آخر 10 مشاركات
روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رحلة امل *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : maroska - )           »          السر الغامض (9) للكاتبة: Diana Hamilton *كاملة+روابط* (الكاتـب : بحر الندى - )           »          أُحُبُّكِ مُرْتَعِشَةْ (1) *مميزة & مكتملة * .. سلسلة عِجافُ الهوى (الكاتـب : أمة الله - )           »          عــــادتْ مِنْ المـــــاضيِّ ! (1) * مميزة ومكتملة *.. سلسلة حدود الغُفران (الكاتـب : البارونة - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-06-15, 11:46 AM   #31

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الثامن والعشرون

****************

عندما أفاق والد (دينا) من إغماءته المفاجئة كان الصمت هو مسلكه، شعور بالذهول يكتنفه ولسانه عاجز عن النطق، زوجته تبكيه وتبكي ابنتها وحيرتها بينهما انقسمت، أخذته وعادت به للمنزل وهو يترك لها قيادته كطفل صغير، بعد وصولهما أدخلته فراشه وغطته وقبل أن تخرج من الغرفة كان سؤاله المفاجئ ليصدمها :
- هي بنتي مدام يا ناريمان ؟
التفتت إليه في ذهول، ماذا تقول أو تفعل ؟ هو مريض ضعيف وابنتها ضاعت منها وهي انكسرت، تألمت، خافت، فصمتت، عاد يسأل بضعف :
- ارحمي ضعفي يا ناريمان، يعني إيه الدكتور يقول مدام ؟
رفعت عينيها إليه في صمت ففهم، كل شيء مرسوم على وجهها، قصة حياة كاملة تُحكَى هناك، نعم هو خطؤه منذ البدء، أهملها، دللها، ترك زمامها، ووالدتها كأن لم توجد، ضاعت صغيرته الوحيدة، ضاعت عدة مرات، ضاعت حتى أُسدِل الستار وكُتِبت كلمة النهاية بدمائها، غمغم :
- سيبيني أنام من فضلك .
عادت تلتفت بانكسار وتغادر الغرفة في هدوء شديد، في الصباح التالي كانت الأحزان قد زادت حزنا آخر، مات الأب كمدا على ابنته التي ضاعت منه، وزاد حمل ثقيل آخر على كاهل الأم حتى انكسر .

********
حددت (جمانة) موعد زيارتها لجدة طفلتها، أعلمت زوجها فأصر على إيصالها ثم العودة لها لاحقا، أقلقها الأمر بعض الشيء فهي لا تريد مخاطبته أمام الجدة، لا تدري حتى الآن كيف ستخبرها بأن الزواج لم يعد مؤقتا، لم يعد صوريا، بل سيدوم حتى تنتهي أنفاسها، يا إلهي، أي موقف وضعت فيه نفسها ! كيف زل لسانها بذلك الوعد، والآن زل قلبها غارقا في حب زوجها، تخشى ردة فعلها، لكنها مجبرة على إخبارها، فهي ستعلم على أية حال، ومنها سيكون وقعه أفضل و أخف وطأة، أوصلها أسفل منزل الجدة، ثم التفت إليها مبتسما، ابتسامته مخنوقة كأنه يضغط على نفسه بشدة، همس لها :
- لما تخلصي الزيارة كلميني، أنا مش هاروح بعيد، هالف بالعربية قريب من هنا .
ثم ربت على كفها بعدها أغلق أصابعه عليه كأنه يخشى فقدانها، ابتسمت له هي الأخرى مطمئنة وهي تربت على كفه التي تحتضن يدها ثم سحبتها بعيدا عنها، ترجلت من السيارة وحملت صغيرتها، مع هدية مناسبة ثم توكلت على الله وصعدت إليها، تردد، قلق، خوف، شعور بنوع من الخزي والخذلان، هي خذلتها، وعدتها، أخلفت وعدها، ثم وعد آخر، وها هي تأتي لتخبرها أنها لن تفي به أيضا، فتحت الباب لتفاجأ السيدة بزوجة الابن الغائبة، تسللت ابتسامة كسيرة لشفتيها وهي تفسح لها الطريق بترحيب فاتر مغمغمة :
- إزيك يا جمانة ؟ تعالي ياحبيبتي اتفضلي .
دخلت (جمانة) بهدوء تتعلق بيدها صغيرتها، جلست أمامها بابتسامة خافتة، مدت الجدة يديها لحفيدتها فألقت الصغيرة نفسها بينهما بمرح، قبلتها وداعبتها قليلا ثم انتبهت لكُنَّتِها :
- عاملة إيه مع جوزك ياجمانة ؟
ارتبكت، انتابها القلق، لن تهرب طويلا فحتما ستضطر لإخبارها، أجابت بخفوت :
- الحمد لله يا ماما، طمنيني عليكِ .
ردت المرأة بلهجة عاتبة :
- أديكي شايفة أهو، لوحدي، إنت اتجوزتي ويادوب ملك كانت بتيجي لي كل أسبوع شوية مع مامتك.
صمتت للحظات و(جمانة) لا تدري بماذا ترد عندما سألتها فجأة :
- إيه جوزك مانعك ؟ بيغير ؟
اتسعت عينا (جمانة) وهتفت بسرعة :
- لا طبعا يا ماما، مستحيل يمنعني عنك، إنت في مقام مامتي وهو عارف كده .
سألتها السيدة باستخفاف :
- عارف كده ! طيب، عملتي إيه في موضوع الأرض ؟ مامتك قالت لي إنه خلص على خير .
ردت بزفرة ارتياح لتغيير الموضوع :
- أيوة فعلا الحمد لله، الحاج (عبد الرحمن) عارف إن مصالحه في السوق هتتأثر لو عمل عداوة مع أدهم، عشان كده خلص الموضوع بسرعة واشترى الأرض بتمنها الفعلي .
رفعت المرأة حاجبا في سخرية، قالت :
- أدهم، ده جوزك، هو معروف للدرجة دي في السوق .
ارتبكت ثانية وهي تجيبها بتلعثم :
- يعني يا ماما، رجل أعمال وشركة كبيرة وكده طبيعي يكون معروف .
عادت تسأل :
- إمممم، طيب خير خير، هتطلقي إمتى بقى ؟
صُدِمَت (جمانة) من الكلمة، فصمتت للحظات تنظر للجدة في عدم فهم، لاحقتها السيدة :
- إيه مش قلتِ لي إنه جواز صوري مؤقت لحد ما مشكلة الأرض تتحل ! وأهي اتحلت .
علا التوتر وجهها، ازدردت لعابها في صمت، المواجهة حتمية وقد حان وقتها، سمعتها تقول ثانية كأنها ترفض إعطائها فرصة للتفكير والرد :
- مفيش طلاق مش كده ؟
نظرت إليها في دهشة، همست :
- ماما، اللي حصل إن ....
قاطعتها بلهجة حادة :
- إيه اللي حصل يامرات ابني الوحيد ؟ حبيتيه ؟ مابقاش جواز صوري خلاص ؟ سلمتيه نفسك وإنت اللي وعدتيني إنك هتفضلي ملك حسام لحد ما تموتي ؟ هتكملوا مع بعض خلاص ؟ مش ده اللي حصل يا أم ملك ؟ .
لم تجد ردا، تلعثمت من جديد، دمعة لمعت في عينيها لم تهتم لها الجدة وهي تهتف بعصبية :
- أنا تعبانة يا جمانة ومحتاجة أستريح، إنت عارفة طريق الباب، عن إذنك .
علت الصدمة وجه (جمانة) من جديد، إنها تطردها، ألهذه الدرجة ؟ لم تشعر بنفسها إلا وهي تتابع المرأة بعينيها تتحرك من أمامها خارجة من الغرفة لتنهض هي أيضا وتخرج من المنزل، بأصابع مرتعشة ودموع لا ترى من خلالها تجمعت بين مقلتيها اتصلت به، لم تستمع لرنين فجأة سمعت صوته فهتفت بصوت دامع :
- تعالى يا أدهم أنا هاروح .
استغرب نبرة صوتها وانتابه القلق، أخبرها بسرعة :
- انزلي أنا تحت ما مشيتش .
لم تنتبه لما قاله، فقط تحركت بآلية مع طفلتها التي سألتها بحروفها الغير واضحة :
- ماما، تيتة مش جابت لي لعبة .
ابتسمت لها بحزن وربتت على رأسها، همست بصعوبة :
- هاجيبلك أنا يا حبيبتي حاضر .
خرجت من بوابة المبنى تمسك بيد ابنتها، هبط هو من السيارة ليستقبلها، لمح الدموع تتلألأ في عينيها فهتف في لهفة :
- جمانة مالك ؟ حصل إيه ؟
هزت رأسها بلا اتزان، ردت بصوت مخنوق :
- مفيش، ممكن نروح لو سمحت يا أدهم ؟
حاول قول شيء لكن الألم المرسوم على وجهها ألجمه، فصمت وفتح لها باب السيارة المجاور له، دخلت إليها فمد يديه يتناول الصغيرة لتجلس في الخلف لكنها تشبثت بها هاتفة :
- لا خليها في حضني .
لم يفهم، القلق ينهشه وقلبه ينبض بقوة، أومأ برأسه موافقا في صمت ثم دار حول السيارة، جلس إلى جوارها والتفت إليها متسائلا في اهتمام :
- حبيبتي فهميني في إيه، إنت تقريبا ما قعدتيش فوق عشر دقايق !
ردت بصوتها المتحشرج :
- من فضلك يا أدهم، روحني .

ظل يتطلع إليها لثوان أخرى، ثم تنهد بعمق وأدار السيارة منطلقا بها نحو منزلهم، تابعت عيني الجدة ما حدث من نافذة غرفتها وانحدرت منهما الدموع كالسيل، لقد كان ينتظرها بالأسفل، أوصلها ولم يذهب، أصبحت لآخر، لم تعد ابنتها زوجة وحيدها، هي الآن ملك رجل يشاركها حياتها، نال قلبها وحبها وهي التي ستحيا في وحدتها حتى مماتها .
********
عندما دخلت إلى المنزل اندفعت نحو غرفتها، غيرت ملابسها بسرعة ثم توجهت نحو صغيرتها، غيرت لها ملابسها هي الأخرى وأطعمتها في صمت و وضعتها بفراشها، تتحرك بآلية شديدة وسكون تام، التزم هو الآخر الصمت متابعا إياها بعينيه في قلق امتزج ببعض التوتر، هل قالت لها جدة الصغيرة ما ضايقها ؟ هي تكاد تبكي، تزم شفتيها في حزن، وهو يكاد يجن لا يعلم لمَ ؟ لمحها تتجه نحو غرفتهما فتبعها، وجدها تدخل إلى الفراش وتدثر نفسها بالغطاء حتى رأسها، تلتزم الصمت وتجبره عليه، أخذ حماما سريعا ثم اندس إلى جوارها، عيناها مغمضتان، هي تهرب، تدعي النوم، لا تريد الحديث، لكنه اكتفى، اقترب منها وهمس بجدية :
- أنا عارف إنك صاحية .
أغمضت عينيها بقوة ولم ترد، ارتفع صوت تنفسها وهي توليه ظهرها معلنة رفضها، اقترب منها ثم جذبها بين ذراعيه، انتفضت لوهلة ورغبت في الابتعاد لكنه أحكم قبضتيه بشدة حولها هامسا من جديد :
- ششششش، اهدي، أنا معاكِ .
انهمرت دموعها فجأة ووصله صوت أنفاسها المضطربة المتقطعة، شعر ببلل على قميص منامته فرفع وجهها إليه في جزع، لمح الدموع تغرق وجنتيها فهتف :
- جمانة في إيه ؟ إنت بتعيطي ليه ؟ حبيبتي عشان خاطري بلاش دموع .
لم تستطع حبسها، قهرا غلبتها واستمرت بالانهمار لثوان كاد هو يجن فيها وهو يضمها إليه بقوة كأنه لو أفلتها فستضيع من بين يديه، قبل رأسها بحنو وانتظر حتى هدأت قليلا، رفع وجهها نحوه ثانية يمسح دموعها بأصابعه، سألها بشكل تقريري :
- قالت لك كلام زعلك ؟
مسحت دموعها هي الأخرى بظهر كفها كطفلة وأجابت بصوت مخنوق :
- شبه طردتني .
شعر بالدهشة، لم يفهم فعاد يقول بحنان :
- احكي لي .
أحاطته بذراعها الحر وهي تدفن وجهها في صدره كأنها تبحث عن أمان ما، فاستجاب لضمتها بتربيتة على شعرها، أجابت بعد ثوان :
- عرفت إن الجواز هيستمر، زعلت، قالت لي إنها بقت لوحدها خلاص وإني هابعد عنها ومابقيتش بنتها .
لم يفهم بالتحديد فجملُها قصيرة غير مترابطة، فقط ما لفت انتباهه سأل عنه :
- يعني إيه عرفت إن الجواز هيستمر ؟ إنت كنت قلتِ لها إنه مؤقت ؟
ثم رفع وجهها إليه ينظر في عينيها مكملا :
- وصوري ؟
أخفضت عينيها تهرب من مواجهته وهي تومئ برأسها إيجابا، همست :
- أنا وعدتها إني مستحيل أتجوز بعد ... بعد حسام الله يرحمه تاني .
انقبض قلبه ثانية رغما عنه عندما نطقت باسمه، تجاهل الأمر، هو يعلم بأمر هذا الوعد من قبل عندما زل لسانها به أمام أخيه، لكنه إدعى عدم الفهم متسائلا بدهشة :
- إيه الوعد ده يا جمانة ؟ ليه تدي وعد بحاجة زي دي ؟ ولما اضطريتي توافقي على فكرة الجواز طبعا قلتِ لها إنه هيبقى صوري ولفترة معينة وترجعي لها تاني بعد ما حق بنتك يرجع لكم مش كده ؟
شعرت بالحرج وهو تومئ برأسها ثانية في صمت، تنهد بعمق، هي مجنونة يعلم ذلك، لكنه قلبها الحنون الذي يشفع لها، همس ثانية برقة :
- معلش، اعذريها، صعب بالنسبة لها تتخيل إنك ممكن تكوني لحد غير ابنها، مع الوقت هتتقبل الأمر الواقع وتتفهم الموقف، خصوصا إنك مش هتبعدي عنها، لا إنت ولا ملك، مالهاش غيركم زي ما قلتِ لي، ودايما حاولي تراضيها، بس سيبيها تاخد وقتها وتهدى، أنا مقدر شعورها .
رفعت عينيها إليه في دهشة، فابتسم لها ورد على سؤالها الصامت بلهجة مداعبة :
- أيوة مقدر، لما طلبتِ مني تزوريها ولما وصلتك وطلعتِ، دقايق قليلة بس ماكنتش قادر أتحملها، قلت لك هالف بالعربية بس ماقدرتش، فضلت واقف تحت البيت مستنيكي، كل دقيقتين أبص في الساعة، ولما لقيتك بتتصلي استغربت بس حمدت ربنا إنك نازلة لي تاني بسرعة .
لمعت عينيها بنظرة حب فهمس ثانية :
- عاجبك كده ؟ خليتيني مجنون ؟
دفنت رأسها في صدره ثانية كطفلة صغيرة فقال بمرح :
- طيب يعني جننتيني شوفي لي حل، كده ما ينفعش .
ضحكت بصوت مكتوم فرفع وجهها نحوه يتأمل آثار الدموع في عينيها وهمس :
- بحبك .
ابتسمت بخجل ثم ردت بخفوت شديد لا يكاد يسمع صوتها :
- أنا كمان بحبك .
عقد حاجبيه وهتف بسرعة :
- إيه ؟ ما سمعتش ؟ إنت بتكلمي نفسك ولا إيه ؟
وكزته في كتفه بقبضتها في رفق فأمسك بيدها وقال مشاغبا :
- لا كده كتير، إنت ناوية تكسريه أنا عارف، قولي قلتِ إيه ماسمعتش وإلا مش هاسيب إيدك .
هتفت في خجل :
- وبعدين معاك بقى ! سيب إيدي .
عاندها :
- لا .
اغتاظت :
- أدهم .
تنهد وهمس بلهجة حالمة أضحكتها :
- ياعيون أدهم، ياروح أدهم، أدهم هيموت وهو بيسمع اسمه من بين شفايفك .
عندما سمع ضحكتها هتف بمرح :
- أخيرا نولت الرضا السامي وسرقت ضحكة، بس كده أنام وأنا مطمن وبالي رايق .

ابتسمت في صمت حينما ضمها هو إليه أكثر وانزلق في الفراش لتنام قريرة العين بين ذراعيه، تداعب أذنيها سيمفونية دقات قلبه باسمها، ويحوطها دفء صدره .
********
مرت الأيام سريعا، في نفس اليوم الذي قرر (أدهم) زيارة والديه فيه أعطى (كمال) الضوء الأخضر لـ (فتحي) لينفذ مهمته .
كانت (جمانة) في منزلها تتابع أعمالها اليومية، وبعد أن انتهت وجدت بضعة مظاريف بريدية موضوعة على طاولة بجوار الباب بإهمال، قررت أن تتسلى فيهم، فتحت البعض وكانت في الغالب إعلانات، وجدت في وسطها جواب الإخطار البنكي الدوري الذي يأتي للمودعين بانتظام، كان باسمها فابتسمت، ما الجديد ؟ لماذا يصرون على إرسال هذه الخطابات على الرغم من أنها لا تفعل بها شيئا ! فتحته من باب الفضول لتجد مفاجأة بانتظارها، حسابها متضخم بشدة، فعلى الرغم من بيعها للأرض إلا أنها تعلم ثمنها جيدا وتعلم أنه مودع في حسابها، أما الآن فالحساب مضاعف كأن الأرض بيعت مرتين، اندهشت للغاية وخطرت في بالها فكرة لم تعلم كيف تتأكد منها ؟ قررت الاتصال بخدمة عملاء البنك لتسأل عن المودعين إن كان ذلك ممكنا، وجاءها الرد أنه منذ حوالي أسبوعين تم إيداع مبلغ مليون جنيه في رصيدها وقبلها بما يقرب من شهر تم تحويل مبلغ مليون جنيه آخر لنفس الحساب، كان الذهول قد بلغ منها مبلغه فاستفسرت عن الحساب الذي تم التحويل منه لتجده باسم زوجها (أدهم جلال الحسيني)، أغلقت الخط وبقيت تفكر وهي لا تعلم ما الذي يمكن أن تفعله، إذن فبعد رفضها الشيك الذي حرره لها عندما وقعوا أوراق الأرض قام بتحويل المال لحسابها بدون سؤالها، لكن كيف أتى برقم حسابها أو علم أي معلومات عنه، عقدت حاجبيها بشدة ثم هتفت فجأة :
- لميا !!
قامت مسرعة لتتصل بشقيقتها وما إن سمعت صوتها حتى بادرتها في لهفة :
- لميا هو أدهم جاب رقم حساب البنك بتاعي منك ؟
ضحكت شقيقتها وهتفت :
- لسه واخدة بالك يامجنونة، أيوة وخلاني وعدته ماأقولش .
سألتها :
- إمتى بقى ؟
ردت بابتسامة :
- يوم ما كنت عندكم بنعمل العقود لما صمم ينزل يوصلني .
فكرت وهي تقول ببطء :
- يعني يوم مارفضت الشيك .
(لمياء) باقتضاب :
- أيوة .
ابتسمت فجأة في حب وشعرت بنفسها تحلق عاليا في سعادة، من أين أتى هذا الرجل ؟ هل هو كائن أرضي بالفعل ؟ وكيف يحبها لهذه الدرجة وتعشقه هي بجنون ؟ طال صمتها لتنتبه على صوت (لمياء) تقول في مرح :
- ياعيني ع الناس السرحانة .
ضحكت وقالت بسرعة :
- لومي عاوزة منك خدمة .
تنهدت (لمياء) في رومانسية وردت :
- اؤمريني .
قالت في مرح :
- ماشي يا حونينة، تعالي خدي ملك بقى النهاردة .
كانت ضحكة (لمياء) هذه المرة طويلة ولم تتمالك نفسها إلا بصعوبة، ثم هتفت في مرح :
- لا مش جاية .
جارتها (جمانة) هي الأخرى فقالت مصطنعة الحزن :
- كده يالومي، أهون عليكي !
ردت بغرور :
- امممممم طيب قولي لي هتعملي إيه وأنا آجي آخدها .
تنهدت (جمانة) في حب وقالت بدلال :
- هاعمل إيه يعني ! ركزي معايا بقى .
ضحكت (لمياء) وهتفت :
- بتقوليها في وشي ببجاحة كده ؟ هيه فاكرة يومها كنتِ عاملة إزاي ؟ خلاص هآجي آخدها، بس كله بتمنه .
ضحكت هي الأخرى وسألتها :
- أي تمن المهم تيجي ، عاوزة إيه بقى ؟
همست في خبث :
- التفاصيل لاحقا .
ضحكت (جمانة) بشدة وهتفت :
- مش بأقولك لسعتي، تعالي بقى بسرعة.
قالت بسرعة :
- طيب طيب، افتحي الباب أنا جيت اهو .
ظلت تضحك معها قليلا ثم أنهت المكالمة وانتظرتها حتى أتت لتأخذ الصغيرة، وبعد انطلاقهما تحولت لنحلة نشيطة تنثر رحيق أزهارها في كل ركن حتى أتمت تحضير كل شيء وجلست في انتظار حبيبها .

