آخر 10 مشاركات
رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          طريقة صنع البخور الملكي (الكاتـب : حبيبة حسن - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          في بلاط الماركيز(71)-غربية-للكاتبة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة بالرابط -مميز (الكاتـب : منى لطفي - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          436 - سراب - كارول مارينيللي ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          للحب, الشرف والخيانة (101) للكاتبة: Jennie Lucas *كاملة* (الكاتـب : سما مصر - )           »          سارية في البلاط الملكي * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : هديرر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

Like Tree31Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-15, 01:09 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 خطوات تغفو على عتبات الرحيل / الكاتبة ليتني غريبة ، اماراتية


،





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية منقولة

قول أحبك وأترك الدنيا لعيونك


للكاتبة نجوده ^_^





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 24-06-16 الساعة 11:25 AM
لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 09-05-15, 01:10 PM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم ..




lll[ خطوات تغفو على عتبات الرحيل ]lll



.
.




إليهم ..

من سكنوا حنايا الذاكرة .. استحلوها و استبدوا بها .. فأضحت عاجزة عن النسيان ..
من لازلت من الأمس إلى يومي .. حتى غدٍ .. أعيش على تلك الصور الغابرة .. حيث وجوههم الذاوية ..
لم أعد أميّز ملامحها ..

إليها ..

تلك العاجزة عن إخلاء سبيل أطياف الراحلين .. متشبثة بألمها .. غارقة به ..
مجنونة ..
تسخر من أحزانها بابتسامة .. تدمي روحها ..

إليكم ..

لمكامن الشعور في تلك القلوب الرحبة .. مشاعر دفينة ..
لفوضى الإحساس في نفوس مضنية .. أحاسيس حائرة ..
حتما ..
ستتفجر ..!

إليّ ..

لدمعتي الغبية التي لا أعرف لها سببا .. مشاعري المتخبطة بين أضلعي ..
حائرة .. متوجسة ..
لا تعرف الهدوء للحظة ..
إلا بعد دوي الرحيل ..!



.
.





ألفت لي مسكنا هنا .. يجرني إليه الحنين عائدة ..
لأحط الرحال مجددا .. بين وريقاتي الخاوية ..، و أحرف ..
ستتساقط هامات الكلمات منهزمة ..
تحت وطأة ما ستحمله هذه الحكاية ..
لا شيء يجعلني بهذه النشوة ..
كالدنو منكم مجددا




* همسة ،،،
فوضى تعتري روحي .. أتيه بها و تبعثرني .. بحاجة لأن أرمي بأثقال ما يحير إحساسي هنا ..
لربما إهتديت إلى تلك الطرقات التي ستعيدني .. إلى عتبات الرحيل ..
أو الحنين ..







أخيرا ،،
كل بوح لقلمي هنا هو لي .. مني .. و إليّ ..
أي حرف سيستبى من بين وريقاتي في ذمة من سينشلها من جعبتي إلى يوم الوعيد ..







عائدة ،،،
ليتني غريبة



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 21-06-16 الساعة 08:25 PM
لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 09-05-15, 01:11 PM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

> خطوات مسروقة <

.
.

ترتعش و تكاد ركبتاها أن تتهاوى .. لم تعد تقوى الوقوف .. و قوة زائفة تهتز على وجهها ..
تتزعزع ..
جسده القوي يميل على الباب .. واثقا .. ساخرا ..
- تبينيه أظهر ..؟!
يرتجف صوتها و هي تتدارك قلبها الأحمق .. قد يفضحها ..
و هي ترفع بصرها بشموخ منكسر .. و سبابتها المتخاذلة تشير نحو الباب ..!
- هيه إظهر ..
ما زال البرود يسكن عينيه .. يجتاح جسدها المرتعد .. و هي تريد أن تغمض عينيها للحظات فقط ..
لكنه سيدرك كم هي ضعيفة ..
و سيسعده ذلك ..
لا ..
لن يغلبها ..
عادت تنظر لوجهه الجامد اللامبالي .. تبحث في قسمات وجهه المتصلب عن صدى لإحساسها الأخرق ..
حتما لن تجد شيئا ..
هو .. هو
لم يتغير ..
و لن يفعل ..
شدت يدها و إصبعها يجد طريقه للثبات ..
و تكابد دمعة تسعى للفرار ..
- إظهر من بيتيه .. إظهر من حياتيه ..

.
.
.



.
.
.
.


> الخطـــــــــــــــوة الأولــــــــــــــــــــ ى <





كانت الشمس قد تبوأت مكانا في صدر السماء .. لتسلّط أشعتها الحارقة بلا رحمة .. تشعل الأرض جحيما ..
تلهب جدران تلك المنازل المتهاوية .. تذيب الأنفاس ..
و تكوي وجهها المتغضن بضيق .. و هي تلهث بتعب .. إذا كانت هذه أضواء شمس دنيا باهتة ..
و تحيلهم رمادا في هذا اليوم ..
فليجرهم الله من نار الآخرة إذا ..
رحمتك يا رباه .. الحر شديد هذا اليوم ..
تنفض الثوب المبتل بين يديها لتعلقه على حبل الملابس .. و هي تشخر ساخرة .. تحت وطأة هذه الشمس و حرارتها .. ستعود بعد لحظات لتجمع هذه الملابس ..
واصلت نفض الملابس و هي تنتعش لثوانٍ خادعة بالقطرات التي تتناثر منها .. فقد تعطل جهاز تنشيف غسالتهم .. عليهم نشر الثياب مبتلة تماما ..
تنهدت بقوة .. لا بأس ما دامت سترطب الأجواء في هذا الحر القاتل ..
مسحت جبينها المحمر بتعب ..و هي تواصل نشر الملابس .. حانت منها التفاته سريعة للسور القصير المتخاذل ..
المشترك بينهم و بين جيرانهم .. فكرت بداخلها أن ترمي بعض الحصى لتنبه فاطمة .. فتلاقيها ..
سرعان ما تراجعت عن هذه الرغبة ..
فهن بالتأكيد سيتحدثن عبر الفرجة التي توجد في الجدار القابع خلف المطبخ ..
و تحت لسعات هذه الشمس .. لا تعتقد بأنها ستجد متعة في الحديث .. الأفضل أن تتوجه للداخل فور انتهائها من هذه الملابس .. كي تقضي ما تبقى من أعمال ..
انتهت من نشر الملابس لتجيل نظرها في الباحة الخلفية لمنزلهم .. الباحة الضيقة .. التي لا يتجاوز طولها الثلاثة أمتار و عرضها المترين ..
حملت سلة الغسيل .. و استدارت متوجهة للحمام .. لتضعها حيث مكانها .. قرب الغسالة .. و لكنها توقفت عند باب المطبخ .. لتدلف بهدوء .. و هي تراها تدير ظهرها لها و تحرك الملعقة في القدر ..
مدت يدها تلمس كتفها لتنبهها إلى وجودها .. فالتفتت تلك بسرعة ثم ابتسمت بشغب و هي تشير لوجهها الجميل ضاحكة ..
عقدت الأولى جبينها بضيق .. لابد أن وجهها محمر بشدة فبشرتها البيضاء ستحترق حتما تحت أشعة الشمس ..
صفقت بيدها ثم دفعتها في وجهها بحركة طفولية مضحكة .. لتهتز تلك مجددا في ضحكة متقطعة و عينيها الواسعتين مغمضتين ..
قبل أن تشير لها أختها بيدها بحركة فنجان يشرب و تشير لعلبة الشاي في رف قريب .. و هي ترفع صوتها بشدة ..
- سوي جاهي .. سوي جاهي ..
هزت تلك رأسها و أشارت إلى عينيها ..
- أن عوني ..
ابتسمت تلك و اقتربت منها تطبع على خدها قبلة قويّة .. و تقول بصوت عادي تعلم أنها لن تسمعه و لكن تحرك شفتيها بوضوح ..
- تسلم عيونج ..
خرجت من المطبخ و وضعت السلة في الحمام الوحيد في المنزل باستثناء الحمام الملحق بالغرفة الخارجية الحقيرة التي يطلقون عليها مجلس الرجال ..!
أي رجال .. تلك الغرفة الضيقة لن تكفي سبعة منهم ..
نظرت للمساحة الصغيرة بين الغرف الثلاث التي يعتبرونها صالة و مكانا للجلوس حيث وضعوا جهاز التلفاز المسن .. ارتاحت لمرآها نظيفة ..
رفعت بصرها نحو الباب المقابل مباشرة .. لتتقدم بهدوء و تدير المقبض و تدفعه .. ليكشف خلفه عن غرفة ضيقة وُضع في زاويتها على الأرض مرتبة مربعة فُرش عليها غطاء و وزعت بها مخدتين عريضتين و بطانية ثقيلة ..
و بجانبها جلست تلك على الأرض بين يديها ثوبا لم تتبين ما الذي تفعله به .. اقتربت ببطء كي لا تشد ناظرها حركتها .. لتجدها ترتق شقا في طرف الثوب بإبرة .. جلست بجانبها لترفع تلك رأسها بابتسامة حنونة ..
شيء كالحلم ارتسم على وجهها الذي خطت به الأيام ما يكبر سنها الحقيقي .. بادلتها هي الابتسامة بصدق و هي تصيح بصوت عالٍ ..
- أمااه .. جاهي .. جاهي في الصالة ..
و تشير بيدها لتفهمها ما تقصد .. فتهز أمها رأسها بهدوء و هي تشير لما بين يديها .. ففهمت مقصدها بأن تريد أن تنهي ما بين يديها .. و هي تسمع حديثها المتقطع ..
- ثوب عفااه .. تبااه يوم ..
تذكرت .. أوف ،، عفرا و ما تريد .. فكرت بأن تلقي نظرة سريعة على فاطمة لتسألها الآن ما تريد ..
وقفت بسرعة و ركضت بخفة لتصل إلى الباحة الخلفية الضيقة خلف البيت .. فتلتقط بعض الحصى من الأرض و ترميها على المظلة التي تظلل جزء بيت جيرانهم الخلفي .. حيث يوقفون سيارتهم الوحيدة ..
لحظات و يصلها صوت فاطمة الناعمة و هي ترفعه كي تسمعها ..
- منوووه ..
رفعت صوتها هي الأخرى ..
- فطووووم أنا حور ..
أتاها صوت فاطمة مجددا ..
- بـــــــلاج حــــــــور ..؟
- تعالي صوب الفتحة برمسج ..
و ركضت للجدار القابع خلف المطبخ .. لتدس وجهها في الفتحة المستديرة .. قبل أن يطل وجه فاطمة من الجانب الآخر ..
- مرحباا ..
ابتسمت حور بود ..
- أهلين ..
- هاا شعندج بسرعة الغدا ع النار أخاف يحترق ..!
ابتسمت حور مازحة ..
- و إذا بيحترق بتفرق يعني .. بيسمم أهلج بيسممهم .. محترق و الا لا ...
مطت فاطمة شفتيها ..
- مالت عليج .. أنا أستاهل لي أخطط أطرش لج من الصالونة ..
اتسعت عينا حور بلهفة ..
- مسوية صالونة اليوم ..
نفخت فاطمة صدرها ..
- عيل .. الحين خلصينيه شعندج ..
رفعت عينيها للأعلى بحرج .. تشعر بالضيق دوما لإضطرارها أن تطلب من صديقتها شيئا رغم أنهم اعتادوا على تبادل احتياجاتهم ..
- آآممم .. فطوم بتخبرج .. بعده فستان عرس خوج سالم عندج ..؟!
هز فاطمة رأسها بعجب ..
- هيه .. بس هذا مفصلتنه قبل أربع سنين يمكن يطلع قصير عليج ..
هزت حور رأسها بسرعة ..
- لا هب أنا لي أباه .. عفاري تبا فستان للتخرج .. تعرفين باقلها شهرين و تتخرج من الثنوية .. قلت أشوفه بعده عندج ..؟!
ابتسمت فاطمة بحب ..
- أفاا عليج .. إلا عنديه .. و بييبه لج العصر إن شا الله .. كم حور عدنا .. تستاهل عفااري ..
قالت حور ببؤس ..
- على الله يطلع على مقاسها .. ناقة هاي هب بنية .. شوي و تطولنيه ..
ضحكت فاطمة برقة ..
- عادي لو ما يا عليها بنفكه من تحت أهم شي تلبس فستان في التخرج شرات باقي البنات ..
ابتسمت حور و مدت يدها عبر الفتحة لتقرص وجنة صديقتها بحب ..
- يعلنيه هب بلاج يا الغالية ..
أسدلت فاطمة أهدابها بخجل مصطنع ..
- أحرجتينيه ..
- قولي و الله ..!
- و الله ..
- هب كأنها هاي ريحة غداكم يحترق ..
اتسعت عينا فاطمة برعب .. الغداء.. و ركضت مسرعة .. فيما صرخت حور خلفها و هي تقهقه بقوة ..
- لا تنسين تييبين الفستان عسب تقايسه الناقه ..
ثم قهقهت مرة أخرى و هي تهز رأسها بخفة و تستدير نحو الداخل ..
- مقصّه ..!!

* * * * *
نقلت طفلتها بعناية من يدٍ إلى أخرى و هي تدلف البيت بهدوء شديد .. تعلم جيدا أين ستجد أصحابه في هذا الوقت .. توجهت مباشرة نحو المطبخ .. لتتسع ابتسامتها حالما وقعت عيناها على أمها و هي تدور و تساعد الخادمة في إعداد الغداء ..
- السلام عليكم ..
التفتت أمها بحنان و هي تتقدم منها ..
- و عليكم السلام و الرحمة .. مرحبا .. مرحبا .. حيا الله من يا ..
قبلت رأس أمها و هي تناولها الصغيرة لتسلم عليها ..
- يحييج و يبقيج فديتج .. شحالج أمايا ..
تخرجها من المطبخ و تقودها للصالة ..
- بخير يعلج الخير .. شحالج انتي و شحال مريومتي - و ضمت الصغيرة لصدرها بحنان - بعدها مريظة ..؟!
تنهدت إبنتها ..
- يسرج حاليه .. مريوم تونيه يايبتنها من العيادة مسويلها أكسجين .. إدعيلها انتي بس ..
- الله يشفيها ..
- آمين ..
مدت أناملها تمررها على شعر ابنتها الغارقة في حضن أمها ..
- خالتيه وديمة شحالها ..
نظرت لها أمها شزرا ..
- لازم بتخبرين عنها سميتج .. ما تنشدتي عن خوانج ..
ضحكت وديمة بمرح ..
- شوه أمايه ليكون تغارين ..!
عقدت أمها جبينها ..
- أغار من شوه .. صدق ما عندكن سالفة يا بنات هالزمن ..
ابتسمت بهدوء ..
- لا صدق أمايه .. خالوه شحالها .. من زمان عديبها ..
تنهدت أمها بأسى ..
- لا تخبرينيه .. و الله أنا لي من زمان عنها .. من أسبوعين يمكن هب داريه عنها .. التهيت بالبيت و العيال و ما رمت أسير لها .. هي لو عندها تيلفون كان زين ..
ابتسمت وديمة بمرارة لزلة أمها ..
- و لو عندها تيلفون كيف بترمسينها ..
اتسعت عينا أمها بادراك قبل أن تزفر بضيق .. تابعت وديمة ..
- التيلفون عند هالخبلة حوورووه ... بس دومها مبندتنه ..
- هيه ترانيه تخبرت مايد البارحة و قاليه إنها ما تبطله .. مادري عيل ليش يايبتنه ..
- شوه يايبتنه بعد .. هذا لي يقاله ريلها يايبنه لها .. بس ما تبطله خايفة يتصل .. و الله إنها مشفرة هالبنية .. إلا ما أرضعتيها شي من العقل يا أميه ..
ضربتها أمها بخفة على ذراعها و هي تنهرها مدافعة عن ابنتها بالرضاعة ..
- حور أعقل عنج ظامة هل بيتهم كلهم هي و المها .. غير أبوها ما سوى خير يوم فرها في ذمة هالريال .. عنبوه من ملك عليها ما شافت شيفته ،،، أمبونها هب عارفتنه هي و أهله لي ما شافتهم غير يوم الملكة المنحوس ..
خففت وديمة عن أمها ..
- شوه تبين ابهم .. هاييلا هلهم .. و متفاهمين .. تعرفين انتي البير و غطاه .. خلينا برا هالسالفة أخير لنا ..
قالت أمها بقوة ..
- هاي بنتيه ..
- أدري فديتج .. بس شوه بتغيرين انتي من الوضع ..؟! ما باليد حيله يا أميه .. إذا أبوها راضي بالوضع .. نحن مالنا حجة عليه ..
نفخت أمها بقهر و هي تنظر لوجه الطفلة ..
يقع ظلم كبير على تلك الفتاة و الكل يتفرج ..!

* * * * *

عقدت جبينها بشدة و هي ترى المسألة تتعقد في عينها أكثر .. فأكثر .. حقا لن تجني شيئا من خلف هذه الفيزياء بخلاف خلل سيصيب دماغها مع نهاية العام ..
صفقت الكتاب بقوة لتدسه في حقيبتها المدرسية .. و تضم غطاء رأسها جيدا .. لتنظر عبر نافذة الحافلة للخارج و تزفر ببطء ..
زحمة الشوارع الضيّقة و هذه الأحياء المتقاربة .. و السيارات العائدة من أعمال أصحابها ..
كانت أصوات الفتيات في الحافلة المدرسية و هي تقلهم للبيت من المدرسة تعلو و تتفاوت و ضحكاتهن تملأ الجو ..
أيجدن في نفوسهن النشاط لشق الإبتسامة بعد يومهن الدراسي .. عجيب ..!!
من زحمة الأصوات يصل لمسامعها صوتين تألفهما كما تألف اسمها .. ضحكاتهن .. و حكاياتهن المتحمسة ..
رغم عنها وجدت نفسها تبتسم و هي تستمع لأختها التي تصغرها بسنتين و هي تتحدث بصوت عالٍ عن قصة تعرف هي جيدا أنها لم تحدث قط ،، و لكنها تستمتع بسرد الأكاذيب و الحكايات الملفقة .. هذا ما يجعلها محط الأنظار من زميلاتها .. هي و أختها الأخرى التي تكبر الصغيرة بسنة .. يستطعن الاندماج بسرعة معا في أي مكان ما ،،، و لم يكن ذاك صعبا عليهن في المدرسة .. حيث جميع من ينضم لذاك المجتمع يقاربهن في السن ..
شعرت بثقل يقع بجانبها على طرف المقعد الخالي .. لترى أختها التي تصغرها بسنة مسترخية و هي تلف غطاء رأسها بعنف ..
- أوووف .. حررر .. بموووت .. عفاري لو انصهرت حطونيه في الثلاجة ..
و راحت تضحك بشدة على نكتتها السخيفة .. فيما هزت عفرا رأسها باستخفاف ..
- وين هاي الثلاجة لي بتسدج ..؟!
نظرت بطرف عينها و هي تقول بتكبر ..
- شوه أخت عفرا .. عندج شك في رشاقتي ..؟!
رفعت عفرا حاجبا ساخرا ..
- لا حشا .. امنوه بيشك في حجمج يا نورة ما شا الله .. إنتي يقين تسدين عين الشمس ،،،
ابتسمت نورة بخبث ..
- كأنج تسبينيه .. بس ما عليه ،، ناقة ما ألومج أكيد تغارين ..
نظرت لها بضيق .. لا تحب أن يعيّرها أحد بطولها .. خصوصا شقيقاتها القصيرات القامة اللواتي تفوقهن طولا ..
- ما برد عليج يا حكيم الأقزام .. أشري لختج خليها تيي .. قربنا من راس شارع الفريق ..
رفعت نورة يدها بحماس و هي تشير لأختهن و تقول بصوت مرتفع تريد أن يصلها من بين أصوات الفتيات ..
- داانوووه ..
التفتت دانة نحوهن قبل أن تشير نورة لمقدمة الحافلة .. فالتقطت دانة حقيبتها ثم تقدمت للكرسي لتدفع نورة إلى الداخل و تجلس بجانبها .. رغم ضيق الكرسي الذي بالكاد اتسع لثلاثتهن .. إلا أنهن لم يشعر بالضيق .. لحظات و توقفت الحافلة عند موقفهن المعتاد .. حملن حقائبهن المدرسيّة على أكتافهن قبل أن يرفعن أطراف غطاء رؤوسهن على وجوههن و ينزلن من الحافلة تباعا ..، تحركت الحافلة مبتعدة و مفسحة لهن الطريق ليقطعن المسافة المتبقية بين البيت و المنزل مشيا على الأقدام .. تذمرت دانة بشدة ..
- ما بوصل البيت إلا أنا متسبحة عرق .. حر حر .. أففف .. الله المستعان ..
كادت تبكي حين رأت سيارة مقبلة من الشارع البعيد ..
- لااا .. هب ناقصينه هالسبال بعد ،،،
التفتن جميعا ليرن السيارة المقبلة .. هتفت نورة بحنق ..
- و الله العظيم لفره بحصى ،، هالثور ما يفطن .. عنبوه ما يحشم ييرانه .. أنا أقول شعنه ما تم معرس غير سنة امنوه يروم لواحد شراته هالحقير ..
كانت عفرا هادئة و صارمة ,,
- ما عليكن امنه .. سون طاف و امشن و لا تلفن يمين و لا شمال .. نورة و الله ليوصل الخبر لبوية هب حور لو رديتي عليه .. خليه يخيس هو و رمسته السم .. طنشن و الا بيشجعه المرادد .. سيده ..
قالت دانة بغصة ..
- لو أروم أقول لبوية بس .. و الله ليدفنه في القاع الكلب ..
همست نورة مع إقتراب السيارة التي أصبحت تمشي بقربهن ببطء ..
- خبلة انتي ..؟! بيدفنه و بيدفنا وياه .. ابوج ما عنده ون تو .. بقول انتن يريتنه .. طبيه الخايس ما يرزا ..
و ببطء أنزل زجاج نافذة السيارة ببطء شديد .. و هو يقول بصوت يحاول جاهدا أنا يكون رقيقا ..
- السلام عليكن بنات ..
واصلن البنات يحثثن الخطى بصمت .. لم يعدن حتى يتبادلن الأحاديث فيما بينهن ..
- أفاا ما تردن السلام .. السلام لله .. ما تبن توصيله ..
تشعر نورة بشيء يتصاعد في صدرها .. تريد أن تتوقف لتلتقط حجرا من حجارة هذا الشارع المهمل لترميها على رأسه عديم النفع .. و صوته النشاز يصلهن و هو يقول بخبث ..
- حرام و الله غصون البان تمشي تحت هالشمس .. فديت عرضاتهم العرب .. لو من أهلكن كان حطيت موتر و دريول خاص يوصلكن الين باب الحجرة ..
همست نورة بحقد لا يسمعها إلا أختيها ..
- إنقلع زين .. انته لو تروم سير بدل موترك .. لو تغازل ع سيكل أشرف لك من هالكشرة ..
حبست أختيها الضحكات باستماتة .. و تنفسن الصعداء حين لاح البيت الصغير لهن من بعيد .. قال هو مودعا ..
- الوعد باكر يا الغراشيب .. ارقبنيه ..
و أسرع من سير سيارته .. لا يستطيع اللحاق بهن حين يقتربن من البيت يخشى على نفسه من أبيهن ..
في حين تنهدت دانة بارتياح ..
- روحة بلا رده .. أونه ارقبنيه .. عنلاته الخسيس ..
دلفن من الباب الحديدي .. و أحنت عفرا رأسها كي لا ترتطم بقمته القصيرة .. ليدلفن إلى الداخل ..
دخلن الصالة ليجدن الجميع يجلس في الصالة .. أمهن و حور و المها .. و شقيقهن ذو الثلاثة عشر عاما .. و أخواتهن الصغيرات .. الأولى في الرابعة عشر من عمرها .. و الثانية لم تتجاوز العاشرة ..
هتف الفتى فور رؤيتهن ..
- هاا ... شرفن الشيخات يالله حطوو الغدا ..
لم تنتبه المها لوصولهن و لا أمها .. لامست حور طرف يدها لتلتفت لها .. ثم ترى أخواتها الثلاث قد وصلن ابتسمت لهن فأقبلن يقبلن رأس أمهن القابعة في زاوية الصالة .. واحدة تلو الأخرى ..
و حور تقول ..
- أبطيتن ..
عفرا و هي تلقي حقيبتها بثقل .. و تدلك كتفها ..
- الباص تأخر ..
- صليتن ..؟
- الحمد الله..
- خلاص بنحط الغدا ..
و هبت واقفة لتقف المها معها .. لحظات قبل أن يخرجن من باب المطبخ و حور تحمل صحن الغداء .. و المها بيدها إبريق ماء بارد ..
وضعوا الغداء و التفوا حول الصحن جميعا يتناولونه بنهم هتف الصبي بحماس ..
- مزنة صبيليه ماي ..
تذمرت الطفلة ذات العشرة أعوام ..
- أففف .. ليش تحطون الماي عندي .. ما يخصنيه .. بصب لنايف .. خلاف لي يبا الماي يصب لعمره ..
رفعت دانه يدها تضرب مؤخرة رأسها ..
- جب زين .. بتصبين و انتي حمارة .. أصغر القوم بشكارهم .. انتي بشكارتناا ..
صاحت مزنة مستنجدة ..
- حوووور قوليلهااااا ..
تأففت حور ..
- دانووه يوزي عن أختج .. خلينا نتغدا و ننظف المكان قبل لا يي أبوية ..
نظرت دانة لمزنة متوعدة .. لتصيح الأخيرة مرة أخرى ..
- حور تطالعنيه ..
نظرت حور لهن بغضب ..
- أفف .. و بعدين يعني .. دانووه قسم بالله أكسر راسج لو ما إصطلبتي .. عنبوه تحطين راسج براس هالياهل .. و بعدين انتي خلي عنج البزا و لو طالعتج بتاكلج يعني .. تغدن و انتن ساكتات ..
قال صوت هادئ من جانبها ..
- محد ياكل و هو ساكت إلا اليهود .. أبلة الدين قالت ..
نظرت نورة ساخرة لأختها ذات الأربعة عشر عاما ..
- أوووه رمست الشيخة هند مفتي مكة .. محد يرادها ..
إنعقد جبين حور في غضب حقيقي ..
- انتن بتصخن و الا شوه ..
نكس الجميع رؤوسهم يتابعون طعامهم بهدوء .. و نورة و دانة يتهامسن في شيء ما .. عفرا تنظر لحور ..
- تخبرتي فطوم عن الفستان ..؟!
هزت حور رأسها ..
- هيه بتييبه العصر .. نايف عقب الغدا لا ترقد .. خلص واجباتك .. مزنووه .. انتي بعد .. لا يي العصر الا و انتوو مخلصين ..
الوحيدتان اللتان لم تكونا منزعجتين من الحديث المعتاد كل يوم هما المها و أمهم ..
لأن شيئا من الحديث لم يصلهن ..!

* * * * *

سحب نفسا عميقا من السيجارة قبل أن ينفثه ببطء في جو سيارتها الفارهه .. نظر عبر زجاج نافذتها الذي لن يتبين من بالخارج شيئا منه .. و هو ينظر للفيلا العملاقة الجاثمة بسلطة على أنفاس الأرض كوحش مستعد لبلع من يقترب منها ..
فتحت باب سيارته ليرمي بعقب سيجارته على الأرض و يدوسها بطرف حذائه الفاخر ،،، و ابتسامة ساخرة تعلو شفتيه .. و هو يفكر بأنهم بالتأكيد ينتظرونه الآن .. ألقى نظرة لا مبالية على ساعته التي تقارب الثانية و النصف ظهرا .. و هو يكتم ضحكة خبيثة داخله ..لابد أنهم على نار .. لن يضيرهم الشعور بالجوع قليلا .. لم يهتم لكون من ينتظره بالداخل هم أبوه و إخوته .. و أعمامه الثلاثة و أبناءهم .. و على رأسهم جده .. و لان وجهه الصلب قليلا و هو يفكر بأنه الوحيد الذي سيجبرهم على انتظاره .. فكر بأن يجلس قليلا في الخارج لمجرد أن يضايقهم ..
و كأنما شعر برغبته تلك .. ارتفع رنين هاتفه بحدة يشق سكون الباحة الأمامية الشاسعة المساحة ،، يرفعه ببطء و رقم أبيه يتراقص على شاشته ..
- ألوو ..
كان أبيه غاضبا .. يتضح ذاك من صوته المكتوم ..
- انته وين ..؟
قال ببرود شديد ..
- عند باب البيت .. رب ما شر ..
نفخ والده بضيق ..
- أبطيت علينا .. لنا ساعتين هنيه و انته ما شرفت .. خوك الثاني وينه ..
شخر ساخرا ..
- أي واحد فيهم..؟! عندي أربعة ..
- حامد .. وينه ..
تصلب وجهه و هو يقول ..
- تلقاه يرتغد في واحد من هالمولات .. مادريبه وينه ..
أنهى أبوه المكالمة دون أن يزيد بكلمة واحدة ..
نظر لشاشة الهاتف لوهلة واحدة قبل أن يعيده لجيبه ثم ينظر لانعكاس صورته على نافذة سيارته السوداء .. يرتب وضع - الغترة - قبل أن يستدير متوجها نحو البوابة الرئيسية للبيت المقابلة له .. و هو يمشي بخطوات واثقة .. جسده القوي يقطع المسافة بهدوء .. ليصل إلى الباب و يفتحه على مصراعيه ..
خلف هذا الباب .. امتدت أمامه قاعة الإستقبال الفسيحة .. الفخمة .. بما علق على أسقفها من ثريات و وزع على مداها من الأثاث ما يشغلها .. توجه نحو المجلس الداخلي حين يجتمعون على الغداء كل خميس في بيت جده .. أو بالأحرى بيته .. المكان الذي تربى و كبر وسطه .. ترعرع وسط برود جدرانه .. و قسوة سكانه الذي ارتشفها منذ الصغر ليتعلمها .. و يتقنها درعا يكسو وجهه الذي اكتساه الجمود فور اقترابه من الباب .. لا شيء كان يذيب جمود تلك الملامح .. سوى ثقته بحب جده الشديد له و إن كان يميل لتربيته القاسية ،،، حتى أنشئه .. و جعله نسخة كانت الأقرب لجده .. الذي كان يرى انعكاس قوة شبابه في عيني حفيده الأكبر .. لا شيء كان يذيب الجليد الذي يكسو إحساسه تلك الأيام ،، سوى دفئ صدر تلك الحبيبة الذي قطع طريقه صوتها المرتجف و هي تنادي ..
- غيـــــــــــــث ..
توقف مكانه و ارتسمت على شفتيه ابتسامه صادقة تبخر كل جمود .. و كل كبر و هو يستدير ليجدها جالسة على أحد مقاعد جسدها الضئيل يكاد يختفي في المقعد الوثير ليحول عن اتجاهه و يخطو نحوها .. اقترب منها بسرعة ..
- السلام عليكم ..
صوتها الواهن يجيبه بابتسامة ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبـــا الســــــاع بالغالــــــي ..
انحنى بحب يطبع قبلة على رأسها و كفها الغضة ..
- لمرحب بااقي يا القلب .. شحالج فديتج ..
شدت على يده ..
- بخير فديت روحك .. شحالك انته .. ربك بخير ..
- يسرج حاليه يا الغالية .. ياغير هالشركة لعوزتنيه من قبظت الإدارة فيها ..
عقدت جبينها بضيق ..
- الله يسامحه سعيد .. لو طايع شوريه و مقبض الإدارة حد من أعمامك و إلا أبوك .. اروحك تراكض يمين و يسار لأشغالك ..
قال بابتسامة معاتبا ..
- أفاا يا أم علي .. أنا قدها و قدود و إلا شرايج ..
ابتسمت بحب و هي تمد يدها تضعها على ذقنه تلامس لحيته المشذبة بعناية ..
- و نعم و الله .. يا الله فديتك ما تبا تحدر عند الرياييل .. من الصبح يرقبونك ..
قال مازحا ..
- لا خلاص أنا بتغدا وياج اليوم ..
- متغدية أنا يا الغالي .. و إلا كان خاويتك .. سر قداهم يعلنيه هب بلاك أبطيت عليهم ..
قبل رأسها قبل أن يعود و يتوجه للمجلس مرة أخرى .. فتح الباب بقوة دون أن يقرعه لتستدير الرؤوس نحوه بقوة ..
ابتسامته الجانبية لم تخفى عن الأعين و هو يسلم بصوته الرجولي العميق ..
- السلام عليكم
ردوا السلام عليه و هو يتوجه رأسا نحو ذاك العجوز الذي لازالت معالم القوة واضحة على وجهه و هو يتصدر المجلس الواسع .. و هو ينظر إليه بفخر .. يقترب منه ليسلم عليه بحرارة .. ثم يلتفت لأبيه الجالس على مقربة منه و يسلم عليه و على أعمامه ثم بدأ يسلم على أبناء عمّه و إخوته ..
انتهى منهم ليجلس على يمين جده براحة .. يكبح ابتسامه لؤم و هو يستشعر الحقد في تلك العينين .. لحظات قبل أن يميل لجده أمام أعين الحاضرين و يتهامسان مطولا قبل أن يقهقه جده بحبور و عينيه تشعان بمكر و قسوة ..
فيقول هو بصوت جهوري ..
- الغـــــــدا يا يماعة الخــــــــير ..
كان الغداء كغيره كل خميس .. لم يختلف شيئا فيه .. المناقشات المعتادة و الأحاديث التي تعاد ..
مر الوقت بسرعة و هما يتصارعان بالنظرات .. هو لا يلقي له بالا و يصد نظراته الحاقدة ببرود .. و ذاك يشتعل غيرة و هو يحتقر هذا المغرور .. كم سيبرد غليله لو استطاع سكب قدر الحساء العملاق على رأسه ..
انفضوا بعد الغداء بسرعة مجيئهم .. لا عجب فالجميع مشغولون و تلك الساعات المستقطعة من أوقاتهم الثمينة لكي يجتمعوا بها ،،، راحت هباءً و هم في انتظار حفيد العائلة الأكبر .. الذي لم يكن ينوي سوى تضييع المزيد من الوقت .. كي يصل متأخرا لهذه الاجتماعات التي يكرهها ..
نفض هذه الأفكار المتزاحمة عن ذهنه و هو ينفض رماد السيجارة بهدوء ..
- بيقتلك هالسم لي إنته تتنصخه ..
التفت بسرعة نحو صاحب الصوت الجهوري .. ليقف على قدميه باحترام و هو يقول بهدوء ..
- تعرفنيه ما أدخن إلا نادرا ..
هز جده رأسه بحكمه و هو يتقدم نحو المكتب ليستوي على المقعد ذو الظهر العريض ..
- يوم تكون ضايق .. شوه لي فخاطرك ..
- اقترب من النافذة .. طوله الفارع و عرض منكبيه يكاد يسد فتحتها العريضة .. و هو يقول بصرامة ..
- الصفقة هاي يبالها تركيز .. و تعرفينيه أتنرفز يوم يكون ورايه أشغال مهمة ما قضيتها ..
- بس هذا ..؟!
هز رأسه ببطء و هو لا يزال ينظر للباحة الأمامية المزروعة أمامه و هي تمتد حتى السور البعيد لحدود أملاكهم ..
.
.
كان يدير له ظهره و هو يبدو غارقا في أفكاره ،،، أنفاس سيجارته الذاوية تتصاعد ببطء ..
قبل أن يقترب ليدس السيجارة المشتعلة في المنفضة .. و جبينه لا زال معقودا .. يبدو ذهنه بعيدا أميالا عن هنا ..
رفع فجأة عينيه الحادتين ليلتقي بعينيه .. هذا هو الرجل الذي كان تربية يده و أفكاره ،، و أهدافه ..
و رغباته أيضــا ،،
قال بهدوء و هو يمعن النظر فيه ..
- إلا ما قلتليه ..، ما فيه أخبار عن عميه حمد ..؟!
التوت شفتيه بسخرية مريرة .. ابنه هذا .. شوكة في الخاصرة .. لا أحد ،، لا أحد البتة قد يستطيع أن يتحدث معه عن ابنه هذا باستثنائه هو .. حتى أبناءه يتجنبون الحديث عن أخيهم البعيد ذاك خشية إغضابه .. و لكنه لا يبالي ..!! يتحدث عن الموضوع و كأنما يتحدث عن الطقس ..
نظر له بعين ثاقبة لبرهة .. قبل أن يقول بهدوء ..
- ماشي أخبار عنه .. آخر مرة سمعت بها عنه يوم ملكتك و الرمسة لي يبتها وياك ..
ثم رفع رأسه و هو يرى البرود لا زال يكسو وجه حفيده ..
- اعلومها حرمتك .. ما يبت شي من أخبارها ..؟!
شخر غيث ساخرا و هو يستدير متوجها نحو الباب ..
- اعلومها من اعلوم أبوها .. لا يوم الملكة و لا قبلها و لا عقبها .. ما عرف منها غير اسمها .. كانيه ما نسيته ..
عقد الجد جبينه ،،، شيء ما لم يعجبه في نبرة حديثه ..!!
هذا قد يهز خططه المرسومة .. رفع بصره ليرى غيث قد وصل للباب يمسك بقبضته ليقول بهدوء قبل أن يخرج ...
- الين اليوم مادري ليش طلبتنيه أخطبها .. و انته هب راضي على أبوها ..
انقبض فك العجوز و هو يقول بصلابة ..
- غيث ..
اعتدل حفيده في وقفته و تصلب جسده الفارع .. متأكد بأن هذه النبرة لا زالت ترهبه .. و يحترمها ..!
تابع يقول بهدوء متوعد ..
- هاي حدودك لا تتعداها ..
.
.
كان شيء ما يلمع في أفق عيني ذاك الرجل و ابتسامة ماكرة تناوش شفته ..
حقا يقلقه أحيانا حفيده هذا ..!!

* * * * *

في اللحظة التي دلف فيها البيت هب الجميع يقفون بجانب بعضهم البعض .. يسلمون عليه بالتوالي ،، فيما هرعت زوجته للمطبخ لتحضر غداءه .. عادوا يجلسون بجانب بعض قبالته ،، فيما شمر عن كمّه و هو لا يزال ساكتا .. لا يعود من عمله إلا و قد أنهكه التعب .. لا يجد في داخله الرغبة لتبادل الأحاديث معهم ..
كانوا يراقبونه بصمت يخالطه رهبة حضوره .. اعتاد منهم هذا التعامل .. كان يتناول غداءه بصمت رهيب ..
أنهى غداءه وسط سكوتهم .. قبل أن يرفع صوته الأجش آمرا ..
- حور .. نشي هاتيليه ماي بغسل إيديّه ..
قالت بخنوع ..
- إن شا الله ..
و هرعت تجلب وعاء ماء يغسل يديه فيه ..
نظر لابنه الوحيد الذي يجلس بين شقيقاته الست و أمهن .. شعر بضيق شديد لمرآه يجلس بين الفتيات فصاح ..
- نايـــــــف ..
انتفض ابنه بذعر ليرى أبوه يعقد جبينه بغضب ..
- نش ذاكر و إلا إذلف إيلس في الميلس ..
صمت الجميع و نايف يهب مسرعا للتوجه إلى كتبه رغم أنه قد أنهى المذاكرة للتو .. و لكنه ليس مستعدا أن يعصي أباه ليكون ضحيّة - عقاله - ،، أبــــــدا ..
أحضرت حور وعاء الماء ليغسل يده فيه بضيق ،، هكذا يكون مزاجه دوما بعد عودته من العمل .. ثائرا ..
من الإرهاق و جسده الذي شاخ و لم يعد يحتمل ضغط الأثقال التي يرميها على أكتافه ..
إنتزع عمامته الذي كان يربطها على رأسه ،، مصفرة من الغبار .. و العرق ..
و رماها أرضا و هو يقول لحور بجفاف ..
- إغسليها ..
هزت رأسها ..
- إنشا الله ..
هب واقفا و توجه لغرفته ليأخذ قيلولة قصيرة قبل صلاة العصر .. فالتقطت حور العمامة و وعاء الماء و هبت عفرا لكي تأخذ صحن الغداء الذي تركه والدها ..
وضعت الوعاء في المطبخ و قامت عفرا بغسل الصحون ثم توجهت مع إخوتها لغرفتهن المشتركة كي يواصلن المذاكرة .. جميعهن السبع فتيات يرقدن في غرفة ضيّقة فيما أصبحت الغرفة الوحيدة المتبقيّة لنايف وحده ..
غسلت عمامة أبيها القذرة .. و نفضتها لتعلقها على حبل الغسيل .. جيد ستجف قبل غروب الشمس ..
هذه العمامة التي تحتضن جهود أبيهم ،، تعبه ،، سعيه لإعالتهم ..
مدت يدها بحنان لتلامس العمامة .. لا يهم كيف يعاملهم أو كيف يقسو عليهم .. لا يهمها حقا ما تسبب لها من أذى حين أجبرها على ما لا تريد ..
يكيفيها بأن والدهم و أن لا يساوون شيئا دونه ..

* * * * *




كانت هذه خطوة البداية ،، و حتما للحديث بقيّة
إنتظروني كل خميس بإذن الله .. سيكون لنا لقاء هنــا





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 21-06-16 الساعة 08:27 PM
لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 09-05-15, 01:14 PM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الخطـــــــــــــــوة الثانيـــــــــــــــــــ ـة
} ..




[.. خطوات تلتمس طريق البداية .. ]




.
.
.


في غياهب ظلمات النعاس صوت الطرقات يشق السكون الخامل .. ينتشلها من رقادها بقوة .. لترفع رأسها بتعب من على المخدة و شعرها الجاف يسقط على وجهها .. فتتذمر بصوت أثقله النعاس ..
- امنووووووووه ..
كانت تلك أمها التي صاحت بها و هي لا تزال تطرق الباب بقوة ..
- رويييييض نشي و صلي العصر لا تطوفج الصلاة ..
هز رأسها الثقيل تنفض النوم قبل أن تقول ..
- انزيييييييييين خلاااااااااص ..
سكون أعقب الكلمات لترتمي مجددا على السرير .. خمس دقائق فقط ثم ستصلي .. خمس دقائق .. تقلبت على الفراش الوثير .. و راح جفناها يثقلان .. قبل أن تجفل بفزع حين عادت الطرقات تلح على بابها بقوة ..
- روووضووووه نشي صلي ..
مسحت وجهها بتعب ..
- نشييييت .. و الله نشيت ..
ألقت نظرة على ساعة الحائط لتجد xxxxبها تشير للرابعة و النصف .. فدفعت عنها غطاء السرير متوجهه نحو الحمام لتتوضأ .. تخطو على أرضيته الرخامية الفخمة ..
أدارت الصنبور ليتدفق الماء الدافئ بقوة تحويه بين يديها لتنثره على وجهها البارد فتسترخي قليلا ..
كان اليوم متعبا للغاية ،،، المزيد من المحاضرات .. المزيد من الواجبات المنزلية .. ثم تأتي إلى البيت تنشد الراحة لسويعات قليلة فلا تجدها ..!!
تنهدت و هي تتوضأ ببطء .. قبل أن تخرج لترتدي ما يناسب الصلاة و تلف غطاء رأسها بإحكام ..
ترفع يديها لجانب رأسها .......
- اللـــــــــه أكـــــــــبر ..

