آخر 10 مشاركات
اخطأت واحببتك *مميزة*& مكتمله* (الكاتـب : Laila Mustafa - )           »          أغلال الحب - قلوب زائرة- للكاتبة الرائعة : أميرة الهواري *مكتملة & بالروابط*مميزة (الكاتـب : Just Faith - )           »          ثارت على قوانينه (153) للكاتبة: Diana Palmer...كاملة+روابط (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          وعانقت الشمس الجليد -ج2 سلسلة زهور الجبل- للرائعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          مرايا الخريف -ج3 سلسلة زهور الجبل- للكاتبة المبدعة: نرمين نحمدالله *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          رواية المخبا خلف الايام * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : مريم نجمة - )           »          قيود ناعمة - ج1سلسلة زهورالجبل - قلوب زائرة - للكاتبة نرمين نحمدالله *كاملة&الروابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          و أَمَةٌ إذا ما ابتُلِيَت في شرَكٍ ما جنتَ *مميزة* *مكتملة* (الكاتـب : فاطمة عبد الوهاب - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          7 - غراميات طبيب - د.الأمين (عدد حصري)** (الكاتـب : سنو وايت - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-10-15, 01:01 PM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




الـــــــــــفــــــــــص ــــــــل الـــــــتـــــــــــــــ ـاســـــــــع






ذهبت حياه يوم السبت بعد مرور شهر ونصف على إعطاءها الدروس وزيارتها يومياً ما عدا يوم الجمعة فهو يوم العطلة.

تفاجأت لأن المكان أصبح مهمل والمنزل مقلوباً رأساً على عقب، نظرت إلى مي مي التي فتحت لها الباب: هو إيه اللي حصل ؟

ترقرقت الدموع بين جفنيها وقبل أن تشير لها بما حدث فقد تعلمت حياه لغة الإشارة خصيصاً لتستطيع التواصل معها بسهولة أكثر وتصبح أقرب إليها، ظهرت نجلاء تنظر لها متسائلة وقدمت نفسها: أنا نجلاء

أومأت حياه: أهلاً وسهلاً .. حضرتك بنت مدام سمية مش كدا ؟

- بالظبط، إنتي المُدرسة بتاعت مي مي ؟

- أيوه، أنا حياه

دعتها للجلوس: ماما أول إمبارح بعد ما مشيتي بالليل ماما رجلها اتكسرت لما اتزحلقت على السيراميك ونايمه في السرير دلوقتي
ظهر الحزن جلياً على وجهها ولاحظت حبها لوالدتها، قدم الأب مرحباً بها: أهلاً يا بنتي، أعذرينا على حالة البيت بس اتلهينا ف سمية وماحدش فيه دماغ للترويق

ابتسمت متفهمة: ولا يهمك المهم سلامتها

- الله يسلمك

- ممكن أشوفها ؟

- طبعاً طبعاً

رافقها إلى غرفة سمية وتركهما بمفردهما.

اطمئنت على صحتها لكنها تفاجأت من طلبها: حياه، ممكن أطلب منك طلب بس أتمنى ما تكسفنيش
أسرعت حياه: طبعاً يا مدام سمية، لو أقدر أكيد مش هاتأخر

- اعتقد إنك شوفتي شكل البيت بره وإنتي داخله

هزت رأسها فتابعت: أنا متوقعة حالته، كل دا من يومين بس ما أخدتش بالي من البيت وفوق دا كله هأفضل في الجبس 21 يوم متخيلة حجم الكارثة اللي هأبقى فيها ؟ .. وما ينفعش أجرب خدامين في الوقت دا، الله أعلم ممكن يستغلوا الظرف دا ويسرقوا حاجه أو يعملوا فينا إيه وإحنا نايمين .. عشان كدا أنا بأطلب منك تيجي تقعدي معانا هنا تاخدي بالك من مي مي والبيت لحد ما أفك الجبس وبعد كدا اللي يريحك هيحصل

تفاجأت حياه من عرض السيدة التي أكملت: أوعي تفتكري إنه دا تقليل من قيمتك، أبداً والله أنا كان نفسي أطلب من نجلاء بنتي كدا بس هي مش قريبة من مي مي زيك كدا ولا ليها ف شغل البيت أخرها طبقين تغسلهم، كمان حياتها مع جوزها مش ناقصة لخبطه .. ومافيش واحدة أقدر اسيبلها بيتي وبنتي وأعيشها معايا زيك .. شوفي اعتبريه طلب إنساني وبردو هأدفعلك اللي تطلبيه

رفعت رأسها بشموخ وقالت بحدة حاولت تخفيفها لكن عرق الصعيد الذي يسري في جسدها يأبى الإهانة التي سمعها: أنا لو قبلت يا مدام سمية بكدا فهيبقى عشان أساعدكوا وقت حاجتكوا ليا بس مش عشان فلوس ولا حاجه تانية

تنحنحت السيدة بحرج: مش قصدي حاجه والله يا حياه أنا بـ...

أوقفتها عن تقديم أي عذر: خلاص اللي حصل حصل، أنا هأجي كل يوم أظبط أمور البيت بس هأروح بعد كدا .. مش هأقدر أبات
ثم أردفت بكبرياء: ومش عايزه فلوس .. أنا بأحس مي مي أختي الصغيرة أو بنتي كمان

ابتسمت سمية ابتسامة صدقة هي أيضاً اعتبرت حياه كابنة لها لم تنجبها، أحبتها وشعرت بأن الحياة جارت عليها دون أن تروي لها قصتها، رغبت بمساعدتها دون أن تعرف حتى مشكلتها.





ثار وطاح بكل من حوله، أصبح كالأسد المسعور يريد قتل من يأتي تحت براثنه فقط رغبة في تفجير غضبه المكبوت، هكذا صار حاله منذ علم بهروب حياه.

توعد لها وأطلق رجاله في جميع الإتجاهات بحثاً عنها متيقناً عدم عودتها إلى أهلها فهو يعرف كبرياءها .. ذلك الكبرياء اللعين الذي سيقف في طريقة عودتها مكسورة الخاطر مطأطأة الرأس .. ليس ذلك النوع من البشر الذي يقبل أن يعيش في هوان، رغم حبها لعائلتها ستختار العيشة وحيدة مرفوعة الرأس على العيش تحت جناحهم دون ماء وجه.

لقد تلقى التقريع واللوم من رئيسه الذي علم بهروبها كذلك، موجهاً إليه تهمة الإهمال والتسيب، كيف يثق بفتاة هو على علم بأنها ستنتهز أول فرصة في الهروب خصوصاً أنها أول مرة تخرج في عمل، لكن ما لم يعرفه رئيسه والذي احتفظ به لنفسه أنه حتى لو مر عليها ألف ليلة تعمل وجاءتها فرصة للهرب لن تتغاضى عنها وتدعها تمر دون استغلال؛ هذا لمعرفته بها.

تمتمت جميلة حانقة: هو مافيش غيرها يعني على وش الأرض يا شادي ولا إيه ؟؟ ما تسيبها نجيب عشرة أحسن منها

أسند يداً جوار رأسها على ظهر المقعد ورفع سبابة الأخرى في وجهها، كز على أضراسه كزاً: كله إلا حياه! حياه دي بالذات لازم ألاقيها

فتون متعجبة إصراره عليها: وإشمعنه يعني ؟؟

اعتدل شارداً: عشان مافيش واحدة تقدر تستغفل شادي، فاهمة ولا لا ؟؟

ضحكت نيفين ساخرة: ولا عشان البيج بوص هزأك عشانها ؟

أمسك فكها في كفه: تعرفي تخرسي خالص؟؟

دفعها بعيداً عنه لتسقط على أقرب مقعد وقد ملأ الحقد عينيها، سألته جميلة: صحيح أنت مش ناوي تقولنا هو مين البيج بوص ؟

- هيفرق معاكي يعني ؟؟

- عادي، فضول

تنهد: طب اتهدي بقى، لأنه أنا نفسي ما أعرفش شكله

انتبهت حواس الجميع خصوصاً نيفين، تساءلت فتون: إزاي؟ كل دا وما تعرفش شكله؟

- لا ، لما بيقابلني مش بيخليني أشوف وشه .. الأوضة نورها كله بيبقى عليا لوحدي وساعات بيكلمني ف التليفون بس
تمتمت جميلة بتعجب: غريبة

استغرق هو في تفكيره، يحاول الوصول إلى طريقة يعرف بها مكانها، يضع نفسه مكانها لعله يعلم إلى أين يمكنها الذهاب والإختفاء هكذا، مهما طال الزمن سيأتي اليوم الذي يصل فيه إليها ويجعلها تدفع ثمن هروبها من تحت يديه.





انتهت من العادة التي عودت جميع أهل المنزل عليها، والتي كانت تفعلها في منزل عائلتها، وهي وضع الزهور بكل غرفة وكل ركن، كذلك إشعال أعواد البخور يوم الجمعة معطياً رائحة أخاذه في الجو تبعث الحيوية والنشاط.

دق جرس الباب فذهبت تفتحه، تفاجأت بذلك الشاب صاحب البنيان القوي، يُرجع خصلات شعره للخلف بنظارته الشمسية ذات الماركة الشهيرة، لم تعجبها نظرته المدققة مما جعلها تتمتم بعصبية: خير ؟؟ حضرتك عايز حاجه ؟؟

احتلت السخرية ملامحه: أول مرة أشوف خدامة بجحه بالشكل دا

أزاحها جانباً بذراعه غير مبالي بالدهشة التي ملأت كل ملامح وجهها، أغلقت الباب بعنف وتبعته تريد أن تلقي فوق رأسه صخرة لتحطم بها سخريته وتهكمه.

أمرها بغرور: روحي اعمليلي كباية عصير برتقان وهتيهالي على أوضة ماما

رحل دون إضافة كلمة أخرى بينما وقفت هي تضم ثلاثة أصابعها الأولى وتهز كتفيها، من يرها يظنها ترقص ولكن عندما يلقي نظرة على ملامح وجهها المنكمشة يعلم كم تشعر بالضيق: ماما .. جاتك مو .. بقى شحط زيك بيقول ماما !، أما أنت تقول ماما أومال أنا أقول إيه ..!

أفاقت عندما رأت مي مي تقف أمامها ولا تستطيع تمالك نفسها من الضحك على مظهرها، نظرت لها بحنق: بتضحكي على إيه ؟؟

أشارت إليها دون أن تتوقف عن الضحك، وضعت يدها على فم الصغيرة: هش اسكتي خالص بدل ما أطلع اللي قالوه أخوكي عليكي أديني بأحذرك أهو

بعد أن تمالكت الطفلة نفسها من الضحك صحبتها حياه معها إلى المطبخ لتعد العصير، تركتها تلعب في غرفتها بينما دلفت إلى حجرة سمية حاملة الصينية.

دخلت تعض شفتيها حتى تمنع لسانها من الإنفلات، تناول العصير منها دون كلمة شكر واحدة بل الأدهى أنه أمرها أن تعد له الغداء لأنه يشعر بجوع شديد.

فهمت سمية نظرت الغضب المشتعلة في عيني حياه فهتفت تلوم ابنها بعد أن غادرت: مش كدا يا حمزه، مالك بتعاملها كدا ليه ؟؟

تناول رشفة من الكوب قائلاً بلا مبالاة: وهي دي أشكال خدامين يا ماما بردو ؟؟

سألته باستنكار: خدامين إيه يا حمزه؟! .. دي حياه مُدرسة مي مي !

لم يتهنى برشفة العصير فقد رشها بالهواء من هول الصدمة، قالت والدتها باشمئزاز: إيه القرف دا !، أنت مش كبرت على الحركات دي

اعتذر من والدتها وهم بالمغادرة، استوقفته محذرة: ما تنساش تعتذرلها يا حمزه.. بلاش الطريقة دي مع حياه بالذات .. البنت كتر خيرها يعني بتساعدني وأنت مشغول في شغلك وأختك بتجيلي مرة ولا إتنين في الأسبوع زيارة صد رد كدا

لوى شفتيه، من هي ليعتذر منها بالأساس، إنها واحدة من جنس حواء، الجنس الذي يتفنن في الإيذاء، مصاصي الدماء يتلذذون بدم الضحايا أما النساء فيتلذذون باستنزاف مشاعر الرجال ثم يلقونهم ليشبعوا رغبة أخرى أهمها الأموال.

شرب من العصير متلذذاً بطعمه، مال برأسه جانباً: هي أي نعم شكل لسانها متبري منها بس عليها عصير أول مرة أشرب عصير حلو بالشكل دا .. هاهاها بس بعينها تسمع الكلام دا





رغم الحزن الطاغي في المنزل لكن تناسى الجميع هذا الحزن وبدأوا بإعداد وليمة ضخمة للضيوف القادمين.

أمسكت المعلقة من يد زهرة لائمه: معقول يا زهرة لحد دلوقتي ما جهزتيش؟؟

- أخلص بس الفصوليا وبعدين أطلع

- بلا فصوليا بلا بسلة، اطلعي اجهزي وأنا هأشوف اللي ناقص .. يا بنتي العريس دا جايلك إنتي مش جايلي أنا
زفرت بحدة: أنا لو عليا مش عايزه جواز خالص

- ليه كدا بس يا زهرة؟

- يعني مش شايفه اللي إحنا فيه؟ .. أتجوز إزاي وأختي مش جنبي ؟؟

أتاهم صوت من على باب المطبخ يهدر بقوة: انسي إن ليكي أخت، إحنا أربع أخوات بس!، ما تفكريش فيها أحسنلك.

ربتت عائشة على كتفها متنهدة: يلا اطلعي إنتي دلوقتي

انصرفت زهرة صامتة، بينما تابعت عائشة حديثها وهي توجهه إلى زوجها: براحه يا محمود مش كدا، زهرة كانت معتبرة حياه بنتها مش مجرد أخت .. كأنك بتقول لأم انسي بنتك بالظبط

أشاح بيده منصرفاً: ما تجبيش اسمها تاني على لسانك فاهمة ؟؟

تنهدت عائشة بحيرة، كل من بهذه العائلة يمتاز بعناد موروث منذ سابع جد فكيف لها أن تتغير تلك الصفة بين ليلة وضحاها .. ليس بيدها إلا الدعاء.

اجتمعت عائلة العريس مع عائلة زهرة، جلسة للرجال فقط يتحدثون بهدوء وانسجام حتى فُتح موضوع حياه.

تحدث والد العريس: مافيش أخبار عن حياه؟

أجابه فاروق بوجه جامد كالصخر: إحنا ماعندناش بنت بالاسم دا

شقيق العريس الأكبر ملمحاً بلكنة صعيدية: ليكوا حَچ، بس الخوف إنها تكون صفة ف العيلة

محمود وقد تملكه الغيظ: جصدك إيه يعني؟

عم العريس موضحاً: اللي وصلك بالظبط يا محمود، مش يمكن أختها زييها، دا مش بعيد تكون ألعن منيها .. مين عارف ؟؟

نهض فاروق: ومادام فيه أفكار زي دي ف دماغكوا إيه اللي چابكوا إنهاردِه ؟

محمود مؤيداً والده: والله أختي ألف مين يتمناها وإحنا ما ضربنكوش على إيديكوا عشان تيچوا تطلبوها

انتفض العريس من مجلسه: وأنتوا تطولوا تناسبوا عيله زيينا ؟؟

محمود بفخر: وأحسن منيكوا كمان !

كانت عائلة فاروق تتحدث في أغلب الوقت باللهجة القاهريه وذلك نتيجة تربيتهم عليها من قبل فاروق وزوجته –رحمها الله- لكن وقت الحاجه يتحدثون باللكنة الصعيدية حتى لا يظن الأخرون أنهم عجينة لينه.

والد العريس ساخراً: أوعاك تكون فاكر أنه في حد هيفكر يتچوز أختك يا محمود .. تبجى بتحلم يا وَلدي

محمود: ومالها أختي يا حاچ ؟ .. دي ست البنات .. والبلد كِلاتها عارفه إكده

- أيوه لكن بعد اللي حُصُل من أختك الصغيرة كِله انجلب

فاروق بحزم: دا عنديكوم أنتوا وبس، لكن فيه ناس كَتار مش بياخدوا حد بذنب حد

نهض عم العريس وأشار للبقية بالمغادرة: يبجى خليك مستنيه بجى لما ياجي

غادر العريس مع رجال عائلته ولحق بهم النساء فقد كن يجلسن برفقة زهرة وعائشة بالحجرة المجاورة.

نظرت عائشة إلى زهرة هامسة: يظهر إنها مكتوبالك يا زوزا، مش هتتخطبي أهو من غير ما تكون حياه هنا .. تحسي إنها عامله سحر طول ما هي مش هنا مش هنفرح هههه

ابتسمت زهرة ابتسامة باهتة، لقد اشتاقت لشقيقتها كثيراً ولكن إلى متى سيدوم الإشتياق ويتحمله القلب قبل أن يرتوي؟





اختفت خلف في ستارة بركن من أركان غرفة مي مي مخصصة لمسرح العرائس ولاعبتها من خلفها مقلدة الأصوات بطريقة رائعة وفي الأغلب مضحكة إلى درجة البكاء.

كانت مي مي تجلس ضاحكة وقد أوشكت على السقوط على ظهرها من كثرة الضحك، وكان هو على وشك المغادرة عندما استوقفته

ضحكاتها التي لأول مرة يسمع لها صوتاً، راقبها من الباب المفتوح على مصرعيه وقد عقد ذراعيه مستنداً إلى إطار الباب.

- وبعدين بقى يا لوزة ! .. إنتي هتتعبيني معاكي ليه ؟؟

جاء الدور على الدمية الفتاة: إمشي يا فلفل بدل ما افتح دماغك بالأوله دي !

المهرج: أولة إيه يا بت إنتي .. وبعدين هو حد قالك إنه دماغي عطشانه ؟؟

الفتاة: أنت فاكر موضوع لما تفتكرني خدامه عندكوا هأعديه بالساهل دا يبقى بعدك !

لم يستطع لجم نفسه أكثر من ذلك وسحب شكل المهرج من يدها وارتداه هو وبدأ يتقمص دوره: ويا ريت ما تنسيش يا لوزة أني خليتك تعمليلي عصير وبعدها غدا .. اتفقنا ؟؟

كانت تشعر بالحرج عندما علمت بسماعه لكلاماتها الأخيرة، لكن بعد جملته تلك عاد الحنق يملأها وردت قائلة بينما تنظر داخل عينيه بقوة: مطرح ما يسري يهري

أمسك معدته مصدوماً وقال بفزع مصطنع: بعد الشر

لم تستطع تمالك ضحكاتها فغرقت في عاصفة من الضحك لم يسحبها منها إلا صوته الحاني عندما قال: تصدقي ضحكتك حلوه أوي

توقفت بهتة ونظرت إليه وعينيها تبعث شراراً فأضاف: بس عصيرك وحش أوي .. إخيه

نزع الدمية من كفه وغادر الغرفة فجأة كما دخلها مخفياً ابتسامة ماكرة شقت شفتيه، نظرت إلى الطفلة فوجدتها تنظر لها بعدم فهم هي الأخرى، أيعقل أنها لا تفهم تصرفاته مثلها ؟





شعرت نجلاء بالغرفة تدور من حولها، تناولت الهاتف تدق على الهاتف المحمول الخاص بوالدتها لكنه مغلق، سيطرت على نفسها بقسوه وهي تدق على تليفون المنزل الأرضي لعلها تصل إليها لكن حياه هي من أجابت: السلام عليكم

تحدثت نجلاء بصوت متقطع: حياه .. إلحقيني

أقلقها صوتها الهامس المتوجع: مالك يا نجلاء ؟؟

- تعبانه أوي .. دايخه ومش قادرة أقف

- طب إنتي فين دلوقتي ؟؟

- أنا في البيت

- هاتي العنوان طيب وأنا هأجيلك

أملتها العنوان وبعدها فقدت السيطرة لتذهب في عالم أخر لا تدري فيه شيئاً.

نادت عليها حياه عدة مرات لكن لا حياة لمن تنادي، فكرت ماذا تفعل لا أحد بالمنزل غيرها هي والطفلة، سمية ذهبت برفقة زوجها إلى الطبيب وحمزه ذهب إلى عمله، ليس هناك من حل غير أن تأخذ مي مي معها.

وصلت إلى العنوان وصعدت لكن الباب مغلق وليس هناك من مجيب، طلبت من حارس البناية أن يكسر الباب بعد تردد فعل ما أمرت به خشية مصيبة أكبر.

اتصلت بالإسعاف عندما وجدتها ملقاه أرضاً ونقلتها إلى المستشفى، أجرى الطبيب العديد من الفحوصات والتحاليل كذلك مسحاً ذرياً مما أقلقها وأنساها أن تهاتف أهل نجلاء أو منزل حنان .. كما أنها لا تملك هاتفاً محمولاً ليتصلوا بها حتى يطمئنوا.






- أن مش عارفه إيه اللي بتعملوه دا ؟؟ .. هو أي واحدة كدا تأمنوها ع البيت وعيله صغيرة ؟

أخفت سمية وجهها خلف كفيها: يا حمزه حياه عمرها ما تعمل كدا

هتف غاضباً: أومال تفسري بإيه حضرتك أنه الساعة دلوقتي 10 وهي لسه ماجاتش وأصلاً خرجت مع البنت من غير استأذن

أحمد بصرامه: أتكلم كويس يا حمزه وما تنساش إني أبوك ودي أمك

قطع التوتر صوت الجرس، فتح أحمد الباب ووجد حياه تحمل مي مي النائمة على كتفها، ادخلها بعد أن تناول الفتاة منها.

استقبلها حمزه هاتفاً: وأخيراً الهانم شرفت

نهرته سمية وهي تكفكف دموعها بعد أن اطمئنت على عودة الطفلة سالمة: استنى يا حمزه نفهم إيه اللي حصل

قال أحمد بعد أن وضع الصغيرة بغرفتها: اهدى بقى .. إيه اللي حصل يا بنتي خلاكي تخرجي وتتأخري بالشكل دا من غير ما تقولي لحد ؟

تداخلت أصابعها بين بعضها من فرط التوتر وصارت تلويهم في قلق لا تدري ماذا تقول، حثتها سمية على الحديث دون خوف فقالت: أصل فيه واحده صحبتي تعبت فجأة وروحت أساعدها

سألها أحمد: طب ما اتصلتيش بينا ليه ؟

- مش حافظه أرقامكوا وماكانش معايا تليفون وكنت خارجه بسرعة، خوفت أسيب مي مي لوحدها لتخاف فأخدتها معايا

حمزه ساخراً: وإحنا عبط بقى عشان نصدق البؤين دول مش كدا ؟

ظهر العرق الصعيدي كعادته فقالت بعصبية: والله أنا مش بأقول الكلام دا عشان تصدقوا أو لا .. أنا قولت كدا عشان أبرر موقفي وأقول اللي حصل عشان من حقكوا مش أكتر .. لكن غير كدا ما عنديش حاجه تانية .. وأتمنى أنك تاخد بالك من طريقة كلامك معايا يا باشمهندس

هتف: مالها طريقة كلامي يا أستاذة، لأكون باكلمك من وداني والكلام طالع من مناخيري .. إنتي اللي ما تنسيش نفسك وإنك مجرد واحدة إحنا مشغلينها عندنا

نهرته سمية لكن أحداً لم يستمع إليها، هجمت عليه تدافع عن نفسها: والله أنا مش شغاله عند جنابك عشان تكلمني كدا .. مش عشان قبلت أقف جنب والدتك واستحملت إهانتك ليا يبقى أنا شغاله عندك !، وإذا كان ع القرشين اللي باخدهم من تدريسي لمي مي الله الغني عنهم يا شيخ !

انصرفت دون أن تستمع لنداء أحمد أو سمية، فيما فقد إحساسه بالعالم لدقائق ثم ركض مغادراً تاركاً الدهشة تعلو وجه والديه.

قاد سيارته وسار على مهل متلفتاً حوله، وجدها تسير بخطوات حازمة تحمل الكثير من الغضب، هدأ السرعة بشكل أكبر وأنزل الزجاج: تعالي اركبي

لم تعيره أي اهتمام وأكملت طريقها، عاد يطلب منها محاولاً كتمان غضبه: يا بنتي اطلعي هأوصلك بيتك وبعدين اعملي اللي إنتي عايزاه .. الجو ليل وما ينفعش تمشي لوحدك

بعد لحظات عندما فقد الأمل في إجابتها قالت بهدوء لا يتناسب مع حركاتها الغاضبة: ماينفعش أركب معاك العربية لوحدي

تنهد بحنق ثم دلف إلى الشارع الذي يليها، نظرت حولها لتجد أن هذا الشارع لا يسير فيه سواها تغلبت على خوفها وأكملت الطريق تدعو أن تصل سالمة.

لمحت مجموعة من الشبان يبدو من مشيتهم أنهم غير طبيعيين، من فزعها توقفت في مكانها بينما اقتربوا منها حالما رأوها.

انكمشت في مكانها مغمضة عينيها، سمعت صوت لكمات يتلوها تأوهت، فتحت عينيها ببطء عندما سمعت صوتاً لاهثاً يقول: مشيوا خلاص
تنهدت براحه، أردف: مش كنتي سمعتي الكلام وركبتي معايا أحسن

تحدثت إليه بعصبية حانقة تقذفه بنظرات اللوم: أنت اللي سبتني ومشيت

نظر إليها متعجباً من ردها: أنا روحت أركن العربية عشان أجي اتمشاها معاكي مادام مش راضية إنتي تركبي معايا

شعرت بالخجل يلفها فنظرت أرضاً، بدأوا بالسير صامتين حتى وصلوا أسفل المنزل دون أن يشعرا بمرور ساعة من الزمن.

تأكد من دلوفها إلى منزلها .. لم يقدم اعتذاراً عما قاله .. حدثت نفسها أنها ليست بأخر معلمة في الدنيا وأي معلمة أخرى تستطيع تأدية دورها إن لم يكن أفضل .. لكن نسي أن الأمر ليس بيده وأنه إذا اقتنع بما قال .. لن تقتنع هي !





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:03 PM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الـــــفــــصـــــل العـــــــــاشـــــــــــ ــــــر




حثتها حنان العديد من المرات على الحديث مع أهلها لكن لا تعلم لما هذه المرة بالذات التي أرادت حقاً فعلها.
استعارت هاتف حنان وخرجت إلى الشرفة تدق رقم المنزل الذي تحفظه عن ظهر قلب لتجد شقيقتها تجيب: السلام عليكم
صمتت لم تعرف ماذا تقول، هربت منها الكلمات كما لم تفعل من قبل، دائماً كان يوجد رداً حاضراً على طرف لسانها في أي ظرف لكن هذه المرة ...
أعادت: السلام عليكم
لم تملك سوى زفرة حارة اخترقت السماعة لتصل إلى أذن أختها ثم قلبها تُنبأها بهوية المتحدث الصامت: حياه ؟
بكت بعد أن ظنت أنه لم يعد هناك سبباً للبكاء، وأي سبب أقوى من الإشتياق، الإشتياق لحضنٍ دافئ وصدرِ حنون يستوعب جميع مشاكلك وتنهداتك المتألمة.
في اللحظة التي نطقت أختها باسمها علمت مقدار شوقها لهم، تريد التحليق الآن والذهاب إليهم حتى ولو سجنوها أو حتى قتلوها .. يكفيها رؤيتهم ولو للمرة الأخيرة.
- إزيك يا حيـ..
فجأة اختفى صوت أختها الباكي من الشوق واستُبدل بصوت شقيقها الأكبر محمود الهادر: إنتي ليكي عين تتكلمي تاني ؟؟ .. انسي إن ليكي عيلة إنتي فاهمة ؟؟ .. إحنا اعتبرناكي موتي وياريت تعتبرينا كدا بردو .. كفايه اللي عملتيه فينا بقى .. أبوكي وبقى عيان يخرج من أزمة يدخل ف التانية وأختك وقفتي حالها .. مافيش حد هيرضى بواحدة أختها هربت مع عشيقها .. شوفي حياتك بعيد عننا بقى .. إنتي خلاص فجرتي ومابقاش منك أمل.
اغلق الخط مانعاً توسلات شقيقتها من الوصول إلى أذنيها: ليه كدا يا محمود حرام عليك
أشفق على منظر شقيقته المتعلقة بذراعه والراكعة أسفل قدميه لكن الكبرياء في عائلة فاروق دائماً هو الغالب حتى أمام قلب يتمزق شوقاً وعطفاً.
على الطرف الأخر زاد تدفق الدموع فوق وجنتيها لكنها هذه المرة حسمت أمرها، لم يعد في بيت عائلتها من مكان، يجب أن تستمر في طريقها كما خططت، أكثر ما حزنت عليه وضع والدها ووقوفها في طريق سعادة شقيقتها لكن لم يعد بيدها حل ...




لم يتوقف اعتراض مي مي على عدم حضور حياه لتدريسها مجدداً عند تحطيم بعض الأغراض والإنقطاع عن الطعام إنما وصل إلى حالة إنهيار عصبي حاد.
تحدث إليهم الطبيب بحزم: إيه اللي حصل ضايقها لدرجة إنها دخلت ف حالة إنهيار بالشكل دا ؟؟ .. سنها ما ينفعش فيه الكلام دا وكمان حالتها !
أجابته سمية وهي تنظر لحمزه بلوم: أصل المُدرسة بتاعتها اعتذرت إنها تكمل معاها وهي اتعلقت بيها جداً
الطبيب بتفهم: بصوا يا جماعة هي انطوائية زي ما أنتوا عارفين فالنسبه لأنها تلاقي حد تقدر تنسجم معاه فدا ف حد ذاته انجاز كبير .. أياً كان السبب اللي خلى المُدرسة دي تمشي حاولوا ترجعوها عشان خاطر البنت
أومأ الجميع بتفهم، انصرف الطبيب بعد تأديته لواجبه تاركاً الجميع يفكر في حل مناسب لتلك المعضله.
أحمد: مش هترضى ترجع غير لو روحت أنت تعتذرلها وتطلب منها دا
نظر إليه حمزه مستنكراً فتابع: ما تبصليش كدا، أنت السبب وأنت اللي هتحلها لكن لو عاجبك حال مي مي كدا ف دا موضوع تاني
جلست سمية إلى جوار الفتاة متناولة كفها الصغير بين يديها تبكي حظ الطفلة؛ فهي تفقد من تحبهم دائماً.





فتح الضوء لينير الغرفة فور دخوله إليها، وجدها تجلس في الظلام تنظر إلى الـ لا شئ، ألقى مفاتيحه وهاتفه بالإضافة إلى محفظته على طاولة الزينة ثم اتجه يجلس جوارها، متوقعاً شجاراً جديداً كما اعتاد لكن لدهشته.
سألته بعد أن إلتفتت إليه بصوت أقرب للهمس: تعمل إيه لو أنا مُت يا فادي ؟
صدمه السؤال بشدة، لو تشاجرت معه لكان أهون عليه مما يحسه الآن، لم يفكر يوماً أن الموت قد يحرمه منها، إن مجرد طرح الفكرة يسبب له ألماً لا مثيل له، تمتم: بعد الشر ليه بتقولي كدا ؟
هزت كتفيها مدعية اللامبالاة: كلنا هنموت .. السؤال جه على بالي وحبيت اسأله
أضافت وعينيها لا تتزحزح عن مراقبة عينيه: طب لو شكلي بقى وحش أو شعري وقع .. رفعت أو تخنت زيادة لو الكل شافني وحشه .. هتفضل تحبني ؟
أجابها بهدوء: أنا شايفك بعيوني أنا .. بعيون قلبي
ارتمت بين أحضانه تبكي كما لم تبكي قبلاً، ضمها إليه خائفاً من فقدانها فعندما يطل شبح الموت على الواجهة تتغير الأولويات وقد تتغير المفاهيم أيضاً كأن رهبة الفقد الأبدي هي ما توقظنا من غفلتنا .. ننتبه عادة لقيمة أشخاص معينين في حياتنا عندما نوشك أن نخسرهم الخسارة النهائية التي ليس منها رجعة.





ترجل من سيارته بعدما صفها أمام المدرسة التي تعمل بها، شاهد الأطفال يتوافدون خارجين منها في سعادة لإنتهاء يوم دراسي أخر، شاهد حياه تخرج لكن تمسك بيد طفلة وتصحبها معها، شعر بالحيرة فكيف سيحادثها ومعها هذه الفتاة ؟، بعد لحظات وجد رجلاً يقترب ويتحدث إليها ابتعدت الفتاة تسلم على أصدقائها قبل ذهابهم إلى منازلهم.
لم يكن يعلم أن تلك الفتاة هي سمر وأن ذلك هو والدها، لقد تحدثت إليه حنان قبلاً عن الطفلة ومعاملة زوجته الثانية لها، استمع إليها نادماً على ترك ابنته بين أبدي امرأة لا تؤتمن، كذلك اكتشف أنانيتها الشديدة وأنها لا تهتم بسواها، طلقها وقرر تكريس حياته لابنته حتى إشعار أخر.
جاءت حنان حيث كانت حياه تقف بإنتظارها، ودعتا سمر وانصرفتا إلى المنزل مشياً، تبعهم حمزه من بعيد وقد أثار حديثها مع ذلك الرجل حنقه.
لا يدري لما انتظر في سيارته أسفل البناية رغم تأكده من صعود حياه إلى الأعلى برفقة حنان لكنه حالما رأها تهبط من جديد محمله بعدة حقائب ثقيلة وممتلئة تتبعها مجدداً.
دخلت إلى دار الأيتام المشتركة بها حنان لتنوب عنها هذه المرة لأن حنان تشعر بالإرهاق الشديد فيبدو عليها بوادر المرض.
وقف خلفها مباشرة بينما توزع الهدايا على الأطفال، شعرت به فاستدارت على مهل ونظرة استغراب تتضح بشدة في عينيها لكن هذا ليس ما لفته إنما هناك شئ أخر هو الذي ذبح صدره بنصلٍ حاد.
سألته بهدوء: بتعمل إيه هنا ؟
أجابها بمشاكسته المعتادة معها: هي دار الأيتام دي حجر عليكي لوحدك ولا إيه ؟
تنهدت ثم عادت تصب اهتمامها على الأطفال، لقد تغيرت نعم، لقد احتل الحزن مكاناً ليس بهين داخل عدسات عينيها، ما سببه؟، بالتأكيد ليس هو لكن إحتمالية أنه السبب بذلك زاد انغراس النصل ممزقاً أحشاءه.
حان وقت الرحيل، أوقفها ليتحدث معها، أنصتت لما قصه عليها فيما يخص حالة مي مي منذ علمت بعدم عودتها مرة أخرى، ترقرقت دمعة في عيونها ولكنها أبت لها الهبوط في حضرته.
تمتمت بتحفظ: أتمنى لها الشفى قريب
رفع حاجبيه استنكاراً: بس كدا ؟ .. دا كل اللي عندك ؟
استفهمت منه: وأنا ممكن أقدر أعمل إيه أكتر من كدا ؟
أجابها بهدوء مصطنع: ترجعي تاني تدرسيلها
رفعت رقبتها بعنفوان: أسفة، كفايه اللي حصل لحد كدا، كل اللي أقدر أقدمه لحضرتك إني هأخد بالي منها لو قدرتوا تدخلوها المدرسة .. غير كدا فأنا أسفة
بدأ الإنفعال يسيطر على حديثه: بس إنتي عارفه إنها ما ينفعش تروح المدرسة، مش هتقدر تنسجم في حالتها دي، كمان لسه كانت في حالة إنهيار أي ضغط زيادة ممكن يعملها انتكاسه الله أعلم نتيجتها هتبقى إيه
رغم تمزق فؤادها بسبب كلماته وتخيلها لوضع حبيبتها إلا أن كبرياءها أبى لها الخنوع فقالت ببرود ظاهري: يبقى أنا ما أقدرش أقدملك حاجه .. عن أذنك
- أنا أسف
أحقاً سمعت تلك الكلمات؟، اعتذر لها أخيراً كانت تعلم أنه من النوع الذي يرفض الإعتذار مهما كان مخطئاً، فأصبح وقع تلك الكلمات عليها كالصاعقة.
إلتفتت إليه لتتأكد مما سمعت فتابع: كدا هينفع ترجعي ؟
رأت اليأس في عينيه كما لمعان الدمع في قاعهما، همهمت: للدرجة دي بتحبها ؟
لا تعلم لما سألت هذا السؤال فمن ذاك الذي لا يحبه أخته بالأخص إن كانت مثل مي مي، أجابها بتأني:
مي مي دي رمز لكل حاجه حلوة ف الدنيا، البراءة والطيبة .. الحنية والطفولة .. الشقاوة والعقل، لما بأقعد معاها أو حتى أشوفها بأنسى الدنيا واللي فيها مش بيبقى ف دماغي إلا هي .. دي رحمة ربنا بيا
تمنت وهي تنصت إلى كلماته بقلبها قبل أذنيها أن تكون هي محل مي مي لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .. هكذا حدثت نفسها بينما كل ما تفوهت به: هأجي بكره في المعاد اللي كنت بأجي فيه قبل كدا .. مع السلامة
تركته قبل أن تخونها الدموع فتهبط أمامه معبرة عن ضعفها، تمنت أن يكون هناك من يقاتل من أجل سعادتها وراحتها كما يفعل هو من أجل مي مي، لقد تخلى عنها شقيقها عند أول منعطف حاد كأنها لم تكن بحياته، لما لم يحاول أن يأتي على رغباته لأجلها كما فعل حمزه قبل لحظات بإعتذاره .. حسدتها ولكن عادت وتمنت الخير لكلتيهما.