********
في نفس اليوم قرر (أدهم) أن ينهي عمله ويتوجه لفيلا والده، لقد أوحشه كثيرا وكذلك والدته على الرغم مما حدث بينهما ، ما إن دخل حتى وجد والدته جالسة تقرأ في أحد الكتب، نعم والدته كانت تعشق القراءة وورث هو عنها تلك الهواية على الرغم من قلة ممارسته لها، شعر بالحنين لذراعيها وبالشوق ليملأ عينيه من رؤيتها، وقف في صمت للحظات يتأملها، ثم توجه نحوها ببطء، سمعت صوت خطواته فرفعت عينيها لتجد صغيرها المدلل أمامها، كانت نظراته تمتلئ بالحنين ونظراتها بالحزن والعتاب، اقترب أكثر ووقف أمامها قائلا في هدوء :
- إزيك يا أمي ؟
ارتجفت شفتاها قليلا ثم ردت بخفوت :
- الحمد لله يا أدهم، إزيك إنت ؟
جلس أمامها على الأرض وهو يثني ركبتيه مجيبا :
- الحمد لله .
ثم داعبها قائلا بمرح :
- وحشتيني يا فيري .
كانت ابتسامتها كسيرة وهي تتساءل :
- بجد يا أدهم ؟ لو كنت وحشتك كنت سألت عليَّ من زمان، بقى لي قد إيه ما شفتكش ؟
شعر بالحزن وهو يجيب :
- يا أمي، إنت مقاطعاني من وقت مااتجوزت، أنا مش عاوز أعاتب او أقول كلام كتير، بس .... أنا يهمني رضاكِ وجمانة كمان يهمها رضاكِ دي بتسأل عليكِ يوميا وعاوزة تيجي تشوفك وتقعد معاكِ بس أنا اللي رافض لأني خايف تجرحيها .
تضاعف الحزن الظاهر على وجهها وانخفض صوتها أكثر وهي تقول :
- خايف عليها مني ؟ للدرجة دي يا أدهم ؟
لم يجد مايقوله، نعم هو يخاف جرحها، لن تتحمل قسوتك أمي أو تكبرك ولا يمكنني التسبب لها في أي أذى، غير الموضوع وسألها في مرح :
- أمال فين سارة ؟
هزت رأسها بلا اهتمام وردت :
- برا بتعمل شوبينج، واضح إن مراتك مش عاوزة تاخدك إنت بس في صفها .
عقد حاجبيه ولم يفهم فسألها :
- قصدك إيه يا أمي ؟
أجابت في ضيق :
- يعني الأول إنت تصمم تتجوزها بعدين أبوك يوافق ويدافع عنها وكمان أختك استنى لما تشوفها عشان تعرف زيارة واحدة لمراتك عملت فيها إيه ؟
ظل على عدم فهمه، لكنه تخطى الأمر وأراد سؤالها عن موضوع العقد الضائع، بادرته هي قائلة :
- أدهم تقدر تخلي أخوك آدم ييجي البيت هنا ؟
تطلع إليها في دهشة ونبض قلبه بقوة، هل يمكن ... ؟ سألها بسرعة :
- ليه يا أمي ؟
ترددت وبدا عليها نوع من الخجل والاستياء وهي تجيب :
- لقيت الكوليه اللي كان ضايع .
ابتسم وتنهد في ارتياح، قال :
- سارة ؟
تطلعت إليه في دهشة وهتفت :
- إنت عرفت إزاي ؟
رد :
- كانت عندي يومها عاوزة تعرف اللي حصل وفجأة لقيتها نطت من مكانها وبتقولي الكوليه ده كان معايا .
شعرت بالخجل أكثر وقالت بخفوت :
- أنا مش عارفة أقوله إيه ولا أبرر الموقف إزاي .
شعر بالسعادة تغزوه، وفي نفس الوقت كانت الدهشة تملؤه، ليست هذا والدته أبدا، بها نوع من الخنوع والتواضع الذي لم يكن أبدا سمْتَا لها، ابتسم ورد في هدوء :
- انا هاتصرف يا أمي، آدم طيب جدا لدرجة ماتتخيليهاش، عارفة لو كان العكس وأنا مكانه كان التصرف هيبقى مختلف، بس لأنه آدم أنا عارف هو رد فعله هيبقى إيه .
رفعت عينيها إليه وسألته في أمل :
- تفتكر؟
اتسعت ابتسامته وهو يجيب :
- أنا متأكد مش بس أفتكر .
سمعا صوتا عند بوابة المنزل، التفتا إلى المدخل ليجدا (سارة) ، تطلعت إليها الأم في صمت وإن كان به لمحة استياء، أما (أدهم) فقد ابتسم ابتسامة واسعة وامتلأت عيناه بمزيج رائع من الحنان والفرح، ما إن رأته حتى هتفت في مرح وهي تقبل عليه :
- أدهم، أخيرا جيت، وحشتني .
تطلع إليها سعيدا للغاية وقال :
- سارو تصدقي ماعرفتكيش ؟ اتحجبتي من إمتى ؟
ابتسمت هي الأخرى في سعادة :
- من بعد مازرتكم ؟ جمانة .
ظهر الحنان في عينيه لدى سماعه اسمها ونبض قلبه بقوة، هاهي حبيبتي تستحق ذلك العشق الذي يصول ويجول بداخلي، وللمرة المليون أعلم أن اختياري كان موفقا، جذب شقيقته إليه وقبل رأسها في حنان قائلا :
- مبروك يا سارو، بجد فرحان أوي إنك أخدتي القرار ونفذتيه، ربنا يثبتك ياحبيبتي .
صعد بعدها (أدهم) لوالده الذي شاركه دهشته بسبب تغير أحوال والدته لكنه كان أيضا سعيدا بها، قص عليه ما حدث لـ (دينا) والذي كان سببا في موت والدها المفاجئ للجميع، شعر بالشفقة، فبالرغم من كونها هي هي وفعلت الكثير لتؤذيه وتؤذي حبيبته لكن تلك النهاية مفجعة حقا، ووالدها الذي كان يحترمه راح هو أيضا ضحية، قضى معهم بعض الوقت ثم عاد لمنزله ليجد مفاجأة حبيبته من أجله.


*********************************





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 11:58 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 11:47 AM   #32

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل التاسع والعشرون

****************

فتح (أدهم) باب منزله ودخل بهدوء، يعلم أنه تأخر ولم يتصل، استغرب عدم اتصالها به أيضا، قابله الصمت والهدوء وبعض الضوء الخافت، فكر: هل غضبت لتأخري ونامت ؟ اتجه لغرفته بهدوء وفتح بابها ثم أطل منه برأسه، لم يجدها بالداخل فاستغرب، عاد يبحث عنها فلم يجدها، وجد ورقة كبيرة معلقة على باب الشقة من الداخل مكتوب عليها " ابحث بقلبك " لم يفهم شيئا، قلب الورقة جيدا ليجد أنها جواب من البنك، علم أن زوجته قد عرفت كل شيء فابتسم، فكر بمكر " إذن هناك مكافأة من نوع ما " شعر باللهفة ليجدها، فانطلق يبحث من جديد، شعر بالحيرة، بقلبه ؟ كيف ؟ أين يمكن ان يكون قلبه هنا ؟ عقد حاجبيه في تفكير، أي قلب تقصد ؟ لو رآها الآن فستندم على ما فعلته به في الدقائق القليلة التي تلت دخوله المنزل، مهلا ربما لا تقصد المعنى الحرفي للقلب ؟ أيعني هذا أن يترك قلبه يدله على مكانها، ولكن أين يمكنها الاختباء ؟ بحث في غرفة الصغيرة فلم يجدها أو يجد (ملك)، زفر في غضب، "سأوريكِ فقط عندما أجدك" ، مهلا لم يبحث بعد في الشرفة ربما تكون هناك، اتجه إليها بسرعة فوجد بابها مواربا، فتحه ليجد الطاولة الصغيرة عليها أطباق وشموع مضاءة وعلى الأرض شموع أخرى موزعة بعناية، حمد الله أن شرفته مقابلة للنيل ولا يوجد من يمكن أن يراهم هناك بالاضافة لستائر الشرفة السميكة التي تحجبها عن الجيران من الجانبين، كانت كأنها غرفة مغلقة فقط نسمات النيل تداعبها بين الحين والآخر ، دلف للداخل ليجدها جالسة على الأرجوحة الصغيرة وتهز نفسها برفق، ابتسم، اقترب منها، سمعت صوت خطواته لكنها تجاهلتها، جلس إلى جوارها وأسند ذراعه خلف رأسها وهو يتطلع إليها في حب انعكس على شكل لهفة شديدة، كانت رقيقة للغاية، ترتدي فستانا أنيقا يليق بها، بادلته نظرته، سألها :
- إيه الجو الحلو ده ؟ ده عشاني ؟
أومأت برأسها وهمست له :
- عشان حبيبي اللي من كوكب تاني .
ابتسم وأمسك بكفها يلثمه بشفتيه وهمس :
- من كوكب تاني ليه ؟
كان حديثهما همسا متبادلا، قالت :
- عشان مش بيسمع الكلام وبرده عمل اللي في دماغه، شفت الجواب ؟
أجاب :
- أيوة .
سألته :
- ليه عملت كده ؟
كان رده :
- عشان حقك .
هزت رأسها نفيا وهمست بدلال :
- تؤ تؤ، عشان بتحبني .
ابتسم ولمعت عيناه وهو يقترب منها قائلا :
- دي حاجة مفروغ منها .
تدللت ثانية هامسة :
- أد إيه ؟
شعر بقلبه يكاد يتوقف فلم يستطع أن يستمر في المزيد من الكلام، وقف وسحبها إليه، حملها بين ذراعيه وقال يشاكسها :
- هأوريلك دلوقتي أد إيه .
هتفت ضاحكة وهي تتعلق بعنقه :
- يا مجنون، والعشا ؟
كانت نظرته شغوف وهو يهمس :
- هاتعشى حالا أهو، أمال أنا بأقول إيه من الصبح، ركزي يا جوجو .

