آخر 10 مشاركات
تريـاق قلبي (23) -غربية- للمبدعة: فتــون [مميزة] *كاملة&روابط* (الكاتـب : فُتُوْن - )           »          ارقصي عبثاً على أوتاري-قلوب غربية(47)-[حصرياً]للكاتبة::سعيدة أنير*كاملة+رابط*مميزة* (الكاتـب : سعيدة أنير - )           »          بريق نقائك يأسرني *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : rontii - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          54-لا ترحلي-ليليان بيك-ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : dalia - )           »          48 - الحصار الفضي - جانيت دايلي - ع.ق (الكاتـب : hAmAsAaAt - )           »          567 - قانون التجاذب - بيني جوردان - قلوب دار نحاس (الكاتـب : Just Faith - )           »          روايه روحي لك وحدك للكاتبه (ريم الحجر) روايه رائعه لا تفوتكم (الكاتـب : nahe24 - )           »          رهان على قلبه(131) للكاتبة:Dani Collins (الجزء الأول من سلسلة الوريث الخاطئ)*كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          روزان (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-06-15, 10:14 AM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 خارج أسوار القلب / للكاتبة أنفاس الفجر ، مصرية مكتملة








بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


نقدم لكم رواية منقولة
خارج أسوار القلب
للكاتبة أنفاس الفجر

،

،
قراءة ممتعة لكم جميعاً....
،



ندى تدى likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 01-06-15 الساعة 10:33 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:36 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
20 خارج أسوار القلب



المقدمة
عندمانتوقفعنالحلم
وتغدوأحلامناغيرَذاتِقيمة
عندمايصبحواقعناأجملَمنأننغمضأعينناعنهلحظةًواحدةًنضيعهافيحلم
لقدأصبحهوالحلمالأولوالأخيرالذيطالانتظاره .. بلوأجمل
عندمانطلقلمشاعرناالعنانلتحلقعاليافيسماءِالحب
هنانقف
فقطبلاحركة .. بلاهمسة .. بلانفس
والأهمبلاخوف ..
نتلمسهبأيدينا .. نحيطهبأعيننا .. نحتويهبينضلوعِنا
فالواقعالجميليستلزمانتباهاكاملاحتىنحياهلحظةبلحظة ..
لكن ...
وآهمنتلكالأحرفالثلاثومايأتيبعدهامنمناقضٍلماقبلها
متىكانالحلمالجميلواقعا
ومتىكانالواقعالجميلدائما
تأتيالرياحدومابمالاتشتهيالسفنُ ..
لكنمرةأخرى .. لعلاللهيحدثبعدذلكأمراً ..
فمنبينِالأشواكتنبتزهرة
وبينجنباتالألميحياأملينتظرلحظةإشراقه ..
لوحاولتقطفزهرةوأدمتأصابعكالأشواكحولها .. لاتغضبوتقنط
ثمتتطلعلنصفالكوبالفارغوتقول : هناكأشواكٌتجرح
ولكنانظرجيدافستجدبينتلكالأشواكِزهرة
وبينمُدَىالألمالقاتلة،توجدلمحةأملتحيابها
وداخلذلكالقلبالمكبلِبالسلاسلِوالأقفال
توجدنبضة .. لازالتتنبضبالحبوتحيابه،وله
فحاولهدمأسوارالحزنواصنعفتحةيعبرمنهاضوءالأمل
وهمساتالحب ..

__________________

نلتقي مع الفصل الأول ..

بقلمى أنفاس الفجر

صابرين الديب





التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 09:25 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:37 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الأول

_______



ارتسمت ابتسامة خجلى تحمل سعادة الدنيا على شفتي (جمانة) وهي تطأطئ برأسها أرضا وتفرك كفيها الباردتين في توتر عندما أُغلِق باب الغرفة من خلفها بهدوء وسمعت صوته الدافئ الحنون يهمس لها بشوق و حب :
- أخيرا بقيتي معايا .. بقيتي ملكي .. لوحدي وبس .
صرخ قلبها بين ضلوعها كنت دوما ملكك فارسي وليس الآن فقط، أما هي فظلت تتطلع لأرضية الغرفة في خجل ورهبة، أمسك كتفيها برقة وأدارها لتواجهه، رفع وجهها إليه وأصابعه تحيط بذقنها لتسبل أهدابها خجلا، ابتسم لخجلها ورقتها ثم همس ثانية :
- بصي لي يالؤلؤتي .. بتهربي بعيونك ليه ؟
رفعت جفنيها ببطء وخجل لتنظر في عينيه العميقتين وسوادهما الداكن ثم أسبلتهما مرة أخرى، داعبها قائلا :
- تؤ تؤ تؤ كده ما أقدرش .. بجد بصي لي وإلا ...... وضحك ضحكة خافتة.

ابتسمت بخجل ونظرت إليه وإلى ابتسامته الرائعة على شفتيه قائلة بصوت خافت لا يكاد يسمع :
- وإلا إيه ..!
همس :
- يعني مش عارفة؟
هزت كتفيها ونفت بدلال :
- تؤ
اتسعت ابتسامته وقال :
- طيب ليه أشرح لك لما ممكن أوريكِ عملي ؟
ابتعدت عن يديه وخفضت رأسها قائلة بوجل :
- توريني ايه بالظبط ؟
ضحك ثانية وقال :
- أوريك باب الدولاب طبعا شكلك نسيتي مكانه .
ثم ضحك مرة أخرى بصوت أعلى، التفتت إليه مبتسمة ووكزته في كتفه هاتفة بنبرة طفولية :
- كده طيب ماشي وريني باب الدولاب .
أمسك كتفه متظاهرا بالألم وغمغم :
- آه ياني .. يعني من أولها بتدبحي لي القطة .. تعالي ياأمي ياحبيبتي شوفي ابنك حبيبك ( حسام ) بيتعمل فيه ايه !
ضحكت وردت :
- لا لا لا خلاص كله إلا ماما وزعل ماما أنا ماعملتش حاجة .. ليه بقى بتتهمنى زور.
ظل ممسكا بكتفه، تساءل بخبث :
- انا باتهمك زور ؟ طيب دي كتفي دي تشهد .. أنا هانزل دلوقتي على أقرب مستشفى وأعمل محضر إثبات حالة .
ضحكت برقة وقالت :
- طيب خلاص معلش بلاش المحضر المرة دي عشان خاطري .. خليها مرة تانية .
ضحك ضحكة مجلجلة ثم قال هامسا وهو يقترب منها :
- يعني خلاص نكنسل المحضر.
أومأت برأسها إيجابا فهمس :
- بس بشرط !
رفعت عينيها بتساؤل فهمس مرة أخرى :
- مفيش مرة تانية .
واستمر في الضحك، ابتسمت وقالت مشاغبة :
- ده بيعتمد عليك بقى لو كنت ولد مطيع وبتسمع الكلام.
فاقترب منها أكثر وأمسك وجهها بين كفيه الدافئتين ونظر في عينيها هامسا بحب :
- أوعدك .. أوعدك .. أوعدك.
أسبلت جفنيها وابتسمت ثم رفعت عينيها إليه ثانية لتبادله همسه :
- بإيه ؟
استمر بنفس النبرة قائلا :
- بإني هافضل أحبك طول عمري وملكك طول عمري وقلبي ليكي طول مافيه نبض وعيوني ماتشوفش غيرك ولا أسمع حتى صوت غيرك ولا أكون إلا ليكي لأني فعلا ومن أول لحظة بقيت ليكي .. ملكك .. خاص بيكي وعشانك وباتنفسك فهماني أنا ملكك ،، وكمان أنت ملكي .. لي .. لوحدي .. مش لحد تاني قبلي ولا بعدي.
أومأت برأسها هامسة في حب :
- لا قبلك ولا بعدك ياعشقي وجنوني وكل لحظات فرحي وكل آمالي وأحلى حلم حلمته واتمنيته.
قبل جبينها هامسا :
- كل ده .. كتير علي أوي.
أمسكت بكفيه اللذان يمسكان بوجهها وضمتهما بيديها ورفعتهما لشفتيها ولثمت كل منهما بقبلة رقيقة ثم رفعت عينيها إليه مرددة :
- حياتي كلها مش كتير عليك .. إنت اللي كتير علي .. فرحتي بيك وبوجودك وقربك كتير علي .. إنت حلمي والواقع اللي خلاني استغنيت عن عالم الأحلام وقررت أعيشه لأنك فيه .. لأنه أجمل من كل أحلامي .. بيك أنت .
صمتت وظلت تتطلع إلى عينيه، صمت هو أيضا يتطلع إليها وكل خلجة من خلجاته تنطق بالحب والعشق وعيناه تلمع بدمعة خفية ثم ضمها إلى صدره ووضع أذنها على قلبه لتستمع لدقاته تحت رأسها تكاد تهتف باسمها، قبل رأسها مرة أخرى قائلا :
- ربنا مايحرمني منك يا أحلى لؤلؤة وهبها لي ربنا .. مش عارف أرد أقول إيه غير إني أدعي ربنا إن دايما يجمعنا ويقربنا منه ومن بعض .
ثم أبعدها برفق مستطردا :
- يلا ورانا صلاة ولا ناسية ؟
ابتسمت وهي ترد :
- لا طبعا ودي حاجة تتنسي .. ربنا يبارك لي في حياتي معاك ياحبيبي هأغير هدومي وأجهز حالا .
داعبها بمشاغبة :
- مش محتاجة مساعدة في الفستان .. سوستة مثلا دبوس طرحة في كمية دبابيس في حجابك مش عارف هتشيليها إزاي .
دفعته خارج الغرفة هاتفة بمرح :
- لا ماتخافش هاقدر أساعد نفسي .
توقف وهي تدفعه ورفض الخروج هاتفا بدوره :
- طيب يابنتي استني وإنت بتطرديني كده هاتي لي حاجة البسها أنا كمان ولا هافضل بالبدلة ؟
تراجعت وقالت :
- طيب اتفضل شوف محتاج إيه وبالسلامة بقى .
ضحك حبيبها ونظر إليها معاندا فبادلته نظرته معاندة هي الأخرى فقال :
- بقى كده ..! مش بأقول ياعيني عليك يا ( حسام ) ياغلبان .
ومط شفتيه في حزن كالأطفال، ضحكت لحركته و همست مداعبة :
- لا لا خلاص يلا ياقطتي خدي اللي محتاجاه واطلعي بره عشان أنا كمان اغير ونصلي .
عاد يضحك وهو يردد :
- قطتي .. ماشي .
ابتسمت وهي تتطلع إليه يحمل ملابسه ويخرج من الغرفة . أغلقت الباب خلفه واستندت إليه بظهرها ضامة يديها إلى صدرها وتنهدت بسعادة متطلعة للأعلى ثم هسمت :
- الحمد لله .. يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. أحمدك يارب على النعمة الكبيرة اللي اديتهالي .. يارب ماتحرمنيش منه أبدا .


********


أنهت (جمانة) تغيير ملابسها، لبست قميصا رقيقا مناسبا لرقتها فأظهرها أكثر أنوثة وجمالا ثم ارتدت فوقه الروب الخاص به، تطلعت لنفسها في المرآة راضية عن شكلها .. كانت تعلم أنها جميلة .. ربما ليست فاتنة .. لكن جمالها من النوع المميز الذي يلفت انتباه الآخرين بشكل لطيف كنسمة صيف باردة تداعب خيالك ليس جمالا عاصفا يعصف بكيانك .. لكن تبقى رقتها وعذوبتها تميزها،
رقيقة هي وناعمة بشعرها الكستنائي القصير وعيونها العسلية اللامعة، أهدابها الطويلة وأنفها الدقيق، شفتيها الممتلئتين بشكل جميل وملامحها الطفولية، التفتت لتحمل إسدال صلاتها وترتديه فوق ملابسها ثم توجهت لباب الغرفة، فتحته لتجد (حسام) جالسا على كرسي أمام الباب تفاجأت وتراجعت وهي تتنهد هاتفة :
- حرام عليك ياحسام خضتني .. إنت قاعد كده ليه ؟
ضحك كثيرا، نظرت إليه مغتاظة فحاول كتم ضحكته وقال لها :
- ماشوفتيش منظرك .. أعمل ايه ! بقى لك ساعة جوا فضلت واقف لحد ماتعبت جبت كرسي وقعدت أستنى لؤلؤتي اللي خايفة تطلع لي من محارتها .
تطلعت إليه بغيظ ثم ابتسمت بلطف وهي تغوص في عمق عينيه السوداوين فابتسم هو الآخر ونهض عن الكرسي واقترب منها متسائلا :
- إيه مش هنصلي ؟.. يلا بقى عشان أنا كده كتير علي .
نظرت إليه باستغراب وتساءلت :
- هو إيه اللي كتير ؟
رد عليها بهدوء :
- هأقولك بعد ما نصلي .
ثم ابتسم، فرشت سجادتين وتوجها إلى القبلة يؤمها حبيبها وزوجها، كبر ودخل فالصلاة فتبعته وبدأ بقراءة الفاتحة وماتيسر وهي تستمع له .. لم تكن تعلم أن صوته رائع هكذا في قراءة القرآن بخشوع وتدبر وتجويد .. تلاوته كانت رائعة جعلتها تنصت له وكأنها تسمع الآيات لأول مرة، أنهيا صلاتهما ووضع كفه على جبينها ودعا ( اللهم إني اسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه )، ابتسمت له قائلة :
- ماكنتش أعرف إن صوتك حلو أوي في القراءة كده .
بادلها ابتسامتها وهو يجيب :
- الحمد لله .. أنا درست تجويد مخصوص عشان كنت عاوز أقرأ قرآن صح يمكن ماوصلتش فيه لمرحلة متقدمة بس الحمد لله ولسه باتعلم .
أومأت برأسها وصمتت فابتسم مدركا لخجلها ومخاوفها، سألها مداعبا :
- مش هتقلعي الاسدال بقى وتيجي نتعشى ؟
احمرت وجنتاها بشدة و هي ترد :
- هاتعشى وأنا لابساه أصلي بردانة .
داعبها مغيظا إياها :
- ماتقلقيش لو لقيتي نفسك بردانة هادفيكِ .
ابتسمت بخجل مرة أخرى ولم تتحرك من مكانها فقام واقفا ثم جذبها إليه وربت على وجنتها برفق فطأطأت رأسها وبدأ بفك إسدالها ببطء وأنزله عن كتفيها، ثم ابتسم ابتسامة مشاغبة وقال مداعبا :
- ما إنت محجبة تحته أهو أمال برد إيه اللي بتحكي عليه ؟
ضحكت بخفوت وخجل فرفع وجهها إليه، نظر في عينيها الخجلى وظل صامتا .. طال صمته فأسبلت جفنيها وحاولت إفلات وجهها من بين يديه فلم يتركها ولم يتكلم .. رفعت عينيها إليه مرة أخرى فوجدته مبتسما فابتسمت هي الأخرى ثم همس مقربا شفتيه من أذنيها :
- أنا بأقول مش مهم عشا ولا ايه رأيك يالؤلؤتي ؟
أغمضت عينيها واحمر وجهها خجلا في صمت فهمس ثانية :
- طيب السكوت علامة الرضا .
ثم جذبها بين ذراعيه فاستكانت على صدره وهي تشعر بالطمأنينة والأمان، لتحلق معه في عالم كانت هي أميرته ومليكته .

********


ارتفعت صرخات (جمانة) عالية وهي تتأوه في ألم، تغمض عينيها ودموعها كالسيل هاتفة :
- يارب .. يارب .. يارب .
أمسك (حسام) بيدها وضمها لصدره، مسح جبينها الذي بلله العرق وهو يدعو في سره ويملأه التوتر ثم قال لها :
- معلش يا حبيبتي اجمدي هانت أهي الدكتورة جاية حالا هما بس بيجهزوا أوضة العمليات .
بكت بشدة وهي تئن ثم قالت بأنفاس متقطعة :
- مش قادرة ياحسام حاسة إني بأموت أنا إيه اللي خلاني أتجوز وأخلف بس آآآآه !.
لم يتمالك (حسام) نفسه وابتسم لها هامسا بمشاغبة :
- أنا طبعا .. الحب بقى وسنينه وعذابه .
نظرت له بغيظ ثم ردت من بين أسنانها :
- أيوة ما إنت مش تعبان في حاجة .
ضحك ثم همس في أذنها :
- على فكرة بقى أنا تعبان أكتر منك .. قلبي مش مستحمل يشوفك بتتألمي ولو ألم بسيط فما بالك بقى بولادة .. يرضيكِ قلبي يتعب كده ؟ هنعمل ايه بقى بيحبك وبيموت فيكِ ومالوش دوا .

ثم قبل يدها التي يمسك بها، ابتسمت هي في ألم وحب ثم فجأة ارتفعت صرخاتها مرة أخرى .

********


أفاقت ( جمانة ) ببطء، حاولت فتح عينيها لكنها شعرت بثقل في رأسها وجفنيها فحاولت الكلام وكان كل ما صدر منها همهمة خافتة، نهض (حسام) بسرعة من مقعده واقترب منها، تحسس جبهتها برفق وناداها :
- جمانة حبيبتي صحيتي ؟ سامعاني ؟
سمعت صوته فحاولت فتح عينيها مرة أخرى ونجحت هذه المرة، باغتها الضوء فضيقت جفنيها لتراه يحني رأسه فوقها وينظر لها بحب وقلق فتساءلت بصوت خافت :
- أنا الحمد لله كويسة فين البيبي ؟ ماشفتوش ؟
ابتسم ( حسام ) و أجاب :
- أنا عارف، من كتر الانهاك رحت في شبه غيبوبة والدكتورة قالت نسيبك ترتاحي .. ماتقلقيش (ملك) بخير .
ابتسمت ورددت :
- (ملك) ؟!
أومأ برأسه ونظر لها قائلا :
- أيوة .. بس للأسف مش هتلاقي اللي يتجوزها في يوم من الأيام .
فتحت عينيها على اتساعهما وقد باغتها ما قال، شعرت بانقباض في قلبها وهتفت في ضعف :
- ايه ؟ ليه مالها ؟
ابتسم في خبث وهو يرد :
- لا أبدا .. بس بيقولوا نسخة مني .
وانطلق يضحك وهي تنظر له بغيظ ثم لم تلبث أن ابتسمت قائلة :
- دي على كده قمر والعرسان هيقفوا على باب البيت من بكرة
ضحكا سويا ثم أمسك كفها وطبع عليها قبلة حانية، ضمها لصدره وهو ينظر لعينيها بكل حب راسما في عينيها قصة عشق موشومة داخل قلبيهما .







التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 09:31 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:39 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25



الفصل الثاني
_______



جلست ( جمانة ) في صمت تتأمل سقف حجرتها، تتلألأ دمعة في عينيها، شاردة في عالم ذكريات ماضية لم تمحى من عقلها وقلبها أبدا، سمعت طرقة خفيفة على الباب فأجابت بخفوت وهي تمسح دموعها بكفيها كطفلة صغيرة :
- ادخل !!
دخلت شقيقتها ( لمياء ) بهدوء إلى الغرفة وتطلعت إليها بصمت فابتسمت ( جمانة ) وقالت لها :
- إزيك يالميا فينك من زمان مش بتيجي ليه ؟
ثم توجهت نحوها لتقبل وجنتيها برقة، سحبتها لتجلسها بجوارها على الفراش ثم تساءلت :
- إيه مال الجميل ساكت ليه يعني جاية تشوفيني عشان تفضلي ساكتة ؟
ابتسمت ( لمياء ) بحزن وقالت لها :
- جوجو ليه بتعملي كده ؟
استغربت ( جمانة ) وعادت تسأل :
- بأعمل ايه يالميا ؟
نظرت لها شقيقتها بعمق وهي ترد باستهجان :
- على طول قاعدة لوحدك ياماسكة كتاب يانايمة حتى ( ملك ) معظم وقتها مقضياه مع ماما .. جمانة حرام عليك اللي بتعمليه في نفسك وفي بنتك ده .. هي ذنبها ايه طيب تبعديها عنك كده ؟
دمعت عينا ( جمانة ) مرة أخرى وحاولت النطق لكن لم تخرج منها حروف مرتبة فصمتت وارتفع صوت بكائها، ضمتها شقيقتها لصدرها بسرعة وهي تربت على كتفيها وتمسح على شعرها برفق ثم همست :
- حبيبتي انا مش عاوزة أزعلك والله أنا زعلانة عليك .. إنت إختي ياجوجو أختي الصغيرة حبيبة قلبي .. جايز فرق السن بينا مش كبير للدرجة لكن كافي إني أحس إنك بنتي وإنك مسئولة مني ؟
استمرت ( جمانة ) في البكاء بصمت و إن خفتت حدة بكائها فمسحت ( لمياء ) بكفها على شعرها مرة أخرى وتعوذت من الشيطان، ابتسمت وهي تبعد شقيقتها عن صدرها وتنظر لها ثم تمسح دموعها بأصابعها هامسة :
- جوجو .. تفتكري هو سعيد باللي انت بتعمليه في نفسك وفي بنته دلوقتي ؟ فرحيه طيب .
ارتفعت حدة بكاء ( جمانة ) مرة أخرى وهي تقول بصوت باكي :
- مش قادرة يا لميا .. حاولت كتير ومش قادرة .. كل همسة .. كل نفس .. كل مللي في حياتي بيفكرني بيه .. بيفكرني بحبي له وحبه ليَّ بيفكرني بالسعادة اللي اتحرمت منها فجأة وأنا لسه مالحقتش أحس بيها .. مش قادرة .
ورمت بنفسها فوق وسادتها تبكي بصوت عال وتعانق دموعها الوسادة، أخذت ( لمياء ) نفسا عميقا تحاول به حبس دموعها وجذبت شقيقتها لحضنها مرة أخرى وهي تربت على رأسها برفق وتقرأ بعض آيات القرآن حتى هدأت، بعد دقائق قليلة أبعدت ( جمانة ) نفسها من بين ذراعي شقيقتها ومسحت دموعها بمنديل ثم قالت لها :
- معلش يا لميا عارفة إنك لما بتيجي لي هنا بانكد عليكي .. نفسي فعلا أخرج من اللي أنا فيه بس كل حاجة صعبة تخيلي كل ماتلفي يمين تشوفي ابتسامته .. تروحي شمال تسمعي ضحكته .. تنامي تلاقيه في أحلامك وتتخيلي نفسك في أمان حضنه .. تعبت يا لميا تعبت وملك كمان كل ماابص لها اشوفه .. شفتي شبهه ازاي يا لميا كل تفصيلة في ملامحها نسخة منه .
ابتسمت ( لمياء ) بحزن ثم ردت :
- ايوة كويس انك عارفة انك منكدة علي على طول .
صمتت للحظة تابعت بعدها :
- مش يمكن ربنا عوضك بيها ! هي جزء منه وكمان شبهه .. تعويض عشان تقدري تصبري وتعيشي وتدعي له دايما .. صدقيني ياجمانة إنت ما تعرفيش الخير فين وماتعرفيش لو كنتوا مع بعض دلوقتي كنتوا هتبقوا عاملين إزاي .. ثقي دايما إن ربنا اختار لك الصح واللي فيه خير ليكي لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع حبيبتي صح !. يبقى نعيش واقعنا بحلوه وبمره ونتقبل كل لحظاته لأن ده هو الخير وهو قدر ربنا لينا حتى لو تعبنا منه أو كان صعب علينا لكن يفضل هو الخير اتأكدي من ده .
أومأت ( جمانة ) برأسها في صمت وقلبها تغلفه كلمات أختها بحنان ورفق وتتغلغل فيه بهدوء، فابتسمت ( لمياء ) و تساءلت :
-أمال ملوكة فين وحشت خالتو العفريتة دي ؟
ضحكت ( جمانة ) بخفوت وتنهدت مجيبة :
- مع ماما طبعا .. ماما تعبت معايا أوي يا لميا ما تاخديها تقعد عندك كم يوم تغير جو وتريح نفسها وأعصابها شوية .
ابتسمت ( لمياء ) و قالت بخبث :
- تريح اعصابها .. اعترفي عاوزة تعملي مصيبة وعاوزاني اخدها ها !
عادت (جمانة) للضحك ثم تنهدت و ردت :
- أنا مبسوطة أوي أنك جيتي النهاردة يالميا .. بجد كنت محتاجة أشوف حد .
ابتسمت (لمياء) بحنان ثم قالت :
- ياحبيبة قلبي طيب ليه مش بتخرجي أو تكلمي نورا .. على فكرة اتصلت بي أكتر من مرة تسألني عليكي وعلى موبايلك المقفول على طول ده ، نورا أعز أصحابك إن ماكانتش الوحيدة ياجوجو ليه مش بتخرجوا سوا تغيري جو وخدي ملوكة معاكي أهي تلعب مع ابنها شوية .
تنهدت ( جمانة ) وفكرت لثوان ثم اعتدلت في مجلسها قائلة :
- خلاص أنا هأكلمها وأتفق معاها وأشوف .. وحشتني والله كتير جدا بس هأعمل ايه بقى .
احتفظت (لمياء) بابتسامتها وهي تقول :
- خلاص تمام .. كلميها دلوقتي أو النهاردة بالكتير ماتتأخريش لأنها قلقانة عليكي جدا وماتنسيش تاخدي ملوكة بقى ها.
أومأت (جمانة) برأسها موافقة وهي ترد :
- طيب أوك .. بس ماقلتليش إنت جاية النهاردة زيارة عادية ولا الموضوع فيه إن ..؟
اعتدلت (لمياء) مواجهة شقيقتها ثم تكلمت بجدية :
- الحقيقة .. الموضوع فيه إن ولعل وكأن وكل حاجة .. ثم ابتسمت وهي تستطرد :
- أنا جبت لك شغل .
صمتت تنتظر رد فعل شقيقتها وتنظر إليها باهتمام .. علت الدهشة وجه (جمانة) لثوان ثم مطت شفتيها وتساءلت ببطء:
- ليه يا لميا ؟ ايه خلاكي تفكري إني عاوزة أشتغل وبعدين مين هيرضى يشغلني بالمؤهل بس من غير خبرة ؟
أجابت (لمياء) :
- من الناحية دي ماتقلقيش حبيبتي أنت أوك من غير خبرة بس دراستك وشهاداتك كفاية .. لغة وكمبيوتر وخبرة مش بطالة في التصميم غير دراستك للإدارة بجانب المحاسبة ودبلومة في الاقتصاد يعني كلها حوافز تخلي اللي يشوف السي في يعمل لك المقابلة .. وبالنسبة بقى لموضوع ليه جبت لك شغل فالسبب واضح وواحد لازم تخرجي من اللي انت فيه تشوفي الناس وتغيري جو وتنشغلي بأي حاجة وتطلعي من المود بتاعك وانطوائك ده .
اغرورقت عينا (جمانة) بالدموع وعضت شفتيها في ألم فربتت (لمياء) على كتفها وهي تكمل :
- لا لا لا جوجو احنا ماصدقنا أنا بأقول أعمل حاجة تشغلك وتبقي كويسة تقومي ترجعي تعيطي تاني عاوزة تزعليني ؟
مسحت (جمانة) دموعها وهي تهتف :
- لا والله يالولو مش قصدي دي دموع فرح على فكرة .. فرحانة أوي باهتمامك بي وقربك مني .. ربنا مايحرمني منك ياقلبي .. وعشان أثبت لك أنا موافقة ع الشغل ياستي .. قولي لي ايه المطلوب مني وأنا معاكي على طول .
ابتسمت ( لمياء) في فرح وضمت شقيقتها إلى صدرها وقالت :
- أيوة كده ياجوجو .. حبيبة قلبي رجعت تاني .. خلاص ياجميل أنا هاظبط الموضوع وهأكلمك أقولك على آخر الأخبار وأتفق معاكي هنعمل ايه.
فسارعت (جمانة) لسؤالها :
- طيب يالميا مش تقولي لي الشغل ده فين وعبارة عن ايه ؟
أجابتها (لمياء) :
- شوفي ياستي هي شركة كبيرة بتاعة واحد صاحب حمايا بس اللي بيديرها حاليا ابنه هو مهندس ومالوش في شغل التجارة بس عشان خاطر باباه بقى اتعلمها وحمايا كلم صاحبه بعد ماطلبت أنا منه يشوف لك شغل، قاللي إنه كلمه ومفيش عنده أي مانع وطلب السي في بتاعتك وأنا بعتها له ولسه منتظرين رده بس ماتقلقيش هو غالبا هيوافق، حمايا بقى ..
ابتسمت (جمانة) ثم سألت شقيقتها :
- طيب وابنه اللي ماسك الشغل حاليا مش هيعترض ؟
ردت ( لمياء ) :
- يعترض على مين يابنتي على باباه .. ماتنسيش إن باباه صاحب الشغل وهو مديره وبس هو أينعم الشركة حالها اتغير بعد لما مسكها واتقدمت كتير في السوق بس مايقدرش يقول لباباه لا .. ده أولا ثانيا بقى وده الأهم السي في بتاعتك مشرفة ينقصها بس الخبرة وهما أكيد عندهم متدربين في الشركة وأنت هتكوني أفضلهم لأنك اتعلمت حاجات كتير باستغرب لحد دلوقتي ليه مااشتغليش بيها .
طأطأت (جمانة) رأسها وردت في خفوت :
- ما إنت عارفة إن حسام كان رافض موضوع الشغل تماما وأنا ماكنتش أقدر أزعله خاصة اني ماكنتش محتاجة وحتى دلوقتي مش محتاجة بس أهو حاجة تشغل وقتي شوية .


