آخر 10 مشاركات
هيا نجدد إيماننا 2024 (الكاتـب : رانو قنديل - )           »          379-لا ترحلي..أبداً -سوزان إيفانوفيتش -مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          378-ثورة في قلب امرأة -تامي سميث - مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          نصيحة ... / سحر ... / الأرملة السوداء ... ( ق.ق.ج ) بقلمي ... (الكاتـب : حكواتي - )           »          377-حب من أول نظرة -بات ريتشارد سن -مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          376 - الهروب من الواقع - جودي بريستون - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          375-فتاة لعوب- كاي سميث-مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          374 - حورية الغابة - ديبورا هوبر - م.د ( اعادة تحميل وتصوير بعض الصفحا)** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          373 - العش الدامي - ليندا بوشستر - م.د** (الكاتـب : سنو وايت - )           »          371-بركان الحب -فران ريتشاردسن-مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-12-15, 05:15 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



-

































الفصل الثالث عشر

































. .



















































- خالتي وفاء ؟


التقطتُ الطفل ذو اللثغة ، أرفعه عالياً .


- حبيب خالتك وفاء ..


مدَّ ذراعيه يدعوني لإنزاله ،

فأجلستُ الجسد الضئيلِ للغاية بقاعدةِ ساعدي .


- ماما تقول لك .. اعطي حمودي .. العصفور ..


تجاوبتُ معه مقلِّدة لثغته الظَّرِيفة :

- العصفور ؟ اسمه كناري حبيبي ..


التفتتُ للصَّوتِ الأنثوي الصَّادرِ من خلفي .

- كم مرة بأعلمك لا تقلدين كلجات الأولاد ؟


أطلقتُ ضحكةً ، أشاكِسها محاولة إثارة حنقها :

- دخيلك ، أقلها لاقين كبير يحكي معهم ..

ليت تعطونهم وجه ، على الجوالات والفصفص .


- ارحمينا يالأم المثالية .


سلَّمتُ الطفل لوالدته ، وأغلقتُ أنفي مشمئزة :

- ريحتك فصفص ، انتبهي تصرعين الولد .


رحتُ أسير بلا هدف ، وفي لحظات شرود لقيتُني أنحرف نحو المطبخ .


- جابك الله ، تعالي ماما كملي عني .. تعبت والله ..

خواتك متسدحات مع عيالهن وتاركنني أكرف ما يستحن ..




هذه زيارتي الثانية لأسرتي منذ عودتي إلى الخارجِ .. حيث جامعتي .

عودة إلى الدِّراسة من بعدِ عامينِ من الانقِطَاع .


يُحزِنني أن أهدرتُ الكثير من العمر ، مِن المفترض هذه سنة تخرُّجي .

ولو حسبنا العامينِ الضائعَين قبل الانتسابِ للجامِعة ..

لكنتُ الآن امرَأة عامِلة ، وَ موظَّفة لها هيبَتها .




انشغلتُ بالعمل الذي كلَّفتني والدتي ، وَ كَما العادة ...

لم أستطع منع عقلي من الانتقال لمكانٍ آخر ..



أنهيتُ عملي ، وَ رحتُ أجولُ المنزل برأسٍ فارغ ..

كَما لو حال عقلي إلى صفحةٍ بيضاء ..

خالية من أيّ أفكار .


صحوتُ على مروري بحُجرةٍ احتضنوا أطفالنا مع الألعاب والتلفاز ، كَحيلةٍ للتَّخلُّصِ من صخبهم وجلبتهم .


وجدتُني غريزياً أدلف إليهم ، حيث بعضهم على التلفاز ،

والبعض الآخر اجتمع على الجهاز اللوحي لرفيقهم .



انتقيتُ من بينهم طفلاً من مجموعة التلفاز لا يتجاوز السَّنتين والنِّصف ،

وغرقتُ معه بأريكةٍ أمام شاشة البلازما العريضة ، محتضنةً الطِّفل الذي لم يرفع بصره عن الشاشة .

ورحتُ مقلدةً إياه ، أتابع الرُّسوم المتحرِّكة ذات الألوانِ الفاقعة .. بشرودٍ أكثرَ منه تركيزاً .




- ليش ؟



تساءلتُ ، أخاطبُ الغاضِب الصَّغير الذي قام بشدِّ شعري .


أجابني بلثغةٍ تفوق الطِّفل سابقه :

- أيمن زعلان .


أعدتُ تركيزي إلى شاشة العرضِ أتساءل إن كان فيلمهم المعروض انتهى ؟


ثم قلتُ بلُطفٍ : ليش أيمن حبيبي زعلان ؟


أشارَ بعُبُوسٍ ، إلى طِفلٍ ما ..

الطِّفل الذي كان بأحضاني منذ دقائق .


فهِمتُ مغزى الولد الغيُّور ..

لم أتمالك عاطِفتي الجيَّاشة أمام سبَّابتِه اللَّطيفة الممدودة .


احتضنتُ يده الممتلئة .. أقبِّلها ، عضَّيتُها برِقَّة ..


إلا أنه قامَ برمي ضربة عشوائية بوجهي بيده الأخرى .


غمرتُهُ باحتضانٍ أُمُوميٍّ فائِض ..

دافنةً وجهي بصدرِه الغضّ ذو الرائحة العذبة ،

ما دعاهُ للضَّحكِ .. ظنَّاً أني أُداعِبَه .


رفعتُ رأسي بلهفةٍ لأُمتِّع عينيَّ بالغمَّازتينِ ..

اللتينِ كُلَّما برزت .. تُشعِرَانني بالحَنينِ ..

إلى مصدرِهِما الأَصلِي ..


قبَّلتُ كِلي الغمَّازتين ، بشغفٍ : أحبك حبيبي ..


ردَّ مُقلِّداً إيَّايَ :

- .. أحبك .. حبيبي ..



ضحِكتُ بحُبٍّ .



- كه .. كه .. كرتهي ..


- كهرمانتي ..


- كه .. كرنهتي ..


- كهرمانتي .




يبدو طفلي باتَ أكثرَ هوساً مني بشخصيَّةِ والدِه .



لا أعلم إن كَان مُدرِكاً لكَيف يعني كونَ الرَّجُل الذي أدمن رؤيته .. هوَ أبيه ،

لكنِّي لم أكُفَّ أبداً عن رغبتي بمُشاركَتِه إيَّاي بالإعجابِ بالرَّجُل الذي يكون والده .



اعتدنا نحن الاثنين دوماً ..

بلْ أدمَننا .. !


أدمننا ... مشاهدة صوره ، ومقاطع الفيديو الشقيَّة ،

ومقاطعه الصوتيَّة المُضحِكة بمخزونِ هاتفي .


حفظنا كُلَّ ما يقول في كُلِّ مقطع ..

صرنا نردِّد معه ونغطِّي على صوته ..

وكُلٌّ منَّا يتحدَّى الآخر ويتباهى بالحفظ ،

وقُدرتِه على تقليدِ نبرَة صوتِ (بطلِه) ..


أصبحنا نعرف مواقع ضحِكاته ..

في كُلِّ مرَّة نستمِع إليه ..

ينتظر طفلي ضِحكة والدِه المميَّزة ..

فيخِرَّ ضاحِكاً ، وأتبعه أنا بدوري ..





- وفاء وينك ، ما شاء الله مرتاحة ونحنا نكرف .


- واضح ، من شوي ماما بالمطبخ لحالها ..


- توني جايه لا تظلميني معهن !

وكان تحركتي ساعدتيها يا مهتمة ،

قومي بس تعالي ، لا تفشليني قدام حماتي .


- أنا ما أدري ايش يجيب حماتك ، الحمدلله ما جبتي قبيلة زوجك بكبرها .

هلا حبيبي ؟


أحنيتُ رأسي إلى صغيري الذي أعاقني عن الذَّهاب متشبِّثاً حالَ أعدتُه بين الأطفال .


- .. أيمن حليب .. ماما ..


حملتُه إليّ وخرجتُ به أتبع شقيقتي الكُبرى التي غادرت ساخِطة .. أو رُبَّما خائِفة ..

خائِفة من كَوني (مُطلَّقة) ، من كَوني قد أشعر بالحسدِ أو الغَيرة ... مِن السَّعيدات المتزوِّجات .










أُمسِكُ بكتابِ الواجب الخاصّ بطفلِ الرَّوضة المسكين ، الذي أتى به مُحمَّلاً خائفاً .

وقد انشغلتُ بعدِّ خانات الحرف الواحد الذي بلغ عددها الخمسون !



- يبونه يكتب الحرف خمسين مرة ؟


هتفتُ باستفظاعٍ ، لتردَّ عليَّ والدته الغافِلة :

- لا يا عمري عليها معلمتهم .. مدلعتهم .. طالبة بس عشرين خانة .


أدرتُ رأسي بفؤادٍ مُتوجِّع ، إلى الذي لم يُكمل الرابعة من عمره .


عقَّبتُ قائِلةً :

- تدرين هناك عندنا .. لو اكتشفوا معلمة روضة تمسِّك قلم لطفل لأجل يكتب ، راح تتعرض للمحاكمة .


- عندنا أجل .. ارحمينا يالإنجليزية ، على أي أساس تدخلونهم روضة ؟


- يعلمونهم الحياة الاجتماعية وتكوين الصداقات ، يتعلمون الكلام والتواصل .. والتعبير عن النفس والمشاعر ، يلعبون ..


قاطعتني بجهلٍ مَقِيت :

- يلعبون ؟ كان معد للروضات حاجة ، أغلقوا الروضات يا شعب !


- خليتي كل شيء قلته .. وركزتي على اللعب ؟

وليه مستصغرة اللعب ؟ اللعب أهميته ما تقل عن أهمية القراءة والكتابة ،

اللعب يساعد على النمو العقلي عند الطفل ، له دور مهم في الذكاء .


تدخَّلت شقيقتي الأخرى والتي بالطَّرفِ الآخر من المجلِس :

- دام على اللعب خلوهم في بيوتهم ، ليه فاتحين روضات ؟


- أنتم خليتوني أكمل ؟


- كملي يختي !


- يحرصون يعلمونهم العلوم عن طريق استكشاف البيئة ، يتعلمون كيفية المحافظة على الصحة والنظافة ...


- بس كذا ؟ خليهم بالبيت أحسن يختي ، هالأمور بإمكان أي وحدة تعلمها ولدها .


استأنفتُ حديثي غيرَ مباليةٍ بالمداخلة :

- كذلك يهيئونهم لأجواء المدرسة .. ويعلمونهم الفن .. يعلمونهم العدّ ، لكن ما يكتبون أبداً ولا يقرأون !

المعلمة فقط تقرأ والطفل مستمِع ! ...


عادت أم الطفل تتحجَّج بأعذارٍ خرقاء :

- يا ستي ، أنا وحدة أبي ولدي يدخل المدرسة .. مستعد كتابة قبل قراءة ، يكون أحسن واحد ، يرفع راس أمه .


- يا إيناس ! والله هالعمر حرام يمسك قلم ..

عضلات الطفل وجهازه العصبي ما اكتمل نموهم عشان يقدر يمسك قلم والا يقرأ ،

الطفل ما يكون مستعد لهالعمليات المعقدة إلا لو كمل ست سنوات .


- يا شيخة ، أنتي مبالغة في الموضوع .


عبَّرتُ حزينةً :

- هذا اللي تسوونه سلب لحقوق الطفل وحريته ..

الطفل وظيفته في هالعمر .. يلعب ، وياكل ، وينام ، فقط !


تمتمت بخفوت محذِّرة :

- اسكتي اسكتي .. حماتي رجعت ، لا أشوفك تفضحيني عندها .


قاطعَ ما أوشكتُ قوله مشاجرةً طفوليَّة صادرة من الصَّالة ، ميَّزتُ بها صراخ ابني الشَّقي .


قفزتُ مسرعةً إلى الخارج راميةً بتعليقاتهم السَّاخِرة عرضَ الحائِط :

- الحقي يالأم المثالية على الشيطوني ولدك بس ، هذا وتوه نقطة .

- الله يستر على أولادنا منه .. الله العالم طالع على مين ..



بالكاد تمكَّنتُ من حلِّ التشابك بين الطَّفلين مع شقيقتي والدة الطِّفل الآخر .


حملتُ طفلي الغاضب المحمرّ ولم يزل يصيح ويصرخ بعصبيَّة شديدة ،

يطالب بإفلاته ليكمل القضاء على الولد (حمودي) .


اعتذرتُ لشقيقتي متأسِّفةً عن بنيّ ،

ثُمَّ رحتُ بـ(شيطوني) الصَّغير إلى حجرتي الهادئة ،

وضعته على سريري .. وجلستُ بجانبه .


رمى بنفسه مستلقياً ، مُخبِّأً وجهه باللّحاف يرفضُ رؤيتي ،

قلَّدتُه أستلقي جانبه بهدوءٍ ، دون أحاول التَّقرُّب منه .



أخذتُ أعبث بخُصُلاتي القصِيرة .. التي لم أعتد عليها بعد ..


التفتتُ إلى صغيري المُدلَّل ..


قلِقت عليه من نفاذ الهواء ، خشيتُ الاختناق وَكدتُ أنتشله عن اللحاف ، أو أنادي عليه .

لكن خشيتُ منه المُعاندة ، ففكَّرتُ حتى وصلتُ إلى حيلةٍ .



أجزاءٌ من الثانية ..

وَابني مُستلقٍ فوق صدري ..


كنتُ قد بدأتُ في دندنةِ إحدى أغاني والده ..


وَ شيئاً فشيئاً بدأَ احمرار الوجه العابس في الزوال ..

وَ يعود الهدوء يغزو أنفاسه ..


بدأَ يُدندن معي .. ويُردِّد بكَلماتٍ طلسميَّة ..



انتهينا .. وَقد غمرَنا الاسترخاء ..




رحتُ أحتضنه ، أسأله بحُنوٍّ :


- أيمن .. الحلى حقنا جاهز ، يالله ناكل ؟


التمعت عيناه بابتسامة فرِحة :

- حلى حقي .. !


- صح .. الحلى حقك .. ! ناكل .. ؟


تخلَّص من احتضاني ، يقفز على السَّرير بانفعال .


- حمودي .. لا تاكل ! حمودي لا !


أسرعتُ بالجلوس خشية يسقط فوقي ، أو يقفز عليَّ بالخطأً .


- ماما .. حمودي لا ! لا تاكل !


أطعتُ سيِّدي الصَّغير مُجيبةً :

- حاضر ، حمودي ما ياكل .


فوثبَ عن السَّرير بانتصار

وأخذ يشدُّني من رسغي بحماسة

يدعوني إلى الذهاب معه لرؤية الحلى الجاهز ،

الذي أعددناهُ معاً ..



كان من السهولةِ تنفيذ أمر سيِّدي الصَّغير

بأن عمَّمتُ منع الحلو عن جميع الأطفال

كما نفعل بالعادة !


إلا أن طفلي الكَريم أتاني، يطلبُ الحلو

لأصدقائه الأقزام عدا .. حمودي .




- ! ... Sorry

الكلمة عند أيمن ، اطلبوا الإذن منه .


خاطبتُ والدة (حمودي) النَّاقِمة ممثِّلةً اللَّاحِيلة .


- أبوي أيمن ، تعال حبيبي .. تعال عند ماما نادية ، بأقول لك سرّ .


التفتنا جميعاً إلى أمي الشارعة الذراعين في استقبالٍ لصغيري الشَّقي .

تبعناه وهو يركض .. ثُمَّ يقفز عليها كَالطَّائِر ، وبأمي تعتصره وتغرقه بالقبُلات .

ثم توشوش له في أذُنه بكلماتٍ لم يسمعها سواه .



- شيخنا أيمن منح الإذن !


أعلنت والدتي نبأ السِّلمِ وهي ترفع بطلي القزم عالياً بفخرٍ .


صفَّقتُ له تشجيعاً :

- شاطر ولدي ، بطلي حبيبي ..



- بس .. بس .. بس واحد !

واحد !! كـذا !!


هتفَ مُطلِقاً شرطَهُ بعبوسٍ ، مُشيراً بإصبعه المنتصب بعصبيَّة .


- وفاء ، أيمن يقول ... بس واحد اعطي حمودي ، واحد بس .. طيب ؟


أجبتُ والدتي مقلدةً نبرتها التمثيليَّة :

- حاضر ماما ، واحد بس .


ثُمَّ قدَّمتُ الطبق الملوَّن إلى الطِّفل (حمودي) والذي أجادَ تأدية دور المسكينِ الحزين بجدارة .


تنبَّهتُ إلى طفلي الذي لم يرفع أنظاره عن منافسه .. كما لو ينتظر شيئاً .



- حمودي ؟ ايش مفروض تقول لأيمن .. ؟

أيمن أعطاك من الحلى حقه .. !


خاطبتُ الولدَ وأنا أدعو في نفسي أن يكونَ ولداً طيباً .


- شكراً !


هنا وجدتُ السَّعادة تملأ التقاسيم المحبَّبة إلى قلبي ..

بعدما حصل على ما كَان ينتظره ..


بُنَيَّ طيِّب القَلْبِ مِن الدَّاخِل ..

بِحاجَة فقَطْ إلى مَن يفهَمه ..


إنَّه مَظلُومٌ ..

مِثلُ أَبِيه ..


يُطلِقون عَليه بـِ(الشَّيطَان) ..

بينَمَا داخِلهُ مَلَاكٌ ..

لَا يَعلَمْهُ سِوَايَ ..






















* * *






















مضَت قرابة الثَّلاث سنواتٍ ..

ولم يحاول رؤية الأم التي أنجبَته والاطمئنان عليها بزيارة واحدة ،

غير زيارة العزاء لوالده المتوفَّى .


حرصَت على التواصلِ معه بين فترة وأخرى خشيةً عليه من القوقعة التي عزل نفسه بها ،

محاولةً جذب اهتمامه بآخر أخبارِ الأُنثى التي برعَت في الإيقاعِ بابنهم الغريب الأطوارِ في شباكِها .


تردَّدت كثيراً ... قبل نقلها لنبأ رزقهِ بمولوده الأول .. لمَّا اكتشفت أن الفتاة تنوي إخفاء الأمر ،

فلولا تواصلها مع والدتها .. لمَا كَانَ لها علمٌ بالأمر ، وما أكَّد شكوكها تصريح الأم عن رغبة الفتاة .



بدايةُ تواصلها مع الفتاة كَان بكَونِها همزة وصلٍ .. لإيصالِ معلومةٍ ما إلى والدتها ،

معلومةٌ بشأنِ طبيبٍ ما .. حتى الآن لم تجد جواباً عن فضولِها بشأنِه ، لا مِن ولدها الصَّامت ..

ولا مِن والدة الصَّبية ، التي شعرت بحرجٍ من الظهور أمامها كَجاهلةٍ بقضايا ابنها ..



لقد ارتكبت خطأً فادحاً في وصفِ الشابَّة بالضَّعيفةِ والهشّة ،

فما أبدته في ذلك اليوم من صلابة وقوَّة لا يمكن لأيُّما امرأةٍ أن تبديه ..

إلا في حالِ كانت مجرَّدة من المشاعر ..

لكنَّ هذه مُغرَمة بذاك المجنون !


ومع ذلك نادِمةً أشدَّ النَّدم ... على إثرِ إدراكها .. أن كَان يُفترض إبعاد الصبيَّة عن حدثٍ شديد كَمثلِ الذي وقع ،

فمهما بلغت صلابتها ، فمن الأكيد أن منظراً كَقبضِ مصَحَّة نفسيَّة على زوجها المجنون ، سيترك أثراً في نفسِها .


بدايةً قد فكَّرت في خطةٍ بإدارة نقاش هادئ مع الولد ، والمحاولة عن طريق الإقناع .

لم يعيقهم عن ذلك سوى الخشية من أذيَّته لزوجته ، وبالفعلِ !!

فالفتى لم يكفَّ عن التَّرديد والصُّراخ بـِ(سأقتلها) !


تهديداته الهستيريَّة كَانت على مسمعٍ منهما ...

حيث هي وَ الفتاة .. بالسيَّارة التي اعتمدوها حمايةً لها ،

إذ كَان الجميع في انتظار قدوم (المطلوب) من عمله .


راقبَتْ بقلبٍ ممزَّق كَيف الرِّجال يقيدون (بُنيّها) كمجرمٍ هارب ..


رأَتْ كَيف كَان يقاوم باستماتة وجنون ..


كيف يحاول شقيقه تهدئة هستيريَّته وجوزيَ بركلة ..

ما جعل الرِّجال يقسون عليه ويشدِّدون من قيده ..

بمنظرٍ صَعُبَ عليها الاستمرار بالمراقبة ،


فكيف بزوجته الغضَّة الصَّغيرة ..؟


لم يُرِحها بقدرِ ما أراحها اكتشافها أنَّ الفتاة سليمة الجسد .. ،

فلم تستطع منع نفسها من إخضاع الفتاة للفحصِ ..

فمسألة أن يكون الابن سبباً في الإيذاء بالآخرين ،

مسألةٌ صعبة للأُمِّ بشكلٍ لا يتصورَّه أحد .



الفتاة رغم الخجل الباديَ عليها ، إلا أنها كَانت حريصَةً على زيارةِ زوجها ..

رغم ما كَان يُبديه من جفاء ، إلا أنها حاربَت بمقابلةِ ذلك بلُطفٍ وتقبُّل ..


إلى أن أتى اليوم الذي كَان زيارتها الأخيرة ..

ليصعقها بخبرِ (الطَّلاق) ، طالباً منها إعادة الفتاة للمنزل ، ثُمَّ مرافقتها إلى الوطن .


لكِن دُهِشَتْ به يُجنُّ جنُونُه ، ويقلِبُ المكَان رأساً على عقِب ..

حينما أخبرَته بأن الفتاة فضَّلت العودة بمفردها .


وصل الأمر لتدخُّل أفراد هيئة التَّمريض ، ليُزيلوا أيَّ تعقُّلٍ باقٍ برأسِه ..

ما اضطَّرها إلى استدعاء شقيقه ، حيث تمكنا من تحريرِه بطريقةٍ ما .


غيرَ أنَّه اختفى ، ولم يحاول مدّها بأيِّ خبرٍ عن الصَّبية ..

انتظرت طويلاً ...


شعرَتْ وكَأنَّما المَخلُوقَينِ اختفيا عن العالمِ فجأةً ..

كَأنَّما انشقَّت الأرض وابتلعتهما ..


غابَا طويلاً لدرجة لم يكُن أمامها سوى العودة ..


إلى أن قامَ أخيراً بالرَّد على مكالماتها القلِقة ، عندما استقرَّت في البلاد .

مُطمئِناً إيَّاها بأنَّ فتاته بخيرٍ ، وقريباً ستكون بين أسرتها .


غير عالِمٍ بأنها لم تكن قلِقةً على الفتاة بقدرِه ..

فالفتاة بخيرٍ بالتأَّكيد ، عاقِلةٌ غِرارها لا خَوف عليها ..

(هُوَ) من يجدُر بأن يَخشى عليه المَرء ..






















* * *






















" ليش حبيبي تخاف منهم ؟ "


" .. هاه ؟ .. "


- ليش تخاف من الحشرات ..؟


- ... وفاء ...


- حبيب وفاء ..


- .. الكورة .. بالعارضة ..


" متعب جاوبني ، ليش تخاف من الحشرات ؟ "


" .. هاه ؟ .... ظهير أيسر ؟! "




تلك آخر محادثةً كَامِلة بيني وبين رجُلي ..

أقصِد أميريَ النائِم ..



كدتُ في تلك الفترة أنسى بأن رجُلي من النَّوعِ المتكلِّم في النَّوم ..

فنومه الذي تحوَّل إلى خفيف وقلِق حالَ دون الأحاديث النَّوميَّة ، وقلَّل من نسبتها بشكلٍ عالٍ ..

وإن حصلَ وبدأ في الكَلام استيقظ من فورِه ..



كنتُ أحمِل اعتقاداً بأنه يمكنني استخراج أسرارِه باستغلال ذلك ..

عن طريقِ جرِّه في الأحاديث وإلقاء أسئلة التَّحقيق ..

جاهِلةً بأن حديث النَّائم لا يحمل أّيّ معنىً أو مضمون ..



لجأتُ لهذه التقنية خاصَّتي لأوَّلِ مرَّةٍ .. في المرَّة الأولى من تنويمي له .


أذكر كيفَ انتظرته بصبرٍ أن يبدأ مرحلة الكَلام ..

حتى أبتدئ مهِمَّتي بالتَّحقيقِ معه في القضِيَّة التي كانت تؤرِّقني ..

ثُمَّ وكيفَ أُصِبتُ بالإحباط ، حين لم ألقَ إجاباتٍ سوى عباراتٍ لا صلة لها بأسئلتي التَّحقيقيَّة من أيّ ناحية ..





- ماما .. ماما .. كناري تعبان ..



التفتُّ إلى بُنيَّ ، ويداي منشغلتان بجلي الأطباق .


- كيف تعبان ؟


- تعبان .. تعبان .. كذا ..



راقبتُ الصَّغير يُمثِّل مُوَضِّحاً ..

يجلسُ على قدميه ساكناً ، ثُمَّ يفتح كفَّي ذراعيه المطوَّقان حوله ،

مباعداَ بين أصابعه دلالة على الرِّيشِ المنفوش .



- طيب حبيبي ، الحين جاية .. أخلص أول .


- لا ماما .. كناري أول! يموت!


- الصَّبر مفتاح الفرج ، والكناري تعبان بس .. ما بيموت .



لم تُفلِح محاولتي المطَمْئنة مع ابني العنيد ،

إذ أخذ يشدُّ المريلة المحيطة خصري يرغب بنزعها ،

فاستسلمتُ وقمتُ أشطف يداي من رغوةِ الصَّابون .



كنتُ قد لحِظت معاناة أنثى طائرِ الكناري منذ يومِ الأمس .

مِن أعراض الرِّيشِ المنفوش ، وسكون الجسد .. كما وصَفَ الطِّفل .

كُلُّ ذلك يدلُّ على مشكلةِ واحدة ، بيضةٌ عالِقة في بطنِ الأنثى تأبى الخروج .


كان شديد التركيزِ للغاية ، والعصبيَّة بادية على تقاسيمه النَّاعمَة .

فيما أحمِل بين كفيَّ أُنثى الكناري ذات اللونِ المُزدوج .


ألقى صغيري سؤاله القلِق في أنين .


- اصبر حبيبي .



كنتُ أستخدم مُحاولات الطوارئ التي تعلَّمتها من رجُلِي في هذه الحالات .


استمرَّيتُ بالتمسيدِ على بطن الأُنثى الطائر بالماءِ الدافئ ،

بينما أمامي قنينة زجاج مملوءة بالماءِ السَّاخن .


طلبتُ من الصَّغير مُجدَّداً رفع غطاء القنينة مع تنبيهٍ بالحذر ،

فنفَّذ الأمر بسُرعةٍ ، وعادَ البُخار يتصاعد من عنقِ الوعاء الشَّفاف .


فأخذتُ أُقرِّب بجسمِ الطائر من البُخار السَّاخن ثم أُبعده ،

وأكرِّر الفعل حتى اكتفيت .



مُجدّداً يُطلِق أنينه المتسائل ، لأُطمئنه بنفس الإجابة .



عدتُ آخذ حفناتٍ من الماء الدافئ أمسِّد البطن بيدي ،

وهذه المرَّة مع دفعٍ بسيط في انتقالٍ للمرحلة الأخيرة .


حتى تمَّ استخراج البيضةِ بنجاحٍ فكوفئتُ بالتَّصفيقِ ..

ثم بعناقٍ وقُبلةٍ لذيذة بعدما وضعتُ البيضة في العُشِّ واحتضنتها الأُنثى ..



كانت تجربة جديدة على صغيري ..

بدا قلِقاً مع قدرٍ كبيرٍ من الفضول ..

إلا أنه أبدى تعاوناً كبيراً وكان مستعدَّاً لتقديمِ أيّ مساعدة ..



بطلي الصَّغير .. !





















* * *





















" أنتي طالق "






لا أذكر شيئاً إثر هذه الجملة ، سوى أنني أفَقتُ وسط شوارع لندن .


كنتُ في زيارتي الخامِسة له .. تقريباً .


حقيقةً شعرتُ بأنَّه غير مرحَّب بي .

بدايةً منه .. وانتهاءً إلى والدته وعاملو المصحَّة .


لكن كنتُ أنعتُ نفسي بالغبيَّة ..

ألومُ نفسي قائِلةً .. كَيف أجرؤ وَأفكِّر هكذا تفكير ..؟


ذكَّرتُ نفسي بحجمي ، وَ معزَّتي في قلبه ..

أًقنِعُ نفسي بأني .. أدرك جيداً أنه يهيم بي عشقاً ..

أُقنِعُ نفسي بأنَّه لن يكرهني ..

ولن يتخلَّى عني ..


شجَّعني ذلك ..

ودفعني على الإصرارِ بالانتظام في زياراتي له .. ،

برفقةِ والدته .. والتي أجاهد بصعوبة ..

كَي أُزيح الخجل عني ..

لكَي أطلبها مرافقتها ..


كانت طيِّبة ..

وفَّرت لي شريحةً لهاتفي ..


شريحتي الجديدة جعلتني أكتشف

أني لا أعرف الكثير من الناس ..

جهات الاتصال بهاتفي لم يحوِ سوى ..

رقم طليقي ، ووالدته ..


حاولتُ تذكُّر رقم والدتي ..

رغبةً في زيادةِ الأفراد لديّ .


تساءلتُ ، لماذا لجأَ إلى محوِ الأرقام ...

بما أنه تخلَّص من شريحتي ؟

ألم يُفكِّر بأنِّي قد أحتاج تلك الأرقام يوماً ؟



يوماً كَاليومِ الَّذي تلا ...




" أنتي طالق ، لاعد نشوف خلقتك هنا .. أبثرتينا "





كانت جُملةً ..

بمثابةِ الفأس ..

الذي حطَّم بقايا صِلَتي بالواقِع ..




لا أذكر حقاً ، كم قضيتُ أجوبُ لندن .. لأني ببساطة لا أعلم .

فـ(عقلي) في تلك الفترة .. لم يكن بالذي يدرك الوقت ، أو المكَان .



في الواقع كنتُ شخصاً معتاداً على الهرب ، لكن لم أبتعد لِمرَّة عن منزلنا ..

وأعتقدهم اعتادوا ذلك مني ، لعلمهم بأنَّه سينتهي بي المطاف عائدة إليهم ..

لكن ذلك ... في حينِ كَان ملجَأي بيت عائلتي ..


لكن الآن أين ملجَأي ؟



لا أذكُر من تلك الأيَّام سِوى ...

أنِّي حرصتُ ليلاً ، البقاء بينَ أرجلِ المارَّة .. في الشَّوارعِ الرئيسيَّة ..

أتجنَّب النَّوم في الأزِقَّةِ والدَّهالِيزِ .. خوفاً من أفرادِ العِصَابات ..



كنتُ تائهة ، لا أعلم أين أنا ؟


لا أعلم أين تقع تلك المصحَّة ؟

في شرقِ لندن ، أم غربها ؟

أم في شمالها ؟ ...



أذكرُ أني حاولتُ استكشاف الطُّرُقات ، علَّ منزل (خالي) يكونُ بالقرب ..


حاولتُ استكشاف أسطح مهجورة ، علَّ أجد فيهم ملجأً مناسباً ..

لكِن أعاقني أحدهم .. فلذتُ بالفرار .. قبل أُلقَّبَ بالمُغتصَبة ..


أذكرُ كيف تتبَّعتُ مُشرَّدين أمثالي .. أملاً في الحصولِ على بقايا طعامهم ..

أذكرُ كيفَ تجرَّأتُ لِمرَّةٍ .. وتقدَّمتُ إلى أحدِهِم .. أُخبِرهُ بأنِّي جائِعة ..


قابلتُ الكثير من الأُناسِ يُقدِّمون لي الطَّعام ..

لكن أكتشِف دائماً بأنَّ طعامهم لا طعم له ، ولا ملمس ..

وَأحياناً أخرى يُصبح طعاماً بشريَّاً .. برائحة ، وطعمٍ ، وملمس ..

لكِن مهما تناولتُ منه .. تبقى أمعائي تعتصِر ألَمَاً .. وَ جُوعَاً ..


اضطُّررتُ بيع شريحة هاتفي ..

ثُمَّ هاتفي ذاته لأحدِ المُشرَّدين ..

بعدما يئستُ إيجاد بقايا طعامٍ ..


أرى المُشرَّدين أصحابي مُنعَمِين إلى جانبي ..

فكُلٍّ منهم يملك أغطيةً ، وحاجيات الإنسانِ الأساسيَّة ..

بينما لا أملك سوى عباءَتِي التي حوَّلتُها لغِطاءٍ ..



في آخرِ أيامي كنتُ قد وجدتُ أسرةً مُشرَّدة ..

مُكوَّنة من امرأة كبيرة في السِّن ، مع زوجٍ ..

اعتمدتُ على توسُّل الطَّعام منهما ..


رغم أن المرأة كَانت قاسيةً بعض الشَّيءِ في البدايَة ..

حين أتيتها المرَّة الأولى، أتوسَّلُ لُقمةً من وجبةِ غدائِهما ..

لكنِّي ظللتُ بالقربِ .. كنتُ أتضوَّرُ جُوعَاً ..

حتى عدتُ أقترب حينما نادت عليَّ ..

كانت امرأةً طيِّبة .. لكن زوجها قذِر ..


بعد ذلك وجدتُني أكتشِف بأنِّي مُجرِمة ..

قُبِضَ عليَّ أمام مرأىً من أُسرَتي الجدِيدة ..


حاولتُ أن أهدأ ..

أُقنِع نفسي بأنَّ رجال الشُّرطة طيِّبون ..

إنَّهم لحمايةِ الناس .. لا يُمكن أن يُؤذوا ..


حسناً ، رُبَّما يزجُّون بي في السِّجن ..

لكن سيكون أفضل من الشَّوارعِ غير الآمنة ..

كَذلك سيوفرون لي طعام .. و غطاء .. !



لكن أُفاجَأ بهم بعد إذٍ ، أنهم قادوني ..

إلى الرَّجُل الذي رمَى بي ..


جُلَّ ما احتلَّ تفكيري تلك البرهة ..

كَيف أمكنهم اكتشافي ؟


كَيف أمكنهم بين كُلِّ ذلك الازدحام ..

وكلُّ أولئك المُشرَّدون في شوارع لندن ؟



هل دسَّ أحدهم جهاز تعقٌّب بجسدى ؟




كنتُ أحاول إيجاد إجابة مُقنعة ،

بينما يضيق خِناقي على تطويقِ ذلك الرَّجُل ..

المذاقُ المالِح بفمي أعاقَ تفكيري العمِيق مراراً ..

وأجبرَ عقلي في النهاية على تساؤلٍ واحد ،

لماذا يبكي ؟


" تعرف بيت بابا ؟ "


ذلك كُلُّ ما فكَّرتُ به .. ملجأ ..


