آخر 10 مشاركات
معذبتي الحمراء (151) للكاتبة: Kim Lawrence *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية بذور الماضي (2) .. سلسلة بين رحى الحياة *مكتملة* (الكاتـب : heba nada - )           »          ظلال العشق (67)-قلوب شرقية -للكاتبة الرائعة : حنين احمد[حصرياً]*مميزة*كاملة &الروابط* (الكاتـب : hanin ahmad - )           »          زوجة ساذجة (85) للكاتبة : سارة مورغان ..كامله (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          عزيزتي الانسة هاء *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : rontii - )           »          الغريبه ... "مكتملة" (الكاتـب : tweety-14 - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          52 - قطار في الضباب - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : ورود الصباح - )           »          خادمة القصر 2 (الكاتـب : اسماعيل موسى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-07-15, 12:49 PM   #21

شمسا

? العضوٌ??? » 108347
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 536
?  نُقآطِيْ » شمسا is on a distinguished road
افتراضي


ize="5"]بعد الحادية عشرة مباشرة من صباح يوم حار أواخر شهر آب (أغسطس) . دخلت فاليري نايت إلى مجمع باربري وارف وهي تتمنى لو أمكنها البقاء في السرير ، فقد كانت سهرت في الأمس إلى ساعة متأخرة من الليل ، وعندما تصاعد صوت المنبه ، لم يكن من السهل عليها أن تستيقظ من النوم ، ولكنها نجحت في التقاط ما أمكنها من أقاويل عليها أن تنشرها في صحيفة الغد قبل أن تسبقها إلى نشرها صحيفة أخرى .
كانت فاليري تحب أن يأخذ الآخرون عنها صورة اللعوب والعابثة يساعدها في ذلك شعر ذهبي وعينان بنفسجيتان رائعتا الجمال ، فكانت تتنقل لا تعرف سوى المرح ولا تأخذ شيئا بشكل جاد ، ولكن الحقيقة هي أنها تعمل بجد بالغ كما أنها تتمتع بإرادة قوية ، ومهما كان نومها قليلاً ، فلابد أن تستيقظ في الصباح التالي في الوقت المناسب لكي تقوم بعملها ، وكان هذا ما جعلها الكاتبة الأولى في الصحيفة عن الشخصيات البارزة .
وعندما كانت تنتظر المصعد بصبر نافذ ، ألقت نظرة من خلال الباب الزجاجي إلى حدائق بلازا ، كان ربورتو توريلي واقفاً عند عتبة مطعمه الصغير ، وقد وضع مئزراً أبيض نظيفاً ، ومضى يستمتع بدفء الشمس ، فيا له من رجل محظوظ ، وفوق الرؤوس كانت السماء زرقاء صافية ، فيا له من يوم رائع تمضيه حبيسة بين الجدران ، ولكن اليوم هو الجمعة ، فإذا لم يتغير الجو قبل العطلة الأسبوعية ، ربما ستتمكن من الاستمتاع بأشعة الشمس .
في هذه الأثناء كانت مجموعة من الرجال قادمين من بلازا ، وما أن تمكنت فاليري من تمييز واحد منهم ، حتى أشاحت بوجهها ، ولكن بعد فوات الأوان لأن ذلك الرجل كان رآها . فقال ساخراً وهو يتقدم نحوها (( لا تقولي أنك وصلت لتوك))
فقالت وهي تضغط مرة أخرى على زر المصعد : (( إذن فلن أقول ذلك)) ولكن يبدو أن المصعد التصق بالطوابق العليا ، ولكن هذه هي العادة التي تحدث دوماً عندما يكون الشخص في أمس الحاجة إليه .
(( يا ليتني أقوم بعملك أنني هنا منذ التاسعة ))
(( وأنا بقيت اعمل حتى الثالثة من هذا الصباح )) أجابته بذلك بحدة وهي تراه يكاد يلتصق بها ، ولكنه زاد من اقترابه منها قائلاً (( عطرك هذا أعجبني ما اسمه ؟))
((لا أتذكر)) وكان هذا صحيحاً بعد أن أنساها وجوده كل شيء كالعادة .
(( وما الذي كنت تفعلينه حتى الساعة الثالثة صباحاً)) .
فقالت وهي تعود إلى ضغط زر المصعد : (( كنت في حفلة )) .
(( مع من ؟)).
أجفلت لأسئلته المقتضبة فأجابته بحدة : (( نصف شارع الصحافة ، واستوديوهات فيسيكس أقاموا حفلة كبرى للدعاية لفيلمهم الجديد .(كان نجوم الفن بأجمعهم هناك .... كريستا نوردستروم، ولي بالمير ، وبيانكا فالينسيني ... حتى أنهم عرضوا علينا مقاطع من الفيلم ، وكان الطعام كافيار وسلمون مدخن ، كانت حفلة رائعة .))
تملكها الارتياح وهي ترى المصعد يصل أخيرا ، فسكتت ثم دخلت إليه بسرعة يتبعها جيلبي كولينغوود ولكن بقية مجموعته كانت سئمت من الانتظار فصعدت السلالم ، ما جعل فاليري معه بمفردها .
شعرت بتلك الخفقة المعتادة في صدرها فودت لو تصرخ ، كان ذلك أمرا متعذراً تفسيره ، فهي لم تكن تشعر نحوه بأي أعجاب ، وكل ماكانت تريده منه هو أن يتركها وشأنها ، فما الذي جعله يسبب لها هذه الأعراض الغريبة ؟
قال لها وهو يتكئ على جدار المصعد ( حاولت الحديث معك طوال الأسبوع ولكنني لم أجدك قط في مكتبك .)) كان وجوده طاغياً ما جعلها لا تستطيع التظاهر بعدم الانتباه إليه كان فارع الطول وملامحه خشنة وكتفيه عريضتين كان محبوباً من زملائه ، والجميع يعرفونه كما يبدو ويسمونه جيب كما كان يضحكهم بروحه الفكهة ، كان معتبرا بطلاً نوعا ما ، حيث إنه منذ اللحظة التي جاء بها ليعمل في صحيفة سنتنال كان هو النبراس في نادي سنتنال الرياضي .
كان لاعب النادي في لعبة الرغبي وممثله في مباريات السباحة ، وفي ركض المارتوان السنوية ، كان غالباً يأتي في التصفية النهائية للبطولة .
قالت له بطريقة ملتوية أملاً في الهرب منه) ) لقد كنت مشغولة جداً هذا الأسبوع ، فقد كنت اجري المقابلات يومياً تقريباً ))
ولكنه استمر يقترب منها وهو يقول : (( حسناً مادمنا الآن منفردين ما الذي تريدين سماعه أولاً ؟ الخبر الحسن أم الخبر السيئ؟ )).
فنظرت إليه بحيرة (( ماذا؟)).
(( ربما الأفضل أن نبدأ بالخبر الحسن ، لقد تم طلاقي الاثنين الماضي )) قال ذلك ببرودة ولكنه كان يرقبها بنظرات حادة ثم عاد يقول : (( لقد عدت رجلاً حراً .))
تشنج جسم فاليري ، ثم حولت نظراتها عنه بسرعة ، إذن فقد حصل حقا على الطلاق ؟ ولم تكن صدقته من قبل حين أخبرها بأنه ينتظر انتهاء إجراءات الطلاق ، فالرجال غالباً لا يصدقون بكلمة في هذا الشأن .
فسألته بمرح : (( هل أقول أنني آسفة ، أم أهنئك ؟))
فقال بلهجة متوترة (( لقد كنت أخبرتك بأن زواجي قد انتهى منذ مدة طويلة ، فقد رحلت زوجتي إلى استراليا منذ سنوات وهي تعيش هناك مع رجل أخر ، والآن أصبح طلاقنا قانونياً ، وهذا كل شيء ، أنني رجل حر الآن ، كما أن زوجتي كلير تزوجت الثلاثاء الماضي )).
فعادت فاليري تحملق فيه غير مصدقة : (( الثلاثاء الماضي ؟ الم تقل أنت إن الطلاق أصبح نافذا يوم الاثنين ؟)) .
أجابها بجفاء : (( كانت مستعجلة )) .
(( لابد أنها كانت كذلك ، ولا أدري ما الفائدة من زواجها مرة أخرى وهي التي لم تستطع الاحتفاظ بعهود زواجها الأول ))
فنظر جيب إليها بغضب : (( أنا وكلير مجرد بشر ، أم أنك لا تفهمين ما اعني ،يا فاليري ؟ إنني أعلم انك محافظة تتوخين الكمال في كل شيء ، ولكن البعض منـــا لا يستطيعون الوصول إلى مستواك السامي ، لقد ارتكبنا أنا وكلير غلطة كبرى حين أسرعنا بالزواج قبل أن نعرف بعضنا البعض حقا ، وهذا الأمر يحدث دوما ، وهي هذه المرة لم تسرع بالزواج ، فقد عرفت ذلك الرجل منذ سنوات ، فهي الآن واثقة من زواجهما سيدوم )).
فقالت حدة : (( يا لك من متسامح )) ذلك أنها لم تعجبها طريقته في السخرية منها صحيح أنها تتوخى الكمال في كل شيء ، وهي لا ترى في هذا ما يستوجب منها الاعتذار عنه ، فهي عندما تتزوج ستتأكد من أن زواجها مناسب تماما وانه سيدوم مدى الحياة .
لو جيب فمه الواسع بسخرية وكأنه تكهن بما يجول في ذهنها : (( ولماذا لا أكون متسامحاً ؟ آه إنني اعلم انك تحتقرين التسامح ... فهـو في نظرك ضعف ،أليس كذلك ؟)) .
فردت عليه بحدة : (( كف عن وضع الكلمات في فمي ، آن بإمكاني أن أتحدث بنفسي لو شئت وشكراً)).
فهز كتفيه : (( حسنا ، لقد انهار زواجي منذ مدة طويلة ، وقد بقيت اشعر بالمرارة ،لكن كل هذا انتهى الآن وأنا أتمنى لها السعادة )).
كان المصعد الآن قد وصل إلى طابق المحررين فخرجت منه تبعها هو ، فألقت عليه نظرة جانبية (( هذا ليس الطابق الذي فيه مكتبك )) .
(( أنني لم أخبرك بعد بالخبر السيئ بعد )).
فتمتمت تقول : (( لا أحب سماعه ، والأخبار السيئة يمكنها دوما الانتظار )).
فقال ببطء وهو يدفع بشعره البني الكث بيده إلى الخلف : (( حسنا ، ربما كنت سمعته من قبل ، إنه عن استيبان ......)) .
فسألته مجفلة : (( وماذا بالنسبة إلى استيبان ؟ انه في باريس حالياً ظن حيث يحضر مؤتمراً عن التسويق )) .
كان استيبان سيباستيان مدير التسويق في الصحيفة ، وقد جذب فاليري منه شعره الأسود ووسامته الاسبانية وذلك منذ اللحظة التي رأته فيها ، وعندما كانا يخرجان معاً كانا يؤلفان رفيقين مذهلين ... هو بسمرة بشرته وهي ببياضها ، وكانت تستمع برؤية الناس يحدقون إليهما ، وفي الواقع لم تكن مغرمة به ولكنها ظنت ذلك أمراً محتمل الوقوع ، فقد كان بالضبط ذلك النوع من الرجال الذي تحب الزواج به .
كان بالعكس من جيب كولينغوود فهو جاد رزين مفكر مهذب للغاية ، ولديه نزعة شاعرية خفيفة لاحظتها منذ البداية . كانت تحب الرجل الذي يقدم إليها وردة حمراء ، ويعاملها وكأنها مصنوعة من الخزف السهل الانكسار ، وكان هدا يشعرها بأنوثتها ، وإذا تزوج استيبان ، فزواجه سيدوم إلى الأبد ، كما انه سيكون زوجاً رائعاً .
سألت بقلق : (( لا أظن حادثا وقع له ؟)) .
أجاب بلطف وعيناه البنيتان مسمرتان على وجهها تجاب : (( ليس بالضبط وإنما عقد خطبته )) .
أخذت تحدق إليه لحظة وقد اظلم وجهها ، ثم أطلقت ضحكة قصيرة : (( آه ، هذا مضحك )) .
فقال : (( هذه ليست نكتة ، إنه سيتزوج ايرينا ، أخت روز ايميري الصغرى غير الشقيقة )).
(( ايرينا ؟)) قالت فاليري ذلك بفتور ، وهي تتذكر تلك الفتاة الصغيرة ، والتي اشتغلت لمدة قصيرة في قسم الترجمة في الصحيفة ، كانت ايرينا حديثة السن إلى حد أنها فاليري ، لم تكن تعتقد إن من الممكن أن ينظر إليها استيبان بجد ، عادت تقول : (( لا تكن سخيفاً ، فما هي سوى مراهقة )) .
ولكن جيب حدق إليها بحدة: (( هذا الخبر صحيح يا فاليري )) وكانت لهجته جادة للغاية .
اشتبكت نظراتهما لحظة ما لبث الاحمرار بعدها أن صعد إلى وجهها إزاء النظرة التي بدت في عينيه ، فقد أدركت وقد تملكتها صدمة ، انه يخبرها بالحقيقة ، ولكنها ما لبثت أن تمالكت نفسها ، أترى ما بدا في عينيه هو العطف ؟.
قال جيب بهدوء : (( أنها طالبة في جامعة السوربون في باريس ، لقد عادت إلى الجامعة بعد أن انتهت من وظيفتها الصيفية هنا ، وبعد ذلك عندما كان استيبان هناك أثناء هذا المؤتمر الصيفي , تحدث إلى والدها ديس ايميري خاطباً ، انك تعرفين تقاليد الاسبانيين الشكلية بهذا الشأن فقد طلب استيبان الأذن من والدها لكي يحدثها عن الزواج ويبدو إن والدها منحه الموافقة )).
فسألته فاليري بغضب : (( وكيف عرفت كل هذا ؟)).
(( لقد أقاما حفلة الخطوبة في باريس حيث دعي إليها كثيرا من موظفي شركة كاسيبيان الدولية ، لقد كان جاك سمرز نائب استيبان في المؤتمر ذلك ، وهكذا ذهب إلى الحفلة وقد عاد هذا الصباح ، حيث تناولت القهوة معه منذ برهة ، أما استيبان فمازال في باريس ، ويبدو إن استيبان يخطط للعودة إلى مدريد ، فهو يشعر بالغربة في لندن ... ولكنه سينتظر إلى أن تنهي ايرينا سنتها الأخيرة في السوربون ، وبعد ذلك سيتزوجان ، وطبعا فإن جاك يأمل في أن يحصل على وظيفته بعد رحيله .))
كانت فاليري وهو يتحدث تجاهد في مقاومة مزيج من التفاعلات تملكها ، الصدمة ، عدم التصديق ، الكرامة المجروحة ، فقد كان كل خص في الصحيفة يعلم بأنها مهتمة باستيبان ، وسوف يتهامسون ويتساءلون إلى أي حد كان تألمها ... وكانت معرفتها بكل هذا جعلت الأمر أسواء ... فقد كانت فاليري تكره أن يشعر احد بالشفقة عليها ، وأخيراً استطاعت أن تمنح جيب ابتسامة باردة : (( حسناً ، هذا يبدو لي خبراً طيباً أكثر مما هو سيء )).
بدت لمحة من الإعجاب أو التسلية في عينيه ، ولم تهتم هي بما تكونه ، كل ما كانت تريده هو أن تبتعد عنه ، وفي هذه اللحظة تملكها الارتياح وهي ترى المحررة الجديدة في باب الشخصيات البارزة تشير إليها بصبر فارغ من طرف الغرفة الأخر ، فقالت له بسرعة : ( يجب أن اذهب فتلك كولي تشير إلي )) .
ودون أن تلقي عليه نظرة أخرى ، تركته مبتعدة بسرعة مجتازة غرفة الأخبار الحافلة بالعمل ، شاعرة بعيني جيب مسمرتين على ظهرها ، ما لذي كان يتوقعه ؟ أن تنهار وتشهق باكية على كتفه وهو يخبرها بان استيبان سيتزوج امرأة أخرى ؟
من حسن الحظ إنها لم تصل إلى مرحلة تغرق فيها بحب استيبان ، لقد كانت لديه كل المزايا التي كانت تتطلع إليها ، ولكنها كانت في منتهى الحذر . لقد كادت تصمم على أن تكون صداقتها لاستيبان جدية ، ولكنها فضلت الانتظار . وشعرت بوجهها يلتهب وهي تفكر في ما قد يقوله الناس ، كان لديها الكثير من الأصدقاء ولكنها كانت تعلم إن لديها ايضاً أعداء والذين لن يشعروا بالأسى وهم يرون استيبان ينبذها ، وإذا كان جيب الآن يظن أن حظه معها سيزداد الآن بعد ذهاب استيبان ، فعليه أن ينسى ذلك ، فقد أخبرته مرات ومرات بأنها لا تهتم به ، لكنه لم يتوقف قط عن المحاولة ، حسناً من الأفضل له أن يفهم الآن ، فهي لا تنوي الزواج من رجل ينظر إلى الحياة الزوجية بنفس النظرة الملتوية التي ينظر بها جيب كولينغوود .
دخلت إلى مكتب كوليت ذي الجدران الزجاجية ، وابتدأت تتكلم على الفور : (أنا اعلم إنني تأخرت ، ولكن تلك الحفلة الليلة الماضية استمرت حتى الثالثة صباحاً و .... )).
فقاطعتها كوليت : (( لا بأس الآن بالنسبة لذلك ، ولكن تلك الأقاويل التي كتبتيها عن ماك كاميرون ..)).
أجابت فاليري باهتمام وبسرعة لقد تفحصت هذا الأمر وإذا كنت تتذكرين فقد كنت قابلت المحامي الليلي بهذا الشأن ، وقد سمح بنشرها ، أن لدى الفتاة البوم كامل من الصور تضمهما معا على ظهر يخته ، في البحر الكاريبي ، وقد أعطتنا الصورتين اللتين نشرناهما ، كما رأيت تقريراً طبياً ، الفتاة حامل بكل تأكيد )).
فهزت كوليت كتفيها : (( حسناً ، إن محاميه يهدد بإقامة دعوى قضائية ، بينما هو ينكر الأمر كلياً ، فهو يقول ان الطفل ليس منه )).
جلست فاليري على حافة مكتب كوليت ، شاعرة بضعف مفاجئ في ركبتيها ، كان هذا هو الكابوس الذي يخاف منه كل صحفي ، ذلك إن خسارة الصحيفة لهذه الدعوى تعني نهاية مهنتها ، وقالت مفكرة بصوت عال مرتجف : (( من الطبيعي أن يكذب ، لقد صدقت الفتاة ، فقد كانت في الحادية والعشرين من عمرها فقط وحلوة للغاية )).
(( هل سألت كاميرون قبل نشر القصة ؟)).
فهزت فاليري رأسها : (( لم استطع الاتصال به ، فقد كان يمثل فيلماً في اسبانيا )).
(( ولكن هل حاولت ذلك )).
(( لقد اتصلت ببيته ، فقالت لي مدير منزله إنها لا تعلم متى يعود )).
فبدأ على وجه كوليت ذلك التعبير الساخر الغامض الذي أصبحت فاليري تعرفه ، فأنت لا تعرف قط ما الذي تفكر فيه كوليت إذا كان من المحتمل ان تقدم لك المساعدة في أية معركة تقوم أنت بها .
كانت كوليت امرأة في أوائل الثلاثينات من عمرها ، صغيرة الجسم رشيقة القد ، نصفها انجليزي والنصف الأخر صيني ما كونت معه مزيجا غير عادي ، كان لديها الحس الانجليزي بالدعابة والفكاهة إلى الهدوء والغموض ، كما كانت أيضاً لامعة في عملها ، وكان نيكولاس كاسبيان صاحب الصحيفة ، قد سرقها من إحدى الصحف المنافسة ، فهو منذ استلامه صحيفة سنتنال قد غير الموظفين القدماء فيها عدة مرات ، فقد اخذ ينقل الموظفين أو يحولهم من مكان لأخر ، أو يطردهم ، ويحضر موظفين جدد ، ويرقي آخرين ، وذلك في مجال البحث عن أفضل الموظفين لإبراز وجه الصحيفة الجديدة ، وكانت سنتنال إحدى أكثر الصحف الوطنية احتراماً بين القراء وذلك في عهد الإدارة الماضية ، ولكن انتشارها كان منخفضاً جداً ، فكان القسم الأكبر من دخلها يعتمد على الإعلانات الغالية ، وهكذا صمم نيكولاس كاسبيان على ترويج بيع الصحيفة وذلك بخطوات سريعة ، وهذا كان السبب الذي جعله يصطاد الصحافيين اللامعين أمثال كوليت حتى ولو بدفع أجور مرتفعة لهم .
كثير من الصحفيين الذين كانوا امضوا سنوات طويلة في الصحيفة ، كرهوا هذا التغيير الذي ينحدر بقيمها طلباً لرواجها في السوق . فكانوا يجلسون في المقهى في بلازا وهم يتذمرون من التغييرات الجذرية التي تكتسح العالم الذي عرفوه منذ سنين طويلة ، فكانوا يرحلون واحداً بعد الأخر إما بداعي التقاعد وإما لعثورهم على عمل أخر .
ولكن فاليري نايت كانت النموذج الذي يريده نيكولاس كاسبيان في الصحيفة فقد كانت مناسبة للطراز الذي يريد صحيفته أن تكون عليه ، فهو يريد كتابة متألقة عصرية مليئة بالحيوية تم أنها كانت طموحاً ، فقد راقت لها فكرة أن تتسبب في دعوى قضائية .
أخذت تتمتم قائلة : (( لا يبدو هذا النهار جيداً .)) ذلك أنها سمعت في أوله ، أن استيبان سيتزوج ، وهاهي ذي وظيفتها مهددة الآن ، حتى إن حدساً بذلك لم يساورها وهي قادمة إلى العمل كل ماشعرت به هو صداع خفيف بعد حفلة الليلة الماضية تلك ، ولو كانت علمت ماكان ينتظرها عند وصولها إلى المكتب ، لكانت فضلت البقاء في السرير .
