آخر 10 مشاركات
245- احداث السحر - كارين فان - م.م .... حصرياااا (الكاتـب : angel08 - )           »          [تحميل] جنون المطر ( الجزء الأول) للكاتبة الراااائعة/برد المشاعر(مميزة) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          الإغراء الحريري (61) للكاتبة: ديانا هاميلتون ..كاملهــ.. (الكاتـب : Dalyia - )           »          110 قل..متى ستحبني - اليكس ستيفال ع.ج (كتابة /كاملة )** (الكاتـب : Just Faith - )           »          حق بين يدي الحق (1) *مميزة ومكتملة* سلسلة نساء صالحات (الكاتـب : **منى لطيفي (نصر الدين )** - )           »          سباستيان...أنيسة (112) للكاتبة: Abby Green (ج3 من سلسلة دماء سيئة) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حَمَائِمُ ثائرة! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Lamees othman - )           »          ❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-10-15, 08:25 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الحلقة ( 19 )


استيقظت "مريم" فجراً .. لتجد نفسها نائمة فى الشرفة ومدثرة بالأغطية أزاحتهم وهى تنظر اليهم بدهشة .. قامت وهى تحملهم وتوجهت الى الداخل لتجد "مراد" نائماً على الأريكة بلا غطاء .. وقفت تنظر اليه بدهشة .. لحظات وانطلق منبه هاتفه .. فتركت الأغطية على الفراش ودخلت لتتوضأ .. خرجت لتجده مستيقظاً تجنبت النظر اليه تماماً .. قام وتوضأ ونزل للصلاة .. عاد "مراد" من المسجد ليجد "مريم" نائمة على الأريكة وقف بجوارها قائلاً بصرامة :
- مش قولتلك نامى على السرير
قالت دون أن تلتفت اليه :
- لأ
أزاح الغطاء عنها فالتفتت اليه بحده .. فأشار الى السرير قائلاً :
- هتقومى ولا أشيلك
نظرت اليه بدهشة .. فتحرك وكأنه سيهم بحملها فانتفضت تقوم بسرعة من مكانها وتوجهت الى الفراش فى تبرم وضيق .. تمتمت بصوت منخفض :
- عنيد
التفت اليها "مراد" قائلاً :
- بتقولى حاجه
نظرت اليه قائلاً :
- لأ
احتاجت لبعض الوقت قبل أن يستطيع النعاس أن يغلبها .

**************************************************
فى الصباح التقى الجميع على طاولة الطعام بإستثناء "نرمين" .. قالت "ناهد" برفق :
- "مراد" خلاص بأه .. خليها تعد تاكل معانا
قال "مراد" وهو يتفحص جريدته الصباحية :
- هو أنا قولتلها متعدش
قالت "ناهد" :
- هى مضايقة من نفسها ومكسوفة منك
قال "مراد" دون أن يرفع رأسه :
- والمطلوب منى ايه
قالت "ناهد" برجاء :
- اتكلم معاها
طوى "مراد" الجريدة ونهض قائلاً :
- لما أرجع ان شاء الله .. أنا خارج .. مع السلامة
قالت "ناهد" :
- مع السلامة
كانت "مريم" شاردة تماماً .. فظلت "ناهد" تنظر اليها بإمعان .. الى أن قالت :
- فى حاجه يا "مريم"
التفتت اليها "مريم" وابتسمت قائله :
- لا يا طنط مفيش حاجه
أومأت "ناهد" برأسها وغرقت فى شرودها هى الأخرى

**************************************************

- واثقة ان "حامد" متصلش بيكي وأنا مسافر ولا انتى اتصلتى بيه ؟
ألقى "مراد" هذا السؤال على مسامع سكرتيرته التى وقفت أمامه متوترة .. فقالت :
- أيوة واثقة يا فندم
قال "مراد" وهو يتفرس فيها :
- عارفه لو اكتشفت ان ده حصل منك هعمل فيكي ايه
قالت بإضطراب شديد :
- صدقنى يا أستاذ "مراد" متكلمتش مع أستاذ "حامد" ولا عرفته أى حاجه عن حضرتك
ظل "مراد" تنظر اليها بشك ثم صرفها قائلاً :
- طيب اتفضلى على مكتبك
خرجت السكرتيرة مسرعة .. التفت "طارق" الى "مراد" قائلاً :
- انت شاكك فيها ؟
قال "مراد" :
- أيوة .. مفيش حد غيرها يعرف انى خدت ملف مصنع الملابس معايا البيت فى اليوم ده بالذات
قال "طارق" :
- طيب هتعمل ايه
قال "مراد" بثقه :
- متشغلش بالك أنا هعرف أتصرف
قال "طارق" بدهشة :
- بس أنا مش فاهم انت بتقول ان فى حد بينقل لـ "حامد" أخبارك .. طيب هو أصلاً كان هيقدر ياخد الملف ازاى من جوه بيتك ؟ .. وايه اللى عرفك انه عارف أخبارك ؟
قال "مراد" وهو يعود لعمله :
- متشغلش بالك يا "طارق" .. بس ركز مع "سامر" لانى شاكك فيه هو كمان
قال "طارق" وهو لا يفهم شيئاً :
- طيب .. مش هقول أى معلومات مهمة أدامه
خرج "طارق" من مكتب "مراد" .. فترك "مراد" ما بيده .. أسند ظهره الى المقعد وقد بدا عليه التفكير .. أخرج هاتفه وبدا عليه التردد قليلاً .. ثم اتصل بـ "سارة" قائلاً :
- "سارة" بقولك ايه
- أيوة يا أبيه
- تحبوا تخرجوا النهاردة ؟
قالت "سارة" بفرح :
- أيوة طبعاً نحب أوى .. نروح فين ؟
قال "مراد" :
- زى ما تحبوا
قالت "سارة" بسعادة :
- خلاص هتكلم معاهم هنا فى البيت ونتفق على المكان وأتصل بيك يا أبيه
- تمام يا "سارة" .. هستنى اتصالك
انهت "سارة" المكالمة ثم توجهت الى الحديقة حيث يجلس الجميع وقالت بفرح :
- مش هتصدقوا .. "مراد" اتصل بيا وقالى هنخرج كلنا سوا وقالى كمان احنا اللى هنختار المكان
هتفت "نرمين" :
- تبهرجى .. يعني ميجيش يفسحنا الا وأنا وهو متخاصمين
قالت "سارة" بمرح :
- كويس هتبقى فرصة حلوة عشان تعتذريله وتصالحيه .. المهم دلوقتى هنروح فين
قالت "ناهد" لـ "مريم" :
- تحبي تروحى فين يا "مريم" ؟
قالت "مريم" بحرج :
- زى ما تحبوا انتوا
هتفت "نرمين" بمرح :
- بصوا بأه أنا شايفة اننا نستغل الفرصة دى أسوأ استغلال ممكن .. أصلها مبتتكررش كتير
قالت "سارة" ضاحكة :
- نعمل ايه يعني ؟
قالت "نرمين" :
- بصوا مش هو قال احنا اللى نختار المكان .. خلاص نقوله اننا عايزين نقضى يومين فى العين السخنة
قالت "سارة" :
- بتهرجى يا "نرمين" مستحيل يرضى طبعاً .. هو أكيد قصده انه هيفضيلنا ساعة ولا اتنين ونخرج فى أى حته هنا
قالت "نرمين" :
- يا عبيطة نقوله كده مش هيرضى فنقول حاجه أقل .. أما لو طلبنا الأقل على طول هيخليه هو أقل من الأقل بتاعنا .. فهمتوا حاجه
قالت "مريم" ضاحكة :
- تقصدى تعلى صقف تطلعاتك عشان لما يختار حاجه أقل تكون زى ما انتى عايزاها
قالت "نرمين" بمرح :
- عليكي نور .. هو ده اللى أقصده
قالت "ناهد" ضاحكة :
- شكلكوا هتخلوه يندم انه فكر يخرجكوا
قالت "نرمين" لـ "سارة" بلهفه :
- يلا يا "سارة" اتصلى قوليله عايزين نقضى يومين فى العين السخنة أكيد هيقولك لا مش هينفع .. تقومى قايلاله خلاص يوم واحد هيقولك برده مش هينفع قوليله خلاص هتخرجنا من دلوقتى لحد ما نتعب ونقولك خلاص كفاية
قالت "سارة" :
- انا مالى يختى قوليله انتى كده
قالت "نرمين" برجاء :
- عشان خاطرى يا "سارة" بأه انتى عارفه انى مش هعرف أتكلم مع "مراد" واحنا متخاصمين
أعطت "سارة" الهاتف لـ "مريم" قائله :
- قوليله انتى يا "مريم"
هتفت "نرمين" بلهفه :
- أيوة قوليله انتى يا "مريم"
قالت "مريم" بحرج شديد :
- لا مش هينفع قولوا انتوا
طلبت "سارة" الرقم ووضعت الموبايل على أذن "مريم" قائله :
- لا محدش هيكلموا غيرك بس نفذى الخطه اللى قولناها عشان يخرجنا اليوم كله بدل ما يضحك علينا بساعة ولا اتنين
شعرت "مريم" بالتوتر وهتفت قبل أن يرد :
- "سارة" كلميه انتى .. أنا مش هعرف ........
لم تستطع أن تنهى جملتها لأنها سمعت صوت "مراد" يقول :
- أيوة يا "سارة"
نظرت "مريم" الى "سارة" برجاء وأبعدت يديها الممسكة بالهاتف .. لكن "سارة" أعادته الى أذنها مرة أخرى . كانت "ناهد" تتابع ما يحدث بصمت .. أمسكت "مريم" الهاتف ونظرت الى الجميع ثم قامت لتبتعد قليلاً فما كانت ستستطيع التحدث أمامهم حتى لا يلاحظ أحداً منهم مدى ارتباكها .. قال "مراد" :
- ألو "سارة"
قالت "مريم" وهى تنظر خلفها الى العيون المتطلعة اليها :
- أيوة .. أنا "مريم"
انتظرت أن يتحدث لكنه لم يفعل .. فقالت بتوتر :
- البنات أصروا انى أنا اللى أكلمك ومعرفتش أهرب
بقى صامتاً فأكملت بتوتر بالغ :
- هما بيقولوا انهم عايزين يطلعوا يومين العين السخنة
كانت تشعر بسخافة ما تفعل لكنها مضطرة حتى لا ينكشف أمرها أمام أخوته وأمام "ناهد" .. فأكملت قائله :
- هما أصلا عارفين انك هترفض بس هما ........
قاطعها "مراد" قائلاً :
- خلاص مفيش مشكلة جهزوا نفسكوا وأنا هخلص اللى ورايا وأكلمكوا
قالت بدهشة :
- يعني أقولهم انك موافق
قال بهدوء :
- أيوة
صمت كلاهما .. ثم قال :
- أنا مضطر أقفل دلوقتى عشان معايا تليفون تانى
قالت "مريم" بسرعة :
- تمام .. وأنا هبلغهم
أنهت "مريم" المكالمة وتوجهت اليهم فقالت "نرمين" بلهفه :
- ها .. اوعى تكونى منفذتيش الخطة
قالت "مريم" مبتسمه :
- لا نفذتها
صفقت "سارة" بيديها بمرح طفولى قائله :
- يبأه هنخرج طول اليوم .. يلا نفكر هنروح فين
قالت "مريم" مبتسمه :
- مش انتوا قولتوا عايزين يومين فى العين السخنة
نظر الجميع اليها بصمت فشعرت بالتوتر وقالت :
- قالى انه موافق وجهزوا نفسكوا على ما يخلص اللى وراه
ساد الصمت لحظة والكل ينظر اليها بعدم تصديق ثم صاحت "نرمين" :
- انتى بتهرجى صح .. "مراد" هيسفرنا .. هيسيب شغله ويسفرنا
أومأت "مريم" برأسها وقالت بهدوء :
- هو قال كده
تعالت الضحكات الفرحه وأخذت يتحدثن عن ترتيبات الإستعداد لهذه الرحلة .. وعيون "ناهد" مسلطة على "مريم" والابتسامه على شفتيها

