آخر 10 مشاركات
❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وخُلقتِ مِن ضِلعي الأعوجُا=خذني بقايا جروح ارجوك داويني * مميزة * (الكاتـب : قال الزهر آآآه - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          دجى الهوى (61) -ج1 من سلسلة دجى الهوى- للرائعة: Marah samį [مميزة] *كاملة* (الكاتـب : Märäĥ sämį - )           »          56 - الندم - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-10-15, 07:27 AM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 كهرمان / للكاتبة ثريا .




،




،


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
كهرمان
للكاتبة ثريا .

،




،


قراءة ممتعة للجميع.....


،






التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 27-11-15 الساعة 09:32 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-15, 07:29 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كهرمان




. . .



بسم الله الرحمن الرحيم




. . .





الملخص :



في عتمة الليل وسكونه .. حيث الشاب المتسلل للمبنی الجامعي في خضم مهمة غامضة، إذ به تصله طرقات مجهولة المصدر .

ليكتشف في النهاية أنها إشارات استنجاد مصدرها مراهقة حبيسة في إحدی قاعات الجامعة .



ثريا



* * *






التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 15-02-16 الساعة 12:15 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-15, 07:30 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




-







































الفصل الأول



















. . .
















لم يكن وهماً !




هناك طرقٌ ماً !








بتوجسٍ أرهف السمع وعيناه تجوﻻن ...











تحركت خطواته باتجاه مصدر الطرق الرتيب ...




وتخيَّر الممرات الدامسة معتمداً علی سمعه ...















- من هناك؟

تحدث باﻻنجليزية قائلاً.





ميز سمعه اﻷنفاس التي اضطربت من خلف الباب المغلق،
وأثار تعجبه الصوت اﻷنثوي متسللاً يطغی عليه التوتر:

- هل من أحد هنا؟







عبر عن استنتاجه في تساؤله:

- هل أنت حبيسة في الداخل؟


- أياً من كنت، استمع! اذهب وجد سميث حاﻻً .. فضلاً ..






لم يستسغ نبرة اﻵمر في حديث اﻷنثی، شخص في موقفها من المفترض أن يكون أكثر توسلاً !

- معذرةً، أنا في عجلة من أمري.





ابتعد بخطاه متجاهلاً النداءات التي قاربت التوسل.














عدل من حمالة حقيبته الثقيلة السوداء علی كتفه بينما يسرع في سيره، شعر باهتزاز هاتفه بجيبه، فأخرجه ورد بعد أن ألقی نظرة خاطفة علی اسم المتصل:

- يالله هذاني طالع.


قال بصوته الخفيض الهادئ فيما يقترب من المدخل الرئيسي للمبنی.














بعد دقائق كان قد أصبح أمام مقوده، والحقيبة السوداء قابعة في أحضان مرافقه المنتشي يعبث في محتواها ﻻهثاً .

- بنتحرك، حطها وراء .


قال ويده تدير المفتاح تشغل محرك السيارة، فأسرع رفيقه بإغلاق الحقيبة وقام بدفنها أسفل المقاعد الخلفية، ثم قال بسعادة:

- إلی المقر !!

انشغل بتفكير مبهم، ثم خاطب رفيقه :

- الظاهر بترجع بروحك إلی المقر، خفف أفلام.





اتسعتا عينا صديقه وهو يراه يفتح بابه ويوشك علی الترجل من السيارة.

- علی وين ياﻷخو؟

- ارجع بالسيارة، عندي شغله.

- وش شغلته؟




وجد الصديق نفسه يحدث الرياح فقد كان قد ابتعد وسترته السوداء تتلاشی في الظلمة.
















تجول حول المبنی حتی استقر أسفل النافذة المطلوبة، رافعاً رأسه يتأملها مفكراً.




لحسن الحظ القاعة المطلوبة تقع بالطابق اﻷرضي واﻻ كان سيضطر إلی التحول للرجل الخارق.





مع ذلك ﻻ يزال الوصول إليها بحاجة إلی قفزة تتخطی الحدود البشرية.






جال ببصره حول المكان باحثاً عن إلهام لفكرة ما أو أداة مساعدة، ولم يعثر سوی علی فكرة واحدة محبطة.




أخذ يسير وكفاه مدفونتان بمخبئي سترته، ثم تملكه الضجر وبدأ يهرول بغية إنهاء المهمة المملة التي أقحم نفسه بها.





توسط الحجرة المهجورة التي حالت إلی مستودع، وتقدم نحو نافذتها.




أصدرت صريراً مزعجاً فيما يحاول فتحها، ثم كان قد أخرج جسده بالكامل مستنداً بركبته علی حافة النافذة.





أنزل قدماه واستقر علی قاعدة رفيعة حول المبنى، ورويداً رويداً أخذ يسير بشكل جانبي في حين ظهره مواجه للحائط.




أخيراً وثب واستقر جاثماً أمام النافذة المقصودة.




"أستحق نيل مكافأة !"

حدث نفسه ساخراً.






بدأ يطرق بنفاذ صبر ثم انتظر.. طال انتظاره، فعاد يطرق بعنف طرقات همجية متتابعة.





شعر بالحنق من الستائر الغليظة ذات اللون الماروني الداكن التي ميزها من الإضاءة الخافتة التي تخترقها من داخل القاعة .




"ماﻷمر؟ ألم تسمع؟ هل نامت، أم فقدت الوعي من البكاء، أم أصابها الصمم من شدة الحزن؟"


أخذ يفكر متململاً، اتخذ قراره وفي لحظة ارتفعت قبضته في الهواء متوجهة نحو زجاج النافذة .. تباعدت الستائر المارونية اللون بحدة..





ظهر من خلفها جسد ضئيل أشقر ابتعد جفلةً ..







وجد نفسه أمام عينين بلون العسل الصافي .. عينين بدتا كعينيّ قطة ..





أشار عليها بفتح المزلاج، إلا أن الكائن ظل متصلباً مكانه دون نية استقباله.



- حسناً ! ظننتكِ بحاجة لمنقذٍ ما، وداعاً !



قال حانقاً هازئاً، وما أن أوشك علی الوثب مغادراً لمح الكائن الضئيل الجسد يهرع إليه، ويشرع النافذة عن آخره، هاتفاً بلهفة:

انتظر !




رمق الفتاة بنظرة متهكمة، وعاد يستدير بكامل جسده إليها.

- أسرعي.


قال آمرا.


حدقت بيده الممتدة بفمٍ فاغر .

- تريدني أقفز من هنا؟





رداء الفتاة الغريب أول ما ﻻحظه بعد العينين العسليتين.

ترتدي زي سباحة ! زيَّاً بلون غريب مقارب للون الكَمُّوني ولكن بدرجة أفتح أضفت على بشرتها البيضاء شحوباً بالغاً.



- من المفترض لمن في وضعك أن يفضل المخاطرة؟


- محال ! ﻻ يمكنني !


تنهد بلا مباﻻة:

- إذن يفترض بي الذهاب.





اضطربت الفتاة وهتفت بتشتت:

- ﻻ ! توقف ! ﻻ يمكنك .. ﻻيمكنك تركي هكذا ؟ يجب أن تخرجني من هنا ؟

- ماذا تعتقدينني بالحقّ ؟ أنه يمكنني أن أجلب لكِ غيمة تهبطين بها؟


تصلبت ملامح الفتاة لبرهة، من ثم انفجرت في الضحك بملء فمها.



ظلت تضحك بهستيرية عجيبة في حين تضرب بقدمها اﻷرض وليس ببعيد أن ترتمي أرضاً وتتدحرج ضحكاً.

جعلته ردة فعلها يأخذ عنها فكرة فتاة شقية لعوب ليس إﻻ.


تفحصها بنظرات فضولية فيما تلتقط أنفاسها تستعيد هدوءها، النكتة التي أضحكتها بتلك الجنون لم تكن محض نكتة بل ألهمه ذلك مظهرها الذي يمزج مابين الغرابة والبراءة.


تساءل مالذي تفعله هذه الصغيرة هنا، تبدو لم تتخطی الخامسة عشر بعد حتى ..!


بجسدها الضئيل هذا بإمكانه حتی الطيران دون أن يشعر به، ضئيل للغاية حتی بالنسبة لفتاة في عمرها.


- بالمناسبة، لماذا ترتدين بدلة السباحة؟



لم يكن سؤاله مناسباً للموقف، لكنه وجد نفسه يلقيه دون تفكير.



- سباحة! ألم تری في حياتك راقصة باليه؟

- أنتِ راقصة باليه؟

تساءل بسرعة مستنكراً.



تعابير الكبرياء علی المراهقة جعله يدرك أنها ﻻحظت إهانته لها.

فخاطبها بلطف مصطنع :

- حسناً ياصغيرتي، بما أن اﻷمر كذلك .. أليس من المفترض أنه يمكنكِ القفز في الهواء أفضل مني !
بل يمكنكِ الطيران ! ألم تخطر لكِ فكرة القفز من النافذة؟



ظلت صامتة للحظة، ثم أجابت متململة:

- أنا.. أعاني من فوبيا المرتفعات.


استهجن غير مصدق:

- راقصة باليه لديها فوبيا المرتفعات ! أليس عملكم هو التحليق في السماء ؟!


ﻻحظ ساقيها النحيلتين وإحداهما تلتف حول اﻷخری بتعبير عن اﻹحراج وللتو يلاحظ جوارب الباليه الرقيقة بلون الجسد بقدميها الصغيرتين مثل قدمي دمية .


استغل فرصة تأملها من جديد بعد أن أشاحت بعينيها عنه.






- أنا جائعة ..

غمغمت بخفوت دون أن ترفع بصرها.



اﻵن فقط يدرك أن الطفلة سجينة هذه القاعة منذ الظهيرة.


- هل تناولتِ الإفطار صباح هذا اليوم؟

أجابت: تناولت كوب حليب.

فقال بصوت جلف:

- إذن يفضل أن تسرعي قبل أن تورطينني بإغماءة ما!


- أخبرتك أنه ﻻ يمكنني القفز من هنا! اذهب واحضر لي طعاماً!


هتفت به بنبرة أثارت حنقه:

- لم أعتد تلقي اﻷوامر من قاصر بلغت للتو!


أحس بالندم عندما بان أثر ماقاله جلياً علی وجه المراهقة، فليس من المعتاد أو الطبيعي أن يقسو شخص بالغ علی طفل قاصر.


فغمغم مرغماً بصوت خفيض ويده تحك شعره بحركة عصبية:

- سأعود، انتظريني.



واختفی من مرأی بصرها حيث تعلق بقاعدة النافذة، ثم ألقی بنفسه علی العشب الرطب البارد .



















. . .
















راح يراقبها حتی أنهت وجبتها، كانت تأكل بنهم هائل يدل علی مقدار ما كانت تعانيه من جوع.





- ماﻷمر؟ أرجو أﻻ تكون من فئة المهووسين بالقاصرات!


لم يحاول إبعاد نظره عنها بل ابتسم قائلاً:

- تبدين ذكية بالمقارنة بعمركِ!


- حسناً .. أطفال هذا الزمن يتفوقون ذكاء عن البالغين.


- أشتم رائحة إهانة!


كان يجلس علی مقعد واسع فيما هي فضلت جلوس اﻷرض إذ فرشت وجبتها وتناثرت اﻷكياس حولها بفوضوية.






- كم عمركِ؟


أجابت بلا تردد:

- اثنا عشر.




- كاذبة!!

رفض التصديق فاغراً فاهه.


- أصبت، أربع عشر.


صاح باستنكار:

- هل اعتدتي أن تكذبي بهذه السهولة!!


- وأنت؟

سألته ببراءة متجاهلة تعليقه.


أجاب ﻻ مبالياً وسؤال آخر يشغل باله: أربع وعشرون.


وطرح سؤاله:

- لم تخبريني مالذي تفعله طالبة مدرسة إعدادية في الجامعة؟




- نحن نعمل علی إعداد حفل تخرجنا، وقاعة الرقص في مدرستنا قيد الإصلاح.


- تقصدين أن فرقتكِ تأتي هنا للتدرب؟


- نحن فتاتين فقط ، الأخرى سبقتني بالذهاب، لكني رأيت أني ﻻ أزال بحاجة لمزيد من التدريب.


احمرّ وجهها وهي تردف متمتمة:

- ذلك اﻷحمق سميث، غططتُ في النوم فلم ينتبه لوجود شخص،
من المفترض أن يصيح ويصرخ منادياً إن كان من أحد ! غبي!



لجأ للصمت حيث ﻻ يملك تعليقا، كيف أمكنها النوم بمكان غير مريح !


- هل أنت طالب هنا؟




سألت بفضول ويداها الصغيرتان تعبثان بخصلتين بلاتينيتين علی جانبي رأسها علی نحو غريب.


أومأ برأسه مجيباً وبصره يتابع عبث تلك اﻷصابع بذلك الشعر الذي بدا أشبه بهالة من الشمس حول وجهها الدائري المضيء .. شعرها كثيف وأملس متساوي اﻷطراف كقطعة نسيج بلاتينية اللون، قصيرا بالكاد يلامس كتفيها رأی أنه أبرز أنوثتها أكثر مما لو كان طويلاً .. خاصة مع كتلة الغرة تلك التي تحجب جبينها ..




عادت تستأنف تحقيقها معه:

- أنت إيطالي، ألست كذلك ....؟


قاطعها هاتفه قبل أن تكمل عندما بدأ باﻻهتزاز، فأخرجه واكتفی بنظرة إلی الشاشة ثم أعاده لمخبأه.


- ﻻ يمكن أن تذهب!

- يمكن أن أراجع قراري إذا وعدتني بليلة مسلية.

- سأجن لو مكثت ليلة هنا بمفردي!!

أجابها مصارحا:

- وأنا سيجن جنوني لو مكثت معكِ! بالتأكيد تفهمين مغزاي!

وأضاف ساخرا:

- كذلك أنا ﻻ أهوی القاصرات.

- كاذب، أنت مفتون بي اﻵن بكل خلية من جسدك !



حملق بها غير مصدق الجرأة التي تتحلی بها.



أردفت بعصبية:

- اسمع! أنا عذراء! هل يجعلك هذا تهدأ؟

- أيتها الخرقاء لقد زدتي الطين بلة!!

هتف بها صائحاً مغتاظاً.



تغضن وجهها احمراراً وتملَّكها اضطراب جلي.

سأل وأصابعه تتخلل خصلاته السوداء بتوتر:

- ألم تواعدي شاباً من قبل؟

بان ارتعاش حنجرتها واضحاً في صوتها المخنوق :

- وقتي ممتلیء ولم يسعني التفرغ لهذه اﻷمور.


ثم أردفت بتردد:

- هلا انتقلنا لموضوع آخر من فضلك؟

زفر بقوة من هذا المأزق .



قال بنفور:

- أين ثيابكِ؟



انكمشت قبل أن تجيب بصوت بالكاد سمعه:

- في الجهة اﻷخری من القاعة.

وعادت تمتم : الغبي سميث.




على نحو مفاجئ بدأت مقلتيها تذرف دموعاً غزيرة أرغمته علی القلق، فسألها مقطباً:

- لماذا تبكين؟

- اخرس! هناك معلومة تقول أن دموع المرأة تطفیء من رغبة الرجل.

اتسعت عيناه ذهولاً، ثم رمی برأسه للوراء يطلق قهقهة حادة مجلجلة.

- هل تطلقين علی نفسك امرأة؟


عبست بوجهه وقد اكتست عيناها حقد حقيقي ولم يبال مواصلاً الضحك كأنما يقصد مضايقتها .


















. . .

















بلغت الساعة الواحدة ليلاً .. الهدوء يغمر المكان .


مضت ساعتان حتی اﻵن .. الصمت والسكون مطبقين عليهما.
كان ﻻ يتوقف عن الهرب من حصار سجنها كل عدة دقائق،
ثم يجد نفسه عائداً أدراجه بعد أن يشعر بالتحرر والهدوء.


كل واحد منهما يجلس في جهة أبعد مايكون عن اﻵخر، بالكاد تتلاقی أبصارهما.





نهض بتثاقل وخطی بخطوات ملولة صوب النافذة المفتوحة.



تناهی إلی مسامعه صوتها الخفيض بلمحة المكابرة :

- هل أشعرك بالضجر إلى هذا الحد ؟


رد بازدراء دون أن تتوقف قدماه عن التقدم:

- لربما تنجحين في إزاحة الملل عني لو فكرتي في تقديم إحدی عروضكِ الراقصة لي!


رمقته ببصرها بصمت.


- ما عجزت عن فهمه هو كيف يعقل بالحقّ أن تعانين من فوبيا المرتفعات.

أمال ببصره نحوها باستخفاف.


بعد لحظات من التفكير، بدأت تشرح متحدثة:

- حدث ذلك في العام الماضي، سقطت من علو ثلاث أمتار.
على الرغم من أني لم أعد قادرة علی تأدية معظم تقنيات الباليه ..
إﻻ أنني لم أتمكن من الكفّ عن مزاولته، أنا أحبه .



سكتت لدقائق ثم انتصبت مستقيمة بحركة مفاجئة:

- هل ترغب بأن أقدم لك عرضاً؟



هتفت بحماسة وابتسامة عريضة تشق وجهها.


كلفه وقتاً حتی يستوعب سرعة تحولها من الهدوء واﻻكتئاب الذين سيطرا عليها في الساعتين الماضيتين إلی شعلة من الحماس في غضون ثوان!


رفع كتفيه بلا حيلة:

- حسناً ؟ سأكون أحمقاً لو اعترضت !


سارعت راكضةً برشاقة .. قاصدةً جهاز التسجيل وشعرها القصير الذي يتطاير في الهواء ذكّره
بعباءات الرجال الخارقين حين يطيرون في الهواء.


صعدت موسيقی غنائية هادئة بدت له كموسيقی روحانية تشبهها بالسِّحر والغرابة ..


وعادت راكضة ودون أن تنتظره يلتقط أنفاسه أو يستعدّ ..


بُهِرَ بها وهي تلتف حول نفسها بدورانٍ متناغم ومتناسق، وما أن دنت منه نزعت عن كتفيها سترته السوداء
التي أعارها إياها وأعادتها إليه برمية صغيرة ناعمة.


وراحت تدور حوله بطريقة أثارت جنونه وابتعدت بحركات سلسة، شعاع الجمال والنعومة الفائقين التي تطلقهما جعله يوقن أنه أمام ملاك صغير لا ينقصه سوى جناحين أبيضين ..





انتابه شعور التهديد والاضطراب وهي تدنو منه ثانيةً، وعادت لتدور حوله ..


لكن هذه المرة ما أن استدار للخلف ارتدّ بحدة إلى الوراء حَالَمَا أجفلته بوثبة شقية وقد اعتلت ملامحها تعابير قِطَّة متوحشة..!

قهقه ملء فيه تعبيراً عن الإعجاب، وراحت تحلق بعيدا في الهواء متجاهلةً إياه.. ثم أدت شقلبات متتابعة بسهولة شرب الماء ..!








هذه المجنونة ..!







إنها تجني على نفسها ..!










خرج الأمر عن السيطرة ..!







وجد نفسه يتقدم صوبها متجاهلاً رامياً بكل وعوده ونيته بعدم إيذائها ..











أوقفه بمنتصف الطريق رؤيتها تتخذ وضعية النَّمِرَة!



اشتعلت عيناه بريقاً وأخذته النشوة ..!




حذرته بوثبة مخادعة ما ان رأته يتخطی حدود اﻷمان بالنسبة لها.

فتراجع حذراً عندما أدرك جديتها .. فالنِّسَاء في هذه المواقف يتحولن إلی نَمِرَاتٍ حقيقيَّات!



حول مسار سيره فأخذ يسير ببطء بشكل جانبي وسارت هي علی خطاه حتی قاما بدورة كاملة حول المكان.


يبدو أنها مصممة علی اتخاذ وضعية الهجوم حيث هبطت علی أطرافها اﻷربعة تتابعه بعينيها الشرستين تتحين اللحظة المناسبة لتنفيذ هجومها.


استمتع برؤيتها علی تلك الوضعية وانتابته رغبة جامحة بتقليدها، فأصبح مواجهاً لها.

بدوا كلوحة فنية تضم نمرين شرسين متواجهين كل منهما يهدد اﻵخر بإشارات من عينيه الملتمعين ..!





كان متحيناً ومستعداً ﻷي هجوم مباغت من قبلها منتظراً فقط أن تباشر، لكن وجد نفسه يُصعق بها تتمدد ثم تنقلب علی ظهرها لتتلوی إغراء كاﻷفعی وعينيها ﻻ تنفك عن مراقبته برأسها المقلوب بمنظر شتت كيانه وصلبه مكانه ..!


"تلك اللعينة !!"

حدث نفسه سخطاً مبهوتاً !



وبسرعة قياسية استعادت وضعيتها برشاقة غير معهودة وشنَّت عليه بهجومها الخائن بعد أن أخمدت احتراسه.

فتنبه وتدارك وضعه وابتعد متراجعاً، وراعه رؤيتها ﻻ تنوي إفلاته !

بينما تعابير القطة الشقية اكتسحت ملامحها مجدداً رافعةً مخالبها عالياً في الهواء مهددة بالانقضاض.


- أنتي تستمتعين بهذا !


خاطبها هاتفاً وقد قلب اﻷدوار لصالحه وبات هو من يناورها.





قامت بتسديد ركلة قوية إليه فصدها بقبضته أتبعتها بأخری ولم تفلح كذلك.


أيقنت أنها في خطر فأخذت تركض هاربة فعزم اللحاق بها وأوشك على محاصرتها لكنها فاجأته بها
تنزلق باحتراف ﻻ يُصدق لتتخذ من بين ساقيه طريقاً ..!


لسوء حظها كان أسرع منها فقبض علی كاحلها قبل أن تبتعد عنه.

أطلقت صرخة ألم أجبرته علی إفلاتها فورا، ليعلم بعد فوات الأوان أنه وقع في الفخّ .





راحت تقفز ضاحكة بسعادة وفرحة عظيمتين تضرب قدميها الأرض بتناوب مشيرة إليه بسبابتها السَّاخِرة حتی انزلقت سهواً لتقع وتسقط علی ظهرها.


سارع باغتنام فرصته الثمينة فانقض واثباً بينما أخذت تتراجع زحفاً وساقيها تسددان ركلات ضعيفة، وتمكن من محاصرتها بكل يسرٍ و سهولة بذراعيه المستندتين بجانبي جسدها كسور حصين إذ يعلوها.


راحت تهز رأسها متوسّلة وﻻ يزال الضحك الهستيري يسيطر عليها وقد أغرقت الدموع وجنتيها اللتين باتتا بحمرة الفراولة.


همس بسعادة:

- انتصرت!


وبخفة حملها من خصرها النحيل ليدور بها رافعاً بجسدها عالياً في الهواء مقهقهاً بانتصار.




بينما اعتری الفتاة الجنون .. وأخذت تصرخ بكل ما تملك حنجرتها وتركل بساقيها في الهواء ورأسها يهتز بجنون.

- عالي، عالي! تكفی!












"ماذا، هل يتوهم؟"


"أم يمكن أنه إذا تعرض المرء للفزع قد ينسی لغته ويتحدث بلغة غير لغته؟"



دارت به اﻷفكار الغريبة غير مصدق للحد الذي أعدمت إحساسه بالشعور بقبضات المراهِقة علی ظهره.





- أرجوك أنزلني.. رجاء.. رجاء..



أعادته لغتها اﻻنجليزية إلی أرض الواقع، فقام بإنزالها ببرود، ثم رمقها بنظرات احتقار وهي تنكمش جاثمة فيما جسدها يرتعد.




رفعت رأسها إليه بحدة تخاطبه بشفتين مرتجفتين:

- ﻻ يمكن لبشري أن يكون بهذا الشرّ! أنت تعلم مما أعاني!






اكتفی بمبادلتها نظراتها الحاقدة دون يحر رداً .







اكتفی من كل تلك الحماقات، تحركت قدمه حركة طفيفة ينوي اﻻبتعاد وإعادة الهدوء للمكان، وقبل أن يخطو خطوة واحدة وجد نفسه طريحاً يتأوه .



استشاط غضباً وسيطر علی عقله الجنون، نهض كوحش غاضب بعينين بلون الجمر وأوداجه المنتفخة تنبئ عن قاتلٍ كامن في أعماقه.







أين اختفت؟




قبل أن يصيح بها منادياً تناهی صوتها الصغير إلی مسامعه، مكتوماً علی نحو غريب:

- أنا آسفة.. أرجو أﻻ تكون تألمت.. أنا مضطرة لفعل ذلك..





تتبع مصدر صوتها في حين تتحدث حتی أصبح مقابلاً لمخزن حديدي أسود اللون.



- أنتي في الداخل؟

أرغم نفسه علی التحدث باﻻنجليزية.






- أنا في اﻷسفل.. أنا آسفة مرة أخری.. أرجو أﻻ تكون غاضباً..






جلس علی عقبيه أمام المخزن منبهراً، بصره يقيس المسافة بين اﻷرضية وقاع المخزن، متسائلاً كيف أمكن لجسدها الانسلال أسفله؟

ﻻ إمكانية حتی لوصول ذراعه، وما أثار تعجبه أكثر تنازلها عن كبريائها وحرصها علی اﻻعتذار.






- هكذا سنبقی بأمان ولن تضطر للخروج كل عدة دقائق ،
أنا آسفة جداً أعلم أنني أتعبتك وأرغمتك علی ما ﻻ تريد ..
سأظل أتذكر معروفك .. لن أنسی هذا اليوم ..
أعترف أنني استمتعت معك جداً ..
أنا لن أنساك أبداً ..






استند بظهره إلی المخزن وقد استعاد هدوءه.