* * * * *

تشد الغطاء لرأسها بقوة و هي تتمسك بثوب أختها الكبرى .. فيما راحت أختها الأخرى تسحب طرف الغطاء ..
- أقوووووولج خوزي أخيرلج .. و الله تتصفعين ..
صاحب الصغيرة باكية ..
- حووووووووور قولي لهنـــــــــــد .. أنا حجزت المكان قبلهااا .. أبا أوقف عدالج ..
صاحت هند بقسوة لا تظهرها إلا نادرا ..
- مزنووه خوزي أخيرلج .. عطيتج ويه أنا أوقف كل يوم عدالها في الصلاة ..
أغمضت حور عيناها لبرهة قبل أن تنهرهما بقوة ..
- بس إنتي وياها راحت علينا الصلاة و انتن تظاربن .. مزنووه شتبين بالوقفة عداليه ..
ضربت الأرض بقدمها ..
- ما أسمعج يوم تقرين ..
اتسعت عينا نورة بدهشة و هي تضحك ..
- يالخراطة أنا آخر وحدة و أسمعها .. - ثم غمزت بخبث - قولي إنج تبين عدالها يا الياهل ..
- أنا هب ياهل .. حور ما أسمعج .. ليش هندووه كله توقف عدالج .. و لا مرة قد وقفت عدالج ..
صاحت عفرا بإحباط ..
- فكنا وحدة توقف عسب نصلي .. ما ترزا علينا صلاة الجماعة كل الحسنات تروح في ظراباتكن .. يا الله حور عنديه إمتحان أبا أذاكر ..
تنهدت حور و هي تقترب من هند ..
- هند خليها توقف عداليه هالمرة .. حرام عليج .. راعي ختج الصغيرة .. ليس منا من لم يعطف على صغيرنا ..
كانت وجه هند واثقا و هي تقول ببرود ..
- و من لم يحترم كبيرنا وين راحت .. ما يخصنيه أنا هذا مكانيه كل يوم أصلي عدالج ..
كانت دانة تشير للمها و تشرح سبب تأخير صلاتهن .. فاقتربت من حور و هي تشير لهن ..
- سوعه .. صلاه أووح .. أكاني .. أكاني ..
التفتت حور لمزنة بغضب ..
- يا الله تعالي من الصوب الثاني مكان مهاوي .. و إن ما خليتي حركات الدلع هاي بسنعج .. راحت الصلاة و السبة دلعج ..
تحركت مزنة بفرحة لتقف بجانب حور و كأنما لم تسمع توبيخها .. اصطفن جميعا جنبا إلى جنب تؤمهن حور .. التي نهرت مزنة مرة أخرى ..
- قذلتج ظاهرة .. دخليها ..
عادت مزنة تلف غطاء رأسها على وجهها الطفولي الصغير ..
قبل أن تنتهي و تنظر لحور بابتسامة بادلتها إياها رغما عنها .. قبل أن تنظر للأمام و تخفض عينيها ..
- اللـــــــــه أكـــــــــبر ..

* * * * *

تنزل درجات السلم ببطء و هي تتثاءب بإرهاق .. لازال الإغراء قويا بأن تعود لتستلقي على فراشها الدافئ الوثير في ظلمة غرفتها و برودة مكيف الهواء ..
و لكن بمجرد أن وصلت منتصف السلم حتى طارت تلك الأفكار آخذةً معها ما تبقى من رغبة بالنوم و هي تتوقف في مكانها بذهول .. عينيها تتسع شيئا فشيئا و هي تمعن النظر في ذاك الوجه الصارم .. ابتسمت بحب و احترام و هي تسارع بالنزول .. و وجهها يشع فرحا برؤيته .. حتى وصلت إلى حيث استرخى على الأريكة ..
- السلام عليكم ..
رد ابتسامتها بهدوء و هي تنحني لتسلم عليه ..
- و عليكم السلام و الرحمه .. مرحبا بالشيخة روضة ..
جلست بجانبه و هي تقول ..
- لمرحب بااقي .. شحالك غيث ..
- بخير الله يعافيج .. اشحالج انتي .. و اعلوم دراستج ..
- لعلوم طيبة تسرك و ترفع راسك .. وينك معاد ييت البيت .. تولهنا عليك ..!
وضع يده على يدها يشد عليها ..
- مشغول فديتج .. وينها شيخة ..؟!
هبت واقفة تلتقط دلة القهوة من على الطاولة التي أمامها و تصب فنجانا له .. تمده باحترام ..
- مادريبها يمكن تصلي ..!
التقط الفنجان ليرتشفه دفعة واحدة ..
- سيري شوفيها .. أبا أسلم عليها قبل لا أظهر ..
هزت رأسها بطاعة لتنطلق بسرعة إلى الأعلى .. فيما خرجت أمها من المطبخ متوجهة إلى حيث يجلس هو ..
- حيا الله من يا ..
نظر غيث لزوجة أبيه و هي تجلس بوهن على الكرسي المقابل ..
- يحييج و يبقيج ..
- شحالك فديتك .. رب الشغل هب تعب عليك عقب الإدارة ..
أجابها بهدوء ..
- لا هب تعب ..
قالت بحنان ..
- يدتك شحالها ..
- طيبة ما عليها باس ..
دوما يبتر أطراف الحديث ،،، صمتت للحظة .. قبل أن تعود فتقول ..
- غيث ابوية .. طفت الثلاثين ما تبا تعرس ..
نظر لها غيث بسخريه و هو يكبح ضحكة فظّة ..
- أنا معرس عموه ..
عقدت جبينها لوهلة قبل أن تتذكر ثم يزداد الجبين إنعقادا و هي تقول بشيء من الضيق ..
- بعدك تباها بنت عمّك ..
رفع أحد حاجبيه متسائلا بغرور ..
- هيه بعدنيه .. حد قالج غير هالرمسة ..؟
هزت رأسها نفيا و هي تقول ..
- لا .. يا غير لك سنة و شي مالك عليها محد ياب طاري العرس ..
لم يرد على هذا السؤال و كأنما لا يستحق ذلك .. ظل وجهه الجامد ينظر للأمام .. فعادت تقول بشيء من التوتر ..
- كانك ما تباها ،، من اليوم نخطبلك شيختاا ..
نظر لها بشيء من البرود و صوته الصارم يتساءل ..
- شوه عموه .. شايفة شي ع البنية ..
هز رأسها بسرعة تنفي ذلك .. و صوتها يتضاءل ..
- لا حشى .. بس ....
استرخى أكثر في مقعده و التقط كوب الماء يرتشفه ببطء كأنا وجد في ارتباكها ما يسليه ..
- بس شوه ..؟!
عقدت جبينها و هي تقول بسرعة ..
- انته تعرف إن أمها صمخه و ختها بعد .. يمكن عيالك ييون شراتهم ..
كاد غيث يختنق بالماء الذي يشربه .. أبنــــــــــاءه ..!! لم يفكر بشيء كهذا ،،، الزواج ليس من أولوياته .. و لا يهمه .. آخر ما يريده الآن هو تضييع الوقت في دوامة تفاهات نسائية .. رد بقسوة و عينيه تتسلطان على زوجة أبيه المهزوزة ..
- البنت عايبتنيه و لو أمها بكما عميا ما تشوف .. أنا تخيرتاا لنيه أباها .. و صكي السالفة ..
انتفضت تحت وطأة كلماته و نظراته القاسية .. و وضع هو الكأس الفارغ على الطاولة بقوة .. لا يهمه أن يكذب فهو معتاد على ذلك .. و لكنه يجد فائدة من هذا الزواج ،،، على الأقل لا يزعجونه بطلبهم منه أن يتزوج كما كانوا يفعلون مسبقا .. رغم أن والده وجد وسيله يضغط بها عليه بعد أن استلم إدارة الشركة الجديدة .. و هي حثه على تحديد موعد الزواج ..يسانده في ذلك أعمامه الثلاثة .. و إبن عمه فهد .. شعر بالبرود يسري في صدره و هو يتذكر نظراته الحاقده على الغداء هذا اليوم .. قست ملامح وجهه أكثر قبل أن يرفع عينه نحو الاثنتين اللتان تنزلان الدرج بسرعة .. اغتصب ابتسامه فاترة صغيرة يستقبل بها أخته التي لم يرها منذ ما يقارب الأسبوعين ..
- مرحبا بشيختهم ..
سلمت عليه بأدب و جلست بجانب أمها .. قبل أن تقول بصوت خشن نوعا ما ..
- لمرحب بااقي .. شحالك ..
قال بسرعة و هو ينهض من مكانه ..
- حاليه طيب .. شعندكن .. ساعة لين تنزلين تسلمين ..
ارتبكت شيخة و هي ترد ..
- لا بس كنت أصلي .. ايلس .. ما شفناك ..
قال بهدوء ..
- مستعيل .. مرة ثانية ..
اقتربن يسلمن عليه مرة أخرى قبل أن يدير ظهره لهن متوجها للخارج ..
في اللحظة التي خرج تجاوز فيها الباب خارجا .. تنهدت أمهن بشيء من الراحة ،،، وجود ابن زوجها الأكبر دوما يرهبها و يربكها .. التفتت لابنتها الصغرى تنظر إليها شزرا ..
- ما شا الله عليج .. غادية حرمة .. ما نشوفج ترتزين بالكندورة إلا يوم خوج هنيه .. و الا صراويلج ما تخلينها ..
أدارت لأمها جانب وجهها .. ليست في مزاج للرد عليها ..
زفرت بضيق و هي تستشعر محاضرة ما قادمة في الطريق ..
.
.
.
في اللحظة التي خرج فيها من الباب وقعت عيناها على السيارة التي دلفت للتو من البوابة الرئيسية متوجهة ببطء نحو الفيلا .. اشتد فكه بقسوة و هو يرى أخيه الأصغر منه سنا يترجل منها دون أن ينتبه إليه .. فهتف بحزم ..
- حامــــــــد ..
أجفل بقوة قبل أن يلتفت لأخيه الأكبر الذي يقف أمام باب البيت كالوحش المستعد لأن يفتك به .. صفق باب السيارة بسرعة ثم اتجه نحوه ليسلم بقلق ..
- مرحبا و الله .. السلام عليك بو سيف ..
لكن غيث لم يرد سلامه .. قال بصوت يقطر جليدا ..
- وين كنت اليوم ع الغدا ..؟
جال ببصره متجنبا التقاء بعينيه الحادتين ..
- كنت معزوم عند الشباب ..
صمت يمر للحظات قبل أن يهز غيث رأسه بهدوء و يقول بصوت صارم ..
- لو ييت يوم الخميس مرة ثانية و لقيت الرياييل كلهم ملتمين إلا انته .. ما تلوم إلا نفسك ..
ثم قبض على كتفه بقوة ساحقة و هو يصر على أسنانه بغضب ..
- سمعت ..
هز حامد رأسه بارتباك ..
- إن شا الله ..
تركه و هو يأخذ نفسا عميقا ..
- شوه مسوي في الشركة ..
- الدوام طيب ..
هز رأسه بجمود ..
- فهد مأذنك ..؟!
هز رأسه بلا ..
- ما يروم و أبويه في الشركة لي شرات ما له .. هب عبده يتأمر عليّه ..
نظر له غيث بقوة ..
- لا تيلس تتعنتر .. فهد يتصيّد لك و بيدور أي شي عسب يستفزك ..

* * * * *

أضافت ورق الشاي على الماء و هو يغلي تراقب تقلبه ببطء و لونه يتحول تدريجيا إلى الأحمر .. قبل أن تطفئ الموقد و تضع الإبريق في الصحن الذي وضعت به الأكواب و توجهت نحو الباحة الأمامية الصغيرة التي كانت مصبّه إسمنتية قاسية فرشت عليها قطعة حصير بالية ،،، تصل هناك لتجد والدها و قد سند ظهره على الجدار و مدد قدميه للأمام متكأ على مخدة ثقيلة .. جلس نايف بجانبه يقرأ شيئا من كتابه بصوت عالٍ و أبوها يهز رأسه مستمعا و أمها جالسة بقربه و تلعب بشعر رأس مزنة الملقى في حجرها .. و مقابله استرخت المها و بيدها كتاب ما لم تتبينه .. فيما تقطع عفرا الجدار الذي يحتوي الباب .. ذهابا و إيابا و هي تردد متمتمة ما تحاول حفظه .. لم تجد لدانة أو نورة أثرا لابد أنهما تستذكران دروسهما بالداخل ..
تعلم جيدا بأن الأولى تتضايق من الإزعاج أثناء استذكار دروسها .. و الثانية لا تجد بدا من ملازمة شقيقتها ..
وضعت الصحن على الأرض و راحت تسكب الشاي في أكواب و توزعه .. مدت الأول لأبيها و هي تحدثها ..
- عفاري ،، جاهي ..
أشارت بيدها ..
- لحظة بس ..
و تابعت سيرها و هي تدس وجهها في الكتاب بلهفة ..
التفتت للمها و مدت لها كوبا من الشاي ثم لامست ركبتها برقه لتنبهها ...رفعت رأسها عن الكتاب بانتباه ..
- أشكووورااه ..
وضعت حور يدها على صدرها بابتسامه .. ثم راحت ترتشف الشاي ببطء ..حرارته تلذع طرف لسانها ..
و هي تراقب وجه أمها المستدير .. فكرت بأن أكثر من يقاربها شبها هي المها و هند .. غريب في حين أنا المها هي الوحيدة التي ورثت عاهتها .. في حين اكتفت هي و بقيّة البنات بلون بشرتها الأبيض و مال نايف للون أبيهن ..
ابتسمت حين فكرت بأن المها أيضا تملك ملامح مشتركة مع أبنــاء خالتها و بالأخص مايد ..!
أدارت طرف إصبعها على حافت الكوب ،، اشتاقت له كثيرا .. مر أسبوع طويل لم تره فيه .. رغم أنه وقتا طويل مر و لم ترى أحدهم خلاله إلا أنها لم تعتد منه أبــدا غيابا طويلا كهذا ..!
تعلم أنه منشغل بالبحث عن وظيفة ،، و أنه يحاول جاهدا إيجاد عمل له بعد أن تخرج بشهادته المتواضعة تمنت له التوفيق من قلبها ،،، و فكرت بأن ترسل له رسالة نصية عبر هاتفها ذاك كما اعتادت ..هبت واقفة على قدميها فسألها أبوها ..
- وين ..؟؟
ارتبكت و هي تقول له ..
- بسير أشوف البنات داخل و رادة ..
هز رأسه موافقا و هو يطلب من نايف أن ينهض لكي يمشي على ساقيه المتورمتين من الوقوف ،، دوما يكون والدها أكثر هدوءا في العصر .. يشرب الشاي .. و يقوم نايف بتدليك قدميه بالمشي عليها .. لا تعلم حقا كيف يحتمل ثقل إبنه على قدميه ،،، لا بد أنه يشعر بتعب شديد حد التبلد ..!
دفعت باب غرفتهن المشتركة لتجد نورة و قد انبطحت على بطنها و هي تهمس بصوت خافت و عيناها على كتابها .. فيما وقت دانة أمام مرآة خزانة الملابس العتيقة .. و هي تجمع شعرها بيد واحدة و ترفعه إلى الأعلى و تدير رأسها إلى كل الجوانب متأملة .. تنظر لها حور بعجب ..
- شوه تسوين ..؟
التفتت لها دانه ..
- أتخيل شعري قصير .. شوفي كيف بيظهر شكلي ..!
هزت حور كتفيها فلم يبدو لها أي فرق واضح و هي تشد شعرها الطويل إلى الأعلى ..
- عادي ما شي تغيير ..
تركته دانة و نفضت رأسها ليتناثر شعرها حول وجهها ..
- لنيه ما قصيته .. بس تدرين شوه .. حلو الطويل ما أتخيل عمريه قاصة شعريه ..!!
شخرت نورة باستهزاء ..
- تتخيل بعد ،، أقول ماما .. حتى التخيلات إنسيها لا يسمعج أبويه و يلعن خيرج ..
عقدت دانة جبينها ..
- تبالغين ،، هب لهالدرجة .. حور .. حلو الطويل صح ..
حور و هي تبحث تحت أكوام الأغراض المتزاحمة في خزانتها الخاصة ..
- هيه حلو ..
عادت دانة تنظر للمآة ..
- تخيلي شعريه كيرلي .. أووف بيطلع رهيب ..
أخرجت حور رأسها للحظة من الخزانة باستفهام ..
- شوه كيرلي ..؟!
- يعني ملتوي شرا الفير .. صح نوري ..
نورة و عيناها لا تزال تتجول على أشطر كتابها ..
- حمدي ربج إن شعرج و شعر خواتج طالع على أمايا .. تخيلي وارثين كشّة أبويه و نحن ما عدنا استشوار ..!! ما تخيل ،،، بتشوفين بنات المدرسة ييزن منه ليف لمطبخهم ..
ضحكت دانة بقوة ..
- واايد تبالغين .. بعدين ابوية هب لهذاك الزود شعره خشن .. بس صدق حلو إن شعورنا طالعه على أمايا .. نايف مسكين يمكن يطلع على أبوية .. صح حور ..؟!
ما زالت تنثر أكوام الأغراض بلا كلل .. و ذهنها مشغول بغير ما تقول دانه ..
- هممم .. هيه ..
- أونه هيه .. انتي ما تسمعينيه .. شوه تسوين ..
تأففت حور بضيق ..
- أدور التيلفون ..
استوت نورة جالسة بلهفة ..
- بتظهرينه ..؟؟؟
وقفت حور بعيدا عن الخزانة و هي تلقي نظرة شاملة .. أين وضعته يا ترى ..!
- لا بس بطرش مسج لمايد .. بس مالقيته ..
قالت نورة بحماس ..
- بدور وياج حور ..
نظرت لها شزرا ..
- مشكورة خلج في كتبج ..
لوحت نورة بيدها بضيق ..
- هاي يزاتيه انيه أبا أساعدج ..
طرقعت بإصبعها و هي تتذكر مكانه ..
- انتي ما تساعدينيه لوجه الله .. يا غير بتناشبينيه .. الا ربيعتيه .. أو بنت صفي .. و مس كول بس .. تأذين الواحد ..
ضحكت دانة بهدوء و هي تعقد شعرها على قمة رأسها .. و تلتقط كتابها من حقيبتها المرمية على طرف فراشها ..
- عطوووووها .. لقطي ويهج نوري .. بعدين أي مس كول .. صدق ويه فقر ،، حبيبتي رقمها خط ..
ألقت نورة عليها نظرة متكبرة ..
- جب زين ..
أخرجت حور رأسها من الخزانة بفرحة .. و هي ترفعه بين يديها ..
- لقيته ..!
تركت دانه الغرفة و هي تلوح بيدها ..
- مبروك ..
.. فيما أعادت نورة رأسها لكتابها .. جلست حور على الفراش الأقرب لها و هي تنظر إليه .. منذ مدة طويلة لم تخرجه من مكانه .. نظرت للجهاز الذي ما زال جديدا لندرة استعماله و شاشته اللامعة .. و مر ببالها صورة زوجة أبيه و هي تقدم الكيس لها بفتور في تلك الليلة .. نفضت الصورة بسرعة ،،، لم تكن تلك أفضل لياليها على الإطلاق .. الحقيقة أنه بعد تلك الليلة لم يتغير شيء في حياتها أبدا باستثناء امتلاكها لهذا الهاتف و طقم المجوهرات التي احتفظت به أمها لها .. حياتها ما زالت تسير على نفس المنوال و هذا مريح لها جدا .. فبالنسبة لها كان الضغط كبيرا لكي توافق على الزواج .. ابتسمت ساخرة .. زواج ..!!
غريب .. هي لا تعرف هذا الزوج أبدا .. لو رأته يمشي في الشارع لن تتعرفه .. هذا رائع . فبهذا نالت مرادها .. تكون متجاهَله و مرمية أفضل من أن تكون بعيدا عن إخوتها و أبويها .. و تجد نفسها وسط مجموعة من الأقرباء لم تصادفهم طوال حياتها و الحديث عنهم محرم عنهم بين هذه الجدران ..! من يستطيع إخبارهم عن أولئك الأقرباء المجهولين ..؟؟ أمها ..؟! مستحيل هي نفسها لم تصادفهم .. أبوها ..؟! انتفضت بذعر لمجرد التفكير في سؤاله .. سيخنقها بيديه .. فموضوع أهله هذا جرح مكشوف ليست مخبولة لتذر عليه الملح و تثير جنونه .. لربما كانت أمها نورة تعرف شيئا عن الموضوع ..؟؟
- شوه تسوين تخاطر عن بعد .. ليش تتأملين التيلفون ..
لم تدر حور بالا لتعليق نورة ،، و صوت طنين الهاتف يرتفع معلنا وصول رسالة جديدة ،، ابتسمت بحب هذه من أحد إخوتها .. فلم تضف أيّة أرقام لهذا الهاتف باستثناء أربعة .. إخوتها الثلاثة و رقم أمها نورة .. حتى رقمه هو لا تعرفه ،، و تكاد تكون متيقنة بأنه لا يعرفه هو الآخر .. و إلا لما لم يحاول الاتصال إلى الآن ..!
كانت الرسالة من وديمة .. قرأتها على عجل قبل أن تبتسم بهدوء ،، لتختار إحدى الرسائل الأخرى من الهاتف و تعيد إرسالها لها ..
تفتح صفحة جديدة الآن تبتسم بشغب و هي ترص أحرف العتاب على شاشة هاتفها ..
لحظات ،، تضيف إسمــه ..
إرســـال الآن ..
.
.
و فتح الباب على إتساعه لتنتفض بذعر هي و نورة .. عقدت جبينها بعصبية و هي تنهرها بحدة ..
- ما عندج اسلوب .. خشعتي الباب ..
هزت دانة رأسها ..
- سوري سيس .. ويايه ضيوف ..
و تنحت جانبا .. سامحه لها بالدخول ،، سدت بجسدها النحيل الباب ترتدي - الكندورة - و الحجاب الأبيض العريض الذي غطى و جهها و نصف جسدها .. تزيله بهدوء و هي تقول بمرح ،،
- السلام عليكم ..
اعتدلت نورة بسرعة جالسة .. و هبت حور واقفة بترحيب ..
- مرحبا فطوم .. و عليكم السلام و الرحمه ..
وضعت الكيس الذي تحمله بيدها على السرير الأقرب و سلمت على حور و نورة ..
- لمرحب بااقي حواري .. شحالج ..
- ترتوب ،، و انتي ..
- زي البومب .. نورة شحالج ..
نورة تغلق الكتاب بهدوء و تضعه جانبا ..
- بخير الله يعافيج .. شحالج انتي ..
- الحمد الله ،،،
أجالت بصرها في الغرفة التي لم تكن مرتبة جدا .. فراش إحداهن ما زال غطاءه مرميا و كتب مزنة على فراشها مبعثرة ، خزانة حور التي نهضت لتغلقها مفتوحة على مصراعيها و الفوضى فيها تعلن تلقيها هجوما منذ لحظات .. ابتسمت بهدوء ..
- ياخي أحب أيلس في حجرتكن فيه جو حلوو ..
ضحكت نورة ..
- تطنزين ،، تراها مرتبة الحين .. حمدي ربج ما قد شفتيها الصبح يوم نسير المدرسة كيف تكون ..
ضحكت فاطمة .. و حور تغلق الهاتف و تدسه في الخزانة ..
- لا الحمد الله عيل .. الله رحمنيه ،، حورووه مسودة الويه ،، ليكون ترمسين عنتر من ورانا ..
قلبت حور شفتيها باشمئزاز ..
- أخيييه .. ما يقى إلا هو ..
ضحكت فاطمة بقوة ..
- أونه أخييه .. شفتيه إنتي أصلا .. سالم خوية يقول إنه غاوي ..
بدا الاستياء واضحا على وجه نورة و دانة و هن يتبادلن النظر عند ذكرها لإسمه .. في حين جلست حور بجانب فاطمة التي استقرت بجانب نورة ..
- أحيانا أشك فيه أخوج هذا أحسه هب طبيعي .. دندون .. سيري زقري عفاري و المها ..
دانة تجلس قربهن و شيء من البرود يضطرم في صدرها بعد ذكر فاطمة لأخيها ..
- عفاري تسوي جاهي و بتييبه الحين .. و المها تمسد أبوية ..
التفتت فاطمة نحو حور بعتب ..
- سبالوه ليش ما قلتيليه إن أبوج هنيه .. و الله قفطت .. أخيّل منه ..
قالت حور بلا مبالاة ..
- جب زين .. تدرين به أبوية ما يظهر مكان العصر .. و بعدين شيبه كبر أبوج .. لا تستحين و لا عندج خبر ..
دفعت عفرا الباب بقدمها و هي تتقدم بصحن يحوي إبريق شاي و أكواب و صحن من البسكويت ..
أفسحن مجالا لها بينهن و هن يتزاحمن في هذه الفرجة الضيقة ،، و نورة تقول بدهشة ...
- بسكوت من وين يبتيه ..
أشارت عفرا برأسها لفاطمة ..
- فطوم يابته ..
نظرت نورة لفاطمة ..
- تعالي كل يوم ..
قرصتها فاطمة ..
- غصبن عنج .. - ثم نظرت لعفرا - عفاري سيري جربي الفستان قبل لا نتقهوى أبا أشوفه عليج ..
هزت عفرا رأسها و التقطت الكيس المرمي على فراش دانة و توجهت إلى الحمام ..
قالت فاطمة بحبور ..
- باركن ليه ..
نورة بلهفة و هي تقضم بسكوته ..
- ع شوه .. انخطبتي .. و أنا أقول البنية توزع بسكوت .. ما حيدج كريمة ..
- إذا انخطبت بييج .. بتبرا منكن .. لا سجلت في التوطين و عقب خمس شهور .. آممم يعني بداية تسعة ببدا دراسة وياهم ..
بدت الحيرة على وجوه البنات مع دخول المها للغرفة .. ابتسمت لها فاطمة .. فردت تلك الابتسامة بحلاوة و هي تجلس بجانب حور .. فيما تابعت فاطمة بحماس ..
- هذا برنامج مسونه الشيخ خليفه عسب يوطن الوظايف .. و المواطنين لي ما عندهم غير الثنوية .. يعني شرات حالتيه أنا و الأخت حور .. يسويلهم دورة في وحدة من الجامعات لمدة ست شهور أو أكثر يتعلمون فيها انجليزي و كمبيوتر .. و يعطيهم معاش ع الدراسة .. خلاف يحصلون شهادة و وظيفة زاهبة ترقبهم .. شرايكن ..؟!
اتسعت أعينهن بلهفة ..و قالت حور بقوة ..
- الله يطول عمره أبونا خليفه .. هب مقصر و الله ..روعة الصراحة منها تتكسبين و تشغلين وقتج ..
نظرت لها فاطمة بطرف عينها ..
- انزين يوم عايبتنج تعالي ويايه ..
رفعت حور حاجبيها .. بدأ سبب هذا الخبر يتبين لها .. و كأنما عرفت فاطمة بأن حور استشفت نواياها توسلتها ..
- دخيلج حور .. تخيلي أنا و انتي ندرس رباعة .. و بعدين انتي بتحصلين فايدة بدل اليلسة في البيت .. لج أربع سنين من خلصتي الثنوية و انتي مرتزة هنيه .. لا شغله و لا مشغله .. سجلي ويايه ..
هز حور رأسها على الفور رفضا ..
- لا فطوم أبدا أبدا .. ماروم ..
مطت فاطمة شفتيها .. و الإحباط بادٍ على وجهها ..
- ليــــــــــــــش ..!
انعقدت حواجبها بعدم رضا على الفكرة ..
- وين أسير أدرس يختي .. امنوه بيتم في البيت ..؟!
هز فاطمة كتفيها ..
- أمج و المها ..!
نورة و دانة يستمعن بهدوء للنقاش فيما تراقب المها بصمت دون أن تستشف ما يجري ..
- تبينيه أخليهن بروحهن في البيت ..!! مستحيل حبيبتي .. تخيلي استوا شي عليهن ..! كيف بيتصرفن ..
تدخلت نورة بهدوء ..
- شوه بيستوي عليهن مثلا ..؟! و يعدين انتي طول عمرج تدرسين في المدرسة ما لج إلا أربع سنين من يلستي في البيت ..
نظرت لها حور بهدوء ..
- الحين تعودن يعتمدن عليّه أخت نورة .. لا ماليه بارض .. أنا ما ودرت الجامعة عسب ألقى لي يلهيني غيرها ..
تأففت فاطمة تظربها على كتفها بإحباط ..
- افف منج .. أحبطتينيه .. ع العموم قدامج خمس شهور تقررين فيها ..
شخرت حور ساخرة ..
- ع العموم ما ظنتيه أبوية بيوافق .. بيصكنيه طراق يلصقنيه في اليدار يوم أقوله بسير أشتغل مادري أدرس بمعاش ..
صمتن جميعا حين دفعت عفرا الباب و دلفت و هي ترتدي الفستان .. ثم سرعان ما ارتفعت صرخات التشجيع مع اتساع ابتسامتها و هي تدور حول نفسها مستعرضة ،،
نظرت لها حور بفرحة صادقة ،، كان الفستان قديما و قد ولت صرعته من زمن .. رغم ذلك بدا أن فاطمة قد حافظت عليه جيدا .. بدا رائعا و هو ينسدل بنعومة على طول عفرا ..
كانت سعيدة لحصولها على الفستان .. فلطالما أعربت عفرا عن خوفها من اقتراب حفلة التخرج و هي لم تحصل على رداء لهذه المناسبة بعد ،،
للحظات مر خاطر أحمق داخلها و هي تراقب سعادة عفرا الواضحة على محياها و ترى أن الفستان ملائما لها .. فكرت بأنهم قانعين و راضين بأقل القليل .. لم تعترض عفرا و لم تشتكٍ من الفستان الذي أرثته السنون و مضى عهده حتى بدا أنه سيكون رثا في عيون الأخريات ..!
لا يهم ،، كل ما تبالي به هي الفرحة بالفستان ..
كانت نورة قد بدأت تغني بصوت فظ أحدى الأغنيات و هي متحمسة .. تشاركها فاطمة ..فيما هبت دانة من مكانها تلتقط يد عفرا و تراقصها .. فضحكت بقوة و هي تنظر للمها التي لم تفارق الابتسامة شفتيها ،،
أخلت الصحن البلاستيكي من الأكواب لتقلبه و تبدأ الدق عليه بديلا عن الطبل ،، و نورة ترفع الصوت مرة بازعاج و تخفضه فجأة ،، كان الصوت نشازا بشدة و فاطمة تشاركها بغناءها الحاد .. و لكنهن لم يبالن .. عفرا و دانة يرقصن باتقان على تلك الأغنية .. و دانة تقوم بحركات مضحكة دفعت المها للانفجار ضاحكة و هي تضع يدها على فمها .. لم تلمها حور و هي تشاركها الضحك ،، فالمنظر مثير للسخريه و هي تسمع نشوز هذه الأغنيه .. فما بالها بالمها التي ترى تمايل شقيقاتها المجنون على أنغام لا تلامس مسمعها ..
.
.
و فجأة انفتح الباب بقوة ..
توقفن عفرا و دانة عن الرقص و يد إحداهن شاهقة في الهواء .. حور ضمت الصحن لصدرها بذعر .. فيما اندست نورة خلف فاطمة التي بدت تهتز ضحكا من أشكالهن و مرآهن على هذا الحال ،،
أطل برأسه من الباب و هو يقول بصوت تعمد أن يخشنه نظرا لوجود ابنة جيرانهم هنا ..
- يقول ابوية إن ما انطبيتن ،، يا ويلكن .. أصواتكن واصلة الشارع ..
تنهدت حور براحة حقيقية و هي تعيد الصحن إلى الأرض و الأكواب عليه ،، فيما شتمت نورة بعنف و دانة تصيح ..
- عنلاتك يا الهرم .. روعتنا .. تحريناك أبويه ..
ألقت عفرا نفسها على الفراش الأدنى ..و هي تضع يدها على قلبها ..
- قلبي طبول .. يمييه شوه هالرعب ..
خرج نايف من الغرفة و فاطمة تتسع عيناها ..
- خيييييييبة مسويلكن رعب أبوكن ..
هزت حور رأسها نفيا ..
- لا رعب و لا شي .. بس تخيلي أشكالنا و هو حادر في هالعفسة و بناته المخبل غاديات طققات ..
أجالت بصرها في حالة الغرفة الفوضوية و هي تقول بتفكير ..
- شرايكن نرتب شوي .. و عفرا تسير تبدل الفستان ..؟؟

* * * * *

كانت الأرض لا زالت ساخنة تنفث أنفاسها بخارا رطبا من الأرض بعد لهيب شمس اليوم ..
و الآن و قد شرعت بالرحيل .. موليةً ظهرها لأحداث النهار .. أصبحت نسائم جافة خفيفة .. تسري بهدوء على الأرض ..
تتيه في المساحات الشاسعة بين هذه الأسوار العالية البعيدة ..
تتخبط بينها ،،، فلا تجد مفرا من الدوران هنا ،، لا سبيل لحريتها ..
تجلس هي بهدوء تام .. السجادة العجمية الثمينة مفروشة على الأرض لتستقر عليها ..
و متكأ وضع لها لتسند جسدها الغض عليه ،،، مرآها بهذا الحجم و قد تضاءلت كثيرا بفعل كبر السن لا يوحي بأولئك الرجال الذين أنجبتهم ..
و أصبح لهم من الولد ما فاقهم طولا ..
هذه المرأة .. الوحيدة هنا .. إلا مِن خادمة تقف خلفها مستعدة لتلقي أي أمر منها ..
و أوعية القهوة الجاهزة المصفوفة أمامها ..
تجلس .. جسدا في هذه البقعة المكشوفة ..
و روحها تبعد أميالا عن هذه الأرض .. تسري بهدوء بعيدا عن هذه الجدران العالية ..
البـاردة ..
بعيدا عن وسع هذا المكان و خلوِّه .. بعيدا عن صور تخفيها في نفسها ..
تصارع شوقا ينخر قلبها الكبير ،،، المســـن ..
قلبها المتلوع بخفيه ..
لأيّام فقط ،، أيام ضبابية ..
مرت كغيمة محملة بقطرات ستتهاوى لتروي ذاك الجفاف الذي استبد بجزء قصيّ من روحها ..
لتلك اللحظات فقط .. اعتقدت أنها قريبة من ذاك الحنين ..
من ذاك الحلم ..
اعتقدت أنها قاب خطوة أو أدنى ..
مدت راحتيها بلهفة .. راجية .. أن تسقط الغيمة تلك القطرات ..
أن تجود بما تحمل ..
تروي ظمأ تلك السنين ،،،
و لكن الغيمة لم تفعل ..!!
أعلنت الرحيل مع إمتداد الأيــام بلا جديد ،،
مع رحيلها يوما بعد يوم .. و الحلم يصبح أبعد مما كان قبلا ..
و على ضفاف خيبة وقفت هي تشهدها ..
تلك الغيمة ..
راحلة .. تحمل القطرات .. و الشوق القديم ..
و لقاء بدا غافيا تحت أكوام التشتت ،،
لا يوقظه من سباته سوى عمر يمضي ..
مع تلك الغيمة .. إلى حيث تقبع أراضي الرحيل ..!
.
.
و على هذا الألم الذي اجترته من خافق لم يعد ينبض بغير أمل واهٍ ..
أرخت أسدال جفونها المجعدة .. المتعبة ..
معلنة رحيل تلك الدمعة ..
تعانق وجنتها الغائرة بمواساة ،،، تذوي بجفاف تلك العبرة البائسة ..
و هي تمسحها بسرعة ..
لن يراها أبدا ذاك الذي تردد الجدران الضخمة صدى صوته و هو قادم إليها ،،
قادم إلى هنا ..
ينبئها قلبها المحب بذلك ،،
و بسرعة انهمار أحزانها الغابرة تلك ،، أشرق وجهها الضئيل بابتسامة حلوة ،،
و هي تراه متجها نحوها يتحدث في الهاتف بتسلط ..
هذه النبرة .. و هذه النظرة ..
القوة ،،،
و حتى هذه الهامة العريضة ..
خطواته الواثقة .. و هو يمشي مقبلا إلى حيث تجلس ،،
ترى فيها انعكاس شباب رجل كانت تعرفه ..
رجل كان رفيق تلك الطرقات التي سلكتها في العمر السالف ..
يقف أمامها الآن و هو يغلق هاتفه بقوة ..
صوته الرجولي الخشن تترنم بصداه جدرانها ..
- السلام عليكم ..
شيء في قلبها يتضخم ،،ينشي روحها .. ينفض عنها الأحزان ..
تحبـــــه ،، إبنها أم حفيدها ..
هذا الذي احتضنت في بين ثنايا فؤادها ،، صورا عزيزة ستحملها بداخلها ما بقيت حيّه ..
صوتها يهتز بحبور ،،
- و عليكم السلام و رحمة الله ،، مرحبـــــا فديتــــــك ..
لحظات و عيناه الحادتين تمعنان النظر .. تجرد قناع الهدوء ،، لتكشف ما يخفي ..
يجلس بجانبها فيما تمسك هي - الدلة - لتصب له فنجانا من القهوة ..
- ياي من الشركة ..؟!
التقط الفنجان ،،، يتمتع بمراقبتها و هب تتوهه عما ألمّ بها في وحدتها ..
- لا ياي من بيت ابوية .. سرت أشوف البنات و أسلم عليهن .. لي أسبوعين او أكثر ما شفتهن ..
- شحالهن ..؟
هز كتفيه و هو يرتشف الفنجان دفعة واحد ،، و يمده لها ..
- بخير ما عليهن باس .. أبوي سيف وينه ..؟
تعيد ملأه..
قطرات القهوة الساخنة تتدفق من فوهة - الدلة - ،،،
- عنده شغل في المكتب .. بيخلصه و بيي ..
ابتسم لها بحنان ..
- أفااا و مودرنج اروحج هنيه ..
لم تجبه .. بل نظرت اليه بابتسامة صغيرة .. احتضنت عينه نظراتها تلك .. ليضع فنجانه أرضا .. و يقترب منها بصمت ..
يلتقط يدها الضئيلة في راحة يده الكبيرة ،، ليطبع قبلة حانية عليها ..
شيء في وجهها و هي تنظر إليه بأمل ،، شعر بأنه أهملها كثيرا في الفترة الأخيرة ..
فالشركة الجديدة أصبحت تلتهم وقته مؤخرا ،، و لكنه بذل الكثير ليصل هذا المركز ..
الكثير ..
رفع رأسه يتأمل وجهها المتأثر و دمعة هزيلة ترتعش على أطراف المقلة .. فتأوه و هو يعتصر يدها ..
- الحين بلاج يا أميه .. ؟؟
مسحت دمعتها بسرعة و هي تقول بابتسامة مرتجفة ..
- ماشي ،، بس حسيتنيه من زمان ما شفتك ..
هز رأسه بهدوء ..
- أدري إنيه مقصر يا الغالية بس الشغل آكل و شارب ويانا ..
هزت رأسها بتفهم .. و ابتلعت غصتها .. نظرت له بتردد ..
كانت تريد أن تسأله شيئا .. لكــــــــــن ،،،
لم ترد له أن يعتقد بأنها تضغط عليه .. لم ترده أن يعلم بأنها تريد ذاك ..
همست بخفوت .. و كأنما تخشى من ذاك الذي تفصلها عه الجدران أن يسمعها ..
- غيـــــــث ..
شد على كفها مجددا ،،
- عونج ..
- عانك الرحمن .. آآآ ما .. ما رمست حد قريب ..؟
عقد جبينه بعدم فهم ..
- حد مثل منوه يا أميه ..؟
قالت بخجل و شعور بالذنب يتعاظم داخلها و هي تتخيل زوجها يستمع لأسئلتها ..
- ما رمست حرمتك ..؟
للحظات لم يفهم شيئا ..!! ثم فجأة لمع الإدراك في عينيه .. شعر بشفقة هائلة و حزن غريب على حال هذه العجوز يتدفق في عروقها ..
أحمق .. أحمق ..!
كان عليه أن يدرك بأنها مشتاقة له .. تريد أدنى خبر ،، أي كلمة ..
تتلهف فقط لسماع إسمه ..
خلع - الغترة - لييريح رأسه الثقيل على ركبتها .. ماذا يقول ..؟!
أنه حتى اليوم لم يرى من يشار بأنها زوجته ..؟! أنه لو صادفها هنا لن يعرفها ..
أنها لا تعني لها شيئا البتة .. و أنها لا تشغل من حيز التفكير في دماغه المعقد شعره ..؟!
أيبوح لها بذاك السر ،، و أن أمنيتها أُستغلت من قبله بطريقة بشعة ..!!
أم يواصل الكذب كما يفعل دوما حين يتظاهر بما هو عليه ..؟!
أيحطم هذه العجوز .. أيكسر جسور الأمل البعيدة التي تبنيها يوما عن يوم ..؟!
أيحرق بقايا سفن لا تزال تطفو باستماتة على شفير اليأس ..
رفع رأسه ليلتقي بعينيها و هي تنظر له بترقب .. تضم شفتيها بقوة ..
متوترة ..!!
قال بهدوء ..
- بلى قريب رمستاا .. تسلم عليج ..!
انفرجت شفتيها عن ابتسامة حلوة ،، و هي تقول بصوت متهدج ..
- الله يسلمها ..
لم يعطها الكثير لهذه الفرحة غير المتوقعة ..!
كذبة صغيرة فقط .. ليشع وجهها سعادة ..
شعر بالذنب يكتنف روحه .. ماذا ؟؟ أيستمتع بإيهامها ..! أم أنه يفضل إزهاق حلم صامت يرى إنعكاسه على محياها ..؟
سرعان ما شتم نفسه بقوة في سره و هو يسمعها تهمس له ..
- غيث ،، ما بتييبها أشوفها ..؟!هاتها هنيه .. إعزمها .. أبا أشوفها ..! أبوك سيف ما بيقول شي لو انته لي يبتها ..
أي مأزق وضع نفسه فيه ..؟!
- ما بطيع يا أميه ..
عقدت جبينها بشدّة ..!
- ليش ..؟!
شرح لها يحاول التملص دون تحطيمها ..
- وين تيي الله يهديج .. البنت تخيّل .. و بعدين أنا بعدنيه ما خذتاا .. عسب أتحوط بها و أرتغد وياها ..
قالت بهدوء ..
- الحين هي حرمتك ع سنة الله و رسوله .. و مالك عليها .. - سحبت نفسا عميقا و هي تخنق دمعتها المتخاذلة - بس لو ما تبانيه أشوفها .. ما عليه .. ما يحتاي ..
ثم رفعت رأسها تمنع دمعتها و هي تضم طرف - الشيلة - لمقلتها ..
في تلك اللحظة شعر بأنه وغد .. بأي حق يدفع أمه للحزن .. بأي حق يضيّق الخناق على صدرها الوسيع الذي لطالما احتضن همومه ..؟
استوا جالسا و هو يحرك يده في شعره الكث القصير ..
- أفاا و الله .. كنها أم علي زعلت ..؟! خلاص يا الغالية لا تكدرين خاطرج .. و لا تضيقين صدرج .. عطينيه يومين بس و أنا برتب لج الموضوع ..
لم ترد عليه .. فقط ازداد تدفق دموعها .. فاقترب يقبل جبينها ..
- بس فديتج .. و الله ان دموعج تذبحنيه .. امسحينهن لا يشوفهن أبوية سيف ..
مسحت بقوة و هي تقول بصوت خافت ..
- الله يحفظك .. الله يخليك ..
ابتسم لها بهدوء ..
- أهم شي رضاج يا الغالية ..
انزلقت دمعتها مرة أخرى ..
- راضية .. راضية الله يرضا عليك يا حبيبي ..
.
.
عاد يستلقي مجددا و يريح رأسه في حجرها كما اعتاد منذ صغره ..
لاحقا ..
حين يختلي بنفسه ..
سيجد الوقت ليفكر بهذه المعضلة الذي ألقى بنفسه فيها ..!