يتبع.....






التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 09:49 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:42 AM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



تابع الفصل الثاني
_________


ربتت (لمياء) على كتفها مرة أخرى وهي تقول :
- أنا عارفة ياجوجو ماشاء الله حسام كان مستواه كويس وحاليا ساب لك ميراث معقول .. بس تفتكري هيستمر للأبد من غير مايخلص .. دلوقتي الصيدلية بيديرها دكتور بييجي يوم وعشرة لا مش فاهمة ايه ده وانت حتى مابتسأليش عليها وسايباه براحته ومكتفية بالمبلغ اللي بتاخديه كل شهر منها، وحتى الأرض اللي في بلد والد حسام ماتعرفيش عنها حاجة غير الايراد اللي بييجي منها كل كم شهر ولا عارفة ده حقك ولا لا وسايبة إخواته من باباه يتحكموا فيها على الرغم من إن علاقتهم مع مامته مقطوعة تماما .. حبيبتي اقلقي على حاجتك وحاجة، بنتك شوية مش كده اصحي بقى وفوقي وشوفي حالك .. أنا مش بأقولك اشتغلي عشان محتاجة بس عشان تعملي حاجة مش كل الأيام تبقى زي بعضها، وليلك زي نهارك وبكرة زي امبارح عيشي وعيشي بنتك جنبك اخرجي شوفي الناس وبنتك الصغننة دي ذنبها ايه تتحبس كده .. عيشي حياتك ياحبيبتي الدنيا ماوقفتش ومش هتقف .. إنت بس اللي وقفتي الزمن بتاعك وهو لسه بيتحرك حواليكي .
صمتت (جمانة) وعادت إليها ذكريات الأعوام الثلاثة الماضية بعد وفاة ( حسام ) في ذلك الحادث الذي دمر سعادتها .. وطفلتها الصغيرة التي لم يتخطى عمرها الشهور الستة وقتها، الآن طفلتها على أعتاب عامها الرابع وهي تعيش معها وبعيدة عنها في نفس الوقت .. كم تألمت !. كم حزنت !. كم صرخ قلبها وأنّ بين ضلوعها !. كم تحملت وسادتها دموعها وتبللت بها !. كم من مرة حلمت به يضمها لصدره في حنان كما اعتادت وهي معه !. آهة صرخ بها قلبها انعكست على شكل تنهيدة حارة خرجت من بين شفتيها وهي تجيب بخفوت :
- أنا هاجرب يا لميا .. هاحاول .. ع الأقل عشان ملك وعشان أخرج من اللي أنا فيه وأشغل عقلي اللي قرب يتجنن بأي حاجة.
ابتسمت (لمياء) وتنهدت بارتياح وهي ترد :
- طيب كده تمام احنا متفقين .. هاعرف الأخبار وأكلمك ونشوف هنعمل ايه، دلوقتي ايه رأيك بقى ناخد ملوكة وماما ونخرج نتغدى برا ونتفسح شوية .
بادلتها (جمانة) الابتسامة وقالت :
- ماشي أوك .. بس ماقلتليش أنت أخبارك ايه ؟ من ساعة مادخلتي وانت عمالة تطبطبي علي وماطمنتينيش عليكي .. عاملة ايه وأخبارك مع أحمد ايه ؟
ارتسمت ابتسامة حزينة على شفتي (لمياء) سرعان ماتلاشت لتقول لأختها بسرعة كأنها تداري أمرا ما :
- كلنا كويسين أنا وأحمد وحمايا وكله اطمني .. خلينا فيكي انت أنا دلوقتي هاروح اقول لماما تجهز وتلبس ملك على ما أنت تلبسي ونخرج سوا ماشي !
صمتت (جمانة) فهي تعلم أن شقيقتها لا تريد أن تحملها آلامها مهما كان قدرها لكنها تغاضت عن الأمر وهي تعطي الفرصة لشقيقتها لتتحدث إليها وقتما ترغب، أجابت بابتسامة :
- أوك .. أنا هالبس أهو وإنت قولي لهم .
خرجت ( لمياء ) من الغرفة واستندت لبابها بظهرها وهي تتنهد ثم همست لنفسها :
- أقولك ايه ياجوجو .. إن حب عمري بيخوني .. ومش قادر يتحمل أو يصبر على إن مفيش ولاد لحد دلوقتي ونفسه يكون أب .. أقولك ايه بس وانت فيكي اللي مكفيكي ..

ثم ذهبت في صمت وخطوات بطيئة منكسرة لغرفة والدتها لتخبرها أن تستعد ليخرجن سويا ..
********
طوى (جلال الحسيني) جريدته ووضعها على المكتب أمامه ثم رفع فنجان القهوة ليرشف بعضه وهو يخاطب ولده قائلا :
- خلاص يا أدهم أنا اديت الناس وعد وطبعا مستحيل أخلفه، مدام جمانة هتيجي تشتغل في الشركة وشوف لها مكان في قسم الإدارة أوالمحاسبة وصدقني هتنفعك شوف السي في واحكم بنفسك .
زم (أدهم) شفتيه في ضيق و هو يرد :
- يا بابا حضرتك عارف إني مش باحب الطريقة دي في الشغل أو اختيار الموظفين واسطة بقى وكل واحد يحس إنه مميز وله ظهر في الشركة ويغلط أو يقصر وهو مطمن ده بالاضافة إني فعلا قرأت السي في ومفيش عندها خبرة خالص، يعني حضرتك هتجيب لي ست بيت تشتغل في الشركة عشان معرفة صديق عزيز.
عقد والده حاجبيه في غضب ووضع قهوته بعنف على المكتب ثم قام من خلفه وجلس أمام ابنه على الكرسي المقابل له وهو يقول :
- أدهم حاسب على كلامك، إنت عارف كويس طريقتي في الشغل وإن موضوع الواسطة ده مش بينفع معايا إلا لو فعلا الشخص يستحق الوظيفة لكن الظروف مش مساعدة إنه يلاقيها .
تراجع (أدهم) في مقعده وهو يفكر في صمت لثوان ثم رد على والده :
- تمام يا بابا أنا عارف طريقتك وإنت كمان عارف طريقتي وعارف برده إني دائما بأعمل إعلان لو مكان محتاج موظف عشان الشخص الصح والمناسب يكون في المكان المناسب وحضرتك حملتني مسئولية الشركة على الرغم إنها مش مجال دراستي ولا شغلي وأنا اتنازلت عن المهنة اللي باحبها عشان الشركة وعشان أكون جنب حضرتك ووافقت على طريقتي في الشغل واتفقنا على كده، دلوقتي حضرتك بتجبرني أشغل واحدة لمجرد إنها قريبة صديق وحتى السي في مش للدرجة وبدون خبرة تماما، مش مقتنع للأسف يا بابا .
قالها وهو يلف وجهه للجهة الأخرى ويتنهد في غضب مكتوم، صمت أبوه قليلا وهو يحاول أن يقلب الأمر في ذهنه ويقنع ولده بالأمر دون ضغط على الأقل حتى لا يسبب لها مشاكل في العمل بعدها ثم لم يلبث أن قال :
- أدهم يابني، أنا سعيد بكلامك جدا على فكرة، شوف يا أدهم مدام جمانة حاليا أرملة وبتراعي بنتها وفي نفس الوقت مؤهلاتها كويسة وتأهلها للعمل فعلا ناقصها بس الخبرة ولو كل حد عاوز يشغل موظفين طلب خبرة يبقى ماحدش هيشتغل لأن عشان يكون عندك خبرة لازم ناس تشغلك وبالتالي تكتسبها، لو الكل رفض بدون خبرة الناس هتشتغل إزاي، الموضوع دايرة مقفولة ولازم إحنا كشركة محترمة يهمها الكفاءة أولا نخلي بالنا من الكفاءات وندور عليها، المسألة مش مسألة واسطة أو محسوبية، تفتكر لو ماكنتش شايف إنها تنفع تشتغل معانا كنت هاوافق ؟ ده شغل مش لعبة ولا تكية، اعتبرها فترة تجريب أو متدربة معانا ولو أثبتت جدارتها يبقى أهلا بيها أما لو لا خلاص الموضوع هيكون بايدك وتتصرف فيه بحرية، اتفقنا ؟
صمت (أدهم) قليلا وهو يفكر في الأمر ويديره برأسه ثم تنهد مستسلما و هو يجيب :
- ماشي يا بابا اتفقنا، هتشتغل معانا وهاخلي أستاذ محفوظ يتابعها بنفسه بس مع أول غلطة أو تقصير؛ هتكون برا الشركة.
تنهد (جلال) في ارتياح وقام يربت على كتف ولده وهو يقول :
- إنت كده تمام يا أدهم أنا هاكلم عمك شكري وأبلغه يبلغهم بموافقتنا عشان تيجي تقابلك وتستلم شغلها .
وافقه ابنه بإيماءة مستسلمة من رأسه عندما دق باب المكتب برفق فتطلعا إليه وهو يفتح ثم تطل منه والدته متسائلة بملل :
- لسه بتتكلموا في الشغل برده ؟ مش معقول ياجلال كل يوم بالشكل ده أنا مش بأشوف الولد خالص ولا عارفة أتكلم معاه .
ضحكا سويا ثم رد (جلال) مداعبا :
- ولد ! إلحق يا باشمهندس ماما بتقول عليك ولد، مهندس ومدير شركة أد الدنيا وولد.
وانفجر ضاحكا مرة أخرى فعقدت حاجبيها في غيظ وهي تدلف إلى الحجرة قائلة بنبرة متعالية :
- أيوة ولد، إيه هيكبر على مامته !
قام (أدهم) من كرسيه وقال لأمه وهو ينحني ليقبل يدها :
- هو أنا أقدر برده يا أمي .
زمت شفتيها في ضيق وهي تنهره :
- برده أمي ؟ مش هتبطل بقى الكلام الغريب ده يا أدهم ؟
رفع حاجبيه متظاهرا بالدهشة متسائلا :
- كلام غريب إزاي يا أمي ؟ دي عربية فصحى .
تنهدت في غيظ وقالت وهي تسحب يدها منه :
- خلاص يا أدهم ماهو كل مرة نتكلم في الموضوع وبرده تكرره وتعيده ونتكلم وتعمل نفسك مش فاهم، أوف زهقتوني، عموما أنا مش جاية أتسلى معاكم، أنا جاية أبلغك إن طنط ناريمان وعمك مصطفى وبنتهم دينا هيزورونا النهاردة ولازم إنت وسارة تبقوا موجودين .
والتفتت لزوجها مكملة :
- وطبعا مش هأوصيك يا جلال لازم تستقبلوهم معايا مش تعمل زي المرة اللي فاتت وتيجي وهما خلاص هيمشوا وتحرجوني معاهم ، أوك يا جلال ؟
هز زوجها كتفيه وتنهد قائلا :
- أوك يا فريدة
فعادت تخاطب (أدهم) :
- وطبعا يا أدهم إنت متعود تحرجني فحاول تخلف المرة دي وتيجي ع العشا ع الأقل إنت عارف طنط ناريمان بتحبك قد إيه ودينا كمان .
رد (أدهم) في ضيق حاول أن يخفيه :
- هأحاول يا أمي.
تنهدت في عنف ممتزج بالغيظ وقالت :
- مفيش فايدة أبدا، قولوا لي كنتم بتتكلموا في إيه كل ده ؟
أجاب زوجها :
- عادي يا فريدة ماتشغليش بالك، شغل كالمعتاد .
تدخل (أدهم) محاولا إغاظة والده :
- شفتي يا أمي هنشغل ناس في الشركة بالواسطة بقى عندنا سيستم جديد اسمه الكوسة ، هيعجبك.
عقد والده حاجبيه في ضيق وهو يقول :
- ايه يا أدهم إحنا من إمتى بنشغل ماما بمشاكلنا في الشغل ؟
ردت (فريدة) :
- إيه يا جلال مش عاوزني أعرف ؟ إنت من إمتى بتجامل حد في الشغل ياما طلبت منك تشوف شغل لأولاد أصحابي وكنت دايما بترفض، ايه اللي جد بقى ؟
قال (أدهم) مستمرا في إغاظة والده :
- أصلها معرفة أو قريبة عمو شكري يا أمي وإنت عارفة غلاوته عند بابا .
عقد والده حاجبيه في غيظ وهتف في ابنه بحنق :
- إيه يا أدهم إنت بتهدي النفوس وخلاص ولا إيه ؟
والتفت لزوجته التي قالت :
- أيوة قلت لي بقى عمو شكري ، عموما هنتكلم في الموضوع بعدين ياجلال، عن إذنكم أروح أشوف التجهيزات عشان الضيوف .
وخرجت غاضبة من الغرفة فالتفت (جلال) لابنه قائلا في غيظ :
- ليه كده يا أدهم ما إنت عارف مامتك ؟
ضحك (أدهم) في استمتاع وقال لوالده :
- واحدة بواحدة يا جلجل .
ابتسم والده من بين أسنانه وهو يرد :
- ماشي يا أدهم تترد لك، يلا بينا دلوقتي نشوف إيه موضوع الناس اللي جاية ده ؟
هتف (أدهم) بسرعة :
- معلش يا بابا هتضطر تشوف بنفسك لأني راجع الشركة حالا ورايا كذا حاجة مهمة ومش هأقدر أتأخر، أشوفك ع العشا بإذن الله.
أجابه والده :
- ماشي يا أدهم بس ماتتأخرش مش عاوزين ماما تزعل زي كل مرة .
رد (أدهم) :
- تمام يا بابا بإذن الله، يلا سلام بقى
وخرج مسرعا من الغرفة ومغادرا الفيلا كلها وكأنه يهرب من كارثة وفكر وهو يقود سيارته عائدا إلى الشركة أنه لن يعود على العشاء وهذا أمر مؤكد .
********

جلست (جمانة) تلاعب طفلتها وتضحكان سويا وأمامهما والدتها تتابعهما بحنان وسعادة وهي ترى صغيرتها تعود للضحك من جديد، دعت الله في قلبها أن يسعد ابنتها وينسيها أحزانها.
أما (جمانة) و (ملك) فكانتا تلعبان سويا وتبنيان برجا من المكعبات، (ملك) سعيدة للغاية بمشاركة أمها لها في اللعب وتضحك بفرح أما (جمانة) فكانت تتطلع لطفلتها بحب، شردت قليلا وعادت لها ذكرياتها مع زوجها الراحل وطفلته التي لم يرها تكبر أمامه لتصبح نسخة مصغرة منه حتى في ضحكته، تذكرت يوم زفت إليه خبر حملها، وقتها كان في عمله وسهر متأخرا في الصيدلية، عندما عاد للمنزل كان مرهقا للغاية والوقت تخطى منتصف الليل، إعتقد أن زوجته نامت ففتح باب المنزل برفق ودلف إليه في هدوء وبالفعل وجد الظلام يغلف المكان إلا من ضوء خافت قادم من غرفة الطعام فاتجه إليها مباشرة، عندما أطل برأسه للداخل وجد (جمانة) قد أعدت العشاء وتركته له على المائدة مع إضاءة خافتة مريحة للأعصاب، استغرب كثيرا ودلف للغرفة، تناول عشاؤه سريعا لأنه كان مرهقا وجائعا، أثناء تناوله العشاء وجد علبة متوسطة الحجم أمامه على المائدة وفوقها وردة حمراء فابتسم بحب والتقطها وفتحها، كانت تراقبه خلسة من خلف الباب ورأت ملامح الدهشة تعلو وجهه عندما وجد بداخل العلبة علبة أخرى أصغر حجما ومعها وردة أخرى فعقد حاجبيه مستغربا وعلت شفتيه ابتسامة دهشة ثم قام بفتح العلبة الثانية ليجد بداخلها دمية صغيرة لطفل ومعها وردة صغيرة معلق بها بطاقة مكتوب فوقها ( باقي من الزمن 7 شهور و12 يوم وأوصل، استنوني بإذن الله مش هتأخر )، لاحظت وقتها اضطرابه وارتعاشة يده وهو يحمل الدمية برفق كأنها وليده وعينيه تشعان سعادة فانطلقت عائدة لغرفتها وهي تعلم أنه سيأتي إليها، استلقت على فراشها تنتظره، وبالفعل وجدت باب الغرفة ينفتح برفق فأغمضت عينيها متظاهرة بالنوم، شعرت به يقترب منها على أطراف أصابعه فابتسمت بحب؛ إنه يعتقد أنها نائمة ولا يريد أن
يزعجها، استمرت في إدعاء النوم وهو يتمدد خلفها على الفراش ويمد يدا حانية تتحسس بطنها وتربت عليها بحنو بالغ، لثم هو شعرها ووضع رأسه على الوسادة وهو يلفها بذراعيه ثم راح في النوم، انتظرت لدقائق بعدها التفتت إليه ورفعت نفسها قليلا ترتكن على ذراعها، ظلت تتطلع إليه بحب ثم رفعت كفه وطبعت عليها قبلة ناعمة، همست :
- هيبقى عندي طفل تاني يشاركني فيك ياطفلي الكبير، إوعي تغير منه لأنه حتة منك ولازم تساعدني فيه أنا بأقولك أهو .
ثم اعتدلت مرة أخرى وراحت في نوم عميق، استيقظت في الصباح على رائحة عطرة تغمر الغرفة ووردة ناعمة تداعب وجنتيها ثم قبلة رقيقة على جبينها، عندما فتحت عينيها وجدته يتطلع إليها بحنان دافق وهمس :
- صباح الخير يا أحلى حاجة في دنيتي .
ثم ابتسم وأكمل مداعبا إياها :
- صباح الخير يا أم العيال .
اتسعت ابتسامته بعدها، فضحكت هي وردت بغيظ :
- بقى من أولها أم العيال، ماشي صباح الخير يا أبو العيال يابعلولتي .
ضحك هو الآخر ثم التقط كفها وطبع عليها قبلة وقال :
- أمال أم العيال وأم أبوهم كمان، ما تتخيليش أنا فرحان قد إيه ياجوجو ومستني اللحظة اللي أشيله فيها بين إيديا فيها وأقوله أنا أبوك ياولد ولازم تسمع كلامي .
ضحكت ثانية و شاكسته :
- يسمع كلامك من أولها إديله فرصة يتعرف عليك الأول .
ابتسم وتساءل بدهشة مصطنعة :
- ليه هو مايعرفنيش ولا إيه ؟
ثم خفض رأسه واقترب من بطنها، قال مخاطبا الجنين :
- اسمع يا ابني إنت تيجي الدنيا تبقى عارفني أنا بأقولك أهو ، أنا مين ؟ أنا بابا ، بابا مين ؟ بابا حسام ، ماشي ؟
ابتسمت في حنان وهي تطلع إليه ثم سألته :
- كلمت ماما راضية ياحسام وقلت لها ؟
أجابها :
- لا لسه مستنيكي تصحي ونفطر بعدين نكلمها سوا .
فحاولت أن تقوم وهي تكشف الغطاء من فوقها قائلة :
- أوك دقايق ويكون الفطار جاهز عشان نفرحها .
وجدته يعيدها للفراش وهو يهتف :
- ايه ايه رايحة فين ؟ فطار ايه اللي هتحضريه ؟ إنت من هنا ورايح أميرة .
والتفت خلفه يلتقط صينية وضع عليها طعام الإفطار وكوبين من العصير الطازج، وضعها أمامها على الفراش وهو يستطرد :
- فطارك جاهز يا مولاتي هتسمحي لحسام الغلبان يفطر معاكي ؟
ابتسمت بحنان وردت :
- اممممممم ، هنسمح له ، بس قول له ماياخدش على كده .
ضحكت وضحك معها ثم ضمها لصدره وطبع قبلة حانية على رأسها، تناولا الإفطار سويا، قاما بعده بالاتصال بوالدته وإخبارها كما اتفقا وكم كانت سعيدة وهي تعلم أنها قريبا ستحمل حفيدها الأول، عرضت على (جمانة) أن تذهب للإقامة معها فترة الحمل الأولى لترعاها ، كانت (جمانة) سعيدة للغاية بمعاملة والدة (حسام) لها فهي
تعتبرها ابنتها كون (حسام) وحيدها بدون أشقاء أو شقيقات إلا إخوته من أبيه والعلاقة بينهم لك تكن جيدة لتلك الدرجة، وسعدت أكثر عندما طلبت منها أن تقيم عندها لكن (حسام) رفض في البداية وقال أنه سيرعاها بنفسه وطلب من أمه أن تأتي هي لتقيم معهم فتؤنس وحدتها ويسعدون بها لكنها رفضت مغادرة منزلها وألحت على ذهاب (جمانة)، وافق بعدها (حسام) على مضض عندما علم أن حبيبته لا تمانع وبالفعل ذهبت لتقيم عندها هي وزوجها وكانت والدته كأم ثانية لها .
عند تلك اللحظة من ذكرياتها ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة عندما تذكرت ما حدث لوالدة زوجها بعد وفاته ، كانت هي الوحيدة التي تغادر منزلها لأجلها وتأخذ طفلتها الصغيرة معها بشكل منتظم كل أسبوع ولم تقطع هذه العادة أبدا، عرضت عليها كثيرا والدته أن تأتي هي و (ملك) للإقامة معها لكنها رفضت وقالت أنها لن تترك منزل (حسام) أبدا بعدها أتت والدتها هي للإقامة معها ومراعاتها ........
أفاقت من ذكرياتها على رنين هاتفها الجوال فقامت (ملك) مسرعة لتحضره وهي تقول ببراءة :
- ماما فون

ابتسمت (جمانة) وربتت على رأس طفلتها وهي تلتقطه منها، تطلعت لشاشته لترى من المتصل ثم اتسعت ابتسامتها وهي تقول لأمها :
- دي لميا ياماما .
ثم ضغطت زر الرد و قالت :
- السلام عليكم، إزيك يا لميا وحشاني .
ردت شقيقتها :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، إزيك أنت ياجوجو ؟ أنا الحمد لله تمام ، انت وحشاني أكتر ، إزي ماما وملوكة حبيبة خالتو ؟
أجابتها :
- الحمد لله كلنا بخير يالولو مش ناوية تيجي بقى لي أسبوع ماشفتكيش ؟
قالت (لمياء) بعد تنهيدة :
- معلش ياجوجو انشغلت شوية إنت عارفة مش باطمن لحد في شغل المكتب ولازم أراجع كل حاجة بنفسي .
ابتسمت (جمانة) وردت :
- ماشي ياعم المهم ، طمنيني عليكي وعلى أحمد .
جاءها صوت شقيقتها بعد لحظة صمت :
- الحمد لله ياجوجو احنا كويسين ماتشغليش بالك بيه ، المهم أنا مش متصلة عشان أطمن عليكم بس ، عمو شكري كلمني من شوية وقالي إنه صديقه جلال الحسيني صاحب الشركة اللي قلت لك عليها وافق بعد ماشاف السي في بتاعتك واتفق مع ابنه على شغلك في الشركة وعاوزك تروحي بكرة تقابليه وهو هيتفق معاك على الوظيفة والمرتب وكده ، تمام ياجوجو ؟
شعرت (جمانة) بالرهبة لوهلة ثم تنهدت وردت على شقيقتها :
- تمام يالولو، مش عارفة ليه مخضوضة وقلبي مقبوض ومرعوبة وكل حاجة تمت للخوف والرعب بصلة .
ثم ضحكت بلا داعي لكنها سمعت صوت (لمياء) المطمئن يأتيها قائلا :
- ماتقلقيش ياجميل ، خليكي إنت بس شجاعة كده وجمدي قلبك ، أنا عارفة إن الموضوع صعب لأن أول مرة تشتغلي بس معلش مع التعود هتلاقي الموضوع سهل جدا ، لو تحبي أعدي عليكي الصبح أوصلك ياحبيبتي ماعنديش مانع ؟
فردت (جمانة) :
- لا خلاص يالولو انا هاروح بعربيتي وربنا يسهل .
قالت (لمياء) بعذوبة :
- ماشي ياقلبي هاكلمك بكرة بالليل أطمن عليكي وأعرف الأخبار، اديني ماما أسلم عليها بقى .

