آخر 10 مشاركات
الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          مستأجرة لمتعته (159) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          للقدر طرقه الغامضة - رواية شرقية زائرة -للرائعة :حنين أحمد*كاملة& الروابط* (الكاتـب : hanin ahmad - )           »          إمرأتي و البحر (1) "مميزة و مكتملة " .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          246 - عروس تنتظر الدموع - جانيل دينسون (الكاتـب : hAmAsAaAt - )           »          رواية أسمعُ عواء الهوى (الكاتـب : روز علي - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-11-15, 06:42 PM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



-

الفصل السابع





. .









































انفعالاتها العاطفيَّة ازدادت حِدَّة .. تقلُّباتها المزاجيَّة تضاعفت بشكلٍ جنونيّ ..




لَقَد أخطَأ .. لقد تمَادى في دور الطَّبيب لدرجة باتَ يظنّ أنَّه نجحَ في عِلاجها .




اعتقد بداية تلك الانفعالات أمرٌ إيجابيّ وتقدُّمٌ جيِّد ، غيرَ أنَّ تبدُّلات المزاجِ زادت عن حدِّها .. بحالات الهياج والغضب الثَّائر التي أثارت جنونه ، والتي سرعان ما تنقلِب إلى حُزن لدرجة الاكتِئاب ..






وضع وجبة عشائها الَّتي جلبها معه على المنضدة المتوسِّطة الصالة .




إنَّها الآنَ في أصعب حالاتِها التي واجهته .. تعتقد الآنَ أنَّها أَسعَد شخصٍ في العَالَم .



نوبةُ هوَس ونشاط ٍمُفرط .. للحدِّ الذي تعتقد أنه بإمكَانِها العيشَ دون نومٍ وطعام .. يرافقهُ نشوةٌ هيستيريَّة تُشعره أنَّها استَنشقت كِميَّة من الحشِيش أو نوعٌ من المخدِّرات .





أطبقَ يديه على كَتفيها يوقف سيرها ، ونزع عن أذنيها السَّماعة التي تظل متشبِّثة بها رغم شكواها الدَّائمة من آﻻمِ اﻷذُنِ التي تُخلِّفه .




- يالله العشاء .


- اوص ! لا تقطع تركيزي .




ألقى نظرة على صفحة المادَّة الجامِعيَّة التي لا تزال عليها منذ السَّاعة التي فارقها ثُمَّ خطفه وألقى به لأقربِ مقعد .



جرَّها إلى حيث الوجبَة السَّاخِنة في انتظارِها ، ولحَظات ودخلَا في إحدی جولاتِ المُصارعة التي اعتادَ في الأيَّام الأخيرة .




يُجبرها على الابتِلاع بينما تنوحُ وتبكي .. تشكي له حنجرتها المسدودة .



ومَا أن استقرَّت آخر لقمة بمعدتها وأفلتها في لحظة غفلة .. قفزت هاربة .



لكنها عادت إليه تبحث عن سائلٍ يدفع اللُّقمة الوهميَّة العالِقة بمنتصف حنجرتها .



فاقتنصَ الفرصة وقبض رسغها قبل تهرب مجدداً تكمل نشاط تجوالها ، مخرجاً شريط الأقراص من مخبأ سترته .






نفت برأسها ويديها بابتسامة بلهاء لا معنى لها .


- .. لا لا .. مافي جن ..




إلا أن القرص استقرَّ بمعدتها بلا مُمَاطلة ، ثم أطلق سراحها لتهُمَّ عليه باللَّكمات فيما تلومه كَيف يجرؤ ويهدرَ وقتها الثَّمين بالنوم متوعِّدةً إياه برفع قضيَّة بتهمة الاستيلاءِ على الوقت .

واسطَاعَ التخلُّص منها بإعادة سمَّاعتها البيضاء حول عنقها دسَّ كل طرف في أذنيها ، فحرَّرته تنسحب .. تلتقط مادتها الجامِعيَّة تدفِن وجهها بين صفحاته بتركيز ظاهريّ .




واكتفى بمراقبتها يعبث بلحيته القصيرة يتبعها تجوب أنحاء الشقة ، تنهَّد بقنوط وهو يراها تتعثَّر وتقع أرضاً .. بعد أن زُلَّت قدمها عن المقعد الذي كانت تخطو عليه ، ومن ثم تعتدل وتقف وكأن شيئاً لم يكن .






- متعب ، عندي أمنية .



- وش هي أمنيتك حبيبتي ..



- من زمان ودي أتعلق بمروحة سقف ،

بس الحين ماعندي مروحة .



- طيب ؟ وش كان مانعك تحققين أمنيتك هذاك الزمان ؟



- ماتعرف مرضي ؟



- أشوف فيه تقدم .



- بس مروحة السقف عالية .. بالسقف !





حكَّ فكَّه الحَاد بطرف سبَّابته وقد انشغلَ بهاتفه .



- دبّر لي مروحة سقف متعب ، وساعدني أتعلق .






رفع بصرَه بعد أن عاد صمتها يسودُ أجواءهما .






- وش تسوين ؟




رفعت رَأسها إليه وبِالكَادِ يرى عينَيها من بينِ خُصُلات غُرَّتِها الثَّقيلة .






وردَّت بصوتٍ رَزِين مثل راهِب بُوذيّ منشغل بعبادته .




- فيني كهرباء ، أفرغه .





كانت قد وضعت مَا بِيديها جانباً ، تجلِس وساقيها جانِبَيها كَجناحين .. تلصق راحتَي يديها ببلاط الأرضيَّة .





- ما شاء الله ، ومن وين لك هالمعلومة القيمة ؟




- كونان قال .




- أقول روحي توضي وصلي لك ركعتين ،

لو بتفرغين الكهرب صدق بلا كونان بلا خرابيط .





استأنَفت نشاطها الخاصّ بتفريغ الكَهرباء مُهمِلةً نصيحته في تفضيلٍ لمُهمَّتها الحاليَّة والسَّهلة .




بدأت أعراض الخمول والكسل تتسلَّلها .. ظاهراً في نشاطها الذي خفت ، ولسانها الذي بدأ يثقل فيما تقرأ تارَّة السُّطور بصوت جهوري قراءة مليئة بالعثرات والأخطاء ، وتارَّة تردّد مع الإزعاج الذي يصدح بأذنيها .




- تعالي من الأرض ، بتبردين .



تجاهلته تكمل قراءتها الثَّقيلة الغير مفهومة ... إلى أن سقطَ رأسها ، فوجد نفسه ينتشل جسدها الضَّئيل النَّائم من بُرُودة الأرضية المُثلجة .. ينقلُها إلى سرِيرها .




عاد إلى الصَّالة يزيلُ مخلَّفات الطَّعام عن المنضدة ، أعَاد قنِّينة الماء إلى ثلَّاجتها الصَّغيرة التي نقلها إلى الصَّالة بالإضافة إلى عبوات العصائر والحليب وبعضا ًمن الفاكهةِ والخضار التي جلبها معه .



واتَّجه بالأواني المُتَّسِخة إلى المطبخ المُغلق ليعود بأواني بديلة نظِيفة ، ثمَّ حرصَ على إغلاقِ المطبخ قبل مغادرته شقتها الصغيرة ... بوداعٍ هامسٍ آمِلاً بيومٍ جديدٍ أفضَل .




























. . .





























كان آخر أسبوعٍ يُداوم به طُلَّاب الجامِعة قبل حُلولِ عُطلة عيد الفصح .



وكان آخر أسبوعٍ له معها ... قبل أن ترحلَ لزيارةِ والدتِها الرَّاحِلَة ، التي صوتها يَزداد وضوحاً كُلَّما اقتربت من رُوحِها كَما تحتجّ .





تكشِيرة الغَيرة تطغى ملامِحها المُشمئِزَّة كأنّ أحدهم ألصقَ سمَك متعفِّن أسفل أنفِها .



فيما كان يحاول مُوارَاة ضحِكاته وابتِسامَاته التي توشك أن تفضحَه .




يُمكِنها أن تغَار .. !





شعورٌ جديد يكتشفه بها .. لم يكُن على علمٍ أنها تدرك شعوراً يُسمَّى بِالغَيرة .. شعورٌ لم يتخيَّل أنه سيجرِّبه منها ..





انتهَت الشَّقراء من وضعِ لمَساتِها الأخيرة ، ثم ابتسمَت برِضا .. مُطلِقةً هتافاً مُشجِّعاً ، ما ضاعَفَ من تكشيرة الطِّفلة الغيُّورة .




أعاد نظَّارتها الحاجِبة إلى عَينيها اللَّذين اكتمل سحرُهما وأكملَ إخفائها بقُبَّعةِ سترتها الرَّقيقة ولم يبقى ظاهراً سوى شَفتيها المتألِّقَين بلونِ أحمَر الشِّفاهِ الفاتِح بِلَونِ الزُّهُور .





وما أن افترَقا عن الشَّقراء فُكَّت عقدة لسانِها .





- أحس إني غلط .



- تخققين .. مثل اللعبة طالعه .. !




لامَت بِبغضَاء : مالقيت إلا هالشينة تجيبني عندها ؟




استسلَم للضحِك مُستمتعاً بغَيرةِ المَرأة خاصَّتها ، ثم احتارَ في إن كَانت تدرِك حقاً الغيرَة التي تشتعِلها .





- ترى سمعت أفكارها متعب ، هالابتسامة والطيبة مزيفين صدقني ..

سمعتها .. تقول وش شايف فيها هالشينة ..

تقول عن حبيبتك شينة متعب !



- مالشينة إلا هي .



- كذاب ، أقص يدك لو ما خقيت عليها يوم !



- ليه يدي ؟!



- أنا مو غبية متعب !



- صدقيني يا حلوتي .. حتى لو شينة ..

أنتي عندي أحلى من ملكات جمال أوكرانيا !



- شينة أجل .. خاق مع أوكرانيات أجل .. لا تكون هذيك أوكرانية ؟

يا خسارة فيك دقايق اللي فرشت أسناني كان مداني أحقق فيهم إنجازات .



- ارحمينا يا دونالد ترامب ، ياللي أكبر مشاريعك تختمين أنيمي .



تعرقلت في سيرِها عندما حاولت إبعاده بضيق : خلني أتنفس !




غيرَ أنَّهُ تشبَّثَ بها بِحزمٍ ، إذ كَان يُحاوِل إخفائِها عن الأعيُن .



- الروج بيخرب .



نبَّهته فيما تُبعد طرفَ قبعتها عن شفاهها المُلوَّنة التي يحاوِل حجبها بجذبِه .




- اكتشفت إنك نفسية متعب .





أطلقت أنين تألُّم حين دفعها بداخل سيارته بخشونة في لحظة شرود ، فبادر باعتذارٍ صغير لطيف متعذِّراً بسرحانه العابر .




- متعب أبي أمسح ، ثقيل ما أعرف أتكلم .


- ليه ما خليتيها ترسم الكحل؟




رسمت ملامح الامتِعاض على ملامحها .


- يا دوب مستحملة الماسكارا ، كأن أحد جالس على رموشي .

وخر .. بأقفل الباب .




سألت فيما يستقلّ مقعده .




- وين ناوي توديني ؟ حفل ؟

ترى ما عندي لبس مناسب .



- ضحكتيني ، أنتي وجه حفلات ؟



- ليش هالقلق كله أجل ؟



- أنا إنسان أحب التغيير .



- تبي تقول مليت من وجهي؟



- ! yes

فلأجل كذا حاولي تهتمين بنفسك ، علشان ما أناظر غيرك .



- تكفى يازوجي ! اشبع بالحريم محد ماسكك ..

متعب ما تلاحظ إنك مزودها ؟ شوي وتعيش معي .

شكلي لازم أكلم بابا عشان يوقفك عند حدك .



- أظنه الحل المناسب ، أتمنى تستعجلين لأن صدق شكل موعدنا مع سريرك قرب .






قطع سكون الصمتِ استِنشاقاتها .. والشَّهقات المُختنقة .



تعمَّد التَّجاهُل ، لن يفعَل سِوى يزيدَ الأمر سوءًا بتدخُّله .





- .. ألو بابا ...

.. واحد يتحرش فيني ..

... خطفني ...

.. رقم سيارته ....




خطفَ الهاتف بعينينِ جاحِظتين ، وبذل جهداً للتركيز لإغلاق المكالمة بيد مرتجفة ، ليكتشف في النهاية المكالمة المخادعة .



وَلم يجد سوى بِيده العملاقة كادت تقتلع رأسها من مكانه .. مع اقتلاع النظَّارة المتحطِّمة .






حلّ محلَّ نار الغضبِ حالة هلَع فيما يرى حدقَتيها تائهين يدوران في مقلتيها كَالعمياء برأسها المُستند بثقلٍ بالمقعد .






أسرعَ بنقلِها بين ذراعيه غير أنها فقدَت وعيها في الطَّريق .











شعرَ بأنفاسِها التي اضطّربت ، والحركَة الطَّفِيفة .





رفع رأسه المحمرّ لهفَة .





كانت مُغمضة .. مُسدلة الأجفَان .. تمسك رأسها بتألم ..





قامَ يمسِّدُ لها مكانَ الألَم .. كَما لو بإمكَانهِ إزالة الألَم عنها .





لا تزال سرِيعة الإدرَاك .. رُغم وضعِها .. ورُغم دِماغها المُهترِئ ..





ورغم الصاعقة التي أصابت رأسها ..





كانت تحاول النُّهوض عنه .. تطلُب الابتِعَاد .




لبَّى طلبها ، وأعَادها إلى مكَانِها .





راقبها حتى استَعادت حواسّها ، وفتحت أجفَانها .






ليُعرِض وجهه عنها ، لا يجرؤ مواجَهتها .







- الله يقرفك .





التفت بتساؤل ، ليجدها تتخلص من البحار المالحة .. بكنزتها التي لم تسلم من البلل كذلك .







انتظر متردداً ... بين أن يحرك السيارة ، وبين إن أصبحت مستعدة للحركة ..





إلى أن تلقّى تعليقاً جافاً منها تسأل عن سبب الانتظار .







دقائِق ... وصار بصَره يتبعها .. فيما تختفي بداخلِ المبنى .





افترقا دون يتبادلا كَلمة ..





ودون يُكلِّف نفسَه عناء اعتِذار ..

































. . .


































هل هذِه رجفةُ الاشتِياق ؟






ليته يمتلك تقنية التنبُّؤ خاصَّتها ..





لا يُصدِّق .. !





رحلَت دون تمنحَ له فرصة لِاعتذار .. أو حتى وَداع ..







سَار في عتمةِ الصَّالة المهجورة .






اقترب من بابِ حجرتها المُغلق .






نادَى بحُرُوفِ اسمِها بأمَلٍ يائِس .








فتحَ الباب..






أيُعقل أنَّ الأوهام مُعدية .. ؟





عاوَده الهتَاف الضَّعيف المُنادِي باسمِه .







تذكَّر أن هناك مايُسمَّى إِضاءَة .. بعدمَا عَانى وهو يبحث عَنها في الظُّلمة .




آليَّاً أعاد إغلاقَ الأضواء حين سمِع صَيحة التألُّم الرَّافِضة .





حدَّد مكَانها .






اقترب وقد ميَّز صوت أنفاسِها المُضطَّرِبة .






- وفاء ..




همسَ كَمن يُنادي شبحاً .






تعلَّقت بسَاقِه تَحتضِنه .






رَفعَها عنِ الأرض برِقَّة بالِغة .. يُجلِسها علىَ السَّرِير .






- تأخرت متعب ...





- وش تسوين هنا ؟





- غبت ليش ...





- جاوبيني ؟





- أكلوا وجهي .. متعب .






توَّقف تفكيرَه فجأة .




لكنَّه ردَّ بهدوءٍ مُطَمْئِن .





- الجن ما تاكل وجيه .. وفاء .





- وين وجهي طيب متعب ؟





استشعرت أناملهُ تقاسيمها الصَّغيرة .





- وجهك موجود حبيبتي ..





- .. المراية فيها جن ..

.. صح متعب .. ؟




- صح حبيبتي .






- شي غريب متعب .. أنا خايفة ..

أحس إني ميتة .. أنا حية متعب ؟

والا ميتة ؟





قرصَ وجنتها بقوَّة .





تألَّمت بأنينٍ منخفض .





- تعورتي ؟





لامسَت خدّها تُدلَّكَه .





- إذن أنتي حية وفاء .





- طيب والميت ؟

يتعذب بقبره ويتعور .





- عند الميت الروح تتعور .

أنتي الحين تعورتي مادياً .. فمهتي علي ؟





- مادياً يعني جسمي ..





- ذكية حبيبتي .. صح ، اللي هو جسمك .





- تبيني مادياً متعب ؟






قبَّل قِمَّة رأسهَا بحُبٍّ واعتِذَارٍ ، قبلَ أن يُجيب .





- أنا أبيك روحياً وفاء .





- أنت زعلت علشان مادياً متعب !





- وفاء ، غيابي ماله علاقة باللي حصل .





- ايش من ظروف تخليك تغيب شهر ..؟





- .. حبيبتي أسبوع .. مب شهر ..





- كانت أيام طويلة ...






ابتعد .. يهبط ، ويستقرّ جالساً قرب قدميها .






- ايش من ظروف تخليك تغيب شهر ..؟





انحنت تهبِط ، تجلس بجَانبه .






- أسبوع يا وفاء .





- تكلم ، اخلص !






- كنت محتجز .






عاد السُّكون للمكَان بصمتها .






- مخدرات ؟





- وش فيك وفاء؟ قلت تبت !





- اطربني بمصيبتك الجديدة طيب ؟





- مخالفة بسيطة .





- مخالفة بسيطة وشهر ، كذاب .





- قلت مرّ أسبوع !





- حتى لو أسبوع .. مو شوي ..

أنت سويت مصيبة كبيرة ..

وش سويت متعب ، اعترف ... !





- ليه مارحتي لأبوك؟





- متى تبطل مصايبك متعب ...؟





وضع راحةَ يَده على ركبَتها يُهمهِم بحروفٍ لم تميِّزها .






قطَّب جبينَه عند إدراكِه لشيءٍ مَا .. لم ينتبه لهُ إلَّا الآن .






رمَت بيده بعيداً جفِلَة ، إلا أنه عاد يتحسَّس فخذها المُثلج .






- وش لابسة وفاء ؟





خمَشت يدهُ هذه المرَّة بشراسَة نمِرة تُدافِع عن حِصنِها .





وابتعَدت بحِدَّة .





فأعاد سؤالَه بصِياغة أخرى .





- المزحة ؟





- اطلع ، بأبدل .





- قلتي رميتيه .






أعادت أمرَها هذه المرَّة بنبرة توشِك البُكَاء .





- وش كنتي ناوية عليه وفاء ؟

من متى وأنتي كذا ؟ جسمك متجمد !








صوَّبت وِسَادةً حانِقةً نحو وَجهه .





فنهضَ لكِن لم يرحمَها من تساؤُلاته المُحرِجة .





- اعترفي وفاء ، كنت تنتظريني .. صح ؟






أطلقَت صَرخة يَأسٍ .






- خلاص ، خلاص ، رايح ..






واستدارَ ليغادِر .






- جب أكل متعب ، جيعانة ، خلص الأكل بالثلاجة .






انفجرَ بغضبٍ هائج .





- ليه مارحتي لأهلك ؟





- لا تخاف .. ما بموت جوع ..

كنت آكل كثير .. علشان كذا خلص ..

عمرك شفت حزين ياكل متعب .. ؟





- أبوك هذا ليه ما جاء ياخذك مثل كل مرة؟






لَمْ تنبِس بحرَفٍ .






أطلقَ شتيمةً في الهوَاء يُغادِر بعَصبِيَّة وفي نيَّته إحضارِ متجرٍ متكَامِل لشقَّتها احتياطاً لأيِّ طَارِئٍ خارجَ التوقُّعات .






لكِن طرَأ ذِهنه خاطرٌ مَا .. أوقفَه قبلِ تجاوُز حُجرتِها .






استدَارَ ، وَلحَظاتٌ .. وأُضِيئَت الحُجرَة ، لتنَطلِق صَرخَة الهَلع والاستيَاء .





اغتنمَ فرصَة غفلتِها بمُفاجأة الضَّوء بصَرَها الذي اعتَاد الظَّلام بِلَا تنبيهٍ .





ثُمَّ سرُعانَ مَا غادَرَ بكُلِّ هُدُوْءٍ قبلَ أن تُعلِن النَّمِرَة الشَّرِسَة هُجُومهَا .


































. . .

































- وفاء ..





قفزت علی همستهِ من بين أنفاسِه المتحشرجَة التي ضربت عنُقها ، وجعلتها تفقأ عينه بلكمة آليَّة .




استقرَّ علی المقعد الطويل جانبها ويده تغطِّي عينه بتألُّم صامِت .





ألقى نظرةً عليها وجدها متقلِّصة ، ترمقه من طرفِ عينها .. بقلقٍ وتأنيبِ ضميرٍ غريب .






رمىَ لها بنظَّارتها التي أرغمته على العودة وجلبها من السيَّارة .




أشار بإحدی حاجبيه إلی الكيسِ بين يديها .





- متى تعلميني وش مخبية ؟





- بنروح هناك .. وراء ..





أشارت إلى جذعِ شجرة قريبة تطلب الاختبَاء من الأعين .





راقب بشكٍّ وفضول وهي تحلّ عقدة الكيسِ البلاستيكيِّ المهترئ ، ثم بها تخرج طبقا دائريَّاً مغطیً بطاسة ذات لونٍ كئيب.





- شفي لو يطلع اللي ببالي يمين بالله تندفنين تحت هالشجرة !





بلامبالاة تسأله : مستعد ؟





دارت به الهواجس وانفلت لسَانه على غيرِ هدى .





- قسم راحم حرمة أبوك ، تَو أفهم معاناتها .





إَّﻻ أن فمه فُتِح انبهاراً حين أزالت الغطاء فتراءَت أمامه قطعة من كَعكِ الشُّوكُولاتة شهيَّة المنظر .





سأل منذهلاً وقد تحضَّر اللُّعاب لِلسَّيَلان :




- هذا لي ؟





تذكَّر وتدارك مقطباً : وشلون وانا قافل المطبخ ؟





الآن فقط ينتبه للعينين الحادَّتَين مع شبحِ التَّهديد الذي يكتنفهما .