* * * * *




>>




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 21-06-16 الساعة 08:29 PM
لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 09-05-15, 01:15 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



تتمـــــــة






في اللحظة التي دلف فيها ذاك المقهى المكتظ تعمد أن يصفق الباب بقوة و كأنما يريد أن ينبه الموجودين لوصوله ،، التفتت بعض الرؤوس إليه .. فيما نظر هو لابن عمه و واضح بأنه يكبح ابتسامة و عينيه تلمع بفرحة طفولية ،، تقدم الإثنان من طاولة خالية في صدر المكان .. كانت هذه خاصة بهما .. دوما محجوزة لهم .. يمر من بين الطاولات المتفرقة و الرجال يصيحون له و يلوحون من هنا و هناك ،، يبتسم و هو يرفع يده محييا ،، رؤيته لهذه التراحيب تنشي روحه .. و هذه العيون الحاقدة .. و الوجوه التي تدعي اللامبالاة بخسارة الأمس كانت تسليه .. توقف ابن عمه عند احدى الطاولات يتحدث مع جالسيها و يتبادلون التهاني فيما تابع هو السير حتى بلغ طاولتهم الخاصة ليستقر عليها بهدوء ..
يسترخي و يجيل بصره في المكان بمتعه شديدة ،، يعشق نظرات الإعجاب هذه .. هذه الوجوه المتطلعة إليه كبطل لهم .. و هذه الوجوه الكالحة .. أضنتها الهزيمة ، و الحقد ..
توقف النادل عند رأسه ليشير له بجلب بعض القهوة لهما ..
استقر ابن عمه على الطاولة أمامه و هو يقلب هاتفه المحول .. و يتذمر قائلا ..
- شيييييت .. عنلاتك يا الهرم ما تقوليه إن عندكم عزيمة الليلة ..
هز كتفيه بعدم إهتمام ..
- ياخي ما كنت أدري .. أبوية توه مخبرنيه قبل لا أمرك ..
قال الأول باحباط ..
- غيث خوية يتصل .. - و خشن صوته و هو يقول بغلظة قاسية - مابا أوصل إلا و انته هناك .. - ثم تنهد ببؤس - ماداني العزايم لي يسوونها عسب أشغالهم .. امنوها عازمين ..؟
ابتسم و هو يستمع له و هو يقلد اخيه الأكبر . الحقيقة أنه معجب جدا بذاك الرجل .. تمنى من قلبه لو أنه كان أخوه هو ..سنده و قوة شخصيته ،،، و تميزه عن بقية أبناء العائلة ..
تلك القسوة ..
و ذاك الغرور ،،،
ابتلع الفكرة الحمقاء و هو يفكر بأن شقيقه الأكبر يشكل حصارا خانقا دون الحاجة للتعذيب الذي يمارسه غيث على إخوته لإلزامهم ..
- واحد من معارف يدي.. شغلة مصالح ياخي .. بعدين لاحقين عدنا ساعتين نيلس فيها ،، ما قلتليه .. شوه السيارة لي لقيتها ...
الآن تتألق عيناه بحماس مجنون و هو يقول ..
- ما بتصدق ..! فتك 4.8 وسط .. و الموتر عليه .. Y2K TORBO .. MOTEC M 800 ..
ثم وضع راحتي يده على الطاولة و هو يرفع حاجبه بهدوء مستفز و حماسه قد انتقل لابن عمه الي انحنى للأمام باهتمام شديد ..
- المكينه فول استروكر .. ومن قوة النيسان يكسر القير .. ويخلي القراري مال القير مثل السلكس ..بوسته 2.4 بار... !!
الآن تتسع ابتسامته بجشع ..
- لا و يقولك يابوله SLR مكلرين وعليه غاز وماقدر يطوف النيسان .. و يتسابق ويا R1 .. صاروخ يا هزاع هب موتر.. و الله لا يكسرهم في السباق ..!
الآن يسترخي هزاع في مقعده ..
- و البدي يا بو شهاب ..؟!
هز أحمد رأسه بثقة ..
- بديه وكاله .. لا مخفف و لا شي ..! إلا بيبان الدبة من ورا .. شرايك ..؟!
قال هزاع بغرور ..
- ما بيطر الكاسر ..
شخر أحمد بسخريه ..
- مينون انته ..؟! الكاسر ما رامتله مواتر تيم [ مطراش * ].. بس صدق آخذه ..
عقد هزاع جبينه و هو يهمس ..
- وين بتحطه ..؟! في البيت ..؟
اتسعت عينا أحمد برعب ..
- صاحي انت ..!! لو يشوفه غيث قلصنيه به و شخطبيه ويلات في سباق الخرابيط ع قولته .. انته تدري انه محد يدري اننا نشارك في السباقات .. تدري أفكر أحطه في كراجات المزرعة ..؟ شرايك ..؟
حك هزاع لحيته بتفكير ..
- محد بيدريبه ..، الحين وينه الموتر ..؟
لوح بيده ببساطة ..
- عطيته واحد من الشباب يركب شعار التيم ،، [ Kings *].. و بعطيه شيك باكر الظهر يوم بستلم الموتر و تتحول الملكية ..
هز هزاع رأسه برضا ..
- ما تضيّع وقت ..!
ابتسم أحمد بكبر ..
- ولد عمك أعيبك ..
رفع هزاع رأسه بشيء من الغرور ..
- هيه تراك طالع عليّه ،، - أشار باصبعه السبابة لصدره بفخر و هو يردد كلام المقال الذي قرأه في الشبكة العنكبوتية بالأمس - هزاع بن سعيد شاب لم يتجاوز الثانية و العشرين من عمره .. يحتل المركز الأول للمرة الثالثة على التوالي لمصلحة فريق [ Kings ]..- ثم اتسعت ابتسامته فبدا طفلا كبيرا فخورا بما يفعل - أنا أشهد إن كينجس عينوا خير يوم دخلونيه أنا و انته فريقهم ..
أشار أحمد له بعينه ..
- خلاص لم ثمك .. مصبّح شوماخر ياي قدنا ..
ابتسم هزاع بغرور فائق ،،، و هو يغمز لأحمد منتظرا أن يصل مصبح لطاولتهم .. الصوت الأجش يأتيه من فوق رأسه ..
- مرحبا شباب ..
تبادلان النظرات .. قبل أن يردا معا ..
- هلا و الله ،،
مال يستند بيديه على حافة الطاولة و ابتسامة صفراء تتربع وجهه ..
- شحالكم ..؟
أحمد يرد و هزاع يرتشف القهوة ببرود ..
- بخير .. اعلوم ..؟
هز كتفيه ..
- أبد .. مبروك يا بو سلطان اللقب .. فرحنا لك ..
ارتفعت شفت هزاع العليا بتكبر ..
- الله يبارك فيك .. هه .. صدق و الله ،،، ماحيد [ لا تهاب *] يحبونيه عسب يفرحون ليه ..
نظر له مصبح بقوة ..
- و امنوه قال إنا فرحانين لسواد عينك ،، فرحانين لن ما يهزك تكنسل .. الوعد بينا السباق الياي ..
ابتسم هزاع بهدوء ..
- إن أحيانا ربك لين يومها .. يصير خير ..
كان التحدي يحتد في عيني مصبح .. و هو يواجهه ..
- بنشوف ..
و استدار دون كلمة أخرى تاركا المكان متوجها لطاولته مرةً أخرى ..
قبل أن يقول أحمد بهدوء غريب و هو يرفع فنجان القهوة ..
- ما حب هالمصبح .. و لا أرتاح له .. أحسه نذل ..
.
.
لم يجبه هزاع بعد تلك الكلمات ،،، و كأنما استطاع انتشالها من خاطره ..
ظل ساهما و ذكرى معايرته مصبح بعد خسارته الأخيرة تدور في ذهنه ..
لم يكن ودّه هذا مريحا ..
إطلاقا ..!

* * * * *
يده تعتصر شاشة الهاتف بهدوء و هو يراقب الكلمات التي ارتسمت على شاشته ،،، ابتسامة تتداعى أمام شعوره بالذنب ..
رسالتها المعاتبة أتت و كأنما شعرت بما ينوي عليه ..
تنهد بعمق قبل أن يزيح هاتفه جانبا .. التقط أوراقه الذي كان يفحصها للتو قبل أن يقاطعه صوت الرسالة ..
عاد يرجعها للمرة المليون .. و كأنما يخشى أن يتغير شيء فيها لمجرد وضعها قليلا جانبا ..
الآن يصفها بترتيب .. يضعها فوق بعضها البعض .. قبل أن يمسك الدباسة ليطبق فكيها الحديديين مطبقا على الأوراق ..
ليدسها في المظروف البني الذي عزم على تقديمه غدا للوظيفة ..!
أغمض عينيه و هو يضغط بيده عليها بتعب ،،
يختبئ للحظات خلف جفنيه عن هذا العالم الذي لا يسعى سوى لاستنزاف صبرهم ..!
منذ ما يقارب السنة و هو يركض يمنة و يسره باحثا عن عمل ما ..!
مر من حياته سنة ،، و هو ينبش الدوائر .. الشركات .. حتى الممتلكات الخاصة ..
لم يترك مكانا لم يقصده .. و لكنه لم يجد ،،، لم يوفق بأقل من القليل فيما يبحث ،،
و ها هي سنة من عمره قد ولّت بلا فائدة ..! ،، أيمها و جهودها راحت هباءً ..
لكنه لم يشتكي ،،، لكل إنسان نصيبه في الحياة .. و ليس عليه سوى أن يسعى له ..
حتى أسبوع مضى .. آمن بأنه سيقضي السنوات القادمة إحدى الدوائر أن تتخلى عن الخبرات الأجنبية لتجد له مكانا ..
لكن ذاك الصديق فتح في وجهه بابا آخر لفرج قريب ..
تثاءب بإرهاق و هو يفكر .. هه .. فرج قريب ..!!!
لا يعتقد بأن حور سترى الأمر بهذه الصورة .. متأكد بأن زوج خالته لن يعارض .. هذه حياته و هو حر فيما يفعل ..
و واثق بأنه مدرك ليأسه في البحث عن عمل .. و لن يمانع في ما ينوي عليه ..
و لكنه يعرفها .. قد تظن بأنه يستغلهم ليحقق مصالحه ..
أو ستراه خائنا ،،، سيخيب ظنها لعملها لدى من يعلم جيدا ما تخفي في نفسها لهم ..
زفر بضيق مفكرا بأنه سيقدم أوراقه غدا على كل حال ..
إذا قُبِل في العمل عندها سيجد طريقةً يخبرها بها عن الموضوع .. و ستتفهمه إن كانت حقا تراعي ظروفه ..
أمّا إن قوبل بالرفض ،،، و هذا ما يستبعده .. يمكنه أن ينسى الموضوع تماما و أن لا يأتي على ذكره ..
سيتحمل خيبة أمله تلك بصمت .. و يطويها في الخفاء مع ما سبقها ..


* * * * *

يجلس في صدر المجلس على يمينه جده الذي جاور ضيفهم .. و عن يساره جلس أبيه .. و قد تفرق المدعوين على وسع المجلس الضخـــم ،،،
بداية الأمر كانت الأحاديث تجتذبه لما تطرقت من أعمال تهمه .. أما الآن و قد انقلبت لحديث سياسي لا يعنيه فقد بدأ الملل يتسرب لنفسه ..
لا يتخيل أنه يضيّع وقته في مثل هذه الجلسات الفارغة في حين تنتظره أكوام الأعمال تلك ..!
و لكنه مضطر للمجاملة .. يدرك جيدا أنه سيحتاج لمعونة هذا الرجل عاجلا أم آجلا ..
فضل الآن أن يحول مجرى الحديث لما تهوى نفسه .. فقال بصوت واثق أدار بعض الرؤوس نحوه ..
- إلا ما قلتليه يا بو سلطان .. متى بتنزل مناقصة البيوت السكنية لي بتحطها البلدية ..؟!
انحبست الأنفاس و رأى بطرف عينه وجه أبيه الشاحب ،، كان سؤالا جريئا و مباشرا ..
الامتعاض لمع في عيني عمه و لكن الهدوء كان يلوح على وجه جده الذي استرخى أكثر في جلسته ..
واثق الآن أنه سيقود الحديث .. أما بو سلطان فقد ابتسم بإعجاب و هو يقول ..
- و الله يا بو سيف قريب إن شا الله .. ع شهر ستة بتكون المناقصة مطروحة ..
الآن كان الذهول هو ما تبدّا في الوجوه المحيطة ،،، الحقيقة أنهم لم يتوقعوا من ضيفهم أن يجيب غيث ..
ابتسم غيث بشيء من الإنتصار و النشوة و هو يقول ،،،
- لا قريب و الله .. زين .. زين ..
يمعن الجد النظر في وجهه و هو يبتسم بحكمة ،، نظرة التصميم هذه يعرفها جيدا ..
حتما ستكون المناقصة من نصيبهم ..
شي واحد أفسد صفو تفكيره و هو ينظر لوجه غيث الوسيم اللامبالي ..
حديثه الغير مهتم عن زوجته المُهملة لم يرح إطلاقا .. شعر بأن خططه قد تولي أدبارها مع الرياح دون فائدة ترجى ..
و لكن في داخله كان مصمما على أن لا يحدث ذلك .. سيعرف كيف يجعل غيث يستمر قُدما ..
لا زال وعد بينهما لم ينجز ،،، متأكد بأن حفيده الذي صنع منه هذا الرجل لن يخلفه ..
هذا ليس من شيمه .. أبــــدا ..!
.
.
.
على مقربة منه صر هو على أسنانه بغيظ ،،، دوما محط الأنظار .. دوما ذاك الغرور ،،، دوما ينال ما يريد ..
كان يتأمل وجهه القاسي بحقد و هو يرى لمعة المكر في عينيه ،،
يعلم جيدا إلى ما يسعى بتقربه من بو سلطان .. و لكنه لن يسمح له بذلك .. سيعرف كيف يوجه له ضربة قاسية تصيبه في مقتل ..
كل ا يحتاج إليه وسيلة ملتوية ..
واحدة تشبه تلك التي احترفها ذاك المنافق ليجني ما تحت يده الآن ..
يعلم جيدا أنه لا يتوانى عن فعل أي شيء للحصول على ما يريد ..
و يدرك أنه على استعداد تام ،، للدوس عليهم جميعا من أجل مصلحته ..
لا مكان للعواطف أمام الأعمال في نظره ،،، لذلك هو يكرهه .. يكره نجاحه .. غروره ..
و انبهار كبار العائلة به ..
يكره هالة القوة التي تلفه أينما كان ،،، و يكره تلك النظرة المستصغرة التي لطالما وجهها إليه ،،
قريبا جدا سيثبت له أن فارق العمر بينهما لا يعني شيئا ..
سيعلمه كيف يرفع أنفه في وجوه من حوله ..
.
.
.
ابتسم بإعجاب و ذهول و هو يقول بحماس ..
- و الله ما فينا إلا غيث .. بالله عليك طالع كيف يرمس .. تقول شيخهم .. الثقة تسوي العجايب ..
ابتسم إبن عمه بفخر ..
- شوه تبا .. طالع ع خوه ..
نظر له هزاع شزرا ..
- أقول .. إرحمنا بس .. قال أخوه .. انته لو توقف عنده بيقولون مطيرزي ..
عقد أحمد جبينه في ضيق ..
- محد غيرك يا الهرم .. أنا مطيرزي .. أقول تعرف من المطيرزي ..
ابتسم بخبث و هو يشير بعينه للأمام ..
- حارب خوك .. و الله انه نكته .. شكله تعب من صب القهوة ..
قال هزّاع بقوة ..
- خله يتعلم ع ميالس الرياييل .. كلنا يوم كنا فعمره نصف طابور كل واحد يستلم دلة ..
ضحك أحمد ..
- هذا آخر نفر فينا .. بيبطي يصب الين ما يشرفون أحفاد الشيبان .. طالع سيف مع منوه يالس .. أقول ياخي ما فتشتوه أخوكم هذا عند الباب .. عادي يي لابس حزام ناسف ..
شاركه هزاع الضحك و هو يتأمل وقار لحية أخيه ..
- بس و الله إنه شي .. يعيبك يوم ينصح ..

* * * * *

تستلقي على ظهرها تحت التلفاز و تضع يديها تحت رأسها ،، و هي تسأل أختها التي إنهمكت في كيّ الملابس ..
- يختي أبوية و نايف وينهم ..؟! من عقب المغرب ما شفتهم ..؟!
كانت هند هي من أجابت ..
- سارو بيت قوم خالوه ،، أمايا تقول معزومين ع العشا ..
رفعت نورة حاجبها بعجب ..
- ما شا الله رويتر .. عندج علوم الدار ..
عقدت حاجبيها ..
- امنوه رويتر ..
أجابتها و هي تتأوه مللا ..
- واحد من الشباب .. - ثم التفتت لأختها - دندون كويتي قميصي ..؟!
هزت دانة رأسها و عيناها معلقتان بشاشة الهاتف .. و يديها تحرك المكواة دون شعور ..
التفتت نورة لتلك الصغيرة مجددا ..
- نشي ييبيلي ماي ..
هزت تلك رأسها رفضا ..
- ماريد ..
اتسعت عينا نورة استنكارا ..
- اييييييه مزنوووه .. شوه ما تريدين ع كيفج هو .. نشي يبيلي ماي لا تتصفعين ..
تذمرت مزنة باكية و هي تشير لأختها التي استغرقت في مشاهدة التلفاز غير مبالية بهن ..
- ليش ما تطرشين هند .. كله أنا .. كله أناا .. مارييييييييد ..
قالت نورة بقوة ..
- و الله لشوتج .. يوم أقولج شي تمشين فيه .. تسمعين .. شوه قالتلج دانه اليوم .. أصغر القوم بشكارهم .. يا الله يا بشكارتنا هاتيليه ماي ..
.
.
- محد بشكارة إلا انتي .. و الله ان ما خليتن مزّون فحالها لأدبكن .. عنبوه ما تستحن انتن .. تتسلطن على هالياهل ..
احمر وجه نورة بشيء من الخجل و مزنة تمط شفتيها بحزن و هي تصيح ..
- حوووووووور .. أنااا بشكارتكم ..؟؟
قالت حور بصرامة و هي تضع يدها على خاصرتها ..
- لا انتي هب بشكارتنا .. هاي دانة و نورة بشاكير البيت .. - ثم ابتسمت لها - خلاص ..؟
هزت تلك رأسها بسرعة ..
- خلاص ..
قالت حور بنبرة آمرة ..
- يا الله عيل .. بسكن ..الساعة تسع الحين .. هند و مزنة سيرن ارقدن ..
قالت هند بهدوء ..
- باقي خمس دقايق من الحلقة ..
أجابتها حور بسرعة ..
- من تخلص سيده الحجرة و تنخمدن ..
توسلتها مزنة ...
- بسير لأمايا شويه ..
أشارت حور بيدها ..
- خمس دقايق و أشوفج في الحجرة انتي وياها .. مزنة لا تأذينها .. اروحها تعبانة ..
أومأن برؤوسهن موافقات .. لتلتفت حور لنورة ..
- امنوه لي نظف المطبخ ..؟!
تمطت نورة بكسل ..
- أنا و المها .. و عفاري خمّت الحوش ..
هزت رأسها بهدوء ..
- دانووه .. طالعي القميص لا تحرقينه لاحقة ع المسلسل ..
لكن دانة بدت مشدوهة و هي تنظر لشاشة التلفاز بلهفة ..سألت نورة بإهتمام ..
- شحالها أمايا الحين ..
تنهدت حور ..
- أحســـــن ..
انطلقت موسيقى نهاية المسلسل .. فنظرت حور لهند بحزم ..
- بتخطفين تسلمين ع أمايا قبل لا ترقدين يرّي مزنووه وياج ..
نهضت هند بطاعة و توجهت نحو غرفة والديها .. فقالت دانة بحزن ..
- فديتااا أمايا كله تعبانه هالأيام ..
قالت حور بهدوء ..
- الله يسوقلها العافية ..
خرجت مزنة و هند من غرفة أمهن متوجهات لغرفتهن ..
و نهضت نورة نحو غرفة الأم لتراها .. قالت دانة ببؤس ..
- و الله أحس قلبيه يعورنيه عليها .. ليته فينيه .. ما تستاهل أمايا ..
كانت حور تنظر للأرض بشرود و هي تجيب ..
- لا تقولين ما تستاهل هالكلمة ما يوز تقولينها لنه إعتراض على ما قدم الله ..
صمتت دانة لتعود فتقول بعد لحظة ..
- أمايا صغيرة ..!!
عقدت حور جبينها ،،، لم تفهم ما ترمي إليه أختها ..
- كيف يعني صغيرة ..؟؟؟
هزت دانة كتفيها و هي تضع الثياب المكوية فوق بعضها بغية ترتيبها في الخزانة ..
- يعني بعدها صغيرة في السن .. ما تقولين أم سبع بنات و ولد .. آآآ .. وديمة تقول إن يديه يوزها و عمرها 16 سنة ..!!
كانت حور تتأمل أختها . ما المغزى من هذا الحديث .. قالت بهدوء ..
- هيه كان عمرها 16 .. يعني كبرج ..
بدا الهم على وجهها ..
- وااايد صغيرة .. ما اتخيل إنيه أعرس و اييب عيال و عمريه 16 .. فديتج يا أميه ..
قبل أن تجد حور الفرصة للرد خرجن نورة و المها و عفرا من حجرة أمهن و أغلقن الباب خلفهن بهدوء ..
جلست عفرا بجانب حور التي سألت ..
- رقدت ..؟؟
هزت عفرا رأسها بهدوء ..
- هيه ..
حور تنظر لنورة ..
- وايقي ع البنات شوفي إذا راقدات و الا يسولفن .. بشوي شوي بطلي الباب عسب لا توعينهن لو رقدن ..
أطلت نورة برأسها داخل الغرفة المجاورة لتخرج رأسها و تغمز ..
- راقدات ..
قالت عفرا بهدوء ..
- الحمد الله خلصت دراسة باكر الصبح باقيليه أراجع بس .. ابوية متى بيرد .. ؟؟
نظرت دانة للساعة القديمة المعلقة على الجدار ..
- ع الساعة عشر بما إن نايف وياه .. عنده باكر مدرسة ..
ابتسمت عفرا ..
- عدنا نص ساعة .. بنات شرايكن نظهر الخشبة و نلعب ..؟!
تبادلت نورة و حور النظرات بلهفة .. و دانة تقول بهمس ..
- صدق و الله .. كيف ما خطرليه ..؟؟
ثم لوحت بيدها للمها ..
- مهاوي ..
ثم راحت تشير لها بحماس مجنون ما هن مقبلات عليه .. قالت حور لنورة ..
- متأكدة إنهن راقدات .. ما باهن ينشن ..؟!
هزت نورة رأسها بسرعة ..
- راقدات .. راقدات .. - ثم رفع يدها تقول - أنا أول وحدة تيلس ..
وقف حور بسرعة ..
- يا الله عيل بسرعة قبل لا أبوية يرد ..!!
أخذت دانة الثياب تدخلها بسرعة و ترفع المكواة الساخنة ،، اختفت نورة للحظات خلف المطبخ لتعود حاملة قطعة رفيعة من الخشب مربعة الشكل ،، أحد أوجهها أملس .. و على وجهها ابتسامه ضخمة ..
- محد يعرف وين داستنها .. يا الله ..
خرجت دانة تغلق الباب بهدوء قبل أن تلحق بهن للباحة الأمامية الضيقة ..
.
.
تجلس نورة على الخشبة في حين ربطت عفرا و دانة غطاء رئسيهما مشكلا حبلا تتمسك نورة في طرفه في حين شدت كل واحدة منهن طرف منه .. تقول نورة بحماس ..
- يا الله مستعدة .. واااااحد .. اثنييييييين .. ثاااااااا ... لاااااااااااااا .. ثـــــــــه ..
و انطلقت الاثنتين مع اشارتها رضا بشكل دائري في الباحة الضيقة يجرن الخشبة التي استقرت نورة عليها تقهقه بجنون ،، تشاركها حور و المها اللتان تجلسان في الصالة الداخلية تجنبا للإصطدام بهما في ضيق المساحة ..
لحظات و توقفت الإثنتين لاهثتين .. و دانه تقول ..
- بس نورة .. حشى .. غادية ثقيله .. يا الله .. حور و المها .. دوري ..
.
.
تعاقبت الأدوار بسرعة حتى ......
استقرت على الخشبة متذمرة ..
- ليش تخلونيه آخر وحدة .. الحين تعبتن ما بتسحبن زين ..
قالت دانة و هي تحكم قبضتها على طرف الغطاء من جهتها ..
- انتي العودة لازم تصبرين ..
شدّت نورة الأخرى الطرف الثاني .. و استدرن معا .. لتغمز دانة لنورة بخبث التي أخفت ابتسامتها و حور تحذرهن ..
- لا تسرعن ..! يا الله .. - و أحكمت يدها حول الغطاء - واااااااحد .. اثنييييييييين .. ثلاااااااااا .........
و بترت عبارتها مع إنطلاق الإثنتين يجرن الغطاء الذي تمسكه بأقصى سرعه ..
يدرن في الباحة الضيقة بجنون ،،، و يسحبنها بقوة .. فيما أطلقت هي صيحاتها ..
- عنلااااااااااااتكن .. لااااااااااااا تسرعاااااااان .. دااااااااانوه و الله ... ياااااااا ويلكاااااااان .. لااااااااااااااا ... خفن .. خفن .. يميييييييييييه .. و الله تتصفعن .. بااااااس ..
لكن نورة و دانه لم يتوقفن للحظة ،،، بدا أنهن انتظرن هذه اللحظة منذ بداية اللعبة .. عفرا و المها التي كانت ترى انفعالات حور المذعورة .. انفجرن ضاحكات بقوة ..سرعان ما شهقت عفرا و توقفت المها عن الضحك ..!!
توقفن الإثنتين حين شعرن بخفّة الحمولة ليلتفتن إلى الخلف ..
.
.
على الأرض تتأوه ساخطة بعد ان إنزلقت الخشبة من تحتها .. و هي تضع يدها على ظهرها ..
- و الله مااااا تروووووح لكن بلاااااااش .. و الله لداااااويكن ..
هبت حور بسرعة .. في حين فرت نورة أولا تركض إلى خلف البيت متجاوزة عفرا و المها اللواتي أصبحن يقهقهن الآن كالمجنونات .. أما دانة فقد تجمدت و هي تكتم ضحكتها بقوة .. و تتراجع مع تقدم حور ..
- و الله آسفة حووووور .. ها نوروووه قالتليه أسرع .. اذا ما استعيلت و هي تيرج كان صكيتينيه ..
حور تنظر لها و هي تقترب بغيظ ..
- نورة هاا ..؟ هاي حركاتج .. و الله لذبحج الليلة ..
انكمشت دانة و حور تمد يدها لرأسها ..
- تووووووووووووووبة ........
كانت حور تكتم ضحكتها على وقوعها و على تصرف شقيقاتها و على دانة التي بدا واضحا أنها تكاد تنفجر ضاحكة ..!
مدت يدها لشعر شقيقتها .. لتسحب ربطته فينفلت للأسفل بثقله .. لتمد يدها الأخرى فتعبث فيه بقوة ،، متعمدة إفساده .. و دانه تحاول منعها و هي تضحك ..
- حرااااام حوووور بيلعوزنيه بعدين .. دخيلج بيطيح يوم اسحييييييه .. لااااااا ..
توقفت حور بابتسامة راضية و هي ترى شعرها المنكوش .. و أشارت بيدها آمرة ..
- يا الله شلّي الخشبة و رديها قبل لا يي أبويه ..
رفعت دانه شعرها عن وجهها .. و هي تتذمر ..
- الحين تلعوزين شعريه ،، و أشل الخشبة .. و نورة شاردة و ماياها شي ..
أطلت نورة برأسها من زاوية البيت و هي تقول ..
- سبالووه سمعتج .. حور هاي حاقدة تبا تخرب امبيناا ..
أشارت حور لها بابتسامة ..
- صدق و الله ..؟؟ .. تعالي تعالي ..
قالت نورة بنبرة ضعيفة تستعطفها ..
- الدار امان ..؟؟؟
رفعت حور حاجبها بوعيد ..
- إلا أمان .. !!
و ركضت نحوها فجأة لتفر نورة هاربة تتبعها حور ..
.
.
الليل قد أقبل في ذاك الحي الفقير ..
تلك الجدران المتقشفة قد هجدت بتعب تحت ظل المساء ..
و سكّانها الذين يكابدون المرّ للحصول على لقمة عيشهم ..
فضلوا اللجوء لمخدات تنسيهم التعب ..
هذا البيت لم يختلف عن تلك البيوت كثيرا .. هنا تعب .. و هنا لقمة عسيرة ..
و هنا شقاء ..
كان يقهرونه بضحكاتهم ..

* * * * *

كانوا قد انتهوا للتو من تناول العشاء ليجلسن النساء معا في حلقة حول الجدّة يتبادلن الأحاديث المعتادة ،،،
فيما جلسن الثلاث فتيات في زاوية ردهة الاستقبال الفخمة ..
ترفع حاجبيها باستخفاف .. و هي تنحني للأمام عاقدة كفيها .. و قد ارتدت عباءتها ذات القماش القاسي .. لتتركها مفتوحة من الأمام .. ،، تنظر لتلك التي جلست مقابلها تماما تراقب أظافرها بملل ..
التفتت لجانبها لترى شقيقتها شاردة .. لكزتها بقوة لتلتفت تلك بغيض .. فتغمز لها ..
عادت تنظر للأمام .. تراقب عباءة ابنة عمّها اللماعة .. و قطع كريستال تراصت عند ركبتيها .. و صدرها و تعلم أن أخرى مثلها تتزاحم على ظهرها و هي تشكل جيوبا تملأ عباءتها ..
فقالت بصوتها الأجش باستهزاء ..
- أقول عوشة .. حلوو فستانج .. امنوه مصممنه ..
رفعت عينيها المرسومتين بالكحل بدقة تنظر لها باحتقار و هي تفهم مقصدها .. لتتشدق بغنج ..
- أنا أقول فخاطريه ،، هالأشكال شدراها بموضة البنوتات .. روضاني .. شرايج بعباتيه ..
هزت روضة رأسها بابتسامة مجاملة صغيرة ..
- كشخة ..
ابتسمت بتشفي في وجه شيخة و هي ترد بغرور ..
- هاي مفصلتنهاا في فيرست ليدي لي في الغرير يوم سرت دبي قبل اسبوعين عند خالوووه .. ترا خامتهاا طلبية يعني ما ظنتيه تحصلين شراته في السوق لو عيبج .. - ثم نظرت باشمئزاز لعباة شيخة و اشارت بطرف اصبعها - يمكن تحصلين شرات هالخامة الخامّة عند العربي الممتاز ..
و ضحكت بنفاق على تعليقها .. و هي تشير إلى أن شيخة تفصل عبائتها عند ذاك الخيّاط الرجالي ..!!
لم تهز كلماتها الطفولية شيئا في نفس الأخيرة .. التي اتسعت ابتسامتها .. فردها هذا يعني بأنها تضايقت ..
نظرت لروضة .. فوجدتها تنظر لها بعتاب .. أدارت رأسها متجاهله نظراتها .. تراقب جدتها التي جلست بين نساء العائلة ..
تدفق صوت عوشه و هي تسأل بدلال ..
- إلا ما قلتن ليه .. شخبار غيث ..؟؟؟
تصلب ظهر شيخة و رأت الدهشة على وجه روضة الهادئ .. كان سؤالها جريئا للغاية ..
بل وقحا ..!!!
أجابتها بصوت يقطر صقيعا ..
- بعده معرس ..
التفتت لها عوشه بشراسة و هي تقول بحدة ..
- أقول يا بو الشباب .. خلّك فحالك .. محد سألك ..
كان حالها دوما حين يذكر زواج أخيهن الأكبر .. يعلمن أنها معجبة به بشدة ..
روضة تراقب الوضع بصمت .. لا ترتاح للحديث مع ابنة عمها هذه التي تستطيع تأويل الأحاديث لأي شيء يستهويها و تصديقه ..!!
شعرت بتوتر الجو و عوشة تنظر لشيخة بحقد ..
تنهدت بهدوء حين وصلها صوت زوجة عمها و هي تقول بحنان ..
- بنات فديتكن .. يدكن و الشباب بيحدرون يسلمون .. لمن عماركن ..
انفجر الوضع لدى عوشة التي قفزت بسرعة تلتقط حقيبتها .. تخرج المرآة و تلقي نظرة على وجهها .. و ماكياجها المتقن ..
وضعت يدها على قلبها بلهفة تنصت لدقاته المتسارعة ..
جدها سيدخل .. إذن هو أيضا سيكون هنا ..
عوشة تهز رأسها باستخفاف و هي تهمس لروضة ..
- الله يعطينا العقل ..!!
نظرت لها روضة شزرا و هي تهمس ..
- انتي تبين المشاكل الليلة ..؟؟! .. طبيهاا ما يخصناا فيها ..
لوحت عوشة بيدها بلا إهتمام و هي تشد غطاء رأسها حول وجهها الخالي من المساحيق ..
فيما رتبت روضة عباءتها بملل .. تشعر بالضيق و هي جالسة هنا تضيّع وقتها في مراقبة الحرب الكلامية بين شيخة و عوشة .. و الكثير من الواجبات تنتظرها في البيت ..!!
وقفن جميعا مع فتح باب الردهة الكبير و تدفق الأصوات الرجوليّة معلنة وصول القادمين .. لمست مقدمة رأسها تتأكد من عدم تسلل أي شعرة خارج حجابها في اللحظة التي هسّت فيها شيخة بغيض ...
- عوشوووه .. قذلتج ظاهرة شوي من قدّام ..
لم يبدو أن عوشة قد سمعتها .. أم أنها فعلت و تعمدت التجاهل .. و هي تتقدمهن حيث توقف الجميع في منتصف الردهة ..
ابتسمت و شعور يضطرم صدرها بالفخر و هي ترى هؤلاء الرجال .. أهلٌ لها ..
لحقت بعوشة تسلم على جدها و أعمامها الثلاثة .. سلّمت على عمّها الأصغر الذي تعلقت بذراعه إبنته الوحيدة و هي تتمايل ..
و هو يقول لروضة بعتب ..
- عنبوه يا روضة .. متى آخر مرة شفتج فيها ..
شعرت بوجهها يحمر خجلا و هي تشعر بنظرات الجميع تتسلط عليها ..
- السموحة منك يا عمي مطر .. هالدراسة لعوزتنيه .. تعرف الحين آخر سنة و بتخرج ..
ابتسم عمها حين شعر بإحراجها ..
- لا معذورة .. و الله يعينج و يوفقج .. نبا هاييك الشهادة لي ترفع الراس ..
شعرت بذراع أحدهم تلتف حول كتفها .. رفع رأسها لتلتقي بعيني أحمد و هو ينفخ صدره مبتسما بغرور ..
- لا روضاني ما ينخاف عليها .. فديتاا طالعة ع خوها ..
ابتسم هزاع باستهزاء ..
- لا .. مسكينة عيل .. ما بتييب خير و الله ..
ضحك الجميع بخفة .. و الأصوات تختلط فيما يتبادل الجميع الأخبار .. نظرت لجدها الذي مر وقت لم تره فيه .. ما زال قويا كما عهدته .. يقف أخوها الأكبر إلى جانبه بسلطته و هيبته .. الحقيقة أنها تحبه كثيرا .. و تحترمه ..
.
.
و تخشاه أيضا ..!!
انتشلها صوت عميق من أفكارها ..
- شحالج روضة ..؟
التفتت بسرعة نحو صاحبه .. كان يحني رأسه ناظرا للأسفل غاضا بصره ..
- الله يعافيك .. شحالك سيف ..
- بخير الحمد الله .. يا الله أترخص أنا ..
ترك المكان دون أن يرفع عينه .. أخفت ابتسامة خفيفة و هي تراه يسارع في صعود الدرج المزخرف للأعلى ..
جميعهم يعرفون كرهه للإختلاط ..
التفتت بهدوء لتراقب نظرات الإحتقار التي راحت تطلقها شيخة بلا هوادة لعوشة التي راحت تنظر لأخيهن بلهفة فيما لم يدرك هو وجودها حتى ..
سمعت شيخة تهمس بغيظ حقيقي ..
- اخخخ .. لي ما تخيل .. ليتنيه أبوها ... كان يريتاا من هالكشة و مسحت بها القاع .. كان دفنتها حية ،، مسودة الويه ..
تنفست بعمق ،،
حمدا لله أن شيخة لم تكن أبا لعوشة ..!!

* * * * *


طرقات على باب الغرفة لتهب من مكانها و صوت أبيها يعلو عند الباب ..
- حوور .. حور ..؟! .. نشي صلي الفير و وعي خواتج ..
أسرعت تفتح الباب له .. خرجت من الغرفة و هي تعيد شعرها إلى الخلف .. و ترفع نفسها لتسلم عليه ..
- صبحك الله بالخير يا بويه ..
يمسح شعره المبتل بعد الوضوء .. و يضع عمامته حول رقبته ..
- صبحج الله بالنور .. يا الله وعي خواتج يصلن ..
- إن شا الله ..
خرج نايف من غرفته و هو يلف - الغترة - حول رأسه ..
مشى أبوها متمتما بدعاء ما .. و نايف يلحقه للخارج متوجها للمسجد ..
تثائبت بقوة .. قبل أن تسرع لتتوضأ .. لحظات و تخرج من الحمام .. تقدمت نحو غرفة أمهن مسرعة .. لتجدها تصلي .. ابتسمت بحب .. فقد اعتادت أن تتوضأ أمها قبل الأذان كي توقظ والدها للصلاة ..
لم يختلف الأمر بمرضها .. فالأمر غدى كالساعة البيولوجية متقنة التوقيت ..
فكيف لأمها أن تعتمد على منبهات الساعة و هي لا تسمع ..!!
توجهت لغرفتهن .. لتفتح الباب .. ثم تضيء النور ..
توقفت للحظة و هي ترى المنظر أمامها .. عفرا الأقرب اليها تلتف في غطائها باحكام .. و جزء من قدميها الطويلتان تخرجان من أسفله ..!!
المها بوجهها الملائكي قد نامت بسكون على ظهرها .. في فراشها المجاور لفراش حور ..
نورة بد غير مرتاحة و قد أزاحت المخدة لتنام على بطنها .. و دانة بلا غطاء في جو الغرفة البارد ..
أما هند و مزنة فقد استلقين في فراشهن المشترك في زاوية الغرفة الضيقة ..
تجاوزت بهدوء أجسادهن المترامي في كل صوب و هي تهز رأسها .. تصل لمكيّف الهواء فتغلقه بهدوء ..ثم تتوجه نحو النافذة الصغيرة لتزيح ستارتها البالية و تفتحها ،،،
تدفق صوت المؤذن يقيم الصلاة ..
فصاحت بصوت عالٍ ..
- بناااااااااااات .. صلاااااااااااة .. يا الله نشن ..
للحظات لم تبدو منهن أي حركة .. تنهدت حور و هي تقول بصوت مرتفع قرب نورة و دانة ..
- دانوووه نشي .. نورة بتحدر الحمام قبلج ..
في لحظة واحدة .. تسلل الصوت لأذني نورة التي فتحت عينيها بقوة و هي تدرك الخدعة التي تستخدمها لتسبقها دانة .. رأت أن دانة قد نهضت من مكانها لتسبقها إلى الحمام ..
فهبت تزيح الغطاء بقوة ..
ركضت دانة مع رؤية نورة تسارع للباب .. يتسابقن نحو الحمام لتصله نورة أولا و تغلقه خلفها ..
فتضرب دانة الباب بقبضتها ..
- بسرعاااااه .. لا تبطين .. ثم قال بصوت منخفض - عنلاتهاا هب سرعة عليها ..
أتاها صوت نورة ثقيلا من النوم ..
- سمعتــــــج ..
جلست دانة تتذمر بصوت منخفض في الصالة تنتظر أن تخرج نورة من الحمّام .. تثاءبت بشدة ..
و هي تستلقي على ظهرها .. خرجت حور تمسك بيدي هند و مزنة التي بدا أنها لا زالت نائمة ..
و هي تنبه هند ..
- سيرن وضّن في حمام الميلس .. امسكي مزنووه .. لا تضيع و هي تمشي ..
أمسكت هند بيد أختها النائمة تجرها خلفها ..
فُتح باب الحمام لتخرج نورة منه .. هبت دانة لتخدل بعدها بسرعة و صوت حور و هي توقظ عفرا يصل لمسامعها ..
.
.
.
لا زال ضوء النهار الوليد .. يكتسح تلك البيوت المتهاوية ،،، معلنا أنه يوم جديد ..
أشعته الخجولة تسقط على أرض الصالة عبر بابها المفتوح .. و الحركة تدب في البيت كخلية النحل ،،،
كان بو نايف قد ذهب للعمل مباشرة بعد صلاة الفجر قبل الشروق حتى كما اعتادوا ..
رفعت حور شعرها لقمة رأسها و هي تنهر نايف ..
- لا تيلس تتسحب .. بسرعة باصك يي بدري .. خلص الشندويتشة و توكل ..
قال نايف و هو يقضم قطعة الخبز ..
- انزين يختي .. عدتي هالرمسة عشر مرّات .. أوووه .. اليوم الخميس - و اتسعت ابتسامته متذكرا - ابوية بييب بطيخ عقب الغدا ..
قفز من مكانه بسرعة ،، و اختفى للحظات في غرفة أمه يودعها .. قبل أن يعود ليلتقط حزمة كتبه فيقبل خد حور بقوة ..
- يا الله أنا بسرح .. ادعوليه ..
نظرت له حور بحب ..
- الله يوفقك .. و يحفظك ..
خرجت دانة من غرفتهن و بيدها جهاز إذاعة صغير ،،، و ضعته فوق التلفاز لتديره على الموجه المحليه ..
،،، لحظات من الضرب على ظهره العتيق .. و تحريك الهوائي خاصته .. قبل أن يتدفق صوت فيروز و هي تشدو ..
درج الورد مدخل بيتنا
درج الورد جنة حمانا
و بين الورد طاير بيتنا
و تحت الورد خيمة هوانا
روح يا بلبل و اسأل عالسطوح
في بيت يا بلبل قرميد عم يلوح
ورق الورد يغمر بيتنا
زجرت نورة التي كانت ترتشب كوبا من الشاي ،،
- أخيييييه ماشي غير هالعيوز ..
نظرت لها دانة شزرا ..
- محد عيوز غيرج .. و أنا أقول شدراج بالرومنسية ،، بعدين اف ام ما تييب غير فيروز الصبح ..
مسحت حور وجهها بصبر على هذا النقاش اليومي ..
- أصبحنا و أصبح الملك لله .. دانه بندي هالاثم لا أكسره على راسج ..
أغلقت دانه بقوة ..
- اففف .. عنبوه ما تخلون الواحد يسمع ع راحته ..
- اسمعيه ع راحتج حبيبتي يوم تكونين بروحج .. هب تزيديناا اثم وياج ... عفاري حبيبتي خلصتي ..؟!
رفعت عفرا رأسها من الكتاب و هي تردد أحد المفاهيم بتمتمة و تشير بيدها أنه ما زال أمامها القليل ..
خرجت المها من غرفتهن .. و بيدها كتاب هي الأخرى .. التقطت كوبا من الشاي و خرجت للباحة الأمامية .. خافية القدمين ..
تنهدت هي براحة مع خروج مزنة من الغرفة و هي ترتدي ملابسها الداخلية .. لتسأل حور ..
- منوه بيسحي شعريه ..؟؟
أشارت لها بسرعه ..
- تعالي أنا بسحيه أمايا تعبانه ..
إقتربت منها لتجلس أرضا أمامها و هي تدير لها ظهرها .. رحت حور تمشط شعرها الحريري .. و هي تستمع للأحاديث الحماسية بين نورة و دانة عمّا سيحدث اليوم في المدرسة .. أسماء كثيرة تذكر .. معلمات ,, و زميلات .. لا شيء يمكن لهن أن ينسينه دون ذكره ..!!
.
.
لحظات و بدأن يخرجن متوجهاتٍ للمدرسة واحدة تلو الأخرى ،، نفضت حور ملابسها و هي تلتقط غطاء الصلاة و تشير لمزنة ..
- يالله الحين بيي باصج .. خلينيه أوقف لج عند الباب ..