قال بنبرة باردة:

- هل لي أن أعلم سبب تبدل اﻷسلوب؟







أحس بالتردد الذي اجتاحها قبل أن تجيب مصارحة:

- هذه حقيقتي .. تلك الجريئة التي كانت أمامك ليست أنا ..
حقيقتي هي أنني لست سوی غريبة اﻷطوار تلك التي تظهر دائما في اﻷفلام ..
التي يملأ وجهها النمش وﻻ تمتلك صديقة واحدة ..
لا ينقصني سوی تقويم أسنان العصور القديمة .






صدم بكل هذه السلبية وصورتها المنخفضة عن ذاتها إلی هذا الحد المتطرف والمَرَضي!







قال محاولاً إضفاء بعض السخرية في نبرته:

- ينقصكِ كذلك النمش.




تجاهلت سخريته، معترفة :

- أنت أول شخص أشعر به يتقبلني .. مع أنني أعلم أنك أعجبت باﻷخری التي ليست أنا ..
لكن أحببت شعور أن تكون مقبوﻻً .. إنه شعور لطالما تمنيت تجربته ..
أنا لم أقصد خداعك أو أنوي أي شيء .. لكن .. ﻻ أعلم !
أنا آسفة ﻻ تكرهني أرجوك ..!






- هل تعلمين أنكِ جميلة ؟




- أعلم هذا ..
لكن مع ذلك ﻻ يطيقونني ..
اﻷمر ليس في المظهر ..
يبحث الناس دائماً عمن يسليهم ..
الناس يرونني مملة ..






- أتعلمين ما مشكلتكِ ؟
الناس تسيطر علی تفكيركِ ..
الناس ﻻ تستحق أن تجعلي من نفسكِ تسليتهم !



غمغمت بهوان :

- شكراً لك.. لم أتوقع أن تكون متفهماً..

هل تسمح لي بطلب؟



ظل ساكناً بانتظار سماع طلبها.


فأكملت :

- أنا لن أرغمك اﻵن علی البقاء، لكن لو فعلت..
هل لك أن تذهب في الصباح الباكر قبل بدء دوام الجامعة؟




رد ببطئ :

- سأفكر في الأمر.





ثم أردف:

- أﻻ تشعرين باﻻختناق في ذلك المكان؟







لم تجبه، فقال مطمئناً :

اخرجي حاﻻً، أعدك لن أمسَّكِ.



- أفضل أن أبقی هنا.



دون تفاهم أو إطالة في النقاش دسَّ يده أسفل المخزن وَ جرَّ جسدها بالكامل إلی الخارج، فقفزت جالسة صائحة بوجهه مستهجنة :

- وعدت أﻻ تمَسّ!!






تبسَّم رغما عنه ثم أخبرها قائلاً:

- أتعلمين؟ حقيقتك هي هذه التي معي، وليست تلك الخجولة أمام اﻵخرين.



خشي أن تتفجر وجنتاها من شدة اﻻحمرار الذي اكتسحها، فبدل الموضوع قائلاً :

- أعيدي السترة عليكِ واخلدي للنوم حاﻻً، ﻻ أطيق مزيداً من اﻹزعاج.



















. . .
















شعر بها ترتعش من هبة الريح الباردة .. حاول كمشها حتی تمكن من إحاطتها بالكامل مانعاً ذرات الهواء مسَّ
جلدها، ندب حظه حينما بدأت أجفانها باﻻرتعاش منبهة ببدء استيقاظها، تململ جسدها بين ذراعيه وأخذت
تفرك وجهها المتورد بكسل كقطة أليفة .



سارع تلقائياً إلی حجب بصرها بكفه، حركت رأسها بهلع مستعيدة إدراكها، قاومت بضعف كان بإمكانه أن يكون
عنيفاً وتطرحهما معاً من هذا العلو لوﻻ جسدها الواهن من أثر النوم.



- إنه أنا .. ﻻ تخافي ..



حاولت التحدث بلسان ثقيل:


- ماذا تفعل؟ أبعد يدك ..

- اهدئي واصبري قليلاً..

- وعدت أﻻ تمسني.. وثقت بك.. أيها القذر ..


مع حدة ألفاظها إﻻ أن صوتها يخونها في ظل اﻻسترخاء الهائل الذي يغمرها، وفي برهة صمت بدا أنها بدأت
تستوعب وتدرك المكان من هبة ريح باردة أخری تنخر عظامها .


- أين نحن؟


تشبثت بيده التي تحجب عينيها بكلي كفيها تصارع ﻹزاحته.


همس بنفاذ صبر:


- أخبرتكِ أن تنتظري! شخص ما بالداخل!


- ... ﻻ تقول إنا ...؟ طاقه ...؟


خانها لسانها وقد انتقلت للغتها اﻷم غريزياً ..


وَ ارتخی جسدها مجدداً .





أزاح كفه .. بدت كما لو لم تصحو قطّ ..!


انفلتت من داخله تنهيدة طويلة عقبها بزفرة ضيق.



لم يحاول إيقاظها ..



اكتفی بتأملها..



وجنتيها المتوردتين منذ دقائق حالتا إلی شحوب تام وبالمثل مع شفاهها بل بياضه فاق بياض بشرتها .




بعد مضي خمس دقائق كان قد عاد بها للداخل، لم يكف عن التربيت علی وجنتيها حتی انفرجت أجفانها عن جوهرتي
الكهرمان الشاحبتين، جالساً علی عقبيه بجوارها بعد أن رمی عليها قطعتين من الثياب عثر عليهما في حقيبتها التي
جلبها من القسم اﻵخر من القاعة.




أرغمت نفسها علی النهوض ويدها تدفعه بوهن متمتمة بنفور:


- وخر..



ابتعد دون أن ينبس بحرف، وابتدأت ترتدي القميص الرمادي اللون فوق زي الباليه، فنهض مولياً بظهره مانحاً إياها بعض الخصوصية.



- ماذا تنتظر؟ انتهت مهمتك، فلترحل.



أطبق أسنانه غيظاً.. إنها تتفنن بإغضاب اﻵخرين..


استدار إليها:

- ألن تعبري لي عن شكرك؟


ردت بجفاء:

- عبرت عن ذلك وأكثر ليلة اﻷمس، وداعاً.. أتمنی أﻻ نتقابل.



رفع حاجباً مستهزءاً :

- تتحدثين وكأنما هنالك احتمال ﻷن نتقابل ..!


لم يفته اﻻضطراب الذي لمحه للحظة .


أجابت بكبرياء:


- كل مافي اﻷمر هو أنني أتمنی أﻻ أراك، أدعو الله أﻻ يحدث ذلك..



تصنع التنهد ثم قال بحزن بنبرة مسرحية:


- لكم وددت لو تمدينني بعناوينكِ ، خلتنا سنتحدث عن مستقبلنا معاً حال استيقاظكِ ..!
كم أنتي قاسية يا صغيرتي الفاتنة ..!



تضرُّج وجهها دلَّ أنها شخص غير معتاد علی الكلام المعسول، لكنها جاهدت في صدّ سِحره هاتفة بحنق:


- أنت تثير اشمئزازي ..! ألم تقل أنك ﻻ تهوی القاصرات؟


غمز لها غمزة جعلتها تنتفض جفلة كادت تشقلبه معها ضحكاً لوﻻ جاهد علی كتمه، قائلاً بنعومة:


- ماذا يسعني أقول ! أظنكِ قلبتي معاييري رغماً عني ..!




لم يشعر سوی بالحقيبة ترتطم بوجهه، وتتحدث من بين أسنانها بغضبٍ مشتعل:


- ملعون قاصد تلعب بأعصابي !



كاد يهاجمها بذات اللغة لوﻻ أمسك لجام شيطانه، واكتفی بقذف حقيبتها ببرود .. ثم وﻻها ظهره ماضياً بلا كلمة وداع .





































* * *




لامارا غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 13-10-15, 05:45 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




-













الفصل الثاني














. . .














تسللت أشعة الشمس إلی هاتفها بتطفل أشعرها بالضيق أسهمت في إظلام شاشتها خضم انشغالها
بعمل ما به، اضطرت معه إلی مضاعفة اﻹضاءة إلی المستوی اﻷخير .

كانت تجلس وحيدة كما اعتادت بانتظار المحاضرة التالية .

أزاحت الخصلة السوداء التي انسلت أمام عينها تداعب خدها، حين تنبهت للمتطفل اﻵخر،
الذي شاركها الطرف اﻵخر من مقعدها الخشبي الطويل معكراً عليها عزلتها.

أدارت رأسها إليه مع محاولتها إخفاء انزعاجها الذي تراه غير مبرر.

كان رجلاً عملاقاً مسترخياً بظهره إلی قاعدة المقعد، وجهه يطل علی الناحية اﻷخری .

أرغمت نفسها علی الصبر و إعادة الهدوء إلی نفسها، لكن وجدت نفسها في النهاية تتناول حقيبتها
وكوب القهوة خاصتها .. لتنهض ببطء شديد داعية أﻻ ينتبه .




ما إن خطت خطوة صغيرة استوقفها الصوت الهادئ مخاطباً :

- مظهركِ تبدل كلياً ، بالرغم من أن طبيعتكِ ﻻ تزال علی ماهي عليها كما يبدو لي ..

تصلبت قدميها ، بذهول لم تشعر بنفسها معه استدارت، لتمتد أناملها المرتعشة تزيح النظارة السوداء
.. تتفحص ملامحه بمقلتين جاحظتين ..


- هل ﻻ تزالين تعانين فوبيا المرتفعات كذلك؟





كيف .. ؟

كيف من المفترض أن يكون هنا .. ؟




عاد صوته المغرور يفرض عليها أسئلته بهدوء يثير الجنون :

- هل أفترض أنك لست سعيدة برؤيتي يا صغيرتي !




بالحق مالذي يفعله هنا ؟

هل بات أستاذاً جامعيا ؟

ﻻ يمكن، ذلك المظهر الطائش ليس ﻷستاذ جامعي !










. . .











بلا شعور ... غاص مبحراً في أعماق جوهرتي الكهرمان الصافيتين .. نقاؤها كصفاءِ الزجاج .. !


لكم اشتاق لتحديقهما به .. بخليط الجنون والجرأة الذي قلب كيانه ورافقه طيفه رغم السنين ..




ألقی بالقنبلة عليها بعد أن اتخذ القرار النهائي، هامساً بلغتهما اﻷم .


- اشتقت لك .




ردة فعلها الحادة أربكته من اﻷعماق !

تهاوت جالسة علی عقبيها وقد داهمتها ارتعاشات عنيفة .

لم يضع في احتمالاته أن يبلغ بها اﻻنفعال هذه الذروة ..!

ما كان منه إﻻ أن قفز من مكانه إليها، ذراعاه معلقان في الهواء حولها ﻻ يجرؤ علی لمسها،
باحثاً عن حيلة للتخفيف عنها .





فضل المخاطرة .. رغماً عن أنفها حملها عائداً بها إلی المقعد الفارغ، و ما استقرت جالسة ..
هاله العنف البالغ للرفسة التي طرحته علی مرأی من طلاب الجامعة.

ظلّ يحملق بها ببلاهة ، ثم نهض بحدة وسرعة علی كعبيه، يواجهها بتهديد ﻻذع .. لم يكن ليريد أن يبدأ به يومه اﻷول معها .

- ما عادني البزر ياللي ترفسينه ويضحك لك ، انتبهي مني يا بنت .

لفته التوتر الهائل الذي طرأ عليها ونظراتها المتلصصة إلی اﻷناس حولهما .


فتسلل القلق إليه بعد أن أدرك الموقف الذي وضع فيه، أحس باﻷعين المهددة وهي تفتك به من خلف دون حاجة للالتفات ،

موقفٌ ﻻ يحسد ..!

لم يكن ينقصه المزيد من المشاكل .. فوق سمعته السيئة وسيرته المليئة بالمصائب،

ﻻ ينقصه التورط بقضية تحرش !


رفع بصره المشتت إليها بتعجب .. عندما أطبقت راحة يدها الناعمة رأسه .



أخذه الذهول .. هل تحاول إنقاذه ؟!


حركة صغيرة بريئة منها .. إﻻ أنها ستنقذته من براثن مشكلة جديدة كانت علی وشك فتح أبوابها له .


انتشلت كفها من شعره الكثيف عندما انطلقت إلی المسامع جرس الجامعة معلناً عن بدء المحاضرة التالية.

ضمت حقيبتها إليها، وتطلعت إليه بإشارة ﻷن يفسح لها المجال.


- محاضرة وحدة ما بتأثر .. يا دودة الكتب !

عبر عن انزعاجه بأسلوب ساخر.

بالمسمی الذي أطلقه عليها كان قد صرح عن مدی مراقبته لها عن كثب لفترة ليست بالقصيرة .


تمكن من لمح شبح الرفض علی ملامحها الجامدة مع أنها لم تبد أي ردة فعل.

تجاهل ذلك ملقيا عليها عرضه:

- خلينا نغير المكان.

غزاه بعض اﻻرتياح حين لم يلمح اعتراضاً هذه المرة، وكأن كل همها هو أن تختفي عن اﻷعين بأي وسيلة .


. . .



- أجل هذا هو شعرك اﻷصلي .


كان قد اختار مقهی هادئاً ، واستقرا علی طاولة منعزلة في ركن قصي.

أكمل مضايقتها لمّا لم يحرَ جوابا :

- حتی بلون شعرك خدعتيني !


انتصارٌ عظيم اجتاحه حينما أخرجها من صمتها الملازم لها أخيراً .. وجدها تطرح سؤالاً مقتضباً :

- عرفت قبل العرض .. واﻻ بعده ؟



فطن لما تقصد، فأجاب رافعاً حاجبه اﻷيسر بخبث :

- قبل !

لم يعي سوی بالماء المثلج يرتطم بوجهه .

صرّ علی أسنانه قابضاً كفه بقوة :

- أظنك كبرتي الحين ، فيفترض عقلتي .

أتبع توبيخه بنظرة مخيفة، ثم جمع بكفه المياه المتقاطرة من ذقنه المشعر، أضاف بعدها بلهجة جافة:

- عرفت بعدين ..



سأل بنبرة مشبعة بالاحتقار :

- بعدك ترقصين ؟

- ﻻ تقول ترقصين !

أجابت بحدة وحرارة غير متوقعة لكنها أشبعت رضاه الداخلي باﻹنجاز .

أمال طرف فمه بتهكم :

- ﻻ تقولين التزمتي .

- اعتزلت.

هل يعقل أن التزمت حقاً ، مسح ثيابها المحتشمة بنظرة شكّ بالرغم من شعرها الظاهر :

- وش سبب اﻻعتزال؟

ببساطة كان جوابها :

- كبرت !



ران عليهما الصمت بضع دقائق، حتی أخرجتها عن تأملاتها إزعاج طرق أصابعه المستفزة علی سطح الطاولة.

- صراحه صادقة ، كبرتي !

ما أطلت بوجهها إليه انطلقت شرارات متطايرة من عينيها، تأمره باشمئزاز ضاغطة علی الحروف حرفاً حرفاً :

- شيل عينك .


وبوقاحة متصنعاً المفاجأة بتمثيلٍ هازل مبتذل .. تأوه، وأشاح بوجهه يتظاهر باﻻنشغال بزخارف الحائط .. يهمهم ويدندن .

ممسكاً بكوب قهوته بحرص ، إذ من غير المستبعد أن تستغله كسلاحٍ أخير بعد كأسها الفارغ .

لكنه وجدها تلقي سؤالها الذي كان معلقاً بعينيها مذ وقعتا عليه .

- أنت وش تسوي بالجامعة ؟

- اللي تسوينه أنتي .

أجاب ببرود غير مرحّب بسؤالها، مما جعلها تتراجع عن طرح المزيد، ثم كأنما ينتقم قام بقلب الموقف :

- السؤال هذا مفروض يكون سؤالي، أنتي اللي وش تسوين بجامعتي.

- بابا اختاره .

- بابا ؟

ردد وراءها محملقاً ، علی كلٍ إجابتها السريعة دلت توقعها للسؤال وقامت بتحضير اﻹجابة مسبقا.

فضل التوقف عن التحقيق معها بهذا الشأن لمّا ظهر عليها اﻻضطراب.


- تغيرتي حيل ..

- كيف عرفتني أجل ..

قالت ساخطة.

- أقصد صرتي أحلی من يوم قبل خمس سنوات ..

ثم أضاف : أو يمكن من الشعر اﻷسود .. أبرز ملامحك .. ولون عيونك ..


أشاحت وجهها بعصبية كامنة، تتهرب من عينيه الفاحصتين اللتين تخترقانها مثل الليزر .



- وش سويتي بحياتك من بعدي ؟

رمقته باستصغار كردّ بديل عن لسانها .



- وانا ، تغيرت ؟


عادت ببصرها إليه، وأخذت عيناها تطرفان ، تحاول تأمله .. لكن لم تقدر في ظل تحديقه الجريء ،
فأزاحت بصرها ، تجيب بنبرة توحي بالصدق :

- كنت ناسية ملامحك .. بس لما شفتك تذكرت ..

- نسيتيني يا وفاء ؟

أثار جفلتها حينما تلفظ باسمها، تظاهرت بالتماسك :

- ايه نسيتك.

- بس قلتي ما راح تنسيني أبد.

- بس نسيتك!

- قولي والله طيب.

- نسيت شي أبي أرجع الجامعة .

أصابته بإحباط كبير بعدما اعتقدها تجيب عليه إذ كان بقمة تركيزه ، فتراجع إلی ظهر مقعده يرمقها باستياء.

أكملت بلا اهتمام :

- حطني قدام الجامعة وروح.

- ليه أروح ؟ بأنتظرك وأوصلك .

قالت بتململ :

- يمكن أطول ..

علم أنها تحاول التخلص منه ، فلم يرد فرض نفسه عليها أكثر مما فعل ، وافقها بجمود قائلاً :

- زين، مشينا.














. . .








دلف إلی المبنی بعد أن انسحب من جماعة رفاقه ، وارتقی السلم المؤدي للطابق المراد .

اتفق معها وحددا ﻻلتقائهما واحدة من إحدی زوايا الحرم الجامعي ، غير أنه لم يكتف بانتظارها ..
فالوفاء ﻻ يبدو من شيمها بالرغم من أنه اسمها .

استند بالقرب من القاعة التي أوصلها إليه منذ حوالي الساعة والنصف،
لن تجرؤ علی اختراق هذا الحشد .. يظهر أن انتظاره سيطول .

- ياللمفاجأة ، مالذي تفعله هنا ؟
- اختفيت بالفترة اﻷخيرة يا صاح !

صرف الشابين بإشارة تحية وعاد باهتمامه إلی مدخل القاعة مترقباً .


لقد نفذ صبره، ليس بمقدوره اﻻنتظار ..

اقتحم القاعة ومسحها ببصره علی المواقع المحتمل أن يقع عليها اختيارها ، فعثر عليها بسهولة .. !

كانت غارقة في مقعد علی أقصی الجانب من الصفوف اﻷمامية، واضح أنها اكتسبت خبرة في اختيار
مقاعد تخفيها عن العين المجردة .

تخطی الطلاب واجتاز المقاعد، أفزعها بهمجيته وهو يداهم عزلتها بلا إشارة أو تنبيه :

- وش مقعدك؟ وين اتفاقنا؟

أثارت غيظه فيما يراها تتلصص حولها، تتصبب عرقاً :

- لما أكون معك هالناس تنسينهم.

- أنت تحرجني .. وخر عني ..

هدد محذراً : ﻻ تخليني أسوي شي يحرجك جد .


- ايش مجيبك قسمنا .

قالت بلا ترحيب.

- ومن الحبّ ما قتل !

هبط عن ذراع المقعد المجاور لها ، وانتقل إلی جانبها يغوص في أحضان المقعد العاجي .

أخذ يتأمل المكان ذو اﻹضاءة الخافتة وقد غمره الهدوء بعدما فرغ تقريباً ، بعد فترة من السكون والصمت .. أدار رأسه إليها حائراً ، يسأل بلسانٍ ثقيل :

- عطرك فيه منوم ؟ فجأة نعست ..

أجابته ببرود :

- ما أستخدم عطر .

لم تكد تنهي جملتها حتی غطّ في النوم علی نحو غريب .








انتزعته جفلة مباغتة من غياهب النوم، بحث عنها ﻻهثاً ..

الظلام طغی علی القاعة .. داﻻً علی رحيل الشمس ..

لولا رائحتها وصوت تنفسها المنتظم لما أدرك أنها بجانبه .. كانت نائمة .. هادئة ..

أغمض عينيه يتنفس الصعداء .. بارتياح ..



أخرج هاتفه يطلّ علی الوقت ، ثم أخذ ينقر عدة نقرات علی الشاشة ، وأعاده لمخبأه .



- وفاء .. وفاء ..

لجأ لمداعبة وجنتيها الناعمين بلطف .. حتی بدأت تتململ بشعور من الضيق ..

لاحظ من شهقتها الصغيرة مدی سرعة اﻹدراك لديها فور استيقاظ عقلها .

كادت تقف علی المقعد من شدة هلعها ، فهمس لها يطمئنها :

- حبيبتي هذا أنا ..


فعادت تغرق بمقعدها وأعماقها تطلق تنهيدة ارتياح .



- تعبت وانا أصحيك .

أتاه صوتها موبخاً .

- محد ماسكك ، كان رحتي .

- كنت مابي أكون ناكرة للجميل .

فطن لمغزاها ، فقال بنبرة مزدرية :

- تسمينه جميل؟ هذاك دين عليك ، ودين كبير بتسددينه بيوم من اﻷيام .

ثم نهض من المقعد : يالله أوصلك .

تبعته قائلة : أنا ساكنة قريب، بسكن الجامعة، أقدر أروح مشي.

- وين هلك .

سأل بلهجة باردة، وقد كان ينتظر هذه اللحظة منذ زمن .

- بابا هنا، بس ماما بالسعودية.


- دام البابا هنا وش داعي للسكن.

بان اﻻرتباك بصوتها من نبرته المحتقرة، في حين كان يخاطبها مولياً ظهره بينما تتبع خطواته.

- كذا أريح.

استدار إليها وأعاد سؤاله بإصرار :

- أبي أعرف ليش.

- ﻻ تتدخل !

- يحق لي أتدخل لما أشوف بنت هلها رامينها.

فاجأته وهي تدفعه بحدة مهاجمة بشراسة :

- هلي مو راميني ! ﻻ تتكلم وانت مو داري عن ظروف الناس .

- أي ظروف تخلي أهل يرمون ببنتهم بالشارع ؟

- هلي مارموني، أنا اخترت ! أبي أعيش وحدي.

أخرسها بقسوة :

- كذابة ، أنتي وحدة مابتطلع من بيت أهلها لو يجرونها . وتبين تقنعيني الحين انك عايشه لحالك ؟
بالله كم بنت معك بالشقة ؟ خمس ؟ ست ؟

أثارت شفقته بالتوتر البالغ الذي أمكنه رؤيته عليها من تحت إضاءة القمر الخافتة .. المطلة عليهما من النافذة العريضة بالقرب .

- خلاص مابي أعرف شي، امشي يالله.

لكن وصله صوتها المعترف في حين عادت تتبعه :

- كان نيتي أخلي بابا يرتاح .. زوجته طيبة .. بس أنا أكرهها .. كنت أسوي لها مشاكل .. كنت أغار منها .. بابا كان تعبان مني .. بابا طيب كمان .. ويحاول يتفهمني .. بس أنا النفسية ..

فوجئت به يقفز من فوق إحدی المقاعد ويجثم علی شيء، منادياً يحثها علی القدوم :

- تعالي شوفي وش حصلنا ، كنز !


انحنت علی المقعد باحثة عن الكنز، فميزت من فورها الشاشة المضيئة.

- WOW !

هتفت منبهرة ، كان هاتفاً بأحدث إصدار والكل مهووسا بالحديث عنه .

حمل الهاتف بعد أن قُطِع طلب اﻻتصال برنينه الصامت، منبهاً بانتصار :

- شفته قبلك !

- أنا لمحته قبلك من بعيد !

- اوص يا كذابة ! كنتي تقصين لي حياتك اللي تقل أفكار جزئية بحصة قراءة .

جذبت الهاتف بلهفة :

- والله شفته وانا أحكي وسويت نفسي ماشفت !

خطفه منها يستعيده مع صفعة علی رأسها :

- ﻻتحلفين !

- خلنا نتقاسمه ! يوم أنا يوم أنت !


رفع حاجبيه بشقاوة :

- ﻻ ، حقي .

- طيب يوم باﻷسبوع !

تصنع التفكير : أشوف.

- يومين !

- خلك علی كلمتك ، يوم باﻷسبوع !

عادت تختطف الهاتف بينما كان منشغلاً باستكشاف محتواه :

- أشوفه شوي طيب !

- بالسيارة، تعالي.

وحملها من خصرها ينقلها للممر الذي أصبح به، ثم راح يجذبها معه فيما بصرها لا يفارق هاتفهما الثمين .









. . .











تلك الشقية .. !

هاقد ظهرت أخيرا .. !

لم يجد لها أثراً منذ أيام ، ليس لديه فكرة حتی إن كانت تداوم، أم تتقصد التخفي واﻻختباء منه !


اعترض طريقها قاطعاً سيرها ، ويظهر أنها تنوي المغادرة بعد انتهاء محاضرتها .


- وطحتي يا سراقة .

أصابها اضطراب واضح لرؤيته ، لكنها تظاهرت بالدهشة لترسم ابتسامة مزيفة :

- !Hi! Is that really you? Long time no see

- طلعي الجوال .


تصنعت البلاهة مرددة وراءه : جوّال ؟

ثم عادت تمط شفتيها بنفس الابتسامة المستفزة :

- ?Sorry .. can you speak please english


- سلامات، وين راحت السعودية ؟

علّق يسخر .