صمتت واستكانت، وحلقت في سماء الحب مع القلب الذي ينبض لها .
********
في الصباح التالي استيقظت بين ذراعيه، تقلبت في رفق وتطلعت لوجهه النائم في سكون بنظرة حب، فجأة ارتفع رنين الهاتف، فنظرت إليه بقلق، أما هو ففتح عينيه في توتر وتساءل :
- إيه ده ؟ مين بيتصل دلوقتي ؟
هزت كتفيها ونهضت تلتقط هاتفها لتلقي نظرة، وجدت رقم والدتها، شعرت بقلبها ينقبض في صدرها، فتحت الخط بسرعة وهتفت :
- ماما خير ؟
أتاها الصوت الباكي يمزق نياط قلبها :
- الحقيني يا جمانة، ملك خطفوها .
أبعدت الهاتف عن أذنها وتطلعت إليه في صدمة، لم تجد القدرة على النطق، نظر إليها في قلق ثم التقطه منها، تساءل في لهفة :
- ألو، خير حصل إيه ؟
ازداد نحيب المرأة وهي تهتف :
- خطفوا ملك يا أدهم يابني، خطفوها مني من البيت الحقني يابني .
اتسعت عيناه في ذعر وهو يلتفت لـ (جمانة) التي تسمرت في مكانها بدون حركة أو صوت، هتف بسرعة :
- أنا جاي حالا .
ألقى الهاتف من يده وأمسك زوجته من يدها هاتفا فيها :
- جمانة ؟ جمانة ردي عليا، ماتخافيش يا حبيبتي أرجوكِ ردي عليا .
لفت وجهها نحوه بنفس الصمت، ثم انهارت فجأة بين ذراعيه فاقدة للوعي وهو يصرخ باسمها في جزع وقلبه يكاد يتوقف بين جنبيه .
عندما استعادت (جمانة) وعيها كانت تتحرك معه بطريقة آلية، ذهب لمنزل والدتها وهي لا تعي ما يحدث حولها، بعد وصولها إلى هناك وعندما رأت والدتها وشقيقتها وتطلعت إلى أعينهما الدامعتين انهارت مرة أخرى وأخذت تبكي وتصرخ وهم جميعا يحاولون تهدئتها، أخذتها (لمياء) بين ذراعيها وظلت تقرأ القرآن وتدعو حتى استكانت قليلا، كان (أدهم) قلقا للغاية، ولما رآها هدأت اتجه لوالدتها وسألها :
- حصل إيه بالظبط ؟
أجابت من بين دموعها :
- مش عارفة يا بني، الصبح لميا نزلت شغلها زي كل يوم وملك كانت نايمة، فجأة لقيت جرس الباب بيضرب رحت أشوف مين قال لي النور، يادوب فتحت الباب وماحسيتش بحاجة، لما فقت لقيت نفسي ع الأرض قدام الباب من جوا وقمت زي المجنونة أدور على ملك مالقيتهاش .
استمعت (جمانة) لما قالته والدتها وعادت تبكي من جديد، قالت (لمياء) :
- لازم نبلغ البوليس، هما بس اللي يقدروا يتصرفوا .
هتفت (جمانة) في ذعر :
- لا يا لميا لا، أكيد هما عاوزين فلوس ، كل اللي بيخطفوا بيبقوا عاوزين فلوس، لو كلمنا البوليس هيأذوها، لا عشان خاطري .
اقترب منها (أدهم) وضمها إلى صدره محاولا طمأنتها فأخذت تبكي بصمت، قال بحنان :
- ماتخافيش يا جمانة ماحدش هيقدر يأذيها، بلاش بوليس، إحنا نستنى شوية ونشوف هيعملوا إيه أو عاوزين إيه ؟
فجأة انتزعت نفسها من بين ذراعيه وتطلعت إليه لحظة في وجل، لم يفهم لمَ فعلت ذلك حتى هتفت :
- إنت السبب .
تراجع للخلف في ذهول وهو يقول بصدمة :
- أنا !!!
اقتربت منها شقيقتها وحاولت تهدئتها فدفعتها في عنف وأخذت تصيح في وجهه :
- أيوة إنت، قلت لي هتحمينا، وعدتني وقلت لي ماتخافيش، ماتقلقيش وأنا معاكِ، عملت إيه عشان تحمينا، خلفت وعدك ليه ؟ بنتي هتضيع مني بسببك إنت وعمري ما هاسامحك أبدا .
تألم من كل كلمة نطقت لتجلده بها، خفض عينيه أرضا في صمت حزين على حين هبت والدتها هاتفة :
- جمانة ماتقوليش كده، جوزك مالوش ذنب .
صرخت في انهيار :
- لا هو السبب، كدب عليا، خلف وعده، خدوها مني يا ماما .
قالت (لمياء) بسرعة :
- جمانة إحنا مش عارفين مين، استني شوية لحد مانشوف .
عادت تصرخ وتبكي من جديد وعندما حاول الاقتراب منها دفعته في عنف وارتمت بين ذراعي شقيقتها التي نظرت إليه باعتذار، وقالت مهدئة :
- تعالي جوا إنت تعبانة أوي، ماتقلقيش إن شاء الله هترجع ماتخافيش .
تابعها بعينيه في حزن شديد يمتزج بالقلق والخوف، اقتربت والدتها منه وقالت وهي تربت على كتفه بحنان :
- معلش يا أدهم يا بني، إنت أكيد مقدر حالتها .
التفت إليها في صمت، ثم قال بخفوت :
- أكيد، أنا خايف عليها أوي .
تنهدت المرأة بحرقة وهتفت :
- حسبي الله ونعم الوكيل، بيعملوا فينا كده ليه ؟
تطلع إليها في تساؤل فأكملت :
- أنا شاكة إنهم إخوات حسام الله يرحمه .
ظهر الغضب على وجهه وعقد حاجبيه بشدة، فكر لثوان ثم سألها :
- تفتكري فعلا ؟ لو هما والله لأوديهم ورا الشمس.
ترددت الأم ثانية ثم هزت كتفيها في استسلام، خرجت (لمياء) من الغرفة وهي تمسح دموعها فسألها في لهفة :
- عاملة إيه ؟
تنهدت في حزن وأجابت :
- نامت، مش عارفة إزاي بس نامت .
ظلوا هكذا، هي نائمة وهو بين حين وآخر يطمئن عليها ويهمس في أذنها بأنه أبدا لن يخذلها، أذن المغرب وصاحبه رنين هاتفه، التقطه بسرعة ليجد رقما غريبا، لم يتأخر لثانية بل فتح الخط ليجد الصوت الأجش المخيف :
- الأمانة عندنا، لو تهمك تجهز اتنين مليون جنيه نضاف في شنطتين كبار وتستنى مكالمة تانية كمان مني، ماتتأخرش عشان التأخير هيكلفك كتير.
هتف في غضب :
- إنت عارف لو حصلها حاجة ..........
فوجئ بالخط ينقطع فجأة، فنظر للهاتف في حنق وألقاه على الأريكة في غضب شديد، سمع صوتها الضعيف تسأل في خفوت :
- قال لك إيه ؟
قام إليها مع شقيقتها بسرعة وقف أمامها، أجاب في لهفة :
- هنجيبها ياجمانة ماتخافيش، أقسم لك بالله هارجعها لحضنك تاني مهما كان التمن .
تطلعت إليه في صمت وعادت تسأل :
- قال لك ايه ؟
رد في استسلام :
- عاوز اتنين مليون جنيه وهيكلمني عشان يقولي إمتى وفين بكرة .
اتسعت عينا الأم وهتفت (لمياء) :
- اتنين مليون جنيه ؟
التفت إليهما في صمت فقالت (جمانة) في ضعف :
- هأنزل معاك الصبح نسحبهم من حسابي .
عاد يلتفت إليها وهو يشعر بالغضب، رد في استياء :
- لا ياجمانة خلي حسابك زي ماهو دي فلوس ملك، أنا هاتصرف .
ردت بعنف :
- لا، دي فلوسك إنت وأنا مش عاوزاها، أنا عاوزة بنتي .
تألم لكلامها لكنه صمت، عادت تردد باكية :
- أنا عاوزة بنتي .
ثم هوت فاقدة الوعي بين ذراعيه مرة أخرى، في تلك الليلة لم يغمض لهم جفن، كانت (لمياء) لاتزال تصر على إبلاغ الشرطة لكن (أدهم) رفض رفضا قاطعا، ما إن أشرقت الشمس حتى بدأ يفكر كيف سيجمع مبلغ بهذه الضخامة في هذا الوقت القصير ! حتى وإن لجأ لوالده فالسيولة بالتأكيد ليست كافية، وهو وضع في حسابها معظم ما يملك بالفعل، فوجي بها تخرج من غرفة النوم وهي تحمل حقيبة يدها وقالت في حزم :
- يلا عشان نروح نسحب الفلوس .
عاد غضبه، لمَ تفعلين بي هذا حبيبتي ؟ ربما قصرت ولم أنتبه لها جيدا، لكن لا تقسي علي وعلى نفسك أرجوك، رد هو في حزم أكبر :
- الفلوس دي مش هنقرب منها يا جمانة فاهمة ؟
صرخت في وجهه :
- قلت لك هناخدها أنا مش عاوزة فلوس ومش عاوزة منك أي حاجة، عاوزة بنتي وبس، ولو ماجيتش معايا هاروح لوحدي .
كاد ينفجر في وجهها لكنه تماسك وهو يضم قبضتيه بشدة، تدخلت (لمياء) قائلة لتهدئة الموقف :
- خلاص يا أدهم معلش، خليك معاها دلوقتي ونفذ لها اللي هي عايزاه وبعدين لما ملك ترجع بالسلامة نبقى نتصرف .
صمت وطال صمته فتوجهت هي نحو باب الشقة لكنه لحق بها في استسلام، بعد عدة ساعات عادا بالمبلغ المطلوب محضراً كما سبق وأخبره الرجل، ثم جلسوا في انتظار اتصاله، عندما رن هاتف (أدهم) ارتفعت نبضات قلوبهم جميعا لكنه كان (آدم)، رد بسرعة :
- أيوة يا آدم، مش هاقدر أشغل التليفون دلوقتي .
سأل أخيه بلهفة :
- خير يا أدهم فينك قلقت عليك جدا ماجيتش الشغل ليه لا امبارح ولا النهاردة ؟
بدأ يتضايق وهو يجيب :
- ملك اتخطفت يا آدم، احنا في بيت مامة جمانة مستنين اتصال من اللي خطفوها مش هاقدر أتكلم أكتر من كده .
كان الذهول يملأ صوت (آدم) وهو يهتف به قبل أن يغلق الخط :
- إديني العنوان طيب أجيلكم .
أملاه العنوان سريعا وجلس ينتظر، لم يتأخر الاتصال، من رقم مختلف هذه المرة، سأله له صاحب الصوت الأجش :
- إيه ياباشا جهزت المبلغ المطلوب ؟
رد بسرعة :
- أيوة، بس عاوز أكلمها أسمع صوتها أطمن عليها .
أتته ضحكة الرجل الساخرة وهو يقول :
- ليه في فيلم عربي إحنا، واثق في كلامنا هات الفلوس و تعالى تاخدها وتمشي، مش واثق خلاص خلي الفلوس وسيبها واحنا هنبيعها حتت ونكسب برده .
شعر بالذعر مما قاله الرجل فهتف :
- إنت أكيد مجنون .
قهقه الرجل مرة أخرى وأجاب :
- وماله مجنون مجنون بس آخد قرشين من واحد زيك مليونير قلبه محروق على بنته الوحيدة ، ربع ساعة وهاكلمك تاني .
التفت إليهم ليجد اللهفة تملأ العيون، أجاب لهفتهم بخفوت :
- هيكلمني تاني يقول لي أعمل إيه .
هتفت (لمياء) تسأله :
- قال لك ايه ؟
رد في حيرة :
- ما أعتقدش إن دول أهل ملك ، اللي كلمني معتقد إنها بنتي وبيتكلم على أساس كده .
عقدت حاجبيها في تفكير عندما هتفت (جمانة) :
- ليه هو ما يعرفكش ؟، بنتك منين وإنت يادوب متجوز من شهرين .
تطلع إليها ولم ينطق، هي تجرحه منذ ضاعت الصغيرة لكنها على حق، صمت في ألم منتظرا اتصاله الثاني ومجيئ أخيه ليسانده، وصل (آدم) أولا ودخل في خجل، جلس مع أخيه وفهم منه الأمر وحاول معه تخمين الفاعل لكنهما لم يتوصلا لشيء، قبل المغرب بقليل أتاه الاتصال المنشود برقم جديد أيضا، رد بسرعة :
- أيوة .
سمع الصوت يقول في خشونة وصرامة :
- أيوة يا أدهم باشا، فلوسك في إيدك، موبايلك في جيبك، تنزل على عربيتك لوحدك وماحدش وراك، أنا عارف إنك مابلغتش البوليس، عين العقل، الضنا غالي برده، هتاخد عربيتك وتطلع على أول الصحرواي بعد البوابة بخمسة كيلو هتلاقي عربية ربع نقل حمرا، تركن وراها وتستناني، سلام يا ... يا باشا .
تطلع للهاتف في صمت، ثم نهض واقفا و(آدم) يسأله في لهفة :
- ها هتعمل إيه ؟
رد في خفوت :
- عاوزني أروح له أول الصحراوي .
هتفت (جمانة) بسرعة :
- هآجي معاك .
كان رده قاطعا :
- مستحيل .
عقدت حاجبيها في غضب وصرخت :
- لا هآجي .
التفت إليها واتجه نحوها في صمت، الصرامة تطل من ملامحه ممتزجة بغضب هائل مما جعلها تتراجع خطوة للخلف في خوف، لكنه أمسكها من ذراعيها هاتفا :
- جمانة أنا مش مستعد للمخاطرة ومش عارف هما هيعملوا إيه ؟ مستحيل تيجي معايا فاهمة ؟ وماحدش ييجي ورايا، قال لي تعالى لوحدك وإلا هيأذيها، خلاص ؟ .
شعرت بالرعب فأومأت برأسها في صمت ودموعها تنهمر من جديد، رق قلبه لها فضمها برفق واستسلمت هي له، تنهد في ارتياح ثم أبعدها ليمسح دموعها بأصابعه قائلا في حنان :
- هأرجع لك بيها إن شاء الله، ماتخافيش .
تطلعت إليه في أمل ثم ردت في خفوت وهي تشعر بالقلق :
- خلي بالك على نفسك .
ابتسم ثم ضمها إليه ثانية غير عابئ بنظرات الدهشة أو الخجل التي ارتسمت على وجوه المحيطين، ثم همس في أذنها لتسمعه هي فقط :
- بحبك .
نظرت إليه مجددا، القلق يملأ قلبها وعقلها ولا تدري له سببا، أما هو فالتفت إليهم، تطلعوا إليه في صمت لكن (آدم) وقف إلى جواره و بادره :
- أدهم ماينفعش تروح لوحدك، أنا مش مطمن .
ابتسم له قائلا :
- ماتقلقش يا آدم، خير إن شاء الله، خلي بالك عليهم لحد ما أجيب ملك وآجي .
شعر أخيه بالحرج، فرد بهدوء :
- انا هاستنى تحت في العربية ماتقلقش .
حافظ على ابتسامته وإن اختلط بها بعض التقدير لأخيه، ثم التفت مغادرا المكان، عند الباب هتفت (جمانة) باسمه فالتفت لها في صمت، قالت مكررة :
- خلي بالك من نفسك.
أعطاها إحدى ابتساماته الحنون ثم غادر المكان في صمت، تبعه (آدم) ليجلس في سيارته أسفل المبنى والقلق ينهشه هو الآخر ولا حيلة في يده، انطلق هو بسيارته مسرعا، بعد مايقرب من عشرين دقيقة ارتفع رنين هاتفه مرة أخرى برقم مختلف كما اعتاد، التقطه بسرعة وأجاب :
- أيوة .
أتاه الصوت يقول في اقتضاب :
- ماتنساش عربية ربع نقل حمرا بعد البوابة بخمسة كيلو، دلوقتي تقفل تليفونك وماتكلمش حد ولا حد يكلمك .
استجاب في صمت وانطلق بالسيارة للمكان المنشود، وجد السيارة الحمراء متوقفة إلى جانب الطريق فوق الرمال فانحرف بسيارته حتى توقف خلفها تماما، هبط من السيارة وتطلع حوله حيث بدأ الظلام يخيم على المكان فأضاء أنوار سيارته وأغلق بابها متجها نحو السيارة المتوقفة أمامه، لم يجد بها أحدا فعقد حاجبيه في عدم فهم، عاد يقف إلى جوار سيارته بهدوء منتظرا في صبر، مرت ربع ساعة بدأ فيها يشعر بالقلق خاصة مع هاتفه المغلق، سمع صوت يأتي من خلفه فالتفت بسرعة ليجد شبحا يقف خلف سيارته في الظلام وفي يده يظهر ضوء سيجارة، تطلع إليه حتى اقترب أكثر فاتجه إليه وهو يدور حول السيارة ثم وقف أمامه، كانت ملامحه شيطانية على الضوء الجانبي من السيارة، سأله في حزم :
- فين ملك ؟
كان رده غير متوقع :
- إنت بقى اللي رفضتني عشانه ؟
تراجع للخلف في دهشة ثم عقد حاجبيه في غضب هاتفا :
- إنت مين ؟
قهقة الرجل في سخرية وقال وهو ينفث دخان سيجارته :
- كمال زيدان، بيفكرك الاسم بحاجة ؟
تماسك قدر ما أمكنه وهو يتطلع إليه بنظرات لو كانت تقتل لكان الآن جثة هامدة، سأله :
- فين ملك ؟
عاد يضحك ورد بسؤال :
- عايز إيه من ملك ؟ تقرب لك ايه ملك ؟ دي بنت أخويا وأني أولى بيها .
اقترب منه محاولا إمساكه من ملابسه لكنه ابتعد بسرعة فقبضت يد (أدهم) على أطرافها فقط، تراجع أكثر هاتفا :
- بلاش تسرع يا أدهم باشا، أني مش لوحدي إلا لو مستغني .
تراجع و وقف أمامه في صمت فعاد يقول ساخرا :
- أيوة كده، الأدب حلو.
كان (أدهم) يغلي غضبا لكنه صمت، ما يهمه الآن هو الصغيرة وعودتها سالمة، سمعه يسأل :
- فين الفلوس ؟
أشار لسيارته وأجاب :
- في العربية .
ابتسم في توحش ثم أخذ نفسا آخر من سيجارته وأخرجه، قال بعده :
- حلو، أني واثق فيك ومش هاقولك أعدّهم، إنما إيه رأيك في أم ملك ؟ حلوة وتستاهل ولا خسارة فيها اللي هتدفعه ؟
ضم (أدهم) قبضتيه في شدة وهو يضغط أسنانه في غضب جعل (كمال) يطلق ضحكة ساخرة قال بعدها :
- الخوف حلو، يعني أني ممكن أعك براحتي الوقتي وماتقدرش تفتح بقك، عموما مش هتلحق تتهنى، لا بيك ولا ببنتها .
شعر (أدهم) بالقلق فعقد حاجبيه متسائلا في غضب :
- تقصد إيه ؟
رفع (كمال) حاجبيه في سخرية و رد ببرود وهو يلقي السيجارة ويدهسها بقدمه على الرمال :
- ابقى سلم لي على حسام أخويا وقوله بنتك في الحفظ والصون .
تحرك (أدهم) نحوه وفي الثانية التالية كان صاروخ من النار يخترق صدره في موضع القلب تماما، تجمد لحظة في مكانه وهو ينظر لصدره في عدم فهم، عاد يرفع عينيه لـ (كمال) الذي وقف يتطلع إليه في برود ثم سقط أرضا في عنف ودماؤه تسيل بغزارة من جرح صدره وفمه لتغرق الرمال ومعها تنسحب حياته ببطء .


*********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 19-07-16 الساعة 12:00 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 11:50 PM   #33

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,437
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الثلاثون

***********

نعود للخلف قليلا، في منزل عائلة (زيدان) ، كان (كمال) يذرع المكان ذهابا وإيابا في انتظار مكالمة (فتحي)، رن هاتفه فرد بسرعة :
- أيوة يافتحي عملت إيه ؟ ... جبتها من مطرح ماسبتها إمبارح؟ ... في الجرن الغربي زي ماقلتلك ؟ ..... طيب حلو أوي .... لا أني هاكلمه مالكش إنت دعوة .... باقولك ايه خلي بالك دي بنت أخويا ماحدش ييجي جنبها ... طيب خلي عويس معاها وهات لها اللي تحتاجه وتعالى لي عشان ميعادنا معاه ... عايزين نخلص من الموضوع ده بقى وتبقى توريني هتعمل إيه ... يلا بالسلامة .

أنهى المكالمة ثم زفر بعمق، صعد لطابقه العلوي ثم لغرفته ليجد زوجته لاتزال نائمة، فاتجه للحمام ليستحم ويحضر نفسه للقاء اليوم، لم ينتبه لزوجته التي كانت تتنصت على مكالمته، انتظرت حتى خرج من المنزل والتقطت هاتفها، ظلت تبحث فيه عن رقم (جمانة)، لقد اختطف ابنتها أي رجل هذا ؟ حتى الحيوانات لا تفترس بعضها أو تتعامل فيما بينها بهذا الشكل، لم تجد الرقم فكادت تجن، توجهت لزوجة الحاج (عبد الرحمن) وجلست تتسامر معها لبعض الوقت الذي طال حتى انتابها قلق شديد، ثم عاد زوجها، وجدها هناك فألقى سلاما مقتضبا وألقى ما يحمله ثم دخل لغرفة نومه، رأت (صفية) هدفها الذي جاءت من أجله، قامت زوجة الرجل خلفه، فانتظرت هي لثوان ثم اختطفت هاتفه الجوال وبحثت فيه بسرعة، وجدت اسم (أدهم الحسيني) فسجلته لديها سريعا، ووجدت أيضا اسم (أم لمياء) فأخذته، تركت الهاتف سريعا وقامت من فورها متجهة لطابقها، كان الوقت يسرقها ويمر سريعا، دخلت غرفتها وأغلقتها عليها بسرعة وأمسكت هاتفها لتتصل بالسيدة والدة (جمانة) أولا، وهي على أمل أن تصل إليهم في الوقت المناسب .
********
في المنزل عند (جمانة) ووالدتها وشقيقتها كن جميعا يجلسن وكأن على رؤوسهن الطير، الصمت يخيم على المكان إلا من صوت نهنهات متباعدة تصدر من (جمانة) ودموعها لا تتوقف عن الانهمار أو قلبها عن القلق، رفعت رأسها لشقيقتها وقالت بضعف :
- لميا أنا خايفة على أدهم، قلبي مقبوض أوي .
ربتت شقيقتها على كفها في حنان وواستها :
- معلش، يارب خير بإذن الله وإن شاء الله يرجع ومعاه ملك .
عادت تبكي بصوت مسموع وهي تهتف :
- أنا زعلته قبل ما يمشي، جرحته ووجعته، أنا .. أنا ....
ولم تجد ماتكمل به جملتها فصمتت وشقيقتها تضمها بين ذراعيها في حين قالت الأم في شفقة :
- معلش ياجمانة هو عارف اللي إنت فيه ومقدر ماتخافيش، ربنا يرجعهم بالسلامة يارب .
ظلت تبكي لثوان أخرى حتى قطع نحيبها صوت هاتف والدتها، انتفضن جميعا في أماكنهن، التقطت الأم هاتفها بسرعة لتجد رقما لا تعرفه، ترددت لثانية فهتفت (جمانة) :
- هاتي ياماما، أنا هارد .
وانتزعت الهاتف من يد والدتها لترد بسرعة :
- السلام عليكم ؟!!
أتاها الصوت الأنثوي المرتبك :
- وعليكم السلام ورحمة الله، أني صفية مرات كمال أخو حسام الله يرحمه .
نبض قلب (جمانة) بعنف وهي تهتف :
- أيوة ياصفية أنا جمانة، خير في حاجة ؟
ترددت لثوان كاد قلب (جمانة) يتوقف خلالها، ثم ردت في خفوت :
- بنتك عند كمال.
توقف قلبها بالفعل ولم تستطع النطق، انتفضت فجأة وهي تصرخ :
- بجد يا صفية ؟ عرفتي إزاي وعنده فين ؟
حكت لها (صفية) سريعا المكالمة التي سمعتها بين زوجها وصديقه، فهتفت :
- صفية أنا جايالك بسرعة لازم تدليني ع المكان اللي بيقولوا عليه ده .
ردت صفية بحسم :
- ماتجيش لوحدك يا جمانة، لازم يكون معاكِ البوليس، أني مااضمنش مين هناك أو ممكن يعمل إيه .
هتفت بسرعة :
- طيب خليكِ على اتصال بيا أرجوكِ .
أغلقت الخط ثم التفتت لوالدتها وشقيقتها واللهفة ترتسم على وجهيهما ثم هتفت :
- دي صفية مرات كمال بتقول إن ملك معاه، لازم أكلم أدهم يرجع وناخد البوليس ونروح نشوفها .
كادت الأم تصرخ من الفرحة في حين انتفضت (لمياء) واقفة في مكانها وصاحت :
- بجد يا جمانة ! طيب يلا كلميه بسرعة عشان نلحقهم .
التقطت هاتفها واتصلت به، أتتها الرسالة المسجلة تخبرها أن الهاتف مغلق، حاولت عدة مرات ولا فائدة، نهش القلق قلبها ورفعت عينيها إليهما في جزع وهتفت :
- تليفونه مغلق، أدهم حصل له حاجة .
طمأنتها (لمياء) وقلبها هي يمتلئ بالقلق :
- لا لا ماتخافيش أكيد فصل شحن ولا حاجة انتو هنا من امبارح وماشحنش أكيد .
تساءلت في توتر :
- طيب هنعمل ايه ؟ لازم نروح هناك حالا .
ردت (لمياء) بسرعة :
- هنتصل بالبوليس ودكتور آدم تحت هيتصرف ونسافر بلدهم فورا .
ثم التفتت لوالدتها قائلة :
- خليكي إنت هنا يا ماما عشان لو أدهم اتصل أو جه .
هبطتا سويا لـ (آدم) الجالس في سيارته يتحدث في الهاتف باهتمام، وعندما لمحهما أنهى مكالمته وهبط من السيارة في اتجاههما بسرعة وهو يهتف :
- خير في حاجة ؟
عاجلته (جمانة) بالرد :
- أيوة يادكتور آدم، مرات أخو حسام كلمتني وقالت لي إن ملك عند جوزها، عاوزين نتصل بالبوليس ونروح بسرعة .
برقت عيناه وقال :
- بجد، طيب يلا بسرعة.
اتجهوا جميعا للسيارة وانطلقوا بها و (جمانة) لاتزال تحاول الاتصال بزوجها ولا يقابلها سوى رسالة باردة تخبرها أن هاتفه مازال مغلقا .

