آخر 10 مشاركات
رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          نبضات حرف واحاسيس قلم ( .. سجال أدبي ) *مميزة* (الكاتـب : المســــافررر - )           »          على ضِفَّة لوحة انتظار ! وَ في لحظاتٌ تُحَيّكَ بهما الأَشْواقُ.(مكتملة) (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          61 - الشبيــه - نان اسكويث- (مكتوبة/كاملة) (الكاتـب : SHELL - )           »          68 - ذهبي الشعر - فلورا كيد - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          128- فرس الريح - مارغريت بارغيتر - ع.ق(كتابة /كاملة)** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          0- عاشت له - فيوليت وينسبر -ع.ق- تم إضافة صورة واضحة (الكاتـب : Just Faith - )           »          030 - خيمة بين النجوم - دار الكتاب العربي (الكاتـب : Topaz. - )           »          [تحميل] الحظوظ العاثرة،للكاتبة/ الرااااائعه ضمني بين الاهداب " مميزة "(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          شيء من الندم ..* متميزه و مكتملة * (الكاتـب : هند صابر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-06-15, 10:55 AM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثامن

**********

اجتمعت عائلة (الحسيني) على طاولة العشاء وكل منهم يأكل من طبقه في صمت وتعتمل بداخل عقله فكرة مختلفة عن الآخر، كان (جلال) يفكر في ولده البكر الذي لا يعلم عنه شيئا منذ مدة، حزينا لفراقه وأكثر حزنا لسبب الفراق نفسه، يتعمق حزنه ويزداد ألمه كلما طال الفراق ومقاطعة ولده له ولأخوته، أما الأم (فريدة) فكانت تفكر في طريقة تقنع بها ولدها (أدهم) أن يترك (دينا) ابنة صديقتها تعمل معه في الشركة، تعلم أن ابنها عنيد ولا يطيق الفتاة لكنها تحاول جاهدة إيجاد طريقة تصلح لإقناعه، و(أدهم) كان لا يأكل تقريبا وهو يعبث بالطعام في طبقه محاولا إيجاد طريقة يخبر بها والده أن أخاه (آدم) قد عاد من سفره الطويل، الوحيدة التي كانت تفكر وتتساءل عما يفكرون به جميعا كانت (سارة) والتي داعبت شقيقها متسائلة :
- ايه ياباشمهندس انت هنا ولا رحت فين ؟
رفع (أدهم) عينيه إليها للحظة في صمت ثم ابتسم ابتسامة خافتة وهو يجيب :
- هنا وعندي خبر هيفرحك .... يفرحكم .
تردد في صيغة الجمع التي بالضرورة لن تضم والدته فهي لن تسعد بعودة أخيه من سفره، بعدها سأله والده :
- خير يا أدهم خبر ايه ؟
أما سارة فداعبته محاولة إغاظته قائلة :
- إوعي تكون طبيت ياكبير ؟
هز رأسه وهو يبتسم في حين نهرتها والدتها بعصبية :
- ايه يابنت الكلام ده ! اتكلمي كويس وبلاش ألفاظ السواقين دي.
ردت (سارة) ضاحكة :
- احم احم ، سوري يا ماما.
أما (أدهم) فأجاب بابتسامة مترددة :
- ريحي نفسك ياسارة وعموما كنت نفسك تبقي عمتو أديك بقيتي عمتو أهو.
اختفت ابتسامتها وهي تتطلع إليه بدهشة لم تكن أقل من دهشة والديه والتي تحولت لسؤال صارم من والده :
- قصدك إيه يا أدهم ؟
أجابه (أدهم) بسرعة حاسما أمره :
- آدم رجع من السفر يابابا .
لمعت عينا والده بمزيج مدهش من الحزن والفرحة، فرحة بعودة ولده الذي اشتاق إليه وحزن أنه يعلم من ابنه الآخر وليس من (آدم) نفسه، أما (سارة) فقالت بسعادة :
- ايه ده معقول آبيه آدم رجع ؟ امتى وهو فين ؟ واحشني جدا .
أما والدته التي توقع رد فعلها قامت من مقعدها وهي تضع شوكتها في الطبق بعنف قائلة بعصبية :
- أنا طالعة ارتاح.
اتجهت للطابق العلوي دون أن تنظر إليهم ودون أن يردوا عليها فقط تطلعت إليها سارة بدهشة، سأل (جلال) ابنه :
- إنت عرفت إزاي إنه رجع ؟ شفته ولا كلمك ؟ وهو عامل ايه ؟
(أدهم) مبتسما للهفة والده :
- هو كلمني يابابا وشفته ، وهو الحمد لله كويس و.....
تردد قليلا في الإفصاح عن زواجه وعن وجود ابنه فاستحثه والده :
- و إيه يا أدهم ؟
(أدهم) :
- آدم اتجوز وعنده ولد.
علت الصدمة وجه والده ممتزجة بألم واضح، في حين صرخت (سارة) بفرحة واستغراب :
- إيه اتجوز وعنده ولد؟ يعني أنا عمتو؟ أخيرا .. أحمدك يارب .. كنت فقدت الأمل خلاص .
قالتها وهي تنظر لأخيها مغيظة إياه لكنه لم يلتفت لدعابتها وهو يتطلع لوالده بقلق عندما تمتم في تساؤل لم ينتظر إجابته :
- اتجوز وخلف كمان ؟
ثم رفع عينيه لولده وسأله :
- وهو فين دلوقتي يا أدهم ؟
(أدهم) بقلق على والده :
- قاعد في فندق (.....) لحد مايلاقي شقة مناسبة.
(جلال) بحزن :
- شقة ؟
أما (سارة) والتي كانت طفلة عند رحيله فتساءلت باستغراب :
- شقة ؟ ليه يا أدهم هو مش هييجي يعيش معانا ؟
ثم ابتسمت وحسبت أنها فهمت الأمر فاستطردت :
- ولا مدامته مش عاوزة ؟
رد (أدهم) بخفوت :
- مراته ماتت ياسارة.
وهكذا توالت الصدمات، بدا الانزعاج على وجه (سارة) وعلى وجه الأب اختلط بالألم والحزن مع شعور هائل بالشفقة على ولده الذي فقد أولا أمه ثم زوجته، لكنه تماسك وسأل (أدهم) في حزم :
- طيب يا أدهم خلص أكلك والبس عشان هنروح له حالا.
تطلع إليه ولداه في دهشة لكن (أدهم) لم يعلق أما (سارة) فألحت كطفلة صغيرة :
- بابا ممكن آجي معاكم، واحشني بجد وعاوزة أشوف ابنه .
انتظر (أدهم) رد والده الذي تطلع لـ (سارة) قليلا ثم هز رأسه موافقا وقال :
- ماشي ياسارة اجهزي يلا.

********
وصل (جلال الحسيني) للفندق الذي يقيم به ولده مع (أدهم) و (سارة) وبعد تقديم نفسه في الاستقبال صعد لغرفته، وأمام الباب تردد، يريد طرقه، أن يضم بكريه بين ذراعيه، يعوضه ما فات، لكنه يخشى رد فعله عندما يراه، هل سيتقبله أم لا ؟ تطلع إليه (أدهم) شاعرا بما يعتمل داخله أما (سارة) فنظرت لوالدها بقليل من الدهشة وهي تتساءل :
- إيه يابابا مش هتخبط ؟
أفاق من شروده على سؤال ابنته فتطلع إليها لحظة في صمت ثم طرق الباب طرقات خافتة خجولة سمع بعدها صوت ابنه من الداخل يجيب بسرعة :
- لحظة واحدة.
شعر بالاشتياق والحنين يغزو قلبه، التوتر بدأ يعتلي ملامحه وتجعد وجهه في قلق، لحظات أخرى وانفتح الباب ليظهر وجه (آدم) البشوش وهو يعتقد أنها خدمة الغرف، لكنه فوجئ بوالده وأخويه، ظل يتطلع إلى عيني والده في صمت وفي خيال كل منهما دار حوار تبادلته أعينهما ولم يفصح عنه اللسان ولا تكفيه كلمات، حوار امتلأ بالشوق، بالحزن، بالدموع المحبوسة في مآقيها، بالحنين، بالذكريات الحلوة والمرة، وبالسعادة، طال الصمت والذي كان من الغريب أن (سارة) لم تقطعه كعادتها لكنها بقيت تطلع لكليهما باستغراب و فقط لم تتكلم وكأنها رغبت أن تستمر محادثة الأعين تلك وصمتت إجلالا لها، كان (أدهم) هو من تساءل فجأة :
- ايه يا آدم، ايه يا بابا، هنفضل واقفين هنا كتير ؟
كان يريد قطع حديث الذكريات بين العيون الذي لاشك أنه يحمل بعض المرارة والتي لن تكون في صالح لقاءهما سويا، التفت إليه (آدم) ببطء وشرود ثم أفاق على صوت والده الهامس :
- آدم !
تطلع إليه (آدم) ولمعت في عينيه دمعة لم يستطع قتلها في مهدها فبقيت تتلألأ في مقلتيه لكنه فجأة رمى نفسه بين ذراعي والده، والده الذي شعر وكأن حملا أثقل من الجبال قد أزيح عن صدره وبخطوة واحدة من ولده الذي دوما ما يشعر أنه يفهمه فقط من عينيه، لقد شعر بحزنه، بألمه وبإحساس الخزي داخله، شعر بعجزه في السابق مع أنه يفترض أن يكون أقوى، تغاضى عن ذلك العجز وسامح، ذلك القلب الطيب والنية الرقراقة الصافية وذلك الحنان الذي اعتاد أن يحيط به كل من حوله على الرغم من افتقاده هو لمن يحنو عليه، لم يعلم أيبكي أم يسعد، أتلك الدمعة التي نزفت من قلبه دمعة فرح أم حزن، قدسية الموقف أجبرت الواقفين على الصمت، صمت (أدهم) وهو يشعر بالسعادة لموقف (آدم) كان قلقا من مقابلة والده وأخاه، لكن وكعادته محى (آدم) ذلك القلق دفعة واحدة بمجرد نظرة في وجه أبيه، أما (سارة) الطفلة الكبيرة فسعادتها منعتها من الحديث ووقفت فقط تتطلع إليهما بحنو ارتسم على وجهها واضحا مع ابتسامة صغيرة على شفتيها، بعدها ربت (أدهم) على كتف أخيه وهو يقول بخفوت مداعبا وكأنه يخشى أن يفسد صوته الموقف :
- طيب خلي المشاعر الحلوة دي جوا بدل ماحد يشوفنا ويفهمنا غلط .
انسلخ (آدم) من بين ذراعي والده ببطء فشعر الأب بانسلاخ روحه معه، كان يحاول إفساح الطريق لهم ليدخلوا لكن والده لم يترك كفه وهو يدخل للغرفة ويملأ عينيه بملامح ابنه التي طالما اشتاق إليها، سلم (آدم) على (سارة) الصغيرة وهو يداعبها ويشد خصلة من شعرها القصير قائلا بحنان :
- كبرت ياسارو وبقيتي آنسة محترمة، فين الشعر المنكوش الكيرلي بتاع زمان ؟
ضحكت (سارة) بطفولة وهي ترد :
- منكوش ايه بقى، إحنا خلاص تخطينا المرحلة دي من زمان.
أما (أدهم) فضحك هو الآخر و قال :
- يابني آنسة ايه ؟ دي أخوك الصغنن بس إنت مش واخد بالك، مش شايف عاملة ايه في شعرها 2 سم أقصر وتبقى حلاقة جيش .
نظرت إليه (سارة) في غضب طفولي في حين وكزه (آدم) في كتفه موبخا وهو يربت على رأسها قائلا :
- بس إنت خليك في دقنك اللي بتحلقها في السنة مرة، سيبلي أنا القمر الحلو ده، وحشتيني يا سارو أوي .
ظل والدهم يتطلع إليهم في حنان وشوق لتلك الأوقات السعيدة التي كانوا يتشاكسون فيها وهم صغار ، كان (آدم) دوما حنونا متفهما يتعامل مع أخويه بحنان أبوي وخاصة الصغيرة (سارة) على العكس من (أدهم) المشاكس دوما، تساءل الأب بعد لحظات :
- فين ابنك يا آدم ؟
التفت إليه ولده يملأ عينيه بملامح والده المجهدة والتي ارتسم عليها اشتياق واضح ثم رد :
- نايم يا بابا، متعود ينام بدري خاصة إنه هيصحى بدري الصبح عشان مواعيد الدراسة قربت وعاوزين نشوف له مدرسة كويسة.
(الأب) :
- طيب عاوز أشوفه، حتى لو نايم مش لازم أكلمه.
تطلع إليه ولديه في صمت في حين قالت (سارة) :
- وأنا كمان عاوزة أشوفه .
التفت إليها أخويها ثم نهض (آدم) من مقعده وأشار لهما أن يتبعانه وهو يتجه لغرفة جانبية فتبعاه بصمت وهو يفتح باب الغرفة بهدوء شديد ويطل منه مشيرا ناحية الفراش في أحد أركانها، دلفوا إلى الداخل بخفوت، تطلع الأب للصغير النائم في فراشه كملاك بحنان شديد أما (سارة) فاقتربت من الفراش تتطلع إليه عن قرب ثم مسحت بأصابعها على شعره برفق وطبعت قبلة حانية على جبهته وعادت إلى جوارهما ثانية، لم يتحرك الأب من مكانه وظل يتطلع للصغير كأنما التصقت عيناه به ، عيناه التي امتلأتا بمشاعر كثيرة متضاربة، حب وحنان، شوق وشفقة ممتزجة بعطف لذلك اليتيم الصغير الذي ذكره بابنه الأكبر والده، لم يفق من شروده إلا على جذبة حانية من يد ابنه (آدم) تنبهه ليخرجوا من الغرفة، التفت إليه بشرود ثم تبعه للخارج، تحدثوا كثيرا وحكى لهم (آدم) الكثير مما مر به، الكثير عن غربته وزوجته وطفله، فضفضة لم يتوقع من نفسه أبدا أن ينطق بها خاصة لوالده الذي اعتصره الغضب والحزن منه في يوم ما، يوم شعر فيه بمرارة اليتم للمرة الثانية بعد فقدانه لوالدته وهو بعد رضيع، كان وقت الفجر قد اقترب ولم يشعروا جميعا بمرور الوقت إلا عندما رفع الآذان الأول في مسجد شهير قريب فتنحنح (أدهم) قائلا :
- ياخبر الفجر هيأذن وإحنا مش حاسين بالوقت، يلا يابابا عشان تروح ترتاح وآدم أهو موجود وهيزهقك من هنا ورايح، وعدني إنه هييجي يقف جنبي في شغل شركتنا زي زمان .
قالها كأنما يؤكد على أخيه وعده السابق، فتطلع إليه لحظة في صمت طال حتى قال الأب :
- بتفكر كتير ليه يا آدم ؟ مش عاوز تشتغل في شركتك كمان؟ طيب البيت وقلنا ماشي إنما الشركة دي بتاعتك إنت وأخواتك وماحدش يقدر يخرجك منها .
اندهشت (سارة) من كلام والدها لكنها لم تتدخل في حين رد (آدم) :
- مش بأفكر ولا حاجة يا بابا ، ربنا يسهل بإذن الله ألاقي مكان كويس نعيش فيه أنا وجو وبعدين نشوف موضوع الشغل .
لم يعقب والده على موضوع سكنه ذلك فهو يعلم أن ابنه لن يعود لفيلا زوجته مهما حدث وله الحق في ذلك، فقال :
- موضوع السكن محلول يا آدم لي أصحاب كتير في المقاولات هأعرف أجيب لك مكان يليق بيك .
ارتسمت ابتسامة باهتة تحمل لمحة ساخرة على شفتي (آدم) وهو يغمغم :
- المهم مكان أرتاح فيه.
فهمه والده جيدا أما (أدهم) فشعر بقليل من الغضب لكنه يعلم جيدا أنه لا حق له في ذلك فاكتفى بالصمت، (سارة) اكتفت بمتابعة حديثهم في صمت ممتزج بالدهشة لكنها أخذت قرارا بداخلها أن تعلم السبب فيما يحدث الآن ولمَ يرفض أخوها الإقامة معهم ؟ اقترح (آدم) أن يصلوا سويا في مسجد الفندق فمازحه (أدهم) هاتفا :
- ايه ده رحت كندا ولسه برده عم الشيخ ؟
نظر إليه (آدم) كأنه ينظر لطفل صغير طائش ورد بسخرية :
- ليه هو اللي بيصلي اليومين دول يبقى شيخ ؟.
لكزه أخاه في كتفه وهو يشعر بالغيظ ثم قال :
- طيب يلا ياسيدي عشان الإقامة قربت.
والتفت لشقيقته مستطردا :
- سارة خلي بالك على جو على مانيجي .
ابتسمت (سارة) في حنان وهي تنظر لغرفة الصغير مجيبة :
- ماتقلقش .
ذهبوا للصلاة في حين اتجهت (سارة) لغرفة (يوسف) وجلست متكئة بجواره تتطلع إليه بحنان وهي تنتظر عودتهم لتصلي هي الأخرى .

********
كانت الشمس تعانق السحب وترسل بضوئها الأرجواني على الموجودات عندما دلف (جلال) وابنه وابنته من باب الفيلا، وجدوا (فريدة) في استقبالهم والحنق والغضب مرتسم بأشد صوره على وجهها، تطلعوا إليها جميعا في صمت ممتزج بالقلق خاصة عندما صاحت في غضب :
- والله؟ لسه فاكرين ترجعوا دلوقتي ماكنتوا تخليكم معاه أحسن.
أشار (جلال) لولديه في حزم قائلا :
- أدهم خد أختك واطلعوا ارتاحوا، شوية كده وانزل الشركة يا أدهم.
(أدهم) بتوتر حاول إخفاؤه :
- لا يا بابا أنا هاروح الشركة دلوقتي، بعد إذنكم.
وانطلق مغادرا المكان هاربا من إعصار يعلم جيدا أنه انطلق من عقاله، المهم أن يغادر الفيلا حتى ولو لم تفتح الشركة أبوابها بعد، أما (سارة) فازداد فضولها أكثر وأكثر بعدما رأت رد فعل والدتها على زيارتها وأخيها ووالدها لأخيها الأكبر (آدم) لكنها فضلت الانسحاب الآن فاتجهت صاعدة لغرفتها بصمت يتبعها والدها الذي صرخت زوجته فيه :
- جلال، أظن أنا باكلمك.
التفت إليها قائلا بهدوء صارم :
- فريدة عاوزة تتكلمي يبقى نتكلم في أوضتنا وبهدوء من غير صوت عالي، مش هنفرج الشغالين علينا.
شعرت بالغيظ ينهشها لكنها استجابت إليه علها تشفي غليل قلبها، تبعته لغرفتهما وما إن دخلتها وأغلق الباب خلفهما حتى هتفت بصوت عال :
- أدينا بقينا لوحدنا ياجلال، ممكن أفهم في ايه بقى ؟ وابنك ناوي على ايه؟ هييجي يعيش معانا هنا تاني هو ومراته وابنه ؟
تطلع إليها في حنق، كان حزينا بسبب ماعلمه عن ابنه وامتزج حزنه بالغضب الشديد عندما رأى طريقة تفكير زوجته، أحيانا يفكر كيف اختارها لتكون أما ثانية لـ (آدم) بعد رحيل أمه لكن يعود فيقول أنه خطؤه منذ البدء وعليه تحمل نتائجه خاصة وأن ابنه وابنته يحبان أخاهما كثيرا تنبه من شروده على صوتها الغاضب يتساءل ثانية :
- جلال ، أنا بأكلمك.
رد عليها بجفاء واقتضاب :
- ريحي نفسك يافريدة آدم مستحيل يرجع بيتك مع إنه بيت أبوه ومراته مش هتشوفيها لأنها ماتت الله يرحمها وما أعتقدش إنك هتشوفيه أو تشوفي ابنه أصلا.
كان بعض الارتياح قد ظهر على ملامحها مما أثار غضبه أكثر لكنها قالت :
- وهو أنا قلت مايجيش يعيش معاك، إنت باباه يعني.
زم شفتيه بمزيد من الغضب مكملا كلامها :
- وده بيتك يافريدة وهو مستحيل يرجع فيه بعد اللي عملتيه قبل كده.
(فريدة) بدفاع :
- عملت ايه ياجلال إنت عارف إني اتسرقت وهو الوحيد اللي كان متاح له يدخل أوضتي مع أدهم وسارة مش حد تاني والشغالين اتفتشوا وأوضهم اتفتشت كلها يومها وأدهم مستحيل يعمل حاجة زي كده وسارة كانت صغيرة يبقى مين .....
قاطعها بغضب أخافها :
- فريدة الموضوع ده لو اتفتح تاني هتكون نهايته وحشة خليه مقفول أحسن وإياكي تفكري في حاجة زي دي أو تتكلمي فيها مع حد تاني وكفاية أدهم اللي شوهتي صورة أخوه مثله الأعلى قدامه.
(فريدة) وهي مازالت تدافع عن نفسها :
- قلت لك ياجلال إن مفيش حد تاني ممكن .......
قاطعها مرة أخرى بإشارة حازمة من يده وهو يمسك ذراعها بيده الأخرى هاتفا بحدة و صرامة :
- الموضوع ده مش هيتفتح تاني يافريدة فاهماني ولا لا ؟ جلال الحسيني اللي عمل لك خاطر زمان وضيع ابنه منه عشر سنين لحد مااتجوز وخلف وابنه كبر وهو مايعرفش مش هيعمل خاطر المرة الجاية، ماتخليش غيرتك وأنانيتك تخليكي تعملي أي تصرف تندمي عليه بعدين.
(فريدة) بغضب :
- إنت بتهددني ياجلال ؟ وعشان مين ؟
(جلال) بمزيد من الغضب وهو يترك ذراعها :
- ده مش تهديد يافريدة، إنت عارفة كويس إني مش بتاع تهديدات وإن اللي بأقوله بأنفذه فورا، حافظي على بيتك وخليكي في حالك ومالكيش دعوة بابني.
تطلعت إليه في غضب، كانت تعلم كم هو محق، وتعرف أن غضبه عندما ينطلق من عقاله لا يمكن الإمساك بلجامه أو السيطرة عليه فآثرت الصمت ولو بشكل مؤقت ثم تصنعت الاهتمام قائلة :
- خلاص ياجلال، ماليش دعوة بيه ولا بابنه، إنما هو هيعيش فين طيب وهيشتغل إزاي مادام مش عاوز يبقى له علاقة بينا ؟.
نظر لها في صمت، كان يعلم غرضها تماما من تلك الأسئلة فقطع الشك باليقين وأعطاها ما أردات حتى ينتهي الأمر :
- هيشوف شقة يافريدة والشغل هيشتغل في شركته طبعا ولا عاوزاه يدور على شغل وهو ماله موجود.
شعرت بالغيظ يأكلها، من أين ظهر لها ؟ ألم يهاجر ويترك البلد من سنين ؟ مالذي أعاده لينغص عليها حياتها ثانية ؟ ظهرت مشاعرها وأفكارها على وجهها بوضوح لأنها كانت أقوى من أن تخفيها ببراعة وقرأها (جلال) جيدا لكنها قالت بعد فترة قصيرة من الصمت :
- يعني هيشتغل في الشركة عند أدهم ؟
كانت نظرته قاتلة في هذه اللحظة لكنه أجاب في هدوء يخفي عاصفة تصول وتجول بداخله :
- مع أخوه يافريدة مش عنده، آدم له فيها زيه زي أدهم بالظبط ويمكن أكتر، ماتنسيش إنه بناها معايا لحد ماوصلت للي هي فيه دلوقتي.
لم تحاول الاعتراض فهي تعلم جيدا أنه يستفزها بقوله لذلك آثرت السلامة وأنهت الموضوع :
- طيب ياجلال، عملت إيه في موضوع شغل دينا؟ كلمت أدهم ؟
تركها تغير الموضوع كما أرادات فهذا يريحه أكثر وأجاب :
- لا لسه ماكلمتوش.
تساءلت في دهشة :
- ليه لسه ياجلال الموضوع كلمتك عليه من شهور وأنا كل ده فاكراك بتمهد لأدهم الفكرة.
هز كتفيه بعدم اهتمام و رد :
- ابقي كلميه إنت يافريدة، أظن إنك قلت لي أسيب الموضوع عليكي وماقلتليش إني هأدخل فيه.
شعرت بالغيظ لكنها تماسكت فهي لا تريد إفساد الأمر معه لذلك قالت :
- خلاص ياجلال أنا هأكلمه، هتنام دلوقتي ؟
اتجه لدولاب ملابسه وفتحه موليا إياها ظهره مجيبا باقتضاب :
- أيوة هأنام.
(فريدة) :
- طيب هاسيبك تستريح.
ثم تركت الغرفة متجهة لحديقة الفيلا بعد أن أمرت بتحضير فطورها ولم تهتم حتى بسؤال زوجها أو ابنتها عن احتياجهم للفطور أم لا، كان عقلها مشغولا بطريقة لتفتح بها موضوع عمل (دينا) في الشركة مع (أدهم) بل وتقنعه به، أما (جلال) فقد انتظر خروجها من الغرفة وابتعادها عنها ثم أمسك هاتفه النقال واتصل بأحد الأرقام المسجلة لديه، انتظر قليلا ليستمع للرنين في الجهة الأخرى ثم أعقبه صوت مرح يهتف في صخب :
- جلجل، مش معقول وأخيرا افتكرتنا.
شعر (جلال) بالحنين لصاحب الصوت وعلت ابتسامة شفتيه وهو يجيب :
- إبراهيم، إزيك، لك وحشة.
(إبراهيم) بمرح :
- لا ياشيخ، لو كنا وحشناك انا والشلة كنت زرتنا ولا حتى سألت علينا، إنما إنت بعدت ولا بتسأل ولا بتهتم.
(جلال) وهو يعلم طيبة قلب صديقه فهو على الرغم من استيائه من المقاطعة التي كانت (فريدة) أحد أسبابها إلا إنه كان يحادثه بمرح أزاح عنه ثقلا :
- معلش يا إبراهيم إنت عارف المشاغل والحياة بتاخد الواحد لدرجة إنه بينشغل عن أقرب الناس ليه، وأنا مااقدرش أنساكم أبدا، إنتوا عشرة عمري.
(إبراهيم) وهو يرفع الحرج عن صديقه أكثر :
- ماشي ياعم ربنا يعينك، المهم طمني عليك، وإزي الولاد؟
(جلال) :
- الحمد لله كلنا كويسين وإنت وولادك عاملين ايه ؟
(إبراهيم) :
- احنا تمام بس محتاجين نشوفك، ماريا بقى عندها بيتر وميرا ويوسف عنده إبراهيم الصغير.
(جلال) :
- ماشاء الله ربنا يخليهم.
ثم تردد لحظة حسم بعدها أمره قائلا :
- إبراهيم كنت قاصدك في خدمة.
(إبراهيم) :
- خير ياحبيبي؟ يعني اتصال مصلحة ! ماشي.
قالها وضحك فبادله (جلال) ضحكته ثم قال :
- يا إبراهيم ماتقولش كده إنت عارف إني مش بالجأ إلا ليكم وقت الشدة.
(إبراهيم) وهو يطيب خاطره :
- عارف ياجلجل ولا يهمك ، خير اؤمرني ؟
(جلال) :
- عندك أي عمارة فيها شقق فاضية بس تكون كويسة في مدينة نصر ؟
(إبراهيم) :
- أيوة عندي، في عمارة جديدة يادوب هأخلص تشطيبها كمان أسبوعين بالكتير في الحي الثامن، بس لمين ؟
(جلال) :
- آدم ابني رجع من السفر وعاوز له شقة كويسة ومش عاوزه يلف كتير وفي نفس الوقت تكون قريبة من الشركة.
(إبراهيم) :
- بجد ؟ رجع إمتى الواد حبيبي ده؟ ماشفتوش من أيام ماساب البيت عندك.
(جلال) :
- يادوب لسه راجع من يومين وإنت عارف إنه مش هيرجع الفيلا فعاوز له حاجة على ذوقك بقى.
(إبراهيم) :
- بس كده، عيوني ليه، نفسي أشوفه اتجوز ولا لسه ؟
(جلال) :
- أيوة اتجوز برا واحدة كندية بس اتوفت من ييجي سنة كده ورجع عشان يستقر هنا، هيشتغل مع أخوه في الشركة ويشوف مكان مناسب يعيش فيه هو وابنه، مش هأوصيك بقى.
(إبراهيم) :
- ماتقلقش ياجلال، اديني بس فرصة أسبوع تكون واجهة البرج قربت تخلص والشقة اتشطبت لأنهم لسه بيفنشوا فيها بس هيأخد شوية وقت على ما الاسانسيرات تشتغل .
(جلال) :
- ماشي ياحبيبي، هأكلمه وأقوله إنها منك إنت، أنت عارف إنه بيعزك وبيثق فيك.
(إبراهيم) :
- خلاص ماشي تمام، خليه يعدي علي في أقرب وقت نشوف العقود .
(جلال) :
- وبالنسبة للسعر ماتكلموش فيه بقى يا إبراهيم، الموضوع ده معايا.
(إبراهيم) :
- ياسلام ولو مني له هدية ماتدخلش إنت، آدم ده في معزة ماريا و يوسف.
(جلال) :
- ربنا يخليك لي يا إبراهيم، كنت عارف إني دايما أقدر أعتمد عليك.

ثم أنهى المكالمة في بعض المجاملات وهو يشعر بالارتياح يغمره، فهاهو يقترب من ولده أكثر ويحاول أن ينسيه موقفه السابق وتخاذله في نصرته، دعا الله أن يقبل ولده وأن يعيده إلى كنفه مجددا.

*******************************





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:33 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:56 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل التاسع

*********

عاد (أدهم) للمنزل من عمله مرهقا للغاية فهو لم ينم طوال الليل ويعمل منذ الصباح الباكر وضغوط العمل كأنما تعمدت أن تزداد اليوم، كان الوقت متأخرا خاصة أنه سهر في الشركة عدة ساعات بعد انصراف الموظفين والساعة تخطت منتصف الليل، لم يتوقع أن يجد والدته مستيقظة تشاهد التلفاز الكبير في استقبال الفيلا وكأنها تنتظره، شعر بالدهشة وتوجس خيفة، لابد أنها تنتظره بالتحديد، شعر بالقلق من الأمر الذي تنتظره بسببه وتمنى من الله ألا يسبب بينهما مشكلة من أي نوع، أغلق الباب خلفه فالتفتت والدته ناحيته، ابتسم ابتسامة واسعة وأقبل نحوها وملامح وجهه تنطق بالإرهاق، رأته والدته بهذا الشكل وعلمت أنها اختارت الوقت المناسب لتحادثه بخصوص عمل (دينا) في الشركة، فهو مجهد يشتاق للراحة ولن تلح كثيرا قبل أن يستسلم حتى ينال قسطا من الراحة، وطالما أخذت منه وعدا حتى وإن لم يرده فسوف يفي به، بادلته الابتسامة ومدت يدها إليه قائلة :
- أدهم تعالى ياحبيبي، شكلك مرهق.
اتجه إليها وأمسك بيدها وجلس إلى جوارها على الأريكة المريحة وغاص فيها محاولا الاسترخاء، أسند رأسه لمسند الأريكة وأغمض عينيه في تعب وهو يرد :
- جدا يا أمي، الشغل النهاردة كان صعب خاصة إني مانمتش بالليل.
مسحت على شعره برفق ولم ترد معلقة على سبب عدم نومه فهي لا تريد استثارته وتعلم مكانة أخيه عنده لذلك تجاهلت الأمر وقالت بحنان :
- معلش ياحبيبي ربنا يعينك، بكرة آدم ييجي يشتغل معاك ويساعدك.
فتح عينيه وتطلع إليها في دهشة، منذ متى تتحدث أمه عن أخيه برفق وهدوء هكذا، لكنها استطردت لتنهي دهشته :
- حبيبي عاوزة منك طلب.
تخطى دهشته وعلم أن السبب في سهرها سيظهر الآن، فاعتدل في مجلسه وأعطاها انتباهه متسائلا :
- خير ياحبيبتي محتاجة حاجة ؟
صمتت لحظة ثم حاولت اختيار كلماتها حتى لا تغضبه :
- أيوة ياحبيبي محتاجة منك خدمة عشان عمو مصطفى.
اندهش مرة أخرى، أما هي فكانت تعلم أن اقتران طلبها برجل يحترمه (أدهم) سيقلل من حدته فأكلمت :
- دينا بنت عمو مصطفى، باباها تعب معاها نفسه تتعلم الشغل عملي وتنزل معاه الشركة بس بتنزل يومين وترجع تتدلع وماتروحش الشغل، إنت عارف إن شركة باباها مصيرها لها بعد عمر طويل وباباها نفسه يبقى عندها الكفاءة والخبرة الكافية اللي تخليها تمشي الشركة بعده صح، المشكلة إنها دلوعة وهو كمان مدلعها ومش بيرفض لها طلب ولو قالت تعبت أو مش عاوزة بيسيبها.
ظلت الدهشة محفورة على وجهه وهو يتساءل :
- طيب وايه المطلوب مني يا أمي ؟
(فريدة) ببطء :
- المطلوب منك ياحبيبي شدة ودن وشوية حزم تخليها تتعلم الالتزام.
(أدهم) باستغراب :
- أنا اللي هاشد ودنها ؟ مش فاهم يا أمي وضحي من فضلك .
(فريدة) :
- أيوة يا أدهم، عاوزين نشغلها في شركتنا في أي حاجة مناسبة لتعليمها، بحيث تتعلم الالتزام وإن المكان ده مش هتتدلع فيه زي شركة باباها، ولو غلطت أو قصرت هتتحاسب، وأنا متأكدة إنها هتلتزم عندنا لأنها بتحترمك وبتقدرك.
(أدهم) وقد غلى غضبا لكنه لم يظهره :
- مستحيل يا أمي، أنا آسف، دينا مش بتاعة شغل أصلا، وحتى شكلها وطريقة لبسها مش مناسب لشركتنا، ولو اشتغلت عندنا هيحصل مشاكل بينا وبين عمو مصطفى لأني هاعاملها زي أي موظف وبالتالي الآنسة دلوعة مش هتتقبل .
(فريدة) محاولة التحدث بهدوء :
- عشان خاطري ياحبيبي، طنط ناريمان نفسها البنت تتعلم حاجة تستفيد بيها ونفسها حد يسيطر عليها، باباها مدلعها بزيادة ومش بيحب يضغط عليها إنما إنت هيبقى معاك الحق في أي حاجة بتعملها معاها في الشغل لأنها بتشتغل عندك مش في شركتها.
(أدهم) بلهجة حازمة قاطعة :
- معلش يا أمي اعفيني من الموضوع ده، الشركات كتير أصحاب عمو مصطفى وبرده ممكن يشغلوها ويسيطروا عليها ويعلموها .
(فريدة) وقد بدأت العصبية تتسلل لصوتها :
- ايه يا أدهم دي أول مرة منك حاجة تخص الشغل، بتحرجني مع طنط ناريمان وكمان باباك مع عمو مصطفى .
(أدهم) منهيا الحوار :
- طيب إنت قلت بنفسك أهو، في الشغل، وشغلي مش باحب حد يتدخل فيه خصوصا يا أمي إنك عارفة إني مش باطيق دينا أصلا فعاوزاني اشغلها معايا وكمان احتك بيها واشد لها ودانها، لا آسف مش هأقدر.
ثم وقف وأمه تكاد تشتعل غضبا وهو يكمل :
- تصبحي على خير يا أمي.
وانطلق صاعدا لغرفته فاستوقفته أمه قائلة بعصبية :
- للدرجة دي يا أدهم طلبي سهل ترفضه، بأقولك الراجل اللي بتحترمه محتاج منك خدمة تقوم ترفض بسهولة كده وبرده عشان حاجة شخصية المفروض مالهاش علاقة بالشغل، لما بييجوا يزورونا بتعاملهم بطريقة مش ظريفة وقلت ماشي مشاعرك وإنت حر فيها، لكن ده يعتبر بيزنس مالوش علاقة بحاجة تانية، واحدة هتبقى موظفة عندك تعاملها زيها زي أي واحدة تانية وحتى لو غلطت تعاقبها زيها زي غيرها.
كان الأمر منتهيا بالنسبة لـ (أدهم) والنقاش فيه لن يغير من رأيه فلم يعلق كثيرا واكتفى بقول :
- تصبحي على خير يا أمي، وانسي الموضوع ده خالص.
انفعلت والدته أكثر وهتفت :
- أدهم لما أكون بأكلمك تقف وتكلمني وباحترام وذوق وعينك معايا.
شعر بالغضب فهاهي تستغل احترامه لها، التفت إليها في صمت ونظر إليها فاستطردت بعصبية :
- إنت فاكر عشان بتدير الشركة إنها بقت بتاعتك خلاص تتحكم وتؤمر فيها براحتك ؟ دي شركة باباك يا أدهم وشركتي أنا وأختك كمان ومن حقي أأمرك وتنفذ حتى في الشغل مادام يعتبر مالي ، فاهمني ولا لا ؟
صمت (أدهم) لثوان كأنما يهضم ماقالته ثم نطق أخيرا بهدوء :
- نسيتي إن آدم له في الشركة كمان، حاجة تاني يا أمي ؟
ذهلت السيدة من تجاهل ابنها التام للأمر وكادت تفقد أعصابها أكثر لولا بقايا من عقل منعتها طلبا للتهدئة حتى يرضخ في النهاية فحاولت الالتفاف حول الأمر :
- خلاص يا أدهم أنا هأكلم باباك وهو يشوف شغله معاك.
رفع (أدهم) حاجبه في استخفاف وهو يثق بقرار والده قائلا :
- طيب يا أمي وأوعدك لو بابا وافق دينا هتيجي تشتغل في الشركة من بكرة.
برقت عيناها في ظفر فهاهي حصلت على وعدها، وهي تعلم تماما أن والده موافق منذ البداية فأشاحت بوجهها قائلة :
- خلاص يا أدهم هأكلم بابا ونبقى نشوف.
ثم التفتت إليه منبهة :
- وماتنساش وعدك لأن أنا عارفة إن بابا مش هيتأخر وهيساعد مصطفى.
عقد حاجبيه في ضيق، فهو لم يضع في حسبانه تلك النقطة لكنه قال :
- طيب يا أمي مش هأنسى، بعد إذنك.
لم ترد وتركته يصعد لغرفته وهو يشتعل غضبا ويكاد يسقط من التعب .