كنتُ قد نسيتُ بأنه يكره أنادي خالي بـِ(بابا) .

لا أدري إن غضِبَ أيضاً .. في ذلك الوقت ..

كنتُ مشتَّتة التَّفكِير .. مُضطَّرِبَته ..

لا أُجيد التَّركيز على التَّفاصيل ..


لكِن أذكُره كَان غاضِباً ..

بينما يُلبِسني عباءَتي ..

التي نسيتُ بأنَّها عباءَةً ..


بعدما قامَ بإطعامي وكسوتي ..

قد استعددتُ للذَّهابِ إلى خالي ..


لكن بي أجدُني ...

بدلاً مِن بيتِ خالي ..


صِرتُ على سريرٍ أبيَض ..

أتعرَّض للتعَّذيب ..


إبرٌ متوحِّشة تنهشنِي ..

كميَّاتُ حبوبٍ تزهقنِي ..


قاومتُ بِشرَاسَة ..

الأشباح البيضاءَ التي تسحقني ...


لكن ...

تفوَّقت عليَّ ..

الأشباح ..













* * *







لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-01-16, 11:26 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-

































الفصل الرابع عشر

































. .




















































المرَّة الرابِعة أتفقَّد بها حقيبة السَّفر .


ربَّاه .. أهو دور الوسواس القهري ؟


لكِن بكُلِّ مرَّة أتذكَّر شيئاً !


أوشكْتُ نسيان نِصف حياتي ،

لا أيمَن ...،


بل النِّصف
الآخر ..


ذِكريَاتُ الإنسانِ الذي أعادني للحياة - بفضلِ الله - ،

المخلوقُ الوحيد الذي ناشدَ من أجلِ عافيتِي ..


ابتدأتُ بإنهاكٍ وللمرَّةِ العاشرة أعُدّ القطعِ الخمس من ذَّاكِرات الحاسُوب .


التفتتُ إلى فلذة كبدي ، بعدما شعرتُ بحركته .

ثُمَّ سارعتُ في النُّهوضِ إليه ..

أُعيدُ صغيري النَّائِم الجالِس إلى الوسادة .


أتمنَّى تكون مجرد اضطِّرابات نوميَّة عرَضية ، زائِلة .

وإلا سأُضطرّ إلى إخضاعه لفحصٍ وعِلاجٍ ،

قبل يتطورَّ الأمر ويصل لمرحلةِ أبيه .



" تحب وفاء ؟ "

لمْ أكفّ عن سؤالِه .


التحسُّن الوحيد الذي مِن وراءِ دوائه ،

صارَ ينام بعُمق في أيامنا الأخيرة .




صامِتْ ..

صامِتٌ كَانَ كُلَّ الوقت ..


رسميّ ، رسميٌّ جداً ..

لم يكُن (مِتعب) أبداً ..


كنتُ أُثرثِر طوال الوقت ،

لأُقابَل بالتجاهُلِ التـامّ ..



لم تُدار بيننا محادثة واحدة .



إما كنتُ أثرثر مع نفسي ، أو ...

إما يُطلِق أوامر جافة لا تقبل النِّقاش .



سابِقاً ...،

يخنِقُني .. !

يخنِقُني كَانَ من تودُّدِه المُبالغ ،

والتلطُّف والالتِصاق الزَّائِد عن الحدِّ .


ثُمَّ ...

وَ كَأنَّ الأدوار قُلِبتْ ، ...

صِرتُ من أُحاصِره .. حدَّ الاختِناقْ !




أعتقِدُه كَانَ لا يزال غاضِب ..




عِشنا أياماً طويلة في الشَّقة المفروشةِ الرَّديئة تِلكْ ..

عِشنا أياماً طويلة كَـ .. أحتار ماذا أسميِّ العلاقة ؟


كُنَّا كُلّ شيء .. كُلّ أنواع العِلاقات ..

عدا أن كُنَّا زوج وزوجة ..

لم نعِش يوماً كَأزواجٍ ..


عشنا كَغرباء ..

عشنا كَأصدقاء (صامِتون) ..

عشنا كَجيرانٍ مُتزاوِرُون ..

عشنا كَأعداء مُتهادِنون ..


شعرتُه مبتعداً عني بأميالٍ .


يُصبِحُ عصبيَّاً في أوقاتٍ كثيرة ،

مع أنَّه مُلتزِم بدوائِه حسبما أتذكَّر ..


أعترِف أن كنتُ السَّبب في عصبيَّتِه .. بعضِ الأحيان ،

لكن لا يُنفي أنَّه يكُون بلا مُبرِّر في أحيانٍ أخرى ..

شعرتُ به ظلمَنِي في أحيانٍ كثيرة ..


نوباتُه الاكتئابيَّة تضاعفت ،

لكِن تغيَّرت في هيئَتها .




ورُغم كُلّ ذلك؛ ...

رُغم كُلّ القسوة وَ الجفاء ،

لم يمنع مِن يكُونَ لي كَالأُم الحنون ..

كُلَّما احتجتُ إليه .. يهرع إليَّ ..

يغمُرُني بدفئِه ، يُحِيطُني بعطفِه ..


كَعهدي بـِه


،






" بأذبحها !!! بأذبحها !!! وينها !!!! "



لا تنفكّ صدى كَلِماته الدَّموِيَّة عن التَّردُّدِ برأسي ،.




ندِمتْ ...

لمتُ نفسي كثيراً ..

لمتُ تفكيري المحدود ..

لمتُ دماغي الخرِب ..



لم أتقبَّل فكرة مجيء رجال المصحَّة ؛


لم أتقبَّل ..

منظر ( رجُلي ) يُقاد بكُلِّ تلك الوحشيَّة ..


حبيبي .. كَانَ مذعوراً ..


الوحوش ، لقد أخافوه !


مشهدٌ .. نزَف له قلبي دمَاً ..

كُلَّما عبَرَ ذاكِرتي ..


تمنَّيتُ لو أطلِق ساقاي للِّريح .. وأحتضِنه ..

أُطمْئِنه .. أُهدِّئه .. أطبطِب عليه ..


أصرُخ في وجوههم القاسية ..

اتركوه ... !!

اتركوا زوجي وشأنه ..!

اتركوا حبيبي وشأنه .!



كَانَ بإمكَانهم اللُّجوء إلى أسلوبِ التَّفاهُم ..


أعتقِد ( رجُلي ) عاقِلٌ بما فيه الكفاية ،

ليكون له القدرة على الفهمِ والتَّفاهُم !


مُغفَّلون !


يُفترض أن اعتمدتُ على نفسي ؛

لو ركلتُ الخجلَ اللَّعين !


لو أخذتُه في حوارٍ يصل بنا للسَّلام ..


لو قلتُ له :


( يا زوجي الحبيب ..

ألا تشعر أنَّك تعاني من أمرٍ غريب ؟ )


لو قلتُ له :


( يا صديقي الغالي ..

أرغب بأن أطمئنَّ عليك .. هلَّا فعلت من أجلي ؟ )


لو قلتُ له :


( يا جنَّتي أنتْ ..

يُتعِبني أراك تُعاني .. هلَّا تأكَّدتَ مِن أنَّك بِخَير ؟ )



بل كَان يُمكنني مُصَارحته !؛

ورمي رأسِه بالحقيقة المُرَّة بكُلِّ قسوة !


( يا حبيبي .. أنتَ مجنون ! ،

هلَّا عرضتَ نفسك على طبيبٍ نفسيّ .. مِن أجلي ؟ ) !!


اُقسِمُ أنَّه سيتقبَّلها بصدرٍ رحِب .. !


سيدرُس مُلاحظتي ،

ثُمَّ سيُنفِّذها بلا تردُّد !


( رجُلي ) وَ أعرِفُه ..

( رجُلي ) رجُلٌ عاقِل ،

أعرِفُهُ جيِّداً ..


رجُلٌ منطقِي ، عقلانيّ .. وحكيمٌ في الحقيقة ؛ ..

ولو أنَّ له بعض النُّزعات الجنونيَّة .!



هل ما تزالُ غاضِباً منِّي ،

يا ( رجُلي ) ؟


هل ما يزالُ قلبُك الطَّيِّب

قادِر على العفوِ عن حماقاتي ،

يا ( رجُلي ) ؟



أنا آسِفة ..

آسِفة يا ( رجُلي ) ..

كَهرمانتُك آسِفة ..























* * *























رمى بحلقةِ المفاتيح على الأريكةِ السَّوداء المُهترِئة ،

واستعدّ ليبتدئ برحلةِ البحث اليوميَّة ، والتي صارت روتيناً نهاريَّاً .


غدا يدور في الحُجُرات الهادِئة ،

يبحث خلف الأبواب .

يفتح الدواليب باباً .. باباً .


تأكَّد من محتوى غسَّالة الثياب في طريقِه إلى المطبخ .

لا يوجد بابٌ للمطبخ ، وُفَّرَ عليه تعب لحظة .


توجَّه إلى الخزائن ذات الخدوش والدِّهان المُتقشِّر .

وباشرَ فتح الأدراج السُّفليَّة بترتيبٍ عشوائي ،

ليُقابِله الفراغ ... ؟


رفع رأسه إلى الأعلى ، مبهوتاً .


اسـتـقـامَ واقِـفـاً .


هذه القِطَّة .. !

ليسَ ببعيدٍ ويجِدها يوماً مُختبئة في إبريقِ الشَّاي !


شنَّ هجومه على الأدراج العُلويَّة المُعلَّقة ..

وتراخى وخمد حالما تراءتْ أمامه .


بدَت قِطَّةً حقيقيَّة ، لا ينقُصها سوى الفرو ..

كَانَ الملل ظاهراً عليها .


تأخَّر هذه الظَّهيرة ، يبدو انتظرَت طويلاً .


مدَّت ذراعيها نحوه ، مُعلِنةً انتهاء لعبة البحثِ والاختباء .

فاستهلَّ ينتزِعها من الحيِّز الضَّيق ، جاذِباً بجسدِ القِطَّة إلى الخارِج .



- تأخرت .. جسمي يعورني .. المكان قاسي ..


ما إنْ حطَّها على قدميها ، بدرَت عنها قفزات لحُوحَة فيما تشُدَّه إليها .. فقدْ تذكَّرَت قُبلتها الاستِقباليَّة .



- ليه تأخرت ؟ بسرعة اشبك الغاز .. جيعان ؟

ما بتصبر كثير حبيبي ، بأطبخ بسرعة ..



يظهر أنَّ فصامها تحول إلى الصِّنفِ العاطفي .


تعتقِد الآنَ أنَّها جُولييت .. !

تعتقِد أنَّها واقِعة في الحُبّ ... !


" حبيبي .. "

كَم تقتله بهذه الكَلمة في اللَّحظةِ ألف مرَّة ..

كَلمة أكبر مما يحتمله منها قلبه الضعيفُ أمامها ..

فضلاً عن الحالات الرُّومانسيَّة الفظِيعة التي تغزوها، ..

رُومانسيَّة هائِلة .. لا تُحتمَل .



وضعَ ملعقة الطَّعام إلى جانب طبقهِ الذي فرغَ منه .


أعاقته عن شربِ الماء ، تقرِّب ملعقتها إلى فمه بلهفة :

- آخر لقمة حبيبي ..


أخذَ رشفة من الماء ، ثم تناول الملعقة من يدها ، وضعها بهدوءٍ بالطَّبق الفارغ .


وقبل تتمكَّن الهرَب التقطها ، يُقرِّب طبق الدجاج .

ثُمَّ ابتدأَ يحشو فمها بقطعِ الدجاج ، يتبعها بجرُعاتٍ من اللَّبن .


ولم يُفلِتها حتى تأكَّد من أن معدتها تعبَّأت بمُكَوِّني اللَّبن والدجاج ،

... بالإضافةِ إلى البحارِ المَالحة .


لم تستسلِم ، أيُّ إصرارٍ تملِك ؟


استقبلَ ملعقتها هذه المرَّة ، يستلِم اللُّقمة المُصِرَّة ..

لترتسِمَ ابتسامة ساحِرة مخترقةً طُرُقات الدُّموع ..



أصبحت نباتيَّة فجأة .


تدَّعي أنها قرَّرَت المُساهمة في الحفاظ على البيئة وحماية الحيوانات .

والأمرُّ وَالأدهى ، تُعلِّل إهمالها نظافتها بالحرص على استهلاك المياه ،

لم تتوقَّف عن الإصرارِ في إقناعِه بأن يجلِبَ لها (تُراب) ...

من أجلِ التَّيمُّم للصَّلاة ، توفيراً للماء !


عِراكٌ أسبوعي ، من أجل دفعها للاغتسال .. تخشى لمس الماء كَأنَّه عفريتٌ سيلتهمُها .


ثرثرت كثيراً عن مشروعها القادم لحماية البيئة والحيوانات ، تستغرِق أوقات طويلة في إنجازِ

مستنداتٍ نصِّية على جهازها الحاسُوب ، جرَّب قراءتها مرَّةً ، ولم تُشجِّعه تلك المرَّة على التَّكرار ..

سطورٌ غير مترابطة ، لا هدف منها ، معظمها يخرج عن الموضوع الرئيسي ،

عوضاً عن العنوان الكبير الذي ليس بأفضل حالٍ .



- تحركي ، مابي تأخير .


أصدر أمره بينما ترفع الأطباق تعيدها إلى المطبخ .

تتحرَّك بتلكُّوء ، بدَت تنتظِر شيئاً منه .



اليوم يوافق موعد الجلسة العلاجيَّة .

لمْ يواجه صعوبة كبيرة في إقناعِها مرافقتهِ إلى المعالجِ الجديد ،

فقد كان من السُّهولةِ استغلال جانبها الرُّومنسيّ الجديد في التَّحايُل .


مضى شهرين .. مُذ انتشالِها من مُحيطِ المواد الكيميائيَّة .


كان جسدها صامداً أمام الأدوية ، يأبى الاستجابة سوى للمنوِّمات .

يبدوهُ اكتفى .


ليس لديه فكرة إن كان هذا ما يحصل مع كُلّ انتكاسة ،

وهل يُكلِّفه الانتظار طويلاً لتأخذ الأدوية مفعولها ؟


إذا كَانت انتكاستها الأخيرة حادَّة بالنِّسبةِ لسوابقها .. كَما أطلعته أسرتها ؛

إذن ... كَيف يجب وَ يصِفَ هذه الانتكاسة ؟!


كانت صعبة التعامل ، شديدة العصبيَّة والهياج ، سريعة الغضب والثَّوَران ،

تجنّ وتصرخ وتنهار .. كُلَّما وقعت عينها على أيٍّ من جماعة التَّمريض .


في كل زيارةٍ ... تختبئ أسفل كنزته أو معطفه .. لكَي يحملها معه ..




طال انتظاره حتى لأوشك الدخول في غفوة .


- بنت !!! وينك ؟!!



أتاه الرَّد في الصَّوتِ المكتوم من داخل الحجرة المغلقة :

- أنا جاهزة ، تعال متعب ...



تأفَّف ينهض ليرى فيمَ تحتاجه ، واضعاً هاتفه بجيبه بيدٍ حاملاً مفاتيحه بالأخرى .



دفعَ باب الحجرة متغضِّن الجبين .



ما إن وقع نظره عليها استشاطَ غضباً ، واحتدمَ غيظاً .

وأخذ يتلفَّت حوله ثائِراً ، باحثاً عن مطلبِه :

- أنتي يبي لك عصا !!


هبَّت تثِب عن السَّرير بجزعٍ تجرُّ معها الغطاء العريض ،

بينما راحَ يبحث عن الأداةِ المطلوبة في دولاب الثِّياب .


صرخَت عالياً بذعر حين همَّ بالاقترابِ بمُقلتيه الحمراوَين .

يضرب بعلَّاقة الثياب المعدنيَّة على الحافة الخشبية للسرير بقوَّة تصمُّ الآذان .

مقترناً بصوته المُدوِّي الهادِر :

- بتلبسين والا لأ !!!!


انهمَّت على قطع الملابس المُلقاة أرضاً تنتفِض كالمُتكهرِبة ،

تشرع بالارتداء بينما تسترقّ نظرات متلصِّصة خائفة إليه .


استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ، واستغفر ربه ..


رمى العلاقة بالأرضية بقوةٍ سبَّبت إعاقة أبديَّة للضحيَّة المعدنيَّة ،

ثم خرج ليُسبِّب زلزالاً مؤقتاً إثر صفقه الباب .


أَهي تحاول حثه على استعادتها ،

أم هي ليسَ أكثر من نزوة فُصاميَّة ؟


يعيد هذا التساؤل في قرارةِ نفسه ... في كُلِّ مرَّة تُبدر عن تلك الطَّائِشة

تِلكُم المُحاولات الإغرائيَّة ، التي لا يراها أكثر من شقاوة طِفليَّة .


خرجت إليه بعباءتها المُماثِلة للونِ شعرها الذي تقوم بجمع خصُلاتِه بعصبيَّة .


- بسم الله ، انتبهي !



بحقِّ الله ..!

ألا يُباع كذلِك دواءً لمرضِ المشية المتعثِّرة ؟!

يومٌ ما ستُصيبه بسكتةٍ قلبيَّة من عثراتها المُخيفة .

طِفلُه في بطنها يستنجِد من تلك الارتجاجات والزَّلازل !


سحبت يدها من قبضتِه بعبُوسٍ مُضحِك ، مُشيحةً عنه راسِمةً الاشمِئزاز على محيَّاها .

لتتعثَّر مجدَّداً ما إن رفعت بصرها عن الطَّريق ، بينما تقوم بلف الحجاب حول رأسها .


- نزلني ، نزلني ..

ما أبيك ، أكرهك !




اكتشاف الحمل ؛ كانَ صدمة ! ...

صدمة كَادت تودي بحُرِّية صَغيرته ،! ..


عاشَ صِراعاً لم يقيسه من قبل ..

يُريدها له ، يُريد الطِّفل ..

وَ يُريد إنقاذها من قفصه ..


لولا نصيحة الطبيب باجراء الكشفِ الاحتياطيّ قبل الخضوع للأدوية ،

لكَانت رحلت عنه تارِكَةً إيَّاه غافِلاً عن الذي تركَه بأحشائها .


نوى الامتناع عن الأدوية خوفاً ، واستخدم عقله هذه المرَّة يُجرِّب استشارة الطَّبيب .


ويا ليته لم يُعمِل عقله !.

الطَّبيب ضاعفَ من قلقه عوضاً عن طمأَنتِه .


نصح أولاً بالأدوية ، لكن عرض استبدالها بنوعيَّاتٍ مناسبة للحمل .

وزاده شدَّةً على شدتِه .. بملاحظته التي لم يكن لها داعٍ ، قائِلاً ؛

المرض النَّفسي أو الذّهاني بحدِّ ذاتهم السَّبب الأكبر في احتماليَّة تشوهات الجنين أو وفاته ،

في حينِ أن العقاقير لا تزيد تأثيراتها الجانبيَّة على الجنين عن 5% !


في النِّهايةِ أعطاه خياراً بعد أن تمكَّن بمكره وخبثه من زرع لبِّ الخوف ، بأن بإمكَانه

الامتناع عن الدواء مؤقتاً أثناء فترة الحمل لو رغِب ، ويُشترط العودة إليه حفاظاً ،

ومنعاً من ظهور أي اتجاهات عدوانية ضد الجنين مثل رفضه والتخلص منه ،

إلا أنه نبَّه بإيقاف الدواء في الأشهرِ الأخيرة من الحمل .


وكأيِّ عامِّيٍ مسكينٍ غافلٍ أدَّى مفعول الكَلام المُخدِّر للطَّبيب تأثيره عليه .


إلى أن أتى الوقت الذي حسمَ أمرَه فجأة ، ولجأَ إلى القطع الكُّلي والمفاجئ عن الأدوية ،

ضارباً بنصائح الطبيب عرض الحائِط .

وتحضَّرَ للسَّفر ، من أجلِ التَّوجه مع صغيرته إلى مُعالجهم المصيريَّ ، ويبتدئ الشُّروع بالعلاج النَّفسي الخالِص ..

بعيداً عن سُمومِ العقاقير وَ الكيماويَّات .



الهدوءُ مُسيطِرٌ على غرفةِ الانتظار .


غارِقٌ في التَّفكِير ...


أخرجته من تأمُّلاته نغمتها الخاصَّة .

امتدَّت يده إلى جيبه ، يُخرِج الهاتف .


إنَّه في انتظارِ متى ترضخ ، وتستسلم للمُعالِج ؟

رغم مرور شهرين ، حوَت ستّ عشر جلسة .

ما فتئ رأسها الصُّلب مُتيبِّساً .

تُقابِل كُلّ كلمةٍ ، يُلقيها عليها الرَّجل العجوز .. بتحدٍّ واستِصغار .



عِلاجٌ معرفيّ سُلوكيّ .. ،


لم يشجِّعه المسمَّى كثيراً حالَ تلقَّاه سمعه .

أوحى له المصطلح المُركَّب .. بمجرَّد تقويمٍ سطحيّ يهتم بالسُّلوكيات .


غيرَ أنَّ هذا الإيحاء لم يصُدَّه عن البحثِ وجمع المعلومات .


ليكتشف بأنه يتضمَّن علاجاً عميقاً يسوِّي من الباطنِ قبل الظَّاهر .

وفعَّال مع اضطراباتٍ عِدَّة كالاكتئاب والرّهاب الاجتماعي ،

ومع الوسواس القهريّ وأصناف الفوبيا ، ولمرضى السَّرطان .


ولم يثِر حماسته إلا النسب المرتفعة في نتائج العلاج للفُصام .

ما دفعه للعزمِ على الإقدام ، لكِن لم يمنع ذلك من محاولات التَّشاؤم بإعاقة الطريق .

حتى هذه اللَّحظة .. التخوُّف يُرافِقه .. يخشى أنَّه رسمَ آمالاً عنها فوق ما تستحِق .



التفتَ إليها في تساؤلٍ .


كانت إحدى رسائلها الطَّلاسميَّة ، لكنَّها خالية من الترجمة .

بالعادة كانت تبعث الترجمة مع رسائل لغتها (التراميديقيَّة) !


(اللُّغة التراميديقيَّة) .. !

لغةٌ من إبداعِ صغيرتِه الفضائيَّة .


ظلَّ يحدِّق بالكَهرمانتَين المُعلَّقَين به ، طالباً ترجمة لرُموزِها .


" ... أبي متعب ... "





حرَّك بقايا القهوة السَّوداء في قعر الكُوب ، في سرحانٍ .


عدَّت ثلاث أعوامٍ على تلك الأيام الغريبة الأجواء ..


وَ مهما مضَت من أعوامٍ وقرونٍ ..


سيظلّ يتذكَّر ...

ويظلَّ كَيانه يتمزَّق ..


على ذكرى اللِّقاء المُؤلِم ..

كَأنَّه حصلَ بالأمسِ ..


كُلَّما تذكَّر الهيئة التي أحضروها بها رجال الشُّرطة ..

كُلَّما تذكَّر وصفهم .. لِكَيفَ وجدوها متطفِّلة على عائلة مشرَّدة ..


كُلَّما تذكَّر كيف كانت تلتهم الطعام الذي ابتاعه لها .. تلتهم التهاماً .. بملء يديها الاثنين ..

كُلَّما تذكَّر كيف كانت مُثلجة من البرد .. تُحاول الاستدفاء بعباءتها الرَّقيقة ..


تمنَّى لو مات ودُفِن قبل يُفكِّر أن يقسو عليها .




أحضروها إليه ..

كَمثلِ طفلٍ متشرِّدٍ ضائِع .


مُتَّسِخة .. مُلطَّخة بالتُّراب ..


عباءتها الملوَّثة تتدلَّى من عنقها كَوشاحٍ ،

تجمعها حول كَتفيها ويديها مِن البرد .



" تعرف بيت بابا ؟ "

كَانَ أول ما نطقت .


أشعرته معها ... كَما لو لم يكن له وجود بحياتها قطّ .

أشعرته ... كَما لو هو أجنبي ، رجل غريب عنها .




أخذ نفساً عميقاً ..

يتنشَّق معه روائح أصناف القهوة ، الذي اكتظَّ بها المكَان الخافت الإضاءَة .







" .... وينه .... وينه .... ويـ ... ـنـه .... "


مُستلقيةً على بطنها قُرب باب الحجرة .

أسدل عليها الحزنُ ستاره كَمن وقعت عليه مُصيبةً .


رفعَ من مستوى صوتِ التِّلفاز يحجب صوتها الذي نبَّه عرق الصُّداع برأسِه .


أهوَ يرفع من مستوى صوتها ، أم التلفاز ؟

هل تنافِسُ صوت مُعلِّق المباراة ؟



" ... متعب ... وينه .. ها ..؟.. وين راح ! ... "



خلقت في نفسه الذُّعر وهي تزحف نحوه كالأفعى .

وجهها مختبئ خلف ستار الشعر الغزير ،

بدت معه شبح امرأة .. قادِمةً من فيلمٍ مُرعبٍ خرجت لهُ من التلفاز .



" ... حبيبي ، وينه .. ها ...؟ وين حطيته .. ها ؟ .. Baby ...؟ "


كانت تبحث عن ذاكِرةٍ ما ، مدَّعية أنها تحفظ بها كافَّة صوره ومقاطعه ،

التي سبق وبعثها كرسائل على هاتفها القديم .



- Baby ؟

.. اعترف ..

أنت سرقته ، صح ؟


يُقسِمُ أنَّه لم يلمسْه !

بل إنَّه لا يعرِف شيئاً عنه .. لا يعرِف حتى هيئته !


ارتمَت من جديد على البلاط .. عند قدميه ، تئِنُّ .. وتُهمهِم مع ذاتِها .


- والله .. والله أخذته .. بيدي هذه .. حطيته بالشنطة ..

والله متعب .. والله .. وينه .. وين .. وين .. وينه ..؟


أجفلته وهي تتَّخذ من قدمِه وِسادة ، وانطلقَت صيحة البُكاء المُزعِجة .

أصابها عن غير قصدٍ ، عندما حاول انتشال قدميه من أسفلِ رأسِها .


كيف يُخرِس هذا الفم الآن بحقِّ الله ؟


تتحلَّى بصوتِ بُكاءٍ .. يُضاهِي علوّ صفارات إنذارِ السِّجن .. المعلنة عن هروبٍ .


ما إن تمكَّن من الوصول لأسماعها .. الضَّجيج العالي الصَّادرِ من هاتفه ،

قُطِعَ بُكاؤها ، وَ قامت إليهِ بِلهفةٍ ..

تُلصِق وجهها بشاشته ، تغسِله بوديانِ دموعها المُستفِيضة .


تابعت الفيديو بفرحةٍ حتَّى آخرِ ثانية .


- ارسل .. ارسل ..

كمان .. أبي كمان ..


حاولت أكثر من مرَّة خطف هاتفه من يده ،

ترغب بالبحثِ معه عن المزيدِ مِن مُتعلَّقاتِه .


بعد الانتهاء من مُهمَّته التي كلَّفته دقائِق ليست بقليلة من وقتِه ،

بقيت تُلِحُّ عليه تُطالِبه أن يأتي لها بعشرِ قطعٍ من الذاكِرات .


فسارعَ بالموافقة تطلُّعاً إلى التَّملُّص من احتكاكِها الخانِق .

وكَانت مُكَافأته عناقُ شُكرٍ أوشك يقطع تنفُّسه :



" متعب .. أحبك "




أيامٌ لا تصفها سوى مُفردة (مَجنُونة) .

أيامٌ غريبة ، بطابعٍ خاصّ .


هل تتذكَّر هذه الأيام الآن ؟

هل تحسَّرت نادِمةً ، خجَلاً ؟

هل تمنَّت الانتحار ؟



لم يتعدَّى استمرارهما عن الثلاث أشهرٍ .

خشيَ عليها من نفسِه .. خشيَ إفقادها حُرِّيتها .

فلا يرغب بتكرارِ استغلال غياب عقلها .


كَان ينوي اغتنام فترة عدَّة الطَّلاق إلى آخر رمقٍ .. إلى تضع حملها !


كَان يرغب بمرافقتها لأكبر عددٍ من الجلسات ، لكِن ...

كَيف يمكن لمرءٍ أن يظلَّ صامِداً .. أمام حلوى .. دون التهامٍ ؟


أمكَنه مرافقتها ثلاث أشهرٍ متتالية ، حوَت حوالي أربع وعشرون جلسة .

قرَّر بعدها إعادتها إلى أسرتها ، مع تخطيطٍ لإكمالِ العلاج برفقة والدتها .


تمكَّن مِن التَّخلُّصِ منها بحِيلةٍ ..

لاقى آثارها على هاتفه الذي أحرقته بتهديداتِها وإلحاحاتِها الغاضِبة .


حتى لم يرى أمامه حلاً للارتياح ، سِوَى عن طريقِ استبدالِ رقم الهاتف .























* * *























عانيتُ لأُشغِلَ تفكيري باللَّعِب مع صغيري .

وقد أبعدتُ هاتفي إلى أبعدِ زاوية ؛ لكَي

أرتاح من فحصِه كُلّ دقيقة وأخرى .



متوتِّرة ، مشدودة الأعصاب .

أقدمتُ على خطوة لا أصدق أني قدرتُ عليها .

طلبتُ رقمـ(ـه) مِن والدتِه !



- كذا لا .. ماما !


تداركتُ أُبعِد السَّيارة التي أُحاوِل تركيبها على بناء المكعَّبات .


لكن يبدو أني ألهمتُ طفلي بفِكرة .


انهمَّ يقوم بهدمِ البرج الذي قمنا ببنائِه .

ثُمَّ شرَعَ يُعيد البناء بهِمَّة ، بهيكلٍ مُغاير .

يبدو على مُهندِسي الصَّغير أنَّه يصنع موقفاً للسَّيارات .


تمنَّيتُ كثيراً لَوْ والده يعلم عنه ..

سيُحِبُّه كثيراً .. كثيراً ..

سيفخر بهِ كثيراً .. كثيراً ..


تخيَّلتُني مِراراً ..

أُرسِلُ له صور طفلِه ..

أو إلى والدته ، فتُعيد توجيهها إليه ..


لا ، قبل تحقيق هذه الأحلام ، يتوجَّب جَسُّ النَّبْض !


يتوجَّب أن ينوي إرجاعي ...

لأجلي ..!

لا من أجلِ الطفِّل !


بلى ، طِفلي بحاجة إلى أب ..

لكن لا أتخيَّل أفرِض نفسي عليه ..


سأجُسّ نبض قلبه ..

إن ما برح على ما تركتُه عليه ..

شرعتُ له ذراعايَ عن أقصاهما ..


وإن لمحتُ ..

صدَّاً ..


أخشَى يكُون الودَاع الأخِير ..




كَيفَ حالُه الآن ؟



ما انفكَّ بائِساً .. ؟

مُكتئِباً ... ؟

صامِتاً ... ؟



هل أضحى مُعافىً ؟

باقٍ على دوائه ؟

أقلعَ عن السَّجائِر اللَّعينة ..؟


لم يسبق وفاتحته موضوع سمومِه تلك ..

لا أدري إن اعتقدني بلهاء لدرجةِ .. أن لا أُميِّز روائِح السَّجائِر ؟


أُقدِّر احترامه وجودِي ..

لمْ يحصُل وَ لمحتُ عبوة السُّموم ، لمْ يحصُل وأخرجَ سِيجارةً أمامي .

ولو أنِّي لمحتُه بضع مرَّاتٍ .. عن بُعدٍ .. في ساحةِ الجامِعة .


اشتقتُ إليها ..

أيَّامُنا القديمة في الجامِعة ..

أشعرُ بالحنين ~


في ذلك الحين .. ؛

لمْ أرَهُ أكثرَ مِن مُراهِق ..

مُراهِقٌ في الثَّلاثِين ..



كَيفَ يبدو الآن ؟

هل غيَّرتهُ السِّنين ؟


بدَت لي ثلاثُونَ سَنَةٍ ..

لا ثلاثُ أعوَامٍ ..


هل حالَ نحيلاً ..

أم صارَ مملُوءًا ؟


سُحنتُه الحِنطيَّة الجذَّابة ..

هل أصبحَت أفتح لوناً ..

أم ازدادَت سُمْرةً ؟


هل بانَ الشَّيب في رأسِه ؟!



" شيب !!

متعب !!

GOD ... !!!

صرت شايب ..؟!

متعب شايب !!! "



في إحدى أيامِنا الأخيرة .. (المُحرِجة) ..

قد اكتشفتُ .. بينما أعبثُ بكُومةِ شعرهِ الفاحِم السَّواد ..

شُعيراتٍ بيضاء صغيرة .. مُختبِئة بخَجَلٍ ..


لم يُعِرني اهتماماً .. رُبَّما لم يُصدِّقني ..

أو رُبَّما اعتقدَه أحد أوْهامي ..

أو رُبَّما كَانَ وهْماً حقَّاً ؟



السُّؤال الأهم الآن .


هل يتذكَّرُني ؟

هل يُفكِّرُ بي .. ؟



سُحقاً ،!

تلك الوالدة ، لم تُعني نفسها لِتُطلعني أيِّ أخبارٍ عنه .



ماذا لو تزوَّج ! ،


حسناً ، الأمرُ يسيرٌ ..

بإمكَآني الظُّهور أمآم زوجتِه (القبِيحة) .. بمظهرِ آلعشِيقة السِّرية ..،

بذلِك يخرَب عُشَّهمآ السَّعيد ~


أو ، بحلٍّ أسهلْ ..

أَقومُ بزيآرتِها ، برِفقةِ سِلآحٍ أبيضَ نآعمٍ ..

وَ برِقَّةٍ .. أُنهِي عَليهآ ~

ثُمَّ يأتِي دَوْر اللَّطيفُون صِغآرُها .. إنْ وُجِدوآ ~



- ماما .. شوف .. ماما ..


- اوه ، بطلي أيمن .. !















* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-01-16, 01:19 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-



الفصل الخامس عشر



. .




لندن

2:20 مساء





تعمَّدتُ التلكؤ في ارتداء العباءة

حملتُ طفلي المسترخي الهادئ


هبطت سلالم المبنی ببطء ثم وقفتُ أمام المبنی

أبحث تحت ضوء النهار عن السيارة المألوفة .


التفتتُ إلی حيث انطلاقة صوت بوق السيارة

فتحرَّكتُ أسير قاصدةً السيارة السوداء .


خرج الرجل الممشوق القوام من السيارة لا ستقبالي

وفتح لي باب السيارة ، فصعدت إليها بطفلي .


جلس الرجل علی مقعد القيادة المجاور لي ،

وألقی سلامه علی ( أيمن ) بمداعبة تلقاها الصغير

بابتسامة جميلة وَ ترحابٍ ..


سارت بنا السيارة وقد لفَّنا الصمت لا نسمع معه

سوى هدير محرِّك السيارة الرتيب .


وانتهت بنا الرحلة القصيرة أمام مطعمٍ راقٍ .


يبدوني مُقبِلةً علی مشروعِ زواج ثريّ .