* * * * *

في اللحظة التي خطا فيها على أرض شركته ،،، بدا أن الجميع قد تجمدوا وقوفا لحضوره ..
شيء يشعره بالنشوة .. و هو يرى أن هذه الأعمال بين يديه يديرها كيف يشاء ..
يصل للطابق الأعلى من المبنى حيث يقع مكتبه .. مدير المكتب يقف بإحترام له ..
- صباح الخير طال عمرك ..
نظرة متعجرفة .. لا تزول من عينيه .. تلك القوة تولد شعورا لا يوصف في روحه ،،
يعشقها ..
- صباح الخير .. بطي .. خل الرسايل و الفاكسات عقب الإجتماع .. عشر دقايق مابا ازعاج ..
رفع بطي عينه و هو يشير ..
- طال عمرك فيه مكالمة مهمة من ...........
قاطعة ببرود ..
- قلتلك .. عقب الاجتماع ..
و دلف مكتبه ليصفق الباب خلفه ..
تقدم من كرسيه ذو الظهر الطويل ليستوي عليه جالسا .. يخرج هاتفه ليضعه على المكتب ..
مسترخيا في مكانه .. و هو يهز مقعده بهدوء .. صوتها في أذنه و هي تذكره بأن لا ينسى ما وعدها به ..
واثقٌ بأن الأمر لن يكون عسيرا عليه .. سيحضر تلك الفتاة للمنزل الكبير ،،
و لكن عليه فعل ذلك و هو غير موجود ..
الحقيقة أن ذلك لم يضايقه البتة .. فهو لا يملك الوقت للقائها أو تعرفها ..
أم أنه لا يرغب بذلك ..!!
كل ما يهمه أن لا يتواجد في مكان واحد معها أمام جدته كي لا تكتشف تلك أحاديثه الملفقة حول من يطلق عليها زوجته و تواصله الوهمي معها ،،،
سيخيب ظنها به .. و لن تفهم موقفه ..
إذا عليه فقط أن يقوم بإرسالها إلى المنزل في غيابه ..
التقط هاتفه دون أن يضيّع وقتا ،،، يبحث عن إسم لم يتطرقه منذ فترة ..
لحظات و يقع ناظره على الإسم ..
الإتصـــــــال ،،
ثم صوت الرنين المتقطع معلنا ان المكالمة تمت ..
هل سيُرَدُّ على هذا الإتصــــــال ..؟!

* * * * *
* Kings ،، مِطْراش ،، لا تهاب ،، / أسمـــاء لأفرقه سباق وهمية لا تمت للواقع بأي صلة ..








و للخطوات طُرُقات لم تسلكها بعد ..


إنتظروني



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 21-06-16 الساعة 08:31 PM
لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-16, 08:33 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


\\


الخطـــــــــــــــوة الثالثـــــــــــــــــــ ـة } ..





[ خطوات مرتبكة ،، ]






لهب الشمس يلسع الأرض حرارة كالسياط .. في منتصف الظهيرة ..
كانت الأنفاس لا تطاق ..!!
و سخونة تلهب الصدور ،،، تبخر قطرات العرق قبل أن تسيل ..
الصيف قادم ،، ليقلب الأرض قطعة من الجحيم .. ستذيب كل من عليها ..
.
.
و عند تلك البناية المهدمة ،، توقفت الشاحنة العملاقة و صوت أنين إطاراتها يعلو في الأجواء .. لينزل بما استطاع جسده المنهك من قوة ..
يمسح جبينه الذي اسودّ من فعل إحراق الشمس .. يمنع قطرات العرق من أن تقع على عينيه التي بدأت تخذله الرؤية بها الآن ..
لهث بتعب و هو يجلس تحت ظل الشاحنة الذي امتد بعيدا ..
فيما بدأ العمال بنقل الحجارة إليها ،،، ليقوم هو بإبعادها عن هذا المكان الذي سيعاد تعميره ..
كان الحر لا يطاق ،،، و جسده الساخن غارقٌ بعرقه .. نهض بضعف مرة أخرى ليقترب من مقصورة الشاحنة و يلتقط زجاجة مياه ،،،
لم تكن لتروي ظمأه بسخونة مياهها تلك ..!!
و لكنه كان عطشا .. شرب القليل منها ،، ثم نثر بعض قطراتها على وجهه ..
تدلت يده الممسكة بالقنينة يسندها لركبته ،، و هو يراقب العمّال ينقلون تلك الأكوام الهائلة من الحجارة التي أصبحت بلا نفعٍ الآن ..
فكر بأنه محظوظ .. فهو لم يضطر للعمل تحت حرِّ هذه الشمس التي بدا أنها تنوي على تجفيفهم ..
يكتفي بعمليات النقل من و إلى موقع العمل .. و بعد أن ينتهي وقت الهمل في الساعة الثالثة ظهرا ،،
يستقل سيارته الصغيرة العتيقة متوجها لمنزله بعد يوم استنزف فيه طاقته كلها ..
سيارته التي لا زال يدفع أقساطها حتى الآن ،، لن يتوانى أبدا أن يعمل جنبا إلى جنب مع هؤلاء العمّال ،، إذا اضطر إلى ذلك ..
أن يسمح لهذه الشمس بسلخه حيّا بحرارتها راضيا ،، فما زالت هناك أفواهٌ عليه إطعامها .. و حاجاتٌ يجب عليه أن يقضيها ..
خطر بباله أن يستغل فرصة نقل العمّال لهذه الأكوام ليتوجه لأقرب محل للخضار و يبتاع بطيخة كما اعتاد أن يفعل كل خميس ،،
سرعان ما تراجع عن الفكرة .. مدركا بأن سيصل بها إلى منزله و هي ساخنة بعد احتباسها في سيّارته حتى عودته .. لذلك فضل شراءها عند عودته ..
.
.
للحظات ناوشت شفته ابتسامة شفقة ،، هذه الأفكار التي يغرق نفسه بها ..
شعر أنه يسعى للهروب عمّا يفترض به حقا أن يفكر به ،، تلك المكالمة التي أتته صباح هذا اليوم ..
الحقيقة أنه مر وقت طويل لم يتحدث فيه معه ..
و لأوقات كثيرة شعر بالذنب الشديد و خاطر يمر بداخله و هو يشك في صحّة قراره حين أجبر ابنته على الزواج منه ..
أ ينكر أنه كان متلهفا لهم .. مشتاقا .. يريد أن يربطهم شيئا مرة أخرى .. أن يرى إخوته .. أن يضع يده بيدهم لمباركة ذاك الزواج ،،
كان متفائلا رغم تغيّب والده الذي كان قد سمع أنه هو من ربّى ذاك الرجل ،، كيف سمح له بالزواج من ابنة حمد ..؟؟؟
حمد ..
ابنه العاصي ..؟! ابنه الذي بفعلته الشنيعة استطاع أن يدفع أبيه للخزي من تصرفاته ..
استطاع أن يفعل ما لم يفعله أحد قبله .. لقد جعلها يندم على إنجاب ذاك الابن ..!
الآن و بعد انقضاء تلك الأيام ،، أصبحت الشك يراودنه .. لمَ تقدم لطلب يدها ..؟
كيف استطاع تجاوز صلاحيّات جده و التقرب من العم المنفي .. و العجوز يمنع أمه و إخوته من سنوات عنه ..!!
ماذا ..؟! هل هناك ألاعيب يخبئها في جعبته ..؟!
كان تواصله معه بعد شهور من زواجه من ابنته مريحا و مطمئنا بعض الشيء ،، ثم انقطعت أخباره تماما ..!!
لم يعد يسمع عنه شيئا سوى ما نقل في الجرائد و الأخبار عن افتتاح شركة جديدة في المجموعة عيّن فيها رئيس مجلس الإدارة ..!!
الآن و بعد أشهر عاد ببساطة ليتصل به .. و يطلب منه ذاك الطلب ..!!
.
.
شعر بأنه يغرق الآن .. في أفكاره ،، و حر شمس تشوي وجهه العاري ..
أخرج هاتفه بسرعة من جيبه متناسيا تلك الدوامة قيل أن يعود فيغرق فيها مجددا ..
هاتف قديم ،، لم يعد يميز من ملامح الأرقام على أزراره شيئا ،، و قد حال اللون عن غطاءه البلاستيكي ،،
سنوات مرّت منذ اقتناه و لازال يحتفظ به صالحا للاستعمال ،،
ضرب الرقم الذي يحفظه جيدا .. و انتظر للحظات أن يجاب على الخط ..
صوته المنهك يرفعه ليصل إلى الطرف الآخر ..
- ألووووه .. السلام عليج يا عذيجة ..
.
.
على الأقل يمكنه أن يجد حلا لما تمر به زوجته الآن ..

* * * * *

كانت الساحة المدرسية مزدحمة بشدة مع خروج جميع الطالبات في فرصة الغداء ..
و تفرقت الفتيات في مجموعات ضخمة انتشرت على وسعها .. فهناك من فضلت الجلوس .. و من أخذت تتمشى حول الساحة ..
و من راحت لتزاحم الأخريات للشراء من مقصف المدرسة ..
استندت هي على عامود الحديد و هي تضحك بقوة ..
- بمووووت .. آآآآه يا بطنيه .. أقول نوف .. انتي ما ينفع وياج الا اسلوب الهوش هذا .. شغلتج تمين واقفة فآخر الصف ريل مرفوعة وريل في القاع ..
عقدت نوف حاجبيها بضيق ..
- عنلاااتج داوونه يا السبالة .. لي يسمعج ما يقول كل يوم و انتي واقفة ويايه ..
رفعت دانة أنفها بغرور ..
- هيه بس اليوم أنا يالسة و انتي واقفة اروحج .. و بعدين أنا ما يوقفونيه عسب ناسية كتابيه و الا أهذر في الحصة .. بس على التأخير فديتنيه .. وييييييييو ..
مطت نوف شفتيها باحباط ..
- جب زين .. عليتي فواديه .. وين باقي هالمخبل مالهن شوف .. ؟؟
- سارن يتشرن هبة ريح .. تعالي بنحجز مكان نيلس فيه ..
أشارت نوف بيدها ..
- هذا مكانا .. تعالي بسرعة نيلس قبل لا حد يي و ييلس فيه ..
سارعن بالجلوس في المكان ذاك .. و ما إن استرخت دانة في مكانها حتى لفتها مرأى شقيقتيها يقفان سويا أمامها مباشرة ..
لتقول بسرعة و عيناها ملعقتان بهن ..
- نوف .. دقيقة بسير أشوف خواتيه و رادة ..
صاحت نوف معترضة ..
- مالت عليج خواتج تعرفينهن في البيت لا تودرينيه يالسة بروحيه شرات الخبلة ..
ابتسمت دانة متجاهله اعتراضاتها .. و تقدمت نحو شقيقاتها بسرعة ..
- مرحباا ..
التفتن لها معا لتقول نورة مستهزئة..
- هلا دندن ..
عقدت دانة حاجبيها ..
- مالت عليج .. ما تعرفين تدلعين .. - ثم وضعت ذراعيها بسرعة على كتف كل واحدة منهن و هي تقول بلهجة مؤامرة خافتة .. - هاا متى الهجوم الساعة كم ..؟!
دفعتها نورة مبتسمة ..
- بايخة ..
عقدت دانة ذراعيها .. و هي تنظر لعفرا التي تبعد خصلات غرتها عن عينها ..
- لا صدق شعندكن .. شكلكن من بعيد .. تتناقشن في السياسة .. تيك كير .. فيها جوانتانامو يا بنيّات ..
تنهدت عفرا باستعجال ..
- بنات علاية واقفة مساعة ترقبنيه .. نورة .. بتشلينها و الا لا ..
نورة تجيبها ..
- و انتي شوه بتاكلين ..؟
هزت عفرا كتفيها ..
- مالي خاطر في العيشة ..
التفتت دانة بسرعة لنورة ..
- شوه ناسية فلوسج ..؟
هزت نورة رأسها ..
- هيه .. غريبة و الله أول شي أنا أسويه أتأكد انها فمخبايه .. لن أهم شي في الحياه بطنيه .. بس مادري شوه استوا عليه اليوم و نسيتاا ..
قالت عفرا بسرعة و هي تخرج القطعتين النقديتين التي تتلقاهما يوميا من أبيها غداءا لها في المدرسة ..
- انزين خلي السوالف و فكينيه .. يا الله شليها ..
دفعت دانة يد عفرا .. و هي تخرج الدرهمين خاصتها من جيبها ..
- لا عفاري شلي فلوسج انتي أنا بعطيها ..
كانت نورة تتأمل المنظر و هي تحبس ضحكتها باستمامته .. و عفرا تقول ..
- لا حبيبتي .. شوه بتاكلين .. انا متعودة انيه ما اتشرا غير عصير لنيه أيمع الفلوس .. انتي كلي و أنا بعطيها ..
قالت دانة بحزم ..
- جب زين .. أونها .. حبيبتي .. ربيعاتيه اشترن ليه قبل لا أظهر من الحصة لنهن ظهرن بدري ..
و التفتت للخلف لتجدهن قد وصلن الى حيث جلست نوف ..
- اندوج .. يالسات يرقبنيه .. نورة شلي .. لا أشلج بطراق .. راحت السوالف و الفسحة علينا ..
التقطت نورة الدرهمين من كف أختهاا و هي تضحك بقوة ..
- ما قول غير مالت عليكن .. حسيت عمريه طرارة و انتن تتحالفن عليه منوه بيتصدق .. ههههههه ..
ضحكن سويه بقوة .. قبل أن تقوول دانه بسرعة ..
- يا الله عيل أنا سايرة ..
قالن معا ..
- برايج ..
ثم التفتت نورة لعفرا ..
- سيري لعلايه .. هاي منى ياية قداي ..
- أوكيه ..
و استدارت متوجهه نحو صديقتها التي كانت تقف على مقربه منهن ..
ابتسمت نورة بحب حقيقي .. و هي تراقبها تبتعد قبل أن تلتفت لدانة التي توسطت صديقاتها .. و هي تضحك بمرح .. ممسكة بيدها علبة عصير ..
.
.
شيء غريب اضطرم به صدرها ،، و هي تراقبهن بهدوء ..
واقفة في مكانها .. و تدفق الفتيات يفصل بينها و بينهن ..
قلبها يخفق بتواتر منتظم .. و هي تضم القطعتين النقديتين المحتجزتين في كفها لصدرها ..
هؤلاء هن أخواتي ..!

* * * * *

استرخى في مقعده و هو يرتشف جرعة كبيرة من القهوة التي في كوبه ،، يراقب ابن عمه الذي بدا غارقا في جهاز الحاسوب المحمول خاصته ،، ليسأله بفضول ..
- شوي لا تنطح الشاشة .. أحمدووه شوه هالشطارة لي طايحة عليك .. شعندك في الاب ..
رفع أحمد رأسه ببؤس و هو يضيق ما بين حاجبيه بضيق ..
- لا ترمس .. الله يغربل الهندسة .. لو مسوين للشيبان طاف و حادرين العسكرية و الا الشرطة شرا سيف خوك .. كان نحن فنعمة ..
هز هزاع كتفيه بابتسامة ..
- هانت ياخي .. ما بقى الا سنتين ..
تنهد أحمد بحسرة ..
- أخخ لا تذكرنيه .. أحس أيام عمريه الثمينة تضيع في هالخريط .. أنا ما رمت على الأوتوكات ،، ياخي .. و الله أحسنيه هب فاهم شي بالمرة ...!!!
وضع هزاع الكوب جانبا باهتمام..
- حتى أنا هب فاهم فيه شي ..!! بس شوه بنسوي .. يا نشوف الدكتور يعيد لنا ع السريع و الا يعقب .. و الا واحد من الشباب يفهمنا .. تعرف .. لو داخلين هندسة ميكانيكية و قاصين ع الشياب ..
غمز بعينه و هو يردف بابتسامة ..
- ع الأقل هاي شغلتناا ..
أحمد لا يرفع عينه عن الشاشة ،، و وجه يركز بقوة ..
- قاصين ع الشيبان أونه .. سوها لو بتروم عليها و أنا وياك ..
تراجع هزاع في مقعده ..
- بعدنيه ما تخبلت ..
لم يرد أحمد الذي بدا منخرطا في ما بين يديه ،، راح هزاع يجيل بصره في وجوه من حوله .. كان الكثير من الطلبة يملئون المكان .. مختلف الأشكال و الأعمار .. هذا الفرع من الجامعة يجمع تخصص الهندسة بالإدارة ..
اصطدمت عيناه بذاك الوجه و لم يستوقفه .. و لكنه عاد للحظة لينظر إليه مرة أخرى ..
يمعن في رؤيته و هو يضيق عينيه متسائلا ..
- أحمد ..
لا يترك التركيز ..
- هممم ..
- الريال لي واقف هناك .. شكله هب غريب عليه ..!!
أحمد لا يقتلع عينيه عمّا يدقق في رؤيته ..
- امنوه ..
اغتاظ هزاع و لكمه في كتفه بعنف ..
- خوز خشمك عن الاب شوي و بتشوف .. الريال لي لابس كندورة نيلية عند الباب ..
رفع أحمد عينه بضيق من تلك المضايقة ..
- الشباب كلهم لابسين كنادير نيلية ..
أشار هزاع بعينه ..
- راعي الغترة الحمرا لي واقف عند الباب ..
التقط أحمد ببصره وجه الشاب المقصود ،، أمعن فيه للحظات قبل أن يلتفت لهزاع بتردد ..
- هيه و الله .. ويهه مألوف ..!! بس ما عرفته ،،

* * * * *


- الحمد لله ..
تمتم جده بتلك الكلمات و هو ينهض عن السفرة التي عمرت بكل ما لذ و طاب من أطعمة ،،
شيء يفوق مقدرة الثلاثة أشخاص الذين جلسوا عليها ..!!
راقبه و هو يختفي في المغاسل القريبة المجاورة لغرفة الطعام ،، التفت إلى جدته الجالسة قربه بهدوء .. ليقع ناظره عليها و هي تقضم خبزه جافة بصمت و عيناها الضيقتان غارقتان في شيء خلف الصحن الذي وضع أمامها ..!
ابتسم بحنان و هو ينبهها ..
- أمااه ..
انتفضت قبل أن ترفع عينها له .. سارعت بالتقاط الملعقة ..
- تبا عيش فديتك ..؟؟
مد يده الكبيرة يمسك معصمها النحيل لتترك الملعقة ..
- أبا أرمسج ..
عيناها تتعلقان بعينيه بتساؤل .. قبل أن يقول بابتسامة صغيرة ..
- باكر الصبح بتييج هنيه ..
لا زالت نظرت الاستفسار تعلو وجهها الذي تزاحمت فيه التجاعيد .. لم تفهم ما يقصد ،،
- منوه ..؟
يعلم أي فرحة ستستبد بقلبها بعد ثوانٍ ..!
- حرمتيــــــــــه ..!
كاد يضحك و هو يقولها .. زوجته ..! إنه لا يعرف حتى كيف تبدو ..
و لكن السعادة كست وجه جدته و هي تقول بهمس مفعم بفرح ..
- حـــور ..!!!
الآن يشعر بالاسم غريبا للغاية .. يعلم أن هذا اسمها منذ أشار له جده بالزواج منها .. و لكنه اعتاد على تلك الألفاظ التي تطلق عليها ممن يجهلونها .. ابنة عمه .. زوجته .. ابنة حمد كما اعتاد جده أن يقول ..!!
و لكن جدته قالتها ببساطة الآن .. الغريب أنه نسي أن لتلك الفتاة اسمٌ يطلق عليها .. بخلاف ما قد يتعلق به ..!!
لا يهتم لكل ذلك .. ما يهمه حقا هو تغير وجه أمه الذي شعّ حبورا الآن و هي تترك قطعة الخبز .. تتلفت حولها للحظات ..
بدت كالضائعة .. !
غير مصدقة .. و نمت عن شفتيها الصغيرتين ابتسامة حب غير متوقعة ..!
لما كل هذه السعادة ..؟؟ هي لم تعرف تلك الفتاة يوما .. و لم تلتقيها قط ..
هل كل ما يتعلق بحمد .. سيروي شوقها ..؟!
أمتلهفة للقاء من هي قطعة منه .. هل تنتظر رؤية ابنها في عيني تلك الغريبة القادمة في الغد ..؟؟
الآن ساوره قلق .. بدت جدته مندفعة قليلا في مشاعرها .. متأثرة بابنها البعيد ..
قد يجعلها ذاك قابلة للأذى .. هو لا يعرف الفتاة أبدا .. و لا يعرف ما الذي قد تكنه لتلك العائلة التي تخلّت عن أباها ..
قد تكون حاقدة عليهم .. أم .........
!!
هذه الفكرة لا تلبث أن تسكن نفسه .. لقد رأى الفقر المدقع برأيه الذي يعيشه عمه و أبناءه ..!
إذا كانت حاقدة عليهم .. و تعلم لما لازال الغفران خارج حدود علاقاتهم المعقدة ..
فلما ستوافق على الزواج به ..؟!
لا إجابة لهذا السؤال سوى تفسير واحد .. و هو واثق من هذا الشيء ..
لابد أنها ترى بأن لها حقا في ما تملك عائلة سيف .. فهي حفيدته ،، الوقت الذي تقضيه في ذاك البيت الضيق .. يتنعمون هم هنا بما لا يملكه أبيها ..
.
.
شعر بشيء من البرود يعتمر صدره ،، و هذه الأفكار تغزو مخه تباعا .. عجبا ..!!
كيف لم يفكر يوما بكل هذا ..؟! عقله الحديدي الذي لا يغفل عن شيء أهمل هذه النقطة ..
تلك الشابة وافقت على الارتباط به رغم أنها لم تعرفه يوما و لم تره ،، و سكتت عن تجاهله لها و إهماله وجودها ..!
هل تخفي في نفسها مآربا لم تصلها بعد ..؟!
الآن حقا بدأ يقلق على جدته ..
عقد جبينه بضيق ،، و بدا وجهه الصلب غارقا في التفكير ،، قبل أن يصله صوت جدته و هي تسأل بلهفة ..
- و أبوك سيف ..؟؟
الآن تتصاعد القسوة في روحه .. لو تجرأت تلك الغريبة على أذية قلب هذه العجوز ..
سيسحقها ،،
بلا رحمه ..!!
ابتسم بجمود و هو يقول ..
- خليه عليه ..
و ترك ما بيده ليهب واقفا ..
رفعت عينها عن صحنه لجسده الطويل و هي تعترض ..
- ما تغديت ..
نظر لها بحب ..
- شبعت فديتج .. بسير أشوف ابويه سيف ..
أومأت برأسها قبل أن تستفسر بتردد ..
- منوه بييبها باكر ..؟
هز رأسه ببساطة ..
- الدريول ..
عقدت العجوز جبينها بضيق ..
- و ليش الدريول لي بييبها .. انته شوه شغلتك ..؟ هب حرمتك هاي ..؟
قال بهدوء ليسيطر على أحاسيسه الغريبة . أصبح ينفر حقا من لقياها ..!!
- أمايا فديتج أنا عنديه أشغال باكر في الشركة ..
فجعت العجوز بما يقول ..
- باكر اليمعه ..!!
ابتسم لها ..
- أنا هب في المدرسة أعطل يمعه و سبت .. عنديه أشغال لازم أقضيها ..
كان الإحباط جليا على وجهها ..
- يعني ما بتشوفهاا البنية ..؟!
كان صارما و هو يقول ..
- لا ..

* * * * *

كانت xxxxب الساعة تشير للثالثة إلا ربعا حين دلف البيت حاملا بيده بطيخة طازجة كبيرة ،،، علت الابتسامة وجوه أبناءه الذين كانوا ينتظرونه كعادتهم كل يوم حين عودته من العمل ..
سارعت ابنته الكبرى تحمل البطيخة عنه و هم يسلمون عليه تباعا .. ليسألها ..
- حور أمج وين ..؟؟
تقول بهدوء و هي تحمل البطيخة بثقل ..
- في حجرتا .. بعدها تعبانه شوي ..
هز رأسه و هو يخلع عمامته ليستريح أرضا ..
- خلاص هاتي الغدا .. و عقبها قطعي نص هاليحة و النص الباقي خليه في الثلاجة خالتكم عذيجة بتيي العصر ..
هزت حور رأسها بطاعة لتنهض عفرا من مكانها لمساعدتها .. اختفت الاثنتين في المطبخ .. و التزموا البقية الصمت و أبوهم يسند رأسهم على الجدار بتعب شديد .. الحقيقة أن الحر يزيد من تعبه الآن .. يشعر بأنه لن يستطيع المتابعة على هذا المنوال ..
لحظات و تفرش عفرا السفرة على الأرض لتقبل حور بصحن الغداء الخاص بأبيهم ..
تناول غداءه بهدوء وسط سكونهم ،، و حالما انتهى .. هب من مكانه ليغسل يده في المطبخ ..
كانت أعينهم تتبع مشية أبيهم المتعبة ..و هو يتحرك ببطء و كأنما أنهكه السير على قدميه ..
بعد خروجه من المطبخ أشار لحور آمرا ..
- تعالي الحجرة .. أباج ..
و دلف حجرته دون أن يزيد بحرف واحد ..!!
تبادل الجميع النظرات بتوجس .. لتهمس دانة بخفوت ..
- حور شوه يبابج أبويه اروحج ..؟؟
اتسعت عينا نورة بذعر ..
- ليكون درا بلعب البارحة و الا حد سمعنا من ييرانا و اشتكاله ..
انتفضت حور من الفكرة ..
- فال الله و لا فالج ..
قالت عفرا بعقلانيه ..
- ما اظن .. لو درا كان لعن خيرنا كلنا .. بس شكله يبا حور اروحها في سالفة ..
و نظرت لحور باستفهام .. لتهز الأخيرة كتفيها بعدم دراية ... و مزنة تمط شفتيها بضيق .
- يعني لعبتن البارحة ..؟؟ حووووور ليش ما لعبتينا وياكن ،، خليتينا نسير نرقد ..
حور كانت تفرك يديها بتوتر ..
- هب وقتج انتي الثانية الحين .. فكينا من حشرتج ..
قال نايف و هو ينبطح يلتقط رزمة الكتب المجاورة له و يفردها ..
- ابطيتي على أبوية كان ما تبين تتصفعين ..!
هبت من مكانها بسرعة .. لتتوجه نحو الغرفة ..
راحتيها تعرق دون توقف .. و نبضاتها في تعاقب سريع .. ترفع يدها المرتجفة لتطرق الباب ..
يأتيها صوته من الداخل ..
- تعالي ..
فتحت الباب بهدوء .. لترى أن أمها راقدة على فراشها و قد لفت الغطاء حول جسدها النحيل بالتفاته كاملة ..
في حين استرخى والدها جالسا بجانبه ..
أشار لها بعينه أن تجلس قربه .. تقدمت بصمت لتجلس جانبه و تدس يديها في حجرها كي لا يلاحظ توترها .. و ذعرها مما ينتظرها ..
فرك أبوها عينيه بإجهاد حقيقي و هو يزفر ببطء .. لا تعلم لما بدا لها وجهه مختلفا في تلك اللحظة ،، سماره الحالك نتيجة عمله تحت أشعة الشمس الكاوية .. و خطوط التجاعيد المتجمع عند زوايا عينيه و حول فمه ..
و تلك الأيام المجحفة قد رسمت آثار مرورها على وجهه ..
انعكاس القوة و الجفاف في عينيه بدا ضعيفا في تلك اللحظة و هو ينظر لقدميه الممدودتين بتعب أمامه ..
قال بصوت جهوري .. لم تخشى أن يوقظ أمها بما أنها لا تسمع ..
- انتي ترمسين ريلج ..؟
.
.
تقطعت أنفاسها بذهول شديد .. آخر ما توقعت أن يتفوه به في تلك اللحظة ..!!
نظرت له غير مدركة ما يعني ..!!
عاد يكرر سؤاله ..
- اسألج .. ترمسين ريلج ..
هزت رأسها نفيا و صوتها المبحوح يهمس ..
- لا ..!
.
.
.
.
كان يراقب تعابير وجهها المرتبك ،، لا يعلم لما تشعر بهذا الانفعال و التوتر ..
و لكن شيء اعتصر فؤاده حين ردت بتلك الإجابة ،، كان لديه بصيص من أمل .. بأن ابن عمها الذي لم تقابله طوال حياتها و لم تره حتى يوم عقد قرانها ..
قد يتواصل معها .. الآن و تلك الإجابة القاطعة التي أتت كوخزه تأنيب له و هو يراقب وجهها الصافي المتطلع له .. أهدابها ترف بقلق دون توقف ..
راح يخمد تلك الأصوات التي أقلقت ضميره .. لابد أنه يراعي مشاعر جده و أنه سيتعرفها عن قرب عاجلا أم آجلا فلِما الاستعجال ..؟! أليس طلبه أن تلتقي جدته بشارة خير ..؟!
جدته،، و جدتها ..!!
تنهد بصوت مسموع .. نسي أن ابنته لا تزال هنا .. و هو يرخي جفونه المثقلة .. ليراها خلف ستار الظلام ..
تلك المرأة .. تلك الحبيبة ..
شيء كاللهيب اجتاح قلبه .. يحرقه ..
أمـــه التي كان آخر عهده بها قبل هروبه بأسبوع .. تلك الدموع .. و تلك التوسلات ..
لا .. لم يرحمها ..
لقد أحرق قلبها .. لقد كسرها .. تلك المشاعر الجميلة التي يمكن أن تكون قد حوتها يوما ما ..!
و رحــــل ..!
أما زالت تذكره ..؟! .. تشتاق إليه .. و تحن للقياه .. ؟؟
ألا زالت تنتظره ..؟!
الحقيقة أن هناك ما يثقل قلبه منذ دهر ،، حنين جارف لأحضانٍ تلملمه ،،
و تجمع شتات أحزانه ،،، و يكتم صوت صيحات ،،
تطالب رحمةٍ منهم .. و أن يعفوا .. و أن ينسوا ..
و أن يصلوه بعد الهجر قبل أوانٍ يقترب ..
و بعد الحين .. لن يجدوه ..
يكتمها الصرخات ..
فلا تسمع ..!!
و تدفن بين أضلعه ،، ليفتت روحه الخذلان ،،
بنيران تعربد داخل الروح ..
كم يتمنى ..!
فقط يتمنى ...!!
.
.
- ابويـــه ..!
فتح عينيه متفاجئا .. ليلتقي بنظرتها القلقة .. كان قد نسي وجودها .. تحمحم بصوت مرتفع و هو يجلي حنجرته مما سدّها .. و هو يقول بصوتٍ خشن ..
- ريلج اتصلبيه ..
اتسعت عيناها و الذعر يتنامى داخلها .. اتصل ..!!! ماذا يريد ..؟؟
تابع أبوها و هو يركز على أطراف أصابع قدميه ..
- يقول انه يباج تسيرين تسلمين ع يدته ..
صمت للحظة قبل أن ينظر لها بصوت غريب ..
- يدتج .. !
نظرت له دون أن تستوعب ما قال للتو ..!
تذهب هي لتسلم على جدته .!! ماذا يعني ذلك ..!
جدته التي يفترض بها أن تناديها هي أيضا بجدتها .. و لكنها لا تشعر بأي صلة تربطها بتلك المرأة ..!
المرأة التي لم تصادفها يوما طوال حياتها .. المرأة التي يفترض بأنها هي من أنجبت أباها رغم ذلك لم تقع عينا حور قط عليها ..
من هي لتضطر إلى الذهاب إليها ..!! من هي تلك المرأة التي يصدر حفيدها الأوامر ..
يريدها أن تفعل .. !! أن تأتي .. أن تذهب ..!
أهي عبدته ..!!
شعرت بقلبها يتميز غيظا و هي تكتم كلماتها التي قد تزل بها ..
لتقول بهدوء و عقلانيه ..
- هب المفروض انهم هم لي ييون بيتنا .. ؟!
رفع أباها عينه مغتاظا مما قالت لينهرها بحدة ..
- أمايا تعبانه ..
ألجمها الألم الذي انعكس لوهلة في أفق عينيه و هو يضغط على شفتيه و يردف بصوت مختنق ..
- و مطرشة عليج تبا تشوفج .. لا تزيدين في الرمسة.. باكر الصبح بيي الدريول و يشلج .. تسلمين عليها ..
صمت لثوانٍ .. لما نطق عباراته الأخيرة بأمل ..؟!
لما لمعت عيناه هكذا ..؟ هل هو سعيد بقرب أمه من ابنته // منه ..!
هل يتمنى أن يكون في مكانها ..؟ .. أن يذهب هو .. أن يراها .. يسلم عليها ..؟!
لا تعلم .. بلع ريقها و هي تسأل بخفوت ..
- أسير بروحيه ..؟
لم يفهم مقصدها نظر لها متسائلا .. فقالت بصوت مرتجف ..
-أبا حد يسير ويايه ..
قال بصرامة ..
- أنا ماروم اسير وياج .. تبين حد من البنات تسير ما عنديه خلاف ..
بتر الكلمات قبل أن يعود ليقول مفكرا ..
- و الا أقولج .. شليهن كلهن وياج .. الا مزنة و هند خليهن هنيه .. ابا البنات الكبار يسلمن ع يدتهن ..
لا تدري لما يثير حنقها ذاك الشوق الذي تلمسه في صوت أبيها كلما ذكر أمّه ..! تلك المرأة نسيته لسنوات و لازالت ..
لماذا يشتاق إليها إذا ..!!
صوته الهادئ يعود ليقول ..
- خبريهن باكر الصبح يتزهبن تسيرن هناك و تسلمن عليها و تردن البيت ..
شيء واحد فقط أثار حفيظتها لتقول بصوت جازم ..
- أبوية ما بسير الصبح ..
قال بقوة ..
- بتسيرين غصبن عنج ..
ذعرت من نبرته الشديدة و قالت تهدئه ..
- بسير يا بويه . .بس الصبح ماروم .. باكر الجمعه اذا سرت أنا و البنات بيخلا البيت .. امايا تعبانة منوه بيسوي الغدا و يعابل الصغاريه و البيت ..؟!
نظر لها لبرهة .. دون أن يجد عيبا في كلامها ..
مع أنه طلب أن يتم حضورها صباحا .. إلا أن التأخير لن يضري أحدا ..
فلينتظروا اذا ..
- خلاص هب مشكلة الدريول بيتم الين تقظن مشواركن .. بتسيرن العصر ..؟
أومأت موافقة و هي تبلع غصة أوجعت قلبها ..
لا تعلم لما شعرت بأنها رخيصة و هي تتوجه لبيت زوجها بأمر منه ..
وجّه لأبيها ..!

