الآخر تحت ثقلها .. و يختلط صوت اهتزازه بتصادم الأحجار في معصمها و العنق ..
عيناها المغمضتين لا تفتحهما .. و الموسيقى المتواصلة تتوقف عند نهايتها .. ليسود الغرفة الصمت المطبق ..
لحظات و يرتفع رنين هاتفها بصوت يشق الهدوء .. الرنين الذي لم يكن بهذا العلو حين تجاهلته عدة مرات و هي ترقص ..
انقلبت على بطنها و هي تمد يدها لطاولة السرير و تلتقطه بملل ..جبينها ينعقد بقوة ..
الرقم الغريب نفسه ..! ضغطت زر الرد بقوة و هي تجيب بصوتها الخشن ..
- نعم ..؟
الصوت الرجولي الناعم المألوف يتدفق عبر الهاتف لأذنها .. كان عليها أن تتوقع ذلك ..!
- هلا حبي ،،
عادت تقول بشيء من القوة ..
- نعم ..؟
الضحكة الخشنة المجلجلة زادتها ضيقا و الصوت يخفت و هو يدنو من الهمس ..
- الله ينعم بحالج .. ريلاكس .. ما تحسين انج ماخذة الأمور بعصبية ..
تأففت بصوت مسموع و هي تقول بصبر ..
- حمدة .. من وين يبتي رقميه ..؟
كان الصوت أقرب للفحيح الآن و أنفاس تلك تصلها عبر الهاتف ..
- حمدان يا الشيخة .. حمدان يا قلبي .. هب صعبة .. و الا ناسية أنا ولد منوه ..؟ أنا أروم أييب عنوان بيتج و شوه تسوين فحجرتج الحين ..
شخرت شيخة ساخرة ..
- حلفي والله !
- عندج شك ..؟
- هه .. هيه .. مليون شك .. ناسية انيه بنت علي بن سيف .. حبيبتي .. نحن هب أقل عنج .. لا تيلسين تتعنترين عليه .. سيري العبي ع المخبل لي يالسة تعيشينهن على حسابج ..
تأوهت تلك بنشوة ..
- آآآآه .. عيديها .. مرة وحدة عيديها ..
عقدت شيخة جبينها ..
- أعيد شوه ..؟
همست حمدة بصوتها الأجش ..
- حبيبتـــــي ،،
مطت شيخة شفتيها بضيق .. و تلك تتابع بنبرة متلهفة ..
- و المخبل لي هب عايبينج نفرهن ورا الشمس .. كم شواخ عدنا ..
- حمدووو .....
قاطعتها منبهة ..
- حمدان ..
تنهدت شيخة بملل ..
- كله واحد .. أحين ليش متصلة .. شوه تبين ..؟
- أباج ..
- شوه تبين ؟؟؟؟؟!!!
- أباج .. و انتي تعرفين شوه أقصد .. من زمان عايبتنيه .. بحركاتج .. بغرورج .. و مكابرتج .. تعرفين أنا كنت أروم أفر هالعنزة لي يسمونها راية من دربيه .. بس شفتج متعلقة ابها .. و ما بغيت أكسر بخاطرج .. الحين يوم فضى الجو .. ما عنديه نية انيه أودرج .. بس انتي مادري بلاج انقلب حالج مرة وحدة .. حبووو .. انتي هب اول و لا آخر وحدة تحب و يخونونها .. الخيانة هب مشكلة .. المشكلة كيف تربين الكلبة لي تخونج ..
عقدت شيخة جبينها مستفهمة ..
- شوه قصدج ..؟؟
- قصدي هالحقيرة لي خانتج .. راية العنز .. أنا بربيها لج .. و أخليها تحترق من الندم ع لي سوته فيج ..
رفعت شيخة و قد راق لها الأمر نوعا ما ..
- و كيف نا وية تربينها ان شا الله ..؟!
- بطرقي الخاصة .. بس على شرط ..
- شرط شوه ..
كان صوتها خبيثا و هي تعرض عليها الأمر ..
- تعطينيه فرصة .. أنا ما أطلب منج شي الحين .. بس أبا اخاويج .. ابا أتعرف عليج و نغدي ربع .. صعبة ..؟
ارتفعت شفة شيخة العليا بشيء من الكبر ..
- متأكدة هذا لي تبينه .. ربع ..؟
- هيه يا بعدهن .. أي شي يريحج يريحنيه .. ودي انيه أتقرب منج .. شرايج ..؟
-تاملت شيخة اظافرها ببرود ..
- حاليا ما عنديه خلاف .. بس عطينيه وقت بعد ..
- بعطيج العمر كله .. غناتي .. بس عطفي علينا شوي .. على فكرة .. الخميس الياي مسوين حفـلـ .....
قاطعتها شيخة دون تفكير ..
- الخميس الياي أنا مشغولة ما روم أسير مكان ،،
تنهدت حمدة بخيبة و صوتها الخشن يقول بغلظة ..
- هب مشكلة حبووو .. بيي الخميس لي انتي هب مشغولة فيه ،،

* * * * *

نظرة واحدة لxxxxب الساعة التي كانت ساكنة على الثالثة فجرا أكدت أنه لا زال أمامها ساعة كي توقظ إخوتها ليتابعوا مذاكرتهم قبل انطلاقهم للمدرسة .. سحبت نفسا عميقا و هي تعيد النظر لنافذة المطبخ ..
اعتادت هي و المها وعفرا في صغرهن على الارتقاء لسطح المنزل عبر ركوبها ثم التشبث بحافة مكيف المطبخ .. ليتعلق ببروز ناتئ في سور السطح القصير .. لكنها لم تجرب ذلك منذ سنوات .. أصبحت هذه خبرة نايف ومزنة الآن .. ابتسامة شقية ناوشت شفتيها و هي تلبي نداء خفي للارتقاء مجددا..
الجميع رقود الآن .. لن يشعر بها أحد .. ! لفت غطاء شعرها حول رأسها و تلثمت به جيدا .. فتحت النافذة ليتدفق هواء ليل الصيف دافئا ..استنشقته عبر اللثام الذي كان يحجب أنفاسها .. تمسكت بحافة النافذة لترفع رجلها و هي تخرج منها .. كانت ضيقا أكثر مما كانت عليه قبلا ..! حشرت نفسها فيها .. وتمسكت بالمكيف الذي كان أقرب .. و هي تبحث عن ذاك البروز القديم .. ابتسمت بفرح حالما لامسته بأناملها ..
خشونة الجدار وسطحه الجاف .. أمسكته جيدا و هي ترفع نفسها للأعلى ..وضعت قدما على السطح ثم الأخرى .. استوت واقفة و هي تكتم ضحكة .. و عينها تقع على الأرض تحتها .. لو أنها انزلقت أو سقطت ..
تخيلت فقط ما الذي كان ليحدث .. سيصدم الجميع حتما بذلك .. أولهم هو ..
هو ..
هــــو ..
.
.
انفلتت منها تنهيدة عميقة و ابتسامتها تلك تذوي .. وأناملها تنزع حجابها .. تحرر شعرها ببطء وهي تقف وسط السطح المظلم .. خيوط الضوء الضئيلة لم تتعالى لتصل إلى هنا لا زال تواضعها يجبرها على التزام الأرض ..
عيناها تجولان في السطح الفارغ .. ما زال هو نفسه .. أعشاش الطيور القديمة في تلك الزاوية البعيدة تتبينها بصعوبة وسط الظلام .. تلك التعرجات للسطح ..
تقترب من حافة السطح لتسند ذراعيها عليه .. تشعر بشعرها ينسل على ظهرها بهدوء .. متحررا ..
تتغلغل غرتها بأصابعها .. لتريحها على خدها .. نفس عميق تملأ به رئتها .. و دفء الهواء يتسلل للداخل ..
كانت عيناها تجوبان الطرقات أسطح المنزل المجاورة .. و ما تحتضنه أسوارها المنخفضة .. هذا بيت جارهم أبو سالم .. و هذا بيت امام المسجد عبدالسلام .. هذا هو بيت أم العنود ..
العنود .. جارتهم الصديقة .. فتاة ألفوها منذ عمر .. حتى أتى نصيبها لتشد الرحال إلى بيت زوجها .. ها هو المسجد .. و تلك البقالة ..
انقبض قلبها في حزن غريب .. و اسرار وجع أرادت أن تبوح به لهذه الصور بدمعة ..
كم هي حبيبة .. كم هي حبيبة ..
هذه الأرض .. هذه المساكن .. ببساطتها ..
و بساطة سكانها .. و أحلامهم . ضحكاتهم .. ودهم .. و تقاربهم ..
كيف سيقدرون على ترك البقعة التي احتضنت أرواحهم لأعوام ..؟!
كيف ستجد في نفسها القوة ..؟! كيف ..؟
هنا رسمت أحلام بألوانها الوردية .. هنا توجعوا .. و ضحكوا ..
هنا ضاقت بهم حدود الكون .. و هنا انطلقت بهم الحياة فلم يعودوا يسابقوا اندفاعها ..
هنا أمنيات تدفن في التربة .. هنا ذكريات وزعت على تلك الزوايا الغابرة ..
.
.
و هنا خطوات غفت على عتبات الرحيل ..!
.
.
هنا لها جزء من الروح حتما ستتركه خلف بين هذه الأزقة .. و هذه النوافذ .. و أحجار الطيب ..
تعب بعشق هذا الهواء الدافئ .. تنتزع منه أنفاسا طاهرة ..
شهقة مكتومة فزعة اختنقت في تلك الراحة الكبيرة التي أطبقت على فمها و أنفها تكتم أنفاسها و صوتها .. حين التفت قبضة قوية على ذراعها الهشة .. تحاول يجنون الانفلات .. و صوتٌ هامس يصل لذهنها المذعور ..
- أوصصصصص .. أنااا غيث لا تخفين ..
لحظات مقامة أخرى قبل أن تسترخي حين أدارها نحوه .. لتتبين وجه على الأضواء البعيدة في الظلام .. عينيه الواسعتين التي لا ترى إلا لمعتها .. ظل أنفه الطويل المستقيم .. و شعره الكث بدا لها فوضويا .. انتزعت راحته من فمها بقوة و هي ترتجف ..
- روعتنييييه .. صاحي تيي من ورايه .. كان عفدت من فوق .. و الا وقف فواديه من الخوف ..!!!
لم يجبها .. يتأمل بعينيه .. خيالها .. و حدود صورتها .. التي ترسمها أضواء الشارع البعيدة ..
لا تعلم أنه قضى لحظات طويلة يدرس تفاصيلها في غفلتها ..!
كان شعرها الطويل ينسدل على طول ظهرها .. متناثرا الآن حول كتفيها .. قاوم رغبة غريبة في دفن وجهه في شعرها و هو يمد ظاهر يده يلامس خدها .. و يقول بخفوت ..
- لو عفدتي .. عفدت وراج ..
ارتعدت و هي تشيح بوجهها .. تقدم من سور السطح يريح ذراعيه مستنشقا الهواء .. و عيناه تتأمل المنظر أمامه .. وقفت هي قريبا من الحافة تراقب المنظر .. وصلها صوته يقول بضيق ..
- لي يطلع السطح يروم يشوف كل البيوت .. !!
لم تجبه .. و لم ترد عليه .. التفت نحوها .. انكمش قلبه من مرأى لمعة الدمع في مقلتيها ..
اقترب منها ليجذبها من ذراعيها نحو الحافة .. بدا وجهها أكثر وضوحا ..
.
.
يرى في عينيها ذاك الحطام ..
تلك الأطلال المهجورة .. بمنازلها المهدمة ..
بأسقفها التي تمددت أرضا .. طريحة النسيان ..
بنوافذ تناثر زجاجها سويا و الإحساس ..
تلك الطرقات الخالية ..
لا آثار تطبع على جبينها الحالك .. الموشح أسىً و سكونا مظلم ..
لا أنوار تنعكس في مآقي أكواخها الخاوية ..
بدت مشتتة .. أم خائفة لا يعلم ..
و لكن هناك رجاء صامت نطقت به عيناها ..
قبل أن تشيح بوجهها ..
.
.
شعر بإدراك غريب .. مسه بقوة ..!
قد تكون متوجعة ،،
ممزقة .. و لا يجرؤ على خدش تماسكها الخادع ..!
سيتركها الآن ..
واثق بأنها ستبوح له ذات ضحكة ،،
عن سر دمعتها التي تشبثت بأطراف الهدب المطرِق ..!
.
.
نامت عيونك
وصحى الليل مظنونك أغاني
قصّت جناح الثواني ..
غيبتك
وصارت الساعة أماني