********
في اليوم التالي علم (أدهم) كم كان مخطئا عندما أخبره والده أنه يرغب في عمل (دينا) في الشركة كخدمة بسيطة لصديقه العزيز والدها، وللمرة الثانية يضطر لأن يقبل بعمل أحدهم بدون استحقاق كامل من وجهة نظره على الأقل، لكنه في النهاية رضخ لرغبة والده متجاهلا علامات الانتصار التي انطبعت على وجه والدته وكأنها تغيظه بها، وفي نفس الأسبوع حصلت (دينا) بالفعل على عمل مناسب لها في الشركة حرص فيه والده أن يكون أقرب مايمكن من ابنه ليحدث الاحتكاك بينهما بشكل مباشر في أغلب الأوقات، وطبعا كانت (دينا) تكاد تطير فرحا بحدوث مارغبت به ومنذ اليوم الأول وهي تحاول نصب الشباك حوله مستخدمة شتى الطرق التي تعتقد أنها يمكن أن توصلها لقلبه وبالتالي ثروته على الرغم من جموده وصده الدائم لها، أحيانا بطريقة فظة للغاية لكنها دوما أكثر تجمدا وبرودة من ثلوج القطب الشمالي وكل مايهمها هو الوصول لبغيتها في النهاية .
وعلى الجهة الأخرى وبعد محاولات إقناع عديدة بين (أدهم) وأخاه (آدم) لقبول الشقة من صديق والدهما ومن والدهما استسلم (آدم) للأمر وقبلها كهدية من والده الذي أخبره أنها ليست هدية بل هي من حقه ومن ماله كذلك، استقر به وبصغيره الحال وسجله في مدرسة قريبة من شقته ومقر الشركة أيضا واستقرت الأمور، وكان اليوم هو أول يوم يعود فيه (آدم) للشركة ولمكتبه الذي تركه فيها منذ سنوات طوال، كان (أدهم) أكثر سعادة ربما من والده وأخاه لعودة (آدم) للشركة والعمل معه ومر بنفسه عليه يومها صباحا ليصطحبه تاركا سيارته وهو يخبره أنه سيوصله بنفسه ذهابا وعودة ، كان (آدم) يتطلع إليه في صمت وحب وذهب معه سعيدا للعمل، انتهى اليوم وقد استقر كل في المركز المناسب له وعاد (آدم) مديرا لحسابات الشركة والمسئول الأول عن دراسات الجدوى والمناقصات بها وعضوا في مجلس إدارتها، أما (جمانة) فأنهت عملها الذي كان شاقا في ذلك اليوم وتوجهت مسرعة للنزول ، ذكرى ميلاد صغيرتها اليوم وهي تريده يوما استثنائيا، ربما لن تقيم لها حفلا لكن سيخرجون سويا ويقضون يوما ممتعا في إحدى مدن الملاهي الشهيرة بصحبة (نورا) وطفلها، لذلك ما إن انتهت مواعيد العمل الرسمية حتى اتجهت للمصعد وضغطت زر استدعائه وهي تبحث عن الهاتف ومفاتيح السيارة في حقيبتها حتى وجدتهما، ضغطت أزرار الهاتف بسرعة حين وصل المصعد وفتح بابه فاندفعت داخله وهي ترفع الهاتف إلى أذنها لكنها اصطدمت بشخص داخله وسقط هاتفها أرضا مفككا، نظرت للهاتف بحسرة ثم رفعت عينيها لترى الشخص الذي اصطدم بها وكسر هاتفها ولم يعتذر فارتطمت عيناها بالعينين البنيتين الساخرتين والشفتين اللتين انحنى أحد طرفيهما لأعلى في ابتسامة ساخرة صغيرة أصابتها بالحنق أعقبه التعليق الأكثر سخرية :
- مدام جمانة برده؟ مش تبصي قدامك .
صمتت للحظة ثم ردت في حنق :
- باشمهندس أدهم، معلش ماخدتش بالي كنت مستعجلة.
وحاولت الانحناء لتجميع الهاتف المفكك لكنه سبقها وجمعه وركبه وفتحه وأعاده إليها مستمرا في سخريته وهو يستطرد :
- اتفضلي جت سليمة المرة دي
التقطته ثم هزت رأسها في غضب، استدارت تنظر للجهة الأخرى عندما سمعت صوتا يقول في دهشة :
- جمانة ؟؟ معقولة ؟
التفتت مرة أخرى في استغراب لتنظر للرجل الآخر الواقف بجوار (أدهم) والذي لم تلحظه في البداية لغيظها ثم رفعت حاجبيها في دهشة وهي تهتف في نوع من السعادة :
- دكتور آدم مش ممكن ؟ إزي حضرتك ؟
وصل المصعد لجراج الشركة وفتح بابه فخرجت منه (جمانة) يتبعها (أدهم) ثم (آدم) الذي بدت سعادة حقيقة على وجهه تعادلها دهشة كبيرة على وجه أخيه حين قال :
- أنا الحمد لله إنت عاملة ايه وأخبارك ايه في الدنيا ؟؟
(جمانة) بسعادة من استعاد ذكرى جميلة :
- الحمد لله يادكتور وحضرتك عامل ايه؟ ماسمعناش عن حضرتك من ساعة ماسافرت وسبت الكلية.
(آدم) بترحيب :
- الحمد لله تمام أهو الحال ماشي سافرت كندا وكنت هناك طول الفترة اللي فاتت ويادوب لسه راجع من حوالي أسبوعين.
ثم علا وجهه قليل من الدهشة وهو يستطرد متسائلا :
- إنت بتشتغلي هنا ؟؟ ماكنتش أعرف إن حسام ممكن يخليكي تشتغلي في يوم من الأيام .
قالها وابتسم في حين ظهرت نظرة حزن عميقة في عينيها وهي تجيب :
- حسام الله يرحمه يادكتور.
(آدم) بارتباك حزين :
- لا حول ولاقوة إلا بالله، الله يرحمه، وإنت عاملة ايه دلوقتي؟
(جمانة) بهدوء لا يعبر عما يعتمل بداخلها :
- الموضوع بقى له أكتر من 3 سنين ومعايا ملك نسخة من باباها.
(آدم) برقة :
- ماشاء الله ربنا يخليهالك.
إلى هنا وغيظ (أدهم) كان قد وصل لأوجه فقاطع حديثهما قائلا بنبرة شبه غاضبة :
- إنتو تعرفوا بعض منين يا آدم ؟
التفت إليه (آدم) وهو يجيب بابتسامة :
- جمانة كانت طالبة عندي في الكلية يا أدهم وكانت نابغة فعلا، بتساعدني كتير في شغلي وعلى الرغم من إنها كانت تخصص محاسبة إلا انها درست اقتصاد وإدارة، بتعشق حاجة اسمها تجارة بجميع تخصصاتها وساعدتني كتير في الماجستير بتاعي أيامها .
ارتسمت ابتسامة رقيقة على وجه (جمانة) وهي تقول في خجل :
- ربنا يخليك يا دكتور كل اللي اتعملته كان من حضرتك، حضرتك شجعتني كتير وكنت السبب في إني أوصل لمرحلة متقدمة في دراستي.
استمع (أدهم) لوصلة المديح تلك بغيظ واغتاظ أكثر عندما وجد أخاه يخاطبها باسمها مجردا غير مصحوب بأي لقب، وتملكه الغضب عندما ضبط نفسه وللمرة الثانية يفكر بهذا الشكل، ودعتهما (جمانة) واتجهت لسيارتها الصغيرة، لم تحاول معرفة الصلة بينهما أو سبب وجود (آدم) في مقر عملها مع مديرها، في حين أنهما اتجها لسيارة (أدهم) وبداخلها أدار (أدهم) محركها وقال متسائلا محاولا عدم إظهار فضوله :
- ماكنتش أعرف إنك بتكلم الطلبة بتوعك كده يا آدوم، ولا ناس وناس !
ثم ضحك مداريا مشاعره، أما (آدم) فقابل تساؤله ببساطة وهدوء وهو يرد بابتسامة :
- لا طبعا ناس وناس، جمانة كانت من الناس المتفوقة اللي بتحب دراستها وتشجع اللي حواليها عليها، شعلة نشاط في الجامعة والكل كان يعرفها ويعرف شغلها وكمان مرشحة تبقى في الاصطاف بس حسام خطيبها أيامها الله يرحمه كان رافض مبدأ الشغل تماما.
(أدهم) بتساؤل :
- غريبة إنها تشتغل بعد وفاته، لأن باين عليها كانت بتحبه.
(آدم) وهو يستعيد ذكرى :
- كانوا بيحبوا بعض جدا وقابلهم عقبات كتير في فترة خطوبتهم لحد ماربنا وفقهم واتجوزوا ... ثم التفت لأخيه مكملا :
- طبيعي جدا تشتغل عشان ع الاقل تلاقي حاجة تشغل وقتها بيها مش هتفضل عايشة على ذكراه للأبد وتحرم نفسها من كل حاجة خصوصا إنها صغيرة في السن.
نظر إليه (أدهم) نظرة ذات مغزى محاولا من خلالها استشفاف مايدور بخلد أخيه لكنه لم يستطع فاكتفى بأن انطلق بالسيارة خارجا للطريق حين سأله (آدم) :
- هي بتشتغل في الشركة من إمتى ؟ وبتشتغل فين بالظبط ؟
(أدهم) أجاب باقتضاب :
- في الحسابات مع أستاذ محفوظ، بقى لها حوالي 3 شهور.
ابتسم (آدم) وقال :
- طيب تمام يعني معايا، هتنفعني جدا في شغلي ، تلاقيك مش عارف تستغل طاقاتها كويس.
رمقه (أدهم) بنظرة غيظ جانبية واكتفى بالصمت وهو يوصله لمنزله حيث ينتظره (يوسف) مع مربيته.

********
انتظم (آدم) في عمله، عاد لمكتبه القديم المجاور لمكتب والده والذي هو حاليا مكتب أخيه (أدهم)، كانت سعادته جمة بعودته بين أهله ثانية خصوصا (أدهم) والذي مازال ينظر إليه كمثل يُحتذى به، استقرت الأمور بشكل عام حتى أتى يوم تلقت (جمانة) اتصالا هاتفيا من دكتور (حسام) الذي يدير صيدلية زوجها الراحل يخبرها أنه بحاجة للقائها لأمر هام حينها تساءلت (جمانة) :
- خير يادكتور حسام في إيه ؟ قلقتني ؟
أجاب (حسام) بسرعة :
- معلش يامدام جمانة الكلام مش هينفع في التليفون لازم أشوفك ضروري ومش هينفع أستنى لحد الميعاد الشهري.
ردت (جمانة) وقلقها يزداد :
- طيب يادكتور هاعدي على حضرتك في الصيدلية بعد مااخلص شغلي بإذن الله.
هتف :
- لا مش هينفع في الصيدلية، ممكن مكان تاني؟
أجابت في حزم :
- للأسف مش هينفع أقابل حضرتك في مكان خلاف مكان الشغل يادكتور، طيب ممكن أجي صيدليتك بس يكون الموضوع باختصار من فضلك.
تردد قليلا ثم حسم أمره :
- برده مش هينفع، زميلي في الصيدلية حاليا متواجد باستمرار بسبب انشغالي بصيدليتك ومش هينفع أتكلم قدامه، ممكن طيب أي مكان وتكون والدتك معاكي لأن الموضوع مهم جدا ومايحتملش تأجيل؟
ترددت هي الأخرى وفكرت قليلا ثم ردت :
- طيب يادكتور حسام، هأكلم ماما وأرد على حضرتك.
وتم كان اللقاء في أحد المقاهي على النيل، بعد السلام وقليل من اللعب مع الصغيرة (ملك) قال (حسام) :
- معلش يامدام جمانة إني قلقتك بس فعلا الموضوع لازم يتحسم فورا.
نظرت إليه بتساؤل صاحبه صوت والدتها قائلا :
- خير ياحسام يابني قلقتنا ؟.
سحب نفسا عميقا ثم أجاب :
- دكتور هشام، بصراحة ومن غير لف ودوران تقدري تقولي .... بيسرقك.
قال كلمته الأخيرة في شيء من التردد في حيت تطلعت المرأتان إليه فيما يشبه الصدمة، هتفت الأم :
- قلبي كان حاسس إنه مش مظبوط بس كنت بأكذب نفسي وأقول إن بعض الظن إثم.
أما (جمانة) ففكرت لثوان ثم تساءلت بحزم :
- طيب يادكتور إيه الدليل على كده ؟ وإزاي أقدر أواجهه بسرقته أو حتى أبلغ البوليس وآخد حقي منه ؟ حضرتك معاك دليل ؟
أجاب (حسام) بسرعة وكأنه حضر ماكان سيفعله ويقوله مسبقا :
- طبعا في دليل يامدام جمانة.
ثم ناولها الحقيبة التي كان يحملها وهو يكمل :
- هنا هتلاقي كل الأوراق اللي تثبت لك كده، دكتور هشام بيتعامل مع شركات أدوية معينة وبياخد منهم نسبة عشان التسويق وعينات مجانية بكميات كبيرة وفي النهاية بيبعها في السوق السودا، الورق هنا هتلاقي المفروض العقود والاوراق الرسمية الخاصة بتعاملات الصيدلية وشيكات باسمه لقيتها بالصدفة في ملف نسيه جوا درج المكتب باسمه من شركة أدوية مشهورة مع أوراق تثبت حصوله على عينات ضخمة زي ماقلت لك ..
ثم تردد مرة أخرى فحثته (جمانة) أن يكمل :
- في حاجة تانية يادكتور حسام ؟
قال في خجل وتردد :
- شوفي أنا مش عاوز أخوض في حاجة زي دي بس للأسف ده مكان شغل وملكك واللي بيحصل فيه من وراكي من حقك تعرفيه، كله حرام في حرام، دكتور هشام بيعمل خلطات خاصة وبيبيعها الخلطات دي عبارة عن حاجة تأثيرها شبيه بالمخدرات، غير سمعة الصيدلية اللي بقت زي الزفت في المنطقة بسبب ... علاقاته النسائية واللي أحيانا بتكون في الصيدلية نفسها .
رفعت (جمانة) حاجبيها وتراجعت للخلف في صدمة في حين حوقلت الأم وهي تشهق ثم قالت :
- حسبي الله ونعم الوكيل، يعني احنا استأمناه عليها يقوم يعمل كده ! يسرق ويسوء سمعة المكان ويتاجر في الحرام كمان، هو في بني آدمين كده؟
ثم التفتت لـ (حسام) قائلة بامتنان :
- ربنا يكرمك يابني ويجازيك خير إنك نبهتنا.
أما (جمانة) فقد كانت صدمتها كبيرة، لم تكن تعلم ببرائتها وعالمها المنغلق أن هناك نوعية من البشر بهذا الشكل، وأيضا أسوأ، تلقت الصدمات واحدة تلو الأخرى وما أحزنها أكثر من أن يسرقها هو استغلال المكان في المحرمات ، تطلعت وقتها لـ (حسام) بامتنان هي الأخرى وقالت بلهجة حازمة قدر الإمكان لكن خرجت على الرغم منها مرتبكة :
- شكرا يا دكتور حسام، الحقيقة مش عارفة أقولك إيه ولا أشكرك إزاي، كل اللي أقدر أقوله جزاك الله خيرا، أنا بإذن الله هاراجع الاوراق دي وكمان هأعرضها على أختي المحامية وأكيد هأبلغك هنعمل ايه لأني هاحتاج مساعدتك طبعا.
رمقها (حسام) بنظرة حنون لم تلحظها و رد :
- أكيد يا مدام جمانة، أنا معاكي في أي تصرف هتعمليه وهاساندك طبعا ماتقلقيش.
شكرته مرة أخرى وافترقوا على موعد للاتفاق على التصرف حيال هذه المشكلة، عندما عادت (جمانة) ووالدتها للمنزل عكفت على مراجعة الأوراق التي أعطاها إياها (حسام)، ساءها كثيرا أن وجدتها جميعا صحيحة ، شعرت بنوع من الغباء أن سلمت أمرها لشخص غير موثوق به سرقها وارتكب الحرام وأساء لسمعة صيدلية زوجها الراحل وبكل صفاقة، في نفس اليوم التقت شقيقتها وأبلغتها بالأمر وأطلعتها على الأوراق فأكدت لها صحتها من الناحية القانونية وأكدت عليها أنها ستدعمها في مواجهة ذلك السارق.
قررت (جمانة) أن تواجهه بدون أن تبلغ الشرطة حتى لا تسوء سمعة المكان أكثر وأن تطرده من الصيدلية شر طردة وهذا ماقامت به بالفعل بعدها بيومين، اتجهت للصيدلية بصحبة شقيقتها بعدما اتفقت مع (حسام) أن يتواجد في ذلك الوقت ثم دلفت للمكان متلفتة حولها حتى وقع بصرها علي (هشام) الذي ما إن رآها حتى قام من مكانه كالمعتاد واتجه إليها بسرعة مرحبا بلهجة ناعمة خبيثة :
- مدام جمانة، أهلا بحضرتك، مش عادتك تزورينا بس أكيد زيارتك غالية عندنا.
لم يمد يده ليصافحها كما اعتاد بعدما أحرجته أول مرة حاول فيها ذلك لكنه مدها لشقيقتها والتي لم يكن يعرفها فتطلعت إليها في صمت ثم رفعت عينيها إليه بنظرة ملؤها الغضب شعر به هو فسحب يده قائلا في حرج مصطنع :
- أأأأ أنا آسف حضرتك برده مش بتسلمي؟
أجابت (لمياء) في صرامة :
- أنا الأستاذة لمياء أبو الفتوح المحامية أخت مدام جمانة.
علت ابتسامة صفراء شفتيه في صمت حين دلف (حسام) للمكان في خطوات سريعة وتطلع للجميع، رحبت به (جمانة) في هدوء بعد أن ألقى السلام وعرفته بشقيقتها ثم قالت :
- دكتور هشام من فضلك كنا عاوزين حضرتك في موضوع مهم.
شعر (هشام) بالقلق، ونظر لـ (حسام) بغل وحقد إلا أن الأخير أدار وجهه الناحية الأخرى في نوع من القرف، تساءل :
- خير يا مدام جمانة في حاجة مزعلاك في الشغل هنا ؟.
ردت بحزم :
- أيوة في يادكتور هشام.
ثم أخرجت الأوراق التي أعطاها لها (حسام) من قبل وقذفت بها له متسائلة بصرامة شديدة مخالفة لشخصيتها :
- ممكن تفهمني ايه ده ؟؟ وايه اللي بيحصل في الصيدلية من ورايا وايه اللي الناس بتقوله ع المكان هنا بسبب حضرتك ؟
تراجع (هشام) للخلف في وجل وهو يتطلع إلى الأوراق التي ألقت بها أمامه على المكتب في توجس، نقل بصره بينهم والذي استقر على (حسام) في كره ثم قال بلهجة هجومية بها بعض التوتر :
- انا مااعرفش ايه ده ومااعرفش الدكتور قالك ايه او شوه صورتي عندك إزاي بس ربنا عالم أنا باعمل ايه عشان الصيدلية دي تفضل مفتوحة وشغالة باسم حسام الله يرحمه وربنا عالم إني ....
قاطعته (جمانة) بصرامة مختلطة بالاشمئزاز :
- بس ماتجيبش سيرة ربنا، الأوراق اللي قدامك دي حسابات الصيدلية اللي كنت مخبيها وهي سليمة أنا راجعتها بنفسي والأستاذة لميا راجعتها يعني ماحدش بيحاول يلبسك تهمة، قبل ماآجي هنا مشيت في الشارع وسألت على صيدليات قريبة ماحدش من اللي سألتهم قاللي على الصيدلية هنا وكلهم دلوني على واحدة تانية في آخر الشارع، ده معناه ايه ؟ والمصيبة الكبيرة آخر واحدة سألتها ست كبيرة ولقيتها بتقوللي في هنا اتنين بس روحي الصيدلية اللي في آخر الشارع بلاش اللي هناك دي وشاورت على هنا، عارف ليه يادكتور ؟
ابتلع ريقه الذي جف بصعوبة بالغة وهو يحدق فيها بصمت فأكملت :
- عشان الدكتور اللي هنا مصاحب البلطجية وبيديهم مخدرات وبيجيب فيها ستات ؟ وبقى له سنين ع الحال ده وأنا نايمة على وداني يا .... دكتور !
ثم أخذت نفسا عميقا تبرد بها غضبها قليلا قبل أن تستطرد في حزم :
- للأسف يادكتور هشام خيبت ظني فيك وخليتني أندم على الثقة اللي اديتهالك، لكن الحمد لله ملحوقة والغلط ممكن يتصلح بإذن الله، دكتور حسام هيعمل جرد للصيدلية وحضرتك هتكون موجود، وبكرة آخر يوم ليك فيها، ولا بارك الله لك في اللي سرقته منها وأسأت لسمعة المكان اللي استأمنتك عليه بسببه.
ثم قامت من مكانها وهي تشير لشقيقتها التي قالت بلهجة شديدة :
- دكتور هشام مفيش داعي أقول لك إن ببساطة كان ممكن تكون بايت في القسم النهاردة وأنا عارفة أنا بأتكلم عن ايه كويس، لكن جمانة رفضت وشايفة إن ده بيسيئ للمكان أكتر فنزلت على رغبتها، إنما أي محاولة منك لعمل أي مشكلة سواء للصيدلية أو لدكتور حسام كل الأوراق دي هتكون في القسم بعدها مباشرة وسهل جدا نجيب شهود على عمايلك السودا، الجرد هيتم النهاردة وينتهي النهاردة وياريت مانسمعش عنك تاني لا خير ولا شر.
ثم قامت بدورها وهو يتطلع لكليهما بصمت متوتر ثم زم شفتيه في غضب وهو يهتف :
- قولوا لي كده بقى ، شغلت الصيدلية وخليت لها اسم في السوق وجايين أنتو والبيه تألشوني منها، ايه البيه عجبه الحال وعاوز يستفرد بيها وبيك ياهانم وإنت عاجبك مش كده بس أنا مش هأسكت على ...........
ولم يتم جملته، لقد شعر (حسام) بالغضب الشديد من تلميحه المهين فأمسك بياقة قميصه جاذبا إياه من كرسيه ثم دفعه للحائط خلفه وهم بأن يلكمه في فكه، لولا أن صرخت (جمانة) بخوف وهتفت (لمياء) فيه :
- دكتور حسام أرجوك، مفيش داعي تلوث ايدك مع البني آدم ده.
ظل (حسام) ممسكا بياقته ويده مرفوعة كأنه سيهوي بها على وجهه في أي لحظة و (هشام) يتطلع إليه في خوف واضح، ثم مالبث أن مد (حسام) يده الأخرى ليمسك ياقته بكلتا يديه ليهزه بعنف وهو يصيح به في غضب :
- والله العظيم لولا وجودهم كنت عرفتك شغلك ياجبان، بص لنفسك عشان تعرف حجمك قد إيه يا ... يادكتور.
ثم دفعه ناحية الجدار بعنف فاصطدم به وهو يتأوه، التفت للسيدتين خلفه معتذرا برفق :
- أنا آسف بس فعلا لازم يتربى .
ثم التفت يرمقه بنظرة صارمة توتر لها بدن (هشام) وهو يكمل :
- مش هأدي فرصة لواحد زبالة يحس إنه انتصر بكلمتين هايفين زيه.
ظلت (جمانة) تطلع إليه في وجوم وقلق امتزج بشعور غريب بالأمان، أما (لمياء) فقد شكرته وأثنت على أخلاقه واتفقت معه على ماسيقوم به، ظلت (جمانة) صامتة بعدها حتى حان وقت ذهابها وشقيقتها، فشكرت (حسام) على صنيعه ووقوفه بجانبها بخفوت واتجهت مع شقيقتها لسيارتها.
وصلتا لمنزل (جمانة) فأصرت أن تصعد شقيقتها معها قليلا، وبالمنزل كانت الصغيرة قد نامت والأم بالانتظار في قلق، قصتا على والدتهما ما حدث وما إن أنهتا حديثهما حتى قالت الأم بابتسامة :
- والله دكتور حسام ده الله يبارك له، راجل ذوق وشهم وأخلاقه عالية، كفاية موافقته على إنه يشتغل في الصيدلية مع إنه عنده واحدة وغير كده يكشف المصايب اللي كانت بتحصل فيها ويساعد في حلها.
صدقت (لمياء) على كلامها قائلة :
- فعلا يا ماما، ربنا يجازيه خير، انسان مهذب.
أما (جمانة) فصمتت للحظة ثم عقبت :
- بس شفتي يا لومي لما كان هيضرب دكتور هشام ؟ أنا اترعبت ساعتها، قلت هيتخانقوا ويضربوا بعض وتبقى مصيبة.
ابتسمت (لمياء) وهي تتذكر موقف (جمانة) و ردت :
- أيوة لاحظت خوفك، ياجوجو ياحبيبتي امسكي نفسك شوية، إنت دلوقتي بتشتغلي وهيبقى في احتكاك أكبر بالناس لازم تكوني أجمد من كده، وبعدين دكتور حسام لما شافك خفتي كده وأنا قلت له بلاش مسك نفسه الحمد لله، مع إني كان نفسي يدي لهشام ده بوكس يكسر له سنانه بعد الكلام الزبالة اللي قاله.
فكرت (جمانة) للحظة في كلام شقيقتها ثم ابتسمت قائلة :
- معاك حق والله يالومي، بس أعمل ايه مش متعودة على الحاجات دي، بس عارفة لو كان اداله بوكس كان ممكن يغمى علي.
قالتها وضحكت فبادلهتها والدتها وشقيقته الضحكة ثم قالت لها والدتها :
- جوجو معلش ياحبيبتي هاتعبك وأنت راجعة مرهقة، ممكن تعملي لنا شاي وتجيبي الكيك اللي عملتها النهاردة.
ثم وجهت كلامها لـ (لمياء) :
- هتعجبك يالولو بالشيكولاتة.
ضحكت (لمياء) و هتفت :
- لا خلاص أنا كنت هأقوم بقى أروح بس مادام فيها شيكولاتة يبقى خلاص، يلا ياجوجو.
ابتسمت وقامت متجهة للمطبخ مداعبة :
- ماشي عشان خاطر الضيفة المبجلة اللي بنشوفها في الأعياد بس.
بعد ذهابها التفت (لمياء) لوالدتها متسائلة بخبث :
- ايه ياست الكل، بتوزعي جوجو ليه؟
ابتسمت الأم في حنان وهي تجيب :
- أبدا يالولو، كنت عاوزة أعرف رأيك في دكتور حسام ؟
اندهشت (لمياء) لجواب والدتها فردت بتساؤل :
- رأيي فيه إزاي ياماما ؟
قالت الأم محاولة إظهار عدم الاهتمام :
- يعني ، أصلي حسيت إنه مهتم بجمانة وإنت شايفة بيساعدنا وواقف جنبنا إزاي .. بصراحة حاسة إنه معجب بيها .
تطلعت إليها ابنتها في دهشة، ثم ضحكت في خفوت وهي تقول :
- غالبا كده يا ماما، نظراته بتقول وتصرفاته، كفاية إنه كان هيضرب هشام لمجرد إنه لمح بالكلام بطريقة مقرفة على علاقة بينه وبين جمانة ولما لقاها خافت هدي وسكت.
ارتسمت السعادة على وجه الأم وقالت :
- أنا كنت حاسة، دكتور حسام بني آدم كويس وأخلاقه عالية، شهم وخدوم، وحسيت إنه معجب بيها، ربنا يهديكي يابنتي ويرزقك باللي فيه الخير ويسعدك.
رددت (لمياء) :
- اللهم آمين.
ثم فكرت لثوان وهي تكمل :
- بس يا ماما مااعتقدش إن جوجو ممكن تفكر في حد غير حسام الله يرحمه، ع الأقل دلوقتي، بتتعامل معاه عادي جدا كأن في كل مرة أول مرة تشوفه.
ردت الأم :
- مش مهم دلوقتي أو بسرعة يالولو، كل حاجة في وقتها، المهم إني مبسوطة إنه معجب بيها، ماحدش عارف بكرة ممكن يحصل ايه !.
وافقتها (لمياء) بإيماءة من رأسها حين عادت (جمانة) تحميل صينية ضخمة عليها أكواب الشاي وأطباق الكيك وهي تقول ضاحكة في مرح :
- اتفضلي يامولاتي التشوكليت كيك اللي جنابك بتحبيها.
بادلتها (لمياء) الضحك، وجلسن يتسامرن لفترة، لم تشعر أيا منهن بالسعادة منذ مدة طويلة كما شعرت بها الآن .


