آخر 10 مشاركات
طائف في رحلة أبدية *متميزه ومكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          انتصار الإسباني (48) للكاتبة: Daphne Clair (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          نظرات فى مقال فسيولوجية السمو الروحي (الكاتـب : الحكم لله - )           »          حب بطيء النسيان (64) للكاتبة: Stella Bagwell (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          رهاني الرابح (90) للكاتبة: سارة كريفن ...كاملة... (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          145 - وشم الجمر - ساره كرافن (الكاتـب : حبة رمان - )           »          سجينته العذراء (152) للكاتبة Cathy Williams .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          589 - أكره أن أحبك - سارا وود - ق.ع.د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-09-15, 08:04 PM   #1

ساكورة
alkap ~
 
الصورة الرمزية ساكورة

? العضوٌ??? » 350375
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 157
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » ساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك carton
?? ??? ~
My Mms ~
Rewity Smile 1 الآنسة قرنفل * مكتمله *


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
أظن أنها روايتي الأولى و التي سأنشرها هنا ...
أتمنى أن تعجبكم ...



بسم الله...
عنوان الرواية : " الآنسة قرنفل "
الشخصيات :
الأبطال :
ديمة ، نورس ، سوار ، فرات ، نهاد ، ساري ، أريج ، أسماء .
شخصيات أخرى :
زهور ، حسين ، أسماء ، رغد ، لبنى ، أماني ، رونق ، مازن ، آيفر ، رياض ، عماد ، ماري ، فادي ، جلنار ، المحقق ، إسماعيل ، ريحانة ، صفية ، سوزان .
***
عن أبي ذر الغفاريِّ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزَّ وجلَّ أنَّه قال: "يا عبادي! إنِّي حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم مُحرَّماً، فلا تظالَموا، يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلاَّ مَن هَديته، فاستهدوني أهْدِكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلاَّ مَن أطعمته، فاستطعموني أُطْعمكم، يا عبادي! كلُّكم عارِ إلاَّ مَن كَسوته، فاستكسوني أَكْسُكُم، يا عبادي! إنَّكم تُخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً، فاستغفروني أغفرْ لكم، يا عبادي! إنَّكم لن تَبلُغوا ضُرِّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في مُلكي شيئاً، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجَر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من مُلكي شيئاً، يا عبادي! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيتُ كلَّ واحد مسألتَه، ما نقص ذلك مِمَّا عندي إلاَّ كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر، ياعبادي! إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثمَّ أوَفِّيكم إيَّاها، فمَن وَجَدَ خيراً فليحمَد الله، ومَن وَجَدَ غيرَ ذلك فلا يَلُومنَّ إلاَّ نفسه" رواه مسلم.


*****







*المقدمة *
ما أجمل الطبيعة .. إنها إبداع عبقري خلقه الله تعالى لنا لكي نرتاح و نحن نشاهده...
ما أجمل الأشجار و الزهور، و كم هو بديع صوت خرير مياه الأنهار، و هدير موج البحار. و من المحال ألاّ يصيبنا الذّهول من ضخامة الجبال و روعتها، خاصة إن اكتست حلية خضراء نضرة في الربيع، أو ارتدت برقع الثّلج النّاصع في الشّتاء...
الطّبيعة هي الدّواء الناجع للعديد من الأمراض، فمعظم هذه الأدواء لها سبب واحد هو مرض الروح و حزنها، و لا يوجد أفضل من التّأمل في خَلق الله بتدبّر ليزداد الإيمان، و ترتوي البصيرة فترتاح النّفس بهذا...
و هذا واضح وضوح الشّمس، فسكّان الرّيف يعيشون سعداء مطمئنّين على الدّوام، و هذا سرّ بساطتهم..و لكنّ ما يثير حيرتي هو السّبب وراء سخرية أهل الرّيف منهم...
*******



الفصل 1 -عائلة القرنفل :
الريف ... طبعا سنبدأ قصتنا منه كالعادة ، فهو موطني و أعرف الكثير عنه ، كما أنني أفتخر بانتسابي إليه ...
المهم أن حديثي عن نفسي لن يزيد القصة إلا طولا ...
كان هناك منزل صغير تحيط به حديقة من أشجار المشمش ... منزل يكون قبلة لمن يحتاج العون ، و لكنه يتحول إلى ضده إن حصل المستعينون على مطالبهم لأنهم ناكرون للمعروف ... نعم ...إنه منزل عائلة القرنفل الذي يعيش فيه زوجان لطيفان مثقفان هما حسين و زهور ، مع ابنتهما الوحيدة الذكية التي تُدعى " ديمة " ، و هي شابة تدرس في المرحلة الثانوية ...
و لكن و مع كثرة الأذى من سكان تلك القرية ، بلغ السيل الزُبى ، فقرر الزوجان الابتعاد عنهم ، و السكن في منزل قرب الجبل ، بعيدا عن أولئك المزعجين ، فلم تستطع ديمة تقبل الأمر لأن الثانوية صارت بعيدة ، كما أن النقل المدرسي لا يعبر تلك المنطقة التي سكنوها ...
كانت الإقامة بذلك المنزل رائعة ، فالهدوء يعم المكان ، كما أن هذه البنت حضيت بغرفة خاصة مطلة على الجبل البهي ، كمحاولة ناجحة من الوالدين لاسترضائها ، و هذا ما زاد إلهامها ، فأصبحت بارعة في الرسم أكثر من السابق ... آه نعم ...فالرسم كان هوايتها المفضلة ...
و كم تفاجأت في نهاية عطلة الصيف لما عرفت أنهما قد نقلاها إلى ثانوية ذات نظام داخلي ، و الأدهى و الأمر أنها كانت بالعاصمة ، و رغم رفضها إلا أن هذا لم يغير شيئا ...
و قبل ذهابها إلى هناك بليلة واحدة ، جلست بغرفتها محتارة و هي تكتب في دفتر يومياتها : " يومياتي العزيزة ، لسوء الحظ أنا لن أكمل دراستي هنا ، بل سأنتقل إلى ثانوية داخلية ... و أنا خائفة جدا فقد أواجه مشاكل و صعوبات ، فالناس هناك مختلفون للغاية .. فبمن سألتقي ؟ و من سأصادق ؟ و ممن يجب أن أحذر ؟ و كيف سأتأقلم و أنا ريفية بسيطة لا تعرف شيئا عن التعامل مع ناس العاصمة ؟
أنا لا أريد الذهاب و لكنني مرغمة ، فهل سأجد أمورا تجعلني أغير رأيي ؟
لا أدري و لكن هذا ما تخبئه لي الأيام القادمة بإذن الله "
















الفصل 2 ... الثانوية الداخلية :
و في الصباح خرجت ديمة مع والديها و هي تحمل الحقائب الخفيفة ، بينما ساعدها كل منهما على حمل الثقيلة منها ، ثم انطلقوا في سيارة أجرة ، و بعد وصولهم إلى المحطة ركبوا القطار ، فجلست قرب النافذة تشاهد الأشجار التي بدت لها و كأنها تجري ، و لم تستطع إخفاء نظراتها الحزينة ، و لكنها تمكنت من منع دموعها من الانسياب ...
و بعد ساعات وصلوا إلى العاصمة أخيرا ، فاندهشت من كبرها لأنها المرة الأولى التي تراها فيها وجها لوجه ... كانت السيارات كثيرة ، و المباني عالية ، و الناس في كل مكان ، فلم تنتبه لنفسها و هي تمشي ناظرة إلى الأعلى إلا حين ارتطمت بعمود كهرباء ..
و بعد مشي متعب ، وصلوا إلى مبنى عملاق من الطراز الغربي تحيط به حديقة عملاقة كثيفة الأشجار و كأنها غابة صغيرة ... آه ... إنها الثانوية التي ستدرس بها ، فقد أخبرها والداها أن الاستدمار الفرنسي قام ببنائها للمستوطنين على أنقاذ مدينة أثرية قديمة ، مازالت آثارها تزين الحديقة لحد الآن ...
كان كل شيء يجري يسرعة ، فلم تنتبه إلا و قد دخلوا مكتب المديرة ، فأصابها الارتباك حين نظرت إليها ، فقد كانت طويلة الشعر ، جميلة الوجه ، ذات نظرات صارمة جدية ينبع منها حنان دافق ، و كانت ملابسها كلاسيكية سوداء ...
و بعد أن تحدثت المديرة إليهم ، أخذتهم إلى غرف التلميذات ليضعوا الأغراض ، و كم كانت صدمة ديمة قوية و هي تكتشف أنها ستقيم بغرفة مشتركة مع فتيات أخريات ، فأخذت ترجو أباها بأن يعيدها معه إلى المنزل ، فأشار عليها بأن تجرب الدراسة هنا أولا ، و وعدها بأنه سيستجيب لطلبها إذا لم يعجبها الجو حينئذ ...
و لم يمر وقت قصير إلا و قد غادر الوالدان ، إذ أن العام الدراسي سيبدأ بعد يوم واحد فقط .. فجلست البنت على سريرها بعد أن رتبته و غيرت غطاءه ، ثم وضعت أشياءها بالدرج و تنهدت ..
و في تلك اللحظة كانت هناك ثلاث طالبات يتجسسن عليها ، و قد اختلسن النظر من ثقب المفتاح و هن يتهامسن ، فقالت إحداهن : تبدو شريكتنا الجديدة في الغرفة مدللة يا فتيات ، فجميع أغراضها وردية ، كما أن وجهها الذي يشع ببراءة الطفولة يعكس هذا ...
و قالت أخرى بتذمر : يا حياتي البائسة .... فتاة متكبرة أخرى
و بسرعة انصرفن لدى رؤيتهن لها تتقدم من الباب ، و كان هروبهن في محله ، فقد خرجت و هي تحمل وثائقها المتبقية ، و ذهبت إلى مكتب المديرة ، و دخلت بعد طرق الباب بأدب و خجل ، ثم حيتها تحية الإسلام ، فردت عليها و قد أشارت عليها بالجلوس ، و من ثمة ألقت نظرة سريعة على أوراقها ، و تكلمت قائلة : حسنا يا آنسة قرنفل ، أنت الآن طالبة بثانوية النجاح الداخلية بصورة رسمية ، و هذا الأمر يفرض عليك بعض الالتزامات ، إذ أن الانظباط من أهم الأمور التي لا نتسامح فيها ، و بالتالي ... عليك الحضور إلى قسمك بصفة دائمة بداية من الثامنة صباحا ، كما أنني و -شخصيا- أفضل التلميذات المؤدبات و لا يهمني مقدار التفوق إذا لم يكن مقرونا بالأخلاق الحسنة .. و مقابل كل هذا ، لك علينا حقوق ، كحق التجول يوم السبت من الصباح و حتى الساعة الخامسة بعد الزوال ، فأيام الدراسة يومية ما عدا الجمعة و السبت . كما أننا نشجع المواهب و لن نمانع في تنميتها و دعمها ، و لكن عواقب خرق القوانين وخيمة و قد تصل إلى الطرد ..
اغرورقت عينا ديمة لسماعها هذا الكلام الذي بدا لها كالتهديد تماما ، و بقيت صامتة لا تعرف ما تقوله ، إلا أن المديرة ابتسمت معها بلطف لما أدركت أنها أخافتها ، فراحت تسألها عن الجو في الريف ، فأفلحت في إعادة الطمأنينة إليها ، ثم نادت إحدى مساعداتها ، و أمرتها بالخروج معها لتُعرفها على الثانوية و أقسامها و فروعها ....




الفصل 3 - مع الطالبات :
كان الإحباط مسيطرا على الشابة الصغيرة و هي تسير رفقة مساعدة المديرة التي تدعى أسماء باريش ، فنظرت إليها هذه الأخيرة بعيونها الزرقاء الكبيرة الجميلة و ابتسمت بلطف و قد حركت نسمة خفيفة شعرها البني الفاتح ، ثم قالت : آنسة قرنفل ، أرى أنك حزينة جدا ، فهل يعود هذا إلى قدومك إلى هنا مرغمة ؟
فضحكت و نفت ذلك ، ثم واصلت صمتها و هي تجول في أرجاء الثانوية ، و كان أجمل ما لفت انتباهها هو الحديقة الضخمة التي كانت تحيط بالمكان ، و كم كانت فرحتها عظيمة حين أبصرت مقعدا يستظل بشجرة سنديان عملاقة ، فذهبت تجري إليه و السعادة تنبعث من حركاتها ، فلحقت بها أسماء و هي تسألها ضاحكة : ما سر هذا النشاط المفاجئ يا آنستي الصغيرة ؟
فأجابتها بحبور : و أخيرا لقد وجدت المكان المناسب لأرسم لوحاتي .. إنه ملهم ... إنه رائع .. يا سلاااام ..
و أضافت ببهجة : و سأقرأ الكتب هنا ، فالمكان مناسب للاسترخاء و قراءة مئات الكتب .. آه الحمد لله ...
فبقيت أسماء صامتة ، و كأن الدهشة أصابتها بالشلل ، فشعرت ديمة بالخوف لأنها ظنت أنها تجاوزت حدودها و هي تصيح بفرحة ، فوضعت يدها على فمها و التزمت الصمت هي الأخرى منتظرة سماع تأنيب منها ، و كم تفاجأت و هي تصافحها برفق و تقول بصوت ملؤه الحنان : عزيزتي ديمة ... لا تخافي فأنا لم أنزعج من حماسك الكبير هذا ، إنما شعرت فجأة أنني ... أنني أستلطفك ، غهل أنت رسامة و مهووسة كتب يا ترى ؟
فابتسمت و حركت رأسها أن نعم ، و لم تتوقع مطلقا أن أسماء سترافقها إلى غرفتها لرؤية رسوماتها ...
فلم تمانع فتاتنا من ذلك ، و لكنها شعرت ببعض التوتر ، و سرعان ما تناسته و هي تدخل الغرفة و قد أخرجت أحد دفاتر الرسم و أرته لها ، فأعجبت به و طلبت منها إعارته لها إلى غاية يوم الغد لتشاهد محتواه كله ، و ما كادت تضعه في حقيبتها حتى سقطت ورقة كبيرة منه ، مكتوبة من الجهتين ، فاحمرت ديمة من الخجل و حملتها بسرعة ، و لكن أسماء أخذتها منها و راحت تقرؤها ، فقالت البنت : لا عليك ... إنها غير مهمة ، فقد كتبت عليها عناوين بعض الكتب التي قرأتها في عطلة الصيف ...
فصاحت أسماء ضاحكة : معقول ؟ قرأت ثلاثمائة كتاب؟ يا إلهي ، أنت رائعة و من الواضح أنك ذكية و مثقفة لتقرئي كتبا كثيرة مفيدة ، و لن تمنعيني من أخذ هذه الورقة مع دفتر رسمك يا عزيزتي ..
و بعد دقائق خرجتا من هناك فإذا بالطالبات منتشرات في كل أرجاء الثانوية ، فلم تتوقع ديمة أن أسماء ستوقعا في ورطة كبيرة من غير قصد ، لأنها نادتهن و أشارت عليهن بأن يبقين معها ليتعرفن عليها .. فأتين و ألقين التحية ، فردتها بخجل و سكتت ، و في تلك اللحظات قبلت أسماء خدها و قالت بلطف : أتمنى أن تقضي وقتا ممتعا معهن يا عزيزتي ...
ثم ذهبت من هناك ، فنظرت إليها إحدى الطالبات ، و كانت كستنائية الشعر ، خضراء العينين و قالت : إنها المرة الأولى التي تأتي فيها فتاة محجبة لتدرس معنا هنا ، و لكن هذا يعجبني ... أنا اسمي لبنى ... لبنى نجم ، و أبي يعمل سفيرا في بلجيكا ... و أظن أنك قد قرأت عنه في الجرائد فهو مشهور .. ماذا عنك يا آنستي ، عرفينا عن نفسك .
فاعتدلت ديمة في جلستها و قالت : أنا ديمة قرنفل ، و قد أتيت من سطيف ، و سأدرس السنة الثانية ثانوي هذا العام ، و أبي يعمل موظفا ... كما أنني أتيت من الريف و ...


و لم تكمل كلامها لأنها لحظت لبنى و هي تغمز لرفيقاتها ، و قد فشلت في إخفاء ضحكتها الساخرة .
و بدأت طالبة أخرى الحديث ، و قد بدت علامات التكبر من ملامح وجهها : أما أنا فأدعى رونق ، و لبنى من أعز صديقاتي ، و والدي عضو دائم في البرلمان و هو صديق وفي لوالد لبنى .
و أضافت فتاة بارعة الجمال ، ذات شعر أصفر و عينين زرقاوين : أنا أماني، عريفة الصف الذي ستدرسين فيه ، و صديقة مقربة للبنى و رونق ، و أبي مدرس في إحدى جامعات الدانمارك ..
و قالت لبنى : كما أنها عبقرية الثانوية و ...
و عندها قاطعتهن فتاة أخرى ذات عيون بنية و شعر أسود قصير و قالت بتذمر : توقفن عن التكلم بهذه الطريقة معها ... و دعونا نؤنسها فهي متوترة و تحتاج أن تنسى ذلك .
فردت أماني باستهزاء : هيا نذهب يا فتيات و دعوها تؤنسها كما تريد ..
و ما إن تلفظت بهذا الكلام حتى غادرت أغلب الطالبات ذلك المكان ، و بقيت ديمة مع تلك الفتاة و طالبتين اثنتين ، فقالت بصوت منخفض مليء بالتوتر و الخجل : مرحبا ... كيف حالكن ؟
فأجابتها بلطف : أنا سوار غزلان ، و لست من جماعة المشهورات الغبية تلك ، و مشكلتي أنني أكرههن و لا أطيق سماع افتخارهن على الآخرين دون سبب .
ثم التفتت إلى الفتاتين و قالت : أما هاتان فهما صديقتاي أريج ربيع ، و نهاد غصون ، و أظن أننا سنتشارك غرفة واحدة نحن الأربع .
فابتسمت ديمة و قالت : لا يجب أن تكرهي لبنى و شلتها ، فالمال و الثراء نعمة من الله ، و لا يجب أن نكره الآخرين لأنهم أغنى أو أفقر منا .
فضحكت أريج و أخبرتها بأن لبنى ستسخر من هذا الكلام الجميل ، فهي لا تعرف معنى للقيم الإنسانية ..
و نظرت سوار إلى الحديقة ، و أشارت عليهن بالذهاب و التمشي هناك ، و أخذن يحكين لها عما ستراه خلال هذا العام الدراسي ، إذ أن أستاذة اللغة الفرنسية لا تحب البسطاء ، فاقترحن عليها أن ترتدي الخواتم و الأساور لتجذب انتباهها ، كما أن لأستاذة التاريخ خوفا مرضيا من الحشرات ، جعلهن يستخدمنه ضدها ذات مرة لما انزعجن منها ، فقد قمن بوضع عنكبوت ضخم في درج مكتبها ، ما أدى إلى تغيبها مدة يومين بسبب الفوبيا التي أصابتها ...
ثم نظرت نهاد إلى عينيها و قالت : خجلك و براءتك لن ينفعاك هنا .. فالعيش في هذه الثانوية يفرض عليك أن تكوني قوية دائما ..
و أضافت سوار : و سنكون صديقاتك من الآن فصاعدا ، و شعارنا هو إزعاج لبنى و صديقاتها من المدللات ، و سترين المقالب التي سنستهدفهن بها .
فردت ديمة بإحراج : و لكنني أخشى الوقوع في المشاكل فالمديرة أخبرتني ...
فقاطعتها أريج ضاحكة : المديرة ؟ دعيك من كلامها فهو غير صحيح ، فهي تحاول إخافتك فقط ، فلا تكوني جبانة ..
فتنهدت البنت بعمق ، و لم تجد كلاما تقوله ، فسكتت و اكتفت بالنظر إلى أرجاء الحديقة ، فقد استسلمت للأمر الواقع ، و شعرت بأنها لن تعثر على صديقات و ستبقى وحيدة ...