انتظمت في الذهاب إلى مي مي تعطيها دروسها، حامدة الرحمن على فك الجبس أخيراً من قدم سمية، بعد يومين ...
جلست على كرسي صغير حول طاولة دائرية في غرفة مي مي تجاورها الصغيرة، لمحت السلسلة حول رقبتها فسألتها: إيه دا، السلسلة دي مكتوب عليها اسمك يا "ميّ"
قطبت جبينها مبدية عدم رضاها عن الاسم فتابعت تسألها: إنتي ليه مش بتحبي حد يناديكي باسم مي ؟، مع إنه اسم حلو أوي ورقيق
هزت رأسها بعنف، هدأتها حياه: خلاص مش مشكلة مي مي حلو بردو
استرخت قليلاً فعادت حياه للحديث: إنتي ليه مش عايزه تتكلمي؟ مع إنه هيسهل عليكي حاجات كتير ويخلي عندك صحاب كتير أوووي أووي
نظرت لها الفتاة بصمت لدقيقة ثم تناولت الدمية من جوارها تسلمها إليها حتى تعتل مكانها في مسرح العرائس وتروي لها بعض القصص الممتعة.
تنهدت مي مي فتاة ذكية تستطيع تخليص نفسها في أشد الأوقات حرجاً لكن يا ترى متى سيجعلها ذلك الذكاء الحاد تتخلى عن قوقعة صمتها ..
قبل أن تتحرك من مكانها أتاها صوت حمزه الواقف على الباب يطلب منها أن تأتي للحظات فهو يريد التحدث إليها، تعجبت فهو لم يخاطبها منذ عادت واعتقدت أن السبب هو ندمه على الإعتذار الذي قدمه.
وقفت معه أمام باب الغرفة فسحبه قليلاً حتى لا يصل الصوت إلى أذني مي مي، مد لها علبة قائلاً بإبتسامة سحرتها: اتفضلي
تناولتها بتردد وقد دفعها الفضول لتعلم ماذا تحوي في جعبتها، رفعت إليه نظرات مملؤه بالدهشة: دا موبايل
هز رأسه مؤكداً: ليكي
أعادته إليه: مش بأخد هدايا من حد من غير مناسبة
رفع أحد حاجبيه: ومين قالك إنه من غير مناسبة ؟ .. دا هدية شكر عشان وقفتك جنبنا الفترة اللي فاتت أيام ما ماما كانت رجلها متجبسة وساعدتينا من غير مقابل
أضاف غامزاً إياها: كمان عشان لما تنزلي مستعجلة وتاخدي مي مي معاكي تقدري تكلمينا وتقوليلنا بدل ما واحد كدا ثقيل ورخم يقولك كلمتين يزعلوكي فتسيبي المسكينة اللي جوا دي وحالتها تقطع القلب
حاولت إخفاء إبتسامتها لكنه استطاع لمحها مما جعل إبتسامته تتسع أكثر، تمتمت: شكراً
هم بالإنصراف عندما استدار إليها متذكراً: أه صحيح هتلاقي عليها نمرة واحدة بس متسجلة .. هتلاقيها متسجلة باسم الأرجوز .. فدي نمرتي يعني لو عوزتي حاجه
عندما رأى إتساع عينيها، أضاف بمكر: وكان موبايلي تايه مش عارف بيتسرمح فين فرنيت عليه من موبايلك .. وأنا كشخص مش بأحب الأرقام الغريبة اللي مالهاش اسم دي بتبقى دخيلة كدا ودمها تقيل فسجلت النمرة باسم ...
صمت قليلاً مما جعل كل حواسها تنتبه وهذا ما أراده فأكمل: الشعنونه
كزت على أسنانها غيظاً، علق على حالتها: أومال أنا بس اللي يبقى اسمي عبيط ؟ .. دا بعدك
انصرف وتركها في حالتها تلك لكن لم تمر لحظات حتى انفجرت ضاحكة، إنه مجنون، عادت إلى الداخل حيث مي مي التي نظرت إلى العلبة في حيرة.
- تعالي نقعد نستكشف البتاع دا بيشتغل إزاي ههههههه لا وجايبهولي حديث كتر خيره
قفزت الفتاة في مرح فهي تعشق اكتشاف كل جديد وجلست إلى جوار حياه .. استغرقوا في قراءة كُتيب التعليمات.
لم يشعر أياً منهما بأن هناك من يتابع الحديث منذ بدايته، بوجه جامد لا تعلوه أي تعبير سواء الرضا أو السخط ..




شعرت بأن جدران المنزل تطبق على صدرها حد الإختناق، تريد التحدث إخراج ما بداخلها، تبكي وتطلق العنان لمشاعرها حتى تعبر عن الأعاصير التي تدور دون توقف في نفسها، لم تجد غيرها حلاً فهي من رافقتها إلى المستشفى .. لا تعلم نتائج الفحوصات ولكن ما الضرر الذي سيحل إذا علمت .. ستأتمنها على السر متأكدة من حفظها له .. مستغلة إنشغال زوجها في شركته.
أتت إلى منزلها فقد حفظت العنوان قلقة من صوتها الذي أتاها عبر الهاتف، قبل أن تنبس بحرف ارتمت نجلاء بين ذراعيها تبكي بكل ما يجيش داخل قلبها من قلق.
مر وقت لا بأس به حتى هدأت وبدأت تقص عليها ما ظهر بالتحاليل والنتائج التي أطلعها عليها الطبيب المختص.
أنهت قصتها باكية: طلع كانسر ف المخ .. أنا لحد دلوقتي مش قادرة أصدق
حزنت على حالها ولكنها تماسكت فهي ليس بحاجه إلى إنهيار أخر بل إلى دعم: طب الدكتور قالك إيه عن الحاله .. مرحلته إيه ؟
- هو قال إنه لسه في مرحلته الأولى وإنه العلاج الكيماوي ممكن يجيب نتيجة وما نضطرش نستخدم التدخل الجراحي
شجعته بأمل: طيب الحمدلله .. احمدي ربنا إنك اكتشفتيه ف الأول وهنلحقه إن شاء الله
- بس الكيماوي هيوقع شعري .. هيخليني دبلانه
نظرت إليها متعجبة: وإيه المشكلة ؟؟ .. دي فترة وهتعدي
صوبت بصرها إليها غاضبة: وجوزي؟؟ ... هيبصلي إزاي لما أبقى بالشكل دا ؟؟
ربتت على ظهرها: أكيد مادام بيحبك هيقف جنبك وهيصبر معاكي
انتفضت واقفة تتحدث بعصبية: يصبر على إيه ولا إيه .. على إني مش بأخلف ولا على واحدة ممكن تموت ف أي لحظة ولا على شكلي اللي هيبوظ أكتر
وقفت حياه أمامها بصرامة: الموت دا حقيقة موجودة ف أي لحظة بتحصل، مش من ساعة ما عرفتي بالمرض وبس!، شاب ماشي بصحته ف الشارع فجأة وقع مات .. واحدة فجأة جات لها سكتة قلبية ماتت .. طفل صغير بيعدي الطريق ظهرت عربية الله أعلم منين خبطته فمات .. أنا نفسي ممكن أموت قبلك .. إيش عرفك؟؟ .. إنتي بس أخدتي بالك من الموت لما خبط على بابك لكن هو موجود في كل مكان حولينا بس إحنا اللي مش بنحب نشوفه غير لما يجبرنا نبص عليه.
أما بالنسبة بقى لموضوع الخلفه فمن اللي شوفته فادي مش فارق معاه مادام إنتي معاه، هو أصلاً طول اليوم ف الشغل ولما بيجي بيبقى عايز يريح دماغه وينام، لكن طفل في البيت وصداع وعياط وجيبله كذا والطلبات اللي ما بتخلصش، هو لسه في بداية الطريق أكيد هيبقى حمل زيادة عليه
شكلك بقى .. ماله شكلك؟ .. دي فترة بس العلاج الكيماوي وبعدين هترجعي زي الأول وأحسن .. أصلاً لو أهتم بشكلك على حساب صحتك فدا مش هيبقى دليل إلا على حاجه واحدة بس .. إنه ماكانش بيحبك أساساً ! ... وبعدين خليكي واثقة ف نفسك وف أنوثتك
ضمتها نجلاء قائلة بضعف: ما تسبنيش يا حياه، أنا محتجاكي معايا، إنتي اللي هتفوقيني، الكل بيجاملني .. حتى ماما لكن إنتي اللي بتكلميني بصراحة ودي أكتر حاجه محتاجها الفترة اللي جايه
تحسنت حالتها أكثر وحاولت حياه أن تصرف إنتباهها عن الموضوع فأخذتها إلى المطبخ تعلمها طبخات جديدة تقضي بها بعض الوقت قبل أن يعود فادي وكذلك تشغل عقلها بشئ مختلف.
أثناء إنشغالهما في المطبخ دق جرس الباب، ذهبت نجلاء تفتحه لتتفاجئ بقدوم زوجها مبكراً وأيضاً برفقة شقيقها.
خرجت حياه ضاحكة لا تعلم بقدوم أخرين: تعالي بصي يا نوجه على الأشكال الهبلة اللي عملتها ..
تبخر ما كانت تريد إضافته لجملتها السابقة عندما ألتقت عيونها بنظرات حمزه الضاحكة الذي علق بمكر: هو لازم نوجه يعني هي اللي تيجي تشوف؟ .. ماينفعش أنا مثلاً ؟
استدارت تواري خجلها: أنا داخله المطبخ أكمل أبقي تعالي يا نجلاء ما تتأخريش
عقب حمزه مشاكساً: بقت نجلاء دلوقتي ؟؟ مش كانت من شوية نوجه ؟؟
قرص فادي ذراعه فإلتفت إليه حانقاً: في إيه ؟
غمزه: خف ع البت شوية، هي مش قدك وأنت رايق يا دونجوان
نجلاء باسمة: أه يا ريت فعلاً تخف يا حزومه
أمسك بذراعيهما ودفعهما بعيداً عنه: ما تتلهوا أنتوا الإتنين ف بعض وتفككوا مني !
سامح: خلاص خلاص ما تزؤش أنا رايح أغير هدومي
حمزه مشيراً إلى نجلاء: وإنتي روحي مع جوزك مش ناقص زن
تركاه وضحكاتهما تتعالى، عدل من وضعية ملابسه وجذب ياقة قميص: استعنا ع الشقى بالله
دلف إلى المطبخ حيث وجدها منخرطة فيما تفعله لإعداد الطعام، تحدثت ظناً منها أن القادم هي نجلاء: مش كنتي تقولي أنه جوزك وحمزه جُم ولا تسبيني أطلع على عمايا كدا ؟؟
- صدقيني أحلى ما فيكي البراءة والعفوية .. الحمدلله إن نجلاء ما حذرتكيش
لمح اشتداد عودها متصلباً، كانت على وشك البكاء؛ لما يأتي دائماً في اللحظات غير المناسبة عندما تكون على راحتها في الكلام سيظنها طفلة هكذا كما أنها لا تتذكر موقفاً واحداً رأها فيه تتصرف بعقل وتتحدث برزانة.
أضاف ليزيد إرتباكها: دي أول مرة اسمعك تنطقي فيها اسمي .. مش بيعض مش كدا ؟؟
أرادت أن تصحح له فكرته تلك فهي تردده دائماً لكن بينها وبين نفسها ليس أكثر، فهو بالنسبة لها كالحلم الجميل إذا سردته طار مبتعداً بين الأفق.
سحبته نجلاء إلى خارج المطبخ: روح أقعد مع فادي قدام التي ڨي عقبال ما نخلص الأكل ونناديكوا
انصرف صامتاً فليس هناك من جدوى في بقاءه مادامت نجلاء ستبقى واقفة بينهما، جلس بجوار فادي شارداً، تغير تفكيره كثيراً، لقد كان يتجنب أي إحتكاك مع النساء لكن منذ ظهرت هي في حياته أصبح يبحث عن كلمات كي يناكفها بها.




أجاب الرنين المتواصل لهاتفه بملل: خير؟
هب واقفاً عندما سمع الخبر الذي نُقل إليها حالاً، أغلق الخط وخرج مسرعاً نظرت له جميلة متسائلة: هو حصل إيه؟
- عرفوا مكانها !
تركهم منصرفاً بسرعة والسعادة تشع من عينيه كما لم تفعل منذ فترة، زفرت جميلة بحدة واتجهت إلى غرفتها غاضبة، استرخت نيفين أكثر في جلستها وشردت عينيها بعيداً أما فتون فظهر الحزن بعينيها وعضت شفتيها قلقاً.




تبادلوا الضحكات والمزاح أثناء تناولهم الطعام .. شعرت بتأقلمها معهم كأنها تعرفهم منذ زمن، هي معتادة على الإنسجام مع الناس بسرعة فقد كانت تتعامل يومياً مع أناس مختلفين بحكم أتخاذها للخبرة الكافية في مجال دراستها ولممارسة اللغة كما أن تخصص سلمى صديقتها في كلية إقتصاد وعلوم سياسية جعلها تشاركها الكثير من التعامل مع الناس لكن لكل منهما هناك هدفاً مختلف.
كانت أغلب نظراته تقع عليها ولا تتحرك، تتابع حركاتها ورموش أجفانها رد فعلها ضحكتها العفوية .. كل شئ .. رغم عمرها شعر أنها ما تزال تحتفظ ببراءتها .. طفلة في جسد امرأة .. هز رأسه مقتلعاً عينيه من فوق وجهها.
رن هاتفها فانسحبت تجيب، شعر برغبة جامحة في معرفة من الذي نهضت لتتحدث إليه بعيداً عنهم مما جعله يلحق بها بينما تبادل فادي وزوجته النظرات .. تدل على تفاهم متبادل بين الزوجين.
- حاضر يا حنان .. يا بنتي اللي يشوف كدا يقول إنك مامتي .. هههههه عاجبني يا ستي ولا تزعلي نفسك .. خلاص والله هأعتذر منهم وأجي .. ماشي مع السلامة
استدارت لتعود إليهم لكن جسد حمزه منعها من المرور .. ابتسم: هتمشي؟
أومأت مجيبة بصوت هامس: أيوه
عقد ذراعيه: طبعاً مش هترضي إني أوصلك مع إن الليل داخل خلاص
هزت كتفيها: زي ما قولتلك ما يصحش .. ممكن أعدي بقى ؟
تنحى جانباً في صمت سامحاً لها بالمرور .. اقترح على شقيقته وزوجها أن يأخذهما إلى إفتتاح معرض لوحات لأحد الفنانين الذين يحبهم فادي بشدة، فرحب بالفكرة كذلك نجلاء.
أضاف حمزه ناظراً إلى نجلاء بتحدي: ونوصل الأنسة ف طريقنا بالمرة
راجع الجملة التي قالها فلم يجد بها سبباً للألم الذي ظهر في عينيها فجأة ..
أوقف السيارة أسفل البناية التي تقطنها وانتظر حتى تأكد من صعودها قبل أن ينطلق بسيارته مع شقيقته وفادي إلى حيث أتفق معهما.
ارتفعت الأعين المليئة بالشر والوعيد إلى الشرفة التي وقفت بها تطل على السيارة تتبع انصرافها بقلب مشتاق ثم تدلف إلى الداخل بهدوء مغلقة باب الشرفة خلفها وتشد الستار الشفاف عليها.



- أنا مش عارف إيه الاجتماع السري دا ؟؟
- مش عايزه حد يعرف الموضوع اللي عايزاك فيه ؟
- حد مين يعني؟ .. البيت مافيهوش غير بابا ومي مي .. من إمتى بتخبي حاجه يعني؟
علقت مركزه نظراتها على عينيه: وحياه
حاول إخفاء توتره ناسياً أن والدته كانت ناظرة مدرسة للمراهقين وتعرف علامات الإعجاب والحب من نظرة عين: مالها ؟
تنهدت: بتحبها ؟
كان تقريراً أكثر منه سؤالاً .. تنهد: بتسألي ليه ؟
- من ساعة ما شوفتها لما رجعت وأنت كل شغل يجيلك فيه سفر ترفضه مش بتقبل غير الشغل اللي مش محتاج سفر .. جبتلها موبايل هدية .. بتوصلها لبيتها .. حاجات كتير يا حمزه
نظرة جليدية طغت على عيونه: والمطلوب ؟
- بص يا ابني إحنا مش نوعية الناس اللي تلعب بالأعراض .. عايزها أتجوزها وأنا مش هأقف قدامك لكن طريقة الحرمية دي مش أسلوبنا ولا أنا ربيتك على كدا
شرد بعيداً قبل أن يردد: بس أنا مش مستعد للجواز دلوقتي
أجابته بحزم: يبقى تبعد عن طريقها وتسيبها تشوف حالها .. ما تلعبش بقلوب البنات يا حمزه عشان أنت مش قد نتايجه
تناولت حقيبتها مضيفة: فكر كويس ف اللي قولتهولك يا تمشي صح يا تبعد عن طريقها نهائي هما حلين مالهومش تالت .. هأروح لأختك أطمن عليها .. سلام
تركته يتخبط في أفكاره لا يدري ماذا يفعل، لم يفكر في الخطوة القادمة وبالتأكيد لن تكون الزواج، هناك شكوك تعتمل بقلبه تجاه الجنس الناعم .. فقد يكون ناعماً من كثرة الاستخدام !




تعجبت من طلب أحمد بأن تبقى مع مي مي حتى عودته فقد نُقل أحد أصدقائه إلى المشفى على عجل ويجب أن يذهب ليطمئن عليه .. وسمية خرجت برفقة حمزه لا تدري إلى أين.
استسلمت بالنهاية للحدث الراهن، شاركت الفتاة لعبها بعد أن أنهت شرح دروسه وتأكدت من استيعابها الكامل له، نظرت إلى ساعتها معلنة تمام السابعة .. إذاً لقد حل الظلام.
رحبت بدق الباب واتجهت تفتحه فهي مشتاقة للعودة إلى المنزل لتستحم وتغط في نوم عميق .. لقد كان يوماً متعباً فالمدرسة ويليها دروس مي مي ثم اللعب معها استهلك طاقتها كلها.
دفعها الطارق إلى الداخل مغلقاً الباب بسرعة .. شهقت فزعاً عندما تعرفت عليه لكنه لم يسمح لها بأكثر من ذلك فقد أطبق على فمها يخرسه .. حاولت دفعه ومقاومته بلا جدوى.
همس بشراسة وأنفاسه تخترق حجابها وصولاً لأذنها: كنتي فاكره إنك هتقدري تهربي مني؟ ولا فاكره إني هأسيبك تفلتي من بين إيدايا؟ .. في الحالتين دا بُعدك!
توسلت إلى ربها بدموعها التي لا تملك سواها .. فتح الرجل الأخر الذي يصحبه الباب ليتأكد من خلوه لكن لحسن حظها و سوء حظهم كانت هناك مشكلة في الدور السفلي بين جارين لسبب ما .. فقررا الإنتظار قليلاً.
لمحت حياه الطفلة تقف مذعورة على باب الغرفة فأشارت لها بعينيها لتختبئ بالغرفة خوفاً من أن يصيباها بمكروه .. تبادلاتا حديثاً صامتاً من خلال الأعين لم يشعر بهما أحد فالأول يراقب الشارع من النافذة وهو يمسكها في قبضته والأخر يتابع تطور المشكلة بين الجيران.
ارتعشت الطفلة خائفة، لقد رأت لأول مرة مسدساً حقيقياً معلق في حزام كلا الرجلين .. تناولت الهاتف الخاص بحياه الذي أهداه إليها حمزه من قبل، تذكرت حياه عندما أخبرتها ضاحكة أن أخاها مجنون لدرجة أنه كتب اسمها على هاتفها "الأرجوز" .. بحثت عن الاسم حتى وجدته وانتظرت تسمع الرنين.





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:05 PM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي





الفصل الحادي عشر




جلس مُسعد في الكرسي المقابل لصديقه أمام النيل .. طلبه حمزه قائلاً أنه بحاجه إليه فترك ما بيده وأتى إليه راكضاً فليس من عادته استخدام تلك الكلمة كما أن صوته لا يشي بالخير لكن منذ ذلك الحين وهما يجلسان أمام بعضهما.
زفر مُسعد: يا ابني أنت جايبني هنا عشان نلعب تماثيل إسكندرية ؟ .. ما تنطق في إيه ؟
لم يرد ومرت دقائق أخرى من الصمت فقد فيهم الأمل بأن يتلقى جواباً على سؤاله لكن حمزه تحدث قائلاً بشرود: مش عارف أخد قرار
ضرب ظهر يده بكفه الأخر ثم مسح على وجهه طالباً الصبر من الله: فهمت إيه أنا كدا بالصلاة ع النبي ؟؟
هم حمزه أن يفرغ ما في جعبته لكن قطعهما رنين الهاتف المتواصل .. لمح مُسعد بطرف عينه اسم المتصل بهتف مندهشاً: الشعنونه ؟؟
ظل حمزه ينظر إلى الهاتف متردداً في الإجابة، حثه مُسعد على الرد كاتماً ضحكته فمن تردد صديقه توقع أن تكون تلك الـ "شعنونه" هي سبب حيرته وشروده.
أول ما التقطته أذنه كان صوت نحيب مما أشعل القلق في قلبه، همس: حياه ؟
جاءته همهمت أحد يريد الحديث لكن الكلمات لا تطاوعه، أحباله الصوتية تلجم الكلمات وتمنعها من النفاذ عبر الحنجرة، سمع صرخة وشخص يتحدث بصوت عالي مهدداً، تساءل بعصبية: حياه !!
أته صوت طفلة يقول بحروف متقطعة: ألحـ قــ نا يا .. أبيــه حمزه .. في ناس .. اتنين رجاله .. ماسكين ميس .. حياه وبيضــ ربوها !
لم ينتظر حتى يسمع أكثر من هذا، أمسك مُسعد من ذراعه يُنهضه معه دون أن يفهم الأخر أي شيء كل ما فعله هو التشبث بمقعده المجاور لحمزه الذي يقود بسرعة جنونية تكاد ترسلهما إلى حتفهما.




حاولت الفكاك من بين قبضته لكنه صفعها حتى سمع صراخها قائلاً بتلذذ شيطاني: أيوه سمعيني صريخك .. إنتي لسه ما شوفتيش حاجه من اللي هأعمله فيكي !
سألته متحاملة على ألمها: أنت عايز مني إيه ؟؟ .. شادي أنا ما بلغتش عنك ولا قولت حاجه أنا عايزه أعيش حياتي وبس !
أمسك شعرها عبر حجابها صارخاً في وجهها: إنتي مالكيش حياة بعيد عني إنتي فاهمة ؟؟ حياتك معايا وبين إيدي أنا وبس
ردت بتحدي لا يتناسب مع وضعها: لا .. حياتي وحياتك ف إيد ربنا .. أنت ما بتخافش من ربنا ؟!
يبدو أن عقلها توقف عن العمل فكيف يهاب الله وهو يفعل ذلك في الفتيات ممزقاً أعراض النساء .. ليس من المعقول أن يكون قواداً وفي ذات الوقت يخشى سخط الله.
ضحك ضحكة أفزعتها: ربنا ؟؟ .. سبنالك إنتي الخوف منه يا ستنا الشيخة
لمح مرافقه الطفلة وهي تحاول الإختباء وفي ذات الوقت لا تحرك عينيها عن حياه فهي التي تهبها القوة والإحساس بالأمان.
أمسك بها وهي تصرخ محاولة التسلل من قبضته لكن هيهات أن يفلت الأرنب من براثن الذئاب.
أنفض الإشتباك بين الجيران وساد الهدوء العمارة؛ فقرر شادي الإسراع بالرحيل قبل أن يأتي ما يعطلهم من جديد، اقترب منها وهمس بوحشية: عارفه لو عملتي حاجه كدا ولا كدا تلفت الأنظار .. اقري على البت دي الفاتحة وإنتي اللي هتشيلي ذنبها .. لأنه إحنا خلاص من كتر اللي ماتوا تحت إيدينا مابقاش عندنا إحساس
تمتمت متوسلة: طب هتعمل بيها إيه ؟ .. سيبها وأنا هأمشي معاك لوحدي
بكت الطفلة بشدة: لا ما تسبينيش يا ميس حياه
هول الموقف منعها من التركيز على عودة قدرة مي مي على الكلام، قالت مهدئة مي مي: حبيبتي إنتي هتفضلي هنا لحد ما ماما وبابا يجوا ماشي ؟
ضغط على ذراعها لتنهض: إنتي تسكتي خالص .. هي هتيجي معانا عشان ما تصرخش وعشان جنابك ما تعمليش حركة جنان كدا ولا كدا
مسحت وجهها كما أمرها وطلبت من الفتاة إلتزام الصمت حتى لا يصيبها مكروه، هبطت معهم باستسلام صامت، في الوقت الذي احتاجت فيه أن تكون وحيدة حتى تستطيع التصرف فحياتها ملك لها وحدها وجدت من يتشبث بها ولا يرغب في الإبتعاد عنها على عكس الأوقات التي كانت تتمنى أن تجد من يتعلق بها ويثبت أهميتها في حياته ولم تجد .. إنها سخرية الحياة.
أمام باب السيارة وقبل أن يصعدوا إليها، وصل حمزه وكان يهم بالترجل من سيارته، لمحته مي مي فصرخت باكية تطلب منه المساعدة: أبيه حمزه !
رفعت حياه نظرها ولمحته لكن شادي ومرافقه كانا أسرع منهم فقد قذفوا بهما داخل السيارة وانطلق سائقها الذي كان بانتظارهم يقود بسرعة قبل أن يصل إليهم حمزه.



تذهب وتعود إياباً، لقد استبد بها القلق، لأول مرة تتأخر إلى هذه الساعة، أيضاً لا تجيب على هاتفها، هل أصابها مكروه أم ماذا ؟؟؟
حاولت الجدة أن تهدأها لكن كيف لها أن تنجح وهي نفسها تشعر بالتوتر قد تمكن من كل خلاياها، هناك شيء ما في قلبها ينبؤها بحدوث أمر سئ لتلك الفتاة منعها من العودة.
قررت أن تكرر الإتصال لعلها تصيب هذه المرة.



التوتر والبكاء يسود المنزل، سمية تبكي الصغيرة التي لا تعلم من أخذها وأين ذهبت، تواسيها نجلاء ودموعها تهبط على وجنتيها معلنة ألمها هي الأخرى.
أنهى أحمد حديثه مع ضابط الشرطة بعد أن طلبوه عند علمهم بما حدث وحادثة إختطاف الطفلة ومعلمتها ومُسعد يقف إلى جواره يدعمه كذلك فادي.
أما حمزه فمنذ فشل في تتبع أثرهما وهو صامت لا يتكلم رأسه تدور من هؤلاء وماذا يريدون .. لقد كانوا مهره إلى درجة قدرتهم على إضاعته بسهولة شديدة .. وكان من الغباء وقلة التركيز بأن فشل في اللحاق بهم.
بعد رحيل الضابط حل الصمت على المنزل، صمت يشوبه التفكير والتساؤلات لكن قطعهم إرتفاع رنين الهاتف الذي لم يكن يخص أياً منهم .. تبادلوا نظرات الاستفهام، كان حمزه أسرعهم فتتبع الصوت وأمسك بالهاتف مكتشفاً هوية صاحبه .. كان الهاتف يضئ باسم "حنان" .. أجاب خائفاً من فقدان الإتصال ليسمع الطرف الأخر يتنهد براحة نسبية: حرام عليكي يا حياه وقعتي قلبي فينك إنتي لحد دلوقتي كنت هأموت من القلق يا بنتي
لم يتفوه بكلمة فعاد القلق يسطو على نبرتها: حياه ؟؟
تنهد مجيباً بتماسك: حياه اتخطفت ..
أعطاها العنوان على وعد بالقدوم بأسرع وقت .. طمأنت جدتها وهبطت تتسابق مع نفسها لتصل في زمن قياسي، أخبر هو أهل المنزل بقدوم حنان التي تقطن برفقة حياه.
بعد أن حضرت وقصوا عليها ما حدث بالإضافة لقلقهم من هوية هؤلاء المجرمين، ترددت حنان في البداية لكنها أخبرتهم بقصة حياه حتى قابلتها لعل ذلك يكون بداية الخيط للوصول إلى الجاني.
أسرع أحمد يتحدث إلى ضابط الشرطة يخبره بالتطورات وحمزه في عالم أخر يفكر بأنها ليست ذلك الملاك الذي ظنه، لم تكن بريئة .. اتضح أنه أكثر براءة منها.
لفتت تلك النظرة التي لمعت في عيني حمزه إنتباه حنان فلحقت به إلى الشرفة حيث خرج يشتم بعض الهواء العليل، انضمت إليه تخبره أكثر منها تسأله: هتتخلى عنها بعد ما عرفت الحقيقة مش كدا ؟
راقبت لمعان النجوم وإختباء القمر خلف عدة سحابات متلونة بلون الليل مضيفة بتوسل: أتمنى إنه دا ما يمنعكش إنك تدور عليها وتلاقيها .. مش عشانها قد ما هو عشانك .. صدقني التعايش مع إحساس بالذنب دا أسوء أنواع العقاب والتعذيب النفسي .. وقتها هتتمنى تموت والإحساس دا يبعد عنك لإنه بيخليك تموت 100 مرة ف الدقيقة.
تركته يتخبط في أفكاره، أخلاقه كما دينه لن يسمحا له بفعل عكس ذلك معها رغم أنها كسرت بداخله شيئاً لا يتوقع إصلاحه في وقتٍ قريب .. ما جعله يدخل في تلك الحالة هو أنه قد استقر على طلبها للزواج فور فزعه وقلقه أن تكون ف خطر لكن المفاجأة التي سمعها من حنان الآن ألقت بأحلامه إلى البحر تلتهمها الأسماك دون الإبقاء على شيء منها.



ألقاها أرضاً بغرفتها التي خصصت لها منذ حضرت إلى هذا المكان في المرة الأولى، تشبثت بالطفلة لتحميها من بطش هذا الكائن الذي لا يرقى ليصبح إنساناً.
رفع سبابته في وجهها محذراً: فكري تهربي مرة تانية وقتها مش هيطلع عليكي صبح
ثم أضاف ناظراً للفتاة: ولا ع الأمورة يا حياه .. فاهمة ؟؟
تركها صافعاً الباب خلفه، ضمت مي مي إلى حضنها تبكي الحال الذي وصلت إليه كذلك جرت معها طفلة ليس ذنبها شيء إلا أنها تعلقت بها وأحبتها من كل قلبها.
رفعت مي مي كفها الصغير تكفكف دموع حياه قائلة: ما تعيطيش يا ميس حياه .. أبيه حمزه مش هيسبنا وهيخرجنا من هنا ويخلي عمو اللي برا دا يبعد عننا خالص
لأول مرة تنتبه حياه إلى أن مي مي لا تستخدم الإشارات لتوصل ما ترغبه بل تتحدث بلسانها دون أخطاء، سألتها مصدومة: إنتي بتتكلمي ؟؟
أومأت باسمة: أيوه، لما طلبت أبيه حمزه في التليفون الكلام طلع
أمسكت رأسها تجذبها إلى صدرها تبكي لكن هذه المرة دموع الفرحة: الحمدلله .. الحمدلله
ظلت تضمها حتى أتى سلطان النوم ليأخذها إلى عالمه بعيداً عن هذا العالم الذي بكل أسف هو الواقع .. أهذا هو الحب الذي طالما بحثت عنه .. تفتقده في حياتها فعاشته بين دفتي الكتب، تلتهم الروايات والحكايا علّها تجد فارسها بين السطور، لكنها اصطدمت بواقع الحياة فليس الحب في دنيانا كالحب بين صفحات الروايات، تمنت في كثير من المرات أن يخرج فارسها من بين دفتي إحدى الروايات ليكون زائر أحلامها الدائم ورفيق دربها الأبدي، لقد كان يجذبها إلى فارسها مظهره قبل ما بداخله، هنا بدأت غلطتها وهنا أنتهت أحلامها، فقد رزقها الله بالمظهر كما تمنت لتدرك أن هناك ما هو أهم منه ويفوقه حُلماً ألا وهي الأخلاق الحميدة والعقيدة المتينة، فلو كان شادي يملك ديناً قوياً متيناً ما ألت إليه نفسه إلى ما يفعله الآن، لأول مرة تمنت عدم معرفتها بالحب .. عند ذلك الحد تذكرت حمزه، لِمَا ذكرته في هذه اللحظة بالذات، لقد أنكرت كثيراً حبها له وتعلقها به ولكنها لم تعد تستطيع بعد الآن.



مر يومان على ما حدث حينما دخلت عليها نيفين متسللة حتى لا يعلم شادي بدخولها أو حديثها إلى حياه، اقتربت منها توقظها.
انتفضت مجفلة وتبادلت مع نيفين نظرات الإستغراب: في إيه ؟
استقامت نيفين في وقفتها: إيه مش عايزه تخرجي من هنا ولا إيه ؟
انتبهت جميع خلاياها منصتة فتابعت: جهزي نفسك بكره زي دلوقتي هتكوني بعيد عن هنا إنتي والبت اللي معاكي كمان
تركتها وغادرت دون أن توضح كيف ولماذا تفعل ذلك ؟؟؟



انشغل بالبحث عن الأماكن التي يمكن أن يلجأ إليها شخص كشادي ليخبأ مي مي وحياه، لم يتخلى عنه صديقه مُسعد .. قررا أخذ قسطاً من الراحة في إحدى الكافيهات يتشاوران في الخطوة التالية التي يجب عليهما أتخاذها.
دق هاتفه مُعلناً اتصالاً من رقم غريب، أجاب مسرعاً على أمل أن يكون الخاطف أو أحد أتباعه، فإذا خطفوا حياه فما ذنب الصغيرة؟
تفاجئ بصوت أنثوي ناعم يقول بدلال: حمزه .. إزيك ؟
لم ينسى صوتها الذي كان يسهر معه الليل، يسمعه يصب في أذنيه أبهى كلمات العشق والوله، لكن للغرابة أصبح يشعر الآن بأنه يشبه حفيف الأفعى عوضاً عن زقزقة العصافير.
أجابها بملل: عايزه إيه ؟
- أشوفك
- ليه؟
- لما أشوفك هتعرف
تنهد بقوة فاقداً صبره ثم أخبرها باسم الكافيه فعرفته، تعجب مُسعد من قبوله لرؤيتها لقد توقع أن تكون السبب في لوعة صاحبه من طريقة حديثه إليها .. لا يمكن أن يكون أصابه الضعف تجاهها عندما سمع صوتها حتى أن طريقة كلامه لا تشي بذلك.
- تحب أقوم أمشي عشان تاخدوا راحتكوا
- راحتنا إيه بس .. أنا عايز أشوفها عايزه إيه، عشان أخلص من زنها .. أنا لو ماكنتش وافقت أقابلها كانت كل دقيقتين تتصل بيا وتشتغل بقى عليَّا .. وأنا بصراحة مش ناقص وجع دماغ هي صفحة ولازم تتقفل بأي شكل
أطمئن مُسعد على صديقه، أتت بعد حوالي الربع ساعة بأبهى حلتها لكن لم تثر به أي شيء فمن اعتاد على رؤية الملابس الواسعة المحتشمة والوجه الخالي من الكيماويات لن يلقي بالاً إلى ما هو أقل شأناً .. فمن ترقى لا ينظر إلى ما هو أدنى.
انسحب مُسعد يجلس على طاولة مجاورة تاركاً لهما حرية الحديث، يجب على صديقه تمزيق صفحته معها ليستطيع البدأ من جديد.
فتحت الحديث: عامل إيه ؟
أجابها بجفاء: ما اعتقدش إنك اتصلتي بيا وطلبتي تقابليني عشان خاطر تسأليني السؤال دا
ابتسمت: معاك حق .. هأدخل في الموضوع على طول .. أنا قررت أطلق
- هو إنتي اتجوزتي كمان ؟؟ .. ما شاء الله .. أنا أخر مرة شوفتك كانت خطوبة بس
أضاف ببرود: وهتطلقي عشان لاقيتي واحد أغنى ولا عشان جوازك كان غلطة ؟
تجاهلت تلميحاته: عشان كان غلطة .. حمزه أنا كنت فاكره إن أهم حاجه ف الدنيا هي الفلوس، لكن بعد ما أتجوزته وعشت معاه في بيت واحد اكتشفت إن الفلوس لوحدها ما تنفعش .. أنا كرهت نفسي وحياتي معاه .. مش متخيل حياتي معاه جحيم إزاي !
- ما يخصنيش كل اللي بتقوليه عليه دا .. تتجوزيه تسيبيه إنتي حرة .. ما عادش يفرق معايا
أمسكت يده عبر الطاولة: بس أنا لسه بأحبك يا حمزه
سحب يده حانقاً من جرأتها: وأنا مش بأحبك يا هاجر .. وياريت ما تحاوليش تتواصلي معايا تاني لإن اللي بينا أنتهى .. أنتهى من ساعة ما سبتيني عشان تروحي للأغنى
نهض مشيراً لمُسعد حتى يلحق به بينما جلست والغيظ يفتك بأعصابها، لقد ظنته أحبها لدرجة أنها مهما دارت سيقبلها، بمجرد أشارة منها إليه سيأتي راكعاً ملبياً نداءها، لا تعلم أن الرجل ينسى الحب بمجرد تفكير الحبيبة في المساس بكرامة رجولته، هي لم تمسها فحسب بل داست عليها بكعب حذاءها .. فضلت عليه رجلاً أخر ليس لأنها أحبته بل لأنه يملك مالاً وأكثر استعداداً منه مادياً.



بقيت ساهرة في إنتظار نيفين كي تفي بوعدها، تأملت مي مي وهي نائمة لم ترد إقلاقها لشئ قد يكون مجرد وهم، سلمتها لسلطان النوم حتى تعلم موضع قدميها.
ترقبت قدوم نيفين على أمل في النجاة من جبروت شادي، تذكرت فتون التي نصحتها بألا تثق بنيفين فلقد استمعت لحديثها أمس من خلف الأبواب، قالت لها بقلق تسرب إلى قلبها لكن ليس بيدها حيلة: نيفين مش هتعمل كدا لله ف لله يا حياه، أكيد ليها مصلحة فدا
- وهي هتأذيني ليه؟ .. أنا عمري ما عملتلها حاجه
- ممكن يكون صح وهتهربك بجد .. أنا ما قولتش حاجه .. كل اللي بأقولهولك إنه أكيد ليها مصلحة ف كدا مش هتعملها شفقة وإحسان .. أما بقى تأذيكي ليه ف فيه ناس كتير م الظلم اللي بتشوفه ف حياتها بتحب تطلعه على غيرها مادام ف مصلحتها .. الأحسن لما تخرجي من هنا تقطعي علاقتك بيها نهائي .. حياه أبوس إيدك بلاش الثقة الزيادة دي .. العميان الشديد دا مش هينفع ف دنيتنا !
غيرت مجرى الحديث: طب وإنتي ؟ .. مش هتهربي معانا ؟
ابتسمت ساخرة: عشان تتأكدي إن ليها مصلحة بهروبك عشان كدا قالتلك إنتي بس وما جبتش سيرة قدامي مع إنها عارفه كويس أوي إني كرهت هنا وقرفه
بشفقة: طب ما تيجي معانا
ربتت على كتفها: لا بلاش، كل ما العدد قل كل ما كان أسهل وما نجذبش النظر
التقطت حياه قصاصة ورق وخطت عليها شيئاً ما ثم سلمته لفتون: دا عنوان حنان، واحدة طيبة أووي وساعدتني كتير لما تعرفي تخرجي من هنا روحيلها ولو ماكنتش معاها هي هتدلك على مكاني إتفقنا ؟؟
ابتسمت فتون فلا فائدة من نصحها، من تطبع بشئ صعب عليه تغيير طبعه، دعت لها بقلبها أن تحتفظ ببراءتها لا تعلم لما تشعر أن صفعات الحياة لحياه لن تتوقف عند ذلك الحد.
أفاقت من ذكرياتها على دخول نيفين مشيرة لها بالقدوم برفقتها، حملت مي مي مسرعة فلا وقت لإيقاظها كما أن نومها سيسهل مهمة هروبهم بشكل أسلم.
سارت خلف نيفين التي مشت أمامها بثقة فقد وضعت منوم في المياه المخصصة لرجال الحراسة وشادي لديه عمل ما غير معروف نوعه لكن ما هو أكيد أنه يخالف القانون، تبعت نيفين حتى وصلت إلى الطريق العام وكانت هناك سيارة في إنتظارهما، صعدت خلفها بعد أن أخبرتها أنه أحد الزبائن وقد أحبها مقرراً أخذها والإهتمام بها وليس ببعيد أن يتزوجها، قلبها يشعر بعدم الراحة لكنها تجاوزت حد التراجع، في النهاية ليس هناك ما هو أسوء من تواجدها في مكان يخص شادي.
وصلت لمنطقة يظهر فيها حركة الناس ليست مهجورة بل حية بتحركات السكان والمحلات المضاءة، إلتفتت إليها نيفين قائلة: أنا كدا عملت اللي عليا .. هتنزلي هنا بقى وتشوفي طريقك، شوفي إنتي عايزه تعملي إيه
مدت لها مبلغاً من المال مضيفة: دول يكفوكي تركبي تاكسي يوصلك مكان ما إنتي عايزه
ترجلت من السيارة وهي تودعها لقد فعلت لها الكثير ويكفي حتى هذا الحد، أوقفت إحدى سيارات الأجرة طلبت من سائقها أن يوصلها إلى العنوان الذي أملته عليه.