استقبلَنا نادلٌ أنيق ، قادنا إلى منضدةً فارغة .. يظهر أنها محجوزة مسبقاً لنا .


كثيراً ما حلمت الزواج من أمير ثري .. أعيش معه أميرةً ..


قصرٌ ملكيٌّ فخم ..

ألماسٌ وَ مجوهرات ..

فساتين كلاسيكيَّة الخاصَّة بالعائلات المالكَة .. !


شعرتُ بالارتباك مع وصول أطباق الغداء الفاخرة .


لم أعتد هذا المستوی من الفخامة .


كذلك مكان ﻻ يناسب اﻷطفال علی ما يبدو ،

حاولت الاختيار لطفلي ما يناسب معدته اللينة .


قام أكثر من مرة فتح عدة مواضيع

بينما أقابله بالمجاملات المعتادة .


كان الموعد الرابع .. لم أعتد عليه بعد .

ولم اتقبَّل فكرة هذه المواعيد ، بينما لم يتمّ بيننا سوى الخطبة .


اتفقوا علی تحديد يوم عقد القِران ، وما أزال مضطربة ..

خائفة .. مشوشة .. ﻻ أعرف ما أريد ..


بكل من المواعيد السابقة ، يثير اشمئزازي ،

بقوله المبتذل :

" كلميني عن نفسك ، هذه أيام تعارف ، استغليها " .



كان عريساً وجده خالي وطمِع بثراء عائلته ، ثم نجح بدوره

من اغراء والدتي بمقدار الأموال ، والمركز الاجتماعي للرجل .


حسناً .. أعترف بوسامته ، ﻻ يبدو كرجل أرمل ..

بدا شاباً أكثر من أن يكون أرملاً بائساً ..

بل شاباً للغاية ، إنه أصغر من طليقي !



- وش يقول الحلو ؟


أعرت انتباهي لصغيري ( أيمن ) المنشغل بلعبة علی جهازنا اللوحي ،

وفمه الصغير يردد .. ويلحن كلمات عشوائية ، لن يفهمها سواي .



- وش يعني كهرنتي ؟!


أمسكت ضحكتي قبل تفلت .


لم أنوِ اﻹجابة ، إلا أن الطفل الفطِن

انتبه للكلمة التي خرجت من فم الرجل .


- كهرنتي ! بابا ! تعرف ؟ بابا ؟


تنحنح الرجل وميزت الارتباك عليه ،

واستطعت لمح بعض من الضيق .


خاطبت طفلي بهدوء أقوم بإعادة اهتمامه إلی لعبته .


أتی صوت الرجل متظاهراً بالود :

- عسی استعديتي ﻹجراءات الولد ؟



ماذا يقصد ؟!



- أي اجراءات ؟


رفع يده بإحراج حاول إخفاءه :

- ما أظن الولد بيبقی معنا .


نطقت كلماتي بحزم :

- أخ إبراهيم ، الولد بيبقی بحضانتي !


- أخ ؟!


كنت أول مرة ألفظ اسمه ، حقاً اسمه ثقيل علی اللسان وصعبٌ نطقه .


- حسب معلوماتي ، تسقط الحضانة عن المرأة في حال الزواج .


- وفي حال كان والد الطفل راضي ؟


رفع حاجبيه ، وتراجع بظهره إلی الوراء ،

ثم هز كتفيه حيرة .


- لو سمحت يا إبراهيم ، لو ما عندك رغبة بوجود الطفل ،

يفضل نتصارح من اﻵن .


أجاب مباشرة برد شعرت به عفوياً :

- الصدق ما عندي اعتراض ، لكن توقعت .. أبوه يبيه .


- اﻷب ما يحق له يطالب فيه حتی لو أسقطت عني الحضانة ،

الصحيح إن الحضانة تنتقل لجدته .. تنتقل لماما !


تنحنح قليلاً ، ثم تحدث محولاً دفة الحديث ،

إلی نقطة تفوق سابقتها في الحساسية :

- عم رياض ما وضح سبب اﻻنفصال بالتحديد ،

ممكن تتفضلين ، وتوضحين ..

إذا مافيه مانع .. أو إحراج ؟


رمقتُ الرجل بامتعاض خفي ، ألا يعتبر هذا تطفلاً ؟


إنه ليس بسؤال من المناسب طرحه .

خاصة في هذه الأجواء الرَّاقية .


- فيه مانع وإحراج .

أجبت بصوت مبحوح بلا مجاملة .


دخلنا في صمت ، وساد التوتر الأجواء

إلی أن قررت إنهاء الموعد .


ويبدو كان ينتظر تلك المبادرة ، فنهض دون ينبس ببنت شفة .


يظهر أن الرجل طيب ومراعٍ ، حرص أﻻ نفترق

مشحونين بتلك المشاعر السلبية .


مررنا في نزهة علی إحدی الحدائق ، شعرت باختناق أقلّ

من وجودنا بالمطعم الرسمي المغلق .



جلست أستمتع بمنظر ( أيمن ) يركض في المساحة الخضراء الواسعة ..

محاولاً اللحاق ببعض الطيور الهاربة ، ﻻهفاً إلی التقاطها .



- فيه شبه منك ..


للمرة الأولی يفتح حواراً يخص ابني .



- ماخذ من أبوه أكثر .



أُقسِمُ قلتها بعفوية !


اوه ، ماذا فعلت !



- في ايش يشبه أبوه ؟



أدرت رأسي إليه .


لِمَ يفعل عكس ما يرغب ؟


ليس بمقدرتي أذيته أكثر ، يفضل أصمت .


أشحت بصري عنه ، وعدت باهتمامي

إلی خاطف الحمام الصغير .



- أيمن ، هناك .. !!


هتفتُ أُمثِّل المرح مشيرةً إلی الطيور

التي تجمعت بجانب إحدی الشجيرات .


- امسك ! امسك ! امسك !

اوه ... ماما .. طار .. كناري طار !!


- حبيبي هذا اسمه حمام !


- حمام ... !


- صح حمام !


- حمام !
























* * *









" ماما ؟ المخلوقات الفضائية .. حقيقية ؟ "

" الله أعلم يا بنتي "

" بس .. ماما .. شفت واحد .. "



لو صدر عنها هذا التصريح في سن الطفولة ،

لتقبلته برحابة صدر نوعاً ما ...


لكنها كانت قد تعدت سنّ البلوغ !


تجاهلت اﻷمر ، وأخذتها كدعابة من المراهقة الحمقاء

واسعة الخيال ، فلم تعد تلقي أسئلة مثيلة .


طفولتها لم توحي أبداً بمستقبل شخصية فصامية وحدانية .


كانت طفلة اجتماعية ..

شقاوتها وسرعة بديهتها .. جعلتها محبوبة من الكل ..


كبرت لتتوفق في دراستها .. حتی هيئة التدريس

لم تسلم من اﻹعجاب بالطفلة العبقرية ..


حرصت علی اللغة العربية والجانب الديني بجلب

معلمات خصوصيات يدرسنها وشقيقتها الصغری .


إذ كانت مادتي الدين والعربي مهملة تقريبا

في مدرستهما العالمية .


ابتدأ التغير والتشوش في الشخصية منذ تطوع خالها

بإكمال تعليمها رغبة في التخفيف عن كاهلي الخمس طفلات

اللاتي خلفهن والدهن وراءه بعد وفاته - رحمه الله - ..


أول بادرة من المرض لحظناها في إحدی زياراتها السنوية

قبل تخرجها من المرحلة الثانوية .


كانت حينذاك في السادسة عشر من عمرها .


تصرفات غريبة ، خوف غير طبيعي ..


تحادث نفسها ، وعرفنا فيما بعد أنها لم

تكن إﻻ تناقش هلاوسها ، وتجيب عليهم .


الجلوس في الظلام ، والعَرَض اﻵخر هذا كان خلفه

كاميرات مراقبة وهمية تعتقدها مخبئة في جدران حجرتها .


كنا نجهل كل ما يتعلق عن الفصام ،

أعتقد لم يكن أحد منا يعرف حتی اسمه .


فجأة أنكرتني كأم ، وبقدرة قادر تصبح عمتها هي أمها .


أعترف كنت حازمة بعض الشيء ، لكن لم أتوقع أن

يصل بإحدی الفتيات إنكارها البطن الذي أنجبها ..


بداية علاقة التقارب والتوادّ بينها وبين عمتها الصغری

كان مع دخولها المرحلة الثانوية ،


آنذاك كانت عمتها تحاول إخراج الفتاة اﻻنطوائية من عزلتها ..



بينما كنا نجهل الطرق السليمة لذلك ، فقد كنت ﻻ أعتمد

غير طريقة اﻻنتقاد ﻹخراجها من تلك الانطوائية المقلقة ..


كان يضايقني تهربها من التجمعات العائلية ،

ويزعجني أكثر تخلفها عن المناسبات الهامة .

حيث أشد ما حرصت عليه إطلالة بناتي أمام الناس ،

واقتيادهن للمناسبات ، فالبنات في عمر الزواج ،

وهذه اﻹجراءات ﻻبد منها من جانب اﻷم .


أحببت تدخل العمة الصغرى .. وسُعِدتُ لما لحظت

من بادرات لتقبُّل الصداقة علی ابنتي الانعزالية .


لكن لم تمضِ سنة إﻻ وتردينا الفاجعة بالبلاء

الذي صبَّ جامَه علی رأس الطفلة النحيسة .


يحزنني أن أقول بأن عمتها سبقتني بحسن التصرف مع الفتاة .


لا تقبل بتناول اﻷدوية من يدٍ .. غير يد عمتها .


بكيتُ دماً وأنا أری رفض ابنتي لي واتخاذها أُمَّاً بديلة ..



انتكاستها التالية كانت بعد تخرجها من المرحلة الثانوية ..


وسببها علی الغالب وفاة عمتها التي كانت تصارع

داء السرطان منذ مراهقتها المبكرة ..


وابتدأت أصوات ( أمها ) اﻷخری اﻵتية من الجنة ..


كانت أياما مظلمة ..

ﻻ نتمنی عودتها ..


حين أراها اﻵن ..

ﻻ أصدق أنها ابنتي عينها ..

قبل ثلاث سنوات ..


أحمد الله كثيراً ..

وأدعو الله لها أن يعجل في شفائها التام ..


( وما كَان الله لِيُعجِزَهُ من شَيء )






* * *








ذهبت مع الريح ..

خطتي الطفولية ..


ﻻبد أنـ(ـه) كان سيقابلني بالسُّخرية ..

إنه لن يتوانی عن إحراجي ..


حمداً لله أن تراجعت ..

لن أحتمل الرَّفض ..


خاصَّةُ منه ..



كنتُ أنوي ..

إعادة ذكرانا ..

ذكری لقائنا اﻷول ..


ذكری رجُل النافذة ..

ومراهقة الباليه ..



استقبلت النسيم البارد ..

سامحة له باختراق خصلاتي المتطايرة ..


شعري الطويل ضاعَ هدراً ...


التصقت بالنافذة .. وانحنيت ..

أطل إلی العشب اﻷخضر النضر ..


تمنيت لو قبلت أشاركه القفز ..

كانت مغامرتنا ستكتمل .. !


علی اﻷقل ؛ ..

لن تكون بقسوة القفز من فوق جسر التايمز !



رحت أتأمل العشب ..



عادت اﻷفكار المظلمة تدور برأسي ..


لِمَ أُصِرُّ علی الركض وراءه ..؟


لو يريدني لكان استعادني منذ زمن ..


اﻻنفصال الذي اتخذ أمره ، لم يكن عن تسرع كالعادة .

كان عن تفكير ورغبة ، وإﻻ لظهر عليه الندم كما بكل مرة .

لكني لم ألمح ندما .. كان عازما علی الفراق ..



يبدو أني يجب أن أبدأ باستبدال اهتماماتي ..

و نمط حياتي .. وتفكيري ..


علي أن أبدأ بالعيش لنفسي .. ولابني ..


كما أحببتـ(ـه) ..

سأحب غيره ..


مالمميز به ؟

مالذي به وليس بغيره من الرجال ؟


اﻷرض مليئة بالرجال .


أملك اﻵن بين يدي ثريا ، طيبا ، ووسيما !


عليَّ تقدير هذه النعمة ..

كل فتاة ستتمنی ما لدي ..


سأعيش كاﻷميرة ..

سأحقق حلمي القديم ..


سأصير أميرة ثرية ..

سأعوم في الثراء ..


بإمكاني نسيانـ(ـه) ..

جُبِلَ الإنسان علی النِّسيان ..




دُقَّ الجرس معلناً بدء محاضرتي التالية .


تحركت وأنا أعيد حجابي إلی رأسي .


أبتعد عن نافذة رجُلي ..

أخترق القاعة العريضة ..

مُودِّعة ذكرياتنا القديمة ..







" محاضرة وحدة ما بتأثر .. يا دودة الكتب "



أستمِعُ للمحاضر حيناً ، ثم سرعان ما يشرد ذهني .

أمر معتاد في المحاضرة الثانية ،

التي غالباً ما يتدهور تركيزي بها .



(كان) دائماً ما يسخر ..

يسخر من حرصي علی كل محاضرة ..

يسميها ( أمانة ) ..

ولم ينفك ويقارنه باسمي مستهزءاً .


كان كثير من الطلاب يعتمد علی المحاضرات المسجلة

والمتوفرة علی شبكة اﻻنترنت بموقع الجامعة .


إﻻ أن تلك الراحة ستصبح من الماضي علی ما يبدو ،

إذ أصدر قريبا أمر أصدر ضجة وهزة جامعية كبيرة ،

وهو المحاسبة علی الالتزام بالمحاضرات .


أفقتُ من سرحاني علی المحاضر وهو يلقي كلمته اﻷخيرة .


أسرعتُ بجمع حاجياتي ونهضت قبل نهوض الجميع وازدحام المكان .



بُنَيَّ ، سأعودُ أجده باكياً ..

في كل يوم يكون لدي به محاضرتين

ألقاه علی نفس الحال منهاراً باكياً ..



سِرتُ بخطواتٍ سريعة ، متتابعة .


لحسن الحظ منزل خالي يمكنني معه الوصول سيراً علی اﻷقدام ،

ومن سوء الحظ لو اكتشف طليقي الذي لم يعلم بعد عن ابنه

أنه بحضانة من .. أتوقع أقل ما سيفعله سيلجأ إلی حرماني منه .


وصلت منزل خالي ..

ﻷجد ( أيمن ) كما توقعت ..


رغم شجاعته وجراءته ، مع ذلك يزال طفلاً ..

الطفل في هذه المرحلة من العمر يكون شديد اﻻلتصاق بأمِّه

و ﻻ يقوی علی فراقها ..


عدتُ به إلی مسكننا الصغير ،

أسقيته الحليب وأطعمته بعض الخبز مع الجبن .


من ثمَّ ظللتُ أحتضنه إلی أن يخلد للنوم ..

فقد بدا من ضيقه ودمعاته المدللة المتفرقة أنه بحاجة إلی النوم .




- Tick .. tock

Time doesn’t stop

Prepare your doubts

Eat them up ...



- داون ..



- Quaff down

The pass of thoughts

Red sand flows out

Sweet mouth ...



- ما .. ديــ ....



- The sky is painted in Lunacia

Florets slashed open the rain of tears

Misfortuna

, There is no escape

my dear ... !




عدتُ لندن منذ شهرين ،

قبل انتهاء عطلة الكريسماس بحول أسبوع ،

بعدما مررت في طريق عودتي علی دولة معالجي

حسب المراجعة الشبه شهرية .


ويبدو أن المراجعات ستكون أبَديَّة ،

غير أنها قد تتضاءل في كمياتها .


ﻻ يمكنني قول أني تعافيت ..

ربما يكفي التعبير عن ذلك ...

بأني تحسنت إلی درجة عالية .


إذ ارتحتُ من اﻷفكار والمعتقدات الضلالية ..

، باستثناءِ الهلاوس .


لم تختفي الهلاوس باستثناء أنها قلت في نسبتها نوعاً ما .


ربما للأفكار التي تعدلت فضلا في ذلك حيث تحولت اﻷصوات

واﻷشخاص الوهميُّون حاليا إلی أناس أكثر ودِّية .


حيث علمتُ أن الهلاوس تتحكَّم في نوعها

نوعية الاعتقادات واﻷفكار الخاصَّة بالفرد .


كمثالٍ عندما كنت دائماً ما أسمع :


" يكرهونك " ، " ﻻ أحد يريدك " ،

" أنت فضائية " ، " لست بطبيعية " .


وكذلك أصوات تحذرني من بضع أفراد محددة من عائلتي ..

وبأنهم ينوون شراً بي ، وسبب ذلك يعود ﻷفكاري المعادية لهم .



في حين ( هو ) علی الصعيد اﻵخر ..

كنت أثق به .. أثق به ملء قلبي ..


وفي المقابل كانت الهلاوس بشأنـ(ـه)

طيبة ، ومضحكة في كثيرٍ من اﻷحيان :


" يتميلح .. ﻻ تعطينه وجه " ،

" يتغلی .. ﻻ تضعفين عنده "



ما استفدته من العلاج رغم عدم قدرته علی إزالة الهلاوس بشكل نهائي ،

هو أنه أزال انزعاجي من الهلاوس بنسبة تقارب المائة ،

صار بإمكاني التعايش معها دون خوف وقلق .


وطالما أن الهلاوس الحالية لا تخرج عن النطاق اللطيف ..


أمثال صوت عمتي - رحمها الله - ..


إذ يظلُّ صوتها الدافئ يرافقني ..


تمدُّني بالتفاؤل إن احتجت ..

تعزيني بالمواساة حين الحزن ..

بل وتحاول التَّرفيه عني ببعض الطرفات !



أغلقتُ باب الثلاجة بزفرة طويلة .


المطبخ بحاجة إلی الكثير من المقتضيات ،

كذلك حاجيات الطفل ومستلزماته علی وشك النفاذ .








. . .




مسألة دائي تؤرِّقني مؤخراً ..


طالباني بإخفاء اﻷمر ،

معلِّلَين .. أن قد وصلت لمرحلة الشفاء ؛


وإثارة هذا اﻷمر ليس له داع ،

ولن يجلب سوی العوائق والعقبات .


لكن ماذا لو تعرضت ﻻنتكاسة ؟

كيف يمكننا تفسير ذلك ؟

ومالأعذار التي سنسردها ؟


أمي ، خالي ..

ألم تفكرا في ذلك ؟!


رغم أن حالات الانتكاسة قلَّ هجومها بنسبة عالية

غير أنه ﻻ يعني أني محمية من الانتكاسات ..


يمكن في أي وقت أتعرض لهجمة مباغتة بدون استئذان ..



كنت قد أغلقت لتوي من مكالمة مع ( إبراهيم ) ،

الزوج المستقبلي الجديد .


نويتُ وبشدة إخباره عن اﻷمر الشاغل بالي ،

منذ يومين وأنا أنتظر اتصاله الشبه يومي .


لكن وجدتني جبنتُ .. خِفت ..


أكثر ما أخشاه في الدُّنيا هو الرَّفض ..


الرَّفض أكبر ما ﻻ أحتمله ..

رغم أني عايشته كثيراً ..

رغم من المفترضِ اعتدته ..


لكن ما نفعله خطأ !

يُسمَّی استِغلال !



يجب أن يُبنَی الزواج علی أساس سليم وصادق ،

وإﻻ فشلت العلاقة الزوجية وغمرها الشك و عدم الثقة .


هل أقوم بالاتصال به ؟

أجروء علی ذلك ؟


أمسكتُ بهاتفي ..

أطلتُ النظر إلی اسمه ..


يبدوني أشبه طليقي من ناحية اختيار المسميات ..

فلم أكن رومنسية البتة في التسمية ..


أكتفي بالاسم المجرد وهذا في حالة لم أكن اكره الشخص صاحب الرقم ..

أما لو كان من المجموعة المنبوذة فإنه

لن يكون له نصيب سوی باسم مبتور .


لم أدع لنفسي مجالاً للتفكير ، فلو فكرت باتخاذ قرار ،

لن أستقرَّ علی قرار حتی يأتي الغد ..


فور لمست أيقونة السماعة الخضراء تشنَّجت يدي .


يمكنني سماع صوت قلبي ..


خائِفة ..


هل ما أفعله صواب ؟

هل ستغضب أمي ؟



- مشغول ؟


ألقيت سؤالي بخجلٍ ،

علی الصَّوت الهادئ بالطرف اﻵخر .


تمنيتُ يكون منشغلاً ، لكن خيَّب أملي .



- إبراهيم ؟



لأول مرة أنادي باسمه دون رسميَّات .



- تعرف شيء .. اسمه فصام ؟



أتاني صمتٌ شعرته طويلاً جداً ،

ربما يتهيَّأ لي .




- صح مرض ، سمعت فيه ؟



هل بدأ بالشكِّ بي ؟


أم يُحاول فحسب ...

تذكر معلومات عن هذا المرض المبهم للغالبية .



- لا ، هو .. مرض عقلي .



طالبني باقتضابٍ .. قول ما أريد قوله .


فأجبت بسرعة ،

ﻷني لو ترددت اﻵن ...

سأتراجع نهائياً .



- أنا مريضة بالفصام .



تمنيتُ لو كنتُ في رأسه أری أفكاره فور تصريحي ،

أری استجابته وردة فعله ، وكيف تخيَّلَني ... ؟


ما إن صرَّحتُ بأن الفصام مرضٌ عقليّ ،

لمحتُ اضطِّراباً في نبرتِه ، وتنفُّسِه .


هل يمكن أن يخشاني ؟


في الواقع ، ستكون فرصة لـ( الحُريَّة ) ! ...

لو حصلَ و هربَ مني !



ربما سأرقصُ فرحاً .. !



لكن لا يمنع من أن أُحِيل الجوّ إلى دراما ..

وأبكي تعاستي .. وأُعدِّد عيوبي ..

وأتحسر من رفض الناس لي ..

إنه أكثر ما أتقنه !


من المفترض أن يفسحوا مجالاً لموهبتي الدرامية ..!








. . .




" انظرن من وصل "

" اوه ، أبو الهول ! "

" أخبرتك أنها تشبه رمسيس الثاني ! "

" كلهم سواء أيتها البلهاء "

" ضحك ضحك ضحك "



أبو الهول ..

أبو الهول ..

أبو الهول ..


كثيراً ما تكررت علی مسامعي لحتی ظننتني

أبو الهول ذاته بعث في جسدي بروح جديدة .


لم أدرك حينها ...

ماذا يقصدن بإطلاق لقب أبي الهول علي ؟


فكرت كثيراً في سبيلِ إيجادِ أوجه التشابه بيننا .


أكان لقصة شعري التي تشبه تاج أبو الهول ؟

أم هو مظهري المخيف الشبيه بأبي الهول ؟


لم أدرك إﻻ اﻵن ؛ ...

أنهن لم يكن يقصدن أبو الهول بالمعنی الشكلي !


بدرَت مني بعض المحاولات الخجلة بالاندماج مع المجتمع المدرسي الجديد ..

حاولت التقرب من بعض الفتيات في صفي ..


ولم أری في أعينهنَّ سوی الرفض ..

ﻷختار اﻻنسحاب بصمت ..


لم يبرحن عن السخرية من لكنتي الانجليزية ..


كان لساني في تلك الفترة ﻻ يعرف الانجليزية ..

إﻻ ذو اللكنة الهندية ..

بحكم هيئة التعليم الابتدائية في مدرستنا

والأصدقاء الذين تغلبهم الجنسيات الهندية ..


فكلما اضطررت للتحدث أحسست بالضحكات الخفية لمن حولي ..


لم أبدأ بممارسة الباليه من وحي نفسي ،

بداية رغبتي بهذه الهواية كانت نابعة عن غيرة .


ابنة خالي ، يبدو أنها أول عدوة لي .


رغم أنها تصغرني بعامين لم يمنع من تفوقها علي

أنا التي كنت أری نفسي مميزة في أحد اﻷيام ..


تفوقت علي في العديد من النواحي ..

دراسياً ، واجتماعياً ، ومظهرياً ..


تملك أكثر من موهبة ، وتتقن أكثر من هواية .


كلما رأيت خالي وزوجته دائمو المدح والتشجيع لها ،

كلما تصاعدت نار الغيرة في صدري .



إلی أن صدف وشاهدت راقصة باليه علی التلفاز ،

وجعلته قراري وخطة للوصول إلی التميز .


كنت في الحادية عشر من عمري ،

في ذلك العمر لم أری ذلك بالمستحيل .


وفي الناحية اﻷخری كان خالي شديد التدليل ،

ويحاول مساواتي مع أبنائه قدر استطاعته ..

للحد الذي شعرت معه .. بأنه يثير بذلك

ضيق زوجته في بعض اﻷوقات .



أحببت تلك الرياضة الناعمة سريعا ، لكن لم أنعم بها كثيراً ..

فما أكملت الرابعة عشر أصدر خالي أمراً بالتوقف عن هذه الرياضة .


آتياً لي بحجة مخيفة ..

من أنه يشوه جسد الفتاة ،

ولن يتزوجني أحد !


يجب أن أصرح ...


أن فتاة الرابعة عشر كبيرة بما يكفي

لتقع في الحب وتفكر في الزواج ..

مثلها في ذلك مثل فتاة العشرين .. !


بل وتتخيل فارس أحلامها وترسم ملامحه بخيالها الواسع ..

ثم تتمنی أن يظهر في أحلامها ، ويكون منقذها في كوابيسها .. !


لن أدَّعي أني كنت فتاة رُومنسيَّة ..


لكن كنت أنثی بما يكفي ..

لتقع في غرامِ رجُلٍ شبيه ..

بـ(رجُل النافذة) ..






. . .



مع الأسف الشديد ..

ظهر أن الرجل من النوع الشهم ..


فليأكل ما ستجنيانه يداه مستقبلاً ..

أتمنی له حياة هانئة مع زيارات انتكاساتي الصديقة ..


أكثر ما ﻻ أطيقه الرجل الشهم ..

يشعرني بالاشمئزاز ..

فـ(الشهم) فيما معناه في عصرنا الحالي ،

ﻻ يعني .. سوی التكلف والتصنع !



أقام خالي اليوم وليمة .. بمناسبة قدوم عائلة العريس

في زيارتهم الثانية بعد خطوبتنا الغير رسمية .


في اعتقادي يودون التأكد من مناسبة العروس لابنهم الراقي .


أو ربما أخبر العريس عائلته عن الداء الذي اكتشفه

بعروسه المستقبلية !


لا ، غير منطقي .

لو الأمر كذلك ، لفضوا الخطوبة على الفور .


ولما كانوا يستقبلوني بالابتسامات الودودة تلك

كما يفعلون اﻵن .



كل تصرف يبدر عن ذا الخال ، ولو طيباً كان .

يزيدني به كرهاً يوماً بعد يوم .


ﻻ أنكر فضله علي طيلة السنين ،

تكفله بتربيتي ، ومحاولة تعويضي عن اﻷب .


كان طيب .. ولا يزال طيباً ، رحيماً .


لكن .. فعلته الشنيعة .. بأعز إنسان ..

كانت كفيلة بمحو كل أفضاله ، ومعروفه .


اﻷذی الذي سببه لـ(حبيبي) .. ليس ببسيط ..

لقد فعل جرماً .. أفصح عن وجهه القذر الخفي ..


و أي من يسبب ألم لـ(رجُلي) ..

لن يسلم من سواد قلبي ..



ألقيت السلام علی والدة العريس وشقيقته .. واﻷخری الثالثة ،

ثم أخذت مجلسي بجانب ابنة خالي ، وزوجته .


فتحوا حوار صغير لطيف معي ، ثم انتقلوا للحديث مع زوجة خالي .


شعرت بعظم حاجتي لوالدتي في هذا الوقت ..

أحتاجها إلی جانبي حالياً وبشدة ..


ﻻ بأس ، ستكون معي قريبا .. أقصد سأكون معها .




- كيف الدراسة معك ؟


- تمام ، الحمدلله .


- متی اختباراتك .


أجبت :

- بعد عطلة اﻹيستر إن شاء الله .


- وبكذا خلصتي العام ، صحيح ؟


أومأت برأسي إلی شقيقته ، بابتسامة زائفة .




- وش رأيك بالتعليم عن بعد ؟


التفتت إلی التي أخبروني بأنها عمته .



ماﻷمر اﻵن ، ألم نتفق بإكمال تعليمي ؟



قلت ببرود أحسست أنه استفزها :

- أفضل نظام اﻻنتظام .




انتهت الجلسة الطويلة علی ما يرام بدعوة علی مائدة العشاء .


ولم يشوه الوليمة سوی إصرارهم علی مقابلتي للعريس ،

مدعين أنه سيكون آخر لقاء قبل إتمام عقد القِران .



تساءلت إن كان هذه اللقاءات التي بيننا راجع

لعدم الاقتناع التام من ناحية عريسنا الشاب ؟!


هل كان يحاول اﻻقتناع بي خلال تلك اللقاءات ؟


هل .. أنا (منبوذة) إلی هذه الدرجة ؟







. . .



ما شارفت الخروج من مبنی قسمي الجامعي ،

حتی أتاني اﻻتصال الذي يقول صاحبه أنه بانتظاري .


دهشت للمفاجأة غير المتوقعة ،

يقول أنه ينوي الخروج معاً في نزهة .


حاولت التعذر بـ( أيمن ) .. الذي لا يقوی علی تأخيري ،

فأثار استغرابي وقلقي ، حين أخبرني بأنه تولی أمره .


خوف مبهم تغلبني وأنا أسرع إلی خارج الحرم الجامعي .


وجدت سيارته ، حيث وصفت له أن يقف .


تقدمت بمشي أقرب للركض إلی الواقف بالانتظار .


وقبل أنطق اخترق قلبي الصوت الطفولي المألوف :

- ماما .. ماما .. ماما .. !


التصقت بالباب الخلفي ، خاطبت الرجل بعصبية :

- افتح الباب !


حبيبي الصغير .. كان يبكي بشدة !


بالكاد يتنفس من الشهقات ..

وجهه تحول إلی اللون القرمزي ..


غمرته باحتضاني ، أهدهده برقة ..



من سمح له ؟!

كيف يجرؤ ويختطف صغيري ؟


كيف لهؤلاء أن يسلموا ابني لغريب ؟!!

هل يكونون أعدائي ؟!!



استقليت السيارة بصمت ، دون أنبس كلمة ..

متجاهلة اعتذاراته الرخيصة ، أصد صدی صوته المقرف .


تداركت عندما ابتعدنا قليلاً ، أسأله عن وجهة ذهابنا .


- في بالك مكان معين ؟


صمتت ، ثم قلت بطلب :

- محتاجة غرض للولد ، ممكن نمر شوي علی البيت ؟


- ما بنحصله بأي محل علی الطريق ؟


- ﻻ ، مو بأي محل .


أوصلني إلی البيت .

خرجت من السيارة بهدوء ، حاملة طفلي .


- خلي الولد هنا ..


- أحتاجه معي .


أغلقت الباب .


وابتعدت ،

ما اختفيت بداخل المبنی ،

أطلقت ساقاي في الهواء ،

أركض ، أسابق السلالم الطويلة .



أغلقت باب شقتي بإحكام ،

واستندت عليه ألتقط أنفاسي .



توجهت بصغيري إلی البساط الذي يتوسط الصالة .



- راح نبدل ملابسنا ، طيب حبيبي ؟


قلت بنبرة مرحة محاولة استعادة هدوئي ،

حتی ازيح القلق الذي سببته للطفل .


حاولت السيطرة علی أناملي المرتجفة بينما أنزع فنيلته الزرقاء .


- أيمن ؟

فيه أحد بدل ملابسك ؟


نظر إلي حائرا ، فالتزمت الصبر .

ولوحت بفنيلته أمام بصره .


- أحد بدل ملابسك كذا ؟


ثم استأنفت فيما أزيل سرواله : وكذا ؟


عِظَم الراحة التي ملأتني .. لم يسبق وشعرت بمثلها ..

في حينما يقوم بهز رأسه البريء .. نافياً ، بعفوية .


احتضنته بارتياح عظيم .. ثم حملته ..


كنت علی وشك البكاء ..

بالكاد تماسكت ..


لن أبكي أمام طفلي ..


أنا قوية ، أنا قوية !


حرصت دائما ألا يری طفلي من أمه دمعة

فلاشيء يخيف الطفل بقدر دمعة اﻷم .


لم أقدر مقاومة رغبتي بالتأكد وتفحص جسده ،

بينما أتظاهر بأني أقوم بإلباسه .


كم هو مخيف هذا الشعور ..

مخيفة هذه الوساوس ﻷم ..

خاصة ﻷم مثلي ، لا تملك غير وحيدها ..







انطلق رنين هاتفي ...

ليظهر الاسم البغيض علی شاشته .


انتظرت حتی توقف الرنين ،

ثم حولت الهاتف إلی وضع الصامت .


وأعدت اهتمامي إلی صغيري الحبيب ..


اللاهي بالتقليب في صفحات إحدی

قصص اﻷطفال المصورة بين يديه ..
























* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-16, 12:24 AM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-





الفصل السادس عشر



. .









أُغلِقت المكالمة .



هل اشتاق ؟


هل قرَّر استعادتي .. !




رميتُ بالهاتف .


ثمَّ بي أطيرُ راكِضة

إلى الباب الخارجيّ للشَّقة .



وقفتُ بمنتصف الطريق ..



ألا يجدرُ بي أتحجَّب بشيءٍ ما ؟

أرتدي العباة مثلاً ؟

لا ، هذا مُحرِج !



عدتُ إلی الداخل كالرِّيح ،

انتقيتُ إحدی اﻷوشِحة ..

ثم خرجتُ مُهَروِلة ..



انتظرت ، أُنظِّم من أنفاسي المُتلاحِقة ..




ﻻ تذهب ، قليلاً فقط .. انتظرني قليلاً ..

سأفتح اﻵن .. ﻻ ترحَل ..




التصقتُ بالباب ،

ثم مددتُ يدي إلی القفل .



ما فتحتُ الباب قليلاً ..

تنحَّيتُ بحِدَّة إثر الدفع المُهاجم للباب


اقتحم الشَّقة باندفاعٍ كالعاصِفة ..

ثمَّ صفع الباب وراءه !


وضعتُ كفَّايَ على وجنتاي أُفكِّر بالصَّغير

المسكين النَّائِم بالداخل .



كُن هادئاً أرجوك ..

ابنُك نائمٌ في أمانِ الله ..

لا تفزعه أرجوك ..



سحبني بهمجيَّته اللامتناهية ، ثمَّ طرحني مثلُ كيس رُزٍّ

على أول كرسيٍّ وقعت عينُه عليه .



خطف أنفاسي حين انحنى عليّ مُهاجِماً :

- اليوم وشو ؟


- هاه ؟


- اليوم ايش ؟

انطقي !


- Wednesday !


- الشهر ؟ التاريخ ؟


- November .. Twenty Three !


- من أمك ؟


- ماما ..


- اسمها !!