- !I'm not Saudi, I'm British


ابتسم رغماً عنه، وقام بدفع ظهرها بخفة لتكمل سيرها معه :

- شكلك يقول عاملة عملة بالجوال ، كسرتيه ؟

أقنعه صمتها بصدق ظنونه ، فراح يسأل : وشلون انكسر ، وش معنی هالجوال، ليه مب جوالك ؟

- شكلنا ما سمينا عليه ..

غمغمت ببؤس مطأطأة الرأس .


- جبتيه ؟

فتحت حقيبتها ودست يدها، ثم مدت له الهاتف مغلفاً بكيس شفاف .


- الله ! من وين طاح هذا ؟

هتف بعد أن أخرجه من الكيس، يقلبه بيده .

أجابت بنبرة تعيسة : طاح من الطاقه ..

نظر إليها بتساؤل : تعالجتي من الفوبيا ؟ أنتي حتی ما تناظرين من الطاقه !

- حطيته عند الطاقه علشان يتشمس ..

حملق بوجهها : يتشمس ؟

- طاح بكرسي الحمام بالمويه .

ارتسمت علامات القرف علی تقاسيمه ، ثم امتدت يداه بالهاتف والكيس معلقان بأطراف أنامله المتقززة :

- امسكي امسكي ، و غسلتيه واﻻ ﻻ ؟


- ايه روشته .

- عينك قوية الله يستر ، حاولي كلما تشوفين شي زين فيني اذكري الله .

شعرت بالإهانة، فتمتمت به : وليه ماتكون عينك ؟

قال بابتسامة جانبية : عيني باردة والدليل انك للحين عايشة .

ثم غير مسار الموضوع، يسأل :

-عندك محاضرة ثانية ؟

أجابت بعد سكوت استمر لبرهة : منت شايفني رايحه ؟

رد بارتباك : ايه صح ، أوصلك ؟












. . .









تمنع عن مقاطعتها ، كانت منكبة .. منشغلة في إنجاز أمورها الدراسية ، اكتفی باختيار كرسيا يسمح له
بمراقبتها في حين يصعب عليها ملاحظته .. كما اعتاد طوال اﻷيام السابقة .. قبل أن يتعمد اللقاء بها .



تأخر الوقت و ﻻ تزال منخرطة في تلك المهام المملة ، منتظراً .. وها قد بلغ صبره الحافة .

- مليت أنتظر ، متی تخلصين ؟

حدقت به مدهوشة وهي تراه كالجبل شامخاً فوق رأسها ، ثم استعادت هدوءها بسرعة عجيبة قائلة :

- مشغولة لو سمحت ﻻ تقاطعني ، بسببك قصرت كثير باﻷيام اللي فاتت هذا غير الغياب .

تجاهل كل ما قالته ، آمراً : قومي معي .

- علی فين ؟

رد بانزعاج : قومي اجلسي معي .

تلفتت حولها قلقة ، ثم ناشدته بخفوت :

- روح تكفی مابي إحراج .

جرّ الكرسي الذي بجوارها بضجة ، يجلس عليه بشكل صاخب كأنما يتعمد لفت نظر كل فرد في المكتبة لمجرد معاندتها .

- الناس مو متعودين يشوفوني مع أحد .. إحراج .. بيستغربون ويناظروني ..

غمغمت وكفيها تغلقان نصف وجهها كما لو تحاول إخفاء نفسها عن الناس .

تحلی بالصبر، وحاول الرد عليها من منظورها : بسيطة، خليهم يتعودون يشوفونك مع أحد .. ليه التعقيد ؟

لم تجب واكتفت بالبحث بعينيها عمن قد يقع نظره عليها بالمصادفة فيقوم بالسخرية بها ، وكأن كل من في الجامعة يتتبعها ليتقصدها بالسخرية .

سأل : زين تبينا نروح مكان معزول ؟

ثم نهض دون انتظار الرد ، وأرغمها علی الخضوع له بحركته الدنيئة .. حيث لفت كل أنظار من في المكتبة هذه المرة بحقّ من شدة الصخب واﻹزعاج الذي تقصد تسببه في المكان .

وقعا علی المكان المناسب والمعزول كلياً عن العالم ، مكانا لم يكن يعلم بوجوده من قبل إذ لم يكن من هواياته اﻻختباء .
بل كان شخصا عاشقاً للظهور واﻷضواء ولفت اﻷنظار .. لم يتوقع يوماً أن يضطر ﻷن يلجأ للانعزال بمثل هذه الطريقة .

- ها حبيبتي ؟ وش رايك .. مريح ؟

- الجوال صلحته ؟

ﻻ يعلم لم في كل مرة برفقتها يجب أن يشعر أنه يعاني من بطء في الفهم واﻹدراك .. أم هل يعود ذلك
لعباراتها أو أسئلتها .. الغير منطقية أو في غير محلها .. ؟

قال يجلس بالقرب ، ويستند للحائط : ﻻ ، مكسّل .. شكلي بأرميه .

شهقت قبل أن تهتف : ﻻ ليه ترميه ؟ هات أنا أبيه .

- وش بتسوين فيه ؟

- جتني فكرة ، بدل نصلحه ونخسر .. بنبيعه ونربح ! الجوال توه نازل محد متوقع يلاقي واحد بأقل الأسعار !

رمقها بنظرة جانبية ساخرة :

- زين ، ﻻ لقيتي من يشتري هالزبالة منك .. علميني علشان نتقاسم .

- ليه نتقاسم ؟

اعتدل إذ انحرف حديثهما إلی المنحی الممتع بنظره :

- أظن الجوال جوالي قبل ما يكون جوالك .

شمخت بأنفها قائلة : الحين صار جوالي ، أنت تنازلت عنه .

- ذكريني متی تنازلت عنه ؟

- لما قلت تبي ترميه !

رد بالتواء : قلت يمكن ، مابعد قررت أرميه .. يعني مازال ينتسب لي .


للتو يلحظ أنها تتحدث بجدية ، فقد تجهم وجهها تعبيراً عن اﻻنزعاج ، اعتقد طوال الحوار أنها تعبث معه !

لم يدعها تهنأ بالصمت فقطع عليها شرودها بمشاكسة ، صائحاً باسمها صيحة عالية جاعلاً إياها تنتفض .

- نعم ؟

أطلق ضحكة مجلجلة ، حين أدهشته وهي تجرؤ بالرد عليه صائحة بنفس مستوی صوته، كما لو لن تهنأ حتی تردها له .

غير أنه هو الذي لم يهنأ بالضحك .. صعق بها تحمل بين أصابعها حشرة ضخمة التقطتها من زاوية ما ،
ليبتعد عنها مرغماً بصرخة خافتة كصيحة أنثی .

ظهر التعجب في حملقتها به ، ثم انفرجت شفتيها بابتسامة شيطانية .


ﻻ ! ﻻ يمكن أن تفعل ! ﻻ يمكن أن تفعل .. إنها أرق من ذلك !


خيبت آماله الراجية بها ، فقد راحت تتقدم صوبه ببطء شديد جداً كأنها تمثل الموت البطيء .

كاد ينهض ليفر هرباً من مرعی الحشرات ، إﻻ أنها كانت اﻷسبق فحاصرته قبل يتحرك شبراً .

- راعيني مثل ما راعيتك .. تكفين !


توقفت حركتها تفكر بتأمل .

- يمكن راعيتني في أشياء ..

أومأ برأسه باضطراب في موافقة وبالكاد يستوعب ما تقول .


لكنه وجدها تكمل :

- بس لدرجة تسميه دين ؟ لا .. ما يحق لك ! مقابل أشياء كثيرة ما راعيتني فيها .. تبيني أعددهم لك ؟

وبدأت بالعد علی أصابعها :

- واحد ، كنت بتتركني لوﻻ ترجيتك ! اثنين ، استهزأت فيني .. ثلاثة ، قسيت علي ! أربعة ، تحرشت فيني !
خمسة ، حاولت تغتصبني ! بعد كل هذا تقول إنك راعيتني ؟

غمغم بسرعة محاولاً استغلال الجانب الذي يخيفها منه :

- شوفي قسم لو يعدي هالموقف .. ماخليك سليمة ! انتبهي مني !


قالت بتحدي مقربة الحشرة ذات اﻷرجل المدلدلة :

- وش تقدر تسوي يا قوي ؟ رجال طول وعرض يخاف من حشرة ! وانا كنت تستهزئ من حالتي ...


تصنمت فجأة ، لتتوقف عما تفعل وكأنها استيقظت من غيبوبة ، راحت تحدق به بنظرات غريبة لم يفهمها .

- أنت وش جری لك ؟ ما كنت كذا ؟

لم يستطع إبعاد عينه عن الحشرة خشية أن تخطط لفخّ ما .

- أنت .. جاوبني ! كنت قدام عيني تحاصر خنفسانة أكبر من هذي .. وتفنن في تعذيبها .. !
من سوا فيك كذا ؟

لسانه قد شلّ عن الكلام ، لكن فضولها كان أكبر لتعود وتمد بالحشرة المعدومة الحيلة تجبره علی الرد .

- أحد حبسك بغرفة وعذبك بالحشرات ؟

أخيراً .. رثت لحاله المثير للشفقة ، فنهضت علی قدميها تبتعد لخطوات .. ورمت بالحشرة بأكبر رمية تستطيع .


استدارت لتجده يتفقد ثيابه وينفضها بيدين مرتعشتين ، وما ان عادت إليه قبض علی رسغها بقوة آلمتها وأخذ يديرها حول نفسها يتفقد ثيابها هي اﻷخری ، وأرغمها أن تتأكد من حقيبتها من الداخل قبل أن تحملها .

ثم أخذ يجرها خلفه مبتعداً بها عن موقع الحشرات .



كان سؤالها ﻻ يزال معلقاً بعينيها طوال الوقت إﻻ أنها لم تُعِد طرحه عليه ، وعينيها الفضوليتين ﻻ تكفان عن مراقبته فيما كان معكر المزاج بعد أن كان يضحك ويعبث في مرح منذ قليل ، إذ طغی علی وجهه التجهم والتكشير ، في حين كانت تحاول رسم أكبر قدر ممكن من البراءة علی وجهها خوفاً من تنفيذه وعيده .


- بتنتقم مني ؟

أظهر صوتها قلقها ، ظل جامداً وكأن لم يسمع .. فاقشعر بدنها رغماً .

لكن قرر أن يريح نفسها بقوله : هالمرة بأعتبره لعب وطيش .. لكن يا وفاء لو يتكرر ..
أحلف لك أخليك تتمنين الموت علی اللي بأسويه فيك .

- حاضر .

ردت بطاعة غريبة ﻻ تناسبها ، فرفع بصره إليها مرغماً ..

ليس هنالك أي ندم في عينيّ الفتاة .. عينين تظهران شخصا أنانياً ﻻ يفكر سوی في نفسه ..

كان كل ما يقلقها خوفها من تهديده بإيذائها .










. . .









- صديقة أحدهم هنا ..
- الصديقة الشرسة ..
- يا صاح ! ليت المشهد يعاد .. ﻻ أصدق أن فاتني !
رؤية متعب ملقی علی اﻷرض برفسة من فتاة .. !
آه ، منظر يريح القلب .. !
- متعب قم شف خويتك وش عندها .

لتوه يستيقظ من شروده علی تلميحات رفاقه الساخرة ، عقد حاجبيه بتساؤل وانزعاج .

فأشار له أحدهم بعينه إلی ناحية قريبة منهم .



مالذي تفعله الطفلة الحمقاء هنا !

ترك جماعته متجاهلاً تعليقاتهم ، و اتجه حيث تقف .. كانت تقف مشيحة بوجهها إلی الجانب اﻵخر .

- وش تسوين هنا ؟

تمتم بضيق منزعجاً .


فالتفتت إليه ترفع رأسها بتلك العينين البريئتين المزيفتين .

- أنت اللي وش تسوي هنا .. أنا من أول واقفة هنا .

تجاهل ردها الملتوي بصبر : وش تبين ؟

- أنت اللي وش تبي ؟ أنت جايني !

- امشي امشي ..

قال ويده تضرب خصرها بلطف ، ليأخذها بعيداً .


كان قد قطع تواصله معها طيلة اﻷيام الفائتة منذ الحادثة ، رغبة في نفسه جعلته يتجنب اﻻحتكاك بها هذه الفترة .


- ﻻ يكون اشتقتي لي ..

علّق متهكماً .



طأطأت رأسها معترفة :

- ضجتك .. بعدين فجأة هدوء .. الحين أحس اني وحيدة جد ..

- وحيدة جد ؟ أصلاً أنتي وحيدة جد .

قال بسخرية قاسية بلا مراعاة ، فلجأت للصمت ﻻ تملك تعليقاً .

- ﻻ أشوفك ثاني تطلعين قدام الجماعه ، هاتي جوالك .. من رنة تلاقيني عندك .

أخرجت له هاتفها ، ثم قال فيما يعيده إليها بعد أن فرغ منه : فاهمة ؟ الناس هذول حتی لو شفتيهم بالصدفة اختفي !

- ليش ؟ ممكن يصيرون أصحابي كمان .. فرصة ! وأنت صاحب الفضل !

- تحاولين تنرفزيني أنتي ؟

- ﻻ أتكلم جد ! ليه زعلان .. قصدت البنات منهم !

- وﻻ البنات ..

- ليش طيب ؟

نطق في حزم : خربانات ، ما يناسبنك ، ويفضل ماتفكرين تكونين صداقات .. كذا أنتي حلوة .

- ماكتبت اسمك ؟

- ايش ؟

انحنی بفضول يطلّ علی شاشة هاتفها فيما منشغلة بكتابة الاسم على رقمه ، ليدهش مما تخطه أناملها .

ثم رفعت رأسها إليه ، تقرأ له بابتسامة حقيقية :

- ! The Window Man


أول شيء طرأ بباله هو أن يخلّد هذه الذكری .. لتفاجأ بالفلاش يضيئ في وجهها ..

ليلتقط صورة لأول ابتسامة لها ..


- ليش تصور ؟

تمتمت به بعصبية .

- أصور حبيبتي ! فيها شي ؟

- ايه ما أحب أتصور .. احذف !

لم تعطه فرصة بل أخذت تحاول خطف هاتفه بينما رفع به إلی اﻷعلی بنفسٍ مرحة متحدياً إياها الوصول إليه .

- لو سمحت احذفه .. Please ..

فضّلت الآن تختار طريق التملّق ، تنشده بنبرة راجية .

- ماني حاذف !

- لو ما حذفت بأزعل .

- ازعلي .. أنتي شي مب مضمون و احتمال بأي وقت تطيرين ،

أما الصورة بتقعد معي ﻵخر العمر بدون ما يطرا لها فكرة الخيانة .


تراخت وهي تغمغم : تقصد اني ممكن أخون ؟

رفع كتفيه بانهزام بعد أن أعاد هاتفه لمخبأه :

- أتوقع منك كل شي إﻻ الوفاء .. يا وفاء .

راقب أساريرها رغبة في معرفة دواخلها ، لكن لم يری سوی تلك البراءة اللعينة المخادعة .


- !Hey! The Window Man .. don't judge a book by its cover

أرغمته جديتها علی الضحك ، فقال بمرح :

- !OK! OK! My Sweetheart



















* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-10-15, 10:08 PM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




-























الفصل الثالث


















. . .





























- .. The window man .. window man ..

- ها .. ؟



حلم ، كان حلماً . . !

عاد رأسه يغرق في الوسادة .. يلتقط أنفاسه ..

أطبق أجفانه .. يدعكهما بكسل .. في نفس اللحظة التي صعدت النغمة المحببة إلی قلبه .

رد بصوت ثقيل ساخر : الطيب عند ذكره .

- نايم ؟ أرسلت لك ما دخلت .. دقيت ، اسمع ﻻ تمرني .

قطب جبينه متسائلاً : قلتي عليك اليوم ..

- جاني ظرف ، بأقفل .. مع السلامة .

قذف بالهاتف متمتماً بكلمات مبهمة ، ثم عاد يرمي برأسه علی الوسادة يحك رأسه بعصبية .





- أبي أطلع .. أنا تحت .

- وش جايبك ؟ !

- يومين مو شايفك . ﻻزم أشوفك الحين .

- حالياً تعبانه ما أقدر أقابل أحد .

- وش فيك ؟

- شوي تعب ، روح الجامعة .

- وفاء ، لو ما خليتني أطلع الحين .. بأقلب المكان شغب .

- منت طالع ، ارجع .

- يفترض تعودتي علی الشباب ياللي كل يوم مبسطين عندكم يونسونكم .

- إياك تغلط ! أنا بغرفتي طول الوقت مالي بغيري .. ما أسمح لك !

- أبي أطلع .




تبعها إلی داخل حجرتها وعلامات اﻻشمئزاز واﻻحتقار ﻻ تزال مرسومة علی تقاسيمه .

أغلق الباب وراءه ، يستأنف حديثهما الذي بدأه في اﻷسفل .

- تجهزين عفشك من الحين ، خلال يومين أكون لقيت لك مكان ينعاش فيه .

- ﻻزم أستأذن بابا ، أو .. بأخليه هو يبحث .

- ماله داعي تشغلينه ، أبوك واحد مب فاضي لك .

حذرته بلهجة ﻻذعة : ﻻ تغلط علی بابا .

- لو مهتم ما كان أنتي بهالخرابه .

- ما أذكر شكيت لك .

- أبوك واحد تورط فيك وما صدق يفتك .

هتفت بصوت مخنوق :

- وش تبي أنت ؟ قل اللي عندك وروح !

- اجلسي ، ليه واقفة .

كان قد استرخی جالساً علی سريرها ذي اللون الرمادي بارتياح .

- ماني جالسه .

- وش خايفة منه ؟

- يا أنت ! تری أعصابي مشدودة .. متی تروح !

- جيت أبي أشوفك .. ماني مفارقك إلی ما أشبع .

راحت تتلفت حولها كالتائهة الباحثة عن منقذ ، قدميها المتشنجين يحكان اﻷرض بتناوب عشوائي .

غمغم بنبرة يغلفها اﻹحباط :

- كنت ناوي آخذك أمشيك ، طلعتي تعبانة .. تعالي أشوف وش فيك .. حمی ؟

انحنی حتی أمسك بها ، وقربها إليه :

- حرارتك عادية ، بس وجهك تعبان .. وين يعورك .. بطنك ؟

كانت منكمشة من تقييده ولم تفتح فمها بإجابة ، سأل بشك :

- ? Period

شحب وجهها وقطبت باستهجان ، ترمقه بنظرات امتعاض .

كانت أكثر فوضوية وإهمالاً من أي وقت رآه بها ، لم يعتد بعد علی تهاونها في أناقتها .. خاصة أن
إهمالها أكثر مما يحتمل ، فمراتٍ يبلغ بها أن تداوم بنفس الثياب لأيام متتالية وكم مرة اضطر لتوبيخها
، كان ذلك مزعج جداً لشخصٍ مثله يهتم وبشدة بالمظهر الخارجي وأناقة الهندام .

- حتی لو مريضة يا وفاء ، اهتمي شوي .. ما ينفع !

ردت بانتقام :

- أنا هنا بسكني وغرفتي ، هذا مكان راحتي فاعفيني من تدخلاتك .

زفر بضيق ، ثم أخذ يطلبها برجاء : ما تقدرين تطلعين أبد ؟

- حتی لو أقدر ، أنا مابي .

تراجع إلی الوراء مستنداً بإحدی مرفقيه السرير ، وبصره يتأمل أرجاء الحجرة :

- أجل شكلي بأقضي اليوم هنا ، والله السرير مريح !

هتفت بنبرة تملؤها التعاسة ومشاعر جياشة غير معتادة :

- أنا ماقدرت أروح الجامعة وانا عندي أشياء مهمة تبيني أتمشی معك ؟

شايف وجهي ؟ أنت مافيك رحمة ؟

استقام واقفاً بقلق لما رأی حالتها التي يقابلها منها ﻷول مرة ، شعر بأنها ستوشك علی البكاء بالرغم
طوال الوقت يعتقدها كائناً فضائياً ﻻ يملك مشاعر كإنسانٍ وأنثی .. ولا يمكن أن يتوقعها تذرف دمعة .

- خلاص طالع .. هدي .

حكّ رأسه مشوشاً ، ثم قال قبل أن يعزم المغادرة :

- ﻻ تنسين ، عفشك يكون جاهز .. أي وقت توقعيني أشيلك من هالقرف .

- بأستأذن بابا ..

نوی مقاطعتها لكنها أكملت :

- أنت جيب الشقة ، بأخلي بابا يجي يشوفها .. ومرة وحدة يكلم مسؤول السكن .

- ولو سأل من وين لك .

صارت ترمش بتوتر : بأقول له صديقتي .

اتسعت عينيه في دهشة : هلك مو عارفين حالتك ؟

تململت في وقفتها .

فأحس بالرأفة وختم النقاش ، قائلاً :

- خلاص اتفقنا . بس خليني أشوفك جايه الجامعة بنفس هاللبس واﻻ هالشعر مب مغسول ..

قسم إن تشوفين راسك محلوق علی الزيرو .

حذّرها ويده تعبث بخشونة بكومة شعرها المشعث والفوضوي .

ثم اتجه صوب باب حجرتها بخطواتٍ رتيبة .

- تحتاجين شي ؟

ردت بنبرة آلية : ﻻ ، شكراً .

فخرج مودعاً ، مصفقاً الباب خلفه بعنف يصم اﻵذان .






. . .







كان منغمساً في التفكير بين ضجيج رفاقه وثرثرتهم .

- وأنت ؟

التفت في تيه : وشو ؟ أي سيرة وصلتم .

- المباراة ...

قاطع رفيقه قبل أن يتم عبارته : ياليل البثاره ..

- مب أنا يالطخ ، رجعوا فتحوا الموضوع ﻷجل هالحمرة ..

طلعت لنا بفكرة خقوا عليها الشباب ، سمعتها ؟

تساءل في حيرة : أي حمره ؟

- احلف ! الخقة بين فادي و جيس !

أطلق صفير إعجاب طويل حالما وقعت عينه علی الفتاة الحمراء لدرجة ألفت انتباهها ،
فمنحها تلقائياً غمزة مغازلة لتردّ عليه بابتسامة جمعت فيه كل ما تستطيع من فتنة وإثارة .

قال في انبهار بعينين ملتمعتين : من متی هذي هنا ؟

كانت امرأة حمراء بكل ما تعنيه الكلمة من معنی .

قاطعت نظرات اﻹعجاب المتفحصة نغمة الرنين المميزة ، كان رنين اﻻستدعاء المعتاد .

ظلّ يتأمل اسمها علی الشاشة إلی أن قطعت طلب اﻻتصال .

ثم فزّ واقفاً فور اختفاء اسمها :

- ﻻبو حمرتكم العاهرة ، اشبعوا فيها .

وانسحب من حلقتهم المزدحمة وراح يسرع بمشي أقرب إلی الهرولة ،
اتخذ طريقه المختصر ليصل إلی مقرهما السري المنعزل .


ماﻷمر ؟ ﻻ أثر لها !


فتح هاتفه ، لتظهر رسائلها له ، كان توقيت الرسائل تسبق الاتصال .

ركلَ الحائط الصلب بغضب هائل ، وكاد أن يرمي بالهاتف لوﻻ تمالك أعصابه في آخر لحظة ،
ثم أخذ يعود من مساره متوعداً إيّاها بينه وبين نفسه .



رآها تقف بجانب سيارته كما أعلمته في رسالتها ، تقدم في خطوات باردة ﻻ يری منها سوی ظهرها .

استدارت حين ميزّت صوت خطواته ، فبادرها بهدوء :

- حبيبتي طولتي .

اقتربَ منها ، يتمهّد لإلقاء عرضه :

- ما مليتي من غرفتك ؟ خلينا نتمشی .

- مالي خلق ، رجعني .

- شمي هواء شوي ..

ودّعته بلا إطالة في المجادلة : بأروح بالباص ، مع السلامة .

جذب ذراعها بقسوة جعلتها تتأوه في تألمٍ واستنكار ، ثم به يخاطبها بصوت خفيضٍ راجٍ :

- حبيبتي وفاء لما أكون قدامك احترميني شوي أقلها .. ما يصير !

كانت تحدق به .. مصعوقة من التناقض الهائل بين لسانه المعسول ..
وقبضته التي تكاد تفتت عظمة ذراعها اﻵن .


! You mad

همست .


- ها حبيبتي .. وش قلتي ؟

- وين تبينا نروح ..

تبدلت ملامحه إلی بهجة ، ليدبّ فيه النشاط ويهتف :

- أي مكان تبينه .. وين تبين .. تبين البحر ؟

صدّت بوجهها عنه وعلامات الضياع بادية عليها .

لكنه تجاهل ذلك يسأل عن رأيها : وش قلتي ، البحر ؟





من حسن حظهما لم يكن الشاطئ شديد اﻻزدحام .. اختارَ لهما مكاناً جميلاً بالقرب من ماء البحر الصافي ..

ﻻ يفصل بينهما وبين الماء سوی سنتيمترات .


كان ﻻ يكفّ عن إلقاء نظرة عليها بين الحين واﻵخر ..

نسيم البحر أضاف عليها مزيداً من السحر والجاذبية ..

بخصلات الشعر المتطايرة حول وجهها ، مع أنها جمعت شعرها بربطة شعر بعدما أثار إزعاجها ،
وقد حاول اﻻعتراض فقد كان مستمتعاً بشعرها منفلتاً يتراقص مع الهواء في منظر يخلب اﻷلباب .

إﻻ أنه توقف عن اﻹلحاح حين لمحت عينه عنقها الرقيق فيما تجمع شعرها ﻷول مرة .

منذ أول يوم وقعت عينه عليها لم يرَ شعرها اﻷسود الطويل سوی بتسريحة واحدة أحبها واعتاد عليها
بالرغم من فوضويتها ، طوال الوقت وشعرها حول وجهها يحجب معظم التقاسيم وكأنها تحاول
اﻻختباء خلفه ، فبقصته الذكية تلك التي توحي بأنه قصير من اﻷمام رغم أنه في الواقع يصل إلی آخر
ظهرها من الخلف ..