ارتفع رنين الباب، استيقظ جميع أهل الدار فزعاً من الزائر في هذه الساعة، لم تكن سمية نامت سوى ساعتين من الإجهاد النفسي بعد إلحاح أحمد عليها، وحمزه كان يحاول أخذ قسطاً من الراحة ليستطيع متابعة البحث في اليوم التالي.
فتح أحمد الباب مترقباً الطارق، قفزت مي مي من بين ذراعي حياه فقد استيقظت عند توقف سيارة الأجرة أمام المنزل، ضمتها سمية بشوق وانصرف أحمد يتأكد من سلامتها.
التقت نظراتها الخجلى بنظراته العاتبة، أبعد نظره فوراً لكن تلك اللمحة كانت كافيه لتعرف كيف أصبحت في نظره، لقد فقدت مكانتها لديه بالتأكيد عرف حقيقتها؛ لأن هذه النظرة ليست من فراغ.
طلب منه والده أن يذهب ليحضر كأساً من الحليب من أجل مي مي فوالدته منشغلة بالإطمئنان عليها وإشباع شوقها.
عاد حمزه يتلفت حوله لكنه وجدها انسحبت بهدوء، تذكر حالتها وملابسها يبدو أنها لم تغيرها منذ تم إختطافها .. أشفق على حالها لكنه أفاق على صوت والدته تدعوه أن يؤكد لها أن ما تعيشه الآن حقيقة وليس وهماً أو مجرد خيال.



قررت بعد أكثر من أسبوع قضته في التفكير، ستقبل بعرض والدة طالبة لديها في المدرسة، تسافر إلى إيطاليا تعمل في شركة زوجها .. تتعامل مع العملاء الطليان، تترجم له ما يقولونه فرغم قضاءه خمس سنوات هناك إلا أنه لا يجيد اللغة بشكل كافِ.
اعترضت حنان كثيراً لكنها كتمت اعتراضها، إذا بقيت هنا سيصل إليها شادي من جديد والله وحده يعلم كيف ستنجو منه هذه المرة، ليس لدى حياه من يُدافع عنها عائلتها اعتبرتها كأنها لم تكن، وحمزه تغيرت نظرته لها بعد علمه بقصتها كاملة .. الأفضل لها ترك البلاد وفتح صفحة جديدة في دفتر حياتها.
تساءلت الجدة بحيرة: بس مش غريبة إنه الزفت دا ما حاولش يدورعليها تاني؟ خصوصاً إنها ما غيرتش المكان ؟
تمتمت حياه بخجل: أسفة والله على كل اللي سببته من مشاكل وأنا أول ما أخلص ورقي هأسافر على طول
نهرتها حنان: إيه اللي بتقوليه دا يا حياه .. تيته مش قصدها كدا طبعاً
الجدة بحزن: والله يا بنتي أنا باسأل من خوفي عليكي مش أكتر، دا إن ما شالتكيش الأرض أشيلك فوق دماغي
حنان مؤيدة جدتها: فعلاً، غريبة إنه ما دورش عليكي .. ربنا يستر ويبعد عننا شره أو خيره حتى



أمسك حمزه الجريدة يتفحصها أثناء تناوله الإفطار برفقة عائلته، لفتت نظره صورة شخص يعتقد أنه رأه من قبل .. تذكر إنه من خطف حياه ومي مي .. إنه نفس الوجه.
أكمل قراءة الخبر، لقد أوضحت الجريدة أن الشرطة استلمت بلاغاً عن فيلا في إحدى المدن الجديدة يعمل صاحبها في الدعارة بإغواء الفتيات بكلامه المعسول ووعدهن بالزواج والعيشة الهانئة ثم إجبارهن على العمل لحسابه تحت حراسة مشددة، لقد وجدوا فتاة ميتة بداخلها بينما هرب هو لا أحد يعلم أين .. أنتهى الخبر برجاء أي أحد يراه أن يبلغ عنه مباشرة فهو يبيع أعراض الفتيات.
أطلع والديه على المنشور، أمسك أحمد الجريدة يقرأ الخبر على مهل معلقاً: ومين دي اللي ماتت؟ وهو قتلها يعني ؟؟
هز حمزه كتفيه: مش كاتبين تفاصيل .. يمكن لما يوصلوا لحاجه ينشروها
سمية بغيظ: يا ريت نقفل الموضوع دا .. إحنا لسه ف أول اليوم فبلاش تقفلوه من أولها
تساءلت مي مي ببراءة: هي ميس حياه مش هتيجي ؟؟
سمية بعصبية: لا مش هتيجي .. وما تجبيش اسمها هنا تاني .. أنسيها خالص فاهمة ؟؟
شرعت مي مي في البكاء معبرة عن شوقها لحياه وهي تتجه لغرفته مطأطأة الرأس، وجه أحمد حديثه لزوجته: مش كدا يا سمية
- مش عايزه اسمع اسم البنت دي تاني .. مفهوم ؟
أحمد مقترحاً: أنا ف رأيي نقدملها في المدرسة .. أهو الحمدلله بقت بتتكلم وتقدر تتفاعل هناك ومابقاش فيه مشكلة
أومأت مؤيدة: هأشوفلها مدرسة كويسة
اعتذر حمزه منهم لضرورة ذهابه إلى عمله، لا يتحمل أن تتحدث والدته بالسوء عنها، كذلك لا يملك الدفاع عنها .. نظرة الحزن والإنكسار التي رأها في عينيها أخر مرة تجرح قلبه بسكين بارد.



خرجت حنان من المدرسة تسلم على أهالي بعض الطلاب الذين تعرفهم، رأت حمزه يقف بعيداً ترددت لكنها حسمت أمرها .. توجهت إليه في حين اعتدل في وقفته عندما أدرك أنها مقبلة عليه.
ابتسمت حنان: مش بتيجي المدرسة
لم يرد فعادت تسأله: مش عايز تعرف السبب ؟
اكتفت بنظرة الإهتمام التي لمعت في عينيه مجيبة لسؤال لم يسأله: حياه هتسافر إيطاليا .. بتجهز نفسها للسفر
قاطعها رنين هاتفها المستمر كأنه يصر على تلقي الإجابة اعتذرت منه تجيب: أيوه يا تيته .. في إيه ؟؟ .. ليه مالها؟ .. هي إتجننت ولا إيه ؟ .. طيب طيب أنا جايه أهو
أغلقت الخط والتوتر يعلم ملامحها، سألها مخفياً قلقه: حصل حاجه ؟
أجابته بينما تعيد الهاتف إلى داخل حقيبة يدها: حياه بتجهز الشنطة مصره تروح لأهلها ف سوهاج .. وأخوها كان مهددها قبل كدا لو راحت هناك هيقتلها .. لكن هي راسها وألف سيف إنها تروح دلوقتي .. معلش أنا لازم أروح أشوف حكايتها إيه
لم يعرف لما قال ذلك ولكنه فعل: أنا جاي معاكي
أومأت موافقة فقد ينجح هو فيما قد تفشل فيه، كان مزيجاً من الغيظ والغيرة يأكل في قلب خليل وهو يراها تسير بصحبة حمزه، لقد كان دائماً على يقين أنه ترك بها أثراً وحباً لن تستطيع إعطاءهما لغيره، غروره الذكوري صور له أنها لن تستطيع متابعة حياتها مع سواه كما فعل هو، لقد أجلت حياتها فعلاً لكن لتهبها لطفلتها المفقودة فحسب.
جذبت طفلة يده تلفت إنتباهه إليها: مش هنروح يا بابا ؟
أومأ متمسكاً بأصابعها الصغيرة عائداً بها إلى المنزل حيث تنتظره زوجته الثانية.




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:07 PM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي





الفصل الثاني عشر



أسرعت في إتجاه غرفتها التي تشاركها مع حياه بينما بقى حمزه في الصالة يصل إلى مسامعه الحوار الدائر بالداخل ... كان حواراً حاداً تتحدث فيه حياه بكل حسم وإصرار.
حنان: يا بنتي هتروحي فين دلوقتي .. أخوكي الله أعلم هيعمل فيكي إيه
حياه بعند: مش مهم، يعمل اللي يعمله، هأسافر يعني هأسافر
صرخت بها: وأنا مش هأسيبك تسافري وترمي نفسك ف النار يا حياه !
بادلتها حياه الصرخ بصراخ أكبر، صرخ يصدر من أعماق القلب قبل الصوت: هأسافر يا حنان، أبويا بيموت وأنا السبب، كسرت الراجل اللي كنت بالنسبة له أهم حاجه، الراجل اللي رباني وحبني أكتر من أي حد، كان بيشوفني صاحبته قبل ما أكون بنته، اللي عاملني أحسن من أي حد ف بلدنا بيعامل بنته، عاملني على إني بني أدمه وهما بيعاملوا بناتهم على أنهم غلطات ف حياتهم، مع كل دا أنا كسرته، خليته يمشي بين الناس راسه في الأرض، كأني اثبتلهم إن معاملتهم هي اللي صح وتربيته هي اللي غلط .. ما تعرفيش النار اللي جوايا إيه وأنا بأسمع عياط أختي في التليفون وهي بتقولي أبويا تعبان والدكتور بيقول حالته بتتدهور .. هأروح أشوفه بأي شكل حتى لو فيها موتي
جرت حقيبتها خلفها، توقفت قبل أن تصطدم بجسد حمزه، حجبت الدموع عنها الرؤية، أوقفها سائلاً بقوة: رايحه فين ؟
أجابته بتحدي: ما يخصكش
تحداها بقوله: أي حاجه تخص مراتي تبقى بتخصني بالظبط !



توقف الزمن أمام عينيها، تشعر الآن بحال من أماته الله مئة عام ثم أحياه ليجد الحياة تسير من حوله وهو لم يشعر بما حدث، أصبحت تجلس الآن أمام المأذون يعقد قرانها على حمزه بعد أن تولى والده أحمد أمرها وأصبح هو وكيلها، شردت تتذكر سبب ما هي تعيشه الآن .. إنه ما حدث قبل يومان.
لم تصدق أذنيها .. لقد طلب منها الزواج حقاً لكن بطريقة ملتويه، انسحبت الجدة تتعكز على حفيدتها مشيرة لها بضرورة الإنسحاب .. يجب عليهما الجلوس بمفردهما جلسة تملؤها الصراحة والحديث الحر المنفرد.
جلس حمزه وأشار لها بالجلوس، جلست مسلوبة الإرادة غير مصدقة أن من أدركت مؤخراً حبها له تناسى استياءه منها وطلب الزواج بها، لكنها أفاقت على كلماته التي لا تحمل أي لمحة من الرومانسية أو الحب .. فقط نبرة جدية لا غير.
- إنتي عايزه تروحي لأهلك مش كدا ؟
هزت رأسها كتائهة في صحراء جدباء، لما فتح هذا الموضوع وما علاقته بما قال، أجابتها كلماته القادمة لكنها جرحت أنوثتها و .. قلبها.
- لو رجعتي دلوقتي أهلك مش هيسكتوا .. ويمكن أخوكي ينفذ تهديده، لكن لو رجعتي متجوزة ماحدش هيكلمك .. ع الأقل هتلاقي حد تتحامي فيه، وتقدري تقفي قدام عيلتك أقوى من كدا
سألته مبهوتة: وأنت عشان كدا عايز تتجوزني ؟
حمزه ببرود: عشان دا ف مصلحتي ومصلحتك
ضيقت جفنيها قائلة ببطء: مصلحتي وعرفناها .. إنما مصلحتك أنت إيه ؟
- ماما زي ما إنتي عارفه نفسها تجوزني إنهارده قبل بكره .. بكدا هأقدر أريحها، كمان مي مي مضايقه جداً من ساعة ما رجعتيها وما بقتش تشوفك
نظرت له بشك غير مقتنعة بمبرراته: دي مش مبررات كفايه
أضافت بتروي: أنا سألتك مصلحتك أنت إيه .. مش مصلحة غيرك !
صمت قليلاً قبل أن يصارحها: كنت معجب بواحدة واتخطبنا .. لكن بعد كدا اتعرفت على واحد جاهز ومعاه فلوس أكتر فسابتني واختارته
أضاف بعد صمت أخر: دلوقتي أطلقت وعايزنا نرجع لبعض تاني .. متوهمة إني لسه بأحبها وإني عايزها وبأفكر فيها .. جوازي هيثبتلها إني طلعتها من دماغي وفي نفس الوقت تبعد عني
أحست أن كل حرف نطقت به حنجرته كأشواك تغرس داخل قلبها تُدميه حتى الموت، أخذت نفساً عميقاً تُرجع به دمعاتها حتى لا تهطل أمامه: أنا مش موافقة على عرضك دا يا باشمهندس حمزه
طعنته في كبريائه كما في رجولته، رفضت عرضاً كان يعتقد أنها ستطير فرحاً لسماعه، رد بكل تعقل بقى لديه: عايزه تزوري والدك المريض .. هتزوريه لوحدك وتفتحي جروحه وكمان مش بعيد تخسري حياتك .. كدا أحسن ولا ..
صمت ليعطي لكلماته التأثير المرجو، هو يعلم موضع كلماته وطريقة نطقها بنبرة معينة، نطق أخيراً متأكداً من ترقبها: ولا تروحي مع جوزك .. معززه مكرمه .. تمشي في وسط البلد وراسك مرفوعه على عكس ما تروحي لوحدك .. أكيد والدك مهما كان يعني هيبقى همه إنه يطمن عليكي وإنه في حد معاكي بيحافظ عليكي ويصونك عشان لو جراله حاجه لا قدر الله .. أظن هو رفض الأولاني دا عشان كان شاكك ف إنه مش قد المسئولية ومش هيطمن عليكي معاه
نهض ملتقطاً نظارته الشمسية ومفاتيحه من فوق الطاولة: ع العموم أنا هأسيبك تفكري .. معاكي الليل كله وبكره أخد الرد .. عن إذنك
رحل وتخبطت هي في أفكارها، وكزتها حنان في ذراعها لتستفيق، لقد رفع المأذون المحرم معلناً إتمام كتب الكتاب فقد اتفقا أن يكون هذا زواجهما فقط أو بالأصح هي من اقترحت، لقد تمنت أن ترتدي الثوب الأبيض لكن هناك شرط اختل فاختلت معه باقي الموازين .. العريس لا يحبها.
ضمتها الجدة مباركة زواجها، التقت نظراتها التائهة مع نظرات سمية الحانقة، منذ عرفت بقرار ولدها بالزواج من حياه وهي لم تهدأ، حاولت إقناعه بالعدول عن رأيه لكنه لم يستجب، قررت اقتصاصه بعدم الحضور لكن أحمد أصر عليها فهو ولدهما الوحيد وهي التي لطالما تمنت هذه اللحظة فكيف تتخلى عنها مهما كانت شخصية العروس؟؟ .. رغم ذلك لم تنل العروس رضاها خصيصاً عندما شعرت من ثوبها الرمادي المحلى بالخرز الفضي أنها ليست راضية بهذه الزيجة مثلها .. إذاً لما وافقته ؟؟
ابتسمت نجلاء وهي تلثم وجنتيها: ما تعرفيش فرحت قد إيه لما عرفت إنك هتتجوزي حمزه، ربنا يسعدكوا يا رب .. هو دا فعلاً الإنسان اللي هيقدر يصونك
ابتسمت إبتسامة باهتة، اصطحبها حمزه في وقت لاحق إلى منزل والديه حيث تقرر إقامتهما به، دخلت تسبقه إلى غرفته التي لحسن الحظ ملحقه بحمام خاص، تبعها.
- كمان أسبوع أو عشر أيام كدا ونسافر .. فيه مشروع ف إيدي ولازم أخلصه ما ينفعش أسافر وأسيبه
ألقى كلماته الباردة وتركها متجهاً إلى الحمام، جلست على طرف الفراش تفكر .. إنها قبلت الزواج منه لحبها له الذي ملئ خلايا قلبها، تمنت أن تصبح زوجته ولو لفترة محدودة فلم يعد لديها ما تخسره بل كانت ستخسر متعة أن تكون بجوار من تحب، ستحتفظ ببعض ذكرياتها معه تعينها على ما بقى لها.
فور خروجه تناولت من حقيبة ملابسها ما ستقضي به ليلها واتجهت إلى الحمام دون أن تنظر إليه، تخشى رؤية نظرة تجرحها وتدمي قلبها.
بعد فترة خرجت مرتدية حلة نوم طفولية تتشابه كثيراً مع ما ترتديه مي مي، حاول كتم ضحكته مبدياً إنشغاله بمطالعة ملفات تخص عمله، اتجهت إلى الفراش عندما سمعته يقول: نامي على الناحية التانية أنا بأحب أنام ع الناحية دي ...
تدحرجت إلى الجهة الأخرى وتدثرت بالغطاء لتغط في سباتٍ عميق، أجهدها التفكير خلال الأيام الماضية دون أن يترك لها فرصة لأخذ قسط من الراحة، بعدما تأكد من نومها تسلل إلى جوارها يتلمس شعرها للمرة الأولى، لقد كان غجرياً متمرداً ذو كبرياء وأنفة كما هو حالها، تعبر خصلاته عن شخصية صاحبتها، تبسم ثم انزلق داخل الغطاء يشم بقايا رائحتها العالقة في الوسادة حيث وضعت رأسها لثواني، أزكمته الرائحة فراح في النوم.



رقدت على فراشها بعد أن هجرها النعاس، حالما توضأت الجدة مرت بحجرتها تطمئن عليها، انضمت إليها وحنان في ملكوت أخر لا تشعر بسواها.
- بتفكري ف حياه مش كدا ؟
هزت رأسها قائلة بشرود: أنا بأفكر ف اللي هيحصلها
إلتفتت تحدق في عيون جدتها تتحدث بثقة: حياه بتحب حمزه، سألتها ف مرة عن شعورها ناحيته بس اتهربت مني بعينيها قبل جوابها .. هي نفسها ما كانتش عايزه تعترف بكدا .. هي قبلت بجوازها منه مش عشان عيلتها لا .. عشان هي عايزه تتجوزه .. أنا عارفاها كويس هي كانت حاطه في دماغها تروحلهم مهما كان اللي هيحصلها إيه .. معقوله بعد كدا تقبل بجوازه من واحد مش بيحبها علشان عيلتها؟ .. ما أظنش
ابتسمت الجدة بخبث: ومين قالك إنه مش بيحبها ؟؟
اتسعت عيني حنان دهشة: قصدك إنه ....
أومأت: زي ما هي بتحبه وبتكابر هو كمان بيعمل كدا .. بس أنا شوفت الحب ف عيونه، أصل بردو بالعقل فيه واحد هيتجوز واحدة عشان خاطر أخته الصغيرة ومامته خصوصاً بعد ما عرف حكايتها؟ .. كمان مامته كان شكلها باين إنها مش طايقه حياه ولا راضية بالجوازه من أصله وجت غصب يبقى إزاي عشان رضاها؟
تجعد وجه حنان بقلق: تفتكري ممكن تعاملها وحش ؟
ربتت على كتفها بحنان: يا بنتي اللي ربنا كاتبه هيكون وبعدين حياه هتعرف تتصرف هي عدت حاجات أصعب من كدا .. بعدين تعالي هنا .. إنتي إمتى هتبطلي تخافي ع الناس وتشيلي همومهم أكتر من نفسك ؟؟ .. مش عارفه أنا لو حصلي حاجه هأسيبك لوحدك إزاي..
ضمتها حنان بقوة ونهرتها: ما تقوليش كدا والله أزعل منك .. دا إنتي اللي بقيالي يا تيته
- لا اللي باقي لك فعلاً هو ربنا .. كل من عليها فانِ
أضافت مازحة لتزيح غيمة الحزن: أوعي يا بت كدا كتمتي نفسي .. هاتأخر ع النوم ومش هأعرف أصحى لصلاة الفجر بسببك !
ضحكت حنان: طيب تصبحي على خير
نبهتها الجدة مغادرة: وإنتي كمان نامي .. عندك مدرسة الصبح .. هو أنا مش هأرتاح من الجملة دي ولا إيه؟؟ ههههههه
تمددت حنان على فراشها مقهقهة، جدتها هي شمس حياتها الضاحكة تنسيها هموم الدنيا بمداعباتها .. أدامها الله فوق رأسها.



تقلبت في نومها ثم فتحت عينيها على حمزه الذي يقف أمام المرآة يرتدي ساعته منهياً استعداده للذهاب إلى عمله، راقبته مدعية استغراقها في النوم .. تتمتع برؤيته خفية، ارتسمت إبتسامة صغيرة على شفتيها .. إبتسامة مليئة بالحب والشوق.
إلتفت فجأة ناظراً في عينيها، خجلت منه بشدة ونظرت صوب الأرض، أبتلع إبتسامة أبت الظهور على ثغره، قال مقطباً: أنا نازل .. سلام
نهضت بعد تأكدها من ذهابه واتجهت إلى الحمام تبدل ملابسها وتستعد لما ينتظرها من حماتها المصون.
خرجت لتجدها جالسة وحدها بعد أن ودعت مي مي إلى مدرستها، لقد أقنعتها بضرورة ذهابها إلى مدرستها لأنها أبت المغادرة متحججة بأن حياه يمكن أن تعود لتدريسها، رغبت سمية بإبعاد أي يد لها عن الطفلة حتى لا تضرها مجدداً.
دنت منها باسمة: صباح الخير
لم تعرها أي إنتباه وظلت تقلب في صفحات مجلة بيدها، شعرت حياه بالحرج من تلك المعاملة لم تدرِ ماذا تفعل حتى أتاها صوت مُنجدها من الخلف.
ربت على كتفها بحنان: مالك واقفة كدا ليه؟ .. دي مش مرة أول تنورينا .. أي نعم بصفة جديدة لكن بردو المفروض إنك عارفانا وواخده ع البيت
- معلش أصلي مرتبكة شوية
غمزها باسماً: طب ممكن الجميل يعملي فنجان قهوة ؟؟ .. بقالك كتير ما عملتليش فنجان مظبوط
أومأت بسعادة: من عنيا .. دقايق ويكون جاهز
انطلقت إلى المطبخ سعيدة بمهمتها الصغيرة، جلس إلى جوار يسألها لائماً: ليه كدا يا سمية؟
ادعت الجهل: ليه إيه؟
- يعني مش عارفه
ألقت المجلة بعيداً وقالت بعصبية ملحوظة: مش طيقاها يا أحمد .. حاساها ما تستاهلش ابني
- طب ولو نجلاء اللي حصل فيها كدا ؟ .. كنتي هتحسي بإيه لو حماتها عاملتها بالطريقة دي ف حاجه حصلت غصب عنها ؟
صمتت قليلاً قبل أن تقول مبررة: ما هي كمان مش مفرحه ابني .. في واحد يروح شغله يوم صبحيته بردو إلا لو كان مش طايق وشها ؟؟
- ليه تحملي البنت ذنب مش ذنبها ؟؟ .. إنتي أصلاً عارفه ابنك ما يقدرش يستغنى عن شغله يوم على بعضه .. وبعدين مش الأحسن إنك تساعديهم خصوصاً إنه اللي حصل حصل خلاص؟
قدمت حياه حاملة القهوة تقول بمرح: وعندك أحلى فنجان قهوة لأحلى عمو في الدنيا
ضحك أحمد متناولاً فنجانه: تسلم إيدك .. عن إذنكوا هأروح أشوف الوردات بتوعي اللي ف البلكونة
حلما غادر نهضت سمية تلحق به هي الأخرى لكن يد حياه أوقفتها، همست بصوت يكتم شهقات البكاء: إنتي ليه بتعامليني كدا ؟ .. أنا عملتلك إيه ؟
نفضت سمية ذراعها بقسوة: إنتي عايزه تلبسيني تهمه يا بت إنتي ولا إيه ؟؟ .. أنا عاملتك إزاي إن شاء الله؟
قالت بمرارة: فاكراني مش واخده بالي من نظراتك ليا إمبارح وإنك مش طايقاني ولا راضيه عن جوازي من حمزه ؟؟ .. ولا من معاملتك وإنتي بتبعدي مي مي عني .. كل دا عشان عرفتي حكايتي؟ .. حضرتك كنتي مربية أجيال .. مُدرسة وبعدها ناظرة مدرسة .. لو حصلت مشكلة لطالبة في مدرستك زي اللي حصلتلي يا حاضرة الناظرة كنتي هتعامليها زي ما بتعامليني كدا ؟؟ .. كنت فاكره إنه قلبك كبير وهيستقابلني .. هيعوضني عن حنان ماما –الله يرحمها- هتخديني في حضنك وتطبطبي عليا .. تقوليلي ما يهمكيش أنا جانبك، مامتك ماتت أه بس أنا هنا .. بس يظهر إني كنت غلطانه .. أعذريني على ظني
استدارت تخطو إلى غرفتها أو بالأحرى غرفة حمزة، أوقفها نداء سمية فنظرت إليها بقلق باكية، فتحت سمية ذراعيها وإبتسامة تخترق الدموع المتساقطة على خديها: تعالي .. حضني مفتوحلك دايماً .. زيك زي نجلاء يا حياه
ارتمت بين أحضانها تبكي، تبكي على أمها المتوفاة، على حضن شقيقتها الذي حرمت نفسها منه، على أيام العذاب التي مرت بها، بكت كل ما مرت به حتى الآن.



كان قلبها يأكلها على حياه، لقد أصبحت الراعي لها منذ أن التقتها، ذهبت تزورها في منزلها فقد حفظت العنوان بعد زيارتها الأخيرة له.
فتحت لها سمية الباب وابتسمت بوجهها: أهلاً وسهلاً .. إتفضلي
دلفت إلى الداخل معتذرة: معلش جيت من غير معاد .. بس أنا كلمت حياه على موبايلها بيديني مغلق وما أعرفش نمرة البيت هنا وكنت قلقانه عليها جداً
هدأتها سمية وهي تطلب منها الجلوس والاسترخاء: ما تقلقيش .. موبايلها فصل شحن، لسه مكلمه نجلاء وهي معاها وطمنوني
- هي مش هنا؟
- لا خرجت مع نجلاء يتمشوا ويغيروا جو .. بقالها أسبوع في البيت مش بتخرج، أول ما عرفت من حمزه إنها يومين وتسافر لأهلها طارت من الفرحة وقررت نجلاء تاخدها يجيبوا هدوم جديدة .. إزاي عروسة من غير هدوم جديدة يعني؟ .. أصلاً لولا السربعه اللي كانوا فيها أنا كنت جبتلها شئ وشويات
تعجبت حنان لنبرة الحب القافزة من كلماتها منذ متى تحولت من الحماه إلى الأم الحانية، حاولت الإعتذار للمغادرة ولكن سمية تمسكت بها بشدة حتى عودة حياه.
قدمت مي مي في تلك اللحظة تحمل عروستها وتقترب من سمية بحزن، سألتها سمية عما بها، أجابت وهي توشك على البكاء: إيد العروسة فكت
تناولت منها الذراع المفصول عن جسد الدمية في كف والكف الأخر حملت به باقي الجسد، نظرت لها بحيرة وقالت معتذرة: معلش يا مي مي مش بأعرف أصلحها، روحي إلعبي بواحدة تانية
لمحت حنان الحزن يزداد على الوجه الملائكي، مدت كفيها: هاتي أنا هأركبهالك
ركضت مي مي إليها مسرعة بالدمية تناولها إياها بحماس، نهضت سمية ضاحكة: طب عقبال ما تركبيها بقى أكون عملتلنا كوبيتين عصير ف الجو الحر دا .. شكله هيبقى صيف صيف يعني
انتهت من إعادة الدمية لوضعه الأصلي كما لو أنه لم يحدث لها شئ، قالت مازحة: شوفتي أنا جراحة شاطرة إزاي؟ .. عقبالك
ضحكت مي مي: ميرسي يا طنط
داعبت خصلاتها المتناثرة: العفو يا حبيبتي
تحركت حنان دون أن تلحظ الهاتف المحمول الموضع على فخذيها، نسيت أمره تماماً حال حديثها مع سمية بعد أن حاولت إجراء مكالمة أخيرة مع حياه وهي تقف على باب المنزل، مالت مي مي تلتقطه وتعيده إلى حنان عندما تجمدت بسمة الشكر على شفتيها وطغى الفزع على عينيها، لقد تدلت القلادة وظهرت إلى العيان.
ابتلعت ريقها بصعوبة تسأل: هي السلسلة دي بتاعتك ؟
أومأت مي مي بسعادة ممسكة بقلادتها: أيوه .. دا اسمي اللي مكتوب .. حلوة مش كدا ؟؟
دارت الدنيا بها، مصادفه أم شئ أخر، أمن الممكن أن تكون هناك قلادتنا بنفس الشكل تماماً يمروا بعمرها؟، سحبت حقيبتها وغادرت دون نطق حرف.
جاءت سمية تحمل كأسين من الشاي لكنها تفاجأت من غياب حنان، سألت الطفلة عنها فأشارت بأنها لا تعلم: هي فجأة قامت ومشيت ومش قالت حاجه
تعجبت سمية لكنها تجاهلت الموضوع وبدأت تلعب مع مي مي في إنتظار عودة حياه لتخبرها ما حدث وتعرف من صديقتها ما حدث.



قلبت نظراتها بين المرضى، فواحدة لم تتعدى عشرين ربيعاً تبكي بقهر وتشكو لمن تبدو أنها والدتها: ليه ما خلتنيش أجيب جنى معايا يا ماما
- معلش يا بنتي .. بس عيلة عندها 3 سنين هتيجي تعمل إيه هنا؟
زاد بكاء الفتاة: عايزة أشبع منها وما أسبهاش لحظة .. يا عالم هأقدر أروح ولا ...
جذبت الأم ابنتها إلى أحضانها باكية مقهورة: إن شاء الله خير وترجعي لبنتك بصحة وعافية
اقتلعت نظراتها من متابعتهما عندما شعرت بيد تربت على كفها المرتعش فوق حقيبتها، كانت امرأة في الخمسين من عمرها تبتسم مواسية: إن شاء الله هتخلصي منه بسرعة .. ما تخافيش
أومأت في صمت فعادت المرأة تتحدث: باين عليكي من نظراتك، بصي حواليكي واحمدي ربنا كلنا جالنا اللي ما يتسمى دا .. بس كل واحدة وظروفها .. ربنا يشفيكي يا حبيبتي
تدخلت حياه في الحوار: طب وحضرتك هنا من إمتى ؟؟
ارتسمت إبتسامة واهية تكاد لا تلحظ: بقالي سنة ونص
عضت نجلاء على شفتيها بفزع لاحظته المرأة: ما تخافيش أوي كدا .. إن شاء الله إنتي مش هتطولي كل دا
شرعت في قص حكايتها عليهم: أنا مصرية بس عايشة في اليمن، جيت هنا عشان العلاج .. وبقالي سنة ونص لا شوفت ولادي ولا روحت اليمن
بينما نجلاء مازالت لم تستوعب الصدمة دار الحديث بين السيدة وحياه: طب وجوز حضرتك فين؟
ظهر الأسى على ملامحها: متوفي من خمس سنين
- هو لو مافيهاش إزعاج الكانسر فين؟
- في الرئة
- ربنا يشفيكي
- تسلمي يا حبيبتي
ثم أضافت موجهة الحديث لنجلاء: ويشفيكي إنتي كمان يا بنتي
خرج الرجل من غرفة العلاج برفقة الممرض، حان الدور على نجلاء، دخلت تتبع تعليمات الممرضة، لقد جاءت من قبل ليخبرها الطبيب بما عليها فعله، فبعد أن يتحدث إليها قليلاً تتجه إلى العلاج مع الممرضة التي تعرف ماذا تفعل جيداً ثم تعود للحديث معه مرة أخرى .. انتظرتها حياه في الخارج تحاول التخفيف عن تلك الفتاة اليافعة وتتسامر مع المرأة الخمسينية.
حاولت أن تتمالك نفسها بعد أن ثبتت الممرضة الكانيولا في وريد يدها اليسرى، اندفع الكيماوي ليختلط مع دماءها وينتشر في جميع أجزاء جسدها، كتمت تأوهات كادت تهز العيادة بأكملها، شعرت بأن النار قد اضرمت في ذراعها لتنتشر في جسدها، حدثتها الممرضة في أي شئ وكل شئ لتشتت إنتباهها .. فما زال الطريق أمامها طويلاً.
بعد انتهاء الجلسة رافقتها حياه إلى حجرة الطبيب الذي نظر إلى نجلاء متبسماً: إزيك يا مدام نجلاء دلوقتي ؟؟
ابتسمت بسخرية: ما أنا لو كويسة كنت هأجي أعمل إيه هنا يا دكتور ؟
حافظ على إبتسامته وظل يحدثها عن علاجها وأعراضه الجانبية وكم من الممكن أن يستغرق .. إلخ من الأمور التي جعلتها تشعر بأن الموضوع أكبر بكثير مما تخيلت .. رغم أنها ظنتها كبيراً من الأساس.
أنهى حديثه: بس أهم حاجه النفسية يا مدام نجلاء .. دي ساعات كتير بتبقى أهم من العلاج نفسه
عادت نجلاء لسخريتها: أصلاً لو نفسيتي كويسة مش هأجيلك تاني
ابتسم إبتسامة أخبرتها أنه يعلم أن ما بيدها حيلة وستأتي رغم أنفها، ذلك أغاظها وجعلها تغادر مهرولة من الغضب حتى لم تلحظ المرأة الخمسينية التي ودعتها هي وحياه.
أسفل البناية التي تحتلها العيادة توقفت نجلاء قائلة: روحي إنتي يا حياه، أنا هأتمشى شوية قبل ما أروح
قبلت حياه بذلك فهي تعلم أنها تريد الإنفراد بنفسها فانصرفت تدعو لها بالشفاء والرضا بما قسمه الله تعالى فهي تشعر بنقمتها على ما حل بها .. ولكن كيف تلومها؟
- بس إنتي مش ناوية تقولي لحد بردو ؟؟
- لا
- أنا مسافرة كمان يومين ومش عارفه هأغيب قد إيه .. هتعملي إيه ؟
- عادي وفيها إيه ؟؟
- عادي إزاي !! .. هي عشان أول جلسة الدكتور عملها خفيفة لكن بعد كدا الله أعلم هتقدري تصلبي طولك لوحدك ولا لا .. إنتي ما شوفتيش الرجل اللي كان خارج كان عامل إزاي ؟؟
صرخت بها: أنا كويسة ومافييش حاجه، ما تقلقيش عليا لو عايزه أقول لحد هأقوله مش هأخد إذنك يعني !
زفرت حياه تحاول تفهم عصبيتها: خلاص اللي يريحك
همت بالإنصراف لكن نجلاء أوقفتها معتذرة: سامحيني .. ماكانش قصدي
ابتسمت: ولا يهمك .. بس لازم تقولي لفادي ع الأقل .. هو لازم يقف جنبك ويساندك
أومأت لها قائلة: إن شاء الله
انصرفت كل واحدة في طريقها، مرت نجلاء بجوار أحد المحال وأعجبها فستان شديد الجمال والأنوثة، لكن فجأة أختفت سعادتها بإيجاد ما يناسب ذوقها عندما تذكرت بأنها ستموت في أي لحظة وقد لا يأتي عليها اليوم الذي سترتديه فيه ثم انطلقت مسرعة صوب منزلها لتخفي بين جدرانه أهاتها المتوجعة.
حمدت ربها على عدم عودة زوجها أثناء مكوثها في الخارج، ألقت الحقيبة كيفما أتفق وتوجهت إلى الشرفة تنظر إلى السماء وعينيها مليئة بالدموع.
- ليه يا رب تعمل فيا كدا ؟؟ .. ليه أنا ؟؟ .. أنا عملت إيه يا ربي في دنيتي أو ف حد عشان يحصلي كدا ؟؟ .. أنا مش موافقة على فكرة ع اللي بيحصلي دا ! .. مش راضية بـ دا
انهارت أرضاً تبكي شلالاً من الدموع، تتألم مما حدث ويحدث لها، في البداية حرمت من نعمة الإنجاب والأمومة ثم هذا المرض الملعون.
ألقت نظرة على مكان الجرعة التي أخذتها، وجدت وريدها قد نفر بشدة يكاد يخرج من معصمها رافضاً ما مر به من سائل كاوِ يجعله يجف من دماؤه، لاحظت كذلك تورم ذراعها.
اتكأت على سور الشرفة قبل أن تتوجه إلى غرفتها تتحمم وتحاول إزالة حزنها وألمها ليتم تصريفهم مع المياه إلى أنابيب الصرف ثم تستعد للذهاب إلى النوم على غير عادتها من إنتظار زوجها.