ناولت الهاتف لوالدتها وجلست تفكر في ذلك اليوم وما عساها أن تفعل أو تقول، دعت الله أن يمر على خير ويوفقها في ذلك العمل .



:




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 09:56 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:43 AM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الثالث
_________


عاد (أدهم) للمنزل متأخرا قدر الإمكان وهو يأمل أن تكون الزيارة الموعودة قد انتهت حتى لا يلتقي بـ (دينا) أو والدتها وعندما ذهب ليوقف سيارته في مكانها المعتاد وجد سيارة أخرى متوقفة في موضعها فاستغرب كثيرا وظن أنهم مازالوا بالداخل، للأسف لا يعرف نوع سيارتهم وإلا لفر من المكان قد تكون سيارة والده الجديدة أو أخته لم يدر ماذا يفعل فقرر أن يأخذ جولة سريعة بالسيارة ثم يعود من باب الحرص، وعندما أغلق باب سيارته عليه مرة أخرى وهم بإدارة المحرك فتح باب الفيلا الرئيسي وخرجت منه (دينا) وأبويها مع والديه فشعر كأنه وقع في المصيدة ولا يمكنه الفكاك لمحته أمه فنادته بغضب مكتوم :
- أدهم ! اتأخرت كده ليه ؟ مش قلت لك إن دينا هتيجي النهاردة ؟
ترجل من السيارة على مضض ورسم ابتسامة مصطنعة باهتة على شفتيه وهو يقترب منهم وهز رأسه محييا وهو يجيب :
- معلش يا أمي غصب عني كان عندي شغل النهاردة كتير وللأسف ما قدرتش آجي زي ماوعدتك .
والتفت لـ (دينا) ووالديها مرحبا :
- إزيك ياعمو مصطفى، إزيك ياطنط؟ عاملة ايه يادينا وأخبار الكلية ايه ؟
رد عليه والد الفتاة :
- احنا الحمد لله كويسين يا أدهم إنت عامل ايه ؟ ينفع كده مش بنشوفك خالص ؟
أما (دينا) فمطت شفتيها في دلال ثم اقتربت منه للغاية حتى أنه تراجع خطوة للخلف وهي ترد بميوعة لم تعجبه :
- أنا كويسة يا أدهم بس زعلانة منك خالص، كل مرة نيجي مش بألاقيك وعلى طول شغل شغل ايه مش بتزهق ؟
تطلع إليها بملل وهو يرد في برود :
- معلش يادينا ظروف بقى .
ثم استدار محاولا الدخول للفيلا وهو يقول بسرعة :
- شرفتونا يا جماعة وآسف إني اتأخرت عليكم ، تتعوض مرة تانية إن شاء الله، بعد إذنكم عشان تعبان جدا من الشغل .
وانطلق مسرعا للداخل كأنما هناك أفعى تطارده، نظرت إليه والدته بغضب ولم تعلق في حين سلم والده على ضيوفهم وودعتهم (فريدة) حتى صعدوا إلى سيارتهم وانطلقوا بها ثم عادت للداخل كالإعصار تغلي غضبا، وجدت (أدهم) يخرج من المطبخ ويحمل كوبا من العصير يشرب منه في استمتاع فهتفت فيه حانقة :
- إيه اللي إنت عملته ده يا أدهم ؟ ينفع تحرجني وتحرج باباك بالشكل ده ؟ أنا عارفة كويس ومتأكده إن ماكانش عندك شغل مش بعيد تكون رحت تتمشى بالعربية في الشوارع لحد ماهما يمشوا ، ع الأقل لما جيت ولقيتهم كان المفروض تسلم عليهم بطريقة كويسة .
وضع (أدهم) كوب العصير على طاولة قريبة ثم جلس على مقعد يجاورها وهز كتفيه مخاطبا والدته :
- يا أمي ليه بتقولي كده ويعني من إمتى وأنا بأكدب ؟ أنا فعلا كنت في الشركة وجيت من هناك مباشرة على هنا وإنت عارفة كويس رأيي في دينا وأهلها أو بلاش أهلها نقول مامتها فما تجبرنيش أقابلهم عشان هابقى جلف زي ماشفتي كده .
عقدت والدته حاجبيها في غضب وكادت تصرخ في وجهه لولا أن تدخل والده محاولا تهدئة الموقف ومخاطبا ولده :
- أدهم يابني عيب تقول كده دول مهما كانوا ضيوفك ولازم تكون ذوق معاهم طيب ماهي سارة برده مش بتحب دينا وعلى الرغم من كده قابلتهم ورحبت بيهم واتعشت معانا ويادوب لسه طالعة من شوية تشوف مذاكرتها عشان عندها امتحان بكرة، إنت مش قادر تيجي على نفسك شوية عشان شوية اجتماعيات ؟ دول ناس معارفنا وبينا وبينهم بيزنس مهم وكبير وماعنديش استعداد أخسرهم وخصوصا عمك مصطفى لأنك بتدلع ومش بتطيق
دينا ، فاهمني يا أدهم ؟ بعد كده تتعامل معاهم بذوق وتكون موجود وترحب بيهم معانا مش تيجي في نص الزيارة أو بعد مايمشوا ، وده آخر كلام عندي .
كظم (أدهم) غيظه وهو يتطلع إلى والده لثوان في صمت ثم هز كتفيه في لامبالاة قائلا :
- هأحاول يا بابا مع إن إنت عارف إني مش باحب طريقة الاوامر دي بس عشان خاطرك .
فهتفت والدته في حنق :
- لا والله تصدق كريم واتنازلت واتعطفت علينا ....
فقاطعها والده مهدئا :
- خلاص يافريدة الموضوع خلص .
وأكمل مخاطبا (أدهم) :
- وانت اطلع شوف أختك واطمن عليها عندها امتحان بكرة و قلقانة منه ، وبكرة إن شاء الله مدام (جمانة) هتيجي الشركة ابقى شوف هتتفق معاها على ايه وبلغني، يلا تصبح على خير، يلا يافريدة نطلع ننام احنا كمان .
رمقته والدته بنظرة محنقة أخيرة ثم ذهبت خلف زوجها في حين مط هو شفتيه في ضيق وذهب ليطمئن على شقيقته الصغرى ، طرق باب غرفتها بهدوء وسمع صوتها تأذن للطارق بالدخول ففتح الباب برفق وأطل برأسه فقط وهو يقول بمرح :
- سارو، سمعت إنهم لغوا امتحان بكرة .
ضحكت شقيقته وهتفت :
- بجد حقيقي فعلا؟!
ألقت الكتاب الذي تحمله على مكتبها وقامت تتقافز في الغرفة كطفلة صغيرة وهي تصيح:
- هيه هيه هيه هيه .
دلف (أدهم) للغرفة وهو يضحك بشدة ثم قال :
- مجنونة هنقول ايه بس ؟ عاملة ايه يامجنونة في المذاكرة ؟
ابتسمت (سارة) بضيق :
- ماعرفتش أذاكر كويس ياسيدي وربنا يستر عليَ بكرة .
تساءل شقيقها بقلق :
- ليه كده في حاجة مش فاهماها ولا ايه ؟
ردت بغرور مصطنع وهي ترفع حاجبيها :
- لا طبعا من امتى بيبقى في حاجة مش بأفهمها لكن الست دينا ومامتها فضلوا ماسكين في لحد من شوية صغيرة لما كنت خلاص هاسيب لهم البيت كله مع انهم عارفين إن عندي امتحان بس تقول ايه بقى .
ومطت شفتيها في حنق فقال (أدهم) :
- معلش ياسارو هنعمل ايه بقى صاحبة مامتك وبيزنس باباكي قدرنا .
فضحكت بخبث وقالت :
- أيوة ياعم بس إنت نفدت بجلدك وأنا اللي ادبست، دي دينا كانت خلاص شوية وهتجنن إنك ماجيتش بس والله برافو عليك يمكن تحس على دمها بقى .
ضحك (أدهم) في غيظ وهو يقول :
- ياريت يابنتي تحس ، بس واضح إن مفيش دم والمصيبة إني مش عارف أتنفس في الموضوع عشان بابا والشغل اللي بينه وبين عمو مصطفى .
ردت شقيقته :
- معلش ربنا يعينك ويصبرك، بس قولي إنت معاك حق ماتبقاش طايق دينا الغلسة دي ، بس مفيش حاجة كده ولا كده طايقها ؟
وغمزت بعينها وهي تضحك فأمسك شقيقها بأذنها وشدها هاتفا :
- لا مفيش يالمضة وريحي نفسك وركزي في مذاكرتك أفيد لك .
ابتعدت وهي تبعد يده عن أذنها قائلة :
- آآآآه ، كده ؟ ماشي يا أدهم ، بس بجد اعترف فعلا مفيش حد ؟
نظر لها باستغراب وتساءل :
- هو لازم يبقى في حد في حياتي ؟ لما ألاقيها ياستي هأبقى أقولك .
نظرت له شقيقته الصغرى وهي تقول بجدية :
- أدهم انت عديت الـ 34 يعني اللي زيك المفروض ألاقي عفاريت صغننة كده بتنطط حواليه وتقولي ياعمتو بقى وكده ، بجد نفسي أعرف البنت اللي هتختارها دي هتكون عاملة إزاي ؟
ضحك باستخفاف وهو يقول :
- يابنتي ركزي في مذاكرتك واعتبري نفسك بنتي وقولي لنفسك ياعمتو ما أنا زي بابا برده .
أومأت برأسها في تهديد ثم غمغمت :
- ماشي ماشي وأنا أعملك إيه وانت زي بابا ما انت اللي عجوز وأنا لسه نونو صغنتوتة .
لكزها في كتفها برفق وهو يضحك قائلا :
- ماشي يابنتي روحي بقى ذاكري عشان يومك كده مش هيعدي .
ابتسمت وهي تومئ برأسها وفي هذه الأثناء في غرفة والديهما كانت (فريدة) تقول لزوجها بحدة :
- وايه حكاية جمانة دي كمان ؟ مش دي اللي شكري قالك شوف لها شغل ؟
عقد (جلال) حاجبيه وتنهد في ضيق وهو يجيبها :
- أيوة يافريدة هي وقلت لك مليون مرة ده شغلي وأعرف أديره إزاي وماتدخليش فيه .
ثم تركها ذاهبا للحمام الملحق بالغرفة، أغلق بابه خلفه في عنف أما هي فجلست تغلي وتتمتم :
- بقى كده يا جلال شغلك وماادخلش ! ماشي هنشوف .
بعد خروجه من الحمام بادرته قائلة :
- طيب ياجلال بما إنك ممكن تعين ناس معارفك في الشركة عاوزاك تشوف شغل لدينا هناك .
التفت لها مندهشا وردد :
- دينا ؟ بنت مصطفى ؟
ردت بغطرسة :
- أيوة ، هي خلاص في آخر سنة في الكلية وممكن تشتغل عادي .
فرد زوجها ومازالت الدهشة تعلو ملامحه :
- وليه أشغلها عندي ماهي عندها شركة باباها وهو قايلي إنه هيشغلها فيها لأن مسيرها تديرها في يوم من الأيام، وبعدين دي عندها 25 سنة ولسه في كلية تجارة وكل سنة باتنين وتلاتة أشغلها عندي ليه بقى ؟
فردت وبدأ صوتها يعلو :
- ياسلام ماانت مشغل واحدة أهو من غير إعلان لمجرد إن صاحبك طلب منك فلما أنا أطلب تعمللي الفيلم ده .
نظر لها بتهديد فحاولت أن تهدأ وتلتقط أنفاسها وهي تقول بهدوء ونعومة :
- ياجلال أنا عارفة إنها هتدير شركة باباها ومش محتاجة شغل وكلام فاضي من ده بس أنا عاوزة أقربها من أدهم ، إنت عارف كويس إن جوازهم هينفعك في شغلك وهيقوي العلاقة بينك وبين مصطفى ومش بعيد تدمجوا الشركتين مع بعض وخصوصا وإنت داخل على صفقة كبيرة زي ماعرفت ومحتاج مساندته ليك في السوق ،
فمابالك بقى لو كان حما ابنك أكيد هيقف معاك جامد أوي وغير كده بعد عمر طويل مصير الشركة وكل فلوس باباها تبقى ليها لأن زي ما انت عارف مالوش قرايب ومفيش غير دينا وناريمان يعني هتبقى لأدهم ولينا ، وإنت شايف ابنك منشف دماغه ازاي ومش عاوز يتجوز وعاملنا فيها مااعرفش ايه فلما تشتغل معاه هيقربوا من بعض ومش بعيد يحبها البنت جميلة ودلوعة وصغيرة وغنية عاوز إيه أكتر من كده ؟
أدار (جلال) كلام زوجته في رأسه لدقيقة كاملة ثم أجابها :
- بس إنت عارفة إن أدهم مش من النوع ده من الرجالة ومايفرقش معاه غنية ولا جميلة ماهي قدامه بقى لها كتير أهي وبتشوفي بيعاملها ازاي ده غير إني خليته يوافق على شغل قريبة شكري بصعوبة مع إن شهاداتها كويسة فما بالك بقى بدينا اللي احنا عارفين كويس إنها فاشلة ولا بتهتم بدراسة ولا شغل مستحيل هيوافق.
أشرق وجهها وهي تقول :
- سيبك إنت منه أنا هاعرف اخليه يشغلها المهم إنت تكون موافق ع الفكرة .
أومأ برأسه في استسلام و رد :
- موافق ياستي مصطفى بني آدم كويس أينعم دينا طايشة شويتين بس أدهم هيظبطها.

تراجعت في مقعدها وهي تبتسم في ارتياح ورضا .
********
في سيارة عائلة (مصطفى) أثناء عودتهم من منزل (جلال الحسيني) كانت (دينا) تقضم أظافرها وهي تقول في غيظ من المقعد الخلفي :
- شفتي أدهم مام ؟ شفتي عمل إيه وجاي متأخر ويدخل يجري على جوا مش هاين عليه حتى يسلم علينا بطريقة كويسة ، أوك يا أدهم انا هاوريلك إزاي تتعامل معايا .
ردت والدتها الجالسة في المقعد الأمامي بجوار زوجها :
- دودي احنا قلنا ايه ؟ من غير عصبية وبالهدوء كله يتحل ، أدهم دماغه ناشفة وعنيد ولازم تشوفي مداخله الصح وتدخلي منها ماتعكيش وتبقي هبلة وطايشة كده ، دونت ميس إت أب don't mess it up .
فقال والدها الطيب :
- ياجماعة إنتو زعلانين ليه ؟ الولد بيعاملها زي أخته وعارف إننا مش أغراب احنا أكتر من أهل، وإنت ياناني عارفة كويس إنه مش هيتجوز دينا لأنهم مش شبه بعض فماتفضليش تحطي في دماغ بنتك الأفكار دي .
ردت (ناريمان) بعنف :
- أفكار ايه يامصطفى ماتقوليش انك عاوز تطيره من ايدينا وتقولي أخته وأهل دي ، أدهم مش هيتجوز غير دينا لو اطربقت السما ع الارض فبلاش الطيبة الزيادة دي عشان هتشلني كده .
أدار وجهه لها لثانية وهو ينظر لها بدهشة في حين قالت دينا :
- في ايه يا داد ما أنت عارف كويس إني لازم أتجوز أدهم شركة باباه هتبقى بتاعته وبسهولة ممكن أطير سارة من الميراث وتبقى ليه لوحده وبعدين تبقى لي أنا ، ماتنكرش إن شركتهم أكبر من شركتنا وإننا مستفيدين من الشراكة والبيزنس اللي بينكم أكتر منهم ، إدميت إت admit it .
رد والدها وهو لا يستطيع ابتلاع كلماتها :
- ايه يادينا الكلام الغريب ده ؟ هو احنا محتاجين ؟ انت محسساني انك مش عارفة تاكلي او تلبسي او تجددي عربيتك كل كم شهر ، أنا ماشفتش بنت مدلعة زيك وبنلبي لها كل طلباتها بالشكل ده غيرك وجاية تقولي شركته
ولي ولوحدي ، وبعدين إيه أنت ناسية آدم ؟ بتقولي هتخليه ياخد ميراث سارة طب وآدم متوقعة ايه معاه هو كمان ؟
خبطت والدتها جبهتها كمن فاتها أمر هام وتذكرته فجأة وقالت :
- يااااه احنا ازاي نسينا آدم ده هيبقى زي الشوكة ....
ردت دينا مقاطعة أفكار أمها :
- ماتقلقيش يا مام أنت ناسية طنط فريدة ولا ايه ؟ تفتكري انها هتخلي آدم ياخد مليم من ميراث باباه وعموما برده سو إيزي so easy نشيله برا الموضوع بس أوصل لأدهم الأول .
نهرها والدها قائلا :
- ايه الكلام ده يادينا ماتتكلمي بأسلوب كويس وبلاش الطريقة السوقية دي .
ردت على والدها وهي تهادنه :
- سوري داد ، مش قصدي أنت شور sure فاهمني .
تطلع إليها بنظرة غاضبة في مرآة السيارة الداخلية ثم نظر أمامه وقاد السيارة في صمت وهو يشعر بغضب كبير تجاه زوجته وابنته، لا يعلم لما تتصرفان هكذا وأين أخطأ معهما بالضبط ؟.

********
أتى الصباح وكل منهم في باله ما يشغله (جمانة) القلقة والتي لم تنم جيدا بسبب موعدها مع رب عملها الجديد فقامت من فراشها مبكرا وتطلعت من خلف نافذتها للشمس وهي تشرق بضوئها الذهبي، شعرت بدفئها على
بشرتها فتثاءبت في كسل وذهبت لتغسل وجهها وتحضر الإفطار ربما لأول مرة منذ زمن طويل لطفلتها ووالدتها، دعت الله أن يوفق شقيقتها (لمياء) ويرزقها بذرية تقر عينها بها فلطالما كانت بجوارها تشد من أزرها وتساندها .
قامت بتحضير الإفطار وأيقظت والدتها وطفلتها ثم جلسن يتناولن الإفطار سويا، في منزل (جلال الحسيني) استيقظ (أدهم) مبكرا كعادته للذهاب للعمل لكنه فوجئ بوالده مستيقظا ويرتدي بذلته فلما رآه ابتسم وحياه قائلا :
- صباح الخير يا أدهم ، أنا جاي معاك ومش هأخد عربيتي يلا نفطر سوا ونمشي .
فرد (أدهم) :
- صباح الخير يا بابا، صاحي بدري يعني وجاي معايا على طول، ماعملتش كده بقى لك كتير خير ؟
ثم ابتسم في خبث فتطلع له والده وهو يهز رأسه :
- ريح نفسك يا أدهم وماتعملش أفلام أنا جاي عشان أشوف مدام جمانة وأتفق معاها ع الشغل ، بصراحة مش مطمن لك.
قال (أدهم) :
- أيووووة، أنا كنت عارف كده، وياترى ماما ملاحظة اهتمامك الزايد ده ولا مش واخدة بالها عشان ممكن أنبهها يعني .
وضحك في مرح فبادله والده الضحك ثم قال :
- لا ملاحظة ريح نفسك ويلا بقى نفطر عشان ننزل ومانتأخرش .
جلسا على مائدة الإفطار سويا يتمازحان كأنهما صديقان حميمان بعدها انطلقا للعمل معا في سيارة (أدهم) حتى وصلا للشركة، صعدا لمكتبه الذي هو في الأصل مكتب والده الذي أخبره :
- اقعد انت ع المكتب يا أدهم أنا هاخليني هنا قدامك .
رد (أدهم) بسرعة :
- ليه يا بابا ؟ لا تعالى اقعد إنت على مكتبك عشان تتفق معاها وأنا هاتابع الحوار من بعيد .
فقال والده بلهجة قاطعة :
- أدهم اسمع الكلام ، أنا أصلا مش اللي هاتفق معاها ده انت اللي هتعمله بس عاوزك حيادي لاتديها زيادة عن اللزوم ولا تبخسها حقها زيادة عن اللزوم اتفقنا ؟! واتفاهم معاها بذوق عشان انا عارفك .
غمغم (أدهم) في تبرم :
- طيب ما تتفق إنت معاها يا بابا مادام شايف إني رخم أوي كده .