***********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:43 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:57 AM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل العاشر

**********

وتتساقط الأيام سريعا كما تتساقط أوراق الشجر في موسم الخريف، صفراء جافة او يانعة، كانت (جمانة) في كل يوم تتقدم في عملها أكثر وتتعلم أكثر وكأنما عودة أستاذها السابق (آدم) أعطتها دافعا أكبر للإنجاز و هو دوما يشجعها ويحاول استغلال طاقاتها لأقصى درجة بل ويستشيرها في الكثير من الأمور حتى وإن لم تكن في صميم اختصاصها في الشركة، وكانت هي رائعة، جذبت انتباه الجميع بنشاطها الجم وعملها المميز المتقن وبالإضافة لذلك فهي ملكة قلوب رقيقة تنثر الرفق حيثما ذهبت، نما إعجاب (أدهم) تجاهها أكثر وإن لم يظهر عليه، كان دوما يشعر أنها مختلفة مميزة عن كل أخرى قابلها ولذلك فهي تستحق مساحة أكبر من اهتمامه، وقدرا أكبر من سخريته ولسانه اللاذع، ولم يكن يقتصد في أي منهما معها، مثيرا غضبها واستيائها سعيدا بذلك للغاية، بدت في أحيان كثيرة تلك السخرية كرد فعل دفاعي يصرف به طيفها الذي بات يزور عقله كثيرا، أما (آدم) فكان في كل مناسبة يذكر إعجابه بها وبعملها ونشاطها وبداخله يعترف بإعجابه بها كأنثى، رقيقة وحانية ومجنونة، نعم كان يراها مجنونة ومتقلبة المزاج، ومزاجيتها تلك كانت جذابة للغاية، نمت بينها وبين العديد من العاملات في الشركة صداقة تخطت مرحلة الزمالة خاصة زميلتها في المكتب (هالة) وسكرتيرة الشركة (سهام)، وعلى العكس والنقيض تماما من (جمانة) كانت (دينا) تثير نفور الكثيرين من العاملين في الشركة خاصة (أدهم) وتثير الحسد في قلوب كثير من العاملات هناك، وشهوات الرجال بملابسها وجسدها الذي تتفنن في إبراز مفاتنه، كانت تتعامل مع الجميع بغطرسة وكأنها مالكة المكان وكثيرا ماحدثت بينها وبين (أدهم) مشكلات تعامل معها فيها كأي موظف بالشركة مما كان يغيظها أكثر لكنها دوما تتمادى في الأمر وكأنها تضمن أنها لن تذهب لأي مكان مهما فعلت، تساندها والدة (أدهم) وترسمان الخطط سويا لإيقاع ابنها في حبائلها، كثيرا ما كانت تحاول دخول مكتب (أدهم) بدون استئذان مما سبب الكثير من المشكلات بينهما لكنها حاولت ألا تتأثر بها، وفي يوم قررت الذهاب إليه بأي حجة والاقتراب منه أكثر، في مرات عديدة كانت تأتيها أفكار جنونية كي يتزوجها (أدهم) لكنها لا تلبث تتراجع خوفا من رد فعله أما اليوم ففكرت في المخاطرة وتنفيذ إحداها، اتجهت لمكتبه بملابسها التي أمرها (أدهم) بأن تتحشم فيها قليلا فهذا مقر عمل له قواعده وكان أقصى ماوصلت إليه هو أكمام أطول قليلا وبنطالا من خامة مختلفة غير مااعتادته، لكن الملابس كانت لاتزال تكاد تتفجر حول جسدها الأنثوي، نعم كانت جميلة للغاية وأنوثتها التي أثارت الحسد واضحة للعيان، ولكن حتى الأفعى الرقطاء تملك جمالا غير عادي، اتجهت للمكتب تتمايل في خطواتها بشكل متعمد تدير رؤوس كل من يقابلها وتعلو شفتيها ابتسامة مغرورة فهي تعرف ماتفعله بجسدها في الجميع ويعجبها ذلك جدا لكن نظرة القرف كانت ترتسم على وجهها دوما كأنها تقول أنا أتعطف ببقائي معكم هنا، ألا ترون كيف تنازلت لأصبح في هذا المكان !، فتحت الباب فرفعت (سهام) عينيها إليها ولم تبتسم لكنها لم تهتم بل اتجهت إليها وقالت بلهجة مهادنة تشبه فحيح الأفعى :
- ساسو، إزيك يابيبي، وحشاني كتير، مش بتسألي ليه ياوحشة إنتي، دي صحوبية أربع سنين كلية؟
نظرت لها (سهام) بغيظ فهي لم تكن أبدا صديقتها لكنها رسمت ابتسامة متكلفة على شفتيها وهي ترد :
- معلش بقى يادينا إنت عارفة الدنيا بتاخد الواحد بمشاغلها.
لم تهتم (دينا) لردها لكنها تطلعت لمكتب (أدهم) وتساءلت بلهجة موحية :
- هو أدهم جوا ؟
ازداد غيظ (سهام) فدفنت وجهها في الأوراق أمامها مجيبة :
- أيوة الباشمهندس أدهم جوا .
تعمدت أن تضيف اللقب لاسمه لتوضح لـ (دينا) أن هذا مقر عمل وليس المنزل كي تناديه بهذا الشكل، لكنها لم تلحظ ذلك أو تهتم له بل اتجهت للمكتب تتهادى في خطواتها وهي تصلح من ملابسها الضيقة كأنها تزيدها ضيقا وقبل أن تمد يدها لفتح الباب فوجئت بـ (سهام) تقفز من خلف مكتبها هاتفة :
- ايه ايه رايحة فين يا دينا؟
التفت إليها بحدة قائلة :
- ايه رايحة فين دي؟ هادخل له طبعا.
ردت (سهام) بحدة أكبر :
- لا طبعا ماينفعش، عاوزة تدخلي يبقى أبلغه الأول وهو يسمح بدخولك إنما كده ماينفعش.
تطلعت لها (دينا) بنظرة قاتلة ثم همست بصوت كالفحيح :
- إنت بتهزري يا سهام تستأذني لمين ؟ لي أنا ؟ أدهم ده في حكم خطيبي وقريب هتبقى رسمي جاية تقولي لي تستأذني عشان أدخل له.
أجابت (سهام) في عناد :
- ولو يادينا خطيبك ده في البيت وبرا الشغل إنما هنا لا، أنا كده بأعمل شغلي.
في هذه اللحظة ارتفع رنين الهاتف الداخلي لتتجه إليه (سهام) مسرعة وترفع سماعته قائلة :
- أيوة ياباشمهندس.
وفي نفس اللحظة دلفت (جمانة) للمكان وهي تحمل في يدها ملفا ضخما بدا من الواضح مدى اهتمامها به، رأتها (دينا) فنظرت لها بقرف شديد أما (سهام) فرفعت عينيها إليها وابتسمت وهي تجيب (أدهم) :
- أيوة يافندم لسه داخلة حالا أهي .. حاضر هأدخلها فورا.
علت ابتسامة صافية شفتي (جمانة) وهي تقول :
- إزيك ياسهام عاملة ايه ؟
بادلتها (سهام) ابتسامتها وهي ترد :
- الحمد لله ياجوجو، يلا الباشمهندس أدهم منتظرك.
التفتت (جمانة) لتتجه لمكتب (أدهم) وفوجئت بـ (دينا) الواقفة أمامه فابتسمت لها قائلة :
- إزيك يادينا ؟
لم ترد (دينا) على سؤالها بسرعة بل تطلعت إليها لحظة بنظرة تكاد تفتك بها ثم ردت :
- كويسة.
تطلعت لها مرة أخرى بنظرة شملتها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها وعلت وجهها لمحة استهزاء بما ترتديه، لم تهتم (جمانة) بنظرتها على الرغم من أنها فهمتها جيدا، لكنها اتجهت للمكتب وطرقت الباب برفق، سمعت صوته الحازم من الداخل كما اعتادت يسمح بالدخول ففتحت الباب ودلفت للمكان بهدوء وكما هي العادة أيضا تركته مفتوحا، تطلع إليها وهي تخطو إلى داخل المكتب أمامه وشعر كأنها لا تمشي على الأرض بس تنساب فوقها كقطرة ندى فوق زجاج نافذتك في الصباح، لم يفكر كثيرا في الأمر فهو مؤخرا ما أكثر ما يضبط نفسه وأفكاره تتجه نحوها بطريقة شاعرية غريبة لم يعتدها لذلك تعود أن يطرح تلك الأفكار جانبا دوما ويشغل نفسه فقط بالعمل، فقط ابتسم لها ابتسامة ساحرة لمحتها (دينا) من الخارج ففتك بها الغيظ أكثر وهي التي لم تحظ منه بنصفها حتى، لكنها لم تكن تنوي الابتعاد الآن فجلست في مقعد مجاور للمكتب علها تستمع لما يقولون وكان أكثر ما أثار استغرابها أن (جمانة) تركت الباب مفتوحا و (أدهم) نفسه لم يعترض على ذلك كأنما اعتاد الأمر، تطلعت لها (سهام) بنظرة استهجان ولم تحاول أن تكلمها حتى لا تلفت انتباه (أدهم) لوجودها بل اكتفت بالعودة لعملها، أما في الداخل فقد قال (أدهم) :
- أهلا مدام جمانة اتفضلي.
ابتسمت (جمانة) ابتسامة باهتة وهر ترد :
- شكرا يافندم اتفضل حضرتك ده الملف.
التقطته منها وفتحه أمامه وتطلع إليه وهو يقلب بضعة أوراق فيه ثم تساءل بدون أن يرفع عينيه نحوها :
- ها إيه ملاحظاتك ع الموضوع ؟
ردت بعملية :
- العملية عموما فيها مكسب كبير أنا عملت شوية تعديلات على عرضنا في ملف المناقصة واستشرت فيها دكتور آدم وكان موافق جدا على التعديلات دي ، المقلق بس الشرط الجزائي للشركة الأم، لو أخلينا بأي جزء في الاتفاق الشرط الجزائي هيتطبق علينا فورا وده نوعا ما مخيف لأن مش كل الظروف مضمونة أو سهل إننا نتحكم فيها، كلمت دكتور آدم على أساس نظبط عرضنا وفي نفس الوقت نتفاهم مع الشركة برا بخصوص الشرط ده ونعدل في شروطه بحيث مايحصلش ظلم لأي طرف سواء إحنا أو هما .
لم يدر لما شعر بالضيق عندما ذكرت عملها مع أخيه أو إعجابه بعملها لكنه طرحه جانبا وهو يبتسم معجبا بما قالته أثناء تطلعه للأوراق مركزا مع التعديل الذي قامت به وكان إعجابه ذلك واضحا في صوته وهو يقول :
- هايل يامدام جمانة بجد، التعديل ممتاز فعلا وفكرتك كمان هايلة.
ثم رفع عينيه إليها و أكمل وهو لايزال محتفظا بابتسامته :
- إن شاء الله بعد المناقصة ماترسى علينا لأني واثق من شغلك وأفكارك هنعمل اجتماع مع الشركة ونتناقش في موضوع الشرط الجزائي.
علت السعادة وجهها فهي قد أدت عملها كما ينبغي ولم تدري هي الأخرى لما كان دوما رضى (أدهم) عن عملها محل سعادتها لكنه فسرته بأنها تثبت جدارتها بعد ما قاله لها في بداية عملها في الشركة وهذا بالتأكيد يسعدها، ردت بسعادة واضحة :
- شكرا يافندم ربنا يخليك، كله بتشجيع حضرتك ومساعدة وتشجيع دكتور آدم.
شعر بالضيق مرة أخرى لكن هذه المرة ظهر جليا على ملامحه مما أقلقها خاصة عندما قال :
- هو إنت بتشتغلي مع آدم على طول ولا ايه ؟؟ هتشككيني في قدراتك كده ؟ التعديلات دي فكرتك إنت ولا هو ؟
أجابت بسرعة :
- لا يافندم التعديلات فكرتي طبعا، لكن عرضتها على دكتور آدم عشان آخد رأيه، لأن طبعا الشغل ده مش من اختصاصي حتى لو بأفهم فيه وهو في الأول وفي الآخر أستاذي.
تطلع إليها لحظة في صمت قرأت في عينيه نوع من الغضب لكنه لم يظهر على صوته وهو يقول :
- امممممم، طيب ياريت مادام أنا اديتك الملف تعرضي تعديلاتك علي الأول بعد كده، وبعدين ناخد رأي دكتور آدم كخبير طبعا.
شعرت بالحرج فردت في خفوت :
- حاضر يافندم، بأعتذر لحضرتك.
فورا أصابه تأنيب الضمير وفكر، هل هذه غيرة ؟ لمَ عاملها بهذا الجفاء على الرغم من اجتهادها وذكائها في العمل ؟ ما الذي يدفع رجلا لمعاملة امرأة بخشونة عند ذكرها لرجل آخر في حضوره ولجوئها إليه إلا إذا كانت غيرة ؟ شعر بالحنق وازداد غضبه أكثر لوصوله بتفكيره لتلك النقطة، أما هي فكانت تنظر أرضا وبين كل فينة وأخرى ترفع عينيها إليه منتظرة قراره شاعرة بالحزن من طريقة تعامله معها على الرغم من إنجازها والذي مدحه أخاه وهو شخصيا في البداية، أتراها أخطأت عندما عرضت الأوراق على أخيه أولا ؟ ولكن ما الخطأ في ذلك ؟ فهو أيضا من مديري الشركة وفي جميع الأحوال سيعرض عليه الملف، لم تدري ماذا تفعل فتنحنحت لافتة انتباهه، رفع عينيه إليها يتأملها في صمت، كانت نظرة عينيه العميقتين غريبة للغاية، شعرت بالدفء يغزو قلبها وحمرة الخجل تعلو وجنتيها فأطرقت برأسها أرضا مرة أخرى، تأملها هو لثوان ولم يدرك أن هناك عينين غاضبتين تتابعان نظرته تلك في أحد الديكورات ذات السطح العاكس في غرفة السكرتارية، عيني (دينا) التي رأت في عينيه مالم يفهمه هو أو تلمحه (جمانة) نفسها، فازداد حنقها وكادت تدخل إليه لولا بقايا عقل حذر خبيث منعتها من التصرف بحماقة، أما في الداخل فقد نظر (أدهم) لـ (جمانة) وقال بهدوء بابتسامة مشجعة محاولا استعادة ملامحها المرحة بدلا من الارتباك الذي سببه لها :
- طيب يامدام جمانة، شكرا ع التعديلات الهايلة دي، بإذن الله المناقصة بتاعتنا، اتفضلي إنت على مكتبك.
أومأت برأسها إيجابا و ردت :
- العفو يافندم، بعد إذن حضرتك.
قالتها وخرجت من مكتبه بهدوء وهو يتابعها بعينيه ثم فوجئ بجسد يقتحم الفراغ بين عينيه وبينها رفع عينيه للأعلى لتقع على وجه (دينا) فعقد حاجبيه في غضب ظهر جليا على ملامحه لكنها لم تبالي به وتقدمت للأمام عندما اندفعت (سهام) خلفها هاتفة فجأة :
- آنسة دينا من فضلك.
التفتت إليها في غضب فقال (أدهم) :
- خلاص ياسهام اتفضلي إنت.
بدا على صوته الحنق وظهرت نظرة غضب في عينيه رمق بها (سهام) التي تراجعت للخلف في وجل وهي تومئ برأسها اعتذارا في حين ظهرت الشماتة على وجه (دينا) وهي تنظر إليها قائلة بعينيها : "أرأيت ؟"..
دلفت دينا للمكتب وأغلقت الباب خلفها فتطلع إليه (أدهم) في صمت ثم رفع عينيه إليها متسائلا بحزم :
- خير يا دينا ؟
وفي الخارج كان الحنق والغيظ يرتسمان بوضوح على وجه (سهام) فسألتها (جمانة) :
- مالك ياسيمو ؟ مين مزعلك ؟
ردت (سهام) بحنق واضح :
- البني آدمة اللي اسمها دينا دي، قال إيه خطيبي وأدخل براحتي .
شعرت (جمانة) بشعور غريب، كأنه مزيج من الدهشة والحزن والاستغراب، كيف لتلك الملونة أن تخطف قلب رجل صارم جاد مثل (أدهم)، لكنها عادت تتساءل بدهشة :
- هي خطيبته ؟
أجابت (سهام) بغيظ :
- أهي بتقول، وانت شفتي بنفسك لما دخلت ماقالش حاجة.
قالت بلامبالاة :
- خلاص هما أحرار مع بعض، هاروح أنا على مكتبي.
قالتها وغادرت المكان بسرعة وفي الداخل كان (أدهم) يقول لـ (دينا) :
- خير يادينا ؟ أحنا مش قلنا قبل كده في الشركة نهتم بقوانين الشغل ونراعي المكان كويس ؟
ردت مهادنة بدلال وهي تقترب منه :
- معلش يا أدهم، أنا كنت جاية من شوية أصلا وبعدين البنت اللي برا منعتني بطريقة مش لطيفة وجت جمانة دي دخلت وأنا قاعدة برا منتظرة كل ده.
كاد يهتف فيها غاضبا للمرة المليون أن هذا مقر عمل لكنه اكتفى بالصمت والتطلع إليها وإلى ماترتديه في صمت حانق ثم خفض عينيه وانشغل بالأوراق أمامه، فاقتربت أكثر تحاول الالتفاف حول المكتب لكنه رفع عينيه إليها مرة أخرى بنظرة تحذيرية صارمة أخافتها فترددت لثانية ثم تراجعت، جلست أمامه على المكتب وهي تضع إحدى ساقيها على الأخرى وهو ينظر لها في صمت فقالت بدلال :
- المهم انا كنت جاية أعزمك على حفلة في الفيلا عندنا، داد وقع عقد جديد مع شركة أكواريوم الانجليزية وعاملين بارتي كبير وطبعا لازم تيجي.
دفن عينيه في الأوراق مرة أخرى وهو يرد باقتضاب :
- معلش يا دينا مش هأقدر آجي.
وقفت مرة أخرى ثم مالت بجسدها على المكتب ضاغطة عليه وتركت عطرها النفاذ يتسلل لأنفه حتى أنه رفع عينيه إليها مندهشا وازداد دهشة من جرأتها حين مدت كفها تمسك بيده والأخرى ترفع ذقنه تجاهها لينظر إليها ممانعة بدلال أكبر :
- تؤ تؤ تؤ .. مش هينفع تعتذر كل ....
قاطعتها انتفاضته وهو يسحب نفسه بمقعده للخلف ناظرا إليها بغضب حتى كادت تسقط فوق المكتب لولا أن استندت إلى يديها في آخر لحظة فنظرت إليه بدهشة وهي تهتف :
- في ايه يا أدهم ؟
قال في غضب مكبوت :
- هو ايه اللي في ايه ؟؟ آنسة دينا ده مكان شغل وأنت عارفة كويس إني مش باحب الحركات دي، ومش معنى إننا معارف يبقى تتعاملي معايا كده، سواء في الشغل أو برا الشغل.
شعرت بالغضب فقالت متصنعة الحزن :
- خلاص يا أدهم أنا آسفة، إنت عارف إني باحب ...
صمتت بطريقة مدروسة بعدما قالت كلمتها لينظر لها مرة أخرى باستهجان فأكملت بعد تظاهرها بكتمان مشاعرها :
- بأعزك جدا ومام وداد توtoo ، سو so لازم تيجي لأن كل البيزنس مِن الكبار جايين وأونكل جلال وأنطي فريدة جايين برده.
تطلع إليها لحظة أخرى في صمت غاضب ثم عاد يقلب في الأوراق أمامه معلنا انتهاء اللقاء قائلا في هدوء :
- ربنا يسهل يادينا، اتفضلي على شغلك دلوقتي.
ظلت تنظر إليه لثوان أخرى ثم قامت من أمامه تتهادى في خطواتها مرة أخرى، وهي تعلم أنه لا ينظر إليها مما أغضبها أكثر، خرجت من المكتب وأغلقت بابه خلفها فرفعت (سهام) عينيها إليها في حنق لتجد عينيها المتحديتين كأنها تقول : " أرأيت؟ لا تمنعيني مرة أخرى "، ثم انطلقت عائدة لعملها الذي قلما تقوم به.
في نهاية اليوم عادت لمنزلها لتجد والدتها جالسة في حديقة الفيلا تشرب الشاي وتتصفح إحدى مجلات التجميل باهتمام وما إن لمحتها حتى لوحت لها بيدها ونادتها :
- مام، أنا جيت.
رفعت (ناريمان) عينيها لابنتها ثم ابتسمت وهي تتأملها وردت :
- دونا حبيبة مام، تعالي ياقمر، ايه الجمال ده، أدهم شافك النهاردة كده.
كانت (دينا) تسير باتجاه أمها عندما عبست على مجيء ذكر (ادهم) وهي تجيبها :
- يس مام ، شافني، بس لايك نوثينج like nothing .
مطت والدتها شفتيها باستغراب وهي ترفع أحد حاجبيها قائلة :
- ايه ده بجد يادونا ؟ ليه مش بيشوف ؟ يو آر سو هوت You are so hot .
هزت (دينا) كتفيها في دلال وهي ترد متحسسة جسدها المثير :
- أنا عارفة، مام أنا زهقت بجد، هي إز سو بورينج He is so boaring .
هزت والدتها رأسها يمينا ويسار بمعنى النفي قائلة :
- نو نو يادونا، لازم تكوني صبورة، إنت عارفة تفكير أدهم على الرغم من إنه ابن فيري بس كان متأثر أوي بأخوه آدم وده تفكيره رجعي جدا، ماتستعجليش عشان توصلي.
تأففت (دينا) وهي تنفخ في ملل ثم قالت :
- مام إنت عارفة إني مش هأسيبه، بس النهاردة لاحظت حاجة غريبة.
عقدت والدتها حاجبيها وهي تتساءل :
- لاحظتي ايه يابيبي ؟
هزت كتفيها مرة أخرى وهي تجيب :
- أبدا واحدة لوكال كده بتشتغل عندنا في الشركة بس هو مهتم بيها أوي وآدم كمان، وعلى طول بيشجعوها، رحت له المكتب النهاردة عشان أعزمه ع البارتي بتاعة داد لقيتها دخلت من غير ماتراعي وجودي كأنها في شركتها وهو بيعاملها بطريقة آي ديدنت لايك إت I didn't like it ، ومن برا وأنا مستنياها تخلص كلام معاه على ملف بتشتغل عليه لقيته بيبص لها بطريقة ماعجبتنيش برده، كأن هي لايكس هير He likes her على الرغم من أنها أرملة أصلا وعندها ليتل جيرل Little girl .
صمتت والدتها لثوان وهي تفكر في كلام ابنتها ثم سألتها :
- إنت متأكدة من الكلام ده يادونا ؟ هو فعلا معجب بيها وفي بينهم ريليشن شيب Relationship ولا من خيالك.
أكدت (دينا) بسرعة :
- نو مام أم ديفنتلي شور I'm definitely sure .
ازداد انعقاد حاجبي (ناريمان) وهي تفكر بالأمر في حين قالت (دينا) :
- بس أنا عندي فكرة تخليها تبعد عنه، وانسOnce إنها تتأكد من إن في حاجة بيني وبينه ومش مجرد خطوبة بس لازم تعرف إنها علاقة كاملة، هينزل من نظرها لأنها لوكال أصلا وكمان هتقف عند حدها وتعرف إنه مش بتاعها ده بتاعي أنا ماين Mine .
قالت كلمتها الأخيرة في مزيج من الطمع والغل فتطلعت لها والدتها بإعجاب و ردت :
- نايس يادونا، قولي لي فكرتك.
اقتربت بمقعدها من والدتها وهي تخبرها بفكرتها التي لمعت لها عينيها جشعا وإعجابا بذكاء ابنتها وخبثها، وافقتها أن تضعها حيز التنفيذ عندما يحين الوقت المناسب لها.
********
جاء يوم الحفل، كان يوما صاخبا في منزل (مصطفى) حرصت (دينا) أن يبدو كل شئ كاملا فاخرا، انتقت فستانا باذخا يظهر من جسدها الفاتن أكثر مما يخفي، بدون أكمام مفتوح الظهر ذا لون أحمر ناري أظهر بياض بشرتها النقية، ينسدل على جسدها في نعومة وتظهر منه ساقها اليمنى في إغراء زائد، تركت بعض شعرها الطويل ينسدل على ظهرها الغض ورفعت بقيته ليغفو على جبهتها ووجنتيها في أنوثة، كانت في أبهى صورة، أرادت أن تكون الأجمل والأنثى الوحيدة في المكان، وبالفعل أدارت رؤوس كل الرجال حتى الأجانب وكبار السن، وعلى الرغم منه ولمجرد المجاملة لرجل يقدره ذهب (أدهم) مع عائلته، بدا وسيما للغاية في بذلة سوداء أنيقة، وذقنه غير الحليقة دوما تزيده خشونة ووسامة في أعين الفتيات، عندما دلفوا للمكان أقبلت (دينا) تتمايل حتى يخيل للناظر أنها ستسقط جانبا في أية لحظة تصحبها والدتها التي ارتدت فستانا كاشفا غير مناسب لسنها هي الأخرى، أومأت برأسها لـ (أدهم) فقال :
- إزي حضرتك ياطنط ؟
ثم تطلع لـ (دينا) بنوع من التقزز وبحث بعينيه سريعا عن (مصطفى) حتى وجده فغمغم :
- بعد إذنكم، هاروح أبارك لعمو مصطفى.
وتركهم وانصرف مسرعا كأن شياطين الأرض تطارده، أثار ذلك حنق (دينا) بالطبع وكادت تنفعل لولا أن شدت والدتها على يدها وهي ترحب بباقي أسرته وتصحبهم لطاولة مميزة في المكان، تركتها (دينا) ووقفت تتطلع لـ (أدهم) الذي يقف مع والدها ويبتسم له ابتسامة صافية أحنقتها أكثر حتى شعرت بإصبع يمر على ظهرها العاري في جرأة فانتفضت وسمعت صوتا متخابثا يقول :
- دونا، بتفكري في ايه ؟ ماتحاوليش يابنتي.
أعقبتها ضحكة ساخرة أغاظتها أكثر، فالتفتت لصاحب الصوت تنهره :
- تيام !!
ضحك الشاب الجرئ وجرها من يدها لأحد الأركان وهو يهتف :
- تيام ايه بس، بصي لنفسك، صاروخ أرض جو والحمار الأعمى اللي هتموتي عليه مش معبرك، خليكي مع اللي يقدرك أحسن.
أنهى جملته وهو يضع يديه على خصرها ويجذبها إليه فدفعته بعيدا هاتفة في حنق :
- يووووه تيام قلت لك بطل بقى الهبل ده، والحمار اللي مش عاجبك ده مليونير و هيكون لي يعني هيكون لي.
تراجع خطوة للخلف وهو يتأمل جسدها في جرأة وبعينين نهمتين، أشعرتها نظراته بالتقزز فأدارت ظهرها إليه تتطلع لـ (أدهم) الذي لم تجده حيثما تركته فأدارت عينيها تبحث عنه عندما مرر (تيام) كفه هذه المرة على ظهرها هاتفا :
- دونا ارحمي نفسك يابنتي مش هيعبرك، ده أصلا مابيفهمش.
التفتت تتطلع إليه للحظة في تفكير ثم قالت :
- تيوم كويس إنك لابس أسود عاوزة منك خدمة.
نظر لها في خبث ثم رد :
- امممممم موافق بس بشرط.
تساءلت بملل :
- شرط إيه ؟
هز كتفيه بعد اهتمام وهو يجيب :
- هتيجي الأسبوع ده السخنة معايا، رايحين كلنا والشلة عاوزاكي، هنقضي يومين حلوين وترجعي، قلتي ايه ؟
قالت بسرعة :
- أوك شور Sure هآجي، المهم عاوزاك في حاجة.
وأشارت له ليقترب منها فهمست في أذنيه ببضع كلمات تراجع بعدها وهو ينظر إليها في دهشة هتف بعدها في استغراب :
- ياااه للدرجة دي ؟ عموما نو بروبلم يادونا، هو أنا أطول.
تحركت وهي تقول :
- طيب تمام، هاعمل حاجة وارجعلك .
وانطلقت مسرعة إلى حيث والدتها وأشارت لها بإشارة اتفقتا عليها مسبقا اتجهت بعدها والدتها لطاولة عائلة (الحسيني) وضحكت وهي تتطلع لـ (سارة) قائلة :
- ايه ياسارة، قومي ارقصي مع أي حد، قاعدة هنا مع العواجيز وسايبة الشباب.
ضحكت (فريدة) في حين عقد (جلال) حاجبيه في ضيق وردت (سارة) بهدوء :
- معلش ياطنط، إنتي عارفة إني مش بأرقص غير مع أدهم بس، وهو مشغول مع أصحابه في الحفلة.
ضحكت (ناريمان) مرة أخرى وهتفت بصوت عالٍ :
- ياسلام بس كده، حالا أجيبلك أدهم مع إني شايفة إنك زي القمر وشباب كتير هتجنن عليكي.
أشاح (جلال) بوجهه في ضيق ولم يعلق في حين قالت (فريدة) :
- سارة قومي ارقصي مع أي حد ماتبقيش متخلفة.
رمقها زوجها بنظرة حانقة ثم قال في حزم :
- سارة حبيبتي لو حابة تقومي شوفي أدهم فين وروحي له، مش مع أي حد.
تبادلت (فريدة) و (ناريمان) نظرة غاضبة ولم تعلق أيا منهما عندما كان (أدهم) يقترب من طاولتهم بهدوء فأشارت له (ناريمان) قائلة :
- ايه يا أدهم؟ كده سايب سارة لوحدها وانت عارف انها مش بترقص مع أي حد؟ خدها وارقصوا شوية بدل ماهي قاعدة مع العواجيز كده.
قالتها وغمزت (فريدة) لتضحك كلتاهما مرة أخرى، اقترب (أدهم) من شقيقته وانحنى أمامها مادا يده إليها قائلا بلهجة مداعبة :
- ممكن الأميرة الجميلة تسمح لي بالرقصة دي ؟
ابتسمت (سارة) في سعادة وهي تضع كفها بين أصابعه مجيبة :
- أكيد طبعا.
ثم قاما ليرقصا سويا، أوصت (دينا) مصورو الحفل أن يلتقطوا ما أمكن من الصور لـ (أدهم) أثناء رقصته مع شقيقته واتجهت هي الأخرى لترقص مع صديقها (تيام) بحميمية شديدة أثارت غيرة معظم الرجال في الحفل، وأثارت أكثر ضيق والدها عندما انتبه لها، فاتجه نحوها بغضب لكن زوجته وقفت في طريقه تحادثه في أمر مصطنع لتكمل (دينا) خطتها بنجاح، تركت (دينا) نفسها ليجذبها (تيام) لأحد الأركان الهادئة في الحديقة يتابعهما أحد المصورين ليلتقط لهما صورا عديدة وفيديوهات كما طلبت منه لتنفذ خطتها.
انتهى الحفل ببذخه ونفاقه ومشاعره المصطنعة ومجاملاته الزائدة، وبقيت (دينا) مستيقظة للفجر تثرثر مع والدتها عن نجاح الجزء الأول من خطتها بدون جهد يذكر، وتنتظر الصباح لتكمل باقي الخطة.

***********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:25 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:59 AM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الحادي عشر

*************

في اليوم التالي للحفل حصلت (دينا) على صورها مع صديقها وصور (أدهم) مع شقيقته، تأملت الصور جيدا بعين دقيقة واختارت منها خمس صور ونقلت الفيديو الخاص بها لهاتفها، ارتدت ملابسها واتجهت بعدها لسيارتها مارة بوالدتها الجالسة في الحديقة فانحنت لتقبلها من وجنتها قائلة :
- مام، هاروح لبوسي عشان اتفق معاها تظبط الصور، سي يو See you .
بادلتها والدتها القبلة وردت مبتسمة :
- أوك يادونا، سي يو تو، ابقي قولي لي الأخبار.
انطلقت خارجة من الفيلا وهي تلوح بيدها هاتفة :
- شور مام، باي.
قادت سيارتها حتى وصلت لحي راق، توقفت أما إحدى الفيلات الأنيقة به وهي تهاتف صديقتها وسرعان مافتحت بوابة الفيلا لتدلف إليها بالسيارة، ترجلت منها واتجهت لباب الفيلا الذي فتح قبل أن تصل إليه وظهرت على عتبته فتاة قصيرة نوعا رقيقة الملامح ترتدي ملابس منزلية قصيرة وترفع شعرها الناعم على شكل ذيل الحصان، مدت ذراعيها لـ (دينا) التي اقتربت منها لتمسك بيديها وتتبادلان قبلتين في الهواء وهي تهتف :
- دوني مش ممكن، أخيرا افتكرتيني، أكيد وراكي كارثة.
قالتها وضحكت فبادلتها (دينا) الضحك وقالت وهما تدخلان للفيلا :
- كارثة كبيرة يابوسي، عاوزة منك بيج فيفر Big favor .
قادتها (بوسي) لغرفتها بالطابق العلوي للفيلا وهي تتساءل :
- شور يادوني.
ثم جلستا على مقعدين كبيرين في غرفتها مكملة :
- ها، واتس يور بيج فيفر What's your big favor ؟
أخرجت (دينا) من حقيبتها الصور الخاصة بها وبـ (أدهم) و أوضحت :
- بما إنك أشطر ديزاينر شفتها عاوازكي تظبطي لي الصور دي.
التقطت منها الصور وتطلعت إليها ثم رفعت حاجبيها في دهشة متسائلة :
- ايه ده ؟ ده أدهم ؟ وايه اللي انت عاملاه مع تيام ده يامجنونة إنت؟
اقتربت منها (دينا) وهي تجيب :
- أيوة أدهم، هابقى احكي لك بعدين المهم عاوزاكي تظبطي الصور بحيث صور أدهم مع سارة أبقى أنا مكانها وصور تيام معايا يبقى أدهم مكانه، ها هتعرفي تعمليهم كويس ولا أدور لى على حد تاني؟
نظرت لها باستخفاف قائلة :
- ايه السؤال الاهبل ده ؟ طبعا أعرف، بس قبل مااعمل حاجة عاوزة اعرف التفاصيل.
تأففت (دينا) وهي ترد :
- طيب هاحكي لك وانت بتشتغلي لي عليهم.
قامت (بوسي) متجهة لمكتب في أحد أركان الغرفة لتعمل على تعديل الصور وهي تقول :
- طيب يلا، شكلك مستعجلة.
جلستا تثرثران أثناء تعديل الصور حتى انتهت المهمة فهتفت (بوسي) :
- يامجنونة يا دينا، كل ده عشان أدهم، ومين دي أصلا اللي تعمل لك قلق؟
أجابت (دينا) بحقد :
- حتى لو مفيش منها خوف، إنت عارفة إني مش باحب اسيب حاجة متعلقة أو ممكن تعمل مشكلة بعدين، لازم أزيحها من طريقي بأي شكل.
تساءلت (بوسي) :
- طيب مش خايفة أدهم يعرف وتبقى مشكلة ؟
هزت كتفيها بلامبالاة وهي تجيب :
- وايه اللي هيعرفه؟ مااعتقدش انها ممكن تقوله ولا سهام حتى تفتح معاه موضوع زي ده، ده عاملهم فيلم رعب يابنتي في الشركة.
ثم ضحكت بسخرية، ثم أكملت بكره :
- أدهم ده بتاعي وبس واللي تفكر تقرب منه نهايتها على ايدي.
شعرت (بوسي) بنوع من القلق لكنها لم تعلق وتركت (دينا) تلملم أشياءها وترحل عائدة لمنزلها، بعد وصولها اتجهت من فورها لوالدتها وجلستا تشاهدان التعديلات التي قامت بها صديقتها على الصور لتتحول تماما لشكل مختلف أعجب والدتها للغاية حتى أنها واتتها فكرة جديدة تزج بـ (أدهم) نفسه بالأمر وتجبره على الزواج من ابنتها، فكرت بعرض الصور على والدة ووالد (أدهم) ليجبره والده على الزواج من ابنتها لكن الأفعى الصغيرة لم تعجبها الفكرة، لم تكن تريده مجبرا خاصة أنه سيكذب الأمر، كانت تريده مدلها بحبها عاشقا ذابلا يجري خلف تراب قدميها مقبلا، فصمتت والدتها على مضض وتركت لها محاولة جذبه إليها.