**************************************

قال "طارق" بإستغراب :
- مش مصدق .. "مراد" هيسيب الشغل يومين ومش بس كده هيسافر يتفسح كمان .. ده انت مبتغبش من الشغل الا فى الشديد الأوى
قال "مراد" وهو يسرع من انهاء الأوراق التى أمامه :
- البنات بقالهم كتير مخرجوش .. وهما اللى اختاروا العين السخنة
نظر "طارق" الى "مراد" بأعين متفحصه وقال بخبث :
- البنات برده
رفع "مراد" رأسه ونظر اليه قائلاً :
- قصدك ايه
قال "طارق" مبتسماً :
- ربنا يهنيك يا "مراد"
نظر اليه "مراد" دون أن يتكلم فأكمل "طارق" :
- بجد بدعيلك من قلبي .. لانك راجل محترم وتستاهل كل خير
صمت "مراد" قليلاً ثم قال :
- انت فهمت الموضوع غلط
نظر "طارق" فى عين صديقه قائلاً :
- لا أنا فاهم صح .. وصح أوى
هرب "مراد" من عيني صديقه .. فقال "طارق" بهدوء :
- متخفش منها .. دى بالذات متخفش منها
نظر "مراد" اليه وقد بدا فى عينيه حيرة كبيرة .. فأكمل "طارق" :
- بس خلى بالك .. اللى أعرفه انها كانت بتحب خطيبها أوى .. وانها من يوم ما اتوفى وهى رافضة الإرتباط تماماً .. وانها مش من السهل انها تحب غيره
ثم أكمل :
- أنا مش بقولك كدة عشان أحبطك .. لا أنا بقولك كدة عشان أعرفك الوضع عامل ازاى .. عشان تتصرف على الأساس ده
ظل "مراد" محتفظاً بصمته فنهض "طارق" قائلاً :
- يلا أسيبك تخلص اللى وراك .. ومتقلقش سافر وانت مطمن أنا هبقى هنا فى الشركة
ابتسم له "مراد" قائلاً :
- تسلم يا "طارق"
خرج "طارق" وترك "مراد" ومشاعر كثيرة متضاربة تعتمل داخل صدره .. وحيرة كبيرة وخوف أكبر بداخله

***************************************



انطلق "مراد" بهم فى طريقهم الى العين الساخنة .. وصلوا الجميع الى الفندق الذى حجز فيه "مراد" لمبيتهم .. كانت "مريم" سعيدة للغاية وهى تتطلع الى الطبيعة الساحرة حولها .. فلم يسبق لها أن غادرت القاهرة يوماً الا عندما ذهبت الى أهل والدها فى الصعيد .. لم تكن "سارة" و "نرمين" أقل سعادة من "مريم" .. حجز "مراد" حجرة للفتاتان وحجرة لوالدته وحجرة له ولـ "مريم" .. ودت "مريم" ألبقاء مع الفتاتان لكنها لم تستطع البوح بذلك



صعد الجميع الى غرفهم اتفقوا أن يستريحوا من عناء السفر قليلاً ثم ينزلون لتناول طعامهم فى مطعم الفندق .. دخلت "مريم" الغرفة والتى كانت تحتوى على فراشان .. وتوجهت الى الشرفة كانت تنظر الى ما حولها وهى تردد :
- ما شاء الله .. سبحان الله
وقف "مراد" خلفها يتطلع اليها الى أن انتبهت والتفتت فأشاح بوجهه عنها بسرعة .. ووقف على بعد خطوات منها يطالع المشهد بدوره .. التفت اليها قائلاً :
- جيتي هنا قبل كدة ؟
قالت "مريم" مبتسمه :
- أنا مخرجتش من القاهرة الا عشان أروح الصعيد
قال وهو بنظر أمامه :
- البلد هنا هتعجبك أوى فيها أماكن خطيرة
ابتسمت وهى تتطلع الى الشمس التى بدأت فى الغروب .. خطفها المشهد فظلت تتطلع اليه ناسية كل شئ حولها .. التفت "مراد" يتطلع الى تلك النظرة فى عينيها والابتسامه الصغيرة على شفتيها .. بدا مستمتعاً بمشاهدتها بقدر استمتاعها بمشاهدة الغروب .. التفتت اليه فجأة فأشاح بوجهه بسرعة .. وقال وهو يدخل الغرفة :
- هشوف ماما والبنات هينزلوا امتى
توجه الجميع الى مطعم الفندق .. كانت "نرمين" تتطلع الى "مراد" بحزن وهى تتمنى اذابة الجليد بينهما .. أنهى الجميع تناول طعامه وقرروا التنزه فى القرية والتمتع بجمال وسحر الطبيعة ليلاً