* * * * *

لا زال الذهول مختلط بعدم التصديق على وجوههن منذ أخبرتهن حور عن سبب انفراد أبيها بها ..!
لم يبدن أدنى اعتراض ،، و كأن الأمر مزحة ما أو غير حقيقي ..
و لا زال الشك يلوح في عيونهن ،، الحقيقة أن ردة فعل المها كانت الأغرب ..!
بدا الضيق على وجهها الحلو و هي تعقد جبينها بشدة من أن شرحت لها حور الأمر .. فقط لوحت بيدها غاضبة دون تفسير و دلفت المطبخ لتعد الشاي لخالتهن التي كانت قد وصلت للتو و جلست عن أمهن ،، تنهدت حور ببطء ..
تشعر بتبعثر مشاعرها ..
لا يمكنها أن تشعر بما يخالجها الآن ..
شيء واحد كانت متأكدة منه ،، أن زيارة الغد قد تحمل الكثير ..
.
.
- حوور .. ؟
انتشلها صوت شقيقها الأصغر من أفكارها .. لتلتفت له بعينٍ شاردة ..
- همممم ..؟؟
- مايد في الميلس يبا يسلم عليج ..
طارت تلك الأفكار التي اختنق بها فكرها المشغول و ابتسامة حلوة تعلو شفتيها و هي تصيح بشوق ..
- في ذمتك ..؟؟؟؟؟؟؟؟
لم تنتظر إجابته .. وقعت عيناها على المها و هي تحمل صينية احتوت على إبريق الشاي و أكواب زجاجية ،، لتشير لها بسرعة أن تعد إبريقا آخر لمجلس الرجال .. ثم تهرول إلى هناك بفرحة ،،
أنستها ما عاث في خاطرها من قلق بشأن الغد ..
حال وصولها للباب المجلس ابتسمت و هي ترى حذائه عند الباب .. لوحده هنا ..!
أطلت برأسها بخفة قبل أن تقرع الباب لتجده جالسا في الطرف الأبعد من المجلس الضيق .. كان ينظر للأسفل بحده ساهما .. ابتسمت بحب و هي تفكر .. بما الذي قد يشغل باله ،،
شعر هو بشيء يسد مرور ضوء الشمس عبر الباب ليرفع عينه فيراها واقفة تطل برأسها و هي تبتسم ،،
ابتسم فور رؤيتها .. و هي تقول معاتبة ..
- بعض النااااااااااس .. مقاطعينااا لهم أسابيع محد يشوفهم ..!!
فتح ذراعيه و هو يقول ،،
- ما عندهم سالفة هالناس ..
اقتربت لتسلم عليه بسعادة ثم تضربه على كتفه ..
- مالت عليك يا الدب .. وينك غطيت مرة وحدة .. شحالك ،، شوه اخبارك .. و علومك .. رب ما به يديد .. حد يا كم من مكان ..؟ تولهت عليك ..
ثم تذكرت لتقول و هي تصفق بيديها ..
- حصلت شغل ..؟؟
ضحك مايد بأريحية و هو يعود ليجلس على الأرض فتجلس الى جانبه .. و عيناها متعلقتان به تنتظر اجابه شافية لسؤالها ..
- خييييييبة .. يا حور .. شوي شوي .. كلتينيه .. الحين بشوه أرد أول ..
قالت بلهفة ..
- حصلت شغل ..؟؟
.
.
شعر بوخزه في ضميره قبل إن يقول بهدوء ..
- لا هاي سالفتاا طويلة .. أول شي أنا بخير الحمد الله .. شحالج انتي ..؟
رفعت ابهامها بنصر ..
- ترتوب الأحوال .. كالعادة ..
- خالوه شحالها ...
عقدت حاجبيها بعدم رضا ..
- فديتاا أمايا مادريبها هالأيام شوه مستوي عليها .. كله تعيانة و ميهودة .. حتى العيشة ما تطب ثمها ..
هز رأسه بأسى ..
- هيه تراه أبوج اتصل بامايا اليوم و قالها تيي تشوفها ..
رفعت حور حاجبها و هي تنظر له باستنكار ،،
- أفاا .. يعنتي لو ما أبوية اتصل ما كان ييت هنيه ..؟؟
ابتسم و هو يمسك بكفها الصغير ..
- لا و الله ،، امبونيه بيكم اليوم .. حسيت انيه مصختااا وايد .. و عبيد كان بيي ويايه .. بس ربعه اتصلوبه قبل لا نظر .. و يسلم عليج ..
- الله يسلمه فديته .. هذا السبال من زماااااان عنه .. شوه مسوي في الجامعة ..
هز رأسه برضا ..
- ماشيه أموره الحمدالله .. و ........
قاطعة طرقات على الباب .. لتهب حور من مكانها قبل أن تدخل عفرا و هي تخفي وجهها خلف الغطاء ..
- السلام عليكم ..
هب مايد واقفا في مكانه ..
- و عليكم السلام و الرحمه ..
التقطت حور صينية الشاي من بين يدي عفرا التي نظرت لمايد ..
- شحالك مايد ..
- الله يعافيج ،، عفرا ..؟؟
- هيه ..
- شحالج ،، و علوم الثنوية العامة وياج ..
- يسرك الحال ،، الحمد الله كل شي تمام ..
- الله يوفقج ..
هزت عفرا رأسها تهم بالخروج ..
- يوفقنا يميع .. يا الله أترخص ..
و خرجت من المجلس للتقدم حور بالصينية و تضعها أرضا عند مايد الذي عاد ليجلس لتصب له بعض الشاي ..
مدت الكوب و هي تسأله ..
- الحين ما قلتليه .. لقيت شغل ..؟؟
التقط كوب الشاي بتوتر .. ليضعه أرضا .. نظر إليها لبرهة ..
عيناها تنتظران رده ،، لا بد أنها متلهفة لسماع تلك الحكاية الطويلة التي وعدها بها ..
و للحظات راوده شكٌ غريب ..
هل سيرى نظرة التسامح على وجهها الصافي بعد لحظات ..؟!
كان هادئا للغاية و هو يلتقط كوب الشاي ،،
- و الله تعرفين من متى و أنا ادور شغل ،، ما خليت مكان و لا دايرة و لا حكومة الا و قدمت أوراقيه .. و كلهم نفس الرد .. بنتصل بك .. بنتصل بك ،، و هاي الشهور تخطف و محد اتصل ..!!و الله يا حور ما خليت مكان تتخيلينه و ما تتخيلينه الا و قدمت أوراقيه طالب شغل .. بس ما شي فايدة .. هاي يستقدمون الخبرات الأجنبية و عيال البلاد هب محصلين لقمة العيش ..!! ،، ادري ان شهادتيه عادية و هب مطلوبة .. و انالمعهد دراسته ما تساوي دراسة الجامعة .. بس نحن أولى و الا شرايج ..؟!
نظر للحيرة التي سكنت عينيها ..
لماذا يسرد ما تعرفه جيدا ..؟! أهناك شيء آخر ..؟؟
- يعني ما لقيت شغل ..؟؟
تنهد بهدوء .. سيلقي ما في جعبته مرة واحدة ..
- الاسبوع لي طاف واحد من ربعيه خبرنيه عن شركة يديدة توها فاتحة و هاي الشركة تابعة لمجموعة شركات معروفة ،، يمعت أوراقيه .. و سرت الشركة اليوم و قدمتها ..
ابتسمت بتفاؤل ،،
- حلوو .. و متى بيردون عليك ..؟
قال بثقل ..
- الاسبوع الياي .. بس ما سألتينيه شركة منوه هاي ..
كانت عيناها تشعان حماسا ..
- شركة راعيها .. أهم شي انك تحصل شغل ..! بس ليش أسأل معروف راعيها ..؟؟
ابتلع ريقه .. و ركّز بصره على ملامحها ..
ماذا ستقول يا ترى ..؟
- آآ .. هيه تعرفينه ..
ضحكت بقوة و بانت أسنانها البيضاء الصغيرة ،،
- أوووف .. أعرفه .. - ثم أردفت مازحة - قوليه منوه تعرفنيه راعية واسطة أنا بخلهم يقبلونك .. شوه واحد من معجبيني و الا يطلع في التلفزيون ..؟؟
قال بهدوء ..
- مادري .. بس لو طلع ما بتعرفينه ..
ابتسمت و هي تغمز له ،،
- شوه لغز .. أعرفه و ما أعرفه .. امنوه راعيها ..؟؟
ألقى بكلماته بهدوء ..
- ريلـــــج ..
لثوانٍ رنت الكلمة في جو المجلس الهادئ ،، عدم الفهم يرتسم على ملامحها للحظات ..
.
.
تعقد جبينها الآن بادراك قاسي .. ثم استنكار ..
تمعنت في وجهه المترقب بلهفة لما تقول .. همست بقوة ..
- في شركتهم ..؟؟
أومأ برأسه آسفا ،، تنظر له و هي مذهولة .. لا تستطيع تفسير ما يخالجها ،،
أ هي خيبة ..؟! .. حيرة ..!
أم شيء لم تدرك كنهه ..؟
فقط صوته المعتذر يقول بهدوء ..
- قبل لا تزعلين و تيلسين تعاتبينيه .. فكري ،، من متى و أنا أدور شغل ..؟؟ راحت أياميه و أنا يالس عطالي بطالي .. يوم لقيت الفرصة قلت ليش ما أجرب حظيه .. يمكن يقبلونيه هالمرة .. حور أنا ما استغليت علاقتكم بهم .. و أنا خبرت أبوج قبل لا أقدم في الشركة و قال إن ما عنده اعتراض ع السالفة .. !
ثم نظر لها برجاء ،، و كأنما لا يريدها أن تسبب مشكلة بينهما من أجل ما لا يستحق ..
لا تنكر ذاك الضيق الذي اكتنف صدرها و هو يفاجئها بما يحمل ،،
و للحظة تأملت وجهه المترقب .. واثقة بأنه لن يتوانى عن ترك هذه الفرصة إذا طلبت منه ذلك ..
و لكن هل يحق لها بأن تفعل ..؟ .. أن تحرمه هذه الفرصة لمجرد عدم ارتياح يراودها من أولئك الأقارب الذين لم تلتقيهم قط ..؟!
أم عليها أن تتجاهل نزعة الأنانية التي تملكتها و هي تفضل بقاءه بلا عمل على أن يقتربوا منهم ..!!
.
.
هل لها أن تمنحه الراحه ،، أن تبتسم لأجله .. و تخبره بأن لا مانع لديها ..؟؟
يصعب ذلك عليها .. و لكنه ليس بمستحيل ..!
.
.
نمت عن شفتيها ابتسامة حلوة و هي تشد على أنامله ،،
تلك الراحة التي علت محياه تستحق الكثير ..!

* * * * *

يريح أصابعه على خدّه و الشرود بادٍ في عينيه ،، وجهه المريح بدا غارقا و هو يتخلخل لحيته بأصابعه بين الفينة و الأخرى ..
ارتشف هو فنجان القهوة الذي بيده قبل أن يقول بصوت عالٍ مازح ،،
- بعطيك عشر ربية و سر الحلاق قصر هاللحية لا يشلونك ،،
.
.
اخترقت الكلمات مسامعه بقسوة .. و لها وقع الشوك في قلبه .. كيف لأبيه أن يقول هذا ..
اعتاد على سخرية أبناء عمه من التزامه و إعفاءه للحيته .. و لكن أبوه ..
نظر له بعتب ..
- أفاا يا بو سيف .. تبانيه أحلق لحيتيه ..؟؟!!!
.
.
شعر هو بالحرج ،، و كأنما صغّرته الكلمات التي رماها بلا اهتمام منذ لحظة في عيني ابنه ,,
ليبرر له بابتسامه ..
- خايفك عليك يا بويه ما تسمع كل يومين و هم شالين حد ..
لم يجبه سيف .. أخفض عينه صامتا .. يلفه الغموض الهادئ .. تمنى أبوه للحظات لو أنه لم يتلفظ بالكلمات ،،
بدا ذاك بعيدا ..
بعيدا للغاية ..!
دقائق تمر و لا صوت يخدش جدران السكون ..
- سيف ..
التفت له باهتمام ..
- عونك يا ابويه ..
- عانك الرحمن .. بلاك هب ويانا ..
ابتسم بحلم ،،
- اسمحليه يا الغالي .. أفكر في الدورة لي طالبينيه فيها ..
هز أبوه رأسه ،، يخفي الضيق الذي يخالجه كلما تذكر ابنه الذي خرج عن نطاق عمل العائلة ..
- لو انته كافي عمرك الشر و تشتغل ويا اهلك هب أخيرلك ..؟؟
لم تختفي ابتسامته الهادئة ..
- ما عليه يا بويه .. أنا مرتاح في شغليه .. و التجارة ماليه فيها و لا في معاملاتاا ..
عقد أبوه جبينه ..
- الحين مرتاح .. باكر بتعرس .. و بتتلعوز ويا شفتات الشرطة .. يوم مظهرينك الفير .. و يوم تالي الليل .. شتبابها المغثة و الراحة عندك ..؟؟
أجبه مجددا ،،
- أنا مرتاح في دواميه يا بويه و ما به مغثة ..
انفتح الباب لتتوجه أعين الاثنين نحوه ،، دلف هو بتعب و توجه رأسا نحو أبيه يسلم عليه ،، ثم التفت نحو أخيه الأكبر الذي هب واقفا ليبادله السلام ..
- السلام عليكم ..
ردوا سلامه بصوت واحد ،،
- و عليكم السلام و الرحمه ..
جلس على الجلسة المنخفضة و هو يفرك عينه بارهاق .. يسأله أبوه ..
- هاا يا بو سلطان .. علومك ..
نظر له هزاع بابتسامة ،،
- ابد و الله يابو سيف ما به علم .. كسرتنااا هالجامعة ..
أومأ أبوه برأسه ينقل بصره بين ابنيه الذين بدآ بتبادل الأخبار بحديث سريع ،، كم هما مختلفان ..
رغم ذلك بدا أن سيف يلعب دور الرقيب على أخويه أكثر منه هو ..!!
انتشله صوت سيف الذي قال لأخيه وهو يصل للباب بحزم ،،
- لا ترقد .. ما بقى شي ع صلاة المغرب ..

* * * * *



>>




لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-16, 08:34 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

- اماااااه .. - ثم أشارت بيدها و هي تجمع رؤوس أصبعها لفهما و ترفع الصوت - عشاا عشاا ..
نظرت أمها بوهن للصحن الذي وضعته للتو أرضا قبل أن تشيح وجهها و هي تشير رافضةً الطعام ..
- لاااا .. بس ..
ألحت عليها و هي تعقد جبينها ،، لا يمكن أن تستمر أمها في الإضراب عن الطعام بهذا الشكل ..
- أمااا - و تربت بيدها على صدرها - عشانيه ..؟؟
لكن أمها لم تطاوعها ،، شعرت بالهم يغزو روحها و هي ترى هذه الحبيبة تزداد نحولا .. ما خطبها ..؟؟
هي قلقة للغاية .. تخشى أنها مصابة بمكروه فيما هم غافلون عن ذلك ..!!
.
.
لم تكن تلك الليلة كغيرها من الليالي ،، منذ خرجت خالتهم قرابة المغرب مع ابنها لبيتهم ..
انشغل الجميع في ترتيب أمورهم .. و لكن بدا واضحا لأخواتها أنها تتحرك بآلية دون توقف.. عيناها المركزتين لا يمكن أن تكون أكثر دلالة على شرودها ..
كانت تشعر بتزاحم خواطرها يشتتها ،، حالما أوت هند و مزنة و نايف للنوم ،، و دخل والدهن لغرفته لينام ..
تجمعن ليجلسن على عتبة مدخل الصالة .. حور تسند ظهرها لإطار الباب و تجاورها المها التي بدا أنها تتأمل هذا الشرود الذي سكن عيني أختها .. عفرا تقابلهن و هي تجلس على الأرض الحجرية للباحة .. فيما قابلت نورة حور لتستلقي دانة و تريح رأسها فخذها .. و هي تقول مازحة ..
- حوووووه حووووور .. لي ما خذ عقلج يختي ..!! ليكون تفكرين في اللقاء ..
نظرت لها حور شزرا ..
- قالولج ما عنديه سالفة ،،
قالت عفرا و هي تمرر يدها على النقش القديم في اطار الباب الخشبي ..
- صدق حور شعندج .. من الصبح و انتي سرحانه .. كل عسب سالفة الروحه ..؟؟
تدخلت نورة بسرعة ..
- ما يرزا عليج يختي .. خفي ع عمرج .. بنسير خمس دقايق و بنرد ،، و لا تخافين - و شدت ذراعها تبرز عضلات وهمية - خواتج الوحوش وياج .. مستعدات للدفاع عنج ضد أي هجوم يشنونه الأشرار ..
تنهدت حور باحباط ..
- أقول انتن لي ما عندكن سالفة .. أنا الروحه ما تهمنيه .. و باكر سايرة عسب خاطر ابويه .. و هب خايفة و لا حتى متوترة .. بس ..
مدت يديها بعجز ..
- انتن ما تشوفن أمايا كيف غادية ..؟؟ عنبوه بتموت .. قدها عظام .. و الله انيه خايفة واايد عليها ..
سرعان ما بدأ القلق و الضيق ينتقل لوجوههن جميعا و حور تقلب مخاوفهن .. قالت دانة بصوت تعيس ..
- فدييتج يا أميه ،، حتى الرمسة ما فيها الحيل ترمس .. و لا العيشة تباها ..
تنهدت نورة ..
- خالوه تقول نصبر الين يوم الأحد و بتشلها الدختر .. حور بتسيرين وياهم ..؟؟
هزت حور رأسها بلا ..
- وين أسير و منوه بيتم هنيه .. خالوه أكيد بتيي الصبح .. انتن في المدرسة و مهاوي اروحها ..
أومأت عفرا برأسها ..
- الله يشفيها و يسوقلها العافية .. الله يخليها لناا ..
قلن معا ..
- آمين ..
صمتن للحظات قبل أن تعود دانة لتقلب موضوع الحديث ..
- الحين نحن باكر بنشوف يدووه ..؟؟
أومأت حور برأسها بهدوء .. لتعود دانة فتسأل بحيرة ،،
- تهقونها طيبة و الا عوفة ..؟؟
عقدت نورة جبينها و هي تنظر لوجه دانة في الأسفل ..
- مادري ليش أتخيل شكلها ضخمة .. و سمرا .. أحسها بتيي عودة شرات أبوية ..!!
ابتسمت حور في وجه المها التي بدا أنها تراقب شفاههن بتركيز كي تلتقط الحديث ..
- ابويه ريال لازم يي جسمه كذيه .. بس هاي عيوز يمكن غير الحين ..
قالت عفرا بهدوء ..
- أحسها متكبره شويه أو قاسيه .. كذيه أحسبها لنها تقول طرشوليه البنات ..!!!
الآن تتسع ابتسامة حور ..
- سبحان الله نفس الشعور يوم أبوية يخبرنيه .. بس ما علينا منها .. نحن هب سايرات نطلب بيت شعبي .. بنسلم عليها .. و شحالج .. انتي بخير .. و ردينا البيت و نسينا السالفة ..!!
قالت دانة بمكر ..
- يمكن مسوية هاييك العيوز خطة و مواعدة ولد ولدها عسب يشوفج ..!!
ارتعشت أطراف حور و هي تفكر بذلك ..
- فال الله و لا فالج يا السبالة ..
قالت نورة مفكرة ..
- صدق حور تخيلي باكر تكون يايبه عريس الغفلة و تباه يشوفج ..
سدت حور أذنيها بكفيها ..
- انتن بتنطبن .. عنلاتكن لا تروعنيه الحين ..!!
تثاءبت عفرا بشدة و هي تقول بارهاق ..
- طبيهن يختي .. لا تخافين و لاعندج خبر .. و اذا كان موجود .. ما يخصج فيه ارقعيه طاف و بنرد البيت .. أنا بسير أرقد ..
قالت حور و هي تقف في مكانها و تمط يديها بتعب ..
- كلنا بنرقد .. الساعة عشر و نص الحين ..
هزت دانة رأسها بخبث ..
- هيه عسب ننش و ويوهنا راويه ،، هب حلوة ويه حور يي تعبان و ريلها بيشوفها ..
نظرت لها حور بغل و نورة تشارك دانه الضحك .. مدت الأولى يدها لتنهض المها و يتوجهن الى غرفتهن و هي تقول بخفوت كي لا يزعجن الراقدين في هذا البيت ..
- أقول شكلج ما بتنطبين الا لو ياج كف مرتب ..
.
.
حين أراحت رأسها على مخدتها الصلبة في الظلام الدامس بعد انطفاء النور ،، كانت تسمع تهامس نورة و دانه المتحمس عما هو متوقع أن يحدث في الغد .. فيما تمتمت عفرا بارهاق تنهرهن ..
- ايه انتي وياها .. نبا نرقد ..
ردت نورة ..
- ارقدي امنوه ميود رموشج ..؟؟
- حنجرتج الذهبية انتي و هالتغريد .. صخن .. باكر قرن الين تموتن ..
قالت دانه بسرعة ..
- بسم الله علينا ..
حسدت حور في داخلها المها على السكون الذي يصم أذنيها عن هذا الضجيج ..!!
قالت بضيق ..
- دانة و نورة لو ما تبن ترقدن اظهر الصالة و سولفن هناك ..
قالت دانة بسرعة ..
- لا خلاص بنرقد ..بس سؤال واحد حور ..
تنهدت حور بصبر ..
- اسألي ..
- الحين باكر بنشوف ريلج و الا لا ..؟؟
.
.
صرت أسنانها بغضب حقيقي .. و هي تلتقط مخدة و ترميها في الظلام في اتجاه فراش دانه ..
- دااااااااانوووووووه ..!
رنت ضحكات نورة و دانة تشاركهن عفرا ..
فيما تصارع حور ذاك التوتر و هي تكتم ابتسامتها ،،
.
.
صدقا ..
ما الذي قد يحمله الغد في طياته ..؟!

* * * * *

و ها هو النور ،، آية ..
يسلطها الرب على غفوات ابتسامة حين تتشح السماء سوادا ،، آذنة لدموع خافية بالهطول ..
ليقبل فجرٌ جديد ،، حاملا على أكتافه لحظات ستوصم على جبين الذكريات ،، مميزة .. أَ مرّة كانت .. أم سكريّة ..
فكل يوم يمر هو حياتنا .. جزء منها ،،
و كل صبحٍ وليد هو أول ما تبقى من لحظات أيامنا ..
التي حتما ستمضي .. لنتمنى عودتها ذات رحيل ..!
.
.
تتغلغل أشعة الشمس ستار حجرته الواسعة ،، فيما يرتدي فانلته القطنية البيضاء على إزاره النظيف ،، ليقف أمام المرآة متأملا لحيته المشذبة ،، و وجهه الأسمر القوي ..
لحظات و تعلو شفتيه ابتسامه حادة .. يلتقط المشط ليمرره في شعره الكث المبلل ليعيده إلى الوراء ..
لابد أن الجميع رقودٌ الآن فاليوم إجازة رسمية .. و لا يفكر أحد بالنهوض للعمل غيره ..!!
فكّر بأنه لم يكن مجرد عذر للتغيب عن مقابلتها فقط ،،
بل إنه مضطر حقا لقضاء أعماله التي لا تزال تنتظره .. حقا تلتهم هذه الشركة وقته بجنون !
يشعر بالاسترخاء و هو يفكر بأنه سيسعد قلب جدته الحبيبة باحضار تلك - الزوجة - لتراها ..
شخر ساخرا متجاهلا وخزة الذنب .. زوجة .. !! هه .. هل تراه هي أيضا زوجا ..!! أم مجرد توقيع رسمته يداها على ورقة عقد القران ..؟!
لا يهمه أمرها بتاتا .. كل ما يحتاجه أن تمر هذه الزيارة بسلام دون أن تكتشف جدته أكاذيبه و حكاياه الملفقة عن تلك الزوجة التي يفترض بأنه يتواصل معها و يعرف أخبار أبيها ..!
التقط ثوبه يرتديه بسرعة قبل أن يلف - الغترة - على رأسه بمهارة ..
ليلتقط بعدها هاتفه المحمول و محفظته و يترك الغرفة ..
كان ينزل من الدرج الضخم الذي يتوسط الردهة حين وقعت عيناه على جده الذي جلس وحيدا يقلب بين يديه أوراق متناثرة ..
ابتسم بهدوء .. لم يكن له أن يرث حب العمل الذي يجري في دمه إلا مما سقاه هذا الرجل من بين راحتيه ..
رفع الرجل العجوز رأسه و هو يسمع غيث يسلّم بصوته الجهوري ..
- السلام عليكم و رحمة الله ..
نمت عن شفتي العجوز ابتسامة فخورة ،،
- و عليكم السلام و الرحمه ..
قبل غيث أنفه و رأسه ،، قبل أن يلقي بثقله على الأريكة المجاورة .. و هو ينقل عينه بين الأوراق .. و بين وجه جده الذي لا زال يشع بالقوة افتقدها من هم أصغر منه بسنوات ..!
- شحالك يا بويه ..
كان العجوز يركز بشدة و هو يقلب الأوراق تلك ..
- بخير و سهالة ،، بتسرح مكان ..؟
- سارح الشركة .. أميه وين ..؟؟
- عدها فحجرتاا .. بتتريق هنيه ..
هز غيث رأسه بهدوء ..
- هيه .. ما خبرتك ..!
بدا الاهتمام على وجه الجد ..
- بشوه ..؟؟
استرخى غيث في مقعده بابتسامة ساخرة ..
- حرمتيه بتيي البيت اليوم ..
انفلتت الأوراق من بين يدي الجد .. و هو ينظر للأمام مباشرة .. قبل أن يرفع عينه لغيث .. و هو يسأله بصوت غريب ..
- و شوه بيييبها ..؟؟
هز كتفيه بلامبالاة .. يعلم جيدا كيف يوخز أباه .. و يلمسه في وجع ..!
- بتيي تسلم على يدوه .. من ملكت عليها ا يتها .. و اتصلت بها تيي ..
تقلص فك العجوز بشيء يشبه الغيظ .. الا أن عينيه لا تزال هادئة ..
- زين عيل .. أنا ظاهر من الصبح الين في الليل العزبة ..
هز غيث رأسه بابتسامة ملتوية ،،
- بتتغدا هناك ..؟

* * * * *


لا تدري حقا لما بدا لها أن العصر يهرول قادما ،، و أن اللحظات لا تطول ..
لا تريد لxxxxب الساعة ان تواصل السير إلى العصر ،،
فلتتوقف الثواني قليلا تريد التقاط أنفاسها و تهدئة روعة قلبها الذي راح يقرع أبواب صدرها بجنون ،،
ول كن العصر أقبل بعد صباح لم يكن قط أقصر في حياتها ..!!
تمرر المكواة على غطاء وجهها الثقيل بيد ترتجف .. و مئات الصور ترتسم في مخيلتها لذاك اللقاء الحتفي الذي ستعيشه بعد قليل ،،
أسدلت أهدابها لوهلة و هي تسحب نفسا عميقا ،، يتغلغل رئتها ..
على الأقل هذا الهواء الذي تتنشقه هواءها .. تعرفه جيدا .. و تتنفسه ..
لما كل هذا الخوف .. حور ..؟؟
لماذا تشعرين بالذعر و أنكِ على شفير ألم ،، أو دمعة ..
تمالكي نفسك .. ليس هناك ما يستحق أن تهتز أنفاسك لأجله ..!!
وضعت يدها على صدرها بهدوء و هي تومئ برأسها موافقة ..
ستكون قوية .. حتما ستكون كذلك ..!
.
.
- حور خلصتي ..؟ أبا أكوي شيلتيه ..!!
كان هذا صوت عفرا .. التقطت حور غطاءها عن طاولة المكواة .. و هي تتساءل ..
- حد سوت القهوة ..؟؟
نورة تفرد غطاء رأسها على الطاولة بحماس ..
- سوتها دانة .. و ابوية رد من الصلاة يقول دريولهم برا يرقبنا من الصبح .. و تغدا هنيه بعد ..!! .. و يقول لا تبطن ..
هزت حور رأسها بسرعة متوجهه لحجرة أمها ..
- قولي للبنات يظهرن .. بسرعة ..
دفعت باب الحجرة لتدلف بهدوء .. يقع ناظرها على وجه أمها المرهقة التي استلقت على جنبها بتعب..
أمـــاه .. ليتني منكنت مسجاةً على هذا الفراش عنكِ ،، اصبري يا غالية ..
أثلجت صدرها تلك الابتسامة الجميلة التي ارتسمت على وجه أمها .. و هي تراها ترتدي العباءة و مستعدة للخروج .. اقتربت حور لتركع على ركبتيها جانبها . و أحنت رأسها لتطبع قبلة عميقة على جبينها ..
شعرت بأنها تستمد القوة منها .. و أن شيئا من السكينة انتشر في روحها و هي تجلس هنا ..
لتبادل أمها الابتسامة و تشير لها راحتيها للسماء تحرك شفاهها بهدوء و هي تهمس ..
- ادعيليه ..
.
.
يداعب صوتها الناعم بكلماتها المتكسرة أذني حور .. ليطربها .. يدعمها ..
يدفعها للمواجهه بلا خوف ..
- الله أحفظكن .. الله أوفقكن ..
حنان هائل بقوة حب الأم يتدفق في مجرى الشريان الآن و هي تمسح أخيرا على رأسها لتقف مجددا و هي تلوح لها خارجة ..
رؤيتها لأمها .. و انفصال روحها للحظات عن كل ما قد تفكر فيه باستثناء صحة تلك الغالية .. جعلها أكثر هدوءا ..
شيء واحد رددته في داخلها بتصميم ..
لا يهمها .. و لن تكترث لمن و لما ستلاقي هناك .. هم مختلفون عنهم .. و خارج حدود دنياهم ..
عليها أن لا تسمح لهم بالتأثير عليها .. و زعزعة ما هي عليه ..
.
.
- حووووور أباااا اسير وياكم ،،
كان ذاك صوت مزنة التي تقف بباب الصالة تغالب دموعها ..

* * * * *

في مكانها الذي اعتادت اعتكافه كل عصر ،، لا يجالسها سوى السكون الذي لا يقاطعه شيء ..
و لكن اليوم كان لعبراتها حكاية ،،
حقا لا تجد تفسيرا واحدا .. هل كذب عليها ..؟؟
ذاك الحفيد .. بل هو ابنها .. ذاك الذي اعتنت بصدقه منذ صغره ..
وعدها بأنها ستحضر . و أنها ستكون هنا في الصباح ،،
لم يناوش عينها الرقاد ليلة الأمس .. وهي ترسم مئات الصور لها ..
لشيء يربطها بابنها البعيد .. شعرت بشيء كقسوة الشوق يحرق إحساسها ..
و عين ساهدة ،، تأبى أن تغفو للحظات .. فيدركها النهار و يمضي ..
فلا تراها ..
و لا تلتقي عيني ابنها في وجه تلك الشابة ..
حلم أمست ترجو قدومه أرادت أن تحويه عيناها المفتوحتين ..
لكن يبدو أن الحلم يأبى إلا مسكن النوم في روحها ،، لذلك لم تأتي ..
أتى الصباح حاملا عل كتفيه خيبة مرّة ..
و xxxxب الساعة تواصل المسير باجتهاد ،، و كأنما لا تبغي من مضيها سوى أن توجع قلبها المسن ..
و اللحظات تمضي دون أن تقبل تلك المنتظرة ..
الآن ..
تجلس هي هنا ..
لم تعتد تنتظر أحدا .. حتى هو ..
لا تريد أن تلتقي بعينيه .. فترى ما لا تتوقع .. هل كان جادا .. و أخلفت هي الوعد ..؟؟
أم كان يصبرها بكذبة لم تكن أقسى قط ..؟!
شعرت بحرارة دمعة تلسع مؤخرة مقلتها .. و الشمس تلفح حزنها .. صمتها ..
و السكون ..
لتخفض رأسها بانكسار متلوع ..
لا شيء قد يمزق الروح و ينثرها لأشلاء ،،
كدنو الحلم من الحقيقة ..
و انفلاته ..!!
لن تروى عبراتها جفاف القلب بعدها ..
لن تفعل ،،
أبـــدا ..!

* * * * *

رغم وسع السيارة الفاخرة التي كانت في انتظارهن .. إلا أنهن تزاحمن في المقعد الخلفي ..
و السيارة منطلقة نحو المجهول .. بدا أن توتر حور السابق انتقل لأخواتها في حين تداركتها الثقة و هي تجلس بينهن بهدوء ..
ابتلعت نورة ريقها بضيق و هي تتساءل ..
- لو يبنا نايف ويانا هب أحسن من اليية ويا الدريول بروحنا ..؟؟ مادري أبويه كيف سواها ..!! ما حيده كذيه ..!
أجبتها حور و هي تلتفت للمها التي كاتن تعقد أصابعها في حجرها .. بدا واضحا أنها مرتبكة ..
- أبوية ما يبا نايف يي عندهم ..
ارتجف صوت دانة ..
- ليش ..؟؟
هزت كتفيها بعدم درايه ..
- مادري .. و صخن شوي .. سوالفكن خلنها للبيت الهندي يتسمع ..!
عفرا لم تنبس ببنت شفة منذ خروجهم من البيت و لامها بدا أنها تتحكم في نفسها بصلامة .. اذا لم يبدو غير ارتباكها أي شيء قد يدركه من حولها ..
كانت السيارة تتجتاز طرقات المدينة المعروفة قبل أن تنحرف لطريق فرعي يعرف بـأنه يؤدي للممتلكات الخاصة ،،
للحظات و يجتازون طريقا محفوفا بالنخيل .. و دانة تهمس لعفرا ..
- تخيلي هالهندي يبا يخطفنا و نحن ما ندري وين مودنا ..؟؟؟
ابتلعت عفرا ريقها بتوتر ..
- انطبي انتي و هالأفكار .. خلينيه أسترخي ..
نظرت لها دانة شزرا .. الحقيقة أنها كانت خائفة .. هذه تجربة لم تخضها من قبل ..!!
همست نورة برهبة ..
- شكلنا وصلنا ..!!
تلك الهمسة أرسلت العدة في أجسادهن ،، و السيارة تبطئ سيرها مع اقترابها من تلك الأسوار الحجرية العالية ..
حور تضع كفها على صدرها لتخنق ضربات قلبها التي بدأت بالتسارع مجددا ..
أغمضت عيناها بعد أن رأت السيارة تتوقف عند البوابة الحديدية الضخمة ،، و سائقها يطلق زمورها منبها لوصوله
أطلقت نفسا مختنقا و هي تستنشق الهواء بعمق ..
.
.
إلهي ،،
بث في قلبي ثباتا ،، امنحني القليل من القوة ..
.
.
شهقة المها المذهولة قرب أذنها أجبرتها على فتح عيناها ..
أجفل قلبها بقوة .. و هي ترى المساحة الشاسعة المزرعة التي يقطعونها و هم متوجهين للمبنى العملاق الذي ربض على الأرض أمام أعينهن ..
لا صوت يتردد للحظات في جو السيارة ،،
حتى صدى الأنفاس .. بد أنهن للحظات خشين أن يغرقن صدورهن بهواء هذا الحلم .. الذي بدا مخيفا للحظات و هن يقتربن من تلك الفيلا العملاقة ..
صوت دانة المذعور يتردد في الجو الساكن ..
- بيتهم عود ..!!
بدا أنها تترجم أفكارهن ..
.
.
تتوقف السيارة أمام الدرج الرخامي المؤدي للمدخل الضخم ..
ليلتفتن الى بعضهن بتوتر .. لا تلامس أعين احداهن الأخرى من خلف غطاء أوجههن الغليظة ..
تتمالك هي نفسها .. عليها أن تكون ثابته .. ليست لوحدها .. هناك من يعتمدن على قوتها الذاوية ..
- يا الله انزلن ..
نظرن اليها و كأنما لا يردن ذلك ..ربتت على كتف المها دون أن تنظر لهان .. و هي تشير لها بأن تفتح الباب بسرعة ..
هه ..
بسرعة ! قبل أن تخذلها شجاعتها و تأمر الشائق بإعادتهن إلى البيت ..!
فتحت المها الباب بطاعة .. لتنزل مفسحة لمن خلفها بالنزول ..
الآن باب السيارة مفتوح .. و المها تقف أمامها على تلك الأرض المجهولة ..
ابتلعت ريقها .. لتدفع نفسها للنزول .. قدمها تطأ تلك الأرض بهدوء .. و صوت انفتاح باب السيارة الآخر يصل لمسامعها ..
ما إن أغلقن بابها حتى انطلقت تاركة إياهن واقفات في مواجهة ذاك الدرج الامع تحت أشعة الشمس الحارقة ..
ينظرن اليه بتوتر ..
حور تشد قبضتها بقوة .. ليس على الأمر أن يطول .. فليدخلن بسرعة .. يسلمن عليها .. و يخرجن من هذا المكان ..
سيعودن فورا إلى البيت .. حيث تلك المساحة الضيقة .. الدافئة ..
الآمنة ،،
قالت بقوة ..
- يا الله بنحدر ..
تحركت إلى الأمام بتصميم ..
خطوتان .. و تلتفت إلى الوراء بدهشة ..
- شعندكن واقفات ..؟؟؟
تكلمت عفرا بصوت مرتجف ..
- حور .. سيري انتي أول .. شوفي امنوه داخل و تعالي خبريناا ..
بدا أن غيرها استحسن الفكرة اذ أيدتها دانة بسرعة ..
- هيه هم لي زاقرينج .. و نحن زيادة عدد بس ..
نظرت لهن حور بغيظ شديد ..
- و الله لو ما تحركتن قداميه ما بييكن خير .. يا الله أشوف ..
.
.
و لكن لم تنم عنهن أدنى حركة .. حتى المها التي واضح أنها لم تسمع شيئا من ذلك .. إلا أنها لن تتحرك إلا مع العدد الأكبر ..
قالت نورة بصوت مقنع ..
- سيري دقي الباب ز شوفي هاليدة وينها .. و خلاف تعالي زقرينا بنسلم و نتوكل .. هي تباج انتي .. و نحن يايين رزة فيس بس ..
الآن يتصارع الغضب مع اليأس في نفسها ..
- و الله لو ما مشيتن قداميه .. ليوصل الخبر عند أبويه ..
لم يبدُ هذا التهديد ذو أثر على عنادهن ..
تنهدت حور بخوف بدأ يتملكها ..
ماذا ..؟؟ أ عليها التوجه للقاء تلك المرأة لوحدها و تمهيد الطريق لشقيقاتها ..؟؟
- يا النذلات .. و الله لداويكن ..
و التفتت مجددا تنظر لباب .. تجر قدميها .. و الارتباك يتصاعد داخلها ..
رئتيها تعب من هواء العصر الساخن بسرعة ..
و هي ترتقي الدرج الأبيض ،، خطوة .. خطوة ..
الآن هي أمام الباب الخشبي الضخم .. و جرسه الأنيق يستفزها ..
يطالبها ساخرا بأن تقرعه ..
اصبع مرتعشة تلك التي مدتها لتضغط عليه ،، و ما إن انطلق الصوت عاليا ليصلها و هي تقف في الخارج ..
حت تمنت لو أنها لم تفعل .. أرادت في لحظة الاستدارة للجري عائدة للبوابة .. لا يهمها ان عادت الى البيت على قدميها ..
فقط أربكها وجودها هنا .. تشعر بأنها غريبة عن هذا المكان الموحش .. الضخم .. الهادئ ..
لحظات .. و صوت الخطوات يتردد قادما من الداخل .. قبضة الباب تدار بسهولة .. فيما تغمض هي عينيها من خلف غطاء وجهها ..
رباه ..!!
- Yes ؟؟
رفعت عيناها للخادمة القصيرة التي تساءلت و هي تقف عند الباب ..
بلعت خوفها تجلي حنجرتها لتقول بصوتٍ مبحوح ..
- أم علي وين ..؟
نظرت لها الخادمة بحيرة ،، و هي تطيل النظر فيها ..
- Who are you ؟؟
هل تعلم الخادمة بأمر مجيئها ..؟؟
- حـــــور ..
سرعان ما تبددت الحيرة لتحل مكانها ابتسامة كبيرة ..
- أووه مدام .. ماما نوراا قول انتي يجيي سوبه .. بس انتي سوي تأخير .. تفدلي أنا خبر ماما الهين ..
لم تبالي حور بالانقلاب السريع للغة الخادمة و هي تخطو عتبة ذاك المنزل لأول مرة ..
تخفض بصرها .. خائفة مما قد تراه إن رفعت عينها ..!
شيء واحد تبادر لذهنها و الباب ينغلق ببطء من خلفها ..
.
.
لقد كانوا في انتظارها ..!
.
.
تخطو بهدوء على الأرض الصلبة .. و هي ترفع رأسها ،، لثانية شعرت بهلع و هي تدير عينها فيما حولها ..
الردهة الفسيحة و قد توزع على وسعها الأثاث الفاخر المتناثر ،، و الديكور الفخم ..
الدرج العملاق الذي توسطها .. و الثريات الضخمة التي توسطت السقف العالي ،،
.
.
الخادمة تقودها نحو غرفة الجلوس و هي صامتة ،، تفتح الباب و تتنحى جانبا تدعوها للدخول قائلا ..
- تفدلي مدام .. الحين ماما نوراا يجي ..
و خرجت لتغلق الباب خلفها ،،
نظرت هي لهذه الأرائك الوثيرة ،، و الجلسة الأرضية الأنيقة التي وضعت في الزاوية البعيدة ..
كل شيء نظيف .. و لامع .. كل شيء متكامل .. و فاخر ..
أغمضت عيناها و ذهنها يصفو للحظات ..
هن فقط خمس فتيات .. ضعيفات ،، لم يحلمن قط بزيارة مثل هذا المكان في أوهامهن ..!
أدركت بأنهن وحيدات هنا ..!
.
.
ضمت حقيبة يدها البسيطة لصدرها بمرارة ..
حمقاء .. حمقاء ..
هذا ليس بمكانهن ..
كان عليها أن ترفض المجيء .. أن تعارض أباها .. تناقشه ..
ما الذي جرت نفسها إليه بالقدوم إلى هنا ..
هذا المكان غريب عنها تماما ..
لا تعرفه .. و تعرف سكانه ..
أجفلت و صوت الباب يفتح بهدوء يتعلق نظرها به .. مترقبة من سيدخل عبره ..
لا تتبين الرؤية خلف غطاء وجهها جيدا .. ترفعه لأعلى بيد مرتعشة ..
كاشفة عن وجهها ..
و وجه تلك القادمة ..!
امرأة ضئيلة الجسد ،، بدا أنها كبيرة في السن و هي تتقدم نحو حور بحركة بطيئة ..
تلك التجاعيد التي تتزاحم على وجهها الوقور ..
من هذه المرأة ..؟! أيعقل أن تكون جدتها ..؟!
تقترب العجوز أكثر و شبه من رجل أنجبها يلوح بين خطوط الزمن العتيقة ..
عيناها الواسعتين رغم تقدم سنها تمتلآن بالدموع .. و هي تهمس بلهفة دون أن تسلم حتى ..
- حــــور ..؟
حور لا تتحرك .. عيناها المتوجستان تراقبان هذه المرأة الغريبة .. و هي تبتلع ريقها بقلق ..
تومئ برأسها موافقة ،،
شيء مختلف يتألق مع دمعة وجدت الطريق لتنحدر على وجنتها ..
احساس سكن تلك العبرة اليتيمة .. و العجوز تمد ذراعيها بوهن ..
تدعوها للإرتماء في حضنها ..
ترجوها بأن تسمح لها بأن تزرع حنان أم لم يُظِلَّ إبنها منذ سنوات ..
تتوسلها بأن تأذن لها أن تلمس قربها .. أن تشم رائحة فقيدها ذاك ..
و صوتها الضعيف يتهدج قائلا ..
- تعالي سلمي يا أميه ..
.
.
كان خافقها هادئا الآن ..
لم تكن تتوقع أن ترى هذا الإنكسار من ساكنة هذا الجبروت ..
أم أنها لم تكن تتمنى ذلك ..؟!
لم ترد أن تشعر بأنها لم تنسى ابنها ..
تتقدم بلا شعور إلى حيث تقف المرأة تنتظرها .. و يداها لا زالتا معلقتان في رجاءها الصامت ..
تصلها بهدوء سيطر على قلب حور و تلك تلفها بذراعيها الناحلتين ..
لترتعش الأولى و هي تشعر بنحول جسد العجوز الدافئ ..!
و هي تبحث عن احساس حائر في حنايا فؤادها المشتت .. شيء واحد أدركته ..!
.
.
رابط قوي بينها و بين هذه الغريبه ،،
رغم ذلك .. لا احساس تلمسه اتجاهها سوى الضياع في أمانٍ تلمسه بين ذراعيها ..!!
.
.
.
.
كانت هي تشدها لأحضانها بظمأ أظناها لدهور ،،
كانت قد فقدت الأمل في هذا اللقاء ..
هذا حلم تعتصره بين ذراعيها .. و روح ابنها تسكن هذه الشابة التي تنظر اليها بعينيه ..!