كل ذلك باﻹضافة إلی نظارتها الشمسية المعتادة محاولات تمويه من أجل إخفاء
وجهها عن العلن ، كان ذلك يضطره أحياناً إلی أن يثير ذعرها عندما يلجأ لرفع الشعر عن وجهها أو
إزاحته حين يزعجه ويشعر أنه يعيقه عن رؤية ملامحها .


- تدرين إنك حلوة ؟

انتظرَ إجابتها وردة فعلها وهو يتأمل انعكاس البحر الذي يلمع علی عدستي نظارتها الشمسية .

- قلت لي .

- قلت ايش ؟

قال مصعوقاً ، كانت إجابة أبعد ما تكون عن توقعاته .

- قد قلت لي إني حلوة .

- أنا ؟ !

أدارت رأسها إليه : ليه ؟ ندمان ؟

- ندمان مين ؟ متی قلت لك .. كنت صاحي واﻻ نايم ؟

- أقصد هذيك الليلة .

سأل ببطء استيعاب : أي ليلة ؟

صمتت وأبعدت عينيها ببرود ، فتنبه إلی الليلة التي تقصد ليهتف في صدمة :

- ليلتنا من سبع سنين .. تقصدين ؟ ! أنا اعترفت إنك حلوة ؟ !

لم تمنحه رداً ، فسأل بتوتر :

- كيف قلتها لك ؟

ردّت باقتضاب : نفس سؤالك الحين .

صاح بندم وغير تصديق يشدّ شعره بتعاسة :

- ! NOOOOO ! THAT'S NOT TRUE
! THAT'S IMPOSSIBLE

التفتت إلی وجهه الذي يوشك علی البكاء ، تخاطبه بجدية :

- أنا ذاكرتي ماهي حديدية ، لكن أعتقد مافيه بنت تنسی لحظتها مع شخص اعترف بجمالها .

قام يهتف سريعاً في غيظ يرغب بتحطيمها :

- تكفين يالجمال ! اهتمي بنظافتك وخلي القرف حقك أول ياللي مقطعك الجمال !

وسرعان ما راح يتلقی ركلاتها المتتابعة الحاقدة تدفعه كما لو تود أن تطيره من أمامها إلی زحل .

قيد كاحليها بقبضتيه الحديديتين .. ثم رسم ابتسامة خبيثة علی شفتيه ،
ليتحول موقفها .. هزت رأسها في رجاء وتضرع .

- بتعيدينها ؟

أجابته في توسل : ﻻ والله توبة ! الله يخليك !

قرّر أن يرحمها ويتراجع عما كان ينوي .. فحرر ساقيها .

ثم عاودت هالة التعاسة تحيطه وانكمش علی نفسه ببؤس
يدفن رأسه بين ركبتيه كالنعامة يلوم حماقته ..

- ليش حزين ؟

قالت له ببراءة يود أن يخنقها معه .

- ? Hey , The Window Man , Hello !! Can you hear me

إﻻ أنه لم يمنحها أي ردّ ، فتركته وشأنه منكمشاً كطفلٍ بائس في زاوية حجرةٍ مظلمة منعزلة .

وعاد إليهما الهدوء ليصعد صوت حركة البحر ، ويميّزان رائحته المنعشة والعذبة .


حتی شعر بيدها تجذب كمّه وكأنها تنادي ، انتشل رأسه من مخبأه يرفعه إليها فضولاً .

رآها تجلس بشكل معاكس ظهرها إلی البحر .. متأهبة ، وعدستيها الكهرمانيتين تتحركان بتشتت
من خلف النظارة البنية الشبه شفافة .

أنظارها تدوران في اﻷرجاء كالضائعة ، حتی ﻻحظها تكرر نظراتها علی موقع معين .

كانت عائلة بالقرب توشك علی الرحيل ، ولكن لم تجذب العائلة اهتمامها بقدر الهاتف الملقی علی التربة خلفهم .

كانت تنتظر مغادرة أفراد العائلة بفارغ الصبر ، ويبدو جلياً أنها تدعو في داخلها أن ينسی صاحب الهاتف هاتفه .

بعد ذهاب آخر فرد من العائلة هبّت بتهور واندفاع قبل حتی أن يبتعد ، إﻻ أنه جذبها من كنزتها الفضفاضة
يعيدها إليه ، يحذرها في خفوت :

- واحد راجع .

أدارت ظهرها بسرعة وارتباك ناحية الحشد لتعود وتواجه البحر المزرق .

- شافني ؟

قالت بقلق .

قال يرد في توبيخ : ﻻ ، أقلها يالفاغره احفظي الوجيه ﻻ جيتي تسرقين .

- حفظت وجه البنت اللي واقفه عنده .. حسبته جوالها ..

قالت محبطة .

- وش تبين فيه ، أقدم من جوالك ..

- أبي أعيد التجربة ..

صرّحت بنبرة مأساوية .

طلبته برجاء : ناظر وراء .. أخذوه ؟

- أخوه واﻻ مدري من .. اﻵخر نفر راجع يشيله له .

ركلت حقيبتها ونزعت نظارتها وقذفت به ثم انكمشت علی نفسها ضامة ركبتيها .

- وش ذنب الشنطة والنظارة المساكين طيب ؟

علّق في استمتاع وسخرية .

وكأنما استبدلا اﻷدوار ظلت هي متحسرة تلوم حظها العاثر بينما أخذ هو يتلذذ بمنظرها المكتئب
وعينها الحزينة التي تعرّت من العازل المزعج .

انتصب يقف بنشاط مفاجئ :

- ? Do you want som ice cream, baby

سأل بكف ممتدة يحثها علی النهوض ، فارتفع رأسها إليه بعينين ملتمعتين
وامتدت كفها بعفوية حركت قلبه .. لكن سرعان ما أصيب باﻹحباط حينما
استدركت فور مسّت يده لتسحبها وتتراجع وتنهض من تلقاء نفسها .




- ما خلصتي ؟

- ﻻ !

- ما صارت !

اختارا كرسياً للجلوس علی طرف الممشی العريض الذي يزدحم
بالمارين ذوي الثياب الفاقعة بمختلف اﻷشكال .

- المنديل حقه معك ؟ هات .

مدّ لها ورق المنديل الذي رافق البوظة فاستلمته منه .

- خلاص .

وَأخيراً استدار : سلام عليكم ، كيف الحال ، زمان عنكم !

واستأنف : يعني أبي أعرف المكان مليان ناس وش معنی أنا ممنوع أشوفك ؟

- ! Shut up ..
حتی قدام بابا وغيره ، ما أحب .

نصحَ بنبرة جديّة :

- حالتك في تدهور يا وفاء ، تجاهلتي المرض كثير .
أذكرك كنتي تاكلين قدامي وفارشه اﻷكل بعد وماخذه راحتك .

قالت باحتجاج : مو قدام كل الناس ! آكل قدام ماما !

عاد بذاكرته إلی الوراء قليلاً : مب قلتي أمك بالسعودية ؟

- أزورها كل سنة .. كل إجازة ، وعشت عندها سنتين .

- متی ؟

غمغمت : توني راجعة من عندها .

- عشان كذا متأخرة بالدراسة !

- خنت بابا .. زعل ..

طرفت عيناه باهتمام ، وأكملت حين رأت تساؤله في عينيه .

- لما خلصت المرحلة الثانوية رحت عند ماما علی أساس أرجع .. مثل كل إجازة .. بس مابي أرجع ..

- ليه ما تبين ..

ترددت قبل أن تجيب :

- ما استقريت .. ما قدرت .. مابي هالبلد .

انحنی قليلا ، يحدثها بدفء :

- حبيبتي أنتي هنا واﻻ هناك ما بتستقرين .. ﻷن نفسك من داخل هي ياللي مافيها استقرار ..

ثم أضاف بخبث لم تلحظه : لكن أنا اللي بأعلمها اﻻستقرار .

حركت رأسها بنفي : هناك شوي أرتاح .. أرتاح لماما .. ومقفلين ..

ثم أضافت في فرحة :

- تدري ؟ أنا أتكلم مع ماما !

حكّ رأسه بارتباك يبحث عن تعليق مناسب ، أحس بفرحتها غير منطقية ،
باﻹضافة إلی عبارتها الغريبة والبريئة بشكل ﻻ يمكن تقبله واستيعابه .

ثم أخيراً ردّ في حرج : شي طيب ..

بدأت تثرثر علی غير عادتها فيما يراقب الحروف والكلمات
تتناثر من ثغرها المحمر بفعل برودة البوظة .

- ماما عودتني علی الحكي معها .. بابا ما كنت متعودة عليه .. حتی لما أخذني ما قطعت ..
تكلمني يوميا صوت ورسائل .. حسيتها خايفة أنسی العربي .. كانت مهتمة بزيادة ..
ترسل دايما مقاطع عربية .. وتخليني أقرأ روايات عربية .. علمتني خواطر ..
ربتني وهي بعيدة .. بابا وهو جنبي ما كنت أشوفه ..

شعرَ بالتعقيد والتشويش وتساؤلات عدّة قفزت إلی ذهنه من حديثها غير المنتظم ،
إنها ترمي كل ما يطرأ علی لسانها بفوضوية .

فاختار نقطة معينة سابقة ، يعيدها إليه :

- وفاء .. دامك تبين القفلة ، ليه ما تتحجبين .

نظرت إليه بصدمة ، ثم هزت رأسها برفض ومعارضة .

- الناس بتطالع فيني !

تأملها يفكر بتحليل .

ارتفعت يده تمسد غرتها الكثة ، ينظر للعينين المتسعتين مباشرة
مخترقاً صفيحتي الزجاج الداكن للنظارة التي عادت تحجبهما .

- الحجاب بيبرز تقاسيمك ، لو نويتي تتحجبين يفضل تغطين وجهك مرة وحدة .

- ? No way ! Are you cazy

تجاهل معارضتها : كيف نظام حجابك بالسعودية .

ردت بانزعاج : هناك الكل عيونه علی اللي وجهها ظاهر ..

- يعني تغطين .

فاجأته وهي تهتف توشك أن تلقيه صريعا وكأن رصاصة أصابته ،
بالتأكيد هذه اﻷفعی تخطط لمقتله لهذا اليوم .

- لو قابلت ماما بتحبها ! ماما قوية !

تنحنح بربكة ، موجهاً الحديث إلی ناحية أخری :

- والبابا كيف علاقتك معه .

- ما نتكلم ، قليل نتكلم .

لم تسلم من سخريته وهو يتساءل :

- وتموتين لو قلت كلمة عليه ؟ مب قلتي لي حنون وطيب .

احتجّت بقوة : هو طيب ! بس .. أنا أستحي منه ..

راوده سؤال فضولي ، وألقاه فيما يرفع العازل ثانية عن
عينيها إلی أعلی رأسها ففاز بصفعة علی ظاهر كفه .

- كيف فتحتي معه موضوع السكن ؟

- قلت برسالة . بعدين نادی علي وتناقشنا .. بابا وماما مطلقين .. ماكنت متعودة عليه أنا
عشت مع ماما نادر كنت أشوفه .. للحين صعب علي الكلام معه .. ما قد شفتهم مع بعض ..

أراد أن يكحلها لمّا لمَح شبح الحزن يحُوم حولها إﻻ أنه أعماها بسؤال عشوائي متهور :

- وشلون تسوين مشاكل لمرت أبوك وأنتي خرساء ؟

يجزم لو أن شرارات العين تقتل .. لكان اﻵن يستلقي في قبره من قوة
وحدة الشرارات التي أطلقتها عينها المشحونة مقتا وحقدا وبغضا .

قالت بجفاء فيما تعيد النظارة : فيه شي اسمه أفعال .

- تخربين أغراضها مثلاً ؟

قالت بعداوة :

- خلاص قفل علی السيرة ، أسئلتك زادت .

لبّی رغبتها ولجأ الصمت ، لكن خطر له شيء آخر :

- تدرين ؟ لو إنك هذاك اليوم مخبية وجهك كعادتك ما كان أنا بجنبك الحين .

- كنت بدون النظارة ؟ !

- كنتي بالمكتبة ، قدامي مباشرة ما تزيد بيننا المسافة عن متر .

فتحت فمها الجميل دهشة : ماقد لمحتك !

- كنتي بزاوية المكتبة تقرأين شي ، تبين الصراحة .. شفتك كأني شايف جنية .. خفت وتخبيت !

- لهالدرجة أنا أخوف ؟

- من جدك ؟ أنتي تخوفين بلد !

تمتمت بنبرة مقت : ليه ، شايفني فضائية .

تأوه بإثارة ثم هتف مفرقعا سبابته بإبهامه ويشير :

- !! Yes
بالضبط !! هذي هي !!
المصطلح المطلوب !!

بان له فكها المنحوت فيما أناملها تحكه في ضيق مزيحة أطراف الشعر المتدرج الذي انسلّ
من ربطة الشعر بعناد ، ثم أنزلت كفها لتعود وتستقرّ بجانب شقيقتها ..

- متی نروح ..

سألت بنبرة خفيضة .

نهض عن المقعد : وش رايك ناخذ لفه قبل نمشي .

ﻻ يدرِ مالذي دهاه .. ؟ بلا شعور وجد نفسه يحمل جسدها الصغير عفوياً ويوقفها علی الكرسي ،
ليصيب المراهقة بالهلع وتنهمر عليه بضربات واهنة مستنكرة .

راح يضحك في حيرة فيما يتدارك أمره وينزلها إلی اﻷرض :

- وش فيني أنا ؟ آسف يا حبيبتي الفضائية .. شكل صاحبك انهبل .

كان قد احمرّ وجهها بشدة تقوم بترتيب شعرها بتشوش تتلصص إلی اﻵخرين
كالعادة كلما تعرضت لموقف محرج بالنسبة لها .

- محد شافك ، يفترض تستحين مني بهاللحظة مب من الناس !

بعدين سؤال يدور في بالي .. تستحين من حاجات تافهة وﻻ استحيتي
يوم جيتي ترفسين في رجال طول عرض قدام عيون الناس ؟

- اسكت ، وين السيارة .








* * *




-

قرّائي الأحباء ،

أشكر كل من ردّ وَ شارك روايتي .. لكم أسعد بكم كثيراً .


بالنسبة لموعد تنزيل الفصول ،

للأسف حدي مرة بالأسبوع .. وهو يوم الاثنين ،

سامحوني

+

أعتذر عن كثرة الأخطاء في الفصل السابق

بإذن الله أكون أكثر حرص في الفصول القادمة


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-15, 11:35 PM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

-















الفصل الرابع












. .















- شهر يالظالمة .

همهم بجمود .


قامت بخيانة ﻻ تغتفر ..

لن يغفر تلك اﻹهانة بتلك الوسيلة القذرة ..

فرّت دون سابق إنذار .. لقد غدرت به ..


لم يكن يستبعد قضاؤها عطلة عيد الميلاد لدی والدها غير أنها فعلتها بطريقة ملتوية غير شريفة البتة ..


لم يعلم بمغادرتها سوی لما لم يلقی لها أثراً في صباح ذلك اليوم لإيصالها معه إلى الجامعة ،
ثم بها تخبره بعد أسبوع كامل من تجاهلها مكالماته ورسائله أنها تقيم حاليا لدی والدها ..
تتعذر بأنها اضطرت للغياب عن آخر أسبوع من دوام الجامعة بل وستقضي العطلة بأكملها هناك !


غابت شهراً كاملاً دون يطرف لها رمشاً .. دون حتی أدنی شعور بالندم أو التقصير ..


لحسن الحظ استغل العطلة مع رفاقه في السفر إلی روما لحضور مباراة سبق التخطيط لها وقضاء بضع أيام في أنحائها ،
وانتقم منها بمقاطعتها نهائيا سواء من مكالمات أو رسائل .


وهاهي ذي تأتي لتواجهه بطبيعية وهدوء وكأنما كانت باﻷمس برفقته .. وكأنما لم ترتكب خطأً .. !

لطالما تساءل إن كانت هذه الأنثى الملائكية أمامه تملك طبيعة سيكوباتية .. !

ﻻ تشعر .. ﻻ تندم .. ﻻ أحاسيس .. ﻻ وجود لضمير .. !

مثلها مثل إنسان آلي .. إنسان آلي مبرمج علی التنفس واﻷكل والدراسة ﻻ غير .. !

وجهٌ ملائكيّ .. طبعٌ سيكوباتيّ .. ! معادلة سيعجز حتىَ العباقرة والعلماء عن حلّها .. !


لتوهما يتقابلا .. للمرة اﻷولی منذ عودتها ، قضيا الطريق صامتين يحيطهما سكون رهيب مغلفاً
بشرارات العداوة الخفية ، كان ينوي إعادتها للسكن مباشرة لكن وجد نفسه ينحرف عن الطريق
ليصل بها في النهاية إلی مساحة خضراء مهجورة .

لم تردّ على همهمته البائسة سوی حفيف أوراق الشجرة العملاقة أعلاهما .


- كيف قضيت اﻹجازة ؟

وَتجرؤ على التحدث .. ؟ !


- أضمن لك ما قضيتها محبوس بين أربع حيطان .


- بابا طلعني ومشاني مرتين !


أدار عينه إليها .. تتحدث بفخر .. تشير بإصبعين بفرحة رمزاً لليومين الخاذلين .


وَكيف يصفهما بغير الخاذلين..؟ وهو واثق بأن منزلتها كانت من منزلة البساط الذي افترشته العائلة اللعينة ..
بل لربما البساط كان له دورٌ أكثر منها ..

اعتصر قلبه اﻷلم فيما يتخيلها تجلس علی زاوية البساط صامتة .. تراقب عن بعد عائلة أبيها السعيدة ..
دون أن يلقي أحدهم بالا للوحيدة البائسة في الزاوية .. دون أن يتفضل أحدهم ولو من باب المجاملة
بدعوتها لمشاركتهم أحاديثهم وضحكاتهم .

شعر بالخناجر تعود وتخترق صدره كما في كل مرة تغزو ذاكرته مواقف مشابهة ، مواقف عدة صدف ورآها بها في أماكن متفرقة من الجامعة ..
مواقف لم يستطع حتی قلبه القوي تحمله .. فكيف هي بقلبها الصغير ؟

اﻷمرّ من ذلك .. ﻻ تذرِف دمْعة .. !

ﻻ يمكنه تخيل فتاة وحيدة وضعيفة تتعرض ﻻضطهاد من جماعة من الفتيات العاهرات وﻻ تذرف دمعة !

لطالما تمنی لو باستطاعته التدخل وإنقاذها من تلك المواقف ..
لكن كيف بحق الله لرجل أن يتطفل علی معركة فتيات كلامية ؟

بل إنه سيزيد موقفها حرجاً .. بالتأكيد لن تحبّذ لقاءه أو رؤيته لها في مواقف كهذه ..


- بابا قال .. في إجازة اﻹيستر بيسمح أروح لماما !

- بابا بابا بابا بابا .. كرهتيني حتی بأبوي وأمي !
لعد تنطقين هاﻻسم قدامي مابي أشوف لسانك ينطق ﻻ بابا وﻻ ماما !

تصلبت ملامحها .. مبهوتة من تسلطه واستبداده المباغت .

تصرفه الطائش لم يجعل الفتاة سوی تتحداه ، فيدهش بها تفتح ملء فمها ..
تصيح بوجهه بكل ماتملك حنجرتها من صوت كما لو ابتلعت مكبر صوت .

- بابا بابا بابا بابا بابا بابا بابا !! ماما ماما ماما ماما ماما ماما ماما ماما ماما ماما !!
بابا ماما ماما بابا بابا بابا بابا ماما ماما ماما ماما بابا بابا ....

لم يقاطع صرخاتها الهستيرية سوی شهقاتها التي تغلبت عليها .


هل يعقل ؟

تبكي ؟

الفضائية تبكي !

أخيراً .. !

شيئاً يثبت أن هذا الكائن إنسان !


غريزياً وجد قلبه يلين : حبيبتي ...


هل قسی عليها إلی هذا الحد .. ؟

هل كان لكلماته كل هذا التأثير بحيث تمكنت من تفجير الينابيع الجافة .. ؟


قاطعته تصرخ منتقمة :

- ﻻ تقول حبيبتي ! أكرهها الكلمة ! كرهتني بشيء اسمه حب !
لعد تنطقها قدامي ! مابي أسمع لسانك ينطقه !

كانت تعيد عليه اﻷوامر الذي كان يطلقها عليها منذ ثوان ، تعيدها وكأنها حفظت أوامره عن ظهر قلب .

امتدت برقة كفه تلقائياً تود كفكفة دموعها فأعاقت طريقها بالصفعة القاسية علی ساعده المسفوع .

- كمل مقاطعتك ! ليه رجعت ؟ خلها أبدية ! متی تعرف إني ما بيك ؟
كيف أفهمك ؟ متی تفهم ؟ مابيك ياخي ! أنا مابيك !! افهم !!

حاولت دفعه بذعر حينما التصق بها بسرعة كالبرق .

مرحباً بالشيطان .. وداعاً للإنسان ..

بل وداعاً للعقل .. وكان الله في عونها ..


رفضها الصريح والقاطع له .. تصريحها بغيابها لشهر آخر في عطلة عيد الفصح اللعين ..

كل أوﻻئك اﻷعداء متفقين أرغموه علی التحول في لحظة إلی شيطانٍ مارد .


- ما تبيني ؟

انطلق همسه كفحيحِ اﻷفعی .


- حبيبتي وش قلتي تو ؟

- أبيك !

بآلية ردت .


- ﻻ ! قلتي ما تبيني !

- ﻻ ﻻ ! قلت أبيك ! سمعت غلط ...

- أثبتي لي .

أنفاسها ازدادت اضطراباً استشعاراً للخطر .


- حبيبتي أثبتي لي إنك تبيني !


أطلقت أنيناً من اﻷعماق في حينِ علت فرقعة من إحدی أصابعها الرفيعة .

نظرته بعينين جاحظتين متألمتين .. حاولت إفلات كفها من حصار يديه ..


لكن بدأ يغزوها شيء من اﻹطمئنان ..
حينما شعرت بيديه تتحولان إلى الرّقة ..
تحتضنان يدها بمساجٍ لطيف ..

- آسف حبيبتي .. بس أبيك تثبتين لي !

فرقعة أخرى أقسى من سابقتها جعلتها تتلفظ شهقة متقطعة من اﻷعماق ..
تتبعتها كلماتها المتناثرة من ثغرها المرتعش :

- أنت .. مو قاسي كذا .. تعورني .. ليش ..

- أثبتي لي طيب !

- أنت تخوفني .. !


وﻻ تجد سوی سؤاله يعاود إلقاءه في كل مرّة تنطق ..
بنفس الهسيس المجنون ..
ترافقها فرقعة أشدّ قسوة ..


هتفت يائسة محاولة تهدئة غضبه :

- أنا أبيك !! قلت أبيك !! تسمع ؟!

- ﻻ تكذبين !!

- مجنون أنت مجنون ؟ وش تبي أنت يا مجنون ؟
مريض أنت ؟ والله المريض أنت مو أنا !
أنا حتی ما أعرف اسمك يا مريض !
أنت مين يا أنت ؟! من أنت ؟!
أنا ما أعرفك !!

حرّر يدها مستسلماً واللّهاث مسيطر عليه بوجهه المحمرّ القاتم ..
يستند إلی جذع الشجرة مخلخلاً شعره بأصابعه الغليظة المرتجفة .





مستلقياً علی ظهره علی العشب البارد ، فيما هي ما تزال جاثمة منكبة علی وجهها ..
منخرطة في نحيبها الصامت منذ نصف ساعة .. كلما توقفت عادت لبكاء أشدّ ..

الهدوء والسّكينة طاغ علی المكان عدَا عن حفيفِ اﻷشجار ..
والشهقات العميقة النابعة من قلبها الغضّ ..


- ﻻ يفوتك المشهد السكسي .

قطعت بكاءها ترفع رأسها باستغراب ، فقام بالتأشير لها إلی حيث شجيرات صغيرة ..
حيث كان زوجين من القطط شبه مختبئين ..


- ﻻ تراقب أعطيهم خصوصيتهم !


بدت عبارتها الطبيعية غير طبيعية أبداً في موقفها .. !
مع الحال الذي كان عليه وجهها المحمر في فوضی بحار الدموع ..
والخصلات السوداء الملتصقة بوجنتيها ..
باﻹضافة إلی صوتها المخنوق ..
الذي نطق العبارة بكل طبيعية .. !

قهقه هاتفاً :

- خصوصيتهم ؟! زين شيلي عيونك أنتي أول يا أم خصوصية شوي وتنقز .

- شيل عيونك أنت أول ، أنا أتأمل ألوانهم .

- بالله !

اعتدلت في جلستها بسرعة .

- قد حاولت تجيب احتمالات ﻷطفالهم ؟

- يا سلام ، لك تجارب ! اللهم إني بريء مما يصنعون .

أخذت تعد علی أصابعها :

- واحد بيكون بيج ، واحد بيكون أسود ، واحد نص أسود ونص بيج،
وواحد شوي بيج وكثير أسود ، وواحد شوي أسود وكثير بيج .

- نسيتي لون العين .

- مشوار ، مابي أعيد .

قالت تستلقي علی جنبها وقد بدا الكسل يغزو عينيها ..
ارتعاشات البكاء الطويل تسري ببدنها بين كل لحظة وأخری ..



- .. The window man

ممكن طلب .. ؟


أدار رأسه إليها .


- أول شي .. تحبني ؟


التزم الصمت ما أوحی بعدم رغبته باﻹجابة .


لكن فوجئت به يعتريه نشاط مفاجئ ..
وينقلب إلی جانبه مسنداً رأسه براحة يده ..
يحني برأسه عليها .. يجيبها بكلّ شاعرية .