فى صباح اليوم التالى .. استيقظ "مراد" ونظر الى فراش "مريم" ليجده فارغاً ومرتباً .. نهض ليجدها فى الشرفة .. وقفت "مريم" تستمتع بجمال المنظر فى الصباح .. دخل "مراد" الشرفة بعدما ارتدى ملابسه وسمعته يقول :
- صباح الخير
التفتت تنظر اليه وهى تشعر بالدهشة فهذه هى المرة الأولى التى يلقى عليها تحية الصباح .. تمتمت بخفوت :
- صباح النور
دخل الشرفة ووقف على بعد خطوات منها واستند الى سور الشرفة .. شعرت بالحرج فهمت بالدخول .. أوقفها قائلاً :
- "مريم"
راودها شعور غريب وهى تستمع الى اسمها بصوته الرخيم .. وقفت تتحاشى النظر اليه فقال :
- بخصوص الحملة الإعلانية بتاعة شركتنا .. كان المفروض أتكلم معاكى فى الموضوع ده من فترة بس كل شوية تحصل حاجات تخلينى أأجل الكلام .. بس احنا فعلاً مستعجلين جداً .. فياريت أول ما نرجع القاهرة تبتدى فيها
نظرت اليه "مريم" قائله بجديه :
- مفيش مشكلة .. عرفنى ايه اللى محتاجه بالظبط وأنا أبتدى في الشغل أول ما ارجع
قال لها :
- تمام .. طيب تحبي أتكلم مع مديرك .. ولا الاتفاق بيكون معاكى انتى
قالت "مريم" بإستغراب :
- مديري ؟ .. ليه ؟
قال "مراد" :
- عشان تكاليف الحملة
قالت "مريم" بجدية :
- لا طبعاً مش هاخد فلوس على شغلى
نظر اليها "مراد" قائلاً :
- ازاى يعني مش هتاخدى فلوس على شغلك
قالت "مريم" :
- انا أعدة فى بيتك وانت متكفل بمصاريف أكلى وشربي واقامتى .. ازاى عايزنى آخد منك فلوس تمن شغلى فى حملتك
قال "مراد" بحزم :
- دى حاجة ودى حاجة .. متدخليش الأمور فى بعض .. أنتى ملزمة منى طالما انتى على ذمتى .. أى ان كان سبب جوازنا .. انتى مراتى وكل حاجة تخصك ملزمة منى أنا
شعرت "مريم" بشعور غريب يغمرها وهى تستمع الى كلماته .. تجاهلت شعورها تماماً وقالت بهدوء :
- برده مش هينفع آخد فلوس على شغلى
قال "مراد" :
- تمام يبأه هتكلم مع مديرك وهو اللى هيوصلك فلوسك عن طريق البنك زى ما اتفق معاكى
قالت "مريم" وهى تتطلع اليه :
- انت ليه عنيد كده
نظر فى عينيها بثبات قائلاً :
- انتى اللى عنيده
ظلا ينظرات الى بعضهما للحظات .. بدا وكأن كل منهما يحاول أن يسبر أغوار الآخر .. ويغوص فى أعماقه ليستكشفه .. أشاحت "مريم" بوجهها فجأة وقالت :
- هشوف البنات صحيوا ولا لسه
تزل الجميع لتناول الفطار .. بدأووا فى التنزهة بالقرية وعلى شاطئ البحر




استنشقت "مريم" النسمات المنعشة التى تهب من البحر فى اتجاهها فى سعادة .. كانت القرية شبه خاليه فى هذا التوقيت من العام .. فشعرت "مريم" بالراحة أكثر وهى تقف أمام البحر والسماء وكأنه لا يوجد شئ فى الدنيا سواهما .. شعرت بالسكينة تغمرها .. خلعت حذائها لتضرب مياة البحر أقدامها برقه .. ابتسمت وهى تستمتع بمداعبة الماء بقدميها .. كانت "سارة" و "نرمين" تسيران معاً على الشاطئ .. و"ناهد" جالسه بجوار "مراد" .. التفتت لتتطلع اليه لتجد أنظاره معلقة بـ "مريم" .. شعرت بالأسى وهى تنظر اليه فى صمت .. ثم قالت له بحنان :
- أنا حبتها أوى يا "مراد"
التفت "مراد" اليها بحده وقال بإستغراب :
- تقصدى مين ؟
قالت أمه :
- "مريم"
نظر "مراد" الى البحر صامتاً .. فأكملت أمه :
- البنت كويسة فعلاً .. ليه متحاولش انك ....
قاطعها "مراد" وعلامات الضيق على وجهه :
- ماما لو سمحتى .. ياريت متفتحيش الموضوع ده تانى
قالت "ناهد" بشئ من العناد :
- "مراد" بالله عليك انت مش حاسس بحاجه نحيتها .. أنا أمك وأكتر واحدة فى الدنيا دى تحس بيك .. أنا عارفه ان مشاعرك بدأت تتحرك نحية "مريم"
التفت اليها "مراد" وقال بعنف :
- لا طبعا مين اللى قالك كده
قالت "ناهد" بعناد :
- مش محتاجه حد يقولى أنا ليا عنين بتشوف
نظر اليها "مراد" قائلاً بحده :
- لا مش حاسس بحاجه نحيتها .. ولا هحس فى يوم من الأيام .. ريحي نفسك بأه يا ماما
نهض من مكانه فى عصبية وأخذ يسير على غير هدى

***********************************************

قال المأمور للظابط الجالس أمامه :
- جضية غريبة .. آنى مخبرش كيف اللى طخ "جمال" جدر ياخد طبنجة "عبد الرحمن" اللى بيأكد انها كانت فى بيته وان محدش غريب دخل البيت
قال الظابط بثقه :
- آنى بعرف الحاج "عبد الرحمن" امنييح مستحيل يعمل اكده يا فندم .. وبعدين ايه مصلحته فى طخ "جمال" يوم كتب كتابه على حفيدته .. آنى متأكد ان اللى عيمل اكده عايز ينتجم من "جمال" ومش رايد الجوازه دى تتم
قال المأمور :
- تفتكر المعلومات اللى جتلنا عن علاقة "جمال" بـ "صباح" بنت الحاج "عبد الرحمن" صوح
قال الظابط :
- لازمن ناخد اذن من النيابة وناخد بصماتها .. مش بعيد تكون هى اللى طخته عشان تنتجم منيه .. ده لو المعلومات اللى وصلتنا فعلا صوح وفي حاجه بيناتهم
قال المأمور وهو يرفع سماعة الهاتف :
- النهاردة اذن النيابة هيكون عنديك .. الجضية دى لازمن تنتهى فى أجرب وجت جبل ما العيلتين يجعوا فى بعض

************************************************

جلست "مريم" على احدى الصخور أمام البحر تتطلع اليه بإستمتاع حينما اقتربت منها "سارة" قائله :
- أعد معاكى ولا هتضايقي
التفتت اليها "مريم" قائله بسرعة :
- لا طبعا يا حبيتبى اعدى
جلست "سارة" بجوارها وهى تتطلع الى البحر هى الأخرى .. ظلت الفتاتان فى حالة شرود .. قالت "مريم" :
- المكان هنا حلو أوى
ابتسمت "سارة" قائله :
- فعلاً ياخد العقل
قالت "مريم" وهى تتطلع الى البحر فى هيام :
- عارفه نفسي فى ايه
- ايه ؟
- نفسي أخد مركب وأمشى بيها فى البحر ومرجعش للشط أبداً
ابتسمت "سارة" ووكزتها فى كتفها قائله بخبث :
- و "مراد" معاكى طبعاً
أخرجتها كلمات "سارة" من حالة الإستمتاع التى كانت تشعر بها .. نظرت مرة أخرى الى البحر صامته واجمة .. قالت "سارة" وهى تتطلع الى البحر بدورها :
- أنا كمان نفسي آخد مركب وأمشى بيها فى البحر ومرجعتش للشط أبداً
قالت "مريم" بخبث :
- لوحدك ؟
ابتسمت "سارة" بحزن .. تأملتها "مريم" قائله :
- شكلك كدة بيقول مش لوحدك
قالت "سارة" بوجوم :
- لا لوحدى .. هيكون مع مين يعني
استمرت "مريم" فى النظر اليها وقالت :
- طيب عيني فى عينك كده
قالت "سارة" :
- سيبك .. كبرى
ثم تركتها وأخذت تتمشى على الشط