قالت كوليت : (( الأفضل أن تجمعي كل براهينك فهناك اجتماع سيعقد الساعة الثالثة من هذا النهار وذلك في مكتب السيد كاسبيان ، وهو يريد أن يرى الصور الأصلية وكذلك صور الشهادات الطبي وأيضاً شريطك التسجيلي للمقابلة مع مولي غرين )).
فقالت فاليري عابســة : (( أتعلميـن ؟ إنني أصدقهـا تماما ، إن لها وجهاً لا يمكنك إلا أن تصدقيه ، وبعد فإن ماك كاميرون معروف بعلاقاته الكثيرة ، وجمهوره يتهافت عليه |، وهذا ما يساعده على ذلك )).
(( ربما كانت هذه هي المشكلة ، هل ذلك لأن الأمر مجرد حالة نفسية ؟)) قالت كوليت ذلك بجفاء ، بينما عبست فاليري قائلة : ( أظن هذا ممكناً )).
(( إن كاميرون لم ينكر أيا من علاقاته السابقة من قبل ، انه في الواقع يبدو مستمتعاً بسمعته هذه بصفته معشوق النساء ، ما يساعد على رواج أفلامه بكل تأكيد ، بعد سنوات قليلة سينتهي ذلك ، إن اتخاذ صديقات يساعد على إبقائه شاباً فتي المظهر ، وهو يتباهى بهن )).
فقالت فاليري : (( هذه المرة سيكلفه ذلك ثروة لأجل الطفل )).
أومأت كوليت برأسها ببطء : (( هذا صحيح حسناً ، احضري كل إثباتاتك إلى الطابق الأعلى الساعة الثالثة أتمنى لك حظاً سعيداً بأن يساندك المجتمعون )).
فسألتها فاليري غير واثقة من موقف كوليت معها : ((هل ستكونين أنت هناك ؟)).
(( طبعا فانا مسئولة عما يكتبه الموظفون عندي )).
كان صوت كوليت جامد لا يعبر عما إذا كانت تريد إن تساند فاليري أو تلقي بها للذئاب . والتقطت ورقة رأت فاليري فيها القائمة الصباحية لما يحتمل أن تكونه مواضيع الغد، و سألتها : (( هل التقطت أي شيء الليلة الماضية ؟)).
فقالت فاليري شاردة الذهن وقد شغلت بالها الدعوى القضائية التي تهددها (( بعض الأقاويل التي تصلح لتكون مقالات )).
(( أذهبي واكتبيها إذن ، ولكن لا تغامري بتجاوز الحدود بالنسبة لأي موضوع ، ومنذ الآن فصاعداً كل ملا تكتبينه يجب أن يفحصه المحامون مرتين ، اذهبي باكراً إلى الغداء فانا أريدك في المكتب الساعة الثانية والنصف على الأقل لأتمكن من مراجعة إثباتاتك قبل أن نصعد إلى الاجتماع لكي نواجه العاصفة ))
كان نذير بالشؤم يبدو في لهجتها ، وأومأت فاليري باكتئاب ثم عادت إلى مكتبها حيث كان أول ما قامت به هو الاتصال هاتفيا بمولي غرين ، وأجابت أم الفتاة التي بدت البرودة في صوتها عندما أفصحت فاليري عن اسمها .
(( لقد ذهبت إلى ديفون للإقامة مع ابنة عمها )) .
(( ومتى تعود ؟)).
(( ليس لدي فكرة عن ذلك )) .
قالت ببطء : (( اسمعي ، يا سيدة غرين ، من الضروري أن أتحدث إلى مولي ... )).
(( ضروري لمن ؟ لك طبعاً ، وهذا لن ينفع ابنتي بشيء انك لم تفيديها بشيء بالكتابة عنها في صحيفتك ، فقط ابتعدي عنها)).
وأقفلت الهاتف في وجهها ، فأجفلت فاليري ، حسناً أنها ستحاول مرة أخرى فيما بعد ، وفي أخر الغرفة المستطيلة وقع نظرها على دانيال بروتي محرر صفحة الأخبار الأجنبية ، وكان دانيال يعيش مع روز ايميري والتي هي إحدى مراسلاته من الخارج ، كما أنها أخت ايرينا غير الشقيقة التي سيتزوجها استيبان .
وتذكرت فاليري الخبر الذي كان جيب اخبرها به ، ثم تنهدت ، كلا لن يكون هذا النهار حسناً بالنسبة إليها ... ما الذي يحمله أكثر من هذا من الأخبار السيئة يا ترى ؟
تقابلت عيناها بعيني دانيال القاتمتين ، فأدركت من النظرة التي رأتها فيهما انه سمع بالدعوى القضائية ، ولا شك أن هذا الخبر يعم المجمع الآن ، ومن الغريب إن جيب كولينغوود لم يكن سمع عنها ، أو ربما لم يعلم بذلك حتى الآن سوى رؤساء التحرير .
كان جيب يعمل في قسم الأعمال في الصحيفة ، فيكتب المقالات الجافة عن المصارف التجارية ، وإصدار الأسهم وهبوط الفوائد أو ارتفاعها ، كان قد ابتدأ محاسباً في مصرف لندن التجاري وذلك لفترة قصيرة قبل أن يتحول إلى امتهان الصحافة ، وبمثل هذه الخلفية الثابتة الجادة ، كان غريباً أن لا يصبح رئيس التحرير .
قطبت جبينها ، ما الذي يجعلها تفكر فيه ؟ وكيف تسلل جيب كولينغوود إلى رأسها بينما لديها أمور أهم كثيراً وأكثر إزعاجا عليها أن تفكر فيها ؟ أبعدته عن ذهنها ، ثم عادت إلى مكتبها ، فتحت جهازها الكمبيوتر أولاً ، ثم أخرجت من حقيبتها دفتر ملاحظاتها ثم آلة التسجيل التي كانت سجلت عليها مقابلاتها في الزاوية الهادة أثناء حفلة الليلة الماضية .
استمعت إلى التسجيلات بأجمعها حيث أدركت إن كثيراً منها محفوفة بالمخاطر ، فتنهدت ثم أخذت تطبع قطعة قصيرة عن ويسكس أستوديو في الكمبيوتر مستعملة القطعة المطبوعة التي سبق وأرسلتها إليها سابقاً شعبة الدعاية من الأستوديو ، إنهم على الأقل لن يرفعوا عليها دعوى لأجل موادهم هم .
استغرق الانتهاء من طباعة المقالات عن الأقاويل التي التقطتها في الحفلة ، استغرق ثلاثة أرباع الساعة ، فنزلت إلى بلازا لتشتري سلطة جاهزة للغداء من مطعم توريلي ، ثم أخذتها معها إلى الحدائق القائمة على ضفاف النهر لتجد أكثر المقاعد الخشبية مشغولة ، لقد كانت لندن تستمتع بموجات الحر الأخيرة لهذا الصيف ، ابتدأ من شهر أيلول يوم الثلاثاء ، وأصبح الخريف في الطريق ، وقد استغل اللندنيون هذا الجو ، فقد كان يمكن أن يتغير في أي لحظة ، ولهذا كانت الحدائق مليئة بالناس الذين كانوا يتناولون غداءهم في أشعة الشمس وهذا تقليد قديم في باربري وارف .
وجدت فاليري مقعداً خالياً تحت شجرة فتناولت سلطتها بشوكة صغيرة من البلاستيك زودها روبرتو بها ، ثم شربت علبة من عصير البرتقال وارتاحت عدة دقائق أخذت أثناءها تتفرج على مراكب نقل البضائع المغطاة بالمشمع والتي كانت تتهادى ببطء نحو جسر البرج .
كانت تتمنى لو بإمكانها البقاء هنا طوال بعد الظهر ، ولكن كان عليها أن تعود ، وهكذا تنهدت وهي تنهض واقفة لتعود إلى المكتب ولكنها وهي تستدير رأت جيب كولينغوود هابطاً درجات الحديقة وكانت بجانبه فتاة كانت تتحدث معه ، أدركت فاليري أنها سبق ورأت هذه الفتاة من قبل ولكنها لم تتذكر أين .
من تراها تكون ؟ وقطبت فاليري جبينها محاولة أن تتذكر وفي هذه اللحظة انزلقت قدم الفتاة على الدرجة ، وترنحت نحو الأمام ، ولكن جيب امسكها من خصرها ثم أوقفها مرة أخرى ، تمسكت هي بقميصه ، ثم رفعت بصرها إليه وهي تضحك له ، فبادلها هو ذلك بابتسامة عريضة وعيناه البنيتا اللون مليئتان بالجاذبية ، كان على الناظر أن يكون أعمى لكي لا يرى العلاقة الحميمة التي بينهما .
رأت فاليري ذلك فشعرت بطعنة حادة بين أضلعها ، فأشاحت بوجهها غاضبة ، ماذا جرى لها ؟ لم يكن في هذا ما يدعو إلى الدهشة ، الم تكن دوماً تعلم أنه شاب عابث ؟
عادت فاليري إلى مجمع باربري وارف حيث استقلت المصعد إلى طابق رؤساء التحرير وهي تطيل التفكير في الطريقة التي كان جيب ينظر بها إلى الفتاة .
ومن الآن فصاعداً لن تسمح لجيب كولينغوود بأي اتصال بها ، ولكن أين رأت تلك الفتاة ؟ وهل هي تعمل مع جيب في قسم أخبار الأعمال .
وفي الساعة الثالثة إلا خمس دقائق من عصر ذلك اليوم ، اتجهت فاليري و كوليت تسي إلى مكتب سكرتيرة نيكولاس كاسبيان ، وكانت هيزل فان ليدن تتحدث في الهاتف فرفعت بصرها إليهما وهي تبتسم لهما بأدب وشيء من الشرود مشيرة إليهما بالجلوس بينما هي مستمرة في حديثها .
(( نعم ، يا سيد لينكولن ، هذا سيكون شيئاً حسناً تماماً ، نعم الساعة الثالثة من بعد الظهر الثلاثاء القادم ، كلا ، اسأل مكتب الاستقبال عمن سيذهب لملاقاتك ، اهلاً وسهلاً وشكراً))
وضعت السماعة في مكانها ، ثم التفتت إليهما وهي تمنحهما ابتسامة أخرى من تلك الابتسامات الآلية المهذبة والتي لم تكن تبدو في عينيها : (( إن السيد كاسبيان يتحدث إلى المحامين ، وسيتصل بي عندما يريد رؤيتكما ، أنني واثقة من أنه لن يجعلكما تنتظران طويلاً )) .
كانت هيزل ودوداً دافئة الحديث ، في العادة ما جعل فاليري تهتز لما لمسته من تغير في سلوكها ، أترى ذلك نذير شؤم لما عسى أن يحصل عندما تدخلان إلى مكتب كاسبيان ؟
فسألت هيزل : (( كيف حال بيت ؟))
ألقت هيزل عليها نظرة غريبة ، ثم قالت بلهجة عفوية : (( إنه بخير شكراً )) ولكنها لم تبتسم ، ثم نهضت وسارت إلى خزانة الملفات تضع رسالة في إحداها ، بينما كانت فاليري تعظ شفتها ، حسنا ذكرها لبيت لم ينفع ، ولكنها في الواقع شعرت بأنها أخطأت ولابد أن الأمر أكثر خطورة مما كانت تخاف ، ما الذي كانت هيزل تعلمه عنها أتراهم سيطردونها من العمل .
ولكن قد يكون الأمر مجرد خطأ منها في ذكر زوج هيزل ما ذكرها به وهي التي لا تراه إلا لماماً ، بعد أن أصبحا مرغمين حالياً على العيش مفترقين في بلدين مختلفين ، وهذا لا يناسب عروسين رغم أنهما يجتمعان في معظم العطل الأسبوعية .
لم يكن قد مضى على زواج هيزل شهران ، وذلك من بييت فان ليدن ، المهندس الهولندي والذي كان يعمل مع شركة كاسبيان العالمية لمدة سنوات ، وكانت هيزل قد عادت للعمل عند كاسبيان منذ رجوعها من شهر العسل ، فقد كانت تتناول أجراً مرتفعاً وقد لا تتمكن من الحصول على عمل أخر بمثل هذا الأجر .
كان بييت يعيش في هولندا حيث كانت شركة كاسبيان الدولية تبني مجمعاً ضخماً لمختلف أنواع الطباعة والتي ستسد حاجات كل الصحف التي تضمها الشركة ، وكان بييت رئيس مهندسي كاسبيان في أوروبا ، وكان لا يكف عن التنقل من بلد إلى بلد كما يملي عليه عمله ، ولم يكن قد استقر بعد في مكان خاص .
كانت لديه أسرة في هولندا ، طبعاً تضم والجيه والذين تقاعدا الآن ويعيشان في الريف بهدوء ، وشقيقته ليلي والتي كانت تعيش في مدينة صغيرة في ميدلبورغ مع زوجها الدكتور هانز كيرك وولديهما كاريل وكارين .
ولابد أن هذا التغيير المفاجئ من ذلك الاحتفال إلى العودة إلى الحياة العادية في المكتب ، لابد أنه السبب في تغير مزاج هيزل هذا .
فجأة سمعت فاليري صوت رجل يرتفع من خلف باب مكتب نيكولاس كاسبيان ، فشعرت براحتيها تنضحان بالعرق ، ما الذي كانا يقولانه ؟.
انفتح الباب المؤدي إلى الممر ، ما جعلها تجفل وتنظر حولها وقد اتسعت عيناها وخصوصاً عندما عرفت القادم الجديد .
كان هو الفتاة التي تسير مع جيب ، منذ فترة عند ضاف النهر ، وقد سارت بسرعة إلى مكتب هيزل حيث وضعت عليه ملف أوراق ازرق اللون ، وهي تقول )): إنها المستندات التي طلبها السيد كاسبيان )).
فقالت هيزل بذهن شارد : (( آه ، شكراً يا صوفي )) فأومأت الفتاة برأسها ثم عادت فخرجت وهي تلقي على المرأتين الأخريين نظرة مختصرة ، وقد بدت بالغة الأناقة .
لم تستطع فاليري أن تصبر على ذلك ، فهي تريد أن تعرف من تكون ، فسألت هيزل : (( من هي هذه الفتاة ؟)).
وردت هذه بدهشة ك (( صوفي واطسن )) .
(( وأين تعمل ؟)) .
(( أنها سكرتيرة بالدائرة القانونية )) .
فقالت فاليري : (( لابد إنني رأيتها من قبل )) .
فقالت هيزل دون اهتمام : (( هذا ما أظنه .))
كانت فاليري غالبا ما تزور الدائرة القانونية لكي تستوضح بعض الأمور القانونية بالنسبة لما تكتبه ، ولابد أنها كانت ترى صوفي هناك دون ان تعيرها انتباهاً حقيقياً .
نهضت هيزل واقفة ثم سارت إلى مكتب كاسبيان حاملة الملف الأزرق معها ن بينما ألقت كوليت على فاليري نظرة جانبية : (( لا تكوني متوترة بهذا الشكل فهم لن يأكلوك )) .
فتمتم فاليري تقول : (( أحقاً ))
ضحكت كوليت : (( اسمعي ، إن الأمور ليست بهذه الكآبة ، إن محامي الشركة سمح لك بالنشر ، وهذا شيء هام في صالحك ، كما أن الشريط المسجل عليه المقابلة هو شاهد ايجابي أخر معك ، فإذا كانت مولي غرين تكذب فهم لن يلوموك ، لقد كانت براهينها مقنعة للغاية ، وبعد أن رأيت تلك الصور لا أتصور كيف يمكن لماك كاميرون أ ن يربح دعوى ضدنا )) .
نظرت فاليري إلى كوليت شاكرة ( أتظنين هذا حقاُ ؟ أرجو وان تكوني على صواب وشكراً جزيلاً لمساندتك لي )) .
فقالت كوليت ببرودة : (( إنني رئيسة تحرير قسم الشخصيات فأنا المسئولة عما يكتب في صفحتي ، أياً كان كاتبها )).
عادت هيزل وأبقت الباب مفتوحاً وهي تقول : (( إن السيد كاسبيان سيراكما الآن )) .
خفق قلب فاليري بعنف ، ثم تبعت كوليت إلى الغرفة والتي بدت لأول وهلة مليئة بالرجال ، ولكن الرجل خلف المكتب كان هو المهم ، مهما كان عدد الرجال الموجودين ، فإن نيكولاس كاسبيان هو الذي يجذب الأنظار دوماً ، فقد كانت شخصيته طاغية بحيث لا يمكن تجاهلها .
لم يكن وسيماً ن فقد كان أكثر خشونة من أن يعتبر كذلك .... كان يهيمن على أي غرفة يدخلها ، أحست فاليري انه عندما يقرر شيئاً فهو لن يتراجع عنه أبدا .
ولم تشاء أن تتصور نفسها ضده في أية معركة يخوضها كان ثمة كرسيان وضعتا \لأجلهما أمام مكتبه الفخم المكسو بالجلد ، أشار إليهما بالجلوس وقد بدا العنف في نظراته (( اجلسا من فضلكما ، يا آنسة نايت ويا آنسة تسي )) .
امتثلتا لذلك ، ونظرت فاليري حولها ، إذا بها ترى فجأة إن هناك امرأة أخرى ، كانت جينا تيريل جالسة بجانب النافذة .
وعندما تلاقت أعينهما منحتها جينا ابتسامة ودود ، فبادلتها فاليري ابتسامتها بسرعة وقد سرها وجود جينا ، لقد جعلها هذا تشعر إن ثمة شخصاً على الأقل يتعاطف معها ، وجينا لديها النفوذ .
قبل إن يضم نيكولاس كاسبيان صحيفة سنتنال إلى امبرطوريته الواسعة ، كانت تملك الصحيفة أسرة تيريل لعدة أجيال ، وكان أخر أصحابها ، السير جورج تيريل ، يحلم بالانتقال بها من شارع فليت للصحافة إلى مبنى أكثر اتساعاً ، بجانب النهر ، ولكن شراء مبنى باربري وارف ، ثم بناء مجمع ضخم يعني استدان مبلغ كبير من المال ، وعندما ابتدأت الفوائد ترتفع ، وجد السير جورج نفسه في مصاعب مالية خطيرة ، وكان ذلك حين ابتدأ نيكولاس كاسبيان يهتم بأمر الصحيفة .
ثم دار نضال بين الرجلين انتهى بإرغام السير جورج على توقيع اتفاقية مع كاسبيان ، وبعد ذلك بمدة قصيرة توفي الرجل العجوز تاركاً كل أملاكه لجينا ، أرملة حفيده جايمس ، وكانت جينا تزوجت من أسرة تيريل عندما كانت صغيرة السن ، وترملت بعد سنتين فقط .
وإذ كانت يتيمة الأبوين فقد استمرت في العيش مع السير جورج تيريل والذي دمره موت حفيده بأكثر مما دمر جينا ، فكان بحاجة إلى كل التعزية التي كان بإمكان جينا أن تمنحها له ، وكان في مقدار حاجته الكبيرة إليها تعزية لها هي الأخرى ، وزادهما مرور السنوات قرباً من بعضهما البعض ، مما جعل من وفاة السير جورج صدمة كبرى لها .
كل من يعمل في الصحيفة كان يعلم ان جينا تعتقد ان اللوم يقع في التسبب بوفاة السير جورج يقع على عاتق نيكولاس كاسبيان ، فقد كان السير جورج يحضر حفلة عشاء أقيمت في باربري وارف ، للموظفين قبل الانتقال النهائي من شارع فليت مباشرة ، وكان معظم الحاضرين قد سمعوا أقاويل وشائعات عما حدث ، لكن لم يعلم احد بالضبط ما الذي تسبب في إصابة الرجل العجوز بتلك النوبة القلبية ، وكان الشيء الوحيد المؤكد الذي عرفه الناس هو أنه صدر عن جينا هجوم عنيف ، ليلة وفاة السير جورج ، وقد سمع الكثير منهم ما قالته .
ومع أنها استمرت منذ ذلك الحين ، في العمل بشكل مباشر مع نيكولاس كاسبيان ، وكانت عضواً في مجلس الإدارة ، كان معروفاً أن جينا كانت كثيراً ما تتشاجر مع نيكولاس ، وتعاكس قراراته ، وكانت الشائعات والأقاويل سريعة الانتشار في باربري وارف ، ولكن بعض تلك الهمسات كانت حقيقية تماماً ، وطالما رأت فاليري جينا ونيكولاس معاً ، كانت تعلم أن عداوة متأصلة بينهما .
قال نيكولاس كاسبيان بهدوء : (( هذا اجتماع تمهيدي فقط ، يا أن آنسة نايت ، هل تعرفين محامينا ؟ غاي فوكنر وهنري ساندال ؟))
نظرت فاليري إلى الرجلين الجالسين بقربه ، والذين نهضا يصافحانها ، كان أكبرهما سناً هو هنري ساندال ، وكان أصلع قصير القامة ذا وجه شاحب بيضاوي الشكل ، وكانت قابلته في عدد من المناسبات ، وكان يبدو دوماً مهذباً حيادياً وهي عادته التي لمستها فيه .
أما الأصغر وهو غاي فوكنر فقد كان اقرب سنا إليهما ، ذا عينين زرقاوين ووجه نحيل عليه إمارات الذكاء ، وكان قد حصل على شهادة الحقوق في وقت متأخر عن المعتاد نوعاً ما إذ أنه كان حصل على هادة في الفنون وأصبح صحافياً قبل أن يقرر تفضيله دراسة الحقوق وتبعا لخلفيته تلك ،ظ كان خبيراً بأحكام الصحيفة القضائية .
قالت فاليري تجيب على سؤال لكاسبيان : (( نعم ، كان السيد فوكنر هو الذي أعطاني الرخصة بنشر مقابلتي لمولي غرين )).
فنظر السيد فوكنر إليها بجفاء : (( وهل أحضرت معك شريط التسجيل ودفتر الملاحظات الذي دونت فيه المقابلة مع مولي غرين ، يا آنسة نايت ؟)).
أجابت فاليري وهي تضع هذه الأشياء على المكتب ( نعم ، وكذلك الصور التي أعطتني إياها )).
نشر غاي فوكنر الصور بشكل مروحة ، واخذ ينظر إليهم ثم قال لاوياً شفتيه : (( إن كاميرون ابتدأ يفقد شعره ، وهذا يبدو بوضوح في هذه الصور ، هل نشرنا هذه الصور ؟ ربما هذا هو السبب في تهديده بمقاضاتنا .))
فنظر هنري ساندال وقد بدأ الدهاء في عينيه : (( قبل أن نسمع الشريط أو ننظر في دفتر الملاحظات أريدك أن تخبريني بالضبط عما تتذكرينه من تلك المقابلة خصوصاً بالنسبة للفتاة نقسها ، ماذا كان انطباعك الحقيقي عنها ، يا آنسة نايت ؟ هل تعتقدين بصدقها كلياً ؟ هل ساورتك أية بادرة شك فيها ؟ ولا تدعي التوتر يتملكك ، فأنت لست أمام المحكمة )) وابتسم لها برقة ولكن فاليري لم تصدقه .