وآهـ ..آهـ
أنا حروفي في غيابك
لا هي حكي ولا هي قصيد
أكتب الظلما وأعيد
وإنت يالفجر البعيد .. نامت عيونك
.
.
لحظات من الصمت .. كان يتأمل فيا أسقف البيوت البعيدة .. متجاهلا وجودها لسبب لا يعرفه ..
لملمت هي فيها تلك المشاعر الخرقاء التي تمزقها .. و هي تتأمل الفانيلة القطنية و الإزار اللذان يرتديهما ..
يبدو واضحا من صوته الأجش ان نهض من نومه .. كيف شعر بوجودها هنا يا ترى ..؟!
سألته ذلك بصوته المرتعش ..
- كيف عرفت انيه هنيه ..؟!
مد يده .. أمسك بيدها .. جذبها بتملك يدنيها منه .. ليحتضن كتفيها .. وجهها للأمام حيث ينظر .. متأملا الأفق .. أنفاس تحرك شعرها .. و يستنشق هو رائحة حلوة من شعرها .. قال بهدوء ..
- وعتنيه خطواتج ..
اتسعت عيناها فجأة ..
- سمعتنيه أمشي ..؟!
- هيه .. هب متعود ع الازعاج .. هب كل ليلة يعفدون ع السطح فوق حجرتيه ..!
لا تدري لما شعرت أنه يبتسم .. و دون أن تشعر ابتسمت بهدوء هي الأخرى ..
.
.
يا ساحر البسمه .. أساهرك نجمه
وابسمعك كلمه .. كلمه و لو كلمه
قم نادني .. يالله عسى تحتاجني
وإن مر ليلي ما سألت
وإن زاد ظلمك ما عدلت
.
.
كلمات فاطمة تدوي بشكل مجنون في رأسها ..!
كان ساكنا للغاية .. يسند ذقنه على قمة رأسها .. يداه مشبوكتين .. و ذراعيه تلتفان حولها ..
للحظات شعرت بأنهما هنا ..
دون الماضي .. دون المستقبل ..
هنا لهذه اللحظة فقط ..
أرخت أهدابها و أمنية غريبة انبثقت من العدم تراودها و هي تتول لو أن هذه اللحظة تطول ..
و تطول ..
حتى تجد معنى أو مسمى .. او تفسيرا .. لهذا الشعور ..!
سحبت نفسا .. عميقا .. و هي تشعر بأنه تدين له بكلمة ما ..
- مشكور غيث ...
كان صوتها يرن باسمه غريبا على مسامعه و هو يتسائل بهمس ..
- على شوه ..؟
أخفضت رأسها و هي تقول ممتنة ..
- على كل شي سويته لنايف .. و على ...
صمتت لبرهة و ينتظرها هو أن تتم عبارتها .. كان صوتها هامسا ..
يكاد لا يسمع ..
- و لأنك هنيه ..
أغمضت عينيها بقوة .. و هي تشعر به يطبع قبلة عميق على قمة رأسها ..
.
.
إسهر معي ليلة
حاول تحس بلوعتي ليلة
عد النجوم وش كثرها.. ياللي بقلبي كثرها
نام .. القمر فـ وسادتك نام
ليتك تغير عادتك
خل القمر ليله.. يسهر معي ليله ***

* * * * *

كان صوتها الناعم مهزوزا و متهدجا و هي تعتصر هاتفها ذو اللون الزهري الأنيق بأصابعها مطلية الأظافر ..
- خالوووه ،، يقولون بيسكنونهم في البيت العود ..!
شخرت خالتنها بصوت ساخر مؤكدة ..
- ما يرومون فديتج .. عميه سيف ما بيطيع .. رايغ ولده من ثلاثين سنة تبينه اييب عياله الحين ..
شعرت بدفء دمعتها تحتضن وجنتها و هي تعارضها ..
- لااا .. خالوه يدي سيف هو لي طالبنهم و يباهم ينتقلون البيت العود .. يباهم ..يباهم ..
بدا الذهول جليا في صوت خالتها و هي تشهق ..
- عمي سيف لي طلبهم ..! كيف ..؟؟؟ و متى هالرمسة ..؟؟
أسندت جبينها براحة يدها و هي تبكي ..
- مادري .. مادري .. يدوه خبرتنيه ..
صمت مطبق لدقائق طويلة لا يقطعه سوى تنهدات عوشة و خالتها تنصت بغيظ ..
- و انتي ليش تصيحين ..؟؟
اختنقت شهقاتها بشكل مفاجئ .. قبل ان يتهدج صوتها مجددا بنبرة متألمة ..
- خالووووه .. بتيي الحقيرة .. بتيي ويه الفقر ..
كان صوت خالتها باردا للغاية .. لا أثر للتعاطف فيه .. جمد أوصالها ..
- قصدج بتيي حرمته ..
بكت عوشة بقوة و كأنا خدشت تلك الحقيقةاحساسها ..
- هي الحيوانة .. بتسكن وياه في نفس البيت .. خالوه ماباها تيي .. مادري .. مادري شوه أسوي ..
تدفقت قسوة خالتها و هي تقول ..
- شوه بتسوين بعد انسيه .. هالغيث ما يستاهل ظفرج .. - ثم تنهدت و هي تقول بنبرة ذات مغزى - ألف واحد وده بثارج .. انسيه ..
هزت رأسها رافضة الموضوع بشدة ..
- ماروم خالوه .. و الله أحبه .. حتى لو ما يعطينيه ويه .. حتى لو ما يشوفنيه و لا يشلنيه من قاع .. حتى لو ما يعبرنيه .. لو يدوس عليه أحبه ..
و قاومت رغبة في قذف الهاتف على الجدار المجاور ..
- و هاي الخايسة المفلسة انا أعرف كيف بخوزها من طريقي ..