* * * * *

تنزلق البوابة الأمامية بهدوء أمام عينه و هو يزيح - الغترة - عن رأسه ..
كان عائدا للتو من الشركة بعد أن قضى نهاره هناك .. استغل وقته جيدا لقضاء الكثير من الأعمال التي كانت بانتظاره ..
الآن و هو يقطع البوابة المفتوحة براحة ،، يشعر بالاسترخاء ..
لا بد أنها سعيدة الآن .. ناوشت شفتيه ابتسامة حانية و هو يتخيل وجهها الضئيل يشع فرحة ..
لا شيء يضاهي إحساسه زرع السعادة في روح تلك الغالية ،، و الأهم دون أن تكتشف ما قد يحزنها من كذبه ..!
أدار المقود و هو يدخل سيارته الفارهه في الموقف الخاص بها ..
في اللحظة التي انطلق فيها صوت هاتفه ليشق سكون سيارته ..
نظر للرقم الذي تراقص على شاشة هاتفه بعجب ،،
غريب ..!
.
.
.
.
.
يقف جنبا إلى جنب .. و عفرا تشعر بتوتر المها التي تعتصر ذراعها بخوف .. صوت نورة المرتجف و هي تقترب منها ..
- يمييييييه .. منوه هذا ..؟
قال دانة بخوف ..
- واحد من عيالهم .. يا ربيه .. ياي هنيه ..
كانت عفرا ترتعد بقوة و هي ترى ذاك الرجل الطويل ،، عريض المنكبين متقدما نحو البيت .. خطواته الواسعة تقطع المسافة بسهولة و هو مشغول بهاتفه الذي ألصقه في أذنه ..
كان يقترب بسرعة .. و بدا للحظات أنه لم يلاحظ وجودهن ..!
و صوته الرجولي الخشن يعلو و هو يتحدث بتكبر .. قبل أن يتوقف فجأة في مكانه و يدير رأسه الى حيث يقفن ..
.
.
رآهن الأربع الفتيات اللواتي وقفن قرب درج المدخل .. لباسهن البسيط الذي بدا رثا لعينه التي اعتادت أناقة شقيقاته البالغة ..
و اقترابهن من بعضهن بارتباك .. أدركْ ببساطة من هن ..!!
و لكن ما أثار استغرابه و حنقه هو كيف دخلن إلى هنا ..
لا زال بطي يثرثر بلا توقف في الهاتف ،، فيما مد يده هو إلى جيبه و هو يقترب منهن مخرجا محفظته ..
ليلتقط منها ورقة نقدية تساوي الكثير ليمدها بشرود لتلك التي بدت أطولهن ..
كن يقفن جنبا إلى جنب يلتصقن ببعضهن و كأنما يخشين أذية قادة و الرجل يبعد عنهن لحظات و هو يمد يده لعفرا التي شدت على يد نورة بارتياع ،،
نظر لهن بعجب من ترددهن في أخذ المال .. ! فعلم في الحال أنهن يستحين أن يأخذنه منه ..
إقترب ليضعه على العارض المجاور لمكان وقوفهن عند الدرج ..
و دانة تهمس بصوت خافت و قد بدا أنها الوحيدة التي أدركت الموضوع ..
- السبال يتحرانا طرارات ..!!!!!!!!!
ترددت الكلمة لبرهة فقط و هو يرتقي الدرج قبل أن تثور نورة و هي ترفع صوتها ..
- لـــــــــو سمحـــــــــــــت ،،
قرصتها دانة بقوة و عفرا تلكزها في خاصرتها .. فيما ندمت هي على الفور ..
ما الذي فعلته ..!!
توقف هو في مكانه للحظة دون أن يستدير لهن .. موليا ظهره لأوجههن .. قبل أن ينهي مكالمته بعجل و يعود لينزل مرة أخرى و الغيظ على وجهه و هو يسأل بصوته الخشن ..
- نعم ..؟؟
تظاهرت بالقوة و هي تشير للمال الموضوع على الدرج بصوت مرتجف ..
- خذ فلوسك ..
ازداد حاجبيها في الانعقاد قبل أن يضع يده في محفظته مجددا مخرجا ورقة نقدية مشابهه ليضعها بجانب الأولى باحتقار ..
- شليها و شلي عمرج و اظهري من هنيه .. توكلن على الله ..
و استدار دون ان يعيد النظر إليهن متوجها بسرعة قبل أن يختفي خلف الباب ..
فجعت عفرا بما فعل و هي تقول بصوت متهدج ..
- زين لي سويتيه يا السبالة .. يتحرانا طرارات و هب راضيات عن لي عطانا .. يا ويل حاليه .. وينها حور ما ردت ..!! ليتنا دخلنا وياها ..!!
.
.
.
في اللحظة التي أغلق فيها باب المدخل الخشبي بعصبية صاح بقوة ..
- أمينــــــــــــــــــه ..
.
.
.
.
.
انتفضت حور بقوة و هي تبتعد عن العجوز و صوت رجل يخترق سكون المكان تردد الجدران أصداءه بقوة ..
تهلل وجه العجوز بفرحة ،، و هي تنظر لحور بحب ..
- هذا غيث .. رد من الشركة ..
غيث .. غيث من ..؟؟!!
و للحظة هبط الإدراك عليها كمصيبة .. شعرت بأنها لا تقوى الوقوف على قدميها ..
و ارتجف صوتها .. لتتناسى كل شيء ..
- خواتيه برا .. واقفات يرقبنيه ..
عقدت العجوز جبينها بحيرة ..
- خواتج ..؟؟
كادت حور تبكي و هي تدرك أي مأزقٍ ألقت بنفسها فيه ..
- هيه خواتيه أربع يرقبنيه أزقرهن ..
تحركت العجوز بسرعة نسبية لكبر سنها .. متوجهه نحو الباب ..
- لا تروعين .. الحين بخلي أمينة تزقرهن ..
و خرجت مغلقة الباب خلفها ..
كادت حور أن تجلس على الأرض و هي تشعر بأنها على وشك الوقوع .. انه هنا ..
إلهي .. إلهي .. كيف سأتمكن من الخروج ..!!
.
.
.
.
كان الشر باديا على وجهه و هو ينهر الخادمة التي بدا أنها ليست أفضل حالا من حور ..
- منوه هاييلا لي عند الباب ..؟؟
قال بخوف ..
- هازا يجي مسان ماما نووراا ..
قبل أن يردف شيئا آخر .. داعب صوتها الهادئ أذنه و هي تقول ..
- خلها ياا غيث عنك .. هاييلا حريم ياياتنيه .. امينة سيري دخليهن ..
أقبل هو ليقبل رأسه و هو يبتلع عصبيته التي تتصاعد بقوة .. يعلم أن أمه لا يمكن أن تعرف أحدا بهذا المنظر الرث ،، لا بد أنهن متسولات و تريد إدخالهن البيت ..
- شحالج فديتج ..
- بخير يعلنيه هب بلاك .. احدر ميلس الحريم عدنا عرب بيسلمون عليك .. و خلنيه بشوفهن الحرمات ..
قال ببرود يخالجه ،، ليس في مزاج لتبادل المجاملات بعد انفعاله للتو ..
- عرب منوه يا الغالية ..
ابتسم بهدوء و هي تقول بثقة ..
- عرب طيبين .. حدر و بتحب راسي عقبها ..
بادلها ابتسامتها الحنونة و هو يقبل رأسها ..
- أحب راسج كل ساع .. هب الا لو شفت عربج ..
ربتت على كتفه قبل أن يتركها متوجها نحو المجلس ..
.
.
.
.
تقف هي قرب الأريكة الوثيرة بعد أن أعادت غطاء وجهها بارتياع لتخفي ذعرها .. تعتصر حقيبتها ..
و صوت خطوات على الأرض الرخامية يتردد قادما نحوها ..
هذه ليست خطوات العجوز ..!!
للحظة غبية راودتها فكرة مجنونة أن تختبئ خلف إحدى هذه الأرائك ..!!
قبل أن تتوالى طرقات سريعة على الباب و صوت رجولي غليظ يتردد قرب الباب ..
- هوووووود ..
شعرت بخفة في رأسها و دعت بصمت ان لا تفقد وعيها خوفا ..
تمرر يدها على غطاء وجهها لتتأكد أنه لا يظهر شيئا .. لحظات و صمت مطبق قبل أن يفتح الباب بقوة ..
و دلف رجلٌ مع الباب ..!!
لم تتبين وجهه بوضوح من خلف غطاءها و هي تتراجع خطوة للخلف دون أن تشعر .. شعرت بنبضات قلبها تخنقها .. و رجل فارع الطول .. عريض المنكبين .. و قف بثقة يسد مدخل المجلي مواجها اياها ..!
في تلك اللحظة تمنت لو أن هذا كابوس و يوقظها صوت أبيها مناديا إياها لصلاة الفجر ..!
ينظر هو إليها باستغراب شديد ،، عيناها تتأملانها من الرأس إلى القدم ..
الملابس البسيطة التي ترتديها تلك الشابة التي انزوت بخوف في الطرف الأقصى لا تتلاءم بتاتا مع منظر المجلس المترف ..!!
كان صوته صارما و هو يسألها بنبرة آمرة ..
- منوه انتي ..؟؟
ارتجفت حور و هو يوجه الكلام لها مباشرة .. حتى أنه لم يلقي السلام .. ألا يعرفون تحية الإسلام في هذا البيت ..
كان يقف هناك و هو يحملق في منظرها بتكبر .. منتظرا أن ترد عليه .. أطلقت نفسا مرتجفا .. و صوتها الضعيف يصل لمسامعه ..
- أنا حور بنت حمد ..
.
.
.
.
للحظات ظن أن أخطأ السمع ..!!
صمتٌ مدوٍ راح يضج في الغرفة .. قبل أن يستوعب ما قالت .. لتتسع عيناه بشيء لم تفهمه .. أمسك الباب ليغلقه بقوة .. فيطلق صوتا حادا مع انصفاقه في مكانه مستقرا ..
كادت أن توقع حقيبتها .. وقٌلبها .. و هي تنظر له بخوف ..
لماذا أغلق الباب ..!!
التفت إليها بحقد و هو يقول بقسوة ...
- أنا ما قلت لأبوج يطرشج الصبح ..؟؟ شوه يايبنج الحين ..؟؟
رغم اقترابها من الانهيار .. إلا أن كلمة واحدة استفزتها دون أن تجيب..
شيء جعلها تكابد عبرة أغرقت الرؤية أمامها و هي تسمعه ينطقها - يطرشج - ..!!
عليه اللعنة .. هو من طلب حضورها إلى هنا .. ليست بجاريه لديه ..
تكافح دموعها التي حتما لن يراها من خلف غطاءها ..
و لا ترد عليه .. فيما تحرك قليلا بغضب في مكانه .. لم يتخيل قط أن مخططه المحكم سيبوء بالفشل ..
لم يتبادر لذهنه الذكي أنها تفسد كل شيء ..!!
نهرها بصلابة ..
- بلاج صاخة .. ليش ما تردين ..
رآها ترتجف و هي تتراجع خطوة أخرى للوراء ..
شعر برغبة عارمة أن يتقدم إليها و يهزها بقسوة .. هذه الحمقاء اللامبالية ستوقعه في مشكلة الآن ..!
تقف هناك خلف حاجز هذه الأغطية الرثة ..
ثم ......
مهلا ..
التفت يسألها باستنكار و هو يشير إليها بغرور ..
- و شعندج متغشية ..؟؟
رآها تشد بيده تثبت الغطاء و كأنما تخشى أن يطير فجأة ،، كاد يشخر ساخرا مما قد يذهله خلف غطاءها هذا ..
الحمقاء .. تنسى أنه زوجها ..
ثم نظر لها بطرف عينه بتكبر .. هل هذه من يفترض أنا تكون زوجته هو ..؟!
.
.
لابد أن قلبها قد بدأ مراثون الدق منذ بدأ هذا الرجل في الصراخ و كأنها خادمته ..
و يسألها لما تتستر منه ..
المتعجرف .. لماذا ينظر لها هكذا ..؟؟
إنها لا تعرفه .. و لا تريد أن تفعل .. لا يهمها إن كان زوجها في تلك الوريقات البائسة ..
هو غريب .. غريب ..
غريب و تجمعها معه غرفة واحد .. أغلق بابها ..
كادت أن تبكي بصوت عالٍ و هي تفكر بذلك .. كيف سمحت لنفسها أن تقف مكتوفة اليدين ..
لا تكترث لما قد يربطها به .. فقط تريد الخروج .. لا تريد أن يختلي بها رجل .. لا تؤمن نفسها إلا بأنه لا يمت لشعورها بأدنى صلة ..
شعرت بالبرود يسري في أطرافها ..
ماذا ستفعل الآن ..؟؟
و كـأنما أتت الإجابة على سؤالها .. الأصوات المختلفة القادمة من الردهة نحو الباب ..
رأت الإدراك على وجهه و هو يشتم بقسوة ..
و في لحظة فقط بدأ بالتحرك .. قطع المسافة الفاصلة بينهما بخطوات واسعة سريعة ،، لم تجد في نفسها القدرة حتى أن تتحرك ..
و هو يقترب منها بسرعة ،، قبل أن يرتد النفس المذعور في صدرها .. كان قد مد يده ،، ليسحب غطاء وجهها بحركة سريعة و هو يقبض على معصمها الصغير باليد الثانية ليجرها فتقف خلفه تماما ..
بدا أن العالم قد توقف في تلك اللحظة .. و هي تنتفض بشدة و عيناها لا ترتفعان عن الأرض .. تشد معصمها الهش من بين أصابعه المحكمة .. فيما بدا هو غير مبالٍ بمحاولاتها لتملص ..
عيناها القويتين ترتكزان على وجهها بتفحص ،، بشرتها الصافية الخالية من أي مساحيق و غطاء شعرها المحكم حول رأسها لا يسمح لأي خصلة بالتمرد ،،
بدت بعباءتها القديمة .. و ووجهها الصافي مختلفة تماما عمّا توقع ..
شعر بوخزة ذنب قوية و هو يرى الدموع الحبيسة تتألق في عينيها المرتبكتين اللتان راحت تنقلها من الباب إليه بخوف .. و هي تهمس بصوتٍ مبحوح ..
- ودرنيه ..
اللعنة .. هذه الفتاة صغيرة للغاية ،، يستحيل أن تكون في الثالثة و العشرين من عمرها ..!!
لا يمكن أن تكون هذه من يفترض بها أن تكون زوجته ..!!
فتح الباب بهدوء شديد .. ليلتفت له بسرعة .. كما توقع تماما .. جدته ..
و لكن ليست وحدها ..!!
الشابات الأربع اللواتي يقفن خلفها .. نفسهن من إلتقاهن عند الباب .. متأكد من ذلك ..!!
ابتسمت جدته بحنان شديد و هي تقول له ..
- خل البنية تيلس يا غيث ..
حمد ربه على سرعة تصرفه و هو يتخيل الأفكار التي ستدور في ذهنها و هي ترى الفتاة تختفي منه بتلك الطريقة ..
حتما ستردك أكاذيبه الواسعة تلك .. !!
أطلق يدها و هو يتأكد من أن الصورة قد انطبعت في مخيلة العجوز .. و لكنها لم تتحرك .. ظلت تقف خلفه و كأنما تختفي عن أعينهم جميعا ..!
عيناها لا تترك أرضية المكان و هي تعض شفتها بقسوة ..
شعر بان عليه أن يترك المكان بسرعة و جدته تحث البنات على الدخول ،، لم يجد نفسه قط في موقف أكثر تعقيدا من هذا ..
زوجة غريبة يفترض بأنه يعرفها جيدا .. و بنات عمٍ اعتقدهن متسولات ...!
ادرك بأنه سيفقد هدوءه .. لذلك استأذن و صوته يرتفع في المكان بسلطة ،،
- أنا أترخص .. خذوا راحتكم ..
و بمجرد خروجه من الباب رفعن البنات جميعا أغطيتهن .. و أعينهن على حور التي لا تزال واقفة في مكانها ووجهها للأرض ..
الحيرة تلوح على وجوههن ،، و كأنما لا يجدن تفسيرا أو وصفا لما رأين..!!

* * * * *

الجو في السيارة التي انطلقت بهن عائدات للبيت مختلف تماما حين كن قادمات إلى هنا ..
أسندت رأسها بهدوء لزجاج النافذة و صوت دانة المرح يصلها ..
- ما توقعت يدووه كذيه .. فديتاا و الله انيه حبيتاا ..
وافقتها نورة الرأي ..
- حتى أنا يوم كنت أفكر فيها .. أتخيل الآنسة منشن .. بس حليلها .. طلعت شرات ايميليا خت الآنسة منشن ..
ضحكت دانة تلكمها في كتفها ..
- ههههههههه .. مالت عليج انتي و هالتشبيه .. بس وايد ضعيفة .. صح ..؟؟
عفرا كانت هادئة لا تنبس ببنت شفة .. و المها تراقب أختها الكبرى التي يقف غطاء وجهها حائلا بينها و بين عينيها ..
كانت قلقة للغاية .. فمنذ دخولهن للبيت لم تنطق بحرف واحد ..!! مدت أناملها لتقرص ذراعها بخفة تنبهها ..
رأت رأسها يستدير نحوها .. فأشارت بيدها لها بتساؤل .. فهمت حور قصدها .. فهزت رأسها نفيا ..
تنهدت المها و هي تسند ظهرها للخلف مع ضيق المساحة بتحاشرهن ..
ليس هذا الوقت و لا المكان المناسب لاستجوابها على كل حال ..!
.
.
خلف الغطاء الذي شكل حاجزا ،، يخفيها عمن حولها .. استسلمت هي لسطوة الألم الذي تشعر به و هي تأذن لعبراتها بغسل ذاك الضيق الذي اكتنف روحها ..
كانت تشعر بالاختناق .. تريد أن تصيح بالسائق أن يتوقف .. لتعود إلى البيت راكضا على قدميها .. و هي تلهث ..
تشعر بأن الأنفاس لا تصل لرئتها ..!
ضمت أناملها لشفتيها تكتم آهه كادت أن تنفلت من بين شفتيها ..
لم يحدث في حياتها قط أن اقترب منها رجل غريب بهذا الشكل ..
و ذاك .. ذاك الحقير ..
كيف تجرأ على فعل ما فعل .. كيف سمح لنفسه بأن يسحب غطاءها ..
أن يكشف سترها ..
لا يهمها من هو .. لا يعني لها شيء ذاك المتعجرف ..
كيف استطاع أن يزيل حشمتها .. و كشف وجهها ..
لا يحق له .. الغريب ..
لا يحق له ..
عضت شفتها السفلى بقوة حتى كادت تدميها .. و دموعها المرتجفة تواصل الانهمار ..
المتعجرف .. من يظن نفسه ..!!
.
.
- صح .. حور يا مسودة الويه .. شوه كنتي تسوين ويا ريلج هناك ..؟؟
أتاها صوت دانة المازح و كأنما تذر الملح على جرحها ..
ظلت تريح رأسها دون أن ترد .. و صوت عفرا ينهر دانة بقسوة ..
- انطبي يا الهبله ..
لم ترد دانة .. و قد شعرت بأن خطبا ما في أختها ..!! و غضب عفرا دليل قوي على ذلك ..
رأت نورة تدير رأسها لحور التي استندت على النافذة المظلمة ..
و قبضها قلبها بخوف .. فسألت عفرا بصوت قلق ..
- بلاها حور ..؟؟
كان صوت عفرا غير مرتاحا .. و هي تتنهد بهمس ..
- مادري ..!

* * * * *


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-16, 08:36 PM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\

الخطـــــــــــــــوة الرابعـــــــــــــــــــ ـة .. }




[ خطوات متعثرة ،، ]






الظلام الدامس ..
اللون الأسود يكسو كل شيء ،،
لا خيطٌ واحد من الضوء يخترق هذه الظلمات .. و برودة جو الغرفة تجمد أنفاس من رقد فيها ..
صدره يرتفع و ينخفض بسرعة ..
و كأنما يختنق ..
.
.
أو أن الأنفاس تخذله ..
يقارب الموت ..
يقاربه ..
خفقات قلبه تتسارع بجنون و هو يصارع ..
أنين خافت يخرج من بين شفتيه ،،
شيء يمزق الروح ..
أكان يقاوم ..؟؟
يستنجد ..؟
.
.
أم أنه آثر الاستسلام ..
ها هي الأنفاس تعلو ..
تعلو ..
ليفتح عينه في الظلام فجأة .. يده تلتمس قبسا من نور يعيد له الحياة ..
يضيء ضوء المصباح الواهي بجانب سريره الفسيح ..
صدره القوي العاري يرتفع و ينخفض بجنون ..
و وهو يمسح وجهه بقوة .. يعب الهواء بسرعة ..
قطرات عرق صافية تتألق على جبينه رغم برودة جو الغرفة ..
و الغثيان يتصاعد داخله ..
.
.
هـــذا الكابــــوس مجــــددا ..!

* * * * *

- دانووووووه ،، سكتي هالعيوز .. لا تتصفعين انتي وياها ..
صوت نورة يصيح من داخل الغرفة و هي تضحك ..
- وين بتحصلينها عسب تصفعينها .. ظنتيه ماتت هاي من يوم يدي .. و كلها الدود ..
تجاهلتها حور و هي تمرر المشط في شعر مزنة التي بدا عليها الضيق .. و هي تعود للصياح لدانة التي بدا أنها تنوي إسماع سكان الحارة جميعا صوت العجوز تلك ..!
- داااااااانه .. قصري حس الراديوو ..
تذمرت مزنة بصوت عالٍ ..
- حور عورتينيه .. و صوتج عالي ..
لحظات و ينخفض صوت الأغنية التي لا تزال مسموعة في الصالة الضيقة ..أطلت برأسها من باب الغرفة و هي تكمل تزرير قميصها المدرسي ..
- هاا الشيخة حور .. قصرنا الصوت .. أي طلبات ثانية ..؟؟
عقدت حور جبينها تستعجلها ..
- هيه خلصن بسرعة الساعة سبع و ربع .. باقي ربع ساعة ع الباص ..
- خلصت أنا بلبس كندورتيه و العباة و ظاهرة .. عفاري وين ..
شدت حور رباط شعر مزنة قبل أن ترفعها واقفة بخفة ..
- ترقبكن في الحوش .. بسرعة ..
اختفت دانة في الغرفة .. قبل أن تساعد حور مزنة في ارتداء ملابسها ..
فتح باب غرفة أمهن لتخرج منه هند تحمل حقيبتها .. نظرت لمزنة بهدوء ..
- خلصتي ..؟؟
أجابتها حور بسرعة و هي تضع طعام مزنة في حقيبتها ..
- هيه خلصت .. ارقبيها هنوده الين تركب الباص زين ..؟؟
أومأت هند برأسها و هي تدنو منها لتطبع قبلة على خدها .. و فعلت مزنة المثل و حور تبتسم بحب ..
- فديتكن و الله .. الله يحفظكن .. و يوفقكن .. ودعتكن الله ..
حال تجاوزهن الباب خرجت دانة بقوة من غرفتهن .. ترتدي عباءتها و بيدها حقيبتها المدرسية .. و باليد الأخرى غطاء وجهها .. و هي تقول بحماس ..
- تأخرت و الله ما بقى الا عشر دقايق من الباص .. - ثم صاحت - نوووووووري خلصتي ..!
ردت حور بسرعة ..
- نورة ترقبج برا .. خلصينا ..
اختفت دانة في غرفة أمها للحظات تودعها قبل أن تخرج بسرعة و هي تثبت غطاء رأسها و تطبع قبلة قوية على خد حور ..
- ما وصيج على فيروز .. أكليها و رقديها و وايقي عليها الين أرد .. تخاف تيلس بروحهاا فديتاا ..
ضحكت حور و هي تضربها على ظهرها ..
- اذا ما خشيت الراديو في مكان ما تحصلينه ما كون بنت ابويه .. أبااج تودرينه إثم هالعيوز ..
نظرت لها دانة بطرف عينها ..
- سهلة حبيبتي عنديه وسائل تجبرج على الاعتراف ..؟؟
- هه وسائل اعتراف أونه .. سيري يختي .. الحقي ع الباص .. محد بيوصلج ..
- لا تستهينين بي .. سهلة أتصل بالعيوز و أقولها تعزمنا بيتاا مرة ثانية .. و نشوف ريلج الغاوي مـ ...
اتعست عينا حور بشدة و هي تمد يدها لالتقاط شيء ما من حولها لترميه على دانة التي فرت ضاحكة و هي تصيح من الخارج ..
- أمزح وياج حوووووور .. ادعيييييليه ..
صاحت حور بغيظ شديد ..
- يااااااااارب يعطوووووونج الامتحاااان صعب اليوم و ما تفطنين منه سؤال واااحد ..
ثم همست بجهد ..
- استغفر الله .. الله يسهل امتحانها ..!! - ثم عاد تصيح - الله يوفقكن ..
تنهد و هي تهب من مكانها و تلتقط الصحن العريض التي توزع عليه أكواب الشاي و بقايا الفطور لتحمله للمطبخ .. وضعته على المغسلة لتخرج متوجهة لغرفة أمها ..
فتحت الباب بهدوء لترتسم ابتسامة حانية على شفتيها .. و عيناها تلامس ذاك المنظر ،،
أمها ترح رأسها على مخدة جلست المها عند رأسها و بيدها القرآن تقرأ بصمت و هي تمسح على شعر أمها الذي سقط عنه غطاء البيت القطني ..
عادت لتغلق الباب دون أن ينتبه لها أحدا .. و توجهت للمطبخ لتنظفه بسرعة قبل أن تأتي أمها عذيجة لأخذ أمها للمستشفى ..
شيء واحد خالجها و هي تفرك الأكواب بالاسفنجة الغارقة بالصابون .. و وجه أمها الحبيبة المتعب يعاودها ..
تمنت بقوة أن تكون بخير ..
لأجلهم ..!

* * * * *

يضم شفته و عينيه القاسيتين تضيق بتفكير حد و هو يسند يده على لحيته المشذبة ،، يسند ظهره على كرسيه الجلدي لمريح خلف مكتبه الواسع .. متجاهلا ذاك الذي يقف منتظرا منه إشارة واحدة ..
رفع عينيه له بشرود.. و ارتجف جسد الأخير و هو يفكر بما قد يدور في عقله الشديد التعقيد ..! هل أصاب في تبليغه قبل أمس بالأمر .. هل كان عليهم حل الموضوع دون العودة إليه ..؟؟
رفع رأسه أخيرا و هو يحرك مقعده و يقول ببطء ..
- بطي .. شفته الريال ..؟؟
أجاب بطي بسرعة ..
- لا طال عمرك .. بس هو قال لغانم إنه نسيبك ..! طال عمرك كنت بتصرف أنا وياه بس قلت أكيد حضرتك تبا تعرف الموضع ..
ضاقت عيناه بتفكير مرة أخرى ..
- متأكد من الاسم ..؟
هز بطي رأسه ..
- متأكد طال عمرك .. مايد سلطان ربيّع ..
الآن تنم عن شفتيه ابتسامه غريبة و هو يدق سطح المكتب بقلمه الفضي ..
- أهاا .. و شهادته ..؟؟
- من الدرجة الثالثة ..
- احتياطي يعني ..؟
- أكيد .. لن لي مقدمين غيره شهاداتهم أحسن ..
نظر له غيث بصرامة ..
- المهم اسمعنيه .. و سو لي أقولك عليه .. ردو عليه قبول ..
اعترض بطي بضعف ..
- بس طال عمـ ...
أسكته غيث بقسوة ..
- سمعتنيه .. ردو عليه قبول .. و حطوه في مستوى شهادته .. ان شا الله تحطونه في الكاونتر .. المهم تشغلونيه عنديه هنيه في الشركة ..
أومأ بطي بطاعة ..
- حاضر ..
أدر كرسيه نحو الأوراق التي تناثرت في الطرف الأقصى من مكتبه ..
- توكل شوف شغلك .. و طرش ليه محمود ..
- حاضر طال عمرك ..
التقط الملف من على المكتب ليخرج بسرعة ،، حالما انغلق الباب خلفه ..
عم الهدوء جو المكتب الفخم .. لا صوتٌ يعلو هذا الهدوء سوى طقطقة القلم الرتيبة ..
.
.
و ابتسامة غامضة ،، لم أعرف لها سببا ..!

* * * * *


- شوه أقولج يا فطوم .. فحياتيه ما ندمت على شي كثر روحتيه لهم يوم اليمعه .. تمنيت انيه مت قبل لا يقوليه أبويه سيري لهم ..!
قال هذا و هي ترخي جفنيها ببؤس شديد و تسند ذقنها لركبتيها التين ضمتهما لصدرها .. نظر لها فاطمة بتعاطف قبل أن تحول بصرها للمها التي جلست جوار أختها بهدوء و هي غارقة في قراءة الكتاب الذي بين يديها غافلة عن ذاك الهم الذي لاح على وجه حور ..
لم تعلم حقا ما الذي أحزنها .. ! .. فما حدث لها كان طبيعيا في نظرها هي على الأقل ..
قالت بواقعية رأت معها أن أنف حور ينكمش اشمئزازا ..
- حور .. خلينا من مشاعرج و لي تحسينه .. و فكري بعقلج شويه .. تجاهلي فكرة إنه هالريال غريب و أول مرة تشوفينه و ركزي على انه ريلج .. تفهمين شوه يعني ريلج ..؟؟ الريال مالك عليج من سنة و شي .. و اذا ما شفتيه و لا شافج .. ما يبطل عقد الزواج و الا يخليه منتهي .. تتوقعين ريال معرس بوحدة و ما قد صادفها فمكان .. و فجأة يلقاها فبيتهم ..! شوه يعني بيخطف عنها و ما بيسلم .. ما ظنتيه !!
ثم ضيقت عينيها بتفكير .. متجاهله نظرات حور المقهورة ..
- أمممم .. تصدقين ردة فعله طبيعية .. اتخيلي واحد يلقى حرمته قدامه متغشية و شاردة ..!! هذا ريلج ماما .. يعني عادي يي الحين و ييرج من كشتج لبيتهم ..
اتسعت عينا حور باحتقار و هي تطرد هذا المشهد من مخيلتها ..
- قصوره الهرم .. ها لي ناقص بعد .. شوه صخلة أبوه ييرنيه من كشتيه .. يخسي .. أنا حور بنت حمد محد يغصبنيه ع شي ..
انفجرت فاطمة تضحك بقوة .. و جسدها يهتز أثر كلمات حور الساخطة التي تخالف الواقع المرير الذي تعيشه ..
نظرت لها حور بغلٍ شديد مدركة ما تضحك فاطمة عليه .. و هي تقول بغيظ ..
- لا تتحرين احتراميه لقرارات أبويه يعني غاصبنيه .. بس أنا أبر والدينيه .. - ثم ضربتها على كتفها مع استمرارها بالقهقهه - فطوم بتنطبين و الا بهالبيالة ع راسج .. سخيفة وحدة ..
دفعت فاطمة راحتيها مهدئة و هي تبتلع ضحكاتها .. صوتها لا زال مهتزا و هي تقول بسخرية ..
- و الله عجيب أمرج حواري .. المهم الحين قولي ليه .. كيف شكله ..؟؟
نظرت لها حور بغرابة ..
- شدرانيه ..!
لم تفهمها فاطمة ..
- شوه شدراج بعد .. ريلج .. كيف شكله ..؟! ما شفتيه ..؟
- لا ..!
اتسعت عينا فاطمة مفجوعه ..
- عيل منوه لي تقولين انه شل غشوتج ..؟
قالت حور بسخرية مرّة ،،
- هو مسود الويه ..
- ريلج ..؟
- هيه ..
نفخت فاطمة بضيق مع تخبطها بكلمات حور الغير مفهومة ..
- عيل كيف ما شفتيه ..؟
نظرت لها حور شزرا ..
- مالت عليج .. شوه قالولج .. فطوم أم عين زايغة ..؟؟ أنا زين منيه رديت نصخيه في صدريه .. و الا عينيه ما رفعتاا من القاع .. يمكن طالعته شوي .. بس أحس هاييك الساع ما أتذكر منها غير نفضة ايديه ..
بسطت راحتيها للأمام بعجز و شعور الهم يعاودها ..
- حطي نفسج فمكانيه .. فطوم و الله حسيت عمريه خايسة و الا آثمة و أنا واقفة عند هالغريب و ويهي ظاهر .. وديه انيه مت فمكاني و لا استوا لي استوا .. غير خواتيه لي حدرن و أنا واقفة عنده السبال و هو متقبض بيديه .. عمريه ما حسيت بهالاحراج فحياتيه .. بس تدرين شوه ..؟!
نظرت لها فاطمة متسائلة و هي ترى بريق امتنان صادق في عينيها .. لتقول باخلاص ..
- محد منهن طرت الموضوع .. و الا نشدتنيه .. ارتحت لنيه صدق ما ريد أرمس عن هالشي .. أحسه ينرفزنيه ..!
تنهدت بضيق مجددا ،، شعرت فاطمة بأنها قد أثقلت على صديقتها .. فغيرت موضوع الحديث بسرعة ،،
- أمج شحالها ..؟
تغيرت نظرتها لحنان جارف ..
- الحمد الله .. ادعيلها .. أمايا عذيجة يت مساعة و شلتاا الدختر ..
ابتسمت فاطمة بهدوء ..
- هيه .. الله يعافيها ..
.
.
أمضن ساعة أخرى من الصباح معا قبل أن تستأذن فاطمة متوجهة لبيتها ... حور و المها غرقن في إنهاء أعمال البيت ..
في اللحظة التي تخطت أم مايد الباب و هي تمسك بيد أختها الصغرى ،، ركضت المها و حور نحوها بلهفة ..
حور تلتقط عباءة أمها بسرعة و هي توجه الحديث لعذيجة ..
- أمايا عذيجة .. أميه بلاها.. شوه قالو لكم ..؟؟
نقلت عذيجة بصرها بين ابنتها بالرضاعة و ابنة أختها ،، لترى انعكاس اللهفة و القلق البالغ على وجوههن .. ابتسمت بهدوء تطمئنهن ..
- لا تخافن ما فيها إلا العافية .. يا الله خلنا نحدر من الحر ..
تنحن بسرعة مفسحات لها الطريق و هي تقود أختها ببطء .. أدخلتها غرفتها لتجلس بجانبها و هي تضع عباءتها جانبا و توسع من خناق غطاء رأسها الثقيل و تحرك البرقع بضيق ..
- لا إله إلا الله ،،
سارعت حور بإغلاق النافذة و إدارة مكيف الهواء قبل أن تجلس بجانب أمها عذيجة و هي تسألها بسرعة و الهم بادٍ على محياها ..
- أمااه .. شوه قالو لكم ..؟؟
تركت المها الوقوف بجانب الباب لتجلس بجانب حور و بدا عليها الخوف مما قد تقوله الخالة ..
لكن الابتسامة المطمئنة تلك لا زالت تعلو شفتيها .
- ما قالو شي غير لي نعرفه .. عطوها حبوب لوعة و فتمينات .. و موعد في العيادات ..
لحظات و لا زال القلق و التوتر يكسو وجوههن ..
- بلاكن ..؟
نظرت لها حور بشك ..
- الحين الحرمة من اسبوع ميهودة و لا تحط لقمة العيش في ثمها .. و عظامها مبردة .. و تقولين فيتامينات و مواعيد .. الله يهديج يا أميه .. يهال نحن .. قولي بلاها أمايا ..
ابتسمت عذيجة بعتب ..
- أفا يا حور شوه أكذب عليج أنا ..
احمر وجه حور ..
- محشومة فديتج .. بس معقولة ما قالوا شي ..؟؟
هزت كتفيها بدون اهتمام ..
- شوه بيقولون .. الحرمة حامل و عندها نقص تغذية ..
.
.
عقدت جبينها بشدة .. يخيّل لها فقط أنها سمعت .....
حامل ..!!
شحب وجهها بشدة و هي تنظر لأمها عذيجة تنتظر ضحكة تنهي هذه النكتة السخيفة ..
و لكن عذيجة لم تفعل شيئا أبدا .. كانت تتأمل وجه أختها بهدوء .. شعرت حور بجفاف شديد في حلقها و هي تتساءل بهمس مصدوم ..
- حامل ..؟
أدارت عذيجة رأسها لابنتها .. لترى عيناها المتسعتين بصدمة .. ماذا ..؟؟ ألم ؟؟؟
ابتسمت بحب لها ..
- ما تعرفون ..؟؟؟ عيل راحت عليّه البشارة .. أنا قلت أكيد تدرون يوم انه امكن تدري و أبوكن بعد ..!
لكن حور لم تكن تعرف .. شعرت بالضيق في صدرها .. و هي تنظر لوجه أمها المتعب ..
حامل ..!! في هذه السن المتأخرة ..!
قالت عذيجة بهدوء و هي ترى الفزع الذي علا وجه المها و هي ترى انعكاس الصدمة في وجه أختها الكبرى ..
- أمج حامل لها شهرين .. ما تعرفين ..!
ضمت قبضتها بقوة .. و هي تحتبس تلك المشاعر الكريهة التي راحت تضطرم في صدرها ..
- لا ،،
نظرت عذيجة للمها مجددا لتعتصر يدها بخفة .. فتلتفت المها بخوف لها .. ربتت على يدها عذيجة و هي ترفع صوتها و تشكل شفتيها .. و يدها تدور بتكور أمام بطنها ..
- أمج حااامل .. بتييب ياهل .. حااامل .. حااامل ..
اتسعت عينا المها بمفاجأة .. قبل أن ترتسم ابتسامة ارتياح حقيقية على وجهها الجميل و هي تقف على قدميها بسرعة و تتوجه لأمها .. كانت السعادة الخالصة تتألق في عينيها و هي تضمها بخفة .. و ضحكة صافية تملأ جو الغرفة ..
حور لا تزال تجلس في مكانها .. تتجنب النظر إليهن .. ما بين حاجبيها يضيق ،، كانت عذيجة تنظر إليها بقلق ..
- حوور ..؟
رفعت حور عينها ببطء .. تجاهد لما تخفيه في نفسها ..
و هبت من مكانها بسرعة .. استدارت متوجهة للخارج و هي تقول بخفوت ..
- بسير أشوف الغدا ..
.
.
تسند يدها لحافة الموقد الدافئ و هي تراقب تصاعد الأبخرة ،، تغمض عينيها ..
تختفي خلفها للحظات فقط .. تنفصل عمّا حولها ..
تحتاج أن تنفرد بذاتها .. بعيدا عن قلبها .. عن عقلها ..
تريد الروح منها فقط .. لتستشف منها تلك المشاعر الخبيثة التي راودتها و هي تسمع خبر حمل أمها ..
لماذا يكتنفها النفور من هذا الأمر ..؟؟ و لماذا تشعر بالخذلان و الخيبة ..؟
لماذا تمنت أن تكون أمها عذيجة تمزح في تلك اللحظة ..؟؟
الإجابة واضحة تماما .. و لكنها تخجل من أن تعترف بها ..!
رغم ذلك لم تستطع منع ذاك الإحساس الذي تملكها و هي تدرك بأن أمها الذي تجاوز عمرها الثامنة و الثلاثين و أكبر بناتها أصبحت امرأة ناضجة ،،
على وشك أن تنجب طفلا آخر ..!!!
شدت قبضتها على الموقد .. لما حدث ذلك ..؟؟
ماذا حور ..؟
أَ كنتِ تتمنين أن تكون مريضة على حملها ..؟؟
ألا يسعدك أنها بخير و كل ما في الأمر مجرد أعراض حمل لا أكثر ..؟؟
و إذا كانت حاملا على كبر ..؟ ما الذي أتعسكِ يا ترى ..؟
نظرة الناس المتوقعة فقط ..؟؟ أم هو ذاك الشعور الخبيث باعتراضك على الأمر أنتِ أيضا ..!
غطت وجهها بكفيها و هي تكتم تلك المشاعر .. تخفيها ..
بل تختفي من اشمئزازها من نفسها ..
.
.
إذا كانت هذه هي ردة فعلها و هي ابنتها ..!
ماذا ستكون ردة فعل الناس من حولها على هذا الخبر ..
و الأهم ماذا ستكون ردة فعل البقية من إخوتها ..؟؟!!


* * * * *


>>


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-16, 08:38 PM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


\\

تتمة




تجلس على آخر عتبات الدرج القصير و هي تباعد بين قدميها و تسند كوعيها بتثاقل على الركبتين و صوتها الخشن يرتد عن جدران السلم الضيق .. و هي تنظر لشعر صديقتها بجبين معقود ..
- آممم .. حلوو .. سلامي وين قصيتيه ..؟؟
توقفت سلمى عن الاستعراض لتقول بصوت نافر محبط ..
- شيخوووه يا الله عااد ..! حلوو بس ..؟؟
مررت يدها في شعرها الذي قصته و أصبح لا يتخطى أعلى رقبتها ..
- مالت عليج .. و الله مدحنه البنات .. قصيته روحيه في البيت .. ما يباله بعد ..
ثم جلست بجانب شيخة و هي تتنهد ،،
- يا الله عقبالج .. بيطلع عليج أحلى و بيي مرّة ياي على ستايلج بالقوو ..
لوحت شيخة بيدها دلالة عدم إهتمام .. الحقيقة أن ذهنها مشغول جدا ..
نظرت لها سلمى بمكر .. مدركة بما الذي قد يشغل بال شيخة ..
- لي ماخذ عقلج ..!
أجابتها شيخة ببرود ..
- محد ماخذ عقليه ..
اتسعت ابتسامة سلمى و هي تقول بثقة ،،
- متأكدة ..
نظرت لها شيخة بطرف عينها قبل أن تشيح بوجهها .. لتسأل سلمى بفضول ..
- شوه ؟؟ مستوي شي امبينكن ..؟؟
لحظات صمت قبل أن تتنهد شيخة بتعب ..
- لي يومين أتصل بها و ما ترد عليّه من عقب سالفة منى قاطعتنيه .. و الله مادري شوه أسويبها .. بتذبحنيه هاي .. المشكلة حتى في الجامعة ما أشوفها .. شكلها تتهرب منيه ..!!
ابتسمت سلمى لحال صديقتها .. و هي تقول بغلظة ..
- انزين هونيها و تهون .. ليش مضيقة صدرج ..؟؟
ردت شيخة بتعاسة بالغة ..
- وين أهونها .. تولهت عليهاا .. وااااايد هب متعودة أقطعها كل هالوقت من يوم عرفتها .. - أسندت رأسها بين كفيها و هي تهز حذائها الرياضي الخشن بتوتر - أحبهااا .. أحبهاا .. أموت فيهاا .. ما روم أعيش من دونها ..!!
ضحكت سلمى بصوت خشن عالٍ ..
- أووووه .. شيخووه تعرفين تحبين و الله .. - ثم هبت من مكانها و هي تجمع طرفي عباءتها تخفي بنطالها - يا الله نشي ..
رفعت شيخة عينيها بملل ..
- ع وين ..؟؟
لمع الخبث في عيني سلمى ..
- حصلنا قاعة فاضية بنتيمع فيها .. و حمدة .. قصدي حمدان بيّمع الشلة كلها ..
ردت شيخة ببرود .. و هي ترفض تسمية تلك الفتاة بحمدان كما تحب أن يطلق عليها ..!!
- و شوه عندها الشيخة حمدة ع العزيمة ..
هزت سلمى كتفيها ..
- عازمة خويتها اليديدة تعرفها علينا .. و لا تيلسين تستفزينها تعرفين انها ما تحب حد يزقرها حمدة .. - ثم غمزت لها بخبث - و أكيد رايه بتكون هناك ..
اتسعت عينا شيخة بأمل ..
- متأكدة ..؟؟
هزت سلمى رأسها و هي تنحني لعقد أربطة حذائها الرياضي الكبير ..
- هيه حمدان قال كل الشلة بتيي .. أكيد حبيبتج وياهن ..
.
.
.
راحت شيخة تصلح من هندامها بعجل ،،
حسناً ..
ها هي تنزلق ..!!
ببطء ،،

* * * * *


ينظر إليها و هي تجلس بهدوء شديد على تلك السجادة الفاخرة .. تهز بين أناملها فنجانا .. و الشرود على محياها ..
تلك بسمة غريبة تناوش شفتيها .. رمق من الفرح أصبح له مسكنا في عينها منذ أن التقت بهن ،،
كم ودّ من قلبه لو كان هنا .. لو رأى إحساسا على وجهها عند رؤيتهن ..
شيء افتقده منذ رحيل ابنه ،،
أو بالأصح .. منذ نفيه ..
.
.
بهدوء يتراجع بالخطوات من حيث أتى .. ذاك الذنب لا يفارقه كل ما التقى بها .. لذلك لا يجد في نفسه القوة لتحمل ثقله ..
دوما الهروب من وطأة ألم يلوح في عينيها هو الحل الوحيد ،،
يشتاق إليها تلك العزيزة .. يشتاق لمجالستها .. للحديث معها ..
و لكنه يكره الوجع الذي يعتمر صدره كلما رأى التوسل الصامت في عينيها ..
.
.
نفض كل هذا من ذهنه و هو يجزم بأن عليه أن يحدث غيث بما يدور في رأسه ،،
لقد طال أمر كثيرا .. لربما كان يماطل حتى يتملص من الأمر ..
قست عيناه و هو يدفع باب مكتبه بقوة ..
يعلم جيدا كيف يلجم تمرده ،، عليه تنفيذ تلك الرغبة قريبا ..
و قريبا جدا ..!