- رحت عند بابا أمس .





وتابعت بنبرة كَالثَّلج في برودته .





- نسيت أجيب شوكة أو ملعقة ، كل بيدك .





- طيب ممكن أعرف مناسبة هالإهداء .





تملمَلت بانزعاج فاختارَ تجاهُل الأمر .






وانشغل بالتهام الكَعكَة السَّوداء .





تحدَّث بفمه الممتلئ مغمغِماً : Delicious !!





لعق شفتيه الملطَّخين بعد انتهائه من مهمَّة القضاء علی قطعة الكَعك .





- THIS IS A SHOCK !

للحين مب مستوعب ياخي تصدقين ؟

مب لابق عليك لقب شيف .






لحظة تهور أخرى جعلته يُكافأ بقناعٍ للوجه من بقايا الكريمة بالطبق الفارغ .. أفرغت به كل ما اجتمع بداخلها من غضَب .





- تبين مضاربة .






يتَّضِح أنَّها استشعرت الخطر .





لكنَّها حاولت استجماع شجاعتها تنوي مواجهته ..








وبِلَا فائدة فقد غلب قلبها الصَّغير الهَلع ، وقفزت للهرب .









- فيه ناس !





أوقفها عمَّا نوَت بالتَّنبيه المُحتَال .








باتَ منظرها يُطبِّق المثَلَ عالِقٌ بين نارَين .








- أنا آسفة ..





استغلَّت الوسِيلة الباقية الوحيدة للنَّجاة من برَاثِنِه .







إلا أن شُرَارَات الخطَر لم تزل تنطلِق من عينيه جاعلاً إيَّاها على حافَّةِ الانهيار .





- وش تسوين ؟




- . I'm Dead







أرخى ظهره إلى جذع الشَّجرة يُصفِّي غليانَ صدره بتنهيدةِ إرهاقٍ طويلة .





ألقى نظرة عليها بجُثَّتها المتمَدِّدة ، ثم التقط طرفَ سُترته يمسح وجهه الجامِد .







- ربك ستر ، اسجدي سجود شكر .



- وفاء ميتة ، ما تقدر تجاوبك .





تكَلَّمت مثل إنسانٍ آلي مقلدةً روح ميَّتة .






لكن وجدت نفسها تُبعث من المَوت بعدما اقترب من جثَّتها المتصلِّبة ، ينتزع العازِل المُزعج عن حدقتيها المعلَّقين بالسَّماء ، ومن ثَمَّ بلُزوجة الكريمة القشديَّة تطلي بشرتها .





- تتوصخين مثل ما توصخت .. يا حلوة .





ثم ابتعد بهدوء يتمعَّنها بعينينِ مُلتمعينِ مُستمتعَين .





بقيت جالسة ترسل بدورِها شرارَات الغضبِ في حين عاد لإكمالِ تنظيف وجهه .






- هات جاكيتك .





صوَّب سترته لتقعَ فوق رأسها .





- أبشر بالانتقام .



- ما تشبعين انتقامات ؟

خلي قلبك أبيض .







حملق بها حين لفت انتباهها شيءٌ غامض سقط من الشَّجرة على رأسه ، جعل يده ترتفع تلقائياً إلى كومة شعره يتفحَّصه بتوَجُّس .






تنبَّه للأمرِ حين رأى شفتيها تتحركَّان بصوتٍ باهت .





- تفاحة متعب !





ثم بها تهتِف : متعب كله تكفى ، مو ناقصين قوانين !





- خليني أقدر أشوفه عشان آكله .





ندِم على سخريته المتهوِّرة عندما تصلَّبت أطرافها .






- جني ؟






نهض من مكانه فيما رأسها تبع التُّفاحة الوهمية التي سقطت من فوق رأسه تتدحرج أرضاً .





- وفاء قومي نتمشى ..





قال وهو يُزيل السُّترة التي لم تزل تتدلَّى من قمَّة رأسها ، وبدأ بتنظيف وجهِها برِقَّة بينما حدقتاها مثبَّتتان على التُّفاحة الخارِقة .. التي بدت تقفز مثل كُرة مطَّاطية مع حركَتَي مقلتيها اللتين تصعدان وتهبِطان بتركيز .















ارتاحَ بعد أن أطلقَ عنانَ ثرثرتها وإشغالها عن كل ما حولها من منبهات سواء وهمية أو حقيقية كانت .. جعلَ يتمتَّعُ بعثراتِ لسَانِها وتلعثُمات حُرُوفِها الذي يعشَق .. فيما أنامله المناقِضة في المَشاعِر .. نادِمَةً تتحسَّس بقايَا الكَدمة التي تحتلّ نصف وجهِهَا .. كَدمةً تابع تلوُّناتِها خلال الأيَّام الفائِتة بقلبٍ منقبضٍ مُعتصر ..






- إيطالي ؟ ليه ؟





- اسألي نفسك .





- متعب .. أحس كنت أفتح .





عبَّرت تمسح سُحنته الحِنطيَّة بتأمُّل .





ثم حاولت الإجابَة على سؤالها السَّابق ، مفكِّرةً ببُطء :




- يمكن عشان كنت شرير ؟

يمكن تخيلتك مخبي سكين وراء ظهرك ؟





- ظلمتيني .. ماني بهالعنف .





- وهذا ؟ ايش تسميه .. حنان ؟





قالت برِقَّة تتلمَّس أصابعه المُداعِبة لخدِّها ذو الجانِب الدَّاكن لتنجحَ في إثارة ربكَته .




- ترى لاحظوا متعب ..





أعادت وجهه إِليها ليوَاجه نظرَاتها .





- سألوني متعب ..





- ضيعتي فرصتك ، تستاهلين .





قال متصنِّعاً القوَّة رغم التشوُّش الظَّاهر عليه .





- ناظرني متعب ...





صدَّ بوجهه عنها بعصبيَّة ، في مُحاولة لإخفاءِ ضَعفه .





- أقولك شي متعب ؟





- لا ، اسكتي .





- من أول يوم عرفت أنانيتك وفهمتها ، قلبك مخزن أنانية مريضة يا متعب .

أقول لك شيء ثاني متعب ؟





أطلق زفرةَ ضيقٍ طويلة وكأنَّه يعبِّر عن ضجَره ورغبتهِ فِي أن تخرَس .






- أنا شردت أمس .





أعَاد بصَره إِليها ، يَرمقها بحدَّة .





- يخططون عليّ .





- مب أبوك رجعك ؟





- شردت قلت !

ما رجعت الشقة ..

خفت يلحقوني ..





حملقَ بغيرِ استيعاب .




- لحظه لحظه ، وشلون ؟ أنا جيتك وأخذتك بنفسي .





أجابت بغير اكتراث كَاد يصيبه بمسٍّ من الجنون .




- رجعت .. لما دقيت .




- نمتي وين ؟!




- لقيت سطح مهجور .. قريب .




تابعت تسأله بلهفة :

- كيف الكيك متعب ؟ خفت يخرب بدون ثلاجة .





خلخَل أصابعه بشعره بوجهٍ شاحب وعينينِ زائغتين .. جنونه وشيك ..





- متعب !

. Relax, take it easy

متعودة متعب ، لا تخاف .





هَتَفَ بِثَوَرَان : متعودة ايش ؟!!!!





- متعودة ، لكن هالمرة شرود نهائي .. ماني راجعة .






بصُعوبة استجمَع شتات نفسه .






.. يجب أن يقدِّر حالتها ..





.. يجب أن يهدَأ ويقدِّر حالتها ..






أخذ نفساً عميقاً .







- وين بتعيشين .





- أنت موجود متعب ، أنت بتساعدني .

دبِّر لي مكان متعب !





- ارجعي لأهلك ، المواضيع الشخصية هذه ماني مستعد أتورط فيها .





- .. حبيبي .. تكفى .. أثبت لي حبك .. هذي فرصتك !





أزالَ يديها الأنانيَّتين عنه ببرودٍ وجفاف أشعلَ الغضَبَ في عينيها .







- كذا !

طيب ، مع السلامة .





ونهضت راحِلة ، دون يهتزّ له رمشاً .






كانت تقلِّد حركَته كُلَّما غضِب وترك لها الشَّقة .






اكتفى بمراقبتها تبتعد ، دون يحاول تتبعها .






تعثُّراتها تزداد إذا طغاها الغضب ، تحول كَخطواتِ طفلٍ رضيع يتعلَّم المشي .






كاد يقفز يودُّ التقاطها حين أوشكَت السُّقوط لكنه أجبر نفسه على الثَّبات .








- وش تبين ؟




تظاهر بالبرود قائلاً .





وجدها تفتح يدها طالبةً نظَّارتها بفمٍ ممدود متذمِّر .





فمَدَّ لها بطلبِها التي عانَت العَودة من أجلِه .





لكنها ظلَّت ساكنة مطأطِئة .






- تنتظرين شي ؟




لم يبدر منها حركَةٌ أو كَلمة .





- أنتي حرَّة يا وفاء ، يالله انطلقي .

هذا اللي تبين تسمعينه ؟





صاحت بلَا نافيةً .





- وش تبين أقول أجل ؟






اقتربت ببطء حتى التصقت به .





لكنه تصنَّع التَّغابي ليغتنمَ الفرصة في التحديق بوجهها الخجُول المُطأطِئ .






- أنا بأحميكِ وفاء ، أنا بطلك .

هذا اللي تبين تسمعين ؟






مسحت خِلسة قطرة الدَّمعة التي انحدرت على وجنتِها .






- بيخطفوني .





- أهلك ؟





- بينوموني .





تقدّم باهتمام مقطباً .




- قالوا لك هالكلام حبيبتي ؟





نفَت برأسها .




- سمعتهم .





- بينومونك فين قالوا ؟





- .. ما أعرف ..

.. بس بينوموني ..

.. بيخطفوني ..





- وين أبوك الطيب والحنون ؟





- متى قلت حنون !





- تقولين طيب ومتفهم .





هزَّت رأسها بقوَّة .




- ما أعرف .. بس قالوا بينوموني !









بِغَضِّ النَّظر عن إن كَان ما سمعت حقيقة أم وَهم ..





لطالما تساءل إن كانت عائلتها ، أو أحد أفرادها على إدراكٍ بأعراض الفتاة .






انشغلَ بالتَّفكير ، بينما يده تمدُّ رأس التعيسة بالدِّفء ..




بعد أن استسلمت للبُكَاء مسندةً جبينها المرهق بركبَته .






إن كانَ ما التقطت أُذُن الفتاة حقيقة .. هذا يعني نهاية العالم لديه !











* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-11-15, 12:11 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

. . .

-
الفصل الثامن


. .

نفث الدخان .. يرسم سحابة في الهواء ..

واستمر في التحديق .. كما لو يتخيل السحابة شكلا ما ..

كما يتخيل الطفل الغيمات السيارة في أشكال من صنع خياله ..

من يراه يحسبه ويُخيَّل إليه شاب لعوب .. فارغ القلب .. خالٍ من الهموم ..




وكأنما ﻻ يحمل الهموم سوی الكبار والمسنين !

الطفل .. وهو الطفل .. قد تجده بائسا .. يحمل هموما أكبر من هموم مسن ..
لم يسخر دائما من هموم الطفل .. الطفل ذكر كان أم أنثی ..

هو رجل أو امرأة في هيئة طفل ..




الطفل يتألم كما نتألم ... الطفل يشعر بالوحدة كما نشعر ...




الطفل يمكنه أن يشعر بأنه منبوذ أو غير مرغوب .. كما يمكننا أن نشعر .. فيلجأ للابتعاد .. واﻻنطواء ..



الطفل مثلك أنت أيها الكبير .. إذا آذی قلبه أحد .. حبس دمعته .. في انتظار أن يختلي بنفسه .. حينها ينفجر في البكاء كطفل حقيقي .. وحيدا .. ﻻ يشكي ..

الطفل يفرق عنك أيها الكبير .. في أنه ﻻ يشكي .. يتألم بصمت .. يبكي بصمت .. ينزف بصمت .. ﻻ يعرف للشكوی طريق .. لماذا ؟



ﻷنه محرج .. ﻷنه يخشی الرفض مجددا إذا حاول الشكوی أو طلب المساعدة ..



لذلك .. يجب أن تعترف أيها الكبير .. أن همومك لا تفوق هموم الطفل الصغير .. بميزة أن لك لسانا يشكي .. تشكي وﻻ تمل .. تظل تشكي وتشكي .. وكأنك المهموم الوحيد في العالم ..



فلتخرس وتريحنا أيها الكبير !



















. . .






















كعادتها تتصنع النوم في حين موعد عودته .





تقدم بعد أن وضع كيس وجبة العشاء بالقرب ، يقترب صوب الأريكة التي تستلقي دافنة وجهها خشية يفضحها .





وانحنى بقبلة سلام روتينية على كتفها المتشنج .





ثم ابتعد بالتنبيه اليومي المعتاد .





- تعشي قبل تنامين ، تصبحين على خير .













".... حتى أنت .. يا بروتوس ؟ ...."





آخر عبارة يسمعها ..




آخر عبارة يسمعها بصوتها الحقيقي ..




كانت قبل اقترانهما بثلاثِ أشهرِ ..








فليأكل ما جنته يداه ..




كان على علمٍ بالنتائج ..




لم يجبره أحد على اتخاذ الطريق ..










هتفَ منادياً باسمها .



انتظر بصبرٍ فارغ .


ثم خرج إليها ليجدها لا تزال تقاوم خمولها ، تحاول الاعتدال والجلوس .


ليسيطر عليها الارتباك والتشوش فور رؤيته شامخا أمامها .


ومع كل خطوة يتقدم كلما يتضاعف توترها .


هبط يجلس على قدميه مواجهاً لها ، وتكلم بعفوية مع اعتياده على نظراتها الهروبية المرتاعة .





- حبيبتي ... أمك تبي تشوفك ..


حددي وقت تكونين مستعدة ، عشان أضبط الحجز .




تمحور الرد بتلك النظرات التي ازدادت ارتياعاً .



- كلها يومين ونرجع .


ارتفعت يدها المرتجفة تحاول خلسة مسح قطرات التعرق الذي ملأ عنقها ووجهها الشاحب شحوب الموتى .



- الأسبوع بعد الجاي ، وش رأيك ؟

ثم أنقذها أخيرا من الصراع الذي تعانيه ، باقتراح منه :

- جاوبيني برسالة ، مع الموعد اللي يناسبك .

سرق قبلة من وجنتها الناعمة المثلجة .

وذكَّرها بتناول العشاء قبل أن ينهض مغادراً للنوم .





كثيراً ما أخذته المقارنات في كيف كانت ستكون المرحلة الجديدة من حياتهما لو كانت بشخصيتها العفوية السابقة .


شخصيتها العفوية والشقية التي كانت عليه .. في مرحلة انتكاستها وقبل عودتها للعلاج .. نعم .. انتكاسة .. !



الأشهر والأيام الطويلة التي عايش معها معاناتها وكوابيسها .. ما كانت إلا انتكاسة ... !



بل من أشد حالات الانتكاسات التي مرّت بها كما وصف خالها ..


وخالها من يكون ؟ .. لم يكن سوى الوالد الذي تدَّعي لمجرد المحافظة على كبريائها أمامه ..



أغضبته بحقّ ... لكن ... لربما يشفع لها اعتباره بمقام الوالد ، الذي حل محل والدها المتوفى وتكفل بتعليمها وتربيتها ، وبما أنها اعتادت مناداته بالوالد .



لقد قلبت حقائق حياتها رأساً على عقب !




ألقى بنفسه على السرير بثيابه الكاملة ، فيما ارتسمت على شفتيه ابتسامة مريرة .


على يقين من أنها لو كانت على شخصيتها السابقة .. لكانت تسمعه اﻵن كلماتها الشامتة والساخرة ..


بالتأكيد ستقول عبارة قريبة من "اكتسبت أعداء جدد ، يا عزيزي" !

تلك السادية .. ! لكم تتلذذ بمعاناته ...!



أخرج عبوة الدواء الجديدة من جيبه ، يتفحصها بشكّ للمرة العاشرة .

ملَّ طبيبها من إزعاجاته واتصالاته ، وكثرة ما يتردّد عليه ، باحثاً عن حلولٍ تنقذ زوجته من براثن وادي هلاك العقاقير اللعينة الذي أرسلها إليه بيديه .

زوجته الضعيفة الجسم أصبحت لعبة في يد الأطباء كما كان يخشی ... زوجته أصبحت فأر تجارب .. !


ﻻ يكفوا عن تبديل الأدوية ! يدعون محاولتهم إيجاد التراكيب المناسبة لتكوين جسمها ومدى تقبله !



وهاهو يقبل في النهاية بعد مجادلات ومشاحنات بهذه العبوة المخيفة رغم آثارها الجانبية هي اﻷخری .



آثارٌ جانبية .. آثارٌ جانبية .. آثارٌ جانبية ..


اللعنة ! ألا يخلو دواء لعين في العالم من آثار جانبية لعينة ؟!



لا يريد أقراصا للاكتئاب! يريد التخلص نهائيا من الأدوية .. يرغب في رمي كل قرص دواء يحويه هذا البيت !


لا يريد أدوية في حياة زوجته ! ...



رمى العبوة بالحائط بعنف مطلقاً لعنة في الهواء .



تعديل كيمياء المخ ؟! ماهذا الهراء ؟!


.. هراء ! .. هراء ! .. هراء ! .. هراء !


احتيال واضح للعين المجردة .. وغبي من يصدقه .. نعم ، غبي مثله .. !


هراء ... ! هراء ، ومجرد دعايات لبلوغ الأرباح .. مكيدة لترويج سلعهم الرخيصة ! إنها مكيدة ، نعم ! ﻻبد أنهم المافيا ! إنهم مافيا ، نعم ! مكيدة مافيا !



أطباء خائنون ، مخادعون .. لعينون !


نفَّس عن آهة كانت حبيسة رئتيه منذ مدة ...





ليته اختطفها كما طلبت .



"... اخطفني متعب ... اخطفني ! ...
... بنشرد جزيرة ... نتخبى في كهف ! ..."




رغم رغبتها ذات روح المغامرة الطفولية .. إﻻ أنها كانت علی حق .. !


لقد كانت علی حق !




بل إنها دائما علی حق !




آسف ... لأن بطلكِ كان جبانا ، يا صغيرتي ...


آسف ... لأن بطلكِ خائنٌ قذر ، يا صغيرتي ...


آسف ... لأن بطلكِ سلَّمكِ مثل فأرٍ جبانٍ قذر ...



آسف أني بعثت ببدنك النَّقي إلى وادي الهلاك .. يا صغيرتي ...



هل أستحق العفو ، يا صغيرتي .... ؟


بل .. هل أستحق طلبَ العفو ، يا صغيرتي .. ؟

























. . .
























أغلق المنبه اللعين بعصبية !



أيقظه من حلم نادر .. حلمٌ ممزوجٌ بأحداث ولقطات من الواقع !



أسدل أجفانه في محاولة للنوم .. متمنياً إكمال الحلم الجميل الذي قُطِع .



أوقف محاولته مجرد تذكر أن الحلم يقبع جواره كواقع .



التفت بلهفة لتقع عينه الشغوفة على الدُمية الجميلة الغارقة في النوم .



واقتنص فرصة غفلتها مثل كل صباح ..



احتضنها بكل شغف .. حتی حال احتضانه ﻻعتصار ..


أدى لمضايقتها وانزعاجها ، وقام بإيقاظها ..



قاومت بصعوبة حتى تمكنت التسلُّل والانزلاق من بين ذراعيه ، والفرار .



راقبها بمرح بابتسامة مشرقة ، وهي تعتدل في الجلوس ، وتعدِّل من بيجاما النوم بارتباك .

- .. صباح الخير ..






عادت إليه بعد أن قضت دقائق في الحمام .. مادة يدها المترددة .

صعد ببصره وقد صار جالسا على طرف السرير ، منشغلا بمراسلة أحدهم .

امتدت يده إلى محفظته القريبة ، ثم مدَّ لها بمفتاح المطبخ ، مع تنبيه عن رغبته بشاي فحسب دون وجبة فطور .


حرص على تتبعها ، بعد أن تناول علبة دوائها اليومي من صندوق الصيدلية المحكم اﻹغلاق .


اتخذ مقعده على مائدة الطعام ، يراقب بحرص ودقة كل حركة من تحركاتها البطيئة ، وخطوة من خطواتها الثقيلة .. وكل أداة تتناولها يدها التي تنفك الرجفة عنها .




من الغريب أن يكون الفصام ومتاعبه أكثر رحمة من الاكتئاب ...



اكتئاب فوق الحدِّ الطبيعي .. اكتئاب حد اﻻنتحار ! .. يجعله في كل دقيقة من وقته قلقاً .



كل يوم يعود للمنزل وصورة مخيفة تسيطر عقله .. توقع مخيف بأنه سيجد زوجته جثة هامدة فارقت الحياة .



رغم كل احتياطات الأمن والسلامة التي تم إجراؤها في شقتهما الصغيرة .



أصبح حريصاً حد الوسواس .. حريصاً حد المرض .. منذ الليلة التي تسببت في خلع قلبه .. كادت ستوديه إلى "شتر آيسلاند" خاصتها بحقّ !



ليلة رهيبة وعظيمة تركت الرجفة في أوصاله لأيامٍ وليالٍ طويلة ..



لربما كان من الممكن أن يكون أرملا في الوقت الحالي ... لوﻻ بلوغه في اللحظة المناسبة ..



لطالما عرف عن فكرة التخاطر إﻻ أنه لم يسبق ويؤمن بها .. كان يتساهل في هذا الموضوع ويستغله ﻹقناع صغيرته بها ليمحي اعتقادها المزيف بقواها الخارقة ..



هل علاقتهما باتت إلی الحد الذي يمكنه معها ... أن يشعر بصغيرته عن بعد أمتار ؟!






صعد زلزلة كوب الشاي فيما تقترب ، نهض يتناوله منها قبل أن يسكب ويضيع تعب الدقائق الطويلة هدرا .


ثم عادت إليه بكأس من الماء وكادت تهرب معلنةً انتهاء خدماتها الزوجية .