[/size][/QUOTE]


شمسا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-07-15, 03:30 PM   #22

Hamody babiker

? العضوٌ??? » 337213
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 80
?  نُقآطِيْ » Hamody babiker is on a distinguished road
افتراضي

مشكورررة......

المحتوى المخفي لايقتبس[/quote]


Hamody babiker غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-07-15, 03:35 PM   #23

دينا كيرو

? العضوٌ??? » 336545
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 88
?  نُقآطِيْ » دينا كيرو is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

دينا كيرو غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-07-15, 03:50 PM   #24

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس




احمر زجه فاليري ، واكتسح ملامحها مزيج من المشاعر ، الغضب ، جرح الكرامة ، الدهشة ، ومضت لحظة تملكتها فيها الدهشة ما جعلها تقول متلعثمة : (( أنا ... أنت ... هل ذلك ... ما تفكر فيه ؟ إنني لا أفكر إلا بالمال ؟ انك تقول ذلك فقط لكي ترضى كبرياءك حسناً انك مخطئ ن فلو كنت مليونيراً لما خرجت معك ))
فقال من خلال أسنانه وقد احمر وجهه : (( شكراً )).
سرت للتأثير الذي أحدثه كلامها ، فقالت بحدة : (( كما إنني لا أصدق قولك عن غاي فوكنر ، إنني لم اسمع قط أنه خاطب ، ولو أنه خاطب لذكر هذا )).
فقال ببطء (( لقد كان صحيحاً بالنسبة إلى استيبان )) فعضت سفتها ، وردت عليه وقد التهبت عيناها غضباً (( ما عدا أن زوجته ميتة )) .
(( ولكن خطيبة غاي حية ، إنني اعرفها ، إن اسمها هو هارييت ريدجواي ، وهي محامية رغم أنها لا تبدو كذلك ، فهي تبدو في التاسعة عشرة ، رغم انها في حوالي الخامسة والعشرين تعارفا أثناء دراستهما الحقوق ، ولكنهما قررا عدم الزواج قبل أن يؤسسا حياتهما ، فهارييت حريصة على مهنتها وتريد أن تستمر فيها بعد الزواج )) .
لكن فاليري ما زالت غير مقتنعة : (( وكيف عرفتها أنت ؟))
(( أنها جارتي في السكن ، وكنا نتبادل الأحاديث من وراء سياج الحديقة )) .
فقالت غير مصدقة : (( وهل تشتغل أنت في الحديقة ؟ ))
فقال بابتسامة عريضة : (( ليس تماماً ، كنت أنظر من فوق سياج حديقتي فرأيت هذا المنظر ... هي في ثوب البحر تأخذ حماماً شمسياً ، وهكذا ... )).
(( لست بحاجة إلى رسم صورة لذلك ، فيمكنني تصور البقية ... )) وشعرت فاليري بمبلغ ما هو عليه من عبث .
ابتسم جيب لها ، وهو يقول : (( أخبرتني بأنها مخطوبة ، وذلك منذ أول يوم ، إلى محام في سنتنال ، وكانت هذه صدفة غريبة ، كان عليك أن تري وجهها وأنا أخبرها بأنني أنا أيضاً أعمل في تلك الصحيفة ، ومنذ ذلك الحين وأنا أعطيها نصائح في شراء الأسهم ، أن أسرتها غنية ، ووالدها قاضي ... ولابد أنك سمعت باسمه ، فأسم القاضي ريدجواي دوماً في عناوين الصحف ، وقد تركت هارييت منزل أسرتها لكي تبتعد عنه ، كما أظن ، فهما غير منسجمين مع بعضهما البعض، ولكنها تقول إنه مسرور بخطبتها هذه إلى غاي لأن أسرة غاي فوكنر ثرية للغاية )).
قطبت فاليري جبينها : (( لقد أخبرني غاي أنه شق طريقه إلى معهد الحقوق بنفسه ، وأنه تعلم كيف يعيش على مبلغ تافه جداً أسبوعياً )).
(( ربما كانت أسرته ترفض مساعدته ))
فقالت ببطء : (( أظن ذلك )) وإذا بها ترى كوليت قادمة نحوها وقد بان فروغ الصبر على وجهها : (( الم تتحدثي إلى المحامي بعد ؟)).
فأومأت فاليري برأسها : (( أنه يرى أن علي أن أذهب ن وأعطاني قائمة بالأسئلة التي علي أن ألقيها على مولي أن بعضها لم يعجبني تماماً ن فهي شخصية جداً ... بالنسبة إليها وإلى ماك كاميرون ، إذا يطلب تفاصيل دقيقة عما حدث بينهما ، وكيف كان يعاملها ، عن هذا سيحرجها جداً ... إنني واثقة من ذلك )) .
فقالت كوليت ك (( عليك فقط أن تلقي عليها هذه الأسئلة ، يا فاليري ، ثم تري ردة الفعل لديها ، والأفضل أن تذهبي إليها الآن ، وإلا فلن يمكنك العودة هذه الليلة أبداً ، هل وجدت أحداً يقود بك السيارة ؟)) .
(( كلا ، ولكنني فكرت ... في أن بإمكاني التنكر ... إن لدي شالاً للرأس لإخفاء شعري ، وكذلك يمكنني وضع نظارات سوداء ، وقد أمسح زينة وجهي بأكملها ... إنني أفضل القيام بذلك على أن اتمدد في المقعد الخلفي تحت البطانية )) .
فبدا الشك على كوليت : (( قد يميزون سيارتك ))
فقال جيب بهدوء : (( أنا سآخذها بالسيارة )).
قالت فاليري بحدة : (( كلا )) .
نظرت كوليت إليه مفكرة : (( وماذا بالنسبة إلى عملك ؟ لا يمكنك أن تتركه )) .
(( إنني في عطلة هذا النهار ، لقد جئت لرؤية بعض الأشخاص ، ولكن عطلتي هي حتى يوم الثلاثاء )).
فقالت كوليت باسمة : (( هذا رائع إذن ، شكراً لك )) .
قالت فاليري وقد ذعرت لفكرة وجودها مع جيب في السيارة وحدهما مدة طويلة ، قالت تعترض : (( كلا ، لا أريد منه أن يأخذني في سيارته )) .
نظرت كوليت إليها بفروغ صبر : (( لماذا تجادلين على الدوام ؟ فأنت لا تريدين إلقاء أسئلة شخصية على مولي ، وكأن هذا ليس من صميم عملك الذي تقبضين أجراً عليه ، كما أنك لا تريدين مصوراً ثم لا تريدين رجلاً يأخذك بسيارته إلى هناك ، تريدين هذا ولا تريدين ذاك ... أن وظيفتك هي أن تذهبي إلى مولي غرين للسعي كيلا تخسر سنتنال مبالغ كبيرة بسببها ، فكفى عن وضع العراقيل وتابعي عملك ... وإلا فستجدين نفسك تبحثين عن عمل أخر ، أن جيب سيأخذك في سيارته ، وستختبئين في المقعد الخلفي تحت بطانية إلى أن تتأكدي من أنك غير ملاحقة من قبل من هم ضدنا ، وستعودين بكل ما يريد المحاميان معرفته ن هل فهمت ؟)).
فقالت فاليري بنفور غاضب : (( فهمت )).
استدارت كوليت على عقبيها ثم خرجت طن فحملت فاليري حقيبتها ن متجاهلة جيب ، ووضعت فيها دفتر الملاحظات وعدة أقلام ، و المسجل وعدة أشرطة احتياطية ، ثم وضعت على عينيها نظارات شمسية ن وربطت شعرها بشال ، ثم سارت بسرعة فائقة نحو المصعد .
أبقى جيب مسافة بينها وبينه ن دون أن ينطق بكلمة ، ما جعل لديها شعوراً هو مزيج من الارتياح والندم .
أنه ينتهز كل فرصة للاقتراب منها ن وقد أصبحت علاقتهما حميمة إلى حد شغل بالها ، فقد أصبح يعرف عنها الكثير من أمور لم تكن تريده أن يعرفها ، كما أنها هي أيضاً عرفت الكثير عن جيب ، كيف يتجعد جلده حول عينيه عندما يبتسم ، وكيف ينفجر طبعه ، روحه الفكاهية ،أنها تعرف جيب جيداً الآن ، ولكن هذا كان شيئاً خطراً كذلك لأنها كلما ازدادت معرفة به ، كلما ازداد شعورها بالمودة نحوه ، وهي لا تريد أن تشعر بهذا الميل نحو رجل لا تثق به .
كان هذا مزعجاً ملأ فاليري خوفاً ن وربما كان جيب تكهن بذلك لأنه لم يتحدث على الإطلاق طوال فترة وقوفهما في المصعد إلى حيث وقف السيارات تحت الأرض ثم إلى حين وصولهما إلى سيارتها .
ثم قال : (( إننا سنذب في سيارتي لكي لا ينتبه إليك أحد ، ثم أن لدي دثاراً في السيارة )) وتوجه إلى سيارته الجاغوار ذات اللون الأحمر القاتم ،وفاليري تتبعه ببطء ن فتح باب السيارة ، وتناول من المقعد الخلفي دثاراً صوفياً وهو يقول : (( أجثمي في المقعد الخلفي ، سأغطيك بهذا الدثار )) .
فقالت متجهمة الوجه : (( إنني لن أقوم بهذه الألعاب الحمقاء ، إن بيني والآخرين لا بد قد يئسوا الآن وذهبوا ))
فنظر إليها جيب بجفاء : (( وإذا كان هذا لم يحدث ؟))
فبادلته النظر مترددة ثم قالت : (( حسناً ، لا بأس )) .
صعدت إلى المقعد الخلفي وجثمت في القاع أمام المقعد الجلدي الطري ، بينما وضع جيب الدثار فوق رأسها ن فقالت متذمرة وهي تزيحه عن وجهها : (( إنني سأختنق )) .
فأعاد وضع الدثار وهو يقول : (( كلا،| انك لن تختنقي ، أبقي هكذا فقط إلى أن نبتعد تماماً عن هذا المكان ، وأتأكد أنا من أن لا أحد يتبعنا )).
سمعته يصعد إلى مقعد القيادة ، ومن ثم تحركت بهما السيارة وهي تهدر ، كانت فاليري غير مرتاحة على الإطلاق ، فقد متشنجة الجسم تحت الدثار ، وهو وضع لا يمكنها تحمله لمدة طويلة .
بدا وكأن دهراً مضى قبل أن تبطئ السيارة في سيرها وتسمع صوت جيب يقول هازلاً : (( حسناً يمكنك الخروج الآن )) .
ألقت عنها الدثار ، وأخذت تنظر من النافذة ، فقال : (( لا تخافي ، فلا أحد يتبعنا ، هل تريدين الانتقال إلى جانبي ؟))
فخرجت من السيارة وصعدت إلى المقعد الأمامي بجانبه ، فعاد ينطلق بالسيارة بسرعة ، ولكنها لاحظت أنه غير مجازف ... فقد كان سائقاً جيداً ، سريع التفكير وخبيراً بالتعامل مع السيارة ، مرا بلوحة تشير إلى منطقة مانشستر فقال : (( إن لي عمة في مانشستر ويمكننا التوقف عندها لنتناول فنجان شاي )).
(( ليس لدينا وقت )) سارعت تقول ذلك قبل أن تدرك أنه كان يمزح ، فقالت : (( هل كل أسرتك من غرب البلاد ؟)) .
(( ان والدي يعيشان الآن في شافتسبري ، ولكنهما انتقلا إلى هناك بعد أن تقاعد أبي ، كان يعمل في بنك انكلترا في شارع تريدنيدل ، طوال حياته ، وقد عشنا في هايغيت عندما كنت صغيراً ، ولكن أمي كانت دوماً تحن إلى الحياة في الريف ، فكنا نذهب في الإجازات إلى دورست ، كانت تحب التنقل وتحب زيارة كل الأماكن التي كانت تجد أسماءها في الكتب ، أما أنا فكنت أحب السباحة وركوب الخيل ، كما كان أبي يلعب الغولف ، وهكذا كانت دورست تناسبنا جميعاً )).
(( هل لديك أخوة وأخوات ؟)).
(( لي أخت وأخ ، فأخي طبيب في مستشفى كير في ليدز أما أختي فتشتغل في وكالة اعلانات حيث تقوم بأعمال فنية ، لم يتزوج واحد منهم بعد ، فجيمبو ليس لديه وقت ، أما أليس فمسرورة جداً بكونها عزباء )).
(( هل هما أصغر سناً منك ؟)) .
فأومأ يقول ( لقد ولدت أنا أولاً ، ثم جاء جيمبو بعدي بأربع سنوات )).
(( ما هو أسمه الحقيقي ؟ جايمس ؟)).
فضحك قائلاً : (( جيميسون ، سبق وأخبرتك بأن أمي شاعرية الميول ، فهي تحب الأسماء الغربية )) .
(( ولكن اسم أليس ليس غريباً ، وإنما قديم الطراز نوعاً ما )).
((آه، ولكن أليس ليس هو الاسم الذي اطلقته أمي عليها ، أنها تدعو نفسها أنها تدعو نفسها أليس ، ولكن اسمها الحقيق هو هيكوبا )) .
فأخذت فاليري تضحك وتقول : (( أنك تمزح )) .
فهز رأسه : (( كلا ، مع الآسف ، كنت في العاشرة عندما ولدت ، وأتذكر إنني فزعت من هذا الاسم ، وقد أقنعناها ، أنا وجيمبو ، بأن تغير أسمها قبل أن تبدأ المدرسة ، وحيث أن كتاب أليس في بلاد العجائب كان و المفضل لديها ...)).
((يبدو أن أسرتك غريبة الأطوار )).
(( أبي ليس شاعرياً أو غريب الأطوار ، وهو عملي تماماً ، وستحبينه )) .
سكتت لدى افتراضه أنها ستقابل والد ، بينما سألها هو : (( وماذا بالنسبة إلى أسرتك ؟ يعيشون ؟ )).
(( في أسكس ، عند بوكيرست هيل )) قالت ذلك باختصار لا تريد أن تحدثه مطولاً عن نفسا وأسرتها .
(( أليس هذا المكان قريباً من غابة أيبين حوالي عشرة أميال بعيداً عن لندن ؟)).
فأومأت : (( حسناً ، إنه جزء من لندن تقريباً ، الآن ولكنني عندما كنت صغيرة كان جوه ريفياً تقريباً ، ومن حسن الحظ أنهم لا يستطيعون البناء في الغابة ، وإن كانوا شقوا طرقاً فيها )).
(( هل نشأت هناك وماذا يعمل والدك )) ترددت فنظر إليها بعينين ضيقتين : (( هل مازال حيا؟ )).
فقالت باختصار : ((( نعم ، ولكن والدي تطلقا عندما كنت في السابعة ، ولا أدري أين هو الآن )).
(( آه)).
جعلها هذا الصوت الحاد تعبس وقد احمر وجهها : (( ماذا يعني هذا ؟ )) .
(( هيا ، إنك تعلمين ماذا يعني ، طالما أتساءل عن كرهك للطلاق ، وأنا اعرف السبب الآن ، فقد حزنت كثيراً عندما رحل والدك ، ولم تنسي هذا قط ، هل تزوجت أمك مرة أخرى ؟)).
(( نعم ، وأنا أحب زوج أمي كثيراً وقبل أن تقفز إلى استنتاجات أخرى ، فهو أب عطوف أكثر مما كان أبي الحقيقي ، دوماً كنت أناديه بابا )).
فسألها : (( إذن ، فالزواج الثاني كان سعيداً ؟))
أجابت بحدة : )) نعم أنهما سعيدان جداً معاً ، وقد مضى على زواجهما اثنا عشر عاماً الآن ، وقد بقيت أعيش في البيت على أن صرت اكتسب مالاً كافياً يمكنني من استئجار شقة قريبة من مكان عملي ، وما زلت أزورها كلما استطعت )).
فقال ببطء : (( ليس ثمة حاجة إلى التحدث بهذه اللهجة الدفاعية ، ل أنت تشبيهين أمك ؟ )) .
فقالت ومازالت عابسة : (( نعم ، أظن هذا ، كما ان شعوري نحو الطلاق ليس سؤالاً سلاً كما تظن ، نعم لقد كرهته عندما تفرق والداي وخرج أبي من حياتي ، لقد تألمت لأنني كنت أحبه كثيراً وكنت أظنه يحبني هو أيضاً ، ولكن بعد الطلاق لم أره سوى مرات معدودات ، وبشكل مختصر جداً ثم توقف عن المجيء فقد نسي كل شيء عني ، ولكنني نسيت ذلك تدريجياً ن خصوصاً بعد أن تزوجت أمي مرة أخرى ، كان زوج أمي رجلاً رقيقاً للغاية وبالغ الطيبة والرفق ، فأعادنا أسرة مرة أخرى ، ثم كبرت أنا ، وكنت من الغباء بحيث وقعت في غرام شاب تبين فيما بعد انه متزوج ، ولم يخبرني بذلك إلا بعد وقت طويل ، تألمت أنا ، وكذلك زوجته ، والأسوأ من ذلك أن أولاده تألموا هم أيضاً بعد أن سمعوا الكثير من الفضائح ، ومنذ ذلك الحين قررت عدم التورط مع الرجال المتزوجين على الإطلاق ، مرة أخرى )).
(( ولكنني لم أعد متزوجاً ، وقد تزوجت زوجتي السابقة مرة أخرى وهي حامل الآن )).
(( أعلم هذا ... ولكن ... إن هذا لا يشكل فرق ، فمازلت أفكر فيك وكأنك رجل متزوج )).
فقال غاضباً : (( هذا جنون )) .
(( مهما كان الأمر فهذا شعوري ، ربما انهيار زواجك لم يكن ذنبك ن ولكنك كنت متزوجاً ، وأنا لا احتمل الحياة مع هذه الفكرة ن إنني سأفكر دوماً في أنك لست رجلي ن وإنني سرقتك من امرأة أخرى )).
فغضب وهو ينظر إليها وكأنه يريد أن يخنقها ، ما جعل السيارة تنحرف بهما جانباً لتحول انتباهه عنها ، انفجر قائلاً : (( أسكتي فاليري )).
تصاعدت أصوات أبواق السيارات خلفه فأجفل الاثنان وهما ينظران إلى الطريق وكيف أصبح وضعه ، في ذلك الوقت فقط أدركا أن سيارة أخرى كانت تمر بجانبهما عندما أخذت سيارة جيب تنحرف جانباً ، ما جعل حادث اصطدام على وشك الحدوث ، فعادت السيارة الأخرى تقف خلفهما ، ولكن السائق كان يصرخ بهما بغضب عندما تابعا السير ن أشار جيب للرجل معتذراً والذي تابع سيره بعد ذلك بلحظة وهذا مازال يصرخ بغضب .
قالت فاليري بضعف : (( لا تتحدث وأنت تقود السيارة ن يا جيب ن سر في طريقك فقط )).
فقال عابساً بحزم : (( إننا سنتحدث في هذا الأمر سواء عاجلاً أم أجلاً )).
أغمضت عينيها وركزت أفكارها في ما عليها أن تسأل مولي غرين عنه ن وبعد ذلك بنصف ساعة ن قال جيب ك (( لا أدري عنك ولكنني أنا جائع جداً ، إنني سأتوقف لتناول غذاءً خفيفاً ن الساعة الآن الثانية إلا ربعاً ، وربما ما زالوا يقدمون الغذاء في المطعم ، فإذا لم يكن ذلك ، فأنا واثق من أن بإمكانهم أن يصنعوا لنا بعض الشطائر )).
(( إنني أفضل أن نصل إلى تلك المزرعة في أسرع وقت ممكن ، متجاوزين عن الغذاء )) وفتحت فاليري عينيها وهي تقول ذلك ، في الوقت الذي رأته فيه ينحرف عن الطريق العام إلى طريق ريفي ، فهتفت تقول : (( ما هذا ؟ إلى أين أنت ذاهب ؟ )) .
(( إنني أعرف مطعماً صغيراً على بعد أميال قليلة من هنا حيث يقدم طعاماً جيداً )).
(( أنا لست جائعة ))
(( ولكنني جائع )) وتابع جيب سيره متجاهلاً احتجاجها ن وبعد ذلك بعشر دقائق توقف أمام مطعم قديم الطراز ، فتبعته فاليري عابسة إلى المطعم ورغم ادعائها بأنها غير جائعة ، لم تستطع مقاومة جاذبية قائمة الطعام الكبيرة ن فأكلت بطيخاً أصفر وسمكاً مشوياً مع السلطة ، ولكن جيب طلب بفتيك وكبداً مقلياً وخضراً طازجة وسمكاً مدخناً ، أخذت فاليري تنظر إلي وهو يلتهم هذه الوليمة غير مصدقة : (( لن يكون بإمكانك أن تتحرك )).
فقال باعتداد : (( إنني بحاجة إلى طاقة )).
(( ولماذا ؟ إنني لا أراك تقوم بأي عمل )).
فقال وقد بان المكر في عينيه : (( لكي ألاحقك )) ضحك وهو يرى نظراتها الساخطة وقد أحمر وجهها .
شعرا بعد الطعام بالنعاس ، فجلسا يتناولان القهوة لفترة طويلة إلى أن ألقت فاليري نظرة على الساعة ن فتأوهات قائلة : (0 الساعة الآن الثالثة والنصف |ن هيا بنا ! إن مولي ستظن إنني لن احضر )).
وصلا إلى المزرعة بعد ذلك بثلاثة أرباع الساعة ، حيث أنهما أضاعا الطريق خلال طرق قديمة كانت تتخلل حقولاً حصدت منذ وقت قريب ، وأخيراً سأل جيب رجلاً عجوزاً على دراجة هوائية عن الطريق إلى المزرعة ن وإذا بهما يكتشفان أنهما اجتازا منعطفين يقودان غليها.
كانت بوابة قديمة تؤدي إلى طريق مضلل بين أسجية تتألق بورود برية حمراء ، وبدت لهما المزرعة عند عطفة الطريق ن يتوسطها منزل قديم ذو جدران سميكة تبنية اللون وتحيط به الأشجار تحميه من عصف الرياح في الوادي والقادمة من البحر الذي يبعد حوالي العشرة أميال .
قالت فاليري بأسى : (( يا له من مكان رائع لقضاء عطلة هادئة ، وها أنذا الآن أوشك أن أفسدها على مولي )).
سألها جيب : (( كيف حصلت لك المعرفة بقصتها منذ البداية ؟)) .
(( بخبر صغير من مكتب محاميها ، ولا تسألني عن اسم المخبر لأنك تعلم أن علي أن أخفي مصادر معلوماتنا ن وهذا المصدر مفيد جداً لي ، فذهبت إلى مولي أتفحص الأمر ، ووجدتها في منتهى الغضب من ماك كاميرون لإنكاره أبوة الطفل ، ما جعلها تصارحني بكل شيء ، ولكن إذ أخذت بقية الصحف تتحدث عنها ، ندمت على مصارحتها لي أو حتى رؤيتي ن كما أظن )) .
((هل تريد أن تجعل ماك كاميرون يعترف بالطفل وينفق عليه ؟ )).
(( نعم ، إنها تشعر نحوه بمرارة بالغة ن فإذا كان و الأب ، فسيكون عليه أن ينفق عليها وعلى الطفل ، ولكن بعد أن قابلت محاميها ، فأنا أعرف من عليه أن يدفع ولن يكون مولي )).
أوقف السيارة خارج المنزل ، فخرجت مولي من الباب الأمامي ، كان الحمل واضحاً عليها ، ثم سارت ببطء رافعة الرأس بكبرياء في ثوبها الأزرق الجميل ، وكانت الشمس تتألق على شعرها الطويل القاتم اللون ، وكذلك كانت بشرتها تتألق صحة وعافية .
أخذ جيب يصفر برقة : (( لا عجب أن ينجذب كاميرون إليها ن إنها جميلة )).
خرجا من السيارة فنظرت مولي إلى جيب وهي تطرف بعينيها متوترة : (( إنه ليس مصوراً ؟ أليس كذلك ؟ لا أريد مصورين ... )) .
قال جيب بسرعة : (( كلا ، لست مصوراً ، إنني أحضرت فاليري بسيارتي فقط )) ومد يده مصافحاً (( مرحباً يا مولي ن أنا جيب ، حبيب فاليري )) .
فاحمر وجه فاليري ونظرت إليه ثائرة ، كيف يجروء على مثل هذا القول ؟ بينما بأن الارتياح على مولي وابتسمت له وهي تصافحه وتقول : (( هل كثيراً ما تشتغل فاليري أثناء العطل الأسبوعية ؟ لا بد أن هذا يسبب لك الضجر )).
فقال بابتسامة عريضة : (( نعم ن هذا يحدث ، وهذا هو السبب في غنني أرافقها في عملها كلما تيسر لي ذلك ن ولم يكن ثمة صعوبة في المجيء إلى ديفون ، يا لجمال الطبيعة هنا )) .
فبادلته مولي الابتسام (( نعم ن إنا رائعة ، هيا ادخلا وتناولا الشاي ، إن أبني عمي في الخارج هما الاثنين ن حيث يعملان قرب المزرعة ، وإذا لم يكن لديكما مانع ن فسنجلس جميعاً في المطبخ فأرتاح من الرواح والمجيء بصينية الشاي )).
سارا مجتازين الردهة ذات الأرض الحمراء اللامعة قديمة الطراز ، وكانت أزهار تتألق في زهرية ضخمة في المدفأة القديمة الخالية والمصنوعة من القرميد .
نظر جيب بإعجاب إلى الجدران والصور الزيتية التي تمثل مناظر الطبيعة وكذلك صور أفراد الأسرة بينما كانت مولي تقودهما إلى المطبخ كما كانت هناك في وسط الغرفة مائدة مصقولة قامت حولها بعض الكراسي ، وعلى امتداد أحد الجدران ن قامت خزانة ضخمة مليئة بالأواني الخزفية الثمينة .
قالت فاليري وهي تنظر حولها : (( يا لها من غرفة جميلة )) .
(( جميلة ن أليس كذلك ؟ إنني أعشق الجلوس هنا على الدوام ، إجلسا وسأصنع الشاي )).
(( هل يمكنني مساعدتك ؟ )).
(( يمكنك أن تحضري ثلاثة أكواب وصحونها من الرف العلوي للخزانة ، فإحضارها من هناك يتعبني )).
كانت مولي تخرج الطعام من الثلاجة ، قالب كبير من الحلوى ، فطائر فاكهة ، أصابع من الحلوى مغطاة بالسكر ، ونظرت فاليري إلى كل هذا بحذر ، (( هذا لطف بالغ منك ، ولكننا تناولنا طعامنا منذ ساعة فقط، ولا استطيع تناول أي شيء الآن ))
فنظرت مولي حولها وقد لوت شفتيها بخيبة أمل : (( آه ... حقاً ؟ لقد صنعت كل هذا بنفسي هذا الصباح ، فأنا أريد أن أساعد في البيت قدر إمكاني ، ألا تتناولان ولو فطيرة واحدة ؟ لقد دهشت لمبلغ توفيقي في صنعها ، فقد كانت الفطائر التي صنعتها قبل هذه صلبة كالحجر ، لكنني أظن إنني صرت اعرف جيداً طريقة صنعها ، وهذه التي صنعتها الآن طرية تماماً .))
فجلس جيب إلى المائدة : (( إنني شغوف بالفطائر ، ل صنعت المربى بنفسك أيضاً ؟)).
فهزت رأسها ضاحكة : (( كلا ، فقد صنعتها جانيت من فاكهة حديقتها ، الفريز والكرز )) .
(( من كرز حديقتها ؟ )).
فأومأت برأسها بينما ضحك جيب : (( أظنني أريد هذا ن فانا شغوف بمربى الكرز )) وأخذ صحناً صغيراً وسكيناً ثم أخذ إحدى تلك الفطائر وأخذ يضع عليها قشدة سميكة ، قالت مولي : (( إنها أيضاً مصنوعة في المزرعة )) .
صنعت مولي الشاي وسكبته ، ثم ناولت فاليري كوباً ثم جلست معهما وقد عاد وجهها إلى رزانته (( ما هي الأسئلة التي تريدين إلقاءها علي ؟ )) .
ألقت فاليري نظرة على جيب ، ثم قالت : (( أظن علينا أن نقوم بالمقابلة على انفراد ـ أليس كذلك ؟ )) ذلك أنها شعرت بالحرج من إلقاء تلك الأسئلة الخاصة على مولي والتي تتعلق بعلاقتها الحميمة بماك ، وذلك على مسمع من جيب .
فقالت مولي وقد بدا عليها التوتر: (( حسناً ن ربما كان المر أفضل إذا كانت الأسئلة خاصة ))
(( حسناً إذن بعد أن ينتهي جيب من أكل الفطائر ، فق يذهب ليتمشى في الحديقة بينما ألقي أنا عليك الأسئلة )).
فقال جيب وهو يبتسم لمولي : (( لا بأس ، أنها فطائر رائعة ، فاصنعيها دوماً بهذا الشكل ))
فبدا عليها السرور : (( كل فطيرة أخرى ))
فقال آسفاً : (( لا أظن ذلك ، فقد أكلت فطيرتين )) وأخذ جرعة من الشاي ثم نهض : (( أليس هناك بأس إذا أنا تمشيت قليلاً في أنحاء المزرعة ؟ )) .
(( هذا حسن ما دمت لا تترك أياً من ا؟لأبواب مفتوحة فتخرج منها حيواناتي)).
فأومأ قائلاً : (( لا تخافي ن سأكون حريصاً جداً )) وعندما ذهب أخرجت فاليري دفتر ملاحظاتها وقلماً ، ثم فتحت جهاز التسجيل وتحدثت فيه بفصاحة : (( مقابلة مع مولي غرين في ديفون )) ثم ذكرت التاريخ .
جلست مولي متوترة ن ويداها على المائدة ، وأصابعها متشابكة ، فنظرت إليها بأسف ، كانت الفتاة شاحبة الوجه قد أطل القلق من عينيها ولكن مولي كانت من عالم آخر ، لقد كانت ضعيفة هشة ، تتأذى بسرعة ، فكانت فاليري تخاف من أن تكدرها .
ولكن كان عليها أن تقوم بعملها ، وهكذا تنفست بعمق ، ثم ابتدأت : (( هل كان ماك كاميرون هو أول رجل في حياتك ، يا مولي ؟ )) .



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 15-03-17 الساعة 06:44 PM
هوس الماضي غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
قديم 29-07-15, 03:58 PM   #25