* * * * *


أطلقت إطارات الحافلة صريرا مميزا و صوت الباب الأوكوردي يُفتح تلقائيا مع توقفها .. لينزل الثلاث خلف بعض لا يُتَبين منهن شيئا ..
تتنهد دانة مع انطلاق الحافلة مبتعدة بأسى ..
- هب كأنه الحر ياي بدري هالسنة .. عنبوه تونا فأول أربعة و الشمس تشوينا ..
تتذمر عفرا هي الأخرى و هي تهف بكتابها الذي تمسكه و تعدل من وضع حقيبتها بضيق ..
- تشوينا بس ..؟؟ ذوبتنا ..
ضحكت نورة بحماس ..
- ههههههههههه .. شوه الأخت آيسكريم .. و بعدين تعالي عفاري أستغرب أنا و الله ..
نظرت لها عفرا شزرا من خلف الغطاء .. متأكدة بأن تعليقا ما سيأتي الآن على عجل ..!
- من شوه ؟؟
- بما إنج ناقة فإنتي المفروض تقاومين العطش و الجوع و الحر.. و الا ليش سموج سفينة الصحرا ..
ضحكت دانة و نورة بقوة .. و مطت عفرا شفتيها ..
- سخيفة ..
تأوهت دانة ..
- يااااا الله .. الحين نوري فصخي الجوتي .. بنسوي قصف للسبال هذا ..
دون أن يستدرن إلى ما أشارت علمن أن إبن الجيران لم يفوت موعد وصولهن كالعادة .. و ها هي سيارته الخردة تمشي محاذاتهن ببطء ..
عفرا تهمس بسباب طويل متحمس .. و لا يسمعن الا هسيسها .. نورة بسخرية ..
- شوه عفاري غادية تاير ينخس ههههه ..
عفرا تهمس بخفوت و صوت سالم يلاحقهن بحماس ..
- انطبن لا ترمسن الين نوصل البيت ..
رحن يمشين بسرعة كعادتهن .. و سالم يواصل المسير قربهن و صوته البغيض يشق الجو وصولا اليهن ..
- بلاهن الغراشيب ،، داخلات ماراثون ..؟؟ بالهون .. بالهون .. حرام هالطول ينهز .. لو مستعيلات أوصلكن .. يعلنيه فدا هالعرضات ..
نورة بقهر و هي تغالب غصة في صدرها ..
- الحيوان .. و الله لو ما صخ لفره بحصى .. ملعون الصير ..
كانت عفرا هي الأخرى تكتم تلك الحرقة التي تلهب صدرها .. ها هو البيت يلوح أمامهن .. سيبتعد الحثالة فورا ..
و كأنما أمره تفكيرها بذلك .. صاح بحماس و سيارته تبتعد ببطء ..
- الوعد باكر ..
لحظات و تزفردانة بيأس ..
- ذلف الحقير .. مادري الين متى بنتم ع هالحال ..!!
ردت نورة بحقد ..
- الين ما نلقى حد يوقفه عند حده الكلب ..
أحنت عفرا رأسها و هي تدلف من الباب الحديدي القصير ..
- ما بتلقن حد يوقفه عند حده غير أبويه .. تعرفن انه يخاف منه و الا ليش ما يقرب من البيت .. االحيوان ما يدري انه ما يي الا الساعة 3 الظهر .. بس بعد منوه منكن تروم تسير لبويه و تقوله .. - و راحت تخفض صوتها مع اقترابها من مدخل الصالة - أبويه .. تراه سالم ولد ييرانا كل يوم يرقبنا عند راس الفريق و ييلس يغزلنا ..
شخرت دانة بسخريه ..
- كان ما بيطير راس ثنتين منا قبل لا يفهم السالفة ..!! هذا أبوية تعرفينه ما عنده ون توو .. سيده يندفع ..
بمجرد وصولهن .. استقبلتهن صيحة نايف كالعادة ..
- حوووووور .. شرفن الشيخاااات حطي الغدااااااا ..
نظرت دانة لهند و مزنة اللواتي استلقين تحت التلفاز القديم ينظر لمسلسل ما يعرض عليه ..
- حشى هب صبي درام .. انته الصرط كله هذا وين يروح ..؟؟ ما يبين عليك ..
أجاب نايف ببرود ..
- ما يخصج ..
ظربتها عفرا على ظهرها ..
- اهب عليج .. ردي الشهادة لا تصكينه بعين ..
قال نايف بلا مبالاة ..
- خلن الهذرة و سيرن بدلن .. مساعة يالسين نرقبكن ..
ثم هب من مكانه متوجها للمطبخ ..
نظرت له دانة شزرا ..
- لا خلينيه أصكه عسب يخف ع العيشه شوي .. فقّرنا ما لقينا اللقمة لي تسد اليوع ..
ضحكت نورة و هي ترمي حقيبتها ..
- صادقة دندن - تجاهلت نظرة الضيق على وجه دانة و هي تأمر مزنة - مزنوووه هاتي لي ماي ..
عقدت مزنة حاجبيها و مطت شفتيها بضيق ..
- ما يخصنيه .. هاذوه المطبخ قدامج .. سيري اشربي ..
اتسعت عينا نورة بدهشة مصطنعة ..
- أوووفف .. شوووه ..؟؟ ما سمعت و الله ..؟؟ دندن .. سمعتي شوه قالت الفص ..؟؟
قالت دانة بخبث متجاهله اسم التدليل الكريهة ...
- دندن فعينج .. هيه سمعت .. شكلها بشكارتنا تبطّرت و مستقوية ..
اقتربت دانة و نورة و هن يلقين عباءاتهن أرضا من مزنة .. حين اختفت عفرا في غرفتهن .. ترفع نورة كم عبائتها بتخويف ..
- شوه يسوون العرب بالبشاكير لي ما يسمعن الرمسة ..؟؟
دانة بمكر و هي ترى عينا مزنة تتسع خوفا فيما تلقي هند نظرة باردة عليهن و تتابع النظر للتلفاز ..
- يشلونهن و يودونهن الستور القديم و يبندون عليهن هناك عند الxxxxب ..
ارتجفت شفتي مزنة بخوف و هي تتظاهر بالشجاعة ..
- ما ترومن تسون شي ..
رفعت هند صوتها منادية ..
- حووووووور ..
نظرت لها دانة بعينها محذرة ..
- أخيرلج هندوووه لا تدخلين ..
أجابتها هند ببرود و عيناها لا تفارقان التلفاز ..
- و أخيرلكن تودرن مزنوووه بتيي حور الحين ..
رفعت نورة حاجبها ..
- صخي .. شوه قلتي أخت بزيّة ..؟؟
أجابتها دانة بمكر ..
- قالت ماترومن ..
ضحكت نورة بخفوت ..
- ما نروم أونه .. وينها حور عنج الحين .. هااا .. آآآآآآآه ..
أجفلت بسرعة لترى من خلف هذه اللسعة التي أصابت جنبها ..
رأت حور تلوح بعصا طويلة تضرب دانة هي الأخرى و هي توبخهن ..
- أنا كم مرة قايلتلكن ما يخصكن فمزنوووه ..؟؟
فركت نورة مكان الضربة بألم ..
- حور عورتينيه .. هاي دانة قالت تعالي بنطفر بمزنووه ..
اتسعت عينا دانة على الفور بإنكار ،،
- كذاااااااااابة ..
رفعت نورة حاجبا بخبث ..
- حلفي انج ما حرضتينيه أتحرش بمزنه ..
- يا اللئيمــ ......
سدت حور أذنيها بضيق شديد و هي تصيح ..
- اففففففف .. بااااااس انتي وياااهاا .. خلاااااااص .. طفرتنبيييه.. عنبوووه انتن متى بتكبرن .. هب حاله هاي كل يوم و انتن كذيه .. شوه هالعيشة ..
.
.
للحظة عم الهدوء المكان .. نايف تجمد على باب المطبخ يراقب اتساع أعين أخواته و هن ينظر لحور بدهشة .. عفرا تطل برأسها من الباب بعجب و هي تتساءل ..
- حور ..؟؟
عضت شفتيها و هي تكتم صرخة أخرى كادت أن تنفلت بتمرد .. و كأنا أُعجبت روحها بفرجة التنفيس هذه ..
شعرت بغرابة .. و هي تفقد الإحساس .. برود يضطرم صدرها و هي تقف في منتصف إخوتها المتوجسين .. ممسكة بالعصا و أعينهم تطلب تفسيرا لما حدث ..
صوت صرير الباب لفت انتباههم جميعا .. نظروا لباب غرفة أمهم و المها تخرج منه ..
وقفت هي عند الباب لبرهة .. و أمامها المنظر الغير مفهوم .. وجوه إخوتها التي تنظر إليها و كأنما وجدت مهربا من شيء لم يفهموه ..
عقدت جبينها و هي تنظر لحور الممسكة بالعصا .. و لمحة من الذنب أو الإحراج أو شيء آخر بدت على وجهها ..
الأعين تستدير لحور مجددا و هي تتمتم بخفوت ..
- أنا بحط الغدا .. سيرن بدلن ..
و سارت للاختفاء في المطبخ .. لم يتحرك أحدهم من مكانه .. تقدم نايف للصالة و هو يقول بحماس ..
- أوووف .. أول مرة في التاريخ تهزبكن حور .. بس أحسن تستحقن يا مسودات الويه .. تطلعن الواحد من طوره ..
زفرت نورة يحقد ..
- انطب يا بو لسانين .. هب وقتك .. - ثم سألت باهتمام - بلاها حور .. شي مضيّقها ..؟!
لم تنتظر الإجابة .. التقطت حقيبتها من الأرض و هي تتنهد .. فجأة تشعر بالحزن يعتمر صدرها ،، لا تدري لما شعرت برغبة في البكاء و ملامح الصدمة لا تزال تلوح على أوجه من حولها ..!
تمنت لو أنها لم تضايق مزنة أو تطلب كوب الماء .. تمنت لو أنها لم تفعل شيئا يدفع حور للانفجار ..
لم يحدث قبلا أن وبختهن بهذه الطريقة ..!!
بدت على وشك الانفجار .. دلفت الغرفة تحت ناظري عفرا المتسائلة ..
- بلاها حور ..؟؟
- هزبتنيه أنا و دانه .. لنا نلعوز مزّوون ..
رفعت عفرا حاجبا بتشكيك ..
- هب أول مرة تلعوزن مزنووه .. متأكدات ما سويتن شي ..؟؟
هزت نورة رأسها و هي ترمي حقيبتها جانبا ..
- و الله ما سوينا شي .. بس شكلها حور متضايقة .. ما قد صارخت علينا كذيه ..!
تنهدت ببؤس قبل أن تدخل دانة بهدوء .. لم تنبس ببنت شفة و هي تستقر على فراشها بهدوء .. لحظات من الهدوء و هن ينشغلن بتبدل الملابس ..
التقطت دانة الثوب لتختفي خلف الستار البالي .. قبل أن تقول بصوت مرتجف ..
- بنات ..؟؟
التفتن لمصدر الصوت بهدوء .. قبل أن يأتيهن صوت دانة بذعر من خلف الستار ..
- ليش حور متضايقة ..؟؟ أمايا فيها شي ..؟؟ تراها سارت الدختر ويا خالوه اليوم ..؟
كانت وقع الكلمات كالصفعة التي هوت على وجوههن .. وضعت نورة أنامل مرتجفة على شفتيها .. و عفرا تبلع غصة من تخيل الأمر فقط .. أمهن ..!! نعم لا تفسير غير ذلك .. لا بد أن بها خطبا أحزن حور ..!!
.
.
.
كانت تقطع الخيار دون أن تراه .. أفكارها مشوشة .. لا تستطيع تبين حقيقة ما تشعر به ..
ضياع غلف إحساسها .. و هي تقف في المطبخ بلا حيله على هذه الفوضى التي تسكنها ..!!
امتدت يد تسحب السكين من بين يدها بلطف .. التفتت بسرعة لتصطدم عيناها بعيني المها .. تلك الابتسامة المريحة ترتسم على وجهها الجميل و هي تشير بأنها ستكمل التقطيع عنها .. سلمتها حور السكين بخضوع .. فإن استمرت على هذا النحو ستجرح نفسها ،، الآن ما الذي أتى بالمها هنا ..
تعرفها جيدا حين يكون مرادها قريبا .. ألم تعاشرها أكثر من بقية إخوتها في السنين الأربع الماضية حين لم تجد بدا من الجلوس في البيت ..
علمتها القراءة .. و الكتابة .. زرعت في داخلها حب المعرفة و تحديا كسر حواجز إعاقتها تلك ..
نظرت لها حور بطرف عينها و هي تسند ظهرها على الطاولة .. قبل أن يأتيها صوتها الناعم متسائلا ..
- بااج حووور ..
هزت حور رأسها فورا بالنفي .. نظرت لها المها لبرهة قبل أن تلكزها بكوعها ..
- هممم ..؟؟
عادت حور تهز رأسها و تلوح بيدها بأن لا شيء هناك .. لحظة صمت قبل أن تقول المها بلكنتها المكسرة و هي تنظر لحور بثقة ..
- انتي زعاانه أمااه حاامل ..؟
إهتزت أنفاسها و خفق قلبها بذعر .. كانت المها دقيقة للغاية .. رغم أنه لم يبدُ عليها أنها بانتظار إجابة ما .. فقد انهمكت في متابعة تقطيع السلطة .. عادت حور تنظر للأرض .. و شيء من الخجل يتسلل داخلها .. شعرت بوجهها يحمر بشدّة ..
أنامل المها تلامس ذراعها بخفة .. و هي تنظر لها بهدوء ..
.
.
أم أن شيئا من الخيبة سكن تلك العينين ..!
- هاا من الله ..
ثم هزت رأسها رفضا و حاجبيها يتعقدان .. و رفعت يدها للسماء ..
- همد الله .. نعمة .. همد الله ..
ثم اشتدت الخيبة في عينها و هي تهز رأسها ..
- لييش .. زعاانه .. امااه .. خير .. - و مسحت على صدرها - لا خاافين ..
الآن تنكمش روحها ..
حقاً كم هي صغيرة ،،
ضئيلة .. بذاك التفكير القبيح ..
مسحت على وجهها ببؤس .. قبل أن تشير بيدها حولها .. بأن الناس سيتكلمون عن الموضوع ..
سرعان ما تمنت لو أنها لم تفعل ذلك .. فنظرة الصدمة على وجه المها أخجلتها كثيرا .. شدت المها شفتيها بامتعاض و تلوح بيدها معترضة .. و الضيق يعلو وجهها النقي ..
- ماااا خص حد .. أمااه خيير .. و بسس .. مااا خص حد .. - ثم هزت رأسها و أشارت لصدر حور - انتيي كلّمين ..؟؟
ماذا حور ..؟؟
ألن تجيبيها .. بماذا ..؟؟ بأنكِ تفكرين مثل الناس ..؟؟
عجبــــاً ..!
لماذا جعلتك المها تشعرين بتضاؤل .. في حجم تفكيرك .. لماذا دفعتكِ لشعور بخجل يأكلكِ ذنبا ...؟؟
كانت المها تنظر لها تنتظر الإجابة ..
فهزت حور رأسها بضعف ..
- لاااا .. - و رفعت صوتها المهتز و هي تشير للمها شارحة - أمايا بخير و الحمدالله ..
و قبل أن تضيف شيئا آخر .. اقتحمت عفرا المطبخ بقوة تتبعها نورة و دانه ،، تجاوزن الأخيرتين عفرا .. لتتقدم دانة بخجل ..
- حور ..
نظرت لهن حور بدهشة ..
- هاا ..؟؟
تقدمت نورة لتقول بقوة ..
- زعلانه علينا ..؟؟
عقدت حور جبينها بعدم فهم ..
- لا .. ليش أزعل ..؟؟
نظرن لبعضهن بعجب .. لتقول دانة بشك .. و الفكرة تلك تتعاظم في داخلها ..
- لنا نلعوز مزنه ..
بدا الإدراك على وجه حور قبل أن تبتسم بهدوء ..
- لا هب زعلانه .. بس يا ويلكن ان عدتنها .. مع انيه أدري انكن بتسوزن حركة بايخة عقب شوي ..
ابتسمت نورة .. و لكن لم يبدُ الارتياح على وجه الأخريات ..
اقتربت عفرا مباشرة من حور .. الخوف بادٍ بوضوح على وجهها في حين تتظاهر هي بالقوة ..
- حور بلاها أمايا ..؟؟
عقدت حور جبينها و اكتفت المها بالمراقبة ..
- بلاها أمايا ..؟؟
قالت دانة و صوتها يتهدج ..
- أكيد اميه فيها شي و الا ليش انتي مضايقة و معصبة .. يوم سارت الدختر شوه قالو لها ..
.
.
أرخت حور أهدابها ببطء .. هذا الذعر .. هذا القلق .. هذا التوجس ..
الخوف ،،
كل هذا يغشاهن كي لا تصاب تلك الغالية بمكروه ..!
لما تجاوزت هي فرحتها بكل ذاك من أجل معتقدات أخافتها .. و اعتراض على حكمة الله ..!
فتحت عينيها .. و شيء بثِقل الذنب يجثم على أنفاسها .. صوتها بدا يأتي من البعيد ..
- أمايا ما بها الا العافية .. بس .. آآآ .. أمايا حامل ..
شهقة دانة المصدومة و صرخة نورة الفرحة و ابتسامة عفرا الكبيرة كانت أوجز تعبير عن فرحتهن و عفرا تصيح ..
- اماااااياااا حااااااامل .. هههههههههههههههههههه ..
صاحت دانة بحماس هي الأخرى ..
- بنااات تخيلن ياهل صغيروني عدناا في البيت ..
ضحكت نورة بقوة ..
- وناااااااسة .. بسير أباركلها ..
و ركضت بسرعة . تتبعها دانة و عفرا .. تاركة خلفها ..
المها تواصل تقطيع السلطة ..
و حور يتآكلها النفور من إحساس احتل روحها للحظات كريهة ..
.
.
و صمتٌ له ضجيج كالصراخ ..
يصمُّ الروح ..!

* * * * *


* * * * *

ابتسامته الملتوية كانت تسخر مما قال بوضوح .. لا زال مسترخيا في مكانه و هو ينظر لجده بهدوء .. منتظرا أن يغير الرجل العجوز فحوى الحديث .. في حين التزم الأخير الصمت منتظرا إشارة واحدة ردا على ما قال للتو ..
كان الأمر أشبه بالتحدي .. كل يريد أن يخضع الآخر لرغبته ..
و لكن يبدو أن عناد الجد الذي زرعه في قلب هذا الرجل كان الأقوى .. إذا سرعان ما هب غيث واقفا في مكانه .. اتجه نحو النافذة .. يستند على حافتها العريضة .. و يسرح بصره في الأفق الممتد أمامه ..
محاط بأسوار لا تخترق ..
كما هو حال ما يخالجه و ما يفكر به ..!
دوما يجد في هذه الفرجة في المكتب المغلق مساحة للحرية .. يمكنه النظر عبر هذه النافذة بأي إحساس يشاء ..
لن يرى أحد نظرته المهزوزة .. أو المتوجسة ,, أو القاسية ..
أيا كان إحساسه ،، لن يعلم أحد ما يخالجه .. هذه النافذة هي مهرب له ..
يطلق عبرها من الشعور ما يشاء ..!
.
.
لكن عينيه لم تكن تنظر الآن للأفق الممتد ،، الشرود المرتسم على وجهه القوي و هو يقف بعرض منكبيه يمنع ضوء شمس العصر من الدخول ..
ذهنه يستعيد ملامح وجهها الصافي .. دموعها المرتعشة على شفير مقلتها ..
و ذاك الذعر الذي ارتسم على وجهها الصغير ..
نظر إلى الأسفل بقسوة ،، و هو يخنق شعورا شفقة راوده عليها ..
هل تعلم حقا ما أقبلت عليه حين وافقت على الزواج به ..! تلك الخرقاء ليس لديها أدنى فكرة بما ستخوضه حقا ..
نفض إحساسا سخيفا تملكه .. و فكه يشتد بصرامة .. قبل أن يقول بصوت جاف ..
- ليش تبانيه آخذها ..؟
صوت جده ينهره كعادته بحدة ..
- ما نشدتنيه يوم قلتلك تخطبها .. لا تنشدنيه الحين .. بنت حمد بتاخذها ..
التفت لجده و هو يبتسم بسخرية ،،
- و إذا ما خذتها ،، ما بتحول الملكية لي ..؟؟ - ثم هز رأسه بخبث - أهاا ..
نظر لجده بحزم .. و صوته لا يهتز و هو يقول ..
- أناا البنيه ما تهمنيه .. لي يهمنيه الشركة لي تعبت عليها .. و عرس الحين ما بعرس .. تبانيه آخذ - و شدد على الأحرف - بنت حمد ،، إرقبنيه الين ما ترسي مناقصة البيوت السكنية لي بتطرحها البلدية شهر ستة .. خلاف يصير خير ..
شد الجد قبضته .. لا أحد أبدا من أبناءه يعارضه بهذا الشكل .. و لكن يبدو أنه علّم هذا الرجل اللامبالاة أيضا ..!
قال بهدوء ..
- ما عليه .. عقب المناقصة أباك تحدد موعد العرس .. و إلا الاتفاق لولي ماله قيمة .. الشركة بسحبها ..
نظر له غيث بصمت .. العجيب أنه رغم قسوة هذا الرجل العجوز و جفاف معاملته أحيانا .. إلا أنه يحبه ،،
يحبه كثيرا . و يحب نظرة الفخر التي تسكن عينيه أحيانا حين يتحدث عنه هو .. يحب .. قسوته ..
و يعشق تلك التحديات الصامتة و الصراعات المستمرة بين إراداتهم ..
يعلم أنه قد اقترب من قلب هذا المسن أكثر من أي أحد آخر ..
تعلم .. حنكته .. مكره .. و خبثه ..
و تشرب من بين راحتيه القسوة التي تسري بمجرى الدم فيه ..
.
.
لذلك هو واثق بأنه لن يتوانى عن تنفيذ تهديده ..
و لذلك أيضا لا يشعر هو بالخطر بتاتا .. لا يجد إزعاجا قط في استخدام تلك الفتاة للحصول على مآربه ..
فما كان لها أن توافق إن لم تكن لها مآرب هي الأخرى ..!

* * * * *

بدا أن مفعول حبوب الغثيان قد أدى دوره جيدا .. ها هي أمها تجلس معهم على سفرة العشاء .. تتناول بضع لقيمات تقيم طولها ..
مد أباه يده الكبيرة ليأخذ خبزه من الصحن و يقربها من أمها .. و راح يدني صحن السلطة منها و هو يشير بيده لفمه ..
شعرت بصعوبة بالغة في بلع لقمتها ،، و غصة كبيرة تسد حلقها .. لقد اعتادوا مراعاة أبيهم لأمهم .. لكن لا تدري لما شعرت بالشفقة على حال أمها ..
نظرت لها أمها بابتسامة و كأنما شعرت بأنها تراقبها .. ارتجفت البسمة على شفتيها و هي تهز رأسها ..
تحثها على الأكل .. أشارت بيدها لبطنها تعني أن عليها أن تغذي الطفل أيضا ..
شعور خفيف بالراحة يسري داخلها و هي تتعامل بطبيعية .. متجاهلة كل شيء ..
أمها حامل ..؟ نعم .. و هذه نعمة من الله كما أشارت المها ،،
الناس ستتكلم ؟؟ لا يهم .. و لا عليها أن تكترث .. لا شيء قد يعلو على أهمية صحة أمهم ..
غريب ..! لماذا تدفعنا أنفسنا أحيانا لإزهاق الفرحة بين أضلع الخوف ..
صوت مزنة الخافت يأتيها متساءلا ..
- حور .. الحين الياهل اليديد هو أصغرنا بشكارنا ..؟؟
كتمت حور ضحكة في غير محلها .. و همست ..
- لا محد بشكارنا .. كل واحد ينفع عمره ،،
سرعان ما لاح الغيظ في وجهها و صوت نورة الخافت يص لها و هي اهمس لمزنة ،،
- لا لا .. انتي أصغرنا بشكارتنا .. و الياهل بيكون آخر العنقود دلوعنا ..
نظرت لنورة تحذرها بعينيها و هي ترى مزنة قد وضعت لقمتها جانبا .. و تهمس مجددا ..
- أنا بشكارتكم و بشكارة آخر العنقود ..
قالت حور تقنعها و هي تتوعد نورة ..
- لا نورة و دانة بشاكيرنا و بشاكير آخر العنقود و هن بيغسلن مواعين العشا ..
و نظرت لنورة المحبطة بتحدي ..
.
.
.
جميل أن نلتهي بصغائر الأمور..
عمّا يؤرّق إحساسنا بحقْ ،،


* * * * *




همسة :

أعلم أنه قصير للغاية ،، و لكن هذا ما سمحت به حالتي الصحيّة ..
لم أشأ أن أفسد ما هو مهم على عجل ..
انتظروني في الموعد المحدد ،،


لامارا غير متواجد حالياً  
قديم 21-06-16, 08:40 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

وبما انه صغير .. بنزل الخامس




الخطـــــــــــــــوة الخامســـــــــــــــــــ ـة .. }


[ خطوات تغفو ،، ]





صوت محرك السيارة المزوّد كان يعلو على ضحكته المجنونة و يصيح بابن عمه الواقف بعيدا عن الباحة الخلفية الخالية ،، التي يفترض بأنها خاصة بالإسطبلات القديمة ،،
- هاااا بو سلطااااان ..
أشار هزاع بيده في حركة دائرية للأعلى متحمسا ..
- عيدهاااا .. عيدهاااا ...........
مرة الأخرى ينطلق صوت المحرك المزعج مختلطا بصرير الإطارات الفظ ،، و أحمد يدير السيارة في حركات استعراضية مجنونة ..
يضحك هزاع بنشوة و هو يصفق تارة و يطلق الصفير تارة أخرى ،، أطلقت الإطارات صريرا عاليا كالصراخ بعد توقفها أخيرا ،، ليركنها أحمد في الموقف البعيد قبل أن يترجل صافقا بابها و هو يحث الخطى نحو هزاع بحماس .. عاد هزاع يصفق له بحرارة و هو يراه مقبلا نحوه ..
- وووووووووووووووووو .. عاااااش بو شهاب .. يا ريال لو تدخل الموتر هذا السباق و الله ليحطمهم ..
وصل إليه أحمد بخطوات سريعة ليضع هزاع ذراعه على كتقه و هما يتوجهان للجانب الآخر من المزرعة الضخمة .. كان أحمد يلهث من الحماس ..
- أخخخ يا بو شهاب لو طايح عليه قبل الريس لي طاف كانيه لول الحين و كاتبين عنيه بدالك ..
قهقه هزاع بقوة و هو يشد على كتفه متبجحا ..
- أونه بدالك .. أقول ابويه خلهم يدخلونك السباق أول .. ناسي إنك احتياطي ..
لكزه أحمد بضيق في خاصرته ..
- و انا هب قاهرنيه غير الاحتياطي .. لو يخلونيه أسابق مرة بس .. بيحلفون عليّه ان محد يسابق عنهم غيري ..
- هههههههه انزين يوم بيخلونك تسابق .. يصير خير .. عاد هذاك اليوم أنا بنسحب و بعتزل .. ما روم لك ،،
رفع أحمد حاجبا و هو ينظر له شزرا ..
- تطنز هاا ..
ضحك هزاع بقوة ..
- شرايك بعد .. أكيد أطنز .. ياخي خلاص .. انته ما يأست .. انته ما عندك أي فرصة دامنيه موجود ع الساحة ..
دفعه أحمد و هو يخفي ابتسامة و ينظر لهزاع الذي نفخ صدره متظاهرا بالفخر ...
- خقيت أشوف يا هزاع .. ناسي ان أول من علمك التقحيص عمك أحمد ..
أشار لصدره بقوة .. ابتسم هزاع ..
- حشى ما نسيت انيه التلميذ لي غلب معلمه ..
هز أحمد كتفيه بخفة ..
- أقول يا خي غير اسالفة .. أشوفك تسدح الاهانات واحدة ورا الثانية ..
الابتسامة لا تفارق شفتي هزاع ..
- نغيرها .. ما خبرتك .. مصبح اتصلبيه ..
- شوماخر ..؟؟
- هيه ..
- قاص على عمره ..
- أدري .. ما نشدتنيه شوه يبابي ..
نظر له أحمد بفضول
- شوه يبا بك ..
رفع هزاع بصره لأعلى ..
- اممم .. يبانيه أودر كنجز و أحول لا تهاب و ياهم يا ريال ..
لمعت عينا أحمد ..
- في ذمتك ؟؟؟
هز رأسه بثقة ..
- هيه .. شرايك ..؟؟
نظر له أحمد بشك ..
- بتخلي كنجز ؟؟
هز هزاع كتفيه ..
- ليش لا ..؟؟
اتسعت عينا أحمد ..
- هــزاع ..!!
ابتسم هزاع مطمئنا ..
- لا تخاف .. ذليته شوي .. خلاف كنسلت السالفة ..
لكمه أحمد في كتفه و سيارة هزاع تلوح أمامهما بجانب البوابة الحديدية العملاقة ..
- و ليش ما قلت لا من البداية ..؟؟
ضحك هزاع ..
- لقيتاا فرصة ألعب بأعصابه شوي .. تعرفينيه ما أدانيه هالريال .. و تعرف إنهم بعد ما يحبونيه .. بس هالحركة منهم وراها شي ..!
فتح باب السائق ليستقل السيارة الفاخرة و يجلس أحمد بجانبه ..
- حد يدري اننا يايين هنيه ..؟؟
هز هزاع رأسه نفيا ..
- قلت لسيف إننا مواعدين شباب .. ليكون حامد يدري .. عادي يخبر غيث خوك ..!
- لا لا .. مايدري ... الحين خلنا نسير البيت العود سيده .. أبوية قال بيتعشون هناك الليلة ..
أدار هزاع المحرك و انطلق بسرعة جنونية مخلفا وراءه سحابة ضخمة من الغبار ..
.
.
و سرا .. لا يعلمان متى قد يُكشف النقاب عنه ..!!

* * * * *


كانت الشمس تميل للرقاد على حدود السماء الغربية ..
أشعتها الواهية تتسلل باستماتة لتصل إلى تلك الصالة الصغيرة ،،
يضحكن بصوتٍ عالٍ و الأولى تصفق يد الثانية بمرح .. فيما تنظر الاثنتين إليهن بحقد .. زفرت هي بضيق ..
- مالت عاليكن .. ما شي يضحك ..
و لكنهن استمررن بالضحك دون مبالاة .. عقدت الأخرى جبينها ..
- يا الله عااد .. عيدن التوزيع .. دورج فطوم ..
توقفت فاطمة عن الضحك .. و هي تنظر لنورة التي لا زالت تضحك ..
- لا هب دوري ..!! دور حور ..
لا زالت حور تنظر لهن بغيظ ..
- عفاري منوه وزع قبلج ..؟؟
أجابت عفرا بسرعة ..
- انتي ..
رفعت حور حاجبها ..
- يا الله فاطمة خانوو .. وزعي حبيبتي ..
أمسكت فاطمة بالأوراق ترتبها بسرعة و هي تبتسم لسخرية نورة ..
- متأكدات ما بتنسحبن .. عنبووووه .. غسلناكن غسال ههههه ,, طالعي ويه حور كيف غادي من القهر ..
نفخت حور مجددا ..
- جب ..
نظرت لها فاطمة بضحكة مكتومة ..
- تيكت ايزي حواري .. ليش زعلانه .. هاي هند .. ربح و خسارة ..
عقدت عفرا جبينها و هي تنظر لهن بتشكيك ..
- و الله انكن تغشن أنا متأكدة .. و الا من يلسنا و انتن تربحن ..
فاطمة توزع الأوراق بسرعة ..
- مس ناقة .. ان بعض الظن اثم .. عيب هالرمسة .. نحن لعبنا لعب شريف .. صح نوري..؟؟
لا زال الضيق من الخسارة ينفث من حور ..
- وزعي و انتي ساكته ..
ضحكت فاطمة بأريحية ..
- ههههه .. حور بلاج محترقة ..
لوحت بيدها بانزعاج ،،
- ما يخصج .. افففف .. وينها هاي دانوووه .. حشى هب نسكافيه .. ذبيحه .. - رفعت صوتها ليصل للمطبخ القريب - دااندااااان ..
أتاها الرد الفوري من المطبخ و صوت دانة يصيح بعصبية ..
- دندن فعينج .. و الله ما ييب النسكافيه ..
اتسعت عينا عفرا بارتياع ..
- حوووه حور .. شوه دندن انتي بعد .. آخر هالمذلة ما بتييب شي ..
عقدت جبينها و هي تجيب ،،
- هب ع كيفها بتييب .. - صاحت بقوة في وجه فاطمة - ايييييه انتي وياها .. شفتكن ..شفتكن .. رديها .. ردي الورقة ..
رمت نورة أوراقها مع رؤيتها لدانة تحمل صحنا صفت عليه أكواب القهوة و صحن بسكويت .. و هبت واقفة لتجلس بجانب المها التي كانت تجلس بهدوء لا تنصت لضجيجهن .. و كتاب ضخم استقر بين يديها ..
صاحت فاطمة بها ..
- بلاج شردتي .. دانة ما تبى تلعب ..!
لوحت بيدها و هي تلتقط كوبا من الصحن الذي وضع أمامها ..
- يختي ملينا .. خلاص بنات يسدنا لعب خلنا نسولف ..
رحن يلتقطن أكواب القهوة على التوالي .. و سألت فاطمة بفضول ..
- وين نايف و مزوون و هندووه .. مالهم شوف اليوم ..
أجابتها عفرا و هي تقضم قطعة بسكويت ..
- ساروا ويا أمايا أبويه موديهم قدا خالوووه ..
ضحكت فاطمة و هي تقول بمكر ..
- و أنا أقول لعب ورقة في الصالة و أصواتكن شاله البقعة ..
سألتها دانة و هي تضيّق عينيها على عنوان الكتاب الذي بين يدي أختها ..
- أقول فطوم .. من وين تييبين هالكتب ..
- من عند عمتيه .. هي مديرة مدرسة و وايد تحب تقرا .. و الكتب لي ما تباها أنا يبتها للمها عسب تقرا فيها و تتثقف اروحها ..
رفعت حور حاجبا و هي تقول بتشكيك ..
- الصراحة أنا أخاف على ختيه .. تخيلي تكون لعمتج هاي معتقدات غريبة و تقرأ فيها و انتي تفرين كتبها ع المها و تلوثين تفكيرها ..
- ههههههه .. جب زين .. معتقدات أونه .. عفاري متى حفلة التخرج ..؟؟؟
نظرت عفرا للأعلى مفكرة ..
- آمممم .. ثلاث أسابيع تقريبا ..
قالت حور بحماس ..
- يبالنا نسوي بروفا للميك أب قبل الحفلة ..
سألت فاطمة ..
- منوه لي بيعدلها ..
أجابت دانة بسرعة ..
- حور ..
نظرت لها نورة باستفسار ..
- فطوم متى بتداومين في التوطين ؟؟
- شهر 9 ان شا الله .. أنا و حور لو غيرت رايها ..
و نظرت لها بأمل .. لكن حور هزت رأسها رفضا ..
- انتي ما تيأسين ..
.
.
تجاذبهن لأطراف توافه الأمور في الحديث ..
و تلك المزاحات الخفيفة ..
و هدوء تلك الجلسة الخالية من التعقيد ..
.
.
بساطة في الذاكرة لن تزول ..!

* * * * *

يشعر بالتوتر الشديد و ذاك يسلط نظرته المتمعنة عليه .. كانا قد اتخذا زاوية في المكان يجلسان فيها .. فيما انخرط الجميع في الأحاديث متفرقين في وسع مجلس بيت الجد الكبير ،، قال بصوت هادئ يخالف ما يعتمر داخله ..
- و الله يا غيث .. أنا قلت أرمسك أول تشاورها .. قبل لا أخبر أبويه .. و يخبر أبوك ،، لو هي ما تبانيه نبند الموضوع بهدوء .. و لا تستوي امبينا حساسيات .. تعرف انه لو ابويه و عمي اتفقوا ما بيردون الشور لنا ..
توقف عن الحديث بعد أن شعر بانه أطال التبرير .. لا يزال غيث ينظر له بتلك النظرة الثاقبة .. شيء يزعزع هدوء النفس حين تكون في حضرة شخصية بقوة شخصيته ..و حدتها .. لن يعلم قط ما الذي يدور في ذهنه .. سرعان ما انفرجت عن شفتيه ابتسامة هادئة و هو يربت على كتفه بهدوء ،،
- خلاص يا سيف .. فالك طيب .. ازهل السالفة .. أنا بشاورها و برد عليك ،، روضة ما بتلقى أحسن عنك ..
كاد يتهاوى تحت تلك الراحة التي سرت في عروقه و هو يرى الرضا يشع في عينيه .. كان يجد الأمر صعبا عليه حقيقةً ،، فهو رغم ثقته الكبيرة بنفسه .. و طبعه الهادئ الذي يجعله دائما مسيطرا على نفسه .. إلا أن التوتر يتملكه كلما فكّر بهذا الموضوع الذي أخذ يؤرقه ..
ماذا لو أنها أجابت بالرفض ..؟؟ تنهد بقوة نافثا تلك الأفكار مع أنفاسه .. ليس له سوى الصبر ،،
سيأتي أخاها قريبا باليقين ..
.
.
بدا الشرود على وجهه ..و هو يتخلخل لحيته الوقور بأصابعه .. ابتسم هو في نفسه.. مر وقت طويل لم يرى سيف بهذا التوتر .. رغم أنه يصغره بستة سنوات .. إلا أنه كان الأقرب لغيث من أبناء عمّه .. دفء غريب يشع في عروقه كلما وجد نفسه جالسا معه .. شيء من السكينة يغرق روحه و هو يستمع لصوته الهادئ الرتيب الذي لا يحمل إلا الصدق ،، كان سعيدا باختياره لروضه .. لن تجد روضة أفضل منه ..
تمنى بصدق و هو يرى جبين سيف ينعقد بتفكير .. أن توافق روضة بهدوء ..
.
.
لأنها إن لم تفعل سيجبرها على ذلك ..!

* * * * *

حين انبلج ضوء ذاك الفجر الجديد ..
بدا كعادته .. مشعا .. مفعما بالأمل ..
و لكنه كان يحمل في طياته شيئا مختلفا أيضا ..!
.
.
.
.
.
صفقت باب السيارة بمجرد أن استقلتها .. لتلتفت إلى جوارها و هي تقول بكسل ..
- هاي ..
لم ترفع روضة رأسها عن الأوراق التي بيدها ..
- أهلين ..
انطلق السائق فورا نحو الجامعة و روضة تأمره بصوتها الناعم ..
- حطونيه في الجامعة أول ..
سألتها أختها بصوتها الخشن ..
- ع شوه مستعيلة ..
تقلب روضة الأوراق ..
- عنديه امتحان .. أبا أوصل بدري ..
لكزت شيخة الخادمة التي استقرت في المقعد الأول بيدها ..
- صحيبه .. هاتي كلينكس ..
تناولها الخادمة علبة المحارم .. و هي تسأل بسخرية ..
- وينها بنت عمج مالها شوف هالايام .. أحيدها ما تفارق بيتنا وبيت يدي ..
رفعت روضة بصرها بعتب ..
- وداها عمي عند خالتااا ..
- أحسن ..
هزت روضة رأسها بعدم رضا ..
- مادري بلاج عليها .. و هب حلوة حركاتج يوم تيلسين تتحرشين ابها ..هاي أكبر عنا ..
شخرت شيخة باستهزاء ..
- هيه بس عقل ما شي ..و الا عايبتنج حركاتاا يوم تلاحق غيث ..
رفعت حور حور حاجبها ..
- شوه بتحامين عن غيث ..؟؟
لوحت أختها بيدها و هي تلوي فمها ..
- هه .. ما يحتاي .. يعرف كيف يتصرف ويا هالأشكال ..
نظرت لها روضة بحزم ..
- خلاص عيل لا تدخلين ..
نفخت شيخة بقهر .. لا تريد أن تتشاجر مع روضة في بداية هذا اليوم .. لذلك قالت بضيق ..
- الحق ما تبين تسمعينه ..! عوشوه ما قامت تحشم حد .. عنبوه تتلصق في الريال عيني عينك ..
صفقت روضة بيدها على الأوراق ..
- شيخاني .. سدي السالفة بليز .. هب فاضية عسب أناقشج .. هي حرة تسوي لي تباه أبوها و موجود .. شوه تبين تربينها انتي ..؟؟ طبيها .. تأكليناا لحمها ع الصبح ..
لوحت شيخة بيدها بحركة لا مبالاة عصبية .. و هي تنظر عبر النافذة للخارج ..
الحقيقة أنها لا تدرك سبب مقتها الشديد لقريبتها هذه ..! أ لأنها دوما تسخر منها ..؟
من لباسها و طريقة حديثها .. و تصرفاتها .. لا تحب أن تسخر منها رغم أنها لا تبالي بها ..
ففراغ رأس تلك الدمية الملونة .. لن ينم عنه سوى تفاهات تُعرف بها ..
.
.
ارتفع صوت هاتف روضة المتحرك يشق سكون السيارة .. التفتت لها بتلقائية لتراها تنظر لشاشته بجبين معقود .. رفعت عينها لشيخة و هي تهمس ..
- غيث .....!!