اقتربت "نرمين" من "مراد" الجالس على أحد الكراسي أمام البحر .. رفع "مراد" رأسه لينظر اليها ثم يعود ليتطلع الى البحر مرة أخرى .. جلست "نرمين" على المقعد المجاور له .. بدا عليها التوتر .. ثم حسمت أمرها قائله دون أن تنظر اليه :
- عارفة انى غلطت .. غلطت أوى .. أنا آسفه أوى يا أبيه
ظل يتطلع الى البحر .. فأجهشت فى البكاء وهى تقول :
- أنا عارفه انى صغرت فى نظرك أوى .. بس والله العظيم أنا محترمة .. أنا مش عارفه ازاى عملت كدة
تطلع اليها "مراد" لفترة ثم قال :
- كنتى بتحبيه ؟ ولا كان تسليه ؟ ولا كان ايه بالظبط ؟
شعرت بالخجل .. فقالت بصوت خافت :
- أنا كنت حسه انه انسان كويس وكان الموضوع بالنسبة لى جد يعني مش تسليه .. بس بعد كدة فكرت بعقلى وقولت لو كان كويس كان جه كلمك على طول ومكنش عمل حاجه من وراك .. عشان كدة قولتله مش هرد عليك تانى ومتتصلش بيا تانى وعندك أخويا كلمه .. ساعتها هددنى بالصور
ثم نظرت اليه وهى تبكى قائله :
- والله قابلته مرة واحدة بس واعدت معاه عشر دقايق .. أنا مش بقول ان ده صح .. بس بقولك عشان تعرف ان ده بس اللى أنا عملته ومعملتش أكتر من كده .. حتى طلب يتكلم معايا على النت وأفتحله الكام وأنا رفضت
قام "مراد" وجذبها من يدها أوقفها أمامه وهى تنظر الى الأرض باكية وقال :
- مش عايزك تخبي عنى أى حاجة تانى يا "نرمين" .. أنا أخوكى الكبير وأنا أكتر واحد فى الدنيا دى بيحبك وبيخاف عليكي
قالت "نرمين" :
- عارفه يا أبيه .. أنا أسفه أوى .. عشان خاطرى سامحنى
قربها "مراد" منه وعانقها .. فأجهشت مرة أخرى فى البكاء وتعالت شهقاتها .. مسح على رأسها قائلاً :
- خلاص يا "نرمين" أنا هنسى الحكاية دى كأنها محصلتش .. بس توعديني انك متخبيش عنى حاجه تانى ولو أى حد كلمك تعرفيني
رفعت "نرمين" رأسها قائله بحماس :
- أوعدك يا أبيه .. أوعدك
ابتسم لها قائله :
- طيب يلا امسحى دموعك دى وناديلهم خلينا نروح نتغدى ونشوف مكان تانى نتفسح فيه مش هنفضل مقضينها اعاد على البحر
ابتسمت "نرمين" ومشت فى اتجاه أمها وأختها و "مريم" .

**********************************************

كانت "سهى" جالسه بين ذراعي "سامر" على ظهر اللانش .. كانت شاردة واجمة نظرت الى هاتفه الذى يمسكه بيده ويتصفح النت من خلاله فقالت بتبرم :
- انت على طول كده نت مبتفصلش
قال "سامر" :
- شيفانى بشيت يعني
قالت "سهى" :
- مش وقت جيم .. دى كلها ساعة وماشية
قال لها :
- متخليكي بايته معايا النهاردة
قالت "سهى" بضيق :
- مش هينفع المرة اللى فاتت نفدت منهم بصعوبة .. ده غير الكلام اللى بابا سمعهولى
قال "سامر" وهى يمط شفتيه :
- برحتك
رفعت "سهى" رأسها وقالت بضيق :
- "سامر" هى الظروف اللى عندكوا فى البيت هتطول يعني
أغلق "سامر" هاتفه وصاح غاضباً :
- انتى يا بنتى غاوية عكننه .. مزاج عندك أول ما تشوفينى مبسوط تروحى فاتحه أم الموضوع ده
قالت "سهى" بحنق :
- "سامر" انت ليه مش حاسس بيا ومش مقدر مشاعرى
قام "سامر" من مكانه ونظر اليها قائلاً بحده :
- بصى يا بنت الناس .. لو جبتى تانى سيرة الجواز أنا من سكة وانتى من سكة أنا مش ناقص خنقة
دخل الكبينه وتركها والدموع فى عينيها وفى داخلها ندم كبير .. لن تتمكن من تجاهله أبداً.


*********************************************

انتهت "مريم" من فرش أسنانها وخرجت لتجد "مراد" نائماً على فراشه ملتفاً بلحافه وينظر الى سقف الغرفة .. توجهت الى فراشها وأخذت أحد الكتب وأضاءت المصباح بجوارها وشرعت فى القراءة .. شعرت بنظراته مصوبة تجاهها فالتفتت تنظر اليه قائله :
- لو النور مضايقك أطفيه
هز رأسه نفياً فعادت الى كتابها .. سألها قائلاً :
- أجاثا كريستى برده ؟
ابتسمت قائله :
- لأ
اتكأ على مرفقه ومد يده الأخرى اليها .. نظرت الي يده الممدوده ثم أغلقت الكتاب ومدت يدها به اليه .. تفحص الغلاف و المقدمة ثم قال :
- استمتع بحياتك !
قالت "مريم" :
- بحبه أوى ما بملش من قرائته أبداً
قال "مراد" وهى يفر صفحات الكتاب :
- قرأت كتير لدكتور محمد العريفي بس الكتاب ده مقرأتوش
قالت بحماس :
- لو قراته مرة هتدمنه الكتاب فعلاً روعة
نظر اليها قائلاً :
- خلصيه وهاتيهولى أقراه
قالت له :
- مفيش مشكله اقراه .. انا اصلا قراته كتير قبل كده .. وبعدين معايا كتب تانية ممكن اقراها
نظر اليها "مراد" متفحصاً :
- شكلك بتحبي تقرى كتير
قالت مبتسمة وهى تنظر أمامها :
- بابا الله يرحمه كان بيحب يقرأ كتير .. وعودنى على كده
ابتسم "مراد" قائلاً :
- أنا كمان خدت العادة دى من والدى الله يرحمه
حملت "مريم" أحد الكتب بجوارها وشرعت فى قرائته .. الى أن غلبها النعاس فوضعته على الكمودينو وأغلقت المصباح وأولت "مراد" ظهرها ونامت .. ظل "مراد" ساهراً يستمتع بقراءه الكتاب الذى شعر بأنه يستحق القراءة بالفعل .. أثناء قراءته عندما أوشك على تقليب احدى الصفحات وجد ورقة تسقط من الكتاب .. أمسك الورقة ونظر الى "مريم" النائمة .. ثم نظر الى الورقة المطوية فى تردد .. لكن فضوله غلبه .. ترك الكتاب من يده وفتح الورقة ليجد فيها :
- حبيبتى "مريم" .. بل مهجتى "مريم" .. بل نور عيني ونبض قلبي .. انتِ قمر فى سماى .. ونوراً فى دنياى .. وبحر شوق فى عيناى .. ورحيق حبك هو مرساى .. أحبك يا من توغل حبك الى كل كيانى .. وملك روحى وأبعد عنى أحزانى .. وجعلنى فى بحار عينيك أغرق .. وبلمسة يديكِ أُهرب .. من نار الدنيا الى جنتك .. فلا تحرميني أبداً من بسمتك .. يا أرق "مريم" فى حياتي .. يا كل حياتى .. حبيبك "ماجد".
قرأ "مراد" تلك الكلمات وهو يشعر بحرقة فى قلبه امتدت لجسده لتحوله الى جمرة مشتعله .. ألقى نظرة نارية على "مريم" النائمة .. وهو يشعر بغصة فى حلقة .. وضع الورقة فى الكتاب وأغلقه بعصبيه وألقاه على الكمودينو بجواره .. ثم نام على ظهره واضعاً يديه أسفل رأسه وهو يفكر وعلامات الضيق على وجهه