********
تطلع (كمال) لجسد (أدهم) الساكن أمامه ودماؤه التي تسيل بسرعة وعنف، وكزه بقدمه فلم يصدر عنه صوت وزاد نزيف الدم الخارج من فمه، سمع صوت (فتحي) خلفه يقول في عجلة :
- أبو كمال يلا بينا مش هنقف كتير، ماتنساش إننا على طريق .
التفت إليه (كمال) بسرعة وسأله :
- تفتكر مات ؟
رد (فتحي) بسرعة :
- ما إنت شايفه قدامك أهو، يلا بينا بس .
عاد ينظر لـ (أدهم) ثم انحنى نحوه يهزه بيده، لم يصدر عنه أقل حركة، تحرك مبتعدا و قد أصاب يده بعض الدماء، مسحها بإهمال واتجها سويا نحو سيارة (أدهم)، التقطا منها حقيبتين كبيرتين ثقيليتن وقاما بوضعهما في السيارة الحمراء، سأله (فتحي) :
- هناخد عربيته ولا إيه ؟
نهره (كمال) :
- ناخدها نعمل بيها إيه إنت كمان، هو إحنا هنشتغل حرامية عربيات ؟
ظهر ضوء سيارة من بعيد فتطلعا لبعضهما البعض لثانية ثم ركبا السيارة وانطلقا بها بسرعة تاركين (أدهم) خلفهما يلفظ أنفاسه الأخيرة في بطء، بعد سيرهما بالسيارة قليلا قال (فتحي) في جشع :
- بس ماقلتليش إنك هتطلع من العملية بأرنبين ؟
نظر إليه (كمال) في استخفاف و أجابه :
- وإنت يهمك إيه يافتحي ؟ إنت ناسي بتاخد كام على خدماتك من أي حد ؟ ولا هو طمع وخلاص ؟
قال (فتحي) في عصبية :
- بس عملية زي دي لها مكسبها لازم تشوفني صح، ده أني خطفت وقتلت وكمان كنت حمايتك، ما أني شفته لما كان هيمسك في خناقك، واحد زيه كده كان هيعصرك قبل ما تتنفس ويطلع منك القديم والجديد، كش منك لما هددته إنك مش لوحدك ولا نسيت ؟
زفر (كمال) في غضب وسأله حانقا :
- عاوز كام يا فتحي اخلص .
رد في جشع :
- ربع الأرنبين ونبقى صحاب .
شهق (كمال) في ذهول وهتف :
- إنت اتجننت يا فتحي، اطلب على قدك عشان تلاقي.
رد (فتحي) بلهجة ذات مغزى :
- هالاقي ياكبير، بس إنت شوفني عشان ابقى ستر وغطا عليك .
عماه الغضب للحظة لكنه سيطر عليه وقال في حنق :
- ماشي يافتحي، ماشي .
هتف (فتحي) في جشع :
- وممكن كمان هدية مني فوق البيعة أجيبلك المزة اللي الهلمة دي كلها عشانها .
نظر إليه (كمال) في اشمئزاز قائلا :
- لا مش عايزها، بعد اللي حصل دِه ماهيبقاش فيها نفس .
قهقه (فتحي) ثم مسح فمه بكمه بطريقة مقززة في حين عقد (كمال) حاجبيه في غيظ وقاد السيارة عائدا لبلدته في صمت وهو يفكر ما الذي سيفعله بالصغيرة بعد ذلك .

********
امتلأ ليل القرية بالأضواء والسيارات والبشر فأصبح كنهارها، تجمع الكثير من سكانها يتابعون ما يحدث بفضول، كان الحاج (عبد الرحمن) واقفا أمام (جمانة) وشقيقتها بصحبة (آدم) يلوح بيده في غضب صائحا :
- إيه اللي بتقوليه دِه يا أم ملك ؟ هو إحنا مجرمين عشان نخطف بنت أخونا ؟ عاجبك الفضيحة اللي عملتيها لنا في البلد دي ؟ جاية وجايبة البوليس كأننا قتالين قتلة ؟
قالت في صرامة :
- أنا ماجبتش حاجة من عندي ياحاج، أخوك خطف بنتي وآخرته إعدام إن شاء الله .
أما (لمياء) فقالت في حزم هي الأخرى :
- كل ده عشان الفلوس ياحاج ؟ تبيعوا الدم والقرابة اللي بيننا وتقلبوا بلطجية عشان فلوس مش من حقكم أصلا ؟
كاد الرجل ينفجر في وجهها وهو يهتف :
- يا أستاذة عيب اللي بتقوليه دِه، إحنا خلاص نهينا الموضوع وكل واحد خد حقه لا بتوع خطف ولا غيره، هنخطف بنت أخونا ياناس .
قبل أن ترد كان أحد الضباط يأتي من خلفها يحمل الصغيرة على كتفه برفق وهي تبكي بشدة، سمعتها (جمانة) فالتفتت إليها وكادت تسقط أرضا وهي تجري نحوه لتلتقطها منه، انهالت على وجهها بالقبلات وهي تنهار بجوارها أرضا، تتابعها عيني شقيقتها و(آدم) في سعادة في حين كان الذهول يرتسم على وجه (عبد الرحمن) وهتف في رهبة :
- البنت كانت هنا ؟
وقف أمامه الضابط الذي أتى بها وقال في صرامة :
- حاج عبد الرحمن إنت هتيجي معانا وهنسيب قوة هنا عشان لما كمال يظهر، الراجل اللي كان مع البنت اتصاب وهيطلع ع المستشفى لحد مانحقق معاه .
لم يستطع الرجل النطق بكلمة، عندما ظهرت سيارة أخيه وهو بداخلها، ترجل منها وهو يتطلع لما حوله بقلق ثم وقعت عيناه على (جمانة) وهي تحمل ابنتها، سقط قلبه بين قدميه، واتجه إليه أحد الجنود هاتفا :
- ممنوع ياحضرت .
دفعه في عنف واتجه نحوها فلمحته، تراجعت للخلف وهي تهتف :
- إنت عاوز ايه ؟
وقف (آدم) أمامها كأنه يحميها في حين قالت (لمياء) في حزم :
- حضرت الظابط ده الشخص اللي خطف البنت.
التفت إليه الضابط وقال في صرامة :
- إنت كمال زيدان ؟
التفت للضابط و رد بتبجح :
- أيوة أني كمال زيدان خير يا حضرت الظابط والناس دي كلها بتعمل إيه هنا ؟
صرخت (جمانة) في وجهه :
- يابجاحتك، بتخطف بنتي وتطلب فلوس وتقول خير ؟ أنا مش كفاية عندي إعدامك .
قبل أن يرد كان شقيقه يصيح فيه بغضب :
- هو ده اللي اتربيت عليه يا كمال يابن أمي وأبويا، تخطف بنت أخوك عشان تاخد فلوس، بقينا بلطجية يا كمال ؟
صاح أمامه :
- أخطف مين يا عبد الرحمن، أخطفها بتاع إيه يعني .....
قاطعه بعنف :
- ماتنكرش يا كمال، البت كانت هنا ومراتك هي اللي بلغت عنك، حسبي الله ونعم الوكيل ضيعتنا وخليت سمعتنا في الأرض .
رن هاتف (جمانة) في هذه اللحظة لتجد رقما غريبا لا تعرفه، شعرت بالقلق وانقبض قلبها في صدرها، فتحت الخط لترد :
- السلام عليكم ... أيوة أنا جمانة أبو الفتوح ... مستشفى ؟؟
ثم اتسعت عيناها في ذعر وهي تصرخ :
- إيــــــــه !!!!
وتهاوت أرضا لتلتقطها يدي شقيقتها قبل أن تصطدم بالأرض في عنف وهي تصرخ باسمها في لوعة، تطلع إليها (آدم) في جزع والتقط الهاتف الذي سقط من يدها أرضا ثم وضعه على أذنه في تردد وتساءل :
- أيوة مين معايا ؟
اتسعت عيناه في ذعر هو الآخر وهو يستمع لمحدثه، ثم هتف :
- مستشفى إيه ؟ ... طيب طيب .
أغلق الخط والتفت للضابط خلفه وصاح :
- حضرت الظابط أنا باتهم كمال زيدان بمحاولة قتل أخويا أدهم الحسيني .
اتسعت عينا (كمال) في رعب، وصرخت (لمياء) :
- مستحيييل .
قال الضابط في تساؤل صارم :
- حصل ايه يادكتور آدم ؟
أجاب في غضب وهو يكاد يبكي :
- طلبوا مننا فدية عشان يرجعوا البنت واشترطوا أدهم يروح لوحده وفعلا راح، كان غلط مننا نسيبه يخاطر لوحده، لقوه ع الصحرواي مضروب بالرصاص وبين الحيا والموت ، أكيد هو اللي عملها مادام هو اللي خطف ملك وكان طالب الفدية .
التفت إليه الضابط ثم هتف في بعض الجنود من حوله :
- فتشوا العربية اللي هناك دي .
اتسعت عينا (كمال) فصرخ :
- أني ماقتلتش حد، إنتوا جايين تقولوا خطفت وقتلت، إحنا مش بتوع الكلام دِه يا حضرت الظابط .
قبل أن ينطق أحد كانت يد أخيه (عبد الرحمن) تهوي على وجهه في لطمة قوية جعلته يتطلع إليه في صدمة وهو يصيح فيه :
- خطف وقتل ياكمال، بنت أخوك وجوز أمها يا كمال ؟ هي دي آخرتها وديتنا ورا الشمس .
عاد ينفي في غضب :
- إنت بتقول إيه يا حاج أني مااعملش كده .
كانت (لمياء) تحاول عبثا وعيناها دامعتان إيقاظ شقيقتها التي تعاقبت الصدمات فوق رأسها في اليومين الآخيرين، أما (آدم) فقد أمسك بـ (كمال) من ياقته ودفعه أمامه في عنف وهو يضربه في وجهه وما أمكنه الوصول إليه من جسده بكل ما أوتي من قوة، كان يكيل له اللكمات فقط في صمت والغضب مرتسم على ملامحه ولم تتح لـ (كمال) فرصة للدفاع عن نفسه، أمسك الضابط وأحد الجنود بـ (آدم) فالتفت إليهم في عنف وكاد يضرب الجندي هو الآخر فهتف به الضابط في صرامة :
- دكتور آدم من فضلك امسك نفسك إحنا لسه مانعرفش حاجة .
قبل أن يصرخ في وجهه عاد الجنود الذي قاموا بتفتيش السيارة وهم يحملون حقيبتين كبيرتين مملوءتين بالنقود وعلي أحدهما آثار دماء طازجة، نظر إليه الضابط وسأله في صرامة :
- ايه رأيك في دول ياكمال ؟ وعليهم دم كمان ؟
ثم التفت للجنود من حوله هاتفا في حزم :
- اقبضوا عليه .
تراجع للخلف بسرعة وصرخ :
- أني ماعملتش حاجة .
ثم أخرج مسدسا أطلق منه رصاصة على أقرب الجنود إليه وهو يعدو هاربا، بعدها أتت الرصاصة التالية في ركبته ليسقط أرضا في عنف وهو يصرخ بألم، أعاد الضابط مسدسه لحزامه وهو يهتف بجنوده :
- هاتوه .
أسنده الجنود حتى أتوا به أمام الضابط الذي وضع الأصفاد في معصميه وهو يصرخ في ألم، في هذه الأثناء كانت (جمانة) قد استعادت وعيها لتقف بمعاونة شقيقتها و(آدم) يتطلع إليها في قلق، يبدو عليها الإعياء الشديد وكأنها تنتظر لحظة أخرى لتغيب عن الوعي ثانية، ودموعها تنهمر باستمرار في صمت، بدت وكأن قلبها قد اكتفى وبدأ ينزف داخلها حتى الاحتضار، ثم فوجئ الجميع بصراخ (كمال) في وجهها :
- أيوة قتلته يامرات أخويا، هيموت، وهتعيشي حياتك كلها أرملة تندبي حظك في الرجالة، مش رفضتيني، خلاص أهو خليكِ أرملة لحد ما تموتي .
ازداد انهمار دموعها في حين اندفع (آدم) نحوه ثانية لكن منعه الجنود من ضربه مجددا، استقلت (جمانة) السيارة مع صغيرتها التي حملتها بين ذراعيها وهي بين ذراعي شقيقتها، كان (آدم) يقود السيارة وهو يشعر بالغضب والحزن والجزع، وبين كل فينة وأخرى يتطلع إليها في مرآة السيارة ليطمئن ثم يعود لينتبه للطريق، هتفت فجأة وهي تبتعد عن حضن (لمياء) :
- أنا جرحته .
تطلعت إليها شقيقتها في قلق وألقى (آدم) عليها نظرة مرة أخرى، لم تعطي فرصة لأحد لينطق بل عادت تهتف وهي تبكي :
- أنا وجعته وقلت له إنه السبب في اللي حصل .
التفتت لشقيقتها واستمرت تقول :
- مش هو السبب، أنا السبب في اللي حصل له، أدهم هيضيع مني يا لميا وأنا السبب .
كانت على شفا انهيار عصبي جعل شقيقتها تتطلع إليها في قلق وهي تحاول ضمها لصدرها ثانية قائلة في حنان :
- لا طبعا يا جمانة مش إنت ولا هو ، دي إرادة ربنا ماحدش عارف الخير فين واللي حصل ده حصل ليه، بس أكيد خير .
نظرت إليها وبدت وكأنها لم تسمع حرفا من كلام أختها ثم صرخت بطريقة أفزعت ابنتها :
- أنا السبب يا لميا، أنا السبب، لو حصل له حاجة مش هاسامح نفسي أبدا.
لم تجد شقيقتها ما تقوله سوى أن تجذبها لحضنها محاولة تهدئتها، ظلت تنتحب وهي تقول :
- أنا بحبه أوي يا لميا، مش هاستحمل يجراله حاجة، مش هاقدر.
ثم استمرت في النحيب، تشاركها شقيقتها دموعها في صمت، أما (أدم) فغافلته دمعة اجتمعت فيها مشاعر الحزن والقلق على أخيه بالشفقة على (جمانة)، ظل على صمته حتى وصلوا للمستشفى، كانت (جمانة) تسير وهي تحمل (ملك) وكلما حاولت شقيقتها حملها عنها رفضت تركها، شعرت بالشفقة تجاهها فاكتفت بالسير إلى جوارها لتستند إليها، وأمام غرفة العمليات وجدوا والدا (أدهم) وشقيقته، عندما رأتها (فريدة) صاحت بها في غضب ممتزج بالانكسار بطريقة غريبة :
- رجعتي بنتك وضيعتي لي ابني ؟
عادت الدموع تنهمر من عيني (جمانة) في حين هتف فيها (آدم) :
- طنط فريدة من فضلك، كفاية اللي هي فيه .
نظرت إليه بحزن وبدأت دموعها تنهمر هي الأخرى وغمغمت :
- لسه بتدافع عنها يا آدم ؟ مش دي اللي أخوك كان هيضيع بسببها ؟
كان الصوت هذا المرة صادرا من زوجها، قال في صرامة وصوته لا يكاد يخرج من بين شفتيه :
- فريدة، اسكتي خلينا نطمن على أدهم، مالكيش دعوة .
كانت (لمياء) تتابع الموقف في صمت، وكم آلمها أن تتلقى شقيقتها وهي في هذه الحالة اللوم من والدة زوجها، لم تكن تملك ما تقوله فالسيدة مكلومة لكنها حزنت و(جمانة) تزداد دموعها انهمارا في صمت، انتظروا لوقت بدا لهم كدهر، كان (آدم) يذرع المكان جيئة وإيابا وهو يشعر بتوتر لاحد له، في حين جلست (جمانة) على أحد الكراسي وطفلتها بين ذراعيها وإلى جوارها شقيقتها، وعلى الجانب الآخر (سارة) ووالديها، فتح باب غرفة العمليات لتخرج منه ممرضة متوترة وهي تسأل :
- محتاجين نقل دم ضروري وفصيلته نادرة عاوزين متبرعين .
هتف (آدم) بسرعة :
- أنا نفس الفصيلة .
أما (جمانة) فهبت واقفة وهي تقول :
- أنا مش عارفة فصيلته بس لو ممكن تشوفوا أنا أنفع ولا لا .
هتف بها (آدم) :
- لا يا جمانة مش هينفع، إنت ماتنفعيش تتبرعي بحالتك دي خالص .
صرخت في انهيار :
- لا ممكن هيحصل إيه يعني هادوخ، المهم هو يبقى كويس .
قاطعتها (لمياء) بحسم :
- خلاص ياجمانة إنت مش هتنفعي أنا هاروح مع دكتور آدم وأشوف لو فصيلتي تنفع وربنا يسهل .
تطلع إليها (آدم) للحظة، وشعر بالاحترام والتقدير تجاهها، أما (جمانة) فهتفت في أمل وهي تبدو ضعيفة مستكينة :
- بجد يا لميا هتروحي ؟.
ربتت على كتفها بحنان وأجابتها :
- أيوة ياحبيبتي ماتخافيش، إن شاء الله هيقوم بالسلامة .
وبالفعل توافقت فصيلتها معه وتم سحب لتر من الدم منها وآخر من (آدم)، بعدها بدا عليها الإعياء فقال لها (آدم) :
- مدام لميا، اتفضلي ماتقفيش كتير، حضرتك شكلك مش متعودة على كده .
نظرت إليه بامتنان وجلست قليلا شاعرة ببعض التعب عندما وجدت يد تمتد لها بعلبة عصير وقطعة حلوى مغلفة، تطلعت لصاحب اليد فوجدته (آدم) يتطلع إليها بحنان غريب قائلا :
- اتفضلي عشان ماتتعبيش .
هزت رأسها شاكرة و ردت :
- لا معلش مش هأقدر، شكرا يا دكتور آدم .
سمعته يقول في حزم :
- مدام لميا لو سمحتي بلاش عناد، ده ضروري على فكرة .
رفعت عينيها إليه ثانية لتجد نظرة الحنان تلك مرة أخرى فشعرت بالخجل هذه المرة وتقبلتهم منه شاكرة، جلسوا في صمت لدقائق أخرى بعدها فتح باب غرفة العمليات ليخرج الطبيب منه وهو ينزع كمامته ويتطلع إليهم بصمت، سقطت قلوبهم بلا استثناء بين أقدامهم وهرع إليه (آدم) مع والده، قال الطبيب بلهجة عملية :
- إحنا طلعنا الرصاصة الحمد لله، بس الحالة لسه مش مستقرة، هيفضل في العناية ع الأقل يومين بعدها ممكن ننقله غرفة عادية، لو اليومين الجايين دول مروا بسلام نقدر نطمن بإذن الله .
سأله (آدم) في لهفة :
- هو حصل ايه يادكتور؟
أجابه الطبيب بنفس اللهجة :
- رصاصة من مسافة مش قريبة أوي، دخلت جسمه بزاوية غريبة كأنه كان بيتحرك وقتها يمكن لو كان ثابت كانت اخترقت القلب فورا، الرصاصة مرت جنب القلب واصطدمت بضلع كسرت جزء منه واستقرت بعد مااخترقت الرئة ، للأسف نقله للمستشفى كان اتأخر ونزف كتير بس الحمد لله، ربنا يطمنكم عليه .
قالها ثم تركهم، كان قلب (جمانة) ينبض بعنف، يا إلهي، كاد يموت بسببي، كان يمكن أن تكون في قلبه، قلبه الذي احتواني وسكنته، قلبه الذي هو بيتي ومستقري، (آدم) تنهد في ارتياح وإن كان صعبا عليه أن يسمع ذلك عن أخيه، لازال القلق ينهشه لكنه حمد الله ودعاه أن يتمم شفاؤه على خير، أما أمه فكانت لا تزال تبكي في صمت، وقلبها يبكي صغيرها الذي كان سيضيع منها في ثوان، كل منهم كان قلبه في ناحية وإن توحدت القلوب على الدعاء .


********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 19-07-16 الساعة 12:03 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-07-16, 12:05 AM   #34

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الحادي و الثلاثون

****************

كانت قلوب الجميع تلهج بالدعاء والدموع متحجرة في عيون الرجال في حين تبكي النساء في صمت، نُقل (أدهم) لغرفة العناية المركزة على محفة تتبعه عائلته، بدا وكأنما فقد كل دمائه شاحبا ساكنا والضمادات تحيط بصدره بعناية، (جمانة) كانت هي الأقرب إليه ولاتزال تحمل طفلتها وهي تسير خلفهم وهم يدفعونه، أدخلوه غرفة العناية ثم نقلوه على فراشه ومنعوهم من الدخول، خرج الطبيب بعدها لتتعلق به كل العيون، ثم اتجهوا إليه، قال بهدوء :
- دلوقتي هو في فترة حرجة، قدامنا 48 ساعة نقدر نطمن بعدها بإذن الله .