********
في اليوم التالي اتجهت (دينا) لعملها بالشركة واختارت وقتا تعلم فيه بوجود (جمانة) في مكتب (أدهم) لتتجه إليه وتقابل (سهام) لتكمل خطتها، ارتدت في ذلك اليوم ملابس مثيرة ضيقة، كانت تعلم أن (أدهم) لن يراها فلم يهمها، كل ما كان يشغل بالها هي (جمانة) ومدى تأثير فتنتها عليها والصور التي ستجبرها على مشاهدتها، دلفت لمكتب (سهام) لتجدها منكبة على عدة أوراق أمامها تطالعها في اهتمام، اقتربت منها في هدوء ثم رسمت ابتسامة ود مصطنعة على شفتيها وهي تقول :
- سيمو إزيك؟
هتفت (سهام) بداخلها "أصبحنا وأصبح الملك لله" ثم رفعت رأسها تنظر لـ (دينا) وما إن لمحت ماترتديه حتى عقدت حاجبيها في ضيق ظهر واضحا على صوتها وهي :
- أهلا يادينا الحمد لله، باشمهندس أدهم مشغول بالمناقصة الجديدة ومنتظر دكتور آدم و مدام جمانة.
اتسعت ابتسامة (دينا) وعلقت :
- لا لا أنا مش جاية لأدهم، أنا جاية أقعد معاكي شوية وافرجك على صور حفلة دادي من يومين، كنت عاوزاكي تيجي طبعا بس أنا عارفة إنك مش بتسهري وباباكي بيتضايق مش كده.
شعرت (سهام) بالغيظ من تكلف (دينا) وتصنعها وإدعاءها وجود صداقة بينهما لكنها قالت بهدوء :
- معاكي حق طبعا يادينا، بابا راجل محافظ جدا.
وضغطت على كلمتها الأخيرة لتغيظها لكنها لم تهتم، بل فتحت حقيبتها وهي تخرج منها عدد من الصور وتجذب كرسي لتجلس بجوارها قائلة :
- تعالي بقى وقولي لي رأيك في فستاني، ماليش صحاب هنا غيرك ياسيمو وباتبسط معاكي.
ابتسمت (سهام) مجاملة وهي تعلم كذب (دينا) الواضح، التقطت منها الصور لتشاهدها عندما دلفت (جمانة) للمكان وهي تحمل ملفا ضخما في يدها باهتمام وما إن لمحتهما حتى ابتسمت كعادتها وألقت السلام الذي ردته (سهام) بحبور واكتفت (دينا) بإيماءة من رأسها قالت بعدها :
- إزيك ياجمانة؟ تعالي شوفي الصور دي، كانت بارتي حلوة أوي في الفيلا عندنا عشان دادي مضى عقد جديد مع شركة انجليزية كبيرة، كان نفسي تكونوا كلكم موجودين.
احتفظت (جمانة) بابتسامتها وتساءلت :
- سهام هو دكتور (آدم) جه ولا لسه ؟
ردت (سهام) :
- لا لسه.
(جمانة) بابتسامتها الصافية :
- طيب خليني أشوف الصور معاكي.
واتجهت تجلس بجوراها لتشاهدا الصور سويا، كان البذخ واضحا في كل صورة، من ديكورات الحفل للبوفيه الخاص بها حتى ماترتديه النساء ويتأنق به الرجال، فجأة في أثناء تقليب الصور ظهرت صورة تجمع بين (دينا) و (أدهم) وهو يراقصها بحميمية شديدة، حيث يظهر ظهرها ووجهه للصورة، هي تضع رأسها على كتفه، يتلاحم جسديهما بطريقة غير لائقة، ويداه مستقرتان على أسفل ظهرها العاري، تراجعت كل من (سهام) و (جمانة) في نوع من الصدمة، صدمة لرؤية صورة كهذه بهذا النوع من الجرأة والتبجح ولرؤية رئيسهما الصارم الذي تكنان له كل احترام بهذا الشكل الغير لائق على الإطلاق، تطلعت (دينا) إليهما ولـ (جمانة) بالتحديد في شماتة ومالت تتطلع للصور متسائلة باهتمام مصطنع :
- ايه مالكم يابنات في ايه ؟
ثم أصدرت صرخة اعتراض مستنكرة وهي تنظر للصورة، جذبتها من يد (سهام) وهي تتظاهر بالإحراج قائلة :
- ياخبر، معلش دي صورتي انا وأدهم مش صور تبع الحفلة، للأسف المصور لقطها مخصوص وقالي كنتو تحفة مع بعض، قلت هاخليها عشان أدهم يشوفها بعدين.
وما إن سحبتها حتى ظهرت أسفلها صورة أكثر إثارة للاشمئزاز تجمع بينها وبين (أدهم) في وضع لا يليق مطلقا حتى أن (جمانة) أطلقت شهقة واتسعت عينا (سهام) في تقزز، وعندما تأكدت (دينا) من رد فعلهما اصطنعت هي الأخرى شهقة مصحوبة بخجل لا يليق بها وهي تهتف :
- ياخبر، مش ممكن ايه جاب الصور دي هنا بس؟
تطلعت إليها الفتاتان في صدمة وهي تسحب الصورة لتظهر أخرى أسفلها مشابهة لها لتعود فتهتف :
- ياربي مش ممكن، المصور ده كان مستقصدني أنا وأدهم بقى.
ألقت إليها (سهام) كالملسوعة ببقية الصور وهي تهتف بنوع من القرف:
- كفاية كده خدي الصور يادينا.
تظاهرت بالأسف وهي تلمح الشرود يرتسم على وجه (جمانة) و ردت :
- أوه، سوري يابنات، مش كان قصدي تشوفوا الصور دي، لأن دي حاجة تخصني أنا وهو بس، عموما في فيديوهات برده للحفلة لازم تشوفوها، معايا اتنين ع الفون بجد نفسي أعرف رأيكم في ستايل الحفلة والثيم اللي اخترته، كله كان ذوقي.
ثم أمسكت بحقيبتها باحثة عن هاتفها والفتاتان تتطلعان لبعضهما البعض في صمت، أخرجت هاتفها وفتحته، قامت بتشغيل أحد الفيديوهات وناولته لـ (سهام) التي نظرت إليه بلامبالاة، كان الفيديو ينقل ديكورات الحفل والكاميرا تجوب وجوه الحضور وتلتقط صورهم، حتى ظهرت (دينا) من بعيد يجذبها شخص ما يرتدي بذلة سوداء لأحد الأركان الهادئة في الحديقة وهي تضحك بدلال بدا واضحا، ويبدو أن المصور قد أعجب بها وكيف لا وهي تبدو كفتنة مجسمة تسير على قدمين فقام بتقريب الصورة مظهرا تفاصيل فستانها من أسفل لأعلى ومركزا على مابداخل الفستان من جسد مثير، حتى دخل صاحب البذلة السوداء بين عدسة الكاميرا المقربة وبين جسد (دينا) وهو يضمها إليه ويقبلها وتبادله هي القبلة في شغف، كان ظهر الرجل هو الواضح للكاميرا في حين تلتف ذراعاها حول عنقه ويحيط هو جسدها بذراعيه، ما كان من (جمانة) بعد أن رأت المشهد حتى قامت من مقعدها تنظر إليها بنوع من التقزز بدا واضحا في عينيها، في حين تظاهرت هي بالبرود وعدم الفهم وتساءلت :
- مالك ياجمانة، مش هتكملي الفيديو؟
ثم مالت تنظر للهاتف في يد (سهام) والكاميرا لازالت تظهر المشهد ثم تراجعت وهي تشهق وتخطف الهاتف من (سهام) وتهتف بذهول مفتعل :
- مش ممكن، الفيديو ده انا ماشفتوش قبل كده، المصور ده بيستهبل، مركز معايا أنا وأدهم أوفر أوي لدرجة يصور حاجة زي دي بيننا، أنا هاوديه في داهية.
تطلعت إليها (جمانة) في صمت وهي تستغفر ربها بقلبها في حين قالت (سهام) وملامح الصدمة تبدو على وجهها :
- دي حاجة تخصكم يادينا، ماكانش المفروض حاجة زي دي نشوفها إنتم أحرار مع بعض.
ردت في أسف :
- أكيد ياسهام معاكي حق، بس مش عاوزاكم تاخدوا فكرة وحشة عني أو عن أدهم، أحنا في حكم المخطوبين ومهما حصل بينا ولأي درجة فده بسبب الحب، غصب عننا حتى لو اتصرفنا بطيش.
فهمت الفتاتان تلميحها وشعرت (جمانة) بالضيق يكاد يخنقها ولم تدري له سببا، ظهر الاشمئزاز واضحا على ملامحها مما جعل (دينا) تتأكد من نجاح خطتها تماما، فقامت تلملم الصور عندما دخل (آدم) المكتب وفوجئ بوجود الثلاثة فقال :
- السلام عليكم، إزيك ياجمانة؟ عاملة ايه ياآنسة سهام ؟
وتطلع لـ (دينا) وملابسها بتساؤل وضيق ظهر جليا في لهجته وهو يتساءل :
- حضرتك بتشتغلي معانا في الشركة ؟
تطلعت إليه باستخفاف وقالت :
- ايه إنت مش فاكرني يا آدم ؟
استنكر (آدم) مخاطبتها له بتبسط هكذا مما دفعه ليعقد حاجبيه مجيبا في حزم :
- لا للأسف مين حضرتك ؟
اقتربت منه ووقفت أمامه كأنها تستعرض مفاتنها قائلة :
- أنا دينا، مش معقول تكون نسيتني.
تساءل :
- دينا بنت عمو مصطفى ؟
أومأت برأسها إيجابا وشعرت هي بالنصر كأنها تقول لـ (جمانة) : أرأيت نحن عائلة فلا تتدخلي بيننا، في حين ردد (آدم) :
- دينا؟ وبتقولي لي آدم كده عادي ؟ مفيش أونكل ولا حتى آبيه ؟ فرق السن بيننا أكتر من 13 سنة ولما سافرت كنت شبه طفلة.
ردت بسخرية :
- وماله يا أونكل، سي يو.
وتخطته مغادرة المكان بسرعة، كان الوجوم مرتسما على ملامح كل من (سهام) و (جمانة)، بعد انصراف (دينا) اتجهت (جمانة) لـ (آدم) وقالت وهي تناوله الملف الذي تحمله :
- اتفضل يادكتور آدم ده الملف، ظبطت التعديلات زي مااتفقنا وضفت شوية حاجات ياريت تطلع عليها مع الباشمهندس أدهم وتبلغوني لو محتاجة تظبيط أكتر، بعد إذنك.
وتخطته هي الأخرى لتغادر المكتب بخطوات سريعة وهو يتطلع إليها بدهشة، ثم التفت لـ (سهام) متسائلا :
- آنسة سهام هو ايه اللي حصل ؟ مالها جمانة ؟ هي دينا زعلتها ؟
هزت (سهام) كتفيها بلا داعي وردت بسرعة :
- لا لا، يمكن نسيت حاجة أو تعبانة.
تطلع إليها (آدم) محاولا فهم ما يدور حوله لكنه لم يصل لشيء فأومأ برأسه، واتجه لمكتب (أدهم)، طرق الباب ثم فتحه ودخل، فرفع (أدهم) رأسه إليه وابتسم مرحبا وعندما لاحظ أنه وحده تساءل :
- أمال مدام جمانة فين ؟
هز (آدم) كتفيه في عدم فهم وأجاب :
- رجعت مكتبها مش عارف مالها، لما جيت كانت قاعدة برا مع الآنسة سهام ودينا بنت عمو مصطفى ولما شافتني ادتني الملف وقالت لي أراجعه معاك وطلعت تجري من قدامي زي مايكون في عفريت بيجري وراها .
عقد (أدهم) حاجبيه وهو يتساءل :
- مع دينا ؟ ودينا كانت برا بتعمل ايه ؟
رد (آدم) بهزة أخرى من كتفيه :
- مش عارف، يلا نشوف اللي ورانا عشان عاوزين نخلص من المناقصة دي على خير باقي أسبوع بس وتنتهي وعاوزين نلحق نقدم عرضنا.
صمت (أدهم) لحظات أخرى ثم أومأ برأسه وهو يشعر بالحيرة ثم يبدأ العمل مع أخيه على الملف.
وفي الخارج رمت (سهام) بجسدها على كرسيها وتنهدت بضيق، كانت تشعر بحزن على رب عملها، ذلك الرجل الصارم الحازم الذي اعتقدته دوما مثالا للأخلاق والانضباط تجده بهذه الصورة التي أسقطته من البرج العالي الذي أنشأته له وجعلت إقامته فيه، كانت تعتبره كأخ أكبر يعتمد عليه أكثر من مجرد رئيسها، تراجعت للخلف في مقعدها وهي تجول بعينيها في المكتب في ضيق ثم التقطت منديلا تمسح به وجهها ومالت تلقيه في سلة القمامة أسفل مكتبها عندما وقعت عيناها على تلك الصورة، أول صورة تجمع بين (أدهم) و (دينا) أثناء رقصهما سويا، التقطتها وتطلعت إليها لحظة بقرف شديد ثم ألقتها داخل أحد أدراج المكتب حتى تعيدها لـ (دينا) في وقت لاحق.

********
يبدو أن اليوم لم يكن لينتهي بسهولة فلا يكفي الضيق الذي تعرضت له صباحا حتى لاحقها غيره، أثناء عودة (جمانة) من عملها في سيارتها وهي تقودها شاردة حزينة لا تدري سببا لحزنها علا صوت هاتفها ليخرجها من شرودها، التقطته وتطلعت لاسم المتصل لتجده والدتها، شعرت بالقلق الشديد ودعت الله أن يكون خيرا، أوقفت سيارتها إلى جانب الطريق وأعادت الاتصال بوالدتها التي أخبرتها أن أخا زوجها الأكبر سيأتي لزيارتهم الليلة لأمر هام، شعرت (جمانة) بالقلق أكثر ولم تدري ما تفعل سوى الانتظار حتى يحين الموعد المنشود، بعد صلاة المغرب وصل الضيف ورحبت به والدتها :
- أهلا ياحاج عبد الرحمن اتفضل، منورنا والله.
رد (عبد الرحمن) :
- البيت منور بأصحابه يا حاجة أم لميا.
قدمت إليه كوبا من العصير البارد قائلة :
- اتفضل ياحاج، دقيقة وجمانة هتيجي.
التقط منها الكوب وهو يرد :
- تسلم ايدك ياحاجة.
رشف منه رشفة عندما دخلت (جمانة) وهي تصطحب صغيرتها (ملك) لتسلم على عمها، ألقت السلام وقالت مرحبة :
- إزيك ياحاج عبد الرحمن وإزي الجماعة في البلد؟ يارب تكونوا كلكم بخير، سلمي على عمو ياملوكة.
ابتسم الرجل ومد يده للصغيرة التي شعرت بالرهبة فالتصقت في أمها فحثتها لتسلم عليه قائلة :
- عمو ياملك أنا عارفة إنك ماشفتيهوش من زمان.
ثم التفتت معتذرة :
- معلش ياحاج، أصلها خجولة شوية.
ظل محتفظا بابتسامته وهو يرد :
- معلش يا أم ملك بكرة تتعود علينا.
تلاقت نظراتها مع والدتها في تساؤل ثم قالت لـ (ملك) :
- طيب ياملوكة روحي العبي في اوضتك شوية واتفرجي ع التي في .
خرجت (ملك ) مسرعة من الغرفة وكأنها خائفة من أمر ما، في حين قال الحاج في حزم :
- ندخل في الموضوع على طول يا حاجة أم لميا، أنا جاي أطلب إيد أم ملك لأخويا كمال، وطبعا هيكون لها بيتها ومهرها وكل اللي تطلبه زيها زي أي عروسة بنت بنوت وأحسن كمان.
اتسعت عينا المرأتين في ذهول لطريقته أولا ثم لطلبه، لم تستطع (جمانة) الكلام أما الأم فهتفت :
- إنت بتقول ايه ياحاج ؟ كمال أخو حسام الله يرحمه اللي متجوز من سنين؟
أفاقت (جمانة) من الصدمة على كلمات والدتها المستنكرة فسألت هي الأخرى :
- ايه اللي انت بتطلبه ده ياحاج عبد الرحمن؟ حضرتك بتتكلم جد ؟
رفع الحاج حاجبيه في استهجان وهو يجيب :
- أمال جاي من السفر عشان أهزر معاكي يا أم ملك؟ وبعدين ياحاجة أم لميا فيها ايه لما يكون متجوز في الشرع يحق له مثنى وثلاث ورباع المهم يعدل بينهم وكمال أخويا مقتدر ويفتح بيتين و تلاتة.
شعرت (جمانة) أنها لو تحدثت فستقول كلاما ثائرا خارجا عن حدود اللياقة فاحتفظت بفمها مغلقا وتركت لوالدتها دفة الحديث، ردت الأم وهي لاتزال مندهشة وخاصة بعدما قاله الحاج :
- ياحاج هي مسألة مقتدر ولا لا ؟ إنت عاوز بنتي تبقى زوجة تانية وعلى ضرة ؟ لا ياحاج اللي ماارضاهوش لبنتي ماارضاهوش لغيرها.
رد الحاج :
- ومالها الزوجة التانية ياحاجة إذا كانت بشرع ربنا ولسبب، مرات أخويا عاملة زي الأرض البور مابتخلفش، متجوز من أكتر من ست سنين ولا حبلت ولا مرة، وأم ملك أهي ماشاء الله زي الفل بعد كم شهر كانت حبلة وجابت العيل وعقبال ماتجيب لكمال إن شاء الله.
ازدادت صدمة (جمانة) ودهشة والدتها من أسلوب (عبد الرحمن) وطريقة كلامه، وعندما حاولت والدتها الرد أشارت لها بالصمت فقد شعرت (جمانة) أنها لا تعبر جيدا عما بداخلها فاجتهدت في انتقاء كلماتها وهي تقول بأكبر قدر أمكنها استحضاره من الهدوء في صوتها :
- يا حاج اللي بتقوله ده ماينفعش، حتى لو حضرتك بتدور على واحدة عشان الولاد لأخوك أنا ماانفعش، الأولاد دول رزق ونعمة زيهم زي أي حاجة تانية لما ربنا بيريد إنها تحصل بتحصل وفي الوقت المناسب ليها لا قبل ولا بعد، وكون إننا نلف وندور عشان ناخد رزق مش مكتوب لنا ده مفيش منه أي فايدة، ده بالاضافة إني مستحيل أقبل اكون زوجة تانية، ده أولا، ثانيا بقى أنا مش هأتجوز بعد حسام الله يرحمه والموضوع منتهي بالنسبة لي من زمان فياريت ياحاج تخلينا أهل أحسن وبلاش نزعل من بعض إنتم أهل حسام وأعمام بنتي ويهمني وجودكم في حياتها، أعمامها وبس ياحاج لأن ماحدش هيحل محل أبوها.
تطلع إليها الرجل في صمت بعدما أنهت حديثها وبدا أنه يفكر في أمر ما جعله يقول بعدها ببطء وكأنه يزن كل حرف قبل أن ينطق به :
- يعني إنت مش عاوزة ترجعي تبقي واحدة من العيلة تاني يا أم ملك ؟
استغربت سؤاله وطريقة تفكيره وتفسيره لرفضها بهذا الشكل وبدا ذلك واضحا في كلامها عندما ردت :
- ياحاج أنا دايما هافضل جزء من عيلة حسام الله يرحمه، اللي بينا مش بس نسب ده صلة دم وملك بنتكم وهتفضل دايما منكم.
قال بنفس اللهجة :
- طيب يا أم ملك احنا مش هنغصبك على حاجة إنت مش عايزاها طبعا، بس في حاجة تانية تهمنا وكانت هتفضل لنا بجوازك من كمال.
تطلعت إليه في تساؤل وشعرت بنوع من الإهانة في كلامه لها كامرأة فاستطرد :
- أرضنا .. ورث حسام أخويا الله يرحمه من أرضنا، ماينفعش تبقى لحد تاني والأرض عندنا مابنملكهاش لحريم، وطبعا لو اتجوزتي يبقى الأرض بقت لجوزك وده مستحيل نوافق عليه.
وللمرة الثانية تشعر هي ووالدتها بالصدمة، لتفكيره ولكلامه الذي يختاره بعناية ليعبر به وكأنه يبغي إهانتهما عن عمد، ألجمت جملته (جمانة) فلم تستطع الرد أما والدتها فقالت بعصبية :
- ياحاج انا مش عارفة أقولك ايه، إنت جاي النهاردة عشان تهيننا، شوية عاوز تجوزها لأخوك وشوية تانية الأرض ومابنملكش لستات وكلام مالوش أي لازمة، الأرض ياحاج اتوزعت بشرع ربنا على ملك ومامتها وعليكم ونصيب ملك منها مامتها وصية عليه وده ملكهم بالشرع والقانون وماحدش يقدر ياخده منهم.
كان أبرد من الثلج وهو يرد :
- ياحاجة أنا لاقصدي إهانة ولا حاجة ماتفهمونيش غلط، كل مافي الموضوع إن طلبي لإيد أم ملك لأخويا كمال كان عشان الذرية والأرض ولما هي رفضت يبقى نتكلم في اللي يهمنا اللي هي الأرض، إنتم الأرض ماتفرقش معاكم في حاجة إنما عندنا أهم من الولد ومابنفرطش فيها أبدا، وأنا مش جاي لا سمح الله أقولكم هاخدها منكم، لو مفيش جواز يبقى تبيعوها لنا وتاخدوا فلوسها تعملوا بيها اللي انتم عايزينه، ها قلتوا ايه ؟
كانت (جمانة) لا تزال تعاني أثر الصدمة لكنها تبادلت نظرة مع والدتها لترى فيما تفكر ثم أجابت بصوت لا يكاد يسمع :
- طيب ياحاج أنا ماعنديش مانع، حضرتك تقدر تشتري الارض وقت ماتحب مادام هي اللي تهمك ونفضل عيلة واحدة من غير مشاكل.
ظهر الارتياح جليا على وجهه ثم ابتسم وقال :
- كويس حيث كده نبقى متفقين، السيولة اللي معانا دلوقتي قليلة ع الارض شوية بس احنا عيلة والكلام ده مايفرقش بيننا وعموما في أي وقت لو احتجتوا حاجة احنا تحت أمركم.
سألته الأم بسرعة قبل أن تتكلم (جمانة) :
- بكام ياحاج ؟
ظهر بعض التوتر على ملامحه لكنه أجاب بهدوء :
- تلتميت ألف جنيه.
كادت (جمانة) أن ترد بالموافقة لكنها والدتها أمسكت بيدها وقالت قبل أن ترد مرة أخرى بشئ من الحدة :
- إزاي الكلام ده ياحاج؟ الأرض دي ماتقلش عن مليون جنيه، دي أرض غنية وكبيرة إنت كده بتاكل مال اليتيم ياحاج.
تطلعت إليها (جمانة) في دهشة ثم هتفت :
- ماما !
صاحت الأم بحدة أكبر :
- بس ياجمانة إنت كمان بتستهبلي ولو فرطتي في حق بنتك وحقك ربنا هيحاسبك ...
ثم التفتت للرجل مكملة :
- حرام كده ياحاج عبد الرحمن، مش كفاية الملاليم اللي بتبعتوها لنا كل موسم على انها إيراد الأرض كمان عاوزين تاخدوها مننا بالقوة وبتراب الفلوس، هي وصلت لحد كده ياكبير العيلة ؟
ازداد توتر الحاج لكنه لم يتراجع وقال :
- والله ده اللي عندي ياحاجة، انتم رفضتوا الجواز وكده كان هيبقى لها اكتر كمان من اللي ليها دلوقتي، يبقى خلاص أرضنا مادام ماتهمكوش في حاجة ناخدها واحنا أولى بيها وماقلناش ببلاش دي بتمن حلو أوي.
ظلت الأم ضاغطة على يد ابنتها لتمنعها من الكلام وهي ترد بعصبية شديدة :
- خلاص ياحاج لا جواز ولا بيع، الأرض بتاعتنا وهتفضل بتاعتنا ومش عاوزين منكم حاجة غير الايراد بتاعها وخلاص.
قابل الرجل عصبيتها ببرود وقال بحزم :
- لا ياحاجة ماهينفعش الكلام ده، بنتك لو اتجوزت يبقى ارضنا ضاعت مننا، ايه اللي يضمن لنا إنها ماتديهاش لجوزها ولا تبيعها لأي حد عشان تاخد فلوسها وتجيب لنا شريك في أرضنا، يا جواز يا حاجة يا تبيعوها لنا.
كان رد الأم حازما صارما :
- لا ياحاج لا جواز ولا بيع وورينا هتعمل ايه ؟
تطلعت (جمانة) لوالدتها في دهشة فهي ترى منها جانبا لم تره من قبل، جانبا قويا حازما أشعرها بالأمان في كنفه لكن كلمات الرجل التالية هوت بها أرضا في عنف بعد الأمان الذي شعرت به لوهلة، فقد قال ببرود :
- في حل تالت ياحاجة بس مش هيعجبكم أكيد، بنتنا تيجي تعيش معانا ونشتري نصيب أمها وبس وأهي تعيش مع عمها وتعوضه الذرية ولما تكبر تتجوز حد من العيلة ويبقى أرضنا لينا وزيادة.
كانت هذه هي الضربة القاصمة التي كانت الأحق بالنصيب الأكبر من الدهشة والصدمة ترجمتها (جمانة) وهي تشعر بقلة الحيلة في سؤال خافت :
- قصدك ايه ياحاج ؟
أجاب في حزم :
- قصدي أبقى انا الوصي على ملك وأهو أنا عمها وأولى بيها من جوز أمها.
صرخت (جمانة) في وجهه :
- جوز مين ياحاج ؟ انت عمال تتكلم من ساعة ما قعدت وكلامك كله إهانة وافتراضات ماحصلتش ولا هتحصل وعمال تبني عليها أوهام وتصدقها.
ثم هبت واقفة وهي تكمل في حدة :
- شوف ياحاج، بنتي هتفضل معايا وماحدش ممكن يقرب لها وإلا نهايته هتبقى على ايدي ، والأرض هتفضل بتاعتنا وجواز مفيش لا من كمال ولا من غيره.
قال في برود غير مبال بصراخها :
- يبقى بينا وبينك المحكمة يا أم ملك وبنتك هتبقى معانا في أقرب وقت ممكن حتى لو علمنا ايه عشان ناخدها، مادام الفلوس مهمة عندك أوي كده يبقى إحنا نتصرف ونحافظ على أرضنا بمعرفتنا.
ثم قام يلملم عباءته ويرفعها على كتفه متجها لباب المنزل، توقف مرة أخرى والتفت إليهما قائلا :
- فكري تاني يا أم ملك وشوفي مصلحتك ومصلحة بنتك فين بالعقل.
ثم انصرف تاركا جبل الصمت يتهدم على رأسيهما، بعد خروجه انهارت (جمانة) على مقعدها ولم تدري ماتفعل سوى البكاء، كانت دموعها سياطا تنهال على قلب والدتها لتمزقه فاقتربت منها وضمتها بين ذراعيها ثم همست وهي تربت عليها :
- ماتخافيش ياجمانة ماحدش يقدر يعمل حاجة ولا ياخد ملك مننا.
هتفت من بين دموعها :
- أنا تعبت يا ماما، تعبت أوي وقلبي وجعني أوي، اتحرمت من أكتر حد حبيته ودلوقتي بيهددوني يحرموني من الحاجة اللي اتبقت لي منه، وعشان الفلوس، خلاص خليهم ياخدوا الارض ولو ببلاش مش عاوزاها المهم بنتي تفضل في حضني، يااااارب.
ظلت الأم تربت على كتفها وقالت محاولة تهدئتها :
- ياجمانة مايقدروش يعملوا حاجة، لو اتنازلتي عن حقك انت حرة لكن كمان ده حق بنتك اللي انت مسئولة عنه قدام ربنا، ماتخليهوش يضيع منك وحافظي لها عليه.
بكت أكثر وهي ترد :
- حق ايه يا ماما ؟ دول عاوزين ياخدوها نفسها، ربنا عالم بحالي وعارف اني هاعمل كده غصب عني، المهم بنتي تفضل معايا.
أخذت والدتها نفسا عميقا تطفئ به النار المستعرة في جوفها ثم قالت مرة أخرى :
- جمانة ماتتسرعيش، مش من حقهم ياخدوها وأعلى مافي خيلهم يركبوه، أنا هاكلم لميا وأخليها تيجي ونشوف القانون في صف مين، صدقيني ما يقدروش، اوعي تضعفي وتتنازلي عن حقك وحق بنتك أبدا وكلنا معاكي ماتخافيش.

استكانت بين ذراعي والدتها وإن لم تكف دموعها عن الانهمار أويسكن قلبها عن الوجع .

*******************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:48 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:07 AM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثاني عشر

************

جلست تتأمل زوجها النائم في حزن، لكم ودت أن يشعر بها أو يفكر في قلبها المنهك والمحمل بالأثقال كما يفكر في نفسه وفي أبوته المكتسبة، والتي يظنها ضائعة، لم تدر ما تفعل لكنها أرادت أن ينتهي الأمر وتوشم الحروف بنقاطها، أن يسيل دم قلبها الذبيح في صدرها حتى تنهض من رماد نفسها المحترقة مرة أخرى بعيدا عنه، بعيدا عن حب ظنته يوما يستحقه، وقلب دفن نفسه بين ضلوعه هو ليطعنه في النهاية بغدر، قررت أن تفاتحه في الأمر لكنها مشتتة بين اليوم وغد وبعد غد ومستقبل بعيد، مشتتة بين تناسي الأمر وتجاهله وبين إيقافه عند حده وإنهائه، رن هاتفها فجأة مقاطعا نهنهات محبوسة بين ضلوعها فالتقطته سريعا لتكتم أنفاسه كما هي مكتومة في صدرها وتطلعت لاسم المتصل لتجد (جمانة)، عقدت حاجبيها في قلق فقد تأخر الوقت، خرجت من الغرفة متجهة لمكتبها وهي تفتح الخط لتجيب شقيقتها :
- السلام عليكم، خير ياجمانة في حاجة ؟
أتاها صوت شقيقتها الباكي ترد :
- الحقيني يا لميا هياخدوا مني ملك.
ردت بسرعة شاعرة بالصدمة :
- اهدي بس وفهميني مين دول اللي هياخدوها ؟ ماتخافيش ياحبيبتي.
أتاها الصوت الدامع يمزق نياط قلبها :
- أهل حسام، عاوزين ياخدوها عشان ميراثها من أرض باباها، الحقيني يا لميا.
تطلعت للساعة أمامها لتجدها تخطت منتصف الليل بدقائق فقالت بحنان :
- خلاص خلاص اهدي ياجمانة انا جايالك حالا، ماتخافيش ياحبيبتي ماحدش هيقدر ياخدها منك طول ما أنا موجودة، اهدي بقى وماتوجعيش قلبي عليكِ.
سمعت صوت شقيقتها تهدأ قليلا وبدا وكأنها تمسح دموعها بكفيها شعرت بالحنان يغزو قلبها فقالت :
- معلش ياحبيبتي أنا مسافة السكة وأكون عندك إن شاء الله.
ردت (جمانة) بصوت أكثر تماسكا :
- لا خلاص يالولو، خليكي للصبح ماتخرجيش لوحدك دلوقتي أنا بس كنت خايفة وعاوزة أفضفض ولما سمعت صوتك حسيت بالأمان.
علت ابتسامة شفتيها وهي تجيبها :
- لا ياقلب لولو ماتخافيش علي، أنا جاية أهو، يلا سلام مؤقت.
أغلقت الخط وهي تحمد الله أن أرسل إليها ما يشغل بالها ويؤخر المواجهة بينها وبين زوجها ولو لساعات، ارتدت ملابسها على عجالة واتجهت نحوه، قبلت رأسه بحنان وهي تداعب شعره هامسة :
- أحمد، أحمد ؟
فتح عينيه بصعوبة وتطلع إليها بنصف عقل فهمست ثانية :
- معلش ياحبيبي، جمانة كلمتني ومنهارة، عندها مشكلة كبيرة مع أهل حسام الله يرحمه، أنا هانزل أروح لهم وهابيت هناك النهاردة، ماشي يا أحمد ؟
لم تشعر به مهتما لكنه قال بصوت ناعس وكأنه يريد أن يسكتها ليعود لنومه :
- طيب يا لميا.
شعرت بالحزن نوعا فهو لم يهتم أو حتى يعرض عليها أن يوصلها في هذا الوقت المتأخر لكن جاوبها صمته كما اعتادت، اتجهت خارجة من الغرفة بهدوء وقبل أن تغلق الباب سمعت صوته النائم يقول :
- خلي بالك من نفسك يا لميا.
لم تدري أتسعد أم تحزن، هل هو مهتم حقيقة ؟ أم يقوم بما يعتقد أنه نوع من الواجب؟ لم ترغب في مواصلة التمعن في تلك الأفكار السوداوية، فاتجهت سريعا إلى سيارتها وقادتها لمنزل شقيقتها بسرعة مستغلة خلو الشوارع النسبي في هذا الوقت، فتحت لها والدتها الباب وهي تهتف :
- لميا مالكيش حق تيجي في وقت زي ده ؟ أمال أحمد فين ماوصلكيش ؟
ردت بسرعة :
- معلش يا ماما، أنا قلقت أوي على جوجو وأحمد راجع متأخر من الشغل وكان تعبان جدا صعب علي سبته نايم والناس برا عادي الوقت مش متأخر للدرجة دي.
هزت الأم رأسها في عصبية قائلة :
- طيب أختك وبأقول عليها طايشة تقومي أنت كمان تعملي زيها ؟ انا كلامي معاكي بعدين أما نشوف آخرتها وكل واحدة فيكو ماشية بدماغها كده.
قبلت رأس والدتها و ردت :
- خلاص بقى ياقمر ماتزعليش، جوجو ماهانش علي الاقيها بتعيط كده واسيبها، هي فين بقى ؟
أشارت الأم للداخل وأجابت :
- جوا في الليفينج.
اتجهت (لمياء) بخطوات واسعة لغرفة المعيشة لتجد (جمانة) جالسة على الأريكة وهي تضم وسادة صغيرة تدفن فيها وجهها وجسدها يهتز، كان من الواضح أنها تبكي وبحرقة شديدة فاقتربت منها بسرعة وربتت على كتفها لتلفت انتباهها، رفعت (جمانة) رأسها لتجد عيني (لمياء) الحنونتين فازداد انهمار دموعها وهي تمسك بكفها، جلست (لمياء) بجوارها وضمتها إليها، كانت تتمنى أن تشق صدرها وتدخلها بين ضلوعها بالقرب من قلبها لتشعرها بالأمان، تركتها تفرغ دموعها لدقائق في صمت ثم أبعدتها ومدت يدها بمنديل تمسح عينيها الذابلتين وقالت بحنان :
- خلاص ياجوجو بقى، مش قلت لك ماتقلقيش، احكي بقى بالتفصيل.
في هذه اللحظة دخلت الأم الغرفة وهي تحمل كوبين من الحليب الدافئ لطفلتيها، كان قلبها موجوعا هي الأخرى ولم تدري كيف تقسم الوجع بينهما، وضعت الصينية على طاولة الغرفة وجلست أمامهما قائلة :
- خلاص بقى ياجمانة، أختك جت لك أهي وهتقول لنا فعلا يقدروا ياخدوها مننا ولا لا.
أومأت (جمانة) برأسها وانطلقت تحكي لشقيقتها تفاصيل ماحدث بينها وبين أخي زوجها الراحل، كانت (لمياء) صامتة تستمع باهتمام كبير لكل تفصيل وتكتفي بتمتمة أو إيماءة من رأسها حتى انتهت (جمانة) من الحديث فقالت :
- ايه البني آدم ده ؟ ده ماحاولش حتى يجمل كلامه ويتكلم بذوق.
ثم ربتت على كتف شقيقتها وهي تكمل :
- ماتقلقيش يا جوجو ماحدش يقدر ياخد ملك منك أبدا، وحتى لو حد ممكن ياخدها فالأولى بيها ماما بعدها مامة حسام الله يرحمه مش أعمامها خصوصا إنها حتى لسه ماكملتش 7 سنين.
مسحت (جمانة) دموعها وتساءلت في أمل :
- بجد يا لميا ؟
أومأت برأسها إيجابا وهي ترد :
- أيوة طبعا بجد، أعمامها ياخدوها بمناسبة ايه أصلا، قانونا البنت حضانتها معاكي بعدين الزوج في حال وجوده بعدين مامتك إنتي بعدين مامة الزوج وهكذا، مش معقول أي قاضي هيتخطى دول ويحكم لعمها بالوصاية وأنت أولى بيها في سنها ده.
سألت مرة أخرى :
- يعني ممكن ياخدوها لما تكبر ؟
حاولت (لمياء) طمأنتها فأجابتها :
- مش وقت تفكير في الكلام ده، المشكلة هنحلها في أقرب وقت بإذن الله ومفيش حد هياخد منك ملك أبدا، اطمني ياحبيبتي.
تساءلت (جمانة) في خوف :
- افرضي عملوا أي حاجة عشان ياخدوها، خطفوها أو لفقوا لي حاجة، أنا خايفة يا لميا.
شعرت بالشفقة تجاه شقيقتها فردت بسرعة :
- ليه يعني هي سايبة ولا ايه ياجوجو ؟ يابنتي صدقيني ماتخافيش أنا معاكي وماحدش هيقدر يقرب منك او من ملك.
تطلعت لشقيقتها في امتنان، وسكن قلبها قليلا فقامت لتقبل رأسها وقالت :
- ربنا يخليكي لي يا لميا، مش عارفة من غيرك كان ممكن أعمل ايه !.
ابتسمت (لمياء) لكن الأم بقلبها شعرت أن ابتسامتها كسيرة يتخللها حزن مدفون في أعماق ابنتها والذي قلما تظهره، فقررت أن تتحدث معها وترى مابها، أمرت ابنتها الصغرى بأن تهدأ وتدخل لتنام بجوار طفلتها ثم أخذت بيد (لمياء) واتجهت لغرفتها لتنام معها، في الغرفة سألتها بوضوح وبدون مواربة :
- لميا، إنت مالك ؟ في حاجة مش طبيعية.
شعرت (لمياء) بالتوتر ثم أجابت :
- مالي يا ماما ! ما انا كويسة اهو.
شعرت بعيني أمها تسبر أغوارها وتكشف عما بقلبها فطأطأت رأسها أرضا لكن والدتها رفعت وجهها إليها وقالت :
- هتخبي علي يا لميا؟ احكي لي، أحمد قال لك إيه تاني زعلك ؟
ظهر الحزن جليا على وجه (لمياء)، لم تحاول أن تدرايه أو تحجبه عن والدتها التي لطالما احتوتها وكانت رفيق قلبها والصدر الحنون الذي ارتوى بدموعها والكف الرؤوف الذي طالما ربت على شعرها ليشعرها بالأمان ويمحو آلامها بلمسته، حتى وإن كبرت وشعرت باستقلالها لازالت تشعر بحاجة للارتماء بين ذراعي أمها والبكاء حتى تنضب دموعها ويصيب جفنيها وقلبها الجفاف وتتوقف نبضات خافقها الكائن بين الضلوع، لمعت دمعة في عينينها الحزينتين وهي تقول بخفوت :
- أحمد ماقلش حاجة وياريته يقول، علاقتي بأحمد في تدهور مستمر، بيفكر في الولاد بشكل غير عادي، بدأت أصدق إن مش ده السبب الوحيد اللي بيخيله يفكر في غيري لكن فعلا في علاقة أصلا بينه وبين واحدة تانية.
علت الصدمة وجه الأم وهي تهتف :
- واحدة تانية ؟؟ إنت اتأكدتي من كده يالميا ولا دي مجرد شكوك؟
(لمياء) بألم :
- اتأكدت ياماما، رسايل بينهم ع الموبايل واللي كان مستحيل آخد بالي منها لولا الرسايل اللي بتوصلني انا كمان.
الأم بتساؤل :
- إنت كمان إزاي ؟
(لمياء) ردت بحيرة تعتلي وجهها :
- رسايل بتجيلي إن أحمد في علاقة بينه وبين واحدة تانية وإني المفروض أبص في موبايله وهالاقي الدليل، إنت عارفة ياماما إن كان مستحيل أفكر إن ابص في موبايله من باب الشك أو حتى اشيك وراه زي الستات مابتعمل، لكن ماتعرفيش حسيت بإيه لما تيجيلي رسالة تقولي جوزك مابقاش ليكي انسحبي بهدوء أحسن والدليل على موبايله يبقى أتجنن، بقيت زي الطفلة الصغيرة اللي تاهت من مامتها في الشارع ومش عارفة تعمل ايه او تروح فين، أنا المحامية المشهورة الكبيرة اللي اسمها له شنة ورنة وبترعب الناس في المحاكم، بقيت حاسة بالضياع ومشتتة ومش قادرة أستوعب ولا أتصرف، كتير فكرت إن حد بيحاول يوقع بينا لكن في الآخر أخدت قرار إني أشوف بنفسي، واتصدمت لما لقيت إني الوحيدة اللي عايشة في وهم، حتى حمايا عنده فكرة عن الموضوع ولما حس إني متغيرة سألني وقلت له لقيته بيبص في الأرض ويسكت، اعتراف صريح ياماما.
أنهت كلامها ومع كل جملة كان صدرها يضيق أكثر وحروفها تضيع ودموعها أبت إلا أن تكمل حزنها وتحفر خطوط ألم على وجنتيها لتستقر بملوحتها ومرارتها على شفتيها الجافتين كصحراء عطشى للمطر، كان نشيجها قد بدأ يعلو وأنفاسها تتقطع فقامت والدتها من مكانها وجلست بجوارها تضمها لصدرها وتربت على رأسها في حنان شاعرة أن الخنجر المغروس في قلب ابنتها إنما هو في صدرها هي، لم تدري ماذا تقول لكنها حاولت تطييب خاطرها فقالت برفق :
- حبيبتي يالميا، ومااتكلمتيش من زمان ليه؟ كنت قولي لي وفضفضي يمكن نلاقي حل للموضوع مع بعض ونحط النقط ع الحروف بدل العذاب اللي إنت عايشة فيه ده، أنا هأكلم الحاج شكري وأتفاهم معاه بخصوص لعب العيال اللي بيحصل ده.
انتفضت (لمياء) بين ذراعي أمها وهي تسحب نفسها للخلف قائلة بسرعة وهي تمسح دموعها بكفيها :
- لا يا ماما، الموضوع ده بيني وبين أحمد، أنا وهو بس اللي هنتفاهم فيه ونحله، مادام في حاجة ......
صمتت لثانية ثم أكملت بألم :
- ما دام في حاجة ناقصاه معايا يبقى نتكلم ونشوف حل بدل ما الكبار يحلوا لنا مشاكلنا، أحنا مش أطفال وأنا مش محتاجة حد يدافع عني.
على الرغم من ضيق والدتها بما قالت، لكنها كانت تعلم جيدا طريقة تفكير ابنتها الكبرى التي تحملت المسئولية معها وكانت بمثابة أم أخرى لشقيقتها بعد وفاة والدهما، الابنة القوية الصلبة التي عانت الكثير ومازالت صامدة لتتلقى ماهو أكثر، الابنة التي تزوجت زواجا تقليديا عشقت بعده زوجها حتى النخاع وسكرت بكلامه حد الثمالة، الابنة التي تملك زوجها ذراتها وفتات قلبها وتحكم في موجات عقلها، طفلتها التي حلمت أن تكون أما لأطفال من حبيبها فإذا بها تتفاجأ بحلمه أن تكون أطفاله من أنثى غيرها، قررت أن تنزل على رغبة ابنتها فهي تعلم كم هي عنيدة، وتعلم كم هي أهل لأن تتحكم في الأمر وتسيطر عليه وتنجو من الصدمة بقوة حتى وإن زلزلت كيانها، ربتت على كتفها مرة أخرى وقالت بحنو :
- طيب يالميا، أنا هأسيبك تتصرفي وأيا كان تصرفك والقرار اللي هتاخديه أنا موافقاكي عليه لأني واثقة في تقديرك للأمور وعارفة ايه اللي تقدري تتحمليه.
هدأت (لمياء) قليلا، ومسحت باقي دموعها وابتسمت بحزن في وجه والدتها وقالت :
- ربنا يخليكي لي يا ماما، أنا عارفة كويس أنا أقدر أعمل ايه وأتحمل لحد فين، صدقيني أنا قوية ومصير الأيام تعدي وأنسى، الحب مش كل حاجة وكفاية عليَ حبكم، المهم جمانة، خايفة عليها أوي، جمانة رقيقة وضعيفة حتى لما تبقى ساعات مجنونة ولا عصبية، لكن بتخاف وموت حسام الله يرحمه أضعفها أكتر، ومحتاجانا كلنا جنبها.
ربتت والدتها على كتفها وهي تبتسم بإعجاب، هاهي الابنة والأم، الشقيقة التي تحمل حنان الكون بأكمله وتودعه شقيقتها، تعتبرها طفلتها على الرغم من فارق السن البسيط بينهما والذي لا يتعدى خمس سنوات، قامت من مكانها وانحنت تقبل رأسها هامسة :
- مش عارفة أقولك ايه يا لميا، ربنا يخليكي يابنتي ويسعد قلبك ويعوضك خير، قادر على كل شئ والأمل فيه كبير.
ابتسمت (لمياء) ابتسامة خفيفة وردت :
- ونعم بالله والحمد لله على كل حال، يلا يا ماما تصبحي على خير.
(الأم) بحنان :
- وإنت من أهله ياحبيبة ماما.