*******************************************

استيقظت "مريم" من نومها لتجد "مراد" غير موجود فى فراشه .. بعد نصف ساعة طرقت "سارة" الباب لتخبرها بأنهم سيتجمعون فى الأسفل لتناول الفطار .. حانت من "مريم" التفاته الى "مراد" الذى بدى واجماً .. اخذت تتساءل عن السبب فلقد كان يبدو مرتاحاً بالأمس .. نفضت تلك الأفكار من رأسها وقالت لنفسها: وما شانى ان كان مرتاحاً أم متضايقاَ هذا أمر يخصه هو وأموره ليست من شأنى .. توجه الجميع الى البحر ومعهم مضارب الراكيت .. بدأت "سارة" و "نرمين" فى اللعب معاً وأخذا يضحكان ويمزحان فقد كانتا كلتاهما سيئتان جداً فى ضرب الكره وفى صدها .. قالت "سارة " :
- تعالى يا "مريم" .. "نرمين" دى عاهة مش عارفه ألعب معاها
صاحت "نرمين" بغيظ :
- أنا عاهة أمال انتى ايه يا "سارة" مفيش مرة حدفتلك الكورة وعرفتى تصديها
قالت "سارة" :
- ما انتى اللى مش عارفه تحدفيها
وقفت "مريم" وأعطتها "نرمين" المضرب وأخذت تلاعب "سارة" .. كانت ضربات "مريم" موفقه لولا خبرة "سارة" الضئيلة فى اللعب .. قالت "سارة" بعد فترة وهى تنهج :
- تعبت
قالت "مريم" بحماس :
- لا عشان خاطرى نكمل لعب
قالت "سارة" :
- بتلعبي حلو اتعلمتيها فين ؟
قالت "مريم" :
- كنت دايماً بلعب أنا وأختى فى نادى قريب من البيت .. مش قادرة أقولك أنا بعشق الراكيت أد ايه
ثم صاحت بطريقة طفولية :
- عشان خاطرى يا "سارة" العبي شوية كمان
قالت "سارة" :
- لا يا ستى ايدي وجعتنى .. خلى "مراد" يلعب معاكى .. "مراد" .. "مراد" .. تعالى العب مع "مريم"
شعرت "مريم" بالحرج وهمت بأن تترك المضرب .. لكن "مراد" نهض وأخذ المضرب من "سارة" ووقف أمام "مريم" .. نظرت "مريم" اليه لترى نظراته الحادة المصوبة تجاهها .. وبدأ اللعب .. كانت ضربات "مراد" قوية وكأنه ينتقم من الكره .. أمسكت "مريم" الكره ووقفت تنظر اليه بثبات وتقابل نظراته المتحدية بثقه .. ثم قالت فى نفسها .. حسناً تريدها تحدى فليكن .. كانت ضربات "مريم" قوية بقدر ما كانت ضربات "مراد" قوية بدا وكأنهما لا يلعبان بل يفرغان شحنة بداخل كل منهما .. كان كل منهما يضرب الكره وكأنه يضرب كل ما يغضبه ويضايقه .. كانت ضرباتهما قوية قاسية واثقة تعرف وجهتها جيداً .. أخذت "ناهد" تتابع اللعب مع "سارة" و "نرمين" .. هتفت "نرمين" بدهشة :
- ايه ده ملهم بيلعبوا بعنف كده
قالت "سارة" وهى تنقل نظرها مع الكره :
- بس جامدين جداً فى اللعب هما الاتنين
أول من رفعت راية الإستسلام هى "مريم" التى شعرت بألم فى ذراعها .. رفعت كفها معلنة انتهاء اللعب .. فاقترب منها "مراد" قائلاً:
- بتلعبي حلو
قالت وهى تنهج بقوة وحبات العرق تتصبب منها :
- انت كمان بتلعب حلو
تلاقت نظراتهما للحظات .. ثم ترك "مراد" المضرب وتوجه الى حيث يجلس الجميع وعينا "مريم" تتابعانه.
أصر الجميع على "مراد" على أن يمد اقامتهم يومين آخرين .. فما استطاع تحت هذا الإلحاح من الجميع إلا أن يوافق.

**********************************************

فى المساء أخذت "مريم" قلم وبعض الأوراق وجلست على الأريكة تبدأ فى التخطيط والرسم الخاص بحملة "مراد" .. استغرقها الوقت حتى قال لها "مراد" .. الجالس على أحد المقاعد بجوارها يشاهد التلفاز :
- كفاية كدة وقومى نامى
قالت دون أن تنظر اليه :
- لا لسه شوية
قام من مكانه وأحضر الكتاب ووضعه أمامها على المنضده .. نظرت الى الكتاب ثم اليه وقالت :
- عجبك ؟
قال "مراد" وهو يجلس مكانه وينظر اليها ببرود :
- آه كويس
قالت "مريم" بإستغراب :
- كويس بس .. افتكرته هيعجبك
التفت اليها "مراد" وقال بنفس البرود :
-أنا ما قولتش معجبنيش
قالت "مريم" :
- شكلك بيقول انه معجبكش
قال "مراد" بتهكم وهو يتفرس فيها :
- بتحسي بيا للدرجة دى
شعرت "مريم" بالخجل والضيق من كلماته الساخرة وعادت الى رسمها مرة أخرى .. قام "مراد" وغادر الغرفة وأغلق الباب خلفه بحده .. نظرت "مريم" بإستغراب الى الباب المغلق وهى تحاول أن تصرف ذهنها عن التفكير فى "مراد" وتصرفاته

*******************************************

صفع "عثمان" "صباح" بحده فى مكتب المأمور وهو يقول :
- كيف ده حوصل .. كيف يا بنت بوى كيف
أجهشت "صباح" فى البكاء وقد أيقنت هلاكها .. قال المأمور :
- فحصنا البصمات بتاعتك يا آنسه "صباح" وقارناها بالبصمات الموجودة على الطبنجة اللى انطخ بيها "جمال" .. وكان التطابق تام
قال "عثمان" وهو يغلى من الغضب :
- والله لجتلك يا جليلة الرباية والله لجتلك
أمر المأمور أحد الحرس بأن يأخذ "عثمان" للخارج ..وما هى الا لحظات حتى خرج اليه "عبد الرحمن" الذى تم الافراج عنه .. قال "عبد الرحمن" بلهفه :
- اللى سمعته ده صحيح يا ولدى ؟ .. اللى طخ "جمال" "صباح" بنيتي
قال "عثمان" بغضب :
- اييوه يا بوى هى بنت التييييييييييييت دى
قال "عبد الرحمن " :
- لا حول ولا قوة الا الله .. ليه تعمل اكده لييه
قال "عثمان" بغضب :
- واضح يا بوى ليه عيملت اكده .. واضح ان مافيش حرمه نضيفه فى عيلتنا
صاح به "عبد الرحمن" :
- اجفل خشمك يا "عثمان" ومتتكلمش عن أختك اكده
قال "عثمان" :
- أختى اللى جرسيتنا وسط الخلج .. والله لجتلها بيدي دول
لحظات وحضر "سباعى" الذى هتف قائله :
- صوح اللى سمعته ده يا "عبد الرحمن" .. بنتك "صباح" هى اللى طخت ولدى
قالت "عبد الرحمن" بدهشة :
- ولحجت تعرف يا "سباعى"
قال "سباعى" بحده :
- هو آنى جليل فى البلد دى ولا اييه يا "عبد الرحمن"
قال "عبد الرحمن" بوهن :
- آنى محجوجلك يا "سباعى" واللى انت رايده هيكون
قال "سباعى" بضيق :
- آنى مش عارف هلجيها منين ولا منين الخلج أول ما هيعرفوا هتجوم جومتهم .. ربك يسترها يا "عبد الرحمن"