* * * * *

هي المرة الثانية .. التي تقودها النفس لهذا الشارع المغبر .. لهذه البيوت المتعبة .. بجدرانها الطينية .. بأبوابها الحديدية الذي زال طلائها .. بنواقذها الضيقة ..
بيوت بدا بيت عمها في عينها أكثرها تماسكا بجدرانه البيضاء التي تلطخت جذورها بالأتربه البنية .. فتحت باب السيارة تخرج من رفاهيتها لهذا العالم البسيط في الخارج .. عاصفة الأصوات لفتها حالما كشف فتح الباب فرجة للخارج .. أصوا السيارات البعيدة و أبواقها القادمة من الشارع العام .. ضحكات أطفال يلعبون بدراجة هوائية أمام البيت المقابل .. و صرخات حماسية لؤلئك المراهقين الذي يلهثون خلف الكرة .. عيناها تدوران في المكان و الاحساس غريب بالألفة و الحميمية يكسو هذه البقعة من الأرض .. ابتلعت ابتسامة لا تدري لها سببا أرادت الظهور على شفتيها .. حين قررت القدوم للمرة الثانية إلى هنا تأكدت من أن الإمتحانات قد انتهت .. و أن الاجازة الصيفية قد بدأت .. كانت الارتباك يتملكها و هي قادمة .. هذه المرة الأولى التي تراهن فيها بعد العزاء .. ثلاثة أشهر و نيف مضت على ذاك اللقاء .. كيف سيكون استقبالهن لها يا ترى ..؟!
تمنت بعمق أن لا يكون أخاها متواجدا .. ها هو الشهر يقارب آخر مرة رأته فيها حين كلمها عن أمر الخطبة .. تشعر بأنها لن تقوى على رؤيته بعد تلك الرسالة التي أرسلتها و رفضها الرد على مكالمته تلك الليلة ..
لا تخفى عليها عصبيته و كرهه لمثل هذا الفعل و التجاهل .. و لكنها لم تجد في نفسها الشجاعة لمقابلته .. رغم أنه زارهم في البيت مرتين الا أنها تعلثت بأسباب واهية كي تخرج حين قدومه ..
هل يمكن أن تراه هنا يا ترى ..؟!
دفعت قدماها للتقدم من الباب المفتوح على مصراعيه .. و فكرت بأنهم لا يتركون أبوابهم مرحبة هكذا .. بل أنهم يوصدونها .. دلفت بهدوء للداخل .. و تقدمت تقطع الممر الذي سبق لها زيارته .. قبل أن تبلغ الباب الذي يوصل ممر المجلس بالحوش .. خرج فتى يركض بسرعة ليصطدم بها .. فتتمسك بالجدار قبل أن تقع أرضا و يتراجع هو إلى الخلف بصدمة .. استقامت بهدوء في وقفتها و هي تتأمل ذاك الفتى الذي يقف على أعتاب المراهقة و عينيه الواسعتين اللتان كستهما الآن نظرات الحذر بدل الصدمة و عيناه تجولان على تلك الشابة الغريبة .. بوجهه الجميل و غطاء رأسها المحكم المزين الأطرف .. و ذاك النقش الدقيق الملون في عبائتها .. بدت أنيقة للغاية و جميلة .. مظهرها المختلف لم يتلائم قط مع بيتهم المتقشف ..
من هذه الغريبة ..؟! و ماذا تفعل في بيتنا ..؟!
صوتها الناعم تدفق لمسامعه و هي تبتسم بلطف ..
- السلام عليكم ..
عيناها الواسعتين ..! رآها في مكان ما .. بدت مألوفة للغاية .. جعل صوته غليظا و هو يجيبها برزانة ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا الساع ..
اتسعت ابتسامتها و هي تسأله ..
- آممم .. انته نايف ..؟!
عيناه تضيقان لبرهة قبل أن يقول ..
- هيه .. منوه انتي ..؟!
- أنا روضة .. روضة بنت عمك علي ..
ذهنه الصغير .. يحلل الأمر قبل أن تنفرج شفتيه بابتسامة كبيرة ..
- أخت غيث و حامد و أحمد ..
ارتفع حاجبيها باعجاب و هي تقول ..
- هيه أختهم أنا ..
تنحى جانبا عن مدخل الحوش و هو يشير بيده نحو الداخل ..
- سمحيليه و الله ما عرفتج .. حياج يا بنت العم .. قربي ..
أخفت دهشتها من كلمات الفتى و هي تبتسم له ..
- بالحل فديتك .. قريبة .. حد داخل ..
- محد غريب .. بس البنات ..
ترددت لبرهة قبل أن تندفع لتسأله ..
- غيث خوية هنيه ..؟!
عقد حاجبيه في حيرة و هو يشير للمجلس ...
- هاي حجرة غيث .. بس هو ما يي الا فالليل .. يظهر الصبح و يرد عقب العشا ..
لا تدري لما انتابها الاحراج و هي تهز رأسها بهدوء ..
- مشكور حبيبي .. يا الله أنا بحدر الحين ..
أخفض نايف رأسه بخجل و هو يجيب ..
- حياج الله .. أنا بسير ألعب ويا الشباب ..
ضحكت بخفة حين سمعت كلمة - الشباب - ..
- الله يحفظك ..
ابتسم لها نايف ابتسامة كبيرة ظهر من خلفها صف أسنانه البيضاء .. قبل أن يجري للخارج و عيناها تتبعه بود .. لماذا يبدون سكان هذا البيت بهذه البساطة حتى في تعاملهم ..؟!
بدا الوترت يتصاعد بخفة في روحها مجددا و هي تجتاز الباب للحوش .. لم يكن عليها أن تدلف للداخل حتى تجد الاستقبال ..
أمام ناظريها مباشرة في اللحظة التي وطأت في الحوش .. التفتت لها الرؤوس جميعها .. في تلك الثانية عيناها المضطربتين تستوعب هذه الوجوه القريبة منها في الحوش الضيق ..
الطفلتين اللتان انبطحتا على طنيهما و هما تقلبان في دفتر ملون كبير .. لم تتبين معالمه من هنا .. و احدى الفتيات تستلقي على ركبة أمها التي كانت تشرب الشاي و تراها هي للمرة الأولى بلا برقع .. و ثلاثة فتيات اجتمعت رؤسهن حول شي ما في يد اللتي جلست في الوسط .. ليرتفع رأس اثنتين منهن نحوها حين دخلت .. و تتأخر الثالثة في ذلك حت انتبهت لانشغالهن عنها بشيء ما .. لترفع رأسها هي الأخرى .. كان صوتها مرتجفا و هي تسلم بخفوت ..
- السلام عليكم ..
نهضن جميعهن و نهضت أمهن فور شعورها بدخول أحد ... حتى الطفلتين وقفتا ينظرن نحوها بفضول و الجميع يرد سلامها ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
تقدمت خطوتين لتصل إلى - الزولية - القديمة فتخلع حذائها الثمين قبل أن تخطو نحو أم نايف لتسلم عليها ..
كانت المرأة تبدو صغيرة السن ..! ملامح وجهها الجميلة رسمت عليها الأيام خطوطا واضحة .. تحكي كم من الشقاء قد مر عليها لتتجاوز سنوات عمرها الحقيقية .. تسائلت في داخلها لما تبدو صغيرة و ضئيلة رغم أن ابنتها الكبرى تقارب الرابعة و العشرين من العمر .. بروز بطنها .. أكد الخبر الذي وصلهم بأنها تنتظر مولودا من ذاك الراحل .. كانت أم نايف تبتسم بحبور مرحبة .. هل تذكرتها يا ترى ..؟! أقبلت روضة و سلمت عليها بشيء من القوة و الدفء .. لا تدري لم شعرت بأنها تطمس كل السنوات و الحواجز حين تصل لحدود حنانها ..!
انتقلت لتسلم على الفتاة التي كانت تستلقي على ركبة أمها .. ابتسم لها بحرارة .. و الارتباك يبدو جليا على روضة ..
- مرحب الساع .. حيا الله من يا ..
تعرفتها روضة فورا .. و تذكرتها .. هذه بالتأكيد دانة .. التفتت نحو الفتاة الجميلة الانطبعت ملامح مصغرة عن امها على وجهها تبتسم بود .. و عيناها الواسعتين دافئتين .. دنت منها لتقوم المها بحركة مرحبة و تحتضن ابنة عمها بترحيب .. شعرت معه روضة أن دموعها تهددها .. رفعت بعدها عينها إلى حور .. ملامح وجهها الصافي .. تلك التي أثارت دهشتها للمرأة الأولى .. حقا لا تجد شيئا يقارب وسامة أخاها الخشنة .. تلك الصلابة في عينيه لا تقارب أبدا ذاك الحنان و البساطة على وجهها .. هذه أكثر من كان يربكها لقاؤها .. شعرت بأنها ستلمس الصد مرة اخرى .. و لكن ابتسامة خجولة علت شفتي حور و هي تقترب منها و تسلم عليه بحرارة .. تنفست الصعداء ثم سلمت على عفرا التي كانت تنظر لها باهتمام .. ملامحها تقارب ملامح أخواتها .. و شبه عام يربطهم باستثناء المها التي بدت أكثر شبها بأمها .. كان صوت حور هادئا .. مبحوحا .. و هي تشير لها بالجلوس قرب الوسادة الثقيلة التي وضعت للاتكاء ..
- مرحبا و الله حيا الله من يا .. قربي ..
احراج طفيف شعرت به و هي تجلس بكامل أناقتها وسط بساطتهن .. رغم محاولاتها الحثيثة لارتداء أبسط ما لديها .. الا أنها شعرت بأنها مبهرجة جدا ..
- لمرحب باقي . قريبة يعلنيه فداج ..
و جلست بهدوء حيث أشارت حور .. و جلسن جميعا معا .. هبت المها نحو الصحن الكبير الذي وضع في وسط الجلسة .. فيه حافظات قهوة و شاي .. و أكواب و فناجين .. و صحنا كبيرا من البسكويت المالح و ضعته أمامها .. و أدنت منها وعاء التمر .. بعد أن صبت لها فنجانا من القهوة .. التقطت منها الفنجان و هي تلتفت لزوجة عمها التي حركت يدها في حركة سؤال و صوتها ينطلق بلهجة مكسرة ..
- اشحااا .. اتي بخيي ..
علمت روضة فورا أنها تسألها عن حالها .. لذلك أراحت يدها على صدرها بابتسامة و هي تجيبها بصوت تحاول أن ترفعه قدر الإمكان ..
- الحمـــــــد اللـــــــــــه .. - ثم قامت بنفس حركة السؤال التي أدتها أم نايف للتو - شحااااااالج عمووووه ..؟!
هزت أم نايف رأسها بابتسامة ..
- ابخيي .. أعافييج .. حااا الله ...
شيء في هذه الصورة أراح روضة بصورة ما .. كان لقاءهم بلا وجع كتلك المرة ..!
- الله يحييج ..
التفتت لها حور بهدوء ..
- شحالج روضة .. ربج بخير ..
ابتسمت روضة لها .. نطقها لإسمها بهذه السهولة جعلها تشعر بالألفة كأنها تعرفهن منذ وقتٍ طويل ..!
- بخير يعلج الخير .. شحالج انتي ..
- يسرج الحال .. هلج شحالهم ..
- فنعمة .. ما يشكون باس ..
راحت تتبادل الأخبار مع كل واحدة منهن حتى الصغيرتين .. المها اعتمدت معها اسلوب أمها في الحركات .. لا تدري لما ترى هذه الفتاة مميزة ..!
لحظات صمت طويلة محرجة لم تدري ما تقول خلالها .. كادت أن تندفع لتسأل حور عما اذا كانت تدرس أم لا حين ارتفع صوت فتاة تصيح بلهجة غريبة و هي قادمة من الداخل ..
- و عندااااااك اتنييييييين كوباااااااية شاي لسيييييد المعلمييييييين الفتوة حسنييين..
و توقفت في منتصف الجلسة أمام الصينية قبل أن تضع الصحن الذي ارتفع عليه كأسين من العصير و عيناها تتجمد على وجه تلك المتفاجأة قبل أن تغمز باحراج ..
- أخخ فشلة .. ايي نعيد اللقطة ..؟!
ثم عادت خطوتين بسرعة للوراء لتختفي في الصالة و الصحن لا يزال بيدها .. لتخرج مرة أخرى بخطوات بطيئة و ابتسامة حلوة و هي تقول بهدوء ..
- السلام عليكم ..
ابتسم الجميع و روضة تضحك بخفة ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