- وين رايحة ، فطورك وين ؟



حاولت التجاهل ومواصلة التهرب إلا أنها تجمدت مجبرة حين أعاد نداءه في حزم .




وبعدها بدقائق أصبحت تشاركه مائدة الفطور ، وجهها ملتصق بالمائدة ، وشعرها المساعد قد تكفل بحجب وجهها تماما عنه ، ومع ذلك يظل انشغالها بإخفاء نفسها يفوق اهتمامها بوجبتها .




من المضحك فكرة أن تعاني امرأة من رهاب اجتماعي مع زوجها حتی !


.. ليت الآثار اقتصرت على الاكتئاب .. لا ! بل تطور لنوع جديد من المرض .. ويا سلام من مرض ! لم يكن سوی فوبيا المجتمع .. رهاب اجتماعي حادّ لا يحتمل !




لكن ، أوقات عندما يتعمق .. ويفكر في الأمر ، يستنتج أنها تعاني بالفعل من الاكتئاب والرهاب الاجتماعي !


غير أن جنون الفصام كان يطغى عليه فأخفاه عن الرؤية والظهور ، وهاهو ذا يظهر بوضوح بعدما زوال الأعراض اﻹيجابية للفصام .

الفارق فحسب في أنه ازداد حدة بعد إدراكها المرض ..



وكي لا يظلم العقاقير تماماً ويرمي عليها كل اللوم ، يجب أن يعترف بأن العامل الثاني الذي أثَّرَ في نسبة الاكتئاب ليس إﻻ ذكرياتها السابقة .



ذكريات حماقاتها القديمة في حالات هذيانها .. التي يعلم يقيناً أنها أشد ما تعانيه ، وأكبر سبب يجعلها تتجنبه وتتحاشاه ..



يود أن يفهمها أنه لا يستحق .. ﻻ يستحق أن تشعر حتی بذرة من خجل أو عار ... بالمقارنة مع فعلته الدنيئة ، وحيلته القذرة .. الطريقة الرخيصة التي لجأها لسلب حريتها وإرغامها بالقبول به .




" .. أنت أناني .. لو تبي شي ما يوقفك حتى الحبّ .. "



" .. من أول يوم عرفت أنانيتك وفهمتها ،
قلبك مخزن أنانية مريضة يا متعب .. "



لقد صدقت ... صدقت في كل حرفٍ ! ...



دائما تصدق .. ! دائما صادقة .. !


كيف ؟.. كيف عرفت .. !



كيف يمكنها أن تدرك تلك الطفلة ؟


كيف يمكنها إدراك اﻷمور لهذه الدرجة .. ؟!



لو أنها استردت ثقتها أمامه فقط !



لو استعادت القليل من قوتها التي لطالما هددته !


يحلف يقيناً .. أنها ستدوس به الأرض ، وتسحقه برجلها كحشرةٍ ضعيفةٍ بلا حيلة !



تناول علبة الدواء من على المنضدة أمامه .

- تعالي .



بعد انتظار طويل وكأن عقلها كان مشغول بالتفكير ، نهضت بتعثر ، واقتربت في بطء .. تحتضن كأس الماء .

حرص على تغيير موعد الجرعة صباحاً أملاً في تخفيف نسبة الأرق الذي يسببه لها ليلاً ، قاطعا بذلك أمر الأقراص المنومة التي قرر إزالتها من حياتها .. آملا التخفيف من المواد الكيميائية التي أهلكت جسدها الخائر القوی ..

أثار هلعها وهو يلتقطها عن اﻷرض ، ما جعلها تشرق بالماء وتسكب نصفه ، تسبب لها بسعال حادّ بتصرفه الهمجي الغير مدروس .



- ... آسف حبيبتي ... بس وش كاتبة هنا ... ؟

قرَّب إليها شاشة هاتفه مشيراً بإصبعه على نص رسالتها .

بذلت جهدا للتركيز فيما تحاول مقاومة سعالها .



وانتظر .. حتی ميَّز التساؤل والحيرة بعينيها ، فقال بمكيدة :

- واضح المكتوب ، لكن تقصدين بالجملة ..
تبين المنوم الأسبوع بعد الجاي ؟
والا السفر الأسبوع بعد الجاي ؟

انتظر خروج صوتها فيما يتولى إزالة مزيج الماء والعرق الغزير عن جلدها البارد .

بالكاد التقط شبح الحروف من حنجرتها المتحشرجة .

- عيدي ، ما سمعت .

امتدت كفها المتشنجة ، لكنه أبعد الهاتف ممثِّلاً الاستهجان .

- أنا قدامك وأسمعك ، جاوبيني بلسانك .

قربها فيما يراقب شفتيها المرتعشين ، تتلفظان بالأحرف المتفرقة .

- المنوم ؟

هزت رأسها نفياً ثم سرعان ما قامت تومئ ، لكنه رحمها قبل أن تتحول ملامحها اليائسة إلی بكاء ، وألقى سؤاله بالشكل السليم :

- تبين المنوم والسفر الأسبوع بعد الجاي ؟


لتومئ له بلهفة ، فحرَّرها كما يُحرِّرُ عصفورةً من قفصها .

- يالله ، انطلقي ...

ابتعدت عنه بنشاط نادر لا يظهر إلا عند رغبتها بالهرب من سجنه وحصاره .





لكم اشتاق لاسمه من لسانها .. لسانها اللطيف الذي كان لا يكف عن ترديد اسمه بين كل كلمةٍ وأُخرى .





" متعب .. متعب ومتعب ، ومتعب ، متعب .. ومتعب ومتعب .. ومتعب ، ومتعب ..

الكتاب قلب عربي متعب ... !"


همست بالعبارة اﻷخيرة متسائلة في حيرة .

تململ على الأريكة بانزعاج .

- حطي الكتاب ونامي .

- لا تنام هنا متعب ! رح بيتك !


لحظات وتوتَّرَ جسمه فيما يشعر باقترابها .. من ثم بأنفاسها تدغدغ أذنه اليسرى ...

بالطبعِ لم يتوقع همساً رومنسياً .. !

غير أنه لم يتوقع أن تكون غير مراعية لدرجة أن تجفله في قمة استرخائه بصرخة نداء صاخبة .

ابتعدت بتخوُّف على صيحته الزاجرة .


- .... لا تنام هنا .... عيب .... الكنبه بتتعب ظهرك ....

انطلقت نصائحها الخائفة المتلعثمة تصنع منها أعذاراً تشفع لها عن مضايقتها الحمقاء .




ليته تركها تصرخ باسمه كما تشاء ..
ليته تركها تصرخ باسمه حتى تملّ وتكلّ ..
ليته لم يسكتها في ذلك اليوم ..



مهلاً ...




لمَ هو الظالِم دائماً ؟



ألا يستحق أن يكون مظلوماً ؟



ألا يعاني هو كذلك ؟ أليس بشراً يتألم ؟



هل يستحق كمية القسوة الهائلة وأصابع الاتهام تلك الموجهة إليه من كل العالم ؟



حتى نفسه لم ترحم نفسها !



نعم ، لقد قسى على نفسه كثيراً ...



إذا لم يرحم نفسه ، فمن سيرحمه ؟



استغفر ربه !



الله !

الله موجود !

الله ... رحمته الواسعة .. رحمته سبحانه التي وسعت كل شيء ... !


هل يئس لدرجة يتلهف لرحمة من البشر ؟




لكن .. هل هو مخطئ إذا شعر أنه بحاجة .. لشيء من الرحمة .. من زوجته ؟



إنه بحاجة ماسة لعطف ... بحاجة ماسة لقطرة من حنان ...



لا يريد حبا ! لن يبالغ في أحلامه ...



يريد فقط القليل .. بل قطرة فحسب ... قطرة من عطفها ...



هل هي تُقدِّر حبه الآن ؟


هل تُقدِّر كم تشغل حيزاً من تفكيره ؟



بالتأكيد لا ، فكيف بحمقاء ترى في .. عدوه الجديد .. الخال المهمل واللامبالي .. والداً متفهماً وطيباً .. حمقاء ﻻ تدرك اﻷمور علی حقيقتها .. !


كيف لها أن تكون حمقاء إلی هذا الحد ؟!



هل في قاموسها اللامبالاة تعني التفهم والطيبة ؟


بينما حبه واهتمامه ... ترى فيه تحرشاً ومضايقة ؟









- وفاء !!!
وفاء !!!!



أتته مرتاعة ... كمن يخشى مصيبته كشفت ...


- شيليها ....!
شيليها ...!!



كان مكوماً على الكرسي رافعاً رجليه ، يشير بيد مرتعشة إلى نقطة سوداء تتمشى بشموخ ملكة على الأرضية البيضاء .


أشاح بوجهه بينما زوجته القوية القلب تحمل الحشرة ، تسحقها بين أصابعها - كما ستسحقه يوماً ما - لترسلها إلى حتفها بكل برود .



- الحيوانات هذه لازم تنرمي !



نظر حوله يتفقد المكان في توجس ، ثم هبط إلى الأرض ، وسار آمراً إياها باللحاق به ، وأغلق قفل باب المطبخ ، ثم توجه للاستعداد للذهاب للعمل .




وجد وظيفة ﻻ بأس بها بفضل الشهادة الجامعية أغنته كثيرا عن وظيفته القديمة .. التي بالكاد كان يطعم صغيرته ويكسوها بما كان يجنيه بشق اﻷنفس ، باﻹضافة لعجزه عن تسديد الديون التي تثقل كاهله .



فيما الوظيفة الجديدة رسمت أمامه طموحا وأرفعت من حجم معنوياته ، خاصة أنها خلصته من جزء من ديونه التي بدأ في تسديدها .. رغم أنه جزء ﻻ يساوي شيئا مقارنة بالديون الباقية علی رأسه .






- بنت !!



انتفضت جفلة تبعد الحيوان الصغير .


ﻻحظ تذمر خفي من شفاهها التي تحركت خلسة ، تأكد أنه كان تعليقاً على الموقف منذ قليل .



اقترب في تهديد محذر :

- لو أشوف هالحركة تتكرر .. يمين بالله كل الحيوانات تتصادر !



كاد يختطف الحيوان لولا أعاقته هواجسه فتراجع .


- مالقيتي إلا تبوسين فمها ؟ قومي غسلي !
ناقصين أمراض ..؟!



وضعت الحيوان الكسول المتكوِّر جانباً ، ثم نهضت وقد لمح نفورا ، وقامت تعطيه ظهرها مغادرة .




أرجع خصلات شعره المبتلة إلى الوراء يعيد ترتيبها .


ثم نهض هاتفاً منبهاً :

- أنا رايح ، لو تأخرت كلي اللي عندك .



وجدها تسارع بالعودة لتلحق به ، وقفت أمامه بيديها الممدودتان بالهاتف .


- ما يمديني أشحنه الحين يا وفاء .. خليه لما أرجع ، طيب ؟


قال مقترحاً فيما يعيد إليها هاتفها .


واعتذر بقبلة لطيفة ، وربّتَ على ظهرها بتشجيع :


- أصدقائك ينتظرونك ، ﻻ تنسين تأكّلينهم .




تأمل الابتسامة الآلية التي احتار في أمرها كثيراً .. لم تكن ابتسامة .. لم يكن تعبيراً البتة ..



تشبه الابتسامة الانعكاسية لدى المولود حديث الولادة .. ابتسامة بلا تعبير .. بلا سبب .. بلا إرادة .. مجرد تقلص انعكاسي غير مقصود ..



لطالما احتار إن كانت حركة لا إرادية بفعل جرعاتها الدوائية .. أم هي مجرد ردة فعل لضيق أو انزعاج يكتنفها .. ؟





ودّعها بعينيه .. فيما تبتعد ..



تعود إلى أصدقائها وعالمها الصغير ..



حيث أصدقاؤها الودودين ..




أصدقاؤها الوحيدون ..





* * *



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 27-11-15 الساعة 06:52 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-11-15, 07:08 PM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

..............

في يوم ميلاد يزيد حسنك بهاء

في يوم ميلاد يزدان شعورك شفافية
في يوم ميلاد تزداد عقلاً وحكمة
كل عام وأنت كامل والكمال لله

.................



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-11-15, 10:24 AM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-
الفصل التاسع



. .





"رح لها ، معنِّدة"


لم يُصدِّق الحُريِّة التي منحتها له السَّيدة المُتحجِّبة رغم العدائيَّة الجليَّة .

وتهرَّبَ أخيراً من الجَدَّةِ المُسنَّة ذات النَّظرات المتربَّصة ، يتبع السَّيدة في ممرَّات المنزلِ المتواضع .

ثمَّ تركته أمام بابٍ مُغلق بمُراعاةٍ لم يتوقَّعها .

وقف في منتصفِ الحُجرة الخالية الشِّبه مُظلَمة يمسحها بنظرةٍ تأمُّليَّة .

اقترب من النافذة المُشرعة عن آخرها .

هل كانت تحاولُ انتزاع هذه القضبان الحديديَّة ؟!

فكَّر بذهولٍ في الوقتِ الذي يتلمَّس الحدائِدَ المُثلَجة .

ألا يُفترَض أن تكون قد تركَت أفكَارها الخوارقيَّة ؟!

هل أصبحت تعتقد أنها بطلة أسطُوريَّة ؟!

أخبروهُ أنها أصبحت بِخير !

- اطلعي وفاء ..

تكَلَّم بصوتٍ أجشٍّ مبحوح .

توجَّهَ للبابِ يحكم إغلاقه .

ثمَّ عادَ ، وَأحنى رأسه يطلُّ أسفلَ السَّرير الصَّغير .

- اطلعي يا وفاء مافيه وقت .

دون أن يُطيل الصَّبر لِثانية ، في طرفةِ عينٍ أصبحت بين يدَيه .

كم تغيّرت ..!

هل هي تُعالَج .. أم تُعَذَّب ...؟

شهِقت هلعاً في الوقتِ الذي أحسَّت باليدِ العِملاقة تُمرَّر على وجهِها ..

- كيف حالِك ، وفاء ؟

لم يحتمل تلك النَّظرات الزائِغة ..

أعينٌ تجمعُ الخوفَ ، والحِقد ، والاتِّهام في نظراتِها ..

ونفورٌ وكُرهٍ جليّ لم يسبق وَرآه في عينِها ..

- كذبت .

تقلَّصت ملامِحها في اشمئزازٍ ، رافقهُ علامات من الاستفهامات .

- ما زلتِ بنت ، وفاء .

أدهشته وهي تغرقه بشلَّالاتِ المياه بلا مقدِّمات .

بقيَ متجمِّداً حتى أفرغت كل ما بجوفها لآخرِ قطرة .

صارعَت تقييد قبضتيه اللذين تشنَّجا على جسدها .

أطلق سراحها ، بينما يذمُّ قائلاً :

- متى آخر مرة أكلتي وفاء ؟!

لكنها كَانت قد تكَوَّمت مُلتصِقة بالأرض أشعرتهُ أنَّها تتوسَّل الأرض لابتلاعِها .

انحنى يجثو على ركبتيه ، يحاول فكَّ أنامِلها القابضة على جذور شعرها ، يخشى معها أن تتحققَّ قوَّتها الأسطُوريَّة وتتحوَّلَ لِصلعَاء .


- وفاء مو كنتي تبيني ...؟ مو كنتي تبيني أخطفك ؟
هذاني خطفتك ! بس بطريقة ثانية .. بطريقة أضمن !
ماحد بيقدر ياخذك مني وفاء ... صرتي لي !

ازدردَ ريقه ليكمل :


- وفاء أنتي حُرَّة ! مب كنتي تبين الحُريَّة !
هذا أنتي الحين حُرَّة ! حققت لك حلمك وفاء !
أنا بطلِك وفاء ! بطلِك أنقذك وفاء !

أسرعَ يجلِب الأكياس المتروكَة بجانب السَّرير .


- ناظري وفاء .. ! ناظري وش جبت لك .. !
بتفرحين وفاء .. ! ارفعي راسك .. !


فرشَ الثَّوب الأبيضَ الفاتِن دون ينتبه لبُقعة المَاء الذي لوَّث الجزء السُّفلي من قِماش الفُستان الجدِيد .

- حبيبتي وفاء ... !
صرتي عرُوسة ... !

قالَها بنبرةٍ غايَة في الشَّاعِرِيَّة وكَأنَّهُ يُمثِّلُ دورَ العاشِق رُوميو على خشبَة المَسرَح التَّارِيخيّ لشكِسبير .

ألصقَ رأسه بالأرض يأمُل لمح أيَّ جزءٍ من وجهِها .

- تسمعيني وفاء ؟

طالَ انتظاره لانتهاء نوبة البُكَاء الطَّويلة ، حتى اقتنع أنها لن تتوقَّف أو ترفع رأسها إلا بخروجه .

- وين عبايتك وفاء ؟

هنا رفعت رأسها القاتم الحمرة بارتياع ، بينما كان يبحث في خزانة الثياب .

صرَخت بكَلمة الرَّفض لا ، مُتمنِّعَة .

تقدَّم بتحديق :

- وش فيك وفاء ؟ بكره طايرتنا !
نسيتي إن ما جابوك هنا إلا عشان العقد ؟

ثمَّ أضافَ مُنبِّهاً :

- وطبيبك هناك ، لازم نتواصل معه .

عبَّرت عن صَرخةِ رفضٍ أَقوَى .

- تبين تدخلين النار والا الجنة وفاء ؟
لو تبين الجنة لا تزعلين زوجك .

وتابع إصدار أوامِرَه ونشوةٌ غريبة تتملَّكه :

- طاعتي يا وفاء أهم حتى من طاعتِك لوالدينك ، يعني لازم تفضليني على أمك وأبوك .
لو أطعتيهم وعصيتيني بتدخلين النار بعد ، يالله .. تبين الجنة والا النار ؟ قرِّري .

وهاهو يتسبب في انفجارها بالبكاء مجدداً .

لِتبكي ملءَ فمِها ... مثل الطِّفل الذي سُلِبت لُعَبه منه .

* * *

- ما شاء الله ، شاطرة حبيبتي ! زوجتي المثالية !

تقف جانبه مثل تلميذٍ مؤدب يتلقى مديح مُعلِّمه بصمتٍ خجُول .

انشغلَ بإغلاق حقيبتهما التي قامت بترتيبها بتنسِيقٍ مُدهِشٍ غيرَ مُتوقَّع .

رفعت رأسها إليه بعينينِ تطرِفان حين استدارَ إليها .

- فكري معي ، نسينا شيء ؟
مانبي تشتيت بكرة ، نبي نمشي مرتاحين .

حرَّكَت رأسها نفياً ، مجيبةً .

فتحرَّك من أمامها موقِناً : أجل ناسيين شيء .

تبِعته إلى الصَّالة عندما دعاها للَّحاق به .

صنعَ معها حلقةً من النِّقاش كَان قائِدها ، فيما بدت كجُنديٍّ صغير يتلقَّى التَّعليمات والنَّصائِح من زعيمِه .

استرخى بظهره على جلسته المتربِّعة بعدما أنهى النِّقاش خاتماً بطلب كُوبٍ من الشَّاي .

أنزلت قدميها إلى الأرضِ تنهض عن الأريكَة بعد تردُّدٍ شعر أنَّ لديها شيئاً ترغب بقوله .

احتضنَ يدهَا المُتعرِّقة بنعُومة يُعيق تقدُّمها .

- وش كنتي تبين تقولين ؟

هزت رأسها ناكِرةً بينما تسحب كَفّها لتتركه مع فضوله .

تبِعَها ببصره ثمَّ قام يلحق بها .

واستند قرب المطبخ يراقِب بصمت .

. . .


- متعب ...


التفتَ بانذهالٍ .



تلفَّظت باسمِه !



تُنادِيه !




لكنَّها نائِمَة ! ...





- متعب ....




نداؤها الثاني كَان أكثر إلحاحاً ، ما أجبره على الرَّد .



- هاه حبيبتي ؟



- طيارة ..؟



- قربنا حبيبتي ..



- أكلت خس ...





نائمة !!


لقد خدعته !


أرغمت قلبه ينبِض هدراً !



- وفاء قومي ، قومي وفاء ، وفاء !


استمرَّ بإيقاظها بانتقامٍ بلا مُراعاة ، حتى استيقظت بشهقة فزعٍ متقطِّعة .


راقبَ الكَهْرمَانتينِ تدورَان .. تُقدِّرانِ المكَانِ .

قطَّب جبينه بُغية ترجمة السُّؤال الذي خرج من حنجرتها مثل مُواء قِطٍّ .



- لا وين ؟ باقي مشوار .


- نحنا .. بالسماء ؟


- ايه .. نحن بالسماء ، فوق ، عالي !


لا يعلم كيف هي ملامِحها الآن أسفل النِّقاب ، لكن مُوقن بأنَّها تتحضَّر للبُكَاء .


أغمض أجفانه في هدوءٍ وقد عاد لصدرهِ الاستقرار .


- لا تنام !



فتحَ عينيهِ يتطلَّعُها !


صوتها !

صوتها الحقيقيّ !


صوتها الحقيقيّ ظهَر !


ذلك الصَّوت الناعِم المُتعجرف .. سمِعه أخيراً !


ألقى نظرَة على قبضتِها المُتشبِّثة بقميصِه .


ثم رادَدها بتحدٍّ صِبيانيّ .

- إلا بأنام !


- أنا خايفة !


- وش أسوي لك ؟


- ليه صحيتني ؟


- كنت منقهر .


همسَت بشيءٍ لم تتمكَّن أذناه التقاطه ، فقط تأكَّد من أنها كَلِمة مُسيئة .


جالَ ببصَرِه في المكَان الشِّبه مُظلم حيث مُعظم الأنَاس النَّائِمَة .


ثمَّ عادَ إليها ، وانحنى بتهديدٍ يُخفي تَوقاً عظِيمَاً .


- تبين مضاربة يعني ؟


شدَّ نقابُها لِلأسفلِ قبل تنطقَ الجوَاب ، غيرَ أنَّها خذلَته لتُجيبه بدموعٍ منحدِرَة بدلاً عن لسانِها المَلسُوع .


لهفتهُ كانت من الطُّغيان .. للحَدِّ الذي يمكنه يُخاطر معه بكُلِّ شيءٍ .. في سبيلِ استِنزاف كَلماتها القاسِيَة ..