ثم تركهم وانصرف، تركت (جمانة) ابنتها لشقيقتها ثم وقفت أمام نافذة الغرفة الزجاجية الكبيرة تتطلع إليه في لوعة وحزن والدموع لا زالت تحفر أنفاق ألم على وجنتيها، كان قلبها كسيرا وهي تدعو الله أن يحفظه لها وتعد بأن تكون له نعم الزوجة، اقترب منها (آدم) ووقف إلى جوارها يتأمل أخيه الراقد أمامهم في غيبوبته ثم همس بصوت حزين :
- إن شاء الله هيبقى بخير .
التفتت إليه والحزن يغمر حروفها في نهره حتى أغرقها، عادت تردد :
- أنا جرحته قبل ما يمشي وحسسته إنه ماكانش أمين وإنه خلف وعده ليا بحمايتي، وجعته أوي وراح عشان يرجع لي بنتي وكانت حياته هي التمن .
شعر بحزنه يتضاعف ثم قال بخفوت :
- هو أكيد عارف إنك ماتقصديش تزعليه ومقدر إحساسك كان عامل إزاي وقتها .
عادت تنظر لزوجها وتقول بصوت دامع متقطع :
- ده اللي واجعني أكتر، لو كان قسي أو زعلني أو حتى زعل مني أو عمل أي حاجة كنت سكت، لكن كان حنون أوي وكنت بأجرحه وألاقيه بيوعدني إنه مش هيخذلني وهيرجعها لحضني تاني مهما كان التمن .
ثم عادت تبكي بصوت مسموع وهي تكمل :
- وكان التمن حياته، ليه ؟ ليه بيوجعني ؟ ليه هو كده ؟ ليه حبني وقرب مني ؟ ليه دافع عني ؟ أنا مش عاوزة حاجة غير إنه يبقى كويس حتى لو هيبعد وخلاص، يرجع لأهله ولمامته اللي قلبها مكسور عليه بسببي، بس يبقى كويس .
لم يجد (آدم) مايقوله ليواسيها به فهو الآخر يبكي قلبه في جزع، أخيه الوحيد والذي كان كظله، علمه كل مايعرفه ودوما ما ساندا بعضهما البعض، هاهو أمامه جريح، ضعيف قد تنتهي حياته في أية لحظة، سمعوا صوت خطوات تقترب منهم ليجدوا الطبيب قد عاد، قال لهم بحزم :
- ماينفعش يا جماعة تفضلوا هنا، اتفضلوا في الاستراحة ده بالاضافة إن وقت الزيارة انتهى من بدري إحنا عدينا نص الليل لازم تمشوا .
التفت إليه الكل واقتربت منه (جمانة) بسرعة وهي تقول من بين دموعها :
- إزاي وقت زيارة ! ما ينفعش ما أقدرش أسيبه وأمشي .
نظر إليها ولدموعها لحظة شعر خلالها بالشفقة فرد هدوء :
- ممكن مرافق واحد بس هيفضل في الأوضة اللي هيتنقل لها بعدين إن شاء الله .
هتفت (جمانة) ووالدته في نفس الوقت :
- أنا هافضل .
ثم تطلعتا لبعضهما البعض لحظة، كانت نظرة الزوجة خلالها كسيرة خنوع والأم حزينة غاضبة، لم تستطع (جمانة) النطق، فأمه المكلومة هي الأحق بالبقاء إلى جواره، عادت تقول في انكسار :
- طيب خلاص أنا هاستنى برا في العربية .
نظرت لها الأم في دهشة، لمَ تراجعت ؟ كان يمكنها أن تصر على البقاء إلى جواره، أن تكون الأقرب، لكنها تركت لها تلك الفرصة ؟ شعرت بشيء من الامتنان لها ولكنها صمتت ولم تقل شيئا، سمعت (جمانة) ترجو الطبيب في حزن :
- لو سمحت يا دكتور ممكن أشوفه، عاوزة أكلمه، لو حتى دقيقة واحدة ؟
نظر إليها الطبيب في دهشة ثم قال بلهجة قاطعة :
- لا طبعا ما ينفعش، غرفة العناية ممنوع دخولها لغير الأطباء والممرضين .
عادت تستجديه :
- دقيقة واحدة بس يا دكتور، أطمن عليه من قريب وهاطلع على طول، أرجوك .
عاد يهز رأسه نفيا في حزم وهو يؤكد :
- يافندم ما ينفعش الموضوع مش محل نقاش .
عادت تبكي بشدة فرق قلبه لها لكنه لم يتراجع عن موقفه، أتت (لمياء) لتقف إلى جوارها وهي تقول للطبيب :
- يادكتور من فضلك، هي بس دقيقة واحدة، ولو في حاجة معينة مطلوب منها تعملها، تلبس حاجة أو تعقيم بس من فضلك دقيقة واحدة، ده جوزها .
تردد للحظة تطلعت إليه هي فيها بأمل ثم قال بسرعة :
- طيب دقيقة واحدة بس، اتفضلي معايا لحظة .
نبض قلبها بقوة وتبعته بسرعة ثم عادت معه وهي تحمل ما يشبه الكيس وتستعد لارتدائه في قدميها، وقف الطبيب أمام الباب والكل يتطلع إليه ثم قال مؤكدا في حزم وهو يفتحه سامحا لها بالدخول :
- دقيقة واحدة .
دخلت هي بتردد، كان الطبيب واقفا على الباب إلى جواره (آدم) و (لمياء) أما أبويه وشقيقته فكانوا يتابعون ما يحدث من النافذة وأمه تشعر بالحسرة، لمَ لم تطلب هي الأخرى أن تدخل إلى صغيرها أيضا !، وقفت أمامه (جمانة) في صمت، تتطلع إلى وجهه وعينيه المغمضتين في حزن، كان يغمرها بحنانه وتقتلها نظراته عشقا، لمَ لا تفتحهما حبيبي وتنظر إلي ؟، اقتربت أكثر ثم مدت يدها تتحسس شعره وانحنت تطبع قبلة على جبينه انعقد لها حاجبا الطبيب في ضيق، أمسكت كفه وقبلتها هي الأخرى واقتربت أكثر لتهمس في أذنه بكل العشق والحزن المختزنين بداخلها :
- أدهم، حبيبي، أنا آسفة، ياريت كنت أنا اللي أخدت الرصاصة مش إنت، ماتزعلش مني أنا عارفة إني جرحتك، بس برده عارفة قد إيه إنت بتحبني ومش هتزعل مني، وكمان هتفوق وترجع لي مش كده ؟
انهمرت دموعها وهي تكمل :
- حبيبي عشان خاطري افتح عينيك وبص لي، زي ما أنا متعودة، وحشتني نظراتك ووحشني كلامك، وحشني صوتك وإنت بتنادي اسمي، عشان خاطري فوق وارجع لي، أنا آسفة ، آسفة ، أنا السبب، أنا اللي ..........
قاطع حديثها الباكي الجهاز المتصل بقلبه معلنا توقفه عن النبض بأزيز واحد متواصل كاد يوقف قلبها هي الأخرى، كان الذعر يملأ ملامحها وهي تنظر إليه والطبيب يندفع نحوه بسرعة ويستدعي الممرضات، صرخت فجأة :
- أدهم لاااااااا، أدهم .
وانهمرت دموعها كشلال يصهر قلبها، رأت التوتر على ملامح الجميع، والدته تصرخ في انهيار والذعر يملأ ملامح أخيه وأبيه، تراجعت للخلف في جزع وهي تتطلع لما يحدث في بلاهة وتستمع لهتافاتهم وترى توترهم وكأنها في عالم آخر مواز، كان الطبيب يصرخ في الممرضات وهن يسرعن بتجهيز جهاز الصدمات، رأته يضعه فوق يصدره ويهتف :
- Clear
لينتفض جسد حبيبها في عنف ويبقى الأزيز على اتصاله، ثم يصرخ الطبيب مجددا في ممرضاته ويضع الجهاز فوق جسده ثانية بنفس الهتاف فيعود لينتفض مرة ثانية فثالثة والنتيجة لا استجابة، رأتهم يحقنونه بشيء ما ويعودون لتنشيط قلبه مرة أخرى فينتفض أمامها لتشعر بلوعة تكاد تعتصر قلبها، سمعت الأزيز المتقطع من جديد معلنا عودة قلبه للنبض، ثم وكأنما استنزف الخوف والحزن وبقايا الألم وإرهاق الأيام الماضية كل طاقتها فانهارت أرضا فاقدة الوعي تصاحبها صرخة شقيقتها باسمها في حين أسرعت إليها إحدى الممرضات لتحاول إفاقتها، ضعفها مع حزنها اشترك في فقدانها لوعيها لفترة من الوقت، احتاجت بعض المحاليل والمقويات التي أوصى بها الطبيب لها واستقرت في غرفة ليست ببعيدة عن حبيبها.
مرت تلك الليلة كأنها دهر، الكل في انتظار والحبيبة المكروبة فاقدة لوعيها منهكة وقلبها يئن، شقيقتها إلى جوارها بعدما أعادت الطفلة للمنزل مع والدتها، والدتها التي لم تصدق ماحدث وانهارت بالبكاء هي الأخرى، بكاءً على رجلٍ دفع حياته ثمنا وفداءً لمن يحب وكمدا على ابنتها التي لا تكتمل فرحتها إلا وتقطعها الدموع مرة أخرى، في الصباح التالي أفاقت (جمانة)، أتى الطبيب ليطمئن عليها، أمرها بالراحة لفترة وأوصى لها بأدوية جديدة، بعد خروجه هتفت في شقيقتها :
- أدهم عامل إيه يا لميا ؟
ربتت (لمياء) على كفها برفق وهي تجيب :
- ماتقلقيش هو الحمد لله لحد دلوقتي كويس والحالة مستقرة .
كشفت الغطاء وحاولت النهوض وقالت :
- عاوزة أشوفه .
حاولت شقيقتها إعادتها للفراش وهي تهتف :
- لا لا، جمانة ما ينفعش إنت تعبانة جدا مش هينفع تروحي تقفي هناك هيغمى عليكي تاني .
لم تهتم لما تقول وعادت تحاول النهوض، قالت في حزم على الرغم من الإعياء البادي على وجهها :
- لا لازم أشوفه .
وقفت على الأرض وفي الثوان التالية كان الدوار يكتنفها وشعرت برأسها تكاد تقع من فوق كتفيها فأسرعت (لمياء) إلى جوارها تساندها، أخذت نفسا عميقا وقالت :
- يلا نروح له .
ثم سارت ببطء حتى وصلت لغرفة العناية، وجدت والدته هناك مع (آدم) لم تستطع النظر في وجهها في حين وقف (آدم) واتجه نحوهما بسرعة هاتفا في قلق :
- جمانة إنت بتعملي ايه ماكانش المفروض تيجي دلوقتي إنت تعبانة .
التفتت إليه و ردت في حزن :
- تعبانة إيه بس يا دكتور آدم، مش أكتر منه، عاوزة أطمن عليه، الدكتور قال حاجة ؟
هز رأسه نفيا وأجاب :
- لسه على نفس الوضع .
وقفت أمام النافذة تنظر إليه في صمت، بدأت دموعها تنساب على وجنتيها مرة أخرى بذات الصمت، وعاد الألم يغلف قلبها مفتتا ضلوعها وممزقا إياه لأشلاء، كانت إلى جوارها شقيقتها والقلق ينهشها من كل صوب، على الاثنين شقيقتها وزوجها، سمعت فجأة صوت رجولي قوي يهتف بنوع من السعادة :
- أستاذة لميا ؟
التفتت للصوت لتجد شخصا بالزي الرسمي يتجه إليها وعلى شفتيه ابتسامة واسعة بادلته إياها بهدوء، كان (آدم) وزوجة أبيه يتطلعان إليه في دهشة وهو يقترب من المرأتين حتى وقف أمامهما وقال :
- إزيك عاملة ايه ؟ من زمان مش بنشوفك ؟ القضايا خلصت ولا إيه ؟
ابتسمت في خجل وأجابت :
- لا والله يا سيادة المقدم القضايا موجودة بس على حسب، مش عندك بقى .
حافظ على ابتسامته وتطلع لخجلها بحنان ثم التفت لشقيقتها الباكية في تساؤل أجابت عنه بدون أن يطرحه :
- أختي جمانة، جوزها مضروب بالرصاص امبارح .
رفع حاجبيه في دهشة وهتف :
- أدهم الحسيني ؟
أومأت برأسها إيجابا وهي تسأله :
- أيوة، حضرتك اللي ماسك القضية ؟
أجاب :
- أيوة، أنا كنت لسه جاي أطمن على حالته عشان أعرف هنقدر نستجوبه إمتى، إحنا قبضنا على كمال إمبارح طبعا وواحد اسمه عويس، عويس ده كان مصاب أول مافاق اعترف مباشرة ودل على واحد تاني اسمه فتحي، للأسف مات أثناء القبض عليه، قاوم وحاول يهرب وضرب نار ع القوة اللي راحت تجيبه فضربوا هما كمان اتصاب وعلى مااتنقل المستشفى كان مات، لقوا عنده نص مليون جنيه، غالبا من فلوس الفدية لأنها كانت ناقصة في الشنط اللي مع كمال .
ثم تنهد لحظة وأكمل :
- لقينا عنده مسدس لسه الطب الشرعي هيحدد إذا هو اللي خرجت منه الرصاصة اللي انضرب بيها المجني عليه ولا لا .
أومأت برأسها إيجابا في صمت، حينما جاء (آدم) ليقف إلى جوارها متسائلا :
- في إيه يا أستاذة لميا ؟
أجابت بسرعة :
- ده المقدم حازم اللي ماسك قضية أدهم .
مد (حازم) يده إليه وصافحه قائلا بود :
- أهلا يافندم .
ابتسم (آدم) ابتسامة باهتة وهو يصافحه و رد :
- أهلا بحضرتك، أنا آدم أخو أدهم .
قال بابتسامة :
- تشرفنا، أخبار الأستاذ أدهم ايه ؟ نقدر نستجوبه إمتى ؟
عقد (آدم) حاجبيه وهو يتساءل :
- تستجوبه ؟ ليه ؟
ابتسم الرجل في حين أجابت (لمياء) موضحة :
- عادي يادكتور آدم، عشان نعرف منه اللي حصل بالظبط، هو طرف في الموضوع فده طبيعي .
نظر إليها للحظة ثم عاد يتساءل :
- بس هو دلوقتي في غيبوبة، إنتو مسكتوا حد تاني ؟
أجاب الضابط :
- أيوة بس للاسف اتصاب ومات، ماقدرناش نستجوبه ونعرف اللي حصل .
سألت (جمانة) فجأة :
- هو كمال هيتعدم ؟
نظروا إليها جميعا وإلى البؤس المرسوم على ملامحها، أجابت شقيقتها :
- لسه يا جمانة، الموضوع ده مش وقت الكلام فيه، لسه قضية وشهود وتحقيقات ومحكمة وحكم، كل ده بياخد وقت .
بكت وهي تهتف :
- والرصاصة اللي كانت هتموته ليه ماخدتش وقت ؟ وبنتي اللي كانت هتضيع مني، ليه في ثانية واحدة بس كانت هتضيع ؟ يعني ايه كل ده ؟ كده بتدوا المجرمين فرصة إنهم يفلتوا بجرايمهم .
اقتربت منها وقالت وهي تربت على كتفيها :
- ماتخافيش يا جمانة، أكيد هياخد جزاءه إن شاء الله، المهم أدهم يقوم بالسلامة .
صمتوا للحظات قال بعدها (حازم) مخاطبا (لمياء) بابتسامة حانية :
- طيب يا أستاذتنا، أنا هاطمن من الدكتور على الحالة وأعرف التفاصيل، ابقي زورينا بقى عندنا قضايا من اللي بتحبيها كتير .
بادلته ابتسامته وظلت تتطلع إليه وهو يلتفت مغادرا، وعينا (آدم) معلقتين بعينيها وهو يتساءل عن سر الطريقة التي يحدثها بها الرجل هكذا وكأنهما أصدقاء، هي أيضا تتبسط معه بكل ود بهذا الشكل، استغرب تفكيره في هذا الأمر فسألها :
- هو حضرتك تعرفي المقدم ده من زمان ؟
أومأت برأسها وهي تجيب :
- أيوة، المقدم حازم من الناس القليلة اللي تقدر تتعامل معاها في أقسام الشرطة بهدوء واحترام وسهولة كمان .
هز رأسه هو الآخر وقال في اقتضاب :
- آها .
بعد قليل عاد الضابط وبصحبته شاب في العقد الثالث من العمر، نحيف يرتدي منظارا طبيا يبدو عليه التوتر والخجل، التفتوا إليه جميعا ورحبت به (لمياء) مرة أخرى وهي تتطلع للشاب المصاحب له في تساؤل أجاب هو عنه :
- ده دكتور زياد، اللي نقل الأستاذ أدهم المستشفى .
على الفور امتلأت العيون بالامتنان وبدأوا جميعا يثنون عليه ويشكرونه، عاد الضابط يقول :
- دكتور زياد كان ماشي مع اتنين أصحابه بالعربية ولمحوا فجأة عربية بتطلع قدامهم بسرعة وعربية تانية واقفة جنب الطريق ع الرمل وابوابها مفتوحة ومنورة، نزلوا يشوفوا في ايه لقوا الأستاذ أدهم جنبها من الناحية البعيدة عن الطريق غرقان في دمه، دكتور زياد فحصه بسرعة وكلم والده دكتور أحمد السعيد الجراح اللي أكيد كلكم تعرفوه بلغ أقرب مستشفى لمكان الحادث وبعتوا اسعاف مجهزة، كان له الفضل بعد ربنا سبحانه إنهم يقدروا يوقفوا النزيف بس طبعا الشغل كمل هنا مع دكتور أحمد بنفسه .
ظلوا يشكرونه مرة أخرى و(جمانة) تتطلع إليه بامتنان شديد، تقبل الشاب امتنانهم في هدوء يشوبه بعض الخجل، ثم تركهم وانصرف، بعد انصرافه قال (حازم) مخاطبا الجميع :
- الدكتور أحمد طمني وقال لي في خلال ساعات بإذن الله هيتنقل غرفة عادية .
ثم التفت لـ (لمياء) وقال :
- من فضلك يا أستاذة لميا لما الدكتور يطمنكم ويسمح بالكلام وكده ابقي كلميني ، وأنا هاكون على اتصال إن شاء الله.
عقد (آدم) حاجبيه في ضيق مفاجئ في حين قالت هي بهدوء :
- أكيد يا سيادة المقدم .
أومأ برأسه محييا الجميع ثم خرج من المكان، تابعه (آدم) بعينيه للحظة ثم عاد يلتفت إليها فوجدها قد عادت إلى جوار شقيقتها فابتسم، أخرج هاتفه واتصل بالمنزل ليطمئن على صغيره والذي طلب من مربيته البقاء معه في هذين اليومين وقرر أن يذهب ليأتي به لأن السيدة ترغب في الرحيل .
مر نصف اليوم، أحضر (آدم) ابنه وأتت والدة (جمانة) للاطمئنان على زوج ابنتها، وللمفاجأة كانت (فريدة) تقابلهم بصمت دون غضب أو كلمات جارحة، بدت مكسورة حزينة جل همها أن يعود لها ابنها سالما، ثم مر اليوم كله بأمان، في اليوم التالي نقل (أدهم) لغرفة عادية والقلوب لازالت تدعو وتتضرع لله أن يتمم شفاؤه على خير .