الفصل 4 - أول يوم :
هبط الليل ، فتناولت الفتيات طعام العشاء في قاعة خاصة ، ثم اتجهن إلى مراقدهن و صلين ، و بقين يتسامرن ، فباحت أريج برغبتها في ابتداء العام الدراسي بمقلب فكاهي تروح ضحيته رونق ، فلاقت تأييدا من صديقتيها ، و لم تُبد ديمة رأيها بل جعلت لنفسها عذرا مقبولا ألا و هو أنها جديدة و لا تستطيع أن تبدأ أول يوم معهم بفعل شيء سيء قد يشوه صورتها في نظر الآخرين ، و اكتفت بوضع رأسها على الوسادة و إغماض عينيها ، فنامت بعمق و قد توكلت على الله ، فلا منقذ لها سواه .
و في الصباح استيقظت على صوت سوار ، و أدركت حينها أن الوقت مبكر فالساعة لم تتجاوز الخامسة صباحا ، فأدت صلاتها و قرأت بعض القرآن ، و لم تتوقع مطلقا أن تساعدها الفتيات الثلاث على إعداد هندامها و هي ترتدي الزي المدرسي الرسمي ، فأشعرها عملهن هذا ببعض الطمأنينة ، فأخرجت من حقيبتها بعض الحلوى و قدمتها إليهن .
و لم تمر دقائق إلا و قد سمعن رنين الجرس الخاص بتناول الفطور ، فانطلقن إلى قاعة الطعام في نظام ، فأشارت سوار إلى ديمة بالجلوس معهن في طاولتهن المخصصة ، فقبلت عرضها رغم أنها كانت تنوي البقاء لوحدها لتركز قليلا ...
و قد كانت الأفكار الفوضوية تملأ رأسها ، فالتوتر من جهة ، و وحدتها القاتلة من جهة أخرى ... و كان الجانب المشرق أنها ملتزمة و تحاول التقرب من الله ...
و هكذا و بعد تناولها للإفطار ، ذهبت مع سوار و نهاد و أريج ، و جلسن قرب باب قسمهن إلى أن تجتمع كل الطالبات و تأتي الأستاذة ...
إنها الثامنة صباحا الآن ، و الفتيات مصطفات أمام أقسامهن بنظام و كأنهن في الجيش ، فلم تنتبه لنفسها إلا و هي ترتجف و أسنانها تصطك و كأن هناك موجة صقيع .
و عندئذ تقدمت أستاذة أنيقة ، لها تسريحة شعر عصرية ، و فتحت باب الصف و هي تقول بلغة إنجليزية ما معناه ادخلن يا تلميذات ، فدخلن و بقيت ديمة واقفة لأنها لم تكن تعلم أين ستجلس ، فأمرتها بالجلوس في مقعد وحيد في الطاولة الأخيرة بعد أن رحبت بها ، فأذعنت لأمرها رغم قصر قامتها ، و جلست و صممت على مفاجأة الجميع بمشاركتها و ترك الصمت و الخجل إلى حين نهاية هذا اليوم الدراسي ...
كانت الأستاذة تتكلم و الجميع ينصت إليها ، فعمدت إلى إحراج ديمة بسؤال ظانة أنها ضعيفة في اللغة الإنجليزية ، فإذا بها تتحدثها بطلاقة جعلتها تنبهر ، فنظرت إليها سوار مشيدة بها بعد أن لمحت نظرات الغيرة تنبعث من عيون أماني و رونق و لبنى ، و بعد نهاية الحصة أتت إليها أريج و صافحتها بفرح و هي تقول : كيف لم تخبرينا بأنك تجيدين الإنجليزية يا ديمة ؟ فهذا الأمر يهمنا كثيرا ... صدقيني يا عزيزتي فقد شعرت أماني المغرورة بالغيرة منك ... و هذا يعجبني كثيرا ..
فأجابتها بلطف : و هل هنالك داع لهذا ؟ إن كنت أجيدها فالتفاخر لن يزيدني فهما ، كما أنني لست بارعة حقا و ...
و عندها دخلت أستاذة أخرى أخبرتها سوار أنها تدرّس الرياضيات ، و كالعادة أخدذت تجيب إجابات صحيحة في كل مرة ، فازدادت لبنى غيضا ، و كادت أماني أن تفقد صوابها ، و اكتفت رونق بالنظر إليها بحقد و كراهية ، أما سوار فقد كانت تمدحها كلما أفلحت في الإجابة ...
و توضح كل شيء للطالبات بعد أن استفسرت أستاذة الرياضيات عن علاماتها في ثانويتها السابقة ، فإذا بها تخبرها بأنها كانت تنال أكبر العلامات ، و لم تكن لتقول لها هذا لولا خجلها منها ، فقد عزمت ألا تخبر أحدا بهذا لكي لا تقع في المتاعب من أول مرة ... و لكن .... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ...



الفصل 5 - فتى الحديقة :
مر ذلك اليوم ببطء شديد ، و بعد نهاية الحصص الدراسية أدت ديمة صلواتها ، و جلست تحضر الدفاتر اللازمة ، و من ثمة فتحت دفتر الرسم الذي أعارته لأسماء بالأمس و راحت تتفحصة لعلها تجد به ملاحظة بعد أن استرجعته منها صباحا ...
و مر أسبوعان لم تتجرأ على الذهاب إلى الحديقة أو الخروج للتجول في أيامهما المتاحة ، لأنها كانت متوترة و خائفة ... كما أنها فضلت الانشغال بالدراسة لعلها تنسى حنينها إلى أصدقائها في ثانويتها القديمة ..
و لكنها لم تستطع الصبر أكثر ، فذهبت في نهاية الأسبوع إلى الحديقة ، و جلست على ذلك المقعد الذي أعجبها قبل أيام ، و أخذت تقرأ رواية لتنسى التوتر الذي نال من أعصابها ....
لقد كانت الحديقة كبيرة ، و أشجارها باسقة ، و زهورها ملونة ، و مقاعدها كثيرة ، و لكن سر اختيارها لهذا المقعد مو كونه وحيدا و يستظل بشجرة سنديان عملاقة تمايلت أغصانها ...
و هكذا استرخت و هي تستمع لتغريد أسراب الطيور ، و لم يخطر على بالها أن تأتي أماني و لبنى و رونق إليها ، فابتسمت بوجوههن ، فلم تهتم لبنى لهذا بل قالت بتكبر : كيف حالك يا فتاة الريف ؟ هل استمتعت بالدراسة هنا ؟
فبقيت صامتة لأنها لم تفهم شيئا مما يحصل ، فقالت أماني متنهدة : مالك تنظرين إلينا من دون أن تجيبي ؟ هل أكل القط لسانك ؟ أم أنك تظنين أنك أرفع منا شأنا لتسكتي ؟
فشعرت بالإهانة ، و همت بالذهاب من هناك و تركهن من دون اللجوء إلى المشاكل ، و لكنها فوجئت برونق تمسكها من ذراعها و هي تقول : توقفي فسيداتك يتكلمن ..
و كان فعلها العنيف هذا كفيلا بإسقاط الرواية أرضا ، ما دفعها للانحناء و حملها ، فصدمتها أماني و هي تنتزعها منها بقوة و تمزقها ضاحكة ...
و هكذا ذهبت المتكبرات الثلاث و تركنها مذهولة و قد نال منها الغضب بحيث لم تقدر على كبحه ، و بقيت تقاوم رغبة الصراخ غضبا و حزنا و هي تنظر ذاهلة إلى الرواية التي أهداها لها أستاذ اللغة العربية ذات مرة ، ثم جثت على ركبتيها و أخذت تجمع أوراقها الممزقة بانكسار و قد راودها شوق كبير إلى ثانويتها القديمة ... و إلى الأصدقاء ... و البساطة ... و كل شيء ...
يا إلهي ... أيعاقب البعض غيرهم فقط لأنهم يحسون بالغيرة منهم ؟ و هل يعطي الثراء الفاحش الصلاحية لصاحبه ليهين و يؤذي من يشاء ؟ كلا ...
و عندها هبت ريح خفيفة بعثرت الأوراق الممزقة ، فراحت ديمة تجمعها ثانية ... و فجأة ، أبصرت شابا أشقرا ... أصفر الشعر أزرق العينين يدخل الحديقة ... كان فتى بارع الجمال ، و لكنها لم تبد له اهتماما على أي حال ، بل تجاهلته و واصلت جمعها لبقايا الرواية ، في حين أسند الفتى ذراعه على جذع إحدى الأشجار و بقي يحدق إليها بهدوء إلى أن أتمت جمع القطع الممزقة و جلست على المقعد الوحيد لإلصاقها ببعض ، فهرول إليها و قال بهدوء : معذرة يا آنستي ... أظن أنك جديدة هنا .. أليس كذلك ؟
فردت عليه بلامبالاة أن نعم ، فواصل كلامه بجدية : جميع الطالبات لا يتجرأن على الجلوس عليه فهو مقعدي الخاص ...
فتنهدت و قامت من هناك ، ثم جلست على مقعد آخر ، و ما كادت تطمئن في جلستها حتى أتى إليها ثانية و قال : عفوا يا آنسة ، و لكن ... و لتجلسي على أي مقعد آخر عليك دفع خمسمائة دينار لي مقابل ذلك ، فأنا المسؤول على شؤون هذه الحديقة ..
فنهضت ثانية و جلست على الأرض و قد اتكأت على جذع شجرة ، فلحقها و قال بهدوء : أما أجر الجلوس على الأرض فهو مئتا دينار ، و لكن اتكاءك على الشجرة يرفع الثمن ، غير أنني سأساعدك لأنك جديدة و أقبل منك مائتين و خمسين دينارا فقط .
فنظرت إليه باستغراب : ما هذه الحديقة الغريبة يا سيدي ؟ فقد أتيت مع الآنسة أسماء باريش هنا و لم تخبرنِ بهذا القانون ... و لم أر طالبة تدفع النقود لتجلس ..
فأجابها بحزم : إنهن يدفعن اشتراكا سنويا .. إضافة إلى أنني أعرف الجميع عداك ... و لهذا فعليك دفع النقود لأنني لا أعرفك!
ثم أضاف و قد ازدادت حدة صوته و هو ينظر إلى الرواية الممزقة : ما هذا ؟ كيف تسمحين لنفسك بتمزيق كتاب هنا ؟
فأجابته بلامبالاة : لم يعجبني فمزقته ... فهل في هذا ضير ؟ إنه كتابي ...
ثم همت بالخروج و هي تكاد تفقد عقلها من شدة الغضب ، فلحقها و هو يقهقه ضاحكا : يا آنسة ... يا آنسة ... أنا أتحدث معك ... انتظري و إ شكوت سوء تصرفك إلى المديرة !
فتوقفت فقال لها بجدية : سلميني الكتاب الممزق فأنت لست أهلا لامتلاكه .
فنظرت إليه بهدوء و قالت : سيدي ... إنه هدية و أنا لا أستطيع ذلك ، فماهي غرامة تمزيق الأوراق هنا ، لأدفعها ؟
فأجابها و هو ينظر إلى عينيها بعمق : يمكنك أن تقولي أنها مئة دينار !
فأخرجت محفظة نقودها و دفعت له المبلغ و هي تعتذر و تطلب العفو لأنها لم تقصد إثارة أعصابه ، ثم عادت إلى غرفتها بسرعة ، و لم تخبر زميلاتها الثلاث بشيء ظانة أنهن سيسخرن منها ، فهي لا تريد أن تفقدهن أيضا !
و لم يخطر على بالها أن هذا الشاب كان قد شاهد ما فعلته لها لبنى و أماني و رونق .. و لكن .. ما قصته ؟






الفصل 6 - من أجل كتاب :
مر أسبوع آخر تأكدت فيه جميع المدرسات أن ديمة قرنفل فتاة ذكية و مثابرة ، فاشتعلت نار الغيرة في قلوب الثريات الثلاث ، غير أنهن وجدن أنفسهن عاجزات عن الإيقاع بها بسبب دفاع نهاد و سوار و أريج عنها .. و بقيت في هذه المدة لا تذهب إلى الحديقة رغم رغبتها في ذلك ، خوفا من استبداد مسؤولها القاسي ...
و لكنها كانت سعيدة جدا يوم السبت حين اقترحت عليها سوار و صديقتاها أن يخرجن معا ، فهي لم تغادر الثانوية منذ أتت إليها ، خاصة و قد أخبرنها بأنهن سيذهبن بها إلى أكبر محل للكتب في المنطقة ، فكن يمشين و يتحدثن معا ، فقالت سوار بسرور : شكرا لك يا ديمة ، فمنذ قدومك إلى هنا و الأخبار الجميلة تتوافد علينا ، فمتواضعة بريئة مثلك كانت قادرة على إيقاف أماني و شلتهن عند حدهن .
فردت ديمة بلطف : و لكن ... لماذا يكرهنني رغم أني لم أسئ إليهن مطلقا ؟
فأجابتها نهاد على الفور : إنها الغيرة يا ديمة ، و لا شيء آخر !
فضحكت من هذا الجواب و لم تستطع تصديق ما سمعته فقالت باستغراب : معقول ؟! الغيرة ؟! لو كانت الغيرة من طرفي لما كان الأمر غريبا ، فأنا من الريف و هن من العاصمة ... كما أنهن فاحشات الثراء ، و آباؤهن مشاهير ، و جميلات ، و لا أحد ينكر تفوقهن في الدراسة ... فما الذي يجعلني أفضل منهن ؟
فتكلمت أريج بثقة : و لكنك أحسن منهن في الدراسة ، كما أنك لطيفة و صادقة ... و هذه الأشياء لا يملكنها فهي لا تُشترى بالمال ...
و مع وصولهن إلى محل الكتب دُهشت ديمة من حجمه الكبير ، فأخذت تقفز فرحا ، ثم توقفت و قالت هامسة : لا تعذُلنني ... قروي في المدينة ...
و عند دخولهن ابتسمت و راحت تحمد الله لأنها لم تحضر جميع نقودها ، فقد تأكدت أن إفلاسها سيكون مضمونا هنا ، فضحكت سوار و اقترحت على الفتيات أن ينقسمن مثنى مثنى فالمحل كبير جدا ، فذهبت مع ديمة إلى الطابق الثاني ، و أخذتا تشاهدان الكتب ، فوقع نظر ديمة على كتاب كبير يتحدث عن أسرار الكون ، فأخذته إليها لتراه ،و لكن يدا أخرى أخذت تنتزعه منها، فنظرت فإذا به مسؤول الحديقة ، فصرخت من الهلع و هي تقول لسوار : لقد وجدت الكتاب أولا ... فهل أتركه لمسؤول الحديقة و أستسلم ؟ لقد أعجبني كثيرا و أود شراءه ، و لكنني أخاف أن ...
فنظر إليها و يقول بقسوة : اُتركيه أيتها المخربة فقد أصبح لي !
فأجابته مترجية : أرجوك ... أرجوك ... أنا أريد هذا الكتاب بالذات ، و لا أستطيع تركه فهو النسخة الأخيرة هنا !
فرد باستهزاء : هذا مستحيل ، فأنا أخشى ألا يعجبك فتضطرين لتمزيقه و ..
فنظرت سوار إليهما و هي تقهقه ضاحكة : ما بكما ؟ توقفا ... ثم .. من أخبركِ بأن هذا الفتى يعمل مسؤولا في الحديقة ؟ بل منذ متى و هو يعمل ؟ بل ... أصلا ، لماذا يعمل هذا العمل بالذات ؟
فصاحت ديمة : مهلا ... مهلا ... لا تقولي بأنني خُدعت من طرف هذا المحتال !
فانفجر ضاحكا و هو يسخر منها : أنت لم تري وجهك حين خدعتك الأسبوع الفائت ... لقد كنتِ غبية و لم أستطع الصبر على مقاومة الضحك ... صدقيني أيتها الجديدة ... لو كان هناك جائزة نوبل للحماقة لكانت من نصيبك ...
فاستغلت فرصة انشغاله بالسخرية منها ، و خطفت الكتاب من يده و ذهبت تركض بسرعة لتدفع ثمنه ، فانطلق يركض خلفها لإمساكها ، و كانت تقهقه ضاحكة و هي تسلُك ممرات مختصرة جعلتها تصل إلى البائع قبله ، فوضعت الكتاب أمامه و أخذت تلتقط أنفاسها ، و بعدها فتحت حقيبتها لإخراج نقودها ، فانقضّ الفتى عليه و هو يلهث و قال بسرعة : خذ ثمن الكتاب و احتفظ بالباقي !
و نظر إليها و وجهها محمر من الغضب و قال ضاحكا : صدقيني يا آنستي ، فلا أحد ينافسك على المرتبة الأولى للمغفلين ...
فابتلعت ريقها ثم تنهدت ، و قالت و قد عادت إليها ابتسامتها : لا بأس .. أنا أعترف بالهزيمة فقد غلبتني و أنت تستحق هذا الكتاب ، و أظن أنني سأجد غيره فالمحل كبير جدا ... و أنا آسفة على إزعاجك ...
فنظر إليها بوداعة لبرهة ، ثم أخرج من جيبه مئة دينار و قدّمها إليها و هو يقول : لقد هزمتِني باعترافك بالهزيمة ، و أنا آسف على خداعك فقد أعطيتِني نقودا لا أحتاجها آنذاك ، فهلا أخذتها مني الآن لكي لا تبقى دينا في رقبتي ؟
فرفضت استلامها منه و شعرت بالإحراج ، فلم يتوانى من أن يجثو على ركبتيه و هو يقول ممازحا : حرّريني و خذيها ... فأنا سأبقى عبدا ما دمت ترفضين استعادتها ..
فضحكت من تصرفه الغريب هذا و أخذتها منه ، و عندها أتت سوار تلهث و قد ظنك أنها أضاعتها ، فتنفست الصعداء و هي تراها أمامها ، و قالت بقلق : لقد خفت عليك كثيرا يا ديمة ، فماذا سأفعل لك الآن ؟ هل سأخنقك ؟
فتكلم الفتى بلطف : تخنقين هذه القزمة الصغيرة ؟ستسحقينها دون قصد يا سوار ... و هذا ليس عدلا .. لا ... أليس كذلك يا ...
فتكلمت ديمة باستغراب و قد قاطعته : هل يعني هذا انكما تعرفان بعضكما ؟
فقالت سوار على الفور : يمكنك أن تقولي هذا ، فأخته هي أسماء باريش مساعدة المديرة ، و هو يأتي إلى الثانوية كلما سنحت له الفرصة ...
ثمّ ربتت على كتفه و أضافت : هذا الفتى الذي يتكلم لهجتنا بطلاقة ، هو ابن السفير التركي مازن باريش ، و قد تربى هنا منذ كان في التاسعة من عمره .
فشغرت ديمة فاهها و قالت بعجز : هذا ... هذا ... هذا الفتى تــ ... تركي ؟ يعني أنه ...
فقهقه بصوت عال و قال و هو يحك رقبته : آه .. نسيت أن أعرفك بنفسي يا صغيرتي .. فأنا نورس باريش ، و اسمك هو ديمة قرنفل ... الفتاة التي لا تسكت أختي عن التحدث عنها ... و التي أعجبتني رسوماتها في ذلك الدفتر .. و أنت هي الفتاة التي قٍرأت ثلاثمئة كتاب في عطلة الصيف ..
و سكت لبرهة فلم تستطع ديمة قول كلمة واحدة ، فقال بهدوء : ما رأيكما أن نذهب لتناول بعض المثلجات في مطعم فاخر ؟
فأجابته مبتسمة : شكرا على أي حال ، و لكننا ...
فقرصتها سوار و قاطتعتها : تقصد أننا لسنا وحدنا ، فقد أتت نهاد و أريج معنا ، و سأذهب لمناداتهما ، و يمكنكما مشاهدة بعض الكتب ريثما أعود ..
و ذهبت بسرعة ، و لم تترك لها مجالا لكي ترفض طلبه ، بل أحرجتها ، فأخذت تقلب رفوف الكتب لتختار ما يعجبها ، إلى أن حمل نورس كتابا يتكلم عن الإعجاز العلمي ، و قد كان كبيرا و ثقيلا ، و اقترح عليها أن تشتريه ، فاعتذرت عن ذلك لأنه باهض الثمن و هي لا تملك مبلغه ، و اشترت كتابا آخر، و بقيت صامتة إلى أن أتت سوار و نهار و أريج ، و هن يحملن كيسا به موسوعة علمية قمن بشرائها ، فأخذ نورس يتفقدها فأعجبته ، في حين نظرت ديمة إلى سوار محتارة ، فضحكت عليها هذه الأخيرة ...
و هكذا خرج الخمسة و ذهبوا إلى مطعم فاخر تناولوا به مثلجات لذيذة ، فنظر نورس إلى ديمة ، فإذا بها شاردة و الحزن يطوق نظراتها ، فتكلم و قد أنهى كوبه : آنسة قرنفل ... يا قرنفل ... أين أنت ؟ عودي إلى عالمنا ... نداء من عالم الواقع إلى عالم الخيال ... حوِّل !!!
فانتبهت من شرودها بعد أن قرصتها نهاد ، فإذا بمثلجاتها قد ذابت ، فقال نورس معلقا : يا إلهي ... من الواضح أن الموضوع الذي تفكرين فيه هام جدا ... فهل تأكلين هذه الأطباق الفاخرة و يصيبك الشرود ؟
فأجابته أريج بهدوء : إنها جديدة هنا كما تعلم ، و هي متوترة جدا ، خاصة و هي بعيدة جدا عن منزلها ..
و أضافت سوار : كما أن هنالك بعض الغيورات يضايقنها لأنها مميزة و متفوقة في الدراسة ..
فنادى النادل و طلب منه إحضار كوب مثلجات بالفواكه ، فلما أتى به وضعه أمام ديمة و قال بلطف : هيا كلي و تجاهلي من يضايقك ، و افرحي لأن لديك ثلاث صديقات ، و مثلجات غالية الثمن لتأكليها ... هيا اطمئنّي يا عزيزتي ، و سنساعدك نحن الأربعة دائما ، أليس كذلك يا سوار ؟
فحركت سوار رأسها موافقة ، فأخذت ديمة تأكل بخجل ما أدّى إلى سقوط بعض الطعام على ملابسها ، فتبسم نورس و قال : اُنظرن إليها ، و كأنها طفلة صغيرة مازالت تتعلم كيف تأكل ..
فهمست سوار في أذن نهاد مبتسمة : آه لو أن الغبية لبنى ترى ما يحصل ... آه ما أروعك يا ديمة ، و ما أحلى براءتك التي جعلتك تنتصرين على تلك التافهة من دون أن تدري ذلك .
و بعد جلسة خفيفة في المطعم نظر الشاب الأشقر إلى طالبتنا الجديدة التي بدت شاردة و خائفة و قال بحنان : لا يا آنسة قرنفل ، لا تخافي فكل شيء بخير ... و يأعيرك الكتاب الذي فزت به عليك إن احتجته ... و إن أردت مطالعة أي كتب آخر فأنا في الخدمة ... فأنا مهووس كتب مثلك تماما .. ههه ... شرط ألا تمزقيه .
فابتسمت بهدوء و قد نظرت إلى السحاب و قالت : شكرا لك يا نورس ، و أرجو ألا نكون قد أزعجناك ..
فأجابها ضاحكا : لا ...بل أرجو ألا أكون قد أزعجتكن ، و لهذا فسأوصلكن إلى الثانوية عبر طريق نختصر و أتمنى أن نلتقي في أقرب وقت ... صحيح يا قرنفل ؟
و هكذا أوصل هذا الفتى الطالبات الأربع إلى الثانوية ، و كاد يقتلهن من شدة الضحك ، خاصة حين لمح لبنى من بعيد ، لأنه قال بسخرية : لكل من يريد مشاهدة ضابط عسكري في زيّ مدرسي مبهرج ... فلينظر إلى تلك المتغطرسة ...
فقالت له ديمة بهدوء و هي تكتم ضحكها : لا يجوز لك أن تسخر منها ، فهذا عمل سيّء ، كما أنني لا أستطيع أن أثق بأنك لن تسخر مني ..
فقال على الفور ضاحكا : لكل من يريد مشاهدة البراءة في زي مدرسي ملطخ بالمثلجات ... انظروا إلى القرنفل !
فقالت له أريج هامسة : اِسمها ديمة ، و لقبها هو القرنفل ..
فرد عليها : أنا أعلم هذا ، و لكن اسم قرنفل هو اللائق بها ، لأنها تصبح قرنفلية كلما كلّمها أحد !
ثم نظر إلى ساعته و ودعهن و هو يركض بسرعة فائقة ، فتنفست صاحبتنا الصعداء بعد أن عاد لون وجهها إلى طبيعته ، و بقيت ساكتة لا تدري ما الكلام الذي ستتمكن من التعبير به عمّا حصل ، فابتسمت سوار و عانقتها بحب و هي تقول : يا إلهي ... ما أروعك ، فقد جعلتِ ذلك الشاب الوسيم يتحدث معنا ببساطة ... لقد منعتِه من مقاومة سحرك فأتى غير مبال بالنتائج ، بعد أن كانت لبنى الوحيدة التي تتحدث معه ... فماذا فعلت له حتى ... آه ... إنكما رائعان معا ... كم هذا رومنسي .. كم ..
فضحكت من طريقة حديثها و أخبرتها بأنه مجرد شابٍّ عادي ، و جماله البارع لن يغير شيئا من حقيقته .. ثم حكت لهن ما جرى في الحديقة ، فكادت أريج تفقد صوابها ، و لو لم تمسكها صاحبتنا لذهبت إلى لبنى و شلّتها و لقنتهن درسا قاسيا ...
و اقترحت نهاد عليهنّ أن يذهبن إلى الحديقة فهي المكان الوحيد الذي سيزيد الحديث سخونة ، فضحكت ديمة من هذا و ذهبت معهن هناك ، ثم قالت بلطف : ما بال الفتى قد ذهب بعقولكن ؟ إنه عادي و لا شيء فيه يدفع للهيام ، و كونه غنيا و وسيما لا يغيِّر شيئا ، فالمضمون هو الأهم ، كما أن حديثه معنا لن يزيد في عمرنا أو يحسِّن من صحتنا .. و في الحقيقة .. أنا لم أتأثر بحديثه معي .. إذ أظن أنه كان يتكلم بحسن نية ...
****