نظر له والده في غيظ وكأنه يقول : اصمت ونفذ ما آمرك به ثم ذهب ليجلس على أريكة أمام المكتب في انتظارها .
********
قادت (جمانة) سيارتها الصغيرة حتى وصلت للعنوان الذي أملته لها شقيقتها، لم تتوقع أن تكون الشركة بهذا الحجم، زاد الخوف بداخلها وكادت أن تتراجع وتعود للمنزل فرارا من المكان لكن في هذه اللحظة رن هاتفها النقال فانتبهت ونظرت لشاشته، وجدت اسم شقيقتها ، التقطت نفسا عميقا ثم ردت عليها :
- السلام عليكم، صباح الخير يالولو
جاءها صوت شقيقتها المطمئن :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، صباح الورد ياجوجو، عاملة ايه ؟ إنت فين دلوقتي ؟
ردت (جمانة) :
- أنا قدام الشركة، ماقلتليش إنها شركة ضخمة أوي كده يا لميا ، أنا مرعوبة جدا .
فقالت (لمياء) :
- ياحبيبة قلبي ماتقلقيش، عمو شكري طمني وقال لي إن صاحبه جلال الحسيني هيقابلك بنفسه عشان تطمني مش ابنه بس يعني ماتقلقيش .
اتسعت عينا (جمانة) وهي تردد :
- بنفسه ؟ لاااا ده ابنه أرحم أنا كده اترعبت أكتر .
سمعت شقيقتها تضحك فاستطردت مغتاظة :
- بقى كده بتضحكي عليَ كمان ! ماشي يالولو لما أشوفك .
تماسكت شقيقتها بصعوبة وهي تطمئنها قائلة :
- يابنتي صدقيني هو أرحم من ابنه، ابنه ده كان زميل أحمد في الكلية وكان مشيبهم وعامل فيها زعيم وماحدش يقدر يكلمه ولا بنت حتى تبص له، بس أحمد بيقولي إنه محترم جدا مرعب شوية بس بيعامل كل اللي حواليه بذوق أما باباهم بقى فمن النوع الهادي التي تشوفيه تطمني له مباشرة يعني مش مرعب زي المهندس أدهم ده، فما تقلقيش خالص وخليكي واثقة من نفسك وإن ربنا هيكون معاكي بإذن الله، يلا أسيبك بقى عشان توصلي في ميعادك مش عاوزين مواعيد بايظة من أولها لازم تسيبي انطباع حلو وتكوني منضبطة .
تنهدت (جمانة) بعمق وودعت شقيقتها ثم غادرت سيارتها متجهة لمدخل الشركة، أبلغت مكتب الاستقبال بسبب وجودها فتم إبلاغ السيد (جلال) عن وصولها فأمر بصعودها مباشرة لمكتبه، دلها سكرتير الاستقبال لمكان المكتب فاتجهت في طريقها إليه ووصلت لمكتب السكرتارية حيث تجلس فتاة هناك، تنحنحت برفق لتجذب انتباهها، رفعت الفتاة عينيها إليها وتطلعت لها بنظرة سريعة متسائلة :
- أفندم ؟
ردت (جمانة) بصوت مرتبك :
- أنا جمانة أبو الفتوح المفروض عندي ميعاد مع الباشمهندس أدهم دلوقتي .
تطلعت إليها الفتاة بنظرة غريبة ثم مطت شفتيها على طريقة ليس هذا من شأني ثم رفعت سماعة الهاتف الداخلي وأبلغتهم بحضورها فسمحوا لها بالدخول، أشارت لها الفتاة تجاه باب المكتب ودفنت رأسها في الأوراق أمامها مرة أخرى وهي تقول :
- اتفضلي الباشمهندس وجلال بيه منتظرينك جوا .
هزت (جمانة) رأسها بلا داعي وهي تهمس :
- متشكرة جدا.
رفعت الفتاة عينيها إليها مرة أخرى بسرعة وهي تتابع خطواتها البطيئة الخجولة عندما توجهت للمكتب ثم طرقت الباب بخفوت وسمعت الصوت الحازم من الداخل يسمح لها بالدخول، أخذت نفسا عميقا وسمت الله في سرها وفتحت الباب بهدوء ودلفت للغرفة وجدت (أدهم) جالسا خلف مكتبه ووالده جالسا على أريكة في أحد أركان الغرفة ، تطلع إليها الاثنان بدهشة خاصة (أدهم) الذي لم يكن يتوقع أبدا أن تبدو هكذا، نعم كان يعلم عمرها لكنها تبدو في الواقع أصغر بملامحها الطفولية تلك ترتدي حجابا أنيقا محتشما وعباءة داكنة اللون ولا يوجد على وجهها ذرة واحد من مستحضرات التجميل، تساءل بداخله هل حقا لازال هناك فتيات بهذا الشكل ؟ كان يتوقع امرأة قوية لا ترتدي حجابا أو على الأقل ترتدي حجاب الفتيات الحديث هذا الذي لا يذكر اسمه وتغرق وجهها بكيلو من المكياج لكنها فجآته بهيئتها هذه ورقتها الملحوظة، لاحظ أن صمته طال وهو يتطلع إليها حينما تنحنح والده لينبهه وقام من مكانه ليرحب بها قائلا :
- مدام جمانة أهلا بيكي، اتفضلي استريحي .
لاحظ الرجل بفطنته أنها تكتف يديها بجوارها ويبدو عليها عدم الاستعداد لمصافحته ومن شكل ملابسها استنتج أنها لن تصافحه فلم يحاول مد يده لها، أما هي فطأطأت رأسها خجلا وهي تهمس :
- شكرا لحضرتك .
ثم جلست في المقعد أمام المكتب وجلس الوالد في المقعد المقابل، كان (أدهم) قد تجاوز دهشته فوجه حديثه إليها :
- أهلا بيكي مدام جمانة، الحقيقة هأكون صريح معاكي، التعيين هنا في الشركة عمره ماكان بالواسطة دايما لما نكون محتاجين حد يشتغل معانا بنعمل إعلان وبيتقدم للوظيفة كتير وبيفوز بيها الأفضل لكن .... السي في بتاعتك مشرفة جدا ينقصها بس عامل الخبرة واحنا مش هنعتمد عليه إنما هنعتمد عليكي إنت وفي نفس الوقت هتكتسبي هنا في شركتنا الخبرة اللي هتحتاجيها مستقبلا .
تطلعت إليه لثانية ثم خفضت عينيها وقالت بخفوت :
- إن شاء الله يافندم وشكرا لحضرتك .
تنهد وقال في حزم :
- طيب تمام نتفق بقى على مبادئ شغلك والمرتب وكده .
تم الاتفاق بينهم وتقرر أن تبدأ عملها مع بداية الأسبوع التالي أي بعد ثلاثة أيام، في نهاية المقابلة حياها السيد (جلال) و(أدهم) لازال يتطلع إليها باستغراب وكاد يقوم من مقعده ليصافحها أثناء مغادرتها المكتب لكن والده أشار إليه من طرف خفي أن يجلس كما هو، قال (جلال) :
- دلوقتي هأكلم سهام برا عشان تاخد ملفك لقسم المحاسبة والمسئول عنه الأستاذ محفوظ هيساعدك ويفهمك طريقة شغلنا إزاي ويوفر لك مكتبك في القسم ولو في أي مشاكل قابلتك تقدري تتناقشي فيها مع الأستاذ محفوظ وهو هيبلغنا بيها .
أومأت برأسها إيجابا وحيتهم شاكرة ثم خرجت من الغرفة في هدوء أما الوالد فاتجه للمكتب ورفع سماعة الهاتف الداخلي واتصل بسكرتيرته (سهام) ليبلغها المطلوب عمله ثم عاد وجلس على المقعد أمام المكتب وقال لابنه الصامت :
- هاي ياباشمهندس إنت رحت فين ؟
تطلع إليه (أدهم) لثوان كأنه لم يفهم ما قاله ثم انتبه فجأة فقال :
- ها !! ايه الست الغريبة دي ؟ أنا مش متعود ع المناظر دي الحقيقة .
تنهد والده بملل متسائلا :
- ايه مالها ياسيدي ؟ هو لازم الواحدة تبقى مالية وشها ألوان عشان تبقى عادية يعني ؟
رد (أدهم) بسرعة :
- لا مش قصدي الشكل بس يا بابا، حتى طريقتها في الكلام وهدوءها وكمية الخجل اللي كانت على وشها دي حتى مااتكلمتش في المرتب مع إني تعمدت أقول مرتب مش أوي وقبلت عادي جدا .
تطلع إليه والده في دهشة وخشي من تفكيره بهذه الطريقة فقاطعه بسرعة :
- ايه يا أدهم إنت هتقول شعر ؟ دي مجرد موظفة واشتغلت وخلاص .
رد (أدهم) وهو يهز رأسه :
- أيوة يا بابا ما أنا عارف أنا بس مستغرب .
صمت للحظة ثم استطرد متسائلا :
- صحيح يا بابا إنت ليه ماخلتنيش أسلم عليها ؟ اوعي تكون معجب وغيران .
وابتسم في خبث فقال والده وهو يهز رأسه بسبب استظراف ابنه ثم أجابه :
- لا يا فالح لأن واضح جدا من طريقة لبسها ووقوفها إنها مش بتسلم على رجالة فهمت ياعبقري!
اندهش (أدهم) للغاية وظهرت الدهشة واضحة على صوته وهو يتساءل :
- معقول ؟!
فقال والده محاولا إنهاء الموضوع :
- طيب نتكلم في الشغل بقى .
تساءل (أدهم) بسرعة :
- لحظة يا بابا قبل الشغل، كنت عاوز أسألك مفيش أخبار عن آدم ؟ وحشني فعلا وباحاول كتير أكلمه على رقمه اللي معايا مفيش رد .
تراجع (جلال) في مقعده وتنهد بحزن ثم قال :
- للأسف لا، أنا مش عارف أخوك بيعمل كده ليه وليه دايما بيبعد عننا لدرجة السفر والغربة بالشكل ده ولا حتى اتصال يعرفنا هو فين أو يطمنا عليه .
ظهرت نظرة حزن في عيني (أدهم) وتنهد مغمغما باستسلام :
- نفسي يرجع بقى وأشوفه ويعيش معانا تاني، بقى لي كتير ماكلمتوش وحتى مش عارف شكله زي ماهو ولا اتغير !
رد والده بنبرة حزينة :
- يلا ربنا يسامح اللي كان السبب.
نظر له ابنه بعتاب ولم يرد فهو يعلم أن أمه هي السبب في خروجه من منزل والده بعجرفتها وتعاملها المتعالي معه وفي النهاية اتهمته بسرقتها كأنه لص وليس ابن زوجها وأخو أولادها، وفي النهاية كادت أن تبلغ الشرطة لكن والده منعها وحذرها من مجرد التفكير في الأمر و(أدهم) نفسه لم يكن ليصدق شيئا كهذا عن أخيه الأكبر الذي طالما اعتبره مثلا أعلى يقتدي به، كان دوما يشجعه على الدراسة والتفوق ونصحه كثيرا بالعمل أثناء الدراسة ليكتسب الخبرات اللازمة حتى في أثناء دراسته فمن وجهة نظره لاشيء أفضل من الخبرة العملية، بعد اتهام والدة (أدهم) له
ترك المنزل بلا رجعة وحاول لقاءه بعدها كثيرا لكنه كان دوما يتهرب منه ثم بلغه بعدها نبأ سفره إلى كندا وهاهو غائب منذ ما يقرب عشر سنوات ولم يسمع عنه سوى مرة واحدة اتصل به فيها ليطمئن عليه وعلى شقيقته سارة ونتيجتها في الثانوية العامة .. أخرجه والده من شروده قائلا :
- أدهم يلا نشوف اللي ورانا وربنا يطمنا عليه قلبي حاسس إنه راجع قريب .
التفت إليه (أدهم) بعينيه الحزينتين وحاول أن ينسى ويتابع عمله .


*******************************




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:05 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:46 AM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25

الفصل الرابع
ـــــــــــــــــــــــــ ـــ

بعد خروج (جمانة) من الشركة اتجهت لسيارتها وجلست فيها أمام الشركة ثم أخرجت هاتفها لتتصل بشقيقتها لتطمئنها بعد ثوان من بدء الرنين سمعت صوت (لمياء) تقول في لهفة :
- جمانة !! طمنيني عليكي عملتي إيه وخرجتي من الشركة ولا لسه ؟
ضحكت (جمانة) وردت على شقيقتها :
- طيب قولي السلام عليكم الأول .
(لمياء) بلهفة :
- السلام عليكم ياستي، ماتبقيش رخمة بقى وطمنيني .
أخذت (جمانة) نفسا عميقا وقصت على شقيقتها كل ما حدث وأبلغتها أنها ستتسلم عملها بدءا من الأسبوع القادم، كانت (لمياء) سعيدة جدا وهي تحادث لــ (جمانة) :
- أنا فرحانة أوي ياجوجو، ربنا يسعدك ياحبيبة قلبي وإن شاء الله تنبسطي في شغلك، تعالي بقى النهاردة وهاتي ماما وملوكة حبيبة خالتو عشان نتغدى سوا .
ارتسمت ابتسامة سعيدة على شفتي (جمانة) وهي تجيبها :
- ربنا يخليكي ليا يا لولو وما يحرمنيش منك أبدا، مش هينفع النهاردة بقى خليها يوم تاني بإذن الله؛ عشان يمكن بالليل أروح لماما راضية أطمن عليها وتشوف ملك زي كل أسبوع لأني فوت الأسبوع اللي فات، وأقولها كمان على موضوع الشغل .
ردت شقيقتها :
- ماشي ياحبيبتي ابقي سلمي عليها كتير وقولي لها خلينا نشوفها .
(جمانة) :
- إن شاء الله يالولو ، يلا سلام بقى .
أنهت المكالمة وقادت سيارتها عائدة لمنزلها، أبلغت والدتها بنتيجة المقابلة وموعد تسلمها العمل ثم قامتا بتحضير الغذاء سويا، جلس ثلاثتهن يتناولن طعامهن و(جمانة) ربما لأول مرة منذ فترة طويلة تعتني بطفلتها (ملك) بهذا الشكل، كانت الوالدة في منتهى سعادتها لرؤيتها صغيرتها (جمانة) تتحرر من بوتقة الحزن التي حبست نفسها فيها لمدة طويلة، بعد الغذاء عرضت (جمانة) على والدتها أن تذهب معها لوالدة (حسام) لكنها أخبرتها بأنها متعبة قليلا وتريد أن تستريح مما أثار قلقها وقررت تأجيل الزيارة لكن والدتها طمأنتها أنها فقط مرهقة وتحتاج لبعض النوم ثم حملتها سلاما لوالدة زوجها.
استعدت (جمانة) للذهاب وجهزت صغيرتها (ملك) التي كانت تتقافز فرحا كونها أولا ستخرج مع والدتها وأيضا ستزور جدتها، مرت (جمانة) على أحد محلات الهدايا لتشتري هدية لوالدة (حسام) ثم أكملت طريقها حتى وصلت للمنزل، فتحت (راضية) الباب لتجد قرة العين (ملك) والحبيبة (جمانة) فابتسمت وأفسحت الطريقة وهي تنخفض لمستوى الصغيرة وتفتح ذراعيها لتندفع بينهما (ملك) وهي تقبلها وتحتضنها بشوق هاتفة :
- ملوكة حبيبة تيتة وحشتيني، ينفع كده كل ده ما أشوفكيش ؟
ثم بدون أن تقف وهي مازالت محتضنة الصغيرة تطلعت ل(جمانة) بنظرة معاتبة :
- كل ده ياجمانة أسبوعين ما تجيش ! هانت عليكي ماما راضية ؟
خفضت (جمانة) عينيها وهي تقول بأسف :
- معلش يا ماما راضية إنت عارفة ظروفي وعارفة احساسي عامل إزاي أنا تقريبا حتى ماكنتش بأشوف ملك إلا وقت الأكل .
بدأت الدموع تتجمع في عينيها وقالت آخر كلماتها بصوت مخنوق فوقفت (راضية) وضمتها لصدرها، ربتت على كتفها في حنان مرددة :
- خلاص ياجوجو بلاش بكا عشان ماافتحش قصادك أنتو جايين تقعدوا معايا شوية مش عاوزين نفضل نعيط بقى، تعالي يلا أنا عملت لك البسبوسة اللي بتحبيها .
دخلتا لغرفة الجلوس وجلستا تتحادثان قليلا و(ملك) بين ذراعي جدتها وقد بدأت في التململ فابتسمت الجدة وقبلتها ثم سألتها :
- ملوكة نفسها تلعب مش كده ؟
أومأت الصغيرة برأسها في سعادة فقالت الجدة :
- طيب تعالي شوفي بقى تيتة راضية جابت لك إيه !
دخلت إحدى الغرف وعادت تحمل في يديها علبة كبيرة، جلست بجوار الصغيرة على الأرض والتي بدا عليها السعادة وقالت :
- تعالي يا ملوكة شوفي اللعبة اللي تيتة جابتها لك مخصوص .
فقالت (جمانة) بابتسامة :
- دايما مدلعاها يا ماما .
التفتت إليها الجدة و ردت بابتسامة حانية :
- هو أنا عندي مين غيركم ياجمانة من ريحة حسام، ربنا مايحرمني منكم .
ثم قامت من جوار الصغيرة وأكملت مخاطبة (جمانة) :
- تعالي ياجوجو نروح المطبخ نعمل حاجة نشربها ونجيب الشيكولاتة لملوكة .
صحبتها (جمانة) ووقفتا سويا تتحادثان أثناء بينما تعدان الشاي وأثناء انشغال الجدة بالتحضير سألتها في خفوت :
- عاملة ايه ياماما ؟ مش ناوية بقى تسمعي الكلام وتيجي تعيشي معايا أنا و ملك ؟
ابتسمت الجدة ابتسامة صغيرة يتخللها الحزن وردت :
- أنا كويسة الحمد لله يا حبيبتي، سيبك مني إنت عارفة إني مش هاقدر اسيب بيتي أبدا ، المهم طمنيني عليكم.
قالت (جمانة) :
- احنا الحمد لله كويسين يا ماما .
ثم ترددت قليلا ولاحظت الجدة ترددها فحثتها على الحديث قائلة بابتسامة :
- مالك يا أم ملك عاوزة تقولي حاجة ؟
ابتسمت (جمانة) وأجابت في تردد :
- أيوة ياماما، أنا بإذن الله ناوية أشتغل.
صمتت الجدة للحظة ثم التفتت إليها متسائلة :
- ليه ياحبيبتي إنت محتاجة شغل ؟؟ في حاجة محتاجاها ؟
ردت (جمانة) :
- مش احتياج مادي يا ماما قد ماهو احتياج نفسي، محتاجة أنشغل بحاجة لأني فعلا قربت أنهار ....
وبدأت الدموع تلمع في عينيها وسقطت إحداها على وجنتها وهي تكمل :
- قربت أفكر إزاي أكون معاه في أقرب وقت عارفة ده معناه ايه ؟
تركت السيدة الحنون ما في يديها و اتجهت إليها بسرعة لتضمها إلى صدرها وتربت عليها برفق وحنو مقاطعة :
- جمانة إيه اللي بتقوليه ده! أستغفر الله العظيم .
وبدأت تبكي هي الأخرى وهي تستطرد :
- أنا عارفة ياحبيبتي ، عارفة قد ايه كنت بتحبيه وقد ايه انتظرتيه ، عارفة الصدمة اللي كلنا عشناها لما الحادثة حصلت وعارفة كويس اللي حصلك أيامها بس خلاص وقت البكا انتهى ، عمر اللي راح ماهيرجع وعندنا حتة منه ملك ربنا يحميها ويسعد قلوبنا بيها.
ثم أبعدتها عن حضنها وهي تمسح دموعها بكفها وتكمل :
- خلاص ياحبيبة قلبي شوفي لو الشغل هيريحك اشتغلي ماتحبسيش نفسك بس خلي بالك من نفسك ومن ملك .
ابتسمت (جمانة) بارتياح في حيت سكتت الجدة قليلا كأنها تفكر في أمر ولاحظت (جمانة) ذلك فتساءلت :
- مالك يا ماما سكتي ليه بتفكري في ايه ؟
ظهرت نظرة قلق في عينيها وهي تطلع لـ (جمانة) لحظات أخرى في صمت ثم همست بحزن :
- جمانة عاوزة أسألك سؤال وتردي علي بصراحة .
وصمتت لترى رد فعل أرملة ابنها فوجدت عينيها تشجعانها على الحديث فأكملت :
- إنت ممكن تتجوزي تاني ؟
صدمت (جمانة) من السؤال وتراجعت بعنف كأنما دفعتها يد خفية وهي تحدق في السيدة بذهول ثم هتفت :
- ماما ايه الكلام ده ؟ انت تعتقدي إني ممكن أتجوز حد بعد حسام الله يرحمه أو حد ممكن يدخل حياتي أو قلبي بعده .
تطلعت لها السيدة بصمت لثوان ثم قالت في خفوت :
- انت هتشتغلي وهتقابلي ناس وانت لسه صغيرة وجميلة يعني كتير يتمنوكي وأكيد هيبقى لك زمايل في شغلك ....
قاطعتها (جمانة) قائلة حسما للأمر :
- ماتفكريش في الموضوع ده أبدا ياماما لأنه مستحيل يحصل ، مستحيل أي راجل تاني يدخل حياتي بعد حسام مستحيل يكون لملك زوج أم الله أعلم ممكن يعمل فيها ايه ، مستحيل أفكر في حد تاني غير حسام مستحيل .
صمتت الجدة وهي مازالت تتطلع إليها ثم غمغمت في تردد :
- توعديني ؟
تساءلت (جمانة) كأنها تريد التأكد مما سمعته :
- ايه ؟
قالت السيدة في تردد أكبر :
- توعديني إنك ماتكونيش لحد غير حسام .
تطلعت إليها (جمانة) وكم رقت لحالها، هذه السيدة المسكينة التي فقدت وحيدها وهو مازال شابا ومرتعبة من فكرة فقد زوجته وطفلته هي الأخرى، كانت تعلم داخل نفسها أن شيئا من هذا لن يحدث أبدا لذا طمأنتها قائلة وهي تمسك يدها لتقبلها :
- أوعدك يا ماما.
وابتسمت فعادت الدموع تتجمع في عيني (راضية) مرة أخرى فسارعت (جمانة) تداعبها قائلة :
- ماما خلاص بقى يلا ولا عشان عارفة غلاوتك عندي، دلوقتي ملوكة هتيجي تجري ورانا عشان الهوت شوكليت بتاعتها زي ماانت معوداها .
ابتسمت الجدة وهي تكمل تحضير الشراب الساخن للصغيرة وقالت عندما بدأت (جمانة) في مساعدتها :
- ربنا مايحرمني منكم أبدا .
اتجهت إليها (جمانة) وقبلت رأسها وعادتا للصغيرة التي جلست تلعب بلعبتها الجديدة وهي سعيدة للغاية فجلست الجدة بجوارها تلعب معها وهي تضحك كطفلة هي الأخرى و (جمانة) تراقبهما بسعادة حتى شدتها الجدة لتعلب معهما، قضت (جمانة) وطفلتها وقتا جميلا مع جدة الصغيرة ثم عادتا لمنزلهما، نامت (ملك) بين ذراعي والدتها وهي تتحدث مع أمها كانت تبدو مختلفة وقلقة بعض الشيء مما جعل والدتها تسألها عما بها :
- مالك ياجمانة ياحبيبتي في حاجة ضايقتك عند راضية ولا هي زعلتك
(جمانة) :
- لا أبدا ليه بتسألي السؤال ده ياماما
(الأم) :
- شكلك متغير من ساعة ما رجعتي قلقانة وسرحانة وزي مايكون في حاجة شاغلة بالك، انتم اتكلمتوا في ايه هناك بالظبط؟
(جمانة) :
- عادي يا ماما الكلام المعتاد ولعبنا مع ملك وجدتها جابت لها لعب جديدة برده كالمعتاد .
قالتها وحاولت الابتسام حتى لا تقلق والدتها أكثر فتطلعت إليها والدتها بصمت، لم تكن ترغب في الضغط عليها لتخبرها بما حدث هناك وجعلها تبدو هكذا وفي نفس الوقت كانت تريد الاطمئنان على صغيرتها فزمت شفتيها وأظهرت القليل من استيائها قائلة :
- ماشي ياجمانة لما تحبي تحكي أنا موجودة مادام شايفة انك بقى لك أسرار مع مامة جوزك الله يرحمه .
ثم وقفت لتخرج من الغرفة فاستوقفتها (جمانة) وأمسكت بيدها وهي تهتف :
- ماما وبعدين معاكي انت زعلتي ولا ايه، ياحبيبة قلبي فعلا مفيش حاجة ، هي بس ماما راضية قلقت من شغلي وخايفة ياخدني منها ويشغلني عنها وكده .. بس .
تطلعت لها والدته بصمت وكأنها تحاول سبر أغوارها واكتشاف صحة ما تقول من عدمها ثم تنهدت باستسلام قائلة :
- غريبة انها تقلق من حاجة زي دي، ايه علاقة الشغل بيها وبإنك تنشغلي عنها ده له وقته وده له وقته .
فكرت (جمانة) لثوان هل تخبر والدتها بوعدها لوالدة (حسام) أم لا وهل فعلا ستتفهم أمها الوضع وسبب الوعد الذي قطعته على نفسها .. ترددت كثيرا ثم فجأة قالت بسرعة وكأنها تخاف من التراجع :
- ماما راضية خايفة لا أنشغل عنها بسبب الشغل لأني ممكن اتجوز في يوم من الأيام لكن أنا وعدتها إن مستحيل ده يحصل ومستحيل حد يدخل حياتي بعد حسام الله يرحمه .
تطلعت لها والدتها فيما يشبه الصدمة، كانت تتساءل داخلها كيف يمكن لـ (جمانة) أن تقطع على نفسها مثل هذا الوعد وحولت تساؤلها لصوت مسموع طرحته عليها بغضب :
- إنت بتقولي ايه ؟ إزاي تعملي حاجة زي دي ؟
تطلعت لها (جمانة) بدهشة وهي ترى مشاعر الغضب مرتسمة على وجه والدتها ثم قالت :
- أعمل إيه يا ماما ؟ ما إنت عارفة كويس إني مستحيل أفكر في حد غير حسام .
ردت والدتها وغضبها يتصاعد :
- إنت أكيد اتجننتي، جمانة انت اللي في سنك كتير لسه مااتجوزوش أصلا انت ماكملتيش 30 سنة لسه، جميلة وصغيرة ومتعلمة وهتشتغلي كمان يعني المستقبل والحياة لسه قدامك إزاي تفكري إنك تحرمي نفسك من حق من حقوقك بوعد زي ده ؟ مافكرتيش إنك فعلا ممكن تقابلي إنسان كويس يراعي ربنا فيكي وفي بنتك ويكون أمين عليكم ؟ بتحَرّمي على نفسك اللي ربنا حلله لك ؟ إنت أكيد ماكنتيش في وعيك، وإزاي راضية تعمل حاجة زي دي؟ يعني لو لا قدر الله كان هو اللي عايش وانت لا كانت هتطلب منه يتعبد في محرابك لحد مايموت ولو أنا اتجرأت وطلبت منه حاجة زي دي كان رد فعلها هيبقى ايه ؟ قولي لي كده ؟.
حاولت (جمانة) تهدئة والدتها وقالت بتصميم :
- ماما من فضلك حتى لو ماكانتش ماما راضية طلبت حاجة زي دي فالموضوع مفروغ منه بالنسبة لي ومنتهي وصدقيني لو كان حسام هو اللي عايش كان هيبقى الموضوع منتهي بالنسبة له برده، المسألة مش مسألة انت أو هي مسألة أنا وإنسان حبينا بعض وعمر الموت ماهيكون سبب في فراقنا أنا وعدته إني هاكون ليه لحد آخر نفس وماعنديش استعداد أخلف وعدي له ولا لماما راضية.
كادت والدتها تصرخ في وجهها مجددا لولا أنها استوقفتها قبل أن تتكلم :
- لو سمحتي يا ماما الموضوع منتهي بالنسبة لي ولو هتضغطي علي بالشكل ده وكله بسبب الشغل يبقى بلاش منه وخليني في بيتي أحسن بدل المشاكل .
تطلعت إليها والدتها في صمت وعينيها يملؤهما الحزن والغضب في مزيج عجيب، كانت تريد أن تخرج ابنتها من شرنقتها التي فرضتها على نفسها، لن تقضي عمرها كله في الحزن على ما فات وفي نفس الوقت كانت غاضبة جدا بسبب ذلك الوعد، قررت أن تنهي الحديث في الموضوع الآن حتى تبدأ ابنتها في عملها وسيكون لها معها حديث آخر، وتوعدت (راضية) بحديث لن يرضيها أبدا لذلك قالت لابنتها في هدوء أقلقها :
- ماشي ياجمانة اعملي اللي انت عاوزاه .
والتفت لتخرج من الغرفة فلاحقتها (جمانة) بسرعة :
- ماما، الموضوع ده مايطلعش لحد ولا حتى لميا وطبعا مش هأوصيكي ان ماما راضية ماتعرفش هي مش ناقصة كفاية ابنها الوحيد اللي ضاع منها.
توقفت والدتها للحظات ولم تلتفت إليها وبدت كأنها تحاول هضم ما قالته ابنتها ثم ردت في النهاية :
- اللي انت عاوزاه .
واندفعت تغادر الغرفة في غضب، تراجعت (جمانة) في مقعدها وهي تتنهد بحزن ثم همست وهي تمسك سلسلة ذهبية تبدو كقلب صغير وتحتضنها بيدها :
- وحشتني ياحسام .. أوي.
ثم انحدرت من عينها دمعة ساخنة سالت على وجنتها لتحرق قلبها معها .