* * * * *

لم يكن يفصل بينهن و بين فرصة الغداء إلا بضع دقائق .. شعرت بها تلكزها في خاصرتها بالقلم .. فهمست بجبين معقود ..
- آآآآي .. عورتينيه يا الدفشة ..!!
أشارت صديقتها للأمام .. لتنظر هي أيضا فتقع عينها بعين المعلمة التي نظرت لها بعتب .. و هي ترفع صوتها ..
- نورة .. انتبهي ويانا ..
شعرت بوجهها يحمر .. هذه هي المرة الرابعة تقريبا التي تجدها المعلمة شاردة الذهن في هذه الحصة ،، المشكلة أنها تجد هذه المادة مملة جدا .. التقطت قلما تتظاهر بتتبع الدرس معهم على الكتاب .. رفعت عينها لتجد منى تكتم ضحكتها و هي تهمس ..
- هاا .. ارتفعت و الا نزلت ؟؟
عقدت جبينها بعدم فهم ..
- شوه هي ..؟؟
انفرجت شفتيها عن ابتسامة و هي تخفض رأسها كي لا تراها المعلمة و هي تتحدث ..
- أسهم شركاتج لي تفكرين بها ..
ابتسمت نورة بهدوء ما عندج سالفة .. انتـ ...
بترت عبارتها مع وقوع ورقة صفراء صغيرة على طاولتها .. التقطتها بسرعة و هي ترى أحد صديقاتها في الطرف الأقصى تشير بيدها ..
فتحتها لتلتهم الكلمات بسرعة قبل أن تهمس ..
- شما تقول تسأل لو بنحضر التخرج .. عسب تييب لنا بطايق الدخول ..
نظرت منى للأعلى مفكرة و هي تسأل بخفوت ..
- انتي بتحضرين ..؟؟
صمتت نورة لبرهة و هي تفكر ساخرة بأنها لن تجد شيئا لائقا لترتديه رغم أنه حفل تخرج شقيقتها أيضا .. لكنها فضلت قضاء ذاك اليوم في النوم .. قالت بحزم ..
- لا ما بحضر ..
بدا الإحباط فورا على وجه صديقتها و هي تقول ..
- مالت عليج عيل أنا بعد ما بحضر ..
ابتسمت نورة و عينها لا تفارق خطوات المعلمة تخشى أن تراها و هي تتحدث .. راحت تخط الرد بالنفي في نفس الورقة الصفراء لتعطيها الفتاة التي أمامها .. ليتناقلن الورقة .. ألقت نظرة على ساعة الحائط .. لازالت تفصلهم دقائق عن انتهاء الحصة ،، تنهدت و هي تسند فكّها بضجر .. تدريجيا بدأت تغرق مجددا في التفكير ،، ابتعدت كثيرا عن هذه البقعة من الأرض قبل أن تشعر بمنى تلكزها مجددا .. انتفضت و نظرت بارتياع للمعلمة .. هل انتبهت لشرودها مجددا .. و لكنها كانت تدير لها ظهرها و هي تكتب على السبورة .. نظرت لمنى بغيظ ..
- هاااا ..؟؟؟؟!
كانت منى تكتم ضحكة و هي تهمش مشيرة للباب ..
- شوفي الاستهبال بس ..
نظرت للباب .. لترى عبر نافذته فتاة قامت بوضع قناع مطاطي لوجه بشع .. بدا شكلها مضحكا و هي تلصق وجهها بزجاج نافذة الباب ..و تبعده مرة أخرى .. لحظات و نورة مبتسمة لهذا المنظر و الفتاة مستمرة في حركاتها ثم فجأة اصطدم وجهها بالزجاج .. إذ يبدو أن أحدا ما قام بدفعه إلى الأمام على غفلة .. انفجرت نورة و منى و بضع فتيات أخريات كن يراقبن الأمر بابتسامة .. لتلتفت المعلمة مع هروب فتاة القناع .. و هي تقول بضيق ..
- خير .. يالسة أنكت أنا ..؟؟
التزمن الفتيات الصمت باستثناء نورة التي لم تستوعب سوى منظر الفتاة و رأسها يدفع ليلتصق بالنافذة .. كانت تضحك بأريحية غير منتبه لوجود المدرسة التي ركزت الملعمة نظرها عليها ..
- ههههههههههههههههههههههههه ههههههه ..
قرصتها منى بخوف ..
- نورووه .. بس المعلمة تطالعج ..
رفعت نورة عينها بسرعة و هي تخنق الضحكة باستماتة .. كانت المعلمة تقترب من مقعدها و هي تعقد ذراعيها و نظرة صارمة تعلو وجهها الحاد ..
- هاا نورة .. ضحكينا وياج ..؟؟؟
التفتن الطالبات إلى نورة التي وقفت في مكانها ينتظرن الإجابة .. شعرت نورة بإحراج شديد و هي تكذب قائلة ..
- ما شي معلمة .. بس تذكرت سالفة و ضحكتنيه ..
كان صوت المعلمة قاسيا ..
- لا و الله .. و هالسالفة ما تذكرتيها الا فحصتيه ..؟؟ ما تعرفين ان الضحك من دون سبب .. قلة أدب ..
قالت نورة بلهجة مرتدة قوية ..
- أنا هب قليلة أدب ..
وضعت المعلمة يدها على الطاولة و هي تقرب وجهها من نورة بلهجة قاسية ..
- عيل لا تضحكين من دون سبب .. و انتبهي .. الغدا لاحقة عليه و ع التفكير فيه ..
وجدت نورة تعليقها سخيفا مع بضع ضحكات انطلقت في أرجاء الفصل .. أشاحت بوجهها و هي ترفع أنفها بشموخ .. عادت المعلمة لمكانها و نورة تجلس مجددا .. لم تكد المعلمة تبدأ بمواصلة درسها الممل حتى ارتفع الجرس خارج الممر معلنا انتهاء الحصة .. ابتسمت نورة ابتسامة كبيرة و كأنما أفرج عنها .. راحت المعلمة تجمع أغراضها و هي تنظر لارتياح نورة شزرا ..
- الشيخة نورة المرة الياية لو بتسترجعين ذكرياتج استرجعيها برا .. ما فيه داعي تضيعين على غيرج الحصة ..
التزمت نورة الصمت و هي تنظر لها بغل ،، قالت بحقد لمنى و هي تراقب المعلمة تخرج من الصف ..
- عنبوه ما ترزا هالضحكة ..
ضحكت منى و هي تدس كتبها في درج الطاولة ..
- لا انتي ما تسمعين ضحكتج كيف لنج متعودة .. ضحكتج بروحها نكته .. ما تشوفين البنات يضحكن كل ما ضحكتي حتى لو ما يعرفن السالفة ...
هبت نورة واقفة و خرجت من الفصل ترافقها منى .. ما أن وصلت عند الحمامات الواقعة في أقصى الممر .. و دخلتها حتى ظهر فجأة ذاك الوجه المريع .. لتجفل خائفة .. رأته منذ لحظات و لكنه بدا مروعا عن قرب .. ضحكت منى على منظرها و هي مذعورة .. و أزالت الفتاة القناع ليطالعها ذاك الوجه من خلف فتشهق بغيظ و هي تضربها على كتفها ..
- داااااااااااانوه يا السبالة روعتينيه ..
فركت دانة كتفها ..
- آآه .. يا الدفشة .. مايكل تايسون هب نورة .. ايدج ثقيلة ..
سألتها منى بلهفة ..
- انتي لي كنتي توايقين من دريشة الباب ؟؟
ضحكت دانة بقوة و شاركنها صديقاتها اللواتي كان يمتلئ بهن المكان .. و انشغلن في الإصلاح من هندامهن ..
- هههههههههههههههههه .. عيبتكن الحركة .. ما دريت وين نورة يالسة عقب ما غيرت مكانها بس شفتج ..
- ههههههههههه منوه لي ظرب راسج فالدريشة ..
نظرت لإحدى صديقاتها بحقد ..
- هاي شمشون ..
قالت نورة بضيق ..
- انتي كيف ظهرتي و الحصة الرابعة ؟؟
هزت دانة كتفيها و هي تنظر لنوف التي انشغلت بتمشيط غرتها بتركيز ..
- عدناا فراغ .. صع نوف ..؟؟
قدمت نوف وجهها حتى كاد يصطدم بالمرآة و هي تهز رأسها موافقة .. تابعت منى استفسارها ..
- و من وين يبتن القناع ..
وضعت دان قطعة لبان في فمها و هي تمد قطع أخرى لأختها و صديقتها ..
- هاي سارونة صارقتنه من النادي الترفيهي ..
اتسعت عينا نورة و هي تشهق ..
- يا قواة عينها ..!!!!
قالت احدى صديقات دانة التي لا تعرف نورة لها اسما ..
- عادي أصلا محد يشرف عليه هالنادي ..
لوحت دانة بيدها و هي تلقي نظرة على المرآة تعدل فيها من وضع ..
- صدق .. عادي .. بس تدرن انتن أحسن عن عفاري سيده انتبهتن .. عفرا تميت ساعة عند الباب و الصق ويهي كل بنات الصف و المعلمة و الصف لي عدالهم انتبه و هاييك مبهتة في الصبورة و تنسخ .. !!

* * * * *

الشمس تتصدر قلب السماء .. تنفث أشعتها لهبا .. حارقة ..
تتوقف سيارته العتيقة بأنين معذَّب أمام باب البيت الصغير .. يفتح سيارته ببطء شديد ..
يتساند بيده و هو يضع مفتاحها في جيبه مصدرا عند حركته المرهقة صوت اصطدامه بهاتفه القديم ..
بدأ يدفع خطاه نحو الباب .. حرارة كتلة النار التي أبدع الخالق بها نورا .. تكوي مؤخرة عنقه الأسمر ..
يقطع المسافة القصيرة بين الرصيف و باب بيته القريب بجهد بالغ .. و هو يحرك - غترته - إلى الخلف قليلا ..
يشعر بثيابه .. بأنفاسه .. بخطاه .. ثقيله ،،
ثقيله للغاية .. قطرة من العرق تسيل على جبينه لتستقر بجرأة على جفنه المجعد .. ليمسحها بتعب ..
.
.
ما بالها هذه المسافة لا تتقلص ..
شعر بأنه متعب ..
متعب جدا ،، أحنى رأسه ليعبر الباب القصير .. مدخل المجلس الصغيرة أمامه ..جلس على درجتيه الصغيرتين يسند ظهره للجدار المجاور ..
شعر بجسده ضعيفا للغاية .. لا يملك القوة ليواصل طريقه للداخل ..
سيرتاح لثوانٍ هنا ،، ثم سيتابع طريقه ..
أسند جسده للأرضية الإسمنتية الساخنة .. تلذعه حرارتها ..
لكنه لم يبالي .. فها هي الشمس أكثر قسوة .. تلسع وجهه و جسده بحرارة أشعتها التي تسلطها عليه ..
فيما يجلس هنا مستسلما ..
الحرارة تخنقه .. و جسده المضني لم يعد فيه من القوة ما يملك ليتزعزع من مكانه ..
تتسرب الأنفاس منه الآن .. و هو يسدل جفنيه بتعب ..
لم يعد يقوى الاستمرار تحت لهيب هذه الأرض .. أَ يمكنه أن يغفو للحظات عند هذه العتبة ..؟!
سينشد الراحة للحظات قليلة فقط ..
يريد السلام الذي يسكن خلف تلك الظلمات .. سيصلها بهذه الغفوة ..
الشمس لا زالت تطلق سهامها نارا عليه .. و جفاف في حلقه يؤرقه ..
هو ظامئ ،، جسدا .. و روحا ..
قواه تخور ببطء .. و عمامته أصبحت تنزلق ..
تنزلق ..!
و وجه قديم ينبثق من العدم في هذا السواد ..
هذه التجاعيد .. و هذه العينين .. و هذا الحنان البعيد .. هذا العبق الذي ملأ الجو الساخن ..
راحتيها يريد أن ينحني ليقبلها .. يريد أن يمسك بها .. يستنشقها .. و يتنفس رائحتها مجددا للحظة أبدية ..
و لكن الصورة كانت تختفي .. تتبدد في تلك الظلمة المريحة ..
.
.
أنفاس ..
و لم تعد شمس الصيف الحارقة تؤذيه الآن ..!

* * * * *

وضع في فمه لقمة ضخمة و هو يشير بيده المتسخة إلى زجاجة الماء .. ابتسم هو بهدوء و هو يفتحها له و يدنيها منه .. ابتلع اللقمة ليعقبها بجرعة مياه كبيرة و يتنهد بشبع ..
- الحمدالله ..
لا زال هو يبتسم بهدوء ..
- يعل فوقه العافية ..
ربت الأول برضا على بطنه و هو يقول ..
- يا خي ما شا الله على أمك طبخاا فنان .. بو هناد يوزنيه وحدة من خواتك أبا أناسبكم ..
ضحك سيف من قلبه ..
- هههههههههه أفاا يا عبدالعزيز .. تناسبنيه عسب طباخ أميه .. الحمد الله ان ما عنديه خوات ..
ارتسمت على وجه عبدالعزيز ابتسامة طفوليه ..
- و الله يا سيف ان قربكم ينشرى بفلوس .. بس طباخ أمك بعد ما فيه حيله .. بس تدري شوه ..؟؟
بدا الإحباط عليه و هو يهوي براحة يده على بطنه الكبير الذي شد بفعل حزام لباسه الرسمي للشرطة ..
- دوم تخرب عليه الريجيم بهالعزايم ..
ضحك سيف هو الآخر و هو ينهض من مكانه ..
- أي ريجيم يا خي .. انتي تمشي عليه خمس دقايق و باقي الوقت ع كيفك ..
عقد عبدالعزيز جبينه ..
- ياخي لا تحبطنيه أول شي يخرب وصفات الريجيم هي الرمسة المثبطة للعزيمة .. و رمستك مع احترامي الشديد تبط أبوو العزيمة ..
- خلها تثبط العزيمة عسب لا تاكل شي فيها ..
- هه بايخة .. أنا بسير أغسل ايديه عسب نكمل الدورية ..
هز سيف رأسه و هو يخرج هاتفه و يتصل بأمه ليبلغها بان ترسل أحدا لأخذ الطعام ..
و جلس عن المدخل يرتدي حذائه .. استرعى انتباهه دخول أخوه الأصغر حاملا كتبه بيده .. سلم بإرهاق حال دخوله ..
- السلام عليكم و رحمة الله ..
عقد سيف جبينه ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. مرحبا حارب .. عنبوه الساعة ثلاث و نص ..
سلّم حارب باحترام و هو يتنهد ..
- شوه بتقول يا سيف .. الحين يدبلونهن الساعات علينا دراسة و امتحانات .. المدارس الخاصة تبا ترفع مستواها عسب تصديق الوزارة ..
ابتسم له سيف مشجعا و هو يشد على كتفه ..
- ما عليه شد حيلك .. هاي ثنوية عامة .. انته قدها ..
تأمل حارب لباسه الرسمي الخاص بالشرطة و بادله الابتسامة ..
- ادعليه بس .. شوه عندك دورية ..
قبل أن يرد سيف أقبل عبدالعزيز من خلفه ..
- السلام عليكم و رحمة الله ..
ابتسم حارب باحترام و هو يسلم ..
- و عليكم السلام و رحمة الله .. يا الله حييه بو سعود ..
- يحييك .. شحالك يا حارب ..
- بخير و سهالة .. شحالك انته .. ربك بخير ..
- يسرك الحال .. الحمد الله .. علوم دراستك ..
- طيبة .. هاا ظاهرين ..؟؟
نظر عبدالعزيز لسيف الذي هز رأسه موافقا ..
- هيه باقي لنا 3 ساعات ع الدورية .. يا الله حدر انته .. نحن سايرين .. و لا ترقد ما بقى شي ع صلاة العصر ..
قال حارب بإحباط ..
- الحين صيف يا سيف ..
ضحك عبد العزيز ..
- حلو السجع.. صيف و سيف ..
قال سيف بحزم رقيق ..
- ماشي باقي ع الصلاة غير نص ساعة .. تغدى و افتح لك كتاب .. لو رقدت بتطوفك صلاة العصر ..
بدا الخنوع المحبط على وجه حارب و ابتسم عبدالعزيز ابتسامة كبيرة و هو يتوجه خارجا حيث أوقفا سيارة الدورية ،،

* * * * *

- ما كأنه ابويه تأخر ..؟!
قالتها مزنة و هي تنتزع قطعة المصاص الملوِّنة من فمها الأزرق بفعلها .. انكمش أنف هند باشمئزاز .. و بدا على وجه حور تعبير مشابه ..
- عادي هب أول مرة يتأخر .. و بعدين سيري فري هالخياس لي يالسة تاكلينه و اغسلي ثمج قبل لا يي و يشوفج و يغسل شراعج ..
هزت مزنة رأسهة رفضا و راحت تقضم الحلوى كي لا ترميها .. اتسعت عينا المها و هي تراها تخرجها من فمها و قد التهمت أجزاءٍ منها .. فيما قالت هند و هي ترفع حاجبها..
- خيبة .. هب ظروس عليها .. هاون .. طالعي كيف كلت الحلاوة ..
تجاهلتهن حور حين ارتفع صوت الأذان مناديا لصلاة العصر لتنظر لنايف الذي جلس في زاوية الصالة يستذكر دروسه قبل أن يأتي أباه ..
- نايف حبيبي .. صلاة ..
هز رأسه بطاعة و عيناه لا تفارقان الكتاب الذي يخط بقلمه فيه ..
- ان شا الله ..
أشارت للمها ترفع يدها بقرب أذنها في حركة تكبير .. لتهب المها من مكانها لتصلي .. توجهت لغرفتهن .. لتفتح الباب فيقع ناظرها على عفرا التي توسطت ضيق الحجرة بين كتبها و نورة التي كانت تنبش شيئا في خزانة ملابسها .. فيما استلقت دانة على فراشها و هي تضحك حين قالت عفرا بحيرة ..
- غريبة ..! ما شفتكن ..
دانة تقهقه بقوة ..
- انتي لو شفتي ويهج بس بتموتين من الضحك .. عيونج بتاكل الصبورة ما تقولين غير الكلمات لي عليها بتشرد .. هههههههه .. صدق ويه علمي ..
قاطعتها حور بهدوء ..
- صلاة ما سمتعن أذان العصر ..؟؟
تقلبت دانة على الفراش و عفرا تضع كتبها جانبا ..
- ان شا الله ..
أغلقت حور الباب متوجهه نحو غرفة أمها حين استوقفها صراخ نايف و هو يركض داخلا للصالة ..
- حوووووووور ..
اجفلت بقوة و هي تلتفت إليه فزعة ..
- بسم الله .. شفيك ..؟؟
كان يلهث بقوة عند الباب حين ظهرت عفرا من باب الغرفة المجاورة تطالع أمر الصراخ .. بدا الكرب على وجه نايف و هو يقول بخوف ..
- أبويه راقد عند باب الميلس .. و أوعيه للصلاة ما طاع ينش ..!!!
اتعست عينا حور بصدمة ..
- عند باب الميلس ..؟؟!
هز نايف رأسه حين ركضت حور و راح يركض ورائها نحو المجلس .. عفرا تتبعها بسرعة .. و صياح دانة المتسائل يتردد في الجو بلا مجيب ..
- بلااااااااااكم ..؟؟
وصلت حور بسرعة و شهقت فور رؤيتها جسد أبيها الراقد على الأرض بحركة غير مريحة و قد ألقى رأسه على إحدى عتبات مد خل المجلس .. هرع له بسرعة و ركعت بجانب رأسه .. جسده الطويل كان مائلا بطريقة أثارت ذعرها .. أطلقت عفرا صيحة فور رؤيتها له و اقتربت هي الأخرى لتجلس بجانب حور .. نايف كان يقف بعيدا عنهن و الخوف يلجمه.. ابتلعت حور ريقها بتوتر .. و هي تهز كتفه تنبهه بهدوء ..
- أبويه .. أبويه .. أبويه أذن العصر .. أبويه ..؟؟!!
كانت الكلمات ترتد عن هدوء صلب يغشى ملامح والدها .. تشد على كتفه بقوة أكبر ..
- أبويه ... أبويه ..!!
و تواصل النداء بلا كلل .. و لكن أباها لا يجيب .. لحظات و الرعب يضطرم في صدرها .. عفرا بدأت تبكي بصوت منخفض .. و نايف يترجم مخاوفهن بصوت مذعور ..
- عور شفيه أبويه ما يتحرك ..
التفتت له حور بخوف عصيب ..
- مادري .. انته حصلته كذيه .؟..!!
هز رأسه دون أن يتكلم .. و عيناه ابتدأتا بذرف الدموع .. هزت حور رأسها و صوتها يرتجف ..
- لازم نوديه المستشفى ..
صوت عفرا البايك يوتر احساسها ..
- منوه بيوديه ..؟؟
دست يدها في جيب أبيها تخرج هاتفه القديم .. راحت تضرب الرقم الذي تحفظه عن ظهر قلب .. لحظات فقط و يتدفق صوته الرجولي عبر خطوط الاتصال ..
- ألوووو .. مرحباا ..
كان صوتها غير ثابت و هي تهتف بذعر .. شعرت بأن دموعها تهدد بالهطول ..
- مااااااايد .. أنا حووور ..
- بلاج حووور ..؟؟؟ رب ما شر ..؟؟
بكت الآن و هي تقول ..
- مايد تعال البيت بنودي أبويه المستشفى .. ابويه ما يتحرك ما طاع ينش ..
لحظات صمت قبل أن يقول بصوتٍ هادئ ..
- لا تروعين .. الحين ياي أنا و عبيد ..
و أنهى المكالمة بسرعة .. لم تفارق عينها وجه أبيها .. و هي تعيد الهاتف لجيبه بهدوء .. ابتلعت ريقها و هي تكافح لمنع نفسها من التداعي الآن .. نظرت لعفرا و هي تأمرها ..
- سيري هاتي عباتيه و غشوتيه بسرعاااه ..
قفزت عفرا من مكانها و ركضت مجددا للداخل ..
تنظر هي لوجه أبيها المغضن .. و الأخاديد التي خطت على وجهه الكالح .. سحنته الحبيبة و هو يعقد جبينه و كأنما تضايق من رقاده بهذا الشكل ..
التقتت لنايف الذي التصق بالجدار و عيناه المرعوبتين لا تفارق وجه أبيهم .. لحظات و اندفعت عفرا تتبعها دانة و نورة و المها .. ناولت عفرا حور العباءة و ما تحمل .. وضعت نورة يدها على فمها ..
- بلاه أبويه ..؟؟
راحت حور ترتدي عباءتها بسرعة ..
- لقيناه طايح .. بنوديه المستشفى ..
عادت المها أدراجها راكضة .. لتظهر بعد دقيقة و وهي تمسك بعباءتها الأخرى .. عيناها الحازمتين أنبأت حور بأنه لا داعٍ لمنعها .. تنهدت حور و هي تعيد النظر لوجه أبيها .. دانة و عفرا يبكين بصوت مسموع خوفا مما قد يحدث لأبيهن .. المها تامع مخاوفها في أفق عينيها الواسعتين و هي تعض شفتها السفلى بقلق شديد .. نورة تجلس بجانب حور و عيناها تمتلآن بالدموع .. و هي تهمس ..
- حور هو يتنفس ..؟؟؟
همست حور و هي تشيح بوجهها .. لا تريد أن تبكي .. خائفة .. خائفة ..
- ما أدري ..!
سمعوا صوت بوق سيارة عند الباب و ركضت عفرا التي كانت بلا غطاء للداخل .. فيما غطت المها باشارة من أخواتها و و دانة و نورة وجوههن ..
خرج نايف لاستقبالهم .. و في ثوانٍ فقط كان عبيد و مايد .. قد دخلا .. لم يلتفتا لأي أحد منهم حتى حور التي كانت قد قضت ما يقارب الشهر دون أن ترا عبيد .. بسرعة إقترب مايد منه و حور تهتف بذعر ..
- ما يتحرك .. و ما يرد علينا .. بسرعة يا مايد .. خلنا نلحق عليه ..
راحت ترتدي عباءتها في حين قام مايد يساعده عبيد في نقل بو نايف للمقعد الخلفي لسيارتهم .. لحقت بهم حور و المها .. و تقدم نايف أيضا .. و لكن حور أمسكته من كتفه و هي تقول بصوت مرتجف ..
- خلك في البيت محد بيتم هنيه .. نحن بنرد بسرعة لا تخاف ..
لم يرد نايف فقط هز رأسه بطاعة و هو يكبح لمعة الدموع في عينيه .. نظرت حور لدانة و نورة و هي تقول آمرة ..
- لا تقولن لأمايا أي شي و لا تروعنها .. خلونا نتصل لابكن كان بيرخصونه و الا شوه السالفة ..
و ركبت السيارة في المكان الصيق الذي حشر فيه جسد والدها مغلقة الباب خلفها لينطلق مايد بسرعة نحو المستشفى .. وضعت قدمي أبيها في حجرها .. فيما كان رأسه يغفو على صدر المها التي كانت تتشبث به بقوة .. لم تعرف ما الذي كان يخالجها في تلك اللحظات .. خوف .. قلق .. و شيء من عدم التصديق .. تشعر بان كل ما يحدث غير حقيقي ..! لا تدري سببا لهذا الشعور ..!
دموعٌ حمقاء تدفقت فجأة من عينيها و هي تناظر وجه أبيها الراقد بلا حراك .. إلهي .. إلهي ..!
ما خطبه ..!
لما هو مسجى هكذا بلا حراك ..؟؟
كان صوت عبيد و هو يتصل بالطوارئ ليستعدوا لإستقبالهم .. ينتشلها مما هي تغرق فيه .. من مشاعر متخبطة .. قلبها يخفق بجنون و هي تنظر للمها التي أخفت وجهها خلف الغطاء ..
ما الذي يخالجها يا ترى ..؟؟!
- اتصلت بابويه ؟؟
رد عبيد و هو يلتفت إلى الوراء نحوهن ..
- يقول بيلاقينا في الطواري .. حور ؟؟
رفعت حور وجهها نحوه و هي تحاول ابتلاع دموعها .. لم تشا أن تكون بهذا الضعف .. و لكن ،،
قال بحنان كبير و يمد يده الطويلة و يقرص خدها ..
- لا تخافين .. ان شا الله ما فيه إلا العافية ..
ارتجفت دمعة أخرى تتبع الشابقات و هي تهز رأسها غير واثقة ،،
لا تعلم لما تشعر بهذا الخوف الشديد .. شعور بدنو نهاية ما يرعبها ..!
.
.
.
كانوا ثكلة من الممرضين و الأطباء عند باب الطوارئ في انتظارهم اضافة لأبو مايد الذي بدا أنه سبقهم إلى هنا ..في الحال وضع بو نايف على سرير نقال ليختفى به في إحدى غرف الفحص .. مرت ما يقارب الربع ساعة و هم يجلسون هناك بتوتر .. بو مايد يقف قرب باب مدخل قسم غرف الفحص الخاصة بالاسعاف المستعجل .. و عبيد يقطع الممر على قدميه ذهابا و إيابا .. مايد جلس مسترخيا بجاور حور التي كانت تعتصر قبضتيها بخوف .. تسمع المها تتمتم بشيء ما خمنت أنها أدعية .. كان الجو ثقيلا على النفس .. لا تريد أن تجلس هنا في انتظار ان يخرج أحدهم ليخبرهم ما يحدث خلف هذه الأبواب المغلقة .. يفترض بهم أن يكونوا في الداخل .. بجوار ابيها ..
راحت تناجي ربها في صمت أن يكون الأمر غير ذي بال .. و أن يكون والدها بخير .. في غمرة ازدحام حواسها و أفكارها طرأ على بالها أمرٌ ما .. همست لمايد بصوت مرتجف ..
- مااايد ..
التفت لها بسرعة ..
- لبيه ..
ابتلعت ريقها ..
- لبيت في منى .. أبا أصلي العصر ..
هز رأسه موافقا ..
- ان شا الله .. شوفي المها بتسير وياج ..؟؟
رفضت المها التحرك بعد أن قضت صلاتها في البيت قبل الجميع .. و فضلت الجلوس هنا في انتظار خبر عن أبيها ..اختفت حور و مايد الذي راح يدلها على مكان مصلى النساء .. و ثوانٍ قبل أن يظهر مجددا ليجلس بعيدا عنها بخطوات ..
.
.
أفكار مجنونة كانت تقلبها في ذهنها و هي تجلس في مكانها بهدوء .. تدعوا ربها بقوة ..
خيالات فظيعة راودتها و هي تستعيد صورة أبيها و هو مسجى على الأرض بلا حراك ..
وجهه المتعب الذي أشقته أيام العمر المضنية و هي تحتضنه باستمامته .. أرادت أن تبث وجهه الجامد شيئا من الحياة ،، رمق من أدنى أثر لشعوره بمن حوله ..
كان الرعب القاتل يسري في عروقها مع طول انتظارهم .. و تأخر أحدٍ ما في المجيء ..
أغمضت عينيها للحظات تنفي كل فكرة سوداء قد تغرقها .. و تسحبها بيأس إلى الأسفل ..
فتحت عينيها و أدارت وجهها نحو الباب .. خفق قلبها بقوة حين رأت رجلا يرتدي معطفه الطبي كان يقف مع عمها بو مايد يبتعد عنهم نحو ذاك الباب مجددا .. و أبو مايد يضم طرف - غترته - لعينيه ..
كان على ما يبدو أنه يكلم ابنه الأكبر الذي كان يهز رأسه المنخفض بطاعة .. و عبيد يجلس على كرسي قرب الباب و قد أراح رأسه بين كفيه ..
كان المشهد بليغا للغاية .. هناك سوء ما قد أصاب والدها .. متأكدة من ذلك .. هبت على قدميها المرتعشتين .. و عبرة خائفة تقف على أعتاب مقلتها .. تأبى النزول من عليائها .. و كأنما يعني سقوطها .. أوان النهاية ..
تقترب من عبيد الذي بدا أقربهم في تلك اللحظات .. تجر قدميها جرا نحوه ..
لما بدت لها خطواتها تقودها نحو الحتف القريب ..؟!
لماذا راودتها رغبة مخيفة في العودة لمكانها .. و التشبث بذلك المقعد ..
هل عليها أن تهرع لما تحمله تلك الوجوه من وجع منتظر ..؟؟!!
شعر عبيد بوقوفها عند رأسه .. رفع وجهه المحمر نحوها .. عينيه المغرقتان بالدموع .. وجه المبتل ..
.
.
رباه .. هذه العبرات ..!
أيقنت بأن الأمر تجاوز حدود هذا الرجل بالمكابرة .. تجاوز حدود الهدوء ..
حدود التحمل ..
حدود الحياة نفسها ..!
هــل ..؟؟
رفعت يدها لحنجرتها تتحسسها .. تريد التأكد من أن صوتها الذي لا تسمعه ستخطى شفاهها .. و هي تقول له بنبرة غريبة ..
- أباااه مااات ..؟؟
بدت الصدمة جلية على وجهه .. و لم يجبها .. فعادت تسأله بإصرار ..
- أباااه مااات ..؟؟
ازدادت عبراته في التتابع .. و هو يومئ برأسها بايجاب ..
فجأة وصلتها الإجابة ..لقد فارق والدها الحياة .. رفعت عينها بذهول .. كان وقع الخبر أكبر من إدراكها ..
أدارت بصرها في وجوه من حولها .. مايد الذي كان ممسكا بالهاتف يتحدث فيه و هو يبكي .. بو مايد يقف مستندا على الجدار و جسده المسن يهتز بأسى ..
إنهم يبكونه ..!
يبكون فقيدهم .. أباها ..
أباها .. لقد رحل .. تركهم .. لقد أخذوه الأطباء إلى الداخل .. و لن يستطيعوا الآن استرجاعه ..
راحت تنظر للباب البعيد الذي أدخلوه عبره .. و خرج الطبيب منه حاملا خبر رحيله ..
تري ان تصله .. تقتحمه .. تعيد أباها مجددا .. تريد أن ....
في غمرة تلك المشاعر التي بدأت تخنقها .. نسيت قدرتها على التنفس ..
أصبح الهواء لا يصل رئتها حين بدأت تعجز عن الوقوف على قدميها ..!!
.
.
.
.
.
.
.
يلامس جبينها الأرض بخشوع .. تمسك بأطراف الدموع بعيدا عن متناول الهطول .. ليس وقت الضعف الآن ،، حتما سيكون أباها بخير ،، و لا هذا الأمل ارتجفت شفتيها و هي ساجدة .. على وشك البكاء ..
تتوسل الرب من قلبها أن يحفظه لهم .. رباه ليس لنا سواه ..! .. كيف سنواصل العيش إذا أصابه مكروه ما ..!!
كيف لعائلتهن البسيطة أن تتدبر أمورها دونه ..؟! كان هو السند الوحيد لهم ..
ترفع نفسها لتستوي جالسة قبل أن تنهي صلاتها .. توجهت نحو الحمام التابع للمصلى النسائي .. وقفت أمام المرآة العملاقة و هي تضع غطاء وجهها جانبا .. بهدوء .. تدير الصنبور لتتدفق المياه بقوة .. فتجمعها هي بهدوء بين راحتيها ثم تنثرها على وجهها ..
تريد أن تبرد شيئا من حر فؤادها قبل وجهها الذي أحرقته الدموع ..
لا تعرف كيف تخنق خفقان قلبها الخائف .. الأمر كان مرعبا للغاية .. لم يحدث هذا لأبيها من قبل ..!
اتجهت نحو الردهة الواقعة قرب مدخل غرف الفحص حيث تركت البقية ،، ما إن اقتربت من مكانها حتى عقدت جبينها .. لم يكن أحدهم هناك ..!!
مهلا .. هذا بو مايد يقف في الطرف الأقصى .. شعرت بتفاؤل غريب يجتاحها .. لا بد أن أباها استيقظ الآن و البقية يجلسون عنده .. اقتربت من بو مايد الذي كان يدير لها ظهره.. بلهفة و هي تكاد تركض نحوه .. وصلت اليه بسرعة ..
- السلام عليكم و الرحمه ..
رأت ظهره يتصلب وهو يرفع رأسه دون أن يلتفت إليها .. رد سلامها بصوت ضعيف .. قبل أن يلتفت إليها ..
- و عليكم السلام و رحمة ..
أدار وجهه بعيدا عنها و هو ينظر حيث الاستقبال .. تلك النظرة المتألمة لم تخفى عن حور التي وضعت يدها على صدرها بارتياع و كل إحساس جميل راودها للتو ذهب أدراج مخاوفها ..
- عمي سلطان بلاك ..؟؟؟ أبويه فيه شي ..؟؟؟
هز رأسه نفيا بسرعة .. دون أن يجيب .. تهدج صوتها و هي تشعر بأنها على شفير البكاء ..
- دخيلك لا تكذب عليه .. ابويه شفيه ..
.
.
نظر لها و هو يوأد أي إحساس قد يطفو على وجهه .. لن يستطيع تحمل ردة فعلها عند علمها بخبر أبيها .. عبيد ذهب لإعلام أمه و إصطحابها لبيت خالته .. ستقوم هي بابلاغ من في البيت .. مايد في الخارج ينتظر إخوة المرحوم الذين سيكونون على وصول بعد دقائق .. الحقيقة أنه لا زال هو نفسه مهزوزا من هذه الفاجعة التي أصابتهم في ذاك العزيز على حين غرّة .. لا يجد في نفسه القدرة أن يخبر هذه الشابة بذاك النبأ .. فضّل اللجوء للمناورة حتى يأتي مايد .. سيقوم هو بإخبارها .. و امتصاص ردة فعلها و مواساتها .. أَ وَ ليس أخوها .. و الأقرب لها ..؟!
ابتلع كتلة شائكة سدت حلقه بمرارة و هو يتنهد قائلا بهدوء خادع أخفى وراءه صرخات مجنونة لا تسمع ..!
- ما شي بس تروعت ع ختج .. مادري بلاها طاحت علينا مرة وحدة ..
كانت تلك نصف الحقيقة فقط .. و لكن الفزع في صوتها أربكه ..
- المهــــــا ..!!!! بلاها ..؟؟ شوه استوى عليها ..؟؟ وينها الحين ؟؟
- داخت و صك راسها في القاع .. ما ياها غير الكدمة و تقول الدختورة انها بتم ساعة و إلا زود راقدة ..
هزت رأسها بعدم فهم ..
- مايد و عبيد وينهم ..؟؟
تابع كذبته التي بدأت تتمادى الآن ..
- ساروا يشوفون أبوج شوه استوى عليه .. ما تبين تسيرين تشوفين ختج ؟؟ تعالي بوديج غرفتاا ..
تقدمها بهدوء و هي تتبعه نحو غرفة الملاحظة التي وضعت فيها المها تُمَدُّ بمغذٍ و ترتاح إثر صدمتها التي أدت لسقوطها على الأرض الصلبة .. أشار من عند الباب الذي لم يكن يبعد كثيرا عن المدخل ..
- هاي حجرتاا ..
.
.
.
هزت حور رأسها بامتنان و أطرافها ترتجف .. ماذا الآن أباها .. و المها ..!! أخطأت حين وافقت على إحضارها لم تشكْ قط بأنها مرهفة لهذه الدرجة .. أ سيطر الخوف عليها حتى أفقدها الوعي ..؟؟!
ارتعبت حور من الفكرة و دفعت الباب لتدلف بسرعة مغلقة إياه خلفها .. كانت المها تتمدد بهدوء على ذاك الفراش الأبيض الذي التفت حوله ستارة انزاح طرفها لتتبين من خلفها.. حجابها لا زال محكما على رأسها فيما أُلقي غطاء رأسها على الطاولة المجاورة .. و أنبوب طويل راح يمدها عبر الوريد بالسائل المغذي .. فيما هي تسكن عالما غير عالمهم هذا ..
دنت من فراشها بسرعة .. وضعت يدها على جبين المها .. كانوا قد وضعوا شريطين لاصقين أخفا طرفها الحجاب . هناك من فك الحجاب و أعاد لفّه بطريقه محكمة .. بدا وجهها الجميل غارقا في ما تجهل هي .. سحبت كرسيا تقربه من السرير لتجلس عليه .. تمنت أن يأتي عبيد و مايد بأخبار طيبة .. و أنا تستيقظ المها بسرعة .. مضي الوقت هنا أخذ يشعرها بالتوتر .. كانت الثواني تمر ثقيلة للغاية .. مر وقتٌ طويل لم يأتها أحد بخبر .. عليها أن تخرج لترى ما خطبهم .. هل نسوا وجدهن هنا ..؟؟ أم أن ...
تجاهلت أي أفكار سخيفة قد تراودها و هي تسحب الستارة حول سرير المها و تعيد الغطاء على وجهها .. توجهت نحو الباب لتفتحه .. ما إن خرجت من الغرفة ليقع عينها على هذا المظهر الغريب ..!! تراجعت بارتباك للخلف و لكن حركتها كانت قد استرعت انتباه الموجودين .. التفتوا أولئك الرجال الغرباء نحوها فور خروجها .. لتعود إلى الغرفة مجددا .. قلبها يخفق بعنف .. يا إلهي .. أين عمها سلطان و أبناءه ..!!
.
.
.
كانوا موجودين بين الرجال الذين لاحظوا وجودها في تلك البرهة القصيرة دون أن يعرفوها .. تبادل بوسلطان و ابنه مايد نظرة متفهمة .. و هو يقول له بصوت هامس حزين..
- أنا ما خبرتاا .. سير خبرهاا الحين و شوف لو تروم تردها هي و ختها البيت قبل لا يمزرون هلهم المستشفى ..
هز مايد رأسه بسرعة و هو يمسح وجه .. نظر للرجال الذي وقفوا حوله .. بحضورهم المهيب .. بملابسهم الفاخرة .. بالثراء الذي أخذ يلوح ببساطة على كل حركة .. حتى الحزن الذي ارتسم على ملامحهم لم يُزل كبرياء فطرية نُحتت على وجوه بدت له مألوفه ،، ألم يكن ذاك الراحل يملك هذه الملامح ..؟؟ هذا الطول .. و هذه الصلابة .. شعر بالغصة تخنقه و هو يشيح البصر عن أخوان بو نايف الأربعة و ابنهم الأكبر الذي تعرفه مايد ببساطة بما أنه مالك الشركة التي يعمل بها .. و شاب آخر لم يعرفه .. و لكنه تأكد أنه فردٌ من العائلة ..
لم يأتي أبو حمد ..!! لم يُقدم على المجيء معهم ..
توجه بهدوء نحو الغرفة التي رقدت فيها المها .. كيف سيعلم حور ..؟؟ كيف سيحطمها بما يحمل ..
كانت الأنظار تتأمله و هو يقف أمام الباب بعجز .. لا يقوى الدخول .. شعر بأنه أطال الوقوف هنا رفع يده ببؤس يغالب الدمع الذي تدافع لعينيه مجددا .. عليه أن يكون قويا من أجلها ..
دق الباب بخفة عدة مرات قبل أن يدفعه ليجدها واقفة في منتصف الغرفة و قد أسدلت الغطاء على وجهها و أغلقت الستار حول فراش المها .. ما إن تعرفته حتى أزالت غطاءها بسرعة و هي تقترب منه بلهفة ..
- مايد وينك ..؟؟ أبطيت عليّه ؟؟ شوه قالو لكم ..؟؟؟ أبويه شفيه ؟؟
كان مايد قد أخقض رأسه .. هذه اللهفة .. الأمل الذي مسه في كلماتها .. كيف يحرق قلبها ..؟؟ كيف ..؟؟
أي ثقل ألقي على كاهله .. !! أي وجع يفترض به أن يصيبها به ..!!
نظرت له بحيرة .. لماذا يبدو هذا الإنكسار عليهم .. عمها سلطان و الآن مايد ..!! همست بصوت مرتعش حين بدأ الذعر يدب في قلبها ..
- مايد .. بلاك .. أبويه شفيه ..؟؟
رفع رأسه المغرق بالدموع .. و صوته الرجولي بدا ضعيفا و هو يرمي تلك القنبلة مسلما الأمر ..
- أبـــــوج عطاج عمره ..!
لم تفهم ما قال .. تلك الكلمات أبى عقلها الخائف أن يترجمها ..
- هاه ..؟؟ كيف يعني عطانيه عمره ..؟؟
لم يجبها و هو يشيح بوجهه مخفيا تدفق الدموع الذي ازداد مع سؤالها .. عاد صوتها المرتعش يتوسله ..
- مايد ارمس دخيلك .. ابويه شفيه ..؟
التفت لها و هو يقول بألم ..
- حور أبوج متوفي من أربع ساعات ..!!
بدا و كأن مايد لا يتكلم العربية في تلك اللحظات و هي تعقد جبينها دون أن تستوعب ما قال ..
- متوفــــــي ..؟؟!!!
هز رأسه بألم و هي تتلفت حولها بحيرة .. تدور في الغرفة ..
- منوه لي متوفي ..؟؟ أبوية ..
توقفت في مكانها لتلتفت له بصدمة و عيناها تتسعان .. و هي تصيح فجأة بجنون خلع قلب مايد ..
- كذااااااااااااااااااب ..




>>


لامارا غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.