- مرحب مرحب .. أقول النور طاغي اليوم ..
هبت روضة واقفة تسلم عليها ..
- منورة بهلها .. نورة صح ..؟!
- صحين .. هاف أ سيت ..
- ثانكس ..
و جلست و هي لا تزال تبتسم .. و دانة تقول بأسف ..
- السموحة منج بنت العم .. لا تخافين .. هاي حالات هياج تيي نورة أحيانا ..
ضحكت روضة ..
- لا عادي نتعودة ..
عقدت نورة جبينها ..
- ايييييه انتي وياها .. حالات هياج و متعودة أونه .. لو يسمعكن شاروخ بيتحرا السالفة صدق ..!
هزت حور رأسها بضحكة و عفرا تقول ببؤس ..
- يا ها المشروخ لي ما خليتيه فحاله ..
رفعت نورة حاجبها ..
- مشروخ أونه .. هاتي واحد شراته و ارمسي .. دانوه بالله عليج .. هذاك مشروخ ..؟
هزت دانة رأسها تؤكد ..
- لا و الله .. هذاك صاروخ ..
- خشمج .. يعلنيه هب بلاج .. شحالج بنت عمي ..
ضحكت روضة على التغيير المفاجئ ..
- يسرج الحال نورة شحالج ..
- الحمد الله .. عاد لو أدري انج يايه .. كان قلت كوبايتين شاي لسيد المعلمين روضانين ..
شخرت دانة ساخرة ..
- بايخة ..
و ضحكت روضة بهدوء ..
- لا زين عيل مادريتي بي .. بس توقعت ما تحيدونيه ..
صفقت دانة بيدها متحسرة ..
- ليش ..؟ من كثر الغراشيب لي نشوفهن ..؟
ابتسمت روضة بخجل ..
- الزود فيكن .. بس تعرفين 3 أشهر .. و ظروف أول زيارة .. يعني .. ما ..
ثم مدت يدها بحرج .. لتجيبها حور مطمئنة ..
- لا نحيدج .. و أول ما شفناج عرفناج .. تدرسين ..؟
- هيه و الله آخر كورس ليه و بتخرج ..
ابتسمت حور مشجعة ..
- يا حييج و الله .. بس ما بدت اجازتكم ..؟
- لا بعدنا اسبوعين خلاف امتحاناتنا ..
- الله يعينكم ..
- انتي تدرسين حور ..؟
هزت حور رأسها بهدوء ..
- لا انا وقفت عقب الثانوية ..
كادت تسألها عن السبب .. و لكن خشيت أن يعتبر اندفاعها شيئا الفضول .. استمرت الجلسة خفيفة التزمت المها طوالها الصمت و لم تنبس بحرف كذلك مزنة الصغيرة التي كانت تندس خلف أمها .. أما هند فكانت تناوش أحاديثهن من حين لآخر .. شعرت لاوضة بصفاء غريب .. و راحة كبيرة .. راحت تنتقل من حديث لآخر بسرعة كبيرة .. تضحك حتى على ما لا يضحك .. شيء من الفرحة انفجر داخلها من هذا الاستقبال المريح منهم ..كانت نورة و دانة أشبه بحلف .. كانتا هذه الفتاتين أكثر من أعجباها .. عفويتهما و المرحهما أدخلاها جوهم و اعتادته بسرعة .. كان الجميع يعاملها ببساطة شديدة تحدثت و ضحكت و نست نفسها حتى بدت الشمس تميل للغروب .. و دانة تستفسر ..
- الحين عدنا أربعة أعمام ..؟!
هزت روضة رأسها .. و دانة تقول بحيرة ..
- و كيف نحفظهم هاييل ..
- ههههههه شوه درس تحفظينهم .. ما يبالهم .. ابوية علي .. و عمي سعيد .. و عمي أحمد و عمي مطر ..
قالت نورة باحباط ..
- وايدين ..
عقدت روضة جبينها و هي تقول ..
- الحين هاييلا وايدين .. بعدينيه ما قلت منوه عيالهم ..
ضحكت عفرا ..
- لا تخبرينهن .. بيي باكر و انتي تعيدين و هن يحفظن ..
سألت حور بفضول ..
- لا صدق .. منوه عيالهم ..
قالت روضة ..
- عيال أبوية آممم .. غيث طبعا ..
و رمت نظرة ماكرة نحو حور التي تأوهت ساخطة ..
- علمووووها ..!
ضحكت روضة تتابع ..
- بعدين حامد خوية ..
كتمن البنات ضحكاتهن حين تذكرن الرجل الذي اعتادت حور على طرده ..
- و أنا و بعدين أحمد خوية هذا في الجامعة أصغر منيه بسنتين .. يعني 22 سنة تقريبا و تيي عقبيه ختيه شيخة ..
اتسعت عينا عفرا باهتمام ..
- عندج أخت ..؟!
هزت روضة رأسها بالايجاب ..
- هيه أصغر عنيه 21 سنة .. عميه سعيد عنده ثلاث عيال .. سيف العود يشتغل في الشرطة تحريات و مرات يينا بالإدريس و ع سيارة الدورية .. و هزاع تبيعه ويا أحمد خويه .. هاييل مرة ويا بعض ما يتفارقون ..
تبادلن الفتيات نظرة ذات مغزى .. و روضة تتابع ..
- و حارب الصغير ثانوية عامة .. وياج عفاري .. شدي حيلج تراه دحيح كتب ..!
نفخت عفرا صدرها بثقة ..
- لا تخافين عليه ..
هزت دانة رأسها بسرعة ..
- هيه و الله .. هاي اذا ما طلعت الاولى ع الدولة بحلق شعريه ع الزيرووو ..
ضحكت روضة بخفة و حور تتساءل متأملة ..
- و عميه .. آممم أحمد و مطر ..؟؟
أجابتها روضة ..
- عميه أحمد عنده ولد واحد فهد .. هذا كبر سيف تقريبا .. و عميه مطر ما عنده غير بنية وحدة اسمها عوشة .. و أمها متوفية الله يرحمها .. كانت بنت عم أبوية و أبوكن .. ماتت من 13 سنة تقريبا ..
سألتها دانة بفضول ..
- تحيدين يوم ماتت ؟؟
- هيه .. شوي .. بس أذكر هاييك الفترة ..
اتسعت عينا نورة باهتمام ..
- و منوه رباها عقب ما توفت أمها ..؟
- خالتهاا .. عم أبوية ما ياب غير بنتين فاطمة و موزة .. موزة توفت .. و عوشة سارت عند خالتهاا فاطمة ..
سألتها حور باندهاش ..
- ما عرس عميه ..؟!
بدت كلمة عمي غريبة على لسانها و هي تخرج بتلقائية هكذا ..! هزت روضة رأسها نفيا ..
- لا .. و يوم تقوله يدوه يعرس .. يقول هب فاضي لخرابيط الحريم ..
ثم ألقت نظرة على ساعتها و رفعت عينها للسماء قبل أن تعدل من وضع حجابها و هي تعتذر بابتسامة لا تفارق شفتيها ..
- يا الله بنات .. لازم ارد البيت قبل المغرب ..
قالت دانة مازحة ..
- لااا دخيلج عيشي ويانا للأبد ..
ضحكت روضة تقول ..
- انزين عقب ما تربي أمج ان شا الله ..
أجابتها عفرا ..
- شوه الفرق .. ليكون تبينا نيوزج البمبينوو اليديد ..؟!
- شوه أسويبه عقب .. أربيه ..؟! قصدي يوم بتنتقلون البيت العود ..
- أي بيت عود ..؟!
قالتها نورة بحيرة و وجه حور يتصلب .. نقلت روضة عينيها بين وجوههن .. لترى عدم الفهم ارتسم على ملامحهن باستثناء المها التي لم يبدو أنها سمعتها .. و حور التي أخفضت رأسها دون أن تنبس ببنت شفة .. أدركت لحظتها أن لا علم عند احداهن بهذا الامر .. حور ربما تعرف ..؟! من أخبرها غيث ..؟!
شيء واحد أدركته .. هو أنها تفضل أن لا يعرفن بالأمر عن طريقها .. لا تعلم لما رأت الأمر بهذا السوء .. لذلك قالت بسرعة و هي تنهض ..
- يا الله أنا أترخص الحين ..وقفن جميعا معها و هي تنتعل حذائها و عفرا تحذرها ..
- لا تقطعين ..
- أقرب فرصة ان شا الله عندكم ..
قالت نورة بمزح ..
- هيه عقب 3 شهور ان شا الله ..
قالت روضة بثقة ..
- لا أقل أول أخيل منكن و ما اعرفكن .. الحين فصفصتكن تفصفيص ..
- شوه حب شايفتنا الأخت ..
- ههههه .. يا الله سمحوليه ..
و راحت تسلم عليهن مودعة الواحدة تلو الأخرى .. حتى وصلت لحور التي ابتسمت لها قائلة ..
- بوصلج ..
حملت روضة حقيبتها و لوحت لهن مودعة و هن يصيحن بعبارات مختلفة و حور تمشي معها بهدوء .. كانت ترتدي ثوبا قطنيا زهري اللون بنقش بسيط على أكمامه و صدره .. و غطاء رأس كبير بنفس اللون .. وجهها البيضاوي الصافي بدا حلوا للغاية و حمرة خفيفة تعتريه من حر الصيف .. و هن يتقدمن .. شعرت روضة بأنها تدين لها باعتذار بشكل ما .. لذلك توقفت في الممر حالما اجتازت مدخل الحوش و توقفت حور تنظر لها متسائلة .. تأملت روضة الباب الموصدة لحجرة ما خلف حور و هي تبحث عن كلمات لتترجم احساسها قبل أن تقول ببساطة ..
- أنا آسفة ..
نظرت لها حور بجمود لبرهة .. صمت .. ثم ..
- لا عادي .. مصيرهن بيدرن .. بس ...
بدت نظرة متألمة على وجهها ..
- أنا هب قوية عسب أقولهن .. ما أدري ليش خايفة ..؟!
و لا أدري لما أبوح لك بمكنون صدري و أنتي لوقت قريب لم تكوني سوى غريبة ..؟!!!!
بدت الحيرة على وجه روضة قبل أن تقول لها ..
- ليش ..؟
هزت حور كتفيها بعدم دراية قبل أن تبتسم ابتسامة صغيرة ..
- يمكن جبانة .. بس احساس غبي .. آمممم .. مادري ..!
ابتسمت روضة لها ..
- ما عليه بتييج لحظة مجنونة تسوين فيها الغير المتوقع - و غمزت بعينها - اسأليني ....
ثم اختفت ابتسامتها و اتسعت عيناها قليلا و وجهها الجميل يحمر .. دون أن تنتبه حور لذلك و هي تضحك بخفة ..
- لا ما أعتمد على لحظات مجنونة .. تو بي أو نات تو بي ..
شعرت بتلك الذراع من المجهول تلتف على كتفها لتضمها بشيء من القوة .. و تصلبت أوصالها حين لفحت أنفاس دافئة صدغها و صوته الرجولي يهمس قرب أذنيها ..
- فديتاا القوية يا ناس ..
ارتجفت بشدة و هي تنتزع نفسها بعيدا .. متأكدة بأنه لم يكن في المجلس ..! شعرت بالحرارة تزحف فورا لخديها و هو يبتسم لشقيقته منذ تلك الليلة التي قبض عليها متلبسة بالغباء و مسللة للسطح لم تصادفه.. لمعت عيناه بصفاء غريب .. و هي تراه يدنو من روضة التي احمرت وجنتاها و هو يقول ..
- مرحباااااااااا بالعرووووس ..
لف ذراعيه حولها و هي تدفن وجهها المحمر في صدره .. و تهمس بخجل ..
- غيييييييييث ..!
لا تدري ما هو ذاك الاحساس الغبي الذي نغز قلبها من هذه المودة الجلية لأخته .. أتمنت أن تكون هي من يحضى بهذا الحب ..؟! صدمتها هذه الفكرة فنفضتها فورا ..
أبعد روضة قليلا و نظرته الصارمة تعلو وجهه الأسمر و يعاتبها قائلا ..
- لو ييتكم باكر و لا شفتج .. كان طلعت لج الين فوق و يريتج من كشتج ..
و سحب خصلة من شعرها بقوة ..
- آآآآي .. - ثم همست دون أن ترفع عينيها - آسفة ..
أشار بتحذير ..
- آخر مرة ..؟
هزت رأسا تكتم ضحكة محرَجة ..
- آخر مرة .. احم .. لا تفشلنا قدام حرمتك عاد ..
التفت غيث لحور و كأنما نسي أمرها للحظة .. كرهت حور الضيق الذي تسلل لها لبرهة و هي تتجنب النظر نحوه .. رفع حاجبه بشيء من الخبث و هو يمد يده ليلتقط كفها و يجرها الى جانبه دون أن تجرؤ على الانفلات أمام أخته ..
شعرت بقلبها يحتقن بقوة .. و قرعاته تتسارع حتى خيشت أن يسمعوه .. دفء جسده الكبير و يده الملتفة حول قبضتها المضمومة المتعرقة .. و صوته الرجولي العميق يتخلل مسامها قبل المسامع ..
تكره شعورها بأنه الآخر بدأ يزحف داخل روحها بشكل ما ..!