ثم مدت يدها تطفئ النور المجاور للسرير وهي تحاول جبر قلبها المكسور على ابنتيها.
********

دخل الحاج (عبد الرحمن) من باب منزل العائلة الكبير في إحدى قرى أحد أكبر محافظات الدلتا ليجد شقيقه (كمال) في انتظاره وما إن رآه حتى أقبل عليه متسائلا بلهفة :
- حمدالله ع السلامة ياحاج، اتأخرت كده ليه ؟.
نظر له الرجل بلامبالاة وأجاب :
- ولا اتأخرت ولا حاجة يا سي كمال، مسافة المشوار.
تبعه (كمال) حتى جلس بجواره على أريكة كبيرة في ردهة المنزل وتساءل ثانية وهو يحاول كبح جماح لهفته :
- ها ياحاج عملت ايه ؟ وافقت ع الجواز ؟
تطلع إليه الحاج بصمت وهو يشعر بمدى اندفاع شقيقه ولهفته التي لا داعي لها ثم أجابه :
- لا يا سيدي، وبعدين مااحنا كنا متوقعين إنها مش هتوافق.
عقد (كمال) حاجبيه في ضيق ثم قال في عصبية وصوته بدأ يعلو :
- وليه بقى يعني، ناقص ايد ولا رجل عشان الهانم بتاعة مصر ترفض، ولا مش في مقام سي حسام؟
نهره شقيقه قائلا :
- اتهد ياكمال ووطي صوتك، اللي يهمنا الأرض لا هي ولا غيرها، وأنا هددتها ناخد البنت منها وهنشوف آخرتها ايه معاها يمكن توافق.
قال بلهفة :
- تفتكر ياحاج ؟
سأله الرجل بسرعة :
- مالك ياواد عامل كده ليه ؟ اللي يشوف كده يقول حلوة وهتموت عليها، ماهي زيها زي ميت واحدة في البلد وبإشارة منك تجوز أحلاهم.
تراجع (كمال) وحاول أن يتماسك وأجاب :
- مش هاموت ولا حاجة ياحاج، أهي يعني ع الاقل بتخلف ويمكن تجيب لي الولد اللي يشيل اسمي ويورثني بدل الأرض البور اللي نايمة فوق دي.
تنهد الحاج وقال منهيا النقاش :
- هنشوف ياسيدي لسه الموضوع مااتقفلش.
قالها ونهض من مكانه ليدخل لغرفته في الطابق السفلي يتابعه زوجين من العيون، أحدها بلهفة وأمل والثاني مليء بالدموع والحزن والألم، ثم قام (كمال) ليصعد لطابقه في المنزل وعلى أولى درجات السلم تلاقت عيناه مع عيني زوجته الباكيتين فنظر لها في صمت ثم أدار وجهه وأكمل صعوده متجها لغرفة نومه غير آبه لها أو لدموعها.

********
في اليوم التالي في الشركة اتجه (آدم) لمكتب أخيه وألقى السلام على (سهام) بهدوء ثم دخل لأخيه الذي ابتسم له مرحبا وهو يقول :
- آدوم، فينك ياعم؟ بقي لي نص يوم ماشفتكش.
ثم ضحك فبادله أخاه الضحك ورد :
- أيوة عارف إني مش بأسأل بس يلا الدنيا مشاغل بقى، أوعدك بعد كده أسأل عليك كل 3 أو 4 ساعات.
رد (أدهم) :
- لا برده كتير، يابني ده إنت حبيبي لازم أشوفك كل نص ساعة وإلا ضغطي يوطى، مكتوب لي قبل وبعد الأكل.
(آدم) بضحكة صافية :
- خلاص ياعم هأعملك مني كبسولات.
(أدهم) بحنان تبعته ضحكة مرحة :
- وأنا موافق بس خايف أخد أوفر دوز .
(آدم) بشقاوة :
- لا ماتقلقش ده أنا فيتامين مش مؤذي خالص.
(أدهم) يعابثه :
- خلاص يادوك، كده أنا اطمنت.
حاول (آدم) الحديث بجدية فتماسك وقال :
- المهم يا أدهم عاوز منك طلب كده هينفعني جامد.
بدا الاهتمام على وجه (أدهم) وهو يتساءل :
- خير ياحبيبي ؟
أجابه (آدم) :
- جمانة!
رفع (أدهم) حاجبيه وقال في سخرية :
- اشمعنى ؟
هز (آدم) رأسه وابتسم مغتاظا من أخيه :
- هاها، ايه هي قافية ؟
رد (أدهم) بسخرية مرة أخرى :
- الله، مش إنت اللي قلت اسمها وسكت، القافية تحكم بقى .
تنهد (آدم) بغيظ وقال :
- ماشي يا أبو قافية، المهم عاوزها معايا في مكتبي.
عقد (أدهم) حاجبيه هذه المرة وشعر بشيء في قلبه لم يألفه من قبل فتساءل :
- عاوزها في مكتبك إزاي ؟
اندهش (آدم) لكنه أجاب :
- هيكون إزاي يعني؟ هأخليها مديرة مكتبي والمساعدة بتاعتي، هاعمل أنا وهي فريق عمل.
ظل حاجبي (أدهم) معقودين وتغلغل بداخله غضب لم يدر له سببا، لم يكن يملك جوابا محددا لطلب أخيه فسأله :
- طيب سألتها ؟ يمكن ماتوافقش، أو تكون مبسوطة في مكانها الحالي.
نهض (آدم) من كرسيه وأجاب بسرعة :
- ياسيدي انا متأكد إنها هتوافق، المهم مدير الشركة يدينا الأوك.
شعر (أدهم) بقلة الحيلة، كان يريد الرفض لكنه لا يملك مبررا له فصمت مفكرا ثم رد أخيرا :
- عادي يا أدوم لو شايف إنها هتساعدك وشغلكوا مع بعض هيفرق مفيش مشكلة.
ابتسم (آدم) وبانت سعادته على وجهه بشكل أثار قلق وتساؤل (أدهم) خاصة عندما قال :
- شكرا يابوص، هاروح لها بقى اشوف رأيها ايه ؟
كان (آدم) بالطبع يقصد رأيها في العمل معه في مكتبه الخاص لكن (أدهم) شعر بها وكأنه يريد أن يعرف رأيها في زواجه منها، ولمرة أخرى يشعر بالغيرة ممتزجة بالحنق والغضب من نفسه، لاحظ (آدم) شروده فسأله :
- مالك يا أدهم ؟
رفع عينيه إليه ورد بسرعة :
- لا مفيش، ابقي بلغني الأخبار.
(آدم) :
- طيب تمام، هاروح لها أنا بقى.
(أدهم) وهو يشعر بالغيظ :
- تروح لمين يابني، اطلبها تيجيلك مكتبك.
مط (آدم) شفتيه بلا اهتمام وقال :
- عادي يعني ما تفرقش.
رد (أدهم) بسرعة :
- ع الأقل عشان تتكلم براحتك مش هتسألها في وسط زمايلها.
(آدم) بتفكير :
- تصدق معاك حق.
ثم ابتسم وقال يغيظه :
- والله و طلعت بتفهم يا أدهم.
رد (أدهم) يغيظه هو الآخر :
- ها ها، وعبقري كمان.
ضحك (آدم) ثم قال :
- طيب هات التليفون أما أكلم أستاذ محفوظ أقوله يخليها تيجيلي المكتب.
ناوله (أدهم) الهاتف ثم شرد في أفكاره، بعد ثوان أفاق على صوت أخيه يقول بتساؤل :
- عارضة؟ ماتعرفش ليه يا أستاذ محفوظ ؟ .. طيب خلاص .. لا مش مشكلة ممكن الموضوع يتأجل .. مع السلامة.
ثم أغلق الخط لتقابله عيني أخيه المتسائلتين ولمح فيهما قلق لم يألفه من قبل، قال مجيبا على سؤال لم يُسأل :
- ماجاتش النهاردة، أستاذ محفوظ بيقول اتكلمت واعتذرت وقدمت عارضة النهاردة.
استغرب (أدهم) غيابها والذي لم يعتده وشعر بقلق غريب يغزو قلبه، حاول أن يطفئ لهيبه لكنه لم يستطع، ولمح أخاه كل ذلك مرتسما بوضوح على وجهه، لم يحاول أن يسأله عما به فقد كان القلق يغزوه هو الآخر.
قال لأخيه بعد صمت :
- إن شاء الله خير، عموما لما تيجي هأكلمها في الموضوع وأشوف رأيها.
تطلع إليه (أدهم) في شرود ثم أومأ برأسه وهو يرد :
- أوك يا آدم، ابقي بلغني عشان نزود لها المرتب بما إنها هتبقى مديرة مكتبك.
أجاب (آدم) :
- تمام، هاروح أنا بقى اراجع أوراق المناقصة دي، عشان هتتبعت بعد يومين إن شاء الله.

أومأ أخاه برأسه مرة أخرى في حين اتجه هو عائدا لمكتبه.

**********************************




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:52 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:10 AM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثالث عشر

************

في نفس اليوم كانت (لمياء) قد قررت أن تقطع الشك باليقين وتنهي الأمر ستواجه زوجها وتحسم المعلق بينهما ليكف عذاب قلبها المرهق، استيقظت مبكرا و تناولت فطورها مع والدتها وشقيقتها وابنتها ثم سلمت عليهما عائدة لمنزلها، اليوم هو إجازة زوجها ولن تذهب لمكتبها لذلك ستعود للمنزل وتجده هناك بالتأكيد، وصلت للبيت ودلفت إليه بهدوء فوجدت حموها يتناول فطوره وحيدا على طاولة المطبخ، اقتربت منه وربتت على كتفه قائلة بحنان :
- صباح الخير يا بابا، انت عملت الفطار لنفسك ؟ كنت استناني شوية.
ابتسم الرجل في حب وأجاب :
- صباح الورد يا أستاذتنا، اقعدي افطري معايا بقى ودوقي البيض بتاعي.
بادلته ابتسامته وقالت :
- أكيد لذيذ، بالهنا والشفا يا بابا، هو أحمد لسه نايم ؟
أجاب :
- مااعتقدش، سمعت صوته من شوية بياخد شاور.
ابتسمت مرة أخرى ثم اتجهت لغرفتها، دخلت بهدوء فوجدته جالسا على الفراش يلف نفسه بمنشفة كبيرة ويجفف شعره بأخرى في يده، نظرت إليه وابتسمت، شعرت بالحنين إليه، بالشوق لصدره وتربيتة يده لتشعرها بالأمان، لم يكن الوقت مناسبا لتفيض مشاعرها نحوه فهي تريد إنهاء الأمر لذلك قطعت سيل أفكارها واتجهت إليه وهو يتطلع إليها مبتسما جلست بجواره وسألته :
- أحضرلك الفطار ؟
أجاب بنفس الابتسامة :
- لا هأفطر مع نسيم.
شعرت به يطعن قلبها في الصميم، كذبته، لم تصدق أنها سيتركها يوم أجازته ليقضي اليوم مع صديقه، بل سيقضيه مع الأخرى، فقالت في حزم :
- طيب معلش يا أحمد ياريت تلبس هدومك وتستنى شوية، عاوزاك في موضوع مهم، معلش مش هأخرك على صاحبك.
شعر بالقلق من لهجتها فتساءل وهو يحاول أن يمسك كفها :
- خير يا لميا ؟ هي جمانة كويسة ؟
أومأت برأسها أن نعم وقالت :
- الحمد لله، الموضوع اللي هأكلمك فيه يخصني أنا وإنت مش جمانة يا أحمد، ياريت بس تلبس وتستناني على ما أغسل وشي .
رد ببعض العصبية :
- خير يا لميا، هو نكد ع الصبح، ارحميني بقى مش كل ماتشوفي وشي تضربي البوز الخشب وتفتحي أي خناقة.
ثم قام من مكانه متجها للدولاب، فتحه بعنف وهو يهتف :
- أنا نازل، مش ناقص قرف حتى يوم الأجازة مافيهوش راحة.
وجدت أن عدوى العصبية قد انتقلت إليها وهي تقول :
- أحمد من فضلك، لا نكد ولا غيره، هو موضوع واحد وأخير هنتكلم فيه ونحط النقط ع الحروف وبعدها هترتاح.
نظر إليها بقلق فاتجهت للحمام وغسلت وجهها بالماء البارد الذي اختلط بدمعة سالت على وجنتها دون أن يراها أحد، عادت إليه لتجده يزرر قميصه فاتجهت للأريكة في ركن الغرفة وجلست عليها، أشارت إليه ليجلس بجوارها، كانت تريده قريبا تستشعر رائحة الندى على جسده، يلامسها دفئه ولو من بعيد، اتجه إليها وجلس بجوارها، الآن ستعلم من الكاذب، أخرجت هاتفها وفتحت الرسالة ومدت يدها به إليه وسألته :
- الموضوع اللي هنتكلم فيه يا أحمد أهم موضوع في حياتنا، هو الحاجة اللي بتجمع بيننا، مش هاقول أولاد أو انشغالك او انشغالي، لا هأقول الحب اللي متأكدة إني حبيتهولك، حبك لي مش عارفة هو موجود ولا لا، بس حبي موجود وبإيدك يعيش أو يموت.
نظر إليها ولم يفهم، شعر بالقلق وتساءل في داخله : ما الذي تقصده ؟ أما هي فبعد لحظة صمت استطردت :
- عاوزة إجابة صريحة يا أحمد وصدقني هأقدر أتعايش مع الموقف وأتقبله.
ثم رفعت الهاتف بالرسالة أمام عينيه وسألته :
- ممكن تقول لي إيه الرسالة دي ؟
لم يحاول التقاط الهاتف منها بل قرأها بعينيه سريعا وشعر بالبرودة تغزو أطرافه، توتر وهو يجيب :
- مااعرفش، ايه الكلام الفارغ ده؟
لم تعلق بل مدت يدها إليه وقالت :
- طيب ده كلام فارغ، ممكن موبايلك ثواني.
سأل بعصبية :
- عاوزاه ليه ؟
ردت بهدوء :
- أبدا، إنت بتقول الرسالة دي كلام فارغ، عاوزة تقولي الرسايل المقرفة اللي على موبايلك برده كلام فارغ ولا بجد ؟
اتسعت عيناه وازدادت عصبيته وهو يهتف :
- انت بتفتشي في موبايلي يا لميا؟ من امتى ؟ وانا نايم على وداني وفاكرك الاستاذة المحامية المتحضرة الواثقة من نفسها، طلعتي بتعملي زي الستات الجاهلة اللي بتفتش ورا أزواجها.
قابلت عصبيته ببرود شديد وقالت :
- ممكن الموبايل.
تطلع إليها لوهلة في دهشة، لما هي باردة هكذا؟ أين الحب والوله الذي كان يسكن ملامحها؟ أتراها تعلم بالفعل وتصدق؟ قال بعد تفكير :
- إنت عاوزة ايه يالميا ؟
ردت بهدوء :
- عاوزة نحط النقط ع الحروف، أعرف أنا بقيت فين في حياتك ؟ عاوزة القلق والألم والخوف اللي عايشة فيه ينتهي.
استنكر هاتفا :
- قلق وألم وخوف ؟ معايا يالميا ؟
لمعت في عينيها دمعة صامتة لم تشأ لها أن تظهر أمامه فيستشعر ضعفها وحبها لكنها أجابت :
- أيوة معاك يا أحمد، إنت شفت الرسالة بنفسك، وأنا شفت رسايل أقل وصف لها إنها قذرة على موبايلك، أهملتني وتقريبا عايشة أنا وباباك لوحدنا، ياشغل يا أصحاب ياالله أعلم ايه كمان ؟ ايه يخليني اصبر أو اقيدك، احنا اللي كان بيربط بينا خلاص، انقطع من عندك فمالوش داعي أفضل متمسكة بيه، الأفضل أسيبه عشان ع الاقل قلبي الموجوع يستريح شوية وانت تشوف حياتك ومستقبلك والولاد اللي نفسك فيهم مع اللي بعتتلي الرسالة.
شعر بالغضب فانتفض واقفا وهو يهتف بها في عصبية :
- انت أكيد اتجننتي يالميا، لمجرد إن حد بعت لك رسالة مالهاش لازمة تقومي تهاجميني بالشكل ده وتقولي لي نبعد وإنت قطعت وإنت عملت، كنت فاكرك أعقل من كده.
وقفت أمامه وردت بهدوء حازم :
- بلاش سياسة خدوهم بالصوت دي يا أحمد، إحنا الاتنين أعقل وأكبر من كده، بتنكر ليه؟ ماتقوليش لسه باقي عليَ، لو كنت باقي ماكنتش تخون، وماتقولش لا ماعملتش، انت حتى وانت بتنكر صوتك مهزوز وواضح في عينيك.

زم شفتيه وظهر الغضب جليا على وجهه وهو يضم قبضتيه بشدة، شعرت بالخوف فتراجعت خطوة للخلف، لكنه اقترب منها بسرعة وأمسك ذراعيها بعنف صارخا في وجهها :
- عاوزة ايه يالميا؟ عاوزة اعتراف ؟ عاوزة تسمعي مني بودانك إني باخونك واني باحب واحدة تانية ؟ طيب يالميا، انا فعلا باحب واحدة تانية ومش بس باحبها انا اتجوزتها وخدي دي كمان، هي حامل في الشهر الخامس، مبسوطة كده يا أستاذة يا كبيرة ؟
كال لها لكمات كلماته حرفا حرفا متتابعة حتى انهارت وتكسر قلبها فتاتا من الألم، ثم تركها مبتعدا يملؤه الغضب، لم تدر ماذا تفعل، هل كانت تتمنى أن ينكر ويصر على إنكاره، أن يرجوها، أن يبثها حبه ؟ أن يسخر حتى من أفكارها ومخاوفها ؟ ربما، لكن أن يلقي بقنابله تباعا في وجهها وبتلك القسوة هذا مالم تتوقعه، شعرت بقبضة قاسية تعتصر قلبها فينزف دموعه، صمتت تتطلع إليه وهو يلهث من شدة الغضب بعد تلك القنابل المدوية التي فجرها لسانه، وقبل أن تتمكن من منعها سالت دمعة حارقة من عينيها، لمحها هو فلان قلبه، اقترب منها لكنها تراجعت للخلف بسرعة وهي تمد يدها لتمسح دمعتها، تنهد وقال :
- ليه كده يالميا ؟ أنا ماطلبتش حاجة وحشة أو حرام؟ أنا نفسي أكون أب ومن حقي أكون أب، ماقلتش لأني مش عاوز أجرحك، وباقي عليكي حتى لو مش مصدقة، ابني هيبقى ابنك وتشوفيه وتربيه زي مامته بالظبط، مش عاوزك تسيبيني.
كان قلبها يبكي وهي تحاول التماسك، حاولت الكلام فخرج صوتها دامعا وهي ترد :
- أنا ماقلتش حرام يا أحمد، إنت خبيت عليَّ ماكنتش صريح، مااديتنيش حرية الاختيار، عاملتني بقلة اهتمام لمجرد إنك عاوزني أفضل معاك، ديكور، أكسسوار، المهم إني موجودة، بس للأسف زي ما إنت من حقك تدور وتسعى عشان تكون أب انا كمان من حقي أكون أم وأسعى لتحقيق الحق ده، كل الدكاترة قالوا إن مفيش حاجة فينا احنا الاتنين تمنع الحمل، لكن نصيبنا كده، إنت مارضيتش بنصيبك على الرغم من إني سكت وكل ده لأني بحبك، لكن مادام إنت دورت ع اللي ناقصك، أنا كمان من حقي أدور ع اللي ناقصني، وكمان بتقولي ابني هو ابنك، ليه هتاخده من مامته، هتكسر قلبها هي كمان زي ماكسرت قلبي، ابني يا أحمد هيكون ابني من دمي وكنت أتمنى إنه يكون من دمك، لكن ربنا ما أرادش وإنت ماصبرتش.
شعر بالتوتر وتساءل :
- قصدك ايه بالظبط يا لميا ؟
ردت في هدوء ظاهري :
- قصدي الطلاق يا أحمد، وهي كلمة محددة وواضحة مش هأجملها أو أختار غيرها، إحنا مالناش نصيب نكمل مع بعض، يبقى كل واحد يشوف حياته ويمشي في طريقه لوحده، واضح إن من الأول حياتنا كانت خطين متوازيين وبالخطأ حصل بينهم نقطة تقاطع لكن في النهاية كل خط بيرجع يمشي في مساره الطبيعي موازي للتاني وبعيد عنه.
توتر أكثر لكنه لم يجب، لم يكن يتوقع أن يأتي يوم وتطلب فيه زوجته الانفصال عنه، تلك التي كانت تذوب له عشقا وتتمنى رضاه في كل لحظة، تلك العملاقة القوية التي كانت أنثاه هو، والضعيفة دوما بين ذراعيه، هل يصدق؟ ها هي تقف أمامه الآن تتحداه وتطلب منه الفراق، لكن هل يوافق ؟ بل هل يمكنه ذلك ؟
طال صمته فحثته قائلة :
- ماتفكرش كتير يا أحمد، لميا بتاعة زمان ضاعت منك ومش هتعرف ترجعها، حياتنا مع بعض انتهت خلاص واللي كان بينا مات، وعمر اللي بيموت مابيرجع للحياة تاني.
نظر إليها لثوان أخرى ثم التقط سترته وارتداها، عاد ينظر إليها في المرآة وقال مخاطبا إياها عبرها :
- لميا أنا مش هاخد على كلامك دلوقتي، أنا خارج واقعدي مع نفسك وأنا كمان هاقعد مع نفسي، راجعيها في القرار اللي أخدتيه، وبلغيني بعدها.
ثم التفت إليها واقترب منها وهو يكمل :
- فكري في اللي بينا، ومش هاقول كان لأنه لسه موجود، وقفي عقلك شوية وخلي لميا الحنونة الأنثى اللي حبيتها هي اللي تقرر.
نظرت إليه في صمت، هكذا كان يفكر، يريدها أنثاه فقط، يقتلها ويحييها، يقربها منه ليسقيها خمر عشقه ثم يبعدها ليذيقها مرار بعده، وهي الضعيفة المستكينة المستسلمة لأمره، خرج وتركها فانتظرت للحظات ثم انهارت على أريكتها باكية ودموعها تروي قلبها المكسور.

********
بعدها بيومين تم الطلاق في هدوء، بكت (لمياء) ونزفت دموعها أنهارا، بكت كما لم تبك من قبل وكما لن تبكي بعد اليوم، ظنت أنها أقوى لكن بعد نطقه لكلمتي : أنت طالق؛ انهار بداخلها شيء ما جعل حمم دموعها تنصهر في قلبها وتحرق مقلتيها فوجنتيها ثم تستقر مبللة وسادتها، انتقلت لتقيم مع شقيقتها ووالدتها اللتين حزنتا كثيرا من أجلها، لم تكن والدتها تظن أنها عندما تركت الأمر بيديها سيصل لهذه المرحلة، لكنها لم تعاتبها أو تراجعها، فهي تعلم مدى تحمل ابنتها ومادام الأمر قد وصل لنهاية مسدودة فلابد أن ابنتها قد سعت قبلها كثيرا لتحول دونها، لكن قدر الله وما شاء فعل، في خلال اليومين أيضا عرض (آدم) على (جمانة) العمل الجديد في مكتبه فرحبت بالفكرة، واستقرت الأمور مرة أخرى حتى أتاها اتصال من أخي زوجها الحاج (عبدالرحمن) ليعرف قرارها النهائي، نسيت هي أو تناست الأمر، شعرت بالأمان مع كلام شقيقتها، لكنها عادت للقلق من جديد عندما أبلغته رفضها فهددها أن الأمر لن يمر بسلام أبدا، كانت تجلس شاردة واجمة في مكتبها ولم تسمع اتصال (آدم) بها حتى خرج من مكتبه ووقف أمامها ينادي باسمها وهي لا ترد، لم يدر ماذا يفعل فطرق على المكتب بقوة أفزعتها وهي تتطلع إليه في رهبة، نظر لها وقال مهدئا :
- ايه ايه ماتخافيش، مالك ياجمانة ؟ شكلك مش هنا ومرعوبة كده ليه؟
خرج صوتها مرتبكا قلقا وهي ترد :
- لا أبدا مفيش حاجة، شوية مشاكل خاصة.
نظر إليها وود أن يمتلك القدرة ليحل لها مشاكلها، كان يشعر نحوها بأبوة غريبة على الرغم من إعجابه بها كامرأة، حاول أن يشاركها مشاكلها ولكن بتردد خوفا من أن ترفض تدخله في حياتها الخاصة فجلس أمام مكتبها وتساءل بهدوء :
- خير، قولي لي يمكن أقدر أساعدك.
هزت رأسها نفيا مجيبة :
- ولا يهمك يا دكتور آدم، حاجة مالهاش حل، ربنا يحلها من عنده.
ابتسم وقال بود :
- طيب جربي يمكن تلاقي عندي حل، لو الموضوع مايضايقكيش أو خاص أوي.
علت شفتيها ابتسامة باهتة وهي تشكر له اهتمامه وقالت :
- هو مش خاص للدرجة، لكن مش عارفة نهايته ايه ولا ممكن يوصل لفين؟
نظرت إليه لتجده يبادلها النظر باهتمام حاثا إياها على الحديث، كانت شبه فاقدة الأمل خائفة مرتبكة فقررت أن تحكي له، أخذت نفسا عميقا وهي تستطرد :
- هأقول لحضرتك يمكن فعلا يكون عندك حل.
انطلقت تحكي له عن مشكلتها مع أهل زوجها الراحل وطلبهم الغريب ثم تهديدهم لها ومحاولة أخذ ابنتها منها بالقوة أو الاستيلاء على ميراثها بدون وجه حق، استمع لها باهتمام وهو يفند كل موقف حتى انتهت، وختمت حديثها قائلة :
- وغير ده كمان أختي اتطلقت من كم يوم، كأن الحزن مصمم يعشش في قلوبنا للأبد.
شعر بالأسى على حالها وأختها فقال مواسيا :
- لا حول ولا قوة إلا بالله، الله أعلم الخير فين، يمكن طلاق أختك لأن ربنا شايل لها حاجة أحسن.
أومأت برأسها موافقة وهي تبتسم في حنان ثم ردت :
- ونعم بالله.
صمت مفكرا لدقيقتين او أكثر وهي تتطلع إليه في أمل عله يجد حلا لمشكلتها مع أهل زوجها، ثم انتعش الأمل في قلبها أكثر عندما هتف فجأة :
- عندي حل غير متوقع لموضوعك، بس مش واثق من موافقتك عليه.
تساءلت في أمل :
- حل ايه ؟
رد ببطء :
- الجواز.
تراجعت للخلف برهبة وتردد صدى كلمته في أذنيها بعنف، حدقت فيه بشدة وهو ينظر إليها صامتا حتى هتفت في استهجان شديد :
- جواز يادكتور ؟ هو ده الحل ؟ يعني أنا رفضت اخوهم عشان اتجوز واحد غيره ؟ ده لو سبنا مبدأ أصلا إني رافضة الجواز فأنا كده باسوأ سمعتي عندهم وباديهم فرصة أكبر ياخدوا بنتي مني.
ابتسم وقال بهدوء :
- طيب اسمعي تفاصيل الفكرة الأول.
هزت رأسها نفيا قائلة :
- بداية الفكرة مرفوضة هاسمع تفاصيلها ليه ؟
هز كتفيه وأجاب :
- يمكن تعجبك، كملي معايا للآخر.
عقدت حاجبيها في استغراب وأنصتت إليه في أثناء قدوم (أدهم) لأخيه، سمعهما يتحدثان فلم يقاوم فضوله للاستماع لحديثهما، انتحى جانبا وأمسك هاتفه كأنه يفعل به شيئا ما ويسمع مايقولان بوضوح، أما (آدم) فقال :
- شوفي ياستي، ليه طرحت فكرة الجواز، اولا هتكتبي الأرض باسم جوزك بيع وشرا مع طبعا ضمان لحقوقك، هو اللي هيبقى شريكهم ويتصرف معاهم وممكن يبيعها لهم بالسعر اللي تستحقه، ثانيا هيمنع تفكيرهم فيكي من ناحية الجواز نهائي، ثالثا جوزك هيعتبر حماية ليكي ولملك من أي تهديد وهو اللي هيتصدى لهم ويمنعهم، رابعا لما تهدأ الأمور وكل واحد ياخد حقه تقدري تاخدي أرضك تاني او لو اتباعت تاخدي تمنها، المهم تختاري انسان أمين وقوي بما فيه الكفاية عشان يسوي المسألة.
هزت رأسها نافية بعنف وردت :
- يادكتور كلامك مش منطقي، مجرد جوازي هيديهم سبب ينفذوا تهديدهم وياخدوا ملك والمحكمة ممكن تحكم لهم لأني اتجوزت وبنتي تضيع مني ده غير إن العرسان مش واقفين ع الباب مستنين الاشارة وهاختار منهم الأمين القوي اللي هيحافظ لي على أملاكي.
ابتسم وأجاب :
- موضوع المحكمة ده تنسيه، القانون بيدي حق الحضانة في حالة زواج الأم لأمها هي وبعدها أم الزوج، يعني دورهم متأخر أوي في القايمة، وكمان السبب اللي هما عاوزين ياخدوا بنتك عشانه خلاص هيكون مفيش لأن الأرض باسم جوزك ومش هيقدروا يعملوا حاجة إلا بالقانون عشان أرضهم ترجع لهم، والعريس سهل إنت انسانة تستاهلي كل خير وكتير يتمنوكِ.
تراجعت في مقعدها تفكر، أهذا ممكن بالفعل لكن أمرا ما قفز لذهنها فجأة فقالت :
- طيب ماهي مامة حسام الله يرحمه ممكن تاخد مني ملك، أنا وعدتها إن مستحيل حد تاني يدخل حياتي بعد حسام.
حملق فيها بدهشة وهتف :
- وعدتيها بإيه ؟؟ ده اللي هو إزاي يعني ؟
تنهدت وقلبت كفيها في قلة حيلة فاستطرد :
- والله ياجمانة ماانا عارف اقولك ايه، الحقيقة يعني ده تصرف طايش جدا، ووعد زي ده ماينفعش من الأساس لأنه فوق طاقة أي حد، وبعدين إنت مش مركزة ليه بأقولك بعدك إنت الحضانة لمامتك مش لمامته .
شردت تفكر في الأمر، أهذا ممكن؟ أتزوج؟ رجلا آخر يفتح الباب الموصد وقفله الذي علاه الصدأ، هل قلبي سيستجيب؟ لم تستسغ الفكرة مطلقا فهزت رأسها بعنف وكأنها تطردها منها وقالت بلهجة قاطعة :
- مستحيل يا دكتور آدم، ما أقدرش أعمل حاجة زي دي أبدا.
قام من كرسيه وهو يقول :
- عموما فكري في الموضوع واستشيري حد بتاع قانون يفتيكِ أكتر، ولو ع العريس ياستي .. أنا موجود.
قالها وضحك بشدة في حين شعرت هي بالصدمة وهي تتطلع إليه في ذهول لم يكن بأقل من الذهول المرتسم على وجه أخيه وهو يستمع للحوار الدائر بينهما، أما هو فأنهى ضحكته وقال :
- مالك مزبهلة كده ليه؟ مش عاجبك؟ ده أنا دكتور جامعي ومدير محترم في شركة كبيرة وأرمل وعندي ابن.
ثم ضحك مرة أخرى وهي على نفس الحال من الذهول لكنه استطرد رافعا الحرج عنها :
- إيه يابنتي باهزر، عملتي كده ليه ؟
وهو يتطلع إليها باستغراب فابتسمت قائلة بنوع من الخجل :
- أصل يادكتور آدم بأشوف من حضرتك جانب ماكنتش متعودة عليه أيام الجامعة.
ضحك مرة أخرى ثم قال في شرود كأنه يتذكر أمرا ما :
- كلنا بنتغير يا جمانة، هاخد ايه من البوز والوش الخشب يعني وبعدين إنت أختي الصغيرة باغلس عليكي شوية.
ابتسمت وردت :
- ده شرف لي والله يادكتور.
تنهد وقال بسرعة :
- عموما فكري في اقتراحي واسألي أختك، إنت قلت لي إنها محامية !! ولو وافقت نبتدي نسعى في الموضوع وننزل طلبك في باب أريد عريسا في أي مجلة.
قالها وقهقه عاليا فابتسمت هي الأخرى، في حين كان الغضب يتجسد على وجه (أدهم) وهو يعود لمكتبه بخطوات سريعة حانقة.