الفصول القادمة:
القيثارة
الحيلة الخبيثة
في الوقت غير المناسب
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته




روابط الفصول

المقدمة والفصول 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 .... اعلاه
الفصول 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 10 ، 11 ، 12 .... في المشاركات التالية
الفصول 13 ، 14 ، 15 ، 16 ، 17
الفصلين 18 و 19










التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 17-10-15 الساعة 11:12 AM
ساكورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-09-15, 02:43 PM   #2

ساكورة
alkap ~
 
الصورة الرمزية ساكورة

? العضوٌ??? » 350375
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 157
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » ساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك carton
?? ??? ~
My Mms ~
Rewity Smile 1

الفصل 7 - القيثارة :
و مع مرور الأشهر الأولى ، بدأت ديمة تتعود على الثانوية ، فأحبت الحديقة كثيرا و صارت لا تفارقها متى سنحت لها الفرصة لأنها تحس بالإلهام هناك ، فترسم بصدق ، و تلون لوحاتها بدقة دون أن يزعجها أحد ..
و ذات مرة ، و ما إن دخلت الحديقة حتى وجدت نورس هناك يحمل قيثارة زرقاء ، فابتسم لها و حياها ، فاختارت مقعدها المفضل لتضع عليه معدات الرسم ، ثم قالت بخجل : سيد نورس ... أتمنى ألا أكون قد أفسدت عليك خلوتك بقدومي ، و يمكنني المغادرة إن شئت ...
فأجابها بلطف : لا بأس ، فالحديقة ملك للجميع ، و هي ليست لي وحدي ، أم أنك مازلت تصدقين الخدعة ؟
فشكرته و بدأت ترسم بهدوء ، و في تلك اللحظة أخذ يعزف ببراعة ، فانسجمت مع ذلك اللحن الآسر ... لحن جعلها تنسى ما لاقته من متاعب ، فطارت إلى عالم الخيال لتنتقي من هناك ألوانا و أشكالا عجيبة ، و لم تنتبه إلا حين توقف عن العزف فقالت بسعادة : أرجوك لا تتوقف يا سيد نورس ... فلحنك اللطيف أنعش مشاعري و ساعدني على الرسم بشكل عجيب ... و كأنه ... و كأنه لحن سحري ..
فابتسم و قال معلقا : رغم أنك تستحقين جائزة نوبل للحمقى ، إلا أنك تملكين موهبة فذة و جميلة يا آنستي ، فهل تسمحين لي بالجلوس قربك لمشاهدة طريقة رسمك مقابل عزفي ؟
فوافقت ، فأتى و انبهر من اللوحة التي كانت ترسمها ، فأشارت عليه بأن يلتزم الصمت و يكتفي بمداعبة أوتار القيثارة ، فرضخ لطلبها ، و بعد إتمامها للرسم جلست على الأرض لتستريح ، فجلس بجانبها و قال برقة : هل تعود القرنفل على الدراسة أم أنه مازال أسيرا لوحدته ؟
فأجابته مبتسمة و هي تحرك رأسها يمينا و شِمالا : لا أدري لحد الآن ، و لكنني أحاول جاهدة أن أتأقلم لكي لا تتأثر علاماتي و تتراجع ، و ماذا عنك يا مسؤول الحديقة المزيف ؟
فقال بهدوء : أنا أزاول دراستي الجامعية في ألمانيا ، و أستطيع العودة إلى هنا مرة كل شهر ، كما أن اختصاصي رائع جدا لأنه يدور حول الهندسة المعمارية ... و هذا هو عامي الأخير ...
فقالت بانبهار و حماس : يااه ... هذا رائع .. يا ليتني كنت مثلك أزور ما أشاء من البلدان ، و أدرس في جامعة خارج البلاد لأتعرف على أشخاص جدد و أرى أماكن أخرى ...
ثم أضافت و هي تنظر إليه بفرح : كما أنني لا أصدق أنني أتحدث وجها لوجه مع مواطن تركي ، فهذا شرف كبير لي ... و سأخبر جميع من أعرفهم بهذا حين أعود للبيت ...
فضحك من كلامها و قال : لم أخطئ مطلقا في تقديرك ، فأنت بريئة و صافية ... و صادقة ، و الشرف لي أنا لأنني أتحدث إلى فتاة فريدة مثلك ، و أنا أعدك بأن أساعدك دائما ، فلا تقلقي مادمت تعرفينني .
ثم صمت لبرهة و أضاف : ما وظيفة والدك يا قرنفل ، فلعل أبي يعرفه ؟
فأجابته بلطف : أبي موظف عادي ، و لا أظن أن والدك يعرفه .
فنظر إليها بفخر و هو يقول : ما أشجعك يا قرنفل ، فلو كانت فتاة غيرك لكذبت بهذا الشأن لتبدو من الدرجة الرفيعة ، و لكنك لا تهتمين لهذه الأمور السطحية فأنت بنت رائعة ..
فضحكت من كلامه و هي تعلق : تمدحني و كأنني قمت باكتشاف جديد أو ما شابه ... فأنا لم أفعل شيئا ، و لست بحاجة للكذب لأثبت وجودي لأنني أحب أن أكون أنا مهما حصل !
فنظر إلى عينيها برفق : و هذا أحلى ما فيك ...
و بينما الاثنان يتحدثان ، أتت لبنى هناك ، و راحت تنظر إليهما دون أن ينتبها لذلك ، فأخذت تسعل لتلفت انتباههما ، و أخيرا قالت بهدوء : نورس .. أنسيت وعدك لي ؟ لقد وعدتني بأخذي إلى مدينة الألعاب ..
فاضطرب و سكت و قد غطى الوجوم وجهه بالكامل ، فواصلت حديثها و هي تتصنع الابتسامة مع ديمة : هل أخبرك نورس أننا حبيبان و سنصبح مخطوبين بعد شهرين ؟
فداهمها التوتر و حركت رأسها ذات اليمين و ذات الشِمال : المعذرة .. و لكن هذه المواضع لا تهمني ... و أظن أنني أزعج حديثكما ... و أنا آسفة ..
ثم حملت لوحتها و ألوانها و عادت إلى غرفتها ، و سرعان ما أخذت تحل فروضها المنزلية بانهماك ، فجلست سوار جنبها لتخبرها بأنها أوقعت أماني في مقلب تلوَّنت فيه بالكامل بالدهان ، فنظرت إليها ديمة و وجهها محمر و قالت : لقد ... وقعت في موقف محرج ، فقد كنت أتحدث مع نورس ... و لم أكن أعلم أن لبنى ... المهم ... أنت تفهمين ما أعنيه ... و قد رأتنا معا .. و أخشى أن تفهم الأمر بشكل ...
فقاطعتها سوار : إنه لا يحبها و كل ما عرفتِه كان مجرد كذبة و ...
و عندئذ ضرب حجر النافذة ، فكادت سوار تجنّ ، و همت باستعماله لرشق قليل الأدب هذا ، و لما أطلّت تغير مزاجها لتصبح لطيفة فجأة ، ثم ابتسمت بحب و عانقت ديمة : نورس يناديك يا صديقتي ... ألا تظنين أنه ...
فقاطعتها صارخة : لا... لا ... أنت مخطئة ، فلا تكمليها أرجوك !
ثم أطلت من النافذة فناداها نورس : هاي يا آنسة حمقاء ... من سمح لك بمغادرة الحديقة ، فلوحتك لم تكتمل بعد ..
فردت عليه بخجل : كف عن إحراجي و إلا رميت إصيص النبات على رأسك فورا !
و قد كانت محقة بخجلها ، لأن جميع الطالبات أخذن ينظرن إليها متعجبات ، فنزلت على الفور و ذهبت إليه و قالت بكل إحراج : ماذا سأفعل بك يا ترى ؟ فقد أخذ الجميع يحدق بي .. ألا تعلم أن مناداتي من تحت نافذتي ، و بصوت عال أمر مشين ؟!
فأجابها و هو يحك أنفه : هذا أمر عادي في تركيا يا قرنفل ، إنها الحضارة !
فابتسمت مجيبة : أنت مخطئ يا نورس ، فالحضارة لا تعني كل هذه الجرأة التي تملكها ..
فأخذ يغير الموضوع و اقترح عليها أن تعود معه إلى الحديقة ، و قال ضاحكا: لقد غادرها الجندي الصارم قبل لحظات ، إنه مزعج و لا يرضى إلا بإحراجي أمام الآخرين ...
فأجابته بصفاء : كف عن نعت لبنى بهذه الصفة ، فهذا جارح ، و لو أنها سمعتك فإنها لن تغفر لك ، و ستتوقف عن التحدث إليك ... و قد تخسرها مدى الحياة حينها !
فلم يبد اهتماما بما سمعه منها ، بل بقي ينظر إليها فحسب ، ثم أمسكها من ذراعها و هو يركض نحو الحديقة و قد أخبرها بأنه سيقول لها أمرا مهما ..
فتبعته و هي لا تريد ذلك ، و جلست على المقعد بينما فضل هو الوقوف ، ثم قال بهدوء : ما رد فعلك إن تحكمت المشاريع المالية بحياتك الشخصية الحساسة ؟
فتساءلت بتعجب : مال ... حياة شخصية ... مشاريع ... ماذا تقصد بكلامك هذا ؟!
فرد عليها و قد بدا الحزم على ملامحه ، و ذبلت عيناه الزرقاوان ، و سرعان ما غطاهما شعره الذهبي حين طأطأ رأسه : أنا لا أحبها يا قرنفل ... و كل ما في الأمر أنهم يحاولون إلصاقها بي لنعيش في "سعادة " و " هناء" إلى الأبد كما يحاولون إيهامي ... لأن كلانا فاحش الثراء .. و هذا مخالف لمبادئي...
قال هذا و قد ضغط بلسانه على كلمتي سعادة و هناء ...
و أضاف بصوت خافت : أريد أن أعيش مع فتاة أحبها ... و لبنى تثير تقززي فهي لا تشبهني على الإطلاق ، لأنها مهووسة بالتكبر على الناس و السخرية منهم ، و هوايتها تبذير المال في كل شيء ... فقط لتتسلّى .
أنا أريد أن أكمل عيشي مع اِمرأة لطيفة يحبها الناس .. و لا يهمني مستواها المعيشي إن كانت مثقفة و حساسة ...
فطأطأت رأسها أيضا ، و لكن بدافع الخجل ، ثم أكملت: أنا آسفة بشأن مشكلتك يا نورس، و لن أنصحك سوى بالصبر و محاولة إيصال وجهة نظرك إلى أهلك ليفهموك ...
و ... أتمنى أن تجد الفتاة التي تحلم أن تكون معها ، و إن كانت موجودة ، فأرجو من الله أن يجمعكما في ظل الحلال ..
فأرسل إليها نظرات لطيفة زادت زرقة عيونه من جمالها و قال : لا أدري السبب .. و لكنني أحس بالفرح لمجرد التواجد قربك يا ديمة ، فأنت مختلفة عمّن أعرفهم ، لأنك متوسطة الحال ، بسيطة الهيئة .... و أكثر من هذا ... صافية القلب .
فردت عليه : كما أنك شخص نشيط ، خفيف الظل ، و هذا ما يجعلني أفرح لرؤيتك لأنني أوقن عندها بأنني سأبكي من شدة الضحك ..
و لكن الحديث لم يطل بعد أن لاحظت أن الطالبات ينظرن إليهما بريبة ، فاعتذرت منه و تذرعت بكثرة الفروض المنزلية ، و عادت للغرفة و يدها على قلبها ، ثم حضرت نفسها لبعض الدروس الجديدة ، و أخذت تطالع كتابا ، فدخلت سوار و عانقتها بحب و قالت : كيف حال صديقتي التركية ؟ و هل كان اللقاء رومنسيا ؟
فصاحت ديمة بصوت عال : كفي عن هذا الكلام يا سوار ، فنورس لا يعني لي شيئا ، و حديثي معه ليس سوى شكل من أشكال اللباقة .
فردت عليها : و لكن تصرفاه توحي بأنه يحبك ، فهلا تفرّست في وجهه لتري ذلك ؟
فأجابتها و قد أدارت وجهها : أنا لا أعرف هذه الحيل ، و لا أفكر فيها ، و لا أريدها أن تدخل رأسي ..
فقالت سوار بلطف : أخشى أنّك ...
فقاطعتها على الفور : لا تخشي ، فأنا في كامل قواي العقلية ...















الفصل 8 - الحيلة الخبيثة :
و مع مرور الوقت ازدادت العلاقة توطدا بين ديمة و سوار ، و تحولت من سطحية فاترة إلى عميقة صادقة ، و كانتا نجمتي الصف من حيث الدراسة ، و وجه الاختلاف بينهما يتجلّى في كون الأولى خجولة حتّى من نفسها ، و في كون الثانية مشاغبة تعشق صنع المقالب ...
و توالت الأيّام لتصل فترة الاختبارات، فعملت الصّديقتان ما بوسعهما، و مع نهاية هذه الفترة ، مرضت سوار فأتى والدها لاِصطحابها ، و بقيت ديمة تصارع آلام الوحدة في صمت شجي، إذ لم تجد من يؤنسها ، فحتّى نورس و لم يعد يظهر منذ وقت طويل ، فكانت تجلس بمفردها في الحديقة لترسم أفكارها و تلوّنها كما هي عادتها ..
و ذات مرّة أتت لبنى و شلّتها إليها ، و اِقترحن عليها أن ترافقهنّ في نزهتهنّ ، فلم تطمئن نفسها ، و أخذت تختلق أعذارا لترفض طلبهن، فأكدت لها أماني أّنّهن نادمات على إزعاجها ، و قبّلت رونق خدّها بلطف، ثمّ عانقتها لبنى ، فشعرت أنّها ظلمتهن بحكمها الجائر ، فذهبت معهن و الفرح يلوّن حركاتها ، فقد تحوّلت عداوتهن إلى صداقة في رمشة عين ...
و هكذا قضت الفتيات وقتا ممتعا في حديقة التسلية ، كما ابتعن بعض الملابس الفاخرة، و في الأخير ذهبن إلى أقصى العاصمة حيث كانت توجد حديقة بارعة الجمال ، و أشرن عليها بأن تبقى فيها إلى غاية عودتهنّ إليها ، لأنّ هناك شغلا مهمّا سيقمن به .
فبقيت هناك ، و طافت بكلّ أرجائها الشاسعة و الدّهشة تعبث بتعابيرها . و لكنّ الوقت أخذ يطول، فمرّت ساعة، ثمّ اثنتان، ثمّ أربع !!!
و بدأت الشّمس تشد رحالها لتغيب، فتسلل الرّعب إلى قلبها، و خرجت و قد أدركت أنّها كانت ضحيّة مؤامرة شرّيرة، فهي لا تعرف طريق العودة لأنّ العاصمة كبيرة جدّا، فدارت بكلّ الأنحاء فلم تجد طريقا تعرفه لتسلكه، فتحوّلت نظراتها القلقة إلى دموع أخذت تنهال على خدّها كالسّيل الجارف، فحاولت مسحها و إخفاءها من دون جدوى، و بينما هي تحاول عبور طريق، كادت سيّارة حمراء من طراز فاخر حديث أن تصدمها، فصاحت بهلع و تجمّدت في مكانها، ثمّ انفجرت باكية من صميم فؤادها حين توقفت السيّارة في آخر لحظة، و قالت بكلّ ألم و حزن: أنا حقّا آسفة .. أنا لم أقصد !
ففُتح الباب و خرج شابّ أصفر الشّعر و يرتدي نظّارات شمسيّة سوداء اِنتزعها ... فإذا به نورس، فزادت حدّة بكائها، فأخذ يهدِّئ من روعها بقلق، و رفع وجهها إليه برقّة و هو يقول: ما بال القرنفل يبكي ؟
فأجابتها و قد خنقتها غصّة الألم : لقد... لقد ضعت ...
فمسح دموعها بظهر يده، و أدخلها سيّارته، ثمّ ركب هو الآخر ، و أخذ يقود على مهل و هو يتكلّم معها : لا تبكي يا صغيرتي، فقد وجدتك في الوقت المناسب... لا تبكي فأنا أحبّ رؤيتك ليزول حزني ... فمابالك تزيدينه ؟
و بعد لحظات راوده شكّ كبير حول ما جرى، فمن المحال أن تخرج لوحدها ، فأخذ يسألها عمّن أحضرها إلى هنا دون جدوى، فأدرك أنّ هذا من أعمال لبنى، فمن غيرها يتصيّد الفرص للإيقاع بها، فأوقف السّيّارة في منتصف الطّريق و قال و هو ينظر إلى عينيها: أنا واثق من أنّها لبنى...
فردّت بخوف: و لكنّها ستكون ...
فقاطعها بجدّيّة: لا... لن تكون ... فأنا لن أحبّ فتاة تحبّني لمالي ... فالمال زائل..
صدّقيني فهي لا تحبّني لشخصي، و لا تعرف شيئا عن روحي ... أنا أمقتها و أفضّل الموت على تمضية حياتي معها مرغما، و هناك من هو أغنى منّي ، و ستجده عاجلا أم آجلا ..
فقالت له بقلق: لعلّه مجرّد سوء تفاهم... لعلّهنّ نسين أنّني كنت معهنّ و عدن للثّانوية بمفردهنّ... أو لعلّهن الآن في طريقهنّ إلى الحديقة ليصطحبنني ...
فحرّك رأسه نافيا، فأضافت و قد تزايد قلقها : إيّاك و أن تتحدّث معها عنّي ... فأنا لا أريد جلب المشاكل للـ....
فقاطعها: عليها أن تدفع ثمن غيرتها و تكبّرها، و سأخبر المديرة بهذا الشّأن.
فعادت للعويل ثانية و هي تسترجيه أن يترك الأمر سرّا، فقد تنتقم منها أشدّ الإنتقام، فهمّ أن يمسك يدها ، فأبعدته برفق، فحرّك رأسه يمينا و شِمالا ، و قد طمأنها بأنّ كلّ شيء سيكون على ما يُرام.
فنظرت إليه في وداعة و قالت بكلّ ثقة: توقّف عن التّحدّث معي بهذه الطّريقة، فمن ينظر إلينا سيفهم الموقف بشكل خاطئ، و أنا أكره هذا بصدق ما دمت ملتزمة.
فبدأ يقود سيّارته ثانية و أجابها: يعجبني هذا منك يا قرنفل، فرغم بعدك عن أهلك إلاّ أنّك مستقيمة ... رغم أن لا أحد يراك ..
فردّت على الفور: أنت مخطئ، فالله يراني، و أنا أخافه قبل كلّ شيء، و أظنّ أنّ تواجدي معك في هذه اللحظة مثير للشّبهة، فهلاّ أسرعت من فضلك؟
فضحك من كلامها و قال معلّقا: فجأة توقّفت الفتاة عن البكاء دون سابق إنذار... أم أنّ هذا فاصل إعلاني ؟
فمسحت دموعها مبتسمة و تكلّمت: .... على ما أظنّ!
فأخذ يقود مسرعا و هو يتحدّث: أظنّ أنّك متديّنة بصدق يا قرنفل، فأنت تخافين كثيرا و تأخذين الأمور على محمل الجدّ، فمن أين لك بهذا الورع؟
فردّت عليه بلطف و حياء: أوَ تجد هذا غريبا؟
فنظر إليها بعمق و أجابها: صدّقيني... أنت رائعة...