.. all of me
.. Loves all of you
, Love your curves and all your edges
. All your perfect imperfections
.. Give your all to me
.. I'll give my all to you


قاطعته بلوم : كل يوم تذكر عيوبي .

- اشتقت لك ..

همسْ .


- طبقة صوتك باريتون .. تدري ؟

- أصلاً يسموني إلفيس السعودي .

- مع ان صوتك مو حلو ، بس حبيت أنبهك للطبقة .

- ارحمينا يا أديل .

ضحكت بمرح .

- غني بس .

استنكرت بصدمة : أغني ايش ؟!

- غني أي شي.

- صوتي مو صوت غنی ، ما بيعجبك .

- أدري ، بس غني .

- مافي شي ببالي .

- غني أي شي إن شاء الله A B C D !

أخذت عدستيها العسليتين تدوران في باحثة في ذاكرتها ،
ثم بدأت بصوتها المتقطع الذي تتخلله بقايا شهقات البكاء المعاندة .

- I’m a princess cut from marble, smoother than a storm
And the scars that mark my body, they’re silver and gold


توقفت تترقب رأيه ، لتجده يعلق بسخرية ﻻذعة :

- شيء متوقع ! بس مدري وش اللي بلاني وخلاني أطلب تغنين ، مالقيتي إﻻ هالنفسيه ؟

ردت بنبرة المعدوم الحيلة : قلت لك ما ببالي شي .. !

ابتعد عائداً إلی وضعيته السابقة :

- لعد تفكرين تغنين ، توبه أطلب .

- طيب ايش لقيت نوع طبقة صوتي ؟

- نوع صوتك طبقة الزرافة ، مافيه صوت .

- بس الزرافة مالها صوت !

- الصدق صوتك يخوف والله ، يصحي ميت !

هبّت جالسة وكأن لم تسمع رأيه الجاد :

- لقيت حاجه رومانس !

- بسم الله ! ﻻ مابي تكفين !

هتف بذعر جدي ، لكنها بدأت بالغناء دون أن تعيره بالا .

- I got my red dress on tonight
Dancing in the dark in the pale moonlight
Done my hair up real big beauty queen style
High heels off .. I'm feeling alive

I got that summertime, summertime sadness
S-s-summertime, summertime sadness

- بسم الله .. من وين طالعه هاﻷصوات .. كم روح ساكنتك أنتي ؟

- خمس أرواح .


كانت تعبث في الغناء .. نعم !
كانت كما لو تتحدث ﻻ تغني .. نعم !
صوتها ليس بصالح للغناء .. نعم !

لكن ما أبهره هو تمكنها من التبديل بين طبقاتها الصوتية بسهولة فائقة ..
بالرغم من عبثها .. ورغم الشهقات التي تعيقها ..
وما خلب لبه فعلا تعبيراتها الشقية رغم آثار البكاء ..

لكم حيره صوتها .. !

لقد مضت علی علاقتهما ما يقارب الثلاث أشهر مع ذلك لم يتمكن بعد من تحديد صوتها ..
كان يشعر طوال الوقت أنها تتمتع بطبقات عدة تتبدل مع اﻷحوال والمواقف ..
وكأنها تمتلك أكثر من حنجرة .. !

قال بسرعة يطلب في طفولية .

- كملي .. بعدين ليه نقزتي .. أبي أسمعك تقولين Oh my God !

هتفت فرحة : أعجبْتك ؟ !

- كملي !

أعادت شعرها بيدها إلی الخلف علامة الفخر والكبرياء ، وقالت بتعب تمثيلي :

- صوتي راح ، تعبت ..

نسي رغبته عندما تذكر فجأة :

- وش طلبك ؟ !

طرفت : طلبي ؟

- يا فاهيه كنتي بتطلبين شي .

حكّت رأسها حيرة :

- صح .. كان عندي طلب .. !

عقدت حاجبيها تعتصر عقلها في محاولة للتذكر ، ثم عبرت عن رغبتها بالذهاب بعدما يئست :

- قرب المغرب .

- ما جعتي ؟ تبين آخذ لك شي علی الطريق ؟

- لحظه .. تذكرت !

نظرها باهتمام فاتحاً ذراعيه لطلبها .. ﻻبد من أن طلبها بسيط وبريء مثلها ..

- أنا تورطت ، أبي تساعدني .

قالتها بسهولة استنشاق الهواء .

تحول إلی العبوس يسأل مباشرة : وش من بلوی سويتي .

رسمت ابتسامة بلهاء مترددة ، تردف :

- دعست صوص حق وحدة بالجامعة ومات .

بادلها نظراتها البلهاء .

- ايه ؟ والمطلوب مني ؟

غمغمت :

- مدري نست والا ﻻ ، لزقه ياخي قعدت ملاحقتني يومين فهربت عند بابا ..
اليوم شفتها وتخبيت .. حسيتها تدور علي ..

دعك جبينه في محاولة لاستيعاب ما تثرثر به الطفلة الحمقاء .

- الحين كل هالغياب علشان صوص ؟!

شكت له ضجرة :

- تخوفني البنت ياخي عطيتها فلوس ماهي راضيه تقبل جبت لها صوص بديل ما تبيه ..
تقول تبيني أرجع الصوص حقها حي ! فجبت لها صوص نسخة من اللي دعسته وقلت لها
عالجته ورجع حي كشرت بوجهي وناظرتني كأني شحاذه !

وبرضها وراي .. تقول بتشتكيني !!

الحمدلله والشكر وش كبرها وجامعه آخرتها تبكي علی صوص عالم فاضيه !

! The Window Man ! Please .. I need you


زفر بحيرة ﻻ يعلم أيضحك أم يبكي .. !

تثرثر وتتحدث بسرعة شديدة تتلعثم وتخلط اﻷحرف بالكاد استطاع التركيز معها .


قال بعد أن استقرّ علی قرار فيما يقودها إلی السيارة .

- حبيبتي بنشوف موضوعك بعدين ، ﻷن الحين عندنا موضوع ثاني ..
بتنقلين للشقة الحين .. الشقة جاهزة .

- ها ؟

- الشقة جاهزة حبيبتي .. بأنقلك لها الحين .

بدا عليها شيئا من الاعتراض وهي تقول : أمداك تأثثها !

- تذكري ، تركتيني شهر ..

كان قد ألحّ عليها عندما أتى والدها للموافقة على سكنها الجديد
أن تخترع عذراً توقف به والدها عن تأثيث شقتها الجديدة ..
كان يرغب بشدة في تأثيث سكن ملاكه هو بنفسه وكما يشتهي ..

- اسمع ، أنا ما استعديت .. بأنقل بكره أو بعده .

- بكره ما بكون فاضي ولا بعده .

- بس أنا ما استعديت !

أغلق الباب مقاطعا اعتراضها ، لتجد نفسها بعد دقائق قليلة أمام شقة السكن الذي ستودعه اﻵن .


استدارت فيما يتبعها إلی الداخل ، تطلبه الانتظار خارج الحجرة قليلاً .

- ليه ، عندك أسرار ؟

تجاهلت تعليقه ودلفت حجرتها وحرصت علی إغلاق الباب .

انتظر لأقل من دقيقة ثم طرق عليها بنفاذ صبر .

- مافي حس بالشقة .

وصلته إجابتها من الداخل :

- اثنين منهم شكلهم مسافرين أو عند أهاليهم .

- طولتي وش تسوين ؟

فتحت الباب لتقابله تلكما العينين المتسعتين .

التوی فمه سخرية :

- عندي فضول أعرف وش اﻷسرار اللي خبيتيهم يا حبيبتي البريئة ؟

- ما عندي أسرار !

- وين عفشك ؟

أشارت له إلی الحقيبتين المركونتين بجانب السرير .

- يا سلام السرير مرتب اليوم !

متهكماً بالسرير الذي ميّزه بفوضاها عن اﻵخر المهجور في زيارته اﻷولی السابقة .

- ما قد شاركتك وحدة الغرفة ؟

ردت بينما تحمل أصغر الحقيبتين وأخفهما حملاً :

- إﻻ .. في بداية السنة ، ملت مني وراحت .

حمل الحقيبة اﻷخری قائلاً :

- يالله استغلي هالثواني وودعي غرفتك .

تجاهلته متقدمة إلی الخارج بلامبالاة ، لكنه وجدها تعود مسرعة للحجرة محتضنة حقيبتها .

- لحظه بأودع غرفتي .

أعاق إغلاقها للباب ، متسائلاً بخبث :

- نسيتي سر ؟

- ? One moment, please

سألته راجية .

- ﻻ كثير ! ماقدر أصبر !

هتفت دافعة بالباب علی جسده بكل قوتها :

- بطل ثقالة دم يا أنت ! تكفی لحظة وحدة بس .. !

- أبي أشوف أسرارك ، أثرتي فضولي .

- ما عندي أسرار ! أشياء تافهة والله !

- تبيني أحل مشكلتك .. وريني !

قال راسماً لها ابتسامة خبيثة .

- !! WOOOO

بنت !!! خبله ؟؟؟

كادت تسقطه بطيشها حين أفلتت الباب بغتة .

- وين رايحه ؟ خذي حاجتك !

- هونت ، مابي .

- بنت ارجعي ما بشوف شي خلاص !

عادت مجبرة بوجهٍ محمرّ وكأن قلبها ﻻ يطيعها أن تستغني عن شيئها السّري .

واجهته عابسة كطفلة غاضبة : بتساعدني ؟

- ايه ، عجلي بس .

لم تحاول إغلاق الحجرة هذه المرة ، مع ذلك حاولت من جعل جسدها عائقاً عن رؤيته لكنزها المدفون
أسفل السرير بعد أن أصرت علی إخراجه بشتی الطرق .. مراقباً باستمتاع ..
دون أن يفكر في عرض أي مساعدة عليها .

وقفت مواجهة له معبرة عن استعدادها للذهاب .

- شفت !

قال ملحناً بمكر ومتعة ، يراقب سبابتها الصغيرة التي تعبث برأس سحاب الحقيبة بين أحضانها ،
وقد أصبح الكنز يقبع داخلها .

إﻻ أنها أخذت تسبقه المغادرة بعدما تنبهت لرغبته العابثة في اللعب بأعصابها .








TBC







-


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-15, 11:38 PM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

-












- !! THE WINDOW MAN

- ? Yes .. my amber girl

- . YOU .. ARE .. CRAZY

أجاب هامساً .. فيما يضع الفستان الأبيض القصير علی جسدها
الذي يختبئ بملامح أنوثته أسفل قطع الثياب الرديئة الفضفاضة .

- ! Yes, I'm crazy .. my sweet amber girl

- لو جلست يوم هنا أنا بأنجن !

- شوفي هذا الثاني .. محتشم مثل ما تبين .. شفتيني كيف مراعيك حبيبتي ؟

قبضت جذور شعرها بشكل ينبئ بقدوم نوبة هستيرية جديدة لهذا اليوم .

- تسمعني أنت ؟!

رمی بالقطعة البيضاء اﻷخری علی السرير ذا اللون المثيل ..
ممسكاً كتفيها يخاطبها بجدية ..

- وفاء ﻻ تناظريني كذا ، أنا صاحي مب مجنون ، هي رغبة بنفسي وحققتها !

- ماني قاعدة هنا إلی ما تضيف لون بالبيت ، بأرجع سكني .

- حاضر ، بس خليه يومين بس تكفين .. !


لطالما تخيلها ملاكاً في عالم نقيّ يملؤه البياض .. !

بالرغم من طبيعة ملاكه السوداوية .. غير أنه يظلّ يتخيلها ملاكاً بجناحينِ أبيضين .. !

في عالمٍ أبيض .. ﻻ يدنسّه أيّ لون ولو قطرة .. !

لم يمنعه حتی الواقع من تحقيق أحلامه التي يشتهي .. باﻷنثی التي يعشق .. !


- وﻻ يوم !! وﻻ يوم أنا مو ناقصة جنان !
الحين ترجعني السكن .. ﻻ بدلت اﻷثاث وقتها تعال رجعني ،
مابي أشوف وﻻ لون أبيض .. والملابس هذي كلها ارميها أو احرقهم مابيهم !

رضخ لها أملاً في تهدئة هستيريتها :

- وﻻ يهمك ، تامرين أمر .. هدي بس .

أدارت له ظهرها وابتعدت فيما استمر باللّحاق بها تصله همهماتها المغمغمة لنفسها .

انحنت تحمل إحدی الحقيبتين اللتين توسطتا الصالة المضيئة .

- بس فكري بالعقل يا وفاء ،
كيف ترجعين السكن وأنتي سلمتي المفتاح ..
بترجعين تكلمين المسؤول ؟

انتفضت من لمسته كالملسوعة .

- تری تعودت علی اللمس أنت !

حكّ رأسه بضيق وعصبية ، حاول الصبر .. لكن لم يعد يحتمل أكثر !

- أنا رايح ، مع السلامة .

وإذ به يجدها تعيق تقدمه باليدين اللتين أسرعتا تتشبثان بظهر قميصه .

- بتساعدني ؟

رمى كفيها بقساوة .. صاداً عن نظراتها المتوسلة .

- أصلك ما تفكرين إﻻ بنفسك .

- وعدت تساعدني !!!

- ما وعدت بشي .

وخطا صوب الباب الخارجي غير عابئ .

قبل أن يتمكن اﻻلتفات مستغرباً الخطوات الرشيقة خلفه ..
بُهِت بجسدها يرتطم بظهره .. وذراعيها تحيطان عنقه ..

تتعلق بعنقه كطفلِ قرد متعلق بأمه .

- !!! THE WINDOW MAN

!!! HELP ME, PLEASE

- اذني !!!!

وش هالهبال بنت ؟؟؟

بزر أنتي ؟؟؟؟

ثم بنبرتها تضطرب ويصيب صوتها الارتعاش ..
لتتحول من صراخ عنيد إلی همهمات خائفة ..

- دوخه .. ! دوخه .. !

- آخرة التهور ! خلك معلقة كذا !

- دوخه .. اجلس.. اجلس .. ليه أنت طويل ..

كادت تفقأ عينيه وهي تحاول التشبث برأسه ،
وجذور شعره قد أصبحت تحت رحمة مخالبها
يشعر بها ستقتلع في أي لحظة .

مدّ ذراعيه إلی الخلف يرغب باقتلاعها عنه .

- ﻻ ﻻ ﻻ ﻻ !!!!

أنت ترفعني !!!!

- ﻻ تصارخين !

صاحت به معنفة :

- اجلس يا غبي وانا أنزل !!

ﻻ ﻻ ﻻ ﻻ ﻻ !!!!!!

أطلقت صرخة حادّة حينما جذب ساقها من فوق كتفه اﻷيمن لتسقط بين ذراعيه .

تأملها منكمشة بين ذراعيه مغمضة العينين بقوة كما قطة صغيرة تخشی هجوم عدو .

انفرجت أجفانها قليلاً بخوف ، ثم أسرعت تتحرك بعنف تضرب كتفيه وتدفعه بضربات غاضبة حانقة
فيما تدلدل برجليها تحاول اﻻنزلاق من بين ذراعيه والتخلص منه .

صاحت تواجهه مجرد ﻻمست قدميها اﻷرض ووصلت بر اﻷمان :

- أنت ما عندك ذوق ! كذا الرجال يتعامل مع بنت ؟

تمعن بها بنظرات غريبة لم تفهم مغزاها ما جعل اﻻرتباك يغزوها :

- أول مره أعرف الفضائيين عندهم بنت ورجال .

- ليه ؟ ماقد شفت فضائي زار اﻷرض ﻻبس علم بألوان !

أطلق ضحكة صاخبة : قد شفتي فضائي ؟

حكت قدميها اﻷرض .. ملاحظاً يديها المختبئين تعتصران بعضهما بوضوح ،
ثم بها ترد ممثلةً الكبرياء :

- ما بجاوب ﻷن عارفة ما بتصدقني .. حتی ماما ما صدقتني .

طرف بتوتر وهو يری جديتها .

- شفتيه وأنتي صغيرة يا وفاء ؟

ترك اﻷمر فلا يود إرغامها بإجابة ستسبب بإحراجها ..
ﻻ بأس الأمر طبيعي بما أن من عادة اﻷطفال توهم اﻷمور .

- اسمعي بنت .. صلي وﻻ تاكلين شي ، شويات وأرجع آخذك علی مطعم .

اعترضت بتحريك رأسها : مابي مطعم ، بآكل هنا .

- ودي آكل معك يوم ..

قال برجاء .

لكنها تنهدت بإرهاق ، وأخذت تتقدم تديره وتدفعه إلی الباب :

- فكني منك شوي زهقت أبي أصير لحالي .. أبي أرتاح .

- أفا يا وفاء تطرديني ؟

مطت شفتيها بابتسامة صفراء : Bye !

ثم راحت تغلق الباب بلامبالاتها القاسية تقطع تواصل عيناهما .











. . .







- الحمدلله .. مختفية اليوم .. شكلها غايبة ..

قالت بارتياح مع أنها كانت تنتظر حدث مقابلة فتاة الصوص بفارغ الصبر .

ثم أردفت بخذلان :

- بس بأشيل هم التفكير اليوم كمان .. يا الله ..
تعبتني نفسيا ياخي .. جننتني ..
صوتها المنرفز وصوت الصوص وهو يموت ..
براسي طول الوقت ..

حوّل من مسارها في حين تنوي المغادرة :

- خلينا نكمل لفتنا ..

- أبي أروح البيت ..

- شويتين بس ..



شعر بقشعريرتها وهما يقفان أمام نافذة ذكرياتهما ..

يسترجعان صوراً ضبابية لذكريات غلفتها سبع سنين من الدهر ..


- هنا كان الدرج ..

تشير بإصبعها إلی أسفل النافذة .

- درج ؟

- الدرج اللي كنت نازل طالع عليه !

قال مصححاً بعد أن استرجع بعضاً من الصور المشوشة : هذاك صندوق مب درج .

- ﻻ درج .. أو دولاب صغير .. شفته بالنهار ..
بعد مدري كم يوم رجعت .. خفت ..
حاولت أشيله .. ما قدرت ..

- كله صندوق وخير يا طير .. وش دری أهلهم عن بلاوينا ؟

رفعت رأسها إليه ضاحكة :

- طول هذاك الوقت وأنا محسبة معك خاصية طيران ..
ماكنت أدري جايب صندوق .. قصدي درج ..
يا غشاش .. كنت أشوفك بطل ! حسيت بالخيانة .. !

- حبيبتي من يومها خيالها واسع .. تتابعين أفلام واجد ؟

قالت فجأة بضيق : يالله نمشي ..

- ما ودك ندخل ؟

اعترضت بحدّة وقوة ، فتوسل قائلاً : ودي نعيد الليلة ..

لتترك له المكان بلا تفاهم فيحلق بها راكضاً .

عرض عليها فيما ينويان قصد المساحة المخصصة للسيارات .

- وش رايك نمر علی كوفي شوب ؟

اكتفت ملامح وجهها الجامدة بإجابته .

- وفاء جيبي نظارة شفافة أكثر ، ما اشوف عيونك زين .

- عنك ﻻ شفت .

علت أصوات مشاجرة بعيدة نوعاً ما جذبت أنظار معظم من بساحة الحرم الجامعي .

- ! WOW

مضاربة !

همست بإثارة وعينيها ستقفزان من محجريهما مع محاولتها التركيز .

غير أنه أسرع بإحاطتها بذراعه يعيق عنها الرؤية يجرها ﻹكمال طريقهما .

- ﻻ ! أبي أشوف !

- مقهی واﻻ بيت ، قرري .

حاولت اﻻلتفات وهي تسمع الهتاف الذكوري البعيد .. منادياً بإلحاح بلغتهما المألوفة .

- اسمك متعب ؟ ! الرجال يناظرنا ! !

برز فكه الحاد أكثر مما هو بارز فيما يصرّ على أسنانه .

تطلعت إليه بتفحص .. إلى القسوة التي تبدلت إليها ملامحه السمحة ..
التي تتبدل كلياً في لحظة الغضب .. من تلك الملامح الطيبة اللطيفة ..
إلى وجه لأكثر الرّجال قسوة وغلظة ..

ورغم الخوف البادي عليها بوضوح ، تجرأت وخاطبته بشجاعة :

- ليه ما تبي أعرف اسمك ؟ وراك أسرار ؟

عادت ملامحه الهادئة وَالمريحة في لحظة كما ذهبت ، يقول في تدارك وَبطبيعية :

- وش أسراره ؟ تكفين ارحميني من خيالك الواسع .

تمعّنت به بعينين حادتين غير مريحتين :

- تری الرجال يناديك يبي فزعه .

- يتهيأ لك حبيبتي .

اتسعتا عيناها من جحوده :

- ربعك محتاجينك !

أعاد بجزم : وفاء تتوهمين ما أسمع شي .

- متعب ! خلك رجال ورح تضارب !

فغر فمه وهو يری التماعة المتعة بعينيها ، فهتف باستهجان :

- وش تحسين فيه أنتي ؟ تبيني أتكفخ علشان أفلك ؟ !

- متعب !

! You are a LOSER

- قولي اللي تبين ، ماني بحاجة لرأي بزر .

- ! LOOOOOOER

- مقهی واﻻ بيت ، بسرعة .

- ! Sorry, I don't speak LOSER

أرسل إليها نظرة تهكم من طرف عينه :

- تكفين يالـ Perfect !

رفعت كتفيها بلامبالاة :

- . You're a Loser anyway

فرد بنبرة ماكرة : الفاشل يطلع بطلك !

- كنت ! إلی مالقيت الصندوق !

جعلته ينهمك في الضحك يخبئ وجهه بين ثنايا شعرها محرجاً :

- والله إني بشر يا وفاء راعيني شوي .. !



انتهى بها الحال معه في مقهىً قريب ..

قطعت عليه شروده فرفع بصره عن كأسها الشفاف الممتلئ الذي حتى الماء تتمنع عن شربه أمامه ..

- سبحان الله .. أمس سألت عن اسمك واليوم عرفت .. أحس الله يحبني .

تحدثت بتأمل تداعب بأناملها ذراع النظارة الموضوعة إلى جانب الكأس البلوري .

- باﻷول بطلي كذب وقتل وسرقة ..

بدت لم تسمع .. تردف حائرة :

- أحس اني ساحرة ..

- ﻻ ﻻ ، أنتي جنية مب ساحرة .

- أحس أي شي يخطر ببالي يتحقق ..
فيه ناس كذا ؟ والا أنا صدق فضائية ؟

أربكته وهي تطرح سؤالها بتلك الجدية ، وأخفى ارتباكه بالسخرية التي غلف بها إجابته .

- عن نفسي ياليت أنا بحاجة لهالتقنية ، عن الناس مدري .

- .. The window man

لو تبي شي أو نفسك في شي .. علمني عشان أفكر فيه ويتحقق !

- ! OK

نفسي أتزوجك .

قالها مباشرة دون تفكير .

كشرت بوجهه :

- فكر في شي معقول .

- وهذا شي مب معقول ؟ أظن كل العالم تتزوج واﻻ أنا غلطان ؟

- بالنسبة لنا شي مو معقول ، بعدين نبي شي يتحقق الحين بهالدقيقه .

- طيب أجل .. نفسي أبوسك .

سمع صوت قدمها تضرب اﻷرض بعصبية :

- أنا غبية أصلي آخذ وأعطي معك ، عنك لا تمنيت !

قال ضاحكاً :

- ليش عصبتي ؟ خلاص آسفين .. حقك علينا يا أميرتنا !

تمنّعت عن النظر إليه صادة بوجهها .

لكن أقلقه فيما بعد الشحوب الذي كساها .

- وفاء ، كنت أمزح ..

إﻻ أنها أسندت رأسها بالمنضدة بين ذراعيها من غير أن تطمئنه بإجابة .

مدّ يده بارتباك شديد دون يجرؤ اللمس :

- وفاء .. والله كنت أمزح ..

أشارت له بكفها المرتعشة عدم التدخل ، كانت كفها ترتجف بشكل غير طبيعي .

لم يستطع الصبر في مكانه ، نهض يخطو إليها ثم انحنی .

- بنت وش فيك ؟ ! وش هالحساسية الزايدة ؟ !

تضايق بشدة عندما أغلقت أذنيها بقوة كأنما ﻻ تطيق صوته .

كاد ينطق ويغضبها ويحول الموقف إلى خصام لوﻻ استدارت إليه تتشبث بقميصه :

- تكلم .. قل شي .. غني ..
بسرعة بسرعة ..
سمعني بسرعة ..

كانت تلهث وتتكلم كما لو تهذي !

- وفاء وش فيك ؟

- .. ﻻ تسكت ..
.. تكلم ..
.. ﻻ تسكت ..

قبل أن يفهم أي شي أنهضها عن المقعد يرغب اﻻختلاء بها في مكان منعزل بعيداً عن اﻷعين .

حتی ما وصلا سيارته بدأت تستعيد هدوء رغم الرعدة التي ﻻ تزال تتملكها .

جلس أمام قدميها بجانب السيارة بعد أن أجلسها علی مقعده ، يعتصر كفيها بين كفيه قلقاً .

كانت رافضة التحدث بحرف .. منكمشة علی نفسها ،
بدت نادمة بشدة علی الكلمات المستنجدة التي أفلتت من فوهها ،
فرحمها من سيل أسئلته القلقة وقرر إعادتها إلی البيت بأسرع وجه .


- تبي تتخلص مني ؟

سألت عندما أوقف السيارة أسفل مبنی شقتها .

قال بصوت ﻻذع عاقداً حاجبيه :

- وش هالكلام ؟ علامك أنتي اليوم يا بنت ؟

تسارعت أنفاسها فيما تعرب عن قلقها : أنت خفت مني .. صح ؟

اقتلعها عن مقعدها فوجدت نفسها قابعة بحجره .

- كم مرة بأقولك أنتي تخوفين بلد ؟

لم يتوقعها تستسلم بهذه السهولة ..