**********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:56 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:12 AM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الرابع عشر

************


عندما عاد (أدهم) لمكتبه حانقا، كان يشعر بتوتر لا مثيل له ولا يدري له سببا مما أثار غيظه أكثر، لمَ يغضب بسبب ماسمع في مكتب أخيه، وحتى عرض (آدم) للزواج من (جمانة) وإن كان جادا ما الذي يسيئه فيه ؟ فما بالك به يمزح ! قرر أن يدفن رأسه في أوراقه ويعمل ليشغل ذهنه، في الخارج كانت (سهام) تحادث (دينا) على هاتفها قائلة :
- تعالي بس معلش شوية، في صورة هنا نسيتيها من المرة الي فاتت من بتوع الحفلة تعالي خديها .. لا لا صورة من بتوعك مع الباشمهندس أدهم .. ايه يابنتي بتصرخي كده ليه ؟ .. طيب طيب تعالي مستنياكي.
أغلقت الخط ومالت تفتح الدرج الذي تركت فيه الصورة، أخرجتها ووضعتها مقلوبة أمامها على المكتب لتعطيها إياها عند مجيئها، ارتفع بعدها رنين الهاتف الداخلي فالتقطت سماعته في آلية وهي ترد :
- أيوة يا باشمهندس ؟
جاءها صوته صارما :
- هاتي لي ملف شركة النيل بسرعة.
أجابت :
- حاضر يافندم، دقيقة واحدة.
وضعت السماعة وانحنت تبحث عن الملف على المكتب حتى وجدته فالتقطته بسرعة وهي تتجه لمكتب (أدهم) لكنه انفلت من يدها بسبب العجلة وتناثرت بضع وريقات منه، جمعتها سريعا ووضعتها بداخل الملف ثم اتجهت للمكتب، طرقت الباب برفق ودخلت لتناوله لـ (أدهم) الغاضب فتناوله منها بنوع من العنف أخافها ولم ينطق، تراجعت بسرعة عائدة لمكتبها في انتظار مجيء (دينا) ، دلفت (دينا) للمكان متعجلة وهتفت فور دخولها :
- فين الصورة يا سهام ؟
مالت (سهام) تلتقط الصورة من فوق مكتبها قائلة :
- أهي !!
أصابتها الدهشة وهي تبحث عنها ولم تجدها في حين توترت (دينا) للغاية وكادت تصرخ وهي تسألها :
- هي فين يا سهام ؟
شعرت (سهام) بالحيرة وهي تجيب مستمرةً في البحث :
- كانت هنا لسه مطلعاها من الدرج حالا بعد ماكلمتك، راحت فين دي ؟
حاولت (دينا) مشاركتها البحث وتساءلت ثانية وتوترها في ازدياد :
- آخر مرة كانت فين ؟
أشارت (سهام) لمكتبها وردت :
- هنا.
قبل أن تسأل (دينا) المزيد من الأسئلة ارتفع رنين الهاتف فالتقطته وقبل أن ترد أتاها صوت (أدهم) صارخا في غضب شديد :
- ابعتي لي الآنسة دينا مصطفى حالا.
سقط قلبها بين قدميها وهي تتطلع لـ (دينا) التي وصلتها صرخته من خلف باب مكتبه فاتسعت عيناها في ذعر، وقالت :
- إنت اديتهاله ؟
هزت (سهام) رأسها نفيا بعنف وأجابت :
- لا طبعا دي حاجة تخصكم انا مستحيل اديهاله، ياربي شكلها اتحطت بالغلط في الملف اللي دخلته له من شوية، أنا آسفة يا دينا عارفة إنك كنت عاوزة توريهم له بنفسك.
لم تدر (دينا) بما تجيبها هل تنكر وتصرخ فيها فتفهم اللعبة أم تصمت وتتلقى اللوم من (أدهم)، قررت الصمت وهي تتجه لمكتب (أدهم) في تردد، طرقت الباب في خفوت فأتاها صوته الغاضب آمرا بالدخول، فتحت الباب وأطلت منه فرفع عينيه إليها وقال في غضب شديد :
- اتفضلي يا آنسة دينا.
دخلت في خوف فوقف بعنف خلف مكتبه مما جعلها تتراجع بسرعة لكنه رمى الصورة في وجهها وهو يهتف في صرامة شديدة :
- ممكن أفهم ايه دي ؟
قالت بارتباك :
- هاشرح لك يا أدهم.
صرخ :
- اشرحي، فهميني وإلا قسما بالله لا أكون جرك من شعرك قدام الناس لحد ماأرميكِ قدام أبوكِ عشان يشوف القذارة اللي انت عاملاها دي يابنت العائلات المحترمة.
شعرت بالخوف الشديد، لما هو بهذا الشكل ومنذ متى وهو همجي قاس هكذا؟ كان غضبه يبدو مضاعفا زائدا عن الحد، ازدردت ريقها في صعوبة وقالت بصوت خفيض :
- أدهم إنت عارف إني بحبك، وانت مش بتشجعني أبدا، اعتبرني مراهقة وغلطت، نفسها في حاجة تجمع بينها وبين اللي تحبه وبتنام تحلم بيه ليل ونهار، مجرد حاجة أطبطب بيها على قلبي.
عقد حاجبيه في غضب واقترب منها حتى وقف أمامها تماما وظهرها للحائط ثم قال في صرامة شديدة :
- حب؟ انت بتضحكي على مين يادينا ؟ حب ايه ده ؟ بصي كويس للصورة ؟ القرف اللي فيها ده مش حب، ده حرام، حاجة تغضب ربنا وبس، جبتي واحد وفضلتي تتلزقي فيه طول الحفلة والله أعلم عملتوا ايه مع بعض تاني وفي الاخر تحطي صورتي بداله ؟ ايه القرف اللي انت فيه ده؟ مش مكسوفة من نفسك بالله عليكي ؟ طب حتى احترمي أهلك ووالدك الراجل المحترم وسمعته بين الناس، لبسك زبالة وأخلاقك زبالة وتصرفاتك طايشة ومالكيش لجام وجاية تكلميني عن الحب؟
تراجع للخلف ووقف أمام مكتبه وأكمل بحزم دون أن يعطيها فرصة للرد :
- اتفضلي على مكتبك تكتبي استقالتك وتكون عندي في ظرف خمس دقايق وياريت مااشوفش وشك تاني لأن هيكون لي معاكي تصرف مش هيعجبك.
أخيرا نطقت وهي تهتف في خوف :
- أدهم إنت بتقول ايه؟ أنا اعتذرت لك، ليه بتعمل كده ؟
التفت إليها صارخا :
- قلت استقالتك تكون قدامي في ظرف خمس دقايق، اتفضلي.
ازداد خوفها فانطلقت خارجة من المكان، بكت وشعرت بالغضب والغيظ والحقد يغلي بداخلها وأقسمت ألا ينتهي الأمر بسلام أبدا.
بعد خروجها علا صوت (أدهم) الغاضب صارخا عبر الباب المفتوح :
- آنسة (سهام) تعالي هنا.
توترت (سهام) بشدة واتجهت إليه بخطى مترددة حتى رآها فهتف فيها غاضبا :
- ممكن أعرف الصورة القذرة دي جت في الملف إزاي ؟
ارتبكت (سهام) وترددت فصاح :
- ردي عليَّ.
قالت بخفوت :
- دينا كانت بتفرجنا على صور الحفلة وكانت مصممة نشوفها، دول كانوا في وسطهم وشفناهم غصب عنا، دي وقعت منها كنت لسه هارجعها لها لما حضرتك طلبت الملف واتحطت فيه بالغلط .
عقد حاجبيه بشدة وتساءل :
- بتفرجكوا مين ؟ ودول ايه هما كم صورة ؟
ردت بتردد :
- أنا وجمانة، ومااعرفش كم صورة بس احنا شفنا تلاتة وفيديو.
اتسعت عيناه وبدا غضبه شيطانيا، صرخ بانفعال مفرغا كل الغضب المحبوس بداخله في وجهها :
- جمانة ؟ كمان ؟ وفيديو ؟ كان فيه ايه ؟
خفضت عينيها في خجل فكون صورة في ذهنه عن محتواه مما جعل غضبه يشتعل أكثر، ثم قال في صرامة مخيفة :
- تاني مرة يا آنسة سهام لما أي حد يعرض عليكي الكلام في أي موضوع شخصي ترفضي، هنا مكان عمل مش نادي، ولما تشوفي حاجة ممكن تضر مديرك تبلغيه بيها فورا مش تحتفظي بالصور عشان ترجعيها لاصحابها.
تلجلجت وقالت مدافعة :
- يافندم الصور فيها موضوع شخصي وحاجات مستحيل كنت اقدر اتكلم فيها مع حضرتك، يعني حضرتك متخيل إني ممكن أجيب صورة زي دي وأديهالك واقولك اتفضل دي من دينا، مستحيل طبعا.
حدق فيها بدهشة كأنه يراها لأول مرة، انتبه لحمرة الخجل التي تغلف وجنتيها وعلم أنها على حق فقال بحزم وإن كان قد هدأ بعض الشيء :
- خلاص يا آنسة سهام، اتفضلي إنت وموضوع زي ده مايتكررش تاني.
أومأت (سهام) برأسها ثم التفتت لتخرج من المكتب بسرعة وقبل أن تصل للباب وجدت (آدم) يظهر أمامها هاتفا :
- خير يا أدهم صوتك جايب آخر الممر ليه كده ؟
تطلع إليه (أدهم) بنظرة غاضبة، وتساءل بداخله : أهذا وقت مناسب لتظهر فيه يا أخي العزيز ؟ لم يرد على سؤاله والتفت يتطلع للخارج من النافذة الضخمة في مكتبه وهو يزفر في حنق شديد، اقترب منه (آدم) وربت على كتفه في رفق وسأله مرة أخرى بهدوء :
- مالك يابني ؟ زعلان ليه ؟ ايه اللي حصل ؟
زفر (أدهم) مرة أخرى والتفت لأخيه هاتفا في غضب :
- الآنسة دينا، عملت عملة مهببة.
تساءل أخيه :
- خير ؟ عملت ايه المصيبة دي ؟
التفت يتطلع للصورة الملقاة أرضا ثم أشار إليها في صمت، نظر أخيه في اتجاه إشارته ليجد الصورة، اقترب منها ثم التقطها وهو يتطلع إليها في صدمة هاتفا :
- ايه ده ؟ ايه اللي انت عامله معاها ده يا أدهم ؟ وايه اللبس الزبالة ده ؟
اغتاظ (أدهم) أكثر وهو يرد :
- بأقولك ايه أنا مش ناقص، بالعقل كده تفتكر إني ممكن أعمل حاجة زي دي؟ الهانم في حفلة باباها من كم يوم جابت واحد صاحبها وفضلت ترقص معاه بطريقة زفت وفي الآخر حطت صورتي بداله، والمصيبة الأكبر إنها جت هنا عشان تخلي سهام وجمانة يشوفوها.
اندهش (آدم) وتساءل :
- جمانة ؟ واشمعنى جمانة وايه اللي خلاها تشوفها أصلا ؟
(أدهم) بعصبية :
- أنا عارف بقى، أنا هاتجنن أصلا وكان نفسي أخنقها بايدي.
فكر (آدم) بهدوء لثوان، ثم قال :
- طيب سهام وسكرتيرتك وطبيعي تكون في مكتبك هنا، إنما ايه جمع بينها وبين جمانة في وقت الصور ده بالذات.
هز (أدهم) كتفيه وأجاب :
- يمكن صدفة.
رفع (آدم) حاجبيه في سخرية وهو يرد :
- صدفة مين يابني؟ أكيد الموضوع فيه إن، بس هي إيه مش عارف، غالبا الموضوع ده من كم يوم لما كنا هنقعد ننتاقش في التعديلات على ملف المناقصة، لما جيت لقيت جمانة مع سهام ودينا ولما شافتني ادتني الملف وهربت من قدامي بسرعة.
قال (أدهم) بغيظ :
- هربت ؟ المهم إن شكلي بقى زي الزفت قدام سهام وجمانة وطلعت واحد سافل ماعندوش أخلاق والله أعلم قالت لهم ايه تاني عننا، الموقف اتصلح مع سهام إنما جمانة هاقولها ايه؟
تظاهر (آدم) بعدم الفهم وهو يسأل :
- وتقولها ليه أصلا، يفرق ايه تعرف حاجة عن حياتك الشخصية أو ماتعرفش؟
أدار (أدهم) وجهه للنافذة مرة أخرى وهو يقول :
- ولا حاجة بس مااحبش صورتي تبقى بالشكل ده قدام أي حد.
تطلع إليه (آدم) في صمت وهو يستشف شيئا من كلام أخيه لكنه أراد التأكد منه ولم يدرِ كيف؟ فصمت، أما (أدهم) فعاد يلتفت إليه مرة وتساءل متظاهرا بعدم الاهتمام :
- عاملة ايه معاك جمانة في المكتب ؟
أجاب باقتضاب محاولا استفزازه :
- هايلة .
شعر بالغيظ يكتنفه مرة أخرى فأدار وجهه للنافذة مجددا وهو يزفر في حنق جعل الابتسامة تعلو شفتي أخيه، لكنه عاد يسأل دون أن يلتفت إليه :
- بتساعدك زي ماكنت متوقع ولا ايه ؟
أراد (آدم) استفزازه أكثر فكسى لهجته بصبغة حالمة وقال ممتدحا :
- بأقولك هايلة، من كل الجوانب، انسانة ممتازة.
التفت (أدهم) يحدق فيه بدهشة ممتزجة بالغضب والذي بدا واضحا على ملامحه كما توقع (آدم) فأكمل برومانسية :
- مش عارف حاسس إني خلاص ماعدتش أقدر أستغنى عنها.
اتسعت عينا (أدهم) وتساءل في قلق :
- قصدك ايه ؟
أجاب (آدم) وهو يهز كتفيه ببساطة :
- بافكر أعرض عليها الجواز.
تراجع (أدهم) للخلف بعنف، فارق كبير بين المزح والجد، هنا (آدم) لا يمزح إنه بالفعل يريد الزواج منها ؟ خفض عينيه في ألم وسأله بخفوت :
- بتحبها ؟
شعر (آدم) بما يعتمل في صدر أخيه فخفف عنه قليلا وهو يجيب :
- مش لازم يكون حب زي حب الرجل للست العادي، بس هي فعلا انسانة كويسة جدا.
عاد الأمل يتردد في صدر (أدهم) مما جعله يسأل مرة أخرى :
- بس كده ؟ مفيش حب ؟ وهتعيش معاها إزاي ؟
هز كتفيه وهو يرد :
- عادي زي ناس كتير والحب ييجي بعدين.
التفت للنافذة مرة أخرى مفكرا في صمت استفز (آدم) فاقترب منه وأدار وجهه إليه وهو يقول بلهجة مازحة :
- يابني اعترف وريح دماغك بدل القلق ده .
تساءل (أدهم) بدهشة :
- أعترف بايه ؟
رفع (آدم) حاجبيه ونظر إليه في صمت جعله يخفض عينيه أرضا ويقول في خفوت :
- كبر دماغك يا آدم مفيش حاجة من اللي فيها دي حصلت.
(آدم) بهدوء :
- بجد ؟
صمت (أدهم)، هل يرد كاذبا أم ينفي ماقاله للتو ؟ شعر بالحيرة فصمت، مما جعل أخاه يتطلع إليه في حنان شاعرا بحيرته، ثم قال :
- لو بتحبها انطق لأنها محتاجاك جنبها.
رفع (أدهم) عينيه لأخيه في دهشة من صراحته ولم يستطع الكلام فجذبه (آدم) من يده وهو يستطرد :
- تعالى نقعد وأحكيلك المشكلة اللي فيها والحل اللي اقترحته واللي عارف إنه هيعجبك.
ثم قص عليه الأمر باختصار شارحا فكرته، بعدها فكر (أدهم) لدقيقة وهو يشبك أصابعه أمام وجهه ثم قال :
- فكرتك غريبة يا آدم، تفتكر ممكن تنجح.
أكد عليه قائلا :
- أكيد.
سأل مرة أخرى :
- وايه اللي خلى فكرة عجيبة زي دي تيجي في بالك ؟
مط شفتيه وهو يجيب :
- مش عارف، بس حسيتها مناسبة وهتحل المشكلة، ها قلت ايه ؟
(أدهم) بشرود :
- قلت ايه في ايه ؟
نهض (آدم) من مكانه وقال :
- بقى كده، طيب مع نفسك بقى، أنا راجع مكتبي لجمانة.

نظر إليه في غيظ فبادله النظرة بأخرى عابثة جعلته يلف وجهه ثم ابتعد هو في صمت.
********
جلس (أدهم) في مكتبه يفكر في شرود، لم يدر كيف خمن أخيه ماقاله، هل يبدو عليه الحب ؟ هل يحبها فعلا ؟ أي نوع من الحب هذا الذي يجعله يسعد باستفزازها وإغضابها ؟ أي حب الذي لا يشعر به إلا عندما ينبهه أحدهم إليه ؟ وتلك الفكرة التي اقترحها (آدم)، فكرة مجنونة جعلت أخرى أكثر جنونا تقفز إلى عقله لتثيره أكثر وتجبره على تنفيذها ، قطع شروده رنين هاتف المكتب المتصل بالاستقبال فنظر إليه في دهشة ثم رفع سماعته مجيبا :
- أيوة يا حسن خير ؟
أتاه صوت موظف الاستقبال قائلا في عجلة :
- أيوة يافندم، في واحد هنا مصمم يدخل الشركة بأي شكل ومتعصب جدا، عاوز يطلع الحسابات عشان يقابل أستاذة جمانة أبو الفتوح.
يا إلهي ! ألن ينتهي هذا الأمر ؟ هكذا فكر (أدهم) ، كل دقيقة يحدث شئ يتعلق بها حتى كاد يفقد صوابه، طال صمته فأتاه صوت (حسن) مرة أخرى متسائلا :
- يافندم! أعمل ايه أطلعه ؟
أفاق من شروده على السؤال الذي استفزه أكثر فرد في عصبية :
- تطلعه فين ياحسن ؟ هو نادي ؟ عاوز ايه ده كمان ؟
رد (حسن) بلا اهتمام :
- مش عارف يافندم.
هنا علا صوت غاضب بجواره يهتف :
- انتو بتستهبلوا، بأقولكم عاوز أقابلها هو في ايه ؟ داخل منطقة عسكرية أنا هنا يعني ؟
عقد (أدهم) حاجبيه في غضب بعدما سمع تلك الجملة وقال :
- طلعه على مكتبي ياحسن أما نشوف آخرتها.
ثم أغلق الخط وهتف في حنق :
- ده ايه البلاوي دي ياربي ؟
بعد دقائق لم تطول طُرِق باب مكتبه، فقال في حزم :
- ادخل.
دلف للمكان شاب متوسط الطول خبيث النظرات، بدا كأنه لم ينم منذ فترة شديد العصبية والغضب وبصحبته أحد أفراد أمن الشركة، سأله (أدهم) بهدوء :
- مين حضرتك ؟
أجاب الشاب في عصبية :
- أنا دكتور هشام عبدالله، كنت مدير صيدلية جوز جمانة.
شعر (أدهم) بغضبه يزداد من طريقة حديث الرجل وذكره لاسمها مجردا هكذا فسأله :
- طيب وعاوز ايه حضرتك ؟ دي شركة ومكان عمل وبس مش كافيه تتقابلوا فيه .
علا صوت (هشام) وهو يقول في عصبية :
- ما أنا مش عارف أوصلها، الهانم بتستهبل، بعد ماشلت الصيدلية على كتافي وتعبت فيها وكبرتها جابت واحد ركبته علي ودلدل رجليه وفي الآخر ألشوني منها هما الاتنين عشان يفضى لهم الجو مع بعض.
تماسك (أدهم) قدر استطاعته وضم قبضتيه بقوة أسفل المكتب، كان يريد الانقضاض عليه وتحطيم أسنانه بسبب ماقاله والطريقة التي قاله بها، وبسبب ما لمح إليه، بالتأكيد يقصد (حسام) الذي صدم ابنتها بسيارته ثم ملكته مالها بعدها تلك المجنونة، انتابه الغضب أكثر لأنه شعر بالغيرة تجتاح قلبه وتشعل فيه نيرانها لكنه اكتفى بأن يهتف به في غضب :
- أيه الكلام الزبالة ده ياحضرت، مش عيب دكتور محترم يتكلم بالطريقة دي على واحدة ست في غيابها، عاوز تتفاهم معاها يبقى بعيد عن الشركة وبمنظرك ده يفضل ماتقربش منها أحسنلك.
ثم أشار لرجل الأمن هاتفا في حزم غاضب :
- طلعوه بره الشركة وممنوع بعد كده حد يدخل وخصوصا البني آدم ده.
ظهرت شرارة الغضب والشر في عيني (هشام) ثم صاح بصوت عال :
- آآآه ، قول كده بقى ؟ الهانم دايرة على حل شعرها وموقعة الرجالة في دباديبها، بتطردني عشانها بدل ماتجيبلي حقي منها، ماشية معاك إنت كمان ؟
لم يشعر (أدهم) بنفسه إلا وهو ينقض عليه ويكيل له لكمة عنيفة في فكه أسقطته أرضا والدماء تنزف من فمه بغزارة ثم انحنى يقبض بعنف على ياقة قميصه وقال في صرامة شديدة وهو ينظر في عينيه :
- الحيوان الزبالة اللي زيك مايستاهلش غير كده، واللي بتتكلم عليها دي أشرف منك ومن كل اللي تعرفهم مليون مرة، وقسما بالله لو اتعرضت لها لا تكون فيها نهايتك ؟ فاهم ؟
قالها وهو يحدق في عينيه بصرامة وغضب شديدين أثار الرعب في أوصاله واستشعره (أدهم) فشعر بالتقزز منه، ألقاه أرضا بعنف وهتف في رجل الأمن :
- طلعوا الزبالة ده بره.
أمسكه رجل الأمن بقوة وهو يصرخ في عصبية محاولا الإفلات منه حين دنا منهما رجل أمن آخر لمساعدة زميله وقاما بجره جرا خارج الشركة وهو يصرخ ويتوعد، كانت (دينا) واقفة قرب بوابة الشركة بعد أن كتبت استقالتها وأرسلتها لمكتب (أدهم) في طريقها للمغادرة مهزومة مدحورة، وقفت تتابع ما يحدث في اهتمام ولفت نظرها صراخه باسم (جمانة)، شعرت أن القدر قد ألقى في طريقها بالحبل الذي ستلفه حول عنق (جمانة) حتى يخرج آخر نفس في صدرها، انتظرت حتى أخرجوه من الشركة تماما ثم تبعته بسرعة، لاحظت أنه يتأوه ويمسك بمنديل يمسح به الدماء من فمه، ابتعدا قليلا عن الشركة وما إن اقترب من سيارته حتى نادته هاتفة بأرق نبرة استطاعت أن تضفيها على صوتها :
- يا أستاذ لو سمحت.
التفت لصاحبة الصوت بعينين ناريتين وما إن رآها بملابسها الفاضحة وجمالها الواضح حتى تبدلت ملامحه وتدلى فكه السفلي في انبهار واشتهاء واضح أثار غرورها فاقتربت منه قائلة في هدوء وهي تمد يدها إليه :
- أنا دينا باشتغل مع جمانة في الشركة.
تطلع إلى يدها الممدودة لحظة ثم تناولها في لهفة وهو يهتف :
- أهلا وسهلا.
تركت يدها في يده عمدا وهي تراقب تأثير ذلك عليه ثم قالت في نعومة :
- ماعرفتنيش بنفسك طيب ؟
رد مرتبكا وهو يرفع عينيه إليها :
- ها .. آه .. اسمي هشام، دكتور صيدلي.
قالت في دلال :
- طيب يادكتور هشام تسمح لي أعزمك على الغدا ونتكلم شوية في موضوعك مع جمانة وتشرح لي اللي حصل يمكن أقدر أساعدك.
كان شَرِهاً للغاية، شرها لها ولأنوثتها الطاغية ولفكرة أن تدفع هي ثمن طعامه فوافق على الفور واتجها إلى سيارتها الفخمة فتطلع إليها في بلاهة ممتزجة بجشع ونهم مما جعلها تدرك أنها بالفعل أمسكت بطرف الخيط الذي ستشده حتى يخنق غريمتها .


********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:58 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:17 AM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الخامس عشر

**************

من أكثر الأيام إرهاقا كان هذا اليوم، توالت فيه الأحداث والصدمات خاصة بعدما علمت أن (هشام) حاول مقابلتها في الشركة لكنه قابل مديرها وعنفه بل وضربه أيضا، كان الموضوع حديث الشركة كلها مما أشعرها بالخجل، ترى ما الذي حدث وأجبره على ضربه وطرده بهذا الشكل؟ وما الذي يهمه من أمرها لكي يتصرف هكذا؟ عادت لمنزلها لتستقبلها صغيرتها بلهفة فانحنت تحملها وتقبل وجنتيها بشغف هاتفة :
- ملوكة حبيبة ماما وحشتيني.
ضحكت الصغيرة في سعادة ثم بادلت والدتها القبلة وتعلقت برقبتها وهي تتجه للمطبخ، دلفت إليه لتجد والدتها تطهو الطعام وشقيقتها جالسة تطالع بعض الأوراق في اهتمام وتحتسي كوبا كبيرا من النسكافيه، رفعت رأسها إليها وعلت شفتيها ابتسامة باهتة بها الكثير من الانكسار، كم تشعر بالأسى من أجل شقيقتها، تلك التي تراها أما ثانية وملاكا حارسا لها تصبح بهذا الضعف، هي امرأة كغيرها تحتاج للحب والوفاء، لكنها افتقدت كلاهما، بادلت شقيقتها الابتسام وهي تقترب منها وتنحني لتقبل رأسها قائلة :
- إزيك يالولو ؟ عاملة ايه النهاردة ؟ نزلتي المحكمة ولا ايه ؟
أجابتها شقيقتها بنفس الابتسامة في خفوت :
- أيوة نزلت، كان عندي شوية حاجات ضروري اخلصها وكان لازم أنزل.
ربتت على كتفها في حنان ثم أجلست طفلتها على الكرسي المقابل لخالتها واتجهت لوالدتها متسائلة :
- ها يا ست الكل، هناكل ايه من ايديكِ الحلوة النهاردة ؟
ابتسمت الأم وهي تجيب :
- عاملالك صينية الفراخ اللي بتحبيها إنت وأختك، غيري يلا وتعالي ساعديني الكلام الحلو مابيغسلش المواعين.
ضحكت (جمانة) واتسعت ابتسامة (لمياء) قليلا، ثم قالت (جمانة) وهي متجهة لغرفتها :
- بس كده، اؤمريني ياقمر إنتي.
دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها وهي تتنهد في حزن ثم قالت من أعماق قلبها :
- يارب اسعد لميا وارزقها بالزوج الصالح والذرية الصالحة، إنت عارف هي طيبة وحنينة قد ايه، اجبر قلبها يارب وفرحها.
ثم أبدلت ملابسها وغسلت وجهها وتوضأت وعادت لغرفتها لتصلي العصر بعدها اتجهت عائدة للمطبخ، وجدت والدتها جالسة في مقابلة شقيقتها تحمل الصغيرة على قدميها، حاولت كسر الصمت المخيم على المكان فقالت بمرح :
- عرفتوا آخر خبر ؟
رفعت (لمياء) رأسها وتطلعت إليها متسائلة وترجمت الأم السؤال لصوت مسموع :
- خير ياجوجو ؟
هزت كتفيها وهي ترد في مرح :
- دكتور آدم مديري اللي كان أستاذي في الجامعة، طلع لي بحل جهنمي لمشكلة ملك .
شعرت الأم بالأمل واستمرت (لمياء) في النظر إليها باهتمام، كان حديث (جمانة) يدل على أنها تسخر من الفكرة ولا تقبلها حين أجابت :
- بيقولي اتجوزي.
عقدت (لمياء) حاجبيها في دهشة ثم صمتت في تفكير عندما هتفت الأم :
- اتجوزي ؟؟ هو ده الحل ؟ إزاي يعني ؟ جوازك في الوقت الحالي نقطة ضعف هيمسكوا فيها عشان ياخدوا البنت.
أومأت (جمانة) برأسها موافقة وردت :
- أيوة ما أنا قلت له كده.
قالت الأم باستغراب :
- حل مش منطقي أبدا.
هنا علا صوت (لمياء) وهي تقول بهدوء :
- ليه مش منطقي يا ماما ؟ بالعكس الفكرة عجبتني جدا، جواز جمانة حاليا هيعتبر خط دفاع وهجوم في نفس الوقت، لو باعت الأرض لجوزها حتى لو بعقد صوري كده مشكلة الأرض اتنقلت لعهدته وهو يتصرف فيها، وبالتالي الحاجة اللي عاملة أزمة من الأول مش هتبقى متعلقة بجمانة إنما بشخص تاني يقدر يتصرف معاهم ويجيب حقها، ودي نقطة هجوم وفي نفس الوقت يحميها منهم ودي نقطة دفاع ده غير إنه حتى في حالة جوازها الحضانة مش من حقهم.
تطلعت إليها شقيقتها في دهشة وصمتت الأم مفكرة، استغربت (جمانة) للغاية فما قالته (لمياء) كان هو ما طرحه (آدم) بالضبط لكنها نسقته بشكل أكثر منطقية وجعلته أكثر قابلية لإقناعها، قد تتزوج زواجا صوريا من شخص ما حتى لو دفعت له مالا ليقوم بالمهمة، لا يشترط ان يكون الزواج تاما وترتبط بشخص لا تحبه او تريده خاصة مع حالة قفل قلبها الذي علاه الصدأ حتى التحم ببعضه البعض ولم يعد من الممكن فتحه، قالت بعد صمت :
- ده نفس كلام دكتور آدم، بس إنت رتبتيه صح.
هزت (لمياء) كتفيها وقالت :
- الفكرة فعلا معقولة جدا.
ردت الأم :
- مش عارفة يابنات مش مطمنة.
ضحكت (جمانة) وهتفت :
- ياماما ماتقلقيش، يعني حتى لو قلت هانفذ الفكرة خلاص الشخص الهايل السوبر اللي هيحميني منهم واقف ع الباب.
قالت (لمياء) بهدوء :
- لازم يكون بيحبك عشان يدافع عنك.
تطلعت إليها في دهشة، ها هو عائق آخر أمام تنفيذ الخطة، من الذي يحبها ؟ ولو وجد فهل سيقبل زواجا صوريا، كما يقولون مجرد حبر على ورق يجبر بعده على الوقوف في وجه المدفع ؟ قاطع أفكارها صوت والدتها وهي تقول :
- ايه رأيكم في دكتور حسام؟
رفعت عينيها فيما يشبه الصدمة لوالدتها في حين هزت (لمياء) كتفيها في صمت، استطردت الأم :
- إنسان هايل وأخلاقه عالية وشهم، ومعجب بيكي.
اتسعت عيناها وهي تهتف :
- معجب بيا ؟
أومأت الأم برأسها في صمت فسألتها :
- وإنت عرفتي ازاي يا ماما ؟
ابتسمت لسذاجة ابنتها وردت :
- واضح عليه ياجمانة، إنت بس اللي قافلة قلبك وعقلك وعنيكِ ومش عاوزة تشوفي حاجة.
شعرت بالغضب لكلام والدتها فقالت في عصبية :
- وحتى لو معجب بيا ياماما مش هاقوله تعالى اتجوزني ودافع عني قدام أهل جوزي اللي مات وحط نفسك في وش المدفع عشان تتعرض للخطر بدالي.
ردت الأم بصبر :
- اللي بيحب حد مش محتاج إنه يطلب منه يحميه عشان هو هيحميه فعلا من نفسه.
هزت (جمانة) رأسها في عنف وقالت رافضة :
- مستحيل، أنا مش فاهمة بتفكروا إزاي ؟ أتجوز بعد حسام ؟ وعشان ايه فلوس وأرض ؟ ماتغور ؟
قالت (لمياء) بشئ من الحزم :
- إنت بتهرجي يا جمانة ! هي مسألة فلوس وبس ؟ دي أرض بنتك وعشان إنت وصية عليها فإنت مسئولة قدام ربنا عن مالها وبتساعديهم ياكلوا مال اليتيم ودي تعتبر شراكة في الذنب.
صمتت (جمانة) وشعرت بالقلق من كلام أختها، لم تفكر في هذا الجانب من قبل، لكنها ردت بعدها بعناد :
- ربنا عالم بالحال يا لميا وعارف إني مضطرة عشان احافظ على بنتي نفسها.
ردت (لمياء) بحزم أكبر :
- بس كان قدامك حل ورفضتيه وضيعتي حقها وخلاص، ده غير إن مفيش أي محكمة هتديكي الإذن إنك تبيعي الأرض بسعر بخس ..
شعرت بالغيظ من منطق أختها، هاهي تقنعها وببساطة مرة اخرى، تذكرت وعدها لوالدة زوجها، كيف تخلفه ؟ لمَ يتحدثون عن زواجها وكأنه أمر طبيعي مسلم به، كأن زواجها يمكن أن يحدث في الغد وأن الرجل متاح فورا للزواج ؟ من هو هذا الرجل ؟ كيف ستتقبل أمرا كهذا ؟ رجل آخر في قلبها، لا .. في حياتها مع صغيرتها، هل هذا ممكن؟ بعد صمت دام طويلا قالت في شرود :
- طيب ووعدي؟
عقدت الأم حاجبيها في غيظ وقد فهمت ماتقصده ابنتها في حين تساءلت (لمياء) في دهشة :
- وعد ايه ؟
نظرت إليها بحزن، كانت تعلم أن الأمر سيغضب شقيقتها للغاية لكن ما باليد حيلة لذلك أجابتها بتردد :
- وعدي لماما راضية إني مستحيل أتجوز بعد حسام الله يرحمه.
اتسعت عينا شقيقتها في صدمة، لم تجد ما تقوله وارتج عليها لثوان صرخت بعدها :
- نعم ؟ انت اتجننتي يا جمانة ؟ إزاي تدي وعد زي ده ؟ ده حتى مش عشانك لا عشانها ؟ انت فاكرة وعدك ليها صح ؟ تفتكري لو خلفتي وعدك هي إيه هيكون شعورها ؟ هتحس بخيانة ؟ بقهر ؟ بموت ابنها وضياعه منها للمرة التانية لما تضيعي منها إنت كمان ؟
صمتت لحظة لتلتقط انفاسها ثم عادت تقول بصوت أهدأ :
- جمانة مش من حقك توعدي إنك توقفي حياتك على شخص، حتى لو إنت عاوزة ده، ممكن تاخديه قرار براحتك بس في أي وقت ممكن يتلغي لأي سبب، إنما الوعد .. خلف الوعد ده حاجة مش بسيطة، لازم تروحي لطنط راضية وتتكلمي معاها وتشرحي لها المشكلة عشان تحلك من وعدك ده.
ردت (جمانة) بعصبية :
- ازاي يعني يا لميا عاوزاني أروح اقولها معلش مش هاقدر احافظ على وعدي وبادور على عريس.
زفرت (لمياء) في حنق وقالت :
- انت بتستهبلي يعني، هو في حد يقول كده ؟ هتشرحي لها الموقف وتفهميها إنك خايفة وانك اتعرض عليكي حل كذا وكذا وانت مش عارفة تعملي ايه، وبعدين شوفي رأيها، وحاولي تختاري كلامك صح عشان ماتفهمكيش غلط، واوعي تديها وعد بحاجة مجنونة تانية، سيبي الأيام تمشي زي ماهي.
عقدت (جمانة) حاجبيها في تفكير ووالدتها تتطلع إليها في صمت في حين عادت شقيقتها تدفن رأسها في اوراقها، ثم زفرت في ضيق وقالت :
- هاشوف، أنا مش عارفة هاواجهها إزاي؟ بس ده مش معناه إني موافقة على فكرة الجواز أصلا، ده غير إن فعلا مفيش حد يصلح أروح أطلب ايده.
هزت شقيقتها رأسها في غيظ ولم ترق لها الدعابة في حين ردت الأم :
- سيبيها على الله ياجمانة، المهم تكلمي راضية في الموضوع يمكن ع الاقل تكلم ولاد جوزها يبعدوا عننا ولو إني عارفة إنهم مالهمش علاقة ببعض للدرجة.