- ماما ..

نادية !!


- تحبيني ؟


- ها ؟




أَينوي اقتلاع ذقني من وجهي ؟



عيونه تخترقانني كاللّيزر ..

عمَّ يبحث في عينايَ ؟



أزلتُ يده في غيظٍ عظيم ، وضربتها أرميها بعيداً .



أَهكذا يُحيّي العاشِقُ عشيقتَه .. ؟

وبعد فُراق يصِل إلى سِنين .. ؟


أليس في هذه الحالة ..

من المُفترض يكُون أكثرَ رُومنسيَّة .. قليلاً .. ؟



- شيل يدك .. ما يحق لك تلمس !



تراجع ثلاث خطواتٍ إلى الخلف .

ثُمَّ توسطت يداه خصرَه .


- وراه حابسه عمرك شهر ؟

هاه ؟ أقلقتي أمك عليك ..

ردي على المكالمات أقلها !



رمقتُه بعُدوانيَّة ..

إذن لم يأتِ لأجلي ..



كيفَ تجرؤ ؟!!




تلفَّتَ حوله يُوزِّع نظراته علی الشَّقة ، باحِثاً عن شيءٍ .



يبحث عن عصاً ؟

أو عن علاقةِ ثيابٍ ؟




- وين الولد ؟



سقط قلبي بين قدمايَ ..


بُحَّ صوتي ، فيما أُحاوِلُ جمع الأحرف :


- أي ولد ؟



ركَّز نظراتُه القويَّة بوجهي ، رافعاً حاجباً ساخِراً :


- ولدي !




كادت مُقلتايَ تتدحرَج على الأرض ارتِياعاً .




كيفَ علِم ؟

كيف يمكِنُه أن يعلم ؟!



من أخبره ؟

هل يُعقل ؟!



والدتي ؟



لقد وعدتني !

أخذتُ منها ميثاقاً !!




كمن صعقَهُ البرق ، انتفضتُ من مكاني ،

حالما تحرَّكَ يشقّ طريقه إلی إحدی الحجرتَين .



استجمعتُ كل قواي ، ﻷجري .. وأُعيق طريقه .



تحدَّثتُ بجُنون :


- أي ولد ؟

تحلم أنت !



حدجَني بثباتٍ بنظرة لم أفهم مغزاها ،

ثُمَّ أزاحني من أمامه بلا جهدٍ منه يُذكر .



قمتُ بجذبه إلى الخلفِ من سترته بمحاولاتٍ عديدة .




جُنِنتْ !



نسيتُ نفسي !




انطلقت في وثبة عالية وتعلقت بعنقه .

قاومني يجاهد ﻻنتزاعي عنه ، وإنقاذ رأسه من مخالبي .



كنت أَبكي حينها .. وبكَائي لم يزِدني إﻻ قوَّةُ وشرَاسَة .



استخدمت كل ماقد يمكنني إجادته من خمش وعضّ ،

ولكمٍ .. وشدّ الشعر ، وفقأ اﻷعيُن .


كَانت معرَكَة شرِسَة صامِتة ..

أفعل كُلّ شيء .. وأيّ شيء ..

من أجلِ راحة ضنايَ .



لن أسمحَ ﻷحدٍ بمسِّ صغيري ..

من يُحاوِل اختطافَ بُنَيَّ ...



عِقابُه المَوت !
























. . .

























يبدو الملاكُ الصَّغيرُ نائِمٌ بعُمقٍ ..

مهما أغرَقه بالاحتضانِ ، والتَّقبيل ،

ﻻ يستيقِظ ..



راقبَ صدره الغضّ كيف يتحرك ..

يرتفع ويهبط .. بشكلٍ يجلب علی الاسترخاء ..


إنَّه أجمل من الصورِ بكثير .. بكثيرٍ جداً ..


يحمل الملامح الناعمة ذاتها ..

والبياض ذاته ..

ﻷُمِّه الشرِسَة ..

التي تُقاوِم قيودها في الخارِج ..



أتته رغبةً مُلِحَّة في حملِ الطِّفل المَلاك

والخروج بهِ إليـ(ـهَا) ..


يحتضِنانه معاً ..




خرج من الحجرة ، مُقاوِماً الرَّغبة في حملَ الصَّغير معَه .



وزاد من مُعاناة قلبِه ..

منظرُ المقيَّدة ، الباكِية ..



عقلها ما يزال مُتماسِكاً ..

لكن مشارِف اﻻنتِكاسة جليّ الرُّؤية ..



دنا من كُرسيِّ السِّجن..

بفؤادٍ متوجِّع ..



استوی جالساً مُقابل قدميها ..



يستوجبُ ارخاء هجومها أولاً ..



عليه إقناعها .. أن مَامِن ينوي ..

اختطاف ابنها !



صعدَت أنامله تلمس وجنتها الرطبة ..




كَم اشتاقَها ..




لم يجده سوی يُسرِع بحلِّ الوشاح الصُّوفي ،

عن معصمَيها المتَّصلين بالكرسيِّ الخشبي .



ثم ويقوم بدسِّها في حُضنِه .




- ﻻ .. ﻻ تاخذ .. ولدي ..



أخرَسَها بقبُلاتِ الاشتِياقِ الحَارَّة

مُتفرِّقاتٍ على أنحاءِ وَجهِهَا .



- تتخيلين متعب يآذي كهرمانته ؟


أوجَعَت قلبه بالصَوت المرير الملتاع :

- متعب .. يآذي وفاء .. كل يوم ..




هل ما فتِئت أيامهما التَّعيسة تؤرِّق حياتها ؟




- كيف متعب بيآذي وفاء وهو بعيد ؟



لم يلق اجابةً إﻻ الصَّمت .. المتخلِّل بالشَّهَقاتِ المُلتهبة ..




- ناظريني وفاء .



- وش تبي ؟



- ناظريني ؟



قالت بجفاءٍ قاسٍ :

- ليه جيت .. وش تبي مني ؟



- مثل ما قلت ، أمك تبي تتطمن .



- ماما قالت لك ؟



- نعم ، دقت علي .


لكن ارتفعت الجوهرَتَين الدَّامِعتَين إليه

لتُعمِي بَصَرَه عن كُلِّ ماحولَه .


- ماما قالت لك .. عن أيمن ؟



علَا تعجُّب حاجبيه .

حاولَ فهم ما تعنِيه ..



ثم هتف صائحاً ، منذهلاً :

- حبيبتي أنا أعرف أيمن من يومه كبر الدودة ببطنك !


حملقت في وجهه بنظرة بلهاء :

- دوده ؟


- أعرف من شهرك اﻷول ، أجل وشوله النفقة الشهرية ..

ﻻ تقولين ما توصلك !


ابتعدت ..

وأُزِيحت الجَوهرَتَين الخاوِيَين عنه ..


غابَ عقلها بعيداً ..

كَأنَّما جرفتها اﻷفكَار ..



تحرَّكت فجأة ، تقترب .


تدنُو برأسها ..

تُمسِكُ وجهَه ..


وتخاطِبه راجيةً ، باكيةً بحرقة :

- متعب .. بيخطفون ولدنا ..




قام يُكفكِف دمُوعها ..

واستهلَّ بحديث اﻹقناع ،

قائلاً برفق :


- من يبي ولدنا ؟

خلي الناس تتفرغ لعيالهم باﻷول

ثم يحطون عينهم علی ولدنا .


- صدقني .. سمعته والله ..

ودق علي ..متعب ..

يقول بيخطفه !


سأل عابساً :

- من هو هذا ؟


نطقت بعد صمت .


- واحد ..

اسمه إبراهيم ..




هل صار لشخوصِها اﻷوهام مسميات ؟




- انقذ ولدنا متعب !



- اشتقت لك حبيبتي ..


همسَ وأنامله تُداعب شعرها الحريريّ بمظهرهِ الجديد .


لو كانت عنده ، لما سمح بمسِّ شعرها .


ربَّاه مِن هذهِ الفاتِنة ..

أﻻ ينفذ سِحرها .. ؟


ساحِرة بكل اﻷحوال .. !



أخرجته من طورِ أجوائه الرومنسيَّة بلكمَتها المؤلمة .


- أنت مو أب .. مو أب ..

مستحيل تصير أب ..

ماتعرف تكون أب !



أعرب عن انزعاجه بضجر :


- كفاية دموع يا وفاء ، صيري قوية ،

تعلمي تمسكين دموعك ..

كيف بتربين الولد وأنتي بهالضعف ؟



- أنا قوية بدونك متعب ، أنت سر ضعفي متعب .

وجودك سبب ضعفي .. طالما أنت بعيد أنا قوية !



نظر إليها بتوجُّعٍ مُرّ :

- تعبتك حيل وفاء ، صح ؟



أسدلَ رأسه مطأطئاً ، مسترسلاً :


- ظلمتك معي .. آسف ..

آسف .. ﻹني تلاعبت فيك ..

آسف إني ما قدرت أخلصك مني ..

آسف إني ربطتك فيني .. بالولد ..



كظم زفرَته بِهَمٍّ يصارع أوجاعه .



تململَ في جلوسه ،

وعزم إلقاء كلمته اﻷخيرة

قبل الرحيل .



- حاولي تستعدين خلال هاليومين ، بآخذك علی المعالج .




نظراتها الفارغة لم تتغير ..

وكأنَّ قلبها لا يحمل له إلا الخواء ..

كذلك المشاعر العدائيَّة الظاهرة

علی تقاسيمها بوضوح ..



- ليش معالج ؟

حضرت مراجعة قريب .



شتت نظره بعيداً عن عينيها :

- اجراء احتياطي .. أبي أتطمن عليك ، خلك جاهزة .
























. . .

























كِدتُ أصفعَ جبيني من هولِ اﻹحبَاط ..



أﻻ يفهم لغة عيونِ البشر ؟

أليس ببشَري ؟



( صحيح ، تمهلي ! )



نسيتُ أن مرضی ( ثنائي القطب )

يسيئون تفسير تعابير الوجه !



شعرت بتغير غريب في اﻷجواء

وبتنفسه الذي اضطرب بلا سبب



رفعت نظري إليه ، ومسحت وجهي سريعاً .

ثم التفتت برأسي إلی الخلف .



- حبيبي أيمن .. مساء الخير .. !



شرعت ذراعاي لطفلي القلق ،

الواقف عند عتبة حجرة نومنا ..



تردد باﻻقتراب ..

يتنقل ببصره بيني ..

وبين الغريب جواري ..



هل شعر ببكائي ؟


لا ، لا أريد يكره أباه

من أول لقاء !



- تعال حبيبي ..

تعال ماما ..

شوف مين هنا .. ؟ !

بابا .. ! عرفته ؟



التقطته بذراع واحدة ، ثم وجهته ليقابل والده .



وشوشت له بأذنه بعاطفة عارمة ..

هامسة بمعلومة سرية بيننا ..



أسَيتعرف علی والده ؟


أبإمكانه الربط بين أبيه الضحوك صاحب المقاطع المرحة ..

وبين غريب اﻷطوار المختبئ بي اﻵن ؟!



- كان غير .. وفاء !


ضربت عنقي أنفاسه المضطربة المرافقة لهمسه ..


أدرت عيني إليه : كيف غير ؟


- ليه يناظرني كذا ؟ يكرهني ؟ يكرهني وفاء .. ؟

كان ملاك وهو نايم .. علمتيه يكرهني وفاء ؟



تحركت ﻷرغم المنزوي خلف ظهري علی مواجهتنا .



- متعب ، أيمن يحبك !



منظر ساحر تلاقي تلكم الدوائر السوداء الكبيرة ..

لكم أعشق عينان هذين اﻻثنين ..



- يحبني ؟

يعرفني ؟


- يعرفك زين يا متعب .



أعاد نظره إلی الصغير .


غزت ابتسامة شفتاي ..

وانا أری نظرة الصغير الثابتة بالشجاعة المعهودة

، مناقضا بذلك لنظرات والده الهاربة والمرتبكة .



بحركة خطرت لي عفوياً ..

بحدة قربت الولد منه مخوفةً ، مازِحة .


لينفرط طفلي في الضحك علی الجبان

الذي تراجع للخلف مذعوراً ..



فزَّ قلبي مع تململه واستعداده للمغادرة .



يود الذهاب !

بهذه السهولة ؟



- مثل ما قلت ، تتجهزين خلال يومين .


كبتت تنهيدة اﻻرتياح بصعوبة .



لن أدعه يطير من يدي بتلك السهولة

يأتي إلي بقدميه .. ويتوقع مني أتركه وشأنه ؟!


لن أسمح له بالعبث بي مجدداً ..

لم أعد دُميةً لديه .. !



- متعب ... !


تطلَّعني باستفهام ،

خاطبته متألمة ، لكن باﻻنجليزية .


آلمني ابتعاده عن الطفل دون لمس أو سلام ،

أو حتی نظرة أب حنون ﻻبنه الذي فرقهما البعد ..


الطِّفل وصل إلی مرحلة يدرك معها الحُبّ والرَّفض ..

ولن أدع الإحساس بالرفض يقرب ضنايَ ما وسِعني ..



ابتسمتُ فرِحة حالما انحنی علينا ..

أشاهده يستلم الكف المكتنزة ،

يقبلها ، ثم يقبل خده ، ثم رأسه .


غير أنه أذابني وأنساني نفسي

حين شملني معه بقبلة التوديع ..
























. . .

























أنتظر موعد الجلستين اﻷسبوعية بقلبٍ متلهف ..

فقط من أجل التنعم برؤيتـ(ـه) ..



حتی الولد بدأ يتعلق ( به ) ..

شعرته وكأنما ينتظر الجلسات معي ..

يفرح بلقائه بقدر فرحتي به ..


لكن لم يستعد بعد لمناداته بـ" بابا " ..


فلا يستخدمها إﻻ عند سؤالي

" وين بابا ؟ " ، " بابا راح ! "



كنا عائدون لتونا من جلسة لدی المعالج ،

وقد دعوته لمشاركتنا تناول العشاء .


فقد اشتقت إلی وجباتنا المشتركة ..




- وفاء !! الحقي يا وفاء !!

ولدك ساحر يا وفاء !!!




قررت أن يكون عشاء اليوم طبق مميز من اللازانيا .


إنه طبقه المفضل ، يجدر أن أسميه عاشق اللازانيا ..



واﻵن الحشوة صارت جاهزة !

ابتدأت أصف شرائح اللازانيا في قاع الصينية الزجاجية الشفافة .



- وفاء .. وفاء .. ولدك كم عصر عايَش ؟

ولدك مب طبيعي وفاء !



شعرت بحسه ورائي يقترب .




- ﻻزانيا .. !



نظرت إلی الوراء عندما شعرت بحسٍّ آخر بالمكان ،

فتمتمت بضيق وخفوت :

- شيل أيمن ، عودته ما يجيني بينما أطبخ ...

متعب !!!!



لم يترك عادته القديمة السيئة في سرقة مكونات وجباتي المطبخية .



- قطعة دجاج بس علشان تكمل النكهة .


- ما يصير كذا متعب ..


أشغلني بالوشاح الذي تعمد إسقاطه عن رأسي ،

وانتهز فرصته في انتشال الدجاج من الحشوة .


ولم يكتفِ بذلك ، بل قام بدعوة الشقي الآخر الصغير بكرمٍ سخيّ .



يحب تناول المكونات النيئة أو شبه مطبوخة كالمعكرونة المسلوقة

والكشنة الحمراء ، وعجين الكعك أو المعجنات وأوراق السمبوسة .


ويتعذر بذلك أنه يحاول اﻹقلال من كمية المكونات

رغبة في اختصار العمل وتوفير التعب عني !


كائن غريب .




- قل كهرمانتي أول !


قال الكبير مشترطاً علی الصغير الواقف أمامه

بينما يمسك بإحدى قطع الدجاج عالياً بيد ،

وبالأخرى تنسدل شريحة اللازانيا المسلوقة .



- كهرنتي !!!



- سمعتيه وفاء ؟!!

سمعتي بأذنك ؟!



أوليته ظهري متذمِّرة ، أتمتم لذاتي .


- وشلون يعرف ماضينا !


- هَم .. هَم !!


- لحظة أكلم أمك .


- ماما ! شوف !!


- الحين ولدك قرب الثلاث سنوات ولا يعرف يتكلم ؟



أجبتُ ببرود ، بينما أضع قطعة صغيرة من الدجاج بفم الصغير :


- فيه أطفال مكملين السنتين ولا ينطقون غير ماما وبابا ،

وفئة ما تزيد عن سنة وثلاث أشهر ينطقون أكثر من ماما وبابا ،

المسألة على حسب الطفل وقدراته ، اصبر كم شهر يصير بلبل .


- زين من معلم الولد كلمتنا السرية ، يتجسس حتى من يومه ببطنك ؟


- من المقاطع حقتك ، حافظهم بالحرف ..

ومتى تجسس ؟ متعب لا تذكر سيئاته قدامه ..


قلتُ جملتي الأخيرة بتبرُّم ، مُستاءةً .


يبدو لاحظ تضجُّري ، والإزعاج الذي قام بتسببه هجومهم ،

فحمل الطفل ، وقذفه برميةٍ عالية جداً جعلني أمسك قلبي ،

ثم سألني :


- متى تخلصين ؟


- شوي وأحطه بالفرن .


- عجلي والا تريني بأتعشى على ولدك ، جيعان .
























. . .

























حمداً لله ..

الانتكاسة لم تكن حادة هذه المرة ..

تحسَّنت بشكلٍ أدهشته ..

فقد كانت متبصِّرة تقريباً رغم انتكاستها ..


وحمداً لله أن لحِقوا عليها باكِراً ..


أحسَّ بأنه يتعامل مع شخصية ( وفاء ) الحقيقية .

شخصيتها الحقيقية التي لم يعرفها مطلقاً .


إنَّها قوية ، قوية لدرجة لم يتخيَّلها !


ودودة .. ودودة ولطيفة للغاية .. !


لكن إن انزعجت تحوَّلت إلى لوح جليدٍ .




يودُّ استعادتها وبشِدَّة !



لكن ، حتى وإن قبِلت مقدَّماً ..

هل ستوافق ، إن أُطلِعَت على

ظروفِه الجديدة ؟




فوق أنها زوجةٌ مثاليَّة ..

ظهرَت أنها أمٌّ مثاليَّة .. ومثاليَّة جداً !



( أيمن ) ..

لا فكرة لديه من انتقى له الاسم ،

لكنه اسم لطيفٌ كملامحه الناعمة .


لهُ الملامح النَّاعمة ذاتها لدى أُمِّه ..

والدَّهاء والمكر ذاته لدى أُمِّه ..


نُسخة أُمِّه .. !


ملاكٌ في الخارِج .. شيطانٌ من الدَّاخِل !


لا يكفّ عن ممارسة الحيل طمَعاً في اجتذاب اهتمامِ أُمِّه .


فكُلَّما حاول ( هو ) بالتقرُّب من ( كَهْرمانتِه )

يلقى ذاك الغراء في وجهه يعيق طريقه ،

ويحاول بشتى الطُّرُق لفت أنظارها إليه

بعيداً عن المتطفل العملاق .


وتلك الحمقاءَ أُمَّه .. لا تنفكّ تنجرُّ وراء فخاخِه غافِلةً .


لا تكفّ عن إطلاق الأوامر .. من أجل مُدلَّلِها المُزعِج .

لا تفعل هذا أمام الولد .. و لا تفعل ذاك أمامه !


تريد منه أن يدرس كُلّ كلمةٍ .. قبل أن يتحدَّث أمام الصَّغير !

لا تشتِم .. لا تعاتِبه .. لا تذكر سيئاته .. لا تأمره !

يجدرُ به أن يطلق عليها " أمٌّ مهووسة " !



ليته فقط بمقدرتِه تحويلها إلى " عاشِقة مهووسة " ..

" عاشِقة مهووسة بـ ( متعِب ) " ..





خلالَ هذه الفترة

خرجَ باستنتاجٍ هامّ !



الفُصَام بحد ذاته ليس مُزمِن ،

عقاقير الفُصَام هي من تُحيل المرض

إلی مُزمِن !



استنتاجٌ يستحق عليه

جائِزة نوبل !



وإﻻ فكيفَ يفسِّر ..

التحسُّن السريع في غضونِ ثلاث سنوات بالتخلِّي عن الدواء

فيما معه عانَت أشدّ المعاناة لفترة ثمان سنين !



يُسمّونها بالفعالة !


ليست فعالة سوی بتعويق التفكير ، وتشويش التركيز ،

والشعور بالتعاسة .. وفقدان أيّ اهتمامٍ بالحياة .

فضلاً عن اﻵﻻم الجسدية ، وتحويله للجسد

إلی جثة شبه متحركة !



و أخيراً ،!

اكتشف زيف النظرية العابثة ،

التي لطالما شكك بها .



عدم الاتزان الكيميائي في المخ ؟

( دوبامين ) ؟

( سيروتونين ) ؟



كلها هراء أطباء نزعوا رداء اﻷمانة

ليجبروا العالم علی شراء اﻷدوية !























. . .

























غائبٌ الآن ..

لظرُوفٍ في العمل ..



أسبوعَين مضيا بدونه .. كَما شهرَين ..



ودَّعتُه بقلبٍ مهلوع ..

والخوف من فقدانِه يلتهمني ..



لماذا لا يعود إلى محادثتي عبر الرسائل .. مثل السابق ؟


تكفيني حتى كلمتين منه ، يكفيني ولو سلامٌ جاف ..

ولو يخُطَّ لي حرفاً واحداً .. سأطيرُ به سعادة ..



الدقائق تتوافد ببطءٍ شديد ..

صبري ينفذ وأنا أنتظِر انتهاء اليوم الواحد ..


لم تحدث أشياء مُمَيَّزة خلال لقاءاتنا القصيرة ..

مع ذلك شعرتُ أنِّي ملكتُ الجنَّة برفقتِه ..


وجوده مُرِيح جداً ..


أشعرُ بروحِه لي ..

مثلُ ...

مُهدِّئٍ للأعصاب ..




تلقَّيت اتصالات عِدَّة من والدتي ،

أوَّلُها كان على هاتفه .


كنتُ أخشى محادثتها ..

خشيتُ اللَّوم والعِتاب ..


إلا أنها لم تذكر حرفاً بما يخصّ " العريس الجديد " !




لم أحاول فتح موضوع خيانتِها لي ..

بخصُوصِ ( أيمن ) ..



غضِبتُ بدايةُ .. وبشِدَّة ..

حقدت .. وضغنت ..



لكن سُرعانَ ما هدأت ..



فلا بأس ، ..

فقد يكون ذلك في صالحِنا ..

أنا .. وابني ..
























* * *












TBC





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-16, 12:27 AM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-














- تأخرت متعب ..



أتاني صوتُه المُرِيحُ المُهدِّئ عبر الخطّ الهاتفي ..

يُمحِي باعتذاراتِه الرَّقِيقة .. عتابٌ دُسَّ في أقاصي قلبي ..



لم يقم بالاتصال أكثر من مرَّتين ، يسأل بهما عن احتياجاتنا .



- أيمن اشتاق لك ..



استغللتُ ( أيمن ) لأبُثَّ بأشواقي إليه ..

حمداً لله على وجودك يا بُنَيّ ..



تبسَّمتُ على تعليقِه السَّاخِر بالطِّفل .



- أيمن ، بابا يبي يكلمك .. !


سلَّمتُ الهاتف إلى ( أيمن ) الذي من حماسِه جذبَ الهاتف ،

وابتدرَ يفيض بالكلمات بالهاتف المقلوب على أذنه .


- ألو ألو .. بابا .. ألو بابا ..

وين ماما ؟ مافي !


قمتُ بتعديلِ الهاتف له إلى الوضع الصحيح .


- ألو .. ألو .. بابا ..

ها ؟ ماما ؟ ها ؟

لا .. لا .. هاه ؟

ايوه .. ايوه ..

ها ؟ ماما ؟ ايوه ..

كهرتي .. كهرنتي ..



ارتسمت بسمةٌ على محياي .


منذ اكتشف ذلك اللَّقب على لسان الطِّفل ،

لا يكفّ عن مطالبته بتلفُّظها كُلَّما وقعت عينه على الصَّغير .



" بابا "

هذه أول مناداةٍ مباشرة لوالده بـ( بابا ) ..


تمنِّيتُ لو رأيتُ فرحة والدِه .. حين سمِعه من فم طفلِه ..



- ماما كلم !



استلمتُ الهاتف من يد الطِّفل الممدودة .



- أقفل متعب ؟




كانت مكالمة قصيرة جداً ،

لكِن مفعولها كَالسِّحر .. !



لا بأس ..؛

قال سيعود قريباً ..
























. . .

























كنا منخرِطَين في محادثة هامة ، وصغيرنا هداه الله

ﻻ ينفك عن مقاطعاته المتعمدة بين الحين واﻵخر .



ﻻ يطيق أن يسلب أحدهم اﻻهتمام عنه ،

يحِبُّ أن يكون سيِّد المكان ، ومتصدِّر المجلس


( متعِب ) مُستنسخ !




- شف لو ما تترك أمك في حالها ،

قسم شفت هذيك المزهرية ؟

شفتها ؟ أحبسك فيها .


- ﻻ !!!!



وجه خطابه الهادئ لي :

- هالحين من معلمه هالتمرد ؟ ﻻ ، ومافي ؟

ما أسمعك تقولينهم قدامه ياﻷم المثالية .


زفرتُ بقلة حيلة :

- رفاق السوء ، الله يحميه منهم ..


علَّق مستهزءاً :

- أفا ، يعني تعبك كله بح .. على الفاضي .


- ما شاء الله عليه ولدك اجتماعي رقم واحد ،

وأنا آكلها علی راسي .. كل يوم يصدمني بمصطلح جديد ،

وأخواتي كل وحدة ولدها لسانه مصيبة أكثر من الثاني .


- حبيبتي حرصك الزائد ما منه فايدة ، كذا واﻻ كذا الولد آخرته

خربان ، علميني وشلون بتحمينه من عيال الشوارع .. ﻻ كبر ؟


- بسم الله عليه ، ﻻ تفاول !

أيمن ما شاء الله عليه متفائلة فيه ..

بإذن الله يطلع أحسن واحد ..

صح حبيبي أيمن ؟

أنت بطلي !


- أنا بطلي !!!


خاطبَ والده بتحدي وانتصار ، فرِحاً بتعزيزي .


لكن يبدو أن الطفل الكبير .. ﻻ يود إنهاء الشجار علی خير :

- يا حبيبي ، أبوك البطل اﻷول واﻷخير في حياة أمك .



- ماما شوف ..


بث الصغير شكواه إلي متمسكِناً ،

مشيراً بإصبع لينة مستضعفة إلی منافسِه .


فاكتفيتُ بالوشوشة له بما يُشفي غليل كبريائه ،

فجعلَ بسمة اﻻنتصار تغزو ثغره الوردي مجددا .



اجتذب نظري الرجل الغير راضي ..

وهو يستند إلی ظهر اﻷريكة .


لكني تجاهلتُ النظرة الغير مُريحة في تلكما الأعين الظلماء .



لم أحب تلك الغيرة الغريبة والشاذة .. ولم أتقبلها ..

فلم أسمع قطّ عن أبٍ يغار من ابنه !



وضع غريب بالفعل ، وكأني بين نارين ﻷضطر أن أرضي هذا وذاك !




عاد ما قبل يومين ، بعد غياب استمر ما يقارب أسبوعين ونصف .



عاد لي شخصٌ آخر ..

على عكسِه قبل الغياب ..

أقبلَ علينا خاملاً ، بارداً .. ضيِّق الأفق ..



هل أهمل الدواء ؟

أم أنها الانتكاسة التي لابد منها ؟




- يالله ، أنا ماشي .


- تعشی معنا ..



حرك رأسه رافضاً عرضي :

- وقت ثاني .



أتمنی أﻻ تطول هذه النوبة ..



فأنا حالياً ...

بأمس الحاجة إلی حيويته ،

التي يرفع بها معنوياتي ..

ويمدني بأوصال اﻷمل ..




















. . .

























ثبتت نظراتي الناريَّة الحادَّة علی وجهه ..


في انتظار يكمل حديثه الشيِّق .. إن كان له باقٍ !



- خلصت ؟


ﻻذ بالصمت ، دلالة علی ختام جلسة اﻻعتراف .



استويتُ واقفة في هدوء .



ثم ذهبت أتفقد طفلي النائم ، وحرصتُ إغلاق بابه .



عدت إليـ(ـه) .


سألت وانا أشغل التلفاز :

- تبي تتفرج شيء ؟


رفعتُ الصَّوت إلی مستویً عالي ، وناولته جهاز التحكم .


- بروح أنام ، البيت بيتك .



وخرجت مغلقة الباب عليه .





عاجِزة عن التنفُّس ..

الغضب يعجزني عن التنفُّس ..



قصدتُ الحمام اﻷبعد عن موقعِ بُنَيّ ..





متزوج إذن .


متزوج إذن !




" أيمن محتاج أب .. متعب .. "


هل أكون اعترفتُ له بتلك الكلمات ؟

اعترفتُ له بالحُبِّ كالغبيَّة ؟!




أحتاج هواء ..

المكان خانق ..



غضب ..

غضب مُتعِب ..

أحتاج أتنفس ..



إما سأُجَنّ ..

أو سأمُوت ..



أنا علی وشك الجُنُون ..

لا ، علی وشك المَوت ..



لا .. لا .. سأُجَنّ ،

ثم سأمُوت من شِدَّة الجُنُون !



فتحتُ فمي عن وسعه ﻷصرخ بعينايَ الجاحظين ..


لم يخرج سوی صراخٌ صامِت ..


صراخٌ صامِتٌ احتبسته حنجرتي المُرتعِشة ..



بدأ زُجاج المِرآة المظلوم ، يتلقی

العِقاب عن ( الخائِن ) بالخارج ..




- افتحي الباب !!!

بنت !!! وفاء !!!!




إذن ذلك الغياب ..

لا لعمله .. بل من أجل

زوجته الفاتنة ~



- أيمن هنا .. وفاء !!

أيمن صحی !!!

اعقلي واطلعي وفاء !!




توقفت .. منهكة ..



وعيتُ علی اهتزاز المنزل

بالبابِ الذي يكاد يُخلَع .



- اهدأ أنت ! خوفت الولد !


- من منا خوفه ؟ اطلعي يالله !




آهٍ يا صغيري ..

آهٍ يا حبيبي ..


سامحني .. سامح أمك ..

آسفة يا فلذة فؤادي ..


أبوك السبب ..

ألق اللوم علی أبيك ..

أبوك نحر روح أُمُّك بخنجرِ الخيانة ..


فهل ترضی اﻷذية ﻷُمِّك ، يا بُنَيّ .. ؟




- امسكه .. حاول تهديه .. طالعة الحين ..



- شاطرة حبيبتي وفاء .. بسرعة ..




تمهلتُ دقائق ..


أستعيد بها نفسي ..

أستعيد ثباتي ..


أستعيد ملامحي الهادِئة ..

التي عوَّدتُ عليها ابنِي ..




وخيَّم صمتٌ لم أسمَع معه إﻻ ضجِيج التلفاز .



- وفاء ؟ يالله !



لا يزال اللهاث مسيطر ..

اهدئي .. اهدئي وفاء ..

طفلك بحاجة إليك اﻵن ..



استنشقتُ أكبر قدر من الهواء .



- أيمن حبيبي .. ماما بخير ..

علب الشامبو طاحوا ..


- تكفين يالله وفاء .. انتبهي وأنتي تمشين ..




اخرَس !

اخرَس ، لا تنطِق حرفاً ..

ﻻ تُسمِعني صوتك ..



تحامَلتُ علی نفسي ..



بدأتُ أمشي ، أدوسُ اﻷرض بقوَّة ..

متمنِّيةً من كلِّ قلبي وجود شظايَا حادَّة

تغرس بأقدامي وتُمزِّقني ..




فتحتُ الباب .




أبحث عن ( أيمن ) بعيونٍ قلِقة .




- وين أيمن ؟




أصدرتُ صرخاتٍ مكتومة ،

أقاوِمُ ذراعيه المُقرِفَين ،

مُزمجِرةً ، مُحارِبَة .



لا تلمَسنِي ..

لا تلمَسنِي بيدِك القَذِرة ..



قمتُ بتصويب لكمَاتٍ عِدَّة إلی صدره ،

حاولتُ مرَّاتٍ شتَّی قذفَ نفسِي إلی اﻷرض .



أشهقُ بمرارة ..

أصرخُ بلوعة ..

أبكي ونحيبي يملأ الجدران ..



أعادني حيث الضجيج ..

موصِداً الباب بالقفل ..



هتفتُ مُتدارِكَة :


- أيمن .. أيمن بيصحی .. بأي لحظه ..

الحمام والمطبخ .. خطر .. المرايا مكسورة ..


استغللتُ انشغاله فيما يعيد فتح الباب ..

ﻷنزلق من بين ذراعيه ، وأهبط أرضاً ..

ثم انسللتُ من فتحة الباب ..



وبذلتُ دائرة أخری من مشاوير إغلاق الأبواب .



حتی انتهيتُ بالعودة إلى أدرَاجي

إلی حيثُ ( الخائِن ) ..




أغلقتُ بابنا ..



جالسٌ علی اﻷريكة .. جامد ..

يسند مرفقيه بركبتيه ..

يغطي وجهه بكفَّيه ..



خطوتُ إليه ..

ثبتتُ أمامه ..



فأنزل يديه عن وجهه ..

يُثبِّت نظره علی قدمايَ العاريَين ..



أخَذنِي إِليه ..



كنتُ أترقَّبُ معركةً ملحمِيِّة شرِسَة ..

لكِن ...



كُلُّ النوَايا الشرَّانِيَّة تبدَّدَت ...

حالَ لمسة يدِه السَّاحِرة ..



إنَّه يُخدِّرني .. !

يخضعني لسطوتِه .. !



هذا يُسمَّی تلاعبٌ ذهني !


هذا الرَّجُل ، ...

ماهرٌ في الألاعيب الذهنية ، بِلا شكٍّ !



راقبتُه فيما يتفحَّص قدمايَ باهتمامٍ أسَرَني ..




ماذا يفعل ..؟

توقَّف عندك !


لا ، هذا فعلٌ مُرِيع !

لا يجوز لـ(مِتعِب) فعله !



كدتُ أنتزِع قدمايَ منه ..

لوﻻ كَان اﻷسبَق ..


فغِبتُ في دُوَارٍ .. ونَشوةٍ تفوق الوَصفْ .. !

قبلةٌ واحِدة .. تفعلُ بي كُلّ ذلك .. !




- هالجنون ما أبيه يتكرر ، مفهوم ؟


أيقظني من ثمَالَتِي بأمرِه الحازِم ..



تركَ قدمِي ، ثُمَّ جذبني وسوَّی مِن جلستي .


صِرنا جنباً إلی جنب ، كغُرَبَاء ،

لم أرتح للرَّسمِيَّة المُفاجِئة ..



- تبين ترجعين ، أنا حاضر .