فتحت أبواب الخزانة على مصرعيها تتناول ما بداخلها من ملابس وتدسها إلى الحقيبة المفتوحة على الفراش .. كان ينقصها جناحان لتطير وتحلق إلى أهلها فقد استبد بها الشوق.
دلف إلى الحجرة بهدوء وفي حالة فات بصخب فلن يلفت انتباهه .. أخذتها السعادة إلى عالم أخر ملئ بالتفاؤل والأمل وقتها وإن حدثت حرب عالمية ثالثة ... لن تهتم، ظل يتأمل سعيها بين الخزانة والحقيبة برشاقة.
انتهت من حزم ملابسها التي ما تزال معدودة حتى ذلك الحين، في نفس اللحظة التي شعرت بنظرات مصوبة إلى ظهرها، استدارت ووجدته أمامها .. قالت بإبتسامة: أنا خلصت، لميت هدومي كلها
عقد ذراعيها مرتدياً قناعه الجليدي كلما حدثها أو نظرت إليه: ناويه تروحي ما ترجعيش ولا إيه ؟؟
هزت كتفيها: لا مش كدا .. أنا ماعنديش هدوم كتير فحطيتهم كلهم
- وبالنسبه لأنه لسه فاضل يومين ؟؟ هتقضيهم إزاي مادام شلتي الهدوم كلها؟
أشارت إلى جبينها: ما هو هنا فيه عقل عشان كدا سيبت طقمين يكفوني اليومين الجايين
كتم إبتسامته قائلاً بجدية: بكره ننزل وتشتري لبس تاني
قطبت عينيها تفكيراً ثم قالت بعد هُنية: بس مش معايا فلوس تكفي .. أخدت أجازة من المدرسة وما قطعتهاش وما قبضتش المرتب طبعاً
رد بقوة: وأنا بأعمل إيه هنا ؟ .. جيبي اللي إنتي عايزاه وأنا اللي هأدفع
هم بالمغادرة لكنها أمسكته من ذراعه، نظر إليها .. عينيها معتمتين من الغيظ والغضب الذي لم يفهم لهما سبباً بيناً.
كزت على أسنانها: وأنا مش عايزه منك حاجه
ذكرها بقسوه: ما تنسيش إنك مراتي ومن حقك إني أصرف عليكي وألبيلك كل طلباتك
نظرت إليه باستغراب متمتة بسخرية: من ساعة ما اتكتب كتابنا دي أول مرة تقول إني مراتك وإنه ليا حقوق وعليك واجبات
برقت عينيه للحظة صدمتها لكنها اختفت قبل أن تستوعبها فظنت أنها تخيلتها، تراجعت لا إرادياً عندما اسند كفيه على الحائط المحيط برأسها، حدق داخل عيونها بقوة والخبث يملؤه:
- عندك نية تديني حقوقي يعني ولا إيه ؟؟ .. لو مستعدة أنا ما أقدرش أقول لا بصراحة
دفعته بعزم بعيداً فتنحى منصاعاً بهدوء مستمعاً إلى كلماتها الحانقة: أنا ما اسمحلكش إنك تتكلم معايا بالطريقة دي .. أنت دماغك راحت بعيد مافيش حاجه من دي
ابتسم بمكر: إنتي اللي دماغك راحت بعيد .. أنا قصدي حقي ف إني أنام ع السرير كله لوحدي مش نص سرير
غمزها ملاحظاً توترها، أسرعت هي بإخفاءه قائلة بمكر أكبر: بس أنا كان قصدي بحقوقك واللي وصلني يعني هو العشا ... معلش أصلي ما عملتوش إنهارده وهتأكله من إيد طنط سمية بقى
أضافت متلكئة: لتكون افتكرت حاجه تانية ولا حاجه
دفن غيظه ممسكاً بمقبض الباب يقول بصرامة تُلغي أي كلمة اعتراض: بكره الساعة خامسة هأعدي عليكي نروح نشتري الحاجات اللي نقصاكي .. مش هأخلي أهلك يعلموني أصرف على مراتي
تركها صافعاً الباب خلفه، قررت الإنصياع لأنها هزمته في هذه المعركة مما أثر على ثقته بنفسه كما أثر بأعصابها وإن استمرت في جذبها سينفر منها دون رجعه ... ضارباً بمخططاتها في الحصول على الحب والنيل بقلبه محطمة أسواره وحصونه الدفاعية .. ضحكت حتى بدت نواجذها فما رأه منها إلى الآن ليس إلا بعملية استعداد لمعارك أكبر تحقق من خلالها فتوحات لا تُنكر.









لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:11 PM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي





الفصل الثالث عشر




كانت تغط في النوم على ساق جدتها التي تتابع أخبار المساء قبل اتجاهها إلى فراشها لكن أفزعها صوت جرس الهاتف الذي دق فجأة كأنه يعلن بسوء الخبر القادم من الجهة الأخرى واستعجاله كذلك.
انتفضت حنان من نومها ثم اتجهت إليه تدعو الله أن يكون خيراً لكن دعوتها جاءت متأخرة .. أدركت ذلك عندما سمعت لهاث خليل على الطرف الأخر وقد فتك القلق والذعر ما تبقى من بقايا صوته.
سمعتها الجدة تتمتم بجملة وحيدة تضع بعدها السماعة: أطلب الدكتور وأنا مسافة السكة وجايه
استفسرت منها عن المتصل وإلى أين وعدت بالذهاب في تلك الساعة من الليل .. ترددت في إخبارها ولكن ليس هناك من مفر: خليل بنته تعبانه ومامتها مسافرة وهو مش عارف يعمل إيه
بغضب جامح: وإنتي مالك وماله ؟؟ .. حتى بعد ما سابك بردو مش سايبك في حالك !
- البنت مش ذنبها حاجه يا تيته، وبعدين هو لو عنده حد تاني يلجئ له ماكانش كلمني
عقدت ذراعيها وأدارت وجهها بعيداً: أنا مش عارفة هتفضلي عبيطة كدا لحد إمتى .. كل ما يشاورلك ولو حتى من بعيد تجري عليه وتقوليله شبيك لبيك
أمسكت حنان بكف جدتها متنهدة: ومن إمتى يا ستو يا حبيبتي إحنا لما يطلب مننا حد حاجه نرفض؟ .. إنتي ربتيني على كدا ؟
نزعت الجدة يدها: مهما تقولي أنا مش راضية عن مرواحك ومساعدتك ليه، وبعدين أم إيه دي اللي تسيب بنتها مع راجل وتأمنله حتى على كرسي الصالون .. جالها قلب تسافر كدا إزاي؟
تنهدت حنان: الله أعلم بظروفها ... هـــا .. أروح بقى يا تيته؟
أشفقت على حفيدتها الحنون ومع ذلك قالت: روحي يا حنان .. عشان عارفه إنك مش هتحلي عني غير لما أقولك كدا بس عايزه أعرفك حاجه ... أنا مش مرتاحه لمرواحك دا بس مش هأمنعك ف نفس الوقت .. عقلك في راسك تعرفي خلاصك
اتجهت الجدة إلى غرفتها بعد أن قفزت حنان مسرعة ترتدي ملابسها لتتجه إلى خليل تعينه على ما يمر به، كزت الجدة على شفتيها: أه لو أعرف العمل اللي عاملهولك راميه فين بس .. كنت حرقته هو وصاحبه بجركن جاز !



تأوهت وهي ترفع رأسها الساقطة على أحد كتفيها ثم تُعدل جلستها وتدلك رقبتها .. نظرت حولها وجدت خليل يتمدد على أريكة في أحد الأركان ويغط في نوم عميق، عادت بنظرها إلى الوجه الصغير الغاطس في نسيج الوسادة وعلى جبينه قطعة قماش مبلله .. أمسكت الصحن الموجود على الطاولة المجاورة للفراش وبدأت تعصر قطعة قماش أخرى وتستبدلها بالموضوعة على جبين هدى.
اتجهت إلى المطبخ تُعد الإفطار .. وضعته على صينية وعادت به إلى الغرفة .. أيقظت هدى بهدوء التي نهضت بصعوبة لا تكاد تفتح عينيها لتفتح فمها حتى .. بدأت تناولها لقيمات صغيرة من الطعام فقط لتعطيها القوة على المقاومة لأن الدواء لا يؤخذ على معدة خاوية.
تقلب خليل بقلق وأفاق على صوت حنان تشجع هدى بهدوء على متابعة تناول طعامها، ابتسم بحب لقد اشتاق إلى وجهها الذي كان أول ما يراه كل صباح فيتأكد بأن هذا أجمل أيام حياته وأن اليوم يخبئ له من الخير الكثير.
انتزع نفسه من أفكاره فلا يصح أن يفكر بها هكذا فهي لم تعد تخصه في شئ .. كم ألمته تلك الخاطرة .. نفض جسده من موضع نومه واقترب منهما متسائلاً عن حالها الآن، أجابته دون النظر إليه وهي تتابع إطعام هدى.
- الحمدلله أحسن .. درجة الحرارة نزلت بس خوفت لتعلى تاني فحطالها الكمادات، وأهو بأفطرها عشان أعرف أديها الدوا
- الحمدلله .. مش عارف أشكرك إزاي يا حنان
- لا شكر على واجب
- إنتي أخر واحدة المفروض كنت أطلب منها الطلب دا خصوصاً ..
قطع جملته بقلة حيلة لا يعرف كيف يختمها، نهضت ونظرت له بقوة: مافيش حاجه، أي حد كان هيطلب مني مساعدة مش هتأخر عنه
سألها بغيظ: حتى جارك دا اللي اسمه بدر
رفعت أحد حاجبيه مستغربة: طبعاً .. دا جاري ومن حقه عليا أساعده وقت ما يحتاجني
أضافت قبل أن تسمع أي رد منه: لازم أمشي، أصلاً وجودي هنا لحد الساعة دي غلط
تنهد معتذراً: أنا أسف تعبتك معايا .. بس منال راحت تزور والدتها في المنوفية عشان تعبت فجأة وما رضيتش تاخد هدى معاها لأحسن تتعدي
أومأت بتفهم: ربنا يرجعهالكوا بالسلامة .. عن إذنك
رافقها إلى الباب الذي فُتح بمجرد اقترابهما منه، دلفت منال إلى المنزل لتقابلها هذه المفاجأة، شهقت صارخة: هي دي بتعمل إيه في بيتي يا خليل !
جحظت عيونه تنهرها على كلماتها وقال من تحت ضروسه: هأفهمك بعدين يا منال
وضعت منال يديها بخصرها: لا أنا عايزه أفهم دلوقتي .. أغيب يومين عند ماما أرجع ألاقي الهانم دي مشرفة ف بيتي ؟؟
اعتذرت حنان وأمسكت بالباب تفتحه: عن إذنكوا
نشبت منال مخالبها في ذراع حنان بعنف: مافيش خروج من هنا غير لما أعرف بتهببي إيه ف بيتي!
أزاح يدها من فوق ذراع حنان صارخاً بصوت يغلب صوتها حدة: قولتلك هأفهمك .. ولمي الدور يا منال بدل ما ترجعي عند أمك بس المرة دي على طول
ألجمتها كلماته وشيعت حنان بنظرات حاقدة تحمل من الكره ما لا يستطيع تحمله إنسان، ركضت مسرعة تمنع دموعها من التساقط حتى تنفرد بنفسها .. تردد في ثنيات ذاتها .. ليتني استمعت إلى اعتراض جدتي لكن إحساس الأمومة وخوفي على الطفلة كأنها طفلتي المفقودة أفقدني أي تفكير منطقي سوي.




أغلق أنس كتابه بعد أن أتم فروضه ثم نهض متجهاً إلى حاسوبه الآلي يضغط زر بدء التشغيل .. سحب مقعده واستقر به منتظراً عمل الجهاز.
فور إعلان استعداد الجهاز للعمل حتى انطلق يفتح حسابه على موقع التواصل الإجتماعي "الفيس بوك" .. تحمس بشدة عندما رأى أمامها إشارة خضراء تدل على تواجدها، بدأ الحديث معها..
- السلام عليكم ^_^
- وعليكم السلام .
- إزيك ؟
- الحمدلله أنت عامل إيه يا أنس؟
- أهو زي ما أنا
- لسه مافيش أخبار عن أختك ؟
- لا لسه .
- معلش هترجع قريب إن شاء الله
- يا رب ^^
- المهم أنت ركز ف دراستك وبطل تلاكيك :P
- ههههههههههه حاضر .. بس إنتي عاملة إيه مع مامتك ؟
- الحمدلله بأكلمها على طول وبأزورها يوم الجمعة .. وف أجازة أخر السنة هأروح أقعد معاها ^^
- طب الحمدلله .. ربنا يديم المحبة بينكوا
- أنت السبب ف دا لولاك ماكنتش كلمتها تاني وفضلت بعيد عنها مش عارفه أشكرك إزاي
- ما تقوليش كدا يا هبه دا كان هيحصل بيا أو من غيري
- ^_^
توقف الحديث وظل أنس يفكر في موضوع للحوار لكنه لم يجد فقرر إلتزام الصمت، شرع يتصفح الصفحة الرئيسية يقرأ منشورات الصفحات التي يتشرك بها ومنشورات أصدقائه.
استوقفه هذا المنشور ليقرأه بتمعن .. وكان ما كُتب به حرفياً "
السؤال: هل صحيح أن النبي -صلَّ الله عليه وسلم- أرشد إلى تغطية الإناء الذي فيه طعامأ وشراب؟
الإجابة: نعم، الأصل في المسلم إن بات فلا يجوز له أن يترك الآنية التي فيها الشراب، أوالصحاف التي فيها الطعام إلا وهي مغطاة، ولو وضع في الثلاجة فأرجو أن تكون بمثابة الغطاء.
وتغطية الإناء ليلاً واجب، وهذا خيرللمسلم في دينه ودنياه والأحاديث الصحيحة صريحة في ذلك.
فقد أخرج مسلم في صحيحه أن النبي -صلَّ الله عليه وسلم- قال: "غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب، وأطفئواالسراج؛ فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح باباً ولايكشف إناء...".
وفي حديث آخر في مسلم أيضاً يقول -صلَّ الله عليه وسلم-: "غطوا الإناء، وأوكوا السقاء؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء"، ولعل في هذا سراً عجز عنه الأطباء، ولعلهم يعرفونه في يوم من الأيام. ولعل هذا سبب لحصول الداء في أو لأمره، الذي لم يكن قد عرف من قبل.
وقد أكد النبي -صلَّ الله عليه وسلم-،على هذا الأمر تأكيداً شديداً، فقال: "فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً، ويذكراسم الله فليفعل"، وهذا خير للمسلم في الحال والمال، والمعاش والمعاد.
#‏والله_أعلم.
"
ما أن أنهى قراءة المنشور حتى ركض إلى شقيقته وزوجة أخيه يطلعهما على ما عرفه، تعجبتا بشدة وعلقت زهرة بتفكير: عشان كدا كل سنة بيطلع وباء جديد وينتشر
شاركتها عائشة رأيها: تقريباً .. مش بعيد والله
أنس: أبقوا غطوا الأكل كويس
زهرة: إحنا عموماً مش بنسيبه غير لما نغطيه بس هناخد بالنا أكتر بعد كدا
أومأ أنس وعاد يتصفح المنشورات مرة أخرى متنقلاً بين منشورات عن فنانين لا معنى لها وأخرى عن طريقة تقشير الثوم .. ومنشور عنوانه "المغنية ... شاهد صورها عندما كانت تنام تحت شجرة الجميز" .. ومرة عراك بين ناشط سياسي وعضو بأحد الأحزاب وكيف يسب كل منهما الأخر .. ثم وصل إلى النكات وأصاحبي وغيرهم من الشخصيات الفيسبوكية الأصيلة لتخفف عنه عناء ما رأه قبلاً من منشورات تسبب له الملل من كثرة تكرارها.



صعدت إلى القطار وجلست برفقة حمزه إلى جوار النافذة تشيع عائلته التي أوصلتهم إلى المحطة، اعتدلت في جلستها بعد أن ابتعدوا عن أنظارها، شردت بعيداً تتخيل موقف أهلها إذا رأوها بعد هذا الغياب، لقد مر حوالي العام وهي لا تدري عنهم شيئاً والعكس أصح.
لاحظ شرودها لكنه لم يعلق .. توقع سببه وما يسبب لها التوتر .. هو كذلك متوتر لا يعلم رد فعل أناس لم يقابلهم ولم يسمع عنهم شيئاً، لكن إن كانت هي مثالاً عليهم فهو يتوقع العناد ويباسة الرأس وأنهم سيحتاجون إلى مجهود ليس كبيراً بل خرافياً.
فكر أن يتجاذب معها أطراف الحديث لكنه تراجع عندما وجدها تسبح في عالم بعيد كل البعد عنه وعن الواقع .. أثر إلتزام الصمت فهو كذلك لا يدري كيف يبخر خوفها وهو لا يعلم ما ينتظره.



حملت حقيبتها وقبضت على يدها الراقدة فوق كتفها بقوة ثم بدأت تسير بتمهل إلى خارج أسوار المدرسة غير مدركه لأصوات الأطفال المتصاعدة وعراك بعض الأطفال نتيجة كلمة قالها أخر .. بعض الأطفال يصعد إلى الأتوبيس سعيدين بعودتهم إلى منازلهم .. غارقة هي في أفكارها.
لم تنسَ حنان أمر مي مي والقلادة التي رأتها تلتف حول عنقها، أمن المعقول أن توجد قلادتنا بنفس الشكل والتطابق لتلك الدرجة ؟؟؟
في شهرها السابع بعد علمها بأنها سترزق بفتاة، لم تكن الأرض تسعها من السعادة، ستأتي الفتاة التي تدربت منذ طفولتها على دُميتها لتصبح أماً لها .. فكانت تمشط لها خصلاتها الصناعية وتجعل والدتها –رحمها الله- تجدل لها ضفائر كالتي تستكين على كتفيها .. كذلك تبدل لها ملابسها وتقوم بتفصيل ملابس خصيصاً لها من قصاصات الأقمشة .. حتى أنها لم تتركها أثناء استحمامها بل كانت تأخذها لتستحم برفقتها.
تمددت على فراشها ترفع قدمها على وسادة كما أمرها الطبيب ثم تناولت دفتر وقلم من أعلى الطاولة المجاورة للسرير .. وضعت طرف القلم في فمها لحظات تفكر حتى شعت إبتسامة فوق ثغرها وبدأت تخط بضعة خربشات لتنتج قلادة في غاية الجمال.
دلف خليل إلى الحجرة يطمئن عليها، حالما رأته أشارت له ليقترب بلهفة، تبسم جالساً بجوارها يحيط كتفيها بذراعه ..
قالت بسعادة لا مثيل لها: إيه رأيك في السلسلة دي يا خليل؟؟
تأملها دقيقة بتمعن قبل أن يعلق بهدوء: حلوة أوي يا حنان .. بس لمين دي ؟؟
ثبتت نظرها على الرسمة قائلة بعيون لامعة: دي سلسلة رسمتها لـ ميّ بنتنا
نظر لها متعجباً: إنتي خلاص هتسميها ميّ ؟
هزت رأسها وعيونها تحدق في عيونه: أيوه .. أنا كنت مسميه عروستي ميّ وكنت بأعاملها أكنها بنتي مش عروسة خالص .. وكنت وعدتها من وأنا صغيرة إني لما أخلف وأجيب بنت هاسميها ميّ على اسمها
قهقه خليل: أنا أعرف توعدي واحدة صحبتك مش عروسة يا حنان هههههههه
قطبت جبينها: وفيها إيه لما أوعد عروسة يعني !
قبَّل شعرها قائلاً بحنان: مافيهاش حاجه يا حبيبتي
أعاد الحديث إلى القلادة .. سألها وعيونه تستقر على الدفتر: ومتخيلها تبقى إزاي بقى؟ من الدهب يعني؟
هزت رأسها بعنف رافضة: لا، أنا عايزاها تبقى فضة .. بأحسه كدا رقيق .. هيناسب السلسلة أكتر وهيخليها أحلى .. الشكل دا ما ينفعش معاه غير الفضة
تخيل ما قالته وتمتم بشرود: فعلاً هتبقى حلوة .. الاسم مكتوب بشكل حلو أوي ما شاء الله
ابتسمت ونهضت على مهل: هأدخل الحمام بقى قبل ما أنام
داعبها ضاحكاً: أنا لو عملت تذكرة على الحمام دا هأكسب دهب
بررت بخجل: هو ذنبي يعني؟ .. ما هو الحمل السبب مش بإيدي يعني
- معلش .. خلاص كلها شهرين وترتاحي
فور إختفاءها في الحمام تناول الدفتر وشق الورقة التي تحوي الرسمة بين طياتها عاقداً النية على تحويلها من مجرد خربشات على ورق إلى حقيقة ملموسة مهما كلفه الأمر.
أفاقت على اصطدام فتى بها يركض لاحقاً بالكرة، ابتسمت رغم أنه لم يكلف نفسه عناء الإعتذار، تابعت السير عائدة إلى أسعد ذكرياتها .. يوم فات خليل إلى المطبخ بينما تجلس برفقة جدتها تتسلى بالحديث إليها وهي تعد كعكة عيد ميلاد ابنتها الثاني.
نظرت إليه مستغربة: أنت رجعت بدري ليه ؟؟ .. حصل حاجه ؟؟
ابتسم وركع على ركبتيه أمامها في حين تركت الجدة ما كانت تقوم به وقد انتابها القلق، أخرج من جيبه علبة حمراء وفتحها لتجد حلمها تحول إلى واقع تستطيع القبض عليه وقت لمسها للقلادة الفضية التي تحمل اسم ميّ فيزيدها بهاءً في نظرها.
انتزعت نظراتها قصراً عن القلادة لتنظر له بأعين دامعة: عملتها إزاي دي ؟؟
هز كتفيه بخجل: أخدت الورقة اللي فيها الرسمة ووديتها لجواهرجي يعرفه واحد صاحبي وقبل يعملهالي
همست ببطئ: وجبت فلوسها منين ؟؟
- من ساعة ما ورتيني الرسمة وأنا سألت تكلفتها هتبقى كام وبقيت كل شهر أخد فلوس من المرتب بس مبلغ بسيط ما تحسيش بيه ولو حسيتي مش هتسأليني السبب مادام ما قولتلكيش أنا لوحدي .. وخصوصاً إنه حاجه بسيطة .. بقيت أخد المسافة مشي من هنا للشغل وأنا رايح أو وأنا جاي
بدهشه: يعني أجرة الأتوبيس هي اللي هتعمل فرق ؟؟
تبسم وقال مازحاً: جنيه رايح وجنيه جاي أدي 2 جنيه في اليوم يعني 60 جنيه في الشهر بالنسبه ليا المبلغ دا كبير أصلاً هههههه وبعدين فين صفة الزوجة الموفرة اللي فيكي يا حنان .. دفنتيها فجأة ولا إيه
ابتسمت بحب وانضمت إليه أرضاً تتلمس خصلات شعره: تعرف .. أنت أكبر نعمة ربنا رزقني بيها ف الدنيا دي .. ربنا يخليك ليا وما يحرمنيش منك أبداً .. ما أعرفش ممكن يحصلي إيه من غيرك
أنتهى الأمر بضمة ونحنحه من الجدة .. ألبست طفلتها النائمة القلادة متمنية ألا تنزعها أبداً.
لم تكن وقتها تدرك أن فراق الأم لوليدتها أكثر إيلاماً من فقدان المرأة لحب حياتها .. فغريزة الأمومة أقوى الغرائز حتى من غريزة إشباع الجوع أو الحاجه إلى النوم .. خصوصاً لو كانت امرأة ولدت لتصبح أماً كحنان.



وصل القطار أخيراً إلى المحطة المقصودة، هبط حمزه يحمل الحقيبة التي استوعبت أشياءهما معاً وسارت هي إلى جواره بتوجس ..
نظر حوله فلم يجد أي وسيلة نقل متوفرة سوى .. الـ توك توك، نظر إليها مستفهماً عما سيفعلانه، ابتسمت هي لأول مرة منذ الصباح وهزت كتفيها: هو دا اللي موجود
- أنتوا ما عندكوش تكاسي ولا إيه ؟؟
اتخذت وضعية الدفاع وأجابته: طبعاً عندنا، بس دا معاد غدا وتغيير ورديات
مشيراً برأسه إلى الـ توك توك سألها متمنياً منها النفي: أكيد مش هنركب دا مش كدا ؟
حاولت كتم ضحكتها قائلة بجدية: وهو أنت شايف حل تاني؟ .. ولا عايزنا نستنى لحد ما يجي تاكسي؟؟
زفر بحدة وقبض على ذراع الحقيبة بقوة مستغفراً فيما زادت محاولاتها لمنع القهقهات العالية من الخروج .. توجه إلى الـ توك توك الذي دوره الآن في نقل الزبائن وسأله عن العنوان الذي أخبرته به حياه سابقاً .. جلست حياه بسرعة وهدوء فهي معتادة على ركوبه بينما ارتبك حمزه فهو لأول مرة يركبه في حياته خصوصاً بجثته الضخمة تلك والتي لا تتناسب مع حجمه.
أخيراً استقر في مكانه ووضع الحقيبة التي ليس لها مكان سوى فوق ركبتيه، انطلق الـ توك توك في إتجاهه غير عابئ بالطريق وتضاريسه أو بالمارة ... اتخذ حمزه عهداً على نفسه أنه لن يركب توك توكاً مرة أخرى .. دائماً ما رأه يسير في الشوارع ويتعجب من هؤلاء الذين يركبونه .. أول مرة رأه اعتقد أنه عربة فرت من مدينة الألعاب .. لا يعتبره وسيلة نقل بل وسيلة للإنتحار أو اللعب الخطير كالصاروخ في دريم بارك.
تنهد براحة مترجلاً منه وبعد أن نقد الفتى الذي لا يتجاوز الحادية عشر من عمره إلتفت ليجد حياه متسمرة تنظر إلى المنزل برهبة وشوق في ذات الوقت، اقترب منها ووقف برهة يتأمل المنزل مثلها وجده شديد الإتساع وبه حديقة كبيرة أيضاً يبدو أنهم تخطوا الطبقة المتوسطة بمراحل.
ربت على كتفها وتقدم بينما هي تتبعه بتؤده، كانت البوابة مغلقة حاول فتحها بلا جدوى، أمسكت بساعده: استنى .. تلاقي عم فتح الله قافله وراح عشان يتغدى
تنهد: أنتوا إيه حكايتكوا مع الغدا بقى؟؟ .. كل البلد بتتغدى ف نفس الوقت ؟!
ألقت عليه نظرة جانبية: مش أحسن ما سكان البيت الواحد كل واحد فيهم ياكل ف معاد شكل ؟
صمت عندما رأى رجلاً يهرول من الغرفة الملحقة بجوار البوابة يقوم بضبط عمامته فوق رأسه بينما يقبض على طرف جلبابه تحت إبطه، يلوك بقايا غداءه، ويقول بلكنة صعيدية بحته: أنا چاي أهو .. مين هناك ؟؟
ثم أضاف غير مصدقاً عيونه عندما توقف أمامهما ولمح حياه عبر البوابة: إيه دِه .. ست حياه !
ابتسمت: أيوه أنا يا عم فتح الله
شرع في فتح البوابة بسرعة وسعادة وهو يتمتم على عجل: يا أهلاً يا أهلاً يا ست حياه .. والله البيت ما كان له طعم من غيرك
- تُشكر ...
ثم أضافت بتردد: هما جوا ؟؟
تجلى الحزن على ملامحه: أه كِلاتهم چوا، مافيش غير محمود بيه اللي راح يشوف الغيط، والباشا الكبير بقى يخرج من عيا يقع ف التاني .. والله دي عين وصابتكم يا ست حياه
شعرت بالنار تكويها فهي السبب فيما حدث لوالدها ولا تستطيع إنكار ذلك، أمسك حمزه ذراعها يحثها على التقدم بينما ألقى عليه فتح الله نظرة نارية تسأله بشك عمن يكون.
أجاب حمزه بثقة وقوة التساؤل الذي رأه في عينيه ولم ينطقه: أنا حمزه .. جوزها
حث حمزه خطاه وحياه تسير خلفه مسلوبة الإرادة تاركين خلفهما الصدمة تعلم ملامح الحارس دون أي إجابة على تساؤلاته التي لا تخصه في شئ.
وقفت أمام الباب تنتظر مصيرها بعدما دق حمزه الجرس، سمعت صوت شقيقتها يقترب من الباب قائلة: أيوه جايه
اتسعت حدقتيها على مرأى أختها التي كانت أسرع منها في رد فعلها، جذبتها إلى أحضانها بقوة تقبلها كيفما أتفق تعبر عن شوقها بالكلمات والأحضان، نظر حمزه إلى الحديقة وأولهم ظهره حتى يتيح لهما حرية أكبر.
زهرة وقد استبد بها الشوق: وحشتيني أوووي يا حياه
بكت لبكاء شقيقتها: وأنتوا أكتر والله
أشارت لها زهرة لتدخل فلاحظت مرافقها لأول مرة، عادت بنظرة مستفهمة لحياه التي أجابتها: هأحكيلك كل حاجه دلوقتي بس عايزه أطمن على بابا الأول .. هو كويس ؟
جلست معهما في المضيفة وقصت على حياه وضع والدها: من ورا محمود قعد يسأل على شادي دا ويعرف كل حاجه عنه .. مش عارفه إيه اللي سمعه عنه سببله أزمة قلبية ومن ساعتها أي حركة بسيطة بتتعبه ومش بيخرج من أوضته والدكتور قال ماحدش يزعله ولا يقوله حاجه تضايقه
زادت دموعها: يا حبيبي يا بابا .. أنا السبب في اللي أنت فيه دا
سأل حمزه مضيقاً حدقتيه: يعني ما قالش إيه اللي عرفه قدامكوا ؟؟
أجابته زهرة وهي ما تزال تسأل عن علاقته بحياه: لا، محمود بس اللي يعرف ومش راضي يقول لحد .. بيقول دي صفحة وانتهت
طلبت حياه بلهفة: طب أنا عايزه أشوف بابا يا زهرة .. عشان خاطري
اصطحبتها إلى غرفة والدهما بينما بقى حمزه بإنتظارها فتلك اللحظة من حقها وحدها، دلفت إلى حجرته على مهل فوجدته راقداً في سكينة مغمضاً عينيه، تلمست يديه ودموعها تتساقط: أنا أسفة يا بابا، ما كنتش أعرف إنه كل دا هيحصل بسببي .. أنا ندمانه على اللي عملته يا رب تسامحني
غادرت مسرعة فهي لم تتحمل رؤية والدها مستلقياً هكذا، دائماً ما كان كثير الحركة لا يهدأ ولا يرتاح إذا جلس في مكان واحد لفترة طويلة، مرت على أنس ووجدته كالعادة أمام الشاشة المضيئة يضرب على لوحة المفاتيح.
- كأني سيباك من نص ساعة بس .. يا ابني ارحم عينيك دي !
انتفض مصدوماً ثم نزع نظارته يدلك عينيه بقوة ويمسح عدساتها قبل أن تستقر على أنفه وفوق أذنيه مرة أخرى.
ضحكت: شوفت عفريت ولا إيه ؟؟
ركض إليه بسعادة يضمها: حيااااه .. وحشتيني
عقدت ذراعيها حوله: وأنت وحشتني أووي أووي
- الحمدلله إنك رجعتي البيت كان وحش أوي من غيرك
- الحمدلله .. يلا ننزل عشان أسلم على عيشه والتؤام اللي وحشوني جداً
بعدما وصلت إلى السلمه الأخيرة وقفت وجهاً لوجه أمام شقيقها الأكبر محمود، كانت عينيه تطلقان شراراً وصرخ بها: إنتي إيه اللي رجعك يا فاجرة ؟؟؟
هم أن ينهال على خدها بصفعة قوية لكن يداً تسببت في تعليق ذراعه بالهواء، قال حمزه بقوة شديدة لا تقبل مجادلة: مراتي ماحدش يمد إيده عليها حتى ولو كان أخوها
حمدت زهرة ربها فعندما رأت عائشة تفتح الباب ليطل منه شقيقها حتى ركضت إلى ذلك الغريب تطلب منه التدخل فبالتأكيد محمود لن يجعلها تمر مرور الكرام لكن ما فاق الدهشة لديها أن حياه أصبحت زوجته !
قطب محمود بشدة: مراتك ؟؟ .. أنت بتقول إيه ؟؟ .. أومال فين شادي ؟؟
حمزه بحزم: شادي دا ماضي وراح لحاله .. أنا الحاضر والمستقبل
وجه محمود نظراته إلى حياه قائلاً بسخرية: هو إنتي فاكره أنه لما تيجي متجوزة إحنا هنسامحك ونعدي اللي عملتيه دا بالساهل كدا ؟؟
نظرت حياه أرضاً بينما أجابه حمزه: إحنا بس شوفنا إنكوا لازم تعرفوا حياتها دلوقتي شكلها إيه وأنها كويسه .. وكمان تطمن على أبوها مش أكتر
محمود بعنفوان: وأديكوا أطمنتوا .. اتفضلوا بقى برا
تناول كفها وهم بالخروج لكن صوتاً رغم ضعفه إلا أن الحزم كان واضحاً فيه: لا أنتوا هتستنوا هنا
نظر محمود إلى أعلى السلم الذي يعلوه والده وهتف بهدشه: إيه الكلام دا يابويا ؟؟
نظر إلى محمود شذراً: عايز الناس تاكل وشنا وتقول طردوا بنتهم برا هي وجوزها ويفضلوا يلتوا ويعجنوا ف كلام وخلاص؟؟
وجه حديثه إلى زهرة وعائشة: حضروا لهم الأوضة عشان يقعدوا فيها وجهزوا لهم الغدا
أومأت كلتهما وأسرعتا تنفذان ما أمر، بينما عاد نظره إلى حمزه: أما أنت بقى .. ففيه كلام كتير بينا لازم يخلص
أومأ حمزه: تحت أمرك
ركض أنس يسند والده إلى غرفة المكتب وحمزه يعاونه بينما غادر محمود إلى عمله مرة أخرى دون أن يتناول الغداء الذي جاء من أجله يحمل داخله حنقاً على فعلة والده كذلك غضباً أنه على صواب فيما فعل.
أغلق أنس الباب على حمزه ووالده في غرفة المكتب كما أمره وأتجه إلى حياه قائلاً: تعالي نقعد ف أوضتي لحد ما يجهزوا الغدا والأوضة بتاعتك كلها شوية وتكون جاهزة
تحركت خلفه وقلبها يدق بعنف متسائلة عما يدور من حديث الآن بين حمزه ووالدها.



مرت حنان على منزل سمية بحجة أن حياه أوصتها بالإطمئنان عليها كل حين، تأملت أن تُحل ظنونها إما بالإيجاب أو بالسلب حتى لا تبقى معلقة بأمل واهٍ.
استقبلتها سمية بترحاب وجلست برفقتها تتناول القهوة الساخنة، أتت مي مي وجلست أمامهما تلعب، شعرت حنان بسعادة لا توصف لرؤيتها من جديد.
فتحت الحديث مع سمية: ما شاء الله ربنا يخليهالك، هي عندها كام سنة؟
ابتسمت: داخله في الـ 9 سنين
زادت الأمال لدى حنان فهي في نفس عمر ابنتها إن ما كانت معها الآن: بس مش واخده شبه منك أو من حد فيكوا خالص سبحان الله
ارتبكت سمية ووضعت فنجانها على الطاولة قائلة بغموض: أه .. خلقة ربنا بقى نعمل إيه
- ونعم بالله
أثار رد فعل سمية الريبة داخل حنان لكنها لم تستخدم الضغط حتى لا تكره السيدة قدومها، وبعد تناولها للقهوة ذهبت تلعب مع مي مي قليلاً قبل أن يحين وقت انصرافها.




انفردا أخيراً بغرفتها، سألته بلهفة عن سر حديثه الطويل مع والدها الذي استمر أكثر من ساعتين لكنه لم يجبها ووضع الحقيبة على الفراش يتأمل الغرفة بدقة قبل أن يتمتم:
- دي أوضة بنت
أجابته بفروغ صبر: أومال حضرتك شايفني إيه ؟
قال ببرود وتمهل أثار أعصابها: أنا لما أختك قالت هنقعد في أوضتك افتكرت إني هلاقي بدل الورد دا صبار .. السجادة الرقيقة دي بدلها شوك .. لون الأوضة رمادي غامق أو أسود .. مش وردي
تمتمت بحنق: ليه داخل قبر ولا شايفني خارجة من فيلم مصاصين الدماء ؟؟ .. سيبك من الأوضة وركز معايا، بابا كان عايزك ف إيه؟؟
تلكأ وقال متجاهلاً حديثها: بس أوضة لطيفة
وقفت أمامه غاضبة وهي تحوقل: يا ابني أنت ليه مُصر تستفزني؟؟!
جلس على فراشها سانداً جسده على مرفقيه: كيفي كدا
تنهدت وسألته: بجد يا حمزه، قولي بابا كان عايزك ف إيه ؟
اعتدل في جلسته وأسند ساعديه على ركبتيه قائلاً بجدية: كان عايز يعرف حكايتي معاكي إيه وإيه اللي خلانا نتجوز وعرفتك منين
بتوجس: وقولتله إيه ؟؟
تنهد: هأحكيلك عشان لما يسألك تقولي نفس الكلام بالظبط ... قولتله إنك فعلاً روحتي مصر مع شادي بس إنتي ماكنتيش بتهربي معاه هو بس وصلك القاهرة مش أكتر .. وأنك عملتي كدا بس عشان أخدتيها تحدي
أضاف بسخرية: وطبعاً بما أنه عارف دماغك فصدقني لما قولتله كدا
عاد إلى جديته مكملاً: وأنك كنتي مقررة تقعدي عند واحدة صحبتك يومين بس لكن هي احتاجتك معاها عشان جدتها تعبانه .. وحاولتي تكلميهم تقوليلهم بس أخوكي قفل في وشك السكة قبل ما تكملي كلامك .. بعدين حكيتله اللي حصل فعلاً وأنك اشتغلتي في المدرسة خوفاً من أنهم يطردوكي لو رجعتي وبعدين جيتي تدرسي لمي مي وأنا عرفتك وحبيتك وقررت أتجوزك
لما كلمة "حبيتك" هي التي استوقفت قلبها لحظة ليستوبعها دون باقِ الكلام، إنه في شوق لسماعها حقاً ولكن عندما يبادله القلب شعوره وليس لإقناع والد بمصالحة ابنته، تخطت هذا وسألته: وهو اقتنع؟
أومأ: أيوه .. بس مش أوي .. عشان كدا عايزنا نقعد هنا أسبوع عقبال ما يتأكد من كلامي
مصدومة: هو قالك كدا ؟
تنهد فاركاً كفيه: لا طبعاً، هو قالي بالحرف "هتنورونا هنا أسبوع .. هتتشالوا فيه فوق الراس عشان الغيبة الطويلة دي والبنت وحشت أخواتها" .. بس أكيد قصده يقولي لحد ما أسأل عليك وأعرف إذا كنت كويس ولا لأ واللي قولته حقيقة ولا كدب
- بس كدا ؟
- أديته اسمي كامل والعنوان عشان لو حب يسأل عني .. هو ما علقش بس حسيته ارتاح لما عملت كدا لأني لولا واثق من نفسي كويس ماكنتش اتجرأت كدا ع الأقل كنت هأستنى لم يطلب هو مني
فرك وجهه بعنف: ممكن أنام بقى عشان حيلي اتهد ولا إيه ؟؟
هزت كتفيها بلا مبالاة وغادرت الغرفة ليبدل ملابسه على مهل واتجهت إلى زهرة تلقي في جعبتها ما حدث كاملاً، كذلك مشاعرها التي تنمو يوماً بعد يوم نحو حمزه.