* * * * *

* أنشودة صديقي / لمشاري العرادة ..

**سورة النساء آية : 86 ..

***نامت عيونك / للمبدع البدر ..


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 22-06-16, 08:47 PM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\

الخطـــــــــــــــوة العاشــــــــــــــــــرة .. }






[ .. خطوات بطيئة ،، حتما ستصل ..! ]







اتسعت عينيه و هو يجيل بصره فيمن حوله .. المجلس الداخلي الفسيح .. ذو السقف المرتفع .. و الثريات العملاقة التي تدلت منه ،، الجدران المطلية باللون الذهبي الدافي ،، و خطوط مربعات وهمية داكنة يخيل إليه أن الجدار بُطِّن بها و هي تعكس ضوء الثريات الساطع الأصفر ليشعر بأنها تشع نورا ..! يرتد عن الأرض الرخامية التي مدت عليها سجّادات عجمية ضخمة ..
كان المجلس قد يساوي مساحة بيتهم و بيت أبو سالم معا ..! و قد قسم لقسمين حيث وزع في النصف الأيمن من الباب الأرائك الوثيرة الضخمة .. تمتد على جدارين و نصف بشكل رائع .. وزعت أمامها طاولات صغيرة زجاجية و توسطتها واحدة عملاقة .. و يتوقف امتداد الأرائك في منتصف الجدار المقابل للباب .. لتمتد جلسة أرضية على باقي المكان و تتوسطها طاولة أرضية عريضة وضعت عليها أصناف الأطعمة في الحافظات و أوعية التمر الزجاجية و حافظات متعددة للقهوة و الشاي .. لم يدري لما كانت بهذا العدد الهائل و هم قليلون ..!،، بدا و كأنهما مجلسين منفصلين .. و كان يتطلع مبهور الأنفاس هو يجلس في منتصف الجلسة إلى جانب غيث الذي كان منخرطا في حديث خافت مع جده .. فيما انشغل من حوله بالتحدث في أمور شتى .. كانت هذه المرة الثالثة التي يحضر فيها إلى هنا .. و الأولى بعد انقضاء امتحاناته .. تحرك في مكانه بهدوء .. و هو يحاول كبح ابتسامته المنتشية .. و هو يمرر راحته على قماش ثوبه القوي .. كان أحد ثيابه الجديدة التي أحضرها له غيث .. و قام بإحضار عمامات جديدة له أيضا .. و اشترى له حذاء جميلا .. شعر أنه يهيئته الجديدة لا يقل مستوى عن أبناء عمه .. يلبس مثل ثيابهم .. بل ربما يلقى حفاوة أكبر لجلوسه بجانب غيث و جده ..
حانت منه التفاته بطرف عينه لوجه الجد المتصلب الصارم ..
لا ينكر ذاك الفزع الذي ينتابه أحيانا .. يهاب هذا الرجل بشدة .. لم يبدو أنه يكبر أبناءه الأربعة كثيرا .. كان لا يزال قويا و لم تخضعه السنوات ..
لا يتحدث أحدا إن فعل .. ينصت الجميع له بطاعة .. ذاك التكبر المرتسم بحدة على ملامحه يخيفه .. مذ بدأ في القدوم إلى هنا .. لم يبادله كلمة واحدة قط سوى السؤال عم الحال .. كان يفعل مثلما يفعل غيث تماما حين يسلم عليه ..
يقبل أنفه و لحيته ثم ينحني ليقبل كتفه .. رغم أن الجميع يكتفي بتقبيل أنفه .. و لكنه أخذ غيث دليلا له .. سيفعل كل شيء يفعله هو ..
كان شعور بالتوجس يخلق داخله من هذا الرجل الأسمر الذي خط التجاعيد خرائط عمر في وجهه .. بدا متصلبا .. قاسيا .. و لا يدري لما خلف هذا الانطباع فيه ..!
أمنية واحدة احتلت قلبه الصغير .. هو أن تكون جدته التي لم يلتقيها حتى الآن و وعده غيث برؤيتها أكثر لينا منه ..
حين يتحدث بصوته الأجش و تلك الطريقة الصارمة المتسلطة يذكره بغيث .. يشعر أحيانا بأن هذا هو أباه و ليس العم علي ..!
رأى أحمد و هزاع يضحكان بحماس في الزاوية مع عمهما مطر و أبو غيث .. و فهد يجلس مع أباه و سيف .. فيما راح العم بو سيف يكلم أبنه حارب قربه و الأخير يهز رأسه بإمعان ..
حامد الوحيد الذي جلس لوحده يقلب شيئا ما في هاتفه المحمول .. شعر بأنه وحيد هنا و بدأ الملل يتسرب لنفسه شيئا فشيئا .. التفت مرة أخرى لغيث .. لا يزال غارقا حتى أذنيه في تهامس جاد مع جده متصلب الوجه ..!
راح يشغل نفسه مجددا بالنظر حوله .. و الثواني تمر ببطء .. ألم يتناولوا الغداء ..؟! إذا ما الذي يفعلونه هنا .. يرغب حقا في العودة إلى البيت .. هناك حتى الملل مألوف .. و لا جدران ضخمة .. او أسقف عالية تميل عليه مع مرور الوقت .. زفر ببطء .. قبل أن يلتفت له غيث بحاجب معقود و وجه الأسمر يستفسر ،،
- بلاك ..؟
أخفض نايف بصره محرجا .. ليجيب غيث على السؤال بهدوء ..
- مليت ..؟
هز نايف وجهه المحمر ببطء .. قبل أن تنم ابتسامة خفيفة عن شفتيه و هو يميل عليه بجسده الضخم و يهمس له ،،
- خلنا نيلس شوي .. خلاف بنسلم على أمايا و بنرد ..
أومأ نايف بطاعة مرة أخرى .. ليعود غيث مرة أخرى للحديث مع جده ،، راح يدير رأسه بضجر مرة أخرى ،، و كالعادة يبهره المكان ،، لم يحلم قط بالتواجد في مكان كهذا ..!!
لحظات قبل أن يشعر بغيث و هو يردد كلمات التوديع لجده الذي كان ينظر له باهتمام و يتحدث بصوت منخفض لا يصل إلا لغيث الذي كان دانيا منه .. قبل أن ينحني غيث لتقبيل أنفه و لحيته و كتفه و يهب واقفا و هو يقول بصوته الرجولي العميق ..
- العرب .. أنا كل يومين أمرهم .. بس انشغلت شويه .. باكر لو ربك راد بخطف عليهم .. أما المناقصة الريال اعتمد الرمسة ،، و بتنطرح هالأسبوع .. ازهلها .. أنا بخلصها ..
ثم نمت عن شفتيه ابتسامة ملتوية و هو يقول بقسوة ،،
- لو ما يبتاا .. ماكون غيث بن سيف ..
عقد نايف حاجبيه بعدم فهم .. أ و ليس غيث بن علي ..؟! لماذا ينسب نفسه للجد مباشرة ..؟!
نظر له غيث بقوة .. فهب من مكانه بسرعة ليتقدم من جده ،،
.
.
نفس النظرة الجامدة التي تنظر للأمام و لا تلتفت إليه ..
نفس الوجه المتصلب .. و القسوة التي تحد وجهه فلا يلين ..
نفس البرود الذي يقشعر جسد نايف الصغير له كلما انحنى ليسلم عليه مقبلا أو مدبرا ..
لا يعلم لما يلمس دفئا في عيني هذا الرجل حين تتوجه نظراته لحفيده الأكبر بينما تتيبس ملامحه و يتجنب النظر له أو إعطاءه أدنى اهتمام ..!
اعتدل واقفا بجانب غيث الذي قال بصوت مرتفع ،،
- يا الله أنا اترخص .. - ثم التفت لسيف بنبرة آمرة - سيف تعال ويايه بغيتك ..
و تحرك نحو الباب يتبعه نايف و سيف يهب من مكانه وسط كلمات التوديع المتفرقة ..
ما إن تجاوزا الباب ارتفع صوت غيث مناديا بقوة ..
- أمينــــــــــة ..
خرج سيف في تلك اللحظة خلف قبل أن تخرج خادمة من مكان ما و سيف يشيح بوجهه عنها و هي تدن من غيث مستفسرة ..
- Yes ser ؟؟!
وضع يده على كتف نايف و هو يقول ..
- وين أمايا ..؟!
- in her room ،،
نظر لنايف مشجعا .. و هو يقول ..
- ودي نايف قداها .. - ثم ركز نظرته في عيني نايف الذي ارتبك على الفور - بتسير تسلم عليها .. و أنا بظهر خاري شوي أشوف العمّال و أرمس سيف .. أول ما أطرش أمينة عليك اظهر ..
فتح نايف فاهه معترضا .. لا يريد الذهاب إليها لوحده ..!
و لكن غيث شد قبضته على كتف نايف و هو يقول بنبرة صارمة ..
- لا تخاف .. سير ويا أمينة و سلم على أمايا نورة و ايلس وياها الين أزقرك .. يا الله ..
و استدار إلى حيث يقف سيف ليقول آمرا ..
- بو هناد اظهر ويايه أبا شوف العمال شوه مسوين ..
راقب نايف الرجلين بهامتهما العريضة يتوجهان خارجا .. و عيونه معلقة بأطولهما .. لما عليه أن يدفع به إليها لوحده ..
كانت الخادمة تقف بصبر بجانبه قبل أن تقول بابتسامة ..
- نروه أند ماما نوراا ..؟؟!
كشر في وجهها و هو يهز رأسه لتسبقه إلى الردهة بخطوات بدت أقرب لمشية عارضة من أن تكون خادمة .. حاول جاهدة تجاهل كل ما يرى و هو يعتصر ذهنه محاولا بجهد أن يتذكر ما الذي قالنه أخواته عن العجوز حين أتين للمرة الأولى و التقين بها هنا ..؟!
و لكن محال ..
مذ بدأ يرتاد هذا المكان مع غيث لم يتجاوز عتبة المجلس الداخلي الذي يقع يمين الباب قط .. كل ما كان يراه هو نظرات مسروقة من الردهة الفسيحة التي ترامت على وسعها قطع أثاث أنيقة فخمة .. بجدرانها التي زيّنت بعناية و ثرياتها التي تدلت من السقف العالي .. و الدرج الكبير الذي توسطها .. بدا منظر الردهة و هو يقطعها خلف أمينة أشبه بصورة من مجلة ما لعينيه اللتان لم تعتادا مثل هذا الترف ..
راح يتبعها و عيناه المذهولتين تلتهم المشهد بأكمله .. لا يريد أن يفوته أدنى تفصيل صغير ..!
الكثير من الفخاريات وزعت في عدة زوايا .. بعضها ألقيت و قد انزلق من داخلها بعض التربة في حركة جميلة للغاية على أرضية المكان الرخامية ..
تلك القطع المميز من الزجاج و الخزف توزعت على الصالة الواسعة في كل مكان ..
يستدير حول الدرج الواسع نحو ثلاثة أبواب متباعدة بدت في الداخل .. تقدمت الخادمة من أقربها .. لتفتحه بخفة دون أن تطرقه .. تباطأت خطواته و هو يقترب منه بارتباك .. و الخادمة تدلف إلى الداخل دون أن تلقي نظرة أخرى عليه ..
وقف عند الباب ليطل برأسه للداخل .. فتتسع عيناه حالما يستوعب تلك الغرفة الوسيعة أمامه التي اصطفت في أقصى طرفها الأيمن أرائك وثيرة ..في نصف دائرة .. و في أقصى طرفها الأيسر جلسة أرضية داكنة اللون التفت على جانبي شاشة تلفاز مسطحة علّقت على الجدار ..
أمامه مباشرة باب آخر موصد تقف بجانبه الخادمة و هي تنظر له بابتسامة لطيفة ..
- تفدل ..
اقترب منها بحذر و عيناه الواسعتين تضيقان بتوتر .. رفعت أمينة أناملها لتقرع الباب بخفة ..
.
.
خفقات قلبه تتعاقب بسرعة .. يداه الصغيرتين تعرقان ،،
.
.
أمينة لا تنتظر ردا فقط تفتح الباب بهدوء
أنفاس فقط ،،
ثم تدفق دفء ذاك الصوت المهتز .. ليخترق مسامع نايف المضطرب ،،
- قرب ،،
تصلبت قدماه و أمينة تدلف و تتنحى جانبا منتظرة منه الدخول .. شعر بأنه عاجز عن دفع قدميه ،،
لا تطيعه الخطوات .. فترسم أثرا لطريق يقوده إليها ..
يخشاها .. و يخشى قسوة .. و تصلبا قد يكتسحه حال مواجهته لمثل برود ذاك الجد ..
أغمض عينيه .. و هو يبتلع ريقه بخوف .. أمينة لا تزال تنظر له باستفهام .. و هو ينظر للجدار الذي قابله عبر الباب .. و لتلك النافذة العملاقة بستائرها الثقيلة التي أزيحت جانبا ،، ليتسلل شيء من تسلّط شمس الظهيرة ..
يزحزح قدميه متقدما للداخل .. تمنى لو أن غيث لم يتركه لوحده هنا .. ماذا لو واجهة شيء لا يتوقعه في هذا المكان ..
تجاوز الباب ببطء و هو يخضع بصره أرضا حين راح يتأمل الجدران ذات اللون الهادئ و الغرفة التي فرشت بسجّاد كامل .. ذاك السرير الضخم الذي توسط الجدار المقابل ..
يقف بجانب أمينه و عيناه لا تفارقان مقدمتي حذائه .. شيء من الخجل امتزج بخوفه .. يشعر بلهفة تشده لتفحص قصر العجائب هذا ..!
كان الصمت يسود المكان .. و تذكر الصوت الذي سمعه منذ قليل ..
فرفع رأسه يبحث عن مصدره .. أمامه مباشرة في الزاوية البعيدة بجانب جهاز التسجيل الضخم .. تجلس أرضا .. و قد اتكأت على مخدة ثقيلة .. بيدها مسبحة سوداء ميزها من مكانه ..
.
.
وجهها المغضن ذاك ..!
لا شك أن الأيام نحتت حكايات لا تنتهي في كل خط حفر بعناية على مر السنين ..
هنا قصة للحزن تسكن تلك العينين اللتان تعلقتا بوجهه في نظرة غريب ،،
سؤال ،، أم توسل ..؟!
أمل .. ألم ..
نزف يتألق في عينها البعيدة .. يوشك على الانهمار ،،
حتما سيسري ..
سيروي ..
سيشبع أرضا لم تطأها قدمي من كانت حقا ترجو لقاءه ..
من هذه المرأة يا ترى .. أي قلب تحتويه أضلعها ..
أهي ،، هي ..؟!
أم أنها ..
ماذا .. لما هذا التخبط .. لما يشعر بالتشتت ..؟
لما يشعر أن أباه يقف خلفه الآن ..
لما يريد أن يبكي حال هذه العجوز التي راحت دموعها ترتعش ..
شوقا .. أم حزنا .. في مآقيها العتيقة ..
عباراتها التي تسكن عينها .. يراها رمادية بشكل ما ..
قدماه تتقدمان رغما عنه ..
لا يتكلم .. و لا تنطق هي ..
سيمد يده الآن .. و سيتحسس صورة قديمة .. تلوح أمامه ،،
إطارها وجع أصبح جزءا من هذه المرأة ..
تفاصيلها الصغيرة .. الغابرة .. تلك الوجوه التي تحتلها ..
شيء مما مضى لازال مدفونا في أعماقها ،،
هذه المرأة ..! من هي ..؟! من هي يا ترى ..؟!
أ حنان قديم .. سقته ذاك الكبير الذي رحل عنهم يوما ..؟
أ شوق لحب يألفه في أبٍ لم يعد كذلك ..
لم يعد أب .. أصبح ،، الراحل ..
أ و ليس هو اليتيم .. بلا أب ..؟!
أهي روح تاقت للقاء من يتوقون هم للقائه الآن ..
من هي هذه العجوز ..؟
هي أمه .. متأكد من ذلك ..
و لكن من هي ..؟
أ لها أن تمد ذراعيها الهزيلتين .. أن تحوي يتمه .. أتعلم من هو ..؟
أتعرف حكاية مخدة يسقيها بعبرة كل ليلة ..
يدفن فيها حرقة أنفاسه .. يخفي فيها كل فراغ .. يردم وسطها ثغرة راحت تتعاظم بعد رحيل سنده ..
لتلتهم طفولته .. فرحته ..
و حلـــــم ..؟!
أ تعلم من هو .. ؟
قدميه ترتعش و مسافة بينهما تتقلص .. ستلتقي الطرقات هنا إذن ..!
أصبح أمامها الآن .. يراها تلك العينين الغائرتين الواسعتين .. المثقلتين دمعا كلما أوشك على الجفاف ..بلّها ..
يرى ذاك الرجل .. بشح حنان كان يخالط حزمه ..
يكاد يشعر بيده الكبيرة ترتاح على ظهره .. و تشد كتفه ..
رائحة تلك - الغترة - القديمة .. المشبعة بجهده .. التي احتضنت جبينا لا يعرق إلا لهم .. يعبق حوله ..
لا يرى هذه الجدران المزخرفة الآن ..
حوله سور بيتهم الأبيض .. بطلائه الذي تشقق أسفله .. بخربشات عليه .. عبثت بها طفلة .. و هي تخط أمنيات ساذجة بالفحم الذي كان يدفئهم به شتاءً ..
كتفيه العريضين .. و ذراعه القوية ..
يرى العينين العميقتين .. و سر الشوق اليائس .. الممزق يسكن نفس العينين ..
أتسكن روحه جسد هذه المرأة ..؟!
.
.
أخبريني سيدتي ..
دعيني أريح رأسي الصغير .. و أحلامي الطفولية .. و ضحكة لم أعد أريد إطلاقها .. و عبرة .. في حجرك ..
دعيني أزيح عن كاهلي كل ذاك الحمل الذي يثقل إحساسي ..
و أستلقي .. أفترش حنانك .. لأغفو ..
و أخبريني ..
احكي لي عن سر ذاك الألم .. ذاك الوجع الذي اشتركتِ به معه ..
مع ذاك الحبيب الذي لم يشأ الانتظار ..
فضل رحيلا على البقاء بلا وعد تخبئه له الأيام ..
فضل هجران طرقات طالت به .. و لا نهاية تلوح في الأفق ..
قصّي علي سيدتي ..
أريد سماعها تلك الأسطورة التي لم يعرف أبطالها سوى شوقا ذبح شعورهم ..
سوى فراقا لم يجبرهم عليه إلا سرا ..
لا أفهم كنهه ..
كيف تسربت .. انزلقت ..
كيف ذوى حنانكِ فلم يعد في جعبتكِ ما قد تمنحينه ذاك الابن ..
كيف طوعتِ إحساسك لهجرانه ..
أ و تعلمين سيدتي أن شوقه غفا على تلك العتبة ..؟
أ و تدركين أنه مات جائعا .. طمئا ..
لتلك العذوبة التي رحتي تريقينها الآن ..
.
.
أ و تعلمين سيدتي ..
أنني يتيمٌ الآن ..؟! بلا أب ..!
بلا كبير ..!
.
.
تلك الحرارة التي بلّت خديه بلا شعور و هو يجثو أمام هذه العجوز التي راحت تبكي بصمت ..
صمت لم يعرفه هو و شهقاته تنفلت من شفتيه .. و جسده الصغير يهتز بقوة ..
ركبتيه على الأرض و يده تلتقي بيدها الضئيلة التي راحت تعتصر يده بقوة ..
قبل أن تجره لحجرها .. فيدفن رأسه فيه ..
يدفن وجعا في زاوية من أراضي الطمأنينة هذه ..
هنا شيء لأبيه أعاد لحظات فقده له من جديد ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
يرفع ثوبه قليلا ليظهر إزاره الأبيض من تحته .. و هو يخطو خطوة واسعة و يرتفع على إحدى الحجارة المربعة الضخمة التي صفت جانبا .. جسده العريض ينتصب واقفا و عينيه الحادتين تتأملان سير العمل من خلف ناظرته السوداء التي انعكست عليها أشعة الشمس .. متابعته للبناء يتطلب منه ساعة على الأقل من جدوله اليومي .. و لم يكن هذا بالشيء الهين نظرا لانشغاله ..
دون أن يلتفت تابع النظر بعينيه في المساحة الواسعة التي حفرت لوضع أسس البناء .. يقع البناء على الجانب الأيمن من واجهة البيت الكبير و هذا يناسبه تماما .. سيحرص على أن يكون التصميم كما خطط له تماما ..
ناوشت شفتيه ابتسامة باردة .. يعلم أن سيف الذي وقف قرب الحجرة التي يعلوها هو مرتقبا الذي سيقوله .. نزل عن الحجر و هو يتوجه نحو المهندس و نزعه لئيمة تراوده .. سيحدثه قليلا .. لن يضير سيف أن يجلس تحت أشعة الشمس قليلا قبل أن يمنحه ما يريد ،،
.
.
يقف هو في مكانه و هو يرفع يده على عينه كي تتاح له مراقبة غيث الذي قفز من على حزمة حجارة البناء و صاح بصوته الصارم ينادي المهندس القائم على البناء .. يرقب ظهره العريض و كتفيه المشدودتين و هو يقطع المكان بسهولة متفاديا قطع الحجارة و أكوام التربة .. و قطع الحديد المتناثرة في المكان ،، يمشي بسهولة بينها .. كان يقف بجانب المهندس الآن يتبين سيف وجهه المتصلب بهدوء .. لا يرى عيناه اللتان أخفتاها نظارته السوداء ،، و نبرته المتسلطة تصله من هناك ..
تململ سيف في مكانه و هو يعقد كفيه خلف ظهره .. و يزفر ببطء ..
إلى ما يسعى غيث ..؟! إتلاف أعصابه ..؟ لا حاجة إلى ذلك .. فهذا ما يفعله من شهرين ..!
رأى غيث يشد على كتف المهندس الذي انصرف عائدا إلى عمله و غيث يتقدم بخطوات واسعة .. حتى وصل إليه ..
وجهه الأسمر بدا باردا و ملامحه غير مقروءة .. أنفه المستقيم المتكبر كان مرتفعا قليلا و هو ينظر له من خلف زجاج نظراته الغائم ،،
- علومك بو هناد ..
أخفض سيف يده ببطء ،، ملامح وجهه الهادئ لم تكشف مدى توتره .. و هو يرد ببساطة ،،
- علوم الخير .. ما به علم ..
أمال غيث رأسه و هو يسأله ،،
- تعرف في شوه برمسك ..
أخفض سيف رأسه و أومأ بالإيجاب .. متأكد بأن غيث سيوصل إليه رفض أخته بكلمات مهذبة و مواسية ..
- سالفة الخطوبة ..؟
- هيه نعم ..
سحب سيف نفسا عميقا و هو يرفع رأسه للسماء ،، أشعة شمس الصيف تلفح وجهه دون أن يبالي ،،
- أهاا .. يعني .. - و صمت لبرهة قبل أن يقول - خير إن شا الله ،،
يكبح غيث ابتسامة متمردة و هو يتأمل لهفة دفينة تطفح على وجه سيف بين الفينة و الأخرى قبل أن يماطل قائلا ..
- بينيه و بينك يا بو هناد بغيت أرد عليك في نفس اليوم لي رمستنيه فيه .. لنيه كنت مقرر شوريه أهم من شور البنيه .. خلاف مرت بنا الظروف لي أنته أدرى بها .. و ما يتنيه الفرصة أخبرك رايي ..
مد يده و انتزع نظارته .. عينيه كانتا تضيقان هو يسلط نظره على وجه سيف المرتقب .. و هو يقول بهدوء أخفى إضطرابه ،،
- ما عليه يا ريال .. المهم الحين .. شوه قلتو ،،
رفع غيث حاجبه بنظرة غريبة ،، و صوته العميق بدا غامضا ..
- أنا أقولك اتوكل على الله و رمس بوية ،،
عقد سيف حاجبيه بشك ..
- أخطب ..؟
ابتسامة ملتوية نمت عن شفتي غيث و هو يبدأ بالتحرك ..
- على راحتك ..
خطوات واسعة يقطعها قبل أن يأتيه صوت سيف الحازم ..
- غيث ..
توقف غيث و ظهره لسيف .. الشمس تسقط على عرض منكبيه ..
سيف يسحب نفسا عميقا قبل أن يسأله بهدوء ..
- روضة شوه قالت ..؟
التفت له غيث نصف التفاته و هو يضيق عينيه ..
- يهمك ..؟
أومأ برأسه و هو يقول بثقة ..
- لو هي ما تباني أنا بكنسل السالفة ..
تأمل غيث سيف للحظات صامتة .. وجهه الهادئ .. لحيته الوقور .. و عينيه الصادقتين ..
شيء من الطمأنينة تدفق في عروقه و هو يرى موقف سيف .. لم يكن يتوقع منه أقل من ذلك ..!
ارتدى نظارته الشمسية بهدوء و هو يقول له قبل أن يستدير و يمضي ..
- موافقة ..