بس اسمعي ، أمك جاية تاخذ مكاني ،

وضعي الحالي بالعمل ما يسمح تمديد اﻹجازة ...


قاطعتُه والنِّيران مُشتعِلة بأحشائِي :

- تقصد وضعك الزوجي .


عقَّبَ بجفاءٍ آلَمَنِي :

- ﻻ تفسرين بمزاجك ، خذي الكلام كما ماهو موضح .

أنا بأجي أزورك بين فترة وفترة ، ولا كملت جلساتك

ركزنا على موضوع الزواج ، وش قلتي ؟




وعاد الصَّمتُ ليسودَ بينما منتظِراً إجابتي .




صارعتُ الغُصَّة ﻷنطِق :


- تحبها ؟



كُلُّ مافيَّ صرخَ باﻷلمِ ، بالوجعِ ، حين

غرسَ نصلَ كلِماته في أقصَى قلبي :


- سؤال يعتبر من خصوصيات غيرك ، ما يحق لك تعرفين جوابه .



- هي .. أحلی مني ؟



رفع كتفيه بلامُبالاة فيما ينهض :


- بتشوفينها بنفسك ، النظرة للجمال تختلف من شخص ﻵخر ،

ممكن أشوفها ملكة جمال وغيري يشوف العكس ، ولكن ! ...



استدارَ إليَّ ، مهدِّداً بسبابته .


- تذكري يا وفاء إني عارفك زين ودارسك ،

يمين بالله ! إن تقربين من البنت بأي أذية ..

شوفي البنت طيبة وعلی نياتها .. ولا لها بسوالفك الشيطانية ،

يميناً بالله لو أحس بشيء ، بتاكلين علی راسك أضعاف أذيتك لها .





نارٌ تتأجَّج في صدرِي ..

لهيبُ الغَيرة يكوِيني !



هي ساحِرَة بالتَّأكيد ،

ساحِرَة وسحَرَته !



لم يكُن مفتونٌ سِوی بي ..

لم يكُن مُغرَمٌ سِوی بـِ(كَهْرمانتِه) !




تحرك للرحيل .



سيترُكني هكَذا ؟

بعدما غرسَ بي سكِّينه ..

يغادِرُ بكُلِّ برودٍ !





- بأقتلها !



تلفَّظتُها ﻻهِثة .. مُشتعِلة ..


فاستدارَ إليَّ ذاهلَ النَّظرات ، لكن سُرعان ما استعادت ملامِحه هُدوئها .



- حبيبتي !

أنتي أضعف من تموتين ذبابة !

هددي بحسب قدراتك .. مثلا ، قولي بأسرق أغراضها ..

بأخرب طبخها .. وعلی فكرة ترينها تطبخ أحسن منك .




( ارحَل قبل أرتكبَ بك جَرِيمَة !! )

هل يتعمَّد إثارة غيرَتي ؟!




- أكرهك .



تجاهلني غيرَ آبِهاً ، ينقلنِي لنقطة أخری :


- نسيت أهم شيء، هالبثر ولدك من هالحين تعلمينه

ينام بلحاله ، مابي أشوف خلقته عند راسي وأنا نايم ،

لا أحرمك منه وأرميه لجدته .


واختتمَ بأمرٍ أخير ، مولياً إيَّايَ ظهره :


- تعالي قفلي الباب .


- مابي .. خل الحرامي يخطفنا !


- نامي بدري ، تصبحين علی خير .



أوامر ، أوامر ، أوامر .. ألا يملّ ؟!











* * *




.

.

.



[ ملحوظة قد تهم قراء كهرمان ]






-

-







* ( اضطراب ثنائي القطب )
(Bipolar Affective Disorder)


هو اضطراب وجداني عاطفي
يتميز بتقلبات حادة في المزاج ( هوس ، اكتئاب ) ،

أي تندرج التقلبات المزاجية مابين ( هوس ) وبين ( اكتئاب ) ،
ويفصل بينهما مرحلة مزاج طبيعية .


- أعراض نوبات الهوس : ( مزاج مرتفع ، وحيوية مفرطة ،
العظمة ، سرعة التهيج والغضب ، نوم مضطرب ، طيش
وتهور ، تصرفات جنونية )

- أعراض نوبات الاكتئاب : ( حزن ويأس ، تعب وتوتر ،
شعور مبالغ بالذنب ، اﻹفراط في تأنيب الضمير )



قد تصل حالة الهوس ( الحادة جدا ) بالمريض إلی العنف
كالضرب والدخول في معارك وشجارات عنيفة ، وفي
بعض الحالات إلی اﻻغتصاب ( نادرة ) .


ويجب أن نشير إلی أن نسبة ليست بالقليلة من حالات
ضرب الزوجات والعنف اﻷسري يعود سببها إلی
اضطراب ( ثنائي القطب ) .



؛



يصنف ( ثنائي القطب )
بأنه (نفسي) ، أو (عقلي) استنادا إلی نوعه ،
حيث ينقسم اﻻضطراب إلی ثلاث درجات :

1- الدرجة الثانية ، والثالثة .. (نفسي) :
وهو الاضطراب المعروف من هوس واكتئاب .

2- الدرجة اﻷولی ... (عقلي) :
هوس واكتئاب ، ويدخل فيه هلاوس كأصوات وهمية
كما في مثل مرض الفصام (schizophrenia)


وحمداً لله أن النوع اﻷكثر انتشاراً هو النوع النفسي
( الدرجة الثانية ، والدرجة الثالثة ) .



والعلاج المعتاد في ( ثنائي القطب ) يكون في
أدوية تسمی بمثبتات المزاج (mood stablizers)
والعلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavior Therapy)



-







التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 05-02-16 الساعة 10:29 AM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-01-16, 10:24 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-








































الفصل السابع عشر


























. . .


































- ايش أسوي ..؟ علميني يا ماما ، ايش أسوي .. ؟



مسحتُ علی رأسِ فلذة فؤادي ، المختبئة بحجري .




لطالما شككتُ بمشاعرِها نحو ذاكَ الرجل ..

وهاهي خطوته اﻷخيرة ، تؤكد الشكوك لتحيلها إلی يقينٍ مُثبَت .



ﻻ فكرة لدي ؛ منذ متی وقلبها الغضّ .. يضخّ بتلك المشاعر العميقة ؟



طوال الوقت ، ونحن نتألم علی مستقبلها .. الذي أُنهِيَ علی يدَ ذاكَ ( المارِد ) !


مارِد ؟

أهو مارِدٌ ، حقاً ؟

أَظلمناهُ .. حقاً ؟



تساؤلاتٌ ، وشكوكٌ غفيرة .. لعِبت بعقولنا ..

مذ ظهر هذا الشاب الغريب في حياتنا ..



لم تُرسَم آنذاك في رؤوسنا ..

سوی تصوُّرٌ واحد ..



الطِّفلة استُغِلَّت !!



لم نكن في حاجة إلی إخضاعها للفحص ،

فكل شيء واضح للعين المجردة !


ابتداءً من آثار التعدِّي علی وجهها ..

انتهاء إلی عودتها برفقته ..



ظهوره برفقتها علی العلن ،

أملاً في التخلُّصِ من المخلوقة المريضة ...

أَوَ هذا ما افترضناه !



لم نُصدِّق إقدامه علی خطبتها ،

رمينا بها إليه ؛ بلا لحظة تردُّدٍ أو تفكير ..

متلهِّفون للتخلص من العارِ الذي لحِقَ بـ( ابنتنا ) ..



لم نفكر سوى بالتخلُّص من لقب ...

اﻻبنة المُغتصَبة !!



هي ذاتها كانت تبغضه !



كانت معارضة ، وبشدَّة .. لفكرة الزواج !



كانت تقلب البيت رأساً على عقِب ،

كلما قام أحدنا بفتح مسألة الزواج معها .



إلى أن استبدلت قرارها فجأةً !



لا أدري عن سبب تبدل قرارها ..

بين ليلة وضحاها !



لكن تأكَّدتُ جيِّداً .. بأن كانَ لذاك ( الرجُل ) ، يداً في الأمر !



لم ينبِس أحدٌ منَّا ... حرفـاً ... في أمرِ حادثتها ،

من بعد انتهاء إجراءات التحقيق في ذلك الحين .



أنا بذاتي ، ...

لم أجرُؤ بإلقاء أيّ سؤالٍ علی الصَّغيرة ..

خشية ... أن أبغضَ ابنتي !




وقريباً .. قريباً جداً فقط ؛!



تأتي إليَّ تلك البريئة ...



تأتي البريئة وتفصح لي عن الحقيقة !



الحقيقة التي غلَّفناها طوال السنين ( بهالة العار ) عن جهلٍ ..



أتت إليَّ ..



رغبةً في أن تُزيل كل ما حوی رأسنا

من تصورات مخجلة عنها ..

وعن رجلها الشاب ..



أتت إليَّ المسكينة ..

والخوف ، والخجل يملؤها ..



ذلك أول إشارةٍ كانت منها ..

أولُ إشارة تفضح عشقها بـ( ذاك الشَّاب ) ..



كان كريماً ، حتی بعد طلاقهِما ..

يشملها مع طفله .. بالنَّفقةِ الشهريَّة .



ومن ثُمَّ تكفَّلَ برسومِ دراستها الجامعيَّة ،

حالَ وصله خبر عودتها إلى الدِّراسة .



رغم أنه ليس مُجبراً مطلقاً ... ؛

للإنفاق على الفتاة ، بعد الولادة !





- ماما ! خلاص قررت !



تطلَّعتُها بقلبِ اﻷُمِّ الحنُون ..

ورحتُ أُزِيلُ الدُّموع ، عن صفحةِ الوجهِ المُحمرَّة .



- بأتزوج إبراهيم !

وينه إبراهيم ؟

جيبوه !



ابتسمتُ بحُنُوٍّ وإشفاقٍ ، ثم أعربتُ بمُمازحة .


- إبراهيم ، ودعنا خلاص ..

ولو تبين متعب بعد يودعنا ..

حاضرين يا أميرة !



تكلَّمت العَاشِقَة الصَّغِيرَة ، بنبرةِ مقتٍ مُكابِرة :


- يودعنا ؟ ماما ، أنتي فاهمة غلط .

ماما .. مو هو ياللي تكرم يرجعني ..

أنا الغبية طلبته يرجعني ، وليتني ما تكلمت !



سُؤالي اﻵن ؛ هل يا تری ، الفتاة مُدرِكة .. لمقدارِ حُبِّ الشابّ لها ؟



رغم معرفتي القليلة له ، والتواصل النادر معه ،

لكن كان كافياً ﻹظهار كَمْ أنَّ الشَّابَ متورِّطٌ ..

وغارِقٌ في غرامِها حتی النُّخَاع !



- والحل بنظرك ؟


أجابت بقوة :

- الحل أطلع من حياته ، خلاص .



أنَّبتُها بحَزمٍ :


- وفاء ؟ استنتجت إنك عطيتي كلمة للرجال ،

صح واﻻ ﻷ ؟ الزواج مب لعبة ، وخاصة هالرجال !

لا تلعبين مع هالرجال بالذات ، يا وفاء نصيحة من أمك .



رفعت بصرها إلي باستغراب :

- ماما ، أنتي تعرفين متعب ؟



- نوعية دمّه باينة من وجهه ، هالرجال خطير يا وفاء .



- عرفتي شخصيته من وجهه بس ؟!

بس ماما ، متعب ملامحه بريئة ..

وجهه طيّب ، ما يبيّن شيء !



مططت شفتي :

- حقيقةً ، عرفت دمّه .. من أول فنجان قهوة وشاي .


- أنتي تقرأين الفنجان ، ماما ؟!

... وفيه فنجان شاي ؟!!!




صفعتُ الطِّفلة الحمقَاءَ علی رأسِها .




يا الله ... ؛

متى ستزول اﻷفكار السِّحرية المُخيفة ، عن هذا الرَّأس ؟!




- الضيف لما نضيفه ، وش المفروض يسوي ؟



ظلَّت تُحملِقُ في وجهي بغباوَة .



زفرتُ مُتضجِّرة ... ودون المُعاودة للتلميحات ، وضحت :


- رجلك المتكبر يا هانم ، مالمس فنجان قهوتنا في وﻻ زيارة .

هذا وهو منتف ، ومهر ما يزيد عن الثلاثين .. ورافع خشم !

سبحان الله .. لو ابن الوليد بن طلال ، وش كان بيسوي ؟!


بقيت محدِّقة بي ، ثم دُهِشتُ بها تجرؤ وتعترض :

- ماما ، تحكمين عليه من فنجان قهوة ؟!


- ﻻ يا حبيبتي ، تطمني ما تسرعنا ، عذرناه !

قدمنا له شاي قلنا يمكن ما يحب القهوة ، والله وﻻ لمسه !


- ماما ، أنتي كنتي معه ؟

كيف عرفتي لمسه ، واﻻ مالمسه ؟


- عندنا خدامة ؟

من بالبيت بيشيل بقايا الضيوف غيري ؟



غمرها الوجوم لهنيهات ...



ثُمَّ وجدتُها تحرِّك رأسها بضيق ،

حين تذكرت إساءتي إليه :


- ماما .. متعب مو منتف ، متعب استقلالي .

أهله ناس عندهم خير .. لكنه معتمد علی نفسه من زمان .



- أنا مو مضايقني يا ماما ... غير إنه بيجمعك معها بالسكن ،

حاولي طيب .. ؟ جربي تلمحين له بالتحايل .. ؟


- يا ماما ! متعب يا دوب يقدر يأكلني ويلبسني ، صعب عليه سكنين !



- هلا أيمن حبيبي !



دُهِشتُ بوجود ( حفيدي ) المُفاجئ ؛

والذي كان منهمكاً بالَّلعب في الحجرة المجاورة .



- بابا ..



لم أستوعب ما يرغب بقوله ؛

حتی وقعت عيني علی الهاتف بيده .



ياللهول !

منذ متی وهذا الصَّغير هنا ؟

أيكون من علی الخط سمعنا ؟



أشرتُ للطفل بالمجيء ..

بينما أُمَّه قد استغلَّت حضني لإخفاء وجهها الباكي .



تنفَّستُ الصُّعداء حالما استلمتُ الهاتف منه .



الطِّفل بالكاد يمكنه وضع الهاتف علی أذنه ،

فكيف باصبعه الضَّعيفَ التآزر .. القيام بمهمة كالرَّدِّ علی اتصالٍ ؟



- ماما .. ماما ؟ .. ماما .. ماما ؟ .. ايش في ماما ؟


طرح الطفل سؤاله علي بقلق ، وبراءة مطلقة ..

بعد أن كان يربت علی ظهرِ أمه ، يرجو جوابها .



- ماما تبي تنام ، نعسانة .



نهض إلي الطفل وعينه علی الهاتف باهتمام :

- بابا .. دق .. دق بابا .. الجوال ..



كنت قد علمت ذلك من المكالمات الفائتة الظاهرة علی شاشة الهاتف ...

من قبلما نقل ( الصُّحفيّ الصَّغير ) للخبر ، والاكتشاف الهامّ بالنسبة له .


فزِع الكُلّ وفَـزَّ .. حالما صعد رنينٌ عال لنغمةٍ مميزة ..

لتتزامنَ النَّغمَة مع ضحك الصَّغير علی هيئاتنا المذعُورة ..



وثُمَّ .. وفي لمحِ البصّر ...

إذ بي أجِدُ الهاتف وابنتي ..

اختفيَـا علی غفلةٍ مني ؛ ...

وكأنَّما اﻷرض قامت بابتلاعهما !
















. . .
















" ليه كهرمانتي تبكي ؟ "



ذبتُ على صوته الفَخم ، ورقَّتِه العَذبة .



بلعت ريقي أصفي من صوتي ،

ومع ذلك خرج متحشرِجاً :


- كنت نايمة ..



ردَّ صوته السَّاخِر .



فرددتُ عليه مُعانِدة :

- أحد يبكي وهو نايم ؟

صوتي متغير من النوم .



قطَّبتُ جبيني ، وأنا أستمع إلى طلبه .



- وش المناسبة ؟

غلفتُ حيرَتي بجفاءٍ كاذِب .



شددتُ بيدي على الهاتف بعد انتهاء الاتصال .




( مُفاجأة ؟! )




رحت أديرُ برأسي باحِثةً حولي ...



أي نوعٍ من المفاجآت تكون ؟



أيقصد بالمفاجأة .. ( هديَّة ) ؟



أرغمتُ نفسي على التجاهل .



لكن دقائق ؛ ووجدتُني أبتدئ البحث بلهفة .. !



لم يُلمِّح لي .. بأيِّ جُزءٍ من الشَّقة ، ستكون المفاجأة .

لكن اعتمدتُ على ذاكرتي ، بتذكُّر الأماكن الذي تواجدَ بها .



إممم ، حسناً .. إنه لم يطأ حجرة النوم مطلقاً ..

ولم يدخل المطبخ .. سوى في اليوم الذي دعوته للعشاء ..



إذن ، المواقع المحتملة ؛

إما في الصَّالة ... أو إمَّا ،

في حجرةِ الجلوس !



بعد محاولات البحثِ المتفرِّقة ...

؛ والذي تطلَّبَ مني اليوم بأكمله ...

استفردتُ بكنزي الذي عثرتُ عليه أخيراً ...



هل ينوي إحياء الذِّكريَات .. ؟

... مثلما كنتُ أنا أنوي ؟



قلَّبتُ بين يدايَ الطَّائِرة الورقيَّة ، الدَّقيقةُ الصُّنعِ ، بحجمِ الكفّ .


تفحَّصتُها بدقَّة ،

وأعدتُ قِراءة ما خُطَّ في إحدى طيَّاتها .




" HYPER JAPAN, 13th January "




دُهِشت من الهيكل الورَقي المٌعقَّد ، والمُتناسِق ..


لم أتخيَّل قطّ ؛ بأنَّ هذا الفظَّ .. يملِكُ أنامِلَ بمثلِ هذه الدِّقَّة .. !



لامَسَ شغَاف قلبِي اليدين النَّاعمتَين ، والمُرِيحتَين ..

وهُما تُحيطانِ بعنُقي .. بنُعومة فائقة ، ولينٍ لذيذ ..



- زعلانة ؟ ماما ؟



لثمتُ ظاهر الكفّ ذات الرَّائحة العَبِقة ..



فطِنٌ ، مِثلُ والدِه ..

لم تنطلي عليه حيلةُ جدَّتِه ..



وابتسمتُ مُديرةً وجهي إليه :

- ماما فرحانة الحين ..



أتى أمامي باهتمامٍ ، عندما جذبه هيكل الطائرة الغريب .



- إش هذا ؟


- هذه طيارة .


- حق مين ؟


- حقنا ..


لمسَ الطائرة مطالِباً : أشوف !



مددتُ له بالطائرة بابتسامةٍ شغوفة .



يتفحصّها ، ويقلِّبها بفضول : مين سوى ؟



- بابا سواها !



- بابا ... ؟!



أومأتُ مؤكِّدةً : بابا سواها .


- .. بابا .. ! .. واو .. !


- حق مين .. بابا ؟


- حقنا .. هدية من بابا ..


- .. واو .. !






" هذا بابا ؟ "



أذكر كيف استغرق وقتاً ،

قبل أن يتهيأ لمناداةِ والده بــ" بابا " ..



كان دائم التكرارِ لنفس السُّؤال .


" ماما ، هذا بابا ؟ "

" ماما .. ماما .. هذا بابا ؟ "

" هذا بابا ، ماما ؟ "

" هذا بابا ؟ "



وفي كلِّ مرَّة أجيبه بإجابة واحدة وثابتة .


" صح ، هذا بابا ! "


لا أزيد حرفاً ، ولا أُنقِص .




دائماً ما تواجه الأم من الطِّفل تكرار الأسئلة ..

وغالباً ما أرى الأمهات يتضجَّرن !


مالمُتعِب أو المانِع ؛ في أن تجيب الأم ...

على السؤال البسيط لابنها ، بإجابة أبسط ؟



مهما كرَّر السؤال نفسه ، وأعاده ..

ليس عليها سوى إعادة الإجابة فحسب !

وليس عليها حتى أن تزيد حرفاً في الإجابة .



الطِّفل يلجأ إلى تكرار السؤال الواحد ، ليس لغبائه !

بل إنه يحاول التأكُّد من المعلومة ، ويودُّ تثبيتها .

وحينها يجب إعادة الإجابة على نفس السؤال ،

بنفس نمط إجابتنا السَّابقة على سؤالِه ،

دون أيّ إضافة ، أو تغيير .



فقط !

لن تستنزف ثوان إجابة .. من وقتنا الكثير !


































. . .





























" مهرجانك ملغي ، وشهر العسل ملغي . "



تنهدتُ ساخِرَةً ..

رغم أن صوته المهدِّد والغاضب ، على خطِّ الهاتف .. أخافني .




الأحمق ، أكَانَ حقاً يخطط لشهر العسل ؟

أهوَ جادّ ؟!



يا ويحي !

أخشى أن يخطط لحفل زفاف كذلك !!




ضممتُ ساقايَ إليَّ .. أتأفَّفُ قلِقة ..


عدت أفكر في الخطوة الشيطانيَّة التي اتخذتها ..



أتكونُ هذه أولى خطواتي في نشر الفتن ؟



فِتنُ الضُّرَّة !



هل سأكون الضُّرَّة الشِّرِيرة من بيننا ؟



مالخطب ؟


الأمر لا يستحق كل هذا التهويل ؟

فِعلتي ؛ لا تستوجب كل هذا الاستنكار !



من حقي ألجأ لهذا الفعل ، أليس كذلك ؟

هذا يُسمَّى دفاعاً عن النَّفس ، أليس كذلك ؟



وكذلك ؛ من حقِّ والدته أن تعلم بـ سرِّه الدَّنِيء !




أتتني مكالمة من والدته ، كانت سعيدة للغاية ...

لكن اكتشفت أن ﻻ خبَرَ عندها ..

عن التي ستصبح ( ضُرَّتي ) !



كدت أُلجِمُ لساني بالسُّكوت ..



إﻻ أن شياطين غيرتي تفوقت ،

ﻷصعق المرأة بفعلة ابنها ...

الذي تعتقده وحيداً ، وبائِساً .. طوال هذه السنين !



فليعتبِره انتِقاماً !

































. . .




























عدنا إلى أراضي الوطن ..

بعدما أتممتُ جلساتي العلاجيَّة ،

التي أخذت مِنَّا أشهر طوال .



لا يضايقني بقدر ما تضايقني ..

رحلات السفر من أجل المراجعة .


متعِبة حدّ الإرهاق .. ؛

حتى أنني أتخلَّف وأتجاهل

كثير من المواعيد .


وكلما مررتُ بانتكاسة ،

تتضاعف جلسات المرُاجعة ..

وكانَ اللهُ في عونِنا ..





توجَّهتُ إلی والدتي ..

المنشغِلة بمساعدة ( أيمن ) على الخلودِ للنَّوم .



- هللوا ، هللوا .. أيمن .. بينام .. نومه نوم الحمام ..

هللوا .. هللوا .. أيمن بينام .. نومه نوم الحمام ..



همستُ لها :

- ماما ، بأكلمك في موضوع .


- هللوا ، هللوا .. خلي الحمامة تنام أول ..



وانتظرتُ بصبرٍ ...

حتى غرِقَ الصَّغير في أحلامه ..



ثُمَّ نقلتُه بهدوءٍ ،

إلى حجرتنا ، حيثُ سريري .







تساءلت والدتي متعجِّبة :

- إبراهيم ؟! وش يبي ؟


غمغمتُ بضيق :

- يقول .. عيدي التفكير ..


- أي تفكير ؟! قلنا له مافي نصيب ، وانتهی الموضوع !


صارحت أُمِّي مباشرة :

- ماما ! لو منحتك الخيار .. ما بين متعب ، وإبراهيم .
من تختارين ؟


- حبيبتي ماما ، الخيار راجع لمصلحتك ، ومصلحة ولدك .

الولد مصلحته مع من ؟ مع الغريب ، والا أبوه ؟


- مع أبوه ، بس أنا مو مرتاحة !

صليت الاستخارة .. لكن فيني ضيقة ..

صليت مرة ثانية ، برضه الضيقة ملازمتني !

مو مرتاحة ! مابيه يا ماما ، خلاص هونت ..


- يا بنتي ، من قايل لك إن صلاة الاستخارة مسؤولة عن هذه الضيقة ؟

هذا القلق طبيعي يا ماما ، تلازم كل بنت مقبلة علی الزواج .


هززتُ رأسي بعدم اقتناع :

- غلط ، اﻻستخارة تخليني أحدد ، إذا مرتاحة أو لا .


- يا ماما ، يا بنتي ..

أنتي فاهمة اﻻستخارة غلط ، اﻻستخارة مالها علاقة بضيقة أو راحة .

فايدة اﻻستخارة .. إن الله بيوفقك بإذنه تعالی ، و بيتمم

زواجكم علی خير إن كان الرجل خير لك ، وإن كان شر ..

بقدرته سبحانه بيبعده عن طريقك .


هتفت بلهفة : والله ؟



طغت تراسيم أُمِّي ابتسامة ذاتَ مغزی ، أشعرتني بالخجل واﻹحراج .

شعرتُ بأن مشاعري أضحَت مفضُوحة ..



طرحتُ تساؤلي بتردُّد :

- طيب .. وإبراهيم ؟



ردَّت بتبرُّمٍ ، واقتضاب :

- أكدي له إن مافيه نصيب .



تذكرت صوته الرقيق والمتواضع علی الخط الهاتفي .

إنه طيِّبٌ ، ورقيقٌ لدرجةِ يصعب عليَّ القسوة عليه بهكذا رد !



لكِن من الأفضلِ له .. أن يبتعد عن مريضةٍ علی شاكلتي ..

ما زال شابَّاً في مقتبلِ العُمر ، وسيجد من تليق به وتسُرَّه ..

بدلاً من أن يورِطَ نفسه بي طوالَ العُمر ..



يُحزِنُني أنِّي ظلمتُه ..

أرجو ألا أكون قد سبَّبتُ حُزن للرَّجُل ..



لو كَانَ ( مِتعب ) ؛ لَمَا أشفقتُ عليه بهذا النَّحو ..



( مِتعب ) رجلٌ قاسِ القلب ، مُتحجِّره ..

مهما فعلتُ به وعمِلت ..

سيعود ( مِتعب ) القَويّ ، والقَاسِي ..



هذِه القَسوَة .. هل يا تری ...

تعودُ إلی اضطِّرابِه ؟



إذا كَان هكَذا ، إِذنْ ؛

هل المَكر والتَّلاعُب ، والخِيانَة ...

يعد من أعراضِ هذا المَرَض كذلك ؟




( الثُّناقُطبي )


هكَذا أسماهُ مُعالِجي الخاصّ ،

اختصره عليَّ كثيراً !



كنتُ ﻻ أكفّ عن إزعاجِ مُعالِجي باستفسِاراتي ،

حولَ هذا اﻻضطراب الغريب ، والجديد ، بالنِّسبة إليّ ..


سألتُه مراراً إن كَان بإمكَان نوع العلاجِ خاصَّته

سيُفيدُ مع اضطِّراب ( زَوجي السَّابق )



إنَّه عجوزٌ طيِّب ..

تحمَّلَني كَثيراً ..



و فَرِحَ للغاية ..

بِبُشری عودتي إلی طلِيقي ..



كَان يُطربني دائِماً ثناؤهُ علی ( رَجُلي ) ..

وإشادته بحرصِه ، واهتمامهِ بي رُغم الظُّروف ..



وكان كريماً ، ومِعطاءً جداً .. بِحيثُ منحني بعض
النَّصائح القيِّمة في التعامُلِ مع اضطِّرابـ( ـه )

ودَعی لنا بالسَّعادةِ والتَّوفيق .. !



إنَّه علی عكسِ طبيبه البريطاني الفظّ !

الذي لم أخشَ كثرَ ما خشيتُ من أسئلتِه المُخِيفة

في الفترةِ قبل تحديدِ التَّشخِيص ..



كنا قد خُضِعنا في ذلك الوقت للمُقابلة معه فرداً ، فرداً ..

من أجلِ المُساعدة في تشخيصِ ، وتحديدِ اضطِّرابـ( ـه )

أنا ... ووالدتُه ، وشقيقه .



كنتُ آخر فردٍ يخضع للمُقابلة .. كنتُ خائِفة جداً ..


ولم يكن ينقصني الطَّبيب ، الذي زاد من الطِّينِ بِلَّةً .



مُعظم أسئلته تعلَّقت بالجانبِ العدواني !



عنيف ؟ مؤذي ؟ يحطِّم أثاث المنزل ؟

يلجأ للضَّرب ؟ للاغتصاب ؟

يستخدم تهديدات عدوانية ؟

كلامه جارح ؟



وكأنّ رَجُلي خُلِقَ مجرمٌ سفَّاح !



كُلُّ مافي الأمر ؛ أنَّه يصبح عَصَبيّ المزاجِ قليلاً ،

أم هل كُلّ عصبيٍّ جعلوه سفَّاحاً ؟!



وأُعلِنَ التَّشخيص عندما قامَ الطَّبيب باجتماعٍ نهائيٍّ شامل ، جمعنا ثلاثتُنا ..

قائِلاً ؛ بأن كُلّ الدلائل والأعراض ، التي يشير إليها الفحص يدلُّ

على ( الاضطِّراب الوِجداني الثُّنائي القُطب ) .




أذكُرُ جيِّداً كيف تخيَّلتُ الأمر حالما التقطت أُذُني

المُصطلح من فمِ الطَّبيب البدين .



تكوَّنت في رأسي الخرِب ، صورةً ..

صورة مقسومة إلى نصفين .



النِّصف الأول من الصورة كان

للقارَّةِ القطبية المتجمِّدة !



والنِّصف الآخر ...

شكلٌ غير واضح لمجموعة من الأسلاكِ الكهربائيَّة ،

وأقطابٍ مغناطيسيَّة زرقاءَ وحمراء .



لا أدري إن كان من شاركني المقابلة ..

تكوَّنت له نفس الصُّورة بمُخيِّلته ؟



ما يقلقني اﻵن ، هو تقلُّباتِه المزاجيَّة المتكرِّرة ..

تارَّة يُحاكيني باشتياقٍ وسرور ، ويُغرقني شِعراً وغَزَلاً ..

وتارَّة يُضيق صدري بجمودهِ وبروده ، وقسوتِه .



حاولت أكثر من مرَّةً سؤاله ؛

عن إن كانَ ملتزِماً بالدواء ؟


لكن في كل مرَّةٍ أجد الخجَلَ يعيقُ طريقي .


إنها مسألة حسَّاسة ..

ليس بالسُّهولة مناقشها ..

خاصَّةً مع مُغتَرٌّ مثلُه ..



ﻻ شكَّ في أنه سيرُدّني خائِبة ، بردٍّ قاسٍ كقَسوةِ قلبِه .

سيلقِّنُني درساً ... حتی ﻻ أجرُؤ في المستقبل

على التدخُّلِ في شؤونِه الخاصَّة .


لكنِّي ﻻ أريد بحالتِه أن تسُوء !



أتمنی لو يخضع معي للعلاج المعرفي السُّلوكي ..

أخبرَني معالجي بأنه سيفيد كثيراً لمن في حالتِه ..



كيف سيكونُ مستقبلنا معه ؟



كلَّا ، السُّؤال الذي من المفترض طرحُه ..

هو ، كيف سيكونُ مستقبل ( ابنُنَـا ) معنا ؟



كيف سينشأ طفلٌ نشأةً صحيَّة .. بين والدينِ مضطَّربَين ؟



رعاكَ الله يـَـا صغيرِي ..

































. . .




























عدَّلتُ من غطاءِ الصَّغير ، قبَّلتُه ..

وتركتُ باب الحجرةِ مفتوحاً ..



ثم خرجتُ إلی والدتي ..



- ماما ، إذا تأخرتْ .. ونعستي .. نامي جنب أيمن ..


- حاضر يا ماما ، الله معك . سلمي عليه ..



فتحتُ باب شقتنا ، وتخطَّيتُ الممرّ الضيِّق ،

لأُباغتَ به يقِفُ بقامته الفارِعة ، بمنتصفِ الدرَج .



- تأخرتي ، وين اللي طلبت ؟



بادر بأوامرِه الجافَّة بلا تحيَّة أو حتى سؤالٍ عن الأحوال .



أخرجتُ له من حقيبتي جواز السَّفَر ، وبعض اﻷوراق المستلزمة

والتي قام بطلبها من أجلِ إتمام إجراءات السَّفَر .



ناولتهم إليه في برودٍ ، فأخذ يتفحَّصهم .



ثم تحرَّك يأمرُني باللحاقِ به .



- متعب ، مطعم قريب .. طيب ؟

الوقت متأخر .. أيمن نايم ، وماما أخاف تنام ..

وأيمن أخاف يصحی .....


قاطعني بغلظة :

- أيمن وأيمن وأيمن ..

ارحميني من سيرته دقايق ، كلما كلمتك أيمن وأيمن !!



تبعته صامتةً مُكرَهة ،

واستغليتُ النِّقاب للتَّحريرِ عن تكشيرَتي الحاقِدة .




وانتهی بنا اﻷمر إلی أبعد مكانٍ ممكن ،

استمرَّ بنا الطريق نصف ساعة !



إنَّهُ يقصد معاندتي فحسب !!



تجرَّعتُ الصَّبر طوال النِّصف ساعة الماضية ، وطفح الكيل .



لا أستطيع ابتلاع لُقمةً واحدة ..

قبل مهاتفة والدتي ، واﻻطمئنانِ علی ( أيمَن ) .



- بتكلمين من ؟


- ماما ، شوي بس ..


- هاتي الجوال .


- شوي .. أيمن ....


- أص ! هاتي الجوال .


- بأتطمن .....


- ﻻ تحديني أرفع صوتي !



نويتُ تصويب الهاتف على رأسه وفقشِه ،

غير أن انتهى بي الأمر أناولُه إيَّاه برضوخٍ وإذعان .



ثم أمرني ببساطة :

- كلي .




كيف بمقدوري اﻷكل بهذه بساطة وقلبي عند بُنَيّ !

بالكادِ كنتُ أحتمل إيداعه في بيت خالي للسَّاعتَينِ القلائل ،

ولا أتوقف عن إزعاجهم للاطمئنان عليه بين دقائق وأخرى !



كنتُ مخطئة عندما اعتقدته مُرَاعٍ ..

كيف لـ بَشَريٍّ ألَّا يتفهَّم ( قلب اﻷم ) ؟




ألوك باللقمة ، وأبتلع ..

وكأني فقدتُ حاسَّة التذوُّق ..

لا مذاقَ بالطَّعام ..




عُقد القِرَان في اﻷسبُوع الماضي ..



حمداً لله أنَّ حفل الزِّفاف لم يكن من خُطِطه ..

وإﻻ لدفنتُ نفسي في التُّراب قبل إنشائها ..



لن أقبلَ حتی برداءٍ أبيض !