الفصل 9 - في الوقت غير المناسب :
أوصل نورس ديمة إلى الثّانوية، و دخل معها ليدافع عنها في حال علمت المديرة بشأن تأخّرها، لأنّ لبنى ستلفّق كذبة حيال الأمر إن أرادت أن تزيد من ظلمها، و كانت المصادفة أن اِصطدما بها، فاسودّ وجهها حين رأتهما معا، فجذبها نورس إليه بقوّة و قال: اِسمعيني يا هذه... إذا لم تعتذري من الآنسة قرنفل في الحال و تصحّحي خطأك، فسأخبر المديرة بكلّ ما فعلته لها مع صديقاتك، و الخيار خيارك، و أقسم لك بأنّني سأوقعك في ورطة عظيمة إن لفّقت عنها كذبة في هذا الشأن، و أنت تعلمين أنّني أنفِّذ وعيدي مهما كانت الظروف فلا تختبري صبري.
و ما كاد يكمل عتابه هذا حتّى أجهشت لبنى بالبكاء و هي تضع يدها على قلبها: لقد كنت واثقة من أنّ هناك خطبا ما بينكما... و هاهو الدّليل الحيّ يتحرّك أمامي... فقد اِتّصلت بك بعد أن عرفت أننا لن نرجع إليها... و لكن، أهكذا تعامل من يحبّك أكثر من نفسه؟ و... و أمام هذه الرّيفيّة الّتي لا تعرف من الحب إلاّ قشوره؟ إنّها آليّة بمعنى الكلمة، و لا تتقن في حياتها سوى القراءة و الخربشة الّتي تحسبها رسما... فهل تحاول اِستبدالي بها رغم قيمتك الكبيرة عندي؟
أصيبت ديمة بإحراج شديد و همّت بالمغادرة، و لكنّ لبنى أوقفتها بعنف و قالت: إن رأيتك ثانية مع نورس فسأتسبّب لك بمشكلة لن تحلِّيها ما دمت على قيد الحياة أيّتها القذرة السّافلة!
فأجابتها ديمة بكلّ ثقة: مهلا... أتظنّين أنّني بلا كرامة لأتشاجر مع فتاة من أجل موضوع تافه؟
أأتشاجر مع فتاة من أجل... شاب؟! أنا لست مجنونة لأفكّر بهذه الطّريقة الغبيّة، فهمّتي عاليةو أنا أتطلّع إلى أهداف ترفعين رأسك لكي تريها ...
أظنّ أنّ السافلة هي من حاولت خداعي لترمي بي في شوارع العاصمة رغم أنها تعلم أنّني أجهل طريق العودة ... و أظنّ أنّ القذرة هي من تفضّل أن تتلفّظ بعبارات الإهانة لشخص كان من المفروض لها أن تعتذر منه بأشد عبارات الإحترام ..
عليك أن تراجعي نفسك يا عزيزتي ...
فحملت لبنى يدها، و همّت بصفعها، و لكنّ نظرة نورس الحادّة أوقفتها عند حدّها في آخر لحظة، و لكنهّا لم تُلجم فمها لتسكت من التّلفّظ بشتمات قبيحة يخجل المرء من تخيّل سماعها، فنظرت ديمة إلى نورس بحُزن شديد و قالت: أنا آسفة لأنّني أحرجتك أمام صديقتك يا سيّد باريش !
فأجابها على الفور: اِنتظري يا قرنفل... لا تذهبي.
فلم تستمع إلى كلامه و ذهبت من هناك إلى الإقامة و دموعها تأبى أن تتوقف، و نامت من فورها، فلم تفهم نهاد و لا أريج السّبب رغم محاولاتهما الفاشلة في اِستنطاقها.
و بعد أيّام ظهرت نتائج الامتحانات، و عادت سوار إلى مقاعد الدّراسة، في حين اختفى نورس مذ ذلك اليوم الّذي أنقذها فيه من الضّياع في العاصمة.
و كانت نتائج الصّديقتين رافعة للرّأس، فاِستاءت أماني من ذلك، و تنكّدت لبنى أكثر منها، و تجرّأت رونق على إمطارهما بوابل من الاِتّهامات الكاذبة و الشّتمات اللاّذعة، فقابلتهما سوار بصفعة بقيت مرسومة بوضوح على وجهها، ثمّ هدّدتها بإخبار المديرة إن كرّرت المحاولة، ثمّ قالت لديمة بلطف: عليك أن تكوني قاسية مع الشّرّيرات فالطّيبة معهنّ ضرب من الغباوة.
فأجابتها ديمة مبتسمة: أظنّ أنّ السّكوت على الأحمق جوابه... و الآن... هلاّ رافقتِني إلى الحديقة لأسترخي من هموم هذه الثّانويّة و قوانينها الّتي أوجعت رأسي؟
فضحكت سوار: لك ذلك أيّتها الكسولة... و لكنّني واثقة من أنّ ذهابك إلى هناك ليس سوى دليل قاطع على اِشتياقك الشّديد لأزرق العينين!
فأدارت وجهها بخجل و قالت و قد أمسكتها من شحمة أذنها: كفّي عن هذا الكلام و إلاّ عدتُ إلى غرفتنا و منعتك من المبيت فيها اليوم!
و هكذا دخلتا باب الحديقة فسمعتا كلاما واضحا لشابٍّ ما: أنا أحبّك، صدّقيني... أفلا تشفع لي هذه القلادة الذّهبيّة عندك؟ أم تريدين المزيد...
فقالت ديمة باِضطراب: إنّه صوت نورس...
فردّت سوار ضاحكة: هناك اِحتمالان، فإمّا أنّه يتدرّب ليُلقي هذا الكلام أمامك... ههه... أو أنّه جُنّ من حبّك فصار يتخيّلك معه!
فأجابتها ديمة و قد عجزت عن كتم ضحكها: يالك من مجنونة... دعينا ندخل بعفويّة لنعرف التّفاصيل... و سترين كم أنّك مخطئة.
و هكذا... دخلتا بشكل عاديّ لكي لا يظنّ أحد أنّهما تتجسّسان، فإذا بالفتى الأشقر يمسك بيدي لبنى باِنكسار و خضوع، فوضعت ديمة يدها على فمها من فرط الخجل، و أشارت على سوار بأن تغادرا المكان لأنّهما دخلتاه في وقت غير مناسب... قالت هذا و الخوف يملأ ملامحها.
فذُعر نورس حين عرف أنّها رأته على تلك الحال، و سقطت القلادة الذّهبيّة من يده، بينما كان الدّم يغلي في عروق سوار، فقالت و قد تصنّعت الاِبتسامة: نحن آسفتان على الإزعاج، فلتعذرانا على التّطفّل.
فتكلّمت لبنى بتكبّر: تعلّما الاِستئذان قبل دخول الحديقة.
فردّت عليها: سنستأذن حين يكون البشر هنا، إذ أنّني لا أرى سوى حيوانين ناطقين... و من واجبي الآن إبلاغ جمعيّة الرّفق بالحيوان لإنشاء محميّة طبيعيّة لهما.. فالمعذرة...
ثمّ غادرتا، و بقيت ديمة صامتة، ثمّ اِبتسمت مع سوار و أشارت عليها بالعودة معها إلى غرفتهما لحلّ تمارين إضافيّة، فصاحت سوار بوجهها: كيف يسمح لنفسه بالكذب عليك؟ كيف له أن يتودّد إليها؟ سأنتقم منه... و سأريه أنّك أكبر مقاما من أن تنظري إلى أمثاله من المخادعين... اُتركيني لكي أقتله و أدفنه!
فأمسكتها ديمة بلطف و قهقهت ضاحكة: أنا لا أهتمّ لأمره مطلقا فلا تقلقي... و لو كنت متأثّرة ما ضحكت... هيّا اِبتسمي و لا تغتاظي... و اِحمدي الله لأنّنا لسنا مثلهما... فحتّى و لو كان سيخطِبُها فلا حقّ له في أن يتودّد إليها بهذا الشّكل...
و بقيت الصّديقتان تضحكان و تعلّقان لبرهة من الوقت، و لكنّ ما قطع ذلك هو قدوم نورس إليهما بسرعة، فهمست ديمة لسوار بهلع: أظنّه أتى ليصفّي حسابه معنا... خاصّة بعد أن نعتِّه بالحيوان النّاطق.
فأجابتها ببرودة: و لكنّني قلت الحقيقة لا أكثر و لا أقل.
فوصل الشّاب إليهما و خدّاه يلتهبان من حمرة الخجل، فنظرت إليه سوار باِستهزاء و قالت: مسكين... هل ستركع لديمة كما فعلت مع لبنى قبل قليل... لقد أشفقت عليك... فخداع فتاتين في لحظة واحدة أمر عسير .
فصاحت ديمة في وجهها أن اُسكتي، ثمّ نظرت إليه مبتسمة: لا تعذُلها يا نورس، فقد كانت غاضبة من البداية، و لا دخل لنا بأمورك الشّخصيّة فاُعذرنا على التّطفّل قبل قليل... فهذا سوء أدب!
فقاطعتها سوار: أجل ... سوء أدب أن تختلي بفتاة و تمسك يديها رغم أنّك أكّدت سابقا أنّها لا تثير اِهتمامك ... و تظنّ أنّ الله لا يراك... و تدنِّس الحبّ بكذبك... أيّها الكاذب المنافق التّافه ...ديمة أرقى من أن تلتفت إلى طفل صغير مثلك!
فسكت و قد أدرك أنّه أثار غضبها، و لكنّه تعجّب من عدم انفعال ديمة، فقد اِبتسمت ببراءة و قد أكّدت أن لا دخل لها في خصوصياته، فاِزداد غضبه، بينما اِنفجرت ضاحكة و قالت بصفاء: مالَكَ خجِل منّا و لا تدافع عن نفسك من هجمات سوار؟ نحن لن نعاقبك فأنت حرّ في كل ّ تصرّفاتك، و أنا لا أقول لك هذا الكلام لأزيّن فعلتك، و لكنّ خوفك من الناّس و لا مبالاتك و هم لا يرونك، إجحاف صارخ في حقّ الله... و لك أن تحبّ لبنى أو غيرها على أن تحترم حدود الله، و لا تبوح بمكنونات قلبك تجنُّبا للفتنة.
فأشاح بنظره إلى حرم الثّانويّة الشّاسع المملوء بالفتيات، و تنهّد بعمق مخفيا خيبة أمله: أنا أكره لبنى بعمق و لا أطيق سماع اِسمها!
فضحكت سوار ياِستهزاء و أخذت ديمة من ذراعها و تركتاه لوحده، فلحق بهما و أوقفهما و هو يقول: أتطيعين سوار فقط لأنّ والدها ذا منصب عال جدّا؟ هل تخيفك؟
فاِبتسمت و أجابته: و هل منصب والد سوار عالٍ حقّا؟ إنّه مجرّد موظّف بسيط كأبي تماما...
فاِنفجر ضاحكا و هو يردّد: إذا كان رجل الأعمال الّذي يتعامل مع شركات عالميّة كبيرة، و يعمل في الولايات المتّحدة الأمريكيّة موظّفا بسيطاً .. فسأرمي بنفسي من أعلى شرفة في منزله بكلّ سرور.
فنظرت إليه سوار بكلّ اِحتقارو عقّبت على كلامه: سيكون اِنتحارك خدمة عظيمة لنا، فهلاّ أسرعت في ذلك؟
و عندئذ نظر إلى عيني ديمة بعمق، ثمّ جذبها إليه، و أمسك يدها اليمنى بيده اليسرى و قد ضغط عليها، ثمّ وضعها على صدره، و قال بكلّ هدوء: ديمة ... أنا...
و ما كاد يتكلّم حتّى غلى الدّم في عروقها، و دفعته بكلّ قوّتها و قد صاحت في وجهه: ابتعد عنّي أيّها الوقح الحقير التّافه قليل الأدب!
فأجابها بدفء غير مصدّق: ماذا قلتِ يا ديمة؟
فاِزدادت حدّة صوتها: من الواضح أنّك مجرّد نذل فاسد لتقترب منّي بهذه الطّريقة الخبيثة دون أن تخجل من نفسك...
فتكلّم حينها بهدوء: أنا آسف حقّا... أُعذريني يا قرنفل أرجوك... لأنني لم أقصد جرح مشاعرك.
فصرخت في وجهه مزمجرة بغضب: ألن تفهم نفسك أيّها الوقح؟ دعني و شأني فأنا لم أعد أطيق رؤية وجهك، فاُتركني لحالي، و لا تتكلّم معي ثانية...
و ذهبت من هناك تجري و هي تبكي، فلحقتها سوار، فشدّ قبضته اليسرى، و ضرب جذع شجرة بقوّة هائلة جعلت دمه ينفجر و يتسايل بغزارة.
بينما انطرحت ديمة على فراشها و هي تقول باكية: إيّاكِ و أن تذكري اسم ذلك النّذل على مسامعي... إيّاكِ و أن تتحدّثي عنه...
فردّت سوار و عيناها تشتعلان غضبا: سأكسر له رأسه... سأهشّم عظامه... من يحسب نفسه هذا التّافه الوسخ؟
ثمّ التفتت إليها و ضمّتها إلى صدرها، و اقترحت عليها بأن تخرجا معا للذّهاب إلى المكتبة لشراء بعض الكتب.
و في هذه الأثناء، كانت لبنى مع أماني و رونق يتحدّثن ضاحكات، فأخبرتهما أنّها تعلم كم أنّ نورس يحبّها، و قد كان لها دليل ملموس بمفهوم الأثرياء، و هو تلك القلادة الذّهبيّة الّتي أهداها لها... و قد ازدادت فرحا لأنّ الأمر حصل أمام أنظار " الغبيّة سوار " و صديقتها " الرّيفيّة المتخلّفة كما تسمّيهما... و لكنّ وجهها تجهّم حين تذكّرت أنّ سوار هذه وصفتها بالحيوان النّاطق، و لم تستثنِ نورس من سخريتها..
و اغتاظت أماني لمّا أخبرتهما بذلك، و لكنّها كانت تودّ معرفة ردّة فعل ديمة، و إن كانت شعرت بالغيرة.
فأجابتها بتبجّح: و هل لآليّة غبيّة مشاعر يا عزيزتي؟ إنّها منشغلة بالدّراسة و الرّسم، و إن كانت قد عاشت الحبّ، فلن تكون قد عاشته إلاّ مع الكتب، و صحيح أنّني خشيت أن تسيطر على فكر الأشقر، و لكنّ نصحي له كان مفيدا، فقد اعترف بخطئه...
فتكلّمت رونق متثائبة: ماذا لو كان يكذب عليك؟ ماذا لو سيطرت عليه دجاجة الرّيف تلك؟
فاِبتسمت بخبث و أجابتها: حينها... سيكون لي عمل آخر أقوم به خصّيصا من أجلها.
أمّا نورس فقد ركب سيّارته، و عاد إلى منزلهم الفخم المحاط بعشرات الحرّاس، ثمّ دخل غرفته، فوجد والدته هناك و قد ابتسمت لمّا رأته، ثمّ قامت و قد غزاها القلق حين رأت قبضته تقطر دما و قد تورّمت بشكل فضيع، فتقدّمت منه بهلع و ضمّته إلى صدرها، فبقي جامدا في مكانه، ثمّ قال ببرودة: من سمح لك بدخول غرفتي؟
فأجابته بدفء: أنا أمّك يا فتى، فكيف تحدّثني هكذا؟
فردّ باستهزاء: ماذا تريدين منّي لتتحرك فيك عاطفة الأمومة فجأة؟ هل صادفت فتاة أغنى من لبني القبيحة تلك؟ لقد سئمت تدخّلكم في حياتي و أريد أن أتحرّر منكم، فالمال ليس مفهوما للسعادة !
فردّت عليه بلطف: بني.. هل تشاجرت معها؟
فصاح بغضب و قد لكم الجدار بقبضته المصابة بكلّ ما أوتي من قوّة: كم مرّة قلت لكم أنّني أكرهها؟ كيف ستفهمون أنّني عرفت من تصرّفاتها أنّها خبيثة متكبّرة... قلبي يتمزّق إربا إربا كلّما تذكّرت أنّني مضطرّ لخطبتها تلبية لطلبكم... دعوني و شأني و احترموا مشاعري.. و اتركوا لقلبي الخيار و سأتحمّل المسؤوليّة..
فقالت بحزن: إنّها رائعة و ...
فقاطعها و قد لكم الجدار بقوّة أكبر: سأغادر حياتكم و لن تروا وجهي بعد اليوم...
و عندئذ تدفّقت الدّماء تجري كالسّيل الجارف، فجثا على ركبتيه متألّما، فصرخت والدته بفزع، فأتت أسماء تركض مع الخادمة، فإذا به غارق في دمائه و هو جامد لا يتحرّك كالصّنم تماما، فأجهشت بالبكاء و هي تحاول مساعدته على الوقوف: أخي... حبيبي... ماذا حصل معك؟ ما الّذي أصابك؟ أخي تكلّم معي أرجوك...
فردّت عليها والدتها منهارة: يقول أنّه سيرحل من حياتنا إذا أصررنا على خطبته للبنى نجم !
فأجابتها أسماء بجزع: كم مرّة قلتُ لكم أنّه لا يحبّها لأنّها لا تناسبه... كم مرّة حاولت إقناعكم بإغلاق هذا الموضوع.. دعوه يختر فتاة تعجبه فهذه حياته!!
أقبل الليل... فكان نورس بغرفته يتذكّر ما جرى في هذا اليوم، و كيف أنّ ديمة نعتته بالنّذل الفاسد الحقير... فلم يستطع أن يفهم أهو غاضب من نفسه، أم هو منزعج منها... و لكنّه كان متأكّدا من أنّها لم تقصد جرحه... و كان واثقا من أنّه تسرّع حين أمسك يدها و وضعها على قلبه... فقد نسي أنّها ملتزمة بخلافه، إذ أنّ مشاعره القويّة تجاهها جعلته ينسى كلّ شيء في تلك اللحظة.
كان الشّاب يفكّر فيها بهدوء و هو ينظر إلى قبضته المضمّدة بالجبس، فقد تبيّن أنّه أصيب بكسر بسيط على مستواها...
و في تلك اللحظة طرقت أسماء الباب، و دخلت برفق، ثمّ جلست بجانب سريره، و قالت بعد أن قبّلت جبينه: لا عليك يا نورس، فقد أقنعت والدينا بوجهة نظرك، و هما مستعدّان لشرح الأمر لأسرة لبنى.
ثمّ ابتسمت بلطف و أكملت: ألم تستطع إقناع ديمة بأنّك الضحيّة لا المجرم؟ أرأتك مع لبنى فرفضت الاستماع لتصريحك؟
فاِحمرّ خجلا و أطرق برأسه و هو يقول محتارا: بالله عليك، أخبريني من أين لك بهذه المعلومات؟
فضحكت مجيبة: إنّه سرّ المهنة.
فاسترسل في الحديث: لا عليك فالقرنفل لا يهتم لأمري في الأساس، فلو كانت كذلك لتملّكها الغضب حين رأتني مع تلك التّافهة... صدّقيني فقد خجِلَت و اعتذَرَت منّي... بل و دافعت عنّي من هجوم صديقتها الشّرسة، و أخبرتني أنّني حرّ و لكنّ الله يراني...
فأجابته أخته بفرح: صدّقني فهي غاضبة لدرجة لا تتصوّرها.
فتكلّم بهدوء: أجل... فقد أخذت بيدها و وضعتها على قلبي لعلّها تحسّ ببعض الألم الّذي يعتريني، و نسيت حينها أنّها ملتزمة، فضغطتُ على الوتر الحسّاس.
ثمّ نظر إلى الأعلى و واصل كلامه: يا إلهي... أشعر و كأنّني أحاول أن أجعل من القرنفل مذنبة في حقّي... رغم أنّني كنت مخطئا في حقّها... نعم... أنا المخطئ و يا ليتها تسامحني...
فقالت أسماء ضاحكة: قبل عودتي مررت بها، فكانت تتحدّث مع سوار عنك، فعرفت منهما كل شيء دون أن تنتبها... و لو أنّك سمعت كلامهما... فقد صرّحت سوار بأنّها ستقتلك إن صادفَتْك في طريقها.
فعادت الاِبتسامة إلى شفتيه و قال: و ماذا كان جواب القرنفل؟
فأجابته مقهقهة و هي تقلّد حركاتها: " لا تتحدّثي عنه ثانية... فأنا أكرهه..."
و علّقت بلطف: قالتها بحب
*************************
الفصول القادمة:
الكسر الثاني
بداية عطلة الشتاء
حفل زفاف



التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 05-09-15 الساعة 09:24 AM
ساكورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-09-15, 05:35 AM   #3

نسيم الورد55

? العضوٌ??? » 348235
?  التسِجيلٌ » Jul 2015
? مشَارَ?اتْي » 663
?  نُقآطِيْ » نسيم الورد55 is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. جميله أستمري

نسيم الورد55 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-09-15, 09:14 AM   #4