********
في اليوم التالي قررت (جمانة) أن تتصل بصديقتها الوحيدة (نورا) وتتفق معها أن تتقابلا وبالفعل هاتفتها وعندما سمعت صوتها ترد قالت بتردد وخجل :
- نوني أنا جمانة .
لم تصدق (نورا) أذنيها فصرخت في الهاتف :
- مش ممكن جمانة! حرام عليكي يابنتي كفارة ينفع كده كل المدة دي مااسمعش صوتك ولا أشوفك ؟
ابتسمت (جمانة) في ارتياح بعدما كانت خائفة من رد فعل صديقتها، أجابتها :
- معلش يانوني إنت عارفة الظروف وبعدين يعني أنا مااتصلش تقومي انت كمان تطنشي .
فضحكت صديقتها ضحكتها الصافية التي تسعد بها (جمانة) و ردت :
- لا يا شيخة الكلام ده لي أنا ؟ ماتفتحيش الورق القديم عشان هأقولك كلام وحش قال انا اللي مش با أسأل قال .
قالت (جمانة) وهي مازالت محتفظة بابتسامتها :
- خلاص خلاص خلي الورق القديم في الدرج، المهم إنت وحشاني جدا ونفسي أشوفك .
فرحت (نورا) للغاية وهتفت في سعادة واضحة :
- بجد ياجوجو هتخرجي ؟
(جمانة) :
- أيوة ياستي هاأتكرم عليكي وأخرج معاكي، ايه رأيك نتقابل في النادي وتجيبي ياسين معاكي وأهو يلعب مع ملك شوية دي مش بتشوف أطفال خالص .
(نورا) :
- بس كده ياسين وأم ياسين وعيلته كلها كمان المهم طمنيني عليكي عاملة ايه وازي ملوكة ولميا ومامتك ؟
(جمانة) :
- الحمد لله كلنا تمام وانتو الأخبار عندكو ايه وإزي شريف عامل ايه معاكي ؟
(نورا) ضاحكة :
- شريف ده حبيبي حبيبي سيبك إنت خلينا فينا أحسن، هنتقابل بكرة، تمام ياقمري .
بادلتها (جمانة) ضحكتها قائلة :
- تمام يانوني يلا سلام .
في اليوم التالي تقابلت الصديقتين وجلستا تتحادثان كما اعتادتا، جلست (ملك) مع (ياسين) الذي يكبرها بعام واحد يلعبان سويا، قصت عليها (جمانة) آخر أخبارها وخبر عملها الجديد وفرحت لها (نورا) للغاية، انتهى اليوم سريعا وعادت (جمانة) و (ملك) للمنزل، أعدت (جمانة) نفسها لبدء العمل في اليوم التالي، حضرت ما سترتديه وصلت ركعتي القيام ودعت الله أن يوفقها في عملها ثم قرأت وردها اليومي من القرآن ودخلت الفراش بجوار صغيرتها، طبعت على جبهتها قبلة دافئة ثم راحت في نوم عميق .

********
استيقظت (جمانة) على رنين منبه هاتفها في اليوم التالي فأطفأته سريعا خشية أن يوقظ صغيرتها ثم تثاءبت في كسل وقامت من الفراش، توضأت وصلت ركعتي الضحى ثم ارتدت ملابسها وخرجت من الغرفة لتعد لنفسها فنجانا من القهوة فوجدت والدتها واقفة في المطبخ تحضر لها الإفطار فقالت بدهشة :
- ماما! إيه اللي مصحيكي بدري كده .
ردت عليها والدتها بجفاف :
- طيب قولي صباح الخير الأول، وبعدين هأكون صاحية ليه، عشان أعملك فطار قبل ماتنزلي عارفة إنك مش هتعملي لنفسك .
احتضنت (جمانة) والدتها من الخلف وطبعت على كتفها قبلة وقالت في مرح :
- صباح الخير ياقمر، إنت لسه زعلانة ياماما ؟ ينفع كده أول يوم أروح فيه الشغل أنزل وانت زعلانة مني .
(الأم) :
- خلاص ياجمانة مش زعلانة ومش وقت كلام في الموضوع ده، يلا خدي ساندويتشاتك وعصيرك وروحي افطري.
(جمانة) :
- لا مش هأفطر إلا وست الكل معايا وتأكلني بإيدها كمان، استني هأعمل لنفسي فنجان قهوة ونفطر سوا .
(الأم) :
- براحتك عصير ولا قهوة ماهو إنت كل تصرفاتك من دماغك .
حزنت (جمانة) بسبب رد فعل والدتها عندما علمت بوعدها لوالدة زوجها الراحل، ليت أمها تعلم أنها تعنيه بالفعل، لكنها حاولت استرضاء والدتها فقالت :
- ماما عشان خاطري سيبك من الموضوع ده بقى دلوقتي وتعالي افطري معايا وهاشرب العصير ياستي عشان من ايديكي الحلوة، يرضيكي اروح شغلي وانت زعلانة افرضي بقى حصل لي حاجة أموت وانت زعلانة مني .
نظرت لها والدتها بغضب و صاحت في حنق :
- جمانة بلاش الدلع اللي من النوع ده وماتحاوليش بقى يلا افطري وروحي شغلك ولما ترجعي لينا كلام تاني .
ثم تركتها وعادت لغرفة (جمانة) لتنام بجوار الصغيرة، تنهدت هي في حزن، تعلم أن غضب أمها لن يطول لكنها تحتاج لبعض الوقت لتبتلع الأمر ويمر وتنساه، كانت تود أن تتفهم أمها موقفها لا أن تغضب منها وتخاصمها، أن تشعر بما يعتمل داخلها ومشاعرها المرهقة وقلبها الموجوع على حبيب ذهب ولن يعود، تنهدت مرة أخرى ثم قضمت قضمتين من الشطيرة وشربت القليل من العصير وانطلقت ذاهبة لعملها وهي تدعو الله بالتوفيق.
وصلت للشركة وسألت عن الأستاذ (محفوظ) رئيس قسم الحسابات فدلوها إلى مكتبه، اتجهت إليه وعرفته بنفسها فابتسم مرحبا وقال :
- أهلا يا بنتي، جلال بيه موصيني عليكي، تعالي هأوريكي مكتبك وأفهمك المطلوب منك بالظبط .
أخذها واتجه به إلى مكتب يضم أثنين آخرين شاب وفتاة، أشار لمكتب ثالث فارغ قائلا :
- ده مكتبك إن شاء الله وزمايلك في المكتب المحاسب الأستاذ عصام ومدام هالة .
ثم خاطب الآخرين وقال :
- مدام جمانة زميلتكم الجديدة في المكتب، مش هأوصيك يا عصام تعرفها مبادئ الشغل وتساعدها لحد ماتفهم طبيعته وطبعا مدام هالة تساعديها في شغلها برده اتفقنا .
ابتسمت الفتاة وقامت لترحب بها :
- أنا هالة زميلتك هنا نورتينا إن شاء الله تلاقي الشغل سهل وتنبسطي معانا .
صافحتها (جمانة) بخجل وقام (عصام) مادا يده ليصافحها قائلا :
- أهلا بيكي مدام جمانة .
طأطأت رأسها خجلا وهي تمسك إحدى يديها بالأخرى وتغمغم في نبرة اعتذار :
- ربنا يخليك يا أستاذ عصام، آسفة أصلي مش بأسلم .
شعر (عصام) بالحرج وهو يتطلع لها في دهشة ثم قال في خفوت :
- لا ولا يهمك أهلا بيكي ولو احتجتي أي حاجة اسألي فورا وإحنا أكيد معاكي أول ماتستلمي الشغل بإذن الله .
ثم عاد خلف مكتبه وهو يختلس إليها النظرات بين حين وآخر ولازال يشعر بالدهشة في حين جلست معها (هالة) أمام مكتبها تتحدث إليها وتشرح لها مبادئ عملها في المكتب.
مر اليوم بسلام واندهشت (جمانة) كثيرا مما رأته وخبرته في يوم واحد في عملها، لم تكن قد تسلمت عملا فعليا لكن تابعت (هالة) و (عصام) في عملهما وهما يشرحان لها في بعض الأحيان ما يقومان به .
عادت للمنزل وهي تدعو الله أن تكون والدتها قد نسيت الأمر، قابلتها والدتها بابتسامة وسألتها عن عملها، تنهدت (جمانة) بارتياح عندما رأت ابتسامة والدتها وجلست تحكي لها عن يومها الأول وهي تداعب طفلتها، علمت أن أمها تناست الأمر ولم تنسه فقط لتسعدها وحمدت الله على قلب والدتها الحنون .



***********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:10 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:50 AM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

مرت الأيام و(جمانة) تتعلم وتلتزم وتعمل، بدأت تتقن عملها، وشجعها زملاؤها كثيرا حتى أصبحت تفهمه جيدا، نشأت بينها وبين (هالة) صداقة جميلة لكنها كانت دوما تعامل (عصام) بنوع من الجفاء ازداد عندما شعرت بحاستها كأنثى أنه يعاملها بشكل مختلف عن (هالة) ويتقرب منها محاولا التعبير عن إعجابه بها بعدما علم أنها أرملة، لم تكرهه لأنه لم يكن سيئ الخلق أو لزجا أو لحوحا لكنها فقط تحاشت التعامل معه إلا في أضيق الحدود وكم كان هذا يحزنه، كان يراها هشة وضعيفة كأنها تحتاج دوما لمن يظللها بحمايته ويمدها بالأمان ولكن كلما حاول الاقتراب ليمارس هذا الدور وجد أنثى شرسة عنيدة منغلقة على نفسها تصده بحزم قاطع، لم يدري كيف اجتمعت تلك الرقة مع ذلك العنفوان وهذا الكم من الحزن والضعف مع الصمود البادي عليها في نفس الشخص لكنها حققت تلك المعادلة عن جدارة، ربما لم تكن فاتنة ككثيرات يعملن في الشركة لكنها كانت رقيقة للغاية ورقتها أكسبتها جمالا غير عادي بالفعل، كان الحزن المحفور في عينيها وموشومة به ملامحها يكسبها فوق جمالها جمالا آخر، جلس يتطلع إليها في ذلك اليوم بصمت وهي منكبة على مكتبها وأمامها ملف ضخم يخص حسابات تقوم بها لأحد فروع الشركة ، كان يشعر أنها مرهقة حائرة بعض الشيء خاصة وأنها لازالت مبتدئة ولا يدري لما كلفها مدير الشركة بحسابات ضخمة كهذه وكأنما يختبرها أو يتصيد لها خطأً ما فهي في كل الأحوال جديدة وكما علم منها بدون خبرة، شعر بالشفقة تجاهها فقام من خلف مكتبه واتجه إليها ثم سألها برفق وهدوء :
- مدام جمانة لو محتاجة مساعدة في الملف أنا أقدر أساعدك أنا عارف إن الفرع ده مشاكله كتير دايما وحساباتهم مش مظبوطة .
رفعت عينيها إليه وبدا فيهما الإرهاق واضحا لكن كان ردها حازما قاطعا جافا :
- شكرا يا أستاذ عصام، المدير كلفني بالحسابات دي ولازم أثبت جدارتي فيها من غير مساعدة .
حاول الحديث مرة أخرى ليقنعها بالمساعدة لكنها عادت تنظر إلى الأوراق أمامها معلنة انتهاء الحوار فالتفت عائدا إلى مكتبه في استسلام عندما التقت عيناه بعيني (هالة) التي ابتسمت في خبث، فأشاح بوجهه بعيدا عنها وعاد ليجلس خلف مكتبه في صمت لثوان أخرى وانشغل ببعض الأوراق أمامه عندما ارتفع رنين هاتف (جمانة) النقال فتطلعت إليه لترى اسم المتصل ثم عقدت حاجبيها في قلق وهي ترد :
- السلام عليكم، خير يا ماما إنت كويسة ؟
أتاها صوت والدتها باكيا عبر الأثير، فانتفضت (جمانة) في جزع وهي تصرخ :
- ماما إنت بتقولي ايه انتو فين ؟
تطلع إليها كل من (هالة) و (عصام) في قلق وإلى دموعها التي بدأت تنهمر على وجنتيها، وعندما بدأت تلملم أشيائها وتبحث عن حقيبتها وهي لا تكاد ترى أمامها سألتها (هالة) في قلق :
- مالك ياجمانة ؟ خير ايه اللي حصل ؟
ردت عليها (جمانة) بصوت باكي مختنق :
- ملك خبطتها عربية ودلوقتي في المستشفى، لازم أمشي حالا.
ظهر الجزع على وجهي (عصام) و(هالة) التي قامت من مكانها هاتفة في قلق بلغ مداه :
- ياخبر طيب هي عاملة ايه دلوقتي وإزاي ده حصل ؟
حملت (جمانة) حقيبتها وهي تندفع خارج المكان هاتفة :
- مش عارفة، مش عارفة .
تطلع (عصام) لــ (هالة) لحظات في صمت ثم غمغمت (هالة) :
- ياحبيبة قلبي، ربنا يكون في عونها وتكون البنت بخير.
واصل (عصام) صمته للحظات أخرى ثم قال بتردد وكأنه يسألها رأيها :
- المفروض حد يكون معاها في وقت زي ده ، أروح أوصلها وأطمن على البنت.
قالت (هالة) بتلقائية :
- أيوة يا عصام بالله عليك وكلمني طمني .
في هذه الأثناء كانت (جمانة) تنتظر المصعد وعندما وصل وفتح بابه اندفعت داخله دون أن تنتبه للشخص الخارج منه فاصطدمت به، رفعت عينيها لتلتقيا بعيني (أدهم) مدير الشركة الصارمتين، نظر لعينيها وأثر الدموع مازال بهما ثم قال في حزم :
- على فين حضرتك ؟ إحنا لسه في أول اليوم ما أظنش ميعاد الانصراف دلوقتي ؟ وفين الملف اللي سلمته لك عشان تخلصيه ؟
ردت عليه بتوتر وهي تحاول أن تتفادى الحديث لتسرع لابنتها :
- آسفة يافندم مضطرة أمشي دلوقتي ومن فضلك سلم الملف لأي محاسب تاني حاليا، بعد إذنك .
قال في غضب :
- انت كمان هتقولي لي أدي الشغل لمين ؟ ده انت حتى ماردتيش على سؤالي إنت سايبة شغلك ورايحة فين ؟ دي شركة مش تكية ومش معنى إنك اشتغلتي هنا بواسطة إنك تتصرفي على مزاجك من غير انضباط أو مراعاة لقواعد المكان اللي بتشتغلي فيه .
تطلعت إليها مصدومة من كلماته الجافة والتي لا داعي لها لكنها ردت في خشونة وحزم :
- خلاص حضرتك أنا آسفة إني اعتبرت شركتك تكية وماراعيتش قوانين المكان واستقالتي هتكون على مكتب حضرتك بكرة بإذن الله، بعد إذنك .
تحركت لتذهب للمصعد واندفعت داخله وهو يتطلع إليها مندهشا مما قالت ثم عقد حاجبيه في غضب عندما سمع صوت (عصام) ينادي باسمها قبل أن تغلق باب المصعد :
- مدام جمانة من فضلك استني .
التفت إليه والغضب يتجلى واضحا على ملامحه وعندما رآه (عصام) توقف أمامه لحظة وقال :
- باشمهندس أدهم إزي حضرتك ؟
لم يهتم (أدهم) بإجابة سؤاله وهو يهتف فيه غاضبا :
- في إيه يا أستاذ عصام هي الشركة بقت كافيه الناس تدخل وتخرج وقت ماتحب ولا إيه ؟
تطلع إليه (عصام) بارتباك وفوجئ بغضبه ثم أجاب :
- لا يافندم طبعا بس مدام جمانة بنتها حصلها حادثة وكنت هاعرض عليها أوصلها المستشفى وأكون معاها عشان بس نطمن ع البنت ومدام جمانة ماتسوقش وهي في الحالة دي .
انعقد حاجبي (أدهم) في ارتباك ثم تساءل في تردد :
- حادثة ؟
ثم رفع عينيه لـ (عصام) قائلا بلهجة قاطعة :
- طيب يا أستاذ عصام اتفضل انت على مكتبك دلوقتي .
قالها والتفت يضغط زر المصعد مرة أخرى عندما قال (عصام) في ارتباك :
- بس يافندم كنت ....
قاطعه (أدهم) في صرامة :
- قلت اتفضل يا أستاذ عصام على شغلك .
ولم يعطه فرصة للرد، دخل إلى المصعد ليهبط إلى جراج الشركة في حين خفض (عصام) عينيه في غضب مكتوم وعاد للمكتب، عندما رأته (هالة) تساءلت باستغراب :
- خير ياعصام مارحتش معاها ليه ؟
تطلع إليها في صمت، بدا الحنق على وجهه وهو يقول في غيظ :
- قابلت الباشمهندس أدهم ورفض إني أروح أوصلها ؟
(هالة) :
- رفض! ليه طيب كنا نطمن عليها ؟
(عصام) :
- مش عارف، حاجة تغيظ .
وفي الجراج توقفت (جمانة) أمام سيارتها مسرعة وظلت تبحث بارتباك عن المفاتيح في حقيبتها حتى وجدتها، دلفت إليها بسرعة وحاولت إدارة المحرك لكن السيارة الصغيرة لم تستجب، حاولت عدة مرات ونفس النتيجة فصرخت غيظا ثم خرجت منها وهي تكاد تركلها، اتجهت لمخرج الجراج لتبحث عن سيارة أجرة لتوصلها وقبل أن تصل للباب توقفت بجوارها سيارة فارهة وفتح زجاجها الداكن المجاور للسائق، سمعت صوت (أدهم) الآمر يقول في حزم :
- اركبي .
تراجعت وهي تنظر إليه بغضب ثم ردت وهي تحاول الخروج مرة أخرى :
- لا متشكرة، أنا هآخد تاكسي .
أخافتها نظرة عينيه عندما ردد في صرامة أكبر :
- قلت اركبي .
ثم لان صوته قليلا وهو يكمل في حزم :
- دلوقتي صعب تلاقي تاكسي خصوصا في المنطقة هنا، اتفضلي هأوصلك .
كانت (جمانة) تحترق، ترغب في اللحاق بصغيرتها وفي نفس الوقت لا تطيق الرجل لذلك قالت محاولة إنهاء الحوار :
- متشكرة يافندم أنا هاتصرف .
وبالفعل تقدمت عدة خطوات عندما لحق بها بالسيارة، فتح الباب الخلفي وقال برفق :
- اتفضلي يامدام جمانة، اعتبري نفسك في تاكسي، ويلا عشان نطمن على بنتك .
ترددت مرة أخرى ثم حسمت ترددها ودلفت بالفعل للمقعد الخلفي، تطلع إليها بصمت في مرآة السيارة الداخلية وكأنما فوجئ أنها فعلا جلست في الخلف لكنه تجاهل الأمر وبدأ في قيادة السيارة وهو يسألها :
- أي مستشفى ؟
أخبرته باسم المشفى والعنوان ولم تتبادل معه كلمة أخرى حتى وصلا للمكان وما إن توقفت السيارة أمام المستشفى حتى فتحت الباب بسرعة وهمت بالخروج فاستوقفها هاتفا وهو ينظر إليها في مرآة السيارة الداخلية :
- مدام جمانة لحظة من فضلك، بنتك اسمها ايه ؟
تراجعت للخلف وهي تتطلع إلى ظهره باستغراب ولاتزال ممسكة بمقبض الباب وتساءلت :
- حضرتك بتسأل ليه ؟
التفت إليها نصف التفاتة ورفع حاجبه في استخفاف قائلا :
- هيكون ليه ؟ هأركن العربية وآجي اطمن عليها عشان ع الأقل لما أرجع الشركة أطمن الأستاذ عصام لأنه كان واضح إنه قلقان جدا .
تطلعت إليه لحظة في صمت وحنق من تلميحه السخيف ثم أجابت باقتضاب :
- ملك حسام زيدان .
ثم خرجت من السيارة وأغلقت بابها خلفها بشيء من العنف، اتجهت بسرعة للمشفى في حين زفر هو بغيظ وحاول البحث عن مكان مناسب لسيارته، دخلت (جمانة) استقبال المشفى واتجهت للمكتب هناك، سألت الواقف بلهفة :
- من فضلك في بنت صغيرة جت من شوية اسمها ملك حسام زيدان في حادثة عربية ؟
راجع الرجل الأوراق أمامه ثم أجاب :
- أيوة فعلا حضرتك تقربي لها .
أسرعت تقول :
- أيوة أنا مامتها هي فين من فضلك .
أخبرها الرجل برقم الغرفة فاتجهت في خطوات أقرب للعدو للمكان المحدد، وجدت باب الغرفة مواربا ففتحته قليلا وأطلت برأسها في تردد خوفا مما توقعت أن تراه، وجدت صغيرتها راقدة في فراش المشفى الأبيض مغمضة العينين فانتفض قلبها وترقرقت دمعة في عينيها ثم دلفت للغرفة واتجهت للفراش، لم ترى والدتها التي تجلس على أريكة في ركن الغرفة والتي ما إن رأتها حتى هتفت :
- جمانة .
التفتت لها فوجدت آثار الدموع على وجهها وشعورا بالانكسار يغلفها فاتجهت إليها وألقت نفسها بين ذراعيها وهي تتساءل بصوت مهزوز :
- ماما ايه اللي حصل وملك عاملة ايه طمنيني عليها ؟
أخذت والدتها بيديها وأجلستها بجوارها على الأريكة وهي تضمها إليها وتحكي لها ماحدث :
- أنا السبب سبتها من إيدي وانا مش واخدة بالي وهي جريت مني .
ثم بدأت في البكاء وهي تكمل :
- ماتزعليش مني ياجمانة ماكانش قصدي .
وصمتت وهي تنهنه، لم تفهم (جمانة) ما حدث بالضبط لكنها ربتت على كتف والدتها وقبلت رأسها قائلة :
- معلش ياماما خلاص ماتعيطيش المهم إنها كويسة، طمنيني الدكتور قال ايه ؟
ردت الأم :
- الحمد لله يابنتي ، الدكتور قال شوية كدمات ورضوض بسيطة مفيش كسور ولا حاجة كبيرة ربنا ستر .
(جمانة) :
- واللي عمل الحادثة ياماما لحقتوه ولا هرب ؟
(الأم) :
- هو اللي جابنا المستشفى هنا يابنتي، راجل ذوق والله .
(جمانة) باستنكار :
- ذوق ؟ يعني يخبط البنت بالعربية ومش عاوزاه يعمل كده أنا هاوديه في داهية أصلا بس أطمن على بنتي .
قالت الأم بسرعة :
- يابنتي ماتظلميهوش، أنا غلطت وملك كمان غلطت وجرت قدام عربيته فجأة، حد غيره كان زمان بنتك لا قدر الله لكن حاول يفاديها وكانت عربيته هو هتعمل حادثة وتتقلب بيه ودخل في عربية الأستاذ حسين جارنا وربنا يستر عليه منه .
تطلعت إليها (جمانة) في صمت وقررت أن تفهم الأمر لاحقا بعد أن تطمئن على طفلتها، اتجهت لفراشها وانحنت تتطلع إليها، أوجع قلبها جرحا طويلا في جبهة الصغيرة وكدمات تظهر على وجهها بوضوح، انحنت وقبلت جبهتها برفق عندما دخل الطبيب للحجرة ومعه شخص آخر التفتت إليهما فقالت والدتها :
- ده دكتور إيهاب اللي استقبلنا وعمل اللازم ربنا يجازيه خير، وده اللي ...
وصمتت في حرج فأكمل هو في أسف وهو يطأطئ رأسه :
- أنا اللي عملت الحادثة .
تطلعت إليه (جمانة) في غضب قاتل وودت لو تقفز وتتعلق بعنقه ولا تتركها إلا بعد أن يلفظ آخر أنفاسه، في هذه الأثناء فحص الطبيب الصغيرة ووصل (أدهم) للمكان ووجد به أناس كثر فتطلع إليهم بصمت، انتظر حتى سمع الطبيب يقول مطمئنا :
- الحمد لله، هي كويسة بس احنا اديناها مسكنات ومنوم عشان الألم ، مهما كانت طفلة حتى لو مجرد رضوض هتتعبها ، هامر عليها تاني بالليل بإذن الله.
ثم غادر الحجرة تصحبه دعوات الأم وشكرها، تطلعت (جمانة) للشخص الذي صدم طفلتها بسيارته ولم تشعر بوصول (أدهم) الذي تطلعت إليه والدتها في تساؤل، طال الصمت حتى قطعته (جمانة) موجهة حديثها لذلك الشخص محاولة أن تكسب صوتها بعض الهدوء لكن خرج على الرغم منها غاضبا معنفا :
- وحضرتك بقى وإنت ماشي ماكنتش بتبص قدامك ؟ أكيد كنت ماشي بسرعة لدرجة إنك عشان تهدي أو تقف كنت هتقلب عربيتك، إنتوا فاكرين نفسكوا إيه، إنت عارف لو كان بنتي حصلها حاجة ماكانش هيكفيني إعدامك إنت وكل اللي زيك، لأ كان هيبقى لازم أنفذ الحكم بإيدي .
بدا وجهها صارما وللحظة بدت مخيفة عنيفة تكاد تنقض عليه بالفعل لتمزقه كلبؤة اقترب أحدهم من صغارها لتتركه أشلاء لا يمكن التعرف عليها، تطلع إليها (أدهم) في دهشة، وفكر تلك المرأة مختلفة تماما عن التي تعمل معه، لا هدوء هنالك أو سكون أو خجل وإنما عاصفة هوجاء مقتحمة، قطع سيل أفكاره صوت والدتها وهي تحاول تهدئتها قائلة :
- يابنتي بلاش الكلام ده، اعرفي اللي حصل الأول وبعدين احكمي ع .....
قاطعت والدتها قبل أن تكمل وهي تشتعل غضبا :
- مش عاوزة أسمع، النيابة تبقى هي تسمع وتحكم .
تطلعت إليها والدتها فيما يشبه الذعر، منذ متى كانت طفلتها المدللة عنيفة مخيفة هكذا؟، أما الشخص الذي صدم الصغيرة فطأطأ رأسه أرضا وقال في خفوت واعتذار :
- اللي حضرتك تشوفيه، أنا معترف بغلطي وعارف إني كنت سايق بسرعة لظرف خاص لكن ماكانش ده الشارع المناسب لسرعة زي دي، وأنا حاولت أمنع الحادثة بس للأسف ماقدرتش .
نظرت إليه في نوع من الدهشة وإن كانت لازالت غاضبة، كيف لم يهدد أو يتوعد، كيف لم يهرب أو يخرج حتى بعد أن أوصلها للمشفى ولم تكن لتستطيع الوصول إليه، هل هناك شخص بتلك الأخلاق ولديه الإحساس الكامل بالمسئولية هكذا في هذا الزمن ؟ حتى (أدهم) تطلع إليه بنفس الدهشة، كان يعلم أنه لو في نفس الموقف لتصرف بنفس الطريقة لكن رؤية الأمر يحدث أمامه أورثته شعورا بالاستغراب نوعا ما واستنكر ذلك من نفسه ثم اعترف أنه نوع من الغرور أن يرى نفسه الشخص الوحيد الذي يقوم بالأمور الصحيحة، قاطع أفكاره مرة أخرى صوت الأم وهي تقول بهدوء بطريقة فهم منها أنها تحاول إثناء ابنتها عن إبلاغ الشرطة :
- جمانة، اهدي كده وتعالي نقعد في جنينة المستشفى وتعرفي اللي حصل بالظبط لأن فعلا الموضوع مش مستاهل، اسمعي الأول وبعدين احكمي.
تطلعت إليها (جمانة) باستنكار، كيف تقول أن الأمر لا يستأهل إبلاغ الشرطة، لكنها استجابت لرغبة أمها واتجهت للصغيرة تتطلع إليها مرة أخرى بألم ثم طبعت قبلة ثانية على جبهتها اتجهت بعدها للخروج من الغرفة عندما لاحظت لأول مرة وجود (أدهم)، رفعت عينيها إليه باستغراب و تساءلت :
- باشمهندس أدهم حضرتك هنا ؟
كاد يجن، إنه هناك منذ بداية الحديث وهي لم تره إلا الآن، ابتسم في برود وهو يرد :
- أيوة هنا، من بدري .
قالت الأم :
- مش تعرفينا ياجمانة ؟
وهي تتطلع لـ (أدهم) بفضول فردت (جمانة) :
- ده الباشمهندس أدهم يا ماما مدير الشركة .
ظلت الأم تنظر إليه وإن امتزجت بنظرتها دهشة ظهرت بوضوح في صوتها وهي تسأل :
- مدير الشركة اللي بتشتغلي فيها ؟
ثم وجهت حديثها إليه :
- أهلا يابني، ماكنتش فاكراك صغير كده لما بنتي قالت لي على موضوع الشغل.
ابتسم في هدوء وهو يوضح :
- أهلا بحضرتك، أنا بأدير الشركة بس وهي ملك والدي في الأصل .
هزت الأم رأسها في تفهم فقالت (جمانة) وكأنها تنهي حفل التعارف ذاك :
- طيب يلا نشوف مكان نتكلم فيه وأعرف اللي حصل بالظبط بعيد عن ملك عشان مانزعجهاش .
كانت جافة فظة لكن تقبل الكل منها ذلك فهي أم مكلومة وموجوعة على طفلتها، اتجهوا جميعا لحديقة المشفى وقبل أن يجلس معهم (أدهم) استوقفته قائلة بهدوء بارد :
- متشكرة أوي ياباشمهندس، تعبت حضرتك معايا جدا تقدر ترجع الشركة وآسفة على العطلة اللي اتسببت فيها.
نظر إليها بهدوء لا يعبر عن الغيظ الذي يشعر به ورد ببرود هو الآخر :
- لا خلاص مش هارجع الشركة دلوقتي، عاوز أطمن ع البنوتة الصغيرة وأعرف اللي حصل بالظبط .
تطلعت إليه في دهشة وتساءلت ما الذي يهمه من الأمر ليبقى ويتابعه لكنها طرحت دهشتها جانبا واتجهت لتجلس في مواجهة الرجل وتبعها (أدهم) بجواره وإلى جوارها والدتها بدأت هي الحديث قائلة بصرامة بدت غريبة عليها وعلى صوتها الرقيق :
- ممكن نعرف إيه اللي حصل بقى ؟
ثم التفت لوالدتها تسألها باستغراب ممزوج بقليل من الاستنكار :
- وليه ماحدش بلغ البوليس ياماما ؟ أعتقد المستشفى في موقف زي ده بيبلغوا بنفسهم لأنها حادثة ؟
ردت والدتها في خجل :
- أنا قلت لهم إنها غلطتنا ومفيش داعي للبلاغ ياجمانة، لأني معترفة بغلطي وغلط ملك كمان.
ظلت ترمق والدتها باستنكار وهي مندهشة كيف تقول والدتها ذلك؟ أما الرجل فتطلع إليها لحظة في صمت للحظة ثم بدأ الحديث :
- أنا اسمي حسام عبد الرحمن صيدلي وصيدليتي آخر الشارع اللي حصلت فيه الحادثة في اليوم ده كان عندي جرد ولظرف خاص سهرت متأخر ومانمتش كويس وصحيت برده متأخر ونزلت مستعجل عشان ألحق شغلي ...
قاطعته بفظاظة وقد استاءت لتشابه اسمه مع اسم زوجها :
- أنا ما طلبتش أعرف قصة حياتك يا دكتور أنا عاوزة أعرف ليه الحادثة حصلت ؟
شعر بالإحراج وهو يتطلع إليها في خجل ويكمل حديثه :
- أنا بس بأوضح إني كنت مستعجل واضطريت أسوق بسرعة .....
هنا قاطعه (أدهم) بحزم :
- بس ده مش مبرر عشان تمشي بسرعة زي دي في شارع سكني ضيق على حسب ماعرفت .
نظرت إليه (جمانة) بغيظ وهي تتساءل بداخلها ما به هذا الشخص ولما يدس أنفه في الأمر لمجرد أن قدم لي خدمة في حين صمت (حسام) للحظة هو الآخر وهو يتطلع إليه باستغراب وكأنه هو الآخر يتساءل عن سبب اهتمامه ووجوده من الأساس لكنه أكمل في أسف :
- أنا عارف ومعترف إني غلطت في موضوع السرعة ده ومستعد أتحمل نتيجة غلطي، بنت حضرتك لقيتها فجأة اندفعت قدام عربيتي، حاولت ألف بسرعة بعيد عنها ولأن الشارع صغير العربية لفت حوالين نفسها فجأة ودخلت في عربية راكنة وبنت حضرتك اتخبطت في شنطة عربيتي.
ثم صمت فقالت والدتها كأنها تكمل ما حدث :
- الغلطة مني كمان ياجمانة نزلت أنا وملك نشتري حاجات من السوبرماركت واحنا راجعين لقيتها بتجري فجأة وسابت ايدي ورايحة بسرعة على البيت، مالحقتش أمسكها بعدها ظهرت عربية الدكتور والحقيقة هو حاول يبعد بس الشارع زي ماانت عارفة وفي الآخر دخل في عربية الأستاذ حسين جارنا وماحاولش يجري ويسيب الموقف لا وقف في نفس اللحظة ونزل جري يشوف ملك والناس اتجمعت والأستاذ حسين عرف اللي حصل ونزل طبعا يشوف عربيته ما أنت عارفاه وماسابش الدكتور إلا لما أخد الكارت بتاعه ومضاه على إيصال تخيلي.
شعرت (جمانة) بنوع من الشماتة فهو وإن لم يكن الخطأ خطؤه تماما فهو يستحق ما سيحدث له من جارهم حتى يتوقف عن قيادة سيارته بسرعة في شوارع صغيرة داخل المدينة .. طال صمتها وهي تفكر وتقلب الأمر في رأسها وبدا لها الرجل آسفا حزينا وشهما كذلك والحوادث تقع، الكل كان ينظر إليها في ترقب وهي تفكر ، (أدهم) كان شبه متأكد أنها ستبلغ الشرطة بعدما حدث خاصة عندما رأى طريقة حديثها مع (حسام) في البداية ولأنه أيضا مخطئ، و(حسام) كان ينظر إليها في أمل وإن كان يتوقع تماما مثلما توقع (أدهم)، أما الأم فقد كانت تعرف ابنتها، قد تثور وتغضب عندما تخدش صغيرتها لكنها تضع كل شخص في موضعه وتقيم المواقف جيدا لذلك عندما نطقت (جمانة) أخيرا كان قرارها موافقا لما توقعته الأم :
- خلاص يادكتور حصل خير، أنا مش هأعمل محضر بس في نفس الوقت لازم توعد إنك تخلي بالك بعد وإنت سايق لأن أطفال الناس مش من السوبرماركت ولما يحصلهم حاجة هنروح نشتري غيرهم، المهم إن ملك الحمد لله إصابتها بسيطة .. وكمان هي غلطت.
رفع (حسام) عينيه إليها وهو لايصدق ماسمعه للتو أما (أدهم) فقد رفع حاجبيه في دهشة ثم لم يتمالك نفسه فهتف :
- مدام جمانة إنت متأكدة من قرارك ده ؟ الدكتور غلط ولازم يتعاقب .
نظرت إليه باستياء وهي ترد :
- أيوة يافندم متأكدة وعارفة بأعمل ايه والدكتور ماغلطش لوحده بنتي غلطت ووالدتي كمان تحب أقدمهم للنيابة معاه، الدكتور بس محتاج ياخد مخالفة سرعة.
نظر إليها في حنق في حين التفتت هي إلى (حسام) الذي كان ينظر بغيظ لـ (أدهم) وهو يقول :
- أنا متشكر جدا يامدام جمانة وأوعدكم إن فعلا الغلطة دي مش هتكرر ومصاريف علاج البنوتة أنا متكفل بيها طبعا دي أقل حاجة .
ردت (جمانة) ببرود :
- متشكرة يا دكتور حسام إحنا مش محتاجين حد يعالجنا إحنا نقدر الحمد لله وبنتي مسئولة مني .
شعر بالحرج وهو يقول :
- بس يامدام جمانة ده المفروض وواجب علي بما إني أنا اللي عملت الحادثة ومن فضلك ماترفضيش خليني ع الاقل أدفع تمن غلطتي .. وقبل ماترفضي أنا رايح حالا على الحسابات، بنت حضرتك اسمها ايه لأني ماسمعتش جدتها وهي بتقولهم عليه لما نقلناها هنا.
ظلت (جمانة) تطلع إليه في برود بدون أن تجيب على سؤاله وكادت تصرخ غيظا عندما دوى صوت (أدهم) مجيبا بدلا منها بهدوء :
- اسمها ملك حسام زيدان.
التفتت إليه في حنق وهتفت :
- باشمهندس أدهم أظن حضرتك شفت القرار اللي أخدته ومش من حقك تلغيه وأنا قاعدة كده .. مش من حقك تلغيه أصلا وأنا حرة يدفع هو تمن غلطته أو مايدفعهاش مش مشكلة حضرتك .
رد عليها بهدوء أكبر :
- الطبيعي إن أي حد يغلط يعتذر ويصلح غلطه أو يتعاقب عليه أو ع الأقل زي ماهو قال يدفع تمنه، اللي إنت بتعمليه ده دافع لأي حد إنه يغلط ويعتذر بكلمتين ويجري مادام مش هيتحاسب ولا يتغرم حاجة.
كادت تنفجر في وجهه عندا تساءل (حسام) فجأة :
- حسام زيدان ؟ دكتور حسام زيدان الصيدلي ؟
نظرت إليه بدهشة وهي تقول :
- أيوة، إنت تعرفه ؟
علت شفتيه ابتسامة خفيفة وبدا كأنه يستعيد ذكرى قديمة وهو يرد :
- أيوة طبعا، دكتور حسام ده دفعتي وكانوا كتير بيتلخبطوا بينا بس للأسف من بعد التخرج ماشفتوش، أمال هو فين؟ مسافر ولا ايه ؟
طأطأت (جمانة) رأسها في حزن في حين تطلع إليها (أدهم) في صمت وترقب لردها، ولكن أتى الرد من والدتها :
- حسام الله يرحمه يابني .
شعر (حسام) بالارتباك وقال في خفوت :
- أنا آسف، ماعرفتش للأسف، لأننا ماكناش أصحاب اوي، البقاء لله حضرتك .
استمرت (جمانة) على صمتها وردت الأم :
- البقاء والدوام لله يابني، حسام الله يرحمه مات من ييجي 3 سنين.
رد حسام وهو مازال على ارتباكه :
- لا حول ولاقوة إلا بالله، ربنا يرحمه .
هنا خرجت (جمانة) من صمتها قائلة بسرعة كأنها تود الهروب من أمامهم :
- بعد إذنكم، هأروح أطمن على ملك وأفضل جنبها.
انطلقت عائدة إلى الداخل ودمعة تسيل على وجنتها تتبعها نظرات (أدهم) في تعاطف واستغراب في نفس الوقت من تلك الضعيفة الحزينة المكلومة والتي كانت وحشا منذ دقائق قليلة، وتبعتها نظرات (حسام) في تصميم على المساعدة وشفقة على الزوجة التي فقدت زوجها وكادت تفقد طفلتها وبسببه، قالت لهما الأم :
- معلش اعذروها أكيد انتم مقدرين هي عاملة إزاي دلوقتي .
رد (أدهم) بسرعة :
- أكيد طبعا ربنا يكون في عونكم وإن شاء الله ملك تقوم بالسلامة .
قال جملته الأخيرة وهو ينظر لـ (حسام) شذراً لكنه لم يلحظ نظراته وقال :
- أنا مش عارف أقول ايه والله، اعتذاري مش كفاية أبدا وحتى موضوع مصاريف المستشفى.
وارتبك مرة أخرى وهو يردد للمرة المائة :
- أنا آسف جدا جدا .
ابتسمت الأم في وجهه وقالت :
- ربنا يخليك يابني إنت عملت اللي عليك وزيادة
ثم ترددت لحظة وهي تدير فكرة ما في رأسها طرأت في بالها فجأة لكنها قررت الصمت مؤقتا حتى تستشير (جمانة) ثم التفتت لـ (أدهم) مستطردة :
- وإنت يابني ربنا يجازيك خير على مساعدتك ووجودك مش عارفة أقولكم ايه .
علت ابتسامة جميلة وجه (أدهم) وهو يرد :
- على إيه حضرتك بس ؟ ده واجب، طيب هأستأذن أنا دلوقتي عشان أرجع الشركة وده كارت فيه رقم تليفوني الخاص لو احتاجتم أي حاجة كلميني فورا .
ورمى (حسام) بنظرة أخرى ثم انطلق مغادرا المكان، بعدها قال (حسام) :
- طيب حضرتك أنا هأروح دلوقتي الحسابات وبعدين هأرجع لأستاذ حسين نشوف مشكلة عربيته وآجي أطمن على ملك بالليل بإذن الله .
ردت الأم بسرعة :
- شكرا يابني ، ماتتعبش نفسك.
(حسام) :
- مفيش تعب ولا حاجة حضرتك ده واجب .
الأم :
- الله يكرمك يابني ويكون في عونك مع الأستاذ حسين .
ابتسم (حسام) وقال :
- بسيطة إن شاء الله، بعد إذن حضرتك.
ثم غادر المكان واتجهت الأم لغرفة الصغيرة (ملك) .