رغم أنِّي لم أتذوق حفل الزِّفاف ... كأيّ عروس أخری ،

إﻻ أن لهفتي لذلك ؛ لا تصل للحد الذي أرغب بحفلٍ

... بعد أن هرِمنا !



لقد شبنا ...

لم يعد حفل الزِّفاف بالمناسبِ لنا ...



عجوزٌ مُطلَّقة ..

تُنشِئُ حفل زِفاف !



سأصبح نُكتة العصر بلا شكٍّ !




- وش قال المعالج ؟



أخرجني من زحمةِ أفكاري بحديثه المفاجئ .



أخذتُ رشفة من الماء ، قبل أن أجيب :


- المراجعة مرتين شهرياً .



شعرتُ بزفرتهُ الحارَّة خرجت من أعماقِه .



من حقه أن يشعر باﻹرهاق ..


أنا بذاتي أُرهِقتُ من السَّفَريات لدولةِ ذاك المعالج ..


ألا يوجد غيرُه في العالَم ؟




طرحتُ أفكاري فوراً :

- مافيه معالج من نوعه في السعودية ؟



تراجع بظهره ، يُجِيبُ باسترخاءٍ غلَّفه بلا سببٍ :

- فيه يا قلبي .. مليان ، لكن اخترت لك أضمنهم .


ثم أردف بعدما تنبَّه :

- ليه تسألين عن اللي بالسعودية ؟ أحب أذكرك بمكان عملي ..


- بتتركني أكمل جامعتي ، صح ؟


رفع حاجباً مستنكراً :

- وش قالوا لك عني ؟



تنهدت في قرارةِ نفسي بارتياحٍ .



لكن يبدوني تحمَّستُ قليلاً .. جِداً :

- وأبي ماستر !!


- آسف .



وعلی الفور انسحبتُ ، وانكمشت مخذولة ، مُحبطة .


ليس من الغريبِ أن يرُدَّني خائِبة .. في أمرٍ كهذا !




( مِتعب ) المغرُور !

أَيُعقل و يسمحٍ ﻷحد بالتفوُّقِ عليه ؟!


لن يكُون ( مِتعب ) لو سمحَ بذلك !

أنانِيّ ، وطاغِيّ !!




- ماما تسلم عليك .



لم يُعيرني بالاً ،

ولم يمنحني حتی ردَّاً بنظرةٍ صغيرة .



إنه ﻻ يزال غاضبٌ من أسرتي .



لكن ما شأن والدتي ؟

أُقسِمُ أنَّها بريئة ...

و غافِلةٌ تماماً عن الأعمالِ الغير الشريفة لأخيها !



مهما أقنعتُه ..

سيظلُّ ﻻ يطيق أسرتي ..



أذكرُهُ ..

كان مختلفاً عند مقابلته لـ ( عمي ) ..

الشقيقُ اﻷكبر لوالدي - رحمه الله - ..



بدا عليه أنه يكنّ الاحترام له ..

وبدا بشوشا ، ومرتاحاً نوعا ماً ..



علی عكسه عند مقابلته ... لعائِلتي من والدَتي !




- يالله .



أمرَ وهو يستوي قائماً .

فلحقتُه بالقيامِ ، والاستعداد للمغادرة .



تطلَّعتُ إلی يدهِ الممدودة ..

وبتردُّدٍ ، منحتُه يَدي ..

لتغرَقَ في أعماقِه الدَّافِئة ..



ومشيتُ بجواره ..

جنباً إلی جنب ..



أشعرُ بدفءٍ لذِيذ ..

وراحَة جَمِيلة ..


يبدو أننَّا في النِّهايةِ ؛ نعودُ لبعضِنا ..

أعودُ لَه .. ويعودُ لِي ..



يبدو أنَّه مقدَّرٌ لنا ارتباطُنا ..

منذُ أوَّل لقاءٍ لنا ، أمامَ تلك النَّافِذة ..




طالمَا اﻷمر كَذلك ..

إِذَنْ ؛ يجدرُ بي اﻻستِسلَام ..




لكِن ... يبقی ذلك العائِق ..

العائِق الذي عليَّ التخلُّص منه ..

مهما طالَ بنا الزَّمن وامتدّ ..



تلك الدَّخِـيـلـَة ..

تلك الضُّرَّة المُتطفِّلة ..



يجب التخلُّص منها ..

بأسرعِ ما يُمكن !















* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-16, 11:45 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-








































الفصل الثامن عشر


























. . .


































صلبةٌ كالصخر ..

تأبی اﻻعتراف ..



يفترض أن يكون شهر العسلِ

أيــامُ سعدٍ ..


لكنها تجاهد في جعله أيام نكدٍ ..



أتكون مازوخية ؟ ...

تستحثُّ عذابه ... ؟!



بمقدورها اﻻستسلام له بيُسرٍ تام

واﻻعتراف له !



يعِدُ بأنه سيبني لها الجنة ..

وسيغرقها في النعيم ..



ما عليها إﻻ اﻻستسلام !





- .. أيمن .. أيمن ... أيمن .. ولدي ...



دلف الحجرة شبه المعتمة .

ليقع نظره علی ذات الحالة المزرية ، المستلقية في اﻷرض .


- ! Hello, sweety



وانطلقت بالهتاف الباكي ما ميزت وجوده :

- أيمن ... أيمن يبكي .. متعب ..

أيمن يبكي يا متعب ... أيمن يبكي !



انخفض إلی جسدها المنهار ، يربت بلطف :

- أيمن نايم ، توني مكلم جدته .


- ﻻ .. ﻻ ... أيمن يبكي ..

أسمع صوته .. حبيبي أيمن ..

يبكي ...



انتشلها عن البلاط البارد ، في نبرة مؤنبة :

- كم مرة بأعلمك ما تجلسين باﻷرض ؟



كانت في وضع ﻻ يسمح لها بسماعه أو فهم شيء ،

بين بحر هذيانها وشهقاتها العالية .



قام برقة بتمديدها علی السرير الوثير .



نفس عن زفرة مغمومة ...

سيقانها متجمدة ، كمن وضِعت في البرادة .



أخذ في تدثيرها بغطاء البطانية الثقيل .




- أيمن ..


- أيمن بخير .


- .. أيمن ...



- شوفي وش جايب لك اليوم حبيبتي !


قال بهمسٍ ملهوف ، بينما يشعل اﻹنارة المجاورة للسرير .



- أيمن يبي أمه ..



رفعها قليلاً يجلسها ، لكي تتمكن من رؤية هديته الجديدة .


ثم وضع بين أكفافها المدفونة أسفل الغطاء ،

علبة سوداء تبدو عليها الفخامة .



- خمني ، وش يكون هالمرة ؟


- .. أيمن ..


- ﻻ ، مب أيمن .


- ولدي ... أيمن ..



فتح لها الصندوق الأسود ، فانجلی عن طقم أقراطٍ دائرية من اﻷلماس .



همسَ بعاطِفة شاعريَّة :

- أميرتي ، ما يليق بها إﻻ اﻷلماس .



وقع الغطاء عن أكتافها المثلجة حين تحركت تناشد اﻻبتعاد .

فانتزع معطفه الضخم الذي اكتسب حرارة جسده الناري ،

ليقوم بتدفئتها به .


ثم سمی بالله ، يلتقط إحدی القُرطَين .


- أيمن ...


- أصير لك أيمن يا بعدي ..

قال بتغزُّلٍ فيما يزيح طبقة الشعر القصير عن اﻷذنِ الصغيرة المختبئة .



وقع اختياره على القُرط من بين سائر القطع ...

ﻹيمانه ويقينه بأنه سيظهرها بأجمل ما تكون ..

ستظهرها كأميرة أنيقة وفاتنة .



- ليه ما يدخل طيب ؟!


تساءل حائراً ، متألِّماُ ، من أنينها المتوجِّع .



لم يسبق وأن فكر في مدی صعوبة ارتداء اﻷقراط لدی النساء !


إذن هذا ما ينطبق المثل القائل لديهن ؛


- اللي تبي الجمال لازم تتعب !


- هاه ؟


- اوه .. آسف آسف ...


استسلم لما تحول أنين اﻷلم إلی بكاءٍ جديد .


حاول التخفيف عنها بدعكٍ رقيق لشحمة أذنها الصغيرة للغاية .



كان يرغب وبشدة في رؤيتها بالقُرطَين المرصَّعين باﻷلماس .


لبث ينظر إليها في حزنٍ وخيبة أمل .


أمسك بكل قُرطٍ على حدَة ، ورفعهما يضعهما علی أذنيها ،

محاولة في تحقيقِ جُزءٍ من أمنيته البسيطة .



التمَعت عيناه ببريقِ اﻻفتتان واﻹعجاب :

- وفاء ... أنت ملاك .. !

همس مسحورا .



أخرج هاتفه بعجلة ، وفي ثانية واحدة صفعت إضاءة الفلاش وجهها .


زحف إلی جوارها ، يريها صورتها الساحرة بيدٍ مرتعشة .



لكنها التفتت إليه تستعطفه بنظراتها الراجية :

- .. أيمن ...


- أحبك ..


- أيمن ..


عانقها بقبلة حارة أحالت أنفاسه إلی نار ملتهبة ..


لكنه انتشل نفسه بسرعة من بحرها العذب

قبل يغرق حتی قاعه .


ثم اعتدل يحيطها بذراعه ، يتكلم بجدية وهدوء :

- خلينا نعقد اتفاق ، وش رأيك ؟


- أيمن ؟


- لو نفذتي اﻻتفاق بحذافيره ، أيمن بيكون لك في غضون أسبوعين .


عارضت بتحريك رأسها بقوة : الحين ... بكرة !!


فهز رأسه بمثيلٍ مسرحيّ ، لكن يظهر رفضاً قاطعاً :

- No ,

آسف .

تنفيذك للاتفاق لحاله

يكلفك أسبوعين .


- أبي أيمن !!


- موافقة يعني ؟


- ﻻ ، أبي أيمن الحين !


- إذن ، تصبحين علی خير .



واضطجع في استرخاءٍ خالص ، مغلقاً عيونه بساعده الصلب .



ودَّ مساعدتها ، فأبَت .

فعل ما عليه ، وهي حُرة .



حسنٌ ، لعلَّه أفضل .



فهو غير مستعدٌّ بعد بالتخلِّي عنها

للمغرورِ الذي يُدعی ( أيمن ) .




- موافقة ..


- انتهی العرض ، حظ أوفر .


- موافقة !!!!



رفع ذراعه عن وجهه ، يوبخ بنظرة باردة :

- ليه تصارخين ؟


- موافقة .


- موافقة علی وشو ؟



نظرته حائرة : علی العرض .



- أي عرض ؟


- اﻻتفاق !!


- أي اتفاق ، علی ايش اتفقنا ؟



هتفت : ما أدري ، ما تكلمت !!!



- زين قلنا لك غلق عرض اﻻتفاق .


- ﻻ ، ما انتهی !!!!


- مصرة ؟


- بسرعة !!


- وش اللي بسرعة ؟!


- اﻻتفاق !!!


- ما تبين تعرفين أول علی ايش ينص اﻻتفاق ؟



ارتبكت ، تشعر بأنه يخفي نوايا غير طيبة .

فتمنعت عن اﻻستفهام .



تحرك يستوي جالساً مطلقاً تنهيدة كسلٍ تمثيليّة .


ثم قام بمواجهتها وجهاً لوجه ، يرفع اصبعاً أمام نظرها :

- لفترة أسبوعين ، تكونين زوجة مطيعة ، ومحبة .


قاطعته : أسبوعين كثير !!



وأردف متجاهلاً ، مؤكداً عليها : وركزي علی محبة .



قالت بتقطيب : مطيعة .


فأضاف بتحدٍّ حازِم : ومحبة !


- مطيعة بس !


- يهمني محبة أكثر من مطيعة .


- ﻻ ، مطيعة بس !!!



قفز من علی السرير .


راح ثم عاد بورقة شيك ، مرفقة بقلم .

وجلس متربعاً مقابلها .



- ادفعوا بموجب هذا الشيك ﻷمر ؛ السيد متعب بطل كهرمانته وفاء .


اعترضت تمسك يده عن الكتابة : والسيدة وفاء !


فرفع إليها رأساً مغروراً :

- تقارنين نفسك بمتعب ، يا صاحبة أيمن الدلوع ؟


وأكمل الكتابة ، ثم انتقل للسطر التالي .


- مبلغ وقدره ؛ زوجة محبة قبل مطيعة . والتاريخ أربعين

.. أمزح ، ثلاث عشر من ديسمبر ، امسكي وقعي .



ناولها القلم ، فتساءلت وبصرها يبحث في أرجاء الورقة :

- وين ؟


فقام بالتأشير لها إلی الزاوية اليمنی .

لكن أسرع باختطاف الورقة قبل أن تخط عليه بنقطة حبر .



- كذا يلغی الشيك حبيبتي ، ضروري ما يحتوي علی شخبطة وحدة .




الشقيَّة ، كانت تنوي الشطب علی كلمة ( مُحِبَّة ) ..

من سطر المبلغ المطلوب !




أعاد الشيك إليها ، حامياً للأسطر العليا بكفِّه .


فنفذت التوقيع مستسلِمةً خائِبة .


شمخَ بأنفه ، يُطلق أمره القاطِع :

- يالله الحين ، نبدأ أول خطوة من اﻻتفاق .

تعالي راضيني وبوسي راسي .


- هذا مو اتفاقنا !!


- ايش ؟


- ما اتفقنا تذلني !

- تسمينه ذل .. يوم المرأة تحب راس زوجها ؟!

هذا أنا أحب راسك كل يوم !



ضعف موقفها عقب كلماته المراوغة ، واستمتع برؤية

الصراع يلفها وهي تضم ذراعيها إليها بحيرة وانكسار .



تبدو أسفل معطفه العملاق

كمثل عصفورة غارقة ...

في كومة جبلية من القماش .




قام بتسهيل المهمة عليها ، وهو يتلقفها بين يديه ..

وحاول كسر حاجز خجلها ، بلثمَةٍ رقيقة وحنونة علی خدها ..



ثم شقت وجهه ابتسامةُ بهجةً وسعادة ...

بالقُبلة الخجولة علی خده التي اخترقته كالسَّهم ..



أول قُبلة من ( وفاء ) العاقلة ،

والمتبصِّرة !


وما أجملُها من قُبلة .. !


وما أعظمُها بَراءة .. !



عبَّرَ في طرَبٍ :


- ولو إني بغيتها علی الراس ، بس يالله معذورة .

فيه أمل تتكرر ؟




اﻵن فقط يلاحظ قبضتيها اللتين تخفيان شيءٌ ما .




- وش مخبية ؟


نفت برأسها تحارب ظنونه : بردانة بس ..



جال بنظره حولهما ، باحثاً عن قطعتي اﻷلماس التي رمی

بهما بإهمال ، ولم يجد أثر غير الصندوق اﻷسود الفارغ .



- وفاء ، أنتي ما بطلتي سرقة ؟


- حقي !!!


نظر لها بحيرة ، وقال في استدراك :

- ايه ، صح حقك !


فسأل مرتبكاً :

- زين ليه محسستني إنك سارقة ! ليه مخبيته ؟


- ﻻ ، أنت رميتهم ، خفت يضيعون .



وترددت قبل أن تسأل متصنعة عدم الاكتراث :

- بكم اشتريته ؟



تفرَّسَ في وجهها ، يدرُس نواياها .



- تحبين أفيدك بمعلومة ، حبيبتي ؟



من ثم ابتدأ بلا تمهُّلٍ في الردع لأفكارها التخطيطيَّة :

- اﻷلماس مب مثل الذهب ، تبيعينه .. ما يجيب لك فوق ربع القيمة .


وختم معلومته بابتسامة استفزازية .



- ما قلت كم سعره ؟



لحَّنَ بخبث :

- تبين سعره بالدولار ، والا بالريال السعودي ،

والا بالباوند ، واﻻ باليورو ؟


- أي شيء !


- طيب ، ﻻ تعصبين .



تنحنح بتغطرس أحس به معها تودُّ لو أن تقتلع رأسه .



- حاصل ربع قيمته بالكثير ألفين ريال سعودي .

يقابله حدود ثلاثمائة دولار .. أو باوند .



أبهرته بجرأتها بالاعتراف ، وهي تعيد إليه قطعتي

المجوهرات تضعهما في راحتي كفيه بهدوء :

- تفضل ، اشبع فيهم .



إذن تلك اللصة ؛ كانت تخطط للبيع بالفعل !



تظلُّ خالية من أي حسٍّ بالتقدير والعرفان ...




راقبها بضيقٍ ، وهي تضطَّجِع في استرخاء .




طوال حياته يعتقد بهوس اﻹناث بالمجوهرات ، واﻷلماس بالتحديد !


لكن أنثاهُ النادرة تخرق هذه النظرية ؛ وياليتها بالنظرية الوحيدة !




- أبي أسمع صوته ..



تناول الصندوق المكعب الشكل ، يعيد قرطي اﻷلماس .

ثم اضطجع هو اﻵخر ، بلا ردٍّ علی سؤالها الرَّاجِي .



إنَّها ﻻ تملك أدنی حسٍّ بالخجَلِ من أنانيَّتها .


































. . .




























- طيب ، وين يقعد اﻹمبراطور ؟



قام بتعديل النقاب لها ، وإخفاء حاجبيها الظاهرين .



ﻻ تزال قليلة الخبرة في ارتداء النقاب .

تزال تبدو مثل هندية .. ترتدي نقاباً .


هندية ؟ كلا ؛ لا تليق ببشرتِها الشَّاحبة .

لعل " كشميرية " يليقُ بها أكثر !



- وين كرسي اﻻمبراطور !!


أخرجته من تأملاته بسؤالها اﻻستطلاعي المُصِرّ .



فمد بذراعه ، يقوم بالتأشير لها كاذباً ، مُدَّعٍ المعرفة ،

إلی موقع عرش اﻻمبراطور الوهمي ؛ ...

علی مدرجات ساحة ( الكولوسيوم ) .



- اﻻمبراطور هو جاب فكرة الكالشوم ؟ .. الكولشيم .. ال .. الكالو ....


ابتسم يقوم بالتصحيح لها برقة : اسمه كولوسيوم ، حبيبتي .


تلذذ باحمرار كفيها المنقبضَين ، وهي تدافع مهاجمة :

- أعرف !!!

بس دايما أنسی وأكلج عند هذا ال ....

جاوب علی السؤال !



فتح فمه يوشك علی إجابةٍ متحذلِقة أخرى .


لكنها سبقته تتفاخر بمعلوماتها الضئيلة بحماس :


- تدري ؟! سلالة اﻷسود حقتهم .. باقي منهم عشرة حبات

في العالم ، عشرة حبات بس ! وشفت بعيني واحد منهم !!


- الحين تعرفين هالمعلومات ، وﻻ تعرفين تنطقين اسم مكان معروف ؟


ميَّز تكشيرتها أسفل الغطاء :

- قلت لك كلجة !



أخافته وهي تلتصق بسور البناء تتقصد إدارة ظهرها له .


أمسك بها يفصل قليلاً بينها وبين السُّور

المشرف علی القاع العميق ، والمليءِ

باﻷخاديد الحجرية المخيفة .



من يراها اﻵن ، لن يصدق أنها كانت في يومٍ ما ...

تخشی اﻹطلال من علی النافذة .





- يالله نمشي ؟



- .. بأكلم أيمن ....












- وفاء تذكرين ؟ معد سويتي لي دونات غير مرة وحدة .

كنت أنتظرك ترجعين تسوينه .



أفصح معرباً ، بينما مارَّان بكُشكٍ لبيع القهوة ، والدونات .



حولت من اهتمامها إليه ، بنبرة متحيرة :

- بس ما أعجبك الدونات حقي .


- من قال لك ؟ أعجبني بالذات المصفوق بالسكر .


- ما أعجبك الشوكولاتة حقتي .



تلاعب متغزلاً :

- وأنا فيه شيء ما يعجبني من يدين كهرمانتي ..



عبَّرت حزينة : لو ما أعجبتك أكلة مني ، ما تتكلم .


- عشان ما أعجبتني الشوكولاتة ، تحرميني من الدونات بكبره ؟



عادت تدَّعي اللامبالاة ، معرِضةً عنه .




ألقی نظرة طويلة مفكِّرة ، علی الكشك الشبه خالي ،

ناشراً حوله رائحة القهوة ، والشوكولاتة الشهية .



- ما خطر لك يوم تستعينين بشوكولاتة جاهزة ؟


- لما أسوي شيء ، أحب كل شيء منه يكون بايديني .



أﻻنَ نبرته ، يُغريها بنعومة :

- خلي عندك ليونة حبيبتي ، ﻻ تخلين طريقة ﻷجل كسب زوجك !



لفحته بنظرة سخرية حارقة .


لكنها لم تزحزح الرغبة التي قفزته

وتربعت عرش قراراته في الدقائق الحالية .



وشوشَ في أذنها :

- قدامنا شوكولاتة جاهزة !


سألت متفاجئة :

نشتري شوكولاتة ، بدون دونات !


- Yes !


- تتوقع يوافق ؟


- متی قلت لك إنا بنكلمه ؟


- نسرق !


- ﻻ حبيبتي ، كذا ما أسمح !

هذا يسمی اﻻستعانة بالإمدادات .







وقفت متردِّدة .

أسفل الشقّ الزجاجي .

في الجهة الخلفية من الكُشك .



أطلت إلی رفيقِ السُّوء بقلق ، موشكة علی اﻻنسحاب .

لكنه رفع اصبعاً منذرة أمام شفتيه يشير بالصمت .



أمسكت بمعطفه تجذبه كي تفرغ إليه ما يكتنفها ، موشوِشةً :

- عبايتي بتفضحني متعب ، اللون اﻷسود ملفت .



إﻻ أنه أخذها من خصرها ، يرفعها في تمهل وحذر .


إلی تمكنت من الوصول إلی الفتحة الصغيرة المحيطة بالكشك ،

ولمحت الرجل الغافل تحت طرفي السماعة التي تسد أذنيه .



دنت بالكأس الورقي ، إلی نافورة الشوكولاتة .


تسرع بيدين مرتجفتين بإغراق الكأس

الذي قام بتوفيره لها بين الشلالات البنية اللون .



كانت تنتفض رعبا بين يديه وكأنها مقدمة علی جريمة قتل ،

... ﻻ بـِ علی لعبة سرقةٍ طفولية عابثة !




أشارت إلى إنجازها المهمة ، بركلة قوية موجعة في منتصف بطنه .




- يالله ، نهرب .


همست له ﻻهِثة ...

وقد لوث السَّائل الشهي كفوفها الصغيرة بالكامل .



وزَّعت النظرات حولهما ؛

... تتفقَّد مستوی اﻷمان .




- وش تسوي ؟ بننكشف ، بسرعة !


قالت تردعه بنبرة شارفت علی البكاء .


في الحين الذي انشغل بالتهام يديها ، وكاد

يسكب السائل من الكأس ﻷكثر من مرة .



ثم قام بإنزالها بعدما فرك وجهه الملطخ بعباءتها .



- هاتي الكاس ، أنتي للحين ما تعلمتي المشي .

أخاف تضيعين تعبنا بسقطة .


قال بتلكُّؤ شديدٍ وثقة مُفرطة ، أودت بكُلٍّ أمَلٍ رسمته للنَّجاة .



- متعب ؟ شكل الشرطة بتقفطنا قبل أسوي لك الدونات .









اختارا كرسياً في إحدی الحدائق القريبة ، يلتقطان به أنفاسهما ،

ويعيدان اﻻسترخاء إلی أجسادهما المتوترة .



والكأس الثمين يقبع إلی جوارهما في حرص .



وتكفَّل المكان الساكن الفارغ في مدِّ بدنيهما من هدوئه ،

من بعدما إرهاق المهمة المنهكة ذهنياً ونفسياً ، قبل جسدياً .




ومكثَ اﻻثنان غارقين في صمتٍ مخدٍّرٍ ..


أوشكَ أن يثقل من أجفانهما ويأخذهما

إلی عالم اﻷحلام أمام العامة .



لولا النغمة التي صعدت ، فدسَّ يده بجيبه .


كان هاتفها الذي يرن .


لقد نسيَ إطفاءه في هذا الصباح ،

بعدما نقل إليه عدد من الوسائط .


تراجع عن إخراج الهاتف أمام ناظريها .



- هات جوالي !


- متی بتسوين الدونات ، يا كهرمانتي ؟


- أبي جوالي ، يمكن ماما تدق !



أصدر عن تنهيدة ، وانسحب ليخرجه بنية اﻹغلاق النهائي .



تيبَّس ، متصلباً .



وبقي يحدق ....


لكن بيدها التي حجبت الشاشة ،

عن ناظريه ، هلعاً .




- شيلي يدك .


- هات جوالي ..


- قلت شيلي يدك .




اعتصر رسغها بقسوة فتزيحها رغماً .


ويعود ذلك اﻻسم بالتراقص بجرأة أمام مرأی بصره .



لم يحاول أبداً تفقد هاتفها .

بل لم يفكر مطلقاً بذلك الفعل القبيح ؛

من عظم ثقته بها !




انتظر في هدوء .

إلی أن توقف الرنين .


فاختفی اﻻسم الذي سيلحقه الموت

من بعدما انتهائه من التي تقعد جواره .



حان موعدها مع الموت بلا شك !



لطالما أحس ... بأن نهايتها ستكون علی يده ،

.... امتد اﻷمد بهم ، أو قصر .



أحاطها بذراعه ، يستحثها علی النهوض .



- وين رايحين ؟

سألت بصوت مرتعش .



- راجعين غرفتنا ، حبيبتي .














تشبَّثت بعنقه تطلبه الرَّحمَة :


- صدقني متعب ... كلم ماما .. اسأل ماما ...

أصلا ما أبيه ... ما أحبه ، والله .. والله متعب ...



يلهث كالثور الجامح ، الهائج .


يشدُّ علی الحزام الجلدي ، ويعتصِره ،

بقبضةٍ حلَّلت مادته .



جنون الغضب الذي نال منه

في تضاعفٍ علی إثرِ اعترافها ،

عِوضاً أن يتلاشی .




- .. متعب ...


- صه !




جاهد للتحرك والجلوس ،

لعلَّ يهدئ من غليان صدره .




قدرته علی اﻻستيعاب خارت .




ماذا قالت ؟



يزوجونها ؟



الخاسِئون ،

كانوا ينوون تزويجها !



كيف يجرؤون ؟

كيف يتحدونه ؟

يتحدوا ( متعب ) ؟!



من يجرؤ ويتحدی ( متعب ) ،

فعقابه أشد من القتل !





جذبت انتباهه ، المُعلَّقة به .




ماذا تحاول فعله هذه الخائنة ؟



هل تتوقع إخماد غضبه ،

بهذه اﻷفعال اليائسة ؟



لا فائدة ،

لا فائدة !



مُقدِمٌ الآن على قتلكِ ..

فأوقفي محاولاتك ِ البائسة ..




لكن ...



مهلاً ...



توقفي عن ذلك ..



أوقفي ذلك ...




الراحة تتسللُ إليه رُغماً !




وعيونُها أجمَلُ راحة !






هذه السَّاحِرة ..

إنها سَاحِرة بالتأكيد ..

سَاحِرة بلا شكٍّ ..




ﻻ يود أن يستسلم ، كلَّا ...

كان ينوي قتلَها !



لن يستسلِم لها ..

عليه قتلُها ..

وحالاً !




أغمض عينيه ، يغمرُ وجهه في عنُقِها المُريح ..

يستشعرُ أناملها الرَّقِيقة بين خصلاته ...

... وبراحة يدِها اﻷخری الناعمَة ، تُمسِّد ظهره الغاضِب ..




يجب أن تعاقب علی ممارستها السِّحر ؛

فالسِّحر مُحرَّم !




أهو متأكِّدٌ ؛ من أنه ﻻ يعيش حُلماً اﻵن ؟




إنَّها ، تحتضِنه ... !




في حاجةٍ إلی قرصة .

فليقرصه أحدهم !




حضنها مخدِّر .. رائحتها الزكية تلُفّ برأسه ..

هل هي مخلوقة من ( المخدِّرات ) ؟



سمحَ لنفسه بالغوصِ في أحضانِها ..

وعيش لحظاته ، ولو كان حُلماً ...



فهو أجمل حُلُم ،

وﻻ يتمنی يستيقظ أبداً ..



ﻻ يريد العَودة إلی الواقِع



ﻻ يريد ( وفاء ) القاسِية

ﻻ يريد ( وفاء ) المكابِرة

ﻻ يريد ( وفاء ) المتغطرِسة



إنَّه يريد ( وفاء ) هذه ..



يريد هذه الـ( وفاء ) ..

التي تحيطه اﻵن ..

برِقَّتِها ..

وحنانِها ...



تحتوي حناناً عظيماً ..

أين كانت تخبِّئه ،

طوال ذلك الوقت ؟





- متعب .. ؟




يالنُعومَة صوتها ، يالدفئِه ..





- ممكن أكلم أيمن ؟






أرسلَ نظراتٍ حاقِدة ناريَّة .

إلی الجسد الطريحِ باﻷرض ،

... ويتلوَّی توجُّعاً .




- أصله ما منك فايدة ، قومي اختفي من قدامي !

روحي سوي لي شاي !





لن تتركَ عادةَ التفنُّن في مضايقتِه ، وإثارة غضبِه .
















TBC






. . .





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-02-16, 11:45 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-












سينقضي اﻷسبوع اﻷول ، وصفوه ما يفتأ معكراً .



نيرانُ الغيرة ، والغضب ، والحقد ،

ما تبرح تأكُل في قلبـِه .



ويبدو لن يتخلص منها ...

سوی بالخلوص من ( الروح )

التي تمرح وتعبث بين يديه اﻵن ،

... وَ دفنها !



غدت أقلّ عناداً ..

وأكثر هدوءاً ، ورِقَّة .



إما أنَّها تعبث به ،

وإما تُنافق .



بارعة في التَّمثيل على عهدِها ،

... تستحِقُّ اﻷوسكار بجدارة .



لم تأتِ علی ذكر اﻻسم البغيض ﻻبنها المدلل ،

من بعدما ذلك اليوم ...





- باقي أسبوع وأربع أيام ، كثير !




( ذكرنا القط ، جانا ينط )


هاهي علی مشارف ذكره .




تحسب اﻷيام يوماً ، يوماً .

بل تحسب الساعات ..



تكثر من النظر إلی الساعة في اليوم الواحد ،

وتعدّ علی أصابعها خفية في قرارة نفسها

عدد الساعات المتبقية لليوم !



ألقی نظرة سريعة علی طبقها الذي كانت تتظاهر بتناول محتواه .



ذبل بدنها منذ يوم اختطافها من بنيها ، محيط خصرها

أضحی أكثر رهافة ؛ إنها تعود إلی هزالها القديم .



استقبلت اللقمة منه برحابة صدرٍ ..

فأتبعها بلقمة ثانية ...



وقبِلت بالثالثة علی مضَضٍ ..

لكنها رفضت الرابعة ، وعيونها تتلصَّصُ

فيمن حولهم بخجلٍ واستحياء ...



لم يكن بالمطعم المزدحم .. ليطوِّقها اﻹحراج ،

فقد فضَّل اختيار مطعم هادئ شبه خالٍ من اﻷناس ؛

فلم يكن في مزاجٍ ﻷصوات البشَر .



- خلصي صحنك ، نبي نمشي .









استقلا الميترو للعودة إلی حيث الفندق الذي ابتعدا عنه كثيراً ،

حيث أضاعا اليوم في استكشاف المدينة ومعالمِها السياحية المتبقية .



لكن يبدو كانت رحلة مملة في نظر صغيرته الفضائية ،

التي ﻻ تجذبها سوی اﻷمور التي ﻻ تستحق الذكر .



الميترو شديد اﻻزدحام .


فأغلب السياح علی غرارهم يجعلون الميترو اﻻعتماد اﻷول لقلة تكلفته

عن سيارات اﻷجرة الباهضة الثمن ، باﻹضافة للتنقل المريح وسهولته .


عدا عن أنه ﻻ يقوم باﻹيصال سوی إلی المناطق

السياحية الشهيرة في ( روما ) .

فأما بقية اﻷماكن السياحية فتستعاض

بالحافلات في هذه الحالة .







اكتشف بأنها تتقن جيداً احترام صمته .


بل ربما هي أسهل مهمة تقوم بتنفيذها .

فليس عليها إﻻ تبقی هادئة ،

وصامتة كما عادتها !



وفي هذه الدقيقة بالذات ،

كانت في قمة الهدوء والسكون البالغ .

تناضل في تمن أن ينسی وجودها .



فكانَ لها ما أرادت ،

ملبَّياً طلبها ورغبتها .



هل تنوي إيصال رسالة ( نجدة ) ،

إلی المُسِنَّة العمياء جوارها ؟


أم تنوي التسلل ، والهرب ؟



شعر بالحركة الطفيفة للغاية ،

تماثل حركة أرنب ساكنٍ هادئ ..



كتمت أنفاسها ..

إنها خائفة ..


شكَّت بإحساسه بها

علی ما يبدو .



كثيراً ما تخيَّلَ أُنثاه

تصلح كثيراً ﻷن تكون

جاسُوسة استخباراتيَّة !


تضاهي أمهر الجواسيس وأخبثهم ؛

بإتقانها الحيَل ، واﻷعمال الملتوية !



جاسُوسة فاتِنة ، بمُقلتين كَهرمانيَّتين !



الجاسُوسة الكَهرمانيَّة ....


بلِ اللِّصة الكَهرمانيَّة !!



أصدرت تأوُّه ألمٍ خافت .

ثم نظرت إليه بعُيونٍ راجِية .



- قولي توبة ؟



الصغيرة اللعينة !

كانت ستقدم علی سرقة المُسِنَّة العميـَاء !

أبلغَ بها الحدّ أن ماتَ ضميرها ؟!



- توبة .. توبة .. يعور !



غيْر شدَّ من قرصِه جلدةِ ظاهر كفِّها بدل إفلاتها ؛

حتی ﻻ تعتقد أنه بالسُّهولة العفو عن ذنوبِها .



قطع عليهما معركتهما الهادئة صوت المُسِنَّة ، يخاطبهما .



لم يفقها شيئاً من الجملة اﻹيطالية التي بدرت عنها

عدا أنها تتحدث بشأن الهاتف التي تقوم بمده

إلی السَّارِقة !



ثبُتَ بصرهما علی اليد المتجعدة ، المرتعشة ، أثرَ الشيخوخة .



وكادت اللصَّة عديمة الحياء أن تستلم الهاتف من الغريبة

بلا أدنی تفكيرٍ أو تردُّد !



لولا ألجمَ يدها .

وقام بتقديم اعتذارٍ باﻻنجليزية للسيدة علی أملِ أن تفقه ،

شارحاً لها طيش الفتيات في سن المراهقة .



- أنا مو مراهقة يا شايب !


- ﻻ أسمع لك حس !





- إنه يحرمني من بني ، اجعليه يعيدني إلی بني ، أرجوك !