****************************************

جلست "مريم" على احدى الصخور فى البحر تراقب الأسماء الصغيره التى تسبح تحت المياة الشفافة الصافية .. اقتربت منها "سارة" وجلست بجوارها .. ابتسمت الفتاتان لبعضهما البعض .. قالت "سارة" :
- تعرفى يا "مريم" أنا و "نرمين" كنا خايفين "مراد" يتجوز واحدة تخليه يسيبنا تانى ويبعد عنا
قالت لها "مريم" بدهشة :
- تقصدى ايه
قالت "سارة" :
- مش عايزة أضايقك وافكرك بحاجه أكيد مش حابه تفتكريها .. بس فعلا مراة "مراد" الأولانيه مكناش بنحبها خالص
شعرت "مريم" بالدهشة وهى تسمع لأول مرة بأن "مراد" كان متزوجاً من قبل فأكملت "سارة" :
- أصرت عليه ياخدلها فيلا بعيد عننا .. هو عمل اللى يريحها بس برده كان كل يوم عندنا .. خاصة ان مفيش معانا راجل .. أنا عارفه انه مكنش حابب يبعد بس هى كانت مصرة
شردت "مريم" فى كلمات "سارة" اذن "مراد" كان متزوجاً من قبل .. تُرى أين ذهبت أانتهى زواجهما بالموت مثلها أم بالطلاق .. أخرجتها "سارة" من حيرتها قائله :
- بعد ما اطلقوا "مراد" تعب أوى .. واتغير معانا .. بقه صعب أوى .. بس احنا برده بنحبه هو شاف كتير .. وعشان كدة فرحنا ان ربنا عوضه خير ورزقه بيكى .. وانك موافقه تعيشي معانا ومأصرتيش انه يسيبنا وتعيشوا لوحدكوا
كانت "مريم" تستمع لكلماتها فى شرود فأكملت "سارة" :
- انا بحبك بجد يا "مريم" وبحس فعلا انك أختى
التفت لها "مريم" مبتسمه :
- صدقيني أنا كمان بحبكوا جداً يا "سارة"
بدا على "سارة" التردد ثم قالت :
- فى حاجة عايزة أحكيلك عنها يا "مريم" بس ياريت الموضوع يفضل بينا ومتجبيش سيرة لـ "مراد" أبداً
قالت "مريم" :
- متقلقيش يا حبيبتى أى كلمة تقوليهالى مستحيل أقولها لأخوكى ابداً
ابتسمت "سارة" واطمئنت وقصت عليها مشكلتها .. واعجابها بـ "طارق" صديق "مراد" .. واشتكت لها من كونه لا يعيرها أدنى اهتمام ثم اختتمت حديثها قائله برجاء :
- قوليلى أعمل ايه يا "مريم" ..ألفت انتباهه زى ما "نرمين" قالتلى ؟
فكرت "مريم" قليلاً ثم قالت :
- بصى يا "سارة" لازم تعرفى وتتأكدى انك مش هتاخدى غير الراجل اللى ربنا كاتبهولك .. مهما عملتى مش هتاخدى حد غيره .. فلازم أى تصرف تعمليه تشوفى اذا كان صح ولا غلط .. حلال ولا حرام .. لانك كدة كدة مش هتقدرى تغيري قدر ومكتوب
ثم قالت :
- رأيي متعمليش حاجة أكتر من انك تدعى ان ربنا يرزقك الراجل اللى يسعد قلبك .. متدعيش انه يرزقك بـ "طارق" بالذات .. لا ادعى انه يرزقك بالراجل اللى يحافظ عليكي واللى يكون مناسب ليكي .. اللى فهمته من كلامك انك متعرفيش الأستاذ "طارق" أصلاً .. يعني محصلش أى حوار بينكوا ولا أى حاجة توضحلك شخصيته .. مجرد انه صاحب أخوكى وعارفه شكله .. وده مش كفاية عشان تحبيه .. انتى الاحساس اللى جواكى تعلق مش أكتر .. اتعلقتى بحد عارفه انه كويس .. بس مهما كان انتى متعرفيش شخصيته .. ويا ترى هيكون مناسب ليكي ولا لاء .. عشان كدة قولتلك لما تدعى ادعى ان ربنا يرزقك الراجل المناسب ليكي اللى يحافظ عليكي ومتدعيش انه يرزقك ب "طارق" بالتحديد لانك متعرفيهوش أصلاً .. ادعى ان ربنا يختارلك وخليكي واثقة ان اختيار ربنا ليكي هيكون أحسن مليون مرة من اختيارك لنفسك
أنهت "مريم" كلامها ونظرت الى "سارة" التى بدا عليها الإرتياح بعدما استمعت لتلك الكلمات .. قالت "سارة" مبتسمه :
- ياريتى كنت كلمتك من زمان كنتى خرجتيني من حيرتى دى
ابتسمت "مريم" وقالت :
- ادينا اتكلمنا أهو .. بس يارب فعلا يكون كلامى فادك
عانقتها "سارة" وقالت :
- فادنى كتير .. تسلمى يا "مريم"

********************************************
استطاع كبار العائلتين التحدث مع المأمور الذى كان يرغب أكثر منهما فى حل تلك القضية ودياً .. لأنه يعلم المشاكل التى كانت واقعة بين العائلتين منذ الأذل والتى تنتظر شرارة صغيرة لتبدأ نار الثأر فى الإشتعال مرة أخرى .. انتهت جلسة الصلح بـ :
- قبلتُ زواجها
والتى قالها "جمال" بحنق وضيق ويده موضوعه فى يد "عبد الرحمن" وهو يعلم جيداُ فى قرارة نفسه أنه وقع فى شر أعماله وبأن الله أعطاه ما يستحق