********
بعد مرور أسبوع بدأت الصغيرة في التحسن والحركة بشكل جيد بدون ألم، في خلال هذا الوقت لم تنقطع زيارات (حسام) وشراء الهدايا لها واللعب معها، كانت والدة (جمانة) سعيدة به للغاية وبحنانه على (ملك)، لم يكن يضايقها سوى طريقة (جمانة) الجافة في التعامل معه على الرغم من حنانه الذي يغدقه على الجميع، في نهاية الأسبوع كانت (جمانة) في المنزل تحضر بعض الأشياء لها ولوالدتها وتركت والدتها بصحبة الصغيرة، عندما عادت للمكان وجدت (أدهم) هناك فدخلت وهي تقول بلهجة جافة :
- السلام عليكم
رفع (أدهم) - والذي كان يداعب الصغيرة وهي تضحك بصوت عال - رأسه ورد السلام في هدوء في حين ردته الأم ثم قالت :
- تعالي ياجوجو الأستاذ أدهم الله يكرمه جاي يطمن على ملك وجايب لها حاجات كتير.
ثم التفت إليه تخاطبه :
- ماكانش له لازمة ده كله والله يابني .
ارتسمت ابتسامة على شفتيه وداعب رأس الصغيرة بحنان وهو يرد :
- بسيطة حضرتك، المهم الأميرة الصغيرة تقوم بالسلامة.
تطلعت إليه (جمانة) في صمت للحظات وهي تشعر بالغيظ من طريقته خاصة بعد موقفه الأخير معها في الشركة وكيف انقلب 180 درجة بعدما علم بالحادثة، كان من المفترض أن يغير موقفه وجهة نظرها فيه لأنه قام بما هو أكثر من الواجب لكنها كانت حانقة عليه فما كان منها إلا أن قالت ببرود :
- وتاعب نفسك ليه يا باشمهندس، كده كتير فعلا خصوصا إني استقلت من الشغل ومفيش داعي لأي حاجة حضرتك شايف إنها واجب تجاه الموظفين بتوعك.
اندهشت والدتها عندما صرحت بأمر استقالتها فهتفت :
- استقلتي ؟ هو انت لحقتي ياجمانة ؟
أما (أدهم) فتطلع إليها باستخفاف ثم قال كأنه يكلم طفلة صغيرة عنيدة :
- استقالة ايه يا مدام جمانة ؟ أنا ماوصلنيش حاجة ؟ وبعدين في شركتنا مش أي كلمتين يتقالوا في ساعة غضب يبقى معتد بيهم كأنهم ورق رسمي موقع يعني.
كانت تنظر إليه في غيظ وهو يبتسم ابتسامة عجيبة تجمع بين السخرية والاستخفاف وودت لو تلكمه في أسنانه ليغلق فمه ويتوقف عن الابتسام بتلك الطريقة، لكنها تركته واتجهت لصغيرتها فانحنت عليها ومسحت شعرها برفق وقبلتها فبادلتها الصغيرة القبلة عندما قالت مرة أخرى موجهة كلامها إليه :
- دول مش كلمتين يافندم ده كان قراري وأظن حضرتك فاكر اللي قلته لي وقتها وأنا نزلت على رغبة حضرتك واستقالتي الرسمية هتكون على مكتبك بكرة بإذن الله.
ظهر الحزم في عينيه فجأة وكأنما مل من لعبها لدور الطفلة العنيدة وقال بصرامة قاطعة معلنا انتهاء النقاش :
- مدام جمانة الموضوع منتهي وبما إن ملك الحمد لله بقت كويسة والدكتور كان هنا دلوقتي وصرح لها بالخروج النهاردة فإنت تكوني على مكتبك من بكرة بإذن الله.
علت الدهشة وجهها ثم مالبثت أن انقلبت لغضب وفتحت فمها لتتكلم لكنه قاطعها بإشارة حازمة من يده وجملة قاطعة صارمة أرهبتها :
- قلت الموضوع منتهي.
ثم التفت للصغيرة وانحنى ليطبع على جبهتها قبلة هو الآخر وسألها محاولاً إغاظة والدتها :
- ولا إنت ايه رأيك ياملك ؟ مش ماما ترجع الشغل عشان كل يوم وهي مروحة تجيب لك شيكولاتة وحاجات حلوة .
ضحكت الصغيرة بسعادة وأومأت برأسها أن نعم وقالت ببراءة بلهجتها الطفولية :
- ماما عاوزة شيكولاتة كل يوم .

شعرت (جمانة) بالحنان يتدفق داخلها فاحتضنت الصغيرة وهي تربت على شعرها هامسة :
- بس كده ؟ شيكولاتة وكل اللي تحبيه ياملوكة .
ورفعت عينيها بغيظ لـ (أدهم) الواقف بجوار الفراش فوجدته يبتسم ابتسامة ساحرة وفي عينيه نظرة حنان غريبة، شعرت أن الغيظ الذي كانت تشعر به ذاب فجأة وهي تتطلع لابتسامته ولأول مرة تنتبه لملامحه الرجولية الوسيمة وعينيه البنيتين العميقتين وذقنه النامية والتي بدا كأنه لم يحلقها منذ أيام، ضبطت نفسها تفكر بتلك الطريقة فخفضت عينيها سريعا وهي تؤنب نفسها وتستغفر، كيف نظرت إليه بهذا الشكل ؟ ثم وجدت نفسها فجأة تقول في خنوع بصوت خافت :
- شكرا ياباشمهندس على اهتمامك، إن شاء الله هأكون على مكتبي بكرة .
هنا كان النصيب الأكبر من الدهشة مرتسما على وجه أمها والبعض منها على وجه (أدهم) الذي لم يتوقع تراجعها عن قرارها بهذه السرعة وكان يستعد لجدال طويل معها لكن أسعده ذلك خاصة لما لمسه من شخصية عنيدة ثائرة بداخلها، أما الأم فنظرت لابنتها باستغراب وهي تتساءل كيف تراجعت عن قرارها الذي اتخذته وهي التي لم تفعل ذلك مطلقا من قبل، أما هي فبعد أن نطقت جملتها تلك امتلأت بموجة عاصفة من الغضب وهي تكاد تفتك بنفسها، ماهذا الذي قلته لن أعود أبدا، ارتسمت ابتسامة على شفتي والدتها وهي تنظر للحيرة المرتسمة على وجه ابنتها ثم قالت لتشق السكون الذي عم الغرفة :
- والله ياباشمهندس أدهم إحنا فعلا تعابينك معانا كل يوم تطمن على ملك بالتليفون ودي تالت زيارة ، يارب بس مانكونش معطلينك عن شغلك.
ارتسمت ابتسامة حانية على شفتيه وهو يتطلع لـ (ملك) قائلا :
- لا أبدا ولا تعب ولا عطلة المهم الأميرة تبقى بخير.
استغربت (جمانة) منه ومن حديث والدتها وأن هذه هي الزيارة الثالثة، إذن لما لم تره من قبل، هل كان يأتي وهي غير موجودة، وكان يهاتفهم يوميا ليطمئن عليها، رجل غريب، هنا سمعوا طرقة هادئة على باب الغرفة فقالت (جمانة) :
- ادخل .
كان القادم هو الدكتور (حسام) والذي ما إن رآه (أدهم) حتى نظر إليه شذرا كما اعتاد ولم يتكلم في حين ألقى هو السلام واستقبل الرد ثم اتجه لفراش (ملك) وعلى شفتيه ابتسامة عريضة وهو يسأل :
- ملوكة عاملة ايه النهاردة ؟
ارتسمت ابتسامة سعيدة على شفتي (ملك) وهي تمد يديها إليه فأمسك كفيها وانحنى ليقبل رأسها بحنان، كانت الأم تتطلع إليهم في سعادة وهي ترى الرجال بالغرفة يتصرفون بحنان غير عادي مع (ملك) وبدا وكأنها تبحث عن عريسا لابنتها منهما، أما (جمانة) فلأول مرة تقابل (حسام) بهدوء وبدون جفاء كالمعتاد فابتسمت ابتسامة صغيرة وهي تغمغم :
- ملوكة حبتك أوي يادكتور مش من عادتها تتعامل كده مع حد غريب .
شعر (أدهم) بالغيظ فالصغيرة تحبه أيضا، هذه المرأة تنوي إصابته بأزمة قلبية قريبا، ولمَ تبتسم في وجهه هكذا؟ أليس هذا من كاد يقتل ابنتها وكانت ستعدمه بيديها؟ عجيبة فعلا، أما (حسام) فبدت السعادة على وجهه عندما لاحظ الفارق بين طريقة (جمانة) السابقة والحالية وعندما لاحظ (أدهم) سعادته تلك كان يريد أن يعطيه لكمة محترمة في أنفه تمحو تلك السعادة وتستبدلها بالألم لكن (حسام) قال :
- والله يا مدام جمانة أنا برده حبيتها جدا ، ملوكة بنوتة عسولة ورقيقة وتتحب .
ابتسمت (جمانة) في حين نظر إليه (أدهم) ولسان حاله يقول فعلا أتتغزل فيها أمامنا هكذا ؟، ثم ضبط نفسه يفكر بهذه الطريقة الغريبة فهز رأسه بعنف كأنما يخرجها منها وقال بسرعة :
- طيب ياجماعة أسيبكم أنا عشان عندي شغل.
والتفت لـ (جمانة) مخاطبا إياها :
- هتبتدي الشغل من بكرة يامدام جمانة كفاية تأخير الملف اللي سلمته لك لسه زي ماهو وماحدش غيرك هاينهيه .
ألقى التحية عليهم ونظرة أخيرة حانقة على (حسام) ثم انطلق مغادرا المكان بدون أن ينتظر ردها، تطلع (حسام) للباب الذي خرج منه (أدهم) للحظة ثم قال :
- واضح إن الباشمهندس مهتم جدا بملك، ذوق فعلا .
خرجت منه كلمته الأخيرة بطريقة غريبة لم تفهمها (جمانة)، فسرتها الأم في نفس اللحظة وابتسمت مرة أخرى، قامت (جمانة) تحضر أشياء (ملك) وتلملم ما تناثر هنا وهناك منها وبدأت تجهزها ليعودوا للمنزل، أصر (حسام) أن يوصلهم بنفسه لأن سيارة (جمانة) لازالت معطلة في جراج الشركة، طلب منهم أن يطمئن على الصغيرة بين حين وآخر، ترك لديهم رقم هاتفه في حالة احتياجهم لأي شيء.