ارتفعت بجسدها حتی صار عينيها الزائغتين بمستوی عينيه القلقين ..

شجعها قائلاً : ايه حبيبتي ؟ تكلمي ..

- أنا خايفة ..

- خايفة من وشو حبيبتي ..

استندت عليه بضعف ، وبالكاد يظهر صوتها من بين شفاهها المرتعشة .

- أشياء كثير .. كوابيس ..

سأل بشكّ : أحلام ؟

هزت رأسها بعنف ، وفاضت دموع متتابعة من مقلتيها المذعورتين .

- ما بتفهمني .. ما بتفهم ..

- بأفهمك .. أنتي تكلمي وبأفهمك حبيبتي ..

عادت تهز رأسها وتهبط جالسة .

- ﻻ .. بأسكت .. محد بيفهمني ..

فرفعها لتعود وتواجهه ، يأمرها بحزم :

- وفاء انطقي ، أنا أبي أفهم .

- متعب ..

احتضن وجهها الباكي بين كفيه بعاطفة وانفعال حاد :

- حبيبة متعب تكلمي .. احكي .. فضفضي قولي لمتعب عن كل ما يتعبك .. !

قالت بسرعة تصعقه باعترافها :

- متعب .. آسفة .. ﻻ تزعل .. تمثيل .. كنت أبي أتأكد من اسمك .. ﻻ تزعل .. please .. !

تمثيل .. !

هل يعقل ﻷحدهم أن يتقن التمثيل إلی ذلك المستوی .. ؟

عاد يسترجع صور اﻷحداث منذ دقائق في عقله ، ﻻ يعقل .. كل شيء يبدو حقيقياً .. !

تمعّنها في شكّ عميق .. رعبها كان حقيقياً .. ! وارتعادة جسدها ﻻ تزال تسري في جسده حتى اﻵن .. !

تمثيل .. ؟ ﻻ يمكن .. !


- زعلت ؟

- وفاء ، جيعانة ؟

بان عليها اﻻستغراب من ردة فعله الهادئة ، بل وينوي دعوتها علی وجبة الغداء !

أجابت في تلعثم : ﻻ .. ايه .. بس بآكل بالبيت ..

- اليوم أنا عازمك .

رضخت باستسلام غريب تومئ موافقة .

شعر بالرضا وبعض الارتياح وحملها بلطف يعيدها إلی مقعدها ..
غير أنها حركت قلبه بعنف حينما عادت تنحني باتجاهه ..

لكن به يكتشف أن الطفلة ﻻ تريد سوی استعادة نظارتها المركونة أمامه بزاوية الطبلون .


- ? The Window Man

- أميرته ..

- . I Don't Heat You






* * *


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-15, 03:18 AM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



-

















الفصل الخامس























. .
















برفقٍ شديد للغاية .. يضعها على سريرها الوثير العريض .. حتى استقرّ جسدُها الناعم المسترخي عليه ..

يجذب الغطاء الأبيض إلى عنقها يحجبها عن عينيه المتيّمتين .. ليحول كل تركيزه إلى وجهها الملائكي النائم ..

بنسيج الشعر بلون الليل متناثراً حوله كما يحيط سواد الليل بدائرة القمر المضيئة ..

سواداً دامساً جميلاً مشكلاً تناقضاً ساحراً مع البياض النقي السائد بحجرة نومها البيضاء ..

بياض الحائط .. بياض الخزانة .. بياض السرير .. بياض الغطاء .. بياض الوسادة ..

بياض وجهها الملائكي الذي لم يشوهه سوى الدوائر الداكنة تحيط أجفانها المطبقة في سلام ..


يتكرر هذا المشهد مؤخراً على نحوٍ أكثر كثافة .. مع ذلك لَمْ .. ولن يعتاده ..


السّكاكين التي تطعنه في استمرار .. لا تقلّ .. الخناجر التي تخترقه في تضاعف ...

حبوبه المنومة تكاد تهلك جسدها الغضّ الطري .. غير أنه يفضل ذلك على أن يتلاعب به الأطباء ..

ليس يائساً للدرجة التي يرمي معها أنثاهُ تحت رحمةِ عقاقير خبيثة لن تحولها سوى إلى جثة هامدة تتنفّس ..


بدأت رحلة حروفه الإيحائية الساحرة تحيطها .. تخترق عقلها الباطن .. تتلاعب به ..

كمثلِ ساحرٍ متمرّس يتحكم بعصاه السّحرية لقلبِ كل ما يشتهي ويرغبْ ..

ابتلع حروفه حين لمح شفتيها تتحركان بحروف مبهمة كما لو تتجاوب معه ..

ثم عاد إليها سكونها ليتنفس الصّعداء .. ويعود السّاحر في إكمال مهمّتهِ الإيحائية ..





. . .







كان صباح يوم جميل من أواخر شهر فبراير تبتدئ بها اﻷجواء في اﻻعتدال من بعد برودة شهرَي يناير وديسمبر .

بعدَ دقائق طويلة من الانتظار لا يعلم مالذي تفعله بها إلا أنه على يقينٍ من أنها لم تقضيهم في الثياب والزينة ..

هَاهو ذا كَيانها الآسِر يحلّ ..

وقفت أمام نافذته تدفن نفسها داخل معطفها اﻷسود المعتاد المفتوح بإهمال .

- خير ؟ أدق وماترد ليه ؟

تأملها باشتياق ..

مضی وقت منذ آخر مرة خرجاها معاً باسثناء لقاءاتِهما القصيرة في سيارته أثناء إيصالها من وإلى الجامعة ..

كان يحاول خلق مساحة بينهما ووضع حداً ﻻلتصاقه المبالغ بها .. بعدما اكتشف ﻻحقاً أنه يؤذي من بحالتها ..

محاولاً الاكتفاء بمحادثاتهم العابرة المختصرة في الطريق ..

إﻻ أنه كلما احتاجت إليه وطلبته يهرع إليها ركضاً فاتحاً لها ذراعيه عن آخرهما ..
مع أنه ﻻ يملك للتخفيف عنها سوی حبوبه المنومة ودفئه وعباراته المهدئة ..


لوَت فمها بازدراء ، تبتعد قليلاً .

- ﻻ تناظر كذا .. بعدين وين بتوديني ، مالي خلق مكان .

- اشتقت لك وفاء .. أبي أطلع معك شوي ..

ردت بعد سكوت .

- متعب .. حالياً كذا أنا مرتاحه .. ﻻ ترجع زي أول ..

رفع رأسه بكبرياء يخفي به ضيقه : كيف زي أول ؟

لكنها أعادته لمسار حديثهما ، وقد تغيرت نبرتها لمسالمة :

- برد اليوم .. أجِّل الطلعة ليوم ثاني ..

قام بتعديل المرآة الأمامية راسماً على تقاسيمه عدم الاهتمام .

- حتى لو قلت لك ..

هايبر جابان ؟

وصلته شهقتها المندهشة ، فأعاد بصره إليها بابتسامة تشعّ خبثاً .

اقتربت بلهفة حتى أدخلت رأسها النافذة .

- كيف تعرفه ؟

- أعرفه .

- كيف ومن وين ومين ؟ هو الحين ؟

- لا مب هالحين ، بس أبي من اهتمامك قبل أقلب طرطور هناك .

- متی يبدأ ؟

- الساعة ثلاث .

سحبت شهقة طويلة لم توقفها حتى صارت تسعل بوجهه .

- من جدك ؟ بتسحبني معك إلی ... ومتی يخلص ؟

- تسع .

- مشوار طويل يا متعب .. بأتعب والله ..

- يعني بلاش !

OK !

وفرتي علي مشوارين ، مع السلامة .

وأشغل محرك السيارة ليجد غيمة دخانها أمام نافذته وقد أصبحت في لحظة قابعة إلى جانبه .

- بس متعب .. والله تعب ..

- طلعتنا بتكون قصيرة ، بأرجعك ترتاحين .

سألت فيما تتخلص من المعطف ترمي به بالخلف .

- حجزت التذاكر والا بنقطع هناك .. والا كيف نظامهم ؟

- ماقد رحتي له ؟

- ماعرف منه إلا اسمه .. بس قد شفته بفلوقات ناس ..

هتفت صائحة بغتة بذعر :

- نسيت نظارتي !

انحرف إلى منعطف معلناً عدم نيته للعودة من أجل نظارتها ، لم تستمر في الإلحاح حينما وقعت عينها على نظارته السوداء الملقاة بإهمال على الطبلون منذ فترة طويلة .

- ليه رميتيه ؟

تعذرت تمد شفتيها متذمّرة : كبير ..

أمر بصرامة .

- ارجعي شيليه ورديه بأدب .

رسمت أمارات الامتعاض على ملامحها ثم انقادت لأمره باستكانة .

- طيب وبكره وبعده ؟ بنفس الساعة ؟

- تسع ونص الصبح .

- ثنينهم ؟

- ايه ، شربتي لك حليب .. ماء .. أي شي ؟

- شربت مويه .

- لك نفس تاكلين ؟

أجابت بالنفي في الوقت الذي أركن سيارته في مواقف مخصصة لسوقٍ مركزي .

- تجين معي والا تتمين ؟

- بأقعد ، وش بتاخذ ؟ قلت مابي أكل .

قال ممسكاً بمقبض بابه : بأطفي السيارة وأقفل عليك يعني لا مكيف ولا هواء ربنا .

- شكراً ، من يومي أدور موته سهلة ..

مع السلامة أشوفك في الجنة إذا مكتوب لك .

- ضامنة الجنة ما شاء الله ، وانا وش ناقصني عنك ؟

لمَح في صمتها غموضاً لم يريحه قبل أن تجيبه بتمويه :

- يالله روح ، ادعي لي بالرحمة مقدماً .

خرج من السيارة ، مودعاً :

- ما بطول حبيبتي ، إن شاء الله ألحقك قبل تموتين .

أغلق الباب وما أن أدار ظهره انطلقت الطرقات الفوضوية على زجاج نافذته .

- كسرتي سيارتي !

تحرك ثغرها يقول شيئاً ، فهزأ بها :

- طلعي صوت أسمعك من هنا .

- نظارة .. اشتر لي نظارة !

أدخل مفتاحه بالباب ، فأصدرت صرخة خافتة لكنه أسرع بإعادة الباب يسند به جسدها .

- تشوفيني أفتح الباب ؟ ورى ما توخرين ؟

- تكلم طيب !

- تعالي أجل معي وشلون بأعرف قياس نظارتك .

- من منا الكذاب ، كيف جبت النظارة الشفافة ؟

حكّ فكه بكبرياء مجروح .

- جرحتيني على فكرة ، ولا لمستيها للحين .

- وش فايدتها ؟ مفروض أرميها ، أنا أبي شي يغطي عيوني .

- زين تعالي واﻻ مافيه نظارة .

تراجعت تمتد بجسدها إلی المقاعد الخلفية تستعيد معطفها .


قال وهو يزيح قبعة المعطف عن رأسها الذي صنعت منه بديلاً عن نظارتها .

- ترى قسم منتي بحاجة له ، شعرك مسوي الغرض .

أصرّت تعيد القبعة فوق رأسها : أبي نظارة .

أثار ذعرها وهو يدسّ يديه أسفل قبعتها ، وراح يعبث بشعرها ينثر خصلاتها بفوضوية
ثم جلب كمية أكبر إلى الأمام يحجب بهم المزيد من تقاسيمها الناعمة ..

ثم ابتعد يصرّح بإنجاز واضعاً يديه على خصره : خلاص اختفی وجهك .

لكنه عاد يقترب بغتةً عندما تفجرت عاطفته الأبوية متغلبةً عليه ، لتجده يعتصر وجهها مغمغاً من بين أسنانه بلذة :

- ?.. Why You So Damn Beautiful

?.. Why Are You Sooo Cuuuuute

قامت تئِنّ بتألّم ومعاناة من مداعبته العنيفة ، تحاول الكلام من بين يديه الغليظتين :

- ترى هذا تحرش ! بأشكيك لحقوق الإنسان !

- ودي أحشيكِ بكيكة وآكلك ياخي .. !

لكنه تمادى ليتلقى صفعة على خده حينما حملها يخرجها من دفء السيارة ينوي إطارتها في الهواء البارد .

- تعطيني كف ؟

- وش مفكرني عندك؟ لعبة شاريها ؟

لوى فمه بغضاً .

- أنتي لعبتي من زمان ، Baby Doll !

اعترفت باشمئزازٍ حقيقي :

- قربك أحياناً يقززني ، يخليني ودي أتف عليك !

رفع حاجباً ، ثم أومأ برأسه بوعيد .

- ! OK

ورحلتكِ ألغيناها يا حبيبتي !

تقدمها مخلفاً إياها وراءه .

تجاهل خطواتها الرشيقة القافزة تلحق به .

- عادي !

بتوديني بكره أو بعده .

- مب فاضي ﻻ بكره ولا بعده .

رد بجفاء .

فانحنت أمامه بشقاوة : بتفرغ نفسك علشاني وتوديني ..

أوقف تمايلاتها المدلّلة الإغرائية جاذباً إياها لجانبه حين
لمَح سيارة متطفلة على سكون مواقف السيارات الفارغة .

- دلعك ما بيفيدك ، دوري شي مغري أكثر .

- صوص .. صوص .. متعب صوص ...

ساعدني متعب ... متعب ...

حذّرَها بجدية :

- انتبهي يا وفاء ، ﻻ تستغليني بهالنقطة .

أنزلت يديها عن أذنيها محبطة .


أرسلَ قشعريرة لبدنِها فيما أزال قبعتها يمسّد شعرها بيده الثقيلة .

- أنتظر الاعتذار المغري .

حلّ عليها الصمت .

ثم غمغمت في حين بصرها يحدق في الفراغ .

- تقصد تبي جسمي ؟

صدمته الجرأة الغير معهودة منها .

تردّد ثم استجرأ الآخر .

- لو طلبتك تعطيني ؟

- حظك سيء ، بس أعتقد مليان عندك فرص ..

كل مرة تنومني فيها بين ايدينك ، لاتخاف ..

بأسوي نفسي ما دريت .

ثم نقلت بصرها إليه بعينين قرأ فيهما الغموض .

- تثقين فيني وفاء ؟

- لو أثق ما طلع هالكلام .

- وفاء ، اللي يحب مستحيل يآذي حبيبه .

- ممكن ، بس أنت أناني ..

لو تبي شي ما يوقفك حتى الحب .

ثم أردفت : متعب أخليك تكرهني ؟

- تفضلي .

- بابا مثلك ، ولا يزال .

حملق بها في غباوة .

- بابا حق مخدرات .

في غمرة حين اعتراه شحوبٌ شديد .. ارتجافٌ وتعرّقٌ غزير رغم برودة الأجواء ..

تحرّكت شفتيه النحيلتين بلا صَوت ..

فردت تجيب على سؤاله المتوقع .

- سؤلك ماله داعي ، داري آخرتي بأعرف ..

متعب أعترف لك اعتراف ثاني ؟ متعب أنا أتعرض

لاضطهاد بالجامعة .. وتعرضت لتحرش مرتين ..

همس بتحشرج .

- بنات ؟

أومأت وقد خنقت العبرة صوتها .

بصُعوبة تنحنح ، متجاهلاً كل شيء يسأل .

- وفاء .. أبوك مدمن ؟

- إذا قابلته يا متعب بتشوفه رجل محترم ،

مبين طبيعي مب مثل باﻷفلام .

راودته الشكوك .. بل اليقين في أن تكون هذه واحدة من ضلالاتها الوهمية .

- كيف تدرين يا وفاء دام مبين طبيعي ؟

دَقق بالعينين العميقتين في انتظار .

- الكل يدري متعب .. !

زوجته .. عياله .. تجيه حالات ..

حتی ماما تدري ..

زأرَ في غضب عارم : أمك داريه ومخليتك وساكتة؟ مستأمنة عليك عند هالمدمن؟

كشرت اﻷخری في وجهه :

- ﻻ تغلط علی ماما !! وﻻ علی بابا !!

ماما ما كانت تدري ! الحين بس تدري .. بس ما تقدر تسوي أي شي ..

لو كانت زمان تدري كانت سوت الهوايل ! ماما قوية ..

حاول استعادة هدوئه وتفسير إجابتهاالتي تكتنف الضبابيّة عباراتها .

- أمك مريضة يا وفاء ؟

تابع أنامل يديها التي تجمّع الدّم بهم من شدة اعتصارهما بعضهما .

- وفاء أنا ما كنت مدمن ..

طغی اﻻحتقار أساريرها من إنكاره المبتذل المفضوح .

- متعب تبيني أكذب الجامعة بكبرها وأصدقك؟

ثم تمتمت بمرارة :

- ملامحك البريئة .. وغمازتك الحلوه .. طيبتك ..

كله قناع .. كله كذب .. متعب أنت خدعتني ...

- وفاء اسمعيني زين .. لازم أشرح .. لحظه ..

خليني أهدأ .. ارحميني تكفين لحظه ...

انهارَ على قدميه يفرك وجهه بقوة تشعر معه يكاد يفقأ عينيه .

جلست مقابله تواجهه بصدق .

- متعب ما بأكرهك .. ولا بأزعل ،

ما يحقّ لي .. بابا أخس منك .

- تقولين متعب كثير يا وفاء .. شكلك تحبيني ..

سدّدت لكمة حانقة على كتفه .

- شايفه وقت مزح متعب ؟

هتف وهو ما بين ضحكٍ وشفير البكَاء كَالمجنون :

- قلتيها ثاني وأنتي زعلانه ! وفاء والله شكلك تحبيني وأنتي ما تدرين !

ربّتت خديه بقوة : متعب انجنيت .. والا تحاول تضيع سالفتك ؟

دعَك وجهه مجدداً في استعادة لتماسكه .

- اسمعي وفاء ، مثل ما قلت .. ما كنت مدمن ،

كنت متورط بهالسوالف من نواحي ثانية ، بس خلاص ..

لا تتدخلين أكثر .

- أبي أعرف !

تكلّم بأسنانٍ مطبقة بقوّة وقد برزت أوداجه الغليظة ، يشدّ شعره يوشك انتزاعه من جذورِه :

- وفاء أنتي ملاك !! مابي أوصخك بماضيي !!

صكري على الموضوع خلاص !!!

هزت رأسها بشدة رافضة .

- لازم أعرف متعب ! بابا اللي هو مدمن ما انحبس ..

أنت خمس سنين سجن ليش ؟ !

قل لي متعب .. !

عاد ضحِكَه الهستِيري يغلبَه هذه المرّة :

- قلتي متعب مرتين ! حتى وأنتي زعلانه ! مرتين يا وفاء وأنتي زعلانه !

وفاء ! والله تضحكيني يا وفاء ! تحبيني وما تدرين !

سيطرَ عليه سعالٌ عنيف .. يتخلّله تأوّهاته المتألمة من أحشائه
مع ذلك لم ترحمه نوبة الضحِك وكأنها تقسِم على عقابه حتى المَوت ..



- I've seen the world
Done it all
Had my cake now
Diamonds, brilliant
And Bel Air now
Cold winter nights, mid February
When you and I were forever wild
The crazy days, city lights
The way you'd play with me like a child

Cold winter days, rock 'n' roll
The way you play for me at your show
And all the ways I got to know
Your pretty face and electric soul

Will you still love me
? When I'm no longer young and beautiful
Will you still love me
? When I got nothing but my aching soul
I know you will, I know you will
I know that you will



- لا تسكتين ... أبي بعد ... أبي بعد ...

بس أبي أعرف ... ليه تبكين ... يا وفاء ... ؟

همهم كطفلٍ يحاول الحفاظ على كبريائه فيما يمسح عن وجهها المياه الغريبة التي تتناثر من مقلتيه السوداوين .



- When the light started out they don’t know what they heard
Strike the match, play it loud, giving love to the world
We'll be raising our hands, shining up to the sky

When the light started out they don’t know what they heard
.... Strike the match, play it loud



- لا ... ! لا تسكتين ... !

وش فيك ؟

مطر ؟


أدار رأسه لينظر إلى ما تحدق به في الأعلى ، وسرعان ما انتفض ينهض عنها ويجلسها معه
بينما كانت تحاول إخفاء ضعفه خِلسة بيديها المرتجفتين بتجفيف وجهه المحمرّ ..

وانتصبا واقفين في ارتباكٍ شديد لا يجرؤ أيّهما النظر لعينِ الآخر .

صعدَ الصوت الصارم لرجل أمن المركز ، يُعرِب عن شكوى وصلتهم
عن وجود ثنائيّ مجنون يمارسان علناً في منتصف مواقف السيارات
الخاصة بالسوق التجاري .

حاول تمويه ارتباكه بالاستقواء على ضابط الأمن لكنها أخرسته بقرصةٍ خفيّة توقف سيلَ
الألفاظ البذيئة التي تكشف عن فمٍ فاسدٍ قذر لم تختبر منه سوى الكلام المعسُول .

ثم أخذت تجره معها بعيداً عن رجل الأمن إلى حيث سيارته .


- شكلنا نسينا نفسنا ..

غمغمت في حرجٍ .

أغلق الباب ، يطلبها فيما يضعها في مقعدها .

- وفاء ، خلينا نأجل مهرجانك بكرة ..


بعد سكوت قصير ، خاطبته بنبرة روحانية .

- متعب أنت تقرأ أفكاري .. أو تسمعها ..


رَد بعد تفكير :

- إذا أقرأ أفكارك أو أسمعها ليش أتكلم معك ؟

كان يكفي أقعد ساكت ونسولف بأفكارنا ، واﻻ ؟

- بس مو أول مرة والله ! معقولة صدف ؟

أنت مهكر جسمي ! صح متعب ؟

والا حاط جهاز تنصت بدماغي ؟

- نفس الشي حبيبتي .. لو حاط جهاز تنصت بدماغك أو مهكر جسمك

ليش ألجأ أسألك دايماً ؟ ليش أتعب نفسي وأحقق معك وأطفشك مني دايماً ؟

وما تعرفين شي اسمه تخاطر ؟ لما الاثنين قريبين ..

مب شرط حب .. ممكن صداقة .. يحصل تخاطر .

ثم أكمل كمعلمٍ يشرح لتلميذه :

- وايش يعني التخاطر ؟ يعني أنا أحس فيك .. أو أنتي تحسين فيني ..

وأحيانا سبحان الله يصدف نفكر بنفس الفكرة .. هذا هو التخاطر حبيبتي ..


- بس .. أحياناً .. أحسك فضائي .. مثلي .. !


التزمَ الصبر ، يجيبها في هدوء :

- إذا أنا فضائي ليش شكلي بشري .. ليش عندي جلد ولحم بشري ؟

ليش أعيش بينكم أنتم البشر وأوهق نفسي بمشاكلكم وتخلفكم .. بما إن الفضائيين عايشين في تطور وحضارة .. ؟
لو أنا فضائي كان خطفتك من زمان ورجعت كوكبي الفضائي .

وأنتي نفس الشي .. ليش شكلك بشري ؟ ليش عندك لحم ودم ؟
عمرك تحولتي ؟ عمرك ركبتي طبق فضائي .. عمرك تكلمتي بلغة غير لغة البشر ؟

شفتي فضائي ايه ما اختلفنا ، لكن ماله علاقة بكونك بشرية أو فضائية ..

إذا أمك بشرية وأبوك بشري .. إذاً أكيد أنتي بشرية .


- حتی أنت متعب .. زمان كنت تقول عني فضائية ..


أخذ يلعن بداخله طيشه وتهوّره القديم :

- كنت أمزح حبيبتي ، لو قلت الحين إنك سيارة هذا شي معقول يا وفاء ؟
كنت أقصد بالكلمة إنك أنثی فريدة من نوعها ..
شخصيتك .. حركاتك .. كل شي فيك فريد ..

وايش يعني فريد ؟ يعني أنتي مميزة ..
يعني أنتي بعيوني يا وفاء أفضل أنثی بالكرة اﻷرضية .

غير كذا الفضائيين وجودهم مب مثبت وأكيد ، علمهم عند الله .


أراحت ظهرها على المقعد ، بادٍ على ملامحها الحيرة .


ثم هتفت ببَهْجَةٍ مفاجئَةٍ :

- متعب وش رأيك في الأغنية الأولى .. ؟

توصفنا بالحرف .. !

كاد يوافقها بسرور لولا أن استأنفت :

- شفت لما أقل لك كل شي عندي يتحقق .. ؟ ! أنا ساحرة متعب .. !

افرح متعب .. ! حبيبتك ساحرة .. ! تقدر تحقق كل شي .. !


- عفستي أم الأغنية بدلتي بالكلمات وغيرتي باللحن ! قالت ساحرة !

وش دخل الساحرة ؟
الساحرة أعرف إنها تحضر الجنّ وتأمرهم يركبون الناس ..
عمرك حضرتي جنّ ؟

- ايه متعب .. الجنّ معي دايماً ..

- سألتك عمرك حضرتي جنّ ؟

يعني استدعيتي جنّ مثل الساحرات ؟

ما سألت إذا راكبك جني أو ﻻ .


كَما في كلّ مرّة .. كان قد أغلق كلّ أفكَارها ..

أجهدها وأرهق تفكيرها وهو يغلق كُلّ فكرة تنتجها حتی استسلمت ..

تنهّدت .. ثمّ أغمضت عينيها في استِسلام ..


كان قد اعتادَ هذه الطريقة في جميع حواراته مع أفكَارها السّحرية ،
بل كان يخصص ساعة بين كل فترة وأخری يدخلها معه في حوارٍ
مع اﻷفكَار الخاطئة التي تسيطرُ عقلها ..

يتركها تتحدث وتتحدث فيما هو يكتفي بالرّد علی كل نقطة وَفكرة ويسدّها .. لتصل إلی نهاية مغلقة ،
وتنتقل إلی فكرة أخری ثم أخری .. وَهكذا إلی أن يُجهدها وَيُرهِق تفكيرها .. فتستسلِم .