********************************************
فى المساء اجتمع الجميع امام حمام السباحة فى الفندق والذى كان فارغاً فى مثل هذا الوقت .. قامت "مريم" لتتمشى قليلا فقالت "ناهد" :
- متتأخريش يا "مريم" .. "مراد" زمانه جاى وهنتطلع كلنا بالعربية نتمشى شوية
أومأت "مريم" برأسها وسارت وهى تتهادى فى خطواتها وتتطلع الى الطبيعة يميناً ويساراً .. كانت مستغرقة فى التفكير فى حالها وفي مستقبلها الذى تجهله .. كانت تشعر فى قرارة نفسها بمشاعر غريبة عليها .. مشاعر متضاربة احتارت فى تفسيرها وفى فهمها .. لا تدرى الى كم من الوقت سارت .. لكنها نظرت فجأة حولها لتجد نفسها فى مكان تجهله .. كانت تحمل بيدها هاتفها لكنها لا تعرف الا رقم "ناهد" الذى حاولت أن تتصل به كثيراً دون رد .. ظلت تدور حول نفسها وهى تحاول تبين طريقها دون جدوى .. كان المكان حولها خالياً فلم تستطع أن تجد من يدلها على الطريق .. رأت البحر أمامها فسارت بمحازاته وهى تنظر الى الأنوار المضاءه على يسارها علها تتبين مكان تعرفه .. عاد "مراد" ليجد "ناهد" تهتف بقلق :
- "مراد" اتصل بـ "مريم" محدش في البنات معاه رقمها وموبايلى مش لاقياه
تسمر "مراد" فى مكانه .. فهو الى الآن لا يعرف رقم هاتفها .. قال "مراد" وهو يتطلع الى الفتاتان ليتأكد من أنهما لا تستمعان اليه :
- مش معايا رقمها
هتفت أمه بحنق :
- ازاى يعني مش معاك رقمها
عادت الى مكانها تبحث مع الفتيات عن هاتفها .. ثم قالت بلهفه :
- هطلع أشوفه فوق يمكن نسيته فى الأوضة
أخذ "مراد" يسير على غير هدى وعيناه تبحث عن "مريم" بلهفه ويسأل عنها كل من يجده أمامه .. شعر بالقلق من سيرها بمفردها فى هذا الليل وفى هذا المكان المنعزل .. خشى أن يصيبها مكروه .. فحث قدماه على السير وعيناه على البحث .. خفق قلبه بخوف وهو يتخيل أحد الأشخاص وهو يضايقها وهى تصرخ مستنجده دون أن يسمعها أحد .. اتصل بوالدته دون رد .. اتصل بـ "سارة" وقال بحده :
- أيوة يا "سارة" لسه ملقيتوش موبايل ماما ؟
- لا يا أبيه بندور عليه
صاح بغضب :
- هيكون فين بس دوروا كويس .. وأول ما تلاقوه كلميني
كانت "مريم" تنظر الى ما حولها وهى تشعر بالرعب كان المكان موحشاً .. وحتى الأنوار المضاءة على اليسار لا تشير الى أى مكان تعرفه .. تعالى صوت البحر الهادر ليزيد من خوفها .. اتصلت بـ "مى" قائله بلهفه :
- "مى" ازيك
هتفت "مى" بفرح :
- "مريم" ازيك أخبارك ايه
قالت "مريم" بلهفه :
- "مى" معاكى رقم استاذ "طارق"
قالت "مى" بدهشة :
- عايزاه ليه
قالت "مريم" وهى تتلفت حولها خوفاً :
- بصى أنا و "مراد" وعيلته سافرنا العين السخنه .. وأنا تهت ومش معايا غير رقم مامته ومبتردش عليا .. عايزاكى تتصلى بأستاذ "طارق" تجبيلى منه رقم "مراد"
قالت "مى" :
- طيب يا حبيبتى ثوانى وهكلمك
اتصلت "مى" بـ "طارق" وشرحت له الوضع وقالت :
- فلو سمحت اديني رقم أستاذ "مراد" عشان أبعته فى رسالة لـ "مريم"
قال "طارق" :
- لا مفيش داعى .. انا هكلمها
شعرت "مى" الضيق وقالت :
- ماشى .. مع السلامة
أنهت "مى" المكالمة وهى تشغر بغيرة شديدة .. اتصل "طارق" بـ "مريم" وطمأنها قائلاً :
- متخفيش يا مدام "مريم" اوصفيلي بس المكان اللى انتى فيه وأنا أقولك ترجعى ازاى .. انا اللى حاجز لـ "مراد" فى المكان ده وعارفهكويس
قالت "مريم" وهى تلتفت حولها :
- مش عارفه أنا جمب البحر بس معرفش أنا فين بالظبط
قال "طارق" :
- طيب مفيش أى حد أدامك تسأليه
التفتت حولها وقالت بخوف :
- لا مفيش خالص
قال "طارق" مطمئناً اياها :
- طيب متقلقيش أنا هكلم "مراد" وأديله رقمك .. بس متخفيش ان شاء الله "مراد" هيلاقيكي
اتصل "طارق" بـ "مراد" وأملاه الرقم فقال "مراد" بدهشة :
- انت عرفت منين ؟
قال "طارق" :
- مش وقته يا "مراد" .. كلمها شوف هى فين باين عليها انها مرعوبة أوى
اتصل بها "مراد" فأجابت بصوت قلق :
- أيوة
قال "مراد" بلهفه :
- "مريم" انتى كويسة
قالت بصوت مضطرب :
- أيوة كويسة
قالت "مراد" :
- انتى فين اوصفيلي المكان اللى انتى فيه
كان "مراد" يسير أثناء التحدث اليها وعيناه تبحث عنها .. نظرت حولها وأجابت :
- أنا ورايا البحر .. بس مش عارفه أنا فين بالظبط
قال بلهفه :
- طيب لما خرجتى من حمام السباحة مشيتي ازاى ؟
قالت بصوت مضطرب :
- معرفش مكنتش مركزة
هتفت قائلاً بعصبية :
- ازاى يعني مكنتيش مركزة
أجابت بصوت كمن يوشك على البكاء :
- كنت سرحانه ومخدتش بالى
حاول "مراد" التحكم فى أعصابه وقال بصوت أهدأ :
- أنا آسف .. بس أنا عايز أعرف مكانك .. حاولى توصفيلي المكان حواليكى
لكن "مراد" هتف فجأة :
- خلاص يا "مريم" شوفتك
هتفت غير مصدقة :
- بجد .. الحمد لله
أغلقت الخط وبحثت حولها لتجد "مراد" قادماً اتجاهها .. شعرت بالفرحه بمجرد أن رأته وابتسمت وقالت بأعين دامعه :
- كويس انك لاقيتنى .. كنت خايفة أوى
نظر اليها بلهفه بأعين متفحصه وقال :
- انتى كويسة
أومأت برأسها وهى تمسح العبرات الى تساقطت من عينيها رغماً عنها .. نظر اليها بحنان قائلاً :
- طيب يلا نرجع الفندق ..
رن هاتفه فقال :
- أيوة يا ماما .. خلاص لقيتها .. أيوة احنا فى الطريق .. ماما الموبايل هيفصل شحن حالاً
وبالفعل لحظات وانقطع شحن الهاتف .. قال "مراد" بجدية :
- بعد كدة لما تمشى وتحسى انك توهتى اقفى فى المكان اللى انتى فيه ومتمشيش أكتر عشان متتوهيش أكتر
أومأت برأسها مد يده وأمسك بهاتفها تحت نظراتها .. تلامست أيديهما فشعرت بالإضطراب وأبعدت يدها سريعاً .. دون رقمه وسجله بإسمه على هاتفها وقال :
- لما نرجع اديني رقمك .. مينفعش نبقى مش عارفين أرقام بعض
أعطاها هاتفها فأخذته .. كانت "مريم" تسير معه وهى تحاول أن تهدئ من خفقات قلبها التى كانت تتسارع من شدة الخوف .. التفت اليها "مراد" قائلاً :
- أحسن دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
- أيوة الحمد لله
سارا عدة دقائق قبل أن يظهر لها المكان الذى تعرفه .. كان مقبلاً اتجاههما مجموعة من الفتيات الاتى يضحكن ويتمازحن وهن مرتدات ملابس غير محتشمة .. رغماً عنها التفتت "مريم" تجاه "مراد" لتتبع نظراته .. كان ينظر بجواره فجذبت انتباهه الضحكات فنظر أمامه لحظة قبل أن يخفض بصره أرضاً .. تسلل اليها شعور بالسعادة .. لحظات قبل أن تشعر بالضيق من نفسها وأخذت تحدث نفسها .. ما شأنك أنتِ يا "مريم" نظر أم لم ينظر ما شأنك به لماذا تهتمين ما يخصه ليس من شأنك .. عقدت ما بين حاجبيها فى ضيق أفاقت من شرودها على صوت الهاتف فى يدها .. رأت رقم "طارق" الذى اتصل منه منذ قليل .. نظر "مراد" الى هاتفها فالتفتت اليه ومدت له يدها بالهاتف قائله :
- ده الأستاذ "طارق" .. ممكن يكون كلمك ولقى موبايلك مقفول
أخذ "مراد" الهاتف من يدها ورد :
- أيوة يا "طارق" .. فصل شحن .. أيوة لقيتها خلاص .. لا كله تمام .. متشكر يا "طارق" .. سلام
أنهى "مراد" المكالمة وهى ينظر الى "مريم" بإمعان قائلاً :
- انتى اتصلتى بيه لما تهتى
قالت "مريم" بسرعة :
- لا اتصلت بـ "مى" صحبتى وهى زميلتى فى الشركة .. قولتلها تتصل بيه
صمت "مراد" ثم عاد يتفرس فيها قائلاً :
- رقمك معاه من زمان
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- لأ أنا مدتهوش رقمى اصلاً .. ومبديهوش لأى عميل .. ممكن يكون خده من "مى"
أومأ "مراد" برأسه .. تلاقت أنظارهما فى صمت .. كل منهما ينظر الى عين الآخر بحذر وقلق وخوف .. كانت نظرات كل منهما تصرخ فى الآخر قائله .. ابتعد عنى لن اسمح لك بإختراق أسوار قلبي .. لكن نفس السؤال أخذ يتردد فى أعماق كل منهما .. تُرى هل سأستطيع حقاً الصمود ؟







لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 08:31 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحلقة ( 20 )


- أنا كنت شاكك فيها من الأول
قال "مراد" هذه العبارة بعصبية .. فقال "طارق" :
- وايه مصلحتها فى كدة
قال "مراد" بغضب :
- الهانم أكيد كانت بتاخد منه فلوس .. ماهى مش هتعمل كده لله فى لله
قال "طارق" بحده :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيها .. انسانه معندهاش ضمير
قال "مراد" بحنق :
- لولا التسجيل اللى حطيته فى المكتب مكنتش اكتشفت ان سكرتيرتى عميلة عند "حامد" وبتنقله كل تحركاتى
قال "طارق" بحنق :
- بس يا "مراد" مكنش المفروض تكتفى بطردها .. كان المفروض توديها فى ستين داهية بالتسجيل اللى معاك
قال "مراد" :
- هى بنت برده .. صحيح تتساهل قطم رقابتها عشان خاينة للأمانة بس بردة بنت مينفعش أبلغ عنها وأدخلها اقسام
قال "طارق" وهو ينهض :
- طيب هروح أشوف مكتب توظيف محترم يبعتلنا سكرتيرة محترمة
زفر "مراد" بضيق .. فأكثر ما يكرهه فى حياته .. الخيانة .. بكل أشكالها وأنواعها

*******************************************

دخل "جمال" منزله وعلامات الضيق على وجهه فإستقبلته "صباح" قائله :
- كنت فين يا "جمال"
قال "جمال" بضيق :
- كنت بشم هوا يا "صباح"
قالت بعتاب :
- فى عريس يسيب مرته فى البيت ويخرج ولسه مفاتيش اسبوع على جوازهم
هتف "جمال" بغضب :
- كانت جوازه ما يعلم بيها الا ربنا
هتفت "صباح" بحنق :
- ليه بجه ان شاء الله .. مش انت اللى كنت بتجولى انك نفسك فى اليوم اللى تتجوزنى فيه يا "جمال" نسيت كلامك الحلو اللى كنت بتسمعهولى
قال "جمال" بتهكم :
- كنت مغفل يا "صباح" .. ياريتنى كنت انشكيت فى لسانى جبل ما أجول كلمة واحدة منه يا "صباح"
قال ذلك ثم زفر بضيق ودخل حجرة النوم يشاهد التلفاز تحت نظرات "صباح" الغاضبة

**************************************
أمسكت "سهى" هاتفها الذى لم يفارق يديها الا نادراً طيلة اليومين الماضيين .. لكن كالعادة رفض "سامر" الإجابة على أى من اتصالاتها .. كآخر حيلة لديها اتصلت بمكتبه فأخبرتها السكرتيرة أنه منشغل ولديه اجتماع .. فقالت "سهى" بصوت كمن أوشك على البكاء :
- طيب لو سمحتى لما يخلص اجتماع قوليله "سهى" اتصلت بيك وعايزاك ضرورى
- حاضر يا فندم
أنهت السكرتيرة المكالمة وتوجهت الى مكتب "سامر" قائله :
- الآنسه "سهى" اتصلت يا فندم وقولتلها زى ما حضرتك قولتلى
قال "سامر" بلامبالاة :
- طيب لو اتصلت تانى قوليلها سافر يومين ولو سألتك فين قوليلها متعرفيش
- حاضر يا فندم