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس



قالت هيزل صباح الاثنين عند وصول جينا إلى المكتب : (( لم استطع أن أصدق عيني ، إنك لم تقولي قط إنك تعرفين ماك كاميرون )).
(( إنك لا تفهمينني ... فأنا لم أتعرف إليه إلا مساء السبت )) .
والتفتت هيزل إليها من حيث كانت تقف عند خزانة الملفات وفي يدها رسالة ، ثم قالت وقد اتسعت عيناها : (( إنه سريع العمل ، لقد ظننت من تلك الصورة إنكما ... )).
فقالت جينا عابسة وقد تورد وجهها : (( اعرف هذا ، فقد رأيتها ، ولكن هذا ليس صحيحاً ، كل ما حدث هو أننا تناولنا العشاء بعد العرض المسرحي )) .
فقالت هيزل وقد بدت عليها خيبة الأمل : (( ألم يوصلك إلى البيت ؟ )) .
(( لقد أصر على ذلك ، ولكنه لم يدخل ، حتى أنه لم يحاول معي شيئاً ن ظننت ذلك قد يحدث لأن سائقه كان هو الذي يقود السيارة ، وأظن ماك قد أضاع رخصة القيادة ... وعلى كل حال ، فقد قال إنه لم يعد يقود سيارته قط ولكنه لم يضع إصبعاً علي ، حتى انه لم يطلب الدخول معي لتناول فنجان قهوة ، قال شكراً لهذه الأمسية الجميلة ، ثم ذهب )) .
(( يا له من خذلان لك ، ظننته لا يمكن مقاومته )) قالت هيزل ذلك وهي تخرج من الملفات عدة رسائل أخرى .
(( ربما الأمر مجرد دعاية له )) .
(( ماذا حدث بالنسبة للفتاة التي تقول أنها حامل منه ؟ )) .
فقالت جينا ببطء : (( نعم ، فبعد تعرفي إلى ماك ابتدأت الشكوك تساورني بشأنها ، فهو لا يبدو أبداً من ذلك النوع الذي يغوي فتاة بريئة بتلك السن ، ثم يوقع بها ، وينكر بعد ذلك أبوته لطفلها )).
ألقت عليه هيزل نظرة ساخرة : (( كلا ؟ أو ربما هو رجل في منتهى المهارة في فهم النساء )) .
سألتها جينا مقطبة الجبين : (( ماذا يعني هذا ؟ )).
(( إنك لم تمضي معه أكثر من ساعتين |أو نحو ذلك ، ولكنه افلح في إقناعك بأنه ببراءة الحمل الوديع ، أليس كذلك ؟ هذه هي المهارة ن ولكن لا تنسي أنه ممثل ، وتغيير الحقائق أمام المتفرجين هي مهنته )).
بدا الذهول على وجه جينا ك (( معك حق ، فأنا لم أفكر في هذا ، ولكن لا يمكن أن يكون كل ما بدا عليه تمثيلاً ولو لم يكن صادقاً لعرفت ذلك بكل تأكيد ، فقد بدا غاية في التسامح والتعاطف ، لقد شعرت معه أننا متجانسين في كثير من الأمور ن حتى عندما قفز ذلك المصور أمامنا فجأة والتقط لنا الصورة ، تجاوز ماك عن ذلك ضاحكاً )) .
(( قد يكون هو نفسه الذي رتب ذلك الأمر )) وجاءت هيزل تجلس إلى مكتبها ، وهي تضع الرسائل التي أخرجتها من ملفاتها في دوسيه خاص ، كانت تجمع كل المعلومات عن التحسن التقني بالنسبة إلى أعمال الطباعة تهيئها لحين عودة نيكولاس من ستوكهولم ، والذي كان منتظراً في وقت ما ، في آخر هذا النهار .
حدقت جينا فيها وقد فغرت فاها : (( وما الذي يجعله يقوم بذلك ؟ ))
(( لا تكوني مغفلة ، فالأمر لا يتعلق بالصورة قدر ما يتعلق بالتعليق عليها ، فهو يهدد بمقاضاة نيكولاس ، وإذا بك تخرجين معه للعشاء ، لقد كان يستغلك ضد نيكولاس ، ألا تفهمين ؟ )).
فشحب وجه جينا : (( كلا ، لا أصدق هذا فهو ليس من هذا النوع ، ثم على كل حال ، فأنا واثقة من أنه لم يعرفني ، لم يظهر عليه أقل دليل على ذلك )).
قالت هيزل بحدة : (( كم مرة علي |أن أقولها ؟ وهي أنه ممثل لا يمكن أن يظهر أي دليل... وهو الذي أمضى سنوات في التدريب على التمثيل ، هذا هو كل شيء)) .
(( أظنني أعرف الرجال إلى حد كافٍ ... )).
فضحكت هيزل : (( اعتقدي بهذا إذا شئت ، ولكن ليس ثمة امرأة تعرف حقاً ما يكفي عن الرجال ، فهم لغز بالنسبة إلينا ، حتى إنني أظنهم حلفاء قادمين من كوكب آخر ، وعلينا أن نكون حذرين من التعامل معهم ، ولكنني أرى أن من الأفضل أم نراهم بجانبنا بدلاً من أن نبقى وحدنا )) .
أخذت جينا تحدق إليها وقد فوجئت بلهجتها هذه ومظهر وجهها ، لم يكن عادة هيزل الظهور بمثل هذه المرارة (( هيزل ، هل ثمة ما يزعجك ؟)).
فتمتمت هيزل تقول : (( لا شيء ، ولماذا المفروض أن يكون هناك ما يزعجني ؟ )) ثم أغلقت الدرج بعنف .
(( إنك تتحدثين بطريقة غريبة ن على غير عادتك على الإطلاق ن كما أنك شاحبة اللون ... إن مظهرك يبدو ... ))
فقاطعتها هيزل بصوت مرتفع : (( لا تخبريني كيف يبدو مظهري ، لفأنا بأحسن حال ، وليس بي شيء )).
لم تكن جينا رأتها في مثل هذه الحالة قط من قبل ، فتملكها الذعر ، خصوصاً عندما انخرطت هيزل في البكاء فجأة ، وأخفت وجهها وهي تشهق .
أسرعت جينا إليها ، وانحنت بجانب كرسيها تحيطها بذراعيها : (( هيزل ؟ ما بك ؟ )) .
فقالت هيزل باكية : (( لا شيء )) ثم تمتمت بصوت متقطع : (( كل ما في الأمر ... أظنني ... ولكن بييت لا يريد ... أنه سيغضب ن وأنا خائفة منه يا جينا ، فهو سيظنني تعمدت ذلك ، فقد تشاجرنا بالنسبة لهذا الأمر أكثر من مرة ، فهو سيظن إنني ... )) .
وتلاشى صوتها وهي تشهق ، فاحتضنتها جينا بين ذراعيها وقد قطبت حاجبيها محاولة حل هذا اللغز .
(( إنني واثقة من أن بييت لن يغضب منك أبداً مهما كانت فعلتك ، فهو مجنون بحبك ، وأنت تعلمين هذا ، أنه يفعل لأجلك كل شيء ))
أخذت هيزل تمسح دموعها بيديها بغضب ، ثم قالت بصوت أبح : (( ما عدا السماح لي بأن يكون لدي طفل ))
فشهقت جينا بعد أن فهمت الأمر : (( آه ، إنك تريدين ان تنجبي طفلاً بينما بييت لا يريد ذلك ))
فقالت هيزل : (( آه ، ربما في يوم ما ، ولكن ليس الآن ... ليس قبل ...)) وسكتت وهي تتأوه بصعوبة ، فقطبت جينا حاجبيها، محاولة أن تفهم : (( إنه طبعاً يريد أن يبدأ عملاً لنفسه ، أليس كذلك ؟ ويريدك أ تعملي معه ، فإذا كان لديك طفل فستفضلين البقاء في البيت لرعايته )) .
(( لا أدري ما الذي سأفعله ، ولكن بإمكاننا أن نتدبر الأمر ، فنحضر مربية مثلاً ، أو يمكنني أخذ الطفل معي إلى العمل ، إن بإمكاننا أن نتناقش في هذا الأمر ، ونصل إلى حل ، ولكن بييت يرفض بتاتاً أي مناقشة في هذا الشأن إنه بالغ الإصرار على أن لا يكون لدينا طفل ، حتى انه لا يريد الحديث عن هذا ، كما قال : فهو لا يسمح لي بكلمة في هذا الشأن ن لقد صمم على كل هذا بنفسه ، وهو أننا لن ننشئ أسرة قبل سنوات )) .
فتمتمت جينا : (( آه ، يا عزيزتي )) .
(( إنه يقول إنني وافقت قبل الزواج على أن ننتظر إلى أن ننتهي من تأسيس شركتنا ، فننجب أطفالاً )) وتقابلت نظراتها بنظرات جينا ، فانفجرت غاضبة مرة أخرى : (( حسناً ، نعم لقد كنت قلت هذا بشكل ما ، ولكن ... حسناً ، الحقيقة هي أن ما حدث في الحقيقة هو ... أنه قال إن من الأفضل أن يكون ذلك ، ولم أجادله أنا لأنني رأيت أن الأمر مازال بعيداً ، فقد كنا عقدنا خطبتنا لتونا ، فقد كنت أعلم أنه سيمر وقت طويل قبل أن نتزوج ، وفي ذلك الحين لم يهمني الأمر كثيراً ، في الواقع إذا لم أكن أفكر في أنجاب طفل وهكذا تركت الموضوع ، فقد كنت أريد أن يكون بييت سعيداً ، ولم أشأ أن نختلف على أشياء لن تحدث إلا بعد زمن طويل )).
استطاعت جينا أن تفهم كيف حدث هذا ، وتذكرت كيف تركت جايمس والدها والسير جورج يدفعانها إلى زواج لم تكن مستعدة له حقاً ، وكذلك هذه الطريقة التي دفعها بها نيكولاس كاسبيان إلى القبول بالسفر معه إلى كاليفورنيا .
تنهدت هيزل : (( ولكن كلما زرنا شقيقته ، في ميدلبورغ ، ورأيت ولديها ، اشتهيت أن يكون لي طفل ، ثم تزداد هذه الرغبة يوماً بعد يوم ، ولكن بييت لم يكن يشعر مثلي ، فكلما قلت ، ما أجمل أن يكون لنا طفل ، يقول : (( لا بأس ، في يوم ما ولكن ليس قبل مرور وقت طويل ، إذ لا يمكننا تحمل ذلك الآن )) .
فقالت جينا تخفف عنها : (( حسناً ، ليس ثمة ضرورة للعجلة ، أليس كذلك ؟ اعني أنك قد تزوجت لتوك ، فلماذا لا تنتظرين فترة ؟ عدة أشهر أخرى تقومين أثناءها بالتلميح ؟ وأنا واثقة من أنه ، بهذه الواسطة ، ستقارب مشاعره معك ويفكر بإنجاب طفل ، فهناك وفرة من الوقت )) .
فقالت هيزل وهي ترتجف : (( كلا ، لم يعد هناك وقت الآن )) .
فاتسعت عينا جينا فجأة : (( هيزل ، لا أراك تعنين أنك ... )) .
فأومأت هيزل وقد عادت الدموع تتدفق من عينيها : (( آه ، يا جينا ، ماذا أفعل ؟ إنني حامل ...))
تابعت هيزل كلامها وهي تمسح عينيها بمنديل ورقي : (( إن بييت سيغضب جداً ، وهو سيظنني تعمدت هذا ، كيف سأخبره بالأمر ؟ ))
نظرت إليها جينا بعطف : (( حسناً ، قبل أن تخبريه بأي شيء ، اقترح عليك أن تتأكدي من أنك حامل ، قومي باختبار الحمل ، وهو سهل للغاية كانت عليك أن تقومي بذلك على الفور ، إنك ستتأكدين من ذلك ، على الأقل ، ولكنني شخصياً أظن أن زواجك وقلقك الكبير بشأن عيشكما متفرقتين ، واضطرارك إلى السفر إلى هولندا رواحاً ومجيئاً طوال الوقت ، وعدم ثقتك بما قد يحدث في المستقبل ... كل ذلك قد ترك تأثيره على أعصابك ، كذلك فقدك للكثير من وزنك مؤخراً وذلك بسرعة بالغة ، ولهذا تأثيره أيضاً )).
قالت هيزل وقد احمرت عيناها : (( يا لك من عقلانية ، إنني أكرهك )).
فضحكت جينا : (( أذهبي واغسلي وجهك وأصلحي زينتك ، وعند ذلك تشعرين بتحسن ، وأنا سأتصرف مكانك إلى حين عودتك )).
(( شكراً )) ثم خرجت من الغرفة .
وبعد لحظة ارتفع رنين الهاتف علة مكتب هيزل ، فمالت جينا من مكتبها لترفع السماعة .
(( مرحباً ، يا هيزل هنا صوفي واطسن من الدائرة القانونية ، في أي ساعة من المتوقع أن يصل السيد كاسبيان من استكهولم ؟ )) .
فقالت بفتور : (( إن هيزل خارج المكتب حالياً ، ولكنني أعرف أن طائرة السيد كاسبيان ستحط حوالي الظهر ، وبعد ذلك لديه موعد للغذاء في المدينة ، وهكذا لن يعود إلى باربري وارف قبل العصر )) .
(( فهمت ، وشكراً لك ن هل لك أن تخبريه بأن السيد ساندال يريد أن يتحدث إليه عندما يسمح وقته بذلك ؟)) .
(( سأتأكد من وصول هذه الرسالة إليه )) .
أترى السيد ساندال سيتحدث إليه عن الصورة التي تظهرها مع ماك كاميرون؟
ساد صمت لحظة ، قالت صوفي بعدها : (( هل أنت السيدة جينا تيريل ؟ )) .
فقطبت جينا حاجبيها : (( نعم )) .
(( إن السيد فوكنر يريد أن يتحدث إليك ، وكنت سأتصل بك الآن ، هل لك بالانتظار لحظة ، من فضلك ؟ سأخبره بأنك على الخط )) .
لو تنتظر جينا طويلاً قبل أن تسمع صوت فوكنر يقول برقة (( مرحباً ، يا سيدة تيريل ، هنا غاي فوكنر يتحدث ، لا أدري إذا كان لديك وقت لرؤيتي هذا النهار )).
(( إذا كان الأمر يتصل بشأن صورتي مع ماك كاميرون ...))
فقال بلهجة جافة : (( حسناً ، في الواقع إننا ، أنا والسيد ساندال ، ذهلنا لذلك ، إذا لم تكن لدينا فكرة عن معرفتك به ))
فقالت جينا : (( إنني فعلاً لم أكن اعرفه ، كما أنني متأكدة تقريباً من أنه لا يعلم من أنا )) .(( آه ، ولكن الفرق بين (تقريباً ) و ( بالتأكيد ) ، هو كبير جداً ، وهناك شيء واحد يمكننا التأكد منه ، وهو أنه سواء كان يعلم مساء السبت أم لا ، فهو لا يعلم )) .
قالت : (( هذا إذا كان رأى تلك الصحيفة )) .
فقال ساخراً : (( إن الممثلين حريصين دوماً على أن يروا ما هناك من دعاية لهم وإذا هو لم يرها ، فسيخبره بها أحد أصدقائه ن فهذا ما يفعلونه ، هل أفهم من ذلك أنك لم تريه منذ حفلة العشاء تلك ؟ )).
فقالت جينا بحدة (( كلا)).
(( حسناً ، لا أشك في أنه سيتصل بك هاتفياً بعد وقت قصير ، فإذا دعاك إلى الخروج معه مرة أخرى ، فالأمر يعود إليك طبعاً في القبول أو الرفض ...))
فقالت متهكمة : (( شكراً )).
تابع غاي يقول وكأنها لم تقاطعه : (( ولكن إذا ذهبت لرؤيته ، فأرجو أن لا تدعيه يتحدث معك بأي شيء يتعلق بالمقالة ، أو بمولي غرين ذلك أن قضيتنا قد تتعرض للخطر إذا هو استطاع استخلاص بعض المعلومات منك ، في الواقع أن حتى التعليقات البريئة جداً قد تكون خطرة )).
فقالت جينا بغضب : (( إنني لست حمقاء ، يا سيد فوكنر ))
(( إنني واثق من أنك لست كذلك ، يا سيدة تيريل ، ولكنك غير متدربة في الأمور القانونية كذلك وقد لا تدركين ن وأنت تكشفين عن شيء أن هذا قد يفيد مصلحته ويضر بمصلحتنا )).
وفيما بعد من ذلك النهار ن تناولت جينا الغذاء مع روز ، وذلك في مطعم بيير في بلازا ن وهو المطعم الفرنسي الذي تحجز موائده لأسابيع مقدماً ...
وكانت روز قد عادت لتوها من باريس ، وكانت حافلة الجعبة بالأخبار عن والدها وأختها ايرينا وخطبتها لاستيبان والتي عقدت أثناء وجود روز هناك .
(( دامت الحفلة معظم الليل ... وقد بقيت بعدها متعبة يومين كاملين )) .
سألتها جينا : (( هل والدك راض عن الخطبة ؟)).
فأومأت روز : (( نعم ن بشكل ما ن فهو سيفتقد ايرينا طبعاً أظنه يتمنى لو يتأخر العرس عدة أعوام ... ولكنه يحب استيبان وكذلك أنا ، ولكنني قلقة بالنسبة لفرق السن ... فهي صغيرة جداً ، وهو أكبر منها بكثير ، وقد كان متزوجاً من قبل ، أظن ذلك يشكل فرقاً ، أليس كذلك ؟ إن ذلك يجعله ذا عادات مستقرة وأقل قابلية للتكيف من الشاب الأصغر سناً ، أظن كل ما يمكننا عمله هو أن نتمنى لهما النجاح)).
فقالت جينا مفكرة : (( أظنهما متماثلين ، نوعاً ما قد تكون ايرينا صغيرة السن ، ولكنها لا تتصرف كفتاة صغيرة ، أليس كذلك ؟ فهي لا تبدو مجرد تلميذة وهي بالغة الرزانة )) .
قالت روز باسمة : (( هذا صحيح ، فهي لا تبدو كذلك )) .
(( إذن ، فاستيبان قرر العودة إلى اسبانيا بعد زواجه ؟)) . وكانت جينا سمعت كل هذا من نيكولاس والذي كان سبق له وناقش مسألة النقل هذه مع استيبان ن وتابع قول : (( هذا لا يدهشني ، فقد كان واضحاً أنه غير مسرور لتغيير نيكولاس خطة التسويق ن وعندما جاء في البداية إلى سننال كانت صحيفة رزينة ن بدلاً من جعلها هزلية لتوسيع انتشارها )).\فأومأت روز قائلة : (( كما أن استيبان ذو عقل جاد ، برزانة عقل ايرينا ... وهكذا ن ربما كنت أنت على حق في قولك أنهما سينجحان في حياتها الزوجية ))
(( أظن ذلك ، لقد انتقل استيبان إلى لندن لأنه كان يريد التغيير ، وقد أعجب بسنتنال ، فهو لم يدرك إلى أي حد كان نيكولاس ينوي إجراء التغيير في الصحيفة ، وهكذا لم تعجبه خطط نيكولاس هذه ... فلم يوافق على صور الفتيات وتقويم سنتنال السنوي ، وعلى أعمدة الشائعات ،واختطاف الصور ونبش الأحقاد التي ‘أخذ يقوم بها كثيرون من كتاب الشائعات والأقاويل ، هذه الأيام )) .
فضحكت روز ، قائلة : (( هذه ، في الواقع هي صورة سنتنال منذ انضمت إلى شركة كاسبيان الدولية )) .
فقالت جينا بغضب : (( وأنا أيضاً لا أوافق على ذلك )) .
لوت روز شفتيها : (( إننا جميعاً نعلم عدم رضاك فأنت لا تغفلين فرصة تسنح لك لقول هذا )) .
(( هذا حسن ، وأرجو أن ينتبه نيكولاس إلى ذلك ))
(( آه ، لا أظن نيكولاس يغيب عنه أي شيء تقومين به )) .قالت روز ذلك بجفاء ، فتغير وجه جينا وبدا عليها التوتر : (( أرجو أن تكوني مخطئة بالنسبة لهذا الأمر ، فالهلع يتملكني لما قد يقوله إذا رأى صورتي مع ماك )).
فقالت روز ضاحكة : (( (إذا) ؟ ماذا تعنين بقولك (إذ) ؟ لا أراك تظنين أن نيكولاس لن يسمع عن ذلك ؟)).
فتنهدت جينا : (( حسناً ، إنه لن يأكلني )) .
(( دعينا نأمل في أنه لن يفعل ذلك )) قالت روز ذلك عندما أقبل النادل يحمل الطبق الرئيسي لقد كانت الاثنان اختارتا سمكاً مشوياً مع اللوز ، مع طبق سلطة ، وسالت روز : (( بالمناسبة ، هل صحة هيزل غير جيدة ؟ لقد كادت تقتلني هذا الصباح عندما اتصلت هاتفياً قبل وصولك ، وهذه ليست عاداتها )) .
لم تستطع جينا أن تخبر روز بالحقيقة ، وهكذا قالت مراوغة : (( ليس من السهل الزواج من رجل يعيش في بلد آخر ، وبالنسبة إلى ذكر الزواج ن أظنكما أنت ودانيال ستتزوجان قريباً )).
(( هذا صحيح ، ولكن ليس من السهل وضع موعد لهذا فأسرتي أنا صغيرة ، وهي عبارة عن أبي وأختي ايرينا ...)).
(( و استيبان ، لا تنسيه )) .
فضحكت روز : (( أتعلمين أنني نسيته ؟ نعم ، و استيبان أيضاً ، لا يمثل وضع موعد للزواج أي مشكلة ، إذ بإمكانهم أن يحضروا في أي وقت ولكن أسرة دانيال كبيرة ينتشر أفرادها في كل إنحاء فرنسا ويبدو أن عليهم جميعاً أن يحضروا وإلا سينبذوننا من الأسرة وهكذا نحن نحاول أن نضع موعداً يناسب كل واحد منهم ، والمزارعون منهم هم المشكلة الأسوأ ، فكلما اقترحنا موعداً ، يكونون هم مشغولين أثناءه بالحصاد أو الحراثة او جز الصوف أو إصلاح الاسيجة ، ويبدو أنهم لا يملكون أيام فراغ )).
فقالت جينا وهي تنظر في ساعتها متأوهة : (( ولا أنا ، إنني سأتجاوز عن أكل الحلوى وأتناول قهوة فقط ، يجب أن أعود الآن )) .
فقالت روز ضاحكة : (( قبل وصول نيكولاس كاسبيان ؟ )) فحاولت جينا أن تضحك هي أيضاً |، ولكن مزاجها لم يكن يساعدها على المزاح بالنسبة إلى ذلك .
كانت بالغة التوتر لما تتوقعه من ردة الفعل لدى نيكولاس بالنسبة لتلك الصورة ، وعندما عادت إلى مكتبها بعد ذلك بعشر دقائق ، كان فمها جافاً .
رفعت هيزل نظراتها ، فرأت ما ارتسم على ملامحها من تعبير ، وقد اتجهت نظراتها نحو باب نيكولاس فقالت : (( لا بأس ، يمكنك أن ترتاحي ، فهو لم يعد بعد ))
(( إنني أفضل أن أنتهي من هذه المسألة ن فأعصابي بحالة سيئة من الانتظار.)).
وتأوهت جينا وهي تجلس خلف مكتبها .
لاحت ابتسامة علي شفتي هيزل ، وكانت شاحبة الوجه ، وجمعت بعض الملفات وهي تقول : (( إنني ذاهبة إلى الدائرة القانونية بهذه الوراق ، ولن أتأخر خذي مكاني )).
وما مضى عدة دقائق على خروجها ، حتى رن هاتف مكتب هيزل .
(( جينا؟)) وكان الصوت مبحوحاً متردداً ن فأجابت محاولة أن تميز الصوت : (( نعم)) كانت واثقة أنها تعرف هذا الصوت ن ولكن لمن ؟
(( هنا ماك كاميرون )) فعضت شفتها إذ كانت ترجو أن لا تسمع صوته مرة أخرى.
(( آه ، مرحباً )) .
عند ذلك تمتم يقول : (( إذن فهو أنت ، لقد كذبت علي إذ لم تخبريني عن حقيقتك )) وكان صوته غاضباً ، لكنها تذكرت ما كانت هيزل قالت عنه ، وتساءلت عن حقيقة مشاعره وعما إذا كان كل هذا تمثيلاً منه ، قالت له تتهمه بلهجة ساخرة : (( ولكنك كنت تعرف )) .
فثار غضبه (( كلا ، على الإطلاق )) .
(( لماذا استدعيت إذن المصور ليصورنا ؟)) .
فقال بصوت يتجلى الصدق فيه ما أوشكت معه على تصديقه : (( إنني لم أفعل ذلك فلا تزعجي نفسك باختلاق هذه الادعاءات يا جينا ! وما فائدتها الآن ؟ فأنا اعرف ما كان قصدك ، وأنت التي اتفقت مع ذلك الفتى ليأخذ لنا صورة معاً ن فقد كانت الصورة جزءاً من خطتك )) .
فقالت ساخرة : (( أتراني فعلت ذلك لكي أبيع الصورة إلى صحيفة منافسة ؟ وهل هذا معقول ؟ )) .
فقال بحرارة : (( نعم إذا كان هذا يتفق مع لعبتك ، لقد سبق واتصلت بهم لأسألهم من أبلغهم عنا ، وعما إذا كنت أنت ، ولكنهم ضحكوا قائلين إنهم لا يكشفون مصادرهم أبداً ، ثم طلبوا مني أن أسألك بنفسي ، فأدركت أنهم يلمحون إلى أنني على صواب ، وأنك أنت من خطط لهذا الأمر )).
ثم قال : (( لقد اعجبت بك حقاً ، أنا أيضاً ، وسأخبرك بشيء أخر أكثر غرابة ، وهو سيضحك ، وهو أنني أوشكت تماماً على الإفضاء إليك بأموري الخاصة ، فقد كنت بحاجة بالغة إلى التحدث مع شخص متعاطف معي ... ولكن الحذر ألجم لساني ، لحسن الحظ ، فقد كان حدث لي مثل هذا من قبل ، فأفضيت بالحديث إلى شخص ما كان ينبغي لي أن أثق به ، وإذا بي اقرأ كل ذلك فيما بعد في صحيفة من الطبقة الشعبية ، إنني أعرف أن البعض يقولون إن كل أنواع الدعاية ، هي دعاية جيدة ، لكنني لا أحب أن اقرأ عن مشاعري الخاصة في الصحف ، خصوصاً إذا كانت مشاعر هامة ، فقد تعلمت أن لا أتكلم عنها ، وهذا ما كنت أنت تريدينه ، أليس كذلك ؟ كنت تريدينني أن تحدث عن مولي من وجهة نظري الخاصة ثم تنشرين ذلك ، وفي نفس الوقت قد تجدين شيئاً يبرر عمل سنتنال ، ويمنعني من مقاضاتها أو يساعدهم على كسب القضية ، حسناً ، تهاني ، كان عليك أن تكوني على خشبة المسرح ، لقد فقدت مهنتك الأصلية ، أو ربما كلا ؟ ربما تحبين عملك الذي تقومين به ، لقد استطعت خداعي حقاً ، وأظن نيكولاس كاسبيان فخوراً بك )) .
أجفلت للغضب الذي شعرت به في صوته ، مهما كان قول هيزل عنه ، فهي لا تستطيع أن تصدق أن كل هذا تمثيل .
قالت له بصوت مبحوح : (( ماك ... اسمع ...)).
وكنه قاطعها بغضب : (( كلا ، لا أريد أن اسمع ، وشكراً لك ، لا يمكن لأحد أن يخدعني مرتين ، لا أنت ولا مولي ، إنها خدعتني حقاً بتلك العينين الكبيرتين الرائعتين والابتسامة الحلوة وطوال الوقت ...)).
سكت ، وسمعته يتنفس بصعوبة ، ثم يقول بصوت أبح : (( مثل هذا الشيء ليس من السهل نسيانه فهو يجعل المرء يتساءل ... هل كل النساء كاذبات مخادعات ؟)).
فعادت تهمس مرة أخرى وقد هزها الألم في صوته (( ماك ...)) وكان ذهنها يموج بالشكوك والتساؤلات.
إذا لن يكن ماك كاذباً ، فمولي هي الكاذبة إذن ... ومع ذلك فقد كانت فاليري واثقة من صدقها ، ولا أحد يمكنه أن يدعي أن من السهل خداع فاليري نايت ، ولم تعرف جينا كيف تفكر ، فصوت ماك يبدو مقنعاً للغاية ، هل من الممكن أن يكون غضبه هذا مجرد تمثيل ؟ أم أن مولي هي من يقوم بالتمثيل ؟
(( ماك أجبني فقط ...)) أردت أن تسأله إن كانا ، هو ومولي ، عشيقين ، ولكنه لم يدعها تنهي كلامها وهو يقول بعنف : (( لا تضيعي وقتك ، فلم يعد لدى ما أقوله أكثر من هذا لقد كان اتصالي بك فقط لأقول لك ما هو رأيي فيك وفي نيكولاس كاسبيان وصحيفتكم اللعينة ، وإنني سأتابع الدعوى ، أنكم تفلتون من العقاب لتدميركم حياة الآخرين ، ولكنكم لن تفعلوا هذا معي ثم تفلتون من العقاب ، أنكم ستدفعون رغم أنوفكم ثمن نشركم الأكاذيب عني )).
ثم أقفل الهاتف في وجهها ، فجلست والسماعة في يدها ، لحظة طويلة وقد شحب وجهها ، قبل أن تضعها في مكانها ببطء
عند ذلك فقط أدركت أنها لم تعد وحدها في المكتب ، كان الباب المؤدي إلى مكتب كاسبيان ، مغلقاً ، ولكنه الآن كان مفتوحاً وقد وقف هو عنده ينظر إليها ، منذ متى وهو يستمع إلى حديثها مع ماك كاميرون .
لم يبد على نيكولاس وكأنه رجل يعاني متاعب السفر بعد رحلته هذه عائداً من استوكهولم ، كان بالغ الأناقة في بذلته الرصاصية اللون وقميصه الأبيض فبدا مثالاً لرجل الأعمال الناجح ، ومع ذلك ، فقد تمكن ، بشكل ما ن من نشر هالة من التهديد الجسدي تتناقض مع هذه الملابس المتمدنة ن هل هذا لأن نيكولاس لم يكن يعرف الابتسام ، فوجهه بصلابة الصوان ، وعيناه الرماديتان تخترقان أعماقها تحللان مشاعرها .
وتملكتها قشعريرة إزاء نظرة العداء في عينيه ن ولكنها حاولت أن تبدو هادئة ن وهي تقول: (( آه ، ها أنت ذا قد عدت من السفر )) كان كل ما استطاعت التلفظ به حالياً .
وكان كل ما أجابها به : (( أين هيزل ؟ )).
(( إنها أخذت بعض الأوراق إلى الدائرة القانونية )) وتمنت جينا لو أن هيزل لم تخرج وتتركها وحدها ، فقد كان واضحاً أن نيكولاس كان سيء المزاج ، فقد كانت تعرف ذلك عندما يبدو بهذا الشكل .
فقال وهو يستدير على عقبيه عائداً إلى مكتبه : (( ادخلي إلى هنا )).
ولكنها شعرت وكأنها تفضل الهرب في الاتجاه المعاكس ، ولكنها كانت واثقة من أنه سرعان ما يمسك بها لو فعلت ذلك ، ولم تستطع أن تتصور ما سيفعله بها عند ذلك ، وهكذا نهضت ثم تبعته وهي ترتجف
كان قد جلس خلف مكتبه ، متكئاً بكتفيه العريضتين إلى الخلف وبسط يديه على المكتب فبدا بهذا الوضع ، نموذجاً للسلطة المطلقة ، كان نيكولاس جالساً لمقاضاتها ، عيناه الضيقتان كالحجر قسوة وهو ينظر إليها قادمة نحوه ، ما لم تستطع جينا معه أن تمنع نفسها من الارتجاف رغم ما بذلته من جهد لتمالك نفسها
(( ماهذا الذي سمعته عنك و عن كاميرون؟ )) جاء هذا السؤال بشكل متفجر جعلها تجفل وهي تقول متلعثمة : (( أنا ... نحن ... هو ...))
(( أتشعرين بالذنب يا جينا ؟ )) ولوى شفتيه فأشاحت بوجهها تخفي بأهذابها عينيها المتوترين .
(( ليس لدي ما يجعلني أشعر بالذنب )) .
فتوترت ملامح نيكولاس ، فأخذ يقذفها بالأسئلة الحادة كطعنات السكين ( كلا ؟ منذ متى صداقتكما هذه ؟ وإذا كانت بريئة ن فلماذا لم تقولي إنك تعرفينه ؟ ولماذا جعلتني أعرف ذلك من صورة في صحيفة أخرى ؟ وماذا كنت تتوقعين أن يظنه الآخرون ؟ لقد جلست في هذا المكتب واستمعت إلى المحاميين وإلى تلك الفتاة التي تعمل في قسم الشخصيات ، وكوليت تسي وكنت تعلمين جيداً مبلغ أهمية ذلك الأمر ، ومع ذلك فأنت لم تذكري قط أنك تعرفين كاميرون ))
فاندفعت تقول بسرعة عندما سكت لحظة ليلتقط أنفاسه : (( إنني لم أعرفه إلا في هذه العطلة الأسبوعية ، فقد ذهبي لأرى الاستعراض الموسيقي الذي يقيمه مساء السبت ، وذلك من باب الفضول فقط ، لأن الجو كان رديئاً ولم يكن لدى ما أقوم به ، وإذا بي أقابل السير ديرموت غاسكيل مصادفة ...)).
(( فقاطعها نيكولاس : (( غاسكيل !)) .
(( نعم ، فأخذني إلى خلف خشبة المسرح حيث كانوا يقيمون حفلة صغيرة ، ثم قدمني إليه ... إلى ماك )).
فقال نيكولاس عاقداً حاجبيه : (( إذن ، فقد كان غاسكيل هو مهندس هذا الأمر ؟)) .
(( حسناً ، لقد عرفنا ببعصنا البعض ، ولكن السير ديرموت لم يكن يعلم بمسألة الدعوى القضائية ، وأنى له أن يعلم ؟ )).
فقال بلهجة لاذعة : (( إنه يعرف كاميرون ، و غاسكيل لا يكن نحوي أي شعور بالصداقة ، هو أيضاً ، فليس لديه مانع في الإضرار بي))
عضت جينا شفتها وهي تعترف بينها وبين نفسها أن هذا قد يكون صحيحاً ، ذلك أن السير ديرموت لم يكن يحب نيكولاس .
وتابع نيكولاس وهو يراقبها : (( لا بأس فقد تعرفت إلى كاميرون ... ولكن كيف أخذت لكما هذه الصورة ؟)).
(( دعاني إلى العشاء بعد انتهاء العرض ، وهذا كل شيء ، وكان أخذ المصور صورة لنا معاً مجرد سوء حظ ))
فقال نيكولاس لاوياً شفتيه : (( سوء حظ ؟ لم يكن للحظ دخل في ذلك لم يكن التقاط هذه الصورة مجرد عمل انتهازي ، فالذي التقطها كان يعلم جيداً من أنت ، وكان يعلم أن كاميرون يهدد بمقاضاة سنتنال ، هذا دون ذكر للباقي ))
اتسعت عيناها وبانت فيهما الحيرة : (( الباقي ؟ )).
(( أنا وأنت)).
سرت حمرة خفيفة في وجنتيها : (( آه ، ذاك ...)).
فقال بحدة : (( نعم ، {ذاك} .)).
والتقط نسخة من الصحيفة من على المكتب أمامه ، ثم قرأ التعليق بصوت مرتفع وغاضب ، ثم ألقى عليها نظرة كالثلج : (( أظنك أخبرت كاميرون بأن بيننا عداء مستمراً )).
(( كلا ، لم أقل له ذلك )).
فتجاهل إنكارها ، قائلاً : (( حسناً ، هذا هو بكل وضوح ، وهذا الصديق الذي نقل الكلام ، قائلاً بأنك غاضبة مني ، وأن الخروج مع كاميرون هو طريقتك للعودة إلي ، قائل ذلك هو كاميرون نفسه ، أليس كذلك ؟)).
فالتهب وجهها وحولت نظراتها عنه : (( كلا أنا لم أخبره شيئاً ، إنني لو آت على ذكرك قط ، حتى إنني لم أخبره باسمي العائلي ، فهو لم يعلم من أكون ))
فضحك بغضب : (( لقد قدمك السير ديرموت غاسكيل إليه ثم لم يخبره من تكونين ؟ أتتوقعين حقاً مني أن أصدق ذلك ؟ إنني أعرف مبلغ تعلق غاسكيل بالرسميات )).
فعضت شفتها : (( ربما هو كذلك في ميدان المال ، ولكن ذلك كان في الحفلة ، هو دعاني جينا فقط ... إنه لم يذكر اسمي العائلي ، إنني واثقة من أن ماك لم يكن يعرف من أنا ، ولم يكن هو الذي دفع ذلك الشاب لالتقاط تلك الصورة ، أظن ثمة شخص في المطعم هو الذي فعل ذلك ، شخص يعرفني ويعرف ماك ، ولا بد أنها الصحيفة التي أوردت قصة الدعوى القضائية )) جذبت نفساً عميقاً دون أن تجرؤ على مواجهة نظراته (( و ...وذلك الأمر عني وعنك ... )
فسألها بلهجة متوترة : (( نعم ، ماذا عن ذلك الأمر ؟ )).
(( حسناً ، إنك تعرف ما يقوله موظفو الصحيفة ، فشارع الصحافة هو عالم صغير ، وكثير من مخبريك أخذوا يعملون في أمكنة أخرى ، ولكن ما زلت لهم علاقة بأصدقائهم هنا والأقاويل تسري كالنار في الهشيم )).
سألها بمرارة : (( لماذا تغذينها إذن ؟ لماذا لا تنفكين عن الجدال معي ، وتحاربينني أمام الناس ؟ إذا كانت هناك أقاويل فلأنك تعطين الناس شيئاً يتحدثون عنه ))
قالت له بصوت مبحوح : (( إنك تعلم لماذا أحاربك ، إنني أناضل لأجل عقيدة أؤمن بها ، ؟لأجل شيء اعشقه ، إنني لا أحب ما تفعله بالصحيفة ، وأنا لا أريد التظاهر بالعكس ، أو أذعن لك كما يفعل الجميع )).
جلس خلف مكتبه وقد أظلم وجهه بالغضب وهو يحدق إليها (( حسناً ، عديني على الأقل ن بأنك لن تري كاميرون مرة أخرى )).
فقالت بجفاء : (( إنني أشك في أنه يريد أن يراني ، لقد كان بالغ الغضب حين رأى الصحيفة واكتشف من أكون ظن إنني كنت أحاول التحايل عليه بشكل ما ، وهذا هو السبب في أنني واثقة من أنه ليس هو الذي دفعهم لأخذ الصورة )) .
فقال بحدة : (( لا يهمني على الإطلاق ما إذا كان هو الذي فعل ذلك أم لا ، إياك أن تريه مرة أخرى ، هل فهمت ؟ )).
رأت جينا أن من الحكمة أن لا تتجادل معه ، ولكنها في الأعماق كانت تعلم أن ماك إذا عاد فمال إليها فستقفز لانتهاز الفرصة ورؤيته مرة أخرى ، فقد تركها وفي ذهنها كثير من الأسئلة دون جواب ، وهي تريد أجوبتها.


هوس الماضي غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
قديم 29-07-15, 07:42 PM   #26

asila

? العضوٌ??? » 303950
?  التسِجيلٌ » Sep 2013
? مشَارَ?اتْي » 702
?  مُ?إني » tunisie
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » asila is on a distinguished road
افتراضي

[QUOTE=هوس الماضي;10453557 7ilwwwa ktiir

asila غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-15, 08:53 AM   #27

البارونه ضيا

? العضوٌ??? » 87703
?  التسِجيلٌ » Apr 2009
? مشَارَ?اتْي » 140
?  نُقآطِيْ » البارونه ضيا is on a distinguished road
افتراضي

شكلها حمااااس شككرااا

البارونه ضيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-15, 08:13 PM   #28

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع ..