* * * * *

- ما يمديكن تتولهن عليه ..
قالتها بضحكة و هي تتجاهل نظرة أختها الجانبية و تنصت لصوت حور المبحوح الذي حملته أسلاك الهاتف ..
- لي يسمعج يقول البارحة عدنا ما كنه خطف اسبوع .. نحن العرب لي نتعود عليهم نشوف الثواني مديّة بلاهم .. بعدين فطوم انقهرت يوم درت انج ييتي هنيه و لا شافتج ..
- فطوم منوه ..؟
- بنت ييرانا .. تحيدينهاا .. لي كانت عدنا في العزا ..
- هيه .. هيه اذكرتها ..
قالت حور بنبرة كئيبة ..
- بعدين حسي ابنا شويه .. نحن محبوسات في و كل وحدة مالها إلا شيفة الثانية .. تصدقين انيه عايشة مع خواتيه عشرين سنة و مادريت انهن مخبل الا الحين ..!!
- هههههههههههه .. انزين و شوه تبين ابهن خواتج انتي و ريلج موجود .. - ثم قالت بخبث - استغلي الفرصة و تعرفي عليه و خليه يتعرف عليج و تتفاهمون مثل ما يقولون ..
ردت حور بحنق ..
- أقول انطبي .. أنا أقول نورة و دانة ييلسن بالساعات ايرمسنج في التيلفون .. خربنج أشوف ..!!
كانت حور تلاحظ نظرات أمها التي تركزت على وجهها بفضول و هي تقول ..
- لا و الله .. بس ما قد شفت غيث رومنسي و الا حنون الا فبيتكم .. تأثيرج باور عليه ما شا الله .. أول ما نشوف الابتسامة الا في السنة مرة .. و الحين يبتسم ليه و يلوي عليه .. وينج من زمان عنا تنهين عصر الرعب لي كنا نعيشه ..
كان صوت حور منحرجا و هي تقول ..
- اتبالغين و الا عصر الرعب ترانيه عشته وياكم أول أيامه هنيه .. أول ما عرفته مسويلنا رعب ..
- و الحين ..؟
صمتت حور لبرهة قبل أن تجيب ..
- الحين ما عندج سالفة أونج بتسحبينيه في الرمسة .. بتيين باكر و الا شوه فطوم بتيي ..؟!
ابتسمت روضة بحنان ..
- و الله وديه يا حور لكن لامتحانات ملعوزتنيه .. هيه ع طاري الامتحانات .. أريد رقم جلوس عفرا .. لنه حارب بيظهر نتيجته قبل العرب بيومين .. و نباه يظهر نتيجتها وياه ..
- دقيقة بس بوديلها التيلفون ..
.
.
.
كانت عيناها تضيقان على أختها التي جلست بنعومة بجانب أمها التي راحت تتأملها هي الأخرى بإهتمام .. تضع ساقا على ساق و هي تملس تنورتها بشرود و تتحدث في الهاتف و ابتسامة متألقة تحتل شفتيها .. بدت سعيدة بهذه المحادثة .. شعرت بشيء من الغيرة يقبض صدرها .. لماذا تجد روضة التسلية مع الغريبات فيما تفتقر إلى ذلك معها ..
كادت تركل الطاولة التي أمامها بقوة مع أفكارها .. ما الذي يهمها في ذلك .. لا تحتاج إلى الحديث معها و لا إلى صحبتها .. فلتستغرق في علاقتها بؤلئك الغريبات حتى تتعفن .. قلما يهمها هذا الشأن ..!
لحظات و تنهي روضة المكالمة بابتسامة .. لتسألها أمها فورا ..
- روضة .. حرمة عمج كم لها حامل ..؟
رفعت روضة عينها مفكرة ..
- آممم .. مادري يا اميه .. تقريبا آخر الرابع .. أول الخامس .. أحيد حور قالتليه ان ابوها توفى و هي لها شهرين حامل ..
أومأت أمها برأسها ..
- هيييه .. الله يعيننا و يعينهم ..
راحت روضة تعبث يهاتفها ..
- آمين ..
استدارت الرؤوس نحو حامد الذي كان ينزل درجات السلم العملاق بسرعة و هو يلف - الغترة - و يتساءل ..
- أمييه حطيتوو الفوالة و القهوة في الميلس ..
ابتسمت أمه بحب ..
- كل شي زاهب فديتك .. امنوه لي ياينك ..؟
- واحد من الربع ياي من السفر .. يا الله فديتج ..
و قبل رأسها ليتوجه نحو الباب الخارجي .. توقف أمامه حين فتح على اتساعه ليدلف أحمد ..
- مرحبا ..
- حيّه بو شهاب .. من وين ..؟!
- من الجامعة ..
رفع حامد حاجبه ..
- الساعة 8 فالليل جامعة ..؟!
تحرك أحمد بتعب للداخل ..
- يا خوك عدنا فاينل .. ما يبون يرحمونا ..
رمى حقيبة جهاز حاسوبه النقال على الأريكة قبل أن يقبل رأس أمه و يسترخي بجانبها ..
- وين ساير ..؟
قال حامد بصوت مرتفع و هو يفتح الباب الخارجي ..
- عنديه شباب في الميلس .. بتيي ..؟!
لوح أحمد بيده ..
- لا بعد عنديه امتحان باكر .. بيي هزاع عسب نذاكر رباعة ..
- برايك عيل ،،
و خرج حامد ليلتفت أحمد نحو أمه بحب ..
- شحالج يا أم حامد ..
أمسكت أمه بكفّه بحنان ..
- بخير يعلنيه هب بلاك .. شوه مسوي في الامتحان ..
تمطط احمد بكسل و اخشوشن صوته أكثر ..
- طييييييب ان شا الله .. أم صروال علومج ..
نظرت له شيخة باحتقار و لم تجبه .. فضحك أحمد و هو يقول ..
- طاع ويهها مصدقة عمرها .. ههههههههه ،، أقول الصروال يطلب الرحمه .. سيري غيريه ..
التفتت شيخة لأمها بعتب .. و لكنها لم تعرها اهتماما لازالت غاضبة منها بعد قصها لشعرها .. و قالت بصوت متحدي ..
- ما يخصك فينيه .. صراويليه و أنا حرّه ..
رفع أحمد حاجبه قبل أن يلتقط علبة المحارم الخشبية و يقذفها بقوة نحوها .. و هو يقول بقوة ،،
- ما يخصنيه ..!! الا يخصنيه يا بنت ابوج .. و اير كشتج هاي و أحلقها ع الزيرو بعد .. انتي ما تخيلين يوم تحاوطين في البيت بهالصراويل .. و الا الكنادير ما تعرف ينبج الا و غيث موجود ..؟!
كانت شيخة قد التقطت علبة المحارم بحركة سريعة .. و وضعتها جانبا و هي تقول ..
- ابوية و يشوفنيه .. شوه حارنك ..
هب واقفا و لكنها كانت أسرع منه اذ قفزت من مكانها و راحت تجري نحو السلم .. قبل أن يعود فيجلس بحنق ..
- و الله ما بيخربها الا دلعكم .. ادلعون البنية .. و ملبسينها هالصراويل و مخلينها ع راحتها .. لو يشوفها حخد من الشباب بيقول طباخنا .. منوه سمح لها أصلا تقص كشتاا ..؟!
شخرت روضة باستهزاء ..
- ليش شاورتنا عسب نسمح لها و الا لا ..؟!
ضيق عينيه بقوة و هو يقول ..
- شوه ..؟!
تداركت أم حامد الأمر و هي تقول بسرعة ..
- البنت شعرها يتساقط و قالتليه تبا تقصه و رخصتاا .. يا غير الصالون ما عرفوا يقصونه و قصرووه ..
التفت لها أحمد بشك ..
- قصروووه ..؟! هااا ..؟ - رفع سبابته في وجهيهن - أقص ذراعيه لو ما كانت هي لي طالبتنه كذيه مسودة الويه .. البنت هاي أنا أشك في جنسها .. ليش ما تتسنع و تغدي شرات روضة .. حرمة .. في لبسها و في رمستاا.. بنتج يبالها كسر راس .. أنا مول هب عايبتنيه .. لكن ما علـ ..
و قاطعه رنين هاتفه ليرد بسرعة و الضيق لا زال يكتنفه ..
- هااا هزاع .. عند الباب ..؟! اقرب يا ريال ،،
و أغلق الهاتف و هو يقول لروضة التي لم تكن تضع شيئا على رأسها ..
- هذا هزاع .. حدري ..
وقفت و توجهت نحو المطبخ بسرعة .. و تقدم أحمد للباب .. فيما انشغلت أمهم بشاشة التلفاز التي راحت تعرض في تلك اللحظة - علوم الدار - ،،
.
.
.
العجيب أن المشكلة عرضت هنا .. و نبشت أبعادها ..
و لم يكترث أحدهم البتة لذلك ..
كان بإمكانهم تدارك الأمر مبكرا ..
و لكنهم التهوا ،، وجدوا أن هناك ما هو أهم منها ..!