أذهلته بشكواها واسترجائها المسنَّة اﻻيطالية ،

والتي ﻻ يعرفان حتی إن كانت تحيط علماً باللغة اﻻنجليزية .



أعادت السيدة الهاتف إلی حقيبتها ، ثم مدت يداً خالية .

تبحث عن كفِّ الفتاة الباكية ...



وأخذت تكافح بانجليزيتها الركيكة للغاية في إلقاء أسئلة التعارف اللطيفة .


ثم انغمست تثرثر باﻹيطالية ثرثرة تتخللها في بعض

اﻷحيان مصطلحات انجليزية أملاً في إيصال مقصدها .



رغم اللغة المجهولة لهما ، لكن لم تسمح بإعاقة المشاعر الدافئة

التي تحيط بحروفها من الوصول إلی قلبيهما .

فيما يدها اﻷمومية الحنونة تضغط علی يد الفتاة .



ثم مدت كفها اﻷخری ، باحثة عن يد أخری ..

إنها تطلب تسليمها يده !


خطر له تساؤل أحمق لكن مهم في ذات اللحظة ،

هل يحل للرجل اﻷجنبي مصافحة سيدة مسنة في سن الشيخوخة ؟

سؤالٌ لم يخطر في رأسه من قبل !




طالت النصائح اﻹيطالية ؛ في حين ظل كل منهما يتنقل بنظره بينها ،

وبين كفيها الذي جمعت بينهما يديهما في احتضانٍ حنون دافئ .


وتساءل إن كان ذاك الدفئ ، مصدره السيدة الطيبة .

أم هي يد أنثاه الناعمة ؟


أحسَّ بيد أُنثاه أنعمَ وأرقَّ من أي وقت مضی ، بجانب اليد المتغضِّنة .




متی ستخرس هذه العجوز المتطفِّلة ؟



لقد تبادرَ إليه الملل .



يالحب النساء للثرثرة ،

في إمكانها اختصار المحاضرة في نصف سطرٍ .



بدا علی فتاته أنها تحذو حذوه ، حيث لحِظ عليها التملمُل الخجول ،

واستشعر ارتباكها في توتر يدها المطبقة علی راحة يده ،

في قفص اليدين المتجعدين .





أخيراً أيها الميترو ؟ شكراً لك جزيلا !!



أطلقا العنانَ للفرارِ والهرب .


يهبطان من القطار المتوقف ،

أحراراً يتنفسان الصعداء .



لقيَ الارتياح والحرية التي افتقدهما في التعامُلِ

مع شيطانتِه الصَّغيرة ، كيفما أراد .



راحا يسيران وقرَّبها إليه يطوِّقها بذراعِه بمَحبَّة ، ممثلاً العتاب :

- عاجبك كذا ؟ وهقتينا ؟


- يوه يا متعب ، كنت أبي أنام .. فهمت كلمة منها ؟


- وﻻ حرف ، بس كانت تنصح .


- كانت تنصحك أنت بالذات متعب .


ردَّ مهاجِماً :

- كانت جامعة بيننا ، يا سراقة ، نسيتي جريمتك ؟


- والله يا متعب ، كانت تناظر كل واحد تقصده بكلامها ،

إذا كلمتني ناظرتني ، وإذا جات تنصحك تناظرك .


- ما أدري عنها ، كنت أناظرك طول الوقت .


- كأني سمعتها تقول مثَل ، الطيور علی أشكالها تقع ؛ واﻻ يتهيأ لي ؟


- ﻻ ، قالت ليس كل ما يلمع ذهب .


- وش دخله في وضعنا ؟ ﻻ ، ما قالت !


- إﻻ ، قالت ، تقصد إنك سراقة .



هتفت بعينين تلتمعان سروراً :

- قالت لي عيوني حلوين ! سمعتها ؟


- صوتي راح وأنا طايح فيك غزل وﻻ تعبرين ،

وهالحين تغزل هالعجيز يفرحك ؟


- تبي الصدق ؟ ﻷنك بثر .

ﻻ صرت رومنسي تقلب لزقة ،

وتبثرني بعيشتي .


رد علی تجريحها بتهديدٍ ظاهري :

- آها ، كذا ! طيب , ok !





" تبي الصدق " ؟!




بل كاذِبة ،

أيتُها المُخادِعة !




تساءَلَ ؛ إلی متی ستدومُ هذه التمثيليَّة ؟




أﻻ تدرِك أنَّها مكشُوفة ؟

أﻻ تعِي بأنَّها مفضُوحة ؟



أتعتقِده مغفلاً ؟

أم تعتقِده أعمیً ، ﻻ يُبصِر !
































. . .




























يتوجب التصالح في هذا اليوم !



سيبدآن معاً ، أسبوعٌ مليئٌ بالشَّغَف ...

لن يضيعَ اﻷسبوع القادم كما فعل بسابقِه .



سيستغلّ هذا اﻷسبوع استغلالاً كاملاً ..

سيثيرُ جنونُها .. سيخرجُها من طورِها ..

ويرغمُها علی اﻻعترافِ له !



قصدَ أرقی المتاجر من أجل ابتياع بعض الهدايا اللازمة للصُّلح .


فهو ﻻ يجيد التعبير في هكذا مواقف ،

يحتاج بها أموراً تعبر عنه مثل الهدايا .



لكن العقبَة تقع في تحيُّره الدائم في انتقاء هداياها .



فلو أنها أُنثی أخری ، لكان اﻷمر يسيراً ،

فاهتمامات جميع نساء الأرض واحِدة !



لكن هذه ؛ ليس بأُنثى طبيعيَّة ...

إنَّها ( كَهرمَانته ) المُعقَّدة !

( كَهرمَانته ) اللُّغز !



فلا هي بمحِبة للاكسسوارات ، ليجلب لها العقود والقلائد .

وﻻ هي بالمكترثة بأمور البشرة والجسم ، ليقتني لها طقُوم كريمات العناية بالبشرة .

وﻻهي بالمستسِيغة للروائح العطرية ؛ ليهديها قنينة عطرٍ .



فلذلك كانت هداياه تتأرجح مابين قطع الملابس ،

واهتماماتها الكرتونية القديمة ..

ولو أنها علی ما يبدو فقدت اهتمامها بتلك النشاطات .



التغيير الوحيد بنوع هداياه ، كان في آخر هدية .. طقم اﻷلماس .



وبما أنها أظهرت اهتماماً لقيمتِه الماديَّة ،

فلرُبَّما الذَّهب سيُفرحها أكثر !



أُنثی مادِّية بحتة .. !




بعد دقائق قاربت ربع ساعة ،

غدا يتسكَّع تِيهاً وتردداً ..

في محال مُجوْهَرات .



العقُود لن تناسبها ، فهي ﻻ تطيق الحِصار .

والخواتِم ليس ببعيدةٍ عنها .


إنها ليست من هواةِ ارتداء السَّاعات .



ماذا عن ( خِلخَالٍ ) للقدم .. !


ستبدو ساحِرة وفاتِنة به .. !



لكنه سيكون خفيفُ الوزن ، ولن تحرك قيمتها الماديَّة بها شعرةً .



لا مانع من أن يقتني واحداً ﻷجله ،

وستقدم علی ارتدائه قسراً أو طوعاً .




خرج من المحل والبهجة تحيطه ...



ستطير سعادة بلا شك ؛ تلك اللصَّة المادِّية !



استقل حافلة وفي رغبته لو يستقلَّ صاروخاً

يقوم بإيصاله إليها في أجزاءٍ من الثانية .



خطبٌ ما به ..

أمر به ليس بطبيعي !


فكل يوم يعظُم شوقه إليها عن سابقه ..

بدل أن يحصل العكس كما المُفترض !



ظاهرة غريبة وعجيبة ..



أو هو نوعٌ من السِّحرِ

تمارِسه ( هي ) عليه ،

لكي تتملَّكَه !


السَّاحِرَة ... !




يتحرَّق شوقاً ليری التمَاعة الدُّولارات

في عيونِها الزُّجاجِية البرَّاقة ..



يتمنی فقط ألا تقبل علی تعكيرِ مزاجهِ

بالدُّموع الذي ستستقبله بها ؛

كمِثلما كل يوم .


ولو أنها لم يعد مسمی ( أيمن ) يطرأ لسانها

إﻻ دموعها البائِسة تخطّ اسمه علی وجنتيها

في كل ساعةٍ في اليوم ...




ترجَّل من الحافلة ، ثم سعی باختراقِ طرقات اﻷزِقَّة المختصرة .


الشَّمسُ بدأت في توديعِ هذا العصر الجمِيل ..



استرعی انتباهه عن بعد ،

تجمهُر الناس حول الفندق .



جمعٌ غفير ، بشكل غير معتاد !



هل أقاموا مهرجان ما هاهُنا ؟



استحالَ يتقدم بفضول .


ثم ألقی سؤالاً علی اللذَين أوشكا

اجتيازه ؛ لـ يلحقا بالحدثِ الهام .





ويتصلَّب علی ذِكر إجابة اﻹيطالي بالانجليزية الرَّكيكة :


- محاولة انتحار !!!





انتحار ؟


انتحار !


انتحار ؟!




لم يغزو اﻵن عقله سوی فكرة واحدة .



الحشد البشري ،

يقع في جهة اليمنی من البناء .


الجهة التي تقع حجرته وزوجته .




جرَّ قدماه جرَّاً ..

ﻻ يشعر بروحه ..

الدنيا تدور به ..



جُفَّ حلقه ..

يصارع ساقيه ..

بالوصول ..



مجرد التفكير في ذلك

يجعله ميِّتاً قبل أوانه



إنها عاقِلة اﻵن ..

لن تلجأ لهذا الفعل السَّيء ..

لن تحرم ( أيمن ) منها ،

صحيح ؟



إنها تعشق ( أيمن ) ..

تخشی علی ( أيمن )

من نسمةِ الهواء ..



محالٌ أن تتخلی عن ( أيمن ) ...



محالٌ أن تترك ( أيمن ) وحيداً

في هذه الدنيا الموحشة ،

صحيح ؟



وعَدَها ...

لقد قامَ بوعدِها بأن يرُدَّ لها ( أيمن )

قطع لها عهداً ، بأن يجمعها بـ( أيمن )



إنَّها متشوِّقة من أجل قدومِ ذلك اليوم

إنَّها تعُدَّ اﻷيام ، والسَّاعات ، والدقائِق

من أجل اللقاء بحبيبها ( أيمن ) ..



فمَالداعي للانتحار ،

صحيح ؟



لن يطرأ اﻻنتحار .. لـ( أُمٍّ ) مثلُها ...

تعشقُ ( ابنها ) ، وتفضِّله علی نفسها .



لن يحدث أبداً ،

... أبداً



صحيح ؟





رجاءً ، ﻻ تكوني أنتي ..

رجاءً ، رجاءً ، رجاءً



ﻻ تكوني أنتي ،

أرجوكِ ...





صعدت عيونُه الشاحبة

إلی النافذة الشاهِقة





الجسد الضَّئيل

يرتعِد بشدة



معالمُ اليأس

طغت تقاسِيمه




أطلق صرخة مدوِّية

وشاركه الحشد بذلك




كاد الجسد يتعَرقل

إثر حركة طفيفة





يا ربّ

يا ربّ

يا ربّ .. يا ربّ





هوی إلی القاع

جاثماً ، جاثياً



التحمَ جبينه باﻷرض

يسجد لله



يسجد للواحِد ، اﻷحَد

للجبَّار ، القهَّار



يسألُه الرَّحمة

يسألُه العفو ،

والمغفِرة



يسألُ ( الله ) ألا تكُون هِيَ ..

العقابُ علی ذُنوبِه ..




يا ربّ .. يا ربّ .. يا ربّ .. يا ربّ






* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-02-16, 10:27 PM   #29

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





الفصل التاسع عشر


























. . .


































لم أتوقع كل هذه الجلبة ..



هروبي السِّري ...

ينتهي بتجمع العالم حولي !



ابتعدوا ...



أيها الحمقی ...

حلوا عني ..



ﻻ أنوي اﻻنتحار ، أيها المرضی !



أرغب بسماع صوت ( ضنايَ ) فحسب ..



أحتاج إلی هاتف فحسب ..

فليمنحني أحدكم هاتفاً ..



يطلبون مني العودة للداخل ؟



لن أعود حتی أحادث ( بني ) !



ﻻتترجوني ، ما شأنكم بي ؟

هل تخشون علي ؟

هل أنتم أسرتي !



فلتخرسوا وليسلِّمني أحدكم هاتفه !

وإﻻ فليری كلٌ منكم طريقه !



أناسٌ فارغون ...

تافهون !



واﻵن ، أين وصلت ؟



لقد نسيت !

ما كنت أنوي فعله ؟



تذكرت !

نويت تسلق تلك اﻷنبوبة !




تحركتُ قليلاً ....

تشبثت بالنافذة بسرعة !!!



كدت أنزلق !



يا إلهي ، كدت أسقط !



ربما أنا في خطر ...



هل موقفي بهذه الخطورة ؟



هل يمكن أن أموت من هذا الارتفاع ؟



اخرسوا ، صراخكم مزعج !

دعوني أرتب أفكاري !

أحتاج إلی التركيز !





شرطة !




ماذا تفعل الشرطة هنا ؟



ما شأنهم بوضعي ؟



يجدر أن أسرع بالهرب

سأكمل طريقي ...



هل سأكون في أمان ؟

كدت أوشك علی اﻻنزلاق !





ماذا يفعلون ؟



ماهذا الشيء ؟

ومن هؤلاء الرجال ؟




إنها لعبة نطاطة !



هل يتوقعون مني القفز ؟

هل هم مجانين ؟

أيريدون لي الموت ؟



جفلتُ علی صوتٍ خلفي !

صوت صادر من الحجرة !!



من هذا ؟!

من هذا الرجل ؟!

مالذي يفعله بحجرتنا !!



إيَّاك ....



إيَّاك والاقتراب ...

وإلا سيقتلك زوجي !!!



سيدق عنقك ، ويميتك !!!




ﻻ تقترب !









هاه ؟



مالخطب ؟







أنا أطير ؟






أنا في الهواء ....






إذن ...



حلَّ موتي ؟






أنا أودع الدنيا ؟









حان موعدي ...









في طريقي




إلی حياة البرزخ










أيمن ..






بنيّ ..






سامح أمّك ..





































. . .































مضی يومين علی الحادثة الرهيبة ..



التي لا تزال رهبته ، ورعدته ..

تسري بجسده حتى هذه الساعة .





ﻻ يمكن أن تكون عاقلة بتجرؤها

علی تلك الخطوة الانتحارية

من أجل أمر تافه !!



فهل تكون انتكاسة جديدة ؟



كلا ، لقد أهلكته تلك الانتكاسات المتتالية .

لا يرغب في انتكاسة جديدة .



يدعو الله ألَّا تصدق ظنونه ...



ﻻ يصدِّق !

كل الزوبعة التي صنعتها ..



لأجل الحصول علی هاتف !



جعلته علی حافة الموت ...

من أجل هاتف !!





مدته بالهاتف .

ودمعات الشوق معلقة بخديها ..



هاتفت ابنها بحول خمس مرات منذ يوم الحادثة ،

ولا تنفك الدموع تفيض من هذين المقلتين بغزارة .




- كلم أيمن .. متعب ..




بقي ساكناً .

إشارة إلی عدم رغبته بالدخول في متاهاتها اﻷمومية .



- متعب كلم ولدك ....



أرغمه التهدج بصوتها علی اﻻلتفات .


فقال حانقاً بضيق : ليه تبكين ؟



- اسمع صوت ولدك .



عزم علی عدم الرضوخ لها ، لكن اقترابها يزعزع صموده !


بلع ريقه بتوتر وهي تأتي بجانبه ، تلتصق به .



- ماما حبيبي ، يالله بابا جاء ..



وضعت الهاتف علی أذنه بلهفة .


فربط فمه وكأنه واعد أﻻ يبادل ذاك السارق الصغير حرفاً ،

يقابل عيونها الدامعة الراجية ببقايا ثبات .



حتی انهمرت الدموع المتجددة .

تكلم دون يفكر باستلام الهاتف من يدها :


- كيف حالك ؟



ﻻنَ قلبه رغماً علی سماع الصوت البريء والشقيّ في آنٍ .



- تسوي شقاوة ؟ ﻻ تزعل أحد ﻻ أجي أعلقك من رجليك .



لمح بسخرية هزات رأسها الغاضبة والزاجرة .

التي تری كلماته العادية ( كارثة ) ومدمرة لمستقبل ابنها .



- أمك تحبك ..





أعماه عن كل ما حوله ...

ابتسامة اﻻمتنان ...

المرسومة علی ملامحها ...



تبتسم له ؟

إنها تبتسم له !



ابتسامتها مدمرة !



ﻻ تزيلي هذه اﻻبتسامة ..

ﻻ تزيليها عن ثغركِ ، أرجوكِ !

أنت فاتنة هكذا ...




أيقظته وهي تنازع قبلته .

تصارع للتخلص منه .



ثم رمته بنظرة استهجان ناهرة ،

قبل تأخذ الهاتف ، وتنصرف .





لقد ملَّ كل ذلك !




إنه في حاجة ﻷن ينتزع نفسه من أجوائها المسيطرة .



يجب أن يعود إلی مقام عمله في الحال .

يريد عملاً شاقاً ، يشغل ذهنه وتفكيره .



مزيدٌ من التفكير بها سيفجر رأسه !



عليه إنهاء شهر العسل الكئيب هذا !

يحتاج للابتعاد عنها في الوقت الحالي .



سيعيدها إلی ابنها ، ويعيش فترة نقاهة لدی اﻷخری .



لعل تلك اﻷخری تساعد .. ولو قليلاً .. في تحرير أفكاره ،

من سيطرة ( الساحِرة ) .




فتح خط الطرف اﻵخر ، ليصله الصوت اﻷنثوي اﻷنيق .



سأل بهدوء : كيف الحال ؟



وجد النبرة الرزينة تبعث علی اﻻرتياح ...

في ظل اﻻزعاجات الباكية لصغيرته الكئيبة .




- تحتاجين شيء ؟




فضل إطالة المكالمة قليلاً .

أملاً في التخفيف عن النكد الذي يطوقه .



ما يحبه في هذه المرأة ويحترمه ،

ما تملكه من التقدير ، والمراعاة .



تتميز بصبر نادر .

وشعور غير محدود بالمراعاة ..

وحسن نية تثير الشفقة بقدر ما تثير اﻹعجاب .




- وين الجوال ؟



قال ببرود ، فيما تقف ترمقه بنظرات متوعدة .



تقدمت نحوه ، وفردت ذراعها بالهاتف .


ما رفع يده ليمسك به .

أفلتته عمداً ليسقط علی المقعد بين رجليه .




تجرؤ علی إهانته ؟!




- سكت لك كثير يا وفاء ، الظاهر ﻻزم نبدأ نعلمك اﻻحترام .


- أنت آخر واحد يفكر يربيني ..

... يا مجرم ، يا ساقط ، يا فاشل ،

يا مروج ، يا خريــج السجــون .



تتكلم عن حقدٍ حقيقي ، ومقتٍ عظيمٍ

أنساها حتی اﻷلم الذي يعتصر ذراعها

تحت قبضته الفولاذية .




- كذا نظرتك لي ، يا وفاء ؟


- تعرف عن ماضيك ؟


سألت بغيرة نارية .




أخذها إليه ، يجلسها بين ذراعيه ، محتضناً ظهرها .



وأضحی برقة ، وتأنيب ضمير ..

يدلِّك ذراعها الذي كاد يفتت عظامه ..




قال بحزن :

- تتوقعين تقبل بي وحدة ؟

ﻻ جاها علم عن ماضي واحد مثلي ؟


- ﻻ ، مافيه وحدة صاحية بترضاك علی نفسها .

ولا مجنونة شكلي !


- أنتي مب مجنونة وفاء ..


- ﻻ ، أنا مجنونة .



أطال في تأملها محنياً رأسه عليها ،

ريثما ينتظر تطل عليه بنظرة واحدة .



رغب بغتة ، في إعادة تحفيز الغيرة اللذيذة .

قائلا بصوت لعوب :


- ممكن أعرف سبب اﻻنقلاب المفاجئ ؟

توك كنتي شاقة الضحكة مع أيمن صاحبك .


- ﻷني مجنونة !


صاح : وفاء !!!!!!



حل صمت رهيب .

ﻻ يتخلله سوی صوت تنفسهما العصبي .



- تموتين وتجيبين لنفسك المشاكل ، صح يا وفاء ؟


- أنت فتلة هذه المشاكل ..

ردني لولدي .. وطلق هذيك ..

وتنتهي المشاكل ..




إنها تعترف بغيرتها !



أيسمي هذا اعترافاً بالحب ؟

هل هي تفصح عن مشاعرها اﻵن ؟




- وفاء ، ﻻزم تتأكدين من شيء واحد ، اللي تسمينها ( هذيك ) ...

ماني مطلقها لو تقلبين الدنيا ، ماني ظالم بنت الناس عشانك .


تحركت ، تقابل وجهه :

- متعب .. أنت تسوي أي شيء عشان وفاء ، صح ؟


- فيما يرضي الله ﻻ غير .


- وسرقة الشوكولاتة !

السرقة ترضي الله ؟



حدقها بغير استيعاب .


ثم خبط رأسها بيده مستنكراً :

- ﻻ تخلطين اﻷمور ! هذه تسمينها سرقة ؟ هذا لعب عيال !


- قل إنك تجيب اﻷعذار بمزاجك .

تاخذ من الدين اللي يعجبك ويوافق مصلحتك .

لما جيت تسرق كنت مستانس ، لكن أنا المحتاجة ..

ما بعد لمست جوال الحرمة ! بس قومت اﻷرض علي ...

وكأني قتلت !



سكن هادئاً ، ثم نصح قائلا :

- من الواجب عليك تبحثين عن رضا زوجك ، لكنك تجاهدين وتزعلينه .


- ومن الواجب عليك ترفق بزوجتك ...


قاطعها : الشرع حلل أربع .


- متعب ليه تزوجت ؟


رد مباشرة صادقاً : عشان أنساك .




أمضت عليهما دقائق ، وكلٌ مطرق مع أفكاره .



حتی قطعت استرسال أفكارهما بنبرة هادئة :


- أسوي لك شاي ؟


































إذن ابتدأت مشاكلها معي ؛

تلك السارقة اللعينة .



إنها تجلب لنفسها الشر .



طلاقها سيكون قريباً

وسأشهده أنا !



كنت مغفلة !!

لِمَ أردتُ سكن منفرد ؟!



كلَّا !


سأشاركها بالسكن ،

وسأضيق عليها خناقها .



واﻷهم ؛ سأستحوذُ ...

علی ماهو ملكي في اﻷصل ،

( زوجي ) .



سأجعلها تعلم ؛

أن ﻻ حق لها به .



ستعلم أنه يعود لي ..

ولي فقط !



لي وحدي !





- الله يهديك يا وفاء .


غمغم غير راضٍ ، يضع فنجان الشاي ، ويزيحه بعيداً .




دنوتُ منه أتساءل قلقة : ايش ؟


- مافيه سكر ، في ويش كنتي سرحانة ؟ وعازمة بعد ! شيليه .




انحنيت أحمل الشاي مرتبكة .


ألوم تلك السارقة التي شغرت جل تفكيري .




- خلاص ، ما أبيه . جيبي ماء بس .


- حاضر .




أتيت إليه بكأس الماء ، ثم عدت أدراجي إلی المطبخ .




أحتاج للاختلاء بأفكاري حالياً ...

دون يشتتني بأوامره التي ﻻ نهاية لها ..


وكأن بي هرموناً يحفزه علی إلقاء اﻷوامر

كلما وقع نظره علي !




استندت إلی القاعدة الحجرية للأدراج ، أبحث عن وضعية مريحة .



كذلك هو بحاجة للاختلاء بنفسه .



فيبدوه اكتفی مني لهذا اليوم ..

لقد ملَّ إزعاجاتي ....



لكن أنا من تذرَّعت هذه المرة بعمل الشاي !



" سوي شاي "

ماهو إﻻ أمر مجازي ؛

فيما معناه :

" اغربي عن وجهي " !


كلما اكتفی مني ، وضجر ..

لجأ إلی استخدامها ..




رغم النصائح التي أهدانيه معالجي ،

لكني أظل أستثير غضبه ....



ﻻ يعجبني حالي ..

صرت مزعجة ..

سيبدأ ويكرهني !



صرت ثقيلة عليه ....

بالكاد يحتمل عصبيتي ،

وعنادي .



لكني ﻻ أتعمد ذلك !

يحصل رغماً عني !!



مالذي حلَّ بي ؟

ﻻ أريده أن يكرهني ..



لقد كان معجبٌ بي قبل هذا الزواج !



أريد أعود كما كنت

أعود هادئة ، واثقة .



أنا بحاجة إلی معالجي

بحاجة إلی إخراج سلبيتي

بحاجة إلی كلماته اﻷبوية الطيبة

التي تعيد لي اﻷمل ، وتملأني إيجابية ..



منذ أنهيت الجلسات العلاجية لم أعد لزيارته

تخلفت حتی عن أولی المراجعات ، وأهمها ..





- بنت ، يا بنت ! وينك ؟



وصلتني نداءاته من الصالة .



ثم وجدته يطل علي :


- ليه قاعدة هنا ؟



- وش تبي ؟


- وين الملابس ؟ بأمر المغسلة بطريقي .


- وين رايح ؟


- طالع ، سمعتي وش قلت ؟



تحركت متذمرة من العجلة الغير مبررة .



- بس أتوقع فيه مغسلة بالفندق ، ليه بتوديه برا ؟


- غالي ، بتدفعين أنتي ؟ بسرعة بالله .



توجهت إلی حجرة النوم .

ﻷبتدئ في جمع الثياب المتسخة .



لم أسمح بأن يتخذني خادمة

حتی في شهر العسل !


لم أفكر حتی في الطهو له

عدا عن فناجين الشاي اليومية



أﻻ يحقَّ لي التدلُّل ...

بما أني عروسٌ جديدة ؟




عروسٌ جديدة ؟

هذا محرج ..

إنه ﻻ يليق بي ..



عروسٌ مُسِنَّة ..

هو ما يليق بي !




حملت اﻷكياس إلی الخارج .


ورحت إليه ، ليقابلني مصدوماً :


- وش هذا كله ؟



قلت ساخرة :

- حق أسبوع كامل ، وش متوقع ؟


- هاتي أشوف ؟


تناول مجموعة اﻷكياس ، وفتح أحدهم وتلاه باﻵخر :


- يا سلام ، يا سلام !



جلس عليه قدميه ، يضع اﻷكياس أمامه .


ثم صرت أحملق به كالخرساء .

فيما يستخرج قطعةً ، قطعة .



- ملابسك يا آنسة ، تغسلينهن بنفسك .




آنِسة ؟

لكني لست بآنِسة

أنا سيِّدة !




استمريت بالمراقبة ، حتی تخلص من كل القطع النسائية .



ثم شال بالحمولة التي تناقصت إلی النصف .


ومدني بقفاه ، مغادراً .



- يمكن أتأخر .



رمی بجملته اللامكترثة قبل يبلغ الباب الخارجي ، في نفس الثانية

التي قمت بتصويب رأسه بإحدی القطع التقطتها من أمام قدماي .



كتمت ضحكتي حال رؤيتي للباس الداخلي قابعٌ

فوق كومة الشعر الشبيهة بقبعة مشعرة .



حبست أنفاسي فور رفع القطعة الصغيرة من علی رأسه

يرفعها عالياً بين سبابته وإبهامه ، يتأمل برأسٍ مائل مهدِّد .



لكني شحذت سيفي ؛ ريثما استدار بتراسيمه الغير مبشرة .

وأخذت استعدادتي في الدفاع ، والصدِّ ، والردع !



سألقنه درساً في الرفق بالزوجة !

سأشن هجومي عليه قبل يشن هجومه !



لن أهزم أمامه هذه المرة !



سأنتصر عليه !

ويرتد خائباً !

خاسراً !



أنا وفاء !

بحجم هذا التحدي !





أطلقت ساقاي في الهواء مع صرخة ذعر ...

أخترق حجرتنا وأبحث بجنون ، عن مخبأ يحميني من شره .



إنه غاضب

غاضبٌ جداً



عيونه المخيفة تود قتلي !




التفتتُ ورائي أتفقد مجرمي ..



ﻻ أثر له !




هنيهات ، وأسمع صوت غلق الباب .



لقد رحل ...



رحل دون انتقام ؟!




خطوت بتوجس صوب باب الحجرة



لعلها إحدی حيله ؟




توسطت الصالة وحيدة ..



غادر حقاً ...




حررتُ عن تنهيدة ارتياحٍ .



وقفت بضع دقائق في شرود ، ﻻ أعلم بماذا أفكر ...



أفكر بلاشيء ...

شرودٌ صافٍ خالٍ من أي أفكار ...



من ثم قصدت الثياب المتناثرة علی اﻷرض

وانهممت ألملمها بتثاقلٍ وكسل ...



































وضع الوجبة التي جلبها معه في المطبخ ،

ثم عاد إلی حجرتهما حيث تقوم بأداء الصلاة .



فضل استبدال ثيابه برداء مريح .

لكنه ألقی نظرة عليها وهي تؤدي التسليمتين .




- ما شاء الله ، ليه مؤخرة الصلاة ؟

عارفة يا إخت الساعة كم ؟



- نمت شوي ..



- موصيك ﻻ نويتي تنامين تضبطين المنبه ، واﻻ ﻻ ؟



تعجب لخنوعها ، وإيثارها السكوت أمام اتهاماته .



- جبت العشاء ، روحي جهزيه .



أجابت بطاعة عجيبة بينما تعيد سجادة وغطاء الصلاة مكانه بهدوء .



نده عليها قبل أن تقصد إلی الخارج :

- تعالي شوي .



توقفت ، لكن تململت في تردد ما بين المضي والثبوت .



- وش تبي ؟ بأجيب العشاء .


- أبيك شوي ..


قال يدنو ، يقطع السنتيميترات القليلة بينهما .



ثم انحنی هامساً في أذنها برومانسية :

- ما سلمت عليك ..


قطب جبينه بتوتر : وريني كذا ؟



كم من الزمن والساعات كانت تبكي ؟

وجهها متورمٌ بشكل مخيف !



مرَّر بأنامله علی شبكة العروق الحمراء الدقيقة ببشرة وجنتها .



- وفاء ، بنمر بزيارة علی أمي .

تبي تشوفك أنتي وولدك .



- ولدك بعد ..



أسرع بموافقتها : ولدي ، ولا تزعلين .



ورطة أخری !

ﻻ يطيق بكاء جديداً !



سألت بصوت تخنقه العبرة : ما تحبه يا متعب ؟




هل يعقل ؟!



تعتقده .. يكره ( ابنه ) ؟

يالاستنتاجها غير المعقول !



إنه فحسب ؛

تثير ضيقه بالتصاقها الزائد بالطفل .



إنه يرغب فقط بقطرة ..

من بحر الاهتمام ، الذي يلقاه ذاك الطفل ..




- بأجيب العشاء ..




وجد نفسه يطلق سراحها ،

دونما محاولة لتعديل اعتقادها .



كيف يمكنه التوضيح ؟



كيف يمكنه التعبير ..

في هكذا موقف ؟



إنه ﻻ يكره ابنه ..



بل يحبه !



وكيف لا يحبه ..

وهو قطعة من حبيبته ؟


































* * *




























لم يسبق وسمعت ،

بزوجٍ اختطف زوجته !



ابنتي اختُطِفت ..

ومِمَّن ؟

من زوجها !



هل أعدته الفتاة بجنونها ؟

نقلت إليه الجنون ؟!



لهما كل الحق بقضاء شهر العسل قدر ما رغبا ..

لكن ليس بتلك الطريقة !



اختفيا دونما إنذار ...

ودنما توديع للصغير المسكين ...



لا يثير شفقتي سوی حفيدي ..

أمضی أسبوعين لا يكف عن البكاء ..



كرهت ذلك الشاب اﻵن بحق وحقيقة !



ولدٌ متهور ومستهتر ،

لم يفكر حتی بابنه !



































* * *




























- متعب ايش هذا ؟

حافظ علی البيئة !!





بيئة ؟


سترك يا رب ، هذا ليس بـ مبشِّر !





راقب بارتياب وهي تقوم بتنظيف فوضاه بكفاح ،

وعلامات التقزز تملأ وجهها !




- أموت وأعرف ، من وين جايب الفصفص ؟



حاول تقديم المساعدة قائلاً :


- نظفيهم بعدين مرة وحدة ، ﻻ تتعبين مرتين .



ثم قرب بمجموعة من الحبوب أمام وجهها

يدعوها بكرم : تبين ؟



رفع حاجبيه يراها تسعل بلا مبرر

وتبعد أنفها عن رائحة البذور الجميلة !




هذا مخيف !!


حالتها متدهورة !!


فات اﻷوان لا ريب !!!



نهضت جامعة قشر البذور بكفوفها ، تلقي أمراً قاطعاً :

- ﻻ ترمي شيء ، بأجيب لك صحن .




عليه أن يقدم من ميعاد رحلة الطائرة

وستكون حيث المعالج مباشرة

الوضع لا يتحمل التمهُّل !






" What about animals !!!!!!

What about elephants !!!!!! "



" بنت !!! وفاء !!! "



" What about crying whales !!!!!!

We're ravaging the seas !!!!!!

What about forest trails !!!!!! "




تأوهت متألمة ، عقب انتزاعه طرفي السماعة بقسوة .




- خير ؟!!!!

أنت ليش مصر تحارب تطوعاتي البيئية ؟!!

حاقد اﻷخ ؟ والا حاسد ؟ واﻻ وش مشكلتك بالضبط ؟!!!



- صوتك يا راعية البيئة سبب تلوث سمعي للجيران .



- يستاهلون !

أخليهم يحسون .. يحسون بالحيوانات ..

اللي هم السبب الرئيسي في معاناتها !

حتی الحيتان ما خلوها في حالها .. الحيتان تبكي !!



- منتي ناوية تسوين الغداء ؟




سحبت شهقة طويلة للغاية .



ثم وثبت عن السرير نحوه :


- آسفة حبيبي .. دقايق وصحنك قدامك !


" I'm Superwoman ! "






- يا الله منك !



وعی من الذكريات القديمة ، علی صوتها المتذمر مجدداً .



- اوه ! آسف حبيبتي ، وربي سرحت شوي ..



عادت تلملم القشور المتناثرة باﻷرضية .



ورفعت رأسها تطالب بانزعاج :


- متعب ! ﻻ تاكل هالشيء عندي !

خيست ريحة الشقة الحين ..



- ريحتك الجميلة تطغی علی كل ريحة ، يا كهرمانتي .



بدرت عنها آهة معاناة

من غزله المتملِّق والمنمَّق

الذي يطلقه بسهولة شرب الماء .




- رتبتي الشنطة ؟


- جاهزة ، بس السحاب معلق ، حل مشكلته .