امضت فاليري معظم صباح الاثنين في فندق سافوي ، تقوم بمقابلة لمطرب امريكي والذي كان أحضر كل أفراد فرقته الزنوج إلى بريطانيا في رحلة سياحية طويلة ، كان من السهل التحدث إليه ، فقد كان سريع البديهة سريعاً في الحديث ، وكان يخوض مواضيعاً يعطي فيها آراءً مثيرة للجدل ، ولا شك أن هذا يجعلهم يتلقون كثيراً من الرسائل من قراء الصحيفة ، وذلك لأجل أشياء قالها ، ما جعل فاليري في منتهى الاثارة ... فهذه ستكون مقابلة جيدة تماماً طن وقد وصل المصور في نفس الوقت الذي انتهت فيه المقابلة ، فتركته في جناح المطرب لكي يلتقط له بعض الصور التي تناسب المقابلة .
وعندما تركته ودعته بقولها : (( اشكرك جداً ، لقد سررت بمعرفتك يالويس )) فانحنى المطرب برشاقة ولكنها لا حظت أن ذهنه قد أصبح مشغولاً بتصويره .
كانت لديها مقابلة أخرى عند عصر ذلك النهار ، ولكنها عادت إلى باربري وارف لكي تبدأ كتابة المقابلة مع المطرب قبل أن تتناول غداءً سريعاً .
كان هذا النهار مشمساً تماماً ، ولكنه ليس حاراً ، كانت السماء كزجاج أزرق صفاءً وصحواً ، وليس فيها سحابة واحدة ، ولكن الهواء كان قارساً وعندما اجتازت ساحة بلازا ، كانت أوراق الأشجار المصفرة تتناثر على ضفاف النهر ، فالخريف لم يكن بعيداً .
لحظتها كوليت منذ اللحظة التي توجهت فيها إلى طابق المحررين ، فأشارت إليها بالحضور . قالت لها فاليري وهي تغلق الباب خلفها : (( لقد كنت قادمة على كل حال )) وأحست بالأعين تتسمر على ظهرها حال جلوسها على الكرسي مقابل مكتب كوليت ، المشكلة بالنسبة إلى هذه المكاتب المكشوفة هي أنه رغم أن الكلام لم يكن مسموعاً داخل هذه الجدران الزجاجية ، والتي كانت تكون مكتب كوليت ، إلا أمنه كان بإمكان أي شخص أن يراهما .
كان كثير من الناس الآن قد سمعوا بعض الهمس عن التهديد بدعوى قضائية وكان كل موظف في قسم المحررين يشكر حظه على أنه ليس هو السبب ، فلا أحد يريد التورط في مشاكل قضائية ذلك أن خسارة الصحيفة للقضية تعني خسارة الموظف المتسبب بها لوظيفته .
(( حسناً ظن ما الذي عرفته من مولي غرين ؟ ))
(( لقد تحدثت إليها لمدة ساعات ، فتمسكت بقصتها ، لقد عدنا إلى القصة مرة بعد أخرى ، وأنت تعلمين إنني مازلت مقتنعة بقصتها تلك ، فأنا لم أجد أي شيء يشير إلى انها كاذبة ، وهي تقسم أنها لم تعرف رجلاً سواء قبل أن تعرف كاميرون أم بعد ذلك ، فهو أول رجل تعرفه ، وهي ما زالت تحبه )) ونظرت إلى كوليت عابسة : (( هل تتصورين هذا ؟ أن يعاملها الرجل بهذا الشكل ، ومع ذلك تبقى على حبه ؟ ))
(( هل قالت لك هذا ؟ ))
(( نعم ، لقد سألتها عن ذلك ، فبقيت لحظة تجيب ، ولكنني رأيت الجواب في عينيها ، أنها مجنونة بحبه ، حتى بعد كل ما سببه لها من ألم ، لا أظنها تنام جيداً فهي تعيسة ، لقد شعرت بالأسف لإلحاحي عليها ، ولكن كان علي أن استمر في الالحاح لكي أتأكد من أنني احصل هذه المرة على الحقيقة ، وهكذا عدت اسألها مرة أخرى : (( امازلت تحبينه ؟)) عند ذلك اخبرتني ، فهي تتمنى لو تتمكن من أن تكرهه ، ولكنها لا تستطيع ، فهي لا تفهم السبب الذي يجعله يكذب عليها ، كما قالت . وهي تعلم أن الحق مع والديها ، فهو لا يحبها ، وإنما كان يتسلى معها فقط ... ولكنها لا تستطيع التوقف عن حبه )) .
ومرت فاليري بيدها على شعرها الاشقر وهي تتأوه بغضب : (( الرجال ... انهم أساس كل لبلاء في العالم )) .
فقالت كوليت ضاحكة : (( وأساس كل المسرات أيضاً)) .
سألتها فاليري عابسة : (( ولكن هل يستحق ذلك أن يلقي بك أخيراً ويذهب مع امرأة أخرى ؟ خصوصاً إذا تركوك مثل مولي )) .
فهزت كوليت كتفيها : (( لم يحدث لي هذا على الاطلاق ، فأنا أنتبه إلى نفسي ، فلماذا لم تنتبه هي ؟ وأني اتساءل عما إذا كانت تعمدت الحمل لكي تجعله يتزوجها ، هل هذا هو السبب في رفضه الاعتراف بالطفل ؟ )) اخدت تفكر في ذلك وقد أسندت ذقنها على يدها ، ثم عادت إلى مظهرها العملي مرة أخرى ، وهي تومئ قائلة : )) حسناً مهما يكن الامر ... فنحن نبقى معها ، ونساند قصتنا ... إتفقنا ؟ ))
فابتسمت فاليري لها شاكرة : (( نعم ، هذا حسن ، فشكراً لك يا كوليت )) .
قالت كوليت ظ)) .
قالت كوليت : (( والآن ، دعينا نقل إن الحق معك / وأن مولي تقول الحقيقة ، فأين نحن من ذلك ؟ لابد إذن أن كاميرون هو الكاذب ، هذه الصور تتحدث عن قصتهما ، فقد كانت معه على ظهر ذلك اليخت ، وكانت علاقتهما تبدو حميمة جداً إنني لا اعتقد انه سيقيم هذه الدعوى ، وانما يحاول ان يخيفنا بها ، املاً بأن ننشر اعتذاراً عن نشرنا القصة ، وإلا فقد تبقى الدعوى عالقة في المحاكم سنوات عديدة ))
رن جرس الهاتف على مكتبها ، فرفعت السماعة ونظرت إلى فاليري : (( انه غاي فوكنر ، انه يريد أن يعلم ما حدث عند زيارتك لمولي غرين ))
فلوت فاليري شفتيها : (( لقد اعطاني قائمة بأسئلة شخصية لها ، لقد كرهت هذا ، ولكنني قمت بذلك )) ثم قالت بابتسامة عريضة : (( ولكنه دعاني إلى الغداء ))
فقالت كوليت تستعجلها : (( اذهبي ، فقد يكون صديقاً نافعاً ، دوماً المحامون هكذا ))
فقالت فاليري وهي تنهض واقفة : (( هل هناك شيء أخر تريدين الحديث عنه ؟ ))
فهزت كوليت رأسها : (( أظننا تحدثنا في كل الامور ، هيا اذهبي إلى محاميك ))
وعندما همت فاليري بالخروج اضافت كوليت تقول : (( لا تنسي إجراء المقابلة مع لويس جاكسون في مكتبي هذا قبل الخامسة من عصر هذا اليوم ))
عبست فاليري ، ولكنها أومأت بالإيجاب ، كانت دوماً تتذمر إذا كان عملها كثيراً ، او اعطيت وقتاً محدداً لإنهاء عملها ، ولكنها في نفس الوقت ، كانت تحب أن تشعر بالنشاط في جسمها ، كما يحدث عندما تكون في سرعة بالغة .
عندما دخلت إلى مكتب غاي فوكنر ، نهض واقفاً ، ثم استدار حول المكتب وهو ينظر إليها باهتمام ظاهر : ظظ00 شكراً لقدومك لرؤيتي )) وسحب كرسياً قدمه لها ، فجلست واضعة ساقاً على ساق بينما هو ينظر إليها ، ثم جلس على حافة مكتبه قربها : (( كيف كانت مقابلتك لمولي غرين ؟ ))
أخبرته فاليري بما كانت اخبرت به كوليت ، فأخذ يستمع إليها باهتمام ، وهو ينحني نحوها مومئاً برأسه .
(( إذن ، فأنت تؤمنين بقصتها تماماً ؟ ))
(( كلياً )) اجابته بذلك وهي ترفع إليه عينيها البنفسجيتين المتسعتين اخلاصاً .
نظر اليهما لحظة ، ثم قال : حسناً إذاً ، علينا ان ننتظر ونرى ما إذا كان ماك كاميرون يريد الاستمرار في القضية ))
(( وهل ستستغرق سنوات لكي تمثل في المحكمة ؟ ))
فهز كتفيه : (( ربما ، فالمحاكم غي غاية الازدحام والقضايا قد تستغرق سنوات لتصل إلى أعلى القائمة ، متى موعد ولادة ذلك الطفل ؟ ))
(( الشهر القادم ، وعند ذلك يمكننا أن نجري له فحص دم لنرى إن كان ابنه حقاً )) .
فقال موافقاً : (( وإذا جاءت النتيجة ايجابية ، فسيقوي وضعنا كثيراً )) ثم نظر إلى ساعته (( الساعة الثانية عشرة تقريباً ماذا ستفعلين بالنسبة إلى الغداء ؟ ))
فقالت : (( كنت ذاهبة إلى مقهى توريلي لشراء شطيرة اكلها في المكتب ))
(( هل لك ان تتناولي الغداء معي بدلاً من ذلك ؟ ))
فقالت : (( شكراً فهذا يسرني ))
(( هذا حسن )) وابتسم لها ثم مال نحو الهاتف يدير رقم مطعم بيير : (( ألو هنا غاي فوكنر ... هل لديك مائدة لشخصين ؟ )) وعبس وهو يستمع إلى الجواب : (( لا بأس ، شكراً ))
فسألته فاليري : (( هل الموائد محجوزة كلها ؟ )) فأومأ ايجاباً : (( ما رأيك في المطعم الصيني ؟ يمكننا أن نأكل في مطعم هونغ واه ، فبالإمكان أن نجد مائدة خالية ))
قالت فاليري : (( وهم اسرع من مطعم بليير )) وهكذا اتصل بهم غاي وحصل على مائدة هذه المرة .
عندما كانا يغادران االمكتب ، دخلت صوفي تحمل بعض المستندات ، فألقت نظرة باردة اجابتها هذه بابتسامة ساخرة : (( مرحباً صوغي ، كيف حالك ؟ ))
أجابت صوفي بلهجة عفوية : (( بأحسن حال ، غاي هذه هي الاوراق قد احضرتها ، وكنت قلت إنها مستعجلة ))
فقال مقطباً حاجبيه : (( حسناً ضعيها على مكتبي ، وسأرها بعد الغداء ، إنني سأعود في الواحدة والنصف ، فنحن سنتغدى في مطعم هوانغ واه عبر الشارع )) .
ألقت صوفي على فاليري نظرة سريعة حادة ، فبادلتها هذه النظرة ببرودة ، أترى كانت صوفي مسرورة وهي تراها تخرج مع غاي بجلاً من جيب ؟ إذا كان هو شعورها ، فقد أحسنت إخفاءه ، فقد بدا وجهها لحظة خالياً من كل شعور .
ولكن عندما ابتعدت فاليري وغاي ، شعرت فاليري بنظرات الفتاة العدائية وكأنها سكين تطعنها في ظهرها ، ما مبلغ شعور صوفي نحو جيب من الجدية ؟ أخذت فاليري تتساءل عن ذلك باكتئاب .
قال غاي يخاطبها وهما يجتازان ساحة بلازا نحو مخرج شارع سيلفر ستريت : (( انتبهي ، انسي قضية المحكمة واستمتعي بغدائك ، فالحياة أقصر من أن نبددها بالقلق على أشياء قد لا تحصل ابداً ))
كانت هذه نصيحة جيدة تقبلتها فاليري وهي تبادله الابتسام ، كان الطعام في الواقع ، ممتازاً وكله مطهي حديثاً ، كانت هناك وجبة حاضرة وبثمن جيد جداً ، وهكذا تناولاها معاً ، تبعه اربيان كبير مطهي بالبندوره ، مع شيء من الثوم والبصل ، وبجانبه ارز مسلوق وخضار مطهية على البخار .
قررا أن يتناولا بعده شاياً صينياً ، وكان غاي مرافقاً جيداً جعلها تضحك على الدوام وهو يلقي عليها اسئلة ذكية عن مهنتها ، وعندما سألته عن عمله كانت أجوبته بنفس الذكاء والروح الفكهة ، والصراحة التامة ، كما يظهر ، ما جعلها تشعر بأنها عرفت الكثير عنه كما عن عمله .
قال لها وهما عائداً : (( يجب أن نخرج معاً مرة أخرى في أسرع وقت ))
فابتسمت له قائلة : (( لشد ما يسرني ذلك )) وأخذت تنظر إلى صاحبة مقهى توريلي وهي تقف مستندة إلى مكنتها امام المقهى ، تراقب المارة بعينيها السوداوين المليئتين بالفضول .
كان في داخل المقهى صف من الزبائن ينتظرون أن يلبي روبرتو توريلي طلباتهم ، التفت واحد منهم إلى فاليري وأخذ يحدق إليها بعينين ضيقتين فاحمر وجهها وحولت عنه نظراتها ، ان جيب كولينغوود لا يفوته شيء أبداً .
نظرت إلى ساعتها بسرعة ثم عبست : (( يجب ان استقل سيارة أجرة ، فلدي موعد في كينزينغتون الساعة الثانية ، والوصول إلى هناك في مثل هذا الوقت من النهار يستغرق نصف ساعة ، والساعة الآن الواحدة والنصف تقريباً ، شكراً للغداء ، ياغاي ، إلى اللقاء )) .
كانت تريد أن تستقل سيارة أجرة قبل أن يمسك بها جيب ، وكانت واثقة من أنه سيأتي للبحث عنها .
خرجت من البوابة إلى شارع نورت ستريت حيث يمكنها العثور على سيارة أجرة هناك ولكنها عندما وصلت إلى الرصيف ، لم تجد سيارة أجرة ، وإذ وقفت تنتظر وهي تعض شفتها ، سمعت خطوات تركض خلفها ، فتوترت أعصابها بعنف .
التفتت تواجه جيب كحيوان استعد للدفاع عن نفسه ، بينما وقف هو أمامها وعيناه تلمعان غضباً : (( إذاً فأنت تخرجين مع فوكنر !))
لم تجب على هذا ، وإنما هاجمته ، بدلاً من ذلك ، قائلة : (( ظننتك تعمل اليوم ))
(( جئت للمساعدة هذا الصباح لأن ثمة موظفاً خرج بسبب مرضه فاحتاجوا إلى من يأخذ مكانه في المكتب ، ولكنهم لم يعودوا بحاجة إلى الآن )) ونظر إليها عابساً : (( ثم لا تغيري الموضوع ، هل سترين غاي فوكنر مرة أخرى ؟ ))
فردت عليه ساخرة : (( هذا محتمل مادام يعمل في نفس المبنى ، ألا تظن أنت هذا أيضاً ؟ ))
(( انك تعملين ما أعنيه ، هل ستخرجين معه مرة أخرى ؟ ))
(( إذا شئت أنا ذلك ، فلن اطلب منك الأذن ، بالطبع ، من تظن نفسك حتى تستعمل معي هذا الارهاب ؟ ))
فقال منكراً بحدة : (( أنني لم استعمل معك الارهاب قط ، رغم إنني واعترف بذلك طالما تمنيت أن أصفعك ، ولكنني تربيت على أن لا أضرب النساء حتى ولو كن يستحقن ذلك )).
فقالت مهددة : (( من الأفضل لك أن لا تفعل ذلك ))
فحملق فيها : (( لا تستفزيني ، يا فاليري ))
اقترب منها خطوة ، فتراجعت إلى الخلف وإذا بها تجد نفسها في زاوية الجدار المحيط بمجمع باربري وارف ، وقبل أن تنسل جانباً ، كان قد سد الطريق عليها بجسمه الضخم ، ماداً ذراعيه حولها يسجنها بينهما .
أخذ قلبها يخفق بعنف بين ضلوعها |، وأخذت ترتجف ، كان قريباً منها اكثر مما ينبغي ، وشعرت بدوار في رأسها ، رفعت بصرها إليه لتحتج ، فلم تستطع التفوه بكلمة ، فقد كان في الطريقة الجادة التي كان ينظر فيها إليها ما استل منها كل وسائل الدفاع .
تمتم يقول بغطرسة أوقفت منها الانفاس : (( لا أريدك أن تخرجي مع رجال أخرين ، يا فاليري ، هل فهمت ؟ ))
ولكن فاليري لم تفهم شيئاً ، وخصوصاً نفسها ، وكل ما كانت تعرفه أنها في كل مرة كانت ترى فيها جيب ، كانت تفقد سيطرتها على نفسها ، وقد ملأها هذا رعباً ، أن عليها أن تهرب منه قبل أن يرى ضعفها في عينيها .
وتملكها ارتياح عنيف وهي ترى سيارة أجرة تقف في الصف ، خلفهما ، فقالت له وهي تحاول التسلل من جانبه : (( علي أن أذهب ، إن لدي موعد بعد ربع ساعة ولا استطيع التأخر ))
(( عديني بأن لا تخرجي مع فوكنر ، وبعد ذلك يمكنك الذهاب ))
لم يكن جيب يتزحزح من مكانه وقد بانت الصلابة والعزم في وجهه .
فقالت : (( آه ، لا بأس ، أعدك بذلك ، فدعني أذهب ))
نظر جيب إليها راضياً : (( كفى مقاومة لمشاعرك يا فاليري ، فأنت لي وأنت تعلمين ذلك ))
فقالت بصوت مرتجف : (( يجب أن أذهب ... )) فابتعد عن طريقها باسماً ، وسارت هي إلى سيارة الأجرة وساقاها تكادان تهويان تحتها ، فتحت الباب ثم أعطت السائق العنوان في كينزينغتون ، وأثناء ذلك تمالكت نفسها قليلاً وهي تشعر بالغضب للسهولة التي هزمها فيها ، ثم مالت على نافذة السيارة ونادت جيب ، قائلة : (( انك أخذت ذلك الوعد مني بالابتزاز ، ولهذا فليس له أي حساب عندي ))
وإذ رأت الغضب الاسواد في وجهه ، كانت السيارة قد ابتعدت بها منعطفة حول الزاوية فغاب عن الانظار ، ولكن فاليري لم تستطع أن تمحو من ذاكرتها منظر ما ارتسم على وجهه وذلك بقية ذلك اليوم .
تمالكت نفسها ثم ركزت افكارها على المقابلة ، وبعد ذلك عادت إلى المكتب لتكتب مقالتها عن تلك الفرقة الغنائية التي كانت ابتدأت جولتها السياحية في بريطانيا ، لم يكن العمل سهلاً عليها ن فهي لم تستطع التوقف عن التفكير في جيب ، وفي كل مرة كانت تفكر فيه ، كان قلبها يخفق بعنف وتحبس انفاسها ن كانت على وشك الوقوع في غرامه ، وهذا سيكون حماقة كبرى .
وإذا بالحقيقة تصدمها فجأة ، أشبه بلمعان البرق ، فقد فات أوان منع نفسها من الوقوع في حبه ، وجلست تحدق في الفراغ وهي تشعر بالدوار ، إنها تحبه ، وقد حدث هذا منذ وقت طويل ، رغم رفضها الاعتراف بذلك .
وجاءها صوت مخبر آخر يسألها ضاحكاً ، وهو يمر بجانبها : (( هل تنتظرين الالهام ؟ جربي أن تضربي رأسك على الجدار ، فهذا دوما ينجح معي )) .
ارغمت فاليري نفسها على القول ضاحكة : (( كنت اتساءل لماذا يتعفن عقلك يا جون )) لم تستطع الجلوس هنا حيث كل شخص يستطيع رؤيتها ، كان عليها أن تكون وحدها ، فخرجت إلى غرفة السيدات لتغيير الملابس ن والتي كانت خالية ، لحسن الحظ ، فجلست على أحدى الكراسي الصغيرة البيضاء ، محاولة أن تفكر في جيب ، وحبها له .
فتح الباب فأسرعت بالوقوف ن محاولة ان تبتسم للفتاة التي دخلت ، وهي تتظاهر بتسوية شعرها ن نظرت فاليري إلى صورتها في المرآة فتملكها العجب وهي ترى شكلها طبيعياً تماماً ، لماذا لم تظهر مشاعرها على وجهها ؟ عيناها فقط بدت فيهما المشاعر ، فاستدارت بحدة وعادت إلى عملها .
***
عندما وصلت جينا إلى المكتب صباح الثلاثاء ، دهشت إذ لم تجد هيزل في المكتب ، ففي العادة كانت هيزل اول القادمين إليه .
أخذت جينا تتفقد بريدها لترى ان كان ثمة رسالة مستعجلة ، ولكن بعد دقيقتين ارتفع صوت جرس الهاتف ، وفي النصف الساعة التالية لم يكد يتوقف ، لم يكن نيكولاس قد وصل بعد ، وكان عليها أن تجيب عنه ما يرده من مخابرات .
واخيراً وصلت هيزل في التاسعة والنصف ، وكانت تبدو من الشحوب والتوتر بحيث أدركت جينا ما ستقوله هيزل قبل أن تفتح هذه فمها .
قالت لها جينا وهي تنهض واقفة : (( اختبار الحمل كان ايجابياً ، اليس كذلك ؟)) .
فأومأت هيزل برأسها وهي تكاد تبكي ، فاحتضنتها جينا : (( لا أريدك أن تبدي بهذا الشكل وإلا جعلتني أبكي ، سيكون الأمر على ما يرام يا هيزل ، انني اعرف ان بييت لا يريد طفلاً الآن ، ولكنه سيتعود على الفكرة بعد أن يرى أن الأمر قد وقع ، اجلسي وخذي فنجان قهوة ، لقد صنعتها لتوي ))
جلست هيزل خلف مكتبها بينما أخذت جينا تسكب القهوة ، ثم قالت بخشونة بينما كانت جينا تناولها فنجانها : (( سألني الطبيب ان كنت أريد الاجهاض ))
بدا الذعر في عيني جينا ، وأخذت تحدق إليها : ((ى وماذا قلت له ؟ ))
فضحكت هيزل بكأبة : (( قلت إنني سأفكر في الامر ، قال أن علي ان لا انتظر طويلاً ، إذ من الافضل التخلص منه في اسرع وقت ممكن ، وكلما كان الوقت مبكراً ، كان ذلك أفضل )) .
فعضت جينا شفتها : (( ان أول ما عليك أن تفعليه هو أن تخبري بييت ...))
(( ليس علي ان اخبره على الاطلاق ، إذ يمكنني دخول المستشفى وإجراء العملية والعودة إلى العمل في حوالي يومين ، تبعاً لقول الطبيب ، وبهذا لا يعلم بييت مطلقاً بالأمر )) .
فتملك جينا الذعر : (( هيزل ...لا يمكنك هذا ، فهذا طفل بييت أيضاً ، وله الح في الاشتراك في اختيار ما يحدث له ، اسمعي ، إذا أراد بييت هذا الطفل ، فستريدينه أنت أيضاً ، أليس كذلك ؟)) .
اغرورقت عينا هيزل بالدموع : (( طبعاً أريده ... ولكن ...))
(( ربما لن يريده ، ولكنك لا يمكن أن تتأكدي من ذلك ، ان عليك حقاً أن تخبريه وتناقشا الأمر ، فليس بإمكانك القيام بمثل هذا الأمر الخطير دون استشارته ، اسمعي ، إذا كنت تريدين الذهاب لتخبريه ...))
(( كلا )) قررت هيزل ذلك في صوت أقل توتراً وهي تمسح عينيها : (( كلا ، سأتحدث إليه اثناء العطلة الأسبوعية ، الحق معك ، فأنا متشائمة ، ربما سيتغير شعور بييت الآن ))
ومنحت جينا ابتسامة مرتجفة ، (( شكراً ، من المفيد حقاً أن يكون هناك شخص متفهم اتحدث إليه ، لا يمكنني ان اتحدث إلى أمي ، والا فستصاب بصدمة ))
***
في وسط ذلك الاسبوع ، انطلقت جينا ونيكولاس كاسبيان وبقية المديرين في رحلة إلى سان فرانسيسكو كانت رحلة طويلة متعبة أرهقت جينا ، اتكأت إلى الخلف في مقعدها في سيارة الليموزين التي كانت تحملها إلى المدينة ، وقد اغمضت عينيها : (( كم تبلغ من البعد ؟؟))
فقال نيكولاس : (( ستة عشر ميلاً )) وكان قد أرسل الأربعة مديرين الآخرين في سيارة الليموزين الأخرى لأنهما كانا منطلقين في اتجاه مختلف ، فهو وجينا سيمكثان مع أمه في بيتهم ، بينما الرجال الآخرون سيمكثون في فندق سانت فرانسيسكو .
قالت بذعر : (( هل هي بعيدة إلى هذا الحد ؟ أحقاً ؟ كنت أرجو ان أذهب إلى السرير وأحصل على نوم حقيقي ، فأنا لم أنم في الطائرة ))
(( هذه ليس فكرة حسنة ، إذ عليك ان تكيفي نفسك لتوقيت هذه البلاد ، عليك أن تبقي مستيقظة إلى أن يذهب الجميع للنوم ، وعند ذلك تستيقظين غداً شاعرة بتحسن كبير ))
فتأوهت قائلة : (( لا اصدق أنني سأشعر بالتحسن على الاطلاق ، فرأسي يقرع كالطبل ، كما أنني أشعر بشيء من الغثيان ، أريج فقط أن استلقي في مكان هادئ ))
(( مسكينة جينا )) وشعرت بذراعه تلتف حولها ، فأجفلت ، وإذا بالأرض نميد بها .
ولكنها لم تكن الأرض التي كانت تميد ، وانما هي التي كانت تسقط على الأرض ، مضت لحظة لم تدرك ما كان يحدث ، ثم إذا بها تجد نفسها ممدة على المقعد ورأسها على ركبتيه.
(( ما الذي ... )) ابتدأت تقول بينما وضع إصبعه على شفتيها يمنعها من الكلام : (( عودي إلى اغماض عينيك ولا تتحركي ، إنك لن تنامي ، ولكن الراحة لن تضرك ، ففي مثل هذا الزحام سيستغرق الوصول إلى منزل أمي ساعة كاملة ))
فتمتمت غاضبة : (( وما الذي سيظنه السائق بنا ؟ ))
(( إنه لا يأخذ راتباً لكي يظن ))
(( دعني أنهض يا نيكولاس ))
قال ساخراً وهو يضحك : (( لا تكوني طفلة ، لماذا لا تعترفين بأنك مرتاحة اكثر وأنت مستلقية بهذا الشكل ، بدلاً من الجلوس بينما نشق طريقنا وسط الزحام )) .
رأت جينا أن الجدال معه ، هو أمر بعيد عن الرزانة ، فأغمضت عينيها دون أن تنطق بكلمة أخرى ، ثم حاولت أن ترتاح ، وكان الحق معه ، فوضعها هذا كان مريحاً تماماً ، وفي الواقع كانت اوشكت على النوم عندما وصلا أخيراً إلى منزل السيدة كاسبيان .
قال لها وهو يساعدها في الجلوس (( لقد وصلنا )) فتثاءبت جينا ثم اخدت تنظر بعينيها المثقلتين بالنعاس إلى خارج النافذة بينما كانت السيارة تصعد في طريق ضيق متعرج يصعد إلى تلة شديدة الانحدار ، وتحف به اشجار النخيل ، ومن خلال اغصان النخيل ، رأت مروجاً خضراء وفوقها منزل فيكتوري فخم من الطراز القوطي ، ما جعل ذلك يؤلف منظراً غامضاً من خلال الاشجار ، واخذ نيكولاس يتمتم : (( البرج ذو السبع قبب )) .
فأجفلت تقول : (( ماذا ؟ ))
(( ذاك اسم المنزل ، فقد بني على التلة لكي يبدو للناظرين من ابعد الامكنة ... فأسفله يقع الخليج ... )) والتفت مشيراً إلى الخلف (( حتى ان بإمكانك ان تريه من هناك حين لا يوجد ضباب ))
سألته والسيارة تقف امام المنزل : (( هل أمك هي التي اختارت ذلك الاسم ؟ ))
(( كلا ، لقد اختاره الرجل الذي بنى المنزل ، لقد كان رجلاً شاعرياً )) قال نيكولاس ذلك باستخفاف .
فقالت : (( لابد انني كذلك ، أنا أيضاً فقد اعجبني الاسم جداً ، وهو يناسب المنزل )).
فتح السائق الباب ، فخرجت جينا ووقفت على الطريق ومضت تتأمل المنظر ، فقد كان غير عادي .
كان المبنى المذهل الذي يصدم النظر عبارة عن برج ذي ثلاثة طوابق متوجة بسقف مستدير من الواح اردوازية ، ولكن كان هناك قبتان خضراوان مغطاتين بالبرونز وذلك خلف المبنى ، وعلى طول الطابق الاول كان صف من النوافذ المستطيلة العالية امام كل منها شرفة ذات درابزين من الحديد رائع الزخرفة أسود اللون ، كما كان ثمة شرفة فسيحة امام الباب العالي المصنوع من خشب السنديان والذي كان فتح في هذه اللحظة ووقفت عنج العتبة امرأة نحيلة أنيقة ترتدي ثوباً أسود ذا ياقة من الدنتيل الابيض ، بدا وجهها جامداً تحت شعرها الفضي المنظم بيد خبيرة .
تملك جينا الشكوك والقلق ، اتراها ستقابل هنا بالترحاب ، أم أنهم سيعاملونها بشكل عدائي ؟ وتمنت لو أنها لم تحضر .