مالأمر ! هل هو مازوخي ، أم ماذا ؟


زاغت مقلتيها من قسوَةِ اليدِ التي اعتصرَت فكِّيها ، رغم تهديداتِه الطُّفُوليَّة .

- وش قلتي قبل شوي ؟ غلطتي علي ، صح ؟ تغلطين على زوجك ؟


أفلتَها لمَّا رأى تنبيه حدقتيها تنبِّئه بقدوم مُتطفِّل ، فعاد يحجِبها ، واعتدلَ .. يشزرُ المضيفة القادمة بتسخُّط .


- حبوب ..


- كم مرة بأقول اسمه منوم ؟


- منوم ...


- ما فيه .


رقَّ قلبه لما أحنت برأسها على رجليه .. في طلبٍ للأمان ..


فوجدَ نفسه يُمسِّد ظهرهَا .. يُطمئِنها بكَلماتٍ ليِّنة .. باقتراب وصولِهما إلى أراضِي الوَطن .

. . .


أشفقَ عليها من مشقَّة السَّفر البرِّي حتَّى منطِقته التي تبعُد مسافةَ أربعِ ساعاتٍ .


كانوا ينوون إبقاءها لديهم بحُججٍ واهية !


لم يبلغ به الغبَاء بعد ليترك هذه الكَائنة الخطِرة على نفسها دون مراقبة ؟


إلى جانبِ هذا .. كان متلهِّف لمقابلة والدته لزوجتِه .


يتلهَّفُ لأن يتباهَى ويفخرَ بزوجتِه الجمِيلة ، وَالمحتشَمة ، وَالمُهذَّبة الأخلاقِ أمام وَالدته .


يرغب في أن يُثبِت لوالدتِه على الأقلِّ .. بأنَّه ليسَ مجرَّد جانحٍ مجرمٍ ميؤُوس منه .



تبسَّم بشمَاتة حينما تذكَّر النَّظرات العدائِيَّة لعائلتِها .

من ذا الذي سيرضى بحقِّ الله أن يترُك زوجته تقضي ليلةً بعيداً عنه ؟



وكَأنَّما غُرِس في قلوب جميع البشر ألا يُطيقونه !


صدَقَ المثلُ القائِل خيراً تعمل شرَّاً تلقَى .


ألم يكن من المفترض أن يتلقَّى مُكافأة مُقابِلَ تسليم الابنة الهارِبة لعائلتِها ؟!


ولكِن و يَا للحظّ ! لقي نفسه يُعامل كَالمُجرِم الخاطِف ويُخضَع للتَّحقيق !


مَدَّت إليه قارورة الماء بعطاءِ ، فتلقَّاهُ منها بابتِسامة .


- أنتي شربتي ؟


أومأت بالإيجاب .


لكَم تمنى أن يقابل والدهَا مُذ مقابلته للعمِّ الأكبر لها ، العمّ الذي تولى أمرَ تزويجهما .


على يقينٍ بأنها لم ترِث هذه الصفات المُحَبَّبة من الطِّيبة والتَّسامُح .. وذلك الدِّفء بالملامح المُريحة .. سوى من عائلةِ والدها المُتوفَّى .


ومع ذلك لم تسلَم من العجرفة والقسوة بجينات العائلة البغيضة لوالدتها ، لتُشكِّلَ شخصيةً مليئة بالألغازِ والتَّناقُض .


كانت الابنة الرابعة من بين خمسِ أخواتٍ ، حمِدَ الله كثيراً أن التي قابلته لم تكن غيرها الأخوات ، يعلم الله عن كيفية توزيع الجينات في هذه الأسرة .. من يعلَم ؟ كان من المحتمل وأن تقابله نسخةً من جدتها المخيفة !


وحمِد الله أكثر أنها لا تملك أخوة ذكور وإلا يعلم الله مالذي كانوا سيحدثونه معه من صراعات ومشاحنات خاصة أنه احتمال كبير في أن يرِثوا الدَّم الحامي من جينات عائلة الأُم الشِّريرة .


تخيَّلَ ثلاث أخوةٍ رجال وكل منهم في وجهه عينينٍ حادَّينِ متربِّصين كما لدى الجدة السَّاحرة .


- هلا حبيبتي ؟


كانت تتابع شيئاً ما ببصرها ، بدا كائناً زاحفاً يرافقهما الطريق .


تلمَّسَ كفها التي تشبثت بثوبه الأبيض .


- ناظريني حبيبتي ، لا تناظرين شيء حولنا .


وأدار وجهها إليه الذي كأن هو مجبرٌ على التحديق بما يخيفه .


- تلاقين أصدقائك مشتاقين لك .


قال مُداعباً رغبة بإشغال عقلها بمكانٍ آخر .


- تلاقينهم يقولون .. وين أميرتنا الحلوة ؟
لا يكون ملَّت منا ؟ معقولة ! تركتنا ؟


التفتَ إليها بنظرةٍ قصيرة باسِمة ، ثم تابع وعينه على الطَّريق :

- يا خسارة .. كانت أميرة حلوة ..
كل يوم صباح ننتظر مشتاقين ..
ننتظر تصحى من نومها ...
ننتظر تأكلنا بإيدينها ..
تحضننا .. تبوسنا ..
تدلّعنا .. تلعِّبنا ..


صمت لبرهة من الوقت .


ثم تابع بصوت خفيض :


- أبي مثلهم وفاء .


ثبَّت بصره على الطريق الواسع المظلم بعينينِ أشدّ ظلمة .


وعَى على كَفِّها المُتألِّمة تُحارِب لجذبِها .


اعتذرَ بفزع وأفلتَها بسُرعة .


- عورتك حبيبتي ؟ هاتي أبوسها .


ناولته يدها الصَّغيرة وكأنما هي مُلزَمة على طاعة كافة أوامره .



- نامي شوي وفاء .. تعبتي ، أحطك وراء ترتاحين ؟


دون أن ينتظر كلمتها نهض بتهوّر لينقلها للخلف .


انبعثت صرخات مكتومة من حنجرتها وهي تدفعه لتعيده لمقوَد السيارة .


وانتهى الأمر بأن فعل ما برأسه ، بل وظل ينتظر حتى تعتدل على المقاعد الخلفية .


- ناظر قدام ! بنموت !



عاد بتركيزه إلى القيادة فيما قهقهَ على انعكاسها المُرتاع في المرآة الأمامية .



- أنا بطلك وفاء ، نسيتي ؟ أفاا !





- وفاء ، تعالي هنا .

اعتذرَ لوَالدته عن المقاطعة ثم دعاها لاستِئناف موضوعها .

كانت عيناه لا تكُفَّان عن مراقبة تلك القِطَّة ، تجولُ هنا وهناك تحاول التهرُّب بخُطاها البطيئة كسُلحفَاة .. تتظاهرُ باستكشافِ المكان .

اختفت تلك الشَّيطانة !

- آسف يمه ، لحظة .

سارعَ للَّحاق بها ثم عاد بها في عدَّةِ ثوانٍ قابضاً على رسغِها يقودُها خلفه .

انتابه قلقٌ خفي من النَّظرات الغير مريحة لوالدته ، لكن أراحه أن تابعَت الحديث بلا تدخلٍ غير مرغوب .

أنصت لأمه باهتمامٍ ظاهريّ بينما يشعر بتململِ فتاته بجانبه ، وحركتها الكثيرة ، كأنها لا ترتاح بأيِّ وضعية .

إلى أن بدأت تنهض ببطءٍ شديد وكأن لن يشعر بها ، فأدار رأسه إليها بنظرة آمِرة .

- قلنا لك ماحد بالبيت ، خل البنت تاخذ راحتها .

تجاهلَ ملاحظة أمه يأمرُ الفتاة بصرامة ، فعادت للجلوس وقد تغضنت بالاحمرارِ انحراجاً .

فركَ وجهه بتوتُّر ، ثم قام يسير باتِّجاه حقيبتهما .

- لا تزعجونا يمه ، وقت نبي ناكل بناكل ، يالله وفاء .

تبعته بنشاطٍ غريب وكأنما مُنِحت الحُرِّيَّة ، وأعانته في حملِ الأكياس الخفِيفة .

ودَّعتهما الوالدة وحرصت على التَّنبيه عليهِما بضبط المنبه على موعِد الصَّلاة القادمة .

لكنه فاجأَ والدته بعودته في أقلِّ من السَّاعة وعلى تقاسيمِه الإرهاق مايدلُّ على أنه لم يغمض له جِفن ،
يطلبها البقاء مع الفتاة النائمة إلى حين عودته ، مُلزِّماً عليها ألا تفارقها ، وألا تدعها تتجاوز حدود
مراقبتها في حال صدف واستيقظت .

ولم يمض كثيراً في الخارج إذ عاد ومعه عدَّةٌ ما ، وتنفَّس الصُّعَداء حين رأى صغيرته لم تزَل آمِنة تغطّ في النَّوم .

نقلها لحُجرةٍ مشتركة مهجورة لأخواته المتزوِّجات أمام مرأى أنظار أمّه المُستنكرة ، توسَّل أمه بالصبرِ لقليلٍ من الوقت ،
من ثم توجه لحجرته ليبدأ في صيانتها ويُخليها من أي أداةٍ مهدِّدة .

وأخيراً أصبح بإمكانهِ الارتِياح ، والنَّوم قريرَ العين .

القلق الباقي كان والدته .. لم ترحمه من نظراتها واستفساراتهاالمُستهجنة ، ورغم أنها راعت إرهاقه
وتركته لينام في سلام ، إلا أن تأكد أن بانتظاره اجتماع سخيف سيحوي أسئلة مُتطفِّلة .

يا ترى هل أخطأ حين أتى بصغيرته إلى هذا المكان ؟

يبدو أنه تسرَّع .

. . .

كما العادة اُستُقبِل ببرود وغير ترحاب من قبل الوالد ، مع ملاحظته وجود ازدِيادٍ في نسبة الجفاء ربما يعود لزواجه المفاجئ من غير المشورة .

من مجرد مقابلة والده أحسَّ بالأكسجين ينفذ من المنزل .. اختناقٌ لا يوصف جعله يترك المكان يبحث عن هواء نقي يعيد الحياة داخله .

كلما وطأ ذلك المنزل تُعاد في عقله شريط الأحداث .. لتُعيده سنيناً إلى الخلف ..

هوَ نسي .. لا .. ربما يتناسى ؟

وزوجته كذلك نسيَت ! أو .. ربما تتناسى أيضاً ؟

لكن ذلك المنزل .. لا ينسى .. وَ لا يريد أن يتناسى !

من ماذا هم مخلوقون أناس ذلك المنزل ؟

لطالما اعتقد أن الإنسان مفطورٌ على النسيان ، لكن ذلك المنزل المُظلِم .. يثبت عكس النظريّة !

ذهب لمقابلة ومباركةِ أحد إخوته المتزوجِ حديثاً ، كانت مقابلة سطحية وقصيرة حاول منها أن يشغل عقله لبعضِ الوقت ،
وشاركه الصلاة في مسجدٍ قريب ثم افترقا بتوديعٍ بارد ، بعدها قصدَ لمقابلة أحد الرفاق القدماء .

وجد نفسه يُستَقبَل على تعنيف أمِّه وتشنيعِها لتصرُّفاته الغير منطقيَّة .

- اطلع اِلحق البنت !

تبعته في الوقت الذي أسرعَ راكضاً للأعلى قاصداً حجرته المغلقة .

اعتصر قلبه بسكاكين من الألم على الحال الذي أوصلها إليه .. كانت في حال يرثى لها ، يبدو أنه تأخر كثيراً ..

حملها يُهدهِدها مثلما طفلٍ رضيعٍ استيقظ فزِعاً بحاجة لطمأنةِ أُمِّه ، بينما أشعلت والدته إضاءة الحجرة المعتمة ، واستمرّ يطبطب على ظهرها في محاولة يائسة لتهدئة بُكائِها الهستيريّ .

- جن .. كثير .. متعب .. جن ..

حاول إخراج والدته عندما نوَت التدخُّل إلا أنها كانت من الإصرار بحيث أجبرته على الخضوعِ وتسليم الفتاة لها ، بل وقامت بطرده من حجرته والاستفراد بزوجته !

ظلَّ يجوب الممرّ ويدور ، وتأنيب ضميره يقتُله .

وبين كل دقيقة وأخرى يعود ويطرق الباب يسألُ أمه الدخول .

انطلق للباب حين سمع القفل يُدار في إعلانٍ عن عودةِ صغيرتِه إليه .

غير أن السَّيدة والدَته أعاقَته .

- زوجتك على لحم بطنها من متى ؟

هتف مدافعاً عن نفسه :

- حاط لها أكل والله !

ثم اقتحم الحجرة موبخاً الصَّغيرة :

- من متى صاحيه ؟ ليه ما أكلتي لك لقمتين ؟

- خبل أنت ؟ راميها بالظلمة بمكان جديد وش يدريها وين الأكل من الباب ! ابعد عن البنت !!

صُدِم بوالدته تجرّه بعيداً عن صغيرتِه بتلك الصَّيحة النَّاهِرة ، فحملق بها مُحاولاً استيعاب الأمر .

ثم صاح مهاجماً :

- من جدك يمه ! أضربها ؟! يمه هذي ما تعرفينها ما ينخاف عليها .. هي تخوف بلد !
أنا تخوفني أكثر من أبوي !!

- احلف إن ما مرَّة مديت يدك عليها ؟

اختنقَ بصمته مكرَهاً ، متململاً متبرِّماً .

تقدمت بخطواتٍ رتيبة إلى الفتاة المتكورة على نفسها .

وراقبها مصعوقاً تجلس بجانب زوجته تمسد ذراعيها برِقَّة ، وبطلفٍ تلقي سؤالها الخصوصي .

- زوجتي تستحي ترى خفي عليها .

- اسكت أنت !

أغلقت فمه بتعنيفها القاسي ، إنها لا تختلف عن أباه في شيء ، لقد ورثت منه القسوة ، علِم هذا طوال الوقت .

تنفَّس الصعداء حين وقفت طفلته الوفيَّة في صفه وأنكرت الأمر بتحريكٍ صغير من رأسها .

لكن استشاط غضباً إذ لم تقتنع السيدة بالجواب وعاودت سؤالها بإلحاحٍ بغيض .

أشعرته بأنه وحشٌ يتغذّى يومياً على جَلدِ وضَّرب زوجته .

هرَع إلى زوجته يجثو أمامها بانفعالٍ مُنفلِت :

- وفاء ! علميها وشلون أنا حنون !
علميها وشلون أنا طيب وأحبك !

رغم يأسِه من أنها لن تجرؤ على إخراج صوت ، إلا أنه ترقب إجابتها بلهفة ولو بنظرةٍ من عينيها .

- متعب .. طيب ..

رمق أمَّه بانتصار شامِت كما لوكانت عدوَّتهُ في معركةٍ ما .

ورغم كل ذلك لا يزال الشكّ يلمع بعينيّ المرأة والدته !

وشعرَ بالحرية والانطلاق حين أَغلَق الباب خلف أثرها ، وشعر بأنه تمكن التنفس من جديد وعاود انتعاش الحياة إلى صدره محلّ الذّبول والوَهْن الذي زرعه مقابلته الكئيبة لوالده .

عادَ إلى صغيرته بنشوة وسعادة غامرة .. حملها يعانقها بحميمية .

- .. وفية زوجتي .. أحبّها زوجتي ..
.. وفاء ! أنتي زوجة مثالية !

وانهمر على وجهها بسيلٍ من القبلات العاشقة تتخلَّلُها حروفُ الغزلِ والهِيام ، ولم يوقفه سوى صوت قرقرة أحشائها التي تتوسَّل الطعام .

فتركها بعد أن أسقاها قليلاً من الماء ليساعد أحشاءها على الصبر ، وذهب يبحث لها عن طعاماً يسدّ به جوعها .


* * *



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-12-15, 12:41 PM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-








الفصل العاشر



. .







انشغل برفع الخُصل السوداء العنيدة عن جانبي وجهها بينما هي مُنهمَّة على تقطيع حبات الطماطم الناضجة .


أصدرت أنين ضيقٍ حين حُلَّت ربطة شعرها وتناثر الشعر بالكامل إلى الأمام .



- آسف ، أبي ألمه مع اللي قدام .





كان قد أتاها منذ دقائق مُنفعِلاً فرِحاً .. يُناشِدها بِحرارة بأن تُري موهبتها لوالدته ، واستمرَّ يعِدُها بالمكافآتٍ ويُعدِّد لها الهدايا والحيوانات التي سيجلبهم لها ، ويؤكد أنه سيخلي المطبخ لها ولن يدع أحداً يقترب .







- تحبين أفتح لك مطعم وفاء ؟




اعتقد لن يرى سوى الإهمال والاستصغار لفكرته العشوائية ، إلا أنها خلعت قلبه حين أوشك التشوُّش الذي تسببه لها على فصل أصابعها عن جسدها بطرف السكين الأملسِ .




- تبين وفاء ؟!



قال مُتعجِّباً وقبضته تعتصر رسغ يدها القابضة على الأداة الحادة .



لا يدرِ ماذا يسمي ردة فعلها .. بدت غاية في الانزعاج ، بالرغم واضح أنها الآن تطير فرحاً !




أدارها إليه وقد قرَّر مصارحتها بالشاغل المسيطر على تفكيره خلال هذه الفترة .


- وفاء ، أنا لقيت علاج بديل .





رفعت بصرها إليه .. ، مَا أروعها وهي تحدق به .. من لحظاته النَّادرة ، والثَّمينة .. !





استأنف حديثه بسعادة :


- علاج آمن حبيبتي .. بديل عن الأدوية الملعونة ، علاج مافيه دواء أبد !


يعالجك من كل ناحية .. من كل النواحي وفاء ، نفسيَّاً .. فكرياً .. اجتماعياً ،


ويقولون مهنياً بعد لكن مب محتاجين ، وفيه كلاميَّاً بعد وفاء .. تصدقين ؟


ما أعرف وشلون بيعلمونك الكلام ، ما يخش العقل ، أنا أقدر أعلمك الكلام برضه ما نحتاج ،


لكن أنا متحمّس للعلاج وفاء ! لازم نجرّب ! أنا فرحان وفاء .. افرحي معي .. !




رأى شروداً ما يأخذها بعيداً عنه ، فيمَ تفكر يا تُرى ؟





- وفاء .. ؟




طرَفت كما لو استيقظت من سبات .



لكنها استدارت تمنحه ظهرها ، وتعود للانغماس بعملها .



أسندَ ذقنه على كتفها ، يُغمغم بإحباط :

- توقعت تفرحين وفاء .



أطلَّ بنظرةٍ متفحصة لتقاسيمها .

- أنتي الحين .. بس من برا كذا ؟ ودي أشوف داخلك وفاء .

علميني اللي بداخلك وفاء ، والا تريني بأهكرك !



وبدأت ضحِكاته الخبيثة تعلو فيما يستمتع برؤيتها تقاوم تحرشاته باستماتة ،

إلى أن تخلصت منه حاملةً لوح التقطيع إلى الجهةِ الأخرى من المطبخ .














رافعاً رأسه أمام والدته بفخرٍ ، منتظراً عبارات المديح والثناء في زوجته .





- ورى ما سوت للبيت بكبره .





اكفهرَّ وجهه بغتة : شايفه وش كثركم أول شيء ؟





- وش دعوه ؟ أبوك وولدين .




- وأنتي ، وأنا ؟ وهي ؟ ست أنفار يمه !

زوجتي ضعيفة ما تستحمل !





رفعت بصرها إلى الفتاة الواقفة .. مُطرِقة ، محتضنةً صينيةً فضِّية بدت بِهَا أشبه بنادِلة فَاتِنة .



- فنانة .. ما شاء الله عليك .





قام يتنحنح باعتزازٍ فأخرسته بكلمةٍ منها ، ثم تناولت ملعقة أخرى من طبق الحلو ، وأطلقت حكماً وكأنها من نخبة الحُكّام المُتذوِّقين العالميين :

- عرفتي توازنين بين الحموضة والطعم الحلو ، بالنادر البنات يتقنن هالنقطة !






أطلَّ إلى صغيرته ، كانت من اللحظات النادرة التي يحمرّ فيها وجنتاها خجلاً .






- هذا وقت تصوير ؟






أعاد هاتفه على المنضدة برِضاً ، ثم التقط اليدَ المهتزة يدعوها لمشاركتهم الجلوس .

- مابعد ذقتي كبستها ، أحلى من كبستك .





صرَّح بطيش ليُحظى بنظرةٍ ناريَّة ناهِرة ، فراح يحكّ شعره يبعثره بيدٍ متردِّدة ، ليصرّ على موقفه في نهاية الأمر ويردّ بتشفٍّ :

- عاد قلت الصدق ، خلي روحك رياضية يا نوال .




تجاهلته مشيحةً بصرها عنه ، تخاطب الصبيَّة بوداعة :

- من علمك الطبخ ؟



- تعلمت من نفسها .



- وش عندك اهتمامات بعد يا حلوة ؟




- تحب الحيوانات ، شقتنا حديقة حيوان !




- متعب ، أبي أسمع صوت البنت .




رفع يده بحركة ازدراء :

- والله لو تزنين من هنا إلى يوم ذكرى زواجك ما بتسمعين لها حس .




عادت باهتمامها إلى الطاهية الصغيرة ، تسأل باستكشاف :

- أي منهم تربين ؟ تميلين لنوع محدد ؟



- تحب الأسُود !



- اطلع برا متعب !



التقط هاتفه يهتِف :

- تبين تشوفينها مبتسمة يمه ؟



أخذ ينقر باصبع شغوف ، ثم مدَّ به لوالدته .

- هذه أول ابتسامة لها .. !



تأملت الأم الصورة العفوية بعينينِ دافئتين بداية ، ثم بدأ يداخله شيء من عدم الرضا .

- متى هذا ؟



كذب ببساطة بينما يستلم الهاتف : في شهر العسل .


ثم جذب طبق الحلو من أمامها : آسف يمه ، شكلي أنا بأخلصه .. هاتي لي ملعقة وفاء ؟





- تارك زوجتك هناك بلا عباة ؟!

وشوَشت له السيدة المتحفِّظة مستغلةً غياب الفتاة .