********
رحل الجميع وهذه المرة أصر والد (أدهم) على عودة والدته للمنزل، لتبقى (جمانة) مع زوجها ولترتاح هي الأخرى فهي تلازمه طوال الوقت، بقيت (لمياء) مع شقيقتها لبعض الوقت بعد انصراف الآخرين، الصمت يغلف المكان بردائه، الزوجة تجلس على مقعد بجوار فراش زوجها والشقيقة جالسة على أريكة في ركن الغرفة، بين كفي (جمانة) استكانت يد (أدهم) كأنها تحيطه بكل الدفء المخزون بداخلها عبر أصابعه الساكنة، تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيها صاحبتها طرقة خافتة على باب الغرفة، التفت إليه مع شقيقتها ثم ردت بهدوء :
- ادخل .
فتح الباب ببطء لتطل منه جدة الصغيرة وشيء من خجل يرتسم على ملامحها، ما إن لمحتها (جمانة) حتى انتفضت واقفة وهي تفلت يد زوجها من بين أصابعها، لمحت الجدة ما حدث لكنها رسمت ابتسامة خافتة على شفتيها وهي تدلف للغرفة بهدوء، اقتربت من فراشه وتطلعت إليه في صمت، لم تجد (جمانة) أو (لمياء) ما تقولانه فالتزمتا الصمت، رفعت (راضية) عينيها لتواجه والدة حفيدتها هامسة كأنها تخشى كسر حاجز الهدوء الذي يحيط بالغرفة :
- عامل إيه ؟
ردت (جمانة) بقلق :
- الحمد لله، لسه غايب عن الوعي من وقتها .
خفضت السيدة عينيها في صمت ثم عادت ترفعهما وهي تمد يدها لتمسك بكف (جمانة) وتقودها إلى الأريكة التي تجلس عليها (لمياء) والتي أفسحت لهما، سألتها مجددا :
- ليه ماحدش قال لي اللي حصل ؟ أعرف بالصدفة من مامتك وأنا باتصل أسأل على ملك ؟
ارتبكت (جمانة) وأجابت في تردد :
- معلش يا ماما، اللي حصل كان بسرعة والأمور مرتبكة ومتوترة، وتاني يوم طلبوا الفلوس، أدهم راح يديها لهم بعدين لقوه مضروب بالرصاص ع الطريق، ولولا ستر ربنا كان .. كان ......
لم تستطع إكمال الجملة فربتت الجدة على كفها بحنان، تساءلت :
- هو راح لوحده عشان يرجع ملك ؟
رفعت (جمانة) عينيها إليها لتجيبها بألم لم تستطع منعه :
- أيوة، طلبوا منه كده وإلا هيأذوها .
عادت تسأل :
- وكمال حاول يقتله ؟.
أومأت برأسها إيجابا في صمت فاستغربت، تساءلت من جديد كأنها تخاطب نفسها :
- طيب ليه، مادام كانوا عاوزين الفلوس بس وخدوها، ليه يأذوه ؟
أجابتها (جمانة) بقلب منقبض كلما تذكرت صرخة (كمال) في وجهها :
- كمال اعترف قدام البوليس هناك، وقال لي إنه كان قاصد يقتله عشان ... عشان أنا أفضل أرملة طول عمري، لحد ما أموت، عشان رفضته .
انقبض قلب المرأة فجأة، دمعت عينيها وهي تطأطئ برأسها أرضا، همست بصوت ضعيف :
- الظاهر إن أنا وكمال كان لينا نفس الهدف .
علا الذهول وجه الفتاتين إزاء اعتراف السيدة، عادت تنظر إليها وهي تكمل :
- لما جيتي لي وقلتِ لي إنك هتكملي معاه، وقتها وقبلها كنت بافكر بس إنك تفضلي مرات حسام، كنت باشوفه في وشك إنت وملك، باقول أنا اديت حياتي لابني بعد موت باباه ومافكرتش في غيره، قسيت عليكِ وقلت ليه ماتفضليش أرملة زي ما أنا عملت ؟ ليه تبقي ملك حد تاني غير ابني ؟ .
صمتت لثوان ثم استطردت بعد تنهيدة حارة :
- ماخدتش بالي إن لما والد حسام الله يرحمه مات كان حسام شاب وبيحب وأنا كنت داخلة ع الخمسين، ماخدتش بالي إن حسام سابك أرملة وإنت يادوب خمسة وعشرين سنة، مش من حقي أحجر عليكِ وعلى قلبك وأقولك لا لازم تفضلي أرملة لحد ما تموتي، ماتزعليش مني يا جمانة، حقك عليَّ يابنتي .
بعدها انسابت دمعة على وجنتها أسرعت (جمانة) بمسحها بأصابعها وهي تضم الجدة بين ذراعيها هاتفة في حزن :
- حبيبتي يا ماما عشان خاطري ماتعيطيش، خلاص الحمد لله، المهم إنك مش زعلانة مني وراضية عني وهتخليكِ جنبي على طول .
ربتت الجدة على ظهرها برقة ثم ابتعدت عنها ناظرة إليها بلطف :
- أنا ماليش غيرك يا جمانة إنت وملك، مهما حصل ومهما زعلت هتفضلي بنتي .
احتوت (جمانة) يدها بين كفيها في صمت كأنها تخبرها أنها ستبقى ابنتها مهما حدث، التفتت الجدة ناحية (أدهم) الراقد بصمت في فراشه، تطلعت إليه للحظات ثم قالت :
- أنا جيت أطمن عليه، واضح إنه بيحبك أوي، رمى نفسه في الخطر عشان ملك، ربنا يسعدكم يابنتي .
نهضت واقفة وهي تكمل :
- هامشي أنا بقى وهابقى أشوفك لما يقوم بالسلامة .
قبلتها (جمانة) مودعة حين وقفت (لمياء) التي ظلت صامتة طوال الوقت وقالت :
- تعالي هاوصلك ياطنط .
رفضت المرأة لكن الفتاتان أصرتا، فاستجابت لهما، بعد خروج الجدة مع (لمياء) عادت (جمانة) لتجلس بجوار فراش زوجها وتحتضن يده في حب وابتسامة كسيرة تسلك طريقا إلى شفتيها وسط الألم .

********
ترددت وهي تتطلع إليه، يقف صامتا أمام نافذة غرفة أخيه، الحزن يملأ ملامحه على الرغم من بعض الطمأنينة التي منحهم إياها الطبيب بخصوصه وبخصوص استقرار حالته، اقتربت منه بخطى مرتبكة، تقدم إحداها وتعود أخرى، وقفت إلى جواره ناظرة إلى داخل الغرفة لتجد (جمانة) كما هي منذ تم نقل زوجها إلى هناك، تجلس على مقعد بجواره وكفه مستكين بين يديها، التفت لها في محاولة لتطييب خاطرها قائلا :
- إن شاء الله هيبقى كويس ويقوم لنا بالسلامة .
رفعت عينيها إليه في حزن، ردت بصوت منكسر :
- إن شاء الله، آدم ....
ترددت ثانية وهو يتطلع إليها متسائلا، دفعت نفسها للحديث مرة أخرى بصوت خافت :
- حبيبي أنا عارفة إنت بتحبه أد إيه، اعذرني على ... على الكلام اللي قلته لك قبل كده .
علت الدهشة ملامحه، منذ متى تعتذر ؟ بل منذ متى تصدق مشاعره نحو أخويه ؟ هزت رأسها من جديد وهي ترى وجهه، استطردت :
- عارفة إنك مستغرب، الكم يوم اللي فاتوا كسروني أوي يا آدم، عرفوني إني ظلمتك، ماكنتش الأم اللي باباك كان بيتمناها ليك، ولا حتى لولادي أنا، لابني اللي كنت عاوزة أحرمه من الانسانة الوحيدة اللي حبها، أنا مش هأقولك إني اتغيرت وبقيت واحدة تانية وإني خلاص راضية عن جواز أدهم ويعيش بقى عادي، أنا غصب عني جوايا حزن ورفض بس باحاول أسيطر عليه عشان خاطره، لأني شايفاه مبسوط، شايفاه بيحب، وأنا عارفة يعني إيه حب ! يمكن إنت ماتعرفش أد إيه بحب جلال بس أنا مقدرة مشاعر ابني دلوقتي، أكتر من قبل كده، وعاوزة ....
صمت آخر وهو فقط يتطلع إليها بذهول شديد، لقد تغيرت، أهذا بسبب إصابة أخيه ؟ أكملت بصوت مخنوق :
- عاوزة أقولك ما تزعلش مني، بسبب موضوع الكوليه، أنا .... أنا لقيته .
هتف في صدمة :
- لقيتيه ؟
أومأت برأسها إيجابا وهي تبتعد بعينيها عن عينيه قائلة :
- للأسف سارة وقتها كانت فاكراه مجرد لعبة وأخدته، وإحنا أيامها مافكرناش إنه ممكن يكون معاها أبدا، وللأسف لسه عارفة مكانه من كم يوم بس، أدهم كان عندي وقال لي ... قال لي إنك هت .. هتسامحني .
ظل ينظر إليها صامتا، الأمر مثير للسخرية بالفعل، بعد كل هذه السنوات، كل هذا الألم والشعور باليتم والانكسار، كل تلك الوحدة والغربة، تأتي لتعتذر، عن سوء فهم، وخطأ، كاد يضحك، لكن رجولته منعته من القيام بذلك في وجهها، أشاح بوجهه بعيدا في صمت، ليت الأمر سهلا، هو سيسامح، سيتجاهل، لكن لن ينسى، يعرف نفسه جيدا، عاد ينظر إليها بابتسامة شاحبة قائلا :
- حضرتك والدة إخواتي، في مقام والدتي، مش محتاجة تعتذري لو زعلتيني، بعد إذنك هأطمن على أخويا .
تنهيدة ارتياح خرجت من صدرها وإن لم تكتمل، لقد بذلت جهدا، اعتذرت، وهو لم يقبله، بل فقط تجاهل الأمر وطيب خاطرها، أخطأت في حقه كثيرا وها هو يقابل ذلك بالصمت، تطلعت إليه وهو يدلف لغرفة أخيه، يلقي سلاما على زوجته ثم يقترب منه، ينحني طابعا قبلة على جبينه هامسا بشيء ما و يجلس في ركن الغرفة منتظرا إفاقته .

********
في غرفة (أدهم) اجتمعت الأم مع زوجة ابنها التي رفضتها، تتطلع إليها وإلى الحزن الموشوم به وجهها، إلى النظرة الكاسفة في عينيها وآهات الوجع التي تخرج من صدرها بين حين وآخر حزنا عليه، كانت ترى أنها ربما أخطأت في حقها، ربما هي فعلا من تصلح لابنها حتى وإن كانت حياته ستكون ثمنا لحبها وقربه منها ! استغربت كثيرا لمَ يحبها (أدهم) لهذه الدرجة ؟ أن يضحي بحياته ويذهب ليعيد إليها صغيرتها غير عابئ بما قد يحدث له، أن يتلقى رصاصة قاتلة فقط من أجل ابتسامتها وراحتها وسعادتها، ترى كيف سيتصرف عندما يستيقظ ؟ هل سيظل على حبه لها ؟ أم ستترك الرصاصة أثرا لا يبرأ كانت هي سببا فيه ؟
سألتها فجأة :
- خايفة عليه ؟
رفعت (جمانة) عينيها إليها في صمت، لم تتفاجأ، كانت تنتظر حديث السيدة إليها وربما جرح قلبها أكثر، لم تجد جوابا، بما تجيبها حقا وما هي كلمة خوف مقارنة بما تشعر به ؟، دمعت عيناها مرة أخرى وهمست :
- أنا بأموت كل ما أبص له، وأحس إني كنت السبب في اللي حصل له، مش هأقولك إني مش غلطانة ، كلنا غلطنا عشان سيبناه يروح لوحده، بس لو بإيدي كنت رحت مكانه وأخدت الرصاصة بداله و هو يبقى كويس .
صمتت السيدة، هي تحبه بالتأكيد، لِم تكون على هذه الحال إن لم تكن تحبه ؟ في خمسة أيام أصابها الضعف والهزال وغارت عينيها في وجهها وحُفَت بالهالات السوداء، حتى ابنتها لم تلتصق بها كما توقعت بل تركتها لوالدتها وشقيقتها، قامت من مكانها واتجهت نحوها و(جمانة) تنظر إليها في قلق، اقتربت أكثر ثم وقفت أمامها والعيون تتبادل حديثا غير مفهوم، فجأة ضمت رأسها لصدرها وربتت عليها في رفق أصابها بالذهول، قالت في حنان :
- ربنا يقومه بالسلامة عشان يشوف بتحبيه قد ايه .
دمعت عينا (جمانة) وشاركتها الأم دموعها وهما تتضرعان لله أن يشفيه ويتمم عليه عافيته، سمعتا همسا مفاجئا به قدر ضئيل من المرح يقول :
- خيانة .
انتفضتا في عنف، استدارت المرأتان تجاه الراقد على الفراش لتجدا العينان المجهدتان تتطلعان إليهما بحنان بدا غريبا على وجهه الشاحب وابتسامة طفيفة تتسلل إلى شفتيه، فقدت كلاهما القدرة على النطق وهو ينظر إليهما محاولا إبقاء جفنيه مفتوحين، هبت (جمانة) واقفة واتجهت إليه بسرعة تتطلع إلى وجهه وعينيه التي تحوطانها بالدفء، كانت تتأمل ملامحه بكل تفصيلة فيها، عيناها تجولان في وجهه وتستقران عند عينيه المتعبتين، نعم هي لم تخطئ، هو مستيقظ ويداعبهما أيضا، لقد عاد .