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 15-03-17 الساعة 06:44 PM
هوس الماضي غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
قديم 30-07-15, 08:22 PM   #29

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثامن


تملك جينا التوتر وهي تتبع نيكولاس نحو الباب المفتوح والمرأة الواقفة عنده ، ولكن عندما وصلا إليها قالت المرأة : (( مرحباً بك يا سيدي |أرجو أن رحلتك كانت مريحة ))
إذاً فهذه ليس أمه ، أخذت جينا تفكر في ذلك ونيكولاس يقدمها إلى المرأة : (( جينا ان السيدة غرانت هي سكرتيرة أمي ، هذه السيدة جينا تيريل ، يا سيدة غرانت ، انها متعبة جداً وتريد أن تذهب إلى غرفتها مباشرة ، ولكنني أنا سأذهب وأرى امي اولاً ))
سارا خلال الشرفة المبلطة بالرخام فقابلا رجلاً قصير القامة قاتم الشعر قوي العضلات في حوالي الخمسين من عمره ، يرتدي بذلة أنيقة داكنة اللون وقميصاً أبيض ، حياه نيكولاس ببشاشة باللغة الاسبانية : (( كيف حالك خوزيه ؟ ))
(( على ما يرام ، شكراً يا سنيور نيكولاس )) رد عليه بذلك باسماً ثم انطلق بسيل طويل من الاسئلة باللعة الاسبانية بسرعة لم تتمكن حينا معها من متابعته بالنسبة لدرجة معرفتها باللغة ، وقد أجاب نيكولاس بطلاقة ، ثم التفت إليها : (( هذا جوزيه يا جينا ... هو وزوجته كونشيتا يديران هذا المنزل عند أمي منذ عشرين عاماً ))
نظرت جينا إلى العينين السوداوين الباسمتين ، ثم صافحته شاعرة بمودة سريعة نحو جوزيه ، فقد كان في وجهه دفء وشهامة وقوة .
وقال لها : (( أرجو أن تستمتعي بزيارتك إلى سان فرانسيسكو |))
(( أنا واثقة من ذاك ، ليس لدي صبر عن الذهاب والتفرج على مناظرها ))
سارت السيدة غرانت بعد حديث قصير مع جوزيه فتبعها نيكولاس وجينا اخذت تنظر غير مصدقة إلى القاعة الفيكتورية الرائعة بطرازها القوطي من القرون الوسطى .
كانت بالغة الفخامة بسقفها البالغ العلو ومدفأتها الحجرية الضخمة ، وفي الوسط قامت منضدة فسيحة من السنديان كما علق على الجدران المبطنة بخشب السنديان أنواع مختلفة من الاسلحة ما بين سيوف واقواس واسهم وحراب وألوية مطرزة كانت تبدو قديمة للغاية .
سألت نيكولاس : (( هل كل هذا حقيقي ؟ )) فنظر إليها متهكماً : (( لابد أنها كذلك فقد كلفت والدي ثروة كبيرة ، لقد كان كلف أشخاصاً بالتجول في اوروبا خصيصاً للبحث عن اسلحة القرون الوسطى وذلك لسنوات ما جعل لديه مجموعة ضخمة منها ذهب معظمها إلى المتحف بعد وفاته ، لقد كان ذلك إحدى هواياته بعد ان كبر في السن ، فقد كان مفتوناً بالقرون الوسطى في اوروبا ، خصوصاً بتاريخ المانيا وشرق اوروبا ، لقد حاول ان يجعلني اهتم بذلك مثله ، ولكنني وجدت ذلك مشوشاً للذهن ، وكان هذا هو السبب في اعطاء مجموعته كلها للمتحف ما عدا هذه المعلقة هنا على الجدران ، لقد كان ترك هذا البيت وكل ما يحتويه لأمي رغم ان اهتمامها بالأسلحة ليس اكثر من اهتمامي أنا ))
فقالت بعد رؤية كل هذه الاسلحة حولها : (( كان السير جورج يجمع الاثاث والرسوم القديمة وقد ورثت بعضها ، لقد وضعتها في شقتي كما أنه ترك بعض القطع لأصدقائه والبعض الاخر للمتحف أيضاً ظن فالمجموعات تصبح نوعاً من الهوس عندما تتملك الاشخاص ، اليس كذلك ؟ ))
(( كان والدي في صباه فقيراً جداً ، لهذا تملك هوس اقتناء الاشياء ، فاشترى البيوت والشركات والاثاث والقطع الفنية هذا إلى اسلحته الاثرية ، كل بيوته كانت مزدحمة بالأشياء الثمينة ، ولكنني اشك في انه يعود للنظر اليها بعد ان تصبح في حوزته ، لقد كان دوماً مشغولاً بأعماله بالنسبة إليه ، كان ذلك يمثل سعادة الطراد وهو يصطاد شيئاً لا يثمن ، هازماً كل منافسيه ، وعندما يحصل عليه يفقد اهتمامه به ))
أخذت جينا تحدق فيه وعيناها الخضراوان يقظتان للتغيرات التي تنعكس على ملامحه ، ثم قالت له : (( انك ورثت عنه بعضاً من هذه الصفة ، أليس كذلك ؟ ))
نظر إليها مقطباً : (( ماذا ؟ ))
(( انك تحب دوماً استهداف صحف جديدة ، باذلاً وسعك في سبيل السيطرة عليها ، وهذا ايضاً نوع من الهوس ))
فقال بحدة : (( كلا ، ليس هذا كذاك ، فهذا ليس هوساً ، وأنا لست من النوع المهووس ... وانما هي خطة للعمل ، وهو شيء مختلف جداً ، فأنا عندما احصل على شركة جديدة لا أنسى كل شيء عنها ثم انظر إلى هدف جديد ، ان شركة كاسبيان هي مجموعة شركات مختلفة ضمن شركة واحدة وعندما احصل على شركة جديدة في بلد جديد ، ابدل جهوداً شاقة في سبيل ادخالها صمن الشركة الام ، وهذا يدفعني إلى القيام برحلات كثيرة ، واعمال كتابية لا نهاية لها ، والاحاديث الهاتفية والاجتماعات ...))
وكانت هي عرفت كل ذلك من وراء العمل معه اثناء السنة الماضية ، فهي لا تنكر جهوده الشاقة ، وخبرته في ادارة الشركة العالمية المختلطة ، لقد أعد نفسه لهذه المهمة وذلك بتعلمه اكثر لغات اوروبا ، وقد نصح جينا بذلك ايضاً ، فهي اصبحت تتكلم عدة لغات .
اثناء اجتيازهم الردهة ، كان نيكولاس مازال يتحدث (( انني اراقب بعناية كل فرع منفصل من الشركة ولا يفلت مني سوى القليل جداً ))
نظر إليها بجانب عينه ، وعيناه تلمعان ، فاحمر وجهها وقد ادركت المعنى الخفي الذي يتضمنه كلامه فهي احدى أهداف نيكولاس منذ مدة طويلة ، وما زال لم يذعن ، فقد صمم على أن لا يدعها تفلت منه ، وعادت بأفكارها إلى كل ما حدث السنة الماضية ... قد يدعي أنه ليس من النوع المهووس ، ولكن كيف تفسر اصراره على ملاحقتها ، حتى إلى حد انتقاله للسكن بجانبها لكي تبقى تحت نظره ؟
توقف نيكولاس اسفل سلم من خشب السنديان مصقول إلى درجة بالغة ، ويصعد متعرجاً إلى فسحة واسعة معلق على جدارها مجموعة اخرى من الأسلحة الأثرية ، ثم يتفرع منها سلم أخر يصعد إلى الطابق التالي .
كانت السيدة غرانت تعبت من انتظارهما فتابعت طريقها صعوداً وقد بان عليها فروغ الصبر .
رفع نيكولاس بصره إلى المرأة ، ثم همس لجينا ، لاوياً شفتيه : (( ان سكرتيرة أمي ذات كفاءة بالغة حتى أنها لا تحب اضاعة الوقت ، والافضل ان نسرع لنلحق بها )).
وعندما وصلوا إلى الطابق التالي ، كانت السيدة غرانت تنتظر هناك ، فقال لجينا : (( سأراك فيما بعد ، لا تنامي ، بل خدي حماماً وغيري ملابسك ، فهذا سيشعرك بالتحسن ، انني سأراك في الطابق الاسفل بعد نحو الساعتين ، وسنذهب في جولة قصيرة في المدينة حيث ترين معالمها العادية ، الجسر ذو البوابة الذهبية والمدينة الصينية ، ومرفأ الصيادين ، ولكن علينا أن نعود إلى هنا في السادسة ، اننا سنتناول العشاء في هذه الليلة مع عدد من بائعي الجملة وذلك في مطعم بورتمان ، وهو المطعم الذي كنت سأقيم فيه لو لم أكن اقيم مع امي ، فهو احد افضل الفنادق التي اعرفها ، والشواء الذي يقدمه رائع ، وأنا واثق من ان امسيتنا هناك لا يمكن ان تنسى ، واريدك ان ترتدي لهذه المناسبة ثوبا غير عادي ، وإذا اردت كي ملابسك ، فاسألي السيدة غرانت ))
تبعت جينا السيدة غرانت خلال الردهة المستطيلة ذات نوافذ مقنطرة ملونة الزجاج ، وإذ لاحظت السيدة غرانت اهتمامها ، قالت بصوت بارد واضح النبرات : (( هذا الزجاج هو طبعاً ، من صنع فرنسا )|)
(( من القرن التاسع عشر ؟))
فأومأت السيدة غرانت بالإيجاب
سألتها جينا : ( متى كان بناء المنزل ؟ ))
(( سنة 1907 ولكنه بني مكان منزل مثله كان تهدم في زلزال سنة 1906 ، وقد صمم المنزلين مهندس شهير هو ناتانيال هورنر ، والذي أراد أن يكون فناناً في حداثته ، ولكنه أرغم بدلاً من ذلك على مشاركة أبيه في عمله في اعمال الشحن بالسفن ، ولكنه أمضى حياته يرسم أيام الأحد ، ولكنني اظن نبوغه الحقيقي تجلى في تصميم هذا المنزل في السنوات الأخيرة من حياته ، وقد توفي بعد انتقاله إليه بوقت قصير ، فتحت السيدة غرانت باباً ثم اشارت لجينا بأدب بدخول غرفة فسيحة مغمورة بأشعة الشمس (( لقد اختارت السيدة كاسبيان هذه الغرفة لإقامتك ، وأرجو ان تجديها مريحة ، انها تطل على المدينة ))
اتجهت جينا غلى النافذة ونظرت منها ، ثم تمتمت تقول وهي تحدق إلى أسفل : (( انه منظر يخطف الانفاس )) كان منظراً يكتسح السطوح والابراج ومداخن البيوت حتى تألق المياه الزرقاء والتي كانت هي تعلم أنها خليج سان فرانسيسكو الشهير .
أرتها السيدة غرانت بقية الغرفة (( ان حمامك خلف ذلك الباب ، ثمة لوح في أعلى السرير تجدين عليه الأزرار التي تديرين بواسطتها التلفزيون ومصابيح الغرفة والراديو وأرقام الهواتف الداخلية ... مكتبي ، ومكتب مديرة المنزل ، والكاراج والمطبخ وهكذا ... واقترح ، في حالة حاجتك إلى شيء ما ، ان تتصلي إما بي أنا وأما بمديرة المنزل كونشيتا ))
أومأت جينا وهي تكافح تثاؤبها بصعوبة ، راجية ان لا تلاحظ المرأة هذا .
ثم سألتها المرأة : (( ربما ترغبين في فنجان من الشاي قبل ان تبدأي الاستحمام ))
(( لشد ما أحب هذا ))
((( سأرسله اليك الآن )) قالت السيدة غرانت ذلك وهي تسير نحو الباب في الوقت الذي دخل فيه جوزيه حاملاً أمتعة جينا ، فابتسم لها بمودة بينما قالت السيدة غرانت : (( هل تريدين مساعدة في افراغ الحقائب ؟ انني سأرسل كونشيتا بالشاي ، وسيسرها ان تقوم بذلك ، ثم تأخذ الثوب الذي سترتدينه للعشاء هذا المساء لتكويه لك ))
ولم تنتظر جواب جينا ، فتوارت عند آخر كلمة قالتها وتبعها جوزيه .
وقبل أن تغلق الباب قال لها : (( اذا كنت تريدين شيئاً استطيع القيام به لأجلك ، فأديري رقم 14 يا سيدة تيريل )) .
(( شكراً لك ))
شع رت جينا بالارتياح عندما أصبحت بمفردها ، شاعرة بالهدوء والسلام حولها ، كانت متعبة من اضطرارها إلى الابتسام بأدب طوال الوقت والحديث إلى الغرباء ، فهذا الجهد استنزف كثيراً من طاقتها والتي لم يبقى منها الآن سوى القليل ، جلست على الكرسي بجانب النافذة واخذت تنظر إلى مشهد المدينة إلى أن اجفلت لسماعها صوت قرع على الباب .
كانت كونشيتا ، مديرة المنزل ن هي القادمة الآن بصينية الشاي وكانت المرأة ممتلئة الجسم سوداء العينين غي حوالي الاربعين ، ترتدي ثوباً أسود ذا ياقة بيضاء من الدنتيل يشبه الثوب الذي ترتديه السيدة غرانت ، ابتسمت لها جينا وهي تتساءل عما إذا كان هذا الزي رسمياً لموظفات المنزل .
(( شكراً لك ، فالشاي يبدو رائعاً ، والكوب يبدو من الخزف الصيني طراز ويدغوود ، أليس كذلك ؟ ))
(( نعم يا سنيورا )) قالت المرأة بلهجة اسبانية أو لعلها مكسيكية قوية ... ثم تابعت تتحدث بالإسبانية إلى أن انتبهت إلى أن جينا كانت تقطب حاجبيها بعدم فهم : (( آه ، انك لا تفهمينني ، أريج ان اقول ... انك انكليزية ، ولهذا صنعت الشاي على الطريقة الانكليزية ، ان لدى السيدة كاسبيان خزانة مليئة بالآنية الصينية ، جمعتها من كل انحاء العالم ))
(( هذا يدل على ذكاء كبير ))
(( هل تريدين ليموناً ، يا سنيورا ؟ ))
(( نعم ، من فضلك ))
سكبت كونشيتا كوباً من الشاي وناولته لجينا ، وهي تقول : (( بسكويت انكليزي ، يا سنيورا ؟))
وشربت الشاي شاكرة وهي تقضم بسكويتة من حين لأخر ، لم تكن جائعة ، ولكنها لم تشأ ان تخيب أمل كونشيتا بعد ان حاولت المرأة جهدها في سبيل ارضائها .
وعندما انهت تناول الشاي ، كانت كونشيتا قد انهت تعليق ثيابها ، ووضعت على ذراعها ثوباً حريرياً أزرق كانت جينا قررت ارتداءه هذا المساء ، ثم حملت صينية الشاي بيدها الأخرى ، اقفلت جينا الباب خلفهما ، ثم خلعت ثيابها ودخلت الحمام .
بعد ذلك بعشر دقائق ، استلقت في المياه الدافئة المعطرة ، تتأمل حالمة ، كان الحمام عصرياً تماماً ، ولكنه مع هذا كان يبدو من طراز العصر الفيكتوري ، وأخذت تنظر معجبة إلى الزخارف المرسومة باليد على الحوض الابيض والاشياء الأخرى كما كانت الجدران مدهونة باللون الأزرق بينما تغطي الأرض سجادة وثيرة ناصعة كالثلج ، والخزانات من خشب الماهوغني بمقابض نحاسية.
كانت متعتها خالصة لا يشوبها سوى التساؤلات التي كانت تموج في ذهنها فتقلقها .
ما الذي قاله نيكولاس لأمه بشأنها ؟ ما الذي تعرفه السيدة كا سبيان عن صحيفة سنتنال والخصام الدائر حولها ؟ عن المعارك الدارة بينها وبين نيكولاس منذ شهور ؟ والاكثر أهمية من كل هذا ، متى ستقابل السيدة كاسبيان ؟ وما هو شعور السيدة كاسبيان نحوها ؟
بعد حوالي الساعتين ، خرجت من غرفتها مرتدية ثوباً قطنياً بلون الكهرمان ، وهبطت السلم عائدة إلى الطابق الاسفل ن وهذه المرة استطاعت أن تتأمل عن قرب الصور المرسومة على زجاج النوافذ .
عند وصولها جاء نيكولاس ، إلى اسفل السلم وهو يمد ذراعه ينظر في ساعته ، قائلاً : (( كنت قادماً اليك ، انك تأخرت ربع ساعة ، تعالي الآن والا فلن يكون لدينا وقت للتفرج على معالم المدينة قبل الاجتماع بتجار الجملة اولئك ))
(( متى سأستطيع التعرف إلى أمك ؟ ))
(( عندما نعود ، فهي ستتناول فنجان قهوة معنا قبل أن نذهب إلى فندق بورتمان ))
كان سائق الليموزين ينتظرهما عند الباب ، فسألته جينا وهي تصعد إلى المقعد الخلفي : (( هل هذه السيارة استأجرتها لنستعملها هنا أم هي سيارة أمك ؟ ))
(( بل هي سيارة أمي ، والسائق هو روي اكبر أبناء جوزيه ، عندما تقاعد سائق أمي بعد أن عمل لديها سنوات تقدم روي لهذه الوظيفة ، وقد دهشنا جميعاً لأنه كان تعلم ميكانيكا السيارات ، ولكن يبدو أنه كان يحب العمل في هذا المنزل بقرب أسرته وأظنه يعتبر هذا المنزل بمثابة بيته ، فقد عاش فيه معظم سنوات حياته ، طبعاً ، وهو قرر الزواج الآن في الربيع ، وقد منحته أمي شقة صغيرة فوق الكاراج ))
فقالت جينا : (( لا بج أنهم يحبون العمل عندها ما يجعلهم يمضون السنوات في خدماتها ))
وحولت نظراتها بعيداً ، نحو الشوارع التي كانت تحفها المنازل العالية القوطية الطراز ، والتي كانا يمران بها (( ان منزل أمك ليس غير عادي كما ظننت ، فأنا أرى منازل كثيرة بنفس الطراز )) .
فأجاب كاسبيان : (( لقد أعاد مركز الهندسة المعمارية بناء المنازل التي تهدمت بعد زلزال سنة 1906 على الطراز القوطي والذي كان في ذلك الحين هو الطراز الشائع في امريكا وكذلك اوروبا ))
(( لشد ما احبه ، فهو شاعري للغاية ، انه أجمل كثيراً من هذه البيوت الشائعة ، والتي هي عبارة عن صفوف وصفوف من الصناديق ، ان المدينة هذه تبدو وكأنها بنيت فوق التلال ، فالشوارع شديدة الانحدار ، وإذا استلزم الأمر ان اعيش في مكان ما ، فأنا أكره العيش في هذا المكان ))
(( ليس عليك ذلك ، فمعظم الناس لديهم سيارات وهناك طبعاً .... ))
وقبل ان ينتهي من كلامه ، اطلقت جينا صيحة سرور قصيرة (( انظر ، هذا ترام ، انني لم ار واحداً منها منذ زمن طويل ، كم اتمنى لو اركب في واحد منها ))
(( وأيضاً التلفريك ، فمعظم الناس يستعملونه إذا لم يكونوا يستعملون سيارتهم ، لابد أنك سمعت به ، فهو مشهور ))
(( نعم لقد سمعت به ، ولكن الرؤية تختلف ، لا يمكنني الانتظار إلى حين الركوب ))
فابتسم لحماستها : (( عليك ان تنتظري إلى الد ، إذا كان ثمة وقت بين المواعيد ، فلا يوجد لدينا وقت اليوم ، انني أريد أن اعطيك فكرة عن المدينة، أولاً الجسر ذو البوابة الذهبية ))
وفجأة اندفعت السيارة فوق قمة إحدى التلال المنحدرة فشهقت جينا وسقطت إلى جانب ، امسك نيكولاس بها فضحكت وهي تقول لاهثة : (( يا له من شعور جميل ، هل سيحدث لنا ذلك كثيراً ؟ ))
قال نيكولاس برقة : (( ارجو ذلك )) فخفق قلبها وهي تنظر في عينيه ، واخذت تفكر بأسى كم تحبه أحياناً عندما يكونان جالسين معاً بهذا الشكل وقد نسيا كل ما يتعلق بالجريدة ... وكل الماضي والذكريات السيئة .
كانت السيارة قد هبطت بهما التلة المنحدرة نحو لمعان المياه الزرقاء الذي يبدو من بعيد متألقاً بفعل الضباب .
قال : (( الجسر موجود هناك ، ولكن يبدو وكأن ليس بإمكانك ان تريه جيداً هذا النهار ، لماذا لا نذهب فقط إلى مرفأ الصيادين ؟ ))
فقالت : (( هذا حسن )) وهذا ما فعلاه ، انزلهما السائق في آخر شارع تايلور ثم تركهما بعد ان طلب نيكولاس منه أن يعود إليهما بعد ساعة .
أخذت جينا تحدق حالمة إلى زوارق الصيادين وهي تبحر نحو المرسى و اسراب النوارس تتبعها بينما اشعة الشمس تتألق على الامواج ، ثم نظرت إلى بعض منصات عرض البضائع بقربها ، وقالت لنيكولاس : (( علي ان اشتري هدايا لأخذها معي حينما اعود ، هنالك مجوهرات بديعة على تلك المنصة ، وأحب أن أراها عن قرب )).
أخذت تتأمل العقود والاساور بإعجاب ، وكذلك الاقراط وبقية أنواع الحلى ، وذلك قبل ان تشتري البعض لروز و هيزل وكذلك لنفسها ، وعندما استدارت لتبتعد ، توقفت وهي تحدق في الخليج فاغرة الفم .
(( هل تلك ...؟ ))
قال باسماً : (( نعم ألكتراز ، الصخرة كما يسمونها ، يمكنك الذهاب إلى الجزيرة على عبارة للتفرج على المكان ، لقد اقفلوا السجن منذ 1962 كما أظن ، وهو الآن متحف ، ولكنه موحش مرعب ، وليس لدينا اليوم الوقت الكافي لذلك ))
ارتجفت جينا وهي تنظر إلى معالم السجن خلال الضباب الخفيف وهي تتصور ووجوه السجناء العديمة الأمل ، وخشخشة المفاتيح وهي تدور في الاقفال ، وانصاف الأبواب الحديدية ، ثم قالت : (( لا أظنني احب رؤيته ))
اخذا يتمشيان على امتداد المرفأ وهما يتفرجان على منصات عرض البضائع على الرصيف ، تتبعهم روائح الاطعمة المصنوعة من حيوانات البحر .
قالت : (( ما اجمل هذا ، ربما استطعنا تناول العشاء هنا يوماً ما ))
(( نعم ، إذا شئت ، ولكن هناك الكثير مما يجب رؤيته وعمله ... وربما فيما بعد ، يمكننا الذهاب للتفرج على متحف مارتيايم ، وأحب أن أخذك إلى الميناء حيث ترين سفناً شراعية قديمة رائعة ، كنت أعشق التجوال هناك واتصور كيف تكون الحياة إذا انا امضيت اسابيع أو أشهر أو أكثر ، على ظهور تلك السفن ))
فقالت له جينا مازحة وهي تراها حياة بالغة القسوة : (( لا اراها إلا حياة مخيفة ))
فقال : (( انك لا تفعلين سوى الضحك علي ))
فضحكت : (( آه ، مسكين يا نيكولاس ، كم هذا محزن )) ثم تلاقت أعينهما فتلاشت ضحكتها ، وغامت عيناها الخضراوان ، لم يكن نيكولاس يمزح ، فقد كان جاداً للغاية كما أنه لم يكن يفكر في السفن المبحرة ، فقد كان يكسو ملامحه مزيج مخيف من الغضب والرغبة والمرارة ، وخفق قلب جينا .
أواه ، يا نيكولاس ... أخذت تفكر في ذلك بضعف ، بينما تقدم هو منها خطوة ، وهو يتنفس بصوت مسموع ، ولكن صوت العقل الهادئ ذكرها بأنها لا يمكن ان تثق به مهما كانت نظرة عينيه مقنعة ، لم يكن يغفل أيه فرصة تسنح له للوصول إلى عواطفها ، كما أخذت تذكر نفسها ، ومهما كان الموضوع الذي يتحدثان عنه ، فهما سيعودان إلى حظهما القديم عاجلاً أم آجلاً ، حيث يحاول نيكولاس أن يقنعها مرة أخرى بأن تدعه يحصل منها على ما يريد ، ولكنها لا تستطيع ان تسمح له بالنجاح .
وشعرت بأنها تريد ان تبكي ، شاعرة بغصة في حلقها وخرقا في عينيها .
انه آخر من ينبغي لها ان تقع في غرامه ، ولكن نظرة واحدة منه تجعل جسدها يرتجف وفمها يجف .
كان الازدحام في مرفأ الصيادين على أشده حولهما ، ولكنها شعرت كأنهما وحيدين في جزيرة منعزلة ، كان يراقب ما تعاقب على ملامحها من تعبير ، وذلك بعينين ضيقتين حادتين ن ثم قال بصوت اجش : (( لا تفعلي هذا ))
(( افعل ماذا ؟ )) وكانت تتظاهر بجهلها ما يعني ، ولكن وجهه أظلم وتوترت ملامحه : (( انك تعلمين جيداً ما اعنيه ، كنت الآن فقط تبتسمين لي ، ولم يكسو ملامحك أي ظل ، وإذا بك فجأة تجمدين وتنئين بمشاعرك عني ، لقد تملكني التقزز من هذا ، هل تسمعين ؟ التقزز من هذا )) .
أجفلت لصوته الغاضب ونظرت حولها برعب ، راجية أن لا يكون ثمة من سمع قوله ، ولكن الناس كانوا يمرون بهما دون مبالاة ، وقد شغلتهم امور حياتهم عن كل شيء آخر .
همست تقول : (( لا تصرخ بي ))
فصر بأسنانه بصوت مسموع : (( لا أصرخ بك ؟ من حسن حظك أنني لم اضربك ، أحياناً يبلغ بي الغضب منك حداً أوشك فيه أن أخنقك ، ويوماً ما سترغمينني على التصرف ، يا جينا ، وعند ذلك ... )) وسكت وهو يتنفس بعنف (( قد أرى نفسي مرغماً على أخذ ما تمنعينه عني )) .
(( لا تهدنني )) تمتمت بذلك وهي تشعر بخوف مفاجئ .
وتابع يقول محذراً : (( ان الاحباط قد يدفع الرجل إلى الجنون ، يا جينا )) قال ذلك ثم استدار يسير عائداً من الطريق التي جاء منها ، تاركاً إياها تتبعه .
عادت بهما السيارة إلى منزل والدته وقد ران عليهما الصمت .
تمنت لو تعرف ما تتصوره أمه عن هذه ، ولكنها لم تجرؤ على سؤال نيكولاس ، وهي ستنتظر وترى كيف سيكون استقبال السيدة كاسبيان لها .
فتحت لهما كونشيتا الباب ، قالت لنيكولاس شيئاً بالإسبانية وهي تبتسم ، فأومأ هذا برأسه وهو يبتسم ببرودة وقد عادت ملامحه إلى جمودها ، ثم قال لجينا : (( ان أمي في الصالة تنتظرنا ، هل تريدين الصعود إلى غرفتك أولاً ، ام تتعرفي إلى أمي أولاً ؟ )) .
أخذت تتلعثم مترددة : (( حسناً ... كما تريد ... )) فأمسك بمرفقها ، ثم قادها خلال قاعة رائعة إلى غرفة باردة عالية السقف .
أخذت جينا تدير عينيها حولها متوترة ، متأملة ما يحيط بها من ألوان متألقة كالجواهر ما شعرت معه بالدوار ..
الأعمدة الرخامية ذات اللونين الأبيض والوردي الستائر الحريرية ، الارائك بوسائدها الوثيرة ، وكلها بطراز مغربي لا يشبه أياً من بقية المنزل .
وفي قفص كبير مقوس بالغ الجمال ، كانت طيور الكنار ترفرف وتغني ، ما ذكر جينا بقصر الحمراء في غرناطة في اسبانيا ، حتى انه كان يوجد نافورة من الحجر تنثر المياه في حوض من القرميد في وسط الغرفة ، زرقاء وصفراء ، بأشكال هندسية ، وعلى اريكة ذات غطاء مقصب جلست امرأة تشبه نيكولاس ... بشرة سمراء وعينان سوداوان وشعر كان يوماً فاحماً ، ولكنه الآن بخيوط فضية ، ولابد أنها اجتازت الخمسين من عمرها بسنوات ، مادام نيكولاس نفسه في اواخر الثلاثينات ، ولكن عينيها الجميلتين وملامح وجهها الرقيقة مازالتا رائعتي الجمال .
تقدم نيكولاس مع جينا نحو الاريكة ثم قال بصوت عميق : (( ماما ، هذه جينا ... جينا ن هذه أمي ))
مدت المرأة يداً نحيفة ، بينما أخذت العينان السوداوان المستطيلتان تحدقان فيها باهتمام : (( إذاً ، فأنت جينا ... ))
كان الصوت رقيقاً ، ذا لكنة واضحة ، لم تكن فرنسية مطلقاً ، رغم أن بشرة السيدة كاسبيان كانت لاتينية بشكل واضح .
مدت جينا يدها وهي تنحني قائلة : (( انه لطف كبير منك أن تدعيني للإقامة في بيتك الجميل ، يا سيدة كاسبيان )) قالت ذلك بلهجة رسمية متكلفة وهي تشم رائحة عطر المرأة الرائع الغريب .
قالت السيدة كاسبيان ، وهي مازالت تمسك بيد جينا : (( منذ مدة طويلة وأنا متشوقة للتعرف إليك )) قالت ذلك وهي تتفحص وجهها ، ما الذي كانت تتوقع رؤيته ؟ اخذت جينا تتساءل عن ذلك وهي تطرف بعينيها الخضراوين مسبلة اهدابها لإخفاء ما تنطقان به ، كانت تخاف ان ترى والدة نيكولاس في وجهها الكثير ... ان ترى حبها لنيكولاس .
قرب كرسياً من الاريكة وهو يخاطبها قائلاً : (( اجلسي يا جينا ... هل اجلب اليك شيئاً تشربينه يا ماما ؟ ))
(( شكراً يا حبيبي ، ان كونشيتا ستحضر إلي ابريق عصير بعد لحظة ))
فأومأ قائلاَ : (( جينا ن هل تريدين كوباً من عصير الليمون الطازج "ام احضر إليك شيئاً آخر ؟ )) .
(( نفس ما تشربه أمك )) تمتمت تقول ذلك وقد تملكها خجل شديد في هذه الغرفة المحيرة مع هذه المرأة غير العادية .
فقال نيكولاس : (( سأتصل هاتفياً بكونشيتا )) ومد يده إلى الهاتف : ولكن قبل أن يرفع السماعة ، ارتفع صوت جرسه ، فرفع السماعة وقال : (( نعم ؟ )) ثم أخذ يستمع عابساً
(( آه ، حسناً جداً ، يا سيدة غرانت ... سآخذها في مكتبي ، هل لك بأن تخبري كونشيتا بأن أمي جاهزة لتناول العصير ؟ ))
وضع السماعة ثم نظر إلى المرأتين معتذراً : (( أسف ، فقد جاءتني مخابرة مستعجلة بشأن العمل ، و سأحاول تصريفها بسرعة )) .
ثم غادر الغرفة بينما أخذت جينا تنظر في آثره وقد تملكها ذلك الشعور المعتاد بالضياع كلما افترقا.
مطت والدته شفتيها ثم قالت : (( أنه مثل ابيه ، ولكنه يكره مني أن أقول له ذلك )).
فألقت جينا عليها نظرة سريعة : (( ولكن يبدو أنه معجب كثيراً بأبيه )).
فقالت السيدة كاسبيان : (( انه يعجب به ويكرهه ، كان زوجي رجلاً ذا شخصية قوية ، مخيفة بعض الشيء ، خصوصاً للأطفال واكثر ما يكون لابنه ، لم يكن نيكولاس واثقاً على الاطلاق من أنه سيصل إلى ما كان والده يريد منه أن يكونه ن ولكنه كان يريد أن يتفوق على أبيه ، في نفس الوقت ، فالناس لا يمكن أن تكون ردة الفعل بين بعضهم البعض سهلة ، أليس كذلك ؟ ))
(( كلا )) قالت جينا ببطء ، ثم ران الصمت على الاثنين ، نظرت جينا حولها وهي مازالت تحاول استيعاب الديكور ، بينما اخذت السيدة كاسبيان تراقبها باسمة .
ثم سألتها : (( ما رأيك في تخيلاتنا العربية ؟)).
(( انها تحير اللب ، لم أر مثلها قط إلا في اسبانيا ، في قصر الحمراء ، بينما ليس لديهم أثاث هناك ... ولكنني واثقة من أن هذه الارائك والستائر وقفص الطيور هي ما كانوا يستعملونه عندما كان السلاطين يعيشون هناك )) .
(( كلا ، فالفكرة لم تأت من اسبانيا ، رغم ان تكهنك قريب من الحقيقة ، ان المهندس ناتانيال هورنر قام بعدة زيارات إلى تركيا في حداثته ، في أواخر القرن التاسع عشر ، فتصميمه هذه القاعة كان نتيجة ما رأى في قصور استانبول ، كانت هذه القاعة بالذات ما جعلني أريد شراء هذا المنزل حالما رأيته ))
(( انك تبدين وكأن هذا مكانك الاصلي ، فهو يلائمك جداً ، لا بد أنه الحظ هو الذي احضرك لرؤية هذا المنزل )) قالت جينا هذا باندفاع جعل السيدة كاسبيان ترمقها بنظرة طويلة مفكرة .
(( من الغريب أن تقولي هذا ، يا جينا فالحظ قد لعب دوراً كبيراً في حياتي ، لا أدري ما إذا كان نيكولاس قد أخبرك ، ولكنني كنت في السابعة عشر فقط عندما تزوجت بوالده ، وعندما ولد نيكولاس لم اكن بلغت التاسعة عشرة ، كانت الطريقة التي تعرفت فيها على زكريا من حسن حظي ، كان أبي اسبانياً ، وكنا من أسرة عريقة لكننا فقراء ، وكان لوالدي ابناء كثيرون ، كنا سبعة أبناء واربع بنات ، وكان منزلنا ضخماً وقد ابتدأ ينهار ، واراضينا صخرية واعنابنا حامضة ، حينذاك تعرف أبي إلى زكريا كاسبيان والذي كان في اسبانيا يبحث عن مزرعة في الريف ، وأعجبته فكرة العثور على مزرعة رخيصة ، جاء ليرى بيتنا وتعرف علي ثم طلب يدي من أبي بعد ذلك بأسبوع )) .
(( يا لهت من قصة شاعرية ))
(( ربما كان الامر كذلك لو انني كنت احبه ، ولكنني لم اكن أحبه )) فأجفلت جينا لصراحتها هذه ، ولم تعرف ما تقول سوى : (( آه ))
(( كنت في السابعة عشرة وهو قريب من الستين ، كلا ، لم اكن احبه ، ولكن أبي قال لي بوضوح أن ليس لي من خيار سوى القبول ، فقد كنا في غاية الفقر ، بينما كان زكريا بالغ الثراء ، وكان من الانشغال بتحصيل المال ما جعله يبقى دون زواج ولكنه كان يريد أبناء ، ومن سوء حظي أنني كنت جميلة عندما كنت صغيرة ))
فقالت جينا : (( وما زلت جميلة )).
فابتسمت لها المرأة : (( شكراً لك ، انك انت ايضاً جميلة جداً ، كما ان لك قلباً رقيقاً طيباً ... ولا يدهشني ان يغرم نيكولاس بك )).
فاتسعت عينا جينا دهولاً ، ما الذي اخبر به أمه ؟ وتنهدت السيدة كاسبيان : (( لقد اشتقت للتعرف عليك منذ حدثني عنك ، فأنا أريده من كل قلبي ان يجد امرأة تسعده ، وكنت قد تخليت عن الأمل في ذلك ، فوالده لم يتزوج إلا بعد بلوغه الستين ، وكنت خائفة أن يتأخر نيكولاس في ذلك ، هو ايضاً ان نيكولاس يبدو ظاهراً خشناً واثقاً من نفسه |ن ولكنه رغم حياته المترفة لم تكن طفولته سعيدة ، وأنا الوم نفسي لذلك ، وهذا لا يعني ان نيكولاس يلومني ، ولكنني أعلم أن الذنب ذنبي ، لقد امضى أكثر فترة طفولته وحيداً ، أو مع المربية ، ثم في المدرسة الداخلية ، لم يكن له بيت حقيقي معظم الاحيان ، حتى أنه لم يكن يرى شقيقتيه كثيراً ))
(( شقيقتاه ؟ )) تملكت الدهشة جينا وهي تسمع أن لنيكولاس شقيقات ، فهو لن يذكر لها ذلك قط (( نعم ، بعد أن ولدت نيكولاس ، انجبت ابنتين ، ليليت والتي هي في الخامسة والثلاثين الآن ومتزوجة ولها اولاد ن اليسا ، اصاغر اولادي والي هي اصغر من اختها بسنة ، لم تتزوج بعد رسامة وتعيش وحدها في نيويورك ))
فقالت جينا بفضول : (( هذا غريب ، فنيكولاس لم يتحدث عنهما على الاطلاق ))
تنهدت المرأة : (( حسناً ، أظنني أفهم السبب ، فقد تشاجرت مع زوجي وهربت منه بعد ولادة اليسا ، وكان هو رجلاً غريباً ، كان مهووساً باقتناء الأشياء ... بيوت نساء ، لوحان فنية ، كتب ، فهو لم يكن ليكتفي من شيء ، وعندما اكتشفت أنني لم اكن المرأة الوحيدة في حياته ، تركته وجئت إلى كاليفورنيا هنا ، وقد حصل الانفصال بيننا عندما أدرك أنني لن اعود إليه ، اظنه لم يعد يريدني كما كان يريدني عندما قابلني لأول مرة ، كان يريد دوماً كل شيء جديد ، ومختلف ، ورأيت أنا ىهذا البيت فعشقته وذلك بعد زواجنا مباشرة ، ولهذا اشتره زكريا ، وعندما تركته وجئت هنا ... فوافق على أن يدعني اسكنه ، وعندما مات تركه لي ، إننا لم نتطلق قط ، فأنا لا احبذ الطلاق )) وسكتت ، ثم عادت تقول بلهجة عملية : (( وعدا عن ذلك ، لم أشأ أن انجب له أبنناً آخر ، إذ لم أشأ ان يكون لنيكولاس منافس آخر في املاك ابيه ))
فسألتها جينا وهي تتسأل عما كان تأثير ذلك الانفصال على نيكولاس : (( وهل اخذت معك أولادك عندما تركت زوجك ؟ ))
فأومأت المرأة تقول : (( نعم ، لقد تركت زوجي دون أن أخبره بأنني راحلة ، لأنني كنت اعلم أنه لن يدعني آخذ الأولاد ، لم يكن يريد الابنتين ، وكان مستعداً لتركهما تعيشان معي ، ولكن نيكولاس كان ابنه الوحيد ، وقد حاربني زكريا مدة طويلة امام المحاكم لكي يستعيده مني ، وقد نجح طبعاً لأنه كان احد اغنى اغنياء العالم وكان لديه احسن المحامين ، وكان نيكولاس ابنه ووريثه الوحيد . وهكذا اضطررت للتخلي عن ابني ... وعند ذلك أرسله زكريا مباشرة إلى مدرسة داخلية حالما حصل على حق الوصاية ، لم يكن يريد أن يبقى نيكولاس معي في الحقيقة ، وانما كام يريد فقط السيطرة عليه |))
فسألتها جينا مقطبة الجبين : (( كم كان عمر نيكولاس حينذاك )) .
(( كان في التاسعة ، وكان الامر شاقاً بالنسبة إليه ، خصوصاً عندما علم بان شقيقتيه ستبقيان معي بينما يؤخذ هو بعيداً عني ، لقد بكى وتعلق بي وبقى يقول : (( سأكون ولداً طيباً ، يا ماما ، فلا تبعديني عنك ... )) وسكتت وقد اوشكت على البكاء .
(( كان ذلك أسواء يوم في حياتي ، وربما في حياته هو ايضاً ))
فقالت جينا بصوت اجش : (( يا للصغير المسكين ))
واخذت تقاوم جموعاً اغرورقت بها عيناها وهي تتصوره يسلخونه من بين ذراعي أمه وهو صغير بذلك الشكل ، ليأخذه إلى مدرسة داخلية ، مسكين نيكولاس ، لقد منحتها هذه الصورة عن نيكولاس ن فكرة مختلفة عنه كلياً ، ويجب أن لا تأخذ بعد الآن فكرة سيئة كالسابق عن كل ما يقوله أو يفعله ، كما اعتادت .
لكن لماذا هذه المصارحة المذهلة من أمه معها ؟ لماذا تخبرها بكل هذه التفاصيل الحميمة عن حياتها ؟ وخلفية حياة نيكولاس وهما لم تتعارفا إلا لتوهما ؟ ونظرت إلى السيدة كاسبيان بحذر فمنحتها المرأة ابتسامة ملتوية : (( لا تخبري نيكولاس بأنني تحدثت عن كل هذا ، فهو لا يحب ذكر تلك الايام ، لقد بقى فترة طويلة صعب الطباع نحوي ، إذ بقى عدة سنوات يلومني لتحطيم زواجنا ما جعل والده يستلم الوصاية ، ولكننا تناقشنا في كل ذلك عندما كبر وعلم أن الامور لم تكن كما يظن ... وعلى كل حال ، فقد بقي كارهاً لهذه السيرة ))
(( لماذا إذاً اخبرتني بكل هذا ، يا سيدة كاسبيان ؟ ))
فألقت المرأة عليها نظرة سريعة ، ثم قالت لاوية شفتيها : (( انني اعلم ان نيكولاس لن يتطرق إلى هذا الأمر ، ففكرت في ان عليك ان تعلمي السبب في ان نيكولاس بهذا الخلق ))
نظرت جينا في عيني المرأة السوداويين ، وفهمت كل شيء ، لقد كان نيكولاس اخبرها بأن جينا لن تتزوجه وربما اخبرها بالضبط عن السبب ... ولهذا ارادت الأم من جينا أن تشعر بالعطف نحو ابنها ، أملة بأنها إذا هي علمت عن مشاكل طفولته ، فقد يقنعها هذا بأن تصفح عنه .