ثم يبدأ معهَا رِحلة اﻻسترخاءِ المُعتادة بعد كُل حوار مع أفكَارها ، ليقوم بإزالةِ الحيرَة التي وضع بها أفكَارها ..
حيثُ يقوم بزرعِ اﻷفكَارِ الصحيحة محلَّ اﻷفكَار القديمةِ الخاطئة بحديثٍ هادئٍ وكلماتٍ مُطمئِنة ..















TBC







-




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-11-15, 03:19 AM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



-




















- الضرورات ... يا زفت ... زفت ...

يالبراءتِها .. يالنقاءِ لسانها .. بالرغم من غضبها .. هذه كانت أقوى شتيمة تعرف إطلاقها ..


أنهى إعداد كأس الحليب الدافئ ، يتجه إلى جسدها المشتعل المتهالك على المقعد ..

رفعها إلى منضدة الطعام ثم جلس محلّها وفي إحدى يديه شريط حبوب خافضة للحرَارة .

سدّدت له ركلة حانقة رغم آلام ضلوعها .

- يا زفت قوم ... أنا على الكرسي ... شي يسندني ...

انهارت على جنبها قبل تتمّ عبارتها الواهِنة فنهض عن الكرسي بتدارك يعيدها إليه ، وجذبَ كرسياً آخرَ إلى جانبها .


بثقلٍ وأنين تحرك رأسها رافضة .

- مابي مسكن ... منوم ... أبي منوم ... وين المنديل ...

دسّ حبّة الدواء بفمها يلحقه بسائل الحليب يرغمها على ابتلاعه لآخر قطرة .


- واحد جديد كمان ... متعب ... يرقص فوق الثلاجة ... !!!

- خليه يرقص فوق الثلاجة وياخذ راحته دامنا داريين إن ما بمقدوره يسرق اﻷكل .


- دوخه .. متعب ..

أمسك بها عندما دخلت في إغماءة جديدة ، لكنها استيقظت خلال أقلّ من دقيقة لتعود لنحيبها البائس .


- زفت ! الضرورات ... تبيح محضورات ... منوم ... مخدرات إن شاء الله ...

أبي أنسى ... عطني من مخدراتك ... يا زفت ... الضرورات يا زفت ...



" الضرورات تبيح المحضورات يا حبيبتي .. أنا آسف ..
شكلك بتموتين .. بأنقذك يا أميرتي .. سمّيها قبلة النجاة ..
.. يا أميرتي الكهرمانية .. "



بالأمس كان قد وعدها بمفاجأة .. أقنعها بتأجيل مهرجانها لليوم التالي من أجله ..

لتكتشف فيما بعد أنها فاجعة لا مفاجأة .. أخذها إلى جسر برج لندن المطلّ على نهر التايمز ..

قائلاً أن حلمه منذ زمن هو القفز من فوق هذا الجسر ..
ويرغب بشدّة في أن تشاركه تحقيق حلمه القديم ..
وإلا فلن يقفز بدونها .. !

ثم ادّعی أنه سيفيدها في معالجة مرضها القديم فوبيا المرتفعات ..
يحاول إقناعها وهو يشرح لها كطبيبٍ مهيبٍ وقور كيف أنه يجب التخلص أولاً
من الأمراض والترسبات القديمة حتى يمكنه معالجة المرض المستهدف حالياً
والذي سيتمكّن من القضاء عليه .. !

كاد يودي بها إلى التهلكَة في ذلك الصباح القارسِ البرودة ،
الارتطام القويّ والحادّ بالماء بالرغم قد حماها باحتضانه لها
إلا أن آثار الارتطام اخترقتها ولا تزال بضلوعها حتى الآن .

لمْ تلحق مشهد مروحيات الإنقاذ وهي تحومُ حولهما ، والتي كان قد
استدعاها مسبقاً لإنقاذهما قبل أن يجرفهما التيّار المائي بعيداً .

ولمْ تستيقظ من غيبوبتها سوى وهي بين ذراعيه وسط رجال الإنقاذ والشرطة
يرفض تسليمها لهم لإسعافها .. يحاول أن يلوذ بالفرار بها .

غير أنهم أجبروه على الخضوع للتحقيق مع فتاته ، ورغم
سيطرة الهلع عليها إلا أنه تمكن من إقناعها بحيلة للفرار .

فسردت لهم اعترافا كاذباً مع أنها بالكاد تقدر على النطق .. بأنها نوَت الانتحار فلحِق بها لإنقاذها ..
ليكافئها فيما بعد بقبلة أخرى أسماها قبلة ردّ المعروف .. !


لم يفارقها منذ الأمس .. مذ رأى علامات الحمّى التي أمسكت بها من فورها ..


- .... Come bake

.... Come back


- يا حبيبتي التايتنكية والله طلعنا من الماء خلاص .. !


- .... Come back .... Come back

.... Come back


قاوَمت ذراعيه بمقاومة ذابلة .


- لا .... سرير مابي .... يعورني .... عظامي ....

لا ترجعني .... Come back .... Come back

.... Come back .... Jack .... Come back


- بنت كأني سمعت كلمة غلط !


- .... Come back .... Jack

.... Come back .... Jack .... Jack

.... Jack .... Jack .... Jack


وكَأنما العناد والشقاوة تسري بدمها ولا تنفكّ عنها رغم المرض ،

ورغم أنها وسط هذيان الحمّى المخلوط مع هذيانِ الفصَام .


- ما تفهم أنت ... السرير يطير نوم ... مابيه ... أبي ....


توقفت تحدق إلى شيء مَا خلف ظهره ، إحدى الكائنات الخفية التي تراها ..


- الله !

طوابير اﻷرانب رجعت .. !


! .. WAA


متعب .. نفسي تشوفهم .. !

أشكالهم .. جميلة .. !

بيضاء تليق بغرفتي .. !


- حبيبتي وفاء ، اسمعيني بأقول لك شي ..

قاطعته منشغلة وكأنها تتابع فيلم ٍ سينمائي ..

- خلني أركز .. نادر المناظر الحلوة .. !

أبيهم .. ! متعب .. جب لي أرانب بيضاء .. !

- وفاء بأعوضك عن المهرجان .


أخذت تتلفت حولها بعنقٍ متعب :

- فين اللاب .. ماما تتكلم .. !

- اللاب بالصالة .

- ماما دقت .. رح جيبه ..

- ما نحتاج نجيبه دام تسمعينها من هنا .

أخذت تحاول اﻹنصات والتركيز .

- سكتت .. سكتت راحت يا متعب .. ليه ما جبت اللاب بسرعة ..


مرّر على عينيها يد دافئة يغلق أجفانها الرقيقة ، يخاطبها بدفء .

- غمضي عيونك ، بأشغل قرآن .. وتسترخين .

- دماغي يا متعب .. دماغي زحمه ..
إزعاج .. صداع .. منوم متعب الله يخليك ..

- من ايش الزحمة واﻹزعاج ؟

- أصوات .. أشياء .. دماغي ملخبط .. أفكار كثيرة .. أنا مشوشة ..

- وش هي اﻷفكار ؟ طلعيها .. أبي أسمع ..

- كثير مرا يا متعب .. أفكار كثير .. فوق بعض .. يجرون ..

- أبي أعرفهم .. سمعيني .. تكلمي عن كل فكرة في بالك الحين .

بدأت تتحدث بسرعة واضطرابٍ شديدين .. تلاحقُ كلّ فكرة تمرّ بعقلها ..
كما لو تودّ إفراغ رأسها ووَضع كل شيء داخله بين يديه .



ﻻ يعلم شيئا عن والدتها ..
إن هي حيّة ترزق ..
أم مريضة تعاني في الفراش ..
أم ودّعتها روحهَا .. !

كلّ ما يعلمه اﻵن .. أن والدتها التي لطالما ثرثرت عنها وعن ارتياحها لها ..
ﻻ وجود لها في هاتفها .. بل عالمها مع والدتها ينحصر في جهاز ﻻب توب قديم ..
ﻻ أثر لوالدتها به سوی رسائل محادثات قديمة تحتفظ بهم منذ عهد برامج الماسنجر ..
تصل تواريخها لسنواتٍ ..

ومقاطع فيديو مسجلة لدردشاتها مع والدتها ذات الملامح الدّافئة ..
التي لم تكن تشبهها شكليّاً سوی في دفءِ الملامح والشعرِ الفاحم ..

لم يخفف عنه سوی أن هلاوسها عن أمها لم تتعدّی كونها هلاوس سمعية ..
وإﻻ لكَان سيفقد عقله هو اﻵخر لو اعتقدت بوجود والدتها بينهم ..

والدتها الأمر الوحيد الذي لم يجرُؤ على الاقتراب منه ..
خاصة أنه لا يعلم إن كانت ما تزال في هذه الدُنيا أم لا .. !

لا يمكنه مناقشتها في أمرٍ لا يحيط به علماً .. يخشى أن يؤذيها بهفوة فيندم ..
فقرّر ألا يقترب من أوهامها لوالدتها خاصة أنه أمرٌ يريحها لا يؤذيها بعكسِ بقيةِ الأوهام ..

كُلّ ما حدثته به عن والدتها من أمور وصفات كانت دقيقة لحدٍ ما ومشابهة
ﻻستنتاجه شخصيتها الفريدة من بضعِ رسائلَ وبعض محادثاتِ الفيديو ..

اﻵن قد بات يعرف مِمّن ورِثت أنثاه ذلك الذكَاء الفريد مع تلك الجاذبيّة الغامِضة ..

ﻻ ينكر كم أشعرته علاقتهما الدافئة بالغيرَة .. فأحاديثهما بدت له وكأنهما صديقتان ..
ﻻ أمٌ وابنتها .. صديقتان يملأ دفءٌ عظيم علاقتهما ..

لم يشعل غيرته سوی شخصية فتاته وّ رِقّة تعاملها مع والدتها .. بالرغم من ارتياحها لها إلا أن الخجل والتحفظ كان يحيط بها ..
صوتها يغلب عليه النعومة واللّطف وحديثها رَقيق أبعد ما يكون عن تعاملها الفظّ معه ..



- موتني متعب .. ارجع ارميني بالتايمز ..

- تبينا نعيد التجربة حبيبتي ؟

- أذوني تعورني متعب .. أذوني .. أبي أصير بكماء ..

- حبيبتي البكماء ما تتكلم ..

- وش يسمون اللي ما يسمع ... نسيت ...


سرَتها رعشة ناعِمة حين لمسَ أذنها بشفتيه .

- أحبك يا وفاء .

- حبتك ليدي غاغا .. وخر ..

- وش هالدعوة ؟


سكنت لدقائق ، ثم شكت تزيح يده عن عينيها بضيق .

- يدك تعرق شيل مو ناقصه حراره ..


وعادت تهذي وتثرثر .


- متعب .. متعب .. تحب سيارتك أكثر مني .. متعب .. ؟


- سلامة عقلك ، خبل أنا أفضل جماد عليك ؟

أنتي وسيارتي بنفس المنزلة .


- يعني تحبني .. وتحب سيارتك .. أكثر شي في العالم ..؟

طيب .. إذا تعورنا .. أنا والسيارة .. من بتحزن عليه أكثر .. ؟


- بأحزن علی الثنتين .


- طيب .. وإذا اثنينا بنموت .. وعندك خيار .. تنقذ واحد ..

تختار أنا .. واﻻ سيارتك .. ؟


- بأختارك ثم ألحق علی السيارة ، يصير أنقذتكم ثنتينكم .



- أنا محتارة .. متعب ...


- محتارة في ايش حبيبتي ؟


- محتارة فيك ... أنت ...

أنت ... بطل ... واﻻ مجنون .. ؟ ..


- ﻻ أكيد بطل .


- ﻻ متعب ... أنت مجنون ...

أنت مفروض ... يحطونك في شتر آيسلاند ...







فوجئ بها تستدعيه قبيل فترة المغرب تدّعي أنها بخير ومستعدة لحضور المهرجان .. !

كان غير مقتنعاً بذهابها بحالتها تلك .. تركها نائمة بعد أن نجح في إدخال الاسترخاء إليها بمساعدة الآيات القرآنية ..

ويظهر من صوتها النشيط على الهاتف أنها نامت جيداً ..


سلّم أمره وذهب إليها قاصداً .. ليجدها لا تقوى حتى على التوازن والوقوف على قدميها ،
كلما انتصبت واقفة يجتاحها الدوار وتنهار .

- لأنك ما أكلتي شي أكيد .. أكلتي ؟

- مافي وقت متعب .. بسرعة نروح !

- من جدك بنت ؟ كيف بتروحين وأنتي ما تمشين ؟

- فكّر ، طلع أي فكرة .. المهم أروح !

- ايه فيه فكرتين لا ثالث لهما ، يا إما أجب لك كرسي متحرك ، يا إما أشيلك على ظهري .

رمته بالوسادة حانقة : لا تستهزئ فيني !

التقطَ الوسادة متمتماً .

- أظن الواحد لما يجي يطلب خدمة يراعي الاحترام على الأقل لمصلحة ! والا لا ؟

- أبي أروح !

- حركات البزرنه اللي كذا ما أحبها أنا يا وفاء ، ملاحظك تدلعتي كثير بالفترة الأخيرة .

تأفف بتضجر حين رأى تقلب شفتها السفلى استعداداً للبكاء ، ثم قال متوجهاً للمطبخ :

- تبين تمشين للهبال حقك لازم تاكلين حاجة ،
لأن يالفاهمة يالعاقلة يالجامعة أي واحد بطنه فاضي معد بيمشي .

أعد لها وجبة خفيفة تشبع بطنها الصغير أتبعه بحبّة الدواء لدرء الانتكاسة في الخارج .

ثم أخذت تحاول الوقوف بعد كل دقيقة وأخرى تنتظر ساقيها يستعيدان قوتهما في حين كان يواري ضحكاته .

- أقول .. الظاهر يبي لك نص ساعة على بال ما توقفين ونص ساعة ثانية على ما تمشين .. تعالي بس .

أحنى ظهره وجثى على إحدى ركبتيه ، ودغدغ قلبه عفويتها وعدم ترددها
تحيط عنقه بذراعيها الدافئين ، فعلم أنها نسيت تماماً أمر الفوبيا خاصتها ..

وما أن ارتفع قليلاً حتى تداركت ورمت بنفسها عنه قبل أن يقف .

- اسمعي وفاء ، أعرف جماعة من شباب مهابيل شكلك ..
تكلموا عن تصوير ما تصوير بأخليهم يعطوني نسخة .

- ما بأستفيد شي ! أنا دايما أشوف لهم مقاطع ..
مابي تصوير .. أبي أروح برجولي وأشوف بعيوني !

- وش تبيني أسوي لك ! خلصت الحلول ، عندك حل قوليه ولا سلام عليكم بأروح !

- أكرهك متعب !!

- وش ذبني أنا ؟ وش سويت ؟

- تستغبي ؟ اللي فيني بسببك ! جسمي مكسر ما أقدر أتحرك من الطيحة !

- وفاء الطيحة كلها جات فيني ، كنت حاميك .. وش جاك أنتي ؟

- تعورت يا متعب .. حسيت بالطيحة .. حسيت بعضلاتي تتشقق ..

اندفع نحوها ينتشلها بغلظة آلمتها بشدة ، وسار بها صوب باب الشقة
يحملها كطفلٍ يجلسها علی ساعدهِ اﻷيسر فيما أخذت تبدي مقاومة يائسة .





كان المكان مزدحماً لدرجة لم يتخيلها ، ولكن ﻻ تزال ﻵلئ الدموع معلّقة برموشِ أميرته الرقيقة ..

- مو راضي يروح .. ما أتنفس زين .. متعب اجلس .. بنجلس ..

- جينا عشان نجلس ؟

- أبي أجلس .

- أسمع صوت جاي من داخل ، شكل فيه عروضات .. ما تبينا ندخل ؟

تخطّى بها الأناس الملونون ذوي الأزياء التنكرية الغريبة وكأنهم في ليلة عيد الهالوين .

لكن لم تجذبها العروضات المسرحية ، بل تسببت لها بالانزعاج
وشكت له آلام أذنيها فأخذ يبتعد عن ضجيجِ مسرح العرض .

- وش هالمصاخة وفاء ؟ متأكدة راضيه عن نفسك أنتي الحين تتابعين هالأشكال ؟

وشوش بأذنها مشمئزاً من حركات الدلال المائعة صادرة من مجموعة فتيات يرتدون كالدمى .

فردت بصوت مبحوح : يقلدون بنات الأنيمي .

- وع ، لو تسوين كذا قسم بوقس على راسك وفاء !

- يشوفونه cute ..

- ! It makes me sick

حاولت إزالة تقييده في محاولة للتخلص منه ، فخضعَ لرغبتها أخيراً وراح ينزلها .

حاولت التوازن بيأسٍ متشبثة به وقد سيطر ملامحها القنوط لتوشك علی البكاء مجدداً .

فأوقف محاولاتها البائسة فيعود ويحملها ، يسأل بعطف : تبين مكان معيّن حبيبتي ؟

- أبي أرجع البيت ..

- مشورتينا ويوم وصلنا تبين البيت ؟

- الله ﻻ يسامحك ..

- اوف ! وش هالحقد ؟

تساءل مذهولاً من الدعوةِ الحاقدة النابعةِ من قلبها .

قرّر تلبية رغبتها بالعودة ، خاصة أن حرارتها عادت باﻻرتفاع والإرهاق طاغٍ ملامحها .

- لحظة متعب .. !

وقف .. فرقة موسيقيّة .. !

- من هذول ؟

- ما أدري .. شكلهم عاديين زينا ..

قال بسخرية بينما يقترب من التجمع حول الفرقة .

- أخيراً شي أعرفه .

- Super Mario ..

- يا الله يالذكريات !

هتف يضحك ، وبقيا يراقبان بينما الناس المتجمعة تقفز وتتراقص مستمتعين باستعادة ذكريات طفولتهم .

- فنانين صح ؟ ضبطوها .. أحلى من الأصلية .. !

دغدغته وهي تعبّر ضاحكة من بين حنجرتها المتعبة
بعدما انتهت الفرقة من عزف مقطوعة السوبر ماريو الشهيرة .

وظلّا يستمعان للمقطوعات التالية بانجذاب ، كانت فرقة موهوبة
متمكّنة تحيل الموسيقی العادية إلى موسيقى عذبة ساحرة .

- متعب بنجلس .

انقاد لطلبها يرتاح على الأرض بتنهّد .. فنهضت عنه تجلس جانبه .

- وش موسيقى الفواصل الهبله هذي اللي كل شوي يعيدونها .

وشوشت له : متعب اجلس زين ..

- تعبت من الوقفة ، كيف بتحسين وأنتي مرتاحة فوق مثل اﻷميرة .

- شوي وتنسدح ! عدل جلستك شوي !

- سبحان الله حتی وأنتي هلكانة تعب تفكرين بالناس ،

والله محد دری عنا يا بنت الناس وبأنسدح علی رجلك بعد هيا تعالي ...

قاطعته بشهقة :

- ! O MY GOD ! O MY GOD ! O MY GOD

تعرفه متعب .. ؟ تعرفه .. ؟

قالت حالمة فيما ابتدأت الفرقة بمقطوعة موسيقية جديدة .

قال ببطء مقطباً : مألوفه أحس .

- فاينل فانتسي 10 !!!

- اوه ؟ .. لحظة ..

صح .. !

- ! O MY GOD

عبّر يضحك بحنين : يا قدمي ...

- اسكت .

للتوّ يتنبه كم تتمتع أنثاهُ بأذنٍ موسيقيّةٍ مرهفةٍ .. إنها تستمتعُ باﻷلحانِ .. وَتمتلك حسّاً موسيقيّاً رَاقياً ..

ذلك يناقض معلومته عن أن الفصامي ﻻ يمكنه اﻻستمتاع .. !

ذلك يجعله يتأكد اﻵن جيداً .. من أن ليس كل أعراض الفصام
يشترط أن تكونَ مجتمعة في مريضٍ واحد .. !

وأنثاهُ الحَبيبَة تثبث ذلك .. !

- تعرفين تجيبينها يا وفاء ؟

سأل بعد أن انتهى عزف ذكرياتهما القديمة .

- ايوه .. للحين أسمعها .. !

- فين تلاقينها ؟

- باليوتيوب! تبيني أرسل لك؟

فيه وحدة مسوية منه كوفر بالانجليزي بقوة مضبطتها .. حبيتها .

أنا مو حافظة إلا اللي بالانجليزي ، تبي انجليزي والا الأصلي ؟

- أبي الاثنين ..

غني لي اللي بالانجليزي ..

- طيب ، بس مو الحين .. خلاص اسكت .

عادت إليه تحدثه طالبة : متعب هات جوالك .. أبي أصور .. نسيت جوالي ..

- أحد ينسى جواله ؟

مد لها بهاتفه فاستلمته بأناملها المثلجة .

- موسيقى ايش هذي وفاء .

قال بلامبالاة بعد أن عاد إليه ملله يعبث بإحدى خصلاتها السوداء .

أجابت في حينِ منشغلة بالتصوير .

- مقدمة دراغون بول .

- حقتنا أحلى .

- صح متعب .. كثير أجانب شفتهم أعجبتهم النسخة العربية ،
يقولون أجواءها ملحمية وأجمل من الأصلية .. حبوها!

- فين شفتي كل ذا ؟ من متى تقابلين ناس .

- على اليوتيوب!

بالتعليقات .

علّق ساخراً :

- بس شي طيب ، على الأقل تفوقنا على اليابانيين من ناحية .

هتفت بحماس :

- حتى أغنية بوكيمون .. حبوها!

- ليتك تفرحين على صوتي كذا ..

- صوتك مخيس .. بطل تغني .

- حاضر أديل .

أعادت إليه هاتفه ، منبهةً : أرسل لي بعدين .

قهقهَ بصَخب : مره ثانيه مع الفاصل الغبي حقهم .

همهمت بحرجٍ : متعب بشويش ...

- نفسية مثلك أنا ؟

- متعب فيه بازار هنا .. بنمر عليه ..

فكر يتفحصها غير مطمئناً ..

التعب واﻹرهاق تضاعف بوضوح رغم ثرثرتها ونشاط صوتها .

حملها متوجهاً بها إلى الخارج .

- أبي أشوف البازار متعب !

- أنا طفشت وتعبت ، أبي أرتاح .

- متعب أنت أناني !

- أناني بعد كل هذا ! صدق جاحدة !

- أناني .. أنا ما طفشت .

- حبيبتي شوفي الحرارة رجعت ، والتعب علی وجهك باين .. نبي نرجع قبل الانتكاسة ..

بعد سكوت ، غمغمت ببطء .

- متعب أنا طفشت منك .

تنبه لما وراء عبارتها فوضع من فوره حداً يميت بها الضلالة الجديدة التي توشك الولادة .

- كذا يا وفاء ؟ الله يسامحك ..

أنا ما بأطفش منك لو تصيرين لي لزقة عنزروت .

وغمره اﻻرتياح لما رَأی زوال الشكّ عن عينيها .

- متعب .. ؟

- يا أميرته .

- بأكافئك .

يالشفافيتها .. يالنقائها وعفويتها الملائكية .. !

سألها بهيَام : والمناسبة ؟

- الطلعة هذي .

- ممكن أعرف نوعية الكافأة .

- ما أعرف ، بأفكر .

ثم شهقت بقوة :

- متعب ! أنا مو لابسة نظارة .

ضحك : صحّ النوم يا حبيبتي !

لامَته بحنق : ليه ما ذكرتني ؟

لكنه قال فجأة : يالله ، غني لي !

تطلّعته حائرة .

- فاينل فانتسي !

فغرت فمها الجافّ المحمرّ من شدّة الحرَارة التي ارتفعت بسرعة قياسيّة وزادت من قلقِه :

- أبداً مو وقتك .. أنا باقي زعلانه منك ..

قال يود أن يجعل من عقلها مستيقظاً خشية عودة هذيان الحمی :

- وش دخل الزعل ؟ غني ..

- آسفة .. ما أقدر .

- كيف بتكافئيني وأنتي زعلانه ؟

- ﻻ تخلط المواضيع ، المكافأة عشان الطلعة .

لكن قلبي مو راضي عليك .. من حق أمس .

- ومتی ترضين .. ؟

- ما أدري .. أنا قلبي أسود ، ممكن ما أرضی أبداً .

بس ماله علاقة بالمشاعر ، ما بأكرهك .. لا تخاف .

همس : وفاء ... !

أسندت رأسها التي شعرت بثقله علی كتفه .

يكمل يعبّر في انذهال :

- أنتي منطقية يا وفاء وصادقة بشكل ما تخيلته ! حتی وأنتي تعبانه .. !

ثم أردف يتساءل : من شوي بالبيت قلتي تكرهيني .

- كذبت ، هذاك كان حقد مب كره .

- حاقدة علي وفاء ؟

- حاقدة .

- الحقد مب زين .

بدأت عينيها تذبلان .. وصوتها يخفت : الحقد يريحني .

- من تحقدين عليه بعد .. ؟

- ماما .. وبابا .. وكل كائن ..

سأل متعجبا : تحقدين علی أمك ؟ ليش ؟

- ﻷنها ماتت ..

وكأنما أصابه الخرَس والشّلَل مجتمعين .. تجمّد مثل فزاعةٍ وسطَ حشدٍ من الغِربَان .

- الصوص رجع متعب ..

يتشقلب فوق سيارتك بالكفن حقه ..







* * *


آسفة على التأخير حبايبي اعذروني ...

التنسيق والتنقيح أخذ مني وقت طويل :'(

الحمدلله نزلته في آخر دقيقة ..

أحبكم ..



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-15, 11:21 PM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


ـ


الفصل السادس


. .




- كلهم ضدي ...




تنهّد بعمق :

- العالم قاسي يا وفاء ...