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

الف الف مبروووك عزيزتي
اهلا بك بيننا وان شاء الله تجدين مايرضيك

بالتوفيق

وارجو منكِ التفضل هنا لمعرفة قوانين القسم

https://www.rewity.com/forum/t285382.html


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 05-09-15, 09:25 AM   #5

um soso

مشرفة وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومراسلة خاصة بأدب وأدباء في المنتدى الأدبي

alkap ~
 
الصورة الرمزية um soso

? العضوٌ??? » 90020
?  التسِجيلٌ » May 2009
? مشَارَ?اتْي » 33,769
?  مُ?إني » العراق
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » um soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond reputeum soso has a reputation beyond repute
افتراضي

عزيزتي .. انا كبرت الخط واضفت كلمة الفصل بجانب رقم الفصل للتوضيح
بالتوفيق


um soso غير متواجد حالياً  
التوقيع
روايتي الاولى وبياض ثوبك يشهدُ

https://www.rewity.com/forum/t406572.html#post13143524

روايتي الثانيه والروح اذا جرحت
https://www.rewity.com/forum/t450008.html





رد مع اقتباس
قديم 06-09-15, 09:44 PM   #6

kaj
alkap ~
 
الصورة الرمزية kaj

? العضوٌ??? » 143539
?  التسِجيلٌ » Nov 2010
? مشَارَ?اتْي » 803
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » kaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond reputekaj has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
¬» قناتك action
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

بالنسبة. للبدايه فهي روايه جميله بالتوفيق والي الامام

kaj غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-15, 05:23 AM   #7

نسيم الورد55

? العضوٌ??? » 348235
?  التسِجيلٌ » Jul 2015
? مشَارَ?اتْي » 663
?  نُقآطِيْ » نسيم الورد55 is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساكورة مشاهدة المشاركة
الفصل 7 - القيثارة :
و مع مرور الأشهر الأولى ، بدأت ديمة تتعود على الثانوية ، فأحبت الحديقة كثيرا و صارت لا تفارقها متى سنحت لها الفرصة لأنها تحس بالإلهام هناك ، فترسم بصدق ، و تلون لوحاتها بدقة دون أن يزعجها أحد ..
و ذات مرة ، و ما إن دخلت الحديقة حتى وجدت نورس هناك يحمل قيثارة زرقاء ، فابتسم لها و حياها ، فاختارت مقعدها المفضل لتضع عليه معدات الرسم ، ثم قالت بخجل : سيد نورس ... أتمنى ألا أكون قد أفسدت عليك خلوتك بقدومي ، و يمكنني المغادرة إن شئت ...
فأجابها بلطف : لا بأس ، فالحديقة ملك للجميع ، و هي ليست لي وحدي ، أم أنك مازلت تصدقين الخدعة ؟
فشكرته و بدأت ترسم بهدوء ، و في تلك اللحظة أخذ يعزف ببراعة ، فانسجمت مع ذلك اللحن الآسر ... لحن جعلها تنسى ما لاقته من متاعب ، فطارت إلى عالم الخيال لتنتقي من هناك ألوانا و أشكالا عجيبة ، و لم تنتبه إلا حين توقف عن العزف فقالت بسعادة : أرجوك لا تتوقف يا سيد نورس ... فلحنك اللطيف أنعش مشاعري و ساعدني على الرسم بشكل عجيب ... و كأنه ... و كأنه لحن سحري ..
فابتسم و قال معلقا : رغم أنك تستحقين جائزة نوبل للحمقى ، إلا أنك تملكين موهبة فذة و جميلة يا آنستي ، فهل تسمحين لي بالجلوس قربك لمشاهدة طريقة رسمك مقابل عزفي ؟
فوافقت ، فأتى و انبهر من اللوحة التي كانت ترسمها ، فأشارت عليه بأن يلتزم الصمت و يكتفي بمداعبة أوتار القيثارة ، فرضخ لطلبها ، و بعد إتمامها للرسم جلست على الأرض لتستريح ، فجلس بجانبها و قال برقة : هل تعود القرنفل على الدراسة أم أنه مازال أسيرا لوحدته ؟
فأجابته مبتسمة و هي تحرك رأسها يمينا و شِمالا : لا أدري لحد الآن ، و لكنني أحاول جاهدة أن أتأقلم لكي لا تتأثر علاماتي و تتراجع ، و ماذا عنك يا مسؤول الحديقة المزيف ؟
فقال بهدوء : أنا أزاول دراستي الجامعية في ألمانيا ، و أستطيع العودة إلى هنا مرة كل شهر ، كما أن اختصاصي رائع جدا لأنه يدور حول الهندسة المعمارية ... و هذا هو عامي الأخير ...
فقالت بانبهار و حماس : يااه ... هذا رائع .. يا ليتني كنت مثلك أزور ما أشاء من البلدان ، و أدرس في جامعة خارج البلاد لأتعرف على أشخاص جدد و أرى أماكن أخرى ...
ثم أضافت و هي تنظر إليه بفرح : كما أنني لا أصدق أنني أتحدث وجها لوجه مع مواطن تركي ، فهذا شرف كبير لي ... و سأخبر جميع من أعرفهم بهذا حين أعود للبيت ...
فضحك من كلامها و قال : لم أخطئ مطلقا في تقديرك ، فأنت بريئة و صافية ... و صادقة ، و الشرف لي أنا لأنني أتحدث إلى فتاة فريدة مثلك ، و أنا أعدك بأن أساعدك دائما ، فلا تقلقي مادمت تعرفينني .
ثم صمت لبرهة و أضاف : ما وظيفة والدك يا قرنفل ، فلعل أبي يعرفه ؟
فأجابته بلطف : أبي موظف عادي ، و لا أظن أن والدك يعرفه .
فنظر إليها بفخر و هو يقول : ما أشجعك يا قرنفل ، فلو كانت فتاة غيرك لكذبت بهذا الشأن لتبدو من الدرجة الرفيعة ، و لكنك لا تهتمين لهذه الأمور السطحية فأنت بنت رائعة ..
فضحكت من كلامه و هي تعلق : تمدحني و كأنني قمت باكتشاف جديد أو ما شابه ... فأنا لم أفعل شيئا ، و لست بحاجة للكذب لأثبت وجودي لأنني أحب أن أكون أنا مهما حصل !
فنظر إلى عينيها برفق : و هذا أحلى ما فيك ...
و بينما الاثنان يتحدثان ، أتت لبنى هناك ، و راحت تنظر إليهما دون أن ينتبها لذلك ، فأخذت تسعل لتلفت انتباههما ، و أخيرا قالت بهدوء : نورس .. أنسيت وعدك لي ؟ لقد وعدتني بأخذي إلى مدينة الألعاب ..
فاضطرب و سكت و قد غطى الوجوم وجهه بالكامل ، فواصلت حديثها و هي تتصنع الابتسامة مع ديمة : هل أخبرك نورس أننا حبيبان و سنصبح مخطوبين بعد شهرين ؟
فداهمها التوتر و حركت رأسها ذات اليمين و ذات الشِمال : المعذرة .. و لكن هذه المواضع لا تهمني ... و أظن أنني أزعج حديثكما ... و أنا آسفة ..
ثم حملت لوحتها و ألوانها و عادت إلى غرفتها ، و سرعان ما أخذت تحل فروضها المنزلية بانهماك ، فجلست سوار جنبها لتخبرها بأنها أوقعت أماني في مقلب تلوَّنت فيه بالكامل بالدهان ، فنظرت إليها ديمة و وجهها محمر و قالت : لقد ... وقعت في موقف محرج ، فقد كنت أتحدث مع نورس ... و لم أكن أعلم أن لبنى ... المهم ... أنت تفهمين ما أعنيه ... و قد رأتنا معا .. و أخشى أن تفهم الأمر بشكل ...
فقاطعتها سوار : إنه لا يحبها و كل ما عرفتِه كان مجرد كذبة و ...
و عندئذ ضرب حجر النافذة ، فكادت سوار تجنّ ، و همت باستعماله لرشق قليل الأدب هذا ، و لما أطلّت تغير مزاجها لتصبح لطيفة فجأة ، ثم ابتسمت بحب و عانقت ديمة : نورس يناديك يا صديقتي ... ألا تظنين أنه ...
فقاطعتها صارخة : لا... لا ... أنت مخطئة ، فلا تكمليها أرجوك !
ثم أطلت من النافذة فناداها نورس : هاي يا آنسة حمقاء ... من سمح لك بمغادرة الحديقة ، فلوحتك لم تكتمل بعد ..
فردت عليه بخجل : كف عن إحراجي و إلا رميت إصيص النبات على رأسك فورا !
و قد كانت محقة بخجلها ، لأن جميع الطالبات أخذن ينظرن إليها متعجبات ، فنزلت على الفور و ذهبت إليه و قالت بكل إحراج : ماذا سأفعل بك يا ترى ؟ فقد أخذ الجميع يحدق بي .. ألا تعلم أن مناداتي من تحت نافذتي ، و بصوت عال أمر مشين ؟!
فأجابها و هو يحك أنفه : هذا أمر عادي في تركيا يا قرنفل ، إنها الحضارة !
فابتسمت مجيبة : أنت مخطئ يا نورس ، فالحضارة لا تعني كل هذه الجرأة التي تملكها ..
فأخذ يغير الموضوع و اقترح عليها أن تعود معه إلى الحديقة ، و قال ضاحكا: لقد غادرها الجندي الصارم قبل لحظات ، إنه مزعج و لا يرضى إلا بإحراجي أمام الآخرين ...
فأجابته بصفاء : كف عن نعت لبنى بهذه الصفة ، فهذا جارح ، و لو أنها سمعتك فإنها لن تغفر لك ، و ستتوقف عن التحدث إليك ... و قد تخسرها مدى الحياة حينها !
فلم يبد اهتماما بما سمعه منها ، بل بقي ينظر إليها فحسب ، ثم أمسكها من ذراعها و هو يركض نحو الحديقة و قد أخبرها بأنه سيقول لها أمرا مهما ..
فتبعته و هي لا تريد ذلك ، و جلست على المقعد بينما فضل هو الوقوف ، ثم قال بهدوء : ما رد فعلك إن تحكمت المشاريع المالية بحياتك الشخصية الحساسة ؟
فتساءلت بتعجب : مال ... حياة شخصية ... مشاريع ... ماذا تقصد بكلامك هذا ؟!
فرد عليها و قد بدا الحزم على ملامحه ، و ذبلت عيناه الزرقاوان ، و سرعان ما غطاهما شعره الذهبي حين طأطأ رأسه : أنا لا أحبها يا قرنفل ... و كل ما في الأمر أنهم يحاولون إلصاقها بي لنعيش في "سعادة " و " هناء" إلى الأبد كما يحاولون إيهامي ... لأن كلانا فاحش الثراء .. و هذا مخالف لمبادئي...
قال هذا و قد ضغط بلسانه على كلمتي سعادة و هناء ...
و أضاف بصوت خافت : أريد أن أعيش مع فتاة أحبها ... و لبنى تثير تقززي فهي لا تشبهني على الإطلاق ، لأنها مهووسة بالتكبر على الناس و السخرية منهم ، و هوايتها تبذير المال في كل شيء ... فقط لتتسلّى .
أنا أريد أن أكمل عيشي مع اِمرأة لطيفة يحبها الناس .. و لا يهمني مستواها المعيشي إن كانت مثقفة و حساسة ...
فطأطأت رأسها أيضا ، و لكن بدافع الخجل ، ثم أكملت: أنا آسفة بشأن مشكلتك يا نورس، و لن أنصحك سوى بالصبر و محاولة إيصال وجهة نظرك إلى أهلك ليفهموك ...
و ... أتمنى أن تجد الفتاة التي تحلم أن تكون معها ، و إن كانت موجودة ، فأرجو من الله أن يجمعكما في ظل الحلال ..
فأرسل إليها نظرات لطيفة زادت زرقة عيونه من جمالها و قال : لا أدري السبب .. و لكنني أحس بالفرح لمجرد التواجد قربك يا ديمة ، فأنت مختلفة عمّن أعرفهم ، لأنك متوسطة الحال ، بسيطة الهيئة .... و أكثر من هذا ... صافية القلب .
فردت عليه : كما أنك شخص نشيط ، خفيف الظل ، و هذا ما يجعلني أفرح لرؤيتك لأنني أوقن عندها بأنني سأبكي من شدة الضحك ..
و لكن الحديث لم يطل بعد أن لاحظت أن الطالبات ينظرن إليهما بريبة ، فاعتذرت منه و تذرعت بكثرة الفروض المنزلية ، و عادت للغرفة و يدها على قلبها ، ثم حضرت نفسها لبعض الدروس الجديدة ، و أخذت تطالع كتابا ، فدخلت سوار و عانقتها بحب و قالت : كيف حال صديقتي التركية ؟ و هل كان اللقاء رومنسيا ؟
فصاحت ديمة بصوت عال : كفي عن هذا الكلام يا سوار ، فنورس لا يعني لي شيئا ، و حديثي معه ليس سوى شكل من أشكال اللباقة .
فردت عليها : و لكن تصرفاه توحي بأنه يحبك ، فهلا تفرّست في وجهه لتري ذلك ؟
فأجابتها و قد أدارت وجهها : أنا لا أعرف هذه الحيل ، و لا أفكر فيها ، و لا أريدها أن تدخل رأسي ..
فقالت سوار بلطف : أخشى أنّك ...
فقاطعتها على الفور : لا تخشي ، فأنا في كامل قواي العقلية ...















الفصل 8 - الحيلة الخبيثة :
و مع مرور الوقت ازدادت العلاقة توطدا بين ديمة و سوار ، و تحولت من سطحية فاترة إلى عميقة صادقة ، و كانتا نجمتي الصف من حيث الدراسة ، و وجه الاختلاف بينهما يتجلّى في كون الأولى خجولة حتّى من نفسها ، و في كون الثانية مشاغبة تعشق صنع المقالب ...
و توالت الأيّام لتصل فترة الاختبارات، فعملت الصّديقتان ما بوسعهما، و مع نهاية هذه الفترة ، مرضت سوار فأتى والدها لاِصطحابها ، و بقيت ديمة تصارع آلام الوحدة في صمت شجي، إذ لم تجد من يؤنسها ، فحتّى نورس و لم يعد يظهر منذ وقت طويل ، فكانت تجلس بمفردها في الحديقة لترسم أفكارها و تلوّنها كما هي عادتها ..
و ذات مرّة أتت لبنى و شلّتها إليها ، و اِقترحن عليها أن ترافقهنّ في نزهتهنّ ، فلم تطمئن نفسها ، و أخذت تختلق أعذارا لترفض طلبهن، فأكدت لها أماني أّنّهن نادمات على إزعاجها ، و قبّلت رونق خدّها بلطف، ثمّ عانقتها لبنى ، فشعرت أنّها ظلمتهن بحكمها الجائر ، فذهبت معهن و الفرح يلوّن حركاتها ، فقد تحوّلت عداوتهن إلى صداقة في رمشة عين ...
و هكذا قضت الفتيات وقتا ممتعا في حديقة التسلية ، كما ابتعن بعض الملابس الفاخرة، و في الأخير ذهبن إلى أقصى العاصمة حيث كانت توجد حديقة بارعة الجمال ، و أشرن عليها بأن تبقى فيها إلى غاية عودتهنّ إليها ، لأنّ هناك شغلا مهمّا سيقمن به .
فبقيت هناك ، و طافت بكلّ أرجائها الشاسعة و الدّهشة تعبث بتعابيرها . و لكنّ الوقت أخذ يطول، فمرّت ساعة، ثمّ اثنتان، ثمّ أربع !!!
و بدأت الشّمس تشد رحالها لتغيب، فتسلل الرّعب إلى قلبها، و خرجت و قد أدركت أنّها كانت ضحيّة مؤامرة شرّيرة، فهي لا تعرف طريق العودة لأنّ العاصمة كبيرة جدّا، فدارت بكلّ الأنحاء فلم تجد طريقا تعرفه لتسلكه، فتحوّلت نظراتها القلقة إلى دموع أخذت تنهال على خدّها كالسّيل الجارف، فحاولت مسحها و إخفاءها من دون جدوى، و بينما هي تحاول عبور طريق، كادت سيّارة حمراء من طراز فاخر حديث أن تصدمها، فصاحت بهلع و تجمّدت في مكانها، ثمّ انفجرت باكية من صميم فؤادها حين توقفت السيّارة في آخر لحظة، و قالت بكلّ ألم و حزن: أنا حقّا آسفة .. أنا لم أقصد !
ففُتح الباب و خرج شابّ أصفر الشّعر و يرتدي نظّارات شمسيّة سوداء اِنتزعها ... فإذا به نورس، فزادت حدّة بكائها، فأخذ يهدِّئ من روعها بقلق، و رفع وجهها إليه برقّة و هو يقول: ما بال القرنفل يبكي ؟
فأجابتها و قد خنقتها غصّة الألم : لقد... لقد ضعت ...
فمسح دموعها بظهر يده، و أدخلها سيّارته، ثمّ ركب هو الآخر ، و أخذ يقود على مهل و هو يتكلّم معها : لا تبكي يا صغيرتي، فقد وجدتك في الوقت المناسب... لا تبكي فأنا أحبّ رؤيتك ليزول حزني ... فمابالك تزيدينه ؟
و بعد لحظات راوده شكّ كبير حول ما جرى، فمن المحال أن تخرج لوحدها ، فأخذ يسألها عمّن أحضرها إلى هنا دون جدوى، فأدرك أنّ هذا من أعمال لبنى، فمن غيرها يتصيّد الفرص للإيقاع بها، فأوقف السّيّارة في منتصف الطّريق و قال و هو ينظر إلى عينيها: أنا واثق من أنّها لبنى...
فردّت بخوف: و لكنّها ستكون ...
فقاطعها بجدّيّة: لا... لن تكون ... فأنا لن أحبّ فتاة تحبّني لمالي ... فالمال زائل..
صدّقيني فهي لا تحبّني لشخصي، و لا تعرف شيئا عن روحي ... أنا أمقتها و أفضّل الموت على تمضية حياتي معها مرغما، و هناك من هو أغنى منّي ، و ستجده عاجلا أم آجلا ..
فقالت له بقلق: لعلّه مجرّد سوء تفاهم... لعلّهنّ نسين أنّني كنت معهنّ و عدن للثّانوية بمفردهنّ... أو لعلّهن الآن في طريقهنّ إلى الحديقة ليصطحبنني ...
فحرّك رأسه نافيا، فأضافت و قد تزايد قلقها : إيّاك و أن تتحدّث معها عنّي ... فأنا لا أريد جلب المشاكل للـ....
فقاطعها: عليها أن تدفع ثمن غيرتها و تكبّرها، و سأخبر المديرة بهذا الشّأن.
فعادت للعويل ثانية و هي تسترجيه أن يترك الأمر سرّا، فقد تنتقم منها أشدّ الإنتقام، فهمّ أن يمسك يدها ، فأبعدته برفق، فحرّك رأسه يمينا و شِمالا ، و قد طمأنها بأنّ كلّ شيء سيكون على ما يُرام.
فنظرت إليه في وداعة و قالت بكلّ ثقة: توقّف عن التّحدّث معي بهذه الطّريقة، فمن ينظر إلينا سيفهم الموقف بشكل خاطئ، و أنا أكره هذا بصدق ما دمت ملتزمة.
فبدأ يقود سيّارته ثانية و أجابها: يعجبني هذا منك يا قرنفل، فرغم بعدك عن أهلك إلاّ أنّك مستقيمة ... رغم أن لا أحد يراك ..
فردّت على الفور: أنت مخطئ، فالله يراني، و أنا أخافه قبل كلّ شيء، و أظنّ أنّ تواجدي معك في هذه اللحظة مثير للشّبهة، فهلاّ أسرعت من فضلك؟
فضحك من كلامها و قال معلّقا: فجأة توقّفت الفتاة عن البكاء دون سابق إنذار... أم أنّ هذا فاصل إعلاني ؟
فمسحت دموعها مبتسمة و تكلّمت: .... على ما أظنّ!
فأخذ يقود مسرعا و هو يتحدّث: أظنّ أنّك متديّنة بصدق يا قرنفل، فأنت تخافين كثيرا و تأخذين الأمور على محمل الجدّ، فمن أين لك بهذا الورع؟
فردّت عليه بلطف و حياء: أوَ تجد هذا غريبا؟
فنظر إليها بعمق و أجابها: صدّقيني... أنت رائعة...