- لا تذكريني ، شقتنا قلبت حلبات مصارعة عشان هالعباة .



- وش حدك على وحدة شكلها ؟



- ماهي بالنوعية اللي بأفكارك يمه ، هذي هنا لو تعطينها عباية على الراس لبسته ، لكن هناك !


أخذ نفساً ثم تابع يهزّ رأسه قبل أن يدخل في ضحكةٍ مسترسلة : مراهقة يمه ، الله يصلحها .



- قلت الصورة بشهر العسل ، وين ناتج مصارعاتكم ؟



ارتبك بعدما تنبه للثغرة التي أحدثها في قصته .


- كذبت ، الصورة قبل الزواج .



- زواج عن حب .



قال بتحدٍّ ، بنظرةٍ مشبعة بالعداوة : أحبها .



- وهي ؟



وجهت سؤالها بلهجةٍ لا تخلو من الارتياب ما جعل التَّيه يربط لسانه .



فحدَّت من عينيها وملؤهما التهديد بعد رؤية الصمت الذي يؤكد شكوكها :

- البنت ماهي طايقتك بعيشة الله ، كيف وصلت لها ؟



صاح باستنكار لمَّا فطِن لمغزاها :

- ما وصلت بولدك المواصيل هالدرجة يمه !



قالت جازمة :

- والخوف بعيونها ؟ من تقربها تتبهذل !

حسبي الله عليك إن كان سويت بالبنت بلوى ،

حالها يهزّ يهودي ! يالظالم ! وش هالفرق ؟

فرق عن الأمورة بالصورة !!

وش قلب حال البنت ؟



أخفض صوته إلى أدنى حد حين رآها قادمة من المطبخ .

- قفلي على السيرة ، بعدين نكمل .



تمتمت بآخر ما تبقى بصدرها :

- صدَق أبوك يوم سمّاك باليهودي ، حسبي الله عليك من شيطان .



تجاهل دعواتها المُسلّطة عليه ، محاولاً تناسي موضوع حوارهما بتركيز نظره على الملاكِ ذات الهيئةِ الدافئة .. والمُريحة للقلبِ قبل العين ، بينما تقترب وبإحدى يديها الملعقة التي طلب وبالأخرى كأس ماء .



تناول منها الكأس الممتلئ ثم الملعقة بامتنانٍ ، ثم أمرها بالصعود إلى الأعلى ، إذ يصادف الآن وقت عودة أخاه من عمله .



لاحظ تردُّدها ، سألَ بلينٍ إن كانت ترغب بشيء ؟




لكن دُهِش بها وهي تلتصق به ، تحيط ببطءٍ خجول ساعديها الهزيلَين حول ذراعه الغليظة .


لحِظَ علامات الضيق والقلق المقرونة بالحرَج ، فقرَّب رأسها إليه ، وهمس يسأل إن رأت ما يُخيف ؟


ولم يُجِب ثغرها أذُنه سوى بالأنفاس المتحشرجة ، وعيونها المُتهرِّبة لم تساعد في شيء .




فصعدَ صوت الكرسي فيما ينهض حاملاً طبق الحُلو ، يودِّع بهدوء .

- نستأذن يمه ، تصبحين على خير .



وغادر المائدة دون ينتبه لنظرات التحديق تطلّ من أعينِ السيدة التي تتوسط المائدة المستطيلة .


- ما بتتعشون ؟


- لا جعنا نشوف .


ردَّ بصوت عال ٍ بينما كان مُنشغلاً مع زوجته بحواره الهامس ذو الطرف الواحد .


وما ان تفرّد بها قام بمحاصرتها بشتى الطرق لمعرفة ما أثار ضيقها إلى هذا الحدّ .


فوجهها المُحتقن بعث به القلق ، ولم يطلع معها بنتيجة سوى بالتهرُّب الذي أثار حنقه .


حتى أتى الاتصال اللعين الذي اضطره يتركها قبل أن يشفي غليل شاغله معها .

























* * *



















" دراما الميلاد .. أو صدمة الميلاد ..



يُقال أن المولود يمرُّ بصدمةٍ نفسية شديدة بانفصاله عن أمه والخروج على الدنيا ، إذ أُرغِمَ على الخروج من ملجأه الآمن وهو (رحم الأم) .. والذي كان كَالجنَّةِ له .


صدمة الميلاد .. ربما المصطلح الأقرب الذي يصِف حالة إنسان كان يعيش في عالمٍ آخر ضائعاً بمتاهاتٍ خيالية .. وزحمةٍ من الأفكارٍ المُتناقضة .. ثُمَّ الاستيقاظ فجأة والعودة إلى الواقع ..


لكن الفرق هنا في أن كلي العالمَين مُرٌّ .. كلاهُما بالنسبة له خالٍ من الأمان ..





لن يحتملَ أحد وجود شخص موصومٌ بالجنون بينهم ، حتى الأهل !


حتى الأم ستملُّ يوماً وتتشكَّى !







كانوا يرونني عَار .. إلا هو .. كَان يراني فخراً .


كانوا يرونني جنوناً .. إلا هو .. كَان يمدح بي المنطِق .


كانوا يرونني متمرِّدة .. إلا هو .. كَان يراني مثاليَّة .


كانوا يرونني غبيَّة .. إلا هو .. كَان يراني فذَّة الذَّكَاء !




كانوا يرون بي صبيَّة مسترجلة.. عدا هو ..


كَان يرى بي أُنثى تشعُّ فِتنةً وَ دلالاً ..








ليتَ بمقدِرتي أقف بجانِبه وأسنده ، كما أسندني يوماً ..


أمسح على رأسه .. أٌطمئنه بأنه بخير ، كما كان يفعل معي ..


أُهدهِده .. وأُربِّتُ على ظهره بلطف .. كما كان يفعل معي ..


أُنسيهِ ما يحاصره من بؤس ، بحديثٍ لطيف كَما كَان يفعل ..





مَن معه الآن ... ؟ مَن برفقتِه ... ؟




هل هو وحيدٌ الآن كما كنتُ يوماً .. كما كنتُ يوماً قبل أعرفه ؟"
















* * *














أجمده مكانه الصوت الصارم .. مُعيقاً ساقاه عن التقدم ، ويخضعه للانحراف إلى جهةِ حجرة الجلوس .



أخذ يقصد حجرة الرُّعب بثقلٍ وتباطؤ ، بعد أن ترك وجبة عشائه وزوجته في الخارج .



لم يستطع منع نظرة الحقد الشزِرة التي انبعثت كالشَّرارة ما أن تراءت له والدته التي تتربع عرش الحجرة الفاخرة .



قبَّل رأس والده وتراجع ، وسرعان ما هرع يقبل رأس والدته بعد تعنيف الوالد المستنكر .





سأل بصوته الشديد القاطع :

- وين كنت ؟




- طلعت شميت هواء .



- اجلس ، ليه واقف ؟



جلس لا يجرؤ رفع بصره عن الأرض ، منتظراً السؤال المتوقع .



- كيف حال البنت ؟



مزيج من الغرابة والتوتر اعتراه مع السؤال المطروح عن زوجته .

رغم توقعه أسئلةً شبيهة مُذ لمح تلك النظرة بعينيّ والدته .



هل هناك أمُّ تنوي شرَّاً لفلذة كبدها إلى هذا الحدّ ؟

هل هو فلذة كبدها حقاً ؟ هل هو ابن أمه وأبيه حقاً ؟

يريد تفسيراً لكل هذا الحقد والضغينة !




لقد أخطأ ، نعم !

ربما كان سبباً في موت أناس ، نعم !

ربما كان سبباً في خراب بيوت ، نعم !



ربما لا يستحق الغفران !

لكن هل يستحق الإيذاء إلى هذا الحدّ ؟




حكّ جبينه ، مُجيباً :

- طيبة ، الحمدلله .



ثم وهاهو يتلقى السؤال الذي يمسّ وتره الحساس .

- ورى حابسها مثل النعجة ؟



تخلخلت أصابعه المُرتجفة خصلاته الفاحمة .



سُحقاً للجميع !

لِمَ الكل يحاول دسّ أنفه بشؤونه الخاصة ؟

إنها زوجته هو .. فليفعل بها ما شاء وإن اُضطرّ لقتلها !




تأخر بالإجابة لينتهي به الأمر ينتفض على زمجرة والده الهادرة .




لكن فوجئ بنفسه بدلاً من أن ترغمه تلك القسوة على الاستسلام والإجابة ،


أرغمته على التمرُّد والتجرُّوء بالردِّ على والده بصرخةٍ تضاهي صيحة والده !



















وجد صغيرته قُربَ الباب ... أشبهُ بصوصٍ يرجف بَللاً ، مسح على رأسها باطمئنان ثم قبَّله بالسَّلام المعتاد .





توجه نحو المرتبة الموضوعة بجانب السَّرير المفرد ، وقال فيما يضع علبة البيتزا ويخرج محتويات إحدى الأكياس .


- شوفيني ما تعشيت .. نفسي مسدودة من أمس شايفتني ما أكلت شيء ،

فتعالي شجعي زوجك ياكل .. عشان ما يضعف ويقصر عليك .




أتتهُ بتجاوبٍ سريعٍ غير مألوف ، تتناول قطعة البيتزا منه بيديها الاثنين .




التقط قطعةً له وأسند بظهره إلى السرير خلفه ، ثم استرسل لسانه ينفّس عن بغضه بلا هوادة بعدما أخذ قضمة كبيرة .


- أبوي يسلم عليك ، زعلانين علي ، يقولون ليه ساجنك ؟ يحسبوني مريض ، وراهم مايدرون عن بلاويك .

وش تبين أقل لهم وفاء ؟ أقل لهم زوجتي مب طايقة العيشة معي وودها تنتحر ؟ والا ولدكم فارض فقره وعاره على بنت الناس !

لو يدرون عن قيمة مهرك وش بيقولون وفاء ؟ أهلك ماسلموك لي إلا من شكوكهم وفاء ، تدرين ؟



صدرت منه ضحكةً خافتة مريرة .


- تصدقين ؟ مستغرب ما ودوك لطبيبة نسائية ، أتوقع الخوف .. خافوا عليك .. خافوا يذبحونك وفاء !

قد فكرتي بهالنقطة وفاء ؟ تذكرين يوم سألتك إذا ودوك طبيب نسائي ؟



أحسَّ بقشعريرتها العنيفة وهي تمسّ هالة جسده عندما وصل لذكرِ نقطة القتل ..



مدَّ رجله باسترخاء ، وقال يشير بسبابته في الهواء بأجفانٍ ثقيلة ذابلة كما الثمِل :


- فيه شيء مابعد قلت لك عنه وفاء ، أتوقع إنك ظالمة أهلك .

تدرين إن أهلك انتقموا لك حبيبتي ، تذكرين الكف ؟



صُدم برأسها المحمرّ ومقلتيها القانيَين حين قفزت أمام وجهه بجزع .



- ليه تبكين ؟!


سأل بجبين متغضن .



أمسكت بياقته ، تفصح بأنفاس متسارعة :

- قلت لا !



مسد شعرها وبصره يتنقل بين قسماتها .



حركت رأسها وكأنها تُقسم : قلت لهم لا متعب !



أثار بسكوته عصبيَّةً قديمة أيقظت به الحنين .

- وش سووا ؟


ارتفع طرف شفته العليا بسخرية : يهمك ؟


هتفت بصوتٍ أقرب للصراخ : وش سووا فيك متعب ؟


تمعّنها بتفحّص ، ثم أردف :

- أهلك مو بالغباء يصدقون كذبتك حبيبتي ، كل شيء كان واضح .


أعادت سؤالها هذه المرة بعينيها المتوسِّلة ومحجريها يفيضان بكرَمٍ عجيب .


- تبين الصدق ؟ ما أنكر إن كذبك أفادني من ناحية ، إنكارك وخسارتهم القضية أتوقع قهرهم .


- .. وش سووا لك متعب ..؟


- مصرة تعرفين وفاء ؟ أخاف تحتقريني .

مع إن ما تفرق ، كذا والا كذا .. أنتي محتقرتني .


- تكفى .. قل !


- خالك طلع رجال مب سهل حبيبتي ، افرحي وفاء ..

أظن خالك مهتم ، أو بالأحرى يهمه شرف العائلة !



اشتدَّ بكاؤها بانتظار الجواب الذي تترقّبه بحرارة .




- اغتصبوا زوجك وفاء .



تحولت إلى تمثال ، وحالت نظرتها إلى الخواء ..


بدا أنها تحاول تحريك شفتيها البيضاوان .. قالت شيئاً ما ..



هتف باستنكار :

- خالك ؟! خالك الحشرة هذا .. تتوقعين بمقدوره يلمسني بظفر !


وأكمل يجيب بشفاهٍ مرتجفة ، وابتسامة شاحبة :

- جماعة خوال ! خقيت عليهم يا سلام !


ما ان أنهى نطق آخر حرفٍ .. جوزيَ بالصفعة الهائلة التي طبعت كفها على خده .


حملق في وجهها الجامد بقوة :

- أعترف لك اعتراف ثاني وفاء ؟


قفز ملامحها الهلع وحركت رأسها كأنما ترجوه ألا يُسمِعها المزيد .. لكن لم يوقفه شيء .


- تدرين إني واحد جبان وفاء ، صح ؟

ما سألتي نفسك .. وشلون جاتني الشجاعة أتقدم لك ؟

بعد هالبهذلة كلها .. أتجرأ وأطلب يدك ؟!


تصلبت لبرهة بلا ردة فعل ، لكن سرعان ما جحظت حدقتيها الدامعين .


فأطلق ضحكة هستيرية عالية ، وهزّ رأسه بخيبة .


- كنت غبي وفاء .. غبي .. أنا أخاف عليك من نسمة الهواء !

أنا كلما تطيح عيني عليك أضعف ! لكن ما أنكر إني كرهتك وفاء ..

كرهتك هذيك الفترة وكرهت أهلك .. كرهت حتى اسمك يا وفاء .



- متعب أنت أخذتني لأنك تحبني !

قالت بقوَّة .


فراح يُصحح لها بتهكم .

- أخذتك عشان أقهر أهلك فيك حبيبتي !


هزت رأسها بعينين حادتين ، ثم قالت بتحدٍّ قديم .

- لا تضحك على نفسك متعب ، أخذتني عشان تبيني .


استيقظ من سُبات الغضب ، ليتراجع .. فركَ وجهه بعُنف ، شدَّ شعره بضياع .

- وش كنت أقول أنا ؟ وش كنت أقول ؟


ظلَّ مُشخَّصاً بالأرض لدقيقةٍ كاملة .



ثم باغتها بوثبة يقبض على كتفيها بقسوة لم يدرك لها .


- انسي وفاء ! انسي كل كلمة !



تسبب بسقوطها للخلف إثر هجومه العنيف الخارج عن السيطرة .


- لا تخليه يأثر عليك ! لا تتأثرين وفاء ! أنا آسف .. !

صح .. أنا أحبك ! أنا أخذتك لأني أحبك ! والله أحبك وفاء !

مستحيل آذيك ! أنا أعذبك وفاء ؟! شيء ما يدخل عقل .. صح ؟

صح وفاء ؟ صح ؟ تدرين إني أخاف عليك .. صح ؟









أولُ بادرة عطفٍ منها ، يجب أن يُسجِّلها التاريخ .. !



.. إنه الآن في الجنَّة ..



لطالما تمنَّى وَتستقبله بحضنها الدافئ ..

تُغرِقه بحنانها .. كما تفعل الآن !




رغم دموعها التي لم تتوقف عن الهطول ..

رغم لسعاتها للندوب النيئة بوجهه .. آثار رفيق طفولته .. (عقال) والده الحنون ..

تقبَّلها بكُّل رحابة صدر .. رغم أنه لم يدرِ عن سبب تلك الدموع الغزيرة بالتحديد ..

ورغم أنه والذي هو الطرف المُعاني .. لم يذرف نصف دمعة !






- أنت الحين بخير متعب ، دام حكيت .. وطلعت اللي بصدرك ، أنت بخير .


- تأثرتي من طبيبك حبيبتي ؟




صمتت ، ثم عبرت عن رغبتها :

- أبي نرجع متعب ..


- توقعت نسيتي الكلام ، وفاء .


- أنا كل يوم أتكلم متعب ..



رفع رأسه ، يرمقها مقطباً :

- مو اقتنعنا إنها وهم ؟


حركت رأسها حيرة .

- صعب .. صعب .. صوتها حقيقي .. والله .. متعب !


- ما تقدرين تسمعين وتسكتين ؟ تناقشينها ليه !


- ... متعب مشتاقة لها متعب ... ما أبيها تروح أصلاً متعب ..


- عندك حب زايد فرغيه فيني .. أنا زوجك عندك محتاجك !

وش الحكمة تفرغينه في ميّتين مب حاسين فيك ؟



تهرّبت منه معيدة سؤالها : متى نرجع ؟ أبي نرجع ..


- مو الحين ، عندي شوي أمور .


- قلت يومين ..


- طلعت لي شوي شغلات حبيبتي ، لا تخافين .. ما بنطول .



أمسكت بذقنه ليواجهها عيناه .


- وش فيكِ ؟



حركت رأسها بغير اقتناع والشكّ يطلّ من مقلتيها .


- وين تطلع كل يوم متعب ؟

ليه تتأخر كل يوم متعب ؟


أشاح بوجهه يرد بتهكم فيما ينهض عنها .

- وش هالأسئلة الغريبة ، ما أخونك .. لا تخافين حبيبتي .


توجه نحو علبة البيتزا قائلاً : كلي وفاء ، ماطب بطنك شيء من الظهر .


وضع طرف قطعة البيتزا بفمها لكنها اقتلعت قلبه حين نهضت مبتعدة ، إلإ أن سُرعان ما عاد إليه الاستقرار حين عادت إليهِ بطبق الحُلو الذي لم يمسَسْه بعد .

وجلست بجواره وانشغلت بحلِّ رباط الكيس الشفَّاف ، ثم رفعت بالطبق أمام وجهه بتلك الأعيُنِ التي ستقتله يوماً ببراءتها !






كان من المفترض أن تدَّعي النوم في هذه اللحظة .. ،


ياه ! لم يعِش معها مساءً منذ فترة طويلة ~


حتى بمساءِ الأمسِ تعمَّدت النوم ؛ رغم أنها نامت اليوم بطوله !










، شُكراً يا أبي !





كنتَ باعثاً .. على إيقاظِ إحساس زوجتي ، فشُكراً يا أبي !





بسببك ، تحقَّقت اللحظة التي لطالما تمنيتُ .. فشُكراً لكَ يا أبي .. !





















. . .












Everyone knows "
How babies are made
But no one knows
How fathers are made
,Mister Know-it-All
. It's in our blood, that's it


? Should I suck this out of my thumb or what
. Tell me where I can find the answer
It must be at least a thousand times that
. I've sucked my fingers dry


! Hey


" ? Where are you? Papa, where are you



***



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-12-15, 03:22 PM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-






الفصل الحادي عشر






. .





بدأت بوادر الاستيقاظ عليها ، ففارقت أنامله آلياً أطراف الخُصل المَلسَاء ..




جافاها النوم ليومينٍ متواصلين ، كانت ستُتمِم يومها الثالث لولا فضل ينهي الأمر بمنوم بدلاً من تنهيها إغماءة .


لكن يتضح أنه إما حصل لغطٌ ما ، أو إما تمَّ استغلاله !


فقد استيقظَ منذ نحوِ ثلاث ساعاتٍ من قيلولته التي كانت قيلولةً طويلة لهذا اليوم .



تقلّبت بكسلٍ لناحيته بلا إدراكٍ ، فوجده يضطر مجبراً بأن يشيح وجهه بعيداً بلا سبب محدد ، ثم أحسَّ بها تبتعد بحدة كمن لسعه العقرب .






عادت (وفاء) الصَّامتة .


لم تلتقط أذنه حرفاً من بعدما ذاك المساء ، والأدهى والأمر أن أصبحت أكثر تهرُّباً وَ بُعداً ..


بدايةً أوشكت وساوس الشيطان على استحواذه ، أرهقه التفكير بالأمر الذي فضحه بحماقته ، لم يكف حتى الآن عن جلد نفسه باللَّومِ والندم .


لكن تبيَّن أنها ليست أكثر من نادِمة على مواساتها له ! وياليتها لم تقم بمواساته .. !

تحاول إخفاء وجهها والاختباء بشتى الطرق .. ولعلَّها تتمنى لو يمكنها ارتداء النقاب في وجوده !

ولا يستبعد أن تبحث عن جُحرٍ مهجور لأحد الفئران في شقوق جدران حجرته القديمة لكَي تختفي داخله !






صرف انتباهه إلى الجهاز اللوحي بجواره متظاهراً الانشغال .


ظلّ على هذا الحال في انتظارها تنهض وتبادر .


حانت منه التفاتة ناحيتها .


كانت تُخبئ وجهها ، دافنةً رأسها بالوسادة بقوة .


هل تخطط للانتحار بوسيلة الاختناق ؟





- جيعان .



بالطبع لا يتنبأ بردٍّ ، فقال داعماً :

- ترين ما فطرت ، ما طب بطني إلا العصير حقك .



انتظر أي استجابة تكون .. حركية .. صوتية .. وإن كانت تخاطريَّة !



اشتعَلت عيناه .. في حين يتابع اليد التي تخرج من أسفل الوسادة ، تتحرّك ببطءٍ ، تُشيرُ إلى جهةٍ ما .


قاصِدةُ الخزانة التي يحتفظ بها وجباتها الخفيفة .


لكَم بدا اصبعها النحيل الواقف لطيفاً للغاية .. لدرجة ودَّ معه لو يمكنه كسره .. !



- زين أبي الحمام .


اختبأَت يدها ثانية ، وتقوّس ظهرها وانكَمش جسدها بشدة .


يا إلهي .. !

وضعيتها لا تُقاوَم .. !

تقلُّصها ضاعفَ من تضاؤلها بشكلٍ أثار في نفسه رغبةً جامحة وعنيفة باعتصارها احتضاناً .. !