هوس الماضي غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
قديم 30-07-15, 08:31 PM   #30

هوس الماضي

نجم روايتي وعضوة بفريق الكتابة للروايات الرومانسية

 
الصورة الرمزية هوس الماضي

? العضوٌ??? » 330678
?  التسِجيلٌ » Nov 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,193
?  نُقآطِيْ » هوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond reputeهوس الماضي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل التاسع


بقيت فاليري ذلك الاسبوع في انشغال دائم ، فكانت خارج المكتب اكثر الوقت ما جعلها لا ترى جيب كثيراً ، ويوم الجمعة كان لديها موعد للغداء مع كريستينا نوردستورم ، عارضة الازياء السويدية والتي اصبحت نجمة سينمائية \ن وكانت الآن تصور فيلماً في بريطانيا ن وعندما عادت إلى باربري وارف رأت جيب في بلازا ، وهو يتحدث إلى صوفي واطسن قرب النافورة ، كان جيب يبتسم لصوفي ، بينما الفتاة شاخصة النظر إليه وقد بدا عليها الافتتان به بوضوح .
حاولت فاليري عينيها عنهما وهي تصرف بأسنانها ثم تابعت مسيرها نحو المبنى .
وجدت ورقة على مكتبها من كوليت تسي ، والتي كانت خرجت من المكتب لابتداء العطلة الاسبوعية ، حيث أن تحرير صفحة الشخصيات البارزة قد انتهت ، ونظرت فاليري إلى ما هو مكتوب في الورقة . ( اكتبي نبذة عن كريستا قبل أن تذهبي إلى بيتك ، إلى اللقاء يوم الاثنين ) ، وتحت ذلك كانت قائمة من ارقام الهاتف كانت فاليري تلقتها حين كانت في الخارج .
قفز امامها ، اسم جيب ، ووقت الاتصال كان الساعة الحادية عشرة والنصف ، ولا خبر خاص منه .
قد يكون اتصل بها ليدعوها إلى الغذاء ، وإذ لم يجدها اتصل بصوفي يدعوها بدلاً منها .
كرشت فاليري الورقة بيدها وألقت بها في سلة المهملات ، كان من الصعب عليها أن تركز أفكارها حالياً ، فالغيرة ظلت تلسعها ، وعند الساعة الثالثة تصاعد رنين الهاتف ما جعلها تجفل ، بقيت لحظة تفكر في أنه قد يكون جيب ، ولكنه غاي فوكنر : (( اسف ، يا فاليري ، ولكننا بحاجة إلى رؤيتك مرة أخرى .... هل يمكنك القدوم الينا ؟ ))
فقالت بحدة : (( ان لدي عملاً علي ان انهيه ، ام محررة صفحة الشخصيات تريدني أن لأأنهي هذه القطعة بسرعة ))
(( كم ستستغرق من وقتك ؟ ))
فقالت عابسة : (( عشر دقائق أخرى )).
بدا من صوت غاي وكأنه كان يبتسم : (( أنهيها إذاً ، وسنكون بانتظارك بعد ربع ساعة )) .
وعندما وصلت فاليري كانت صوفي خلف مكتبها في المكتب الخارجي ، فألقت على فاليري نظرة كالثلج ، ثم قالت بلهجة الاتهام : (( انهما بانتظارك )) .
فقالت فاليري ببرود وقد لاحظت عداء الفتاة نحوها : (( لقد جئت في الموعد المحدد )) ثم سارت نحو الباب الداخلي تقرعه .
أجتابها صوت المحامي هنري ساندال : (( ادخلي )) كان أول من وقعت عليه نظراتها هو غاي فوكنر واقفاً قرب النافذة ووجهه النحيل الذكي الملامح مستديراً نحوها وقد بدت المودة في عينيه ، ولكنها حولت نظراتها عنه ، دون ان تبتسم ، نحو هنري ساندال ، الذي كان جالساً خلف مكتبه .
قال لها وهو ينظر اليها من فوق نظاراته ذات الاطار الذهبي : (( آه ، الانسة نايت ، شكراً لقدومك )).
قدم غاي كرسياً إليها فجلست مواجهة للرجلين ، فسألها غاي : (( أتريدين كوباً من الشاي ؟))
كانت فاليري على وشك أن ترفض ، ولكنها عندما رأت نظرات صوف المستاءة نحوها ، وكأنها تكره ان تقدم اليها الشاي ، غيرت رأيها ، فقالت باسمة بعذوبة : (( نعم ، شكراً ، هذا يسرني جداً . ))
(( شاي لثلاثة أشخاص ، يا انسة واطسن ))
قال هنري ساندال ذلك لصوفي التي استدارت على عقبيها خارجة ووجهها مدلهم كالعاصفة .
ثم قال وهو يعود إلى الجلوس : (( والآن يا آنسة نايت ، لقد اتصل بنا محامي ماك كاميرون ، وهو غير متراجع عن الدعوى ، مع الآسف ، وكنت ارجو أنه مع التفكير الناضج ، قد يغير رأيه ، ولكن يبدو أنه مصمم على متابعة القضية ، وفي الواقع اخبرني محاميه أنه أشد غضباً ، وقبل ان نعقد نحن اجتماعاً للتشاور ، علينا ان نتأكد من صلابة الارض التي نقف عليها ، ان السيد كاسبيان غائب حالياً في كاليفورنيا ، ولكنني تحدثت معه في الهاتف ، وشرحت له كل شيء ، وما هم عليه خصومنا ، وفي الاساس مطلوب منا إما ان ننشر اعتذاراً عاماً ، متراجعين عن كلامنا عن أن السيد كاميرون هو والد طفل مولي غرين ، ومع ذلك نبقى معرضين لأن ندفع تعويضاً تقرره المحكمة ، أو أننا نثبت القضية والذي قد يعني دعوى قضائية طويلة الامد ، وإذا نحن خسرنا سنجد أن علينا أن ندفع تكاليف الدعوى الباهظة عن الجانبين ، هذا إلى ما تقرره المحكمة من تعويض )) .
تمنت فاليري لو أنه يسكت ويكف عن النقيق ، فقد كانت تعرف أبعاد القضية كما يعرفها هو ، وليس عليه ان يستمر في شرحها ، وهي ليست غبية .
وكان غاي فوكنر يراقبها وفي عينيه نظرة هزل ، وعندما نظرت إليه غمزها بعينه بحذر ، فأشاحت عنه بوجهها ، وكان هنري ساندال يقول : (( هذا هو السبب في دعوتنا لك للتحدث مرة أخرى ، إنني آسف يا آنسة نايت ، ولكن علينا أن نراجع اثباتاتك مرة أخرى )) .
فقالت متجهمة الوجه : (( لا بأس ، ولكن ماذا بإمكاني أن اخبركما غير ذلك ؟ لقد اخذتما دفتر ملاحظاتي وشريط تسجيل المقابلة ، وتقريري عن المقابلة الثانية مع مولي وكل أجوبتها لأسئلتكم )).
فقال : (( نعم ، وهي لدي هنا ، ولكن لابد أن تكون هناك بعض الهفوات ، أليس كذلك ؟ ))
(( أحقاً ؟ ))
فابتسم غاي للضيق الذي بدا على وجه فاليري ، ولكن هنري ساندال لم يعجبه ردها فقال : (( نعم ، آنسة نايت ، آه ، ها هي ذي الآنسة واطسن تحضر صينية الشاي ، شكراً . نعم سآخذ قطعة بسكويت )) وأخذ يرشف الشاي وهو يتنهد : (( حسناً علينا أن نعود غلى العمل ، اننا نسجل شريطاً عن المقابلة هذه ، طبعاً يا آنسة نايت ، فهل هذا مقبول منك ؟ ))
فأومأت فاليري بالإيجاب بعد إذ لم تجد فائدة من الرفض .
فكاد يبتسم وهو يقول : (( حسناً ، هل نبدأ إذاً ؟ هل انت مستعدة يا آنسة واطسن ؟ ))
وعلى مدى ساعتين ، أخذ الرجلان يعذبانها بأسئلتهما عن تفاصيل كل شيء ، وعندما انتهيا كانت هي على وشزك الانفجار .
ووقف السيد ساندال أخيراً وهو يقول : (( حسناً لقد قمنا بكل ما نستطيعه اليوم ، على احسن وجه ، شكراً لك يا آنسة نايت )).
لم تنتظر فاليري اكثر من ذلك خوفاً من أن يعود فيفكر في سؤال آخر ، فأومأت واندفعت نحو الباب ، سبقها غاي وفتح لها الباب ، فتمتمت تقول دون أن تنظر إليه : (( شكراً )) .
احست بدهشته ، فشعرت بأنها كانت جافة معه ، ولكنها لم تكن في مزاج يسمح لها بإبداء المودة بعد تلك الجلسة المرهقة ، ان عليها ان لا تنسى ان غاي مهما كان لطيفاً ، ودوداً فهو لا يخرج عن كونه محام ، وماهر ايضاً كما أنه يشتغل لحساب نيكولاس كاسبيان ، والمحافظة على شركة كاسبيان الدولية هو من صميم عمله ، ولهذا لا تستطيع الثقة به ، ولكن أي رجل بإمكانها ان تثق به ؟ لقد كان جيب اخبرها منذ أيام : (( ناك لي وانت تعلمين هذا )) وهكذا جعلها تعده بأن لا تخرج مع أحد أخر . ان هذا الغيرة لا يظهرها إلا رجل مغرم للغاية ، ما جعلها تعترف اخيراً بأنها تحب جيب ، وانها احبته منذ مدة طويلة ، وذلك على الرغم منها ... وذلك رغماً عن كل منطق وتعقل ، ولو أنه لم يجعلها تظن انه يحبها ، لا ستمرت في محاربة مشاعرها الحمقاء هذه . ما الذي جعلها تتصرف بهذا الغباء ؟ فهو بعد ذلك بعدة أيام فقط ، أخذ يعبث مع صوفي واطسن من وراء ظهرها ، معتقداً انها ما زالت في الخارج تتناول الغداء مع كريستا نورد ستروم ، وربما كان يخرج مع صوفي طوال الوقت .
ضغطت زر المصعد ونظرت إلى ساعتها بفروغ الصبر كانت تريد أن تذهب إلى بيتها وتغتسل وترتاح امام التلفزيون وأمامها شيء تأكله من الممنوعات عليها ، وهذه المرة ستشرب من الكاكاو.
(( إلى اين تذهبين في مثل هذه السرعة ؟ ))
تصلب جسمها وهي ترى غاي بجانبها ، فقالت : )) انني ذاهبة إلى البيت في عطلتي الأسبوعية ))
(( تعالي لنتناول شيئاً نشربه ، أولاً ، اريد أن اسألك شيئاً ))
فقالت متأوهة : (( لا اريد المزيد من الاسئلة )) وسارت نحو المصعد الذي كان وصل الآن ، كان مزدحماً فخشرا نفسيهما بين الاخرين ، ولم يستطيعا متابعة الكلام امامهم إلى ان وصل المصعد إلى الطابق الأرضي .
سألها : (( كيف تذهبين إلى بيتك ؟))
فأجابته بسرعة واختصار : (( بالباص ))
فقال : (( ان معي سيارتي ، سأوصلك إلى بيتك ويمكننا أن نتحدث في الطريق ))
كانت سترفض لولا أن صوفي مرب بهما في هذه اللحظة ورمقتهما بنظرة جانبية جامدة وهي تقول ببرودة الثلج : (( تصبح على خير ))
(( تصبحين على خير يا صوفي )) قال غاي ذلك بلهجة عفوية دون ان ينتبه إلى نظراتها العدائية إلى فاليري .
لم تقل فاليري شيئاً ، وانما اخذت تنظر إلى حركات الفتاة الرشيقة ، فشعرت بالمرارة ، كانت صوفي انيقة بقدر ماهي جميلة ، فليس عجيباً ان لا يستطيع جيب مقاومتها .
مزقها العذاب فعضت شفتها خوفاً من أن تصرخ ، هل كان مكتوباً عليها العذاب ؟ كانت صممت على انها لن تسمح لنفسها بأن تنخدع مرة أخرى ، ولكن الحب غداار ، فهو يتسلل إلى المشاعر دون انتبها منها ، ولا تلبث ان تقع في نفس الفخ .
قال لها غاي متذمراً : (( انك لا تستمعين إلي ))
فقالت وهي تتمالك نفسها : (( آسفة ، ماذا قلت ؟ ))
فقال بشبه ابتسامة : (( أراك مشغولة البال ، كنت أسألك إذا كنت تسمحين لي بتوصيلك إلى البيت )) .
جذبت نفساً عميقاً ... ولماذا لا ؟ فهي لم تستمتع بلحظة واحدة من وقتها هذا الاسبوع ، فقد كانت ضجرة وتعيسة وتريد أن تنسى جيب كولينغوود وهذه القضية وكل شيء آخر في حياتها ن وأخيراً قالت : (( لا بأس ، شكراً لك )) كانت تعلم أنه إذا أوصلها إلى بيتها فسيتوقع منها أن تدعوه إلى فنجان قهوة .
وعندما ابتعدا في سيارته عن باربري وارف ، مرا بصوفي واطسن بين مجموعة من موظفي المكاتب قاصدين إلى محطة الميترو تحت الأرض والتي تبعد مسافة قصيرة .
اخذت فاليري تنظر إلى الشفق منعكساً على صفحة مياه النهر ، كانت الأيام تقصر والخريف على الأبواب ، أترى صوفي رأت سيارة غاي ؟ ورأتها تجلس بجانبه على المقعد الأمامي ؟ كانت فاليري ترحو ان يمون هذا ما حدث ن لأن صوفي إذ قابلت جيب اثناء هذه العطلة الأسبوعية ، فهي من النوع الذي يقول كل شيء ، وهي ستخبره عن ذلك بشكل عفوي ، خصوصاً إذا لم تكن واثقة من مشاعره نحوها وتريد أن تهدم أي شعور ما يزال يشعر به نحو فاليري .
ولن يخطر ببال صوفي أن فاليري نفسها ربما تريد يعلم جيب بذلك ، ولكي يعرف انها لم تعد تفكر فيه ، وان بإمكانها أن تخرج مع أي شخص تريد ، دون اهتمام بما سيفكر فيه .
سألها غاي وهما يقفان عند إشارة السير الحمراء : (( هل ما يزال بالك مشغولاً ؟ ))
فقالت بابتسامة شاحبة : (( آسفة ))
(( هل انت قلقة بشأن الدعوى القضائية ؟ ))
(( ألا تظن أنه ينبغي علي ذلك ؟ ))
فهز كتفيه قائلاً : (( لا تهتمي كثيراً بما يقوله هنري ساندال ، فوظيفته هي ان يكون حذراً ولا يكشف شيئاً ، ولكن ليس لك ان تقلقي في الحقيقة ، فأنا لا أظن ان السيد ماك كاميرون سيجلب الافلاس إلى شركة كاسبيان الدولية ، مهما بلغ طمعه ، كما ان انتشار امر الدعوى لن تؤدينا على الاطلاق ، خاصة في هذه القضية ن ان لكاميرون شهرة بكونه معشوق النساء ، ما سيجعل ادعاءه البراءة مشكوكاً فيه تماماً ، ومولي غرين هي هدية الحظ إلى باعة الصور الفوتوغرافية إذ يكفي لمن يشتري صورتها ان يلقي نظرة واحدة على ذلك الوجه البريء الحلو ، حتى يرفع صوته طالباً من ماك كاميرون ان لا يظلمها . في هذه القصة عنها ان العدالة بجانبنا بالرغم مما يظنه هنري ساندال انه يعرف القانون جيداً ، ولكنه ليس خبيراً بما تبيعه الصحف ، ربما انت سيذاع اسمك ، وتعرض عليك صحف اخرى عروضاً دسمة ، وارجو ان ترفضي ذلك ، كما ان سنتنال ستحقق قفزة هائلة في المبيع وسيبلغ من سرور السيد كاسبيان ان يضاعف راتبك )).
فضحكت قائلة : (( سيكون ذلك يوماً مشهوداً )).
(( ربما يحتوي كلامي هذا بعض المبالغة ، ولكنني لا اظنك ستخسرين وظيفتك ، خصوصاً إذا نحن ربحنا الدعوى )) .
(( لا تقل { إذا } بل قل { عندما } ... وعلى كل حال ، شكراً لك لمطمئنتي )) .
وقفا بالسيارة امام المبنى الذي يضم شقتها ، فابتسمت له ، لقد بذل جهد لتحسين نفسيتها ، وكانت من الشكر له إلى حد سألته : (( هل لك بالدخول لتناول فنجان قهوة ؟ )) .
فقال : (( هذا إذا وافقت على تناول العشاء معي بعد ذلك ))
لقد كان غاي فوكنر مرافقاً حسناً ، وكان بالغ اللطف والرقة معها هذا المساء ، ولكنها لا تريد علاقة اقوى معه ، ورجل واحد في حياتها هو كثير عليها .
فقالت تعتذر : (( انني حقاً متعبة هذا المساء ))
فقال يحاول اقناعها : (( ولكن لابد لك من ان تأكلي ، فلماذا لا يكون ذلك معي ؟ يمكننا ان نذهب إلى مكان قريب ... إلى مكان بسيط وسريع ، ولكنه جيد ، وبعد ذلك اعيدك إلى هنا حيث تذهبين إل ى فراشك باكراً )).
فلم تستطع فاليري منع نفسها من الضحك : (( انك تحسن الاقناع إلى درجة هائلة ... ويمكنني تصورك بسهولة وانت في المحكمة تقنع القضاة بحديثك الجميل بأن يدعوا موكلك يفلت بجريمته )).
فسألها : (( هل معنى كلامك نعم ؟ ))
تنهدت وهي تومئ بالإيجاب : (( نعم ، بالرغم مما تدعوني الحكمة إليه ، ولكن هذا فقط اعترافاً بجميلك لطمأنتي لقضية كاميرون ، فهي تؤرقني في الليالي لشدة قلقي على المستقبل ))
صعد غاي معها إلى شقتها لتناول القهوة ، ثم انتظرها لتأخذ دوشاً سريعاً ثم تغير ثيابها ، قالت له بعد ان سكبت له كوباً من العصير : (( ضع أي شريط موسيقي يعجبك في المسجل واستمع إلى الموسيقى )) وبعد ان جففت جسدها سمعت موسيقى الجاز تتجاوب في جو الشقة ، وإذا بصوت آخر يتجاوب هو ايضاً ، وهو رنين جرس الهاتف .
سألها غاي : (( هل اجيب الهاتف عنك ؟ ))
فأجابته من الحمام : (( شكراً ، قل إنني في الحمام وخذ أي رسالة من المتكلم ، قل إنني سأتصل فيما بعد إذا كان الامر هاماً )) .
توقف رنين جرس الهاتف ، فارتدت معطف الحمام ، وكانت على وشك الخروج من الحمام عندما ناداها غاي : (( اظن من الافضل ان تجيبي على الهاتف ، يا فاليري ، انه جيب كولينغوود ، انه يقول ان مولي غرين في مستشفى الولادة )).
ركضت فاليري حافية في الممر واخذت منه السماعة ، ثم قالت لاهثة : (( آلو )).
وإذا بجيب يقول بتهكم مليء بالمرارة : (( تستحمين بعد ان شبعت حباً مع غاي ، أليس كذلك ؟)
لم تزعج نفسها بالجواب على قوله هذا ، وانما سألته : (( ما هذا الذي تقوله عن أن مولي في مستشفى الولادة ؟))
فضحك بجفاء ، ثم قال بلهجة عملية : (( لقد ابتدأ احساسها بالألم عصر هذا اليوم ، ولكنها ظنته عسر هضم ، لأن موعد ولادتها هو بعد ستة اسابيع ، ولكن الألم لم يتوقف ، وإنما ازداد سوءاً ، وهكذا اخذها اقرباؤها إلى اقرب مستشفى ولادة وقد دخلته منذ ساعتين )) .
سألته : (( من اخبرك بذلك ؟ تيقن أولاً من صحة المصدر ))
فأجابها جيب باختصار : (( ابنة عمها جانيت ))
(( هل اتصلت بك ؟ وما الذي جعلها تفعل ذلك ؟ ومن أين لها برقم هاتفك ؟ ))
فقال : (( انها لم تتصل بي ، بل اتصلت بك ، إلى مكتبك ولكنك لم تكوني هناك ، والذي اجاب الهاتف اخبرها بأنك كنت مشغولة في الدائرة القانونية )) ثم بدت السخرية في صوته : (( انهم لم يكونوا يمزحون ، أليس كذلك ؟ ))
فاحمر وجهها غضباً : (( توقف عن المزاح الرخيص من فضلك ))
فقال : (( يسرني اعتبارك هذا مزاحاً ، فإن حاستي الفكاهية لم تمتد إلى هذا الحد ))
فقالت بصوت اثخنه الغضب : (( اسمع فقط اخبرني كيف انتهى اليك الخبر ))
(( الأمر بسيط جداً ، لقد تركت جانيت خبراً لك ، ثم رقم الهاتف الذي يمكن لك ان تتصلي بها ، وقد كتب شخص ما هذا ووضعه على مكتبك ، حيث وجدته وقرأته ن واظن ان من كتب لك الورقة كان يظنك ستعودين إلى مكتبك ، ولكن يبدو انك ذهبت إلى بيتك مباشرة وبسرعة أليس كذلك ؟ ))
(( لا تعد إلى هذا مرة أخرى ))
ساد صمت قصير ، ثم عاد يقول : (( لم تذكر جانيت سبب اتصالها بك ، ولهذا اتصلت انا بها وعندما قالت إن الطفل في الطريق ، وعدتها بأن اتصل بك وآخذك إلى هناك )) .
فاتسعت عينا فاليري ذاهلة : (( ماذا ؟ وما الذي يجعلني أذهب إلى هناك ؟ )) .
(( ان مولي تجتاز وضعاً صعباً ، حسب قول جانيت ، فهي تعاني الكثير من الألم وتحتاج مرافقة دائمة ، وكذلك الكثير من التطمين والتخفيف ))
فتنهدت فاليري : (( يا للطفلة المسكينة ومع ذلك ... فهي لن تكون بحاجة إلي هناك ، فأنا لم اعرفها إلا منذ مدة قصيرة ))
فقال جيب بإيجاز : (( انها تحبك وتثق فيك ، وإلا لما سكبت قلبها امامك ، وما الذي يجعل جانيت تتصل بك سوى هذا ؟ لقد فكرت في انك تريدين ان تعرفي ، ان تكوني هناك )) وعاد صوته إلى حدته يلسعها كالسوط : (( ماذا جرى ؟ هل انت مستمتعة بصحبته إلى حد لا تريدين معه ان تتركيه ؟ ))
فقالت شاعرة بالكراهية بحيث تركته يظن ما يريد : (( وماذا لوكنت كذلك ؟ )).
فقال بحدة : (( هذا شيء سيء للغاية ، ولكن عملك يجب ان يأتي أولاً ، دوماً كان كذلك بالنسبة إليك حتى هذا الحين ، لا بأس ، انك لا تريدين ان تأتي لأنك لا تحبين مولي ن وتهتمين لما يحدث لها ، ولكن عليك ان تذهبي لان سنتنال يجب ان تكون اول من يكتب هذا الخبر ، فهذا الطفل هو طفل سنتنال ، وذلك لأمور كثيرة ، وسيطلبون منك صوراً ، فالأفضل أن ترتبي هذا الأمر مع مصور الصحيفة ، كم سيأخذ ارتداؤك ملابسك من وقتك ؟)).
فقالت وهي تتأوه : (( خمس دقائق ، ولكن وصولي إلى هناك سيأخذ ساعات ،كما إنني متعبة وجائعة بعد عمل يومي شاق ، ان آخر شيء أريد القيام به هو قيادة السيارة طوال ذلك الطريق ، خصوصاً اثناء الليل ، إنني اكره القيادة أثناء الليل ... )) .
(( لا حاجة بك لذلك ، فأنا الذي سآخذك في سيارتي ، لقد وعدت جانيت بذلك وأنا أنوي ذلك حقاً )) .
سرى فيها الحذر ن فابتدأت تقول غاضبة : (( كلا ، لن أذهب معك ... ان بإمكاني ... ))