الفصل 9 - في الوقت غير المناسب :
أوصل نورس ديمة إلى الثّانوية، و دخل معها ليدافع عنها في حال علمت المديرة بشأن تأخّرها، لأنّ لبنى ستلفّق كذبة حيال الأمر إن أرادت أن تزيد من ظلمها، و كانت المصادفة أن اِصطدما بها، فاسودّ وجهها حين رأتهما معا، فجذبها نورس إليه بقوّة و قال: اِسمعيني يا هذه... إذا لم تعتذري من الآنسة قرنفل في الحال و تصحّحي خطأك، فسأخبر المديرة بكلّ ما فعلته لها مع صديقاتك، و الخيار خيارك، و أقسم لك بأنّني سأوقعك في ورطة عظيمة إن لفّقت عنها كذبة في هذا الشأن، و أنت تعلمين أنّني أنفِّذ وعيدي مهما كانت الظروف فلا تختبري صبري.
و ما كاد يكمل عتابه هذا حتّى أجهشت لبنى بالبكاء و هي تضع يدها على قلبها: لقد كنت واثقة من أنّ هناك خطبا ما بينكما... و هاهو الدّليل الحيّ يتحرّك أمامي... فقد اِتّصلت بك بعد أن عرفت أننا لن نرجع إليها... و لكن، أهكذا تعامل من يحبّك أكثر من نفسه؟ و... و أمام هذه الرّيفيّة الّتي لا تعرف من الحب إلاّ قشوره؟ إنّها آليّة بمعنى الكلمة، و لا تتقن في حياتها سوى القراءة و الخربشة الّتي تحسبها رسما... فهل تحاول اِستبدالي بها رغم قيمتك الكبيرة عندي؟
أصيبت ديمة بإحراج شديد و همّت بالمغادرة، و لكنّ لبنى أوقفتها بعنف و قالت: إن رأيتك ثانية مع نورس فسأتسبّب لك بمشكلة لن تحلِّيها ما دمت على قيد الحياة أيّتها القذرة السّافلة!
فأجابتها ديمة بكلّ ثقة: مهلا... أتظنّين أنّني بلا كرامة لأتشاجر مع فتاة من أجل موضوع تافه؟
أأتشاجر مع فتاة من أجل... شاب؟! أنا لست مجنونة لأفكّر بهذه الطّريقة الغبيّة، فهمّتي عاليةو أنا أتطلّع إلى أهداف ترفعين رأسك لكي تريها ...
أظنّ أنّ السافلة هي من حاولت خداعي لترمي بي في شوارع العاصمة رغم أنها تعلم أنّني أجهل طريق العودة ... و أظنّ أنّ القذرة هي من تفضّل أن تتلفّظ بعبارات الإهانة لشخص كان من المفروض لها أن تعتذر منه بأشد عبارات الإحترام ..
عليك أن تراجعي نفسك يا عزيزتي ...
فحملت لبنى يدها، و همّت بصفعها، و لكنّ نظرة نورس الحادّة أوقفتها عند حدّها في آخر لحظة، و لكنهّا لم تُلجم فمها لتسكت من التّلفّظ بشتمات قبيحة يخجل المرء من تخيّل سماعها، فنظرت ديمة إلى نورس بحُزن شديد و قالت: أنا آسفة لأنّني أحرجتك أمام صديقتك يا سيّد باريش !
فأجابها على الفور: اِنتظري يا قرنفل... لا تذهبي.
فلم تستمع إلى كلامه و ذهبت من هناك إلى الإقامة و دموعها تأبى أن تتوقف، و نامت من فورها، فلم تفهم نهاد و لا أريج السّبب رغم محاولاتهما الفاشلة في اِستنطاقها.
و بعد أيّام ظهرت نتائج الامتحانات، و عادت سوار إلى مقاعد الدّراسة، في حين اختفى نورس مذ ذلك اليوم الّذي أنقذها فيه من الضّياع في العاصمة.
و كانت نتائج الصّديقتين رافعة للرّأس، فاِستاءت أماني من ذلك، و تنكّدت لبنى أكثر منها، و تجرّأت رونق على إمطارهما بوابل من الاِتّهامات الكاذبة و الشّتمات اللاّذعة، فقابلتهما سوار بصفعة بقيت مرسومة بوضوح على وجهها، ثمّ هدّدتها بإخبار المديرة إن كرّرت المحاولة، ثمّ قالت لديمة بلطف: عليك أن تكوني قاسية مع الشّرّيرات فالطّيبة معهنّ ضرب من الغباوة.
فأجابتها ديمة مبتسمة: أظنّ أنّ السّكوت على الأحمق جوابه... و الآن... هلاّ رافقتِني إلى الحديقة لأسترخي من هموم هذه الثّانويّة و قوانينها الّتي أوجعت رأسي؟
فضحكت سوار: لك ذلك أيّتها الكسولة... و لكنّني واثقة من أنّ ذهابك إلى هناك ليس سوى دليل قاطع على اِشتياقك الشّديد لأزرق العينين!
فأدارت وجهها بخجل و قالت و قد أمسكتها من شحمة أذنها: كفّي عن هذا الكلام و إلاّ عدتُ إلى غرفتنا و منعتك من المبيت فيها اليوم!
و هكذا دخلتا باب الحديقة فسمعتا كلاما واضحا لشابٍّ ما: أنا أحبّك، صدّقيني... أفلا تشفع لي هذه القلادة الذّهبيّة عندك؟ أم تريدين المزيد...
فقالت ديمة باِضطراب: إنّه صوت نورس...
فردّت سوار ضاحكة: هناك اِحتمالان، فإمّا أنّه يتدرّب ليُلقي هذا الكلام أمامك... ههه... أو أنّه جُنّ من حبّك فصار يتخيّلك معه!
فأجابتها ديمة و قد عجزت عن كتم ضحكها: يالك من مجنونة... دعينا ندخل بعفويّة لنعرف التّفاصيل... و سترين كم أنّك مخطئة.
و هكذا... دخلتا بشكل عاديّ لكي لا يظنّ أحد أنّهما تتجسّسان، فإذا بالفتى الأشقر يمسك بيدي لبنى باِنكسار و خضوع، فوضعت ديمة يدها على فمها من فرط الخجل، و أشارت على سوار بأن تغادرا المكان لأنّهما دخلتاه في وقت غير مناسب... قالت هذا و الخوف يملأ ملامحها.
فذُعر نورس حين عرف أنّها رأته على تلك الحال، و سقطت القلادة الذّهبيّة من يده، بينما كان الدّم يغلي في عروق سوار، فقالت و قد تصنّعت الاِبتسامة: نحن آسفتان على الإزعاج، فلتعذرانا على التّطفّل.
فتكلّمت لبنى بتكبّر: تعلّما الاِستئذان قبل دخول الحديقة.
فردّت عليها: سنستأذن حين يكون البشر هنا، إذ أنّني لا أرى سوى حيوانين ناطقين... و من واجبي الآن إبلاغ جمعيّة الرّفق بالحيوان لإنشاء محميّة طبيعيّة لهما.. فالمعذرة...
ثمّ غادرتا، و بقيت ديمة صامتة، ثمّ اِبتسمت مع سوار و أشارت عليها بالعودة معها إلى غرفتهما لحلّ تمارين إضافيّة، فصاحت سوار بوجهها: كيف يسمح لنفسه بالكذب عليك؟ كيف له أن يتودّد إليها؟ سأنتقم منه... و سأريه أنّك أكبر مقاما من أن تنظري إلى أمثاله من المخادعين... اُتركيني لكي أقتله و أدفنه!
فأمسكتها ديمة بلطف و قهقهت ضاحكة: أنا لا أهتمّ لأمره مطلقا فلا تقلقي... و لو كنت متأثّرة ما ضحكت... هيّا اِبتسمي و لا تغتاظي... و اِحمدي الله لأنّنا لسنا مثلهما... فحتّى و لو كان سيخطِبُها فلا حقّ له في أن يتودّد إليها بهذا الشّكل...
و بقيت الصّديقتان تضحكان و تعلّقان لبرهة من الوقت، و لكنّ ما قطع ذلك هو قدوم نورس إليهما بسرعة، فهمست ديمة لسوار بهلع: أظنّه أتى ليصفّي حسابه معنا... خاصّة بعد أن نعتِّه بالحيوان النّاطق.
فأجابتها ببرودة: و لكنّني قلت الحقيقة لا أكثر و لا أقل.
فوصل الشّاب إليهما و خدّاه يلتهبان من حمرة الخجل، فنظرت إليه سوار باِستهزاء و قالت: مسكين... هل ستركع لديمة كما فعلت مع لبنى قبل قليل... لقد أشفقت عليك... فخداع فتاتين في لحظة واحدة أمر عسير .
فصاحت ديمة في وجهها أن اُسكتي، ثمّ نظرت إليه مبتسمة: لا تعذُلها يا نورس، فقد كانت غاضبة من البداية، و لا دخل لنا بأمورك الشّخصيّة فاُعذرنا على التّطفّل قبل قليل... فهذا سوء أدب!
فقاطعتها سوار: أجل ... سوء أدب أن تختلي بفتاة و تمسك يديها رغم أنّك أكّدت سابقا أنّها لا تثير اِهتمامك ... و تظنّ أنّ الله لا يراك... و تدنِّس الحبّ بكذبك... أيّها الكاذب المنافق التّافه ...ديمة أرقى من أن تلتفت إلى طفل صغير مثلك!
فسكت و قد أدرك أنّه أثار غضبها، و لكنّه تعجّب من عدم انفعال ديمة، فقد اِبتسمت ببراءة و قد أكّدت أن لا دخل لها في خصوصياته، فاِزداد غضبه، بينما اِنفجرت ضاحكة و قالت بصفاء: مالَكَ خجِل منّا و لا تدافع عن نفسك من هجمات سوار؟ نحن لن نعاقبك فأنت حرّ في كل ّ تصرّفاتك، و أنا لا أقول لك هذا الكلام لأزيّن فعلتك، و لكنّ خوفك من الناّس و لا مبالاتك و هم لا يرونك، إجحاف صارخ في حقّ الله... و لك أن تحبّ لبنى أو غيرها على أن تحترم حدود الله، و لا تبوح بمكنونات قلبك تجنُّبا للفتنة.
فأشاح بنظره إلى حرم الثّانويّة الشّاسع المملوء بالفتيات، و تنهّد بعمق مخفيا خيبة أمله: أنا أكره لبنى بعمق و لا أطيق سماع اِسمها!
فضحكت سوار ياِستهزاء و أخذت ديمة من ذراعها و تركتاه لوحده، فلحق بهما و أوقفهما و هو يقول: أتطيعين سوار فقط لأنّ والدها ذا منصب عال جدّا؟ هل تخيفك؟
فاِبتسمت و أجابته: و هل منصب والد سوار عالٍ حقّا؟ إنّه مجرّد موظّف بسيط كأبي تماما...
فاِنفجر ضاحكا و هو يردّد: إذا كان رجل الأعمال الّذي يتعامل مع شركات عالميّة كبيرة، و يعمل في الولايات المتّحدة الأمريكيّة موظّفا بسيطاً .. فسأرمي بنفسي من أعلى شرفة في منزله بكلّ سرور.
فنظرت إليه سوار بكلّ اِحتقارو عقّبت على كلامه: سيكون اِنتحارك خدمة عظيمة لنا، فهلاّ أسرعت في ذلك؟
و عندئذ نظر إلى عيني ديمة بعمق، ثمّ جذبها إليه، و أمسك يدها اليمنى بيده اليسرى و قد ضغط عليها، ثمّ وضعها على صدره، و قال بكلّ هدوء: ديمة ... أنا...
و ما كاد يتكلّم حتّى غلى الدّم في عروقها، و دفعته بكلّ قوّتها و قد صاحت في وجهه: ابتعد عنّي أيّها الوقح الحقير التّافه قليل الأدب!
فأجابها بدفء غير مصدّق: ماذا قلتِ يا ديمة؟
فاِزدادت حدّة صوتها: من الواضح أنّك مجرّد نذل فاسد لتقترب منّي بهذه الطّريقة الخبيثة دون أن تخجل من نفسك...
فتكلّم حينها بهدوء: أنا آسف حقّا... أُعذريني يا قرنفل أرجوك... لأنني لم أقصد جرح مشاعرك.
فصرخت في وجهه مزمجرة بغضب: ألن تفهم نفسك أيّها الوقح؟ دعني و شأني فأنا لم أعد أطيق رؤية وجهك، فاُتركني لحالي، و لا تتكلّم معي ثانية...
و ذهبت من هناك تجري و هي تبكي، فلحقتها سوار، فشدّ قبضته اليسرى، و ضرب جذع شجرة بقوّة هائلة جعلت دمه ينفجر و يتسايل بغزارة.
بينما انطرحت ديمة على فراشها و هي تقول باكية: إيّاكِ و أن تذكري اسم ذلك النّذل على مسامعي... إيّاكِ و أن تتحدّثي عنه...
فردّت سوار و عيناها تشتعلان غضبا: سأكسر له رأسه... سأهشّم عظامه... من يحسب نفسه هذا التّافه الوسخ؟
ثمّ التفتت إليها و ضمّتها إلى صدرها، و اقترحت عليها بأن تخرجا معا للذّهاب إلى المكتبة لشراء بعض الكتب.
و في هذه الأثناء، كانت لبنى مع أماني و رونق يتحدّثن ضاحكات، فأخبرتهما أنّها تعلم كم أنّ نورس يحبّها، و قد كان لها دليل ملموس بمفهوم الأثرياء، و هو تلك القلادة الذّهبيّة الّتي أهداها لها... و قد ازدادت فرحا لأنّ الأمر حصل أمام أنظار " الغبيّة سوار " و صديقتها " الرّيفيّة المتخلّفة كما تسمّيهما... و لكنّ وجهها تجهّم حين تذكّرت أنّ سوار هذه وصفتها بالحيوان النّاطق، و لم تستثنِ نورس من سخريتها..
و اغتاظت أماني لمّا أخبرتهما بذلك، و لكنّها كانت تودّ معرفة ردّة فعل ديمة، و إن كانت شعرت بالغيرة.
فأجابتها بتبجّح: و هل لآليّة غبيّة مشاعر يا عزيزتي؟ إنّها منشغلة بالدّراسة و الرّسم، و إن كانت قد عاشت الحبّ، فلن تكون قد عاشته إلاّ مع الكتب، و صحيح أنّني خشيت أن تسيطر على فكر الأشقر، و لكنّ نصحي له كان مفيدا، فقد اعترف بخطئه...
فتكلّمت رونق متثائبة: ماذا لو كان يكذب عليك؟ ماذا لو سيطرت عليه دجاجة الرّيف تلك؟
فاِبتسمت بخبث و أجابتها: حينها... سيكون لي عمل آخر أقوم به خصّيصا من أجلها.
أمّا نورس فقد ركب سيّارته، و عاد إلى منزلهم الفخم المحاط بعشرات الحرّاس، ثمّ دخل غرفته، فوجد والدته هناك و قد ابتسمت لمّا رأته، ثمّ قامت و قد غزاها القلق حين رأت قبضته تقطر دما و قد تورّمت بشكل فضيع، فتقدّمت منه بهلع و ضمّته إلى صدرها، فبقي جامدا في مكانه، ثمّ قال ببرودة: من سمح لك بدخول غرفتي؟
فأجابته بدفء: أنا أمّك يا فتى، فكيف تحدّثني هكذا؟
فردّ باستهزاء: ماذا تريدين منّي لتتحرك فيك عاطفة الأمومة فجأة؟ هل صادفت فتاة أغنى من لبني القبيحة تلك؟ لقد سئمت تدخّلكم في حياتي و أريد أن أتحرّر منكم، فالمال ليس مفهوما للسعادة !
فردّت عليه بلطف: بني.. هل تشاجرت معها؟
فصاح بغضب و قد لكم الجدار بقبضته المصابة بكلّ ما أوتي من قوّة: كم مرّة قلت لكم أنّني أكرهها؟ كيف ستفهمون أنّني عرفت من تصرّفاتها أنّها خبيثة متكبّرة... قلبي يتمزّق إربا إربا كلّما تذكّرت أنّني مضطرّ لخطبتها تلبية لطلبكم... دعوني و شأني و احترموا مشاعري.. و اتركوا لقلبي الخيار و سأتحمّل المسؤوليّة..
فقالت بحزن: إنّها رائعة و ...
فقاطعها و قد لكم الجدار بقوّة أكبر: سأغادر حياتكم و لن تروا وجهي بعد اليوم...
و عندئذ تدفّقت الدّماء تجري كالسّيل الجارف، فجثا على ركبتيه متألّما، فصرخت والدته بفزع، فأتت أسماء تركض مع الخادمة، فإذا به غارق في دمائه و هو جامد لا يتحرّك كالصّنم تماما، فأجهشت بالبكاء و هي تحاول مساعدته على الوقوف: أخي... حبيبي... ماذا حصل معك؟ ما الّذي أصابك؟ أخي تكلّم معي أرجوك...
فردّت عليها والدتها منهارة: يقول أنّه سيرحل من حياتنا إذا أصررنا على خطبته للبنى نجم !
فأجابتها أسماء بجزع: كم مرّة قلتُ لكم أنّه لا يحبّها لأنّها لا تناسبه... كم مرّة حاولت إقناعكم بإغلاق هذا الموضوع.. دعوه يختر فتاة تعجبه فهذه حياته!!
أقبل الليل... فكان نورس بغرفته يتذكّر ما جرى في هذا اليوم، و كيف أنّ ديمة نعتته بالنّذل الفاسد الحقير... فلم يستطع أن يفهم أهو غاضب من نفسه، أم هو منزعج منها... و لكنّه كان متأكّدا من أنّها لم تقصد جرحه... و كان واثقا من أنّه تسرّع حين أمسك يدها و وضعها على قلبه... فقد نسي أنّها ملتزمة بخلافه، إذ أنّ مشاعره القويّة تجاهها جعلته ينسى كلّ شيء في تلك اللحظة.
كان الشّاب يفكّر فيها بهدوء و هو ينظر إلى قبضته المضمّدة بالجبس، فقد تبيّن أنّه أصيب بكسر بسيط على مستواها...
و في تلك اللحظة طرقت أسماء الباب، و دخلت برفق، ثمّ جلست بجانب سريره، و قالت بعد أن قبّلت جبينه: لا عليك يا نورس، فقد أقنعت والدينا بوجهة نظرك، و هما مستعدّان لشرح الأمر لأسرة لبنى.
ثمّ ابتسمت بلطف و أكملت: ألم تستطع إقناع ديمة بأنّك الضحيّة لا المجرم؟ أرأتك مع لبنى فرفضت الاستماع لتصريحك؟
فاِحمرّ خجلا و أطرق برأسه و هو يقول محتارا: بالله عليك، أخبريني من أين لك بهذه المعلومات؟
فضحكت مجيبة: إنّه سرّ المهنة.
فاسترسل في الحديث: لا عليك فالقرنفل لا يهتم لأمري في الأساس، فلو كانت كذلك لتملّكها الغضب حين رأتني مع تلك التّافهة... صدّقيني فقد خجِلَت و اعتذَرَت منّي... بل و دافعت عنّي من هجوم صديقتها الشّرسة، و أخبرتني أنّني حرّ و لكنّ الله يراني...
فأجابته أخته بفرح: صدّقني فهي غاضبة لدرجة لا تتصوّرها.
فتكلّم بهدوء: أجل... فقد أخذت بيدها و وضعتها على قلبي لعلّها تحسّ ببعض الألم الّذي يعتريني، و نسيت حينها أنّها ملتزمة، فضغطتُ على الوتر الحسّاس.
ثمّ نظر إلى الأعلى و واصل كلامه: يا إلهي... أشعر و كأنّني أحاول أن أجعل من القرنفل مذنبة في حقّي... رغم أنّني كنت مخطئا في حقّها... نعم... أنا المخطئ و يا ليتها تسامحني...
فقالت أسماء ضاحكة: قبل عودتي مررت بها، فكانت تتحدّث مع سوار عنك، فعرفت منهما كل شيء دون أن تنتبها... و لو أنّك سمعت كلامهما... فقد صرّحت سوار بأنّها ستقتلك إن صادفَتْك في طريقها.
فعادت الاِبتسامة إلى شفتيه و قال: و ماذا كان جواب القرنفل؟
فأجابته مقهقهة و هي تقلّد حركاتها: " لا تتحدّثي عنه ثانية... فأنا أكرهه..."
و علّقت بلطف: قالتها بحب
*************************
الفصول القادمة:
الكسر الثاني
بداية عطلة الشتاء
حفل زفاف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. جميله أستمري بالكتابه


نسيم الورد55 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-09-15, 11:55 PM   #8

rontii

مشرفة وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء ومحررة واعدة بعمود الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية rontii

? العضوٌ??? » 289729
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 20,876
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » rontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond reputerontii has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ﻻ إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
افتراضي

رواية جميله و اسلبوك ممتع تخسي بتحكي تنا مرحله عدت عليكي بحايتك او كانك شتيفة اختك الصغيرة
مستمتعه بالاحداث و في انتظار الفصل الجاي ان شاء الله


rontii غير متواجد حالياً  
التوقيع














رد مع اقتباس
قديم 08-09-15, 05:27 PM   #9

ساكورة
alkap ~
 
الصورة الرمزية ساكورة

? العضوٌ??? » 350375
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 157
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » ساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك carton
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكرا جزيلا على تعديل الخط صديقتي " um soso"
و شكرا جزيلا أصدقائي kaj و نسيم الورد55 و rontii على المتابعة


ساكورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-09-15, 10:10 PM   #10

ساكورة
alkap ~
 
الصورة الرمزية ساكورة

? العضوٌ??? » 350375
?  التسِجيلٌ » Aug 2015
? مشَارَ?اتْي » 157
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » ساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond reputeساكورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك carton
?? ??? ~
My Mms ~
Rewity Smile 1

10- الكسر الثّاني:

مرّ أسبوع، فأخذت الطّالبات يتجهّزن للعودة إلى بيوتهنّ لقضاء عطلة الشّتاء، فقرّرت ديمة و سوار و نهاد الخروج معا للتّجوّل و التّبضّع، و من ثمّة شراء بعض الكتب من ذلك المتجر الضّخم، فقضين وقتا ممتعا زادته دعابات نهاد تسلية، إذ أنّها نسيت ربط حذائها، فسقطت في مفترق طرق ما سبّب زحمة سير، و ازداد الحال سوءا لمّا تمزّق سروالها من جهة الرّكبتين إثر سقوطها، فلم تُبدِ استياءً، بل واصلت سيرها بشكل عاديّ و قد أخبرت صديقتيها أنّ الجينز الممزّق هو موضة هذه الأيّام، فكانت ديمة تبكي من الضّحك و هي تمسك بطنها، أمّا سوار فقد أخذت تمشي خلفهما و هي تضحك و تقول ممازحة: أنا لا أعرفكما... من أنتما؟ لقد بهدلتماني!
و بعد كلّ هذه الطّرف وصلن إلى المكتبة و دخلنها، فإذا بها قد امتلأت بكتب جديدة، فصاحت ديمة ببهجة: يا فرحتي... سأقضي اليوم على ما بقي عندي من نقود، فادّخرا أموالكما لتقرضاني حين أحتاج..
فأجابتها نهاد ضاحكة: فجأة أحسست بأن الفقر قد أخذ ينسج خيوطه في جيوبي... فأنا سأفلس لا محالة و أنا أقرض المال لمبذّرة مثلك!
و أضافت سوار متظاهرة بالبراءة: لا تنظري إليّ فأنا لا أملك قرشا واحدا أيّتها الكسولة.
فردّت عليهما ضاحكة: يا لكما من بخيلتين، فأين هي النّقود الّتي تشتريان بها الشوكولا و المكسّرات الّتي تلتهمانها في القسم و الأستاذة تشرح الدّرس؟
كانت البنات الثّلاث يضحكن و يشاهدن الكتب، ثمّ افترقن لتغطية جميع أقسام هذا المتجر، و بينما ديمة تتفحّص كتابًا، أخذته منها يد على حين غرّة، فنظرت إلى صاحبها فإذا به نورس باريش، فحدّقت إليه و كأنّها لا تعرفه، ثمّ حملت كتابا آخر و قد تجاهلته، فوقف بطريقها، فانتبهت إلى أنّ قبضته اليسرى مغلّفة
بالجبس، و لكنّها لم تتجرّأ على التّكلّم معه بل همّت بتغيير مكانها، و لكنّه أوقفها و قال بهدوء تزيّنه ابتسامته اللّطيفة: مابال القرنفل عابسا؟
فلم تردّ عليه بل دفعته بقوّة لكي تعبر، ثمّ هربت منه و هي تركض، فلم تنتبه إلى خطواتها و تعرقلت فحرّكت رفّا من الكتب الضّخمة، و كادت تسقط عليها و تقتلها لولا أن أبعدها نورس في اللّحظة الأخيرة، و لكنّه لم يستطع إيقاف منجد كبير فسقط على يدها اليمنى، فصاحت من الألم، و لهذا التفّ النّاس حولها، و لكنّه طمأنهم حيال الأمر، ثمّ مدّ يده إليها و هو يقول: لولا تهوّرك لما تعرّضتِ لهذا الموقف المفزع، فقد كدت تفقدين حياتك و تكون نهايتك كنهاية الجاحظ الّذي اِنهارت عليه كتبه فقتلته...
فحاولت الوقوف بصعوبة و قد ضمّت يدها إلى صدرها و هي تئنّ باكية، و عندئذ أتت كلّ من سوار و نهاد و تقدّمتا منها بقلق، فأخبرهما نورس بما جرى، فهمّت نهاد بتفحّص يد صديقتها، و ما كادت تلمسها حتّى صاحت من الألم و دموعها تأبى التّوقّف، فتأكّد رفاقها أنّها كُسرت، فحمّل نورس نفسه مسؤوليّة الأمر، فلم تعترض سوار على هذا بل زادت في لومه، فاقترح عليهنّ أن يأخذهنّ إلى المستشفى و يدفع تكاليف العلاج، فطالبته نهاد بتعويض ماليّ لديمة إضافة إلى كلّ ذلك.
فابتسم بلطف مع صديقتنا و قال: مابال المعنيّة بالأمر لا تتكلّم، أم أنّها مشغولة بالتّوجّع و البكاء؟
فأدارت وجهها بعيوس و لم تتكلّم معه، و ما إن همُّوا بركوب السّيّارة، حتّى مرّت عليهم لبنى و صديقاتها، فاشتعلت من الغيظ، و تقدّمت بجرأة من ديمة الّتي كانت قد ركبت في المقعد الأماميّ المجاور لنورس، فصاح بها هذا الأخير باحتقار: ابتعدي عن السّيّارة و إلاّ اتّسخت، هيّا فنحن في عجلة من أمرنا...
و انطلق بسرعة متجاهلا نداءها، إلى أن وصل إلى مستشفى صغير، تمّ فيه علاج ديمة و تضميد يدها المكسورة، فكانت تصرخ بألم، و لم يلمها أحد لأنّ الضّربة الّتي أصابتها ساحقة.
ثمّ ركب الأربعة السّيّارة الحمراء، فهدأت و أخذت تفكّر بحزن، فنظر الشّابّ الأشقر إليها و قال: أنا واثق من أنّ هذه ليست من أجل ألم الكسر فقط... فإصابتك شملت يدك اليمنى، و هذا يعني أنّك ستتوقّفين عن الرّسم لبعض الوقت، فهل أنا محقّ في استنتاجي؟
فلم تجبه بل أدارت وجهها حيث النّافذة، و بعد برهة جعلت تنظر إلى سوار ثمّ همست لها: أخبريه أن يتوقّف، فأنا أريد العودة إلى متجر الكتب لشراء ما أعجبني قبل قليل.
ففعلت ما طلبته منها صديقتها فردّ عليها بأنّه سيتوقّف شرط أن يذهب معهنّ، فالقرنفل مصاب...
و لكنّ نهاد قاطعته باِنزعاج: نستطيع تدبّر أمرنا، فهلاّ توقّفت عن ملاحقتنا؟ يمكنك أن توصل لبنى إلى متاجر الملابس الفاخرة، و حينها ستصطاد عصفورين بحجر واحد... سترضيها و ستبعدها عن ديمة لكي لا توقعها في المشاكل!
فتنهّد بعمق و قال: أرجوكنّ لا تذكرن اسمها على مسامعي، فقد كرهتها لدرجة لا يمكنكنّ تصوّرها!
و سرعان ما رافقهنّ إلى المتجر المنشود، فابتاعت ديمة عددا كبيرا من الكتب، فساعدها على الاختيار دون أن تعرف ذلك، لأنّه كان يخبر نهاد برأيه في شكل اقتراح بريء لا يثير شكّها.
ثمّ استند على جدار، و راح يحدّق إلى ديمة و هي تتفحّص الكتب المعروضة، و قد ظهر اهتمامها الكبير من عينيها، و قد زادت حركاتها البطيئة المتوازنة من حسنها، بل إنّ شكلها و هي شاردة تفكّر في اختيار ما يناسبها، يدفع بالمرء إلى الابتسام بتعجّب، فكيف لشابّة يافعة أن تهتمّ بهذه الأمور متجاهلة ما حولها من مغريات...
كان ينظر إليها بدفء و يحدّث نفسه: مالي أشعر و كأنّني قد فقدت لُبِّي؟ مابالي أظنّ أنّ قلبي قد علق بحبّها؟ ما هذا الشّعور القويّ الّذي يتملّك صدري حين أراها؟ إنّه شعور غريب يسري في دمي فيصيب أطرافي بالاِرتخاء و الدّغدغة... و لكنّه يحمل معه ألما خفيفا ينتشر في كافّة أنحاء جسدي، فأشعر برغبة قويّة في أن أصرخ بفرح و أقفز كالمجنون، و أن أبكي ملء يديّ دموعا في الوقت ذاته؟
ماذا حصل لأشعر أنّني أحبّك يا قرنفل؟
مازال نورس شاردا، و لم ينتبه من ذلك إلاّ بعد أن نادته سوار و قد طلبت منه مساعدتهنّ على حمل الكتب إلى السيّارة، فاِبتسم بلطف و أشار إلى يده المصابة، ثمّ خرج من هناك فوجد ديمة جالسة على الكرسيّ الأماميّ و هي ترتجف من البرد، فأخذ يضحك عليها و قد قال: من ينظر إليك يحسب أنّك في القطب الشّماليّ...
و أدرك من فوره أنّها لن تجيبه، فتكلّم برزانة: أنا آسف حيال ما حصل قبل أيّام، فقد كنت مرغما على الاِعتذار من لبنى، فلا تنزعجي منّي...
فاحمرّت من الخجل، و تكلّمت أخيرا: لقد فهمتني بشكل خاطئيا سيّد نورس باريش، فأنا لم أنزعج من تحدّثك إلى لبنى أو من مشاعرك نحوها... أو غير ذلك... فهذا لا يهمّني و لا دخل لي بحياتك... و لكنّني انزعجت من تصرّفك المُشين لمّا أمسكتَ يدي... و ها هو جزاؤنا نحن الاثنان... كسر لليدين المشاركتين في الجريمة... يدي اليمنى و يدك اليسرى.
فابتسم بفرح و هو يردّد: يا فرحتاه... لقد تكلّمت القرنفلة بعد عناء طويل... لقد تكلّمت معي أخيرا!!
فأجابته بهدوء: عليك أن تتعلّم أنّ حرّيّتك مقيّدة بحرّيّات الآخرين يا نورس، إذ ليس من حقّك أن تُمسك يدي و ...
ثمّ احمرّت من الخجل ثانية، و واصلت كلامها: و لك أن ترفض سماع نصائح من هو مقرّب منك لأنّك حرّ في تصرّفك، و لكنّ لذلك ضريبة عليك أن تدفعها حينئذٍ...
ففتح عينيه أكثر و قال: ضريبة؟! و ما قيمة هذه الضريبة؟
فردّت عليه: أنت حرّ في العمل بالنّصيحة أو تركها، و المقرّبون منك أحرار في التّصرّف أيضا، و لن تستطيع التّدخّل في شؤونهم و الاِعتراض إن قرّروا التّخلّي عنك... فأن تقرّر عصيان الله، فهذا لأمر فضيع، فلا تظنّ أنّك ستفعل هذا يسهولة من دون أن تخسرهم... و تخسر أشياء أخرى...
فنظر إليها بلطف و قال: و ماذا لو غلبتني مشاعري؟
فتكلّمت برقّة: لن ألومك إن كنت تحبّ لبنى، و لكنّ لهذا حدودا يا رجل... إذ يمكنك أن تصبر و تترك الأمر بينك و بين نفسك، شرط أن يكون هذا لوجه الله لا خوفا من كلام النّاس، و سيعوّضك الله خيرا من ذلك...
فاِبتسم ابتسامة عريضة و ردّ عليها: عليك أن تدركي أنّني لا أحبّ تلك المتكبّرة!
فأجابته مبتسمة: سأحاول أن أصدّقك... و لكنّني لن أثق بتأكيدك هذا مهما حاولت... و أنا حرّة في حكمي عليك، فقد سبق و عرفت أشخاصا يشبهونك..
و في تلك اللّحظة كانت كلّ من سوار و نهاد متّكئتين على السّيّارة و الكتب تثقل كاهليهما، فقالت سوار و هي تطرق زجاج النّافذة: مرحبا... هل أنتما على الخطّ؟
و أضافت نهاد: هل قاطعنا حديثكما؟
فاِنفجر نورس ضاحكا و فتح الباب لتدخلا، فقالت سوار و هي تنظر إليه عابسة: أنا أكره نورس من كلّ أعماق قلبي، فلا تتكلّمي عنه أمامي بعد هذا اليوم!
فقال مبتسما: و لماذا تكرهينني؟
فأجابته و قد قرصت ديمة: هذا ليس كلامي... إنّه كلام ديمة قبل أيّام!
و هكذا عادت الصّديقات إلى الإقامة و هنّ يضحكن من دعابات نورس المضحكة، و لم تمانع ديمة حينها من أن تطلب منه أن يتكلّم بلغة تركيّة لتتعلّم منه بعض الكلمات، فقال بسرور: كارانفيل هو القرنفل، أمّا باهار فهو الرّبيع...
و نظر إلى عينيها بحبّ و قال بلغة تركيّة: سيني سيفيوروم!
فتساءلت ببراءة: و ما هو معناها؟
فتنهّد بعمق و أجابها: إنّها جملة معقّدة يَصْعُبُ عليّ أن أشرحها لك باللغة العربيّة...
ثمّ أضاف: أمّا غول فمعناها وردة...
فتساءلت ثانية: و كيف تسمّون الصّداقة بلغتكم؟
فأجابها: الصّداقة تعني آركاداشليك... أمّا معنى اسم عائلتي "باريش" فهو السّلام.
و لمّا أوصلهنّ و عاد لوحده... كان يبتسم بسعادة لأنّه اِعترف لها بحبّه من دون أن تدرك ذلك... طبعا فقد قال ذلك بلغة تركيّة... "سيني سيفيوروم"...
لم يبق سوى يومين للعودة إلى الدّيار، فجلست الطّالبات جميعا في مدرّج حيث دعتهنّ المديرة لاجتماع نهاية الفصل، حيث تمّ تكريم الطّالبات الحائزات على على المراتب الأولى، و على رأسهم ديمة بالطّبع، فأشادت بها المديرة نفسها بعد أن قرّرت أستاذاتها بأنّها طالبة متواضعة و مؤدّبة و ذكيّة، و لم يتوقّع أحد أن تتقدّم منها أسماء لتعانقها بكلّ حبّ و قد قدّمت لها هديّة مغلّفة، فاستشاطت لبنى غضبا، و كادت أماني أن تفقد صوابها، و صفّقت الطّالبات لها و هنّ فرحات من أجلها، إذ أنّ حصولها على هذه النّتائج كان كفيلا بجعلها ذات جمهور غفير من المعجبات...
و بعد يوم، و بينما هي جالسة بالحديقة تقرأ كتابا، أقبل نورس إليها و هو يحمل قيثارته الزّرقاء، و جلس بالقرب منها و قد قرّب عينيه من الكتاب ليعرف عنوانه، ثمّ ابتسم معلِّقا: كتابك هذا يبدو مبتذلا مقارنة بالكتاب الّذي أملكه... إنّ ذوقك فضيع يا كرنفيل... آ... أعني يا قرنفل!
فضحكت عليه مجيبة: لا تحكم على الكتاب من عنوانه أيّها المتسرّع، فلربّما كان العنوان المملّ يخفي بين دفّتيه علما شاسعاً، و حقائق رائعة و أمور ممتعة!
فطأطأ رأسه، فتمايل شعره الأصفر الحريريّ، و قال بكلّ تردّد: أنا... أنا لا أعرف صياغة المقدّمات حين أودّ تقديم هديّة...
ثمّ أخرج من الحقيبة الخاصّة بقيثارته كتابا كبيرا، و قدّمه لها، فنظرت إلى عنوانه، فإذا به الكتاب الّذي تشاجرت معه ذات مرّة لتفوز به، ففتحته فإذا بالشّابّ قد كتب في صفحته الأولى بخطّ سميك: "لا تُمزّقيه فهو هديّة من مسؤول الحديقة المزيّف..."
فأخذت تضحك باسترسال على طريقته الجديدة في تقديم الهدايا، فحدّق إليها متظاهرا بالانزعاج: هه... لا تسخري منّي أيّتها البخيلة، فعلى أيّ حال، أنا كريم فقد قدّمت لك هديّة!
فردّت عليه و هي مبتسمة: إذا كنتَ لا تجيد صياغة المقدّمات حين تقدّم هديّة، فأنا لا أجيد شراء الهدايا أصلا...
فاِبتسم و جلس على المقعد المقابل لها، و أخذ يعزف و يغنِّي، فتكلّمت ببهجة: يا إلهي.... صوتك رائع يا نورس!
كانت لبنى تسير باستكبار، فأتت إليها رونق و هي تشتعل غضبا، و أمسكتها من ذراعها، و أخذت تجري متّجهة إلى الحديقة و هي تحثّها على الإسراع، و ما إن دخلتاها حتّى وجدتا نورس لا يزال يعزف و يغنِّي، في حين كانت ديمة تستمع إليه مبتسمة، فكادت لبنى تُجنّ، و صاحت باِنزعاج: ماذا تفعلان هنا؟
فأجابها نورس ببرودة: لم أكن أعلم أنّك حصلت على منصب مساعدة المديرة مكان أختي أسماء... و إلاّ كنت غادرت الجزائر.
فوقفت ديمة برفق محاولة معالجة هذا الموقف المحرج، و هي تنصح الاثنين بأن يتعقّلا و يهدآ، و أكّدت للبنى و رونق أنّهما قد فهمتا ما حصل بشكل خاطئ، و لم تتوقّع مطلقا أنّ لبنى ستقابل كلامها اللّطيف بصفعها صفعة قويّة ملأ صوتها الشّبيه بضربة السّوط الحديقة الكبيرة بأكملها، فاضطرب الحمام الّذي حطّ ليتناول فتات الخبز، و حلّق هاربا...
لم تجد ديمة أيّ تعبير لتقوله، و لم تنزل دمعة من عينيها، بل بقيت جامدة، و لم تستطع التّحرّك من فرط الصّدمة، فلم يجد نورس مانعا من إخراج هاتفه من جيبه، و الاتّصال بأخته أسماء للقدوم حالاً، ثمّ نظر إلى لبنى بكلّ هدوء و قال: ألن تفهمي مطلقا أنّ علاقة الحبّ الكاذبة بيننا قد اِنتهت؟ لقد أوصل أبي الخبر إليك و إلى أسرتك، فلماذا تزعجينني أينما حللت؟ أو أنّك منزعجة لأنّ المال الّذي كنتِ تطمعين فيه قد ذهب؟
عليكِ أن تدركي أنّني لم أعد نورس القديم، فلا تظنّي أنّني سأتابع عصيان الله كما كنتُ أفعل سابقا.
و عندئذٍ أتت أسماء و الحيرة تغلِّف ملامح وجهها، فأخبرها بما حصل، فهمّت ديمة بالمغادرة لفرط إحراجها، و لكنّه أوقفها، و أكّد لها أنّ ما حصل اليوم لن يمرّ على خير مثلما حصل قبل أيّام. و بالطّبع فقد شكت أسماء سوء تصرّف لبنى للمديرة، فقامت هذه الأخيرة باستدعاء والدها و إخباره بالأمر، فاستدعى القرنفل و اِعتذر منها مكان اِبنته الّتي وبّخها بشدّة...
و نزل الخبر على سوار و نهاد و أريج نزول الغيث على الأرض الجدبة، فقد استحسنّ الأمر و فرحن بشدّة.
أمّا لبنى فقد كانت جالسة بغرفتها مع صديقتيهاو هي تبكي بحرقة: ما بال أبي يهينني دائما، فبدل أن أدرس في ثانويّة خاصّة في أوروبّا أو الولايات المتّحدة الأمريكيّة، أنا أدرس هنا مع فقيرات متخلِّفات، و قد صبرت على هذا احتراما له، و لكن أن يوبّخني أمام ريفيّة لا تعرف من الغنم و الدّجاج، و يجبرني على الاعتذار منها، فهذا ما لن أغفره له على الإطلاق، فما بال الجميع متّحد معها ضدّي حتّى نورس باريش؟ ما الشّيء الّذي يميّزها عليّ ليحسبوها أفضل منّي؟ أهو لطفها المزيّف الّذي أوجع رأسي؟
فضحكت رونق بخبث و عقّبت على كلامها: ما رأيك لو نعكس الوضع ليتّحد الكلّ ضدّ هذه الغبيّة العفنة، فأنا أملك خطّة ستحوّلها من نجمة ساطعة إلى برميل قمامة... و هي في طور الإنجاز و لن أخبركما بها إلاّ في الوقت المناسب.


