تساءل مراراً إن كانا تقاسما الحبة المنومة ؟

كيف نامت الآن فجأة وهي لم يمسّ النوم جفنيها ليومين ؟


لكن لم يكن هذا التساؤل .. بقدر تساؤله عن السبب الذي دفعها لارتكاب هذا الفعلِ الغامض ؟

لا ليس السبب .. يعلم عن السبب ، بل الدافع ! مالدافع الذي قادها لهذا الصنيع ؟




أطلق أمراً بجلفةٍ مصطنعة :


- من النفسية الحين ، هاه ؟ اخلصي وين مفاتيحي .

بسرعة أبي أتغدى وراي أشغال .



أصدرت أنينَ بُكاءٍ طرب له قلبه .



لجأ للصمتِ عابساً متحيِّراً .



- أي أمور ؟


إنها تلقي السؤال الذي من المفترضِ تطرحه قبل ثلاثِ أيامٍ .



تعمد التغابي مردداً وراءها : أي أمور ؟!


- أي أمور !!


- وضحي لو تبين أجاوب .


- أي أمور ؟؟!


- علقتي ؟

ناظريني أقله !

أحد يتكلم كذا ؟


- بأعلم أمك ! لا .. بأعلم أبوك ! بيضربك .. والله !



خرج من ادِّعائه الكاذب يضع حدَّاً :

- أفكارك مالها أساس ولا منطق ، لا تحللين المسائل من راسك التعبان وترمين تُهم !

- كذاب !!

- بتعطيني وجهك وتتكلمين مثل الأوادم والا لا ؟


صرخت بكل ما تملك حنجرتها من طاقة لولا الوسادة لكان تردد صداها في أرجاء البيت المعمر .


- أنا مو آدمية أنا جنية !!!!



تمكَّنت من التغلب عليه ..

رغماً عنه وجده يصعد إليها ..



لم يجد ما يقوله ، أراد أن يقول شيئاً ليناً .. أراد أن يحتضنها برقّة ..


لكن فجأة يجد نفسه عاجزاً .. !


هل أقلقه اهتمامها المفاجئ ؟ هل أخافه ؟


حتماً سيُفاجأ .. !


فهو لم يعتد حتى استقبالها له بنظرةٍ لدى حضوره من نهار العمل المنهك منذ بداية ارتباطهما .



دخل في المسألة بلا تمهيدِ وإسهاب المقدمات ، بتوضيحٍ غاية في الاقتضاب :

- قاعد أبحث عن الطبيب بالعالم العربي ، هذه كل السالفة .


رفعت رأسها وَ أخيراً ، تركز في عينيه .. تحاول تبيان الزَّيف من الصِّدق .


- اليوم بطوله برا تبحث عن طبيب ؟


قال بسخرية : تشتاقين لي ؟


- جاوبني !!


- تبين آخذك معي أنا حاضر .


قامت لتجلس تقول متحدِّية : كل يوم ، وطول اليوم !


- حاضر !


إذ بها تكرر سؤالها السابق بمحاسبة أثارت به شعوراً غريباً لم يفهمه :

- وش تسوي يوم كامل برا ؟ تجي تنام ، تتغدى .. وترجع تطلع !


فضّل الصمت ونهض مبتعداً ، لكن أسرع بالرد يود التحرُّر من ذاك الشعور الغامض والغير مألوف :

- تبين الصدق ؟ هالبيت ما أدانيه ، يسبب لي كتمه ، هذا هو السبب الوحيد ومافيه غيره .

وأفلامك بطليها لا أصادر كراتينك والأفلام صدق ، يالله وين المفاتيح .


تململت قليلاً ، بدا عليها شيء من الضيق والاعتراض ، لكن انتهى بها الأمر بالاستسلام .


توسّعت عيناه عن آخرهما جزعاً .. وهو يتابع صغيرته البلهاءَ حتى الدرج المعبأ بالأطعمة ، إذ بها تنتقي إحدى أكياس الفطائر ..

وتحشرُ أصابعها بداخل الفطيرة ، لتتدلى حلقة مفاتيحه أمام مرأى بصره .


- يا زوجتي الذكية .. يا حبيبتي العبقرية ! ما فكرتي لو لا سمح الله ..

زوجك الجيعان اختار هالفطيرة بالذات ، وش كان ممكن يصير ؟


حدّقته مصدومةً ما دلّ أن النقطة هذه لم تخطر لها على بال .














استقبلت وجبة الغداء من الخادمة ، وتوجهت بها إلى حيث يجلس .


وبدءَا بتناول وجبتهما المتأخرة .


كان يلقي بنظراتٍ متلصِّصة بين الفينة والأخرى ، بينما بصرها لم يخرج عن إطار طبقها .


ناولت له بارتباكٍ كأس العصير الذي نسيت أن تقدمه .


أنهى طبقه باللقمة الأخيرة الخاصة ، استقبلتها منه بخجلٍ أحسَّه أعظم من المعتاد .


أدمنَ أن ينهي وجبة الغداء بلقمةٍ من يده ، لا يدرِ لِمَ شعر بالحرج هذه المرة .. رغم أنه يفعل شيئاً معتاداً .


حمدَ الله وشكره ، ثم نهض وهو يلقي أمراً بإتمام طبقها عن آخره .














- ... تعرفين تخيطين وفاء ... شوفي قميصي ...



قال كصغيرٍ يشكي أمه عن لعبته التي كُسِرت .. في الوقت الذي خطت عتبة الحمام ، وَ ماء الوضوءِ يتقاطر من ذقنِها الحاد .




انحنى يُريها كمه المشقوق أعلى كتفه الأيمن ، فارتفعت أناملها المبتلَّة تتفحص الشقّ الصغير للغاية والغير واضحة للعينِ المجردة .



- بأجيب لك عدة الخياطة من أمي ، وش تحتاجين ؟ بس خيط وإبرة ؟



- مقص .



قال بقنوط : تخيلي ما ألاقي خيط نفس اللون ؟ وش أسوي ؟



ازدردَت ريقها قبل تُجيب : جب أسود .



استقامَ وسار يجذبها معه ، يعيدها إلى الحجرة ، ويُغلِق عليها مثل الأضحية في شهر الحج .



عاد بصندوقٍ صغير دخل وهو يتفحص محتوياته بفضولٍ واستغراب .



- وش هالشيء وفاء ؟ فلس ؟




حرك رأسه وهو يتأمل بخيبةٍ اللظامة التي يمسكها بين سبابته وإبهامه .


- ذوق أمي في انحدار ، تخيلي فستان عليه فلوس ؟



استلمت منه علبة الخياطة ، وناولها اللظامة ، ثم بدأ يفك أزرار قميصه .




راقبَ مفتوناً ، ينتقِل بنظره مابين أنامِلها الرَّفيعة المرتعشة .. وبين وجهها المُحتقن ..



الأسطورة أصبحت حقيقة .. أسطورة الأميرة وَ زوجها الفقير .. !


هاهي الأميرةُ الفاتنة وَ المُدلَّلة .. تتضطرُّ لأن تخيط ثياب زوجها الفقير .. بأناملِهَا الملكِيَّة والثَّمينة .. !




وشوَشَ بشيءٍ في أذُنها ضاعفَ من توتُّرها وارتجافِها ، زادَ من شدة الأمر عليها بعضَّةٍ ناعمة لوجنتِها ، ما جعله يوشك على الاستلقاء ضحكاً من الحال الذي أوصلها إليه .. فقد أصبح كفاها ينتفضان وكأن الكهرباء يسري بهما .



تنفَّست الصعداء ما أنهت عملها ، وما أن ناولته الرداء هربت إلى نحو السجادة المثنيّة الطرف .

وسارعت في ارتداء شرشف الصلاة ، اقتربَ وهو يغلق القميص عليه ينوي توديعها قبل تشرع في الصلاة ..


لكَم يبدو وجهها الدائري ملائكياً أسفل الغطاء الطاهر ..


منحها قُبلةً على الرأس ، منبهاً بنبرة مداعبة :

- ممكن أتأخر ، قلت أنبهك لا ترجعين نفسية .


تسرَّبت حمرةٌ ما لوجنتيها ، مع ذلك لم تمنحه ظهرها كما تكهَّن .. بل تريَّثت حتى تراجع ، ومن ثم غادر .























* * *






















tbc





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-12-15, 03:30 PM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

. .





























لا تسعه الفرحة .. !


وجد مطلبه أخيرأً ... !



خفَّف من سرعة السيارة التي ضاعفت سعادته من عدَّادِها لا إرادياً .


كانَ طوال الوقت يبحث عن مُعالِجٍ كُفءٍ له صيته وسمعته ، لكَي لا يلجأ أحد للتلاعب بهم .

خشي كثيراً الفشل في إيجاد معالجاً كَمطلبِه .. عربيّ ، ومسلم ، وكُفء !


لم يعلم بأمرِ العلاج الجديد الذي قرّره سوى قبل يومين من السّفر ، عن طريق رفيق عملٍ جزائري الأصل كان لأحد معارفه تجربة مع داء الفصام .


لم تكن حماسته في ذلك الحين بقدرِ خشيته من صنفِ المعالج ، فأسلوب العلاج هذا يختلف كلياً عن علاج الطبيب السابق صاحب العقاقير .

بإمكانهم التعامل مع أي طبيبٍ كان إن اقتصر الأمر على مجرد صرف أدوية ، أما أن يجعل زوجته بين يدي إنسانٍ يختلف عنهم في الديانة والاعتقادات ويقوم بحوارات عميقة مع عقلها الباطن .. فهذا محال !




وصل البيت .. لأول مرة يدخله بنفسٍ مُتَفتِّحة ..



- هلا ! وينك مختفي يا رجال ؟


ردَّ على ترحيبِ شقيقه الأصغر ببشاشة .


- خلها على ربك ، كيف الحال ؟


قال الشقيق بسرعة وهو ينهض حاملاً جهازه المحمول :

- بخير الحمدلله ، اسمع واحد من الربع عنده استفسار ...

ما وراي وقت بأرسله رسالة ، و رد علي بسرعة ما احب الانتظار ، مع السلامة يمه .


- في أمان الله ، حفظك ربي .


- هلا يمه ، هم دعوات وانا دعاوي ، ما شاء الله أمي مثالية تحب العدل !

أقبل على أمه يقبّل رأسها ، ثم عاد يجلس .


سألت : وش فيك متحمس ؟


شعر بنبرة مختلفة بصوتها ، لكن رد بلامبالاة متجاهلاً :

- طقت معي أتحمس ، قولي لشغالتكم تطلع الغداء ، وش سويتي اليوم ؟


- ورى ما تخلي مرتك تنزل في يوم تساعدني ؟


- ما يصير يمه ، تدرين البيت رجال .


- نعرف ، فيه شيء اسمه حجاب وغطاء ، فيه شيء اسمه ....


قاطعها بتصميمٍ مسبق : آسف ، ممنوع زوجتي تفارق حجرتها .

وربّت على ركبتيه استعداداً للنهوض والمغادرة ، لكنها أحالت دون ذلك بشروعها في مسألةٍ بدونِ مقدمات ، جاعلةً إياه يحولُ إلى جماد .














جالساً القرفصاء على قدميه أمام الباب ، ممسكاً برأسه .



مضطرب المشاعر ، مشتت الفكر .. ضائعه .



إلى أن تحددت المشاعر والأفكار فور تعلق الكائن الناعم بعنقه .



مشاعر أشبه بالرغبة في القتل .



أفكارٌ دموية بحتة غيرَ إلَّا ..




فلينتشلها عنه أحدهم قبل أن تحول الحُجرة لبركةٍ من الدِّماء !!





- متعب ..





ليس وقت الكلام ..

لا تصدري صوتاً ، أرجوكِ ..




- متعب ؟




أرجوكِ أن تخرسي ..

لا أريد ارتكاب جريمة قتل !





اتكَأ بظهره إلى الباب ، يشعر بثقلها !

يشعر بها ثقيلة جداً مثل جبلٍ عملاق يخنقه ..




- لا تصير كذا متعب أنا خايفة ..




- من بروتوس الحين ، يا وفاء ؟




مدى الثقل الذي شعر به في نطق اسمها ، جعله موقن بأنه يكرَهُها في هذه اللحظة ، بل يمقُتُها !



أزاحَ ذراعيها من حول عنقه ، لكن يبدو أنها تنوي بإتيان أجلها لـ.. تلتصق به أكثر .




- كنت غبية متعب .. كنت أفكر بأدويتي !

.. متعب .. أنقذنا !




حملق بعبوسٍ وقد عادت أفكاره للتخبُّط .


دعك عينيه بقوة قبل أن يتمهَّل .




- وضحي .



بدأت تحاول الشرح له ، بإفادات جمعت كل اضطِّرابات الكَلام بعباراتها .. من تحريفٍ ولجلجة .. وتمتمةٍ وتهتهة ، فضلاً عن انفعالاتها الحادة ، ورفرفة العينين المتوترة .. وحركَاتها العنيفة .



- وأنتي ما اخترتي تطلعين من الخرس حقك إلا معها ؟


- أنا سكتت متعب .. ما جاوبت بحرف .. مابيها تعرف مرضي !


- سكوتك يا حبيبتي معناته تثبتين أفكارها .. ما طرأ لك هالشيء ؟

كذا ما تشوفين إنك أثبتي لها بخصوص وجود مرض لو استبعدنا فكرة التعاطي عن راسها ؟


- أنا خايفة متعب ..


- علميني وين راحت موهبة النوم حقتك ؟

ليه تردين عليها من الأساس ؟


- عيب متعب .. حرمه كبيره .. و .. خفت تكرهني .. تدري ؟ أعطتني رقمها !


شردت لحينٍ ، ثم أفاقت منفعلة تلفح وجهه بأنفاسها الوجِلة ، وقد غدَت حروفها مُضمَحِلة .


- سو شيء .. متعب .. سو شيء ..


- وش مخوفك أنتي ؟


- بياخذونك الشرطة !



كاد يقهقه سخرية من حجم الجهل الذي يلمّ بهذا الرأس .


- يا عمري فيه شيء أول اسمه إثبات ، الموضوع ماهو فوضى .


أمسكت وجهه بخوف : كيف ؟ تفتيش ؟


- في حالتنا دمك إثبات كافي .



أراح رأسه على كتفها ..

لو لم يلجم غضبه العالم الله ماذا كان سيجنيه !


بدأ يجلد نفسه عقاباً على سوء الظن والأفكار السَّوداء بضحيته البريئة التي كانت ستكون جثة هامدة على يديه .



- متعب بسرعة ارمي أشياءك .. أخاف يفتشونا ..


راح يُقبّل وجنتها بعاطِفة عميقة مُناقِضة تماماً للمشاعر السوداوية التي كانت تجيش بصدره منذ قليل .


- ما بأرمي شيء ، لأن هالأشياء مالها وجود إلا بأفكارك .

قومي ، بيجيبون الغداء .


- ما بتنام ؟


نفَّس عن تنهيدةٍ عميقة :

- والله رجعت نشيط وفرحان ، لكن الحين .. بودي أنام يوم كامل .


حررته بينما تسأل بفضول : ليه فرحان ؟


- أعلمك بعدين .


تركته في حال سبيله ، بينما تحرك إلى صدر الحجرة .. فيما يحلّ أزرار ثوبه المبتلَّ بالعرقِ من حرارةِ شمس الظهر القارسة في الخارج .


علا الطرق على الباب ، وانشغلَ بمكالمة هاتفية بينما سفرة الغداء تُحضَّر .

أنهى الاتصال في الوقت الذي أحس بها تستلقي خلف ظهره في حينما كان جالساً على طرفِ السَّرير .

فالتفتَ يتساءل : سلامات ؟ قومي على السفرة .


أشاحت بوجهها إلى الجهةِ الأخرى تغمغم بالرفض .


- خير اليوم ؟ أكلتي شيء ؟


تحرَّكت قبل يُضطر للتَّدخل أكثر .

قامت تحبو نحوه ، ثمَّ بها تمسك كمَّه بكِلَي يديها .

تشكوه بضعفٍ :

- متعب .. أنا تعبانة ..


كيف كان أعمى طوال ذلك الوقت ؟

منذ البداية ... وَ كانت تتحدَّث بصعوبة وَ معاناة ..

وَ علامات الإرهاق هذه ..

إنها تتألَّم ... !










هل يُعقل أن كان أباً بالأمس ؟

وصغيرتهُ كانت أُمّـاً !


شعورٌ غريب .. !




قادها لإحدى المطاعم حال مغادرتهما المشفى الصحي ، من المريحِ أن لم تحتج إلى أيِّ عمليَّة ، أو أيّ أمرٍ من هذا القُبيل الذي أرهقه القلق بشأنه .




كما تنبـَّـأ ! ،


لم تُبدِ أي تأثُّرٍ .. أو حتى مجرد ردَّة فعلٍ بسيطة تدل على شعورِ أُمٍ فقدت جنينها..

لم يرَ سوى الخوف والحيرة والشرود ، وكَأنما الطِّفل كان دخيلاً عليها ..

أو بوصفٍ أدقّ كَأنما كانَ كَائنٌ فضائي لم تتقبّل وجوده .




كان قد وقع اختياره على أول مطعم صادفه على الطريق .



- بتاكلين والا المصادرة تشتغل ؟


ابتسم حين امتدت أناملها في الحال للملعقة الفضية .

وعاد باهتمامه إلى طبقه والهاتف ، لكن رفع رأسه يرغب في قول شيئاً .. لينتبه للحركة الطفيفة بفمها الملتوى ازدراءً ، ويقوم بإجفالها .


- بطلي هالتحلطم من وراء ظهري ، هذا يسمونه نفاق .


أملأت فمها باللقمة كما أنَّ بإمكان هذه اللقمة أن تخفيها و تحميها من توبيخه .



أنسَته ما ودَّ قوله ، بأية حال لا يهمه الآن سوى مفاتحتها في موضوع المعالج الجديد .. مباشرةً بعد إنهائهما وجبتهما .


















* * *


















أكثر شخص يعلم بـ(قلبي) الأسود ، الحقود ..


هو أنت .. ،


إذاً ... !


كيفَ أمكَنك إثارة غضبه بهذا القدر ؟




ألم تخشى قسوته عليك ؟

ألم تخشى لهيبَ نارِه ؟




إذا أمكَنك جعلي أُضحُوكةً يوماً ..

يمكنني يوماً .. جعلكَ دُميةً بين يداي .. !



ألم تعلم .. ؟

ألا ترى هذا سهلاً لي .. ؟



بإمكَاني .. يا عزيزي .. جعلُك دُميتي ..

اليوم .. قبل الغد .. !




لا تخشى أذيَّتي .. يا حبيبي ..

هل يُمكن لأنثى برِقّتي .. أن تؤذي .. ؟




أنا سأُعيد لك سعادتُك .. وسعادَتي .. فقط .. !

يا رجُلي .. ~


ساُخرجُك من بؤسِك .. فقط .. !

يا عاشقي .. ~


سأُعيدُ إليكَ جنونُك ..

سأُعيدكَ رجُلي الهستيريّ السَّابق ..

سأُعيدُ رجُلي (الجوكر) إلى الحياة .. !





وَ .. رُبّما .. في ذلك الحين ..

يُمكن لـِ(قلبي) الأسود ..

أن يغفرَ لك .. ،













* * *






















عاد ليلاً إلى البيت باكراً لهذا اليوم ،


أثارت دهشته الضجة الغريبة لحظة دخوله البيت ، أطفالٌ وثرثرة نساء صاخبة ، تردد في التقدم ثم أقرّ أمره وطلب رقم والدته ، لتأتيه وتخبره بأن الطريق آمن .

لكنها أعاقت تقدمه وهي تخبره بأنها ستفرغ المجلس من زوجات اخوته لتسمح له بإلقاء السلام أخواته اللاتي في غاية التشوق والانتظار لمقابلته وزوجته ، وألزمت بتحذير بأن يحرص على جعل زوجته ترتدي أفضل حُلَّة لديها وَ تسرّح شعرها كما يجب ، وزادت الطامة عليه بأمرِ أخواته اللاتي لم تتوقف ألسنتهن عن النّهش في لحمها غيبةً فكيف بهن لو قابلنها على هيئتها الرّثة .



- شف الأسبوع الماضي عذرك ماكنت موجود ، لا تفشلنا هالمرة !




صعَد إلى الطابق العلوي متأففاً ، تمنى لو لم يفكر بالعودة مبكراً .


أدار المفتاح في ضجرٍ وهو عازِمٌ على الهرب بصغيرته حالاً .




وقف أمام فتحة الباب مرتاعاً .



أغلق الباب وراءه ، واقترب .



... لِمَ تبكي ؟




كانت تجلس بركبتيها على مرتبته ، في حين جزءها الأعلى على السرير دافنةً وجهها بين ذراعيها ، وجسدها يهتزّ بحدة مع كل شهقة تنبع من جوفها .




وجد نفسه يجلس قربها في صمت .




إنه ذلك البكَاء الهستيريّ مرة أخرى ..


قابله هذا النوع من البكَاء لمراتٍ محدودة ، بداية ولادته كانت في ليلة انتزعها من أسرتها .



بعد تفكيرٍ وانتظار ، لم يجده سوى يردد قوله الأحمق في أذنها ، بنبرة خالية من أي تعاطف :


- بأنام ، لو خلصتي صحيني ، عشان العشاء .



واستلقى وهي على ماهي عليه ، لكن ما إن تقلب إلى الجانب الآخر .. وكأنها كانت تقوم بمحاولاتٍ لدرءِ ومقاومة الغضب الذي جعل يتغلغل بصدرها حتى تمكَّنَ منها ، ليتلقى تلك اللكَمات المندفعة على ظهره بحقد عظيم !

لكمات ذات طاقة وقوة صادِمة لا يعلم من أين لها رغم الجسد الذي أهلكَه العقاقير!


قام بمحاصرتها بذراعيه الفولاذيين إلا أنها سرعان ما استبدلت التقنية المسلوبة بتقنية العضّ ، ربما يمكن له تسميته .. بأسلوب العضّ المتفرق الثلاثي الأبعاد ، فقد كانت تعضّ بجنون وعشوائية كَنمرةٍ أُصيبت بداءِ الجنون !



- من مزعلك ؟



قد صارَ يعلوها .. جاثياً على ركبتيه ، مقيِّداً أطرافها بإحكام ، وبنفس الوقت آمناً من أنياب صغيرته المفترسة .