فأقفل الهاتف في وجهها ، وانزلت السماعة هي أيضاً وهي تعض شفتها ن ثم التفتت إلى غاي الذي كان واقفاً خلفها بينما الفضول يكسو ملامحه ، ولم تستطع أن تتأكد مما إذا كان غاضباً أم هازلاً .
(( أنا آسفة يا غاي ، ولكن ... ))
فسألها بجفاء : (( انك ستذهبين بسيارتك إلى ذلك المستشفى ، أعلم ذلك ، هل افهم من ذلك ان كولينغوود يريد أن يأخذك بنفسه إلى هناك ؟))
فقالت له غاضبة : (( يمكنني ان اذهب بنفسي ))
فتمتم يقول : (( سيسرني ان اخذك بنفسي ))
(( لا ينبغي لي ان احلم بذلك ...))
فأسكتها بقوله : (( أنا أريد ذلك ، يا فاليري )) كان صوته هادئاً حاسماً ، فعضت شفتها وهي تنظر بعيداً وقد ازداد احمرار وجهها .
(( هذا لطف كبي منك ... انني شاكرة لك حقاً ... ولكن ... ))
وسكتت وهي تلقي عليه نظرة عاجزة متوترة ، فارتسمت على وجهه ابتسامة ملتوية : (( فهمت ، كانت لدي فكرة بأن جيب يلاحقك وانك لا تريدينه ولكنك لا تعرفين كيف تجعلينه يتأكد من هذا ، ولكن من الواضح انني مخطئ في ذلك )).
فتحت فاليري فمها لتخبره بأنه لم يكن مخطئاً ، وان هذا هو الوضع بالضبط ، ولكن لأمر ما لم تخرج هذه الكلمات من فمها ، وبهدوء قال غاي يهدئ من الموقف : (( الافضل ان تذهبي وترتدي ثيابك ، بينما أخرج أنا ، وأرجو ان يسير الأمر مع مولي على ما يرام ، ولا شك ان سنتنال تريد ان تكون أول من تختبر الناس بولادة الطفل ، ان قراءنا يتابعون القصة ، وعندما تكونين هناك ، اجعليهم يقومون بفحص دم الطفل ، سنكون بحاجة إلى ذلك إذا لم تنتهي هذه القضية خارج المحكمة ))
سار نحو الباب ، فسارت معه فاليري من باب المجاملة ، قالت له بصوت مبحوح : (( ـأنا آسفة )) فأومأ هو وقد لوى شفتيه متمتماً : (( يخسر المرء شيئاً ، ويربح شيئاً آخر ))
وبعد لحظة كان قد خرج واغلقت هي الباب خلفه وهي ترتجف ، لم تكد تعرف غاي ، ولكنها شعر ت بانزعاج بالغ وكأنما ثمة باباً كان انفتح لها لتوه ، ينغلق فجأة ، وإلى الأبد ، ولكن لم يكن لديها وقت للتأمل والتساؤل عن غاي فوكنر ، فركضت إلى غرفتها وأخذت ترتدي ثيابها بسرعة ، ارتدت بنطلون جينز أزرق اللون وقميصاً دون اكمام وفوقه كنزة زرقاء ، كانت الرحلة إلى ديفون طويلة ، وقد يصبح الجو بالغ البرودة .
أمضت خمس دقائق تجهز حقيبة صغيرة لليلة واحدة ، لأنها لن تعود إلى لندن قبل الغد ، وقد تبقى طوال العطلة الأسبوعية ، وهذا يعتمد على حالة مولي .
دق جر س الباب ما جعل قلبها يخفق بعنف ، انه هنا ، فاختطفت حقيبتها ثم اتجهت نحو الباب .
(( انك ارتديت ثيابك بسرعة ، أين فوكنر ؟ )) ألقى عليها جيب هذا السؤال ببرودة وهو يتأملها بعينين ضيقتين .
خرجت وأقفلت الباب خلفها : (( ذهب إلى بيته ، كما اظن ، وأنا بإمكاني ان اذهب بنفسي دون الحاجة إليك ))
(( آه ، أحقاً ؟))
فقالت غاضبة : (( خصوصاً إذا كنت ستنتهرني طوال الطريق ))
تركته وسارت ولكنه اندفع خلفها يمسك بها . (( ان سيارتي في الخارج ))
فقالت وهي تحاول الافلات منه : (( ان سيارتي في الكاراج )) ولكنه لم يفلتها ، وجرها إلى خارج المبنى قائلاً : (( بل سآخذك في سيارتي )) واثناء ذلك كانت احدى جاراتها تعود إلى بيتها ، فتكلفت فاليري الابتسام رغم وجهها المحمر : (( مساء الخير يا سيدة بريدج ))
(( مساء الخير ، اصبح الجو بارداً ، أليس كذلك ؟ اظن علينا أن نتوقع ذلك ، فقد انتهى فصل الصيف في الواقع )) قالت المرأة ذلك وهي تلقي على جيب نظرة إعجاب من امرأة ابتدأت تكبر في السن ولكنها مازالت تعجب بالرجل الوسيم .
فقال جيب باسماً : (( نعم ، وليس لك ان تقفي هنا لئلا تصابي ببرد |، هيا بنا ، يا فاليري ، ان امامنا رحالة طويلة ))
سألتهما السيدة بريدج وهي تنظر إلى الحقيبة في يد فاليري : (( هل انتما ذاهبان إلى مكان جميل ؟)) .
فقالت فاليري وهي تترك حقيبتها لجيب الذي وضعها في مقعد سيارته الخلفي : (( كلا ، وانما للعمل فقط )) ولكنها وهما يبتعدان بالسيارة ، رأت السيدة بريدج تراقبهما من نافذة شقتها في الطابق الأرضي .
قال جيب ساخراً وهو يضحك : (( انها تظن أننا ذاهبان لقضاء عطلة أسبوعية جميلة )) .
فحملقت فيه قائلة : (( هذا ليس مضحكاً ، فأنا لا أريد أن تسوء سمعتي )).
فقال بلؤم : (( وما هو نوع سمعتك الآن ؟ انني واثق من انها رأت فوكنر رائحاً غادياً )).
فابتدأت تقول : (( كانت هذه هي المرة الأولى ...)) ثم سكتت وهي تعض شفتها (( آه ، ولماذا علي أن اهتم فليس لك الحق في أن تلقي علي محاضرة ... على الأخص أنت ))
فالتفت ينظر إليها بحدة : (( ما معنى ذلك ؟ ))
كانت السيارة حول منعطف حاد ، فانحرفت بهما إلى وسط الطريق موشكة على صدم سيارة أخرى كانت قادمة من الاتجاه المعاكس .
فقالت فاليري والخوف يتملكها : (( انتبه إلى الطريق )) بينما اخذ السائق الآخر ينفخ في بوقه ، أما جيب فقد تراجع بسيارته إلى خط السير القديم .
سارا فترة وقد ران عليهما الصمت ، ثم خطرت ببال فاليري فكرة فقالت وقد اتسعت عيناها : (( كان علينا أن نتصل بماك كاميرون )) .
فأطلق ضحكة قصيرة : (( انك تمزحين ، فإذا كان ينكر أبوته للطفل ، فلن يريد أن يعلم بولادته )) .
لم تستطع أن تنكر ذلك ، فتنهدت قائلة : (( اظنك على حق ، هذا محزن جداً ، و يا ليتني أعرف الحقيقة ، ان الأمر محير جداً ، فجينا تقول أنه صادق فهي لا تستطيع ان تتصوره كاذباً بالنسبة لأبوته ، فقد كان مستاءً حقيقة من مولي ،وكأنما سببت له كثيراً من الألم باتهامها له ، ولكنني أيضاً أحب مولي كثيراً ، ولا استطيع أن أصدق أنها كاذبة ))
(( لا بد أن أحدهما كاذب )).
فقالت بجفاء : (( نعم ، ولكن مهما كان الأمر ، فالذنب ليس ذنب الطفل ، يا للمخلوق المسكين والذي ولد في خضم حرب لا يعلم عنها شيئاً )) ونظرت إلى ساعتها ، كانت الثامنة تقريباً ،(( قد تكون انتهت الآن ، متى تظننا سنكون هناك ؟ )) .
(( ليس قبل الحادية عشرة بكثير ، ولكن تبعاً لما قالته ابنة عم مولي ، لا يتوقعون أن تلد قبل منتصف الليل ، هل تناولت شيئاً هذه الليلة ؟ )).
(( كلا ، كنا ذاهبين لتونا لتناول العشاء )).
فقال بحدة : (( إن الحب يمنح الشهية ، أليس كذلك ؟ )).
فنظرت إليه غاضبة : (( لا يوجد حب بيني وبينه ، ولا تبدأ بمثل هذه الكلام مرة أخرى ، فأنا لم أرافقك كل هذه الطريق إلى ديفون لكي أتحمل وخزاتك طوال الوقت )) .(( ربما هذا لأنني جائع ، إننا سنتوقف في الطريق لتناول شيئاً ، وسيكون علينا نأكل بسرعة إذ لا وقت لدينا لوجبة طويلة )) .
تحولا عن الطرق العام بعد ذلك بنصف ساعة إلى حيث وجد مطعماً هندياً في ضاحية مدينة صغيرة .
قال لهما النادل الودود أنهما الزبونان الوحيدان في المطعم ، وأن الناس يأتون عادة بعد ذلك الوقت ، بعد أن تقفل المقاهي أو يشاهدوا فيلماً سينمائياً ، ثم أضاف قائلاً ، وهو ينظر إليهما مشجعاً وكأنه يظنهما حبيبين : (( وهكذا ، المكان هادئ بالنسبة إليكما )) ثم وضع أغنية حب هندية قبل أن يعود إلى المطبخ ليساعد الطاهي الذي كان يجهز طعامهما .
أخذت فاليري تنظر حولها ن كان للمطعم ستائر مخملية داكنة الزرقة معلقة على النوافذ ، كانت على الجذران شبكة خشبية مسمرة فوق ورق الجدران المطبوع عليه اوراق شجرة خضراء ، كما كان السقف مصبوغاً باللون الازرق الداكن ن ترصعه نجوم فضية بينهما هلال فضي .
قالت : (( يا له من ديكور غريب محير )).
فرفع جيب بصره وضحك : (( في منتهى الشاعرية )) ثم سكت برهة وعاد يقول : (( لقد وصل بي الأمر إلى النهاية ، يا فاليري ولم أعد استطيع الاحتمال )).
كادت أنفاسها أن تتوقف ، وتصاعدت خفقات قلبها ، بينما كان يتمتم قائلاً : (( لقد ظننت حقاً أنك تهتمين بي وأنك أخيراً ، أصبح لديك مثل شعوري ، وإذ بك تخرجين مع غاي فوكنر ، لماذا ؟ )) وبدت الخشونة والمرارة في صوته وهو يرفع رأسه ويلقي عليها نظرة عنيفة : (( هل يلذ لك تعذيبي ؟ ))
(( أنا لست من هذا النوع ))
(( أحقاً ؟ ولكنك منذ شهور تتركيني معلقاً ... فلا أنت تقولين نعم ، ولا تقولين كلا ... ))
(( هذا غير صحيح ، فقد سبق وقلت لك إنني لا أخرج أبداً مع رجال متزوجين )) .
(( وأنا أخبرتك بأن زواجي انتهى منذ سنوات ، وأنني كنت فقط في انتظار اتمام الطلاق )) .
(( وأثناء انتظارك ذاك خرجت مع نصف فتيات الشركة ))
(( نعم ، كنت أخرج مع الفتيات ، ولكن ذلك لم يكن يعدو نزهات عادية ... إلى العشاء أو السينما أو إلى حفلات الموظفين ، كانت مجرد صداقات عادية ... فقد كن يعرفن النهاية وكذلك أنا ، ففي نهاية كل سهرة كنت أوصلهن إلى باب البيت ثم أقول لهن تصبحن على خير عند العتبة ، وينتهي كل شيء بيننا )).
(( وماذا بالنسبة إلى صوفي ؟)))
فأجاب : (( صوفي ؟ أتعنين صوفي واطسن ؟ ماذا بالنسبة إليها ؟ )) .
فقالت بغضب : (( لقد رأيتكما معاً )) وشعرت بألم كطعنة خنجر ، من الغيرة : (( رأيتها كيف تنظر إليك ، وأنا أعلم أنها لا تحب رؤيتي ... انني لست حمقاء ، وأنت تعلم هذا ))
أخذ جيب يحدق في عينيها الكبيرتين اللامعتين بعينين حادتين يلمع فيهما شيء أشبه بالانتصار : (( لا أدري ما الذي تتحدثين عنه ، ولكن إذا كنت تتصورين أن لي علاقة مع صوفي واطسن ن فأنت مجنونة ، هل تعترفين بذلك أنك تغارين منها فاليري ؟ )) .
وسكت عندما جاء النادل يحمل صينية مثقلة بطالباتهما ، اتكأ جيب إلى الخلف وهو يلهث وكأنه ركض شوطاً طويلاً .
وضع النادل أطباق الطعام على المائدة ن ثم عاد أدراجه بلباقة إذ أنه بدون شك أحس بالجو المتوتر الذي يكتنفهما ، ولكن لباقته هذه ذهبت سدى على كل حال ،إذ بعد خمس دقائق وصلت مجموعة من الزبائن فعاد النادل وامتلأت القاعة بالجلبة والأصوات والضحكات .
تناول جيب وفاليري طعامهما دون أن ينطقا بكلمة ولا يكاد احدهما ينظر إلى الآخر ، ثم تناولا القهوة وخرجا ولم تتجاوز فترة عشاءهما الساعة ، وبدلاً من ألن يعودا إلى الطريق العام ن أوقف جيب السيارة تحت أشجار الجميز هنالك والتي كانت أوراقها تتناثر مع كل هبة ريح .
همست تسأله وقلبها يخفق عالياً حتى لم تعد تسمع معه صوتها : (( لماذا توقفت هنا ؟ )) .
فالتفت إليها بعينين ملتهبتين وقد مد ذراعيه على مسند كرسيه ، ثم قال برقة : (( لأول مرة منذ زمن طويل ، أجلس معك وحدنا ، ولن يزعجنا أحد هذه المرة والآن أريد منك الكلمة النهائية والصادقة ، يا فاليري ، إذا كنت تغارين من صوفي فهذا يعني شيئاً ...)) .
فتحمر وجهها (( أنا لم أقل إنني أغار )) .
فتجاهل إنكارها (( والشيء الوحيد الذي يمكن أن يعنيه فهو أنك تحبينني ، سواء اعترفت بهذا أم أنكرته ، هل خرجت مع غاي فوكنر فقط لأنك ظننتني أخرج مع صوفي ؟)) .
حولت عينيها عنه ، فضحك بصوت خافت : (( أنك مجنونة ، كم من المرات علي إخبارك إنني أحبك ، وإنني أريد الزواج منك )).
فصرخت تقول بصوت معذب : (( ولكن إلى متى سيدوم ذلك الزواج ؟ لقد كنت متزوجاً من قبل ، ولكن زواجك لم يستمر طويلاً ، أليس كذلك ؟ آه ، إنني أعلم أنك تقول إن زواجك كان غلطة لأنك تزوجت صغير السن وأنك الآن أكبر سناً وأكثر حكمة ولن تقترف تلك الغلطة مرة أخرى ، ولكن ما يدريني أنك لن تتركني ، وأنا أيضاً ؟ لقد ترك أبي أمي فدمر بذلك حياتنا ، فأنا لا أريد أن أسبب ذلك لولد من أولادي ، إنني أريد أن يكون لي أولاد ، ولكنني أريد أن أكون واثقة من أن بإمكاني أن أدم إليهم بيتاً مستقراً ووالدين محبين ... لا أن أراهم يعانون ما عانيته أنا ، أن الطلاق هو شيء كالزلزال ،إذ تنشق الأرض التي تقف فوقها فجأة فلا يمكنك القفز عبر الهاوية التي يحدثها ذلك ... فتبقى ملتصقاً بجانب واحد ، مع أحد والديك ، بينما يتركك الآخر نهائياً ، وبعد ذلك لا تعود الحياة كما كانت أبداً ، لقد نشأت لا أثق بالرجال ولا أثق بمشاعري ، لا أريد أن أحب خوفاً من أن لا يدوم حبه لي ما يسبب لي الأحزان )).
أخذ جيب يحدق في عينيها : (( إننا جميعاً تتملكنا الأحزان ، يا فاليري سواء عاجلاً أم آجلاً فإذا أنت رفضتني فسيؤلمني ذلك بشكل لا استطيع احتماله فالحياة لا ضمان لها ، فالزلزال هو حدث طبيعي ، وشركات التأمين لا تقبل التأمين عليه ن وكذلك الإنسان لا يستطيع أن يضمن نفسه ضد الأحزان ، أن بإمكاني فقط أن أقول على الدوام إنني أحبك وقد أحببتك منذ زمن طويل ، وقد حاولت أنت ان تمنعيني من حبك ، ولكنك لم تنجحي في ذلك ، انني اعتقد ان بإمكاننا ان نسعد معاً هذا إذا اعطيتني فرصة اثبت لك فيها ذلك )).
نظرت إلى ملامح وجهه القوية ثم قالت بصوت مرتجف : (( انني اريد ذلك ، يا جيب ، ولكن ... )).
فتنفس بعنف : (( آه ... يا فاليري ، كونك تريدين ذلك يكفي ، فلا تكوني جبانة ... اخبريني بأنك تحبينني ، أريد ان اسمعك تقولين ذلك ))
غاصت عيناه في اعماق عينيها ، تمنحانها الشجاعة لتهمس بما ادركته لتوها : (( احبك )) وشعرت بجفاف حلقها للرعب الذي شعرت به وهي تعترف بذلك ، ولكنها بعد ان قالت هذه الكلمة لم يصل العالم إلى نهايته ، وبالتالي لم تندم لقولها ، ولكنه أخذ ينظر إليها بمشاعر غامرة جعلتها توشك على الاغماء ، وعادت تقول بصوت أقوى : أنا (( أحبك ... حبيبي آه يا حبيبي ... )) وكانت المشاعر تحترق في كيانها .
اغمض هو عينيه ، فشعرت برجفة تسري في كيانه وهو يقول : (( لا استطيع ان اصدق انك قلت هذه الكلمة ، أنها الحقيقة ، أليس كذلك ، يا فاليري ؟ )) كان وجهها متوهجاً وكان يرتجف لفيض المشاعر ، وفقد الاثنان كل حس بالمكان ومرور الوقت إلى ان مرت سيارة بجانبهما موجهة انوارها إلى داخل سيارة جيب ما جعلهما يجفلان .
أخذ جيب يشتم ، بينما اخذت فاليري ترتجف ، ثم قال جيب بصوت أجش : (( والآن ... كانت هذه المفاجأة اشبه بزلزال ، وانا محظوظ إذ بقيت حياً .
فضحكت قائلة : ((وأنا أيضاً )) .
فارتسمت على شفتيه ابتسامة ملتوية ، وقد بانت الرقة في عينيه : (( حسناً ، اكره أن اقول هذا ، ولكن رغم أنني أتمنى لو بقيت معك طوال الليل ، إلا ان من الافضل ان نعاود السير إذ كنا نريد أن نصل إلى المستشفى قبل ان تنجب مولي )) .
(( آه ، لقد نسيت مولي )) هتفت بذلك وهي تشهق فزعة ما جعله يضحك وهو يتحرك بالسيارة .
وصلا إلى المستشفى قبل منتصف الليل مباشرة ، فوجدا ابنة عم مولي وزوجها نصف نائمين في غرفة الانتظار ، فجلسا وهما يتثاءبان وقد احمر وجهاهما .
قالت جانيت : (( آه ، مرحباً ، ها قد جئت أخيراً ، قال والد مولي انك لن تستطيعي القدوم في هذه الرحلة الطويلة ، وانه ما كان لي ان اتصل بك )) .
فسألتهما فاليري بلهفة : (( كيف حالها ؟ هل انجبت ؟ )).
هزا رأسيهما : (( كلا ، ان والديها معها وقد اخرجتنا الدكتورة حين دخولهما ، فهم لا يريدون كثيراُ من الناس في الغرفة ، ان الولادة لا تسير سيراً طبيعياً ، وأظن أنهم سيجرون لها عملية قيصرية )) .
(( آه ، كلا ... المسكينة )) وكان الارهاق يبدو على جانيت وآندي ، وتساءلت فاليري كيف إذاً سيكون منظر مولي )) منذ متى وهي بالمخاض ؟)).
وقبل أن تجيب جانيت على السؤال ن انفتح الباب فالتفتوا جميعاً ن كان والد مولي يدخل الغرفة ، والابتسامة تضيء وجهه .
هتفت جانيت : (( هل انجبت ؟ )) .
فنظر إليها ذاهلاً : (( نعم ، انها بنت ضئيل الحجم ، وقد وضعاها في الحضانة ، ولكنهم قالوا إن قلبها قوي ، وهي ستصبح على ما يرام )) ثم جلس على اقرب كرسي وهو يمر بيده على شعره : (( إنني متعب للغاية ، ولا ادري كيف تحتملن هذه الأمور ، انتن النساء ، لا أريد ان اعاني مرة اخرى ما عانيته الليلة )).
سألته فاليري : (( كيف حال مولي ؟ )) فنظر إليها بجمود وكأنه لم يلحظ وجودها من قبل : (( لقد اعطوها إبرة ، وهي نائمة ، لقد ذهبت زوجتي إلى غرفة الملابس لكي تستطيع ان تبكي على انفراد ، انني اشعر بالرغبة في مشاركتها ذلك )).
فضحكت جانيت : (( انك بحاجة إلى فنجان من الشاي الثقيل الحلو ))
وبينما أخذ يرشف الشاي ، همست فاليري لجانيت : (( لا اظن أحداً اتصل بماك كاميرون يخبره بالأمر )).
سمع السيد غرين السؤال بالرغم من تخفيضها لصوتها ، فالتفت يحملق فيها : (( كلا ، لم نتصل ، كما اننا لا نريده هنا ، وإذا جاء سأقتله )).
عذرته فاليري لغضبه هذا ، ولكنها لم تستطع ان تمنع نفسها من التفكير في عيني مولي الحزينتين ، والطفلة الصغيرة التي جاءت لتوها إلى هذا العالم ، ولكن هل ماك كاميرون والدها حقاً ؟ وتنهدت ، وكان جيب يراقبها ، فقال لها : (( انك متعبة وبحاجة إلى الراحة تعالي )) والتفت إلى الموجودين : (( إذا كانت مولي نائمة فلن يمكننا رؤيتها الآن ، إننا سنبحث عن فندق ونحجز غرفة لهذه الليلة ونعود غداً )).
فقالت له جانيت : (( لن تجد فندقاً يقبل بك هذه الساعة ، تعاليا معنا إلى المزرعة )).
فقالت فاليري مترددة : (( هل أنت واثقة ؟ )) قد يكون صحيحاً أنهما لن يجدا غرفة في أي فندق في مثل هذه الساعة ، ولكنها كرهت ان تثقل على هؤلاء الناس ن فأصرت جانيت قائلة : (( طبعاً ، فلدينا أماكن كثيرة ، إننا خارجون الآن ويمكنكما ان تلحقا بنا بسيارتكما إلى المزرعة )).
خرج جيب وفاليري بعد ذلك بدقائق في هذا الليل الخريفي البارد ، وكانت السماء صحواً والنجوم تتألق كحبيبات الماس المنثور ، فرفعت فاليري عينيها إليها وارتجفت فسألها جيب : (( ماذا ؟ )).
(( إنني اشعر بأسى بالغ لأجل مولي وطفلتها )).
(( ان المستقبل غامض جداً بالنسبة لها وكذلك لطفلتها ، ماذا لو خسرنا هذه القضية ؟ ان مولي لن تحصل على نفقة من ماك كاميرون ، وسيكون عليها ان تربي ابنتها دون مساعدة من احد )) .
(( سنعبر الجسر عندما نصل إليه ، كما يقول المثل ، فكفى قلقاً على ما يمكن أن يكون ... وركزي أفكارك على مستقبلنا ، انك تدللت وجعلت نفسك صعبة المنال وذلك لمدة طويلة ، ولكنني حصلت عليك الآن ، وسأكرس حياتي لإسعادك ، وسترين )) .



تمت بحمد الله


هوس الماضي غير متواجد حالياً  
التوقيع












رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:51 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.