11- بداية عطلة الشّتاء:
و هكذا وصل يوم العودة إلى الديار، فودّعت الصّديقات بعضهنّ، و ذهبت كلّ واحدة مع أهلها، و كان والد ديمة قد وصل للتّوّ، فاستدعته المديرة إلى مكتبها، و أخذت تشيد بابنته، و أخبرته بأنها رسامة بارعة يجب أن يتمّ تنمية موهبتها لتصبح فنّانة محترفة، و كاد المسكين يفقد وعيه حين عرف أنّ ديمة قد قضت على نقودها كلّها، و زادت صدمته حين رأى رزم الكتب الّتي حضّرتها لتأخذها معها، فضحكت أسماء من موقفه و هو يؤنّبها بشدّة و هي صامتة لا تدري بم تجيبه، فقرّرت أن تنقذها و اقترحت عليهما أن تتولّى إيصالهما رفقة شقيقها بسيّارته الخاصة، و لم يكن نورس ليمانع، بل حضر على الفور لمّا طلبته أخته، و لمّا حان وقت الانطلاق، تكلّمت الفتاة برفق: ما رأيك يا أبي لو... لو تأخذني إلى الشّاطئ قبل أن نعود إلى البيت فأنا لم أره... و...
فقاطعها و هو ينظر إليها بحدّة: ليس الآن... في المرّة القادمة بإذن الله، فالوقت يداهمنا و علينا أن ننطلق على الفور.
فانتبه نورس إلى هالة الإحباط الّتي كانت قد أحاطت بجسد ديمة، و نظر إلى أخته و ابتسم ثمّ غمز لها...
و بعد كلّ هذا انطلقت السّيّارة الحمراء، فتعمّد نورس سلوك طريق آخر ليمرّ بشاطئ البحر قبل مغادرة العاصمة، و قد تذرّع بكونه سيترك ملابسه في مغسلة بالقرب من هناك، ففرحت الفتاة و تمنّت أن تُشفى من يدها بسرعة، لترسم ذلك المشهد الأخّاذ الّذي زادته إشراقة الشمس روعة و بريقا... إنّه مشهد رائع يشبه نورس كثيرا، و لهذا فقد أخذت تنظر تارة إليه و تارة إلى وجه هذا الفتى و تقارن مبتسمة، فالبحر الأزرق كعيونه، و الشّاطئ الذّهبيّ كشعره تماما، و الغموض يكتنف الاثنين، و الكرم صفة تجمعهما...
كانت السّيّارة تسير، و نورس يتبادل أطراف الحديث مع حُسين، و بقيت أسماء تحدّث ديمة عن تركيا، و مناظرها و بعض عاداتها، ثمّ ابتسمت بلطف معها و سألتها: لماذا أرى أنّ القرنفل مقيّد بهالة كبيرة من الإحباط؟
فحرّكت رأسها نافية الأمر، و لكنّ أسماء كانت مصرّة، فأجابتها بخجل: من الواضح أنّ والداي لم يفتقداني، فقد نلت تأنيبا كبيرا من أبي لأجل الكتب الّتي اشتريتها، و أنا واثقة من أنّ ما ينتظرني أكثر و أشدّ هولا.
ثمّ نظرت إلى النّافذة و هي تفكّر بعمق، فأمسكت أسماء يدها و قالت بلطف: أعلم أنّ هناك ضريبة للتّميّز يا ديمة، فقد يجد المرء صعوبة في شرح أفكاره لغيره، و قد يلعب سوء التّفاهم الدّور البارز في خلق المشاكل... و سيزداد الأمر سوءا إذا كان موجودا في مجتمع لا يفقه للمشاعر شيئا، أنا أعلم يا ديمة أنّ رغبتك المُلحّة في رؤية الشّاطئ كانت نابعة من تفكيرك الرّومنسي، و حسّك الفنّي... و لكنّ والدك لم يفهمك فظنّ أنّ فكرتك سخيفة... و لو أنّه فكّر بما سيحصل لو رسمت هذا المشهد بإتقان، لكان صاحب فكرة الذّهاب إلى هناك... أنت مميّزة يا ديمة لأنّك ذكيّة و صادقة و بريئة و فنّانة... و لكنّ أفكار المميّزين الغريبة تمنع الآخرين من تقبّلها... إلاّ أنّهم سيتقبّلونها في النّهاية... فلا تيأسي يا حبيبتي، و اُنفضي عنك هالة الإحباط، فقد فشل آينشتاين مرّات كثيرة في امتحان الباكالوريا لسبب وجيه هو أنّه كان يجيب الإجابة الصّحيحة على سؤال تكرّر طيلة الأعوام الّتي أدّى فيها امتحانه، فقد كان الجواب النّموذجيّ خاطئا من غير أن ينتبه المصحّحون من ذلك... لقد كانت فكرته غريبة و لكنّها صحيحة، و رغم فشله المتكرّر فقد أدرك العالم كلّه بعد هذا أنّه عبقريّ فريد من نوعه...
فاستطاع بإصراره على تميّزه أن يصحِّح بعض المفاهيم الخاطئة.
ثمّ نظرت إليها بحبّ و قبّلت خدّها و قالت: أنا لا أريد أن تون علاقتنا في حدود الرّسميّات يا ديمة قرنفل، أنا أريدك أن تكوني مثل أختي الصّغيرة، أريدك أن تخبريني بكلّ ما يزعجك، و أن تتكلّمي معي بحرّيّة، و أن تناديني باسمي، فأنا أحبّك كثيرا و لست بحاجة إلى تقييدك لأتأكّد أنّك مؤدّبة و رائعة!
فبادلتها ديمة بنظرة مليئة بالسّعادة و الطّمأنينة، و عانقتها و قد اغرورقت عيناها: و أنا أيضا أحبّك كثيرا يا أسماء! و صدّقيني فقد رفضت فكرة الدّراسة بالعاصمة، و لكنّني غيّرت رأيي حين التقيتك!
هناك أمور نخاف أن تحصل معنا، و لكنّها تجلب لنا المنفعة إن حصلت، و هناك أمور نتمنّى أن تقع، و لكنّ وقوعها قد يعني كارثة بمعنى الكلمة...
و هناك الكثير من النّاس الّذين يعتقدون أنّ الإنسان الطّيّب أحمق، و أنّ التّسامح ضعف، و العفو عند المقدرة إهانة، و أنّ حبّ الخير للنّاس ضرب من الجنون، فمِن أين لهم بهذه الحقائق الزّائفة ليحاولوا الدّفاع عنها؟ بل... و كيف سنقول عن المسلم إن كان شرّيرا منتقما و كذّابا؟ على المؤمن أن يكون متفطّنا و حريصا، عليه أن يكون شريفا، و لكنّ هذا لا يعني أن يتخلّى عن الرّقّة فيتّصف بالقسوة، و لا أن يفقد الشّعور بالرّأفة...
كانت الطّريق طويلة، فوصل حُسين و ابنته و ضيفاهما لمّا أسدل اللّيل برقع الكّلام على وجهه، فرحّبت بهم زهور بحرارة، و فرحت كثيرا لقدومهم، و لكنّها ذعرت لمّا رأت يد ابنتها اليمنى ملفوفة بالجبس، و شعرت ببعض الحيرة لمّا انتبهت إلى أنّ نورس مصاب في يده اليسرى، و لكنّ قلبها اطمأنّ حين عرفت أنّ ابنتها كُسرت بسبب كتاب سقط على يدها، و الكسر بسيط و تستطيع التخلص من الجبيرة بعد أسبوع، و لم يجرُأ نورس على إخبارها بالسّبب الحقيقيّ لكسره بل قام بتأليف قصّة جديدة حول ذلك.
و لم تصبر ديمة على الحديث أكثر، بل أخرجت هداياها من إحدى الحقائب لتراها والدتها، فكانت هديّة الثّانوية عبارة عن حقيبة جلديّة من الطّراز الفاخر، أمّا هديّة أسماء فقد كانت مجموعة رائعة من أدوات الرّسم.
و بما أنّ المنزل كان متواجدا في الجبل، فقد كان الثّلج يحيط به، و هذا ما جعل الأسرة و ضيوفها يخرجون للاستمتاع بحماله، فأخذت أسماء من الأرض القليل من الثّلج و رشقت به ديمة و هي شاردة، فأمست هذه الأخيرة ملء يديها ثلجا، و ضغطته فصار يابسا كالحجر، و همّت بردّ الضّربة، و لكنّ أسماء تفادتها بأعجوبة، فأصابت وجه نورس، فأخذ يركض خلفها و قد رمى عددا لا بأس به من الكرات الثّلجيّة دون أن يصيبها، فأخذت تصيح ضاحكة: انتظر لأشرح لك... أنت لم تفهم... أنا لم أقصد!
فأجابها و هو يحاول إصابتها ضاحكا: لن تخدعني توسّلاتك، و سأنتقم منك شرّ انتقام!
أمضى الشّقيقان يوما ممتعا في بيت ديمة، و عادا في اليوم الموالي إلى العاصمة، بينما أخذت الفتاة و والدتها تحضّران نفسيهما للذّهاب إلى حفل زفاف أحد الأقارب، و قد كانت متأكّدة من أنّها ستشعر بالملل و الانقباض هناك لأنّها تكره حفلات الزّفاف، و لكنّها كانت مرغمة على الذّهاب، خاصّة بعد أن صرفت نقودها في شراء الكتب و أغضبت والديها بهذا العمل، فاستسلمت للأمر الواقع و عبارات التّذمّر مكدّسة على رأس لسانها...














12- حفل زفاف:
إنّه حفل زفاف مملّ عاديّ، فقاعة الاستقبال مملوءة بالمدعوّات، و أحذيتهنّ مكدّسة أمام بابها المفتوح على مصراعيه بطريقة عشوائيّة، و الأطفال منتشرون في أرجاء المنزل، و صوت الغناء يصمّ الآذان لأنّه موصول بمكبَّريْ صوت بحجم ثلاّجة، أمّا الملابس فحدّث و لا حرج، و كأنّ المكان يجمع ثقافات العالم كلّه، فهذه تلبس "البينوار" الخاصّ بأهل سطيف، و الأخرى ترتدي "التشيباو" الصّينيّ، و غيرها قد فضّلت ارتداء ملابس هنديّة، و بالطّبع فقد كانت الملابس القصيرة و الأقصر من القصيرة من نصيب الرّاقصات الأمريكيّات... آ... المعذرة، فقد كنت أقصد الشّابّات المسلمات "المتفتِّحات"...
و لكن، و ما إن سمع الجميع أنّ السّيّارات ستنطلق لإحضار العروس من بيت أهلها، حتّى اصطفّت الفتيات بشكل عشوائيّ و هنّ يتدافعن للفوز بركوب سيّارة فخمة، أمّا الّتي ستكون محلّ السّخرية فهي من تركب سيّارة قديمة مخرّبة...
غير أنّ ديمة جلست بملل غير مبالية بما يحصل، فأمسكتها زهور من ذراعها و أخذتها حيث صفّ الفتيات و هي تقول: اذهبي و استمتعي كما تفعل البنات، و لا تقيّدي ذهنك بالدّراسة!
فأجابتها متنهّدة: يا أمّي... أنا لا أحبّ هذا، و لو كان الأمر بيدي لعدت للمنزل، فهذا الزّفاف لا يمتّ للعادات الإسلاميّة بِصلة. فالغناء الـ..
فقاطعتها باستهزاء: إيّاك و أن تقولي "الغناء" فأنت تستمعين للغناء الغربيّ دائما...
فطأطأت رأسها و هي تحدّث نفسها: إنّها محقّة للأسف.. و عليّ التّخلّص من هذه العادة... و أن أجد ذريعة أخرى لأنجو من حفلات الزّفاف المملة هذه.
و في هذه اللّحظة أتت إحدى قريباتها، و أمسكتها من ذراعها و هي تقول بفرح: يا إلهي... لقد وجدتك أخيرا يا ديمة، دعينا نركب معا في سيّارة أخي، و ستحكين لي عن مغامراتك في العاصمة، و أريد أن أعرف صفات التّركيّ الّذي أوصلك إلى بيتك قبل أيّام... فقد سمعت أنّه وسيم... و أنّه ابن السّفير التّركيّ!
فضحكت زهور، و ركبت الفتاتان السّيّارة الّتي كان الغناء فيها صاخبا و غربيّا، فحرّكت ديمة رأسها يمينا و شِمالاو قد ابتسمت محدّثة نفسها: الغناء الغربيّ؟! إنّه نقطة ضعفي، و أنا لا أستطيع مقاومته، و لكنّني أخاف أن يغضب الله منِّي!
ثمّ نظرت إلى قريبتها بلطف و قالت: هدى... يا هدى... أخبري شقيقك أنّ هذا غناء صاخب جدّا و عليه إيقافه.
فتساءلت هدى عن السّبب، فأخبرتها أنّها تخشى أن يقع لهم حادث مرور فيموتون و هم يستمعون إلى الغناء... و المرء يُبعث حسب خاتمته كما يعلم الجميع. فخافت كثيرا من هذا الكلام و أخبرت شقيقها فانفجر ضاحكا و قد زاد من سرعة سيّارته و هو يقول: نحن اليوم في حفل زفاف يا ديمة، فلماذا تريدين إفساد الفرحة بهذا الكلام؟
فأجابته بهدوء: أنت تعلم يا عماد بأنّني أقول الحقيقة.
فأطفأ المذياع و قال مبتسما: لقد اشتقنا إليكِ يا اِبنة عمّتي المشاغبة... فهل أعجبتكِ الدّراسة في العاصمة؟
و سرعان ما أضاف قبل أن تجيبه: كدت أنسى... هل أوصلك شابّ تركيّ إلى منزلك كما سمعت؟
فقالت و قد تسارع نبض قلبها: أجل... و قد كان معي أبي، كما أتت معنا أخته، فهي صاحبة الفكرة لأنّها مساعدة المديرة.
فالتفت إليها و قال ضاحكا: أظنّ أنّه وسيم جدّا، أليس كذلك؟
فأجابته و هي تبتلع ريقها و الخجل يظهر على ملامحها: لا أدري... فهو أبيض البشرة، أصفر الشّعر و أزرق العينين... و هذا ليس غريبا في الأصل مادام تركيّا.
ثمّ ضحكت لتمنعه من قراءة عينيها و أضافت: لو كان من الجزائر، لكان مظهره أكثر خشونة!
فأجابها مبتسما: أتحاولين الإشارة إليّ بكلامك أيّتها المحتالة؟ أتقولين بلسان الحال أنّه أفضل من ابن خالك، فقط لأنّه وسيم و تركيّ، و غني...
فصاحت بغضب: ما هذا الكلام الجريء يا عماد؟
فخفّف من السّرعة و قد تكلّم بهدوء: ظننت في البداية أنّ ذهابك للدّراسة في العاصمة سيقضي على شخصيتك الخجولة الملتزمة، و لكنّ العكس حصل، فقد عدت إلينا أكثر التزاما من ذي قبل، و هذا عائد إلى قوّة إيمانك!
فطأطأت رأسها و هي تقول له: لقد أخجلني مديحك هذا... فماذا سأفعل لك؟
فأجابها: تستطيعين فعل الكثير... كأن تعملي مكاني في الحقل... أو تحلّي فروضي المنزليّة الّتي أعطاها لنا أستاذ الجامعة الممل!
كان منزل العروس قريبا، فلم يأخذ منهم الذهاب و الإياب وقتا، فعادت ديمة إلى مكانها السّابق حين غادرت هدى، و راحت تنظر إلى الفتيات و هنّ يرقص، ثمّ أخرجت هاتفها من جيبها لتلعب لعبة ما حين شعرت بالملل، و حلّ اللّيل فازداد البرد شدّة، و كان سوء الطّالع رفيقا دائما لها، إذ لم تجد ما تفترشه سوى وسادة و غطاء رقيق، فحملتها و صعدت الدّرج لتنام هناك لوحدها، و سرعان ما أخرجت هاتفها و اِتّصلت بسوار في رقمها الأمريكيّ لأنّها قرّرت قضاء العطلة هناك مع والدها، ففرحت هذه الأخيرة بهذا الاتّصال و قالت ضاحكة: من أين تتّصل ديمة الكسولة؟
فأجابتها بلطف: لن أخبرك ما لم تخبريني أنتِ أوّلا.
فردّت سوار: أنا الآن في منتجع أمريكيّ للتّزلّج، و بالتّحديد في شرفة الفندق الواسعة أشاهد هطول الثّلج لوحدي، و ماذا عن صديقتي الّتي أحبّها؟
فقالت و هي تمسك بطنها ضاحكة: يا للسّخرية، فنحن في مكانين متناقضين، فأنا في مكان تعِس بائس أتيت إليه مرغمة لحضور حفل زفاف كما يقولون، و أنا الآن في أعلى الدّرج أحاول النّوم في هذا البرد القارص... و لا أدري ما أسوء ما قد يقع بعد هذا!
فضحكت سوار هي الأخرى: يا حبيبي!! أهذا ما ينقص متذمِّرة مثلك؟ أنا أشفق عليك يا سيّئة الحظّ، و لو كنت أعلم لأتيت بك إلى هنا لتستمتعي معي!
فقالت ديمة و قد تبدّلت نبرتها و خفَّ صوتها قليلا: و لكن... هل تستطيعين أن تخمِّني كيف رجعتُ إلى البيت من العاصمة؟
فصاحت بفرح و غبطة: يا إلهي!هل... هل اصطحبك نورس في سيّارته؟ يا للرّومنسيّة! ألم أقل لك أنّه...
فقاطعتها بخجل: لا... لا يا حبيبتي... دون فهم خاطئ، فقد رافقتنا أسماء، و كان معي أبي أيضا... و قد مكثا عندنا ليلتين!
فتكلّمت سوار متنهّدة بفرح: هذا رائع، و أظنّ أنّها كانت فرصة جيّدة ليتعرّف على والدك... و هكذا... سَتَسْهُلُ بقيّة الأمور، فيكون طلبه ليدك منه يسيرا!
و بينما ديمة تتحدّث عبر هاتفها، سمعت عويلا ممزوجا بالصّراخ، فتسارع نبض قلبها و قالت بكلّ خوف: إلى اللّقاء يا سوار... أظنّ أنّ هناك مشكلة ما... سأعاود الاتّصال بكِ فيما بعد إن استطعت.
ثمّ نزلت الدّرج و ساقاها عاجزتان عن حملها لشدّة هلعها، فوقعت عيناها على أقربائها مجتمعين، و أحدهم يمسك إحدى القريبات و هو يشدّها من شعرها، و البعض يحاول فضّ هذا النِّزاع، و هي تصرخ باكية، فما فهمت صديقتنا شيئا، و لتّجهت نحو والدتها مستفسرة: أمّي.... ما بال العمّ حاتم يضرب ابنته أمام الملأ دون خجل؟ ماذا فعلت المسكينة ليعرِّضها لهذا الإحراج؟
فسكتت و لم تجبها عن سؤالها، و أشارت عليها بأن تلتزم الصّمت، فكان حاتم هذا يصيح مزمجرا: هل هذا هو الجزاء الّذي أستحقّه منك يا ساقطة؟ تحاولين أن تهربي مع سافل كذاك لتجلبي العار لنا؟ تحاوين تلطيخ سمعة العائلة و الفرار بجلدك يا وسخة؟ أمّك طالق ثلاثا إن عُدْتِ للدّراسة بعد اليوم...
ثمّ واصل ضربها بعنف، فكادت ديمة تموت رعبا بعد أن فهمت مجريات القصّة، إذ أنّ تلك الفتاة على علاقة غراميّة مع أحد الشّبّان، و كانت قد قرّرت أن تهرب معه هذه اللّيلة إلى العاصمة ليتزوّجا زواجا عُرفيّا هناك، فأمسكها والدها متلبِّسة... هذا هو ظاهر ما وقع، أمّا باطنه فلا أحد يعلم إن كان موافقا للظّاهر أم هو منافٍ له تماما...
و هكذا نامت ديمة جنب والدتها الّتي كانت تتحدّث مع بعض النِّساء و هي تقول مستاءة: ما هذا الانحلال الخلقيُّ يا معشر النِّساء؟ ماذا سنقول و بناتنا يعشن في هذا الزّمن؟ علينا أن نُرَبِّيَهُنّ على الخوف لكي لا يقعن في هذه المشاكل، لأنّ النّتيجة ستكون الموت حتمًا...
ثمّ أضافت بحزم: و الله لو أنّ ابنتي فعَلَت فِعْلَةَ ابنة حاتم، لذبحتها من الوريد إلى الوريد!
فاقشعرّ بدن ديمة حين سمعت كلام والدتها، و سرعان ما أغمضت عينيها لأنّها كانت متعبة...
و في الصّباح جلست في الخارج تحت شجرة و قد شرد ذهنها و بدا عليها حزن عميق، فلم تنتبه إلى أنّ عماد جالس بقربها، فعَمَدَ إلى فرقعة أصابعه، فانتفضت، فتكلّم بلطف: مابال ابنة عمّتي الصّغيرة حزينة خائفة؟
فأجابته بهدوء: ألم تُصعق بما حدث ليلة الأمس؟ أنا مصدومة و حزينة لأجلها...
فانفجر ضاحكا: أتحزنين من أجل تلك السّاقطة الّتي نزّلت رأس والدها؟ لقد كانت...
فقاطعته: نعم... إنّها مخطئة من وجهة نظرنا... و لكن... ماذا لو... ماذا لو كان الأمر سوء تفاهم بحيث لم نرَ ممّا جرى سوى المشهد الأخير؟ ماذا لو كانت هي الضّحيّة لا المجرمة... من سيقف معها ليدافع عنها؟ دعك من اتّهامها فلعلّها بريئة...
ثمّ سكتت قليلا و قالت بحزن و هي تنظر إليه: و لْنقل أنّني كنت مكانها و كان الأمر سوء تفاهم... هل ستصدّقني أم أنّك ستصفني بالفاجرة المنحرفة؟
فابتسم برقّة و أجابها: هذا لن يحصل يا عزيزتي... و إن حصل فسأحميك من ألسنة النّاس... حتّى لو...
فقالت بلطف: حتّى لو ماذا؟
فواصل كلامه بصدق: حتّى لو اُضطررت أن أتزوّجك!
فصاحت و هي تضربه: أُفَضِّل أن أبقى عانسا طوال حياتي على أن أتزوّج أحمقا مثلك!
فانفجر ضاحكا و قال و هو يربِّت على رأسها: هذا مؤكَّد يا ديمة، مادام ذلك الشّابّ التّركيّ الوسيم موجودا...
فلم تكن ردّة فعلها سوى لكمة قويّة كادت تكسر ظهره، ثمّ دخلت إلى البيت و وجهها أحمر كحبّة الكرز، أمّا عماد فقد واصل نظره إليها و هو يحدِّث نفسه: آه... يا ديمة البريئة... أنا أعلم أنّك واقعة في حبّ ذلك الشّاب، و لكنّني واثق من أنّ عقلك متغلّب على عاطفتك... و أعرف أنّ عزّة نفسك ستحميك كثيرا من الانجراف إلى هاوية اللاّعودة ...
إنّها التّاسعة صباحا، و لكنّ و رغم أنّ الوقت مبكّر، إلاّ أنّ أغلب الحضور كانوا قد قرّروا العودة إلى بيوتهم، و السّبب وجيه طبعا...
و هكذا مرّت أيّام العطلة بسرعة شُفيت فيها ديمة من يدها، و لم يبق منها سوى يومين، فأخذت تنجز فروضها المنزليّة، ثمّ حضّرت حقائبها، و قرّر والداها أن يعطياها مبلغا ضئيلا من المال لكي لا تقع في شَرَكِ التّبذير ثانية، فلم يُعجبها الأمر، و عارضته في البداية، و لكنّها تقبّلَته في نهاية المطاف، و انطلقت مع والدها إلى العاصمة، فكانت تنظر من نافذة الحافلة إلى السُّحُب مبتسمة و شوقها إلى أصدقائها يكاد يجعلها تطير إليهم...

**********
الفصول القادمة:
العودة إلى الثّانويّة
في ألمانيا


ساكورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:20 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.