أومأت برأسها في صمت وجلست تفكر فيما ستقوله لها عندما تزورها و إلى أي مدى سيؤلمها الأمر أو يوجع قلبها ! .
********
في ذلك اليوم قررت (جمانة) الذهاب لوالدة زوجها الراحل، لن تصطحب صغيرتها معها فهي تريد الكلام بحرية ولا تريد لابنتها ان تشاهد جدتها حزينة باكية والسبب أمها، صلت المغرب وارتدت ملابسها على عجالة، تركت الصغيرة مع خالتها التي نظرت لها نظرة طويلة بادلتها إياها وكأن حديثا مطولا دار بين أعينهما خفضت بعده (جمانة) عينيها في صمت وهي تطبع قبلة على رأس ابنتها وتغادر المكان، قادت سيارتها في شرود شديد حتى كادت تصطدم بأخرى في إحدى الإشارات لكنها توقفت في آخر لحظة وهي تتنهد بعمق وارتباك، التقطت هاتفها تتطلع للساعة بدون سبب ثم عادت تقودها مرة أخرى حتى وصلت لوجهتها، بعد الترحاب والسؤال عن الأحوال والصغيرة التي حزنت جدتها أنها لم تأت قصت (جمانة) الأمر كله من بدايته على السيدة، حكت لها كم تتألم وكم تخاف، قالت لها عن التهديدات التي هددها بها أخا زوجها وأنه سيأخذ صغيرتها منها مهما حدث ومهما فعل لتصبح الأرض كلها ملكهم للأبد، بكت بشدة عندما تذكرت وشعرت بالخوف يغزو قلبها مهشما ضلوعها طاعنا إياه، واستها السيدة كثيرا وشعرت بالحيرة هي الأخرى، فلم تكن تملك من الأمر شيئا، ماذا لو أساؤوا لسمعة والدتها ليأخذوها منها، ألم يفعلوا هذا معها بعدما تزوجت والدهم، والدهم الحنون الطيب الذي لم يصدق الأمر ونزح بها للقاهرة لتستقر هناك هي وصغيرها (حسام)، (حسام) الذي شعر أخويه دوما بالغيرة منه والحقد عليه خاصة بعد تخرجه من كلية الصيدلة وتملكه لصيدلية خاصة كهدية من والده، (حسام) الذي كان قرة عين أبيه والمدلل عنده، الذي كان دوما يلبي له طلباته ويفخر به في كل مكان، (حسام) الذي لم يختلف مع والده في أمر سوى زواجه من (جمانة) التي أحبها ورفضها والده آمرا ولده بالزواج من ابنة شقيقه حتى وافق على فراش المرض كي لا يكسر قلب صغيره، الصغير الذي لم يعترف به أخويه ولولا بقية من صلة دم وقانون لما سمحوا له بأن يرث والده، طفلها هي الذي ضاع منها وفطر قلبها عليه والآن يأتي اخويه ليأخذوا منهما ما تبقى منه، أي قسوة تلك ؟ أفاقت من ذكرياتها على مرأى دموع (جمانة) التي أغرقت وجهها، الفتاة القوية التي أحبت ابنها وعشقها هو حتى النخاع، ترى كم تؤلمه دموعها الآن ؟ ما الحل يارب ؟، ربتت على كتفها في رفق واقتربت منها تضمها لصدرها فاستكانت (جمانة) بين ذراعيها، همست الحماة بحنان :
- ماتخافيش ياجمانة، ربنا معانا أكيد، أنا عارفة هما ممكن يعملوا ايه، لكن إن شاء الله مش هيقدروا، خلي عندك أمل في ربنا كبير.
ابتسمت (جمانة) وهي تشعر بحنان السيدة وشعرت بالأسى هل تخبرها بالحل المطروح عليها ؟ هل سيؤلمها كثيرا ؟ ماذا تفعل ؟ لما لا تبيع الأرض وتنهي الأمر ؟ ولكن لمن ومن سيحميها منهم إن فعلت ؟ قالت بعد صمت طال :
- ماما، لميا قالت لي قانونا مايقدروش ياخدوها مني وإن الأحق بكده هو أمي بعدها إنتي لو هيلجأوا للقانون.
ابتسمت السيدة في حزن وهي ترد :
- قانون ايه يابنتي؟ دول يهمهم الأرض وأملاكهم وبس حتى لو عملوا ايه .
أكملت (جمانة) وكأنها لم تسمع ماقالته :
- اتعرض علي حل للمشكلة يا ماما بس أنا مش عاوزاه، حاجة ماكنتش اتصور إني أبقى مضطرة أعملها في يوم من الأيام عشان أحافظ على بنتي وأرضها.
أبعدتها السيدة عن صدرها وتطلعت إليها بقلق وهي تتساءل :
- حل ايه يا حبيبتي ؟
أخذت (جمانة) نفسا عميقا وأجابت :
- الجواز.
قالتها وصمتت لترى وقع الكلمة على حماتها، أما السيدة فقد اتسعت عيناها في نوع من الذعر وارتدت مبتعدة عنها بشيء من العنف وهي تنظر إليها في صدمة عارمة، أهذا هو ما توصلت إليها يا زوجة الغالي ؟ تُمَلٌكين رجلا آخر من نفسك التي كانت ملكا لصغيري ؟ هل فتح قلبك لغيره ولم تستطيعي الصبر؟ قلقت (جمانة) للغاية من رد فعلها، نعم ستفهمها بطريقة خاطئة وتحزن وربما تكرهها وتأخذ هي صغيرتها منها، ظلتا صامتتين تتطلع كل منهما للأخرى ، اجتعمت العيون على الخوف والقلق والحزن، أخيرا نطقت السيدة :
- جواز يا جمانة ؟ وهان عليك تقوليها لي كده ؟ هان عليك حسام ؟
بكت (جمانة) مرة أخرى وردت ودموعها تغرق حروفها :
- لا طبعا يا ماما، أنا كده تبقى هانت علي نفسي، نفسي اللي هي لحسام وبس، قلبي اللي ماحبش حد غيره ولا اتعلق إلا بيه، أنا قلت لك إنه حل مطروح ماقلتش إني هانفذه، أنا لا عاوزاه ولا حتى اعرف حد ممكن ينفع يتحمل مسئولية زي دي.
لم تفهم السيدة ما قالت فتطلعت إليها بتساؤل لم يخلو من التأنيب جعلها تكمل :
- الحل كان اتجوز واحد ابيع له الارض لو حتى بعقد صوري مع ضمان حقي أنا وبنتي، وهو يتفاهم معاهم بخصوص بيعها ليهم أو الشراكة وفي نفس الوقت يحميني منهم لو حاولوا يعملوا أي حاجة ممكن تأذيني.
رنت كلمات شقيقتها في أذنيها " واوعي تديها وعد بحاجة مجنونة تانية، سيبي الأيام تمشي زي ماهي" ، وعلى الرغم منها لم تستطع تنفيذ كلامها فاستطردت :
- مش لازم الجواز يكون حقيقي يا ماما، ممكن يكون الموضوع برده صوري، ع الأقل لحد ماالمشكلة تتحل والأمور تهدى.
نظرت إليها السيدة في صمت، تساءلت بداخلها : أهذا ممكن ؟ ومن الذي يقبل بأمر كهذا وما النفع الذي سيعود عليه منه ؟ شعرت (جمانة) بها فقالت :
- ممكن ادفع لأي حد مبلغ مناسب عشان يقوم بالمهمة دي.
قالت المرأة بسرعة :
- ماينفعش أي حد يا جمانة، إزاي هتأمني أي حد على أملاكك إنت وبنتك ؟
فجأة قفز لذهنها نفس الجملة عندما نطق بها مديرها (أدهم) يقصد بها دكتور (حسام) عندما علم بعمله في صيدلية زوجها، هل يمكن أن يوافق (حسام) على أمر كهذا ؟ أمها تؤكد إعجابه بها، فهل يمكن أن يكون هذا دافعا لوقوفه بجانبها، هل سيرضى بالمال فقط كمقابل أم يطالب بها هي ؟ لم تكن ترغب في التفكير في الأمر فردت :
- أكيد هيكون في ضمانات يا ماما، أنا لسه ماوافقتش ع الفكرة أصلا وبأدور على حل تاني لحد ما الصداع بقى ملازمني 24 ساعة، وحتى لو الفكرة دي استقريت عليها مش عارفة مين ممكن يصلح وإزاي هاعرض عليه حاجة زي دي !
لم تدر السيدة بما تجيبها، فقد كان قلبها يبكي في صمت، تحجرت الدموع في مقلتيها وماتت الكلمات على شفتيها ولم تستطع تحريك لسانها ولو بحرف، لا تستطيع مواساتها ومحو خوفها وهي تشاركها إياه، ولا يمكنها موافقتها على فكرتها وأيضا لا تستطيع ترك الأمر للظروف لتضيع منهما الصغيرة بأي شكل ولا تمتلك حلاً آخر لتطرحه عليها، اكتنفتها الحيرة وغرقت في الحزن أكثر، شعرت بقلبها يشيخ فجأة وبموت ابنها يتكرر أمام عينيها وهي أضعف من أن تقوم بشيء ما، صمتت معلنة بصمتها موافقتها واستسلامها للظروف التي أجبرت على المرور بها واستقبلت (جمانة) رسالتها الصامتة في حزن اكتفت بعده بأن تبقى بين ذراعيها لأطول فترة تستشعر فيها رائحة حبيبها الراحل تحيط بها.

********
عادت (جمانة) لمنزلها مرهقة جسديا ونفسيا، كانت تشعر أن روحها محبوسة داخل قفص خالي من الأكسجين، وشعرت بفقدانها القدرة على التنفس، وجدت والدتها وشقيقتها في انتظارها، جلست أمامهما بصمت وهما تتطلعان إليها بقلق وتساؤل أجابت عنه بخفوت :
- حسيت إني بأنقلها خبر موت حسام للمرة التانية، قلبي وجعني عليها أوي وعلى الرغم من كده لقيتها أحن مني على نفسي.
ابتسمت أمها في حزن وحنان في حين قالت (لمياء) بنوع من القسوة :
- قلت لك ياجمانة، بطلي الطيش ده بقى واعقلي وفكري في كل كلمة قبل ماتنطقيها.
نظرت لشقيقتها في دهشة، منذ متى تعاملها هكذا ؟، لكنها لم تعلق وتقبلت منها ما قالت، هي على حق وهي أيضا تتألم، فلمَ لا تقبل ؟، قالت في هدوء :
- عموما ربنا يسهل، لو الموضوع موافقين عليه مبدأيا انا مش عارفة أعرضه إزاي على دكتور حسام ؟
قالت الأم :
- يعني خلاص وافقتي على حسام؟
ردت بحيرة :
- وهو في غيره ؟ ده غير إنه فعلا أمين ووقف جنبنا كتير.
ابتسمت الأم في نوع من السعادة وكادت تفرح فعلا بحدوث تلك المشكلة التي اضطرت ابنتها للموافقة على الزواج مرة ثانية، لكنها قالت :
- وحتى لو في غيره الدكتور حسام إنسان ممتاز وهيخلي باله منك ومن ملك ده غير إنه بيحبها وعمره ما هيفكر إنها تبعد عنك حتى لو جبتوا ولاد غيرها، وانت مش محتاجة تعرضيه عليه، هو في أول فرصة هيطلب منك الجواز لو حس إنك ممكن توافقي.
تطلعت إليها (جمانة) في صمت، آه يا أمي كم تحلمين ؟ هل تظنينه زواجا حقيقيا ستحملين منه أحفاداً آخرين ؟ أما (لمياء) فنظرت لها في عمق وفهمت ما تفكر فيه وكم أزعجها هذا، لم تعلق فقط قامت من مقعدها قائلة :
- هأنام أنا بقى، تصبحوا على خير.
ثم اتجهت لغرفة والدتها التي تشاركها إياها تتابعها عيني الأم والأخت في حزن.

********
في اليوم التالي اتجهت (جمانة) لعملها، كانت شاردة طوال الوقت، وبدت نظرة حزينة مرتسمة في عينيها، في منتصف اليوم طلب منها (آدم) أن تأتي لمكتبه لمراجعة ملف هام لمناقصة جديدة، اتجهت إليه في خطوات سريعة ثم طرقت الباب ودخلت تاركة إياه مفتوحا خلفها كالمعتاد، رفع رأسه إليها وقال بابتسامة هادئة :
- تعالي يا جمانة، اقعدي عاوزين نخلص الملف ده ونشتغل عليه بجد عشان لو رسيت علينا المناقصة دي هتنقل الشركة نقلة تانية خالص.
كانت ابتسامتها باهتة شاردة وهي ترد :
- مع حضرتك يادكتور.
نظر إليها ليلمح الشرود يرسم ملامح وجهها فسألها:
- مالك ؟؟ في مشكلة حصلت تاني مع أهل حسام ؟
هزت رأسها نفيا وهي تجيب :
- لا لسه ماعملوش حاجة لحد دلوقتي، والصمت ده هو اللي هيجنني ومخوفني.
قال في هدوء :
- معاكِ حق طبعا، الانتظار صعب، فكرتِ في الحل اللي قلت لك عليه ؟
شردت مرة أخرى وأجابت بخفوت :
- أيوة.
سألها :
- ها وايه رأيك فيه ؟
ابتلعت ريقها في صعوبة وردت :
- مش عارفة يادكتور، لميا أختي عجبتها الفكرة جدا بس أنا قلقانة ساعات أقول مفيش قدامي غيرها وساعات أفكر إزاي ممكن أعمل حاجة زي دي وأتجوز بعد حسام الله يرحمه.
قال لها بابتسامة أبوية :
- جمانة، إنت لسه صغيرة، غيرك كتير وأكبر منك كمان لسه مااتجوزوش أصلا، ليه ماتديش لنفسك ولقلبك فرصة يعيش الحياة من تاني بدل ما انت قافلة عليه كده وبتعذبيه في ذكريات الماضي اللي عمره ما هيرجع تاني ؟
لم ترد، ها هو قلبها يصفعها ويتمسك بتلابيب تلك الذكرى رافضا العبور للغد مع آخر، إنه هو وليس هي، عقلها في جهة وقلبها سلك الجهة المعاكسة تماما، يا إلهي ماذا تفعل ؟
شعر هو بما يعتمل بداخلها فهو نفسه يتملكه ذات الشعور كلما فكر في أنثى أخرى تحل محل زوجته وأم طفله، لم يرغب في المزيد من الذكريات المؤلمة فاستطرد في حزم :
- خلينا في المناقصة دلوقتي وربنا يحلها من عنده، بس عاوزك تركزي معايا المناقصة دي اهم من اللي قبلها وعاوز عقلك كله عشان نوصل لأفضل عرض تخليها بتاعتنا زي اللي قبلها.
نفضت الذكريات عن رأسها وابتسمت معلنة أن العمل هو الحل بالفعل، اندمجت معه في الملف حتى أنهيا جزءً كبيراً منه، كانت كعادتها مبدعة في أفكارها للنقاط التي تناولتها وعدلتها ليصبح العرض أفضل، شعر هو بإرهاقها يرتسم على وجهها فأغلق الملف أمامه وقال :
- كفاية كده النهاردة، بكرة نكمل شغل ع الملف عشان نبقى مركزين أكتر.
وافقته بإيماءة صامتة ثم وقفت قائلة :
- تمام يادكتور هاروح مكتبي بقى عشان عندي شوية حسابات محتاجة أراجعها.
أشار لها بأن تذهب وعاد هو لمراجعة الأوراق أمامه مرة ثانية، اتجهت بخطوات متثاقلة عائدة لمكتبها ثم جلست خلفه مغمضة عينيها لدقيقتين أو يزيد، كان الإرهاق يتمكن من كل جزء فيها، من جسدها متملكا حتى من أناملها ومن قلبها وعقلها وحتى من كل عصب فيها وكل شريان، شعرت بحركة خافتة أمامها ففتحت عينيها في تساؤل لم يلبث أن تحول لشهقة وهي تراه يقف أمامها في صمت متطلعا لوجهها بحنان ارتسم على كل تفصيلة من ملامح وجهه، شعرت بالتوتر فاعتدلت بسرعة متسائلة :
- خير حضرتك ؟!!

ظل ينظر إليها بنفس النظرة لثوان أخرى مما جعلها تخفض عينيها خجلا لكنه قال بنبرة خشنة بدا فيها وكأنه يكبح جماح مشاعره بصعوبة :

- "تتجوزيني" ؟!


**********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:01 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:19 AM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس عشر

*************

كانت الصدمة هي المسيطرة على كل خلية في (جمانة)، لم تتوقع مطلقا أن يقدم لها عرضا كهذا، هل هو جاد بالفعل ؟ هل ستحل مشكلتها الآن وبهذه البساطة ؟ ما الذي أصابه جعله يتصرف بهذا الجنون ؟ وما الذي أصابها لينتفض قلبها بين ضلوعها بهذا الشكل ؟ شعرت بالخجل يكتنفها وبالصمت يخيم على المكان، لم ينبس هو ببنت شفة، ولم تعلق هي بحرف، صمت مطلق لم يظهر فيه سوى صوت أنفاسهما المضطربة، أخيرا رفعت عينيها إليه فقرأ فيهما الكثير، التردد، الخوف، القلق، الدهشة، وشيء غامض لم يتبينه، لم يفهم من عينيها ردها على طلبه فاستمر صامتا منتظرا جوابها، جوابها الذي عندما أتى لم يكن يتوقعه مطلقا :
- ليه ؟

شعر بالتوتر، هل يجيبها بأنه يحبها ؟ بأنها تثير جنونه وأنه عندما يكون حولها يفقد قدرته على التفكير المنطقي السليم ويتصرف بكل عفوية وجموح لم يعهدهما في نفسه قط، بمَ يجيب حقا ؟ بأنه يغار عليها بشدة تكاد تفجر عقله وتجعله يقتل من يقترب منها ؟ بأن استفزازها ورؤيتها غاضبة كطفلة صغيرة يسعده للغاية ؟ بأنه يريد ضمها لصدره وتقبيل دموعها ومحو أحزانها ؟ أنه يريد أن يكون هو رجلها وحاميها وسندها وأن يسكنها بين ضلوعه ؟ طال صمته ففسرته هي بطريقة خاطئة عندما قالت مرة أخرى :
- مش لاقي إجابة، السؤال صعب اوي كده ؟
جلس أمامها على الكرسي المقابل للمكتب و رد بهدوء :
- مش عارف ليه، فجأة لقيت حاجة بتقولي لازم تطلب منها الجواز حالا.
اندهشت وتساءلت :
- حاجة ؟
لمعت عينيه وأجاب :
- أيوة، حاجة مش فاهمها ولا عارفها، حاجة بتخليني مجنون وخلاص.
لم تفهم للمرة الثانية فصمتت مرة أخرى، هاهو عرض زواج من رجل تعلم جيدا أن مخيف صارم قادر على حمايتها، لكن هل يمكنها أن تطلب منه أن يكون زوجها على الورق فقط ؟ ماذا سيكون رد فعل ذلك المخيف ؟ هل سيقبل ؟ شعرت بأنه سيتزوجها عنوة إن أراد، وكم دغدغ ذلك أنوثتها وداعب مشاعرها المدفونة، اجتاحها الحزن والقلق مرة أخرى بسبب ما تذكرته فسألته :
- طيب ودينا ؟
عقد حاجبيه في تساؤل ودهشة :
- دينا مين ؟
رفعت حاجبيها في نوع من الاستنكار الممتزج بالاستهجان ففهم مقصدها، وتذكر الموقف السخيف الذي وضعته (دينا) فيه ومعها هي بالذات وكأنها كانت تعنيها بالفعل، فأخذ نفسا عميقا وأجاب :
- لو قلت لك هتصدقيني ولا هتصدقي بس اللي شفتيه ؟
ردت بحزم :
- لو منطقي أصدقه مش كل حاجة في الزمن ده نشوفها تبقى حقيقة.
علت ابتسامة فَرِحة شفتيه وشرح لها الأمر برمته خاتما حديثه قائلا :
- أنا مستحيل أعمل حاجة زي دي حتى لو مع اللي بأحبها مادام مفيش بيننا رباط شرعي، واللي باحبها مستحيل تكون بشكل دينا او بطريقتها، أكيد هتكون مختلفة وعلى النقيض تماما، هتكون محل ثقتي وفخري بيها قدام الناس كلها.
شعرت بنوع من السعادة يداعب قلبها في رفق وهدوء، أعقبها دهشة ملأتها حتى النخاع، لما تشعر بالسعادة ؟ هل هو بالفعل من كانت تتمناه ؟ هل تثق بحمايته ؟ هل تعلم أنه سيكون حارسها الأمين ؟ ولكن كيف ستخبره أن الزواج لن يكون فعليا ؟ مهلا لحظة ! هي تفكر في الأمر وكأنه يعلم بمشكلتها ويعرض عليها الزواج ليكون بجانبها، ماذا لو أنه يعرض عليها زواجا حقيقيا دائما لا ينتهي ؟ رفعت رأسها إليه وقالت في تردد :
- انا عندي مشكلة، وكان حلها الجواز، وحتى لو وافقت فأنا ...
صمتت ولم تستطع أن تكمل حديثها شاعرة بالخجل فحثها قائلا :
- المشكلة عارفها وعندي استعداد أحلها من بكرة لو وافقتي، إنما اللي بعد حتى ايه بالظبط ؟
ترددت مرة أخرى ثم حسمت أمرها فجأة وقالت بسرعة :
- الجواز هيكون صوري لأني مستحيل أتجوز بعد حسام الله يرحمه، وهيكون لمدة معينة لما تتحل مشكلتي ينتهي.
شعر بالصدمة، صمت وطال صمته كثيرا، طال حتى أنها اعتقدت أنه يراجع نفسه وسيتراجع عن طلبه وحزنت لذلك ثم أصابها حزنها بغضب شديد، لمَ يهمها الأمر إن كان هو لا يعنيها في شيء، قطع تفكيرها صوته الحازم وهو يقول :
- ماعنديش مانع، بس بشرط.
حملت عينيها تساؤلا أجاب عنه بنفس الحزم :
- الجواز هيكون عادي، هأنفذ لك طلبك في موضوع الصوري ده، إنما حكاية النهاية دي سيبيها لوقتها، مفيش حاجة اسمها مدة معينة بعدها ينتهي الجواز.
سألته :
- ليه ؟
نهض واقفا وهو يرد :
- من غير ليه، هو كده وده اللي عندي.
ثم صمت لحظة يتطلع إليها فأطرقت برأسها خجلا استطرد بعدها وهو يميل نحوها قليلا :
- هأسيبلك وقت تفكري براحتك ومنتظر موافقتك، ولو مش موافقة هاتجوزك غصب عنك.
تطلعت إليه في دهشة، وشعرت بتلك الدغدغة في مشاعرها مرة أخرى لكنه عاد يعتدل ثم التفت عائدا لمكتبه فسألته بسرعة عن أمر نسيته في وسط حديثهما :
- عرفت مشكلتي منين ؟
التفت إليها مرة أخرى ثم نظر لمكتب (آدم) المغلق وقال بهدوء :
- من آدم.
سألته بسرعة على الرغم من دهشتها :
- وليه قالك عليها ؟
أجاب وهو ينظر في عينيها :
- عشان شاف حاجة انا ماكنتش شايفها.
لم تفهم وهو لم يعطها فرصة لمزيد من الأسئلة بل استدار مغادرا المكان بسرعة.

********
ظلت (جمانة) بعد مغادرته محدقة في الباب، لم تكن تعي ماحولها جيدا، رن هاتف المكتب الداخلي فلم تشعر به، فتح باب مكتب (آدم) وأطل منه في قلق فوجدها تجلس صامتة تحدق في باب المكتب الخارجي، نظر إليه في عدم فهم ثم ناداها فلم تجبه، وبدا أنها لم تسمعه مطلقا، ناداها بصوت أعلى وهو يقترب منها فانتفضت في مكانها والتفتت تنظر إليه وعيناها لاتزالان تحملان صورة (أدهم) فأغمضتهما لحظة ثم فتحتهما لتجد (آدم) يقف أمامها ويبدو عليه القلق، سألها :
- مالك يا جمانة؟ سرحانة في ايه أوي كده ؟ في حاجة حصلت؟
أومأت برأسها في صمت فعاد يسأل في قلق :
- خير ؟ حصل ايه ؟
أشارت للباب وقالت :
- باشمهندس أدهم.
تطلع إلى حيث تشير فلم يجد أحدا فعاد يلتفت إليها متسائلا :
- ماله ؟ كان هنا ؟
أومأت برأسها إيجابا فسأل :
- ومادخلش ليه ؟
أجابت :
- كان جاي عشاني.
شعر بالدهشة وعاد يسأل :
- عشانك ؟ كان عاوز ايه ؟
نظرت إليه في خجل ثم خفضت عينيها أرضا وهي تجيب في خفوت :
- عرض علي الجواز!
ارتفع حاجبا (آدم) بشدة وهو يشعر بدهشة لا حد لها ثم هتف ضاحكا :
- بجد ؟ يا ابن الإيه يامجنون .
تطلعت إليه في دهشة وهو يستطرد :
- طيب وإنت رأيك ايه ؟
هزت كتفيها في حيرة وردت :
- مش عارفة!
سألها :
- مش عارفة ليه ؟ إنت شايفة إن أدهم كويس ويصلح زوج ليكي ولا لا ؟
أجابت بعفوية :
- المشكلة مش في كده، المشكلة هل هيقدر يحل المشكلة فعلا ويقف لأهل حسام، ولو قدر هو بيعمل كده ليه ؟
سأل في استغراب :
- هو ماقالكيش هو عرض عليكي الجواز ليه ؟
هزت رأسها نافية وهي تجيب :
- لا، سألته قالي مش عارف وحاجة مجنونة بتخليه يعمل كده، مافهمتش.
ابتسم في حنان ولم يعلق في حين انتبهت هي لأمر كانت قد نسيته فسألته بسرعة :
- دكتور آدم هو حضرتك حكيت له على مشكلتي ليه ؟
صمت قليلا ثم أجاب وهو ينتقي كلماته بعناية :
- مادام هو ما شرحش ليه عرض عليكي الجواز ماأقدرش أقولك ليه قلت له على مشكلتك، خليه هو يقولك بنفسه لو ربنا أراد واتجوزتوا.
شعرت بالدهشة فقالت بإلحاح :
- دكتور آدم من فضلك قول لي، مخي تعبان من التفكير أصلا وكده الضغط بيزيد عليه.
ضحك وهو يرد معاندا :
- لا ، مش من حقي.
ثم اتجه عائدا لمكتبه في بطء وكأنما يريد إثارة غيظها أكثر ، وعندما وصل لبابه التفت إليها قائلا :
- يلا نسينا نقطة مهمة في الملف لازم نخلصها النهاردة، بس عاوزك تصحصحي معايا.

تطلعت إليه والدهشة تغمرها والحنق يتمكن منها، كادت تضرب بقدميها في الأرض كطفلة عنيدة، ثم تذكرت أين هي فقامت متجهة لمكتبه باستسلام.
********
كانت (جمانة) وهي عائدة لمنزلها تشعر كأنها تحلق بين السحب القطنية، تنساب من أعلى كقطرة ندى في الفجر تنحني لها الزهور، لم تعلم لما تجتاحها تلك المشاعر كالمراهقات لكنها كانت سعيدة وهذا يكفيها، شاعرة بنوع من الأمان وهذا يسعدها أكثر، دلفت للمنزل بهدوء وملامحها تحمل شرودا واضحا، وجدت شقيقتها وأمها وطفلتها جالسات في غرفة المعيشة في انتظارها لتناول الغذاء سويا، ألقت السلام ثم جلست ملقية بجسدها على إحدى الأرائك وأسندت رأسها للخلف مغمضة عينيها في سلام، تبادلت الأم والأخت نظرة تساؤل في حين اقتربت منها (ملك) وجلست فوق ساقيها ونادتها :
- ماما ؟
فتحت عينيها ومالت تتطلع للصغيرة بحب وسألتها :
- أيوة ياحبيبة ماما !
رمت (ملك) بنفسها في حضن أمها ولم تتكلم عندما سألتها شقيقتها :
- مالك يابنتي شكلك غريب كده ليه ؟
ردت في هدوء :
- مفيش جالي عريس.
اندهشت المرأتان بشدة وأمها تهتف :
- عريس ؟ بجد ياجمانة ؟ دكتور حسام كلمك ؟
هزت رأسها نفيا وقالت :
- لا يا ماما مش دكتور حسام.
سألتها شقيقتها بانعدام صبر :
- أمال مين يابنتي ما تتكلمي .
أجابت بخفوت :
- مديري في الشركة.
هتفت (لمياء) :
- دكتور آدم ؟
نفت مرة أخرى وهي تجيب :
- لا أخوه.
ابتسمت الأم وهي تتذكره وسألت :
- مش ده اللي كان بيزور ملك بعد الحادثة ؟
هزت رأسها موافقة وقالت :
- أيوة يا ماما هو.
سألتها (لمياء) :
- وعرض عليكي الجواز إزاي فجأة كده ؟
هزت كتفيها بعدم فهم وهي تجيب :
- مش عارفة، كنت في مكتبي لقيته فجأة واقف قدامي بيقولي تتجوزيني.
اندهشت (لمياء) بشدة في حين ابتسمت الأم بحنان، ثم قالت شقيقتها :
- فجأة كده ؟ ده مجنون ولا ايه ؟
ضحكت (جمانة) وهي ترد :
- تقريبا.
(لمياء) باهتمام :
- طيب و قلتي له ايه ؟
(جمانة) :
- ولا حاجة، ماعرفتش أرد.
(لمياء) :
- وهو سكت ؟
(جمانة) بابتسامة :
- لا قال لي منتظر موافقتك ولو ما وافقتيش هاتجوزك غصب عنك.
رفعت (لمياء) حاجبيها ثم ضحكت بشدة صاحبتها ابتسامة الأم وقالت :
-لا ده مجنون رسمي، طيب عرف بموضوعك ؟
أجابت :
- أيوة بيقولي دكتور آدم قال له.
مطت (لمياء) شفتيها في استغراب وتساءلت :
- طيب وقال له ليه؟
هزت كتفيها مجددا وأجابت :
- مش عارفة بيقولي شاف حاجة أنا ماكنتش شايفها.
ابتسمت (لمياء) في فهم وتبادلت نظرة حنان مع الأم و(جمانة) تتطلع إليهما بنوع من الغباء ثم سألتها :
- بتبتسموا ليه ؟
قالت (لمياء) بلهجة عابثة :
- أبدا أصلك كالعادة هبلة وهو باين عليه متيم.
حدقت فيها بدهشة، ثم ضحكت من أعماق قلبها و ردت بسخرية :
- متيم مين يابنتي ! ده مرعب مخيف دراكيولا إنما حب وكلام رومانسي وفاضي من ده مالوش فيه.
(لمياء) بذكاء :
- طيب ماسألتيهوش عاوز يتجوزك ليه ؟
ردت :
- سألته طبعا قال لي حاجة مجنونة خلته يعمل كده .
قالت بحنكة وهي تضحك :
- مش بأقولك متيم ومجنون كمان، مزيج هايل مبروك عليكي يابنتي .
ضحكت هي الأخرى ثم قالت :
- مش معقول يا لميا، أكيد هو بس حابب يساعدني.
هزت (لمياء) كتفيها ثم سألتها :
- طيب ورأيك إيه ؟
أجابت في حيرة :
- مش عارفة.
هنا قالت الأم التي كانت تتابع حديثهما في صمت :
- الحقيقة أنا شايفاه مناسب، من ساعة ماشفته في المستشفى حسيت إنه شديد وكلمته واحدة، حاسة إنه هيقدر يقف قدامهم ويجيب لك حقك ياجمانة.
ردت (لمياء) :
- لو زي مابتقولوا كده مرعب وشديد يبقى قدامك حاجة واحدة تعمليها يا جوجو .
نظرت لها شقيقتها في تساؤل فأكلمت :
- صلي استخارة وسيبيها على الله، لو الموضوع اتيسر يبقى هو نصيبك.
أومأت (جمانة) برأسها مجيبة :
- معاكي حق، ربنا يعمل اللي فيه الخير.
قالتها ثم سرحت بخيالها بعيدا فيما قالته أختها، استعادت الكلمة "متيم" أهو حقا يحبها ؟ وإن كان يحبها لما وافق على الزواج الصوري بينهما، هل ينوي خلف وعده لها بعد ذلك ؟ أم أنه يحبها لدرجة الموافقة على أمر كهذا ؟ شعرت بالحيرة تجتاحها حتى أصابها الصداع وكاد رأسها ينفجر من التفكير.