************************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:15 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:52 AM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس

***********

بعد استقرار الأمور وعودة (جمانة) لعملها قررت والدتها أن تصارحها بالفكرة التي طرأت في بالها بعد معرفة (حسام) لذلك انتظرت عودتها من عملها في ذلك اليوم وحضرت الغذاء، بعد انتهائهم من الطعام أحضرت اللعب المفضلة للصغيرة وتركتها منشغلة بهم ثم أشارت لـ (جمانة) أنها تريد الحديث معها، ذهبت (جمانة) خلف والدتها للمطبخ متسائلة وهناك سألتها :
- خير يا ماما في حاجة ؟
(الأم) :
- أيوة ياجوجو كان عندي اقتراح كده وعاوزة أتكلم معاكي فيه، تعالي نعمل كوبايتين شاي ونقعد نتكلم براحتنا.
(جمانة) :
- ماشي يا ماما.
وبعد أن اتخذت كل منهما مقعدا وهي تحمل كوب الشاي الساخن بين كفيها قالت الأم :
- جوجو أخبار الصيدلية ايه ؟
استغربت (جمانة) من سؤال والدتها واستغربت أكثر من كونها ليس لديها أخبار بالفعل عن صيدلية زوجها الراحل فردت بتساؤل :
- والله يا ماما مش عارفة، إنت عارفة إني مش باتابعها، بس ليه بتسألي عليها دلوقتي ؟
(الأم) :
- أبدا يابنتي بس مش ملاحظة إنك مهملة أوي في حاجتك إنت وبنتك سواء الصيدلية أو ميراث حسام من باباه الله يرحمه .
(جمانة) :
- هأعمل ايه يا ماما أنا لا بأفهم في الأدوية ولا شغل الصيدليات وكفاية إن دكتور هشام متابعها وبيبلغني بأي جديد بيعمله فيها.
(الأم) :
- بس ياجمانة كده كتير، ايه الاهمال اللي انت فيه ده ؟ وبعدين إنت واثقة أوي في هشام ده؟ ده مجرد جه عزا حسام الله يرحمه وبعدها عرض عليكي يمسك الصيدلية ومن يومها وهو فيها وماحدش يعرف عنه حاجة ولا بيعمل ايه ولا بيمشيها إزاي.
(جمانة) :
- أعمل ايه يا ماما طيب أروح بنفسي أشوف هو بيعمل ايه ولا أشوف حد تاني يمسكها على الرغم إني ما أعرفش حد تاني.
(الأم) :
- إزاي ماتعرفيش؟ أمال دكتور حسام الله يكرمه راح فين؟
(جمانة) باستغراب :
- دكتور حسام عبد الرحمن ؟ إزاي يا ماما يعني بعد حادثة ملك أقوله تعالى كمان امسك صيدلية جوزي؟ هو ده اللي أنت شايفاه أحسن من هشام ؟
(الأم) بتأكيد :
- أيوة ياجمانة شايفاه أحسن من هشام، كفاية ذوقه وأخلاقه اللي ظاهرة من يوم ماعرفناه، وكمان هو صيدلي وعنده صيدلية خاصة يعني بيعرف يديرهم كويس وبصراحة أنا مطمنة له عن هشام ده اللي ماحدش عارف عنه حاجة.
(جمانة) :
- غريب أوي تفكيرك يا ماما ، الدكتور خلاص علاقتنا بيه انتهت لحد كده ايه اللي يخليني أعرض عليه شغل أو أطلب منه حاجة تاني ؟
(الأم) :
- ع الأقل كلميه واطلبي منه يعمل زيارة كده للصيدلية ويشوف الشغل هناك ماشي ازاي وهشام ده أمين عليها ولا لا.
(جمانة) :
- طيب وأنا هأطلب منه بصفة ايه أصلا ده على فرض إنه هيوافق وييجي يتابعها فعلا.
(الأم) بابتسامة :
- أنا واثقة إنه هيوافق
تطلعت (جمانة) لوالدتها بدهشة أكبر وهي تتساءل :
- ليه واثقة يا ماما ؟
(الأم) :
- أولا لأنه ذوق وأخلاقه عالية ومش هيرفض يساعد ثانيا هو بيتمنى نطلب منه حاجة عشان موضوع الحادثة ونفسه يساعدنا بأي شكل.
تراجعت (جمانة) في مقعدها وهي تفكر في صمت وتقلب الفكرة على جميع الوجوه ثم في النهاية قالت لوالدتها :
- خلاص يا ماما ماشي، بس بشرط ; كلميه إنت واتفقي معاه إنه يتابع الصيدلية ولو حتى لفترة بسيطة ويشوف الشغل ماشي فيها إزاي ولو محتاجة حاجة يبلغنا عشان نظبطها.
ظهرت ابتسامة ارتياح على وجه والدتها وقالت بسرعة :
- أكيد هأكلمه، كمان شوية كده بعد المغرب أصلي واكلمه وأشوف رأيه ايه ؟
ابتسمت (جمانة) وهي تقول :
- ماشي ياماما، هأدخل انا بقى أريح شوية كده لأني مرهقة بجد.
(الأم) :
- طيب يا حبيبتي هأبقى أصحيكي ع المغرب برده عشان تصلي وتسمعيني وأنا بأكلمه.
(جمانة) :
- أوك ياست الكل، يلا أشوفك كمان شوية.
وابتسمت وهي تتجه لغرفتها وفي طريقها انحنت لتطبع قبلة على رأس صغيرتها التي كانت مستغرقة في اللعب، ثم دلفت إلى غرفتها وأغلقت الباب واستندت إليه وهي تتنهد بعمق، ثم اتجهت لفراشها وجلست عليه بهدوء، فتحت الدرج المجاور له وأخرجت منه كتيب مذكرات صغير فتحته والتقطت منه صورة صغيرة تجمع بين زوجها الراحل وطفلتها في أولى شهور عمرها، ابتسمت في حزن وكما هي عادتها سقطت دمعة من عينيها ثم التقطت قلما كان داخل المذكرات وفتحت صفحة بيضاء كتبت فيها :
( اليوم حبيبي كان يوم عمل مرهق جدا، كنت أتمنى أن أعود لأجد ابتسامتك تضمنى وكلمة أحبك تزيل بها تعبي، لكن سأقولها أنا لك .. أحبك )
أغلقت الكتيب وطبعت قبلة على الصورة ثم دستها داخله وأعادته للدرج بعدها راحت في نوم عميق .

********
في الموعد المحدد اتصلت والدة (جمانة) بالدكتور (حسام) وبعد السلام و السؤال عن الأحوال فاتحته في أمر إشرافه على صيدلية (حسام) زوج (جمانة) الراحل وأخبرته أنها و(جمانة) لا تعلمان عنها شيئا وترغبان في مساعدته، وكما توقعت الأم تماما سُعِد الرجل بالطلب كثيرا وأبدى استعداده للذهاب والمتابعة من اليوم التالي وأيدته الأم في ذلك وشكرته ودعت له، ثم كان الاتفاق أن تذهب (جمانة) للصيدلية يتبعها هو هناك ليتفقا مع (هشام) الذي يديرها على تنظيم العمل وبالفعل هذا ما حدث ففي اليوم التالي ذهبت (جمانة) لعملها كالمعتاد وقررت أن تستأذن قبل موعد الانصراف بساعتين لتذهب إلى الصيدلية لتنهي الأمر، تقدمت بطلبها للأستاذ (محفوظ) والذي ما إن لمحها تدلف إلى مكتبه حتى قال بابتسامة أبوية :
- بنت حلال، كنت لسه هابعت لك تيجي لي المكتب.
ابتسمت (جمانة) بخجل وتساءلت :
- خير يا أستاذ محفوظ ؟ كنت محتاجني في حاجة ؟
(محفوظ) :
- أيوة ده ملف بعته الباشمهندس أدهم للقسم هنا وعاوزنا نراجعه ونكتب ملاحظاتنا عليه وقال لي أديهولك بالاسم كده لأنه مبسوط جدا من شغلك في حسابات فرع الشركة اللي كلفك بيها قبل كده، يلا همتك بقى لأن الملف محتاجينه كمان ساعتين أنا عارف انه هيتعبك طبعا بس مستعجلين عليه وهو عموما مش هياخد وقت طويل، عاوزك تركزي معاه وتسيبي أي شغل تاني في ايدك.
(جمانة) بحرج :
- للأسف مش هأقدر يا أستاذ محفوظ، ده انا كنت جاية أستأذن من حضرتك أمشي بدري ساعتين عشان عندي مشوار مهم جدا ومش هأقدر أأجله.
(محفوظ) بتردد :
- بس يابنتي والباشمهندس أدهم هأقوله ايه ؟ هو قال إنك لازم تستلمي الملف وتخلصيه النهاردة ؟
(جمانة) :
- معلش بقى يا أستاذ محفوظ بلغه اعتذاري واضطراري للخروج بدري.
(محفوظ) :
- لا يابنتي إنت ماتعرفيهوش ساعة الغضب، روحي اعتذري له بنفسك واطلبي منه إذن الانصراف وربنا يستر.
(جمانة) في سرها " يا الله ! هل سأضطر للتعامل معه وجها لوجه ؟ " لكنها تساءلت بملل :
- يعني ضروري ماتنفعش حضرتك تاخد لي الإذن وتعتذر له ؟
(محفوظ) وهو يحاول التملص من الأمر :
- للأسف مش هينفع لازم تبلغيه اعتذارك عن مراجعة الملف بنفسك.
(جمانة) باستسلام :
- طيب هأروح له وربنا يسهل.
ثم اتجهت للطابق العلوي من مقر الشركة لتقابل مديرها، دلفت لمكتب السكرتارية وألقت السلام على (سهام) الجالسة خلف مكتبها، رفعت (سهام) عينيها إليها وابتسمت وردت السلام فقالت (جمانة) بارتباك :
- إزيك ياسهام هو أنا ممكن أقابل الباشمهندس أدهم دلوقتي؟
ظلت الابتسامة على وجه (سهام) وهي تجيب :
- الحمد لله ياجمانة إنت أخبارك ايه ؟ هو دلوقتي معاه تليفون مهم استني خمس دقائق كده وبعدين هأستأذن لك منه .
نظرت (جمانة) لساعتها في توتر ثم جلست على الكرسي المقابل لمكتب السكرتيرة وسألتها في قلق :
- تفتكري هيتأخر ؟
السكرتيرة :
- ما أعتقدش التليفون معاه من بدري .
ثم ابتسمت مرة أخرى وعادت لعملها، مرت الدقائق الخمس ببطء شديد و (جمانة) تتطلع لساعتها كل عدة ثوان، كانت تريد الوصول للصيدلية قبل الدكتور (حسام) لا العكس حتى تتفاهم مع (هشام) وتشرح له الموقف وكانت تتساءل إن كان سيتقبل متابعة (حسام) للصيدلية وهل سيمر الأمر بدون مشاكل أم لا ....
قاطع تفكيرها (سهام) وهي تنادي باسمها قائلة :
- جمانة !! جمانة !! ايه رحتي فين ؟
التفتت إليها (جمانة) بدهشة وهي تتساءل :
- ايه ؟ معلش سرحت شوية ؟ خلص المكالمة ؟
ابتسمت (سهام) وهي ترد :
- أيوة خلاص وبلغته إنك هنا ومنتظرك .
قامت (جمانة) من مكانها وقالت وهي تتجه للمكتب :
- شكرا ياسهام.
طرقت باب المكتب بهدوء وسمعت صوته الآمر يسمح لها بالدخول فترددت لحظة ثم أخذت نفسا عميقا وفتحت الباب ودخلت رفع عينيه من الأوراق التي كان يطالعها ونظر لها باهتمام وهو يقول :
- إزيك يا مدام جمانة ؟ ايه خير ؟ خلصتي الملف اللي بعته لك بالسرعة دي ؟
اغتاظت منه فهي لم تعلم بأمر الملف سوى منذ أقل من عشر دقائق لكنها ردت بهدوء :
- لا طبعا يافندم أنا جاية أبلغ حضرتك اعتذاري عن مراجعة الملف لأني مضطرة أستأذن بدري النهاردة ساعتين وأستاذ محفوظ بلغني إن حضرتك طلبت منه إن أنا اللي أراجع الملف وقال لي لو هتعتذري يبقى أبلغك الاعتذار بنفسي.
تطلع إليها في صمت أثار توترها أكثر، كانت تحاول تخمين ما يشعر به أو ما سيقوله الآن لكنها لم تستطع، تخيلت في ذهنها عدة سيناريوهات لرد فعله بعد كلامها سواء أن يغضب أو ينهرها أو يقول لها بضعة كلمات كالتي قالها لها من قبل أو أن يتجاهل الأمر تماما فهي ليست الوحيدة التي تعمل في الشركة لكنها لم تتوقع سؤاله التالي الذي نطقه في هدوء :
- وليه الأستاذ محفوظ قالك تبلغيني بنفسك؟ ليه مابلغنيش هو ؟
ترددت هل تخبره بما قاله الأستاذ (محفوظ) عن غضبه أم لا لكنها قالت في النهاية :
- الحقيقة مش متأكده بس يمكن لأن حضرتك كلفتني بالملف شخصيا فالمفروض أعتذر عنه بنفسي.
تساءل مرة أخرى في هدوء أثار قلقها :
- طيب وبتعتذري عنه ليه ؟
ازداد توترها وهي تعلم أن الأمر شخصي لكن مابيدها حيلة فأجابت :
- مضطرة أستأذن بدري يافندم.
تطلع إليها بنظرة صارمة وكأنه يقول ليست هذه هي إجابة سؤالي فتلعثمت ووجدت نفسها تقول باستسلام :
- حضرتك عارف إن زوجي كان صيدلي وكان عنده صيدلية، اللي بيديرها حاليا مااعرفش عنه حاجة ولا بيديرها إزاي فطلبت من دكتور حسام اللي حضرتك عارفه من أيام حادثة ملك إنه يتابعها وكده ومضطرة أروح هناك دلوقتي .
قالت كلماتها المفسرة باندفاع ثم صمتت فجأة تنتظر رد فعله، هل سيصرخ في وجهها ويقول أن العمل خارج الأمور الشخصية وعليها تلبيته أولا ؟ . . أما هو فطال صمته نوعا ما وهو ينظر إليها بطريقة أشعرتها بالخجل، كانت نظراته متفحصة كأنها تسبر أغوارها وتحاول استكشاف ما تخفيه فخفضت عينيها أرضا وهي تنتظر رده، اكتشف أن صمته طال فتساءل في حزم :
- هو إنت إزاي عادي كده مع الراجل اللي صدم بنتك بالعربية ؟ وكمان هتأمنيه على ممتلكاتك الشخصية ؟
كان تساؤله غريبا وفي أمر لا دخل له به فرفعت عينيها تنظر إليه بدهشة ثم قالت في نوع من الصرامة :
- إيه اللي حضرتك بتقوله ده ؟ مش أي حادثة تحصل معناها إن اللي عملها مجرم وأظن حضرتك كنت موجود وعرفت ملابسات الموضوع وشفت هو تصرفه كان إزاي بمنتهى الشهامة اللي قل إن الواحد يشوفها حاليا، وحد بالأخلاق دي ممكن أأتمنه على ممتلكاتي زي ما حضرتك بتقول خصوصا إن اللي مؤتمن عليها حاليا مانعرفش عنه أي حاجة خالص ونقطة أخيرة يافندم ...
وصمتت لحظة ثم أخذت نفسا عميقا مكملة بحزم :
- ده موضوع شخصي مالوش علاقة بشغلي.
فهم حديثها وأنها تخبره بتهذيب أن لا شأن له بما يخصها خارج شركته، شعر بالغضب منها ومن نفسه أكثر، لمَ يهتم إن حتى تركت له كل ممتلكاتها ولمَ يقلق بشأن ذلك الرجل مع أنه اعترف داخله بأخلاقه الحسنة، دار هذا بداخله في ثوان قال بعدها معلنا انتهاء النقاش داخله ومعها :
- طيب يامدام جمانة، اتفضلي روحي مشوارك والملف هنا لحد بكرة.
رفعت رأسها شاعرة بالغيظ، إذن فيمكن للملف أن ينتظر وليس الأمر عاجلا كما أخبرها الأستاذ (محفوظ) ، ودون كلمة أخرى استدارت خارجة من المكتب وقبل أن تخطو خطوة واحدة كان يكمل في حزم وهو يدفن عينيه مرة أخرى في الأوراق امامه :
- بكرة أول حاجة تشتغلي عليها هي الملف ده وتسلميه لسهام بره بعد ماتخلصيه مباشرة .
لم تلتفت لكنها قالت بسرعة :
- بإذن الله، بعد إذن حضرتك.
وانطلقت خارجة من المكتب والذي تركت بابه مفتوحا بعد دخولها ثم أغلقته خلفها في هدوء، رفع رأسه يتطلع للباب الذي خرجت منه بصمت وهو يفكر لماذا يتعامل معها بهذا الشكل ولمَ يهتم لأمرها من الأساس؟! لم يجد إجابة لسؤاله ولم يحاول البحث أكثر فطرحه جانبا وهو يكمل عمله.
أما هي فخرجت من مكتبه مسرعة وألقت التحية على (سهام) وأخذت طريقها إلى حيث تقع صيدلية زوجها الراحل، أوقفت سيارتها أمامها مباشرة وترجلت منها متجهة للداخل، كان الدكتور (هشام) جالسا خلف مكتب جانبي يطالع جريدة يومية شهيرة ولم يشعر بقدومها فتنحنحت محاولة لفت انتباهه لوجودها رفع رأسه في ملل متطلعا للقادم وعندما رآها هب واقفا ورسم على شفتيه ابتسامة واسعة وهو يقول بترحاب كان واضحا جدا أنه مصطنع :
- ايه ده مش معقول ؟ مدام جمانة هنا ؟ نورتينا، اتفضلي
رسمت هي الأخرى على شفتيها ابتسامة باهتة وتساءلت :
- إزيك يادكتور هشام، أخبارك و أخبار الشغل والصيدلية ايه ياترى ؟
ابتسم بخبث مجيبا :
- طيب اتفضلي استريحي واشربي حاجة وبعدين نتكلم في الشغل.
نظرت إليه نظرة صارمة تلقاها هو بثبات فخفضت عينيها أرضا وهي تقول :
- معلش يادكتور أنا مش جاية أضايف هنا، أنا جاية أبلغك بموضوع مهم.
ضيق عينيه في تساؤل قلق فأكلمت :
- في واحد معرفة هييجي يتابع الصيدلية معاك شوية، زميل حسام الله يرحمه.
جز على أسنانه في غيظ لم يظهره ثم قال في توتر واضح :
- ليه يامدام جمانة هو أنا قصرت معاكم في حاجة ؟ ده أنا حتى بأجيبلك أخبار الشغل أول بأول ودايما بأجيبلك الحسابات تتابعيها .
أجابت بهدوء :
- أنا عارفة طبعا يادكتور وده مجرد حد معرفة مش هيكون موجود طول الوقت لأنه مشغول بصيدليته برده .
ثم أخذت نفسا عميقا مكملة :
- المهم عاوزة من حضرتك تتعاون معاه لأنه أكيد هيساعدك ويخفف الحمل عنك، إنت عارف إني مش بأفهم في شغل الأدوية ولا حساباتها والكلام ده فهتعتبره هنا مكاني.
رفع حاجبيه في دهشة وهو يتساءل بداخله : ألتلك الدرجة ؟ حسنا سنرى وترجم أفكاره قائلا :
- طبعا يا مدام جمانة دي صيدليتك وتشغلي فيها اللي إنت عاوزاه .
قالت بهدوء مهادنة :
- لا طبعا يادكتور حضرتك الخير والبركة وكفاية إنك شايلها بقى لك سنين.
اغتاظ وهتف بداخله : وهذا هو جزائي، تتركينها لآخر لكنه قال بدلا من ذلك :
- ربنا يخليكي يا مدام جمانة، ياترى ملك أخبارها ايه ؟ بقى عندها كم سنة دلوقتي ؟.
ردت باقتضاب لتشعره أنه لا دخل له بحياتها ولو بسؤال بسيط عن طفلتها :
- الحمد لله كويسة.
ولم تجب سؤاله الآخر فصمت في ضيق ، وعندما حاول جذب أطراف الحديث معها مرة أخرى محاولا الاستفهام عن الشخص الذي سيشاركه العمل وجد من يدخل بهدوء للمكان ملقيا السلام، رفعت (جمانة) عينيها إليه وردت سلامه في ألفة في حين رد هو بعدم تركيز ظنا منه أنه عميل واتجه إليه فقالت (جمانة) بسرعة :
- أعرفك يادكتور هشام .. ده كتور حسام عبد الرحمن اللي هيتابع الصيدلية مع حضرتك.
ابتسم (حسام) في هدوء واتجه لــ (هشام) الذي تطلع إليه في دهشة وابتدره (حسام) بالسلام مصافحا :
- إزيك يادكتور هشام، أتمنى مايكونش وجودي فيه أي ضيق .
وابتسم له ابتسامة لطيفة في حين ابتسم (هشام) في ضيق واضح وهو يصافحه قائلا :
- لا طبعا يا دكتور أهلا بيك.
كانت (جمانة) صامتة تتطلع إليهما وهما يتصافحان وتقارن بداخلها بين ابتسامة (حسام) الحقيقية وابتسام (هشام) التي تبدو مصطنعة تحمل كما كبيرا من الضيق والغضب لكنها تغاضت عن الأمر وقالت في هدوء معلنة عن رحيلها :
- طيب هأسيبكم أنا تتعرفوا وتتفاهموا على نظام الشغل مش هأوصيك يادكتور هشام.
ثم التفتت لـ (حسام) قائلة بامتنان :
- متشكرة جدا على وجودك يادكتور حسام أنا مضطرة أمشي لكن البركة في دكتور هشام طبعا وأنا مش هأقدر أفيدك في الشغل هنا ، ربنا يوفقكوا، بعد إذنكم.
ابتسم (حسام) مودعا في حين قال (هشام) ومازال الضيق ظاهرا عليه :
- مع السلامة يا مدام جمانة .
خرجت من المكان فالتفت (هشام) قائلا لزميله بضيق واضح :
- أهلا بيك يادكتور، ياترى تعرف مدام جمانة منين ؟
ابتسم (حسام) و رد بهدوء :
- معرفة قديمة يادكتور هشام.
تطلع إليه (هشام) محاولا الوصول لطريقة التعامل المثلى معه ولم يحاول كشف أوراقه له الآن فقال :
- طيب اتفضل معايا عشان أعرفك نظامنا هنا إزاي وباقي الشغل .
اتجه معه (حسام) لذلك المكتب الجانبي وبدأ العمل، في حين غادرت (جمانة) إلى منزلها وقصت على والدتها أثناء تناولهما الغذاء ماحدث في الصيدلية وختمت حديثها قائلة :
- عارفة يا ماما كان واضح جدا على دكتور هشام إنه متضايق من اللي حصل بس أنا عملت نفسي مش واخدة بالي، تفتكري فعلا بيعمل حاجة مش مظبوطة ؟
قالت والدتها :
- مش شرط ياجوجو، ممكن يكون حاسس بس إنك مش واثقة فيه أو إنه مش هيبقى مدير المكان زي الأول وبقى له فيه شريك، مع إني مش مستريحة له أصلا بس مفيش داعي لسوء الظن.
وافقتها (جمانة) بهزة من رأسها ثم اتجهت إلى غرفتها مع صغيرتها لتستريح من عناء ذلك اليوم .
مرت عدة أيام تابع فيها (حسام) الصيدلية بنشاط وهمة لم يعهدها في نفسه حتى في صيدليته الخاصة، كان قد ترك معظم مسئوليات صيدليته لشريكه فيها في أول أيام عمله في صيدلية (جمانة) ثم بدأ في تنظيم وقته وتنسيق العمل بينه وبين (هشام)، كان هو يعمل في وردية نهارية و(هشام) وردية ليلية تنتهي الساعة الثانية صباحا، كان يمر في أثناء عودته لمنزله من صيدليته الخاصة من أمام الصيدلية ليطمئن عليها ويتأكد من إغلاقها جيدا، في نهاية الأسبوع الثاني من عمله في المكان كان ذاهبا لمنزله مارا بالصيدلية كما اعتاد فوجدها مازالت مفتوحة قليلا وكأن (هشام) كان على وشك إغلاقها ثم عاد للداخل مرة أخرى، أصابه القلق فقرر أن يلقي نظرة، غادر سيارته واتجه لباب الصيدلية بهدوء، خفض رأسه ليمر أسفل الباب المعدني ويتطلع للضوء الخافت الصادر من الداخل، هم بمناداة (هشام) عندما وصلت لأذنه ضحكة أنثوية ماجنة بصوت منخفض من الغرفة الداخلية للصيدلية، تسمر في مكانه وعلت الصدمة وجهه ولم يعرف ماذا يفعل ؟ هل يدخل ليرى ما هنالك أم يقف مكانه بلا حراك، فكر لثوان أخرى بلغته فيها ضحكة ثانية وإن كانت أكثر مرحا كأن صاحبتها يدغدغها شخص ما، لم يستطع الحركة أو الانتظار فنادى بصوت عال يكسوه الحزم :
- دكتور هشاااام، حضرتك جوا !؟
مرت لحظات صمت شعر بها كدهر بعدها ظهر أمامه هشام من الداخل يصلح هندامه المبعثر قليلا ويمرر يده على شعره بتوتر مجيبا :
- دكتور حسام ؟ حضرتك هنا من إمتى وليه ؟
لم يدري (حسام) أيتساءل عمن بالداخل أم يرد على سؤاله وفقط ويترك كالأمر لينكشف تلقائيا، لكنه قال :
- أبدا كنت مروح وعديت من هنا لقيت الباب مفتوح وفي نور فقلقت؟ هو في حد هنا ؟
توتر (هشام) أكثر وتردد قبل أن يجيب :
- آآآآآ، لا لا مفيش أنا كنت بأراجع شوية حاجات كده وكنت مروح، اتفضل إنت روح وأنا هأخلص وأقفل .
نظر له (حسام) بغيظ وقال :
- لا لا شوف لو محتاج حاجة هأساعدك ونروح سوا .
هتف (هشام) بسرعة :
- لا مالوش لازمة تتعب نفسك دي حاجات خاصة بورديتي ومسئوليتي أنا هأخلصها وأمشي.
نظر له (حسام) مطولا وهو يتساءل أيقتحم الغرفة ليرى من بالداخل ويعرف سبب كذب (هشام) أم ينصرف ولا يسبب مشكلة في المكان في هذا الوقت، شعر أن (جمانة) لو علمت لما تحملت الأمر فآثر الصمت ونظر لـ (هشام) نظرة قال له من خلالها أنا أعلم ماكنت تفعله لكنني سأصمت الآن فقط ولكن حذار من تكراره، تلقى (هشام) الرسالة الصامتة بوضوح ونكس رأسه أرضا منتظرا رحيل (حسام) الذي قال في صرامة :
- طيب يادكتور هشام براحتك، بس لو سمحت ما تبقاش تتأخر بالشكل ده تاني، دي وصية مدام جمانة ولازم نحافظ لها ع المكان اللي استأمنتنا عليه، تصبح على خير .
قالها وغادر المكان بسرعة غير آبهٍ للرد.