ثم أردفت ، ترفع الطبق الصغير أمام بصره :

- الصحن هذا هو عندك ، شايفه !



- شايفه يا أميرتي ، بس ﻻ تعصبين . هاتي بوسة ؟



عرض طلبه اﻷخير بتلاعب متعمداً اﻻستفزاز .


ثم غرق في الضحك فيما تهرول هاربة .




يظهر أنه ضخَّم من حجم المشكلة

إنها ﻻ تطيق رائحة هذه الحبوب

ﻻ أكثر !




لحقها صوته اللعوب المستفز صائحاً ،

بينما ما يبرح علی استلقائه الكسول :


- ماخذ البوسة ماخذها يا حبيبتي !!

شوفيني قمت !! هذاني واقف !!



كاد يقع من فوق اﻷريكة من شدَّة الضحك

علی صوت إغلاق باب الحمام .




باب الحمام ؟



تلك الخرقاء ، اختبأت بالحمام !


ﻻ ينقصها أن تتلبسها الجان !


































* * *




























حمداً لله ..


يشعر بارتياحٍ غامر ..


ﻻ تمر بانتكاسة !





مجرد اكتئاب ..


جراء الضغوط النفسية ..





ﻻ خوف من ذلك ؛


فـ حلّ الاكتئاب قريب !





مجرد أن يقبع المخلوق


المسمی ( أيمن )


بين يديها ...





سيودِّعها اﻻكتئاب ..


والضغوط ...



وسائر الهموم ، والغموم !







حان الوقت العودة للديار ..





لاختطافٍ آخر ...


اختطاف المدلَّل ( أيمن ) !





ثم زيارة والدته ، التي في اﻻنتظار .








شيطانته الصغيرة ..





إنها ساكنة وهادئة للغاية ...


بالكاد لسانها ينطق ...






ماذا تخطط له .. ؟





أم هي حالة ،


استرخاء عارضة ... ؟





يسأل الله يعطيه خيرها ..


ويكفيهم شرّها ..







* * *


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 08-02-16, 10:48 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-








































الفصل العشرون


























. . .






































عصيتُ والذنبُ كبيرٌ
وإني في حُزْني أسيرٌ
مُقيدٌ بذنبي .. يا ربّ

فهل يستحقّ يا إلَهِي
العفو مُجرِما ..
مُقرٌّ بالذنوبِ
يا إلـَهِي ..











دوی صوت الحشد ...


علی الوقوع من الارتفاع الشاهق علی حين غرة .




تلت ذلك محاولات تفريق رجال اﻹنقاذ

للجمع المتجمهر حول مركز الحدث .



وآخرون أقبلوا علی فحص البدن الفاقد للوعي .




في حين تحول انتباه القوم إلی الصياح الهستيري

المنبثق عن الجثمان المنكب علی اﻷرض .




صياح يردد مفردة واحدة ...


مفردة قد تكون غير مألوفة لمعظم المتجمهرين ...



" يا رب "




التم الناس حول الجسد الجاثم بنية المساعدة ..


وتبادلت الخطابات القلقة بين فرد وآخر باللغة المتداولة ..




ثم شرع باختراقهم رجلين من الشرطة ، وثالث من فريق اﻹسعاف .



حاول كل منهما التخاطب مع المنهار بما يملكان من خلفية

عن بضع لغات ، وصياحه الهستيري ﻻ يمنح مجالا للإصغاء .



حتی استهل السكون يغزوه كما يغزو اﻷم

حين يعاد ضناها المفقود إلی صدرها ..


حالما تم وضع الجسد النائم للفتاة علی ظهر الرجل

مع جملة واحدة يكررها رجل اﻹنقاذ بلغات مختلفة .


" إنها بخير "




ظلت الجثة الساجدة ساكنة .



ورجل اﻹنقاذ باسط كفه علی الفتاة الشبه واعية

يثبت بجسدها أعلی الظهر المتقوس للرجل ،

بينما مستمر بمخاطبة الفتاة بصوت عال مجبرا

وعيها علی اﻻتصال بالواقع، مانع عودة الإغماءة .



تبادلت العبارات المشفقة في حين يتأمل الناس الشاب الذي بات جالسا ..

يحتضن اﻷنثی الشابة ، يزيح الشعر الغزير عن وجهها الشاحب كشحوب الموتی ، يتفقده بعيون تائهة وأصابع منتفضة .

" وش فيها ؟ وش فيها ؟ "

كرر بلغته الغير مألوفة للمحيطين به .

غير سؤاله كان واضحا في وجهه وصوته المتهدج المبحوح .

فيعود الرد المطمئن بالانجليزية ، معاد بفرنسية دافئة :

" إنها بخير ، إنها بخير "


وعاد رجل اﻹسعاف لعمله بمخاطبة الفتاة

حتی أفاقت جفلة وهي تفتح أجفانها الذابلة

عن عيون خاوية ، ضائعة .


تنقلت أنظارها الخائفة علی الوجوه المراقبة المحيطة بها ..

صعدت بصرها الفارغ إلی حاضنها .

فباشر بمساعدتها وهي تحاول الجلوس .


التفت ذراعيها حول عنقه وهي تحدق حولها خائفة .

يتنقل بصرها من وإلی رجال الشرطة واﻹسعاف .


وكأنما استمع إلی طلباتها الداخلية جاهد للتوازن والوقوف .

فيما يغلق عليها بمعطفه الكبير ، يحميها من اﻷعين اﻷجنبية .


لكن أعاقته رجال الشرطة عن الرحيل

مطالبون بضرورة التحقيق في الحادثة ثم اتخاذ اﻹجراءات

المناسبة لضمان سلامة الفتاة ، وردعا لتكرار محاولات مستقبلية .






































* * *

































( مالذي تثرثر به معه ، عامود اﻹنارة ؟ )




لم أزح نظري عنهما ، ما إن بدأت تخوض

حديثها الهامس الذي طال ويبدو لن ينتهي .



كان متهيأ للخروج، لكن أعاقته تلك الكريهة .


أغلقي فمك الكبير ، ودعيه يری طريقه !


أخفضت بصري إلی صغيري النائم

الذي تحرك قليلا علی صدري


مسحت رأسه الناعم

أتلمس شعراته الناعمة


في حين أذني مسترقة السمع

أحاول التقاط أي كلمة مسموعة




- وفاء ، تبين شيء ؟




انتهی أخيرا الموضوع الطويل

والشديد اﻷهمية لتلك القبيحة .



- متعب ، أبيك في موضوع ضروري .



تطلعني بنظرات غريبة مبهمة لم أفهمها ،

ثم استنتجت أنه منشغل بالتفكير ليس إﻻ .



اقترب بخطواته الواثقة .


وكدت أطلبه الجلوس ﻷنني أنوي إطالة الموضوع ﻷقصی حد .

وإذ به يسبق طلبي ويجلس إلی جانبي مبتسما .



وجدتني أتلعثم منذ البدء .

ثم أسهبت في مقدمة طويلة .


ﻻ أعرف بالضبط عما أحكي

أو أي موضوع أريد مناقشته .



تلعثمت كثيرا وشعرت بالحرج مع كل عثرة تعرقل لساني ،

لكن رغبتي الشديدة بالتملك غلبتني .


أريده وبشدة أن يستمع إلي حتی النهاية .. مثلما فعل معها .


وظل في المقابل ينصت إلي باهتمام وكأني أخبره بموضوع مهم ،

رغم أن حديثي ﻻ يحوي عدا مقتطفات تافهة وعشوائية .



- ليه تهمسين طيب ؟ خليني أسمع صوتك .


- عشان أيمن نايم ...


تعذرت شبه صادقة ، وفي الواقع كانت خشيتي

أن تصل إليها مواضيعي الرديئة وأﻻقی بالسخرية .



ربما تبدو تصرفاتي سخيفة لكنها فعالة في إشعال فتيل

نار عدوتي ، فهاهي تراقبنا عن بعد بعيون تمتلئ غيرة .



- كملي حبيبتي ، وصلتي عند حفايض أيمن .



شعرت بالدماء تتجمع في وجهي لما أدركت حقا مدی تفاهة مواضيعي !


اكتسحتني حرارة شديدة حولتني إلی خرساء .


نقلت بصري إلی المتلصصة بتوتر .



أتكون أحست بارتباكي وقلقي ؟

أو فهمت ما يحدث هنا ؟



انتصب شعر رأسي علی راحة يده تدعك بوجهي وعنقي .


ﻷدرك اﻵن أني أتصبب عرقا !!



- يالله ، كملي !


- خلصت ، خلاص روح ..

قلت وأنا أتهرب بوجهي عنه .


- متأكدة ؟



ثم أشار إلی الطفل الغارق في اﻷحلام :

- حطي هذا بسريره ، حتی وهو نايم لازق ؟


- كنت بأوديه ، بس .. كنت أنتظرك ..

عشان الموضوع المهـ ... الموضوع .


وضع كفه العريضة الطيبة علی رأسي

بطريقته التي تجعل من اﻻرتياح يغزوني :

- تبين شيء ؟


- نبي سلامتك ..


أصدر ضحكة قصيرة متعجبة .



لقد كانت عبارة عفوية ...


لم أقصد شيئا حقا !


ماذا يعتقد اﻵن ؟

فيم يفكر ؟


ﻻ تفكر !


توقف عن التفكير ، أرجوك ..




أغمضت عيني خجلا فيما يلثم جبيني بنعومة أذابتني .


ثم ألقی علي وصيته اليومية بصوت خفيض :

- مابي شقاوة وأنا غايب ، مفهوم ؟


ومضی عني ، فيما يخاطب الواقفة .


- ذكريني يا غيداء بموضوعك للاحتياط ؛

ﻻ أنسی وتاكليني ، في أمان الله .


- الله معك حبيبي ..



دعوني أقتلها !

دعوني أسفك دماؤها !


سأقضم عنقها !!


بأي حق تناديه بهذا اللقب ؟



تمايلت عامود اﻹنارة الشقراء أمامي

بالكعب الذي يصدح بصداه بأرجاء المنزل .


فبالكاد نهضت أنقذ نفسي وطفلي قبل

تطبع أجسادنا علی اﻷرض عن سقوط غافل .



مالحكمة في ارتدائها للكعب

وهي تنافس ( زوجي ) في الطول ؟


تلك العملاقة يكاد قمة رأسها يصل لرأسه !


هل هي عارضة أزياء سابقة ؟


أريد معرفة الحكمة الحقيقية من راتداء كعب عال

في المنزل ؟!



قصدت حجرة طفلي ، أقوم بنقله إلی سريره .

مددت صغيري ، وجذبت الغطاء عليه .



كبر طفلي الجميل وصار ينام في سرير منفرد ..



تمر اﻷيام سريعا ...


هاهو أصبح في الثالثة واقترب لسانه من الطلاقة .



صار كثير الثرثرة ..

متعدد اﻷسئلة واﻻستكشافات ..



أستمتع بالمناوشات الشقية التي يفتعلها مع والده

رغم يقلقني دائما أن تفلت كلمة غير مناسبة ،

أو ﻻئقة من اﻷب أمام ابنه ..



يتعمد افتعال المشاكل ومشاكسة أبيه

فقط من أجل استثارة انتباهه ..


إنه يحب والده ...



ليت أباه يفهم ذلك ويقدره ..



سيقوم بإسعادي كثيرا جدا

لو منح ابنه قليل من الاهتمام


































- أتوقع الطبخ علي اليوم !



تكلمت بنبرة ﻻسعة

أسعی لطردها من مطبخي

الذي ملكي لهذا اليوم



أﻻ يكفي أنها ستقوم بسرقته مني لهذه الليلة

وتطمع كذلك إلی إطعامه من يديها ؟



أوقن بأن تلك الكوبرا تخطط مع قرينها الخناس

من خلف رداء البراءة الذي أثق بزيفه .



- ما نسيت حبيبتي ، لكن استثنيني من الوجبة

ما أفضل اللازانيا صراحة ، بالعافية عليكم .


صوتها الرقيق مثير للغثيان .




حاولت جاهدة اﻻنشغال بعملي وأنا لست بقادرة علی تجاهلها .


تتبع عيناي كل حركة تصدر منها بينما يدي منشغلة بتحريك محتوی القدر .



ﻻ تفضل اللازانيا !



قولي أنك تخشين السمنة

يا عارضة اﻷزياء اﻷنيقة !



أطباقها بالكاد تشبع معدة زوجي المسكين .


قادم نهارا من العمل منهك شديد اﻹرهاق

حتی يجد الغداء مكون من مقبلات ؟!


زوجي القوي بحاجة إلی طعام يمده بالطاقة ،

جسده يلزمه وجبات غنية تقوم بتعويضه عن

المجهود الشاق الذي امتصه العمل منه .



جيد أنها تمكنت من التفوق علی نفسها

وعمل أكثر من طبق الشاورما خاصتهم !


إنها حتی ﻻ خبرة لديها بعمل البقلاوة !

الحلوی الشرقية التي اشتهر بها الشعب

الذي تنحدر من جذوره !



عاينت الشعر البني ذو اللمعة الشقراء بتحسر .


إنه قريب من طول شعري السابق .

واحسرتاه علی شعري الطويل المفقود !



- طيب حاولي تجربين اللازانيا علی طريقتي

متعب قصة عشق مع اللازانيا حقتي ..



أتی ردها بينما تنوي إعداد طبق سلطة كما استنتجت :

- بالعافية عليكم يا قلبي .


- تدرين ؟ أنا سيئة في تقدير الطعم

، غالبا طبخي يضبط بالحظ ...


واستأنفت وأنا أقترب من المرأة برفقة صحن صغير :

فـ ممكن تذوقين لي مقدار الملح ؟


رفعت مقدارا كبيرا بالملعقة أرفعه إليها .

- قربي شوي ..



اهبطي يا عامود اﻹنارة !

كيف سأصل إليك ، هل تتوقعين مني أن أقفز ..

أم أتسلقك ؟




- الله يا ... يـا .... كم ... !!



أسرعت القول ببراءة :

- شكله لسانك حساس ، ما أتخيل كثر ملح لهالدرجة !


- و ... وفل .. فل .. حلقي ...



لن تستعيد صوتها المقرف حتی الغد !


اهنأي بليلة خرساء ، أيتها الجميلة العملاقة ~



ابتعدت عنها متجاهلة قاصدة مكوناتي التي بانتظاري .




" الله يا .. " !


لسانها كان مشارف علی اﻻنفلات والظهور علی حقيقته .


كانت ستطلق دعوة علي !



لسانها المعسول الكاذب

لطالما شككت به ..


إذن ما هو إﻻ قناع مزيف .



سأخبره !!

فرصة ﻻ تعوض !


سأكشف له عن قناعها .



ليعلم أن ما وراء تلك اﻷنيقة ،

إﻻ بشاعة وقبحا !





































. . .


































كنا في بداية شهر يناير ، واﻷجواء شديدة البرودة

وﻻ أحد منا يستغني عن المعاطف منذ قدومنا

في أواخر اﻷيام من ديسمبر .



دلفت بيت خالي الدافئ ممسكة بيد صغيري البردان .



فاستقبلتنا الفتاة ، وحملت الطفل برقة

تحييه بلثغات لطيفة مقلدة لسانه .



- بردان أيمن بردان .. أنفه الكتكوت متجمد يا قلبي عليه ،

لبسي خشمه شراب .. أي شيء .. حرام تخلينه كذا !



أمسكت بيد طفلي أقبل قفازه اﻷزرق :

- ماما راجعة حبيبي ، ما راح أتأخر .


- روحي ! روحي !

هتف الشقي الصغير يؤشر بيده يدعوني للرحيل .


فأطلقت الفتاة ضحكة رقيقة :

- خلاص أيمن كبر ! أيمن رجال ما عاده محتاجك .

روحي ، روحي !


منحت الفتاة نظرة تأنيب .



فعلا ، بدأ بني يكبر .. ويغدو قويا ..


لم أعد أحمل هم قدومي من الجامعة لأجده باكيا .


صرت ألقاه منهمكا في اللعب ، وفوق ذلك

ينفجر بالبكاء عند تركنا لمنزل أسرة خالي .



ودعت ابنة خالي الصغری :

- سلمي علی أمك ، ما راح أتأخر إن شاء الله .


ومن ثم تخطيت عتبة المنزل إلی الخارج .



- ماما !!!



التفتت إلی الوراء بلهفة .


ﻷجد يديه الصغيرين يلوحان لي ...

فلوحت له بسعادة وأرسلت قبلة في الهواء .



اجتزت حديقة الفناء المتواضعة إلی الرصيف ،

حيث السيارة المنتظرة .



استقليت السيارة إلی جانب الرجل الغاضب علی مقعد القيادة .



ليغضب كما يشاء ..



هل يتوقع مني أترك ابني وكر عدوتي ؟



يهمني أمان بني وراحته

أكثر من أي شيء آخر





حرك السيارة في الطريق إلی الجامعة .



عدلت نقابي للمرة العاشرة .


أتوجد خلطة سرية ﻻ أعرفها ﻻرتداء النقاب ؟

يبدو علي مضحكا ومحرج ...

بينما يكون أنيقا علی اﻷخريات !




- مع السلامة ..


قلت ببطء قبل أن أتردد في مغادرة السيارة .


انتظرت ردا ، لكني تركته خائبة .




هذا ثاني أسبوع لي في الجامعة .



سارع بتسجيلي للعام الجديد قبل ننصرف

للانشغال بأمور اﻻستعدادات للزواج .



بدأت بالحضور متأخرة ، علی رغم أنه بالكاد استمر

دوام الطلاب لشهر وإذ بعطلة الكريسماس تحل .



وها أنا اﻵن أبتدئ معهم في العودة إلی الدراسة .


كنت قد عدت مؤقتا خلال فترة علاجي إلی هنا

حيث الجامعة من أجل إنجاز اﻻمتحانات .


كانت فترة صعبة ومليئة بالمهام .



توسطت الحرم الجامعي ...


أخرجت الهاتف ، وطلبت رقما .



ثم رد الطرف اﻵخر ، متلهفا :

- وينك يا بنت ؟ وين اتفاقنا عن الحضور المبكر !


- أنا قريب الكافتيريا ، بسرعة. دقايق وتبدأ محاضرتي .


- صاروخ يا قلبي ، ايش قد وحشتيني !



أغلقت الهاتف مبتسمة .



ثم بدأت أوزع نظراتي ، في انتظار الصاروخ المترقب .



إلی أن لمحت الصاروخ الممشوق القوام

يجاهد في اختراق الطلبة المارة

مقاوما عباءته الضيقة



رأيتها تقف وتتلفت باحثة ، رغم أنه قد وقع نظرها علي .


لحظة ودق هاتفي :

- بسم الله ، وينك يا حرمة ؟

ما أشوف إﻻ منقبة قزمة جنب الكافتيريا !


- قزمة ؟ طيب !!

أنا هي بذاتها القزمة المنقبة ، يا حلوة .




تلك الشقية ..

لعبت بوتري الحساس أمام عامود اﻹنارة الكريهة .



ﻻ يبلغ بي القصر إلی درجة يطلق علي لقب " قزمة " !




- كذا ؟ كذا يا كلبة لك أسبوع تداومين ، وﻻ مرة سلمتي علي .


رددت مبهوتة : كلبة ؟



لم أعتد تداول كلمات شبيهة خارج إطار شقيقاتي .

كان غريبا أن تصدر من فتاة ﻻ أزال أعتبرها غريبة ..

وبالكاد تعرفت عليها في السنة السابقة ..


وحتی زوجي القذر اللسان ، لم يجرؤ لمرة

علی توجيه كلمة مسيئة مشابهة لي !



- وش السالفة ؟


- أي سالفة ؟


- النقاب ؟ زوجك ملتزم ؟


ضحكت بمرارة :

- اسكتي بس واللي يرحم والدينك ..


- أجل ليه فارض عليك النقاب ؟


أجمدت سؤالها ناقدة :

- ما تتنقب إﻻ بنت الملتزم ؟ هذه أنا أتنقب بالسعودية .

المهم كيف حالك ؟


أفزعتني بصيحة مثيرة للحرج :

- يختي عليك ورجعتي عروسة !

خليني أبارك لك زي اﻷوادم !!



اعتصرتني احتضانا ، وتمالكت نفسي من اﻹحراج .


ﻻ أدري إن كانت تبالغ في اﻷلفة ،

أم العلة بي ؟



- ألف مبروك ، منه المال ومنك العيال يا عروستنا ..


- الله يبارك فيك ، بالراحة خلي أيمن

يكبر وياخذ حقه ، مو مستعجلين .


- هيا تعالي ، تعالي !

احكي لي عن روما ، وكل شيء حصل !


وجذبتني معها متناسية محاضرتي التي علی وشك البدء .




إنها تصغرني سنا ، لكنها تكبرني دراية بالحياة الاجتماعية .


كانت تكبرني في المرحلة الدراسية ، وتصغرني عمرا بفارق سنة واحدة .



فتاة مليئة بالحيوية والحماسة لدرجة تصيبني بالتوتر والقلق .



ربما ﻷني ما زلت أشعر بالغربة نحوها ..




































* * *































ما ميزت خطواته المقتربة ..

ابتعدت عن الباب هاربة ..




فتح الباب ....


ليظهر لي وجهه المحمر بأوداجه الغليظة المنتفخة ..




ركضت أنشد الفرار لكي تقابلني زوايا حجرة ابني العائقة ..



توجهت إلی السرير الصغير نحو ابننا النائم ..


أملا في أن يعمل منظر ابنه البريء بأحضاني

علی إزاحة الشيطان عن رأسه ..


ولكن به يسبقني ، ويجرني من جذور رأسي

قبل أستقر إلی جانب صغيري ..




- ارحمني ..


رجوته متوسلة متضرعة ..



- شششش ..




جاهدت لكبت اﻷلم والتزام الصمت بينما أقاوم ألم رأسي

في حين يجذبني معه خارجا ..



أغلق وراءنا الباب علی الطفل ..



وابتدأ يقودني كما راع قاس يقود ماشيته ..




- حبيبي .. اسمعني .. متعب ..




اختار أبعد حجرة عن طفلي ..


طرحني أرضا ، وأغلق الباب علينا ..




- ششش ، مابي صوت ، لا يطلع نفس .





في هنيهات ..



تحولت الحجرة ..



إلی حجرة للتعذيب ..



حجرة تعذيب صامتة ..





































* * *

































بدأت باﻻستيقاظ منزعجة من صوت المنبه خاصته ،

والذي أضحی شبه يومي .



منعني الكسل عن فتح عيناي ، تقلبت بثقل علی جانبي

اﻷيسر أمنحه ظهري أنقل إليه عدم رغبتي بالاستيقاظ

واحتياجي للنوم .



شعرت باقترابه أثناء حركته نحوي ..

وقد دلت هيئة تحركاته علی أنه لم يغمض

له جفن طوال الليل .



- قومي .


حاولت إزاحته بتثاقل وكسل :

- مابي .. خل اللي عليها الدور ..


- قومي بلا كسل ..



لم علي العمل في يوم إجازتي !



يعاني أرقا شديدا في هذه اﻵونة ..

وصار يعتاد مؤخرا التسلل إلی فراشي يوميا بينما نائمة

ﻻ أشعر به وﻻ أدرك له .. إﻻ إذا دق منبه الصباح المزعج .



- يالله ، بأتأخر .


انتصبت جالسة .

ثم سحبت الغطاء العريض ألمه إلي

أبني قوقعة وأختبئ في داخله .



ﻷتلقی ردة الفعل السريعة ويعريني من درعي .


شكوت بمسكنة :

- ماشبعت نوم والله متعب .. كنت سهرانة .. أبي أنام ..


- ليه السهر ؟ هذه القدوة ؟ تعلمين ولدك السهر والصياعة ؟


- خلك عادل ! وين العدل اللي تحكي عنه ؟


- أنتي خلي العدل وﻻ تجيبين له سيرة علی لسانك

ماتجين تتكلمين عن العدل إﻻ عند مصالحك ،

والظاهر ناسية جامعتك .



انتصبت مجددا أجلس كالفزاعة :

- اليوم ايش ؟


- يمه تخوفين ، لمي شعرك .


اعتصرت ذهني ﻻستجماع تركيزي وتفكيري .


ثم شزرته بحقد حين تذكرت أن اليوم يوافق العطلة اﻷسبوعية .



وما كدت أجر الغطاء وأعود لقوقعتي .. حتی وجدتني

أصارع الموت ويداي تحاولان إرخاء فتحة البيجاما التي

اعتصرت عنقي .



- ما أقدر أتنفس ... مخنوقة ...



صرت معلقة مثل كيس تسوق من محل تموينات رخيص ،

بينما يحملني من ظهر بيجامتي معلقة بجانبه ، ويسير

قاصدا باب حجرتنا .




هل سيخرج بي بهذا المنظر أمام تلك الكريهة ؟!




أمسكت قلبي علی صيحته المتألمة علی أثر عضتي الغريزية .


ثم وجدت نفسي أطير إلی اﻷعلی وأقابل وجهه .



- وش من سنون عندك ؟



يا إلهي ، ماهذا الموقف المحرج !


يعاملني وكأني لعبة .

أيعتقدني دمية لديه ؟



ومازلت أشد فتحة رقبتي التي تؤلمني وأعين نفسي علی التنفس .


كنت متألمة .. خائفة ، ومحرجة .


كانت عضة قوية حقا ، شعرتني معه أنتزح لحمة فخذه .



- بأسوي الفطور ... بس ﻻ تشوفني كذا ..

ﻻ تطلع فيني قدامها كذا ... أبوس راسك ..


رفع حاجبين ساخرين : بتبوسين راسي ؟


ترجيته هاتفة ولم أعد أحتمل الوضعية المتعبة :

- تكفی نزلني .. تعبت ..



لحظات وصرت أقف علی أقدامي

ثم لجأت للجلوس قليلا أقاوم الدوار



- تبيني أسوي الفطور ، افطر معي أنا .



هيئ لي أنه يكبت ضحكة بينما يجيب :

- حياك ، شاركينا !


قلت محاولة التماسك :

- ماني خدامة عندكم أنت وياها ..

وش ذنبي تجيني نص الليل مثل الحرامية ؟

باﻷول واﻷخير من اﻷصل كنت عندها ...

ماخذة حقها وليلتها .. أنا ليه تدخلني ؟


قال بتلاعب يتعمد به رفع ضغطي :

- ﻷني كملت ليلتي عندك يا كهرمانتي .



قمت واقفة وأغمغم لنفسي متذمرة .



فانحنی يقربني إليه بدلال .


ويهمس بنعومة بعثرت كياني :

- متعبك حبيبك يومين سهران وتعبان .. ارفقي بحاله ..

ما يجيك إﻻ وهو يبحث عن الراحة عندك ..



اللعوب ، المتملق ، الماكر .

يعرف جيدا كيف ينمق الكلام المعسول .

يعرف كيف يعبث بالفتيات ويسحرهن .



" متعبك " ؟



صادق في هذا ..


هو متعبي ، وعنائي ،

وهمومي ...



- بعدين وش خدامته ما خدامته ، ليه مكبرة السالفة ؟

سوي فطورك وولدك واحسبي قسمنا معكم ..



ﻻ تقل قسمنا !

أنت تعظم من لهيب غيرتي ، أيها اﻷحمق !



قلت بغيظ أزيل تطويقه عني :

- مافي حل إﻻ إني أمنع الحرامية يدخلون غرفتي .



ثبتني مكانه فيما أتوجه للباب :

- عدلي شعرك ﻻ تخرعين الحرمة .


رتبت شعري بصفعتين علی الجانبين ،

ثم تابعت طريقي وكلي ثقة .



ما كدت أجتاز الباب حتی سمعت صوت مريب أرغمني علی اﻻلتفات للخلف .



- ﻻ !! متعب !!!


ركضت نحوه أحاول انتزاع مفتاح حجرتي منه .



قال بهمس إيحائي يهدف لتثبيطي :

- عدوتك بتمر بأي لحظة ، يرضيك تشوفك بهالمنظر المزري ؟



كدت أخترق جيبه ..


دنا انتصاري !




- تبين تعليقة ثانية ؟


أطلق ضحكة قصيرة فجائية :

- تذكرين أمنيتك القديمة ؟ التعلق بالمروحة ؟



سخريته الجارحة كانت كالصاعقة علی عقلي .



- تقدرين تعتبريني حققت جزء من أمنيتك اليوم !



لماذا يفعل ذلك ؟

إنه يستهزئ بـ علتي !



أﻻ يدرك بأن تلك اﻷيام كمثل خنجر يخترق القلب ؟



إنها نقطة سوداء في حياتي أتمنی محوها ..


أتمنی لو أخضع لتنويم مغناطيسي

يفقدني ذاكرتي لتلك الفترة .

وذاكرته كذلك !


أود محو تلك اﻷيام من ذاكرته ، قبل ذاكرتي !




صفقت بباب الحمام في وجهه وملامحه النادمة المعتذرة

ارتسمت في ذهني ..



أرق .. تهور ، وتصرفات طائشة مؤذية ..



حالته تزداد سوءا ...



لقد تخلی عن الدواء تماما !

ﻻ يبتلع إﻻ سموم سجائره الخبيثة ...



علي أخذ زمام المبادرة حالا !



سأرغمه علی مراجعة الطبيب والعودة للدواء

ولو وصل بي اﻷمر ﻷن أسقيه الدواء بيدي ..

وأرغمه علی ابتلاعه !



لن أصبر إلی أن يصيبه الجنون ..

ويتكرر ما حصل قبل أعوام فراقنا ..


الجنون ، الذي أوجد الشقاق بيننا .


































- متعب ، صديقتي بتزورني .



أحسست به سيشرق باللقمة .


تناول كأس الماء يبتلعه كاملا في جرعة واحدة بوجهه المحمر .



لكنه عاد ﻹكمال الوجبة دون يتفوه بشيء .



تعمدت مشاركتهما الوجبة خصيصا لفتح هذا الموضوع .

قررت المباشرة بخاصية الهجوم في هذا المسألة .


فلن أجيز له منعي عن بقية الناس كما منع

علي تداول الزيارات مع أسرة خالي .



بينما عامود اﻹنارة تستضيف عائلتها ورفيقاتها شبه أسبوعيا .


وأظل أنا حبيسة الحجرة مع صغيري أتنصت لمحاداثاتهم من

خلف الباب في انتظار من تغتابني منهن من وراء ظهري .



- سمعتني ؟ عطني جواب الحين ، أبي رد خبر للبنت .



رماني بنظرة كدت أترك معها مائدة الفطور هربا .



أطرقت ، مخذولة خاسرة أمام منافستي .

أقتص قضمة حانقة من خبز ناشف .



- بعدين نتفاهم ..



أعاد لي اﻷمل بنبرته الرقيقة والطيبة .



هل يشير هذا إلی موافقة مبدئية ؟



لكنه ...

لم يكن حتی يعرف قبل هذا الصباح

بأني قد صرت أملك صديقة .


أتوقع منه فتح محضر ﻷسئلة تحقيقية عن تلك الصديقة .



نقلت نظري بانتصار خفي إلی المرأة مقابلي .


تتصنع عدم الاكتراث بينما تتناول الطعام بأطراف أظافرها .



أتتقصد اﻹساءة إلي ؟

لم تأكل من طرفي إصبعين كالمتقززة ؟

أمشمئزة ﻷنه من صنع يدي ؟




- حبيبي ؟




سكين !

آتوا لي بسكين !!

كلا ، أريد ساطورا !!!




- هلا ..


- بارك لي ، لقيت عمل مبدئيا .



راقبت المحادثة باهتمام بعدما اهتزت شعرة الحسد بي .



وأردفت عامود اﻹنارة :

- خايفة من المقابلة ...



اوه ~

عامود اﻹنارة خائفة ~

رقيقة جدا ~



كيف لها أن تقرر عملا بهذه البساطة ..

بل وتقوم بالتخطيط للمقابل قبل أخذ اﻹذن من ولي أمرها ؟

أو حتی أن تطلعه علی نوع العمل !



وأنا ... ؟

أنا البائسة ، المثيرة للشفقة

أطلب اﻻستئذان حتی لدی شرب الماء !



- مبروك ، ﻻ تخافين وتوكلي علی الله ، وفقك الله .



هكذا فقط ؟

ألن يسألها عن شيء ؟

ألن يخضعها للتحقيق ؟



يسأل عن صنف العملا مثلا ....




- ذكرتيني الله يذكرك بالشهادة !

هتفت قائلة ، ثم التفتت إلی زوجي

الذي ﻻ يعرف من ( العدل ) سوی اسمه .



- متعب متعب .. شفت صديقتي هذه ؟

تشتغل ، وعرضت علي عمل معها ..

عمل ما يحتاج شهادة جامعية ، وافق متعب !


- إن شاء الله ، يصير خير .


حملقت في وجهه ببلاهة .



هل أحلم !

لو علمت أن طلباتي ستنفذ علی وجبة مشتركة

بهذه البساطة ، لفعلتها منذ زمن !



تركت مائدة الطعام بنية إعداد الفطور الخاص بطفلي ثم إيقاظه .




- متعب ، أبي أصبغ شعري .




تسلل اﻹحباط بداخلي علی صوت الكرسي من خلفي ..

تجاهلني هذه المرة ...



يبدو أني تحمست قليلا ..




في حفظ الله يا زوجي الكريم

أتمنی لك يوما مريحا





جفلت علی لمسته ، والصوت الحازم :

- امشي داخل .



همست بتخوف :

- ليش ؟



قبض رسغي الممسكة بملعقة حليب الطفل

يرغم يدي علی إعادتها للعلبة اﻷسطوانية .



ثم ما وجدت نفسي إﻻ أساق وراءه

أمام المغرورة

مثلما الجارية .









- علامك أنتي اليوم ؟


قلت ببراءة : وش سويت ؟


قال بحزم :

- ليه الهذرة الزايدة عند الحرمة ؟

المواضيع اللي فتحتيها يفترض تكون بيننا .

ما قدرتي تصبرين ؟


دافعت عن نفسي ساخطة ، متمردة :

- وهي ؟! وموضوع عملها ؟!



قال كلمته اﻷخيرة بصرامة :

- اسمعيني زين ، ﻻ تنغرين بالوجه الطيب قدامها ، ما

حبيت أحرجك عندها ﻻ غير ، كل كلمة قلتها عندها انسيه .

يعني الحين خذي كلمتي ؛ زيارات ممنوع ، وهالشعر

تلمسينه أصابعك تنكوي ، والعمل ﻻ تجيبين طاريه غير لما

نبصر شهادتك .. غير كذا أنتي عليك قوانين خاصة بخصوص

العمل ، في أمان الله .




ﻻ يحق له

هذا يسمی ظلم

هذا يسمی طغيان وجور



وماذا يعني بالقوانين الخاصة ، بحق الله ؟



بأي حق يكون مرنا معها ،

بينما ﻻ ألقی إﻻ قسوته ؟



محترما معها ، بينما ..

يتحكمني كالخادمة ؟




متعب الظالم !








* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:09 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.