* * * * *

صباح لا يزال في بدايته .. ولم تتجرأ لفحات الصيف الحارقة في التمادي بعد ..
السماء بلونها الأزرق الهادئ .. لطختها السحب بالبياض في أطراف متراميه منها ..
يسحب نفسا أخيرا من سيجارته و جسده المديد يستند على مقدمة سيارته التي توقفت داخل أسوار ذاك البيت ..وأمام بابه مباشرة ،، وعينيه الحادتين تتأملانه بهدوء .. قبل أن يرمي عقب السيجارة الأخير أرضا ويدهسه بحذائه الثمين ..
أ يخيل إليه ..؟! أم أنه أصبح يدخن بكثرة هذه الأيام ..؟!
لا شك في ذلك ،، يشعر بأن وقته إزدحم بالمزيد من المسؤوليات ،،
هناك الكثير لينجزه في يومه ،، يوزع وقته بين الشركة و جدّه و جدته ،، و بيت عمّه ..
وزوجة تتطلب منه وقتا ثمينا سيكون أكثر فائدة إذا صرفه في غير تملقها ..
لا بأس .. يشعر بأنه قطع شوطا لا بأس به في علاقته بها ..
ارتفعت شفته بابتسامة ساخرة مفكرا .. أصبحت تتصرف كزوجة ..!!
خجلها و تجاوبها معه .. هه .. لم يصعب عليه التغرير بها..!
جميل جدا .. هذا عبء وانقضى ..
رغم ذلك لا زال يشعر بضغط هائل.. لا يجد الوقت للراحة حتى ..
أصبح يهمل واجبات مهمة للغاية ..! نظر للباب الموصد ..
أولها هذه..!
اعتدل واقفا يبتعد عن سيارته وهو يصلح من وضع – الغترة – يقطع الطريق الداخلية من حديقة المنزل الداخلية إلى الباب ..
ألقى نظرة عجلى على ساعته الثمينة ..كانت xxxxبها تستريح على السابعة إلا ربعا صباحا .. متأكد بأن أصحاب هذا البيت مستيقظين الآن ..
قرع الباب بهدوء عدّة مرات .. ثم انتظر قليلا .. صوت خطوات تأتيه من الممر الداخلي قبل أن تهمد للحظات عند عتبته .. عرف وقتها أنهم يتأكدون من هوية الطارق .. تراجع خطوة واحدة عن الباب الذي فتح على اتساعه.. لتظهر من خلفه إمرأة في أوائل الثلاثينات .. طويلة القامة وحادة الملامح .. بعينيها الواسعتين ذات لونٍ بني فاتح وبشرة حنطيه صافية .. غطاء شعرها الذي تدلت من مقدمته غرّة ناعمة بلون القهوة .. ابتسامتها الجميلة كشفت صفا من الأسنان المصفوفة وصاحبتها تقول بصوت ناعم ..
- مرحبــــا الســــــاع .. حيا الله بو سيف ..
وجهه الأسمر الصلب لم يتأثر برؤية هذا الجمال و هو يرد بهدوء ..
- لمرحب باقي ،، الله يحييج .. شحالج خولة ..
أخفضت أهدابها أمام رجولته الطاغية .. تخنق خفقاتها التي شعرت بأنها ستصل لمسامعه ..
- بخير ربي يسلمك.. شحالك انته ..
لم يكن ينظر اليها .. كانت عيناه تتجاوزانها بلهفة إلى ما ورائها .. إشتاق لتلك القابعة هناك ..!
- الحمد الله ..
تنحت جانبا عن الباب وهي تشير له بالدخول..
- اقرب ..
تقدم للداخل يتجاوزها ..
- قريب .. نهيان هنيه ..؟
صوتها يأتيه من الخلف و هو يتقدم بخطوات واثقة نحو الغرفة التي يعرفها جيدا ..
- لا يطولي بعمرك.. ظاهر من غبشة يقول عنده أشغال في بوظبي بيقظيها ..
توقف أمام الباب الموارب ينظر إليه قبل أن يلتفت إليها ..
- ميعاد ..؟!
دنت منه و هي تقول بنبرة حب لم تستطع كبحها ..
- واعية .. تونيه كنت أريقها ..