**********************************



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-07-16, 12:08 AM   #35

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الثاني والثلاثون

**************

مرت عدة أيام و (أدهم) في تحسن مستمر، عاد له تورد وجهه وروحه المرحة ودعاباته التي افتقدها الجميع، تبدو عليه سعادة جمة لما لمسه من رضا والدته عن زوجته والتقارب الحاصل بينهما، كان يداعب أمه قائلا :
- لو كنت أعرف إن الرصاصة هتخليكي تقربي من جمانة كنت أخدتها من زمان .
وتغضب هي فيداعبها مرة أخرى حتى ترضى، و(جمانة) الحبيبة قل كلامها كثيرا فقط كانت تتابعه بعينيها وابتسامة حنون على شفتيها تحمل قدرا هائلا من السعادة ، لقد عاد حبيبها، بروحه وحبه وحنانه وقلبه الذي يتسع للجميع، استيقظ على دعابة لم تدري وقتها أتضحك أم تبكي أم تصرخ من فرحتها، وهو لاحظ صمتها، أقلقه لكنه دوما كان يحاول جذبها من منطقة السكون تلك، هي أحيانا تستجيب وأحيانا لا، تشعر به قلقا وتحاول طمأنته لكن قهرا تعود لصمتها و تتأمله في حب كان هو المسيطر على خلاياها .
في يوم اطمأن الطبيب على جرحه وسأله عن عدة أشياء وأوصاه بأشياء أخرى ثم تركه وانصرف، و (جمانة) إلى جواره فابتسم لها، أمسك كفها وهمس :
- وحشتيني .
ابتسمت هي الأخرى وظهر عشقها له جليا في عينيها ثم بادلته همسا بهمس :
- إنت أكتر .
تنهد في حب وسألها :
- هنروح بيتنا إمتى ؟
أجابت :
- مش عارفة الدكتور لسه ماقررش .
تأفف وقال بلهجة حالمة :
- بأقولك وحشتيني وعاوز أروح تقولي لي دكتور ؟
ضحكت برقة فنظر إليها بغيظ وهتف :
- على فكرة مش وقت ضحكتك دي خالص، خلي بالك يعني دي رصاصة قريبة من القلب ودم وكده.
شعرت بالخجل وقالت :
- خلاص من غير ضحك .
ابتسم و رد :
- أيوة كده، إيه مفيش انسانية ؟
عادت تضحك من جديد فتظاهر بالغضب هاتفا :
- لا إنت بتستهبلي بقى ؟ أكيد إنت قاصدة ؟
كتمت ضحكتها بصعوبة وتطلعت إليه بحب جعله يقول :
- يعني نقول امنعوا الضحك تبصي لي كده، إنت عاوزة ايه بالظبط ؟
سحبت يدها من يده ووقفت هاتفة :
- يوووه خلاص أنا هاخرج برا.
أمسك يدها مرة اخرى بسرعة وهتف :
- لا لا خلاص، خليكي، أمري لله .
ابتسمت وجلست إلى جوراه مرة أخرى، في هذه الأثناء كانت (لمياء) قد أتت للاطمئنان عليه فلمحتهما يتشاكسان من نافذة الغرفة، وقفت على مسافة قريبة تتطلع إليهما في سعادة تضيء وجهها، وعلى مسافة منها هي وقف (آدم) ينظر لوجهها السعيد في صمت، شعر بنوع من الخجل فخفض عينيه أرضا ووجد قلبه يدق بطريقة غريبة، تلك المرأة الحنون التي تعتبر نفسها أما ثانية لشقيقتها، لم يرى مثلها من قبل، دق قلبه مرة أخرى فاتجه نحوها وقال بخفوت :
- إزيك يا مدام لميا .
انتبهت على صوته فجأة وشعرت بالحرج، لابد أنه لمحها تنظر لشقيقتها وزوجها، ابتسمت في حرج و ردت :
- الحمد لله إزي حضرتك يا دكتور آدم ؟
ابتسم هو الآخر و رد :
- الحمد لله تمام .
ثم أشار لصغيره الواقف إلى جواره و استطرد :
- يوسف صمم ييجي يشوف عمه النهاردة .
نظرت للصغير بحنان وربتت على رأسه برفق قائلة :
- إزيك يايوسف ؟ عامل ايه في المدرسة ؟
ابتسم لها (يوسف) فنبض قلبها بدفقة حنان مفاجئة جعلت ابتسامتها تتسع، أجاب هو بخجل :
- الحمد لله .
ربتت على رأسه مرة أخرى ورفعت رأسها لوالده قائلة في حنان :
- يوسف هادي وخجول أوي .
ربت على رأس ابنه هو الآخر و رد :
- أيوة، مفيش اختلاط كتير يادوب المدرسة بس وحتى هناك برده بيقولوا عليه خجول وانطوائي .
عادت تنظر إليه مرة أخرى وفتحت فمها لتقول شيئا لولا أن سمعت من خلفها صوت مرح يقول :
- أستاذة لميا، مساء الخير .
التفتت لمصدر الصوت في هدوء ومثلها فعل (آدم) لكنه عقد حاجبيه عندما وجده المقدم (حازم)، قالت (لمياء) :
- أهلا يا سيادة المقدم .
ابتسم ونقل بصره لـ (آدم) ثم هز رأسه محييا وقال :
- إزي حضرتك ؟ أستاذ آدم مش كده ؟
أومأ (آدم) برأسه وبدا عليه بعض الضيق وهو يجيبه :
- أيوة، إزي حضرتك يا فندم ؟
أجاب بهدوء :
- الحمد لله تمام، ها المصاب بتاعنا أخباره ايه ؟ أنا جيت لما كلمتيني فورا أهو .
أجابت :
- الحمد لله بقى أحسن، حضرتك تقدر كمان تسأل دكتور أحمد عنه وتشوف إذا ينفع ولا لا .
تطلع إليه مع زوجته من خلف زجاج النافذة لثوان وهما يتشاكسان تارة ويتضاحكان تارة ويتهامسان تارة أخرى ثم ابتسم فجأة وسأل :
- طيب هو فاضي ؟ أكلمه بشكل ودي كده لحد مانعمل المحضر ؟
عقد (آدم) حاجبيه في ضيق من جرأته وشعرت هي بالحرج، قال (آدم) في حزم :
- ثواني هابلغه بوجود حضرتك .
ترك (يوسف) مع (لمياء) واتجه بخطوات سريعة لغرفة (أدهم) ثم طرق بابها ودخل ليخبر أخيه بوجود الضابط، خرج وخلفه خرجت (جمانة) ودخل إليه (حازم) بابتسامة هادئة.
جلسا سويا مايقرب من نصف ساعة، ترك بعدها (حازم) الغرفة وهو يشد على يد (أدهم) ويتمنى له تمام الشفاء، وقفت (جمانة) مع شقيقتها والضابط ليسألها هي الأخرى عدة أسئلة في حين دخل (آدم) لأخيه وابتسامة رائعة على وجهه تاركا طفله ممسكا بيد (لمياء)، بادله (أدهم) ابتسامته هاتفا في مرح :
- آدوم واحشني ياكبير .
ضحك (آدم) وهو يقبل رأسه، قال بمرح هو لآخر :
- تصدق إنت أكتر ، ماشفتكش من امبارح يابني، وبعدين ارحمني بقى وقوم الشركة كلها فوق دماغي .
رد (أدهم) مشاغبا :
- عاوزني أقوم واروح الشغل كمان، دي رصاصة يابني، هانام فيها شهرين تلاتة أربعة، وأعمل فيها شهريار، وبعض الناس كده هتبقى شهرزاد وتحكي لي قصة كل يوم .
ضحك (آدم) مرة أخرى وهتف :
- ده استغلال بقى ؟
رد (أدهم) :
- طبعا، حد يلاقي فرصة للاستغلال ويقول لا !
هز رأسه في تعجب، ثم رسم الجدية على ملامحه وقال وهو ينظر للخارج للحظة :
- عاوزك في موضوع مهم .
نظر إليه (أدهم) باهتمام وسأله :
- خير ؟
اقترب منه أكثر وقال بلهجة غريبة كأنه يتوقع خطرا فبدا مضحكا :
- أنا طالب القرب منك .
ساد الصمت لثوان ثم تطلع (أدهم) لأخيه لحظة في عدم فهم، بعدها سأله :
- في مين يابني، مش قلت لك قبل كده ملك لسه صغيرة وهتكمل تعليمها الأول ! وبعدين أنا مش مستريح لجو شكله بتاع بنات وزير نساء، لا ياعم ماعندناش بنات للجواز .
شعر (آدم) بالغيظ فقال :
- تصدق الرصاصة غلطت فيك كان المفروض تيجي في لسانك .
ضحك (أدهم) لثوان ثم تأوه فتغيرت تعابير (آدم) للقلق وهتف :
- إيه مالك ؟
تماسك (أدهم) وابتسم وهو يجيب :
- مفيش واحد رخم بيضحكني وفي جرح ورصاصة ودم بقى وكده .
اغتاظ (آدم) وقال :
- إيه يا بني مفيش غير الجملة دي ؟ غيرها .
تظاهر (أدهم) بالتفكير لثوان ثم عاد يقول :
- طيب خد دي، في دم وجرح ورصاصة حلو التغيير ده ؟
داعبه (آدم) :
- حلو أوي .
ثم ظهرت الجدية على وجهه مرة أخرى وقال :
- باكلمك جد .
عقد (أدهم) حاجبيه في عدم فهم وسأله :
- مني في مين مش فاهم ؟ هو أنا عندي غير ملك ؟
شعر (آدم) بالغيظ مرة أخرى وهتف فيه :
- يابني ما تركز، مش إنت جوز جمانة برده ولا ايه ؟
ابتسم و رد :
- ولا ايه ؟
قال (آدم) في حنق :
- يا بارد يا تلاجة .
عاد يضحك مرة أخرى أعقبها بتأوه لكنه تماسك وقال في جدية :
- خلاص خلاص، نتكلم جد، ها هات اللي عندك .
جلس (آدم) إلى جواره وقال :
- أنا طالب إيد لميا .
ظهرت الدهشة على وجه (أدهم) وصمت لثوان ثم عاد يقول :
- بس إنت فاجأتني .
كاد (آدم) يلقي في وجهه بوسادة لولا أن هتف وهو يرفع ذراعيه أمام وجهه هاتفا :
- خلاص خلاص .
نظر إليه أخيه في غيظ، فصمت قليلا يفكر، ثم قال :
- طيب عاوز مني إيه ؟ أكلمها ؟
تنهد (آدم) وهتف :
- يارب صبرني، يابني خلي مراتك تلمح لها كده وشوف .
رد (أدهم) :
- اممممم مش عارف، يعني ليه اخدمك يعني لما ممكن أغلس عليك وأضايقك .
هتف (آدم) بغضب مصطنع وهو يتحرك متجها للخارج :
- تصدق أنا غلطان إني عملتك راجل العيلة وجاي أتكلم معاك بجد .
أمسكه (أدهم) بسرعة من يده وقال :
- خلاص ياحِمئي، تعالى هنتكلم جد .
التفت إليه (آدم) ولم ينطق، فقال له :
- طيب سؤال، إنت مش شايف إن الموضوع جه فجأة ؟ يعني أنا بقى لي كم شهر متجوز جمانة وإنت ماتعرفش حاجة عن لميا غير يادوب الكم يوم اللي فاتوا وتدخل على جواز كده ؟ لاحظ كمان إنها لسه خارجة من تجربة صعبة من شهور بسيطة، يعني مش سهل نفاتحها في موضوع زي ده .
جلس (آدم) إلى جواره مرة أخرى و قال :
- شوف يا أدهم إنت عارف إني واحد دوغري، لا بتاع لف ودوران ولا تسبيل والكلام الفاضي ده، مادام حطيت هدف يبقى أوصل له صح وبالطريق المستقيم، لا طرق ملتوية ولا شبابيك، ها قلت إيه ؟
سأله بجدية مرة أخرى :
- يعني إنت معجب بيها ؟ مش هأقول بتحبها ماشي .
رد بسرعة :
- جدا جدا، حاسس فيها بحاجات غريبة مش متعود عليها في الست الشرقية، انسانة صلبة وقوية، حنونة بشكل غير عادي، أحيانا تلاقيها طفلة وأحيان تانية تلاقيها عاملة زي أم لأختها، تشكيلة صفات عجيبة طلعت منها حاجة لازم تتحب .
تنهد (أدهم) وقال في لهجة حالمة :
- ها ، وايه كمان ؟
نظر إليه في غيظ مرة أخرى وهتف :
- يا بارد إنت جاي من سيبيريا يابني ؟
ضحك مرة أخرى بخفوت وقال :
- والله يا أدوم الرصاصة بتاعتي دي عملت شغل، أمي قربت من جمانة وإنت أعجبت بلميا، والدنيا آخر روقان، لو كنت أعرف كده كنت قلت لأبوكمال يطخني طخ من زمان .
ابتسم (آدم) ثم سأله :
- ها قلت ايه ؟
فكر (أدهم) لثوان أخرى ثم رد :
- يابني مش عارف أقولك ايه ؟ بس أصل في ناس متكلمين عليها وسبقوك .
كاد يضربه بالفعل لولا أن هتف :
- باتكلم جد يامجنون هتعمل إيه ؟
تراجع في دهشة وسأله :
- جد ؟ يا سلام ؟
أومأ برأسه إيجابا وقال :
- أيوة، قبلك حالا .
تطلع إليه (آدم) في شك ثم هتف فجأة :
- المقدم حازم ؟؟
شعر (أدهم) بالدهشة هو الآخر وسأله :
- عرفت منين ؟
شعر بالغيظ والغيرة وهو يجيب :
- باين عليه ياسيدي أصلا .
ضحك (أدهم) مرة أخرى وقال :
- بس إنت أخويا يا أدوم يعني لو فاتحناها في الموضوع هنجيب سيرتك بس يعني .
ابتسم (آدم) وسأله بلهفة :
- بجد ؟
رد يشاغبه :
- لا طبعا، من حقها تعرف وتختار .
مط شفتيه في حنق، حتى وإن تمنى ألا يخبرها أخيه عن الرجل الآخر فمن حقها أن تختار، لكن ماذا لو اختارته ؟ شعر بغضب يعتريه، هل يمكنها فعل ذلك ؟ قاطع (أدهم) أفكاره قائلا برفق :
- أدوم ماتقلقش، إن شاء الله خير، وبعدين إنت أخويا يابني يعني بونط زيادة .
سأله بتعجب :
- ليه يعني ؟
غمزه وهو يضحك :
- يعني جرح ورصاصة ودم وكده .
ابتسم فجأة وهتف :
- إنت عارف إن دمها بيجري في عروقك ؟
اندهش (أدهم) وسأل بجدية :
- إيه ده بجد ؟
أومأ برأسه إيجابا وقال :
- أيوة، جمانة كانت عاوزة تديك بس كانت يومها تعبانة جدا وأنا رفضت، كانت ممكن يجرى لها حاجة، ساعتها لميا قالت إنها ممكن تتبرع لك لو نفس الفصيلة وفعلا اتبرعت لك بلتر كامل يا مفتري .
عقد (أدهم) حاجبيه لحظة ثم قال في غيرة :
- وإنت مهتم أوي جمانة تعبانة وأنا رفضت، إيه ياعم ما تخليك في حالك .
شعر بالغيظ للمرة المائة وقال :
- تصدق، كان المفروض أسيبها وتفوق إنت تلاقيها هي في غيبوبة .
ابتسم و هتف :
- لا يا أدوم ده إنت حبيبي غيبوبة إيه بس، كفاية الرصاصة ....
قاطعه (آدم) بضحكة مرحة :
- أيوة والجرح والدم وكده، حفظتها .
ضحك هو الآخر ليختمها بتأوه مرة أخرى أثار قلق (آدم) فسأله :
- إنت الضحك بيتعبك للدرجة دي ؟
ابتسم (أدهم) وأجاب :
- يعني مش أوي، ماتضحكنيش بقى .
قال في حنان :
- ماشي بلاش ضحك .
اتسعت ابتسامة (أدهم) وهو يقول :
- ياسيدي ع الحنية، كل ده بتجر ناعم عشان اللي بالي بالك ؟
ابتسم هو الآخر و رد :
- مشكلتك إنك فاهمني ، ها، هاتخلي جمانة تكلمها ؟
فكر (أدهم) لثوان ثم هتف :
- طيب ماتكلمها إنت ؟ فاجأها وهوووب قولها تتجوزيني ؟
ضحك (آدم) و غمغم :
- مجنون، هو أنا زيك ؟
(أدهم) متصنعا الحزن :
- بقى كده ؟
ربت (آدم) على كفه وقال :
- لا لا خلاص ماتزعلش، المهم تشوفني، ده أنا آدم حبيبك .
تظاهر بالطيبة وهو يرد:
- طيب طيب عفونا عنك، هنشوف ونشاور البنت ونرد عليك .
ابتسم (آدم) ابتسامة واسعة هاتفا :
- متشكر أوي ياعمي، وإن شاء الله أبقى عند حسن ظن حضرتك .
أومأ (أدهم) برأسه في وقار وغمغم :
- أتعشم يا ابني، أتعشم .
ثم ضحكا سويا عندما دخلت (جمانة) للغرفة بصحبة شقيقتها والصغير (يوسف) وهي تقول :
- المقدم حازم ده بجد إنسان ممتاز، ربنا يكرمه .
نظر (أدهم) و (آدم) لبعضهما البعض في غيظ وهتف (أدهم) في غيرة :
- ممتاز ليه يعني ؟
كان الرد من (لمياء) :
- يعني كان بيتكلم معانا ودي الأول قبل التحقيقات وخلافه وبيحاول يستنى لحد ماصحتك تتحسن للنهاية، غيره طبعا مش بيعملوا كده .
عادا ينظران لبعضهما البعض مرة أخرى والغيرة واضحة على وجه (أدهم) في مقابل الغيظ على وجه (آدم)، مطت (جمانة) شفتيها في عدم فهم وصمتت .

********
جلسوا قليلا وجاء والديه وشقيقته لزيارته، كان سعيدا للغاية بالمودة الواضحة بين زوجته ووالدته، ويتطلع إليهما في حنان بابتسامة آسرة، بعد رحيلهم أتت إحدى الممرضات لتعطي (أدهم) أدويته في موعدها اليومي، خرجت (جمانة) لتتحدث في الهاتف وتطمئن على صغيرتها وعندما عادت وجدته يضحك في مرح والممرضة تكشف ذراعه لتحقنه بدواء ما، عقدت حاجبيها في غضب وهي تسمع الممرضة تقول بلهجة لم تعجبها :
- ها وجعتك ؟ أنا إيدي خفيفة جدا على فكرة .
قالت (جمانة) في سرها " وجع في قلبك، إيه السهوكة دي ؟ "، لمحها تنظر إليه في غيظ فرد بمرح :
- لا خالص، فعلا ماحسيتش بحاجة، تسلم ايدك .
بدت السعادة على وجه الممرضة وهي تتطلع إلى وجهه الوسيم وكتفيه العريضين ثم قالت بدلال :
- تحب أحلق لك دقنك ؟ شكلك ماحلقتش من كم يوم، لو مش قادر تحرك إيدك ؟
ألقى نظرة جانبية أخرى على زوجته التي احمرت وجنتاها وبدا أنها ستهجم على عنقها وتقتلع رأسها عن جسدها ثم أجاب بابتسامته الآسرة :
- لا لا، أنا مش باحلقها أصلا باسيبها كده .
ابتسمت قائلة :
- فعلا كده أحلى .
أعطته قرصا من الدواء في فمه وتعمدت لمس شفتيه فعقد حاجبيه في ضيق لم تلحظه هي، ثم تراجع للخلف وهي تناوله كوبا من الماء قائلة :
- اتفضل، تحب أشربك ؟
وقبل أن ينطق كانت (جمانة) قد اكتفت فتدخلت قائلة في غضب :
- على فكرة هو إيده سليمة وبيعرف يمسك القرص ويمسك الكوباية .
انتفضت الممرضة في وجل وبدا على (أدهم) وكأنه يتسلى ناظرا إليهما باستمتاع، التفتت بسرعة قائلة في توتر :
- أيوة يافندم عارفة بس أحيانا ممكن يكون الجرح بيتعبه ولا حاجة .
ردت (جمانة) في سخرية :
- والله فعلا، ممكن، معاكي حق .
ثم اقتربت منه وهو يتطلع إليها في صمت وخبث، وجلست إلى جواره وأمسكت بذراعه ثم حركته مستطردة :
- أهو الحمد لله كويس مش بيوجعه .
التفتت بعدها إليه متسائلة بصوت هامس :
- إيه ياحبيبي بيوجعك ؟
ابتسم لها ابتسامة واسعة و أجابها بهدوء :
- لا أبدا .
عادت تهمس :
- طيب ارفعه كده ؟ حاول تحطه على كتفي بس لوحدك شوف هتقدر ولا لا .
كان مستمتعا باللعبة للغاية فرفع ذراعه ببطء ووضعه على كتفها، اقتربت منه أكثر وقالت وهي تنظر إليها :
- الحمد لله طلع سليم .
توترت الممرضة و ردت بسرعة :
- الحمد لله، بعد إذنكم كده العلاج تمام .
ثم خرجت مهرولة من الغرفة، بعدها أبعدت (جمانة) ذراع زوجها والتفتت تتطلع إليه في حنق أما هو فانطلق يقهقه في مرح شديد زاد من غيظها، فهتفت :
- إنت بتهرج مش كده ؟ ماشي يا أدهم .
ضحك ثانية ثم أمسك يدها وهمس في حب :
- أموت فيك وإنت غيران كده .
ابتعدت عنه وقالت في حنق :
- مش غيرانة على فكرة، بس إنت أوفر .
عاد يمسك كفها ويجذبها لتجلس إلى جواره هامسا :
- لا غيرانة وهتتجنني كمان، اعترفي .
التفتت إليه لحظة تتطلع إلى وجهه، ثم مدت يدها تتحس ذقنه فقبل أصابعها، وشعر بقلبه ينبض بقوة، قالت فجأة :
- دقنك دي هنحلقها خالص .
تراجع فجأة في دهشة، ثم هتف :
- لا طبعا، أنا بحبها كده .
عاندته :
- لا هنشيلها من الصفر .
أصر :
- مستحيل .
سألته :
- ليه مستحيل بقى ؟
رد في خبث :
- أصل دي مغناطيس .
تطلعت إليه في دهشة وقالت :
- بقى كده ؟ ماشي استني عليا .
ضحك بشدة وضمها إليه هامسا في أذنها :
- بأموت فيكِ يا مجنونة .

********
في تلك الليلة جلست (جمانة) إلى جوار زوجها تطعمه بيدها بحنان، وهو يتطلع إليها في حب بابتسامة تعلو شفتيه، أنهت المهمة التي تصر على القيام بها على الرغم من استطاعته فعلها بنفسه لكنه يتركها من باب ( من الذي يجد دلالا ولا يتدلل ! ) ، جلست أمامه قليلا على الفراش المقابل تنظر إليه عندما سألها فجأة :
- هي لميا مش بتفكر في الجواز تاني ؟
اندهشت (جمانة) من سؤاله فصمتت لحظة ثم قالت :
- ليه بتسأل ؟
هز كتفيه وابتسم مجيبا :
- جاي لها عريس .
علت الصدمة ملامحها هذه المرة، هتفت مشدوهة :
- عريس ؟
حافظ على ابتسامته وهو يجيب :
- الحقيقة عريسين .
ظلت تتطلع إليه في ذهول، ثم قفزت فجأة من فراشها لتجلس إلى جواره متطلعة إليه باهتمام وهي تسأل بلهفة :
- طيب احكيلي مين وإمتى وإزاي بسرعة ؟
ضحك في خفوت وهتف :
- إيه يامجنونة إنت بالراحة .
هتفت مرة أخرى :
- طيب طيب معلش احكي لي بقى بالتفاصيل المفصلة والمفسرة والمملة .
عاندها قائلا :
- لا .
تراجعت وهي تمط شفتيها كالأطفال وتهمس في حزن :
- كده ؟ ماشي .
ابتسم مداعبا :
- لا لا مااقدرش على كده، خلاص تعالي هاحكي لك بالتفاصيل المفصلة والمفسرة والمملة .
ابتسمت هي الأخرى وأصغت إليه وهو يحدثها بجدية عن تقدم المقدم (حازم) وأخيه (آدم) لخطبة شقيقتها، أنهى حديثه فابتسمت في سعادة متسائلة :
- يعني دكتور آدم عاوز يتجوز لميا ؟
عقد حاجبيه في شك وأجاب :
- أمال أنا كنت بأقول ايه ؟
ابتسمت في صمت فسألها وهو يشعر بالغيرة :
- إنت مالك مبتسمة كده ليه ؟
أجابته :
- أبدا، دكتور آدم إنسان ممتاز وهيعوض لميا الألم اللي عاشته .
هتف في وجهها :
- نعم ؟ ممتاز وابتسامة و مدح، إيه ياحبيبتي لاحظي إنك قاعدة بتتكلمي مع جوزك .
تطلعت إليه في دهشة للحظات ثم ابتسمت وقالت تشاغبه :
- آآآآه، معلش، نسيت إنك بتغير ع الحريم بتوعك .
عقد حاجبيه وقال :
- أيوة كويس إنك فاكرة، لو عملتِ كده تاني إنت حرة هيبقى لي تصرف تاني .
ضحكت وربتت على خده وهي ترد :
- لا لا، مش هاعمل كده تاني .
هز كتفيه وهو يقول :
- أيوة كده، المهم، ايه رأيك تلمحي لها ؟
فكرت للحظات، ثم غمغمت في شرود :
- امممممم
زوى مابين حاجبيه متسائلا :
- إيه امممممم هو التلميح طعمه حلو ولا ايه ؟
ضحكت، ثم ردت :
- هاشوف، ولو إني مااضمنش رد فعلها، بس ربنا يسعدها، ويبقى خير إن شاء الله .
قال في حزم :
- قولي لها ع الاتنين، مش بس آدم .
ردت :
- أكيد .
تطلع إليها في صمت للحظات فشعرت بالخجل مما جعله يبتسم ويسأل في مرح :
- هو إحنا هنروح أمتى ؟
ضحكت في سعادة وقلبها ينبض بحبه ويقفز فرحا بعودته .