********
في نفس اليوم عرض (أدهم) على والديه الأمر بدون انتظار لردها على طلبه، وأبلغهما أنه يرغب في الزواج منها، كانت الصدمة شديدة بالنسبة إليهما، سكت والده ولم يجد ما يمكنه التعليق به أما أمه فقد صرخت في وجهه :
- إنت بتقول ايه يا أدهم ؟ إنت أكيد اتجننت.
كان صامدا في وجه صراخها فرد بهدوء :
- اتجننت ليه يا أمي مش ده اللي نفسك فيه من زمان، أتجوز؟
ظلت تصرخ :
- تتجوز مين يا أدهم؟ واحدة أرملة ؟ لا هي من مستواك ولا من بيئتك ولا تصلح لك بالمرة.
قال في حدة :
- ليه ماتصحلش يا أمي ؟ هي كل حاجة فلوس وخلاص وعلى فكرة بقى هي غنية، غنية بحاجات كتير مش عند اللي كنت عاوزة تجوزيهم لي لمجرد الفلل والقصور والسفريات لأوروبا وأمريكا، مش ده اللي هاعيش فيه مبسوط.
ردت بعصبية شديدة :
- أمال هتبقى مبسوط مع الأرملة وبنتها ؟ هتتجوز عشان تربي بنت غيرك ؟ هي دي الفرحة اللي كنت مستنياها ليك يا أدهم ؟ تكسر قلبي وتقولي أتجوز دي ؟ عملت لك ايه ؟ فيها إيه زيادة عن أي واحدة تانية، عن دينا بنت العيلة المحترمة الغنية الجميلة اللي هتكون إنت أول راجل في حياتها وولادها منك بس ؟
ابتسم في سخرية وقال :
- ع الأقل يا أمي لما تحبي تعملي مقارنة بين جمانة وواحدة تانية بلاش دينا بالذات عشان المقارنة بينهم مش عادلة نهائي، بالنسبة لدينا.
صرخت مرة أخرى :
- انت بتستهبل يا أدهم، مهما كبرت هتفضل ما بتفهمش حاجة ومندفع، قولي فيها إيه زيادة ؟ قولي !رد عليَّ .
رد بحزم :
- فيها حاجات كتير زيادة يا فريدة هانم، فيها حب وحنان فيها جنون، فيها براءة طفلة، فيها التزامها ، فيها إني هاقدر أنزل من البيت وأنا مطمن وواثق فيها وفي أخلاقها ودينها، فيها واحدة حبيتها، فيها حاجة تخليني عاوز أحميها وفي نفس الوقت أكسر رقبتها، فيها حاجة بتخليني مجنون، مطلوب حاجة زيادة يا .. أمي ؟
تطلع إليه والده في صمت وذهول وهو كرجل يفهم ما قاله ابنه حرفا حرفا، في حين ضحكت هي بسخرية جعلته يتطلع إليها في غضب ثم قالت :
- كل ده فيها ؟ واحدة لوكال باباك شغلها في الشركة وعرفت توقعك في حبها يا باشمهندس يا كبير، بس والله حاجة زي دي مش ممكن تحصل أبدا وأنا موجودة.
رد بعناد :
- هتحصل يا أمي، هتحصل لأني عاوزها ومستحيل أتجوز واحدة على ذوقك او مزاجك، مراتي هتكون من اختياري أنا ولأسباب مستحيل تكون في حساباتك أنت.
استمرت في الصراخ :
- ماله ذوقي يا أدهم ؟ مش عاجبك في إيه ؟ مالها دينا اللي بتحبك من زمان ولسه عاوزاك على الرغم من طريقتك الزبالة في معاملتها ؟
ابتسم في سخرية ولم يدر بنفسه إلا وهو يخرج الصورة المزيفة له مع (دينا) من جيبه ثم يلقي بها عند قدمي والدته لتنظر إليها في دهشة وهو يقول :
- هي دي اللي عاوزاني اتجوزها ؟ هي دي الأخلاق اللي ترضيكي يا أمي وهتبقي مطمنة على ابنك معاها ؟
تطلعت للصورة في ذهول أما والده فقد مال يلتقطها متطلعا إليها فيما يشبه الصدمة، وظل ينقل بصره بينها وبين ابنه عندما سألته أمه في غضب :
- ايه دي ؟ وهي ذنبها ايه وهي بتحبك وما صدقت تكون قريب منها فسابتك تحضنها ؟ الغلطة في الصورة مش منها ، منك إنت يا باشمهندس.
أطلق (أدهم) ضحكة ساخرة عالية ثم هتف بسخرية أكبر :
- ايه يا أمي إنت مصدقة فعلا الكلام اللي بتقوليه ؟ ليه مش عارفة ابنك ولا عاوزة تلبسي لي الموضوع وخلاص ؟ ولا يمكن ماكنتيش في الحفلة دي وعارفة هي كانت بترقص مع مين فعلا بالشكل الزبالة ده ؟ يعني واحدة لابسة حاجة كده مكانها أوضة النوم وماشية بيها قدام الناس عادي ورايحة ترقص مع واحد صاحبها وسايباه يعمل في جسمها اللي هو عاوزه وزيادة عن الصورة دي حاجات ما شفتهاش وجاية تقولي لي أنا اللي معاها، ليه ماشفتيهاش بنفسك يومها ؟ دي أقذر مخلوقة قابلتها في حياتي ولو هي آخر واحدة في الدنيا مستحيل أفكر فيها أصلا.
تنهد في غضب مكتوم ثم أكمل :
- هي دي اللي بتقولي لي أحسن ؟ وعشان ايه ؟ فلوس ولا صداقتك مع مامتها ؟ الصورة دي هي عملتها وعملت غيرها كذا واحدة وباسم الحب .. ها ، حب إيه مش فاهم.
سألته بحذر :
- وإيه وصل الصورة دي ليك ؟ وعملت معاها إيه ؟
رفع حاجبه بسخرية وهو يتساءل بداخله عن كنه الأم التي تهتم بفتاة لا خلاق لها عوضا عن الاهتمام بابنها وبمن اختارها لنفسه، رد بعد صمت :
- الصورة وصلت لي غلط في ملف شركة باشتغل عليه واللي وصلها للملف الهانم لما راحت تعرض الصور على سكرتيرتي ووقعت منها واحدة هناك بالغلط، ربنا أراد إن كذبها ينكشف، وهاكون عملت ايه يعني، طردتها من الشركة طبعا وكويس أوي إن مابعتش الصورة لباباها وده بس احتراما له وخوف على مشاعره مش عشانها.
صرخت مرة أخرى :
- إيه طردتها ؟ إنت أكيد اتجننت ؟ هو أي حد بيغلط عندك بتطرده ؟ ليها ماعاقبتهاش ونهيت الموضوع بهدوء ؟
قال في غضب :
- وهي دي غلطة عادية، في إيه يا أمي ؟ هو أنا ابنك ولا هي ؟ هي سمعتي والطعن في أخلاقي ما تهمكيش ؟
توترت لثوان لكنها عادت تصيح بغضب :
- كل ده عشان الست اللوكال اللي عاوز تتجوزها ؟
قال في حزم غاضب :
- اللي بتتكلمي عليها هتكون مراتي إن شاء الله ومراتي مش مسموح لأي حد أيا كان يغلط فيها.
هتفت بدهشة :
- هي دي آخرتها يا أدهم ؟ تعلي صوتك على مامتك وتهددها عشان خاطرها ؟
تنهد في استياء ثم قال :
- إنت اللي استفزيتيني يا أمي.
التفتت صارخة في وجه زوجها :
- وأنت ساكت ليه يا جلال، إنت موافق ابنك على الجنون ده ؟ هيخلي سمعتنا في الأرض بواحدة مانعرفش عنها حاجة وكانت متجوزة ومخلفة، طمعانة في فلوسه وخلاص.
اجتاح (أدهم) غضب شديد وقبل أن يرد قال والده :
- عاوزاني أقول ايه يافريدة ؟ أنا مصدوم، مصدوم في ابني وطريقة تفكيره واندفاعه، مصدوم في اللي كنت فاكره عاقل وفاهم ورافض دينا لسبب وجيه ألاقيه عشان واحدة بتشتغل عنده وأرملة ومخلفة كمان، أقول إيه يافريدة ؟ مفيش حاجة عارف أقولها.
ثم التفت لابنه مستطردا :
- هي دي آخرتها يا أدهم ؟ يا عاقل يا مدير الشركة، عاوز تتجوز حتة موظفة عندك سبق لها الجواز وعندها طفلة هتربيها إنت، هيبقى إحساسك إيه وإنت مش أول واحد في حياتها ؟ وإنت بتدلع بنت مش منك ؟ لما يجيلك أولاد منها هتعامل بنتها برده زيهم ولا ميزانك هيميل، فكر كويس يا أدهم قبل ماتظلمها وتظلم نفسك، فكر كويس قبل ما تتحدى أهلك عشانها، مش هأقولك عشان دينا لأنها ماتستاهلش واحد زيك ولا إنت تستاهل واحدة بالأخلاق دي، لكن عشان نفسك وأهلك وعشانها هي كمان لو بتحبها.
هتفت (فريدة) في حنق :
- ومالها دينا يا جلال إنت كمان ؟ البنت بتحبه وطايشة شوية فيها إيه لو هو علمها وقربها منها ورباها على طباعه ؟
ابتسم (أدهم) في سخرية شديدة ولم يعلق في حين قال والده :
- مش دي اللي أتمناها لابني يافريدة مهما كانت غنية ومهما كانت شراكتنا هتفيدني.
ثم التفت لابنه قائلا في هدوء مفتعل :
- اطلع اوضتك يا أدهم وفكر مليون مرة قبل ما تاخد قرار تندم عليه، قرار يخسرك أهلك ومكانتك في المجتمع.
شعر (أدهم) بالحنق الشديد، فهاهم يضعون أنفسهم في كفة مقابلة لكفتها ولو ترك الميزان لرجحت هي لكنه لا يستطيع، ومرة أخرى يُعَوِّل والده على أمور مادية ومظاهر لا تسمن ولا تغني من جوع، ماكان منه بعدها إلا أن قال :
- أنا فعلا هافكر يا بابا وقبلها هأستخير ربنا لأنه هو بس اللي عارف الخير لي فين ومع مين، أنا خارج عشان حاسس إني مخنوق هنا، بعد إذنكم.
أنهى كلامه واستدار متجها لمدخل الفيلا عندما لمح شقيقته تقف أعلى السلم تتطلع إليه بحزن، أدار وجهه و اتجه ليخرج من الباب ثم أغلقه خلفه بعنف، كان غضبه يشعل في صدره نارا لا يستطيع السيطرة عليها، نارا لو تركها لأتت على الأخضر واليابس ولو استسلم لأفكاره السوداء لترك هذا المنزل بلا رجعة .


***********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:07 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:22 AM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع عشر

*************

بعد خروج (أدهم) من الفيلا نزلت (سارة) لوالديها بينما كانت والدته ترمي بجسدها على أحد المقاعد وتهتف متباكية :
- شفت يا جلال ؟ آدي آخرة دلعك فيه وتربيتك اللي بتقولي خليه يعتمد على نفسه وهو حر في قراراته، كان زمانه دلوقتي متجوز ومخلف من زمان، وآدي آخرة خدمات صحابك حطتنا في مصيبة والبنت ضحكت على ابنك وخلته يحبها ويقف قصادنا اللي عمره ماعملها، آه أعمل ايه ؟
كانت (سارة) قد وصلت إليهما فقالت بتردد :
- مادام بيحبها يا بابا ليه لا ؟ أدهم عمره ما حب ولا كان له علاقات زي الشباب غيره ودايما كان واقف جنبك وجنبنا كلنا وهو اللي بنعتمد عليه، ليه لما جه يختار حاجة في حياته وقفنا كلنا قصاده وبنقوله في دي كمان لا، لازم تختار اللي احنا عاوزينه إنت مش من حقك تحب وتختار تعيش مع اللي بتحبها.
صرخت فيها والدتها :
- بنت اخرسي، انت اتجننتي انت كمان.
أما والدها فقد صمت مفكرا في كلمات ابنته وهو يتطلع إليها وكأنما انتبه لأول مرة أنها كبرت ونضجت، (سارة) ذات العشرون ربيعا لم تعد طفلة بل أصبحت أنثى تناقشهم وتتكلم في الحب ولغة القلوب معهم، وهاهي تدافع عن شقيقها، لم يرد أن يخسر تأييدها لموقفهم فرد بهدوء مشيرا لزوجته بالصمت :
- يا سارة احنا ماقلناش مش من حقه يختار، كل واحد من حقه يختار اللي يكمل حياته معاها لكن يابنتي لما نلاقي اختياره غلط يبقى نتكلم لو سكتنا يبقى بنقصر في حقه، لازم ننصحه ونوضح له اللي هو بسبب الحب مش شايف إنه غلط.
شجعتها كلمات والدها على محاورته فعادت تقول :
- أيوة يا بابا بس أدهم مش صغير، كلامه عنها بيدل هي قد ايه حد كويس وقد ايه هو حاسس إنه هيرتاح معاها، مش معقول هتكون قدرت تضحك عليه ودينا بقى لها سنين بتحاول تقربه منها ومش قادرة، أدهم أكتر حد باحس انه فاهم وقد المسئولية مش طفل صغير اتعلق بأي حاجة وعاوزها وخلاص، ليه مانسيبوش يخوض التجربة ولو نجحت يبقى ما خسرناهوش وفضل معانا وعاش مع اللي قلبه اختارها ولو فشلت يبقى اتعلم درس وبرده مش هنخسره وهيرجع لنا من تاني.
كادت والدتها تصيح في وجهها مرة أخرى بغضب لولا أن أشار لها (جلال) وقال :
- استني يافريدة.
ثم صمت، كان يفكر في كلام ابنته، لقد كبرت بالفعل، كبرت وتناقشه بل وتحاول إقناعه وتفند براهينه وأدلته، سُعِد بها للغاية لكن أقلقه أنها تساند شقيقها وفقط، ربما لديها وجهة نظر تستحق التوقف عندها، لكن تبقى فوارق كثيرة تمنع هذه الزيجة، قاطع تفكيره صوت زوجته تهتف في عصبية :
- بتفكر في ايه يا جلال ؟ عاوز توافق إنت كمان ؟ هي دي اللي ابنك صبر السنين دي كلها عشان يتجوزها ؟
ثم قامت من كرسيها بعنف وأكملت :
- انا طالعة فوق أستريح، ماعدتش قادرة استحمل خلاص.
ثم تركتهم صاعدة لغرفتها، استمر هو صامتا يفكر في كلام طفلته التي مر العمر وهو لم يشعر بها تكبر أمام ناظريه.
وفي الأعلى دلفت (فريدة) إلى غرفتها ثم أمسكت هاتفها واتصلت بأحد الأرقام وأثناء الرنين كانت تحدث نفسها بعصبية :
- بقى كده يا أدهم، بتتحداني ورايح جايب لنا واحدة من الشارع تتجوزها والمصيبة إنها أرملة وعندها بنت، طيب يا أدهم إن ما ....
قطع حديثها الغاضب صوت يرد على الهاتف :
- ألو، أيوة يافريدة، عاوزة ايه تاني بعد اللي ابنك عمله مع دينا ؟
هتفت في عصبية :
- ناريمان أنا مااعرفش حاجة عن الموضوع ده إلا دلوقتي المشكلة مش في كده المشكلة إن أدهم عاوز يتجوز واحدة أرملة بتشتغل عنده في الشركة ومصمم على كده وأنا وجلال مش قادرين نقنعه، لازم نتصرف ونعمل أي حاجة تمنع الجوازة دي.
سمعت شهقة صديقتها ثم قالت :
- ابنك اتجنن يا فيري، يعني كلام دينا صح واللي عملته كان معاها حق فيه.
تساءلت (فريدة) في دهشة :
- كلام ايه ودينا عملت ايه ؟
حكت لها (ناريمان) ما قصته عليها ابنتها سابقا وعن الخطة التي اتبعتها لتوقع بينهما حتى أدت لوقوع الصورة في يد (أدهم) وطرده لابنتها من الشركة، قالت (فريدة) وهي مندهشة مما تسمع :
- يعني فعلا في حاجة بينهم مش بس بيحبها ؟
أكدت (ناريمان) :
- دينا متأكدة من كده.
صمتت (فريدة)، لا يمكن، (أدهم) ليس أبدا من ذلك النوع ولو كان على علاقة بها فلما يكلف نفسه عناء الزواج منها إذن؟ هل (دينا) تكذب ؟ لكن لماذا ؟ كاد عقلها ينفجر من التفكير والحيرة، سمعت صوت صديقتها يقول :
- الكلام في التليفون مش هينفع يا فيري، تعالي نقعد نتكلم أنا وإنت ودينا ونشوف هنعمل ايه في الكارثة دي.

أجابتها بالموافقة واتفقتا على اللقاء في اليوم التالي ليرين ما ستفعلن في أمر هذه الزيجة وتبحثن عن طريقة لمنعها.
********
خرج (أدهم) من الفيلا غاضبا حانقا والأهم حزينا، كان يشعر بحزن عميق لرد فعل والديه، هاهي والدته ترفض بعنف وتصرخ في وجهه ووالده يتخاذل في نصرته أمامها كما فعل مع أخيه من قبل، أخيه الذي يعلم تماما أنه يسانده ويقف إلى جانبه دوما، أخيه الذي هاجر وترك بلده وأهله بسبب والدته هو، لم يدر إلا وهو يزفر في حنق شديد ويلتقط هاتفه ليطلب رقمه، استمع للرنين على الجانب الآخر لثوان ثم فتح الخط ليسمع صوت أخيه يقول في مرح :
- أدهم المجنون، فينك يابني، ايه المصيبة اللي عملتها النهاردة دي ؟
تنهد (أدهم) وقال في ضيق :
- مش فايق للهزار يا آدم إنت فين ؟
شعر (آدم) بلهيب تنهيدته ومدى الضيق المحتشد فيها فسأله في قلق :
- مالك يا أدهم خير ؟
رد (أدهم) في عصبية :
- يابني رد علي إنت فين عاوز أشوفك.
قال بسرعة :
- أنا في البيت تعالى.
أجاب (أدهم) بزفرة أخرى :
- لا عاوز أقعد في مكان مفتوح انزل قابلني.
شعر (آدم) بالحيرة وهو يقول :
- مش هينفع يا أدهم يوسف لوحده، طيب تعالى ونقعد في البلكونة نتكلم.
زفر (أدهم) في ضيق مرة أخرى ثم قال في استسلام :
- طيب أنا جاي.
جلس (آدم) منتظرا أخيه في قلق شديد، لم يسمع صوته بهذا الشكل من قبل، كان كم الضيق فيه ونبرة الحزن التي تخالطه كبيرا جدا، رن جرس منزله فقام لفتح الباب بسرعة ليجد (أدهم) يقف مستندا للجدار المجاور للباب ويبدو عليه الإرهاق والغضب واليأس فمد يده يجذبه للداخل هاتفا :
- تعالى يا أدهم، مالك ايه اللي حصل وشكلك عامل كده ليه ؟
دخل (أدهم) مع أخيه ليرمي جسده في تهالك على أقرب مقعد وجده في طريقه ويتنهد بعمق ثم أسند رأسه لمسند المقعد وأسبل عينيه، جلس (آدم) على مقعد مجاور وربت على كفه متسائلا في حنان :
- حصل إيه يا أدهم طمني، مالك ؟
فتح عينيه وغمغم في حزن :
- مش موافقين يا آدم.
لم يفهم أخاه في البداية لكن فجأة علم ما يتحدث عنه (أدهم) فقال :
- انت قلت لهم ؟ طيب مش كنت تستنى رأيها ؟
زفر في حنق وقال في عصبية :
- يابني باقولك مش موافقين، يعني رأيها لحد دلوقتي مش فارق معاهم المهم اللي هما عاوزينه وبس.
سأله بتردد محاولا عدم إغضابه :
- طيب افرض هي ماوافقتش ؟ يبقى انك تفاتحهم في الموضوع مالوش لازمة، كنت استنى رأيها بدل ما تعمل مشكلة.
نظر إليه في استياء وقال :
- خلاص اللي حصل حصل يا آدم، مش ناقص بقى.
تنهد (آدم) وسأل :
- قالوا لك ايه ؟
قص عليه (أدهم) تفاصيل الموقف وأنهى كلامه قائلا :
- كل اللي هاممهم الفلوس والمركز الاجتماعي وصحابنا يقولوا ايه، وأمي كل اللي في بالها إني اتجوز دينا بنت صاحبتها وخلاص بغض النظر عن إنها تناسبني او لا، بحبها ولا لا.
شعر (آدم) بالضيق من أجل أخيه، هاهو موقف آخر يتكرر يخذل فيه الأب ابنه أمام زوجته، وهذه المرة كان الابن ابنها أيضا، لكنها تريد فقط السيطرة وتملك ما تستطيع من الدنيا حتى وإن كان على حساب ابنها، في النهاية سأله :
- إنت بتحبها يا أدهم ؟
تطلع إليه في دهشة، أهذا هو الوقت المناسب لمثل هذا السؤال ؟ كرر (آدم) :
- رد علي بتحبها ؟
خفض (أدهم) عينيه أرضا وخرجت من صدره تنهيدة حارة تعبر عن اللهيب الذي يشتعل بداخله ويقتله احتراقا، صمت محاولا إيجاد كلمات تعبر عما يشعر فلم يجد، أجاب بعد صمت :
- مش عارف اللي حاسس بيه أسميه إيه يا آدم ! أقولك إني أول ما شفتها حسيت بحاجة غريبة كأني لأول مرة بأشوف واحدة ست ؟ أقولك إني اتخانقت معاها أول مااشتغلت ومن ساعتها وأنا نفسي أقولها آسف في وشها بس مش قادر، إني لما بأكون في نفس المكان اللي هي فيه بأرتبك واتلخبط وفي نفس الوقت باحس إني مجنون وعنيف وقاسي وعصبي زي اللي عنده شيزوفرينيا، إني بحب استفزها واشوفها متعصبة ووشها أحمر من الغضب أو الخجل، إن نفسي تكون لي وأخبيها جوايا وماحدش يلمسها أو يشوفها أو حتى يفكر فيها، مش عارف أقول إيه، مااعتقدش إن ده حب، دي حالة غريبة بقت بتجيلي بسببها ومش عارف أتخلص منها.
ابتسم (آدم) في حنان شديد وقال :
- إنت تخطيت مرحلة الحب بكتير، يعني إنت عرضت عليها الجواز للأسباب دي كلها مش مسألة بس إنها محتاجة حد يحل لها مشكلتها ؟
أومأ برأسه إيجابا في صمت ثم قال بصوت متحشرج مخنوق :
- مشكلتها كانت بس الدافع اللي خلاني أفتح عيني على مشاعري وأجبرني أعترف بيها، مجرد تفكيري إنها ممكن تقتنع بالحل اللي انت اقترحته عليها وتفكر فيه وتقبله وإن ممكن حد تاني أنا عارف إنه في ثواني ممكن ياخدها مني خلتني زي المسعور اللي ممكن يرتكب جريمة عشان تفضل ليا أنا وبس، كان لازم أعترف قدام نفسي وكان لازم أحبسها وأسلسلها حتى لو غصب عنها، هتكون ليا يعني هتكون ليا، كابرت كتير واستغربت أحيانا الضيق والغيرة اللي كنت باحس بيهم لكن وقت الجد جه وما ينفعش أكابر أكتر من كده، كنت زي المجنون ماحسيتش بنفسي غير وأنا واقف قدامها وهي قاعدة على كرسي مكتبها وكمية إرهاق غير عادية على ملامحها، حسيت بيه إرهاق جواها في قلبها وعقلها أكتر منه جسدي، كان نفسي أحضنها وأحاول أمحي الحزن اللي عايش جواها وأرسم بسمة على شفايفها، كل اللي طلع مني لما لاقيتها بتبص لي بخوف وقلق وتنزل عينيها في الأرض من نظرتي ليها هو كلمة واحدة، طلبت منها الجواز، لما سألتني ليه ...
صمت ثانية ثم ابتسم في حنان وهو يكمل :
- ماقدرتش أقاوم إني أستفزها تاني وأقولها مش عارف، يمكن غلاسة يمكن شوية كبرياء إني برده مش عاوز أعترف لها، بس قلت لها إني هاتجوزها حتى لو ماوافقتش، أعمل ايه يا آدم ؟ الوحيدة اللي قلبي اختارها وقفل على نفسه عشانها طول السنين دي مش قادر يوصلها وكأن الدنيا كلها واقفة قصاده.
سأله (آدم) :
- تحب أتكلم مع بابا ؟
رفع (أدهم) عينيه إليه في أمل وهتف :
- بجد يا آدم هتكلمه ؟
هز كتفيه وقال بابتسامة :
- هاحاول يمكن كلامي يفرق معاه.
ابتسم (أدهم) و رد في حماس :
- أكيد هيفرق، بابا بيحبك جدا وبعد الغياب اللي غبته بيتمنى منك تطلب منه أي حاجة.
طمأنه (آدم) :
- خلاص هاحاول، تفتكر أقابله فين ؟
تراجع (أدهم) وفتر حماسه فجأة وهو يجيب :
- بابا اليومين دول مش بيخرج من البيت زي ماانت عارف، كان تعبان شوية ومش بيقدر يخرج.
فكر (آدم) لدقيقة أو يزيد واحترم (أدهم) صمته، كان يأمل أن يذهب إليه ولو لدقائق من أجل خاطره، رفع (آدم) رأسه وقال بحزم :
- خلاص يا أدهم بلغه إني هازوره بكرة وربنا يحلها من عنده.
شعر (أدهم) بالسعادة، هاهو الأقرب إليه يثبت دوما أن يستحق تلك المكانة في القرب منه، ابتسم ابتسامة واسعة وقال :
- ربنا يخليك ليا يا آدوم، مش عارف من غيرك كنت عملت ايه، إنت رجعت في الوقت المناسب .
ربت أخوه على كتفه وابتسم مشجعا وهو يقول :
- على ايه يا أدهم دعواتك بس نوصل لحاجة لأن بابا لو وافق طنط فريدة مش هتقدر تعارض.
أومأ (أدهم) برأسه موافقا ثم قام متسائلا :
- فين يوسف ؟ نايم ؟
أجاب أخوه :
- أيوة عنده مدرسة الصبح.
(أدهم) :
- طيب تمام، أنا كنت ناوي أنام عندك النهاردة بس مادام هتيجي بكرة خليني أروح أمهد لبابا .
(آدم) موافقا :
- ماشي يا أدهم.
تبادلا السلام ثم انطلق (أدهم) عائدا لمنزله في حين بقي (آدم) يفكر في طريقة لإقناع والده أن يترك لأخيه حرية اختيار من يريدها ولا يمنعه حتى لا يفقده هو الآخر .

********
في اليوم التالي كان اللقاء العاصف بين (دينا) ووالدتها وبين (فريدة)، كانت (دينا) تشعر بحقد لا مثيل له وتغلي من الغضب لا يماثله سوى الغضب المتجمع في سماء (فريدة)، قالت (دينا) بعصبية شديدة :
- يعني إحساسي كان في محله ! أنا مش فاهمة أدهم بيفكر إزاي وايه اللوكال دي اللي فضلها عليه، مش جميلة مش شيك يوزد Used وعندها بنت كمان، إزاي يسيبني انا ويروح لدي ؟
حاولت والدتها تهدئتها :
- ماتقلقيش يا دينا، جوازة زي دي مستحيل تتم، مفيش توافق أبدا، واحنا هنتصرف بس عاوزين خطة مظبوطة مش يعرف زي المرة اللي فاتت.
قالت (فريدة) بحنق :
- طبعا مستحيل، دي ايه دي اللي اسمح لها تتجوز ابني وتاخد فلوسنا كلها، لا نعرف لها أصل ولا فصل ولا مركز اجتماعي ولا عندها أي حاجة.
تأملتها (ناريمان) ثم تساءلت في بطء :
- طيب وهنتصرف إزاي يافيري ؟
ردت (فريدة) بعصبية شديدة :
- مش عارفة يا ناني، مش عارفة أنا هاتجنن ونفسي اشوفها عشان هاقتلها بجد.
تبادلت الفتاة وأمها نظرة خبيثة ثم قالت (دينا) :
- مش لدرجة القتل يا أنتي فيري، في حاجات بتكون أفظع من القتل، أنا هاعرفها شغلها الرابيش Rubbish دي، وإزاي تفكر تاخد حاجة مش بتاعتها، لازم أدهم يعرف إنها لها علاقات كتير ويحتقرها زي ماعمل معايا عشان مجرد صورة، ولازم يفقد ثقته فيها، من ناحية الحب ومن ناحية الشغل كمان لأن واضح إنها مش عاوزة تسيبه على الرغم من اللي فهمته لها إن في علاقة بينا.
تطلعت إليها المرأتان في تساؤل صاحبه بعض القلق والخوف لدى (فريدة)، هل هذه من تريد إجبار ابنها على زواجها ؟ هل بالفعل ستصونه وتحفظ غيبته ؟ أما (دينا) فأكلمت :
- أنا هاشرح لكم الفكرة اللي جت لي لما شفت اللي اسمه هشام ده اللي كان بيشتغل في الصيدلية بتاعة جوزها اللي مات، أنا لي عيون في الشركة مش معنى إني خرجت منها إني خلاص مش هاقدر اعرف ايه اللي بيحصل هناك، وكله بتمنه طبعا.
صمتت لترى تأثير كلماتها على والدتها ووالدته فوجدت منهما الإنصات والتساؤل والفضول فانطلقت تحكي لهما خطتها، والتي كانت خطة شيطانية آثمة لا تنبع إلا من عقل لا يعرف للفضيلة طريقا.

********
في فيلا (الحسيني) احتضن (جلال) ابنه الأكبر في شوق وسعادة جمة قائلا :
- آدم مش مصدق إنك جيت هنا، ماشفتكش بقى لي اكتر من أسبوعين وحشتني يابني، وفين يوسف ؟
رد (آدم) بحنان :
- إنت أكتر يا بابا، يوسف في مدرسته دلوقتي، أنا جاي لك بخصوص موضوع سريع مش محتاج إني أجيبه معايا ولما رجلك تتحسن تبقى تيجي وتقضي معانا يوم كده في أي مكان بإذن الله، طمني عليك وعلى صحتك عامل ايه ؟
أجاب الوالد :
- الحمد لله، أهو يوم كده ويوم كده، حتى الشركة زي ماانت شايف كنت باروح لها زيارة كل أسبوع دلوقتي مش بأقدر.
ابتسم (آدم) قائلا :
- ربنا يديك الصحة يا بابا.
ثم التفت لأخيه الصامت مداعبا :
- ايه يا أدهم مفيش حاجة عندكم تتشرب ولا ايه ؟
ابتسم (أدهم) وعلم أن أخاه يريد الانفراد بوالده فقام وهو يقول ممازحا :
- هاروح استكشف كده بس بيتهيألي مفيش.
قالها وخرج من غرفة المكتب الذي عمه الصمت لثوان بعد خروجه، قطعه بعد ذلك الوالد :
- إنت جاي عشان موضوع جواز أدهم مش كده يا آدم ؟ مفيش حاجة تخليك تتنازل وتيجي الفيلا هنا غير أخوك.
رد (آدم) بابتسامة لذكاء والده :
- معاك حق يا بابا وانا مش هاقول لا لأني عاوز أتكلم معاك في الموضوع بجد وهدوء من غير عصبية.
نظر إليه والده وصمت منتظرا منه بدء الحديث فاستطرد :
- بابا مش كل حاجة في حياتنا هنقيسها بالفلوس وده مركزه الاجتماعي ايه وعنده كم شركة وهيورثنا ونورثه والمهم حسابنا يزيد في البنك ونغير العربية كل شهرين ونتفسح في أوروبا، مش دي السعادة اللي ابنك أدهم بشخصيته محتاجها، أدهم دماغه كبيرة وعقله أكبر، أكبر بكتير من إنك تختزله في حاجة مادية أو شكل خارجي لواحدة شايفينها حلوة وغنية وتستاهله أكتر، أدهم محتاج واحدة يحبها، يحبها بجد ويعيش معاها الحب اللي كان محبوس جواه طول عمره لحد مالقاها، صعب تحرمه منها، صعب بعد ما وصل للسن ده تستغل حبه وتقديره لك وتجبره على حاجة مش عاوزها، صعب تقوله مستقبلك وحياتك وزوجتك وأولادك أنا هاختارهم كانه ملك يمين تتحكم فيه زي ماتحب.
كان الكلام يشق قلب والده بسهولة كما تشق سكين حادة قالبا من الزبد البارد، أكمل (آدم) بعد تنهيدة حارة :
- بلاش تخذل أدهم يا بابا، أنا مش عاوز أقولك إنك خذلتني وخليتني أبعد بس ده اللي حصل، أدهم لو حس بالخذلان مش بس هيبعد، لا هيبعد أوي أوي ومش هيرجع، أدهم فيه مني كتير بس شخصيته أصعب، شديد وفيه حتة قسوة هو بيسيطر عليها، الحتة الصغيرة دي لو طغت على مشاعره هتخليه إنسان مختلف تماما، بلاش تدوس عليها يا بابا عشان ماتخسروش، وللأبد.
لحظة صمت أخرى تابع بعدها :
- فكر بقلبك يا بابا، قلبك اللي مفروض همه الأول سعادة ولاده، خلي عقلك برا شوية، عقل التاجر ورجل الأعمال مش هينفع في موقف زي ده قلب وعقل الأب هو بس اللي من حقه يفكر هنا ويقول قراره، اديله حرية الاختيار وسيبه يتحمل نتيجة اختياره، لو صح تبقى ساندته ووقفت جنبه وهو كمان فضل جنبك ولو غلط هيرجع لك ويعتذر لك ويفضل جنبك، في الحالتين هتبقى ما كسرتش قلبه أو بعدته عنك.
تطلع إليه الوالد في دهشة، هاهو يكرر عبارة أخته، هل هو الوحيد الذي يرى أن الأمر ليس كما ينبغي ؟ وأن اختيار ابنه خاطئ ويجب أن يمنعه ؟ .
في هذه اللحظة عادت (فريدة) من الخارج لتفاجأ بوجود سيارة غريبة لا تعرفها أمام المنزل، خرجت من سيارتها ووقفت تتطلع إليها للحظة ثم اتجهت بخطوات سريعة للداخل، نادت أقرب العاملين في الفيلا إليها وسألته :
- هو احنا عندنا ضيوف ؟
هز الرجل المسن رأسه نافيا وأجاب :
- لا ياهانم ده آدم بيه ابن جلال بيه، معاه في المكتب.
شعرت بالصدمة، ما الذي أتى به إلى هنا ؟ ألم يقل يوما بأنه لن يعود مهما حدث، فكرت لدقيقة ثم استنتجت سبب وجوده، لابد أنه يحاول إقناع والده بزواج أخيه، إنه دوما يغار منه ويسعد كلما حدث له شيء يشعره بدونية أخيه، انطلقت كالصاروخ تجاه المكتب في أثناء عودة (أدهم) من المطبخ مبتسما وهو يحمل ثلاثة اكواب من العصير البارد والذي رآها تتجه في غضب للمكتب وتفتح بابه في عنف بدون استئذان، وضع الصينية من يده وتبدلت ملامحه للغيظ والغضب خاصة عندما بدأ صوتها يعلو هاتفة :
- بتعمل إيه هنا يا آدم ؟ مش مكفيك اللي عملته قبل كده جاي عاوز أخوك يتجوز واحدة من الشارع ؟
انتفض (آدم) واقفا في غضب تبعه والده هاتفا فيها بصرامة :
- فريدة، ايه الكلام ده ؟ ماتتكلميش مع ابني بالشكل ده.
صرخت في وجهه :
- إنت مش شايف يا جلال، جاي عاوزك تجوزه واحدة كانت متجوزة لا هي من مستوانا ولا بيئتنا طول عمره بيغير من أخوه عشان اتعلم أحسن منه وكان دايما أذكى منه و متربي في حضن مامته .
ارتسم الألم على وجه (آدم) في حين قال (أدهم) بقسوة بعدما وصل للغرفة :
- مامته مين ؟ الأم دي حاجة مش في قاموسك يا فريدة هانم، أخويا اللي كنت السبب في بعده عننا وعلى الرغم من كده اتنازل وجه بيتك تاني وبرده بتهينيه هو أكتر حد وقف جنبي وشجعني وعلمني ووصاني أقف جنب والدي، لولاه كان ممكن أكون واحد تاني مختلف 180 درجة بس إنت مش واخدة بالك.
صرخت مرة أخرى :
- اخرس إنت يا أدهم.
ثم التفتت مخاطبة (آدم) :
- شوف يا آدم لو عاجباكو البنت أوي روح اتجوزها انت اهو انتو الاتنين أرامل ومناسبين لبعض وكل واحد يربي ابن التاني ونخلص، إنما ابني مستحيل يتجوزها فاهم؟ مهما عملت عشان تقلل من قيمته أو تنتقم مني فيه مش هاسمحلك، مستحيل كفاية سرقتني قبل كده ودلوقتي جاي عاوز تضيع ابني مني.
هتف فيها (جلال) غاضبا :
- فريدة.
تطلعت إليه في قسوة واكتفى هو بالصمت، لم يجد كلاما يقوله ليداوي به جرح ابنه فكان صمته بمثابة ملحا على الجرح، لم يرد (آدم) اكتفى هو الآخر بالصمت ونظرة عتاب طويلة ألقاها على والده الساكن ثم التفت مغادرا المكان يتبعه (أدهم) هاتفا :
- آدم استنى، أنا جاي معاك.
وألقى نظرة غاضبة على والديه وهو يغادر الفيلا ويغلق بابها خلفه في عنف، ومن الطابق العلوي كانت عيني (سارة) المصدومتين تتابعان مايحدث في حزن .


************************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:15 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:42 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.