أخفض بصره و هو يومئ لها بهدوء .. قبل أن يطرق الباب بخفة .. ويدفعه .. كشفت الفرجة عن غرفة فسيحة نوافذها الثلاث فتحت على اتساعها ونور الشمس ينعكس على سجّاد الغرفة الوردي ،،
رقت نظرته و اعتلت شفتيه ابتسامة حنون وعينه تقع على تلك الشابة التي استرخت في كرسي خشبي قرب النافذة .. شعرها البني ربط خلف عنقها في عقدة .. لينسدل برقة على ظهرها .. لم يتحرك من مكانه و هو يتأمل جلستها الصامتة .. و أشعة الشمس التي انعكس على وجهها الحنطي .. عينيها المفتوحتين اللتان كانتا تنظران للأمام مباشرة بلا هدف ..
بدت بملامحها الرائعة أقرب شبها لخولة .. لم يلتقي أمها يوما .. و لكن يعلم أنها لا تشبه أباها باستثناء تلك العينين الدعجاوين ..
وجهها الذي كان مشدوها للأمام تحرك بانتباه .. تحرك قليلا نحوها ببطء ..لتلتفت نحوه ..
حالما رأته ارتسمت على ثغرها بسمه رائعة .. و عينيها تتألقان بفرح ..
- غيث ..!!!!
انحنى يطبع قبلة رقيقة على رأسها و هو يهمس ..
- شحالها الغالية ..
مدت يديها لتمسك بيديه وهو يجلس في الكرسي الذي كانت تحتله خولة قبل قدومه ..
- بخير يوم شفتك .. انته وينك ..؟؟ تولهت عليك ..!
انحنى يقبل كفها بحب ..
- مشغول فديتج ..
و التفت للصينية التي احتوت قطعا من - المحلى - و ابريق الشاي و كوب صغير ..
- شوه ما تبين تتريقين ..؟!
.
.
تستند هي على إطار الباب الخشبي و عيناها الملهوفتين تلتهم ملامحه بشغف ..
كم اشتاقت إليه .. لم يعد يزورهم كما كان يفعل في السابق ..
رغم تلك الحدود الجازمة بينهما .. و تلك القوانين الصارمة ..
إلا أنها كانت ترضى بالفتات الذي يلقيه عليها .. رؤيته هنا .. و إن لم يكن يأتِ من أجلها كانت تغنيها عن كل شيء ..
.
.
خطأ..
تبخل .. وأنا كلي عطا..
خطأ ..
ضاعت على الدرب الخطى ..
خطأ ابتدينا ..
وان نهيناها .. خطا !!
تزرع طريقي .. بالألم..
يا خوفي .. لا توطاه القدم ..
تجرح ظلايل.. فيتك ..
وتدمي ..أماني جيتك ..
لو فرحت.. بجيتك !!
.
.
الآن لم يعد يرتاد بيتهم كما كان قبلا كان يكتفي بذاك .. لا بد أن أمورا أهم انتزعته من روتين زياراته تلك ..!
شعرت بغصة و هي تتذكر ما قد تكون ماهية تلك الأمور .. أيكون شيئا غير بيت عمّه ؟؟
تأملت جسده العريض الذي مال و هو يطعم ميعاد .. تمنت لو أنها هي من تعاني من شلل الأطفال ذاك ..
تمنت لو أنها من تحتل مكانة مميزة في قلبه لترى هذا الحنان موجها لها ..
لترتشف الحب من بين راحتيه .. تمنت لو أنها ترتدي لباسا أفضل من ثوب البيت البسيط هذا ..
تململت في مكانها حين استغرق في حديث باسم مع ميعاد .. لتسأل بهدوء ..
- بو غيث ما بتتريق ..؟!
أتاها الرد باردا لا مباليا ..
- تريقت فبيت عمي ..
انقبضت يداها بوجع .. و شعرت بألم يغزو صدرها ..
لم يلتفت حتى إليها ..!
رأت عيني ميعاد تتعلقان بها في رجاء صامت .. لكنها لم تبالي بها .. و استدارت لتترك المكان ..
.
.
- يعني لازم ترمس عنهم قدامها .. و بهالبرود ..؟!
قالتها ميعاد بضيق حين انسحبت خولة بألم .. التقط غيث قطعة من - المحلى و غمس طرفها في صحن صغير فيه بعض العسل و هو يقول ..
- هي لي سألت ..
- كان قلتلها انك تريقت و بس ..
رفع غيث رأسه بجمود و هو يرفع حاجبا ..
- إن شا الله عمتيه .. غيره ..؟!
نظرت له بصمت لبرهة قبل أن تتنهد بضعف و هي تسأل ..
- حرام عليك غيث .. راعيها شوي .. الكلمة الطيبة صدقة .. و انت امرة هب شالنها من قاع ..!! هذا و هي حرمتك ..!
اشتد فكه بقسوة و صوته البارد يتردد في الحجرة ..
- لا تخبصين العلوم .. انتي تعرفين أنا ليش خذتهاا .. و شوه كانت شروطيه من البداية .. و تعرفين بعد انيه مالك على حور و عقب ما تخلص عدة أمها بعرس .. و عقب ما نرتب نحن أورج بطلقها ..
لمعت عينا ميعاد بشيء من الحزن حين ذكر ذلك .. لكنه تجاهل الأمر ..
- ماريد شي يتعقد عليه .. لا تحاولين انج تلينين راسيه ..
لم تنتبه لما تفوه به و قد توقف تفكيرها عند عبارة و هي تسأله بشيء من الهدوء الحزين ..
- ما قلتليه .. شحالهم ..
تأمل عينيها الجملتين اللتان كستهما غشاوة الألم اللامعة .. كعيني ذاك كانت ..
هذه نفس نظرة الوجع التي تباغته أحيانا ..!!
سحب نفسا عميقا و هو يجيب بصبر ..
- يسرج حالهم ما عليهم شر ..
- اتشوفها ؟؟
- حور ..؟!
- هيه ..
أومأ برأسه و هو يمد يده بقطعة من الخبز ..
- هيه أشوفها ..
كان يدني اللقمة من فمها منتظرا أن تفتح فاهها و لكنها تجاهلت الأمر .. و تسأله بهدوء ..
- متأكد انك تباها ..
ابتسم لها فتجعدت زوايا عيناه و لانت ملامحه و هو يجيبها ..
- عندج شك ..؟
نظرت له بتشكك ..
- قلت يمكن حد ضغط عليك ..!
لم تتزحزح ابتسامته و هو يدرك من تعني بكلامها ..
- ظنتج حد يروم يضغط عليّه ..؟!
نظرت له متمعنة قبل أن تبداله الابتسامة ..
- لا .. و هي ..؟!
- ضغطوا عليها قصدج ..؟!
هزت كتفيها ..
- ليش لا .. غريب و ما قد شافته فحياتها .. أكبر منها بتسع سنين .. و مقاطعينهم .. ليش وافقت ..؟!
لا زال هذا السؤال يحيره أيضا .. رغم هذا يعلم أنها الآن أكثر من راضية ..! لذلك قال بهدوء ..
- يمكن تحبنيه ..؟
بدت ابتسامتها ساخرة ..
- تحبك و هي ما تعرفك ..
- الحين .. فيه احتمال ..
- آممم .. يمكن .. بس ..
ناولها كوب الشاي ..
- بس ..؟؟؟!!
قالت تلك بنبرة ضعيفة ..
- خولة بعد تحبك ..
سحب غيث نفسا عميقا فتداركت هي بسرعة ..
- غيث و الله ما أضغط عليك .. بس شوه .. هاي ختيه و تكسر خاطريه .. كل ما أشوف فرحتاا يوم تيينا .. أحسنيه السبب مادري ليش .. يمكن لنك خذتها عشاني .. و هي تأملت خير ..
أرجع كتفاه العريضين للخلف و هوم يقول بصرامة ..
- هب ذنبيه .. أنا ما قصرت عليها .. و تعرف انه مستعد أطلقها في أي لحظة تبا .. و السالفة سالفة وقت .. و كل واحد يروح فطريقه .. هب من مصلحتاا تعلق عمرها فينيه ..
أسدلت ميعاد أهدابها بحسرة ..
- ما عليه باكر لي يا الوقت بتتحمل .. لكن الحين و هي حرمتك .. لا تكسر بخاطرها ..
و اعتصرت يدها ..
- عشاني غيث .. دخيلك .. و الله يعورنيه فواديه عليها ..
التقط كفها الرقيقة و انحى يقبلها بهدوء .. قبل أن يرفع رأسه و تصطدم عيناه بذاك الكرسي المتحرك الموجود في زاوية الغرفة .. التقت عيناه بعينيها المتوسلتين .. فانفرجت شفتاه عن ابتسامة محبة و هو يقول ..
- عشانج بس .. يا الله حبيبتي .. أنا بسرح الحين ..؟؟
و هب واقفا لترفع هي عينها له بخيبة ..
- رامسين .. ما يلست ..!
- مستعيل فديتج .. الساعة ثمان الحين .. عنديه مناقصة ابا الحق عليها .. شي فخاطرج ..؟!
همست بحب ..
- سلامتك .. بس .. آآآآآ .. سلم ..
رفع حاجبه ..
- على ..؟!
اعتصرت كفاها ذراعي المقعد و هي تسدد النظر لصدره متجنبة عينيه الثاقبتين ..
- عليه ..
أومأ برأسه مودعا ..
- يبلغ .. فادعة الله ..
ضمت أناملها لشفتيها و هي تلوح بيدها الأخرى ..
- الله يحفظك ..
تجاوز الباب للممر الموصل للباب الخارجي .. تقدم خطوات منه فقط قبل أن يستوقفه الصوت القريب الصادر من المطبخ .. صوت احتكاك الأوعية ..
تأكد من انها هناك ..بخطوات صامتة عاد ليدنو من المطبخ الواقع في آخر البيت ..
البيت الذي لم يكن ملائما في نظره كي يسكنوه .. و لكن رفض نهيان كان قاطعا أمام أي مساعدة قد يحاولون تقديمها .. لذلك اكتفى ببيتهم هذا و ارتياح ميعاد فيه .. على الرغم من حجمه المتوسط .. إلا أنه كان أفضل حالا من بيت عمه حمد .. تلك الخرابة التي لا يعلم كيف استطاعوا العيش فيها لسنوات ..!!
كان باب المطبخ مفتوحا .. و هي تقف أمام المغسلة تجلي الأوعية بشيء من العصبية .. أشعة الشمس تندفع من خلال النافذة الكبيرة التي توسطت الجدار أمامها .. لتسقط على شعرها البني الداكن .. ليلمع بلون عسلي دافئ .. عادت لذهنه صورة طفلة خرقاء تسللت للسطح لتفلت زمام شعرها ..
استعاد تلك الصورة الناعمة .. لشعرها الطويل الذي انسدل على طول ظهرها .. و نسائم ليل الصيف الدافئة تتغلغله ..
تذكر رغبة مجنونة اجتاحته تدفعه لدفن وجهه في شعرها .. و استنشاق رائحة الورد تلك ..
نفض تلك الأفكار من رأسه و عينه ترتكز على تلك الواقفة أمامه .. دون أن تشعر بوجوده .. كانت حركاتها رغم عصبيتها ناعمة ..رفع حاجبه حين ألقت أحد الأوعية بقوة في المغسلة .. قبل أن تستند لها بيديها و تخفض رأسها بشيء من الإنكسار ..
يكاد يجزم بما يدور في خلدها ..!
لذلك اقترب منها بخطوات هادئة .. شعرت بأن أحدا ما يقف خلفها .. متأكدة بأن ميعاد لن تستطيع إلقاء هذا الظل عليها ..!
إذا هو ..
و كأنما تريد التيقن من الأمر استدارت نحوه .. وجدت انه لا يبعد عنها سوى .. خطوتين ..
و أنفاس ،،
ارتعش فؤادها و عينيها تتأملان تفاصيل وجهه القوي .. حدود فكيه القاسية .. و النعومة الغامضة التي تضفيها أهدابه الطويلة .. تلك الأهداب التي تختفي حالما يضيق عيناه ..
لا يهمها شكل عينيه حقا .. كل ما ترجو هو شيء من نظرات الحب و الحنان التي يغدقها على غيرها .. تريد كسر الجليد الذي يجمد مشاعره ..
تريد أن تشعله .. أن تستفز إحساسه .. تريد أن تصل لأعماقه ..
أن تزرع وردة في زاوية من تلك الأراضي المجهولة .. لما لا يحبها ..؟!
لما لا يحبنا كل من نحب .. لما علينا أن نتوجع حين لا نجد صدى لتلك الطهارة التي تسكننا ..
حين نجد أن ما نمنح ليس مرغوبا .. ليس سوى مضايقة فظة بالنسبة للآخرين ..!
و على هذه الفكرة .. شعرت بالألم يكتسح روحها مجددا ..
ما لا يعلمه هو انها ستموت بلا شك .. عندما يحين الأوان لهجرها ..!
.
.
بعد الظما.. وبعد الهجير ..
تخفي حنانك .. بالضمير ..
لو ما جنت ..
عينك علي بنظرةٍٍ .. لو ما جنت
ولو ما رضيت .. تحدني ..
روح الشقاوي .. ما عنت ..
واستهونت درب الهوى ..
ولو ما غدى جرحي دوا ..
ليته غدا..
عودتني منك الحنان .. عودتني
وطال النوى وجار الزمان .. صبرتني ..
وإثر الهوى .. مثلك غريب ..
ماله .. على نفسه حبيب .. *
.
.
.
ارتعشت دمعة صافية في مقلتها .. عينه تتأمل وسع عينها المغرقة بالدمع .. أهدابها الجميلة المبتلة ..
و وجهها الدقيق الملامح .. بدا محمرا و كأنها على وشك البكاء ..
كانت هذه إمرأة حقيقية .. أنثى في كل ما فيها .. في حبها .. و في حزنها .. تخلو من الطيش الذي قد يراه في حور .. في كبريائها .. و لهفتها ..
هذه تتمتع بنضج لم تعرفه تلك الأخرى ..
رغم هذا كله لا يملك لها سوى الإعجاب .. و الشفقة ..
ما الذي قد يهديه لإمرأة أغرقت نفسها في حبه حين لم يكن يعنيه حتى وجودها ..؟!
انزلقت دمعتها على خدها فمد يده قبل أن تمسحه ليحتضن جانب وجهها براحته الكبيرة .. و يمسح بابهامه دمعتها و هو يسأل بعمق ..
- ليش تصيحين ..؟!
هزت رأسها بعجز .. عاجزة عن النطق .. و أشاحت بوجهها عنه .. ليس عليه أن يعذبها بقربه في وقت لا ينوي فيه إلا على تركها ..!
لم يكن يريد أن يمنحها أمملا .. أو يقتطع من نفسه شيئا لها .. فقط قال بهدوء ..
- انتي تعرفين حدودج .. و تعرفين طبيعة العلاقة بينا .. لا تتوقعين انه ويا الوقت بيتغير شي ..
عضت شفتيها حين أدارت وجهها بعيدا فلم يعد يرى إلا جانب راسها ..
استدار نحو الباب و توجه للخارج تاركا اياها تكابد أوجاعها ..
.
.
.
سحبت نفسا عميقا تبتلع عبراتها الغبية .. ألم يعد لها من الكرامة شيء ..؟!
ليس عليها أن تبكي كلما وجدت نفسها على أرض الواقع حقا ..
هذا الرجل ليس لها .. و إن لم تعترف قلبها بذلك ..
عليها أن تخفي جرحها .. و تتحلى بشيء الكبرياء ..
و لكن كيف يمكنها أن تفعل ذلك ..؟! كيف لها أن تدفن إحساسها في جوف النسيان ..
لا يمكن .. لا يمكن ..!
و انفلتت عبرة أخرى تبعتها ثانية ،،
.
.
لا عطر .. لا أوراق تناثرت ..
و لا غبار ..
لا ذكرى ستتذوق وجعها الحلو ..
لا صور سوداء // بيضاء ستعيدها لما مضى من الدهر ..
لا ضحكات تتردد في جوفها .. عتيقة ..
لا إحساس منسي يخالجها ..
لا تعرف من هذه الأماكن الملونة شيء ..
لا تعرف ..
غير شعور حتما ذوى ..
في وضح ذاك النهار ..!
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.




>>


لامارا غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:30 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.