***********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:27 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-06-15, 10:53 AM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع

**********

في اليوم التالي أنهت (جمانة) عملها على الملف الذي سلمه لها الأستاذ (محفوظ) حين وصولها ثم أعادته له فراجعه سريعا ثم ابتسم في إعجاب قائلا :
- ربنا يبارك لك يابنتي، شوفي إنت بقى لك معانا حوالي شهرين بس ماشاء الله ذكية وبتفهمي الشغل بسرعة وتخلصيه بسرعة يمكن أحسن من ناس كتير قدام هنا.
أطرقت برأسها في خجل وهي ترد :
- ربنا يخليك يا أستاذ محفوظ ده بفضل متابعة حضرتك وزمايلي مدام هالة وأستاذ عصام مش بيبخلوا علي بأي معلومة أو نصيحة، ربنا يجازيكم خير.
ابتسم (محفوظ) مرة أخرى لكن في حنان هذه المرة وعاد يقول :
- ومتواضعة كمان، يابنتي إنت تستاهلي كل خير، يلا هروح أسلم الملف للباشمهندس وإن شاء الله هيتبسط جدا .
قالت في سرها "هذا هو المستحيل بعينه، منذ وطأت قدماي الشركة وهو يحاول تصيد الأخطاء لي وجعل الأمور والعمل أكثر صعوبة "، لكنها ابتسمت في هدوء مجيبة :
- إن شاء الله .
وخالف (أدهم) توقعاتها عندما أعجبه بالفعل عملها وبلغ الأستاذ (محفوظ) بذلك، مرت أيام أخرى والعمل تارة صعب وتارة سهل وأخرى ممل، حتى ذلك اليوم، كان (أدهم) جالسا في مكتبه يراجع أوراق مناقصة جديدة تهتم بها الشركة، منهمك في عمله للغاية حتى أنه لم يشعر بـ (سهام) وهي تدلف لمكتبه وتنادي عليه إلا عندما مدت يدها أمام وجهه ملوحة لتلفت انتباهه وهي تهتف :
- باشمهندس !!!!
تراجع للخلف ورفع عينيه بسرعة ليجدها فعقد حاجبيه في غضب وهو يسأل في صرامة :
- ايه ده يا آنسة سهام ؟ في ايه ؟ وايه الطريقة دي ؟
ارتبكت (سهام) بشدة مجيبة :
- والله ياباشمهندس حاولت ألفت انتباهك كتير بالتليفون الداخلي والباب خبطت حضرتك ماسمعتش وناديت كتير وبرده ...
قاطعها محاولا إنهاء الأمر فهو يعلم أنه كان منغمسا لأذنيه في الملف الموجود أمامه :
- خلاص خلاص، في ايه ؟
أشارت لهاتفه النقال وأجابت :
- موبايل حضرتك رن حوالي ست مرات وحضرتك مش واخد بالك خالص، قلت أنبه حضرتك يمكن في حاجة مهمة.
عقد حاجبيه وهو يتطلع للنقال في عدم فهم وهمس :
- موبايل ؟
ثم وكأنما انتبه فجأة فسألها :
- إنتِ سمعتيه من برا؟
أومات برأسها إيجابا فقال :
- طيب متشكر يا آنسة سهام اتفضلي على مكتبك.
انسحبت من مكتبه في هدوء في حين أمسك هو بهاتفه وتطلع للرقم الذي بالفعل اتصل عليه ست مرات، لم يكن يعرف الرقم وهو في الغالب لا يهتم برقم لا يعرفه لكنه ولسبب ما لم يعلم ماهو هذه المرة ضغط زر الاتصال، استمع للرنين على الجانب الآخر لثوان ثم فتح الخط وسمع الصوت :
- السلام عليكم .
اندهش وشعر بقلبه ينبض بقوة، لا يمكن أن ينسى هذا الصوت أبدا لذلك تساءل بلهفة :
- آدم !؟
جاءه صوت أخيه يجيبه مازحا :
- طيب رد السلام الأول يا أخي.
لم يشعر بنفسه وهو يقفز من خلف مكتبه ويتساءل بلهفة أكبر :
- آدم إنت في مصر ؟
سمع ضحكته التي اشتاق إليها ثم صوته الحنون الحازم دوما :
- هتفضل مجنون مهما كبرت والناس قالت عليك عقلت، أيوة ياسيدي في مصر.
تنهد (أدهم) تنهيدة ارتياح طويلة واستمرت اللهفة الشديدة في صوته وهو يسأله :
- إنت فين دلوقتي؟ هأجيلك حالا.
شعر بابتسامة أخيه من صوته وهو يجيب :
- أنا في فندق (----) .
قال بسرعة وهو يلتقط مفاتيح سيارته :
- طيب أنا جايلك حالا.
ثم تذكر أمرا فسأله قبل أن يغلق الخط :
- آدم كلمت بابا ؟
شعر بضيق شقيقه عندما صمت للحظة ثم أجاب :
- لا لسه، تعالى إنت دلوقتي وبعدين نبقى نكلمه.
تضايق (أدهم) هو الآخر لكنه لم يظهر ضيقه وأنهى المكالمة قائلا :
- طيب مسافة السكة وأكون عندك.
ثم انطلق بسرعة ذاهبا لأخيه، دخل الفندق وسأل في الاستقبال عنه وقبل أن يجيب موظف الاستقبال سمع من خلفه صوته الحنون يناديه بشوق :
- أدهم.
التفت إليه بلهفة ولم يصدق عينيه وهو يملأهما بصورة أخيه ثم انطلق ورمى نفسه بين ذراعيه هاتفا :
- آدم وحشتني، وحشتني جدا جدا .
ثم نظر في عينيه معاتبا وهو يكمل :
- ينفع كده يا آدم؟ تغيب عننا ده كله وتتعبنا معاك وتقلقنا عليك.
جذبه أخيه من يده واتجه لأحد أماكن الجلوس في الاستقبال وهو يقول :
- تعالى بس يا أدهم، نقعد ونطمن عليك الأول وبعدين نبقى نتعاتب.
اتجه معه (أدهم) في استسلام وأخذ كل منهما مجلسه، لاحظ (أدهم) وجود طفل صغير يجلس بجوار (آدم) ويبتسم لهما في هدوء لايناسب سنه فتساءل عن هويته ورفع عينيه بذات التساؤل لأخيه، ربت (آدم) على رأس الصغير في حنان وقال :
- يوسف ابني.
علت الدهشة وجه (أدهم) وهو يتطلع للصغير وهو يردد :
- ابنك ؟
ثم رفع عينيه لأخيه وهو مازال يردد :
- ابنك ؟
علت ابتسامة وجه (آدم) وهو يجيب :
- أيوة يا أدهم ابني، ايه يابني غريبة ولا ايه ؟
نفض (أدهم) دهشته وهز رأسه قائلا :
- مش قصدي ، بس إنت اتجوزت إمتى ؟ وليه ماقلتش ؟ ومصرية ولا منين بالظبط ؟
تنهد (آدم) بعمق ثم أجاب :
- عادي اتجوزت في كندا زميلة من هناك بعد سفري بحوالي سنة وماقلتش لأني يمكن كنت غضبان أو زعلان أو عاوز أبعد وخلاص.
استغرب (أدهم) وعاد يقول :
- بس إنت كلمتنا من ييجي سنتين ليه ماقلتليش إنك اتجوزت وكمان عندك ولد، ابن أخويا ؟
وابتسم وهو يمد يده لـ (يوسف) فتطلع إليه الصغير في تردد ثم رفع عينيه لوالده الذي ربت على كتفه مشجعا وهو يخاطبه قائلا :
- عمو أدهم يا يوسف، سلم عليه .
اتجه الصغير لـ (أدهم) ومد يده بهدوء مصافحا فابتسم (أدهم) من طريقته و شده إليه وقبل رأسه ثم أجلسه بجواره وهو يقول لوالده :
- ابنك طالع لك يا آدوم، رزين وعاقل وخجول.
ثم قبل رأس الصغير مرة أخرى وأكملَ وهو يتطلع لعينيه الزرقاوين :
- إنما إيه القمر ده ؟ أنا هآخده معايا النادي بقى وأقول ابن أخويا أهو .
ابتسم (آدم) بحنان وهو يتطلع لصغيره الذي يحمل ملامحه هو العربية الوسيمة وعيني والدته الزرقاوين وشعرها الكستنائي وبشرتها البيضاء النقية ثم سمع (أدهم) يتساءل :
- أمال فين مامته ؟
رفع عينيه لأخيه وامتلأتا بالحزن ثم أجاب :
- مامته الله يرحمها.
شعر (أدهم) بالأسى على حال أخيه وعقَّب :
- الله يرحمها، احكي لي بقى كل حاجة من يوم ماسبتنا لحد النهاردة.
ثم فكر للحظة وأكمل :
- ولا أقولك إحنا نكلم بابا ونروح البيت وتحكي لنا كلنا هناك، إيه رأيك؟
عقد (آدم) حاجبيه وقال في حزم :
- أدهم إنت عارف ردي على سؤالك يبقى مالوش لازمة تسأله.
شعر (أدهم) بالحزن لكن أخاه أكمل وهو يرى الضيق على وجهه :
- إحنا هنتغدى النهاردة سوا هنا ونتكلم وأعرف أخباركم وربنا يسهل بعدها.
(أدهم) :
- طيب وبابا ؟ مش هتكلموا ؟ ده هيتجنن عليك يا آدم حرام كده .
(آدم) :
- أكيد هأكلموا بس إديني فرصة أستقر الأول.
(أدهم) :
- تستقر ؟ إنت أكيد بتهزر ! عاوز تفضل هنا لحد ماتستقر وأنا عارف إنك هنا وبابا هيموت من القلق ومايعرفش، حرام عليك يا آدم من إمتى كنت قاسي بالشكل ده ؟.
(آدم) بحزم :
- مفيش داعي للكلام ده يا أدهم لأن إنت عارف كويس من إمتى، وعارف كويس ايه اللي حصل ورد فعل بابا كان إزاي ، أنا مش زعلان منه لدرجة إني مش هأكلمه لكن محتاج فرصة أجهز نفسي فيها ع الأقل نفسيا إني أتكلم معاه.
(أدهم) بلهجة حزينة :
- ليه يا آدم ؟ إنت مصمم تفكرني ومصمم تحاسب بابا مع إن ....
صمت للحظة ثم أكمل :
- مع إن مش هو السبب، أنا مش هادي لأمي العذر لأني فاكر كويس اللي حصل أيامها ، بس بابا مايستاهلش منك كده، إنت ماشفتش حالته بعد ماسبت البيت ولا بعد ماوصلنا خبر سفرك، ولا قد إيه حزن لما عرف إنك كلمتني عشان تطمن علينا وعلى سارة ومااهتميتش تكلمه، لازم تديله العذر وتسمعه وتسامحه حتى لو شايف إنه غلط، كلنا بنغلط المهم مانستمرش والمهم كمان اللي قدامنا لما نعترف بغلطنا يسامحنا.
(آدم) بعد لحظة تفكير :
- ربنا يسهل يا أدهم، مش كل حاجة بتتحل في دقيقة، يلا عشان نتغدى وأعرف أخباركم.
(أدهم) مع ابتسامة حزينة خفيفة :
- ماشي يا آدم براحتك.
ثم أمسك يد (يوسف) الصغير ونهض مخاطبا إياه :
- يلا يا جو لما نشوف آخرتها مع بابا إيه.
جلسوا جميعا على مائدة في مطعم الفندق وبعد طلب الطعام تحدث (أدهم) مع (يوسف) الصغير قائلا :
- ايه يا يوسف بتتكلم عربي ولا مش هنعرف نتفاهم ؟
ابتسم (يوسف) وقال بالعامية المصرية :
- لا بأتكلم ياعمو ومصري كمان.
علت الدهشة وجه (أدهم) والذي ظن أن الصغير لو افترض أنه يتحدث العربية فستكون فصحى وضعيفة في أحسن الأحوال أما أن يتحدث لهجة والده العامية فكان هو الأغرب، لكنه طرح دهشته جانبا وهو يبادله ابتسامته قائلا :
- ايه ده ؟ ماشاء الله ياجو ده إنت طلعت مصري أصيل أهو.
تحدث (آدم) مخاطبا أخاه :
- لورين كانت مهتمة إن يوسف يتكلم عربي كويس وبلهجتنا كمان، كانت دايما حريصة إننا نختلط بالجالية العربية والمصرية خصوصا هناك، وكان لها أصحاب مصريين كتير.
(أدهم) بتساؤل :
- لورين ؟
(آدم) :
- أيوة، مامة يوسف، حتى لما جينا نختار اسمه قالت عاوزة حاجة وسط تنفع هنا وهناك، مقبولة عند المصريين وفي كندا.
(أدهم) :
- احكي لي بقى ليه سافرت وعملت ايه هناك وإزاي اتعرفت على مامة يوسف ، عاوز أعرف كل حاجة.
تراجع (آدم) في مقعده وتنهد ثم أجاب :
- طيب نتغدى الأول بعدين نطلع الجناح فوق ونتكلم براحتنا .
أومأ (أدهم) برأسه موافقا ثم تناولوا طعامهم وصعدوا لجناحه، طلب (آدم) من ابنه أن يدخل غرفة النوم ويلعب هناك، أطاعه الصغير بشكل مدهش حتى أن (أدهم) تطلع إليه وهو يغادرهم ويغلق الباب خلفه ثم التفت لأخيه متسائلا :
- يوسف ده عسول أوي بس غريب، هادي جدا مااتكلمش كلمتين على بعض حركته مش مناسبة لسنه.
(آدم) بابتسامة أبوية حنون :
- يوسف من وهو صغير وهو هادي وخجول جدا، لورين كانت دايما بتحاول تخليه اجتماعي زيها ويختلط بالناس لكن كان بيفضل في وسط أي جروب هادي وساكت ومايتكلمش إلا لو حد وجه له كلام مباشر، كتير كنا بنعتقد إنه مريض أو أوتيستيك بس هو بخلاف انطوائه طفل عادي جدا وممتاز في دراسته ومع الأطفال في سنه اختلاطه معقول.
(أدهم) :
- معلش يمكن مشتت بين أب مصري وأم كندية ومش عارف يستقر مع مين فيهم .
قالها وابتسم محاولا إغاظة أخاه الذي بادله الابتسامة وهو يهز رأسه قائلا :
- مفيش فايدة فيك هتكبر وتبقى مدير وبرده مشاغب زي الأطفال .
ضحك (أدهم) بصوت عال و رد :
- ماشي ياكبير، المهم واحد عاقل والتاني مجنون عشان التوازن برده ....
ثم اتخذ مظهرا جادا وهو يستطرد :
- نتكلم جد بقى، احكي لي بالتفصيل الممل عملت ايه من ساعة ما سبتنا؟
رد (آدم) وهو يحاول اتخاذ وضع جلوس مريح :
- ماشي ياسيدي نبتدي من الأول، إنت طبعا عارف أنا سبت البيت ليه، لما مشيت ماكانش قدامي مكان ألجأ له ولا حد أعتمد عليه حتى شغلي كان مع بابا وبالتالي رجوعي له مش هيحصل، رحت للراجل اللي كنت بأعتبره زي والدي، دكتور محمد أستاذي في الجامعة وقتها، ولأنه كان قريب مني جدا حكيت له كل حاجة وهو ربنا يجازيه خير ساعدني ووقف معايا وجاب لي شقة إيجار في عمارة واحد قريبه، فضلت فترة هنا بأتابع شغلي في الجامعة لحد ما دكتور محمد عرض علي فكرة السفر والشغل في كندا، كان موفر لي فرصة كويسة هناك وفعلا، كنت حاسس إن كل الخيوط اللي بتربطني بهنا انقطعت تقريبا فانتهزت الفرصة وسافرت، هناك اشتغلت واكتسبت خبرة عمري ماكنت هاكتسبها هنا، اتعلمت أكتر واستفدت أكتر واتعرفت على لورين، كانت زميلتي في الشغل وفي نفس الوقت شعلة نشاط تمشي على قدمين، بتشارك في فعاليات كتير جدا يمكن على مستوى كندا ككل، تعرف عرب كتير جدا ومصريين كمان، قالت لي إنها زارت مصر مرة واحدة وانبهرت بكم العراقة فيها وماصدقتش كمية الإهمال الموجودة كمان، كانت سعيدة جدا إنها اتعرفت على مصري جديد اللي هو أنا، ومع الوقت حسيت بمشاعرها ناحيتي بتختلف، وحسيت إني أنا كمان بأحس معاها بشعور مختلف، وإنت عارف أخوك دوغري ومش بتاع لف ودوران، عرضت عليها الجواز والمفاجأة إنها وافقت فورا، واتجوزنا وبعد سنة بالتمام ربنا رزقنا بيوسف ونقلنا أونتاريو وعشنا فيها خمس سنين كانت أجمل فترة عشتها وحسيت فيها باستقرار، بعدها ...

صمت (آدم) لحظات وكأنه يستجمع أفكاره ويداري حزنا طفى على السطح ثم أكمل :
- بعدها اكتشفنا إن لورين عندها كانسر وللأسف لما عرفنا كانت الحالة متأخرة والمرض بدأ ينتشر فعلا، هي كانت كتير بتتوجع بس كانت عايشة على المسكنات اللي وصلت معاها لحد الإدمان أحيانا وكانت مخبية موضوع آلامها عننا كلنا، بعدها بسنة ماتت لورين وسابتني أنا ويوسف، جده وجدته كانوا من أجمل الناس اللي عرفتهم وطبيعي بنتهم تكون جميلة زيهم، كانوا تعويض لحاجات كتير اتحرمت منها، ولما أخدت قرار الرجوع لمصر عشان يوسف يتربى ويتعلم هنا، كنت خايف جدا من رفضهم لكن شجعوني وقالوا لي الزيارات مش هتتقطع أبدا سواء هنا أو هناك وإني أعمل اللي شايف فيه مصلحة ابني، وبس ياسيدي خلصت التزاماتي هناك وودعت أصحابي وجبت ابني وجيت، وكنت أنت أول واحد أفكر أتصل بيه.

استمع إليه (أدهم) في صمت يتخلله بعض الحزن، حزن لما ألّم بأخيه واضطراره لترك موطنه، حزن لغربته وبعده عن أهله ثم فراق زوجته، لكنه قال في النهاية :
- تعبت كتير يا آدم بس ربنا عوضك بزوجة حبتك وابن يسعدك، ربنا يجعله ذرية صالحة، واضح إنك كنت بتحبها.
فكر (آدم) في كلمة أخيه ثم رد :
- هو مش الحب المعروف اللي انت بقى تفضل تفكر في اللي بتحبه وتسهر وتحلم بيه ومااعرفش ايه ، أنا لقيت معاها حاجة تانية، سكينة واطمئنان واحتواء، حاجة كنت محتاجها وهي كانت معطاءة فيها لأبعد حد، ببساطة علقت قلبي بيها وحس إن هي السكن بتاعه.
(أدهم) :
- ربنا يرحمها ويخليلك يوسف.
(آدم) :
- آمين يارب .
(أدهم) بتساؤل متردد :
- مش هتكلم بابا بقى وتطمنه عليك ؟
(آدم) بعد برهة صمت :
- بلغه إنت يا أدهم وأنا هنا مش هاروح بعيد.
(أدهم) :
- ليه كده بس، إنت غبت عنه كتير ووحشته أكتر، من حقه تكلمه إنت وتفرحه برجوعك.
(آدم) :
- أكيد هاكلمه وهاشوفه كمان، بس بخصوص إني رجعت تقدر تقوله إنت، أنا لسه محتاج أظبط أموري هنا وبأفكر أفتح مكتب صغير كده على قدي عشان شغلي.
(أدهم) بدهشة :
- مكتب ؟ إنت في ايه يا آدم ؟ يعني مش عاوز تبلغ بابا برجوعك وقلت ماشي لكن كمان مش عاوز ترجع شغلك في الشركة ؟ بص دي مش مسألة شغل بس ده شركتك إن شاء الله بعد عمر طويل وليك فيها زيي بالظبط، ومش من حق أي حد يرفض وجودك فيها.
(آدم) :
- إنت بتهزر يا أدهم، إنت فاكر إني ممكن أرجع أي مكان يربطني بـــ ....
ولم يكمل جملته لكن أخاه فهم ما أراد قوله وشعر بالحنق لذلك هتف في غضب :
- يربطك بمين يا آدم؟ بي ولا بأبوك ولا أختك وأهلك ؟ دول اللي مش عاوز ترتبط بيهم ؟
(آدم) :
- ماتفهمنيش غلط يا أدهم إنت عارف قصدي كويس.
(أدهم) وهو مازال حانقا :
- لا للأسف مش عارف، مالك؟ كنت فاكرك أعقل من كده وبأقول مثلي الأعلى ، جاي في الآخر عاوز تقطع رحمك يا آدم، آخر حاجة كان ممكن أتصورها إنك توقف حياتك وعلاقتك بأبوك وإخواتك عشان موقف ضايقك حتى لو من أمي.
(آدم) بتردد :
- يا أدهم افهمني المسألة مش قطع رحم حاشا لله إني أعمل حاجة زي دي، المسألة من أولها لآخرها حرج، صعب بالنسبة لي أرجع مكان خرجت منه قبل كده شبه مطرود وكان هيجيلي فيه البوليس كمان.
(أدهم) بضيق :
- مفيش داعي تفتح الموضوع ده تاني ومفيش حاجة اسمها حرج، أنا ماقلتلكش ارجع البيت أنا بأتكلم عن الشركة وشغلك فيها، يا آدم إنت اللي علمتني ألف باء تجارة واقتصاد ومناقصات جاي دلوقتي تقولي لا هاشتغل لوحدي ومش راجع معاك، وعلى فكرة الشركة دلوقتي أنا اللي بأديرها وبابا بقى له حوالي 5 سنين بييجي زيارات سريعة لو في حاجة مهمة محتاجة وجوده وخلاص والباقي بيتابعه من البيت يعني هتشتغل معايا أنا ياسيدي.
(آدم) وقد سأم من كثرة الحديث في هذا الأمر :
- خلاص يا أدهم ربنا يقدم اللي فيه الخير، مش جاي تشوفني عشان نتخانق سوا.
قام (أدهم) من مكانه واتجه إلى أخيه، جلس بجواره وربت على كتفه وهو يقول :
- أنا مش بأتخانق ياآدومة وانت عارف، أنا نفسي ترجع زي الأول تبقى معايا وتساندني وتشجعني وتقف جنبي، شوف من غير كلام كتير أنا هأبلغ بابا إنك رجعت النهاردة وهأديك فرصة أسبوع تستقر فيها سواء نفسيا أو ماليا أو حتى موضوع السكن ومش هأغصب عليك ترجع البيت تاني وبعدها هأستناك في الشركة ومفيش نقاش، أينعم إنت الكبير بس أنا بأقولك أهو.
ثم ابتسم وهو يشير بإصبعه في وجهه محذرا، فحرك أخاه يده وهو يبعد إصبعه قائلا في مرح :
- طيب بس بلاش الصباع ده.
ضحكا سويا ثم وقف (ادهم) وقال وهو يتطلع للغرفة التي يلعب بداخلها يوسف :
- بابا هيفرح أوي بيوسف، هو عنده كم سنة يا آدوم؟
(آدم) :
- 8 سنين .
(أدهم) ضاحكا :
- ماشاء الله، مابتضيعش وقت إنت، طيب قوم تعالى نلعب معاه شوية وأغلس عليه الغلاسة المصري بتاعتنا.
(آدم) بسعادة :
- لا ماتقلقش هو متعود وممكن يغلس عليك أنت.
(أدهم) :
- ياسلام، يغلس ياسيدي هو إحنا نطول، دي سارة هتموت من الفرحة لما تعرف إنها بقت عمتو.
(آدم) :
- صحيح يابني من ساعة ماجيت وإحنا بنتكلم عني ومااعرفش أخبارك ولا أخبار سارة، عاملين واتجوزت إنت ولا لسه ؟
(أدهم) :
- أتجوز مين ياعم خلي الطابق مستور، قال جواز قال، وسارة ياسيدي مطلعة عيني وزي العسل زي ماهي،
(آدم) بدهشة :
- خلي الطابق مستور؟ ايه يا أدهم اعترف في ايه ؟
(أدهم) وهو يضحك :
- مفيش يابني بس مالقيتش الواحدة اللي تقدر تحركني لسه، أعمل ايه يعني ، قلبي قفله مصدي .
(آدم) بابتسامة :
- ربنا يرزقك باللي معاها المفتاح ، يلا بينا نروح لجو عشان زمانه زهق لوحده.
واتجها للغرفة الجانبية التي جلس فيها (يوسف) يلعب ويشاهد التلفاز، مضى (أدهم) بعض الوقت مع أخيه وطفله ثم عاد للمنزل بعدها وهو يفكر كيف سيخبر والده بعودة (آدم) !.


***********************************



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 18-07-16 الساعة 10:30 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:45 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.