دفعت الغطاء بعيداً، لم تعد تتحمله تشعر أن جسدها ينبض حرارة، اتجهت إلى الحمام تستحم لعل الماء يطفئ لهيب جسدها لكن أتى ذلك دون جدوى ..
اللهب كان يتصاعد عبر صدرها إلى فمها، تتخيل أنها إذا فتحت فمها سيخرج ناراً كالتنانين، أعدت فنجاناً من النعناع كمحاولة لتحس بالراحة.
جلست تتناوله بالمطبخ وتتذكر أنها ذهبت اليوم إلى الطبيب لأخذ الجلسة، لقد قام الطبيب بتقسيم الجلسة الواحدة على مرتين .. لقد أخبرها أن ما تمر به الآن من الأعراض الجانبية للسائل الكيميائي الذي تأخذه لكنها لم تظن أنه بهذه البشاعة؛ حتى الأدوية لا تُجدي معه نفعاً.
كل جلسة تزداد نقمتها على ما هي فيه، تتساءل لما هي خصيصاً ولما الآن؟؟، عندما أدركت عدم جدوى النعناع دلفت إلى غرفتها مرة أخرى وشرعت تبحث عن علكة في مكانٍ ما داخل حقيبتها، تقلب فادي فاتحاً عينيه يسألها بصوت ناعس: بتدوري على إيه دلوقتي يا نجلاء ؟؟
وضعت قطعتين في فمها وأعادت باقي العلبة إلى الحقيبة مجدداً: كنت بأدور على لبان
متعجباً سألها: دلوقتي ؟؟
- عندي حموضة ومش عارفه أنام منها
سألها بقلق: أنزل أجيبلك دوا ؟
هزت رأسها: لا أنا هأندوغ اللبانه شوية وهتروح الحموضة على طول، نام أنت عشان عندك شغل الصبح بدري
استدار عاملاً بكلامها بينما أخفت هي دمعة حزينة فهي منذ علمها بمرضها وكذبها لا يتوقف.



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:21 PM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع عشر




خرج حمزه من الغرفة ليجد والد حياه "فاروق" يغادر غرفته فسأله عن وجهته، أجابه: هأتمشى شوية في الجنينة
- بس اللي أعرفه أنه حضرتك ما ينفعش تتعب نفسك وترتاح أكبر وقت وبلاش مجهود
أشاح بيده: دول مش فاهمين حاجه، الرقاد والقاعدة هما اللي بيتعبوني، بيحسسوني إنه ما بقاش ليا لازمة
- لا ما تقولش كدا .. حضرتك الخير والبركة
مد ذراعه: تعالى اسندني عشان السلالم دي هي أزمتي الكبيرة فعلاً
ابتسم حمزه: حاضر .. وهأتمشى مع حضرتك لو مافيش مانع
- لو بطلت تقول حضرتك دي هيبقى مافيش مانع
اتسعت إبتسامته: حاضر
أثناء سيرهما في الحديقة عاد فاروق يحقق معه مجدداً لكن براحة أكثر كأنه سمع عنه ما يسر: أنتوا عملتوا فرح ؟
- لا، كتب كتاب بس
توقف فاروق عن السير وحدق به مترقباً: ليه؟؟ .. فيها حاجه تمنع الفرح واللمة ؟؟
ابتسم حمزه بثقة أراحت فاروق قليلاً: لا طبعاً، حياه دي زينت البنات، عرفت تربي فعلاً يا عمي .. كل ما هنالك إنها كانت ناوية تسافر برا وكنت عايز اتأكد بأي شكل إنها هتفضل هنا ومش هتسافر وتسيبني فقررت إني أكتب كتابي عليها ونبقى نعمل الفرح لما أقابلك ونتفاهم وأحس أنك فعلاً تقبلني جوز بنتك
للعجب أن هذا فعلاً ما كان يفكر ويشعر به حمزه مما جعل تأثير الكلام يصبح أقوى وأقنع به فاروق المحنك بشدة، تبسم فاروق وسأله: بتحبها مش كدا ؟
تبادلا النظرات للحظات حتى ابتسم حمزه في النهاية وأومأ: ومين ما يقدرش يحبها ؟
ربت فاروق على كتفه: ربنا يخليكوا لبعض يا ابني
ثم اضاف بعد دقيقة من مواصلة السير: وناوي على إمتى تعملوا الفرح بقى؟ وأديك عرفت رأيي
- أنا سبت العمال يشتغلوا ف الشقة عقبال ما نرجع تكون خلصت إن شاء الله وتختار العفش وتجهز الشقة وقتها نحدد معاد للفرح
- وناوي تعمله فين ؟
نظر إليه حمزه وقد فهم مقصده: هناك مالناش قرايب وسكان العمارة عرفوا يوم كتب الكتاب عن جوازنا .. فلو حابب ممكن نعمل الفرح هنا
ابتسم فاروق لإجابته التي نالت إعجابه: كدا أحسن بردو
قال حمزه بتأني متذكرا تجاهله البارحة لحياه في الحديث أو النظرات كأنها ليست موجودة بينهم: بس لو فضلت زعلان من حياه ومش راضي تبصلها أو تكلمها هي نفسها مش هتقبل تقعد هنا أو حتى تعمل الفرح هنا
نظر إليه فاروق بعند: وأنت مش راجل ولا إيه ؟؟ .. كلمتك المفروض سيف على رقبتها
هز رأسه: دا يوم بتحلم بيه أي بنت ولو مشيت كلمتي عليها ف أي حاجه هتبقى ف دي بالذات مش هأعملها مش هأكسر فرحتها عشان كلمتي تمشي ..
شعر فاروق بالفخر تجاهه وأن حياه جديرة بالغفران ففي النهاية اختارت من يستحقها ويصونها، سأله حمزه السؤال الذي تمنى معرفة إجابته: رفضت شادي ليه يا عمي ؟؟
تنهد وبعد إلتزامه الصمت دقائق أجابه: لما طلب إيدها مني أول مرة سألت عليه والكلام ما ريحنيش .. أغلبهم ما يعرفوش عنه حاجه خالص والباقي قالولي كلام ما يدلنيش على حاجه .. وحياه دي بنتي وعمري ما أجوزها لأي واحد والسلام .. دي جوهرة يا ابني ما ياخدهاش إلا واحد فاهم وعارف قيمة اللي معاه عشان ما يفكرش يبيعها ف يوم من الأيام
تأكد الآن حكمها الخاطئ على والدها، لم يكن يبغي سوى مصلحتها وأن تحيا حياه كريمة مع من يستحقها لكنها أساءت الظن به فيما أخطأ هو عندما لم يصارحها بالأسباب ليشاركها إتخاذ قرار يخص مصيرها، فلو أطلعها بنفسه على ما أخبره به الآن لكان قرار الرفض صادراً منها، لكنه أعاد ذلك إلى عقلية الرجل الشرقي الصعيدي الذي مهما حصل على درجات علمية يظل راغباً أن تكون كلمته فرماناً، يأمر فيُطاع.



دخل الغرفة لكن حياه لم تكن بها، قرر الذهاب ليأخذ حماماً ينعشه، لاحظ دفتر تتناثر على غلافه أزهار بنفسجية على خلفية وردية، كان أنثوياً بجدارة.
تناوله يقلب صفحاته فلم يجد سوى أسطر قليلة مخطوطة بداخله، قرأها بتروي وتمعن
"
أول مرة قلبي يدق
طرت .. فرحت
توهت .. سرحت
بقى أنا عايشه ف قصة حب ؟!
لكن فجأة لاقتني وقعت
بابا رافض سيرة الحب ..!
غضبت وثورت
لكن بابا قاسي القلب
أخدت قرار .. وروحت هربت
لكن لاقتني .. رجعت ندمت
قولت يارتني ف يوم ما غضبت
واستحملت قسوة قلب
بكره مسيره عليا .. يحن!
يارتني سمعت
كنت ساعتها حفظت براءة قلب
عمره ما داق طعم الغدر ..
"
تنهد وأغلق الدفتر ثم وضعه مكانه، فكر في مشاعرها الآن بعد غدر من أحبت بها، تذكر أنه قد غُدر أيضاً ولكن ليس بتلك القسوة والدناة، انصرف إلى حمامه والأفكار ما تزال تدور برأسه دون رحمة.



تقربت حنان من مي مي أكثر فقد وضعتها سمية في المدرسة التي تعمل بها بسبب معرفتها بالمديرة سناء وتأكدها من اهتمامها بها.
تعلقت بها بشدة تشعر في كثير من الأحيان أنها ابنتها حقاً لكنها تعود وتقتل أمالها حتى لا يصدمها الواقع الذي يتلذذ بعذابها.
أتى خليل يوماً في منتصف يوم دراسي وراقبها وهي تلعب مع مي مي وبضعة أولاد أخرين منهم هدى خلال الاستراحة .. تبسم بحب فهو رغم زواجه من أخرى وإنجابه لهدى إلا أن عشقها ما يزال راسخاً في قلبه .. يعلم أن حنان تظنه توقف عن حبها يوم طلقها وتزوج منال .. لكنه طلقها قبل أن تطلب هي منه ذلك في حال زواجه فكرامتها كأنثى ترفض مثل هذا الوضع الشائك وكرامته كرجل تأبى أن يُذل بإنتظار تخليها عن فكرة الطلاق فقرر أن يسبقها بخطوة.
بالنسبة للمرأة الزواج والحب كالماء والهواء لا يستطيع المرء العيش بأحدهما دون الأخر بينما الرجل يستطيع الزواج دون حب فلا علاقة للأمرين معاً فلست معضلة بالنسبة إليه أن يحصل على أحدهما فقط .. بل يعد نفسه أكثر حظاً إذا تحققا معاً.
بسبب هذا المنطق لم يجد مشكلة من زواجه بمنال والتي تفهم منطقه ذاك بغريزتها الأنثوية والتي تخرج على فترات في شكل غيرة.
اقترب من حنان وحلقة الأولاد حولها، لمحته هدى فركضت إليه تصيح بسعادة، استقبلتها ذراعيه المفتوحتين على إتساعهما لكن لخيبته دق الجرس معلناً إنتهاء الراحة وبدء حصة دراسية جديدة فأطلق صغيرته رغماً عنه.
بعدما أصبح الملعب خاوياً نظر خليل إلى حنان: إزيك ؟
- الحمدلله
كادت تهم بالمغادرة عندما استدارت تسأله فجأة: فاكر السلسلة اللي عملتها لميّ مخصوص؟
أومأ متألماً: أيوه .. مالها ؟
- هو الجواهرجي دا عمل منها نسخة تانية ؟؟
نظر إليها مستغرباً سؤالها: لا ما اعتقدش .. بس ممكن اسألهولك
ابتسمت ممتنة: يا ريت يا خليل
- هو في حاجه ؟؟
- لا أبداً .. جه على بالي بس .. عن إذنك
تركته متجهة إلى غرفة المعلمات، عقد النية على معرفة سبب سؤالها ذاك لكن بمجرد تأكده من وجود نسخ أخرى لنفس القلادة أو عدمه.



تلفت حوله بعد أن ترجل من السيارة التي يطلق عليها البعض اسم "الضفدعة" والبعض الأخر "الخنفسة" .. بعد اطمئنانه إلى أمان المنطقة صعد إلى بناية حديثة في الطابق الحادي عشر.
دلف إلى الشقة فور أن فتحها رجل قوي البنية ... نسخة طبق الأصل عن الموجودين أمام الفيلا التي يحتلها لمنع أي فتاة من الهروب .. نظر الرجل يميناً ويساراً ثم أغلق الباب بهدوء.
صحبه أخر إلى الغرفة المقصودة مكتفياً بفتح الباب له ليدخل ثم إقفاله فور ولوجه إلى الداخل، نظر حوله ليجد على نور ضعيف أتى من مصباح صغير بجانب الباب مكتباً ضخماً يحتل الجانب الأقصى من الغرفة والأكثر إظلاماً يجلس عليه رئيسه يدق بأطراف أصابعه على المكتب بنغمة معينة.
يجلس على المقعد المقابل له ساعد رئيسه الأيمن "فواز" والذي يحفظ معالم وجهه على عكس رئيسه الأكبر، أشار له بالجلوس إلى الجهة المقابلة منه تفصل بينهما طاولة صغيرة موضوع فوقها مطفأة سجائر.
سأله فواز بجدية دالفاً إلى الموضوع مباشرة: أخبار البت اللي هربت إيه ؟
- حياه ؟
- أيوه .. والبت التانية اللي اسمها نيفين كمان
أجابه بحنق: نيفين قالب الدنيا عليها بس كأنها فص ملح وداب .. بس حياه أنا عارف مكانها إشارة منكوا بس وأروح أجيبها
نظر فواز إلى رئيسه كأنه يتلقى منه الأوامر عبر الظلام: لا، إحنا جبناك هنا عشان كدا .. إنسى موضوع البنتين دول وركز ف اللي معاك وبس
هتف بدهشة: إيه ؟؟ بعد اللي عملوه أسيبهم كدا ؟؟ .. طب ما غيرهم هيعمل زيهم لما يلاقونا سبناهم
فواز بصرامه شديدة: أنت تنفذ من سكات .. إحنا أدرى بمصلحة الشغل
- بس ..
أشار له بكفه أن يصمت بينما أخرج بيده الأخرى حزمة من الأموال وألقاها إليه، أمسك به مسرعاً كالكلب الذي رمى له صاحبه بالعظمه المفضلة لديه.
أمره فواز: ركز ف شغلك وبس .. وياريت كفايه أخطاء لحد هنا .. إتنين هربوا وواحدة ماتت .. والأخيرة وديناها ف مكان تاني قبل ما يحصلها حاجه هي كمان .. ركز مع البنات الباقيين وسيبكوا م اللي هربوا .. ورانا أهم من التفاهات اللي بتجري وراها دي
كان ذلك تنبيه إلى نهاية اللقاء فغادر المكتب واعداً بالطاعة ومع ذلك أضمر بداخله أنه لن يترك حياه خصوصاً وأنه سينتقم منها يوماً ما على عصيانه وتشجيع أخرى على فعل ذلك.



طرقات واضحة على الباب أيقظته من نعاسه، نظر حوله يتأكد من المكان الذي يرقد فيه فتذكر أنه مازال في سوهاج ضيفاً في بيت عائلة حياه، بحث عنها بعينيه في أرجاء الغرفة فوجدها تسجد بأحد الأركان وكان ضوء النهار ما زال مستتراً خلف ظلال الليل.
فتح الباب متخللاً خصلات شعره بأصابعه، تعجب لمرأى فاروق في تلك الساعة، سأله بإهتمام: في حاجه يا عمي ؟؟
تبسم فاروق: صلاة الفجر يا ابني .. أتوضى وأنزل هأستناك أنا ومحمود وأنس تحت ما تتأخرش
ألقى كلماته تلك وأختفى فوراً، عاد حمزه إلى الداخل من ثم توجه إلى الحمام، سلمت حياه من صلاتها وابتسمت بفرحة.



انطلق حمزه يحث خطواته على الإسراع ليلحق بمحمود، نادى عليه فتوقف الأخر مستغرباً.
بادره حمزه مازحاً: إيه ياعم .. مركب في رجلك عربيات سباق
لوى شفتيه بملل وهم بالمغادرة لكن كلمات حمزه اللاحقة أوقفته: استنى أنا جاي معاك
سأله ببلاهة: جاي معايا فين ؟؟
- مكان ما هتروح .. أنا أصلي مش واخد على قاعدة البيت دي .. هأجي معاك ولو أقدر أساعدك ف حاجه مش هاتأخر
رأى محمود في ذلك العرض فرصة لا تعوض، سينفرد بحمزه لمدة ويستشف نواياه؛ فهو رغم غضبه على شقيقته المستمر حتى الآن إلا أن أمرها يخصه مهما كانت الخلافات بينهما، هكذا عوده والده ورباه .. فحتى وإن كان الإختلاف بينه وبين أشقائه كالمسافة بين السماء والأرض يجب ألا يمنعه ذلك عن الدفاع عنهم والقلق على مصلحتهم.
قام حمزه بجولة في أرجاء الأراضي يرى المزروعات والفلاحين يعملون في الأرض، أخبره محمود أن هذه الأرض شراكة بينهم وبين عائلة عبد الرحيم التي تقطن على الطرف الأخر من البلده.
- عم عبد الرحيم دا صاحب أبويا أوي .. درسوا سوا ف القاهرة وقعدوا هناك من ثانوي كمان .. والإتنين درسوا في نفس الكلية .. كلية تجارة .. بس تفكيرهم لما رجعوا ما عجبش باقي الناس هنا .. عشان كانوا بيتمردوا على أغلب العادات .. كفاية أنه أبويا اتجوز أمي –الله يرحمها- ودي كانت زميلته وهي اللي شجعته يكمل وياخد الماجيستير .. وبعدها لما هو بعت حياه وزهرة يتعلموا في القاهرة وكمان عم عبد الرحيم بعت بنته سلمى صاحبة حياه تتعلم هناك بردو .. بس حياه وسلمى قعدوا عند عمة سلمى اللي عايشة في القاهرة لكن زهرة كانت من سكان مدينة الطالبات
- أه .. هو تفكير البنت مالهاش غير بيت جوزها دا لسه موجود ؟؟
- مافيش حاجه بتنقرض نهائي خصوصاً الحاجات اللي الأهل بيورثوها لولادهم كأنها حاجات مسلم بيها واللي يخرج عنها زي اللي يكفر بالظبط .. فيه ناس كتير فعلاً قررت تتغير وتعترض على العادات دي بعد ما شافوا زهرة وسلمى وحياه .. رغم أنهم اتعلموا في القاهرة إلا أنهم زي ما هما بس ...
فهم سبب توقفه فأكمل عنه: هروب حياه رجع الأفكار دي تاني وأتهموا دراستها في القاهرة أنها السبب في هروبها مش كدا ؟؟
أومأ مؤيداً: بالظبط .. وزي ما أنت عارف في ناس مصلحتها ف جهلنا وإن نص المجتمع المتمثل في البنات يبقى جاهل والنص التاني يضحكوا عليه أو يتصرفوا معاه بطرق تانية
- صحيح .. أنت ما قولتليش أنت دارس إيه ؟
ابتسم: أنا خريج كلية زراعة .. وأنت ؟؟
- مهندس معماري خريج فنون تطبيقية
انتبه محمود وتابعا الحديث أثناء استراحتهما أسفل شجرة مانجو: ما شاء الله، بتشتغل فين بقى؟
- بأشتغل في شركة العالمية ف القاهرة .. كنت بأسافر أنفذ مشاريع ف دول كتير ومحافظات مختلفة
استفسر محمود: طب ولما تسافر هتسيبها فين ؟؟
ابتسم حمزه: هتقعد مع أبويا وأمي .. وبعدين أنا خليت شغلي محافظات بس يعني كل كام يوم هأجي أبات يوم ولا حاجه أطمن عليها .. ما تقلقش
ألقى عليه نظرة ريبة، وفجأة ارتفعت ضجة وصخب .. رجال يركضون من كل حدب وصواب ونساء تولولن .. نهض محمود وتبعه حمزه متجهين إلى نفس الجهة التي يتسابق إليها الرجال.
سأل محمود بصوت مرتفع أحد الرجال: هو في إيه؟
أجابه الرجل لاهثاً: بيچولوا إن بيت عوض بيولع !
تركه الرجل مهرولاً فلحقا به والفزع احتل ملامحهما، وصل إلى حيث يتجمهر الناس وقد ارتفعت النيران في المنزل، كان عدد من الرجال يهرول يعبأ الدلاء بالمياه، تقدم رجل يتقافز بين الناس وقد ثنى طرف جلبابه أسفل إبطه وكان حافياً والطين يغطي هيأته فيبدو أنه كان يعمل في الأرض عندما جاءه الخبر.
- بنتي ومَرَتي چوا يا عالم !!
تصاعدات الصرخات من النساء وزادت سرعة الرجال في إحضار الماء، لكن يبدو أن كل هذا لم يقنع النيران بالهدوء أو الإنخفاض ولو قليلاً بل أنه أثارها لتزداد أكثر فأكثر.
أمر محمود أحد الرجال أن يذهب ويبلغ المطافئ؛ فيبدو أن الحريق لن ينفض في وقت قريب بكمية المياه القليلة تلك إنما هو بحاجه إلى دفعة مياه قوية وكثيفة.
اندفع حمزه بين المحتشدين غير مهتم بمحاولات الرجال للإمساك به ومنعه، تناول سجادة من الخوص مفروشة أمام الدار ثم اقتحم بها النيران.



أتى أحد العاملين لديهم يطلعهم على النكبة وما حدث، ارتدى فاروق عباءته ولحق بالرجل وحياه تتبعه دون أن تستمع إلى أوامره في البقاء بالداخل، فلقد هالها معرفة أن حمزه داخل الحريق.
ما كادوا يصلون حتى خرج حمزه يحمل طفلة بالرابعة من عمرها وقد لفها بالسجادة ليحميها من دخان الحريق، تركها أرضاً على مسافة آمنة ثم عاد إلى الداخل عائداً بزوجة الرجل.
ركضت حياه إليه تدقق بكل خلية صغيرة به تتأكد أنه لم يصب بمكروه، ومع ذلك لم يخف قلقها وسألته بصوت متهدج: حصلك حاجه ؟
هز رأسه نافياً: لا أنا كويس الحمدلله
انفجرت في البكاء راحة وحمداً لله على عدم إصابته بمكروه، لم يدري كيف يهدئ من روعها كل ما فعله أن جذبها بين ذراعيها يربت عليها ويهدهدها.
حضرت سيارة الإسعاف والمطافئ لتنغمس كل واحدة في عملها، أمرهما فاروق أن يعودا إلى المنزل ويرتحا بينما سيظل هو ومحمود هنا حتى يستتب الأمن من جديد وينتهي كل من مهمته.
هز حمزه رأسه متقبلاً الأمر غير شاعر بأن هناك دافعاً لم يلحظه سبب ذلك الأمر وصحب حياه إلى المنزل، استقبلتهما زهرة وعائشة بالكثير من الاسئلة والاستفسارات عما حدث مما جعل حمزه يجيبهم بإختصار ثم يستأذن بالصعود للأعلى.
بمجرد أن اختليا معاً حتى انفجرت حياه به تنهره وتوبخه: أنت ليه تدخل النار كدا ولا أكن فيه حاجه، كنت هتموتني من الخوف، حرام عليك
نظر إليها صامتاً للحظات قبل أن يقول بهدوء: كان فيه طفلة وأمها في النار جوا عايزاني أسيبهم كدا عشان خايف على نفسي؟؟ .. مش هأشوف حد محتاج مساعدتي وأديله ضهري يا حياه وأنا متأكد إنك لو كنتي مكاني كنتي عملتي كدا ويمكن أكتر
نظرت له ببلاهة وهي تجلس على طرف السرير: هو إيه اللي حصل ؟
لم تسمع من الرجل الذي نقل الخبر إلى والدها سوى أن حمزه ألقى بنفسه بين ألسنة اللهب فلم تعد تسمع أو تعي أي شئ أخر.
- حصلت حريقة ف بيت واحد، ومراته وبنته كانوا جوا ومش عارفين يخرجوا
زفرت بحدة وفركت وجهها براحتيها، أتجه إلى الحمام ينفض عنه أثار الدخان وغبار الحريق، تركها تستجمع قواها وقدراتها على التفكير بهدوء ووزن الأوضاع.



جلست تتابع نشرة الأخبار مع جدتها لكن عقلها ليس حاضراً، يتشتت بين أفكارها تائهاً .. لا يقدر على تفسير ما يحدث .. إن كانت ابنتها فكيف وصلت إليهم وإن لم تكن فقد ضاع منها الأمل.
ابتهلت أن يرد عليها خليل في أقرب فرصة .. وإن كان بالسلب، فقط يضع حداً لدوامات أفكارها ويجمع شتات نفسها وقلبها المكلوم .. كأنه استجاب لدعواتها الداخلية فدق جرس الباب.
نهضت تفتحه تحت أنظار جدتها المتمعنة في ترقب، فهي لم يخفى عليها تغير حالها لكنها تعبت من الحديث معها دون جدوى، لقد تجادلت معها حتى تقبل عرض جارهم الطبيب بدر للزواج منها لكن هيهات فقلبها مازال متمسكاً بمن غدر وباع.
نظرت إلى خليل بدهشة وقلق، بادرها: أنا أول ما قدرت أوصل لحاجه جتلك على طول
لعقت شفتيها الجافة من القلق وتساءلت بصوت هامس: ولاقيت إيه؟
تنهد سانداً جذعه على إطار الباب واقفاً أمامه، ضيق ما بين عينيه يرصد كل تعبير يظهر على وجهها علَّه يستشف سبب ما بان على ملامحها: روحت المحل بس مع الأسف .. الجواهرجي اللي عمله مات من سنتين تقريباً
ارتخت أكتافها بإحباط لكنها عادت تنتبه عندما استدرك حديثه: بس ابنه هو اللي مسك المحل بعده فسألته يمكن يكون عارف ..
حثته على المتابعة: هـــا .. وقالك إيه ؟
ضاقت عيونه أكثر: قال إن مافيش سلسلة تاني شبها .. عشان دي كانت أخر حاجه أبوه عملها قبل ما تحصله حادثة ويدخل في غيبوبة
شحب وجهها فجأة وغامت الرؤية أمام عينيها، اعتدل خليل بفزع ثم أسرع يسندها قبل أن تقع أرضاً فاقدة الوعي، أتت الجدة مسرعة لمرأى اهتزاز جسدها في الهواء.
صاحت الجدة: أنت عملتها إيه تاني؟! مش حرام عليك اللي هي فيه ! .. ناوي ترحمها إمتى يا أخي
لم يهتم لصراخها بوجهه كذلك منعها له من الدخول، حمل جسد حنان المتهالك وأدخلها الغرفة فيما أسرعت الجدة بلا حول ولا قوة تستنجد بجارها الطبيب.



اجتمعوا على الطاولة مساءً لتناول العشاء، والحديث الدائر لم يكن سوى عن الحادثة التي لم يتوقف الجميع عن الحديث عنها.
روى محمود سبب الحريق معلقاً: مهما نقولهم بلاش حرق قش الرز دا خصوصاً جنب البيوت والأرض .. اللي عايز يحرقه يروح حتى بعيد لكن مافيش فايدة
سألته عائشة بقلق: طب وأم سعدية وسعدية عاملين إيه دلوجت؟
أومأ: الحمدلله بخير .. لولا حمزه وأنه لحقهم قبل النار ما تطولهم كان زمانهم في خبر كان
زهرة شاكرة: الحمدلله .. قدر ولطف
فاروق باسماً: ربنا يبارك فيك يا حمزه يا ابني .. الناس دول هيفضلوا شايلينلك الجميل دا طول عمرهم ..
ابتسم حمزه: أنا ما عملتش حاجه يا عمي .. دا واجب وأي حد المفروض يعمله
ربت محمود على كتفه مشجعاً: عاش يا بطل
تمتم أنس شارداً: ياااه لو كنت موجود بس .. كنت دخلت معاك أو سبقتك كمان .. يلا المهم بقيت البطل في البلد دلوقتي وكل واحد هيجيب في سيرتك ولا بات مان
كانت حياه تمسك ملعقتها تدفع بها الطعام يميناً ويساراً صامتة، تستمع إلى تشجيع الجميع وسعادتهم بما فعله حمزه، لم تعلق لكنها فجأة صرخت ناهضة: كفاية بقى .. أنا نفسي أفهم بتشجعوه وتباركوا له على إيه ؟؟ .. إنه رمى نفسه في النار وكان هيموت ؟؟
حدق بها محمود بغيظ قائلاً بسخرية: لا عشان فكر ف ناس ما يعرفهمش وف حياتهم قبل ما يفكر ف نفسه وحياته هو بكل أنانية .. عكس ناس
لمعت الدموع بين جفونها لكنها أمسكتها وركضت إلى غرفتها بسرعة، نظر فاروق إلى ولده بغضب، بينما نظرت له زهرة بلوم: ليه كدا يا محمود بس؟
- إنتي ما سمعتيش الكلام اللي يفور الدم يعني ؟؟
زفر فاروق متمتاً بصوت حزين: يعني مانتش عارف سبب الكلام دا إيه ؟
أخفض محمود رأسه، نقل حمزه نظراته الثاقبة بينهم محاولاً فهم الحزن الذي ظهر على وجوههم جميعاً فجأة .. أجابه فاروق قبل أن ينطق لسانه بالتساءل الذي يدور بعقله: حياه متعقدة من الحرايق والنار ..
أكمل موضحاً أكثر: لما كان عندها تمن سنين كان عندها قطة صغيرة كانت بتحبها أووي وكانت بتلعب معها على طول .. لحد ما ف يوم وهي بتلعب معاها بره البيت القطة جريت منها وما عرفتش توصلها .. فضلت تدور عليها لحد ما لاقتها ف وسط النار وكان صوت النونوه بتاعتها عالي وكأنها بتستنجد بيها .. حياه كانت هترمي نفسها ورا القطة عشان تنقذها بس كانت النار اتمكنت منها وحتى لو لحقتها كانت هتعيش في عذاب بسبب النار اللي طالت أجزاء كتير منها .. وقتها لحقناها بالعافية وفضل محمود ماسكها عشان ما تروحش عند النار ورجعها البيت بالغصب وهو بيجرها وهي مش عايزه تسيب القطة ..
برقت بضع دمعات في عيونه متابعاً: وقتها لما دخلت البيت لاقيتها منهارة من العياط ورمت نفسها ف حضني وقعدت تقولي "هي القطة عملت حاجه وحشة عشان النار تاخدها؟ .. هو أنت مش قولتلي اللي بيغضب ربنا، ربنا هيرميه في النار؟ .. طب القطة وقعت ف النار ليه؟ إيه اللي عملت خلى ربنا يغضب منها .. عشان بتلعب معايا ؟"
وقتها كل اللي عملته إني طبطبت عليها وقعدت أفهمها إنه دي نار بسبب حرق قش الرز ودي غير نار ربنا اللي بتبقى بعد ما الناس كلها تموت وبتبقى ف يوم القيامة .. من ساعتها وهي بتتعب كل ما تشوف حريق أو تسمع عنه ... اللي تعبها إنهارده إنك جوزها يا حمزه خافت تخسرك زي ما خسرت قطتها زمان .. ما تزعلش من كلامها يا ابني .. دا دليل على إنها بتحبك وإنك غالي عليها
أومأ حمزه سارحاً بعيداً، غير مدرك للوم الأب ابنه ومطالبته بالإعتذار إلى شقيقته.



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:24 PM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفـــــــــــــصــــــــ ـــــل الخامس عشر




شعرت بالحرارة تكاد تُطبق على أنفاسها، حريق يندلع بأحشاءها دافعاً النوم بعيداً، تلهث في محاولة لإلتقاط أنفاسها الضائعة، ارتدت إسدال الصلاة وخرجت إلى الشرفة بيدها كوب من الحليب البارد أملاً في إخماد شعلة صدرها، لم تكن تعلم أنه سيهيج حرقتها أكثر حتى أطلعت الطبيب في وقت لاحق.
قاومت الدموع لكنها أبت أن تبقى في محبسها فهطلت تريحها وترتاح، لقد مرت عليها الجلسة أصعب من سابقاتها تمنت خلالها العمل بنصيحة حياه وإخبار أحد بما تمر به، مع ذلك لم ولن تخبر أحد مهما عانت .. فهذا ليس ذنب سواها ليشاركها المعاناة كذلك ليس ذنبها .. عادت النقمة تملأ صدرها فلم هي ولما يحدث لها هي بعينها.
وُضعت يد على كتفها وصوت يتعجب من سهرها إلى تلك الساعة: إيه اللي موقفك في البلكونة دلوقتي يا نجلاء؟
كفكفت دموعها بسرعة شاكرة لضعف الإضاة حتى لا يستشف بكاءها: أبداً، قلقت شوية فقولت أشرب كوباية لبن عشان أعرف أنام
تشكك: إنتي مش على طبيعتك بقالك فترة .. حصل حاجه ؟
سألته متوترة: لا هيكون فيا إيه يعني ؟؟
أومأ صامتاً، يعلم أن هناك ما تخفيه عنه منذ فترة فهو لا يعرفها منذ الأمس فقط لكنه أبى الضغط عليها وتركها حتى تأتي إليه تقصّ ما تمر به بإرادتها.

تململت في فراشها بضيق، حركت يديها في الهواء علها تبعد تلك الهمهمات التي تفسد عليها سباتها .. لكن بلا جدوى.
ركزت لتلتقط الكلمات جيداً لعلها تنتهي منها حتى تعود لنومها من جديد: يا بنتي كفاية نوم .. دا إنتي لو ما نمتيش بقالك سنتين كان زمانك صحيتي .. ع العموم إنتي حرة .. أنا عملت اللي عليا ولو فاتك الفجر حاضر مش ذنبي بقى
بمجرد أن إلتقطت أذناها كلمة "الفجر" حتى انتفضت وسألت بفزع: هو الفجر أذن ؟
اعتدل واقفاً: أيوه .. قولت أصحيكي قبل ما أروح المسجد مع الجماعة
نهضت من فراشها بينما غادر هو إلى المسجد، أدت فريضتها واستكانت على سجادة صلاتها تسبح وتذكر الله.
عاد بينما تُنهي تسبيحاتها، لمحت نظراته المتعلقة بها مما جعل الإحمرار يكسو خديها، اقتربت منه ونظرها لا يتزحزح عن موضع قدميها: أنا أسفة ..
نظر لها مندهشاً: بتتأسفي ليه ؟
هزت رأسها بحرج: عشان الكلام اللي قولته إمبارح ومعاملتي ليك .. ماكنتش أقصد صدقني
رفعت رأسها تنظر إليه بعيون تحمل براءة العالم داخلها، رأى الصدق والتوسل الحقيقي كي يغفر لها كلماتها .. تلك الكلمات التي لم تكن لتعبر شفتيها سوى لخوفها عليه، أمن المعقول أن يكون ظلمها .. أنها ليست بتلك البشاعة التي ظنها، أنها مجرد ضحية من ضحايا وحوش زماننا .. لم يستطع أن يُبقي على غضبه من كلماتها أكثر فارتسمت إبتسامة مغفرة على شفتيه جعلت شفتيها تردها له أكثر جمالاً وحلاوة.
- شكراً
شرد في عذوبة صوتها ورقت همسها، قبل أن يتمتم ببلاهة: على إيه ؟
اتسعت ابتسامتها: عشان صحتني أصلي الفجر .. كان هيروح عليا لولاك .. مش عارفة ما سمعتش المنبه إزاي
- بس عادي .. إيه يعني لما يفوتك الفجر؟ .. ممكن تصليه صبح عادي
هزت رأسها بقوة: لا .. أنا أخدت عهد على نفسي إني أصلي كل فرض ف وقته مهما كان .. وبعدين صلاة الفجر ليها طعم تاني عكس لما أصليه صبح
أومأ بصمت، عادت للحديث: أنا هأنزل أساعد زهرة ف تحضير الفطار
أوقفها بسؤاله: أنا بقالي يومين هنا وما شوفتش البلد .. ممكن بعد الفطار تفرجيني عليها؟
قُرعت طبول قلبها بسعادة وأومأت بفرحة: أكيد .. هتعجبك أوي أصلاً
تركها تركض بحبور تقفز على درجات السلم، كأنه أسمعها من الغزل ما يجعل القلب يهوي إلى القدم فيما تعجب هو من ذاته، لما عرض عليها ذلك فجأة دون تفكير؟؟

أغلق الدُرج متأففاً، نسى أين وضع الملف منذ يومين، فتح أحد أدرف خزانة الملابس وبحث بين طيات الأقمشة بلا جدوى ..
انتقل إلى درج طاولة الزينة لعله وضعه هناك في حين غفلة أو وضعته هناك نجلاء، فتش في الدرج بينما يُدخل ذراعه الأخرى في سترة البذلة .. وجد ظرفاً تعجب شكله وحجمه، أخرج محتواه ووضعه على طاولة الزينة بينما أمسك الظرف بين شفتيه محاولاً قراءة محتوى الأورق في نفس الوقت الذي يحارب لإدخال ذراعه الأخرى في السترة.
سقط الظرف من بين أسنانه وتشتت نظراته فوق سطور الكلمات، نادته نجلاء عدة مرات لكن ما من مجيب، وقفت على الباب مؤنبة: بقالي ساعة بأنده عليك .. يلا الفطار جاهـ ..
قطعت جملتها عندما تتبعت نظراته المسلطة على الأورق أمامه، نظر إليها وعينيه تلتمع بشدة هامساً: ليه خبيتي عليا ؟
بكت وانهارت أرضاً: ماكنتش عايزه أشيلك همي
دنى منها وعاونها على النهوض، أجلسها على طرف السرير وسحب مقعد طاولة الزينة وجلس أمامها .. يديه تحتوي كفيها، كاتماً دموعه سألها بصوت متهدج: عرفتي من إمتى؟
هزت كتفيها وبدأت تروي له كل ما مرت به، حتى ما تتسبب فيه الجلسات الكيميائية من أعراض جانبية وألم بالإضافة للحالة النفسية.
شعر أنه مكبل بالأصفاد، هي تعاني وتتألم بينما ليس بيده شئ ليخفف عنها، انضم إلى جوارها وضمها إلى صدره، غمرتها دموعه رغماً عنه وعنها.