- محد يبي لي الخير ... الكل يحاول يؤذيني ...

- فعلاً ... هالزمن معد منه أمان ...

- أبي أموت وأرتاح ...

- خذيني معك يا وفاء ...




أدارت رأسها إليه ، مستغربة :

- وأنت ليش حزين ؟



- أنا بشر يا وفاء ... لي قلب ... ليه ما أحزن ... ؟

- ايش يحزنك ؟



- ... أبي أقول لك يا وفاء ... بس أنتي أنثی .. ضعيفة ...

... بأوجعك ... وأنا مابي أوجعك ...




- طيب من محزنك ؟

- مثل ما قلتي يا وفاء ... العالم ...

الناس القاسية ...




هتفت كمن اكتشفت اكتشافاً :

- صح ! أنت اللي يكرهونك أكثر من اللي يكرهوني !



- ... Say something I'm giving up on you ...

... And I .. am feeling so small ...




عبّرت بمواساة :


- أنت تحزن أكثر مني ...

سجن .. وناس يكرهونك .. غربه .. وسمعه سيئه ..

أهل متبريين .. متأخر بالدراسة .. وحب من طرف واحد ..

وبتدخل النار ....



قاطعها صائحاً : أنتي قاعدة تواسيني واﻻ تحطمين الحين ؟ !



تنهّدت بحزن :


- تحزن متعب .. توني أستوعب إنك تحزن ..


ذكَّرها بغيظ : قومي شفي اﻷكل بس أشم ريحة حريق ..



- اوه ؟ نسيته ! وأنت ساكت ليه ؟



ﻻمته ورحلت راكضة بعد أن أطعمته ركلة خاطفة .





رفع راحتَي يديه المستندين عن أرضية السيراميك المتسخة وراح ينفض الغبار عنهما ،

ثم تبعها إلی المطبخ الذي يتسرّب منه رائحة الأطعمةِ الشهيّة بعد جلسته التحايليَّة القصيرة .




- بشري ، احترق ؟

- خوفتني ، حاسة الشم عندك مقلوبة .



كانت تقف في انتظار قدر الضغط يفرغ بخاره .





صغيرته طبَّاخة ماهِرة .. بل ومُبدعة .. !

كان الطبخ إحدی هواياتها الغريبة التي اكتشفها بها ،

وسبقَ وتناول من يديها بضع أطباق جعلته يحلِّق في السَّماء .




راح يراقبها مسنداً كتفه ببابِ المطبخ بينما تقوم بإعدادِ مائدةِ الطَّعام .


لكَم تبدو طِفلة للغاية بالنسبة لكَونها طبَّاخة .. طبَّاخة فاتِنة .. !



بدت له مثل اﻷمِيرَة المُدَلَّلَة في القصَّةِ اﻷسطُوريَّة ..



اﻷمِيرَة التي أُجبِرَت علی الزَّواجِ من فقيرٍ

فاضطرت للعملِ من أجلِ لُقمة العيشِ .. !




- متعب تعال ساعدني شوي .. عشان نستعجل ..


تقدم يقترب مُعيباً :

- أذكر إني جايب لك مريلة طبخ ، وری ما تلبسينها يا مهملة؟



كان يعبِّر بلومِه عن رغبته الخبيثةِ في رؤيتها ترتدي مَريلة الطبخِ اﻷُنثويَّة

التي حرص علی اختيارها بدِقَّة .. فحينها ستكتمل هيئَة الطبَّاخةِ الفاتِنة .


ستبدو كَدُميةٍ طبَّاخة فاتِنَة .. !



- بس صب العصير بالكاسات ، عصير سويته بالثلاجة ،

أنا شوي وراجعة تذكرت شغلة .


وتركته ليبتدئ مهمَّته الصَّغيرةِ والسَّهلة .


وهاهو ذا يضع الكأسَينِ المُمْتلِئَينِ بلوْنِ الحُبِّ علی طرفَي المَائِدة ، ثم يتأملّهما بفخرٍ وإنجَاز .




- بنت وش تسوين اﻷكل برد !

صاح منادياً .

- جايه جايه ..


أتی صوتها عائدةً راكضة .



ثم توجّهت للقدرِ وبدأَت بالغرف .



- مكافأتك .. My Hero !


قالتها بابتسامة فاتِنة شقيَّة فيما تقدّم طبَقه وتضعه أمامه .



- , Thank You

! .. My Beautiful Princess



- ! You're Welcome, Baby



رفع حاجبيه .



ثمّ قال يحذّر :

- شقاوتك هذي بتوديك في داهية يوم ، انتبهي علی نفسك يا وفاء .



- حاضر ..

! Baby



حرَّك رأسه خيبة ، يهَمهِم بغير رضاً كأبٍ سبَّبَ له ابنه بالخذلانِ .



ثم اتجه بتركِيزه نحو طبق الكَبسة الحمرَاء أمَامه .




وابتدءَا تناولهما وجبة الغدَاءِ البيتيَّة كَعائِلة دَافِئة مُجتمعة حول مائِدة الطَّعامِ التقليديَّة .




- وفاء !


أنا ﻻزم أتزوجك !


أنتي زوجة مثالية !!




تكلّم بفمِه المُمْتلِئ متلذذاً .



ثم اعترف فيمَا يتبع اللُّقمة بالأخری بنهَم :

- كبستك أحلی من كبسة أمي ! ما أصدق !









أراح ظهره علی قاعدةِ الكرسيّ بعد أن أفرغ كأس العصيرِ في معدته ،

يمسح علی بطنه مثل أبٍ ستينيّ سمين لعشرةٍ من اﻷبناء .



سألته إن كَان يرغب بطبقِ الحُلْوِ اﻵن ، لكن طلبَ تأجيله فاقترحت بنُعُوْمَة :



- طيب وش رأيك أغلفه وتاخذه معك ، Baby ؟



نطقت بآخرِ كَلمة وهي ترمِشُ بدلالٍ مُصطَنعٍ .




لكنه أزالَ نظرة الدَّلالِ تلك بنظرةٍ ناريَّة منه زاجرَة .


فقامت ترفع اﻷطبَاق بكبريائِها المطعُون دون أن تسمح لعَينيها تتلاقانِ بعَينيه .




قال مذكِّراً : علی فكرة ما أرسلتي لي .



تطلَّعَته بغيرِ فِهم .



- حقك ذاك ، الفاينل فانتسي .



قالت ببُرودَة :


- أنا انسی نفسي وأنسی أنا ويني .. تبيني أقعد أتذكر لك هالتفاهات ؟



نظرَ إليها بعَطفٍ وأَلَمٍ دَفِين .



- تعالي وريني ياهم الحين ، مب ﻻزم ترسلين .



توجهَّت للجانبِ اﻵخر تجلب هاتفها المُلقی بجانبِ سُترتهِ الدَّاكِنة علی إحدی مقاعِد الصَّالة .


ثم عادت إليه منشغلةً بالتركِيز بالشَّاشة .



- انجليزي أول ؟ والّا اﻷوريجينال ؟

- اﻷصلي طبعاً.



تربّعت علی اﻷرض مستندة بالكرسيّ الذي يجلس .



تَمْتَمَتْ مُحبَطَة : حاذفته شكلي .. كنت محمّلته ..


قليلاً ... وصعدت مُوسِيقی سَاحِرة في غاية العُذوْبة تشدّ تركيزه ،

فارتفعت تقف علی ركبتيهَا تضع هَاتفها بين يدَيه .. بابتسامَة تفوق المُوسيقی عُذُوبَة .



انجذبَ إلی مشاهدِ مقطعِ الفيدِيو بِحَنينٍ .. يتذكَّر به مَاضِيهِ القدِيم البرِيء .. غابَا عنِ الواقِعِ ..

بدوَا وكَأنَّما قلْبَيهمَا اللَّذينِ يعزِفَانِ المُوْسِيقیَ المَلِيئة بِاﻷحَاسِيسِ ..




- وفاء !!

أنا وأنتي ! أنا وأنتي بالماء يا وفاء !!



صاحَ بانفعالٍ صبيانيّ .



بدَا عَدم الموافقة والرّضا علی وجهها ، ليعود ويؤكِّد :


- والله يا وفاء !! أنتي وش عرفك غاب عقلك أصلاً ؟!


ردّت بحقدٍ قويّ : ﻻ ما غاب ! حسيت فيك يا متعب ! كنت وحش !



كانت قد أخرَسته بِقَسوَة بالغة جعلته يتراجع خَائِباً ، والتزمَ الصَّمت يتهرّب من نظرَاتِها المُتَّهَمَة .




- جيبي اﻻنجليزي .



قال بصوتٍ مختنق ، وتناولَ كأس الماءِ يبتلعه دُفعة واحدة فيمَا

تُفَّاحَة آدَم خاصته تُعلِن عن غضبٍ ثائِر داخله باندِفاعَاتِها العَنِيفَة .



تغاضَی عنها متجاهلاً حين ابتعدَت بهاتفها دون تلبِّي طلبَه .



فنهضَ يستنِد براحةِ يده علی المنضدَة : وين الحلى ، رايح .




- طيب ، دقيقة .

















من الواضحِ سارَعت للاختِباء في الوقت الذي سمعته يقتحِم شقَّتها !



يجب أن تتعلم درساً .. ﻻ ، بل درسَين !


ستتعلّم درسَين اثنَينِ في يومها هذا الذي سيحُولَه سواداً في هذا الحِينْ .




- وينك !!!!


صاحَ مُزمجراً كأسدٍ غاضِب .




أخذ يدور بتشتُّت بأودَاجه القاتمة التي تُنذِرُ بِالشَّرِّ .





- اطلعي يا بنت !!!!




ليست أسفل السَّرير ، وليست بداخل خزانةِ الملابس ..


ليست بأيِّ غرفة ، ليست بالحمَّام ، ولا بالمطبخ .. وﻻ بغسَّالة الثيَّاب !




أين من المُمكِن أن تختبئ تلك الشَّيطانة الصَّغيرة !




استقرّ أمام آخر موقع يمكن لقِطَّةٍ اﻻختباء بِه .




وبدأ بفتح المخازن السُّفليَّة الخاصَّة بالمطبخ واحداً تلوَ الآخر ،

حتی انسَلَّتِ القِطَّة العِفرِيتة مجرد كشف إحداه عنها ، لتتعلَّق بعُنِقهِ طالبةً الرَّحمة .




- آسفة .. سامحني .. آسفة متعب .. تكفی ..




مع غلَالة الغضب المسيطرة عليه ومقدار الحقد والغيظ الذي تسبَّبَت به ، لكن كيف بضّعفِها اللَّعِينِ

وتوسُّلِها الذي يذيب الحَجر .. كَيف به ﻻ يذيب قلبه العَاشِق لها ويخمد من نارِ غضبِه ..؟





- ليش .


سألَ باقتضابٍ شديد .




رفعت رأسها عن صدرِه الذي يعلُو ويهبِط بحدَّة .




- أنتقم ... من التايمز ...



اعترَفت بضَعفٍ .. بصَوتٍ صَغيرٍ جداً ونَادمٍ .





- قلتي مكافأة .



- الغداء كان مكافأة والله ! أصلا ما كنت حاطه ببالي اﻻنتقام والله !

طلعت لي الفكرة فجأة ! صدقني متعب والله .. !




أبعدَها عنه بيدٍ جلفَة .



وراحَ يبتعد .




جلس علی أحد مقاعد الصَّالة الواسِعة ، محاولاً استجماع هدوئِه .




- تذكرين وش قلت لك يا وفاء ؟ أنا حذرتك .



ذكَّرها مُغمض العينينِ .




- عيدي وش قلت .




ثم أعادَ أمره بصرامة شديدة لمَّا لَمْ يلقَ جواباً : عيدي وش قلت يا وفاء !




- قلت بأتمنی الموت .. علی اللي .. بتسويه فيني ...


تحدثت بسُرعة بصوت متقطّعٍ مُرتجف .




اعتدلَ في جلستِه يواجهُهَا بعينيهِ الَّلاذِعتَين .



- ما شاء الله عصفورين بحجر بعد !

طلعي الحبوب بسرعة !




هرَعت صوب حجرة النوم ذعِرَة ، وعادت إليه خلال بضع ثوانٍ تمدّ له بشَريط الحُبُوب المُنوِّمة

بيدين مرتجفتين ، وأوشكت علی اﻻنهيارِ وهي تنتظر بصبرٍ نافذٍ أن يستلمه من يدِها .





خطفَ شريط الحبُوب ، ثم نهض مودعاً بوعيدٍ صَكْصَكَتْ عظامها .



- الوعد جايك يا حبيبتي ، توبي لربك .. وقبرك جاهز .



- ادفني بالسعودية .. جنب ماما !



هتفت سريعاً بنبرة مُتهدِّجة .




- حاضر يا حبيبتي ، أي أمنية ثانية ؟




- انساني وﻻ تحزن عليّ .. عيش حياتك وتزوج وخلف وجيب عيال وأحفاد ..




حدَّق بها من جدِّيَّتها في اﻷمرِ .. يَالَلْمَجنُونَةِ هذه التي وَقع في حُبِّهَا !



لمْ يجد نفسه إلّا مُلقياً برأسهِ للوراء يُقهقِه بملءِ قلْبه .


- تآمرين يا حبيبتي !






لم يحيِّره في اﻷمرِ سِوَی من أين لها أن تجمع كميَّة الحشرَات تلك التي زيَّنت بها

وجه طبَق التحلِية ، الذي قدمته له من ضمنِ مكافأتها المُدَّعِية .



تخيَّلها وهي جاثِمة في حوش منزل والدِهَا في إحدی زياراتِها له .. تنتظر حشرة مارَّة ،

وتختطفها تضيفها إلی الكيسِ المُمْتلِئ بالحشراتِ الحبيسَة .



هَذهِ الفتَاة .. تُشعِرَه أحياناً بأنَّها مَزِيجٌ يجمعُ بين فتاةٍ قرويَّة جَاهِلة قادمَة من الرِّيف و أفعیَ سامَّة ماكِرة تتظاهَر بالبرَاءَة ..

وَفتاة أدغالٍ شُجاعَة تمتلِئُ طيشاً وحَمَاقة .. !



شَيْطَانَة بقِناعِ مَلَاك .. مَلَاكٌ شَيْطَانِيَّة ..


تخونه الكَلماتِ وتضيع منه ليصفَ تلك الأُنثیَ الَّتي لم يحيِّره شيءٌ بقدرِها في سنينِ حياتهِ الطَّويلَة .
























. . .



















- فينك يا حبيبتي .. ~


نادی مُلحِّناً بمُتعة .



كانت مُستعدة ، مُغلِقة باب حجرتِها علی نفسِها .




- حبيبتي ... شكلك ما تدرين .. !

عندي نسخة بعد لمفتاح غرفتك يا أميرتي .. ~



- متعب والله أتصل علی الشرطة !! والله أكلم بابا !!



- أها ، أبوك تلاقينه ياحبيبة قلب متعب المسكينة .. مسطّل وﻻهو داري عن هوی دار أمك.




شرع باب حجرتها عن آخره .




إنها فارغة ..



ما أمرُ هذا النسيم الغريب ؟





سقط قلبه بين قدميه حين وقع بصره علی النافذة المفتوحة بالكامل .. والهواءُ يطير ستائرها البيضاء الرقيقة ..





- وفاء ... أكيد تمزحين ... أنتي هنا وفاء ... صح ؟




خرجت من أسفل سريرها بسرعة من الاضطّراب الغير طبيعي الذي كسیَ صوته ..



فانهارَ علی ركبتيه جاثياً علی اﻷرض ... وتأوّهات عميقة تنطلق من قلبه المرتجف ...




اقتربت منه خائفة .


- متعب تشوفني ؟ أنا هنا ... !





كان يتنفّس بحدّة وقوّة كأنما يعاني الرَّبو .




- متعب أنا آسفة ....


قالتها توشك علی البكاء من ملامحه المنهارة .





- متعب يالله انتقم مني .... وين الوعد .... ؟





حاول التحرك واﻻعتدال ليهدّئ من روعها .




فرَك عينيه بقوّة ، وأخذ يسحبُ أنفاساً عمِيقة يستعيد بها قواهُ الخائِرة .




ثم نهض مُتحاملاً علی نفسها ، يرفعها عن اﻷرض .



- الوعد بالصالة يا حبيبتي .



خرج صوتهُ أَجشَّاً من تأثير هَول خُدعة الصَّغيرة الشقيَّة ..

كانت صدمَة مُضلِّلَة كادت تجعل عقله يودِّعه .












توقّعها تصرخ .. تنهار .. أن تركض وتعود وتختبئ أسفل سريرها .. !




حينما تواجه ملك الغابة الذي في انتظارها .. في منتصف شقَّتها البيضاء الملائكيَّة .. !







- ! OH .. MY .. GOD


ظلَّت ترمقه بانبهارٍ وإعجابٍ شديدَين .





- متعب !

أنت حققت لي حلم حياتي !

متعب كيف تعرفي أحلامي !

أنت مهكّر جسمي متعب أنا متأكدة !





أنزلها إلی اﻷرض بحرصٍ ، أخذت تتقدم ببطءٍ شديد كَالمسحُورَة ..




توقفت في منتصفِ طريقها إلی ملكِ الغابة ، تلتفت إلی صديقها :



- مسالم ؟ عادي ألمسه ؟




خلخل أصابعه بشعره متنهداً في حيرة ستقتله بها هذي اﻷُنثی العجيبة .



- مسالم ، مسالم .





ماهي إلّا دقائقَ حتی أصبحت تمتطي اﻷَسد كَجوادٍ ..


تحتضِنَهُ تارَّة ، وتعتصِرَه ..


وتمسِّد شعره الكثيف الناعم تارَّة أخری .





بينما يقفُ جانِبهَا يتأمَّلُها مَسحُورَاً .. !





- ناقصني أرانب بيضاء .. جب لي أرانب بيضاء يا متعب .




رمَت بأمرِها عليه كَاﻷمِيرَةِ ، ثم عَادت تستلقي ببطنِها علی ظهرِ اﻷسد المُسترخِي بدِفءٍ ونُعُوْمَة .




كَم تبدو نَاعِمَة ورَقِيقَة بجوار اﻷسدِ بخُشُونَتِه وشَرَاسَتِه .. نَاعِمَة ولَطِيفة للغاية .. !




- وفاء خلاص انزلي ، بدأ يتضايق .

- ﻻ !!

أطلقت رفضاً غاضِباً .



فتقدّم وأنزلها بنفسه عن ظهر الوَحشِ ، يُخاطبها بلُطفٍ :


- تبين أرانب بيضاء ؟ ﻻ تزعلين اﻷسد علشان ﻻ ياكلنا وتصير الأرانب البيضاء في الباي باي .




- بتجيب لي أرانب بيضاء متعب .. ؟


- أجيب لك أرانب بيضاء يا حبيبة متعب ..


- متعب سامحتني ؟





ﻻ يعلم كيف يصف عيناها ونظراتهما ، بالرُّغم أنهما ﻻ يحويَان النَّدم إﻻ أن ذلك المقدار من البَرَاءَةِ يشفَع .. !




- متعب أنا سامحتك ، سلِّم .. سلام المسامحة !



امتدَّت يده الثَّقيلة المرتبكَة .. لكن ما أن مسَّها واستشعرَ نعومَتها وطرَاوتها .. قام يعتصِرها بلَا شُعُور .



بصُعُوبة خلَّصت كَفّها المحصُورة بيدهِ المُلتصِقة ، وقالت وكأنَّها تُعرِضُ فِكرةً حَكِيمةً .



- اﻷسد نظافته عليك ، أنا بس بأربيه و أوكله .



اتسَّعت عيناه مدهوشاً .



- من جدك بتربين أسد ؟

والله يا عيوني ما أشوف بكره إﻻ اﻷخو تاكي وعظامك تتراقص بسنونه .



- مو حقك ؟ !



- حقي مين يا روح أمك ! متسلفه هذا .





همهمت بتحديق مابين وجهه وبين اﻷسد وكأنها تستخرج الفروق بين الكائنين .



- حسبته حقك .. يشبهك !



- هذي أعتبرها إهانة واﻻ مديح ؟





رفعت كتفيها حيرَة وهي تعود وتقترب من اﻷسد الكسول .




انحنت بتركيز عند يديه ، ثم جلست تلامسهما وتتفحصهما بفضول .


- متعب وين مخالبه ؟



- شايلينه .



شهقت في شفقة : حرام ! ليش ؟



ثم التفتت إليه متعجبة .



- ليش خايف طيب ؟ ما بياكلني !

إﻻ إﻻ صح عنده سنون .. !



- وسنونه بعد حاكينها ، شوفي !



أخذ يباعد فكي اﻷسد عن بعضهما .



- ! WOOOOOOOW

أقدر أدخل راسي متعب ؟



- بطلي هبال بنت !



ترك اﻷسد ، وبسرعة أخذها يبعدها عن الخطر :



- أنتي والله خطيرة الله يستر منك .. تفهمين وش يعني خطر ؟

عندك حسّ بالخطر أنتي واﻻ ما عندك؟!



- متعب أنت خواف ، طلعت أنا أشجع منك !


- زين يا طرزانتا ....



قاطع كَلامه وهو يری فمها الصَّغير ليكاد يشقّ وهو يفتح .. تنظرُ فوقه بمقلتينِ توشكانِ القفز .



وقبل أن يستوعب اﻷمر شعرَ بثقلِ الجسد الجبليِّ علی ظهره ، والذِّراعينِ الغليظينِ يستندان علی كَتفيه .



ابتعدت تتأوَّه في إثارَة .




صرَخت بإعجَابٍ بَالِغ :



- !!! .... متعب .... شكلك .... !!!

!!!! .... CUUUUUUTE .... !!!!

!! .... OHHH MY GOD .... !!



غطَّت فمها تحبِس أنفاسها ، ثمّ اختفت تطير لحُجرتها هاتفة به ، مُهدِّدة :



- ﻻ تتحرّك متعب !




وتعود بسرعة البرق بيدها هاتفها ، وتوالت إضاءات فلاش الكاميرا في التقاطات عديدة ، ما أرغم شيئاً

من اﻻحمرار يغزو وجهه .. في شكل مخالف لعادته ، ونقيض تماماً للجرأة التي تلفه في جميع الأحوال .




قفزت تصيح في فرحَة لدیَ انتهائها من اﻻلتِقاطات للموقف المثيرِ والنَّادر ..



ومن ثمَّ انضمَّت إلی اﻷسَدَينِ اللَّطِيفين تُعانِقهما معاً .. وهي تفيضُ بمشاعِر لَمْ يعهدهَا مِنهَا .. !





ضحكت تهتف باندِهاش ولتوِّها تلاحظ الخجَل الذي يلوح بشرته بوضوح رغم سُمرته :




- متعب أنت تستحي ! تستحي متعب ؟ !





دفعها عنه بخشونة عابساً مقطباً ، إﻻ أنها عادت تلتصق به ضاحكة ، تتسلَّقه تحاول الوصول لخدَّيه تودّ قرصهما .





تظاهرت بتجاهُله واﻻنجِذاب نحو اﻷسد حينما رأت رفضه .


- شف اﻷسد أكوت منك ، ﻻ يزعل وﻻ يتدلع .




أبعد وجهها عن اﻷسدِ بتخوُّف وضِيق ، ثم أنزلها متخذاً قراره بإعادة اﻷسد لصاحبه حالاً قبل أن

يتهور ويلتهم الطِّفلة البلهَاء .. والتي حتی هو البشري بالكادِ يمكنه مقاومة رغبتهِ بالتهَامها .




عارَضت ذهابَ الوَحش برفقتهِ بشِدَّة ، وقامت بالعديد من التَّحايُلات والمُحَاولات بَلْ واﻹِغرَاءَات

ﻹجبارهِ علی الخُضُوعِ والتَّرَاجُع .. وأذرفت له أنهاراً من الدُّموعِ الكَاذبة تحوَّلت بعدها لِدُمُوعٍ حقيقيَّة .




إلی أن وعَدَها صادقاً بأن يُعيشها التَّجربة مُجدَّداً وبِالكَمِّ الذي تُريد ،

وهكذا تركَها بابتِسامة فتكَت بكَيانهِ مع قطراتِ الدُّمُوع تِلْك .. المُتعلِّقة برُمُوشِها السَّوداء الجَمِيلَة .






هَلْ يُخيَّل لهُ ، أمْ مَاذا .. ؟



مُؤخراً ، انفِعالاتُها العاطِفيَّة في ظُهُور .. تعبِيرَات الوَجهِ في تعدُّد ..

وكَأنَّ المشاعِر البشريَّة تفجَّرَت بهذه الكَائِنة فجأةً .. !





هَلْ هي تعيشُ رِحلة عِلاج معه اﻵن دون يُدرك .. أم ماذا ؟




إﻻمَ يعودُ كُلّ هذا اﻻنقِلاب والتَّغير .. بَلْ والتّفتُّح ؟




هَلْ لتحايُلاته وحوارَاته الماكِرة معها التي لطالما تُبطِنها نواياهُ الخَبِيثَة هذا التَّأثِير ؟




تلك الحِوارات العَابِثة المُتلاعِبة ، وَتلك الجلسات الشبه أسبوعية التي اخترعها يمثل دور الطبيب ..

التي ليست أكثرَ من اقتناصٍ للفرص لإشبّاعِ رغباتِه القذِرة بها . !


يتلاعبُ فيها بعقلها البريءِ كَالسَّاحر ينجح في جعلها تصدِّقُ كَمْ بإمكانه الشُّعُور بها وفهم كُلّ ما يدور حولها وداخلها ..

بكَلماتٍ مُراوِغة تنسابُ من فمِه المعسُولِ بكل يُسرٍ !





في حينِ أنَّها أكبَر مَخلُوقٍ مُثيرٍ للحيرَةِ لهُ علی وجه الكُرة اﻷرضِيَّة !






























* * *


انتهى


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:58 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.