لا تودّ الاستسلام مع تلك الصرخات المكتومة الشرسة ، هل تعتقِد بإمكانها التغلب عليه بالجسد الرهيف الذي تملك ؟


تبدو ليست على استعدادٍ للتفاهم والتداول المسالم ، لعلَّ من الآمن أن يظل حالياً على هذا الوضع إلى حينِ يجتاحها الضعف والخمول .. وإلا سيحيا باقي عمره مقضوم العنق .



تساءَل .. هل يا تُرى استيقظت مشاعر الأمُومة بها الآن ؟

هل تبكي ابنهما الذي فُقِد .. ؟



خلال دقائق الهدوء والتقاط الأنفاس ... تسلَّلَ لمسامعه الصَّخَب السُّفلي المزعِج ، ليدرك الآن السبب الحقيقي الذي أودى بانفجار هستيريَّة الصغيرة .




أبعدَ الخصلات المبتلة عن تقاسيمها القاتمة الحمرة ، قبَّل راحة يدها التي غلبها الخمول .





- أنا مو زي الناس ..



- من قايل لك أبيك مثل الناس ؟



- أبي أكون زي الناس ..



- وانا مابيك تتغيرين ، أحبك مثل ما أنتي .




أغمضت عينيها علامة على الرفض ، بينما انغلاق جفنيها لم يمنع من جريان الدموع واندفاعها للتحرُّر .




- تبين تنزلين ؟ بتجلسين معهن ؟



رأى أمارات الخوف التي أرغمتها على فتح عينيها ، فأطردَ مُطَمْئِناً :

- بأكون معك ، بأسلم على خواتي ، نسلم ونرجع .


- رح لحالك .


فعاد سريعاً لقراره السابق ويبدوه كان ينتظر هذه الإجابة .

- البسي عبايتك .


نظرته باستصغار : أجيهم بالعباية ؟


تبسَّم يبيّن الأمر : طالعين نتمشى .


تقلصت تعابيرها إلى غضبٍ من ثَمَّ تخلصت منه تنسلّ هاربة ، إلا أنه أرخى دفاعها بتوضيحهه الثاني .


- أنا وأنتي بس ..


تطلعته بفمها القاني الحمرة باحتجاج : بيشوفوني !


توسعت ابتسامته : بأحرص محد يشوفك ، بنتسحب مثل الجواسيس .


هزّت رأسها بممانعة وغير اقتناع ، ثم تكومت على السرير الذي أصبح ملكها .

وأتاه صوتها خافتا مكتوماً : ماله داعي ، روح سلم وخليني .


- وإذا قلت لك أمي ملزمة يشوفونك خواتي ؟


انتصبت جالسة مثل الفزاعة بشعرها الأشعث المنكوش .


نهض مُشيداً : ما شاء الله ، من وين لك هالطاقة اليوم ؟ الله يديمها .


ثم عاد إليها بعباءتها .


- ليه ما تبيني أقابلهم ؟ متفشل مني ؟


قال دون يلقي بالاً لمشاعرها :

- نعم ، متفشل من انك ماتعرفين للناس ، ومتفشل بعد .. من مظهر المتشردة هذا .. ياللي كأنك حرمة شحاذ .


- قلت تحبني زي ما أنا .. وماتبيني أتغير ..


- أنا قلت صيري مهملة ؟


- عن الناس !


- تكلمت من ناحية نفسي ، وماني مستعد أعرضك للناس .


- وأمك .. ؟


قال بندم : أظني تهورت ، مفروض ماجينا من الأساس .


- أنت كل شيء ندمان وتهورت ؟

لا يكون زواجك مني تهور وندمان عليه كمان ؟


قاومت الألم بصمتٍ ، حتى تأكد أنها اختارت طريق الخير .. انتزع مخالبه عن أحشاءها .


وَ بدأ يساعدها في ارتداء العباءة والسُّكون قد حلّ .







- متعب ؟






توتَّرت أعصَابه من النبرةِ الجديدة في النِّداء .







- طلقني .









حصل كل شيء بسرعة ..






هو ذاته لا يعلم مالذي حدث ؟







لم يعي سوى على العنق الهزيل يقاوم التهشم أسفل يده .






ثم بالجسَد يسقط مكوَّماً بعدما حالَ إلى جثة هامدة .











يظهر أنه مقدرٌ موتها على يديه لهذا اليوم .












* * *






التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 11-01-16 الساعة 01:35 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-12-15, 08:32 PM   #18

مها ع

نجم روايتي ومحررة بالجريدة الأدبية

alkap ~
 
الصورة الرمزية مها ع

? العضوٌ??? » 353525
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,502
?  مُ?إني » yemen
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Yemen
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » مها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond reputeمها ع has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك action
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
يا رقيقة القدمين يا امي ، اود لو كنت الارض التي تمشن عليها .....
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رواية قمة في الابداع ..
شكرا على طرحك عزيزتي
بأنتظار التكملة

جووري# ~


مها ع غير متواجد حالياً  
التوقيع











[/COLOR][/SIZE]
رد مع اقتباس
قديم 20-12-15, 11:02 AM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-






























الفصل الثاني عشر

































. .


















































كَظمت تأوه التألُّم فيما تتلمَّس عنقها .


ازدردت لعابها بصعوبة شديدة كَأنما قبضته الحديدية لم تزل تعتصرها .

لا شكَّ من أنَّ آثاره مزروعة .. إنها تكَاد تشعر بتعرجات أصابعه ! ، هذا سيخدمها حتماً في الفرار!



بئساً لتلك الضوضاء المقززة ، متى سيفرغ البيت من أولئك المتطفلين ؟




اضطرها صوتٌ قريب ما .. بأن تبدأ في استقبال شعاعات الضوء بين أهدابها المرتعدة .




مالذي يفعله هذا المختلّ ؟




أسندت بثقلها على ساعديها تجاهد للجلوس .


لا .. شعر باستيقاظها !


( لا تقترب ! )


هل تنشد الهرب ؟

هل تملأ الدنيا صراخاً ؟

هل بإمكَانها الركض مع هذا الجسد ؟



تابعت عيونها الجاحظة قارورة الماء التي يلتقط .


هل ينوي إزهاقها غرقاً الآن ؟

إنه ينوي إكمال جريمته الناقصة !


يجلس بجانبها ويمسك بها ، إنه يقيدها !

بدأ يعبئ فمها بالماء ، لم يتردَّد لحظة !


قاتلٌ بدمٍ بارد !


كافحت تبتلع دفعات الماء مقاومةً الاختناق .


تغلَّب عليها ، كَما هو متوقع ..


هاهي تصارع الموت !

إنها تسعل !


- بسم الله ، بسم الله .


يضرب ظهرها مسانداً الاختناق في القضاء عليها .

مهلاً ، هل القاتل يسمِّي بالله قبل الشروع في الجريمة ؟


عنقها يؤلمها ..

لم يعد يمكنها الالتفات ..

المجرم ، حوَّلها لضبعٍ ..


مرافقو الحجرة يلوِّحون بعزاءٍ توديعاً ..

الأشرار ؟ حزينون على فراقها ؟

بلى ، كيف لا .. وهم يحيون على تعذيبها ؟

غذاؤهم هو عذابها ...



- يا خبلة اصحي ، تسمعيني ؟


وعت على كفها تلوِّح في الهواء .

لِمَ تودع أعداءها بحقِّ الله ؟!


غرقت عينها في السَّواد الحالك للحدقتين أمام وجهها .


إنه يحاول أن يعيدها إلى شباكه .. !

القاتلُ ذو العينين كَظُلمةِ اللَّيل ، يتعمَّد إيقاعها في غرامِه مجدَّداً .. لتثق به !


لكن هيهات !

لم يصِل بها الحمق هكذا !



- حبيبتي وفاء ، أنا آسف ..



جُفَّ حلقها رغم كَان غارق بالماءِ للتوِّ ..



يقومُ بتنويمها مغناطيسيَّاً مجدَّداً !

هذا الطَّاغي ، لا يحق له التَّحُّكم بعقولِ البشر !

يجب أن يُحاكَم !!



- تسمعيني وفاء ؟


( هذا يسمى غسيل أدمغة ، فلتكُفَّ عن هذا حالاً ! )



- والله ما أدري وش صار .. ما حسيت ..



كَان كل الصِّراعاتِ الدائِرةِ داخله ظاهرةً على ملامحه العصبيَّة القلِقة ..


( اوه لا عليك .. لا بأس ، اهدأ فحسب .. )



- عاقبيني وفاء .. عاقبيني باللي تبين ..


( أنا من يستحق العقاب .. أنا هي المخطئة .. )



أسبلَت أهدابها تستشعر احتوائه الدافئ ..

كَم احتواءه مريح ...



( هلَّا تدعنا نموت على هذا الحال ، حبيبي ..؟ )



شعرت كَمن انتزع قلبها فيما يتركها فجأة .

قام يغلق عباءتها بأيدٍ عجولة .

- حبيبتي أنا رتبت الشنطة ، بس تأكدي من أغراضك .


حوَّلت نظرها إلى الحقيبة التي كان يعبث بها ، ثم جالت حول حجرتهم التي حالت مُرتَّبة .



هل سيذهب بها إلى المعالج الجديد الآن ؟

لكن لم ينوِّه إلى أن رحلة العلاج ستكون على هذه السرعة ..

هل قرَّر الآن فقط ؟



- تقدرين تقومين ..؟



أيُّ فوضى هذه ؟

كيف يمكنه اتخاذ تدبيرٍ كَهذا في غضون دقائق ؟

متى سيكفّ عن الاندفاع لأي فكرة تقفز برأسه المتحجِّر ؟



راحت تجول حول الحجرة ، تتفقد باحثةً عمَّا يكمن أن نسيه .


عصف بصدرها إعصاراً حين قفز إلى ذهنها خاطرٌ ما ، ألقت نظرة خاطفة عليه .


استغلت انشغاله تقصدَ درجاً معيناً .


حاولت الجلوس بوضعٍ طبيعي فيما تدخل يدها إلى باطن الدرج ، داعيةً الله ألا تلفت انتباهه قبل إتمام مهمتها السِّرية .

تحسَّست الورقة الصغيرة المطويَّة تتأكد من وجود المحتوى .

وقف شعرها على صوته العميق الآمِر بالإسراع .


فأدركت أن عينه وقعت عليها واضطرت للجوء إلى التمويه بعدما أغلقت الدرج إذ قامت تدور على الأدراج الأخرى .. درجاً تلو الآخر تفتح وتغلق .


- لا يكون معك وسواس قهري بعد ؟ من شوي كنتي تفتحين بهالأدراج ؟


( لا أحد مصاب بالوسواس القهري سواك ! )


حدَّثت نفسها ساخِطة .



تبعته في حين يتوجه إلى الباب يفتحه لتتدارك على الأصوات البشرية المنفِّرة .


كيف يمكنهم الرحيل محمَّلين بحقائب السفر هكذا أمام مرأى الجميع ؟

نقلت حدقتيها لرجُلها المجنون في انتظارِها .



- وش فيك تجمدتي؟ امشي .



أخذت تتحرَّك بفتورٍ وتلكُّؤ مما اضطره إلى جذبها إلى الخارج بقلة صبر ، مغلقاً الباب خلفهم .



مالأمر الآن ؟

ألن يتوجهوا للسفر ؟

الحقيبة في الداخل !



وتعود المشاعر المختلجة تحيطها في حين تسللت يده إلى خصرها بنعومة ، يسألها عن احتياجاتها إن كانت جائعة أو تحتاج لقضاء الحاجة .

أسئلته الأبوية والدفء والرعاية ، كل هذه الصفات الإيجابية .. وتناقضها مع النصف الآخر من صفاته الصِّبيانية والغير معقولة .. أكبر من أن يستوعبه رأسها المُرهَق .


تقدمها إلى صوب سلم الدرج .


تتبعه كَالمسحورة عيونها لا تنزاح عن ظهره العريض والمفعم بالرُّجولة بينما يتنحنح عالياً وينادي بإفراغ الطريق .


أيقظها من سباتها القصير وهو يسحبها إليه لتكون بجواره .



لا يعقل وجود هذا الكم من الحشد ، أصوات كثيرة !



ارتعشت يدها بداخل قفصِ كفه الباردة عن غير العادة ، تهبط بأعصابٍ مشدودة .. متمنيَّة لو تمتلك عباءة الإخفاء .



كم هي بغيظة أصواتهم ... وَ مخيفة ..



هوى قلبها في الوقت الذي ظهرت أمامهم المرأة الأنيقة والكبيرة السن فجأةً كالجني الأزرق ، يأتي الوجه الجديد الذي يتبعها ليزيد الطِّينَ بِلَّة .


وقبل أن تبتدئ الأم في التعبير عن ذهولها واستهجانها ، سبقها ابنها البارُّ في تقديم تفسيرٍ مزيف .



ياللقدوةِ المثالية وَ الحسنة ، يحثُّ على الصدق ويعاقب على الكذب .. في حينما يُبدِع بالاختلاقِ والتلفيق بسهولة شُربِ الماء كلما اضطُّر إلى ذلك .



توجهت السَّيدة للفتاة بنظراتٍ قلقة ، تحتضِن ذراعيها بين راحتي كفيها .

- سلامتك يا بنتي ، وش تحسين ؟


الغليان في صدرها بلغ دماغها وأعلن صُفَّارته عن دخانِه ، فلم يغِب عنها السَّلام السريع بين زوجها والقبيحة تلك !


ثم وبالجزع يصيبها وهي ترى الفتاة تتقدم بكلِّ يُسرٍ .


- سلامتك يا حلوة ، ما تشوفين شر ..

معك عنود .. آخر العنقود ..



اوه ، إذن شقيقته !

في الواقع ، ليست قبيحة كثيراً .. لا ، ربما جميلة بعض الشيء .

ياللهول بل إنها خارقة الجَمَال !!

هل جميع شقيقاته على هذا المستوى من الجَمَال ؟!



سُحقاً .. لِمَ كل الفتيات في عالمِه يفقنها جمالاً ؟!

إنها تعدُّ لا شيء أمامهنَّ .. بل لعلَّها تصل حدَّ القباحة بجانبهن !



- قالوا اسمك وفاء ، صح ؟


صوتها مشابه بالعمق لصوتِ الأم .

زوجها كَذلك فخم الصَّوت وعميقه .. !

هل هذه صفة متوارثة في العائلة ؟


- عيب عليكِ ، ورينا حلاوتك شوي ؟


أعاقت اليد الممدودة بوقاحة يداً أخرى عملاقة امتنَّت لها من خالص قلبها .

- قلنا لكم تعبانة ، وخري مستعجلين .


ثم التفت لوالدته يطلق اعتذاراً بسهولة عجيبة : العذر والسموحة يمه .. لا تزعلين .


قالت باهتمامٍ آمِرَةً :

- لا ترجع تنام إلا وأنت مطمنني عليها ، ولو برسالة .


- أكيد ، تآمرين .














هاهي ذي تتحرَّر من السِّجن الضيِّق ذي الجدران الكَئيبة .. في انتظارِ السِّجن القادمِ والجديد .



أسئلةٌ عديدة تدور في رأسِها .

لِمَ لا يحاول بأن يحيطها علماً بكُلِّ شيء ؟

يقودُها خلفه مثل جاريةٍ لا كَلِمة لها ..




اكتشفت فيما بعد أنه ينوي الإقامة في فندقٍ حالياً ، إلى موعد الطائرة التي لم يقم بحجزها حتى !

تشتُّتٌ لا يُطاق !

رأسها موشِكٌ على الانفجار !

مالمدعاة إلى كل هذه المتاهات ؟

أَلم يمكنهم المكوث في بيته حتى موعد طائرته ؟

يومٌ ما ستموت تيهاً على يدِ هذا الرجُل ..



حرص على أخذ وجبة عشاء في طريقهم .

ثم قصد فندقاً عشوائياً ، اكتشفا فيما بعد أنه مرتعاً لطائفة من الصراصير ، وعشيرة من الحشرات الرَّمادية التابعة للمستنقعاتِ المائيَّة تحومُ بكلِّ زاوية وتتكاثر أمام الثلاجة المفتوحة والمملوءة بالماءِ المتسرِّب ذو الرائحة الكريهة.

عاصفة الغضب المخيفة حولتها إلى شبحٍ بلا روح ، كاد الأمر يتطور لاستدعاء رجال الشرطة لمعاونتهم على الثائر المسعور .



وانتهى اليوم على خير بحمد اللهِ باستقرارهما بفندقٍ آمن خالٍ من أي نقطةٍ لها أرجل .

يحادثها الآن بهدوءٍ وسِلم لا يوحي للرَّائي بأن هذا الشخص كَان منذ نحوِ ساعتينِ وحشاً هائجاً انتزع قلوب قاطنو فندقٍ بكَامله قبل عملائه .


















. . .


















(لندن)

السَّاعة 9:00 مساءً بتوقيت جرينتش .



إنها الآن في لندن ،

لماذا في لندن ؟ العلم عنده .



كل ما علمته ، وأيقنته ، ..

أن (رجُلُهَا) مُختلٌّ تمَّ إثباته !




تقطع الصالة الضيقة جيئة وذهاباً .

متلفة الأعصاب ، أقدامها تأبى الجلوس .


عليها البدء بالتصرف منذ هذه اللحظة .. قبل يهلكانِ معاً .

أياً تكون علَّته أو داءه ، يلزم أن يُزجَّ حالاً لمصحة عقلية أو نفسية قبل يتدهور ويصل للجنون الفعلي .

ينبغي أن تبدأ في التحرُّك بأسرعِ وقتٍ قبل ينتزعها العالم الآخر عنِ الواقع .


إنها ما تزال على بصيرتها .. يمكنها التصرُّف .. يمكنها التَّفكير .. يمكنها الإدرَاك ..

نعم هكَذا ، عليها أن تستمر في تشجيع نفسها بأي وسيلة ، عليها أن تقاوم .. حتى تستدعي الطوارئ !



بلا وعي دلفت الحجرة الوحيدة للشقةِ الصغيرة التي لم تعتد عليها بعد ، تبحث باضطراب عن أي شيء سيساعد على تمديد صبرها حتى عودته .

أمسكت بهاتفها لتلهي نفسها بأي لعبةٍ ، أطلقت صرخة بائسة خافتة لا تعبر عن مدى ما داخلها من تعاسة .


كل شيء يذكرها به ، كل شيء يعيدها إليه ..

تهرب منه لتعود إليه ..



- كهرمانتي ليش زعلانة ؟


قفزت جزِعَة ، كيف أمكن لهذا الجنِّي التسلُّلَ دونَ صوت ؟


شعرت بقدميها تفارقانِ الأرض ، تُحلِّق في الهواءِ فوق رأسه .

ثم بفمِه صار بأُذُنِها ، يهمسُ بشاعريَّته المَريضة :


- أميرتي الكهرمانية .. بطلك جايب لك مفاجأة ..




أصدقاؤها اللُّطفاء عادوا ..


وجَّهتها عاطفتها غريزيَّاً صوب القفصين .


أخرجت القطَّة غزيرة الفرو ، تقول بلهفة :

- وين الباقيين ؟

- الباقين بالطريق ، عطلهم البنزين .


انغمست بمداعبة قطَّتها واحتضانها متجاهلةً نكتتِه السَّخيفة .

لاحظت الاختلاف بوزنها ، شتمت بداخلها المُهمِل الذي أشرف على رعايتها .

انتابها القلق بشأن باقي الأصدقاء ، متسائلةً إن كَانَ شخصٌ واحد أشرف على رعايتهم جميعاً ؟


عاد يصِرُّ على جذب انتباهها بينما أناملها تتسلل بين الحدائد الرفيعة لقفصِ الهامستر السَّاكن .

- ما سألتي وش مقابل البنزين ؟


ما بالُ هذه النُّكت المبتذلة والخرقاء اليوم ؟

ليته يخرس عن أن يُثير اشمئزازها بهذا الشكل .


مدَّت كفها تطلبه مفتاح المطبخ لتحضير العشاء .


- مب جيعان ، أنتي جيعانة ؟




نهضت بعدما رحلَ لاستبدالِ ثيابه نحو حاجيات القطة والصديق الآخر بنيَّةِ ضيافتهم بوجبةٍ دسمة .



تردَّدت كثيراً قبل الدخول لحجرتهما الداكنة .

استفسارٌ يلحّ عليها ودَّت طرحه .



هل نام ؟


كان مستلقٍ ولم يزل على ثيابه الذي نوى تبديلها .

ذراعه على وجهه أعاقها عن التأكد من نومه عن يقظته .


أصدر حركة صغيرة جعلت قدمها تخطو للخلف تلقائياً .

يبدو أنها ستتراجع .. إنها أضعف من أن تقطع هذا السُّكون ..


ما ان نوت العودة للخارج ، صلَّبها في مكَانها الصوت العميق .

قابلت الحدقتين الحالكَين السَّواد بعيونٍ غلبها التوتر .


اخترقت الحجرة تركض مشياً .

ما بالُ المكَان صار أكبر ؟

كَم طويلةٌ المسافة ، متى ستصل إلى هاتفها ؟



- كلي قبل تنامين ، لا تنامين وبطنك خالي ، تبين أفتح المطبخ ؟



قبضت على الهاتف تتنهد بارتياح .


لكنها لم تقطع سوى نصف المشوار فقط !


صراعٌ داخليّ غير محتمل .



- كم مرة بأعلمك لا جيت أكلمك لا تعطيني ظهرك ؟



لا تنقصها هذه الأوامر ..

مالعمل الآن ، هل تلتفت ؟ أم تفرّ راكضة ، أم تظلَّ على جمودها ؟

سيقانها المتسارعة مابين مُضيٍّ وَ جمود أُصيبتا بالتَّشنُّج ..

أربطتها الصليبية تشرع على التمزُّق ..


بلا مزيدٍ من التفكير استدارت وبصرها مثبَّت على مخرج الإنقاذ .



- بنت ؟ وفاء !

تسمعين ؟



أيادٍ كَأيادي الزومبي تنمو وتلتف حول ساقيها ترغمها على التيبُّس .



- تعالي .



لا .. طلبٌ أكبر من حجمها ، إما أن يأتي هو .. أو يأخذها إليه ، وإلا فلا ..