سارا جنباً إلى جنب بعدما ترك حمزه السيارة التي استعارها من محمود على جانب الطريق، كانت حياه تشير له إلى هذا المكان أو ذاك .. تشرح له تاريخ محافظتها باستفاضة: إحنا دلوقتي في منطقة أبيدوس .. المنطقة دي ارتبطت بأسطورة إيزيس وأوزوريس وأكيد أنت عارفها
- أيوه .. هههه محسساني إني جيت من بطن أمي على هنا ما عدتش على مدارس خالص، يا بنتي أنا خريج فنون تطبيقية .. عارفه يعني إيه فنون تطبيقية ؟؟
- خلاص ما تزوقش بس.. المهم نرجع لموضوعنا.. أبيدوس دي كانت عاصمة مصر في عصر ما قبل الأسر والأسر الأربعة الأولى .. وكانت المركز الرئيسي لعبادة الإله أوزوريس وكان المصريين زمان بيحجوا ليها عشان يبكوا على الإله أوزوريس حارس الحياة الأبدية ..
بعد سير في المعالم الأثرية ومشاهدتها لأكثر من خمس ساعات .. جلسوا في أحد المطاعم يتناولون غداءهم .. سألها حمزه بُغتة وهما في إنتظار وصول الطعام: إنتي ليه لابسه على طول أسود من ساعة ما جينا ؟ .. والطرحة سودا .. حتى مافيهاش خرزة ملونة واحدة
ابتسمت ثم وضعت كأس الماء بعد أن روت عطشها: عشان ما أجرحش حد بلبسي
تعجب: وهتجرحي حد بلبسك إزاي ؟؟
عقدت كفيها على الطاولة أمامها ودنت منه قليلاً: بُص يا سيدي .. إحنا أغلب الناس في البلد اللي إحنا عايشين فيها على قد حالهم .. الموضة والأزياء لا يعرفوها ولا تعرفهم .. أنا وسلمى اللي هي صحبتي وجارتي .. درسنا ف القاهرة .. لما رجعنا لاحظنا الناس بتبعد عنا .. المهم وصلنا في الأخر أنهم افتكرونا عشان اتعلمنا وأخدنا شهادة هنتكبر عليهم .. شافوا إن لبسنا بيبقى زي تكبر عليهم وعلى بناتهم .. عشان كان بيبقى ملون وبأشكال وموضات مختلفة مع إنه ما يختلفش كتير عن اللبس اللي بتشوفني بيه .. وإحنا ما حبناش نضايقهم ولا نحسسهم أنهم أقل مننا مع إنه ممكن يكون العكس .. فبقينا بنلبس اللي على مزاجنا في البيت أو لما نبقى سوا لكن لما نخرج نلبس عباية سودا وطرحة سودا من غير أي حاجه.
تركزت نظراته أكثر على ملامح وجهها الطفولية، ارتسمت بسمة تفهم أخجلتها، وصل الطعام فانشغلت به .. لقد استهلك اليوم طاقتها فتركها جائعة كما لم تكن من قبل بينما حمزه يأكل بهدوء ليتسنى له مراقبتها قدر المستطاع.
سألها بينما يدعي إنشغاله بتقطيع الطعام وسألها كأنه سؤال عرضي لم يقصد شيئاً من وراءه: هو شادي دا .. عرفتيه إزاي؟؟
كانت على وشك الإختناق باللقيمة التي ابتلعتها وتوقفت في حنجرتها، سعلت فناولها كأس الماء وقد كسى البرود معالم وجهه، هذا كله حصل لها عندما سألها كيف قابلته إذا ما رد فعلها إن رأته أمامها.
بعد أن هدأت وجمعت شتات نفسها أجابته بهدوء افتقدته داخلياً: كان بيشتغل في موقع أثري مع علماء أثار .. المكان مش بعيد عن بيتنا .. كنت بأتمشى أنا وسلمى ف البلد وبعدين لما عرفنا أنه في حفر وعلماء قولنا نروح نتفرج .. قابلته هناك
حرك السكين بين أصبعيه بتوتر وسألها بلا مبالاة ظاهرية: حبيتيه ؟
زفرت بقوة: لا .. افتكرت إن دا حب .. بس ما كانش كدا
ابتسم بسخرية: يعني عشان اللي عمله معاكي غيرتي وجهة نظرك ؟
أصابته بنظراتها الحادة القوية: لا .. قبلها، بس مش بوقت كافي إني أرجع ف اللي عملته
صمت تماماً لما بقي من الوجبة وأثناء قيادته عائداً إلى منزل أهلها، كأن الحديث لم يتوقف لما يقرب من الساعة سألها مُهاجماً: ما دام عرفتي إنك مش بتحبيه، سلمتيه نفسك ليه ؟
نظرت إليه بغضب لكنها أجابته بهدوء: حتى لو كنت بأحبه ما كنتش هأسلمه نفسي .. إلا ف نطاق شرعي وهو الجواز
ألقى عليها نظرة عابرة قبل أن يعلق نظره بالطريق أمامه، سألها مجدداً باستهزاء: أومال إيه ؟ ... ساقكي حاجه أصفرا يعني ؟
إلتفتت إليه بكامل جسدها وصرخت بها منفعلة: لا .. ما سقانيش بحاجه أصفرا لأنه مش هيحتاجها ... لما يبقى فيه أربع رجاله قد الحيط واقفين على باب الفيلا من برا وممنوع حد يخرج غير بإذنه .. وإنه كل اللي ف البيت بيمشوا بأمره ولو عمل إيه مش هينطقوا .. هأهرب منه إزاي ولا هأروح فين ؟؟
صرح ببرود غاضب: بس في الأخر هربتي ..
- أه هربت .. عشان لما أخد مني اللي كنت هأهرب عشانه .. أداني الأمان ولو شوية وسمحلي أخرج تحت عين المراقبة .. أفتكر إني زي الباقي.. هاستسلم للأمر الواقع وأخضع لإرادته وطلباته .. بس مع أول فرصة قدرت أهرب .. هربت !
أكملت عندما توقفت السيارة قبل أن تندفع إلى خارجها: أنت قولت م الأول إننا أتجوزنا عشان أنت ترضي والدتك وتبعد عنك واحدة غير مرغوب فيها، وأنا عشان أهلي يسامحوني وينسوا اللي حصل .. إنما إنك تهاجمني وترفع عليا مدافع اللوم والعتاب فــ دا مش من تخصصك يا باشمهندس .. فاهم ؟؟
أغاظه حديثها فهي في نظره المخطئة، وحقه أن يهاجمها ويسئ إليها كما يشاء؛ فالمخطئ يتلقى اللوم دون تعليق حتى وإن كان ضحية للثعابين.
صف السيارة ونزل مهرولاً خلفها، اصطدم بأنس وسأله عن حياه: حياه لسه طالعة فوق دلوقتي .. هو حصل حاجه يا أبيه ؟
لم يرد وتابع تقدمه صاعداً إليها، كانت تحوم في الغرفة كــ لبوة محبوسة في قفص وتم حرمانها من الطعام لعدة أيام.
دخل كالإعصار وصفع الباب خلفه، أمسكها من ذراعها هادراً في وجهها: وليكي حق تتكلمي أصلاً ؟؟ .. وبعدين ما تنسيش إني جوزك يا هانم فاهمة ؟؟ .. يعني من حقي أعرف كل كبيرة وصغيرة ف حياتك
حاولت انتزاع ذراعها من بين يده القوية فيما تصرخ بوجهه: لا مش من حقك، إحنا كان بينا إتفاق .. أنت كنت عايز تتجوزني عشان مصلحتك وأنا كمان.. لكن مش أكتر من كدا .. وأي سؤال منك فيه تدخل ف حياتي مش مسموحلك بيه !
أسندها إلى الخزانة خلفها التي ارتجت من وقع جسدها، ومن بين أضراسه تمتم بقسوة: أنا اللي أقول إيه اللي مسموح بيه وإيه اللي لا..
لا تعرف كيف أو ماذا حدث حتى تحولت نبرة صوته إلى همس مُغري ناعم جعل الدم يتجمد في شرايينها: ماشي؟
سقط حجابها بعد أن حله دون أن تشعر متخللاً خصلاتها بأصابعه وظهر كفه الأخر يداعب بشرة وجهها المخملية، تابع بنعومة: تعرفي .. شعرك لايق عليك أوي ..
شد على شعرها حتى تأوهات بألم مغمضة عينيها: لولا إنك بتداريه تحت الطرحه أنا كنت شيلتهولك خالص .. عشان ماحدش يشوفه
أحست بأنفاسه تلفح وجهها وتتركز على ثغرها: نسيت أقولك .. إن من ضمن اللي هأسمح بيه لنفسي .. إني أخد حقوقي كزوج كاملة
أسر شفتيها بين شفتيه على حين غفلة، وقفت هي مستسلمة لما يفعل دون مقاومة، لما تقوم وهذا ما أرادته .. أردت أن تحيا معه حياة زوجية طبيعية دون أغراض أو مصالح.
تركها بعد فترة متراجعاً وقال بجدية حازمة: أنا اتفقت مع والدك .. إننا هنتجوز تاني وهنعمل فرح كبير لما نخلص تجهيز شقتنا .. عشان يبقى عندك علم
فتحت عينيها بتروي مرددة دون فهم: نتجوز ؟
ابتسم ساخراً: هو أنا ما قولتلكيش؟ .. مش أنا قررت إني أفضل متجوزك لأخر يوم في عمرك، وإن جوازنا هيبقى حقيقي ميه ف الميه .. بكل الحقوق والواجبات اللي عليا وعليكي
لمس خدها ضاحكاً قبل أن يغادر الغرفة، لكنه توقف قبل أن يغلق الباب خلفه، تأملها بعمق قائلاً مع غمزة من عينيه: بس هنأجل حقوقي وواجباتك لحد ما نعمل الفرح .. مبروك يا عروسة
تناولت وسادة من فوق السرير ورمتها على الباب بحنق ثم ارتمت على السرير وكل خلية من جسدها تنبض غيظاً .. لم تمر دقيقة قبل أن تضحك ملئ شدقيها: مجنون والله مجنون
تلمست شفتيها حيث قبلها وارتسمت ابتسامة حالمة عليها، ضمت إحدى الوسائد إلى قلبها: بس بحبك أعمل إيه بقى .. يا نصيبي يا حلالي

منذ يومين وهي لا تتحرك من غرفتها، لا تتحدث إلى أحد، فقط تأكل بضعة لقيمات بعد إلحاح شديد من جدتها التي في بعض الأحيان توشك على البكاء إليها متوسلة.
أخبرها بدر أنها أصيبت بصدمة نفسية شديدة سببت لها تلك الحالة وأنها سمعت ما لم يكن هيناً بالمرة، كانت الشكوك كلها تدور حول خليل الذي روى لها ما طلبته منه حنان ونتيجته، لم يكن به شئ يفعل بها ذلك .. إلا معرفة سبب ذلك السؤال وبعد مرور تلك الأعوام.
فكرت حنان في أن تكون مي مي هي ابنتها .. دائماً ما كانت تناديها بذلك وخليل أيضاً، لقد أنبتها جدتها وحذرتها أنها ستعاني بشدة عندما تدخل ميّ الحضانة فيصعب عليها حين ذاك أن تعلمها اسمها الحقيقي وليس اسم الدلال الذي تدعوها به، لكنها لم تهتم فهي تريد أن تدلل طفلتها إلى أقصى درجة.
أخذت حنان قرارها، ستنتظر عودة حياه وتحاول معرفة قصة مي مي فرغم تأكدها أن القلادة ليس لها شقيقة إلا أن حياة طفلة أكبر من هكذا دليل .. ستكتفي برؤية مي مي في المدرسة حتى إشعار أخر.

أصر فادي عليها بضرورة إخبار والديها، فهي ابنتهما في النهاية ومن حقهما معرفة أمر يمس حياتها.
رافقها هذه المرة إلى الجلسة، صدمها رؤية السيدة التي كانت تسكن في اليمن، لقد كانت سعيدة في أخر مرة مهللة بقرب شفاءها، لقد أخبرها الطبيب أن تقوم ببعض التحاليل ليتأكد من اختفاء المرض تماماً من رئتها .. إنها تدخل الآن على كرسي متحرك والتعب قد نال من ملامحها، اندفعت إليها متسائلة عما بها ..
ابتسمت المرأة: فجأة ما بقتش قادرة أقف على رجلي وبقيت مش قادرة أتوازن ..
أضافت بهدوء شديد: المرض اتنقل للنخاع الشوكي .. حكم عليا أقعد ف الكرسي دا
اهتز شفتي نجلاء بشدة ولمعت الدموع في عينيها، قلبها تمزق إرباً لما حدث مع هذه المرأة الطيبة، لما يحدث ذلك معهم.
لم تدري أنها نطقت ذلك بصوت عالِ حتى سمعت إجابة المرأة وهي تبتسم: ما هو يا بنتي لو كل واحد قال إشمعنه أنا .. ماحدش فينا هيعيا ولا يحصله حاجه .. أكيد ربنا له حكمة ف كدا .. لو ما عرفتهاش دلوقتي .. مسيري هأعرفها .. سواء هنا في الدنيا ..
أشارت بسبابتها إلى الأعلى مضيفة: أو حتى ف الأخرة
فكرت نجلاء في كلامها، لم تتحدث مع زوجها طوال الطريق وحتى عندما وصلوا إلى بيتهم كذلك، تفهم هو سبب انشغال أفكارها وتركها لحالها فهي يجب أن تتقبل ابتلاء الله –عز وجل- مهما كان صعباً عليها تقبله.
وقفت في الشرفة كعادتها حينما يسحبها التفكير، لقد قالت المرأة أن هناك حكمة إلهيه فيما يحدث .. ليس في مرضها فحسب لكن في كل الأمور التي تحدث لها حتى أتفه الأشياء من وجهة نظرها .. لقد ظنت أن حرمانها من الإنجاب هو نقمة لكن تراه الآن نعمة .. في حالتها هذه بالكاد تهتم بنفسها فكيف إن كان لها طفل يتطلب المتابعة الدائمة في كل لحظة.
لقد رأت أن غياب فادي في عمله أكبر مشاكلها وأشدها إثارة لغضبها لكن بعد معرفتها لمرضها كانت تحمد الله على ذلك حتى لا يراها حالما تعود من جلسة علاجها وكيف تكون شاحبة ذابلة.
إنها رأت العديد من الأمور نقمة لتجدها في وقتٍ لاحق نعمة، إن منظور المرء للأمور يختلف على حسب حالته النفسية وقت حدوثها وما يمر به وقتها، بكت بشدة لسوء ظنها بربها، لقد أساءت إليه بشدة.
لمحها فادي تبكي فانضم إليها شاعراً أن ما قضته مع أفكارها حتى الآن هو كافِ، ضمها إلى أحضانه مُخففاً عنها، تمتمت من بين دموعها وشهقاتها: أنا أساءت لربنا أووي يا فادي .. بدل ما أقول الحمدلله وإنه فيه غيري كتير يمكن عذابهم أكبر ومرضى أكتر مني أو مش لاقيين علاج حتى .. كنت بأقول إشمعنه أنا
ربت على كتفها بحب: بس أديكي عرفتي غلطك وخلاص .. ربنا غفور رحيم يا حبيبتي
هزت رأسها بشدة وهي ما تزال ساندة إياها على كتفه: بس أنا مش مرتاحة
- عارفه إيه اللي هيريحك ؟؟
رفعت رأسها مسرعة: إيه ؟؟
كفكف دموعها: إنك تروحي تتوضي وتصلي .. اقعدي أقري قرآن واستغفري ربنا كتير واحمديه أكتر .. وقتها هترتاحي وتحسي إنه سامحك
تبادلت معه النظرات ثم هزت رأسها: معاك حق
دفعها إلى الداخل: طب يلا روحي أتوضي .. مستنيه إيه ؟؟
نظرت إليه بحب وارتمت بين ذراعيه: أنت أصلاً أكبر نعمة من ربنا، أي راجل غيرك كان زمانه ساب مراته بعد ما عرف المرض اللي عندها وكمان مش بتخلف ..
أمسك ذقنها بين أصبعيه: ما تفكريش في الكلام دا .. أنا عمري ما هأسيبك .. لإنك روحي .. حد يقدر يعيش من غير روحه بردو ؟؟
ابتسمت بسعادة: أنا بحبك أوي
حملها بين ذراعيه ودار بها في أنحاء الغرفة صارخاً بقوة: وأنا بموت فيكي .. بأعشــــــــقك
ضمت يديها حول عنقه ضاحكة، لقد ظنت لفترة أن حبه لها أنتهى لكنها الآن تدرك أنه إزداد .. فالحب الحقيقي لا تضعفه الأيام بل تقويه الصعوبات والابتلاءات.

وقفت أمام المحل تختار من بين العديد من الأنواع ما تحبه وحمزه يتأملها صامتاً، لقد ملأت كيساً كاملاً حتى الآن ولم تفرغ بعد، تنهد: يا ابنتي ما تخلصي .. مش كفايه اللي ف إيدك ؟؟ .. هتلحقي تاكلي دا كله إمتى بس ؟؟
نظرت إليه بضيق: دا على أساس إني هأكلهم لوحدي يعني ؟؟ .. يا عم استنى الطريق طويل والواحد لازم يعمل إحتياطه ف الحاجات اللي هيتسلى بيها
ربت أنس على كتفه ضاحكاً: ما تحاولش .. مش تقف غير لما تفضي المحل كله
ألقت حياه لوح من الشوكولاته على أخيها قائلة: كُل دي وأسكت !
فعل كما طلبت مستمتعاً بالنوع المفضل لديه، أخيراً وقفت باسمة: خلاص خلصت .. حاسب بقى
زفر محاولاً إخفاء بسمته: أشهد أن لا إله إلا الله ..
وضعت يدها على خصرها قائلة بحنق: بكره تُشكرني يا اسمك إيه
أمسك يدها بقسوه وأسقطها عن خصرها قائلاً بلهجة ترفض النقاش: اتعدلي وإنتي واقفة .. ما تنسيش إننا ف وسط الناس .. والحركة اللي عملتيها دي ما تتكررش تاني .. الهدوم بتلزق عليكي وتبين شكل جسمك .. ودا ماينفعش ولا إيه ؟
نظرت أرضاً مُهمهمة: أسفة .. مش هأعمل كدا تاني
أحس أنه يقف أمام طفلة أنبها والدها بسبب فعل لا يليق، ابتسم بحب وحنان دانياً منها يهمس في أذنيه بخبث: بس ما عنديش مانع لما نبقى في أوضتنا لوحدنا تعمليها
أزداد أحمرار وجنتيها مما جعله تضربه على كتفه: بس يا قليل الأدب
ضحك مقهقهاً لرد فعل بينما اكتفت هي بالإبتسام، تنحنح أنس: القطر وصل .. لما تروحوا أبقوا هزروا براحتكوا .. راعوا مشاعر السناجل اللي زيي
بعثر حمزه شعر أنس بقوة: طب أبقى سلملنا على كل اللي ف البيت يا عم السنجل
صعدا إلى القطار، وكانت حياه تودع شقيقها بيد والأخرى تكفكف دموعها، مسح حمزه دموعها بيده: خلاص بقى كفايه عياط
شهقت حياه: أصلهم هيوحشوني أوي
- هأبقى أجيبك تاني تزوريهم وهما هيجوا .. مش شوفتي وعد باباكي إنه هيجي يزورنا أول ما نجهز شقتنا؟ .. والله لولا صوت ماما اللي قلقني ف التليفون كنا قعدنا يومين كمان
مسحت أنفها بالمنديل لكن صوتها ما زال يُنبأ بالبكاء: طيب
همس بنبرة ماكرة: افتكري إنك إنتي اللي بتحرضيني ..
تلفت حولها ليتأكد أن لا أحد ينتبه لهما ثم طبع قبلة خاطفة على وجنتها، شهقت بفزع: إيه اللي أنت عملته دا؟
لاحظ إلتفات جميع ركاب القاطرة إليهما فوضع يده على شفتيها هامساً: يا بنتي اسكتي فضحتينا هو أنا غررت بيكي ولا حاجه .. دا إنتي مراتي يا متخلفة !
وضعت يدها في خصرها ونظرت له بغضب: أنا بردو متخلفة يا باشمهندس ؟؟
دفع يدها بعنف لتسقط عن خصرها وضاقت نظراته التي يتطاير منها الغضب: وستين متخلفة .. مش قولت إيدك ما تتحطش على وسطك ؟ .. ولا هي قلت أدب وخلاص
رأى الندم على وجهها والحزن في عيونها التي لمعت منذرة بتجدد البكاء، فمال عليها بحب مُدعياً أنه يعيد ضبط حجابها وهمس في أذنها: بس أحلى متخلفة شافتها عينيا
نظرت إليه ببعض الضيق فأضاف غامزاً: دا أنا اللي متخلف وألفين متخلف كمان إني قولت للقمر دا كلمة ضايقته
أشرقت بسمتها المضيئة فعلق هائماً: خلاص أنا هأشتم نفسي مرة قبل الأكل ومرة بعد الأكل عشان أشوف الضحكة العسل دي يا عسل
لمح اتساع حدقتيها مصاحباً لقبضة تمسك بكتفه، إلتفت إلى الوراء ليجد عامل القطار ينظر إليه شذراً قائلاً: التذاكر يا أستاذ
تنهد حمزه بضيق وسلمه التذكرتين، بعد أن فحصهما الرجل بدقة أمره: يا ريت تقعد عدل يا حضرت وتلم نفسك .. اللي يشوف شكلك وأنت باين عليك محترم كدا ما يشوفش تصرفاتك
صدمه هجوم الرجل عليه: تصرفات إيه ؟؟ .. دي مراتي !
ابتسم الرجل بسخرية: أومال صرخت ليه لما قربت عليها ؟
- عادي .. بتتكسف
نظر الرجل إلى كفها الموضوع فوق فخذها قائلاً: وفين الدبلة ما دام مراتك ؟
لم يدري بما يجيب فألقى عليه الرجل جملة أخيرة قبل أن ينصرف: أقعد بأدبك أحسنلك يا أخ
تجهم وجه حمزه، ولم تدري حياه بما تخفف عنه فالتزمت الصمت لما بقي من الوقت حتى أنها فقدت الشهية لتناول كل ما قامت بشراءه.

فتح باب منزل والديه ودلف إلى الداخل حيث حياه تلحق به في صمت استمر طويلاً، حالما رأته والدته أغلقت مصحفها وركضت تضمه باكية .. كأنه القشة الأخيرة التي فجرت آبار دموعها المكبوتة.
ضحك حمزه مشدداً أحضانه حولها: أنا كنت مسافر أه بس مش للدرجة دي يا ماما .. المفروض إنك متعودة على سفري دا
تقدم منهما والده موضحاً: ما هو مش عشانك أنت خصوصاً بس هي جت فيك
ربت على كتف زوجته: اهدي يا سمية مش كدا .. هتقلقي الولاد عليكي
جملته الأخيرة أضافها عندما لاحظ نظرت الخوف والتوتر في عيون حمزه وحياه، اقتربت حياه من حماتها تدعمها: مالك بس يا ماما سمية .. إيه اللي مزعلك ؟
أجهشت سمية في البكاء أكثر وأكثر مما جعل حمزه يبدأ في فقدان السيطرة على أعصابه، اقترب منها وأمسكها بقوة سائلاً بقسوة ونبرة لا تقبل إلا إجابة شافية: إيه اللي جرا؟
أخفت والدته وجهها خلف كفيها: نجلاء يا حمزة .. نجلاء
قست قبضته أكثر متمتماً من بين أضراسه: مالها ؟؟
- عندها الكانسر يا حمزه .. أختك جالها المرض الوحش
لم يستوعب ما قالته والدتها قبل هنية .. أدار رأسه ينظر إلى والده علَّه ينفي قول أمه لكنه بالعكس تماماً أكده والحزن مستقر بقاع حدقتيه .. دخل في دوامة من الأفكار والتخيلات .. تخيل حالة أخته الآن ونفسيتها .. لقد كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها عند إصابتها بشكة دبوس أثناء إرتدائها الحجاب فما بال رد فعلها الآن ؟؟
لم يفق إلا عندما تجاوزته حياه مسرعة لتلحق جسد الأم المتهالك، أمسك أحمد زوجته فزعاً من مرأى زوجته تفقد وعيها، عادت سرعة البديهة إلى حمزه فأخذ مكان زوجته صارخاً فيها بقوة: روحي اطلبي الدكتور بسرعة
أضاف عند رؤيته لمي مي تحاول الإختباء خلف الجدار باكية: وخدي مي مي على أوضتها
جرت حياه تخرج الهاتف من حقيبتها ثم حملت مي مي على ذراعها الأخر متجهة إلى غرفتها، طلبت من الطبيب أن يسرع بالقدوم شارحة الوضع بإختصار.
أنهت المكالمة بتوتر لتجد مي مي منكمشة في أحد الأركان باكية بحرقة، ركعت إلى جوارها تجذبها إليها حتى تستكين بين ضلوعها: هي كويسة ما تخافيش، تعبت شوية بس والدكتور ف الطريق هيديها حاجه تخليها أحسن
تعلقت بها الطفلة: هي على طول بتعيط من ساعة ما سافرتوا .. ما تسفروش تاني يا حياه لا إنتي ولا أبيه حمزه عشان ما تزعلش تاني
ارتسمت إبتسامة مرغمة على ثغر حياه كرد فعل على براءة الصغيرة وملائكيتها، شددت ضمها إليها: ما تخافيش هي هتبقى كويسه وإحنا مش هنروح ف حته
ارتفع رنين الجرس أسرعت حياه تفتحه لكن حمزه كان قد سبقها مُستقبلاً الطبيب ثم وجهه إلى الغرفة التي ترقد بها والدته غائبة عن الوعي، أصطحبت حياه الطفلة معها إلى المطبخ تُعد عصير الليمون لها وللبقية بينما عقلها منشغل في التساءل عما وصلت إليه حالة نجلاء الآن كذلك الدعاء لوالدة حمزه بالشفاء والصبر على هذا البلاء.


نـــــــــــهــــــــــــ ــــــاية الفصل



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:28 PM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفــــــــــصــــــــل السادس عشر



وقفت بجوار طاولة الطعام تفرغ بقاياه في طبق واحد وترص الصحون الفارغة فوق بعضها ليسهل عليها نقلها إلى المطبخ، عقلها مازال منشغلاً في موضوع القلادة وابنتها الضائعة في حين يديها تقوم بالعمل أوتومتيكياً.
إلتفتت إليها جدتها متسائلة بعد أن أزاحت عيونها عن شاشة التلفاز المضيئة أمامها في عرض لأحد البرامج التي تداوم على متابعتها: يا بنتي الباب بيضرب بقاله ساعة مش ناوية تفتحي ولا إيه ؟
سألتها متعجبة: هو بيرن أصلاً ؟
حدقت بها جدتها: سلامة سمعك يا حنان .. روحي افتحي الباب ربنا يهديكي
تنهدت حنان بقوة وذهبت تفتح الباب لتجد أمامها منظر لم تكن تتخيل يوماً أن ترى فتاة به، ذلك جعلها تفتح فمها على إتساعه غير مدركة لأسئلة جدتها عن هوية الطارق.

تقدمت حياه تحمل كؤوس العصير .. تناولها لوالد زوجها أولاً يليه حمزه، تناولوه منها بلا روح كأنهم مسيرين، سألتهم قلقة: الدكتور قال إيه ؟
أجابها أحمد: إنهيار عصبي بسبب الضغط النفسي اللي هي فيه .. أداها حقنة مهدئة ونامت
تنهدت بشبه راحة، سألها حموها: مي مي فين؟
- نعست من كتر العياط
زفر أحمد: طب الحمدلله .. عشان ما تعملش دوشة وتخلي سمية تنام أحسن
انسحب حمزه بصمت ودلف إلى غرفته، تبعته نظرات حياه المشفقة وهي تفكر في مشاعره الآن حيث والدته وشقيقته على فراش المرض، ترددت أتنهض وتتبعه أم تظل حيث هي تتابعه من بعيد وتتركه يفكربمفرده.
أخرجها من حيرتها حموها قائلاً بتشجيع وإبتسامة حنونة: روحي وراه .. ما تسبهوش لوحده
أضاف رافعاً كأسه: وتسلم إيدك ع العصير .. هأشربه وادخل ارتاح أنا كمان
أومأت باسمة واتجهت إلى الغرفة حيث يجلس حمزه ضاغطاً رأسه بين كفيه ومرفقيه يستندان على ركبتيه، أضاءت النور وجلست إلى جواره على الأريكة في صمت لا تدري ماذا تقول أو كيف تواسيه وتخفف عنه.
- أنا مقدرة خوفك على أختك بس لعله خير .. أكيد ربنا له حكمة ف مرضها
حك فروة رأسه بقسوة: مش قادر أتخيل إنها ممكن تموت وما أشوفهاش تاني .. مش قادر
دنت منه: كلنا هنموت ف يوم من الأيام .. ماحدش فينا مُخلد .. الفرق طريقة الموت .. فيه اللي بيموت ف حادثة عربية واللي بيموت محروق .. اللي بينتحر .. اللي بيتثبت وهو راجع بيته بعد ما قبض مرتبه عشان بداية شهر جديد وهيسدد ديونه وبطعنة سكين ينهوا حياته .. اللي بيموت بمرض واللي بينام وما يجيش عليه نهار وهو حي ..
تنهدت قبل أن تضيف بأسى: واللي بيموت ف أقذر مكان وهو بيعمل أكبر الكبائر عشان ماقدرش يقاوم وفقد الثقة في النجاة
نظر إليه يتأمل كلماتها فيما أكملت باسمة بهدوء: وأنا مش بعيد أموت قبلها كمان حتى لو ماعنديش كانسر ..
توقفت عن الحديث فقد جذبها حمزه يحتويها بين ضلوعها ويخفيها بين طياته .. مبخراً كل الحديث التالي الذي قضى على بقايا أشلاء قلبه المكلوم، دفن وجهه في عنقها يشتم رائحتها المارة عبر النسيج الخاص بالحجاب.
- ما تقوليش كدا .. لا إنتي ولا هي هيحصلكوا حاجه وأنا موجود
أبعدته عنها لكنها ندمت على ذلك عندما حرمت من دفء حضنه: كل واحد مكتوبله الساعة اللي هيموت فيها بس ف النهاية كلنا هنموت .. الموت مش وحش أوي كدا .. بالعكس دا يمكن يكون راحه مقابل عذاب كتير ف الحياة
تنهد بقوة مخرجاً كل ما يعتمر بداخله: لازم أشوف نجلاء وأعرف حالتها إيه بالظبط وتقبلها للوضع دا إزاي
تسرعت حياه قائلة بإبتسامة: ما تخافش عليها فادي معاها ومش سايبها .. ربنا يخليهم لبعض، وبدأت تتقبل مرضها، بدل ما كانت ناقمة على اللي هي فيه ومش راضيه عنه
ضيق عينيه ونظر إليه بترقب: وإنتي عرفتي منين كل دا ؟
أجفلت حياه، ابتلعت ريقها بصعوبة مقررة أن تخبره بالحقيقة: أصل .. أصل أنا كلمت نجلاء إمبارح أطمن عليها وحكتلي
انتفض واقفاً ونظراته النارية تصعقها: وإنتي كنتي عارفه بمرضها ؟؟
اخترقت أذنيها نبرته الغاضبة وطلته عليها من فوق زادت ذعرها وانكماشها، همهمت: أيوه
هدر: ومن إمتى وإنتي عارفه يا هانم ؟!
نظرت أرضاً: من بعد ما عرفت على طول .. كنت أول حد تقوله
هم أن يصفعها لكن إخفاءها لوجهها خلف ذراعيها المتعامدين جعله يقبض على يده بشدة ويغادر الغرفة صافعاً الباب خلفه.
سمعت إغلاق باب الشقة الرئيسي فنهضت تنظر عبر النافذة، وجدته يصعد إلى سيارته وينطلق بها بأعلى سرعة مندفعاً بين شوارع المحروسة الصاخبة دون أن يحدد وجهته.
انهارت باكية تتشبث بالستائر، لم تدم سعادتها سوى فترة وجيزة حتى عادت التعاسة تحتل حياتها من جديد، إنها كالضيف ثقيل الظل الذي يفرض وجوده على صاحب الدار.

ضمتها حياه بقوة وشوق، لم تصدق أذنيها عندما حادثتها حنان تخبر بالضيفة التي بإنتظارها في منزلها، حاولت الإتصال بحمزه لكنه لم يجب ثم أغلق هاتفه نهائياً، وجدت بقية من في المنزل يغطون في سبات عميق فاكتفت بكتابة ورقة وضعتها على الطاولة بجوار باب الشقة تخبرهم فيها أنها ذهبت لحنان ولن تتأخر.
ضحكت حنان: أنا هأروح أعملكوا كوبيتين عصير عقبال ما تخلصوا اللقاء العاطفي دا
تركتهم حنان وانسحبت بينما جلستا متجاورتين، أمسكت حياه بيدها وهي تسألها: عرفتي تهربي إزاي ؟؟
تنهدت فتون: البوليس هجم على الفندق اللي كنا فيه أخر مرة .. مش عارفه مين اللي بلغ أو عرفوا إزاي لأنه دي كانت أول مرة نروح هناك وأكيد المكان مش مشبوه .. قدرت أهرب وفضلت أجري لحد ما حسيت إني بقيت ف أمان .. ولحسن حظي كنت بأخلي الورقة اللي ادتيهالي معايا على طول .. عقبال بقى ما قدرت أوصل لهنا مشي كانت عدت ساعات كتير
- طيب و.. شادي؟ قبضوا عليه؟؟
هزت كتفيها: مش عارفه، أنا كنت مشغولة إني أهرب لكن ما أعرفش هو وكريمة والكام بنت التانين اتمسكوا ولا لا
تعجبت: كريمة مين ؟؟
ضحكت ببؤس: دي البضاعة الجديدة، بعد ما هربتي إنتي ونيفين .. شادي قدر يعلقها زينا
تنهدت بحسرة، حضرت حنان ضاحكة: ومعاك إتنين عصير وصلحه
شاركتها الفتاتين الضحك، جلسن سوياً يتسامرن قليلاً قبل أن تسأل حياه: وناوية تعملي إيه دلوقتي ؟
نظرت فتون بعيداً: مش عارفة ..
طمأنتها حنان: إنتي خليكي هنا معايا لحد ما تعرفي عايزه تعملي إيه ف حياتك
هزت فتون رأسها بقوة: لا لا، أنا بس جيت عشان أطمن على حياه وأشوفها وبعد كدا أمشي
أمرتها حنان بنبرة لا تقبل المناقشة: خلاص أنا قررت وإنتي مالكيش خروج من هنا
تنهدت فتون: بس ..
ربتت حنان على كتفها: خلاص بقى إنتي هتنوريني هنا يا فوفو
أضافت: إنتي صحيح دراستك إيه؟
أجابتها بخجل: كنت معهد تمريض ..
حنان: ومالك بتقوليها وإنتي مكسوفه كدا ؟ .. دا إنتي حتى ملاك رحمة
غمزتها حياه: أيوه بقى ملاك بس قمر
ضحكت فتون، دامت جلستهم سوياً لمدة ليست بالقصيرة حتى تثاءبت فتون ناعـسة فما مرت به ليس بالهين، رافقتها حنان إلى الغرفة وعادت لتجد حياه تجمع أغراضها لتذهب.
اعتذرت لها حياه: معلش يا حنان أدتها عنوانك .. لأني ماكنتش عارفه هأقعد فين ولا بيتي ف أنهي حته .. كنت حاسه إن هيجيلها الوقت وتهرب لأنه المكان دا مش مناسب ليها
ابتسمت حنان: بالعكس يا حبيبتي دا شئ يسعدني، كفايه إنك هتديني الفرصة إني أساعدها إنها تبني حياتها من جديد .. بيتي مفتوحلها ولأي حد عايز يمشي ف الطريق الصح
ضمتها حياه: ربنا يجزيكي خير
أبعدتها حنان وهي تنظر لها بقوة: بس إنتي فيكي حاجه مش طبيعية إنهارده
توترت حياه وهربت بنظرها بعيداً: لا أبداً، تلاقيه تأثير السفر بس
حركت سبابتها: لا، إنتي عينيك كان شكلها معيط لما جيتي .. بتخبي إيه عني يا حياه؟
تنهدت حياه بعمق وتجمعت الدموع بعيونها مرة أخرى، روت لصديقتها كل ما حدث علها تجد لديها المنفذ أو ما يثبت لها أنها لم تخطئ.
أنبتها حنان: إنتي اللي غلطانه
فغرت فهها: أنا ؟؟
ضحكت حنان لمظهرها: أيوه، أولاً عشان دا جوزك وما ينفعش تخبي عنه حاجه
تمتمت حياه بوجنتين حمراوتين: بس إنتي عارفه إنه جوازنا مش طبيعي
غمزتها حنان: ما إنتي لسه ما سمعتيش ثانياً
أضافت بجدية مصطنعة: طالما مش هتقدري تخبي إنك مخبية يبقى ما تخبيش أساساً !
ضحكت حياه على كلماتها وعلى جديتها المفرطة، شاركتها حنان الضحك قليلاً ثم سألتها: وأخبار مي مي إيه ؟ زمانها مضايقه عشان مامتها أوي
تنهدت حياه: لو تشوفيه فضلت تعيط قد إيه لحد ما نامت م التعب
تمزق قلب حنان من مجرد تخيلها لمنظر الطلفة الباكي: بس صحيح.. مش غريبة إنه واحدة في سن مدام سمية تجيب واحدة صغيرة زي مي مي ؟
هزت كتفيها: لا عادي، بس هي أصلاً ..
قطعت حديثها فجأة مدركة أن ما كانت ستنطقه يتعدى نطاق صلاحيتها، حثتها حنان على المتابعة لكنها رفضت قائلة باعتذار: مش هأقدر أقولك سامحيني، ماما سمية أمنتني ع الكلام دا أول يوم كنت مع مي مي فيه وما قالتهوليش غير عشان أقدر أتعامل مع مي مي بطريقة صح
أومأت حنان بيأس لكن هناك .. داخل عقلها كما قلبها إزداد الشك، انصرفت حياه وتركتها لتكهناتها.

تسلق سور يحيط بأحد البنايات المهجورة ثم هبط في الجهة الأخرى واقعاً على قدميه كأحد المحترفين، ركض بعد ذلك مسرعاً حتى صعد إلى طابق متوسط ليس بالأخير فيسهل اقتناصه وليس بالمنخفض يسهل على الحيوانات والحشرات الإنقضاض عليه، فكلما ارتفع الطابق كلما قلت الفئران والحشرات كما تتاح له مراقبة ما حوله إلى حد ما.
جمع بقايا أخشاب متكسرة هنا وهناك أشعلها عن طريق حك خشبتين معاً كما يفعل الكشافة فتلك لم تكن المرة الأولى له في العيش بهذة الوسيلة.
انكمش حول النار، ينفث أنفاسه بين يديها أملاً في إنبعاث الدفء عبر أوصاله لكن بمجرد الإنغماس في أفكاره الشيطانية التي تدور برأسه نسي البرد والصقيع .. وذلك الخراب الماكث فيه.
- وراكوا وراكوا .. هأخد كل واحد كان السبب في اللي أنا فيه دا وهيدوق اللي عمره ما داقه .. الصبر حلو.