********
في اليوم التالي وفي مكتب المحامية (لمياء أبو الفتوح) جلس ذلك الرجل وهو يشعر بالارتباك، كان يرى أنه يقدم على خطوة حمقاء ليست من شيمه أبدا، لكنه وجد نفسه مدفوعا لاتخاذها خوفا من التأخر والانتظار، اتجه لسكرتيرتها في هدوء ووقف أمامها، لم تلتفت إليه فشعر بالضيق، تنحنح في ارتباك فرفعت عينين باردتين تجاهه في صمت منتظرة، قال في خفوت :
- ممكن أقابل أستاذة لميا ؟
سألت بعملية :
- حضرتك في ميعاد سابق ؟
أجاب في توتر :
- لا للأسف .
عادت تخفض عينيها منهية بذلك الحديث :
- لازم ميعاد سابق يافندم، أستاذة لميا مشغولة جدا، تقدر حضرتك تقابل حد من الأساتذة المحامين هنا وتعرض عليهم قضيتك .
شعر بالغضب، فقال في حزم :
- الموضوع شخصي .
رفعت عينيها إليه قائلة في برود :
- طيب يبقى مكانه مش المكتب يافندم .
قال بنفس اللهجة :
- طيب ممكن تبلغيها بالاسم لو سمحتي .
عقدت حاجبيها في ضيق وبدا عليها التأفف وهي تسأل رافعة سماعة الهاتف الداخلي للمكتب :
- طيب اسم حضرتك إيه ؟
أجاب بهدوء :
- آدم الحسيني .
حادثت مديرتها لتخبرها بالاسم والذي ما إن سمعته حتى سمحت بدخوله فورا، ابتسم هو في نوع من التشفي واتجه للمكتب، طرق الباب ثم فتحه ودخل تحمل شفتيه ابتسامة كبيرة تقابلها أخرى على شفتي (لمياء) وهي تقف مرحبة :
- اهلا دكتور آدم اتفضل.
وأشارت للمقعد أمام مكتبها فجلس عليه بهدوء وابتسامته لازالت تملأ وجهه، سألته بهدوء :
- ها تشرب ايه ؟
هز رأسه نفيا وقال :
- لا لا مالوش لزوم، أنا جاي في موضوع سريع وهامشي على طول .
أصرت :
- لا طبعا لازم تشرب حاجة .
عاد يبتسم وأجاب :
- أوك، نسكافيه .. بلاك .
ردت :
- تمام .
ثم طلبت قهوته ومشروبا باردا لنفسها، تطلعت إليه في اهتمام ممتزج بالتساؤل جعله يتنحنح ويقول في ارتباك :
- مدام لميا الحقيقة مش عارف ابتدي منين، يمكن تصرفي دلوقتي مخالف تماما لفكري ومعتقداتي أو حتى شخصيتي، بس أحيانا بتلاقي نفسك مضطر تعمل حاجة مخالفة لطباعك لمجرد الخوف من إن الحاجة اللي عاوزها تضيع منك .
عقدت حاجبيها ولم تفهم كما لم تتكلم، استطرد هو :
- امممم ، هاكون سعيد جدا لو قبلتي تتجوزيني !
تراجعت في مقعدها فجأة شاعرة بالصدمة، ظلت تحدق فيه بصمت والحروف مجتمعة أعلى حلقها لا تستطيع الخروج ، شعر هو بالخجل فأطرق برأسه أرضا وصمت، سمعها تقول :
- دكتور آدم، مش عارفة أقول لحضرتك ايه ؟
رفع عينيه إليها في لهفة وكاد يهتف " قولي موافقة " لكنه انتظر أن تتم حديثها فأكملت هي :
- الحقيقة حضرتك فاجأتني بطلبك، وطلبك .... حاجة مش بافكر فيها في الوقت الحالي أبدا .
شعر بالصدمة هو الآخر فاندفع يقول :
- مدام لميا من فضلك، خدي وقت وفكري، بلاش تردي بسرعة عادي تاخدي مهلة تفكري فيها وتستخيري وتستشيري .
أطرقت هي الأخرى برأسها أرضا وقبل أن تجيب طُرِق الباب ودخل منه عامل البوفيه يحمل صينية عليها قهوته السوداء ومشروبها البارد وضعها على المكتب أمامهما ثم انصرف، تطلع إليها في صمت يخالطه بعض الأمل، تنهدت ثم قالت في خفوت :
- دكتور آدم هأكون صريحة معاك، أنا لسه خارجة من تجربة بالنسبة لي كانت قاسية جدا، حرمان من غريزة اتولدت بيها بعدها حرمان من الشخص اللي تساهلت في حرماني من أمومتي عشانه، بطعنة غدر، حاجات كتير انكسرت جوايا وسببت لي آلام مالهاش عدد، حاجات تخليني ما عنديش أدنى استعداد للارتباط بأي حد، ع الأقل في الوقت الحالي، يمكن الحاجات دي تتغير بعدين ويمكن تفضل موجودة معايا للأبد، للأسف انا باحترم حضرتك جدا وطلبك أكيد بأقدره، لكن مش هاقدر أقبله .
أنهت كلامها ثم صمتت، لم يدر ما يقول، كان يريد مجابهتها والإصرار على مطلبه، لكن جرحها الذي رآه ينزف أمامه منعه، وألزمه رداء الصمت احتراما لوجع تعانيه، بالفعل زاد تقديره لها وشعر أنها هي، هي المناسبة له وربما عوضها ابنه قطعة من الحرمان الذي عاشته ولا زالت تعيشه، فكر لدقيقة أو أكثر ثم كان صوته حازما حنونا في مزيج مدهش وهو يقول :
- على فكرة، أنا مش ملول، وصبري لأبعد حد، خدي وقتك في التفكير وأنا مش مستعجل، شهر اتنين سنة او اتنين، أنا منتظر، مش سهل تلاقي حد تكون عارف ومتأكد إن هو ده اللي بيكملك، ولما تلاقيه مستحيل تقدر أو تجرؤ إنك تسيبه يضيع من إيدك أيا كان السبب، أنا اتعودت دايما إني احط هدف قدامي وأكون عارف إني هأقدر أحققه، دايما أهدافي بأكون عارف إني هاوصلها حتى لو اتأخرت شوية .... وإنت هدفي الجديد، أنا هافضل منتظر موافقتك وخدي كل الوقت اللي تحتاجيه، لأني مش هاتنازل عن هدفي اللي هو إنتِ أبدا .
كانت تتطلع إليه في دهشة، لم تستطع الرد، أما هو فأنهى حديثه ومنحها ابتسامة حنون، تاركا بصمة على جدار ألمها وانصرف ، انصرف على وعد بلقاء جديد، وعد لم ينطقه بلسانه، إنما عبرت عنه كلماته التي ظلت تحلق في سماء عقلها حتى بعد أن رحل من أمام ناظريها .
********

مر شهرين استعاد فيهما (أدهم) كامل طاقته وعافيته، عاد لممارسة حياته بشكل طبيعي، استأنف عمله مع أخيه الذي كان يحاول باستمرار هدم سور الانكسار وجدران الألم المحيطة بالمرأة التي يراها تسد نقاط ضعفه وتكمل نقصانه، ظل دوما يحاول معها وشقيقتها تحاول ومازال هو على وعد بالصبر والانتظار على أمل مهما طال الوقت .
في يوم كانت (جمانة) واقفة في مطبخها تفكر في زوجها وهي تطهو له الطعام وتضع لمساتها المميزة كأنه طفلها الصغير، أما (أدهم) فقد كان جالسا يتابع أحد أفلام الكرتون كعادته كلما اجتمع مع (ملك) التي تبدو سعيدة للغاية وهي تحتضن دميتها عندما سمع صوت (جمانة) تناديه فذهب إليها، وجدها تستند إلى حوض المطبخ ويبدو عليها الإعياء، فاندفع نحوها هاتفا في لهفة :
- إيه مالك يا جمانة ؟
تنحنحت وقالت في إعياء :
- مش عارفة دخت فجأة وأنا باطبخ وبعدين حسيت بقرف فظيع ووجع في معدتي، مش قادرة أكمل يا أدهم .
أسندها وهو يخرجها من المطبخ وقال :
- طيب يا ستي خلاص ما حبكش الطبخ، تعالي استريحي ونبقى نجيب أي حاجة من برا.
أومأت برأسها وهي تسير معه ثم سألته :
- هتجيب إيه ؟ عشان ملك ؟
فكر لثوان ثم قال في خبث :
- امممم إيه رأيك نجيب بيتزا .. سي فوود ؟
توقفت تنظر إليه ثم ضحكت هاتفة :
- برده سي فوود ؟ إيه مش بتزهق ؟
اقترب منها وقال يداعبها :
- لا طبعا أزهق إزاي يعني ؟
لكنها تراجعت للخلف وردت :
- لا بلاش سي فوود بطني بتوجعني .
رفع حاجبيه وتساءل :
- الله وإيه علاقة بطنك بالموضوع ؟
قالت بمشاغبة :
- سي فوود لا .
جذبها من يدها واتجه نحو (ملك) ثم سألها :
- ملوكة تاكلي بيتزا ؟ بالجمبري امممممممم ؟
ابتسمت الصغيرة في فرح وقالت :
- بيتزا أيوة باحبها .
التفت لزوجته وهتف :
- شفتي حتى ملك بتحبها، ده إدمان يابنتي، إدمان .
تنهدت في استسلام وقالت :
- خلاص سي فوود سي فوود وأمري لله .
ضمها إليه وهو يضحك ثم داعبها :
- أيوة كده أحبك وانت مؤدب وبتسمع الكلام .
بادلته ضحكته وانتظروا سويا حتى وصل الطعام فجلسوا يأكلون، بعد أن أكلت (جمانة) بضع لقيمات شعرت بمعدتها تؤلمها للغاية وبرغبة شديدة في القيء فألقت الطعام من يدها وقامت مسرعة تجاه الحمام، قام يتبعها بقلق، رآها تفرغ معدتها فعقد حاجبيه وانتظر حتى انتهت وسألها باهتمام :
- خير مالك يا جوجو ؟
ردت في إعياء وهي تستند للحوض :
- مش عارفة يا أدهم معدتي فجأة وجعتني وماقدرتش أستحمل الأكل.
اقترب منها قائلا :
- طيب تعالي اقعدي، وكمان شوية نروح للدكتورة نشوف معدتك مالها.
قالت بسرعة :
- لا لا مالوش داعي أنا شكلي بس أخدت برد فيها ومحتاجة أنام شوية .
جاءها رده حاسما :
- خلاص استريحي دلوقتي وبعدين هننزل للدكتورة ضروري .
عادت تمانع :
- يا أدهم مالوش ...
لكنه قاطعها :
- ششششش هنروح كمان شوية، روحي استريحي .
عادت تتنهد في استسلام عندما رن هاتفه النقال فاتجه إليه ونظر ليجد أخيه (آدم)، ابتسم والتقط الهاتف ليرد :
- آدوم، السلام عليكم .. عامل إيه ؟ لا تاني ؟ يابني مش هينفع النهاردة ... طيب خلصهم إنت ... لا مش هاقدر ... أيوة جمانة تعبانة شوية وهنروح للدكتور .
لاحظ إشارتها له من بعيد فنظر إليها في صرامة وأشار لها بالصمت ثم عاد يقول :
- صدقني مش هينفع ... طيب يعني هتروح لوحدها ؟ ... اممممم خلاص خلاص هاشوف وارد عليك ... تمام .. ماشي ماشي خلاص بقى ... بيتزا سي فوود تاكل ؟ .... خليك في حالك يابني .. ماشي سلام بقى .
سألته :
- خير ؟
رد :
- آدم عاوزني أرجع الشركة عشان في ورق مهم لازم نراجعه النهاردة ونخلصه ضروري وهيتسلم الصبح .
قالت :
- طيب خلاص روح .
عقد حاجبيه وقال :
- والدكتورة ؟
هزت رأسها وهي تهتف :
-أنا كويسة صدقني بس هادفي بطني وانام شوية .
أصر على رأيه :
- لا هتروحي يعني هتروحي، كلمي لميا خليها تيجي معاكي يا إما هاكبر دماغي وآجي معاكي أنا .
قالت بسرعة :
- خلاص خلاص هاكلمها وأمري لله.
عاد (أدهم) للشركة وذهبت هي للطبيبة مع شقيقتها، تأخر هو في العمل حتى شعر بالإرهاق فأغلق الملف أمامه ثم قال لأخيه وهو يفرك عينيه :
- آدم كفاية بقى أنا تعبت بجد وبعدين عاوز أطمن على جمانة، يلا نروح.
داعبه أخيه في خبث :
- أيوة ياعم عندك اللي تطمن عليهم ويطمنوا عليك، مش زينا غلبانين مقهورين .
هتف يغيظه :
- إيه يابني وصلة القر دي، وانا اقول البنت تعبت ليه أتاري ! روح اتجوز يا سيدي وخلينا في حالنا.
هتف :
- هو أنا قلت لا، كلموهالي خلوها توافق وأنا أتجوز من بكرة .
ضحك (أدهم) وقال بمرح :
- ياعيني ع الحلو لما تبهدله الأيام !
رد بغيظ :
- أيوة دلوقتي شمتان في عشان متبهدل كده ؟ ماشي ماشي الله يرحم أيام زمان .
استمر (أدهم) في الضحك فقذفه (آدم) بقلم كان في يده جعله يهتف :
- إيه ده ؟ بالقلم كمان يا آدم، بقى كده ؟
ضحك وقال :
- أيوة كده عشان تبقى تشمت فيا.
قبل أن يرد ارتفع رنين هاتفه يعلن عن وصول رسالة قصيرة، عقد حاجبيه في استغراب ثم التقطه ليجد رسالة زوجته المختصرة " أدهم أنا تعبانة اوي، إنت اتأخرت ليه ؟"، نهض بسرعة من مقعده وهو يكاد يجن، هتف في أخيه :
- آدم انا هامشي، جمانة الظاهر تعبت بزيادة .
شعر (آدم) هو الآخر بالقلق فقال :
- ياخبر، طيب ابقى طمني .
أومأ برأسه وهو يلتقط مفاتيح سيارته ويخرج بسرعة للحاق بحبيبته، وصل للمنزل ليجد الصمت والهدوء في مقابله، طوال الطريق حاول الاتصال بها لكن هاتفها كان مغلقا وهذا اعتصره قلقا، اتجه من فوره لغرفة النوم فوجدها نائمة في عمق، ذهب إليها وجلس إلى جوارها، ربت على كتفها برفق هامسا :
- جمانة حبيبتي، مالك طمنيني ؟ عملتي إيه ؟ وإيه الرسالة اللي بعتيهالي دي ؟
التفتت إليه بهدوء وردت بخفوت :
- أبدا مفيش ياحبيبي .
هتف :
- إنت صاحية ؟ طيب طمنيني الدكتورة قالت لك إيه ؟
ردت بأسى :
- الدكتورة قالت لي عندي حاجة غريبة علاجها هياخد مش أقل من 8 شهور .
سقط قلبه بين قدميه وهتف في لوعة :
- حاجة ايه ؟
مطت شفتيها في حزن :
- حاجة فظيعة بتيجي عادةً عند الستات بتبقى صغننة خالص وبعدين تفضل تكبر تكبر تكبر لحد ماتتضخم، تخلي الواحدة مش عارفة تتحرك أو تتنفس كويس أو تاكل وتشرب، لحد ما ربنا يريد .
عقد حاجبيه في عدم فهم وهو ينظر إليها في قلق، فضحكت فجأة وهي تهتف :
- ياربي يا أدهم ! للدرجة دي الموضوع صعب ومش قادر تخمن ؟
تراجع في دهشة وهي لاتزال تضحك وهو على صمته وعدم فهمه، حتى هزت رأسها وأخذت كفه ووضعته على بطنها برفق هامسة :
- أنا حامل .
بدلا من أن تخف دهشته ازدادت حتى باتت للذهول أقرب وهي تنظر إليه في تعجب، ثم وكأنما أفاق فجاة من الصدمة هتف :
- حاااامل ؟
ابتسمت وهي تومئ برأسها في صمت، في اللحظة التالية كان وجهه لوحة ممتازة لمشاعر غريبة مختلطة، فرح، دهشة، ذهول، حنان، سعادة، شوق، ابتسامة رائعة علت شفتيه ثم ضمها لصدره فجأة وهو يهمس :
- حامل ؟
استغربت ترديده للكلمة فهمست عند قلبه :
- أيوة .
عاد يبعدها عنه ويقول في غيظ :
- وتجيبيني مخضوض وسايق زي المجنون وتقوليلي حاجة وبتكبر، أعمل فيكي ايه دلوقتي ؟
ابتسمت وهمست :
- حبني أكتر .
تطلع إليها في حب ولهفة و بادلها همسها :
- أكتر من كده، أموت .
هتفت :
- بعد الشر ماتقولش كده .
اقترب منها وقال بلهجة ذات مغزى :
- طيب ما أنا باموت أهو، مفيش تنفس صناعي .
ابتعدت عنه في دلال و ردت :
- لا مفيش، ممنوع .
اتسعت عيناه وتساءل في صدمة :
- ممنوع ؟ هو إيه اللي ممنوع ؟ يعني إيه ممنوع ؟ ممنوع إزاي يعني ؟ إنت بتهزري ؟ ولا بتستهبلي ؟
أوقفته ضاحكة :
- إيه إيه، لا باهزر ولا حاجة، بجد ممنوع، بأمر الدكتورة .
هتف :
- نعم، ده جاي عليَّ بخسارة بقى .
أومأت برأسها إيجابا وقالت :
- أيوة، وبعدين ماهو إنت السبب، يعني هو جه لوحده ؟
زم شفتيه في غضب طفولي أضحكها ثم قال :
- يعني هنبطل السي فوود ؟
ضحكت مرة أخرى فهتف بها :
- بطلي ضحك بقى، مش فهمتك قبل كده ضحكتك بتعمل فيا ايه ؟
ردت بابتسامة مشاغبة :
- أيوة، بتخليك مجنون، وأنا عاوزاك دايما مجنون .
اقترب منها أكثر وقال بهدوء والحب يطل من ملامحه بوضوح :
- بس جنوني خطر .
همست :
- مش باخاف من الخطر طول ما أنا معاك .

ضمها لصدره بحنان، وفي خياله رسم مستقبل أسرته الصغيرة وحلم بطفله الذي ينمو بالقرب من قلب خليلة روحه ويشاركها نبضه .


تمت بحمد الله

بقلم / صابرين الديب
Anfas Elfajer


يهمني النقد البناء



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-07-16, 08:14 PM   #36

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-09-16, 07:36 PM   #37

أميره الخيال

? العضوٌ??? » 381276
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 318
?  نُقآطِيْ » أميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond reputeأميره الخيال has a reputation beyond repute
افتراضي

روايه رائعه ...كل مافيها جميل...لك جزيل الامتنان

أميره الخيال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-10-16, 02:25 AM   #38

ام سوار
alkap ~
 
الصورة الرمزية ام سوار

? العضوٌ??? » 329398
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 592
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Qatar
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond reputeام سوار has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم،رواية جميلة جدا
سلمت اناملك كاتبتنا وشكرا غاليتي لامار على النقل
تقبلن مروري
لكن مني كل التقدير والاحترام


ام سوار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-10-16, 07:48 AM   #39

كتبت همى بدمى
 
الصورة الرمزية كتبت همى بدمى

? العضوٌ??? » 378798
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 47
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » كتبت همى بدمى is on a distinguished road
¬» مشروبك   freez
¬» قناتك max
¬» اشجع hilal
افتراضي

الرواية جميلة بس ماعرفنا نهاية كمال ولا حتي ادم ولميا وسارة ماكانت محور رئيسي للرواية بس بجد الرواية روعة حالة من حالات العشق النادر في حياتنا يسلمووووووا

كتبت همى بدمى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-16, 11:13 PM   #40

حفناوي

? العضوٌ??? » 382309
?  التسِجيلٌ » Oct 2016
? مشَارَ?اتْي » 132
?  نُقآطِيْ » حفناوي is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أتمنى لكم دوام التقدم والنجاح في كتابة هذه السطور و الروايات والقصص القصيرة والطويلة والتي تنقلنا عبر السطور الى عالم الخيال والإبداع وشكرا

حفناوي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:22 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.