لوهلة أصبحت عنده ، لا تدرِ إن كَانَ من أخذها .. أمْ هيَ من أتَتْه .

فما انحنى قليلاً جالساً حتى صارت عنده .


صمتٌ مُطبَق .. صمتٌ طويل ..

ماذا يفعل .. ؟



- احلويتي ..



طرفت عيونها بتوتر .



إذاً لقد لاحظ ..!

لِمَ كان صامتاً إذن ؟

طيلة هذه الأيام كانت تنتظر ثناءه بتشوق ..


غلب الشعور بالراحة على القلق حالما مرَّت الكفّ السِّحريَّة على شعرِها المُرتَّب .


- ظنيتك نسيتي كيف الناس تمشط .


كَسحت الحرارة وجنتيها ، يصرُّ على إحراجها بكُلِّ موقف ، مالمانع لو تركَها تنعم بإطرائِه ولو قليلاً ؟


لعلَّما له الحقّ بالسُّخرية ما أنَّه لم يقاسي آلاماً بحجمِ التي كانت تنخر ضلوعها ، وكَأنَّ كلّ حبةٍ من الxxxx محقونةٌ بآلامِ الأرض .


غطَّت فمها بكَفَّها تمنع أيّ ضحكة من الانفلات .

لكن بها تكتشف أن الأبله لم يكن يداعبها ، لم يكن سوى يتفحص أمعائها !


- امشي ..


راحَ يجرها خلفه وهي تفكِّر ... أهكَذا يكتشف الأشخاص الجوع يا تُرى ؟














صار خفيف النوم خلال الأشهر الأخيرة ، أقلّ حركة توقظه ..


واقفةٌ على فتحة الباب ، مستندة إلى قاعدته الخشبية ، تراقبه على الضوءِ الخافت القادم من الصالة .

بين أصابعها قطعة الورق المطويَّة ، التي لم تجرؤ استخدام محتواها .


قام بإسعادِها اليوم ..

لن تُقْدِمَ على خيانتِه هذه اللَّيلة ..

إنها أضعف من ذلك ..



علَّها تستعيد قوتها وتصميمها في الغد ..

حيث سيكون تأثيره عليها قد قلَّ ..

ليسَ أمامها سوى الصبر ..


لكن عليها إعادة سلاحها السري إلى مخبئه ، كيف بإمكانها تنفيذ ذلك دونما إيقاظه ؟

المخبأ الأصلي لا يكون سوى المكان الذي ينام به !


البيت شبه خالٍ من الأثاث ، أين يمكنها إيجاد مخبأً مضموناً آخر ؟

أم تجعل القطة تبتلعها ، ثم إذا حانَ الوقت استخرجته ؟



بحذرٍ شديد سارت على أطرافِ أصابعها ..


يا إلهي ! أيُّ نوعٍ من الإحساسِ يملك ، أهو فضائيّ .. أم كائنٌ خوارقيّ ؟


(أرجوك لا تستيقظ ، أرجوك لا تفتح عينك)


تنهَّدت في داخلها .. حمداً لله ، يتقلَّب فحسب .


جثت جالسة أمام خزانة ثيابهما والتي لم تكن سوى صندوقٍ صغير يحوي أدراجاً .


هل يمكنها فتح درجٍ دون إصدار صوت ؟

تحتاج إلى كاتم صوت ، أليس من المفترض أن يخترعوا عازلاً لأصوات الأبواب ؟ فأحياناً صوت الباب يكون مزعجاً عند الإغلاق ، العالم بحاجة لاختراعٍ هكذا !

لكن هل الأدراج هذه مخبأٌ آمن ؟!

لا ، لا تشعر بالرَّاحة ..


حالَ وبر جسدها إلى إبرٍ على صريرِ السرير يعلو من جديد أسفل الجُثَّة الثَّقيلة .


- وفاء النور يضايق .. سكريه .. والا قفلي الباب ..


في أقلِّ من جزءٍ من الثانية صارَ الهواء المثلج يخترق جلدها ، تركت الرِّداء يقع وسارعت بفتحِ أحد الأدراج .. مع الوقت الذي أدخلت يدها أسفل الصندوق ، ليستقرَّ السِّلاح على الزاوية مابين القاعِ وَ حافَّة الحائِط .


جذبت رداءً عشوائياً ، وجعل ينسابُ على جسدها صادَّاً عنها اللفحات الباردة .

وهاهي تنجو بجلدها ، تغلق الباب بهدوء .. مُتمِمَةً مهمَّتها المخابراتيَّة بنجاحٍ .


ألقت بنفسها على إحدى المقعدين اليتيمَين .


مغمضة العينين ، تتنفس بعمقٍ ، غير مصدقةٍ النجاة .



أتاها مواء القطَّةِ المُدلَّلة .. تتمطَّى بكَسلٍ ..



( مالذي أيقظكِ يا صغيرتي ، هل يكون لكِ صلة قرابة برجُلي ؟ )






* * *




btc




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-12-15, 11:03 AM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-


















. .






























ما العمَل مع هذا الولد ؟




حطَّت الهاتف ، في حينما تطلق عن سراحِ تنهيدة الأُمِّ القلِقة .



إِذن لجأَ لـِ الهرب .



وكأنَّ كل الجينات الشيطانيَّة لجدِّه اجتمعت بدماءِ هذا الابن .





مالذي يفعله الآن بتلك الضَّعيفةِ العاجِزَة ؟



السؤال الذي يلحّ على خاطرِها ويرهقها هو .. كيف تمكَّن منها ، هل تكون مخطوفة ؟






منذ فترة بلوغه المراهقة وهي تلحظ اختلافه عن أشقَّائه وتفرُّده عنهم .



الميولُ الإجراميَّة والعشقُ الأزلي للدِّماء ، وحبُّ التَّعذيبِ الذي يظهر ساعات الجنون والنَّشوة .

ثم وبالسَّوداويَّة وغطاءِ الاكتئاب الحادِّ الذي يحلَّ بلا سببٍ ، تجعل الشَّخص يعتقده تلقى خبرَ مصرعِ عزيزٍ عليه .

تقلُّباتٌ مزاجيَّة مخيفة كَما ولو الطِّفلَ يحوي شخصَين متناقِضَين ، مختلِفَين كُلّ الاختلاف من كُلِّ النَّواحي والأبعاد .




الشكَاوي لم تكُن تكفّ عن الإمطارِ فوق رؤوسهم ، حتى الأطفال الصِّغار لم يحظوا برحمتِه .

وَكلَّما عظُمَ العِقاب كلَّما تفاقمَت ممارساته الجانِحة ، خشيته من والده حدّ الرُّعبِ لم تساهم سوى في استفحالِ تمرُّده ، وكَأنما ينشدُ وراءَ العقاب ويرَتَجِيه .



كانت أشدَّ مرحلة مراهقة يلاقونها من بين أشقائه الآخرون سواءً مِمَّن يكبروه أو يصغروه .




لطالما اعتقدت استحالته لأن يكون رجلاً صالحاً للزواج ، وهاهو ذا يصعقهم بخبرِ زواجه منذ أشهرٍ قليلة فقط ، ولم يقع اختياره سوى على هشَّةٍ رَقِيقة يتيسَّر عليه هشمها بإصبعٍ .




تعلُّق الفتاة به ، وسترها عليه ، لا يمكن وتقود ذلك لسببٍ إيجابي .

الطفلة لا تطمع سوى بالمادَّة البيضاء الخبيثة المعبئة جيوبه .

الوسيلة التي نجح عن طريقها باجتذاب الغشيمةِ إليه .






فليحفظ الله الطِّفلة ..

ويُنجي الولدَ من العواقبِ ..

عسى ألَّا تلقى حتفها على يدِه ..


















* * *


















- .... وفاء .... وفاء ....


أتته راكضة بالمنشفة التي يتقاطر منها الماء بغزارة .


ثم انهمَّت عليه ، تلف المنشفة حول عنقه .


- ... وين تحطينه ... تبين تخنقيني ...

... وفاء تستغل ضعفي ... حبيبتي تبي تموتني ...


أبعدت يده وقامت بإعادة المنشفة المبتلة : ماما تقول هنا يعطي مفعول .


- ... من وين جايبة الماء أنتي ... ناوية علي وفاء ...

... تزيدين الحرارة ... عشان أموت ...


- ماما تقول المويا الباردة مرا .. خطر .


- ... ماما ماما ... لا تجيبين سيرة هلك ... أكرههم ...

... لا ... مب أهلك ... أنتي يتيمة ...



حاولت جاهدةً حمل ساقيه المتدليَّة خارج السرير راغبةً في تعديل وضعيته الأفقية .


- .. خليني كذا .. غرقتيني وفاء .. اعصري المنشفة ..


بالفعل كانت قد تكوَّنت بركةً من الماءِ حول رأسه .



عادَ من عملِه في منتصفِ الدَّوام بحالٍ مقلوب معاكسٍ عن الذي كَانه في الصباح .

بالكَاد أمكَنه السَّير وكَم من مرَّة تعثَّر وكَاد يسقِطها معه .



- ... وش تبين بآباطي ... لا ... Over ... أنتي دموية ... وفاء !!!!


- ماما تقول هنا يعطي مفعول قوي !


- ... My wife ... will kill me ...


- بآخذ مفتاح المطبخ متعب .. بأسوي شوربة ..


حرَّك رأسه بوَهن .


- عشان الدواء ، لازم!

- .. كيس الأدوية .. وين حطيت ..

- بآخذ المفتاح ، طيب ..؟


أوقفها بقبضةٍ قويَّة تناقِض الضَّعف الظَّاهر .


- متعب لازم تاكل ، أنت ما فطرت!


وضع ثقلَ رأسه على رجليها يُعِيقها عن النُّهوض .


- تجي معي طيب ؟

- .. عمياء أنتي ..؟ .. مو شايفه ..؟ .. ما أقدر أتحرك ..


حاولت الانزلاق فتشبَّث بها ، جاهدت باستغلال ضعفه ومقاومة قيدهِ بمثابرة .. إلى أن تفوقت بمعجزة ، وهربت تجري بعدما اختطفت محفظته .. تاركةً وراءها نداءاتِه الواهِنة يرجوها ألا تموت ..






فتحت ثغرها تُسَاير رغبته ، تستقبِل ملعقة الحسَاء المُرتجِفة .

ثم استعادَت الملعقة منه بعدمَا أشبعَ رغبته وتسبَّب في تلويثِها ومَلابسها .

وعادت تواصل إطعامه .


تسقيه الحسَاءَ تارَّةً .. وتمسح أنفه تارَّةً ..


- خل .. بعدين ..

قالت بلينٍ وهي تُنزِل يده المُمْسِكَة بالمنديل ، يُحاوِل تنظيفها من آثارِ ملعقة الحساء التي أسكَب نِصفُها .




- .. أنتي زوجة مثالية .. وفاء ..


أعادت كأس المَاء بعد أن أشربته خافض الحرَارة .


قام بتنبيهِها ، طالباً :

- فيه مضاد حيوي .. طلعيه ..


عادت إليه ببصرها القلِق :

- لا .. ماما تقول خطر ..


- أمك أحسن من الصيدلي؟ .. ياللي درس سنين وتعب .. عشان آخرته تجين أنتي تقولين ماما قالت؟


- الصيدلي هذا متعب .. هو نفسه تسبّه وأدويته اللي تتعبني ..


أسند رأسه المُرهَق إلى صدرِها يقول بانزِعَاج : وخري هالعفش ..

تخلصت من صينيَّة الطَّعام بإنزالها إلى القاع ، فتمدَّد يرتاح في رقوده .

- وين المفتاح ..


- ما سكرت المطبخ ، أقوم أجيبه ؟


سكَت لهُنَيهة ، ثم تكَلَّم : لا .. خليك كذا ..


- رجعت الحرارة .. أسوي كمادات ؟


- .. لا تتحركين ..



سرعان ما رحل لعالم النوم ..

جُثَّته يتضاعف ثِقله ..


حلَّ السَّكون بشكلٍ جعلَ الكَسل يدبّ فيها ..

جاعلاً النُّعاس يتسلَّل إلى أهدابها ..


بدا كَطفلٍ مُدلَّلٍ صعب التعامُلِ اليوم ..


كثيراً ما يكون طفلاً ، لكن لم يسبق وجعلها تعاني كَالآن ..

اعتادَ يكون طفلاً لطيفاً .. يُرغِم قلبها على التجاوبِ معه ..


















* * *

















مُذ أوَّل مرَّةٍ وقعَت عيني عليه ..


خلف زُجاج تلك النَّافذة ..


ومُذ ذلك البَرِيق في عَينيه ..


الذي رأيتُ فيهِ من يُساري جنُوني ..


منذ لحظتُ لمعَة الجنُونِ في تلكُما العينين كَاللَّيل الحالِك في سوادِهما ..


وليس أيُّ جنون ! ..


جُنُونٌ يُلائِمُني ! ..



منذُ تلك اللحظة .. علِمتُ أنه رجُلي ..




رجُلُ النَّافذة المجنُون .. مُراهِقَة البَاليه المَجنُونة .. في رقصَةٍ فوق قُطنِ السَّحاب ..


















* * *


















تكَافحُ في سحبهِ معها ، ثمَّ بها تدفعه إلى الحجرة ، وَ ركَضت تسبقه إلى الداخل .


جلست إلى جانب السَّرير ، تفتح إحدى الدرجين المستطيلين بالقاعدة السفلية من السَّرير .

وَ أحنت رأسها حتى افترشَ شعرها الطويلُ على سطحِ الأرضيَّةِ الخشبية اللون ، تتأكد من وجود الشَّيء الذي أخرجها عن طورِها .


هذه الأدراج اللعينة تحتاج إلى صيانة ، لا تُفتح بالكامل .


استقامت بسرعة جالسةً ، تمدُّ ذراعها تطلبه الاقتراب .


لم يقم بمحاولة الهبوط حتى ، وجدته يبسط كفه لها يدعوها للقيام .

وقفت على ركبتيها تسلَّم يدها له لا شعورياً .

- أنت .. حطيتهم ؟


رفعها إليه ، مخمِّناً : عيونك تحولت دولارات ، لا يكون كنز .. فلوس ؟


أخذت تقفز فرِحةً مؤيدة .


خفقَ قلبها على ابتسامته السعيدة .



وإذ بفرحتها تخمد وَ تتلاشى ..

هل يقصد بذلك ..

ليس حقيقي ؟ ..



- سعيد حبيبتي بهالنشاط ، خفت آلام جسمك ؟



أصابها التخبُّط فجأةً ، كَما سهمٌ مشحونٌ بجميعِ رفاقها المعتادين من الخجلِ وَالقلق ، وانعدام الثقةِ وَانخفاضِ الذَّات .. يخترقها من منتصفِ صدرِها .. مُعِيداً الرفاق إلى مسكَنِهم !

قاومت تلك الرَّجَفات البائِسة التي اكتسحتها ، انتظرت بانقباضٍ أن يحرِّر يدها المثلجَة .


ثم تذكَّرت جبال النُّقود الورقيَّة أسفل سريرهما ، مالذي سيفيدها به كنزٌ تافه بالمحنةِ التي تقابلهما ؟

زوجُها ليسَ بحاجة إلى كنوز الدنيا بأسرها بقدرِ حاجته إلى تدخُّلٍ علاجيّ ، و فوريّ .



- وفاء .. أنا آسف ..


لم تكن في نبرته ما يوحي بالنَّادِم .. أو بمن يعاني تأنيب ضميرٍ ..

إلا أنها تُدرِك كفايةً ما يعتمل صدره من مشاعر وأفكَار ..


انفعلَ على حينِ غرَّة ..

نقلَ لها رجفة أيديه القابضة ذراعيها ..

وقال يهمس :


- تدرين وش قاعد أسوي وفاء ؟ وفاء .. أصلاً الحين ..

تدرين إنك مريضة وفاء ؟ أنتي باقي صاحية ؟



أفلتها فجأةً ..

انهار جالساً ..

يقتلِع شعره ..



حانت زيارة النَّوبة ،

نوبة الصِّراعِ والنَّدم .

اعتادتها منذ بدأ بقطع الدَّواء عنها .



- أنا قاعد أقضي عليكِ وفاء ..

.. بس أنا أبيك !

وفاء ؟ أظني مجنون !



هبطت عنده ..

تحاول فعل شيء ..

ترغب بتهدئتِه ..



- الغداء ..



ظلَّ بلا حرَاك لحينٍ ، حتى لظنَّته لم يسمع .

لكنه تحرَّك يخرج لها ما تطلب ، ومدَّ به إليها .


تمَّنت لو تستطيع احتضان يده فيما تلتقط المفتاح .


- أبي مرايا ..


مالذي تهذي به ؟ مغفلة .

من المفترض أن تواسيه !



لا يزال مطأطئ الرأس ،

لقد حدَّت من كآبتِه بحماقتها ..

.. اوه ما العمل الآن ؟



مهلاً ، مابه ؟

هل يضحك ؟


ابتعدت بخوف وهي تراه ينفجر ضاحكَاً ويلقي بنفسه إلى الأرض .


جُنَّ الرجل بالفعل ، عليها أن تسارع بطلب النجدة !


لم تجد نفسها سوى تفرّ بجلدها إلى الخارج قبل يعديها بالجنون .



رحلة الإنقاذ يجب وَتبدأ هذه الليلة .

لن تسمح لعواطفها بالتغلُّب عليها هذه المرَّة .


















* * *



















أَتأمَّلُ انعكَاس كَهْرمَانتِه ..

على السَّطحِ الصَّافي للمِرآة ..

أُحاوِل تخيُّل انطباعاتِه ..

لو رأَى هذه الخُصَلِ القصِيرَة ..



هل يا تُرى سيُفتَن بها .. ؟

أَمْ تُراهُ سَيغضَب ؟



لكن ماذا لو لم يُلقِ بالاً ؟

ماذا لو .. لم أَعُد أشغل حيِّزاً به .. ؟


ماذا لو ..

تمكَّن من اجتيازي .. ؟




يبدو أنِّي سأُعِدُّ سكِّيناً لطِيفاً تحسُّباً لهَذا الطَّارئ ~


















* * *


















مُعجِزَة ...


لا بد مِن أنه ذاكَ "التَّخاطُر" الذي يُحدِّثها عنه !...



شهِقت ، أغلقت الهاتف بالخطأ !

تنهَّدت .. بلهاء ، فقد باتت تعرف الرَّقم السِّري .


عادت تدخل أرقام تاريخ مولدها في الخانة ، لتستقبلها شاشة الهاتف بترحابٍ .

على الفورِ بحثت عن أيقونة جهات الاتصال .


وبدأت أناملها المهتزة باحثةً عن اسمٍ يدلّ على والدتِه .



تاريخ ؟


طريقته في اختيار الأسماء عجيبة .

أَهو مهووسٌ بالتواريخ ؟


أليست السنة المسجَّلة هي السنة الحالية ؟

وهذا الشهر ،

إنه الشهر التعيس .. شهر زواجهما .


أيكون التاريخ ليومِ زواجهما ؟

ما كَان تاريخ زواجهما ؟

لا تذكر حتى بأي يومٍ من الأسبوع حصَل .


لمَسَت الاسم ذو التاريخ لتدخل .


بالفعل ، ليسَ سوى رقمها .. هذه الأرقام لشريحتها التي سُلِبَت !


رومنسيٌّ مثله توقعته سينتقي مُسمَّىً شبيهاً بـ .. أميرَتي الحبيبة ، أو كَهرمانتي الغالية .

أم أنَّ تلك الكلمات المعسولة ليست أكثر من عبثٍ وتباهٍ .



لا وقت لهذه الهراءات ، أين هيَ والدته ؟ !



لم تستطع كبت نار الغيرة من الاشتعال بجوفها ، أسماء الإناث يكاد يفوق الذكور .

أمسكَت رأسها والصَّدمة طاغية ، ماهذه الأسماء المشينة ؟


لا يمكنها المتابعة ،

ليسَ والغضب أفقدها التركيز ..

أغلقت الهاتف نهائياً ورمته جانباً .


أمسكت رأسها المُتألِّم .. الصُّداع الرَّهيب لم يكفّ عنها منذ ساعة العصر ، لابد أنها بداية انفلونزا .

نقلَ لها العدوى وهاهو الآن يسعد ويمرح في أحلامه الهانئة .


مالذي تفعله بحق الله ؟

عليها إنهاء المُهِمَّة قبل يستيقظ .




( Madam )


إن لم تكن هذه ، فهذا يعني أن والدته لا وجود لها بالهاتف .

دققت بأرقام هذه المدام تعتصر مخها اعتصاراً ، تجاهد في تذكُّر هيئة الرَّقم الذي كان مسجَّلاً بهاتفها .



تردَّدت ..



هل هذا وقت التردُّد ؟

لا وقت حتى للتَّفكير .



لكن ، ..

هل سيؤذونه ..؟

لا تريد أذيَّته ..



تراجَعت سبَّابتها عن أيقونة الاتصال .. مُنسَحِبة .



لن تحتملَ رؤيته يتأذى ..

بالكَاد احتملت رؤية تلك الآثار على جسده ..

ستموت إن تأذى !



غاصت بوجهها بقماشِ ظهر المقعد ..

استنشقت دموع أنفها ..

صِراعٌ لا يُحتمَل ..






وضعت الهاتف مكانه .

أصدرت حلقة المفاتيح صوتاً جرَّاء اصطدام يدها ، لولا سلاح التنويم لكانت قاب قوسين أو أدنى من الموتِ قتلاً .


صعدت إلى السرير لأولِ مرة في هذا الوقت من الليل مذ إقامتهم هنا .

امتدَّت ذراعيها تبحث عنه وسط الظُّلمة الحالِكَة .



هل سيبعدونه عنها ؟

هل سيضطرون للجُّوءِ إلى عزلِه ؟

إنَّه وحشٌ كاسِر إذا غضِب ،

عشرةٌ غير كافٍ لردعِه .



راحت في عناقٍ حميم .. تستشعره ..

تتنشَّق رائحته .. تلثمه بحرارة ..

أنامِلُها تتخلَّل شعره .. تتحسَّس نعومته ..



إنَّها تعشَقه ..

مُتيَّمة بِه ..

لن تحتملَ فرَاقه ..













* * *




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:59 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.