عاد حمزه متأخراً فلم يعلم بخروج حياه وعودتها، أتجه إلى الغرفة ولم يجدها، بحث عنها حتى وجدها تتطعم مي مي في المطبخ كان سيغادر بهدوء لكن مي مي لمحته وابتسمت له ببراءة: أبيه حمزه
ادعى أنه أتى ليروي عطشه، فتح الثلاجة وأخرج دورق مياه كما سحب كأس يملؤه، تابعته حياه وسألته: أنا اتصلت بيك بس أنت ما ردتش
هز كتفيه بلا مبالاة: ما سمعتش
عادت تسأله: بس لما جيت أتصل تاني أداني مغلق
بنفس النبرة: يمكن فصل شحن
انصرف وتركها متجهاً إلى الغرفة، جلست مع مي مي حتى غطت في النوم من جديد قبل أن تتوجه إلى غرفتها لترتاح هي الأخرى فقد كان يوماً طويلاً وشاقاً.
دخلت إلى الغرفة وسمعت صوت صنبور المياه في الحمام فعلمت أن حمزه يأخذ حماماً، تنهدت وبدلت ملابسها وقبل أن تصعد إلى فراشها لمحت هاتفه على طاولة الزينة، ترددت لكنها حزمت أمرها .. تناولت الهاتف وألقت نظرة عليه لتكتشف أن شحنه يحتوي على ثلاث شرطات .. إذاً لم يكن قد أنتهى شحنه كما برر.
أعادته مكانه وصعدت إلى السرير تبكي بحرقة، لقد أخطأت وتلصصت على هاتفه وهذه هي النتيجة عوضاً عن النوم براحة ستنام باكية حزينة، لو تثق به قليلاً تلك الثقة العمياء التي أعتادتها قبلاً.
خرج بعد دقيقة من الحمام، ألقى على ظهرها الموجه ناحيته نظرة طويلة قبل أن ينضم إليها مطفئاً الضوء لتعم الظلمة جميع أرجاء الغرفة وتكتم هي شهقاتها بين ثنايا أنسجة الوسادة.

استيقظت متأخرة بعد أن أضناها النوم المتقطع، نظرت إلى جوارها وابتسمت بسخرية، لقد رحل حتى دون أن يودعها كأنها ليست له بزوجة، إلى متى ستظل معاملته لها بتلك الطريقة وهذا الجفاء، إنها مقاطعها منذ عشرة أيام.
نهضت واغتسلت قبل أن تذهب تطمئن عن حماتها وتعطيها دواءها، كادت تصطدم بأحمد أثناء خروجه من الغرفة، أوشكت على الحديث لكنه أشار إليه بالهدوء والصمت معللاً بعد إحكامه غلق الباب: لسه رايحه في النوم دلوقتي
- بس دواها
ربت على كتفها بحنان: ما تقلقيش، أدتهولها
ثم أضاف متخابثاً: وإنتي كمان شكلك عايزة تنامي
تهربت من نظراته منسحبة: هأروح ابدأ أجهز الغدا .. عن إذنك
تنهد لكنه تركها، وضعها مع حمزه غير مستقر منذ عادا من تلك السفرة، لم يرد التدخل في حياتهما ظناً منه أنهما سارا أكثر تعقلاً وتحملاً للمسئولية حتى يحلان سوياً مشاكلهما الزوجية لكن يبدو أنه أخطأ في ذلك.

مسحت على مكان دخول الحقنة بقطنة ثم كررت العملية بعد خروجها بسلاسة دون أن تسبب أي وجع للمريض، قامت بإلقاء الحقنة بعد الاستخدام في السلة المخصصة لها وهي تبتسم للمريض إبتسامتها الصافية: بالشفا يا حاج
أجابها الرجل الستيني: ما شاء الله عليكي يا بنتي إيدك بلسم، دخلت وخرجت من غير ما أحس
اتسعت إبتسامتها واكتفت بذلك كإجابة، رأت لمعان عيونه ونظراته المصوبة إلى نقطة ما خلفها تلاها بوصلات من المديح منقطع النظير، إلتفتت لترى مع من يتحدث ولمحت الطبيب يبتسم سعيداً برأي مريضه.
- بجد يا دكتور كان فينها من زمان !، أنا بقيت أخد الحقنة وأنا مطمن
ثم أضاف متذمراً: مش التانية اللي بتدي الحقنة ف لوح خشب !
ضحك الطبيب بدر: معلش أنت استحملت معانا كتير
نظر إلى فتون: وربنا رحمك وجزاك خير على صبرك كمان
رحل الرجل والرضا يعلو وجهه فمنذ عملت فتون ممرضة في عيادة الطبيب بدر وهو لا يتعرض لعواقب أخذه للحنقة وتابعتها من آلام تقض مضجعه.
وضع بدر يديه في معطفه الأبيض والسماعة الطبية تحيط عنقه: يظهر إنه إيدك خفيفة فعلاً الكل بيشكر فيكي، حتى الحاج رمضان اللي ما بيعجبوش العجب
هزت كتفيها ونظرت أرضاً بخجل: دا شغلي يا دكتور، المهم أكون عند حسن ظن حضرتك
أكملت: هأروح دلوقتي أجيب نادر من المدرسة، تأمرني بأي حاجه تانية قبل ما أمشي؟
هز رأسه واستدر لكنه قبل أن يغادرها: ابقي فكريني أشكر حنان على ترشيحها ليكي، بجد عملت فيا جميل مش هأنساه أبداً
شعرت بالسعادة حقاً، لقد ظنت أن حياتها أنتهت بعد ممارستها لأحد الكبائر وأن غضب الله سيحاوطها مغلقاً كل الأبواب حولها، لكن حنان وجدتها لم يتركاها تقع في قاع أفكارها السوداء بالعكس شجعوها وأعطوها الأمل، فما من أحد كامل ولا خالِ من العيوب، دائماً وأبداً ستبقى أبواب الرحمة والمغفرة مفتوحة أمام من طلب التوبة في أي وقت.
لحسن حظها أن الطبيب بدر كان يبحث عن ممرضة بدل التي كانت تعمل لديه لأنها قررت التقاعد مبكراً لكبر سنها وعدم قدرتها على تلبية احتياجاته كطبيب، رشحتها حنان لتلك الوظيفة مادحة فيها لا تقول عنها سوى قصائد المدح رغم عدم علمها سواء إجادة ذلك العمل أم لا، لكنها بكلامها ذاك شعرت بالتشجيع وأنه يجب عليها أن تثبت مهارتها ولا تسئ لماء وجه حنان .. من وثقت بها وساندتها.
عدلت من ملابسها بعد أن نزعت زي التمريض، تنهدت براحة فهي الآن لا ترتدي سوى ما هو محتشم، لقد كرهت نفسها وجسدها، لم تعد تتحمل أن يظهر منها إلا كفيها ووجهها بالإضافة إلى شعرها.
تناولت حقيبتها ملقية نظرة أخيرة على العيادة لتتأكد من أن كل شئ في محله وأنها تركت المكان على أكمل وجه، أطفأت الضوء وأغلقت الباب خلفها تاركة الطبيب يسبح بين أبحاثه ودراساته حتى عودتها مع ملاكه.

ضمت كفيها سوياً وهي تقف إلى جانب مكان حارس المدرسة في إنتظار خروج الطلاب، لقد طلب منها أحمد أن تذهب لإحضار مي مي فهو لا يشعر بأنه على ما يرام ليذهب كذلك حمزه لديه الكثير من الأعمال يتوجب عليه إنهاءها، جعلها تقبل وتنصاع لرغبته، وإن كانت نفسها تنفر من الخروج أو رؤية أحد.
دق الجرس أخيراً معلناً موعد الإنصرف، رغم عدم مرور عشر دقائق على وقوفها إلا أنها شعرت بأنهم عشر سنوات، خرجت مي مي وكفها يتشبث بكف حنان في سعادة.
ابتهجت حنان لمرأها: أخيراً يا وحشة شرفتيني برؤيتك الكريمة ؟!
رسمت إبتسامة باهتة على شفتيها: سامحيني، حقك عليا
تأملتها حنان للحظات صامتة تحاول معرفة ما أمرها، توصلت إلى قول: أنا هأوصلك إنتي ومي مي إنهارده عشان شكلك مش عاجبني
لم تعترض وسارت جوارها في صمت حتى توقفت حنان قائلة لمي مي: تحبي تاكلي آيس كريم ؟
أومأت مي مي بسعادة وانطلقت تحضر لنفسها بما أعطته لها حنان مثلجات بالطعم الذي تهواه، استغلت حنان الفرصة ووجهت حديثها إلى حياه بجدية: مالك زعلانه عليها كدا ؟؟
نظرت لها حياه بتعجب وعدم فهم: مين دي؟
أخرجت حنان الجريدة من حقيبتها وسلمتها إليها متمتمة: دي، اللي اسمها جميلة
شهقت حياه بفزع عندما قرأت خبر وفاة جميلة إثر سقوطها من شرفة أحد الفيلات المشبوهة فور إنقضاض الشرطة عليها خوفاً من القبض عليها منذ فترة ثم تلى هذا الخبر ما قصته عليهم فتون، ربط الصحفي بين الواقعتين وهروب الشخص نفسه "شادي" من كلتيهما.
همهمت: دا حصل إمتى دا؟
أشارت حنان إلى التاريخ المكتوب أعلى الجريدة: الخبر دا اتنشر يوم ما جات فتون، بس ما شوفتهوش غير دلوقتي صدفة .. ما إنتي عارفه مش بأحب الجرايد وبترفع الضغط عند تيته .. بس فيه مُدرسة معايا بتحب تقرأ الأخبار البايته حتى لو عدى عليها أسبوع ولما لمحت الخبر أخدت منها الجرنال
حوقلت حياه بأسف: ربنا يرحمها .. هي فتون عارفه ؟
- أمين .. كلمتها سألتها قالتلي أنه شادي مارضيش يقولها حصل إيه مع جميلة لما هربوا أول مرة وكانت لسه عارفه مني
ضاقت عينيها معقبة: ما دام ما تعرفيش الخبر دا، أومال إيه اللي عامل فيكي كدا ؟؟
اكتفت حياه بالتنهد قائلة: حمزه عرف إني كنت عارفه عن مرض نجلاء وما قولتلوش
عادت مي مي فانقطع الكلام لكن حنان بعقلها الراجح استشفت رد فعل حمزه فصمتت لا يمكنها التدخل ولن تستطيع مواستها .. فليس بيدها حيلة لذلك قررت لزوم الصمت حتى أوصلتهم إلى باب البناية واتجهت عائدة إلى منزلها بعد رفضها التام للصعود.
شردت في أفكارها وحياتها، إنها قلقة بشدة، فما فعلته لا تدري إن كان صواباً أم خطأ، سيجلب الشقاء أم السعادة والفرحة، ظلت تستغفر خلال طريق العودة علَّ الله يخفف عليها من وقع ما سيأتي أياً كان.

دلفت إلى المنزل وشرعت تحضر الطعام لمي مي حتى تتفرغ لمذاكرتها وحل واجباتها المدرسية، لم ترغب مي مي بأن يساعدها أحد لكنها طلبت أن تراجع إجابتها فور إنتهاءها منها، رضخت حياه لطلبها.
اطمأنت على سمية وأنها ليست بحاجه لشئ، لم تجد أحمد في المنزل، تعجبت لذلك فقد أرسلها لتحضر مي مي خصيصاً لأنه يشعر بالتعب.
جلست لا تدري ماذا تفعل، تريد الإلتهاء حتى لا تتخاطفها الأفكار، لمحت في أقصى الغرفة التي أمامها مكتبة ضخمة، قررت أن ترى ما بها وأن تستعير ما يشد إنتباهها.
إن غرفة مكتب أحمد تحتوي على مكتبة ضخمة، ليس الجزء الذي رأته من الخارج فقط، بل تحتل جدار أخر في حين يشغل المكتب الجدار الثالث وأريكة مريحة بجوار ضوء يبدو أنه مخصص للقراءة عند الجلوس عليها.
مرت بعينيها على الكتب لتجد كتب لا تنتمي لإهتماتها؛ سياسية وفلسفية كذلك لغوية، فقدت الأمل في العثور على كتاب من مجال تحبه، فجأة استوقفها كتاب عن الأحاديث النبوية وتفسيراتها، جذبته في سعادة واسترخت في الأريكة المجاورة للباب وغرقت في القراءة لا تشعر بما حولها، حيث أن أسلوب الكتاب نقلها إلى عالمه غير عابئ بعالمها.

حان موعد الجلسة التي صارت تذهب إليها برفقة زوجها، في إنتظار دورها جلست تتحدث مع فادي في شتى الأمور لكنها لمحت طيف أحد تعلمه.
لقد أختفى بريق عينيها الذي داومت على الحفاظ عليه مهما كان ألمها، لقد اشتد الإبتلاء عليها حتى ذبلت كزهرة اقتلعت من البستان وتركت في الهواء معرضة للذبول، لحظها أوقفت مرافقتها الكرسي المتحرك إلى جوار مقعدها.
سألت السيدة عن حالها ولما هي بائسة، فأجابتها بصوت أنهكه المرض: بقالي سنة ونص هنا بأتعالج وما شوفتش ولادي، كنت مستنية اتأكد إني خلاص شفيت الحمدلله بس رجع أقوى من الأول
- هما عايشين في اليمن مش كدا ؟
أومأت، فعادت تسألها: طب هما مش بيجوا يزوروكي ليه؟
- مشاغل الحياه يا بنتي وبعدين اللي بيجلهم على قد اللي بيروح، هيجوا يعملوا إيه هنا؟ يشوفوني وأنا بأتعذب وبأموت
ضمت كفيها بين يديها ونهرتها: أوعي تقولي كدا، دا إنتي اللي كنتي مصبراني ع اللي أنا فيه
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيها لكنها لم تعقب، كان فادي منتبهاً للحوار لكنه لم يحاول إبداء ذلك حتى لا تشعر السيدة أنه متطفل.
دخلت نجلاء إلى جلستها عندما أتى دورها، جلس فادي يتجاذب أطراف الحديث مع السيدة حتى وصل إلى مبتغاه.

لم تشعر بفتح باب غرفة المكتب ولا مراقبة أحدهم لها، لقد كانت مأخوذة بما تقرأه وبكم المعلومات التي لم تكن تسمع عنها شيئاً، لقد كانت جاهلة بالمعنى الحرفي.
فجأة أعتمت الصفحات نتيجة للظل الساقط عليها، نظرت خلفها لتجد حمزه واقفاً بملامحه الجامدة، حدقت به في صمت كما فعل هو إلى أن قطع الصمت قائلاً بمزاح وإبتسامة مفاجأة: والله وطلعتي مثقفة كمان يا بنت عم فاروق
لولا الإبتسامة لظنت أنه يهزأ منها، لم ترد أن تسبب مشكلة لمجرد ظنون فهزت كتفيها ورفعت نظارة وهمية عن طرف أنفها: طول عمري مِثـئـفة
قهقه على مظهرها وكلامها: مِثـئـفة مرة واحدة ؟؟ .. طب قومي يا مِثـئـفة حضريلي الأكل عشان جعان
علت الدهشة وجهها، فمنذ غضبه منها كان يأكل بنفسه أو لا يأكل متحججاً بتناوله الطعام خارجاً، أومأت في صمت ونهضت بعد أن تركت الكتاب على الأريكة رغبة في العودة وتكملته.
استوقفها على الباب قائلاً بتحذير: واعملي حسابك أنك هتاكلي معايا !
- بس ...
هز رأسه رافضاً أي اعتراض، اقترب منها وتحسس خدها بظهر يده قائلاً بحنو: إنتي ما كالتيش حاجه من الصبح ولونك مخطوف من قلة الأكل .. كدا مش هينفع
اقشعر بدنها للمسته والحنان الطاغي في كلماته، تحول فجأة إلى لهجة غاضبة: كل دا ما عملتيش الأكل ولسه واقفة ! .. ستات أخر زمان والله
تركها وأتجه إلى غرفته محاولاً كتم ضحكاته لما رأه على وجهها من صدمة لتحوله المفاجئ بلا سبب، ضربت كفاً بكف: أقسم بالله الراجل دا أتجنن، أخر برج من دماغه عشش فيه الحمام وبقى غير قابل للاستخدام هههههههه
توجهت إلى المطبخ تسخن ما أعدته سابقاً، وضعته على طاولة المطبخ بعد أن تأكدت من نوم سمية وعدم عودة أحمد حتى الآن، ومي مي ترغب في اللعب.
بمجرد وضعها للطبق الأخير على الطاولة أنضم إليها حمزه وجلست متلذذاً برائحة الطعام، قبل أن يسكب لنفسه سألها: إنتي اللي طابخة الأكل دا ؟
ترددت قليلاً خافت أن تجيب بالإيجاب يتركها ولا يتناول الطعام كما فعلها قبل أيام، حزمت أمرها: أيوه
أخذ ملئ الملعقة الكبيرة وسكب في طبقه وشرع يتناول بشهية شديدة، يمدح نَفَسَها في إعداد الطعام ومهارتها.
لجمت أسئلتها عما قلب حاله إلى ما بعد الأكل؛ حتى لا تتسبب في فقده للشهية لأي سبب، أكلت بهدوء وهي تستمتع برؤيته يأكل كأنه لم يذق الطعام منذ .. خلافهما.
لم تقدر على منع ضحكتها: أنت شكلك يفطس من الضحك، عامل زي العيل الصغير اللي بعد ما قضى شهر ياكل ف طبيخ مامته اللي مش بيحبه أخيراً حنت عليه بالبيتزا ههههههههههه
نظر لها شذراً وقد ضاقت عيناه: بس على فكرة دي مش بيتزا، دي صينية بطاطس
أخرج لها لسانه مغيظاً بينما هي ازدادت في الضحك حتى كادت تسقط من فوق مقعدها، لم تلحظ الإبتسامة الحانية التي ظهرت على وجهه؛ لقد اشتاق حقاً لرؤية الفرحة تلمع في عيونها.


نهاية الفصل





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:30 PM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




الفـــــــــــــــــــصــ ـــــــــــــــــــل السابع عشر






أنهى مذاكرته وجلس على حاسوبه، سجل دخوله إلى مواقع التواصل الإجتماعي بالترتيب فيس بوك ثم تويتر ليتابع أخر الأخبار وإن جد جديد.
بحث عنها في قائمة الأصدقاء ولكنها لم تكن متوفرة، جلس يعبث في هذا أو يقرأ ذاك حتى أضاء الضوء الأخضر مشيراً لدخولها لنفس الموقع.
أسرع يحدثها وهي تجيبه حتى أنقضت أربع ساعات دون أن يشعر أياً منهما، حان وقت نومها للذهاب إلى المدرسة صباحاً كذلك هو.
أغلق صفحته الشخصية واندفع داخل سريره بشوق إلى الأحلام الوردية ورؤيته لها في منامه، متناسياً حديثه مع شقيقته الذي لم يؤثر به ربع التأثير.

جلست على الأريكة في غرفتهما وهو إلى جوارها، يمسك يدها الغارقة بين كفيه، تنهد مبتسماً بهدوء ليخفف من وطأة الموقف: أنا معترف إني غلطان في معاملتي ليكي الأسبوع اللي عدا دا، بس حطي نفسك مكاني .. أختي عندها السرطان وأنا ما أعرفش .. وبعدين أكتشف إن مراتي عارفه وما قالتليش .. كنت لسه بأديكي الأمان وبنحدد حياتنا سوا هتبقى ماشيه إزاي .. وألاقيكي مخبية عني حاجه مهمة زي دي
قالت بصوت خافت: والله ما كان بإيدي، نجلاء هي اللي أصرت أني ما أقولش لحد وما حبتش أرفض عشان لما تروح الجلسة تبقى تقولي .. عشان ما تبقاش لوحدها .. وما كنتش عايزاها تفقد ثقتها فيا
رد ببرود قاسِ: بس إنتي فضلتي ثقتها هي فيكي على ثقتي أنا فيكي !
طرفت الدموع من عينيها بغزارة: أسفة، أنا ماكنتش أعرف إن كل دا هيحصل، كنت فاكرة إنها هي هتقولكوا بعد ما تهدا من صدمتها شوية وتبقى عرفت منها
ترك يديها وأمسك وجهها يمحو الدموع وقد تمزق قلبه لرؤيتها: طب إنتي بتعيطي ليه دلوقتي؟ مش إحنا أتفقنا إننا هنتكلم بهدوء زي إتنين كبار عاقلين؟؟
أومأت في صمت فتابع: وإنتي فاكره لما أشوفك بتعيطي أنا كدا هأفضل عاقل؟
رفعت رأسها إليه وحدقت في عيونه بقوة لتستشف مقصد كلامه، دفعها عنه بروية ناهضاً، تخلل شعره بأصابعه متمتماً بعصبية: يا بنت الحلال ما تستفزنيش !
أجابتها ببراءة وملائكية: هو أنا عملت حاجه ؟
عاد للجلوس جوارها بسرعة وتناول وجهها بين كفيه، لثم شفتيها في شوق ورغبة، صدمها ما يفعله لكنها شعرت بدقات قلبها تتنافس، وجسدها يفقد قدرته على البقاء متوازناً، ارتفعت يديها لا شعورياً تحيط بعنقه لكنه فجأة دفعها كما ضمها.
أمسكها من كتفيها وهزها بعنف: اتهدي بقى اتهدي .. هتبوظي كل اللي بأخطط له، ببراءتك دي واستهبالك
عقدت حاجبيها وذراعيها: حاضر، بس إيه اللي بتخطط له ؟
تنهد بقوة: الأول لازم نقفل المشكلة اللي حصلت دي عشان ما تتكررش تاني، ماشي؟
أكمل عندما رأى موافقتها فهي لا تريد أن يغضب منها مرة أخرى: لما تحصل أي حاجه تخصك أو تخص حد من عيلتنا يبقى لازم تقوليلي .. حتى لو الجن الأزرق قالك ما تقوليش لحد .. أنا لازم أعرف كل كبيرة وصغيرة عنك وعن أي حد يخصنا .. غير كدا مش عايز أعرف حاجه .. أتفقنا ؟؟
هزت رأسها: أتفقنا
نهض فسألته إلى أين هو ذاهب، أجابها: ثواني وراجع
جلست تنتظره وهو لم يغب، عاد وفي يده عدداً من المجلات ناولها إياها وأنضم إلى جوارها: أختاري منهم اللي يعجبك ولو ما عجبكيش حاجه أجيبلك غيرهم أو حتى ننزل ندور بنفسنا
قلبت صفحاتها سريعاً وهمهمت بعدم فهم: دي مجلة أثاث ! هأعمل بيها إيه ؟
أحاط كتفيها بذراعه: إنتي فاكرة إننا هنعيش هنا طول عمرنا ولا إيه ؟ .. أكيد هيبقلنا شقة خاصة بينا .. الشقة موجودة هأخدك بكرة تتفرجي عليها، أنا مشطبها وعامل الديكورات بس ناقص العفش
غمزها: ودا عليك أنت بقى يا جميل .. أنا واثق ف ذوقك
جعدت نفسها بين أحضانه وعاقدة ذراعيها خلف عنقه هاتفة: بجد ؟؟ أنا مش مصدقة نفسي
استنشق عبير رائحتها لكنه أبعدها على مضض، زفر بحدة: يا زفتة إنتي !.. مش قولتلك أتهدي ! .. هتخليني أتهور ومش هأقدر أستنى للفرح
عادت تجلس مكانها وعدم الفهم عاد إلى عقلها: فرح ؟ .. فرح إيه ؟؟
حدثها كأنه يتكلم إلى طفلة وهو يحل حجابها الذي لم تفكر في نزعه منذ عادت: إحنا أتجوزنا من غير فرح ولا أهلك كمان حضروا .. واللي أعرفه أنه كل بنت بتحلم باليوم دا ومن حقها تعيشه .. ولا إيه رأيك ؟
نظرت في الجهة الأخرى وقالت بألم: بس دا لما تكون لسه نضيفه ونقية.. دا رمز اللون الأبيض للفستان وأنا لا دي ولا دي
أمسك ذقنها وأدر وجهها ناحيته، مسح دمعة سقطت من عيونها سهواً، قال بجدية وحزم: إنتي نضيفة أوووي ونقية جداً، اللي حصل دا حصل غصب عنك .. عشان كدا كأنه ما حصلش، أنسيه .. حياتك هتبدأ من معرفتنا لبعض
أسندت رأسها إلى صدره تستشعر الأمان بينما تخلل خصلات شعرها بأصابعه، بعد فترة أبعدها سانداً جبهته إلى جبهتها وقال مازحاً: يا بنتي إنتي ليه مصرة تخليني أتسرع ؟؟ .. هنفرش الشقة وبعدين نعمل الفرح .. وقتها بقى أبقي استفزيني براحتك ع الأخر .. ولو ما استفزتنيش ساعتها .. أنا اللي هاستفزك
نظرت بقوة في عيونه: بس سواء استنينا أو لا .. مش فارقه، هي مش أول مرة ليا
نهض مبتعداً عنها، أغمض عينيه وقبض يديه بشدة محاولاً الهدوء وتمالك أعصابه حتى لا يقول ما لا تحمد عقباه، نظر إليها أخيراً فلمح خوفها وتوجسها، تأكد أنها نادمة على كلمات قالتها دون وعي، خاطبها بهدوء: إحنا مش قولنا ننسى ؟
تمتمت كطفلة أخطأت وتتلقى العتاب: أسفة
أومأ: يلا روحي غيري هدومك عشان ننام، أنا أه هأستنى لحد الفرح بس مش معنى كدا إنك ما تنميش في حضني ع الأقل ..
ابتسمت بفرحة وأتجهت إلى الحمام تبدل ملابسها، ألقى هو جسده على الأريكة متذكراً قدوم والده إلى مكتبه لأول مرة منذ عمله هناك ليحدثه بشأن ما يحدث بينه وبين حياه منذ عادا، نصحه والده: أنتوا لسه ف أول الجواز وكمان ما اتعرفتوش على بعض كفايه قبله .. فأكيد كل واحد لسه ما يعرفش إيه اللي بيضايق التاني وإيه اللي بيحبه، اقعد معاها وفهمها غلطها .. قولها ما بأحبش حد يخبي عني حاجه خصوصاً مراتي .. هي مش هتقولك لا
ثم ضحك غامزاً إياه: وبردو مش هتسمع الكلام ومش هتقولك كل حاجه يعني .. أكيد هتقول مرة وما تقولش عشرة .. عادي .. المهم اللي ما يتقالكش يكون مالوش لازمة ومش هيأثر عليكوا أو على حد يهمكوا سوا .. وهي مرة ف مرة هتميز اللي يتقال واللي لا .. بس الصبر .. الصبر يا حمزه !
استمع لنصائح والده بإنتباه وتيقظ لكنه رفض فكرة مصالحتها، سينتهي الأمر إما عاجلاً أو آجلاً، ولكن ليس الآن أو حتى اليوم .. لكنه لا يدري ماذا حدث له عندما رأها تنظر له برهبة وخشية، وضوء المصباح الذي كانت تقرأ عليه أضاف لوجهها ضعفاً أكثر، مما جعله يتراجع ويبدل وجهه الجامد إلى وجه أخر.
بدل ملابسه كذلك لكن قبل أن يرتدي القطعة العليا من ملابسه خرجت حياه من الحمام، صرخت وأدارت ظهرها لمرأه بهذا الشكل وهي لم ترى رجلاً بدون كامل ملابسه هكذا بحياتها.
ضحك عليها حمزه وبعد أن ارتدى ملابسه توجه إليها وأدارها لتنظر إليه قائلاً بحنان: كل دا وبتقولي إنك مش بريئة ؟؟
رأى أحمرار وجهها يزداد: يا بنتي إنتي مراتي .. مراتي .. المفروض تتعودي على كدا
غمزها بخبث: أومال لما نتجوز بجد هتعملي إيه ؟؟
ضربته بقبضتها الصغيرة على كتفه، وقالت عاقدة حاجبيها بجدية مصطنعة: يا بنتي ومراتي في نفس الجملة ؟؟ .. طب أنا أصدق مين دلوقت ؟ .. وأقولك يا بابا ولا يا جوزي مش فاهمة بردو
نظر لها بمكر وحملها متجهاً إلى الفراش: أنا هأعرفك تقوليلي إيه دلوقت
وضعها على السرير وبدأ يدغدغها حتى كادت أنفاسها تختفي من كثرة الضحك، أخيراً تمدد على الفراش وأخذها بين أحضانه ليستقر رأسها على صدره وما زال جسدها ينتفض إثر موجة الضحك.
صمتا لفترة بعد أن أطفئ حمزه الأنوار إلا من ضوء خافت بجوار السرير، تمتمت حياه بتردد: حمزه
أجابها بصوت لم يدخل في مرحلة النعاس بعد: نعم
- عايزه أقولك على حاجه
- قولي ..
- أنت أتفقت معايا إني ما أخبيش حاجه عنك صح ؟
- صح
سحبت نفسها من بين ذراعيه وجلست معتدلة: كان فيه خبر ف الجرنال على أنهم عملوا كبسة على مكان دعارة
انتصب حمزه كذلك وأعاد فتح الأضواء وسألها بترقب: وبعدين ؟
تنهدت بقوة: مسكوا فيه ناس .. وواحدة من اللي كانوا معايا في الفيلا اللي حبسوني فيها رمت نفسها من المبنى عشان ما يقبضوش عليها .. وواحدة تانية قدرت تهرب وهي قاعدة عند حنان دلوقتي .. بس ..
ضاقت عيونه عليها أكثر: بس إيه ؟
ارتجف جسدها: بس شادي ما قدروش يمسكوه وقدر يهرب منهم
ضمها إلى صدره عائداً إلى وضعية النوم وأطفئ المصباح، ربت على كتفها برقة وقبل قمة رأسها: طول ما أنا معاكي ما تخافيش، ماحدش هيقدر يقرب منك ولا يأذي شعرة منك
استكانت حياه وشعرت بالأمان من نبرة صوته التي تحمل الوعيد لمن يفكر أن يمسسها بسوء، غرقت في النوم بينما ظلت الأفكار تدور وتحوم داخل ثنايا عقله .. يفكر في حل حتى يُنهي هذا الخطر المحيط بحياه إلى الأبد.

أتى الصباح محملاً بالسعادة والهدوء منذ أمد لم يطرقوا حياة حياه، عقب الإفطار ذهبت حياه مع حمزه إلى حيث توجد الشقة لتراه وتتخيل الأثاث المناسب لها.
كانت الشقة فسيحة، من ثلاث غرف ومساحة استقبال فسيحة تتسع لطاولة سفرة ومشتملاتها، صالة ومعيشة، كذلك المطبخ يسمح لها بحرية الحركة وبه مساحة لطاولة صغيرة.
نظرت من النافذة الملحقة بالاستقبال لتجد أُصص فارغة، تخيلت شكل النباتات بعد أن تحتويها، ستزرع ورود لترسل ريحها المنعش إلى أرجاء الشقة.
كان حمزه يتحدث مع حارس البناية بينما هي غارقة في تخيلاتها، اقترب منها حمزه وأخبرها أنه سيذهب مع الحارس ليرى صاحب العمارة حيث أنه لم يأتي إلى هنا منذ زمن وهناك بعض الفواتير وغيرها يريد صاحب العمارة محادثته بشأنها.
وافقت أن تبقى في الشقة تتخيل الأثاث وترى ما يناسب تصميمها من أثاث المجلة التي أحضرتها برفقتها، سيمضي الوقت سريعاً، لأننا عندما نغرق في الأحلام يختلف حساب الزمان.
جلست على أحد الصناديق المقلوبة تضع علامة بجوار الأثاث الذي رأته مناسباً، استغرقها الأمر فلم تشعر بدخول أحدهم من باب الشقة المفتوح على مصرعيه، رفعت رأسها لتتفاجئ بفتاة تكبرها خمسة أعوام على الأقل، ترتدي فستاناً واسعاً يخفي تناسق جسدها يعلوه سترة من الجينز تخفي ذراعها، وعلى رأسها حجاباً بلون ثوبها الأحمر القاني.
اعتقدت أنها إحدى الجارات فابتسمت في وجهها مرحبة: أهلاً وسهلاً
وترتها نظرت الفتاة التي مسحتها من أخمص قدميها إلى أعلى رأسها، رددت كأنها تحدث نفسها: بقى إنتي اللي فضلك عليا ؟
ارتفعا حاجبا حياه تعجباً: أفندم ؟
عقدت الفتاة ذراعيها وابتسمت بسخرية: أنا هاجر
توجهت عيونها إلى الجهة العليا يساراً عسى أن تتذكر، لكنها لم تتعرف عليها: هو أنا أعرف حضرتك ؟
ضحكت ضحكة ضايقت حياه، فكيف لهذه الضحكة أن تخرج من خلف هذه الملابس الدالة على الإحتشام، سألتها: هو حمزة ما حكالكيش عني ولا إيه ؟ .. لم تكن تعلم أنها ترتديها إتباعاً للموضة الدارجة في الوقت الحالي ليس هدفها الإحتشام في حد ذاته.
سألتها بإنزعاج: إنتي مين ؟
بكل ثقة تمتلكها عرفت نفسها: أنا هاجر، حبيبة حمزه وخطيبته
وقفت حياه ونظرت لها بتحدي: قصدك كنتي خطبيبته
لاحظت تشديدها على "كنتي" فقالت بثبات: وكنت حبيبته كمان
أجابتها حياه بغيظ: وأما إنتي عارفه إنك كنتي، إيه اللي جابك ؟
نظرت حولها: أنا ساكنة ف الشارع اللي ورا وكنت معديه من هنا، بعدين جه ف بالي أشوف أخر اللي وصله حمزه في شقتنا اللي كان بيجهزها عشان تكون عشنا السعيد
ابتلعت حياه ريقها بصعوبة، لم يخبرها حمزه عن أنه أختار تلك الشقة لتكون مسكنه مع تلك المرأة، كذلك بجوار بيت خطيبته السابقة ؟؟، أجابتها بهدوء لا تشعر به: بس دلوقتي هيبقى بيتي أنا وحمزه
تطلعت حولها وقالت كأنها تحلم: يــااه نفس الألوان اللي تخيلنا بيتنا هيبقى بيها
أضافت بدلال: كمان كان نفسنا نجيب العفش من "البيت المثالي"
قبضت حياه يديها بحنق، كادت أن تذهب وتسحبها من حجابها وتلقيها خارجاً لكن قدوم حمزه أنقذ تلك المدعية من بين براثنها.
ضاقت عيونه عندما رأى حالة حياه وتمتمت باسم الأخرى بهدوء، إلتفتت إليه باسمة: أزيك يا حمزه؟
- إيه اللي جابك هنا ؟
ضحكت بخلاعة: وحشتني الشقة فجيت أشوفها
ألتوت شفتيه بسخرية: لا والله ؟
اعتدلت في وقفتها قائلة: أيوه .. عن إذنكوا بقى عشان اتأخرت
بدلت نظراتها بينهما: مبروك ولو إنها جايه متأخرة
انتظر خروجها ثم أغلق الباب وعاد إلى الحياه التي صوبت نظرها إلى الخارج، ناداها: حياه
دون أن تلتفت: هي دي كانت هتبقى شقتك أنت وهي ؟
تنهد: حياه
نظرت إليه بقوة غاضبة وشددت على مخارج حروفها: أيوه ولا لا ؟
فرك وجهه بكفه: أيوه
فقدت سيطرتها على نفسها وصرخت به: وأما هو أيوه .. جايبني هنا ليه ؟؟ .. لو كنت فاكرني هي، يبقى تفوق أحسن .. لأن أنا حاجه وهي حاجه تانية !
أمسكها من كتفيها وهزها بعنف صارخاً: ما تزعقيش ف وشي فاهمة ؟؟
صمتت فزعة منه ومن نظراته القاتلة، تركها عندما تأكد من طاعتها له، وضح موقفه: أنا كنت هأقولك بس مشكلة المالك دا والبواب عطلتني .. ما تخيلتش أنها هتيجي وتشوفيها كمان ! .. أيوه كانت الشقة دي جايبها عشان أنا وهي نتجوز فيها أيام لما كانت خطبتي وفاكر إنها بتحبني .. بس هي ما شافتهاش غير مرة واحدة بعد ما مضيت العقد بتاعها ودفعت المقدم
ابتسم بسخرية: وما عجبتهاش وكانت عايزه تغيرها .. لكن لما عرفت أنه خلاص الإجراءات القانونية أنتهت رضيت بالأمر الواقع .. ع الأقل بشكل مؤقت
أشار حوله: بس الألوان أنا اللي أخترتها، أنا اللي عجبني تصميم المطبخ كدا
أتجه إلى النافذة وأشار إلى أصيص النباتات: وأنا اللي حطيت دول هنا مع العلم إنها مش بتحب الزرع
عاد إليها: والأثاث إنتي اللي هتختاريه .. يبقى هي إيه اللي يثبت وجودها هنا ؟
رددت ما قالته لها: هي قالت أنكوا اخترتوا الألوان سوا
هز رأسه: لا، دي تقريباً أول مرة تدخل الشقة دي من ساعة ما شافتها ع الطوب الأحمر .. وأساساً مش بتحب اللون اللبني دا .. ولا درجة الأخضر اللي ف أوضة الأطفال .. يبقى إزاي أختارتهم ؟
- طب والعفش اللي اتفقتوا تجيبوه من نفس المجلة اللي قولتلي أختار منها ؟
ضحك بقوة جعلها تتعجب، أومأ لرأسه إلى شئ ما خلفها: قصدك المجلة اللي إنتي سايباها على الكرتونة دي؟
خجلت حياه لغباءها ولسماحها لتلك الساحرة الشريرة أن تزرع بداخلها شك تجاهه، لم تلحظ في فورة غضبها أن اسم المجلة التي كانت تطالعها كان واضحاً فاستطعت هاجر إلتقاطه بطرف عينها.
- هي مالهاش حاجه هنا، بس لو عايزه ممكن نغير الشقة وأدور على شقة تانية
هتفت بسرعة: يبقى أحسن، عشان ما أشوفش وشها تاني
سألها متعجباً: وإنتي هتشوفيها فين؟
نظرت له بلوم وعتاب: مش هي ساكنة في الشارع اللي ورانا ؟
قطب جبينه: دي والدتها اللي نقلت هنا بعد ما اشتريت الشقة دي، بس هي عايشة ف فيلا مع جوزها لكن مش هنا
صاحت متفاجأة: وأما هي متجوزة إيه اللي جابها ؟
هز كتفيه: مش عارف، يمكن بعد طلاقها رجعت هنا، ما يهمنيش .. المهم إنتي عايزه إيه؟
- عايزه نشوف شقة تانية أحسن
نظر لها بحزن وشوق: بس كدا هناخد وقت .. والفرح هيتأخر !
قفز قلبها من السعادة لرؤية شوقه في بدأهما لحياة جديدة سوياً مما دفع الظنون بعيداً، ضربت شكوكها عرض الحائط وقالت بدلال بينما تعيد ضبط ياقة قميصه: إممممم .. طب خلاص أمري لله .. موافقة ع الشقة دي
أخفت فرحتها لسعادته وأكملت بجدية: بس بشروط !
جذبها إليه: أنت تؤمر يا جميل
بسطت كفيها على صدره: أولاً.. هننزل نلف سوا نجيب العفش مش هنجيبه م المجلة دي
قهقه موافقاً: ثانياً .. أنا اللي هأختار أنواع الزرع اللي هنزرعه في الأصاري اللي ف الشباك
نظر لها متعجباً: هو إنتي بتحبي الزرع ؟
رفعت رأسها عالياً بغرور مصطنع: أومال إيه ؟ .. يا ابني أنا متربية وسط الخضرة والزرع إزاي ما أحبهومش ؟ .. وبعدين أنا وسلمى كنا زارعين شجرة برتقان وسط الأرض بتاعت بابا وشجرة مانجه وسط الأرض بتاعت باباها وكل سنة إحنا بنروح نلم الفاكهة دي ونوزعها ع الناس والعيال
نظر لها بعشق لم ينطقه بلسانه لكن نظرته كانت كافية لترتخي أطرافها، قال كأنه يحدث نفسه أكثر مما يحدثها: رغم إني وقت ما اشتريت الشقة دي وبدأت أجهزها كنت مخطوب لهاجر ولسه ف وهم حبها ليا وحبي ليها .. إلا إني كنت بأختار كل حاجه على ذوقي حتى لو عارف إنه مش هيعجبها .. تقريباً كنت بأجهز البيت دا ليكي من قبل حتى ما أشوفك أو أعرف بوجودك
ابتسمت بحب، ظلا يتبادلان النظرات حتى دفعته قائلة بحماس طفولي: يلا بقى ننزل نلحق نلف شوية ونتفرج ع العفش .. مش عايزين نضيع وقت !
أومأ ضاحكاً واتجها يجهزان عشهما الزوجي، حتى مر أسبوع أخر في دوامة شراء الأثاث وترتيبه.

اتجهت إلى المستشفى وقلبها يكاد يتوقف نتيجة زيادة التوتر وتسارع دقاته بشكل غير طبيعي، لسان حالها لا يتوقف عن ترديد دعاء سيدنا يونس عندما كان في بطن الحوت "لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين".
سألت عن نتيجة التحليل فطلبت منها الممرضة بإبتسامة هادئة أن تنتظر حتى تتأكد من وجودها أولاً، لم تغب الممرضة أكثر من دقيقتين لكنها شعرت بعمرها كاملاً قد مر.
سلمتها الممرضة الظرف ولما لم تفهم منه شيئاً سألتها، قرأت الممرضة التحليل بتروي وأخبرتها بنفس الإبتسامة نتيجته.
ليس فيه مبالغة إن قلنا أن تنفسها قد توقف، مصيرها قد تحدد، أيعقل أن الدنيا بهذا الصغر؟، أم أن وقت عذابها قد أتى أجل إنتهاءه ؟
سارت في الطرقات لا تدري ماذا تفعل وإلى أين تذهب، حتى وجدت نفسها أسفل البناية وتصعد السلالم غير عابئة بوجود المصعد واستعداده لتوصيلها إلى طابق الذي ترغبه.

تقبلت الأم مرض ابنتها وبدأت تقويها وتقوى بقوتها، وجدت نجلاء في مساعدة حياه على تأثيث منزلها وبعدها تجهيز ما يتطلبه العرس منفذ لتشغل به نفسها وتنسى فيه مرضها.
كانت من أسعد أيام حياه، تحسنت علاقتها بحمزه كثيراً وأشتد إرتباطهما سوياً، يأكل العشاء معها ولا ينام إلا بين أحضانها، يحدثها عن بعض ما مر به خلال عمله، يروي لها مشكلات الشركة التي يعمل بها رغم أنها تعجز كثيراً عن مساعدته وإعطاءه الحلول المُثلى إلا أنها تسعد لمشاركته معها في حياته المهنية.
لكن منذ متى تستمر السعادة وتترك لنا الحياة الفرحة دائمة التواجد ؟ .. إن الحياة لها رأي في هذا الشأن، فكلما زادت فترة السعادة كلما سأمناها .. فتختار عنا وقت البلاء لنتفاجئ .. وتختار عنا وقت الرخاء فتسعدنا .. وبين ذلك وذاك تترك لنا حرية الإختيار .. إما بالتقبل والصبر على البلاء فتتحول من مجرد فترة ألم وبعث للعذاب إلى فترة رضا وتحمل للإبتلاء لتكن حُجة لنا يوم البعث ونشعر بالسعادة فور إنزياح الهم .. أو نقضيها بين البكاء والعويل فيزداد الشعور بالغم ونفقد الإحساس عند عودة الفرح.
***
انقلب الوضع واهتز الاستقرار، عم التوتر وساد الغم، جلس الجميع في حالة من الصدمة .. كل شخص قد استقبل الحديث برد فعل مختلف عن الأخر .. فحتى ردود الأفعال تختلف بإختلاف الشخصيات.
نجلاء فاغرة فمها، لا تصدق تلك القصة الخارجة من إحدى الأساطير، أحمد يحوقل وينظر إلى زوجته ودموعها لا تتوقف عن النزول تفكيراً في المصير.
حمزه قاطباً حاجبيه يجمع الأحجية ليحل اللغز ويتأكد من النتيجة، أما حياه فلسان حالها مصدوم فقد جمع الله الإبنة بأمها بعد مرور سنوات من الفراق والعذاب.
حنان .. بعد أن روت قصتها وحكاية القلادة المعلقة في عنق مي مي والتي أثبت تحليل الـDNA
أنها فلذة كبدها ومن ولدتها، شعرة صغيرة من رأس حنان مقابل شعرة أصغر من رأس الطفلة أثبتت صحة أمومتها فسبحان العالي المتعالى، بكت حنان أثناء الحديث ومازالت تبكي حتى بعد الإنتهاء.
قطع حمزه الصمت مستفهماً: طب والعمل دلوقتي ؟ .. مي مي إزاي هنقولها ؟
انتفضت سمية صائحة: ونقولها ليه ؟ .. مي مي دي بنتي أنا .. قعدت معايا أكتر من أمها الحقيقية !
فقدت حنان أعصابها هي الأخرى: أديكي قولتي أنا أمها ! .. أنا اللي خلفتها
عنفتها سمية: بس إنتي اللي ضيعتيها ودا عقابك لاستهتارك بيها !
اشتد بكاء حنان حرقة: مش كفاية سنين محرومة منها !، بالاسم أم لكن فين بنتي ؟؟ .. مش كفاية تفكيري طول السنين دي كلها يكون حصلها إيه ؟؟ .. خطفوها ولا بيعذبوها .. نايمة ولا سهرانة من خوفها .. بتعيط ولا بتضحك .. عايشة ولا ميتة .. لو ماتت دفنوها ولا أخد أعضاءها تاجروا بيها .. الرحمة بقى الرحمة !
انهارت في مقعدها، اقتربت منها حياه تواسيها .. استشاطت سمية غضباً تُشير إلى حياه: إنتي السبب ! .. إنتي اللي جبتيها .. لولا إنك عرفتينا عليها ما كناش وصلنا لكدا
وقف أمامها أحمد ونهرها: حرام عليكي يا سمية اللي بتعمليه وتقوليه دا ! .. دا قدر ومكتوب وإنتي عارفه كدا .. لو عن طريق حياه ولا مش عن طريقها كانت هتوصل لبنتها حتى لو عملتي إيه ! .. دي إرادة ربنا ومالناش يد فيها
هزت رأسها رافضة الاستماع لكلام تدركه وتعرف معناه لكن يأبى قلبها تقبله، وقفت نجلاء بجوار أمها تهدأها: يا ماما إنتي فاكرة حالة مي مي أول ما جات كان شكلها إيه ؟؟ .. وإزاي من صدمة فراقها عن مامتها ما كانتش بتتكلم إلا من فترة قريبة ؟؟ .. إزاي قلبك يطاوعك تفرقيهم أكتر من كدا وإنتي شهدتي عذابها !
تدخل حمزة: هي مش هتحرمك منها، ف أي وقت هتشوفيها، هي بس عايزة تعوض السنين اللي فاتتها مع بنتها وتاخدها ف حضنها؛ لكن مش هتاخدها وتعزلها عننا .. لأنها زي ما اتعذبت لفراقها مش هتعذب غيرها
رددت حنان: والله ما هأبعدكوا عنها .. هأجبهالكوا على طول .. بس دي بنتي .. نفسي أرجع أسمع كلمة ماما من بؤها .. تبات ف حضني .. وأسرحلها شعرها .. تحكيلي مشاكلها وأحلها معاها
دارت الدنيا في أعين سمية، أسرع حمزه ووالده بإسنادها وإجلاسها على الأريكة، مرت دقائق من الصمت كأن على رؤوسهم الطير.
سمية بهدوء: وهتقوليلها إزاي ؟
عاد الأمل إلى قلب حنان لكنها تمتمت بحيرة: مش عارفة
اقترحت سمية: فيه دكتور نفسي كنا بنروحله عشان حالتها لما كانت مش بتتكلم، ممكن نسأله وهو يقولنا
أومأت حنان موافقة، نهض أحمد: هأروح أتصل بيه وأحدد معاه معاد
ذهبت نجلاء تعد عصير الليمون علَّه يؤثر في الجميع ويزيل التوتر، عاد أحمد وقد حدد الموعد غداً في الثالثة عصراً.
سمية بذهول متألم: بسرعة كدا ؟
حمزه: أحسن حاجه ف الأمور دي سرعة التصرف وإنها تنتهي بسرعة عشان أعصابنا ترتاح
نهضت حنان بروية: استأذن أنا .. وأسفة على المشاكل اللي عملتها والقلبان اللي حصلكوا بسببي
لم تجبها سمية وإنما اتجهت إلى حجرتها في صمت غاضب، لحقها أحمد بعد أن طمأن حنان أن كل شئ سيكون على ما يرام.
ناولتها نجلاء نصيبها من العصير: أشربي دي هتريحك شوية
تناولتها حنان بلا شعور وبعد أن رشفت رشفة واحدة أعدته إلى الطاولة ونهضت، أمسكتها حياه قبل أن تسقط وقالت: أنا هأروح معاكي ما ينفعش أسيبك ف الحالة دي
نظرت إلى حمزه برجاء: بعد إذنك يا حمزه هأبات معاها إنهارده
أومأ موافقاً: ماشي مافيش مشكلة، هادخل أجيب المفاتيح من جوا وأجي أوصلكوا
أشفقت على حالها نجلاء أفاقها من ذلك رنين هاتفها، انسحبت لتجيب في المطبخ: أيوه يا فادي
- أرجع ولا إيه ؟ .. البت نامت خالص .. وما عادش فيه حاجه أكلها لها تاني
حاولت كتم ضحكتها: الله يجازي شيطانك .. خلاص أرجع .. أصلاً كل واحد راح ف جهة
- طيب، مسافة السكة
أغلقت الخط داعية أن تمر تلك العاصفة على خير.






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-10-15, 01:31 PM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



الفصل الثامن عشر






طلبت حنان أن تنفرد بنفسها وأسرعت إلى غرفتها قبل أن تتسائل جدتها عما حدث، تشبثت الجدة بحياه تطالبها بتفسير للحالة التي عادت فيها حنان.
جلست تروي لها ما حدث وإكتشافها أن مي مي ابنتها، وحدت الجدة ربها باكية: لا إله إلا الله، ياعيني يا بنتي، بقى بنتك قدامك من فترة وإنتي ما تعرفيش ؟ .. لا حول ولا قوة إلا بالله
- المهم ربنا جمعهم مع بعض
- الحمدلله، بس هي ليه حابسه نفسها كدا ؟
- أكيد لسه مش مستوعبة اللي حصل
عقبت فتون التي انضمت إليهم في منتصف الحكاية: وأي عقل يستوعب اللي حصل دا ؟
تمتمت الجدة: ربنا يستر على البنت لما تعرف، يا حبة عيني حياتها كلها هتتشقلب
طمأنتها فتون: ما تقلقيش أكيد الدكتور هيعرف يوصلها الموضوع بطريقة ما تأثرش على نفسيتها، كمان البنت بتحبها أووي ودي أهم حاجه
طلبت حياه من الجدة أن تذهب وترتاح فالغد يحتاج طاقة أكبر مما احتاجوه اليوم، رافقتها فتون لتعطيها دواءها وتتأكد من عدم احتياجها لشئ قبل النوم.
دق هاتف حياه معلناً عن وصول رسالة نصية، فتحتها لتجدها من حمزه ونصها: "نمتي ولا لسه ؟"
أجابته وهي تبتسم دون أن تشعر: "لسه"
بعد ثواني وصلتها الرسالة التالية: "هي عامله إيه دلوقتي؟"
- "الحمدلله، اتعشيت؟"
- "لا"
- "ليه؟؟"
- "عشان إنتي مش موجوده تحضريلي العشا
"
- "هههه طب ما تحضره لنفسك .. هو سندوتش الجبنة بقى أزمة؟"
- " طب مين يفتحلي نفسي؟ .. إنتي اتعشيتي؟"
- "لا"
- "يبقى تخرسي خالص وتقومي تتعشي .. ما تعصبنيش !!"
- "ومين يفتحلي نفسي؟
"
- " بت أتلمي!، مش في الرسايل كمان حرام عليكي .. أنا على أخري وممكن أجي أخدك دلوقتي ونطلع على بيتنا كمان .. مش أوضة النوم وصلت؟
"
- "اتلم يا قليل الأدب :P "
غرقت في موجة من الضحك أتت على أثرها فتون، جلست إلى جوارها باسمة: يا سلام يا سلام ع الروقان، ما ضحكتك حلوة أهي .. كنتي حرمانا منها ليه؟
وضعت الهاتف جانباً وابتسمت: إن شاء الله مش هأحرمك منها تاني .. المهم إنتي أخبارك إيه؟ .. حياتك استقرت ولا لسه؟
لمعت عيونها بسعادة: ما تعرفيش قد إيه مرتاحة ومبسوطة دلوقتي .. بأمانة ربنا عوضني بيكوا
غمزتها: أمانة أمانة يعني ؟؟
قهقهت فتون وبرقت عينيها: أيوه أمانة
- ليكوا نفس تضحكوا من غيري ؟
نظرتا إليها بخجل، اعتذرت فتون بحياء: أسفة يا حنان .. إحنا مش ..
ألقت بجسدها المستهلك بينهما على الأريكة وهي تضحك ضحكة جوفاء، قالت تخفف عنهما الحرج: أنا مش زعلانه إنكوا بتضحكوا .. أنا زعلت أنكوا ضحكتوا من غيري .. طب كنتوا نادوا عليَّا أضحك معاكوا
نظرت لها حياه ثم نظرت إلى فتون تلك اللفتة التي تسأل هل فقدت عقلها أو أنها أعطته إجازة لفترة ما ؟؟، لاحظت حنان ذلك فبررت متنهدة: اللي خلاني انعزل وأقعد لوحدي .. إني أتوقعت كل واحدة فيكوا هتقولي معلش وطولي بالك ولعله خير .. إلى أخره من الكلام دا .. اللي لا بيقدم ولا بيأخر .. ما أنا عارفه أنه معلش .. وأنا بالي طويل ولله الحمد وحتى لو قصير هيجرا إيه مثلاً ؟.. هتدخلوا تلاقوني معلقة نفسي بكرافته نسيها خليل هنا عشان أحسسه بالذنب يعني ؟؟ .. وأنا ثقتي بالله أكبر من إني أشك أنه اللي بيحصل معايا دا مش خير
نظرت إليهما بعتاب: بس لو أعرف أنه في القاعدة دي ضحك وفرفشة أنا ما كنتش اتخليت عنها أبداً ..
تبادلن إبتسامة صغيرة، وانخرطن في الحديث حتى بكين من كثرة الضحك، في البداية كانت ضحكة خالية من الضحك .. تلك الضحكة التي تبدي أسنانك خلالها وتكون شفتيك على إتساعهما .. فقط لتُنسيك وجعك حتى وإن كان سببها أكثر الأسباب تفاهة في العالم .. لكن سرعان ما نسين كل شئ في العالم إلا تسامرهن، حنان اعتادت على الإختبارات .. لم تعد ترهقها كما السابق فهي تعلمت عن ظهر قلب أن التوكل على الله وترك الأمور لتسير كيفما اختارها هي أسلم الطرق وأكثرها ملائمة للمرء .. توقفت عن تشغيل فكرها فيما ليس بيدها، لكن ظل عقلها يفكر في أمر واحد .. كيفية إخبار خليل بما استجد.




أتى الموعد مع الطبيب النفسي بطيئاً، اختفت الضحكات كأن ألف ليلة قد مرت عليها من الشقاء ليس فقط سطوع شمس يوم واحد جديد.
توجه حمزه برفقة والديه ومي مي إلى عيادة الطبيب فيما ظلت حياه برفقة حنان في إنتظار الأخبار، جلس الطبيب في البداية معهم يتحدث إليهم ويلم بالموقف بأكمله ليحدد أنسب وضع وأسلم طريقة لتوصيل الأمور إلى عقل مي مي بطريقة يستطيع عقلها تقبله.
علق الطبيب بعد أن أنهوا حكايتهم: إمممم، هأتكلم معاها الأول لوحدنا وبعدين أقولكوا إيه اللي هنعمله
صمتوا جميعاً وخرجوا لتدخل الممرضة برفقة مي مي ضاحكة ومستمتعة بما حصلت عليه من حلوى، جلست أمام الطبيب الباسم يسألها بنبرة حانية، فهي في عمر أصغر أحفاده: إنبسطي مع عبلة برا ؟
نظرت إليه مستغربة: عبلة مين ؟
اتسعت إبتسامته: بقى أخدتي كل الحلويات اللي معاها وما تعرفيش اسمها ؟
هزت كتفيها بلا مبالاة: هي ما قالتش، وميس حنان بتقولنا إنه مالناش دعوة بحد .. لو حد عايز يقولنا حاجه نسمعله لو مش حابب نسيبه براحته
اعتدل في جلسته فقد سهلت عليه أغلب الطريق، سألها مستفهماً: مين ميس حنان دي ؟
برقت عينيها وابتسمت فرحة: دي مُدرسة الدين اللي بتديني .. وصاحبة حياه مرات حمزه بردو
نزع زوج العيون الإضافية التي توضح الرؤية أمامه وشرع في تنظيفها مدعياً عدم الإنتباه بينما يترقب ردود أفعالها من طرف عينيه: وبتحبي ميس حنان على كدا بقى ولا إيه ؟
هزت رأسها بقوة: أيوه، بأحبها أووي .. بتلعب معايا في الفسحة وبتجبلي حاجات حلوة كتير .. كمان بتحضني لما بأعيط وبتاخدلي حقي من اللي بيضايقني
ثبت نظارته: طب وهي عندها أولاد ؟
شردت تحاول التذكر ثم أجابت يائسة: لا .. أنا ما شوفتش معاها حد ولا هي قالت
اقترح: إيه رأيك لو ميس حنان دي بقت ماما .. هتتبسطي ولا تزعلي ؟
أطرقت رأسها تفكر ثم أجابت بتردد: أنا بأحب ماما سمية بس .. بس لو ميس حنان كانت ماما أنا مش هأزعل وهأبقى مبسوطة
أضافت كأنها شعرت أنها غادرة: بس بردو هأحب ماما سمية أووي
أومأ الطبيب برأسه يطمأنها، ضغط على زر بجوار يده الموضوعة على المكتب فلبت الممرضة نداءه، أمرها بحزم: خلي الجماعة يدخلوا
أضاف باسماً: وخدي مي مي وجيبلها حاجات حلوة على حسابي .. هدية مني ليها
انصرفت الصغيرة سعيدة بحصيلتها لهذا اليوم غير عابئة بجو التوتر المحيط والذي تسببت فيه، جلس الجميع أمام الطبيب في حالة من الترقب ليس لها مثيل، بعد دقيقة بدأ حديثاً جدياً: الواضح إن البنت متعلقة بيها جداً وما عندهاش مانع أنها تقبلها كأم ليها ..
أحست سمية بخنجر الغدر يندس بين طيات قلبها؛ للحظة الأخيرة كانت تقنع نفسها أن مي مي لن تقبل بأم غيرها لكن خاب أملها، سأله أحمد: يعني حضرتك شايف نقولها أمتى الحقيقة ؟
طرق بقلمه فوق سطح المكتب: لو حابين تقولولها دلوقتي مافيش مانع
هتفت سمية بعصبية: بسرعة كدا ؟؟ .. مش هتتأذى كدا ؟؟
وضع حمزه يده على مرفقها: الأحسن أننا نحسم الموضوع، ف الأخر كدا كدا هتعرف
أعاد الطبيب: زي ما قولت لحضرتك إنه هي عندها استعداد تام إنها تقبلها فأكيد مش هيأذيها دا ف حاجه
استفسر حمزه: طب ومين أحسن شخص يقولها ؟
مال الطبيب إلى الأمام في كرسيه وعقد أصابع كفيه: الأفضل تكون مدام سمية هي اللي تقول ودا طبعاً ف وجود الأستاذة حنان ..
هبت سمية واقفة بغضب: لا كدا كتير، أنتوا مش ملاحظين أنكوا بتضغطوا عليَّا بزيادة ؟؟
نهض أحمد يحاول إمتصاص غضبها حتى استكانت وعادت للجلوس فأكمل الطبيب حديثه موضحاً الحالة بشكل أكثر شفافية: لما سألت مي مي إذا كانت ممكن تقبل حنان أم ليها قبلت وبعدين بدأت تحاول تثبت إنها بردو بتحبك، كأنها بالظبط متخيلة الحالة اللي حضرتك فيها دلوقتي .. مش عايزة تزعلك منها وف نفس الوقت مش قادرة ترفض الفكرة اللي قدمتهالها .. عشان كدا إنتي أنسب واحدة تقولها لأن دا هيثبتلها أنك مش هتضايقي منها لو قبلت بالوضع الجديد .. وهيديها الأمن واستقرار أكبر
أضاف ضاغطاً على وترها الحساس: وأعتقد اللي يهم حضرتك بشكل كبير أنه ما يحصلش توتر ف أعصابها ولا إنها تبقى محتارة كأنها واقفة بين نارين وهي لسه ف العمر دا
رأى الحزن والحيرة على وجه زوجته فشكر الطبيب وودعه على وعد بإطلاعه على ما يستجد على الوضع.




الإنتظار يجعلك تتقلب على النار كقطعة لحم تتلظى فوق النار أثناء الشواء، محققاً المثل القائل "وقوع البلاء ولا إنتظاره".
كانت تروح وتجئ في توتر، حياه ومعها الجدة تنظران لها بلا حول ولا قوة، فكيف ستطلبان منها الهدوء وهما على وشك اللحاق بها من فرط عصبية الترقب.
نهضت الجدة مستغفرة: أنا هأدخل أقرا قرآن يهون علينا اللي إحنا فيه دا
بعد فترة استدارت لها حنان متسائلة: هو حمزه لسه ما اتصلش ؟
هزت رأسها نافية: لسه
أشارت إلى هاتفها الموضوع على الطاولة: طب ما تشوفيهم اتأخروا ليه !
رفضت بهدوء: هو قال لما يخلصوا هيتصل ويقولنا، وبعدين إنتي عارفه الموضوع مش بسيط ولا سهل .. دي حياتها كلها هتتشقلب ..
أومأت متنهدة: أيوه، ربنا يستر
- إن شاء الله
مرت نصف ساعة أخرى قبل أن يحضر حمزه ليخبرهم بما حدث، بكت حنان بحرقة لا تدري من سعادتها لدنو اقترانها بابنتها إلى غير رجعة هذه المرة أم حزناً ولوعة لسنين الفراق الطوال؟
الجدة متوجسة: طيب ومامتك هتقولها فعلاً ؟؟
أخفض رأسه بلا حول: والدي روح معاها وكان بيحاول يقنعها، هيفضل وراها لحد ما تلين، هما يومين تلاته بالكتير إن شاء الله
صاحت حنان بشراسة ودموعها لم تجف بعد: هي فاكرة نفسها إيه ؟؟ .. دي بنتي أنا، يعني ممكن بكل سهولة أخدها بالبوليس وبالقانون بس أنا اللي مش حابه أعمل مشاكل
هب واقفاً وقال بهدوء: بالعكس إنتي لو عملتي كدا يبقى أكبر غلط ف حياتك، تفتكري بنتك هيبقى إحساسها إيه لم تتسحب فجأة من البيت اللي بقالها سنين عايشه فيه .. لا وبالبوليس كمان ! .. هتحبك وقتها ؟؟؟
أمسكت حياه بساعدها وعاونتها على الجلوس: إهدي يا حنان، ما تضيعيش كل حاجه ف لحظة غضب، إنتي صبرتي حوالي ست سنين مش قادرة تزودي عليهم كمان يومين؟
أخفت وجهها بين كفيها: يا عالم حرام، حسوا بيا !، دي بنتي .. نفسي أخدها ف حضني وهي بنتي مش تلميذتي ..
بكت الجدة على مشهد حفيدتها، لم ترها ضعيفة إلى تلك الدرجة منذ اختفاء ميّ، نظرت حياه إلى حمزه بيأس تحاول الإستعانه به لكن ليس بيده شئ.




توقف صوت دقات الساعة المعلقة على الجدار عن الوصول إلى مسامعها، بهت الضوء كأنه يأتي من مكان قصي ليس من المصباح الواقع فوق رأسها بعدة سنتيمترات، نظرت إلى كفها وقد علقت به كتل الشعر المتساقطة بين أصابعها نتيجة تخللها لخصلاته.
بكت وانتحبت، اختفت فجأة رباطة جأشها .. يقينها .. كذلك حمدها، فلم يكتفِ مرضها بالإضافة لعلاجه الكيميائي بالعطب الذي حدث في نفسيتها وتذبذب حياتها بل أثر على أجمل ما فيها .. جدائلها الحريرية.
أرادت الإنعزال فعرجت إلى حيث صندوق الكهرباء الخاص بالشقة، قطعت التيار عن سائر الشقة كأنها تخفي شخصها بين طيات الظلام وحنايا العتمة.
وقع إختيارها على أشد الغرف إظلاماً وركعت بها تفض ما بداخلها من بكاء تحاملت تخفيه الأيام الماضية، عاد اليأس يحتل خلايا عقلها حتى أدخل فكرة لا تمت إلى الإيمان بصلة ! .. إنه الكفر عندما يطرق باب قلب نسى أن في ذكر الله يطمئن القلب والوجدان .. يعقبهم العقل.
عادت تتحس طريقها إلى الحمام، أخرجت علبة الدواء الذي وصفه لها الطبيب ونظرت إليه حانقة جاحدة حدثته نفسها الأمارة بالسوء داخل عقلها: أنت من يتسبب في عذابي، تقتلني رويداً رويداً .. تبدأ بوأد مفاتني .. لتتسبب في إحراد زوجي عني ثم تأتيني بالضربة القاضية وتُجهِز عليَّ .. لتكون تلك النهاية، لن تستمتع برؤية عذابي.
أمسكت كأس الماء الموضع على طرف الحوض حيث تستخدمه للمضمضة عقب غسيل الأسنان، أفرغت الدواء في كفها الصغير المتورم في بعض أجزاءه نتيجة العلاج.
أدنت الحبوب من فمها لكن فجأة تعالى صوت رنين هاتفها المحمول، نظرت لتجد هاتفها على الطرف الأخر من الحوض .. متى جاء إلى هنا ؟ .. نظرت حولها في يأس، لقد تناثرت الحبوب على أرضية الحمام.
رجع نظرها إلى الهاتف وبعد تفكير قررت رؤية ممن جاءت الرسالة؛ حتى إذا كانت من فادي تطمأنه فلا يقلق وينتبه إلى عمله .. فتحتها لتجد نصها كالآتي:
"مش عارفة ليه .. بس جيتي على بالي فجأة .. افتكرت أول يوم ليكي في العيادة وعدم رضاكي عشان كدا اقري الدعاء دا يا بنتي ربنا يصلح أحوالك .. اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الأعلى .. لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله"
نظرت إلى اسم الراسل لتجده "ماما سحر"، إنها السيدة التي أقعدها المرض، تذكرت حين أعطتها رقم هاتفها في حال احتاجت شئ، أعادت قراءة الرسالة عدة مرات والدموع طفر من عيونها.
اتجهت إلى الغرفة وجلست تجمع شتات بالها، وبعدما هدأ حالها إلى درجة تجعل صوتها يخرج واضحاً اتصلت بمرسل الرسالة، أجابها صوت لم تكن تعرفه.
- السلام عليكم .. مدام سحر معايا؟
- لا أنا الممرضة، أي خدمة ؟
- ممكن أكلمها ؟
- مع الأسف لا، هي مش هتقدر تتكلم و ..
سمعت همهمات على الطرف الأخر أعقبها تنهد الممرضة وقولها: ثواني هأديهالك بس ياريت ما تطوليش معاها عشان ما تجهدش نفسها زيادة
أومأت كأنها ستراها عبر الهاتف، سمعت صوت ضعيف يكاد يُسمع: آلو .. نجلاء ..
- ماما سحر ؟
- إزيك يا بنتي؟
- إنتي إيه اللي خلاكي تبعتيلي الرسالة دي ؟ .. وبعتيها إزاي وإنتي مش قادرة تتكلمي حتى !
- الممرضة ربنا يكرمها هي اللي كتبتها وأنا ملتها ..
أضافت بعد هنية من الصمت: جيتي ف بالي فجأة وقلبي كالني عليكي بس ماكنتش قادرة أتكلم فبعتلك الرسالة دي
- بس .. بس إشمعنه الدعاء دا بالذات ؟؟
- دا دعاء كنت بأقوله دايماً، بأخاف أنه المرض والشيطان يوصلوني لليأس من رحمة ربنا وإني أعمل حاجه أندم عليها بس الحمدلله
- إنتي عارفه أنا كنت هأعمل إيه لما جاتلي رسالتك ؟؟ ...
ساد الصمت لحظات عادت بعده نجلاء: أنا كنت ..
قاطعتها بحزم وإن كان ضعيفاً لضعفها: مش عايزه أعرف، دي حاجه بينك وبين نفسك وربك .. ربنا يصلح أحوالنا جميعاً يا بنتي .. مهما كان اللي كنتي هتعمليه .. إنتي خلاص ما عملتهوش يبقى تقفلي عليه وأنسيه كأنه ماكانش .. قومي أتوضي وصلي .. استغفري ربنا واطلبي منه العفو .. بلاش تضيعي ثواب الإبتلاء عشان لحظة ضعف !، صدقيني وكوني على يقين .. إنه ربنا هيعوضك بأحسن من كدا واللي ينسيكي كل اللي حصل
وبعد سلامات معتادة أعقبت ذلك الحديث نتيجة إصرار الممرضة أن هذا يكفي بل ويفيض، نهضت عملاً بنصيحة صديقتها المريضة، توضأت ووقفت بين يدي الله تطلب العفو والسماح على ما كانت على وشك إرتكابه .. راجية أن يمدها بالصبر والجلد.




مضى يومان حتى حان موعد الحقيقة ووضع الأمور في مناصبها، جلست سمية على يمين الأريكة التي تحتلها حنان وقد كاد فؤادها يوشك على التوقف من التوتر، أتت مي مي بإبتسامتها السعيدة وأجلستها سمية على طرف المنضدة أمامها وتناولت يديها بين كفيها.
نظرت سمية إلى حنان تتمنى أن تطلب منها التوقف وعدم إخبار ميّ الحقيقة لكن هيهات فقد سبق السيف العذل وأتخذت حنان قرارها.
حملقت سمية في الصغيرة وأخذت نفساً عميقاً قبل أن تبدأ: إيه رأيك يا مي مي ف ميس حنان؟ .. بتحبيها ؟
ألقت نظرها على حنان وأتسعت إبتسامتها: أيوه بأحبها أووي
بادلتها حنان البسمة فيما عضت سمية على شفتيها ولكنها أكملت: بتحبيها لدرجة إنك ممكن تروحي تعيشي معاها ؟
أطرقت ميّ لحظات تُفكر حتى اهتدت إلى قول: أيوه .. هي بتحكي حواديت حلوة أوي .. هتحكيلي حدوتة قبل ما أنام وهتلعب معايا كتير .. وهنروح المدرسة كل يوم سوا
قررت رمي قنبلتها مرة واحدة فقد استفزها موافقة ميّ على تركها بهذه البساطة: طب ولو قولتلك إن حنان تبقى مامتك الحقيقية وإنها عايزاكي تروحي تعيشي معاها هتقولي إيه ؟
بدلت نظراتها بينهما في صمت، لم يستوعب عقلها الصغير ما قيل لها، تدخلت حنان باسمة بقلق وريبة، ملست على غدائر صغيرتها: أنا كان عندي بنت أمورة أوووي، كان كل اللي يشوفها يحبها وما يبقاش عايز يسيبها .. لحد ما في يوم عيد ميلادها لما كان عندها أربع سنين روحنا نشتري حاجات لحفلتها .. وأنا بأدفع الحساب سَهتني ومشيت، دورت عليها ولفت عليها كتيررر .. بس بردو مالقتهاش ..
أكملت سمية الحكاية: وكنت أنا ماشيه ومعايا بابا أحمد، لاقينا بنت صغيرة أمورة أوي قاعدة ع الرصيف بتعيط .. ما كانش بعيد أوي عن المكان اللي كانت فيه ميس حنان .. بس عقبال ما كانت هي وصلتله والبوليس كمان .. كنا إحنا خدناها معانا، غلطتنا إننا حبناها فمارضيناش نوديها للبوليس .. خوفنا يعاملوها وحش أو مايكونش ليها أهل فتتعذب .. فقررنا نربيها ونراعيها .. بس مامتها أخيراً عرفت مكانها وعايزاها ترجع معاها .. إيه رأيك ؟
تعلقت نظرات ميّ وحنان ببعضهما، واحدة لا تظهر أي تعبير والأخر تتوسل راجية، تمتمت أخيراً: يعني إنتي ماما الحقيقية ؟
أرتعشت شفتاها وكستها دمعاتها فأكتفت بإيماءة من رأسها، ألقت ميّ جسدها الضئيل بين أحضان أمها وطوقت عنقها بذراعيها حتى كادت تفتك بأنفاسها.
لم تهتم حنان بأن تأخذ حاجتها من الهواء يكفيها وجود ابنتها بين ذراعيها بعد طول الإبتعاد، هتفت ميّ لتزيد من دموع أمها بالإضافة إلى فرحتها: ماما
بكت سمية على ما رأته عيناها، قبل الآن بلحظات كانت ما تزال مصرة على عدم معرفة ميّ للحقيقة ولكن منطق زوجها بأن الحق سيظهر في يوم ما سواء بإرادتها أو برفض منها، إنما وقتها ستكون هي الجانية وسيؤدي حنق حنان عليها أن تمنع عنها ميّ وحتى مجرد رؤيتها .. وهكذا حتى رضخت ووافقت على تلك الجلسة، وعندما رأت إنفعالات الأم وابنتها رق قلبها وأعطى قلبها الموافقة التامة لما قالته.
استدارت حياه تخفي تأثرها ودمعاتها بين ثنايا قميص زوجها، لقد أتفقت مع زوجها وحميها على الوقوف بعيداً ليتابعوا ما يحدث ويتدخلوا إن لزم الأمر فما تزال سمية غير مقتنعة وقد تقول ما ليس عليها قوله بسبب حبها وتعلقها بميّ، لكن الوضع أتخذ منحنى يُدمي القلوب ويُلين أقسى النفوس.
ردد لسان حال أحمد: الحمد لك يا الله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.




سار في الطريق المهجور حتى من كلب قد يكون مسعوراً، لا يكسر ظلمة الليل فيه إلا بضعة أعمدة إنارة على مسافات متباعدة وضوء القمر الذي فجأة أختفى خلف السحب معلناً تمرده ورفضه لإنارة الطريق أمام هذا الملعون.
واضعاً يديه في جيوب سترته وقد أخفى رأسه ووجهه أسفل قلنسوة سترته، يسرع خطاه خوفاً من أن يُقبض عليه بالجرم المشهود.
وقف في فناء مبنى جديد دلالة على أن المنطقة قيد الإنشاء وستعج بالناس في القريب العاجل أو البعيد .. أجرى بصره ذهاباً وإياباً على المحيط حتى تأكد له عدم وجود مخلوق وأن عيناً من العيون لم تلمحه .. فصعد الدرجات درجتين درجتين بنشوة قاتل يمشي في جنازة المقتول.
طرق الباب ثلاثة طرقات بنغمة معينة وبدقيقة محسوبة بين الطرقة والتي تليها حتى فُتح الباب وسمح له الفاتح بالولوج.
تبعه إلى غرفة في أقصى الشقة يغمرها الظلام كالعادة إلا من مصباح يصب الضوء عليه دون غيره وأحياناً على الذراع الأيمن لرئيسه.
حدثه فواز ببرود: عايز تشوفنا ليه يا شادي ؟
أسقط شادي قلنسوته وحك رأسه تائهاً: هو مش حضراتكوا عارفين اللي حصل بردو ؟؟
بنفس النبرة: وإيه اللي حصل ؟
- بوليس الأداب عمل كابسه ع الفندق الجديد اللي روحناه، والبت فتون هربت .. والباقيين والجداد اتقبض عليهم
- وعايز مننا إيه دلوقتي ؟
- عايز مساعدتكوا عشان أرجع أقف على رجليا تاني
نهض فواز من مقعده وأتجه إليه بتؤده، دار حوله ووقف خلفه تماماً، همس بصوت قوي مخيف: أنت بقيت كارت محروق يا شادي .. خطر ولازم نخلص منه
أرتعش جسده خوفاً من مدلول كلامه وتأتأ في الحديث دون أن تخرج منه كلمة واحدة ذات معنى.
لم يلحظ ضغط رئيسه الجالس في الظلام على زر ما أعقبه دخول رجلين من لاعبي كمال الأجسام .. أقتربا منه وأمسكا بتلابيبه.
أمرهم فواز بقسوة: خدوه من هنا وخلصوا عليه ف أي حته وأرموه لكلاب السكك تنهش ف لحمه
أطاعه الرجلين في صمت وصحباه إلى مكان لا يعلم عنه أحد ولا يُسمع فيه صرخة وإن دوت أسبوعاً متواصلاً .. كاتمين أنفاسه مانعين عنه حتى حق الصراخ.
إن الدنيا دوارة .. وكما تُدين تُدان، لقد كتم صراخات العديد من الفتيات المتوسلات منه الرحمة لكنه صم أذنه .. تسبب في قتل بعضهن وإنتحار بعضهن دون أن يرف له جفن .. هناك قاضِ اسمه العدل .. لا يرد دعوة المظلوم إذا ظُلم ولا شكوة المقهور لكنه يُمهل الفرصة تلو الأخرى فإذا تاب وأصلح فقد أُنقذ .. وإذا استمر وطلح فلا مفر من إقامة الحد عليه.




يــــــــا ريت اللي يقرأ البــارت يعلق ولو بكلمة .. عشان أعرف أعمله اقتباس لانه مش معقوله
هادور على الناس من الأول وخصوصا في ناس ممكن ما تكونش عجبتها وانسحبت وكدا هأرخم عليها بزيادة وأقرفهم
فاللي متابع وعايز يعرف إنه الجديد نزل يكتب رد



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:19 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.