***************************************

عاد "مراد" الى البيت فى المساء ليجده ساكناً .. توجه الى غرفة المعيشة ليجدها فارغة .. صعد الى غرفته وطرق الباب ليجد "مريم" جالسه على الأريكة تتطلع الى حاسوبها الموضوع على قدميها :
- السلام عليكم
نظرت اليه قائله :
- وعليكم السلام
أغلق الباب وهو يتطلع اليها قائلاً :
- أمال فين ماما واخواتى ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- راحوا لخالتك .. هما كلموك أدامى انت نسيت
قال "مراد" وقد بدا عليه التذكر :
- أيوة أيوة .. معلش نسيت
عادت "مريم" الى عملها مرة أخرى أمام الحاسوب .. دخل "مراد" الحمام وأخذ دشاً واستبدل ملابسه ثم نظر اليها قائلاً :
- اتغديتي
قالت :
- أيوة
أخرج هاتفه يتفحصه .. فنظرت اليه "مريم" قائله :
- لو مكنتش اتغديت أقول لدادة "أمينة" تحضرلك الغدا
نظر اليها مبتسماً :
- مبحبش آكل لوحدى .. لو هتاكل معايا ماشى
قالت بحرج :
- انا اتغديت
قال وهو يغادر الغرفة :
- أنا نازل المكتب
توجه "مراد" الى مكتبه .. بعد ما يقرب من ساعة ذهبت اليه "مريم" وطرقت الباب أذن لها بالدخول .. وقفت أمامه قائلاً :
- خلصت تصميم اللوجو ياريت تشوفه عشان لو محتاج تعديل أعدله قبل ما أحطه على البروشورز وباقى التصميمات
أشار "مراد" الى المنضدة أمام الأريكة فوضعت عليها حاسوبها وجلس "مراد" ينظر الى التصميم .. تابعت تعبيرات وجهه بإهتمام وقالت :
- لو محتاج أى تعديل مفيش مشكلة قولى وأنا أعدله
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- لا ممتاز .. بجد ممتاز
ابتسمت "مريم" وقد أسعدها اطراءه ..رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً :
- شكلى هستغلك وأعمل تجديد لكل تصميمات الشركة والمصنع
قالت بحماس :
- ما فيش مشكلة ... أصلاً أنا بحب شغلى جداً وبعتبره هواية مش حاجة مفروضة عليا
سألتها "مراد" :
- اتعملتى فين ؟
قالت "مريم" وقد اختفت ابتسامتها :
- جوزى الله يرحمه هو اللى علمنى
اختفت ابتسامة "مراد" هو الآخر وأشاح بوجهه عنها .. لاحظت "مريم" التغير الذى طرأ عليه واستغربت من ذلك .. حملت الحاسوب قائله بتوتر :
- هبتدى فى البروشورز من النهاردة ان شاء الله وما أخلصها هوريهالك
قال "مراد" دون أن ينظر اليها :
- ارتباطكوا استمر أد ايه ؟
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت :
- سنتين
نظر "مراد" اليها متفرساً فيها وقال :
- وليه متجوزتوش .. ليه استنيتوا ده كله ؟
قالت "مريم" بشئ من الضيق :
- حصلت ظروف خلتنا نضطر نأجل جوازنا
هربت من نظراته المتفحصه قائله :
- بعد اذنك
غادرت "مريم" غرفة المكتب لتترك "مراد" غارقاً فى التفكير .. تُرى الى أى مدى أحبته ؟ .. أأحبته الى درجة أن تخلص له حتى بعد موته ؟ .. تُرى لماذا أحبته ؟ .. كيف جعلها تحبه لدرجة ألا تستطيع رؤية رجلاً غيره ؟ .. لم ينسى ما أخبره اياه "طارق" من رفضها الزواج بسبب حبها لخطيبها الراحل .. تُرى هل من الممكن أن يدق قلبها للحب مرة أخرى ؟ .. هل من الممكن أن تقبل العيش مع رجل ...... !! .. عند هذه النقطة أرغم عقله على التوقف عن الإسترسال و قام الى مكتبه وجلس يطالع أوراقه وملفاته ليصرف عقله عن التفكير فيها وفيما يخصها .
صعدت "مريم" الى غرفة "مراد" وجلست على الأريكة وهى غارقة فى التفكير هى الأخرى .. تُرى لماذا حدث الطلاق بينه وبين زوجته ؟ .. تُرى كيف كان شكلها ؟ .. أأحبها ؟ .. لماذا اذن انفصلا ؟ .. هل مازال يتذكرها ؟ .. أيتمنى العودة اليها ؟ .. كم دام زواجهما ؟ .. ومنذ متى انفصلا ؟ .. ظلت الأسئلة تتقافز على عقلها الى أن أرغمت عقلها عن الإنشغال بعملها الذى بين يديها.

عاد الجميع الى البيت والتفوا حول طاولة الطعام .. قالت "نرمين" بمرح :
- كانت أعدة حلوة أوى يا ريتك كنتى جيتي معانا يا "مريم"
قالت "مريم" مبتسمه :
- معلش كان عندى شغل
قالت "سارة" لـ "مراد" :
- خالتو عزمتنا كلنا يا أبيه آخر الاسبوع .. حاول تفضى نفسك
قالت "سارة" بحماس :
- وأنا يا أبيه حاول تفضيلي نفسك عايزه أشترى لبس جديد وشوية حاجات كدة عشان الكلية
قال "مراد" :
- خلاص نخرج بكرة ان شاء الله تشترى انتى حاجتك وكمان "سارة" و "مريم" يخرجوا ويغيروا جو
قالت "سارة" بحماس :
- تمام أوى .. بس خلى بالك يا أبيه أنا ليا زى ما "نرمين" هتشترى بالظبط .. مش معنى انى خلصت كلية انى مش هشترى لبس جديد
ابتسم "مراد" قائلاً :
- ماشى يا "سارة" عنيا ليكي
ابتسمت "مريم" وهى تراقبهم .. سعدت كثيراً للعلاقة الودودة بينهم .. قالت "ناهد" مبتسمة :
- أنا بأه بتخنق من اللف كتير سيبونى بأه أنعم بيوم من الراحة والإستجمام
قالت "نرمين" ضاحكة :
- تقصدى يا ماما ان احنا عملينلك ازعاج يعني .. ده احنا التلاته قطط صغننه
ضحكت "ناهد" قائله :
- "مريم" آه قطة .. أما انتى و "سارة" لما بتتجمعوا مع بعض بتقلبوا بغبغانات وبتصدعولى دماغى
قال "مراد" لأمه :
- متيجي معانا يا ماما
قالت "ناهد" :
- لا يا حبيبى اخرجوا انتوا واتبسطوا

*************************************
دخلت "صباح" غرفة النوم وجلست بجوار "جمال" الذى بدا مندمجاً فى مشاهدة أحد الأفلام .. اقتربت منه وقد تزينت وتعطرت .. قالت له :
- متجفل البتاع ده يا "جمال" وتيجى نجعد نتكلم شويه
قال "جمال" وهى ينظر اليا شذراً :
- هتكلم في اييه يعني .. خلينى مع الفيلم أحسن
قالت "صباح" بحنق :
- يجطع الفيلم على بيتفرجوا عليه .. آنى عروسة يا "جمال" المفروض تهتم بيا أكتر من اكده
صاح "جمال" :
- يجطع الجواز على البيتجوزوا .. آنى دماغى مش فيا يا "صباح" روحى شوفيلك حاجة تشغلك بعيد عنى أحسن العفاريت بتتنطط أدام عيني السعادى
قالت "صباح" بغضب :
- ماشى يا "جمال" بكرة تندم وتجول آنى معرفتش أجدر جيمتها
قام "جمال" من مكانه ووقف بجوار الفراش قائلاً بتهكم :
- حوش حوش .. ليه ان شاء الله فاكره نفسك مين يا "صباح" السفيرة عزيزة .. ده لولا انى اتنازلت عن المحضر وجفلنا على الجضية كان زمانك دلوجيت نايمة فى البورش يا "صباح" والبراغيت بتشغى فى جتتك
وقفت "صباح" بمواجهته قائله بغضب :
- ماهو لو مكنتش انت ناجص وجليل الأصل مكنش ده كله حوصل .. جولتلك يا "جمال" مش "صباح" اللى يدحك عليها .. ده آنى ألففك البحر كعب داير وأرجعك عطشان
دفعها بيدها الى الفراش قائلاً :
- طيب اكتمى .. اكتمى أحسن أديكى كف يكتمك للأبد يا "صباح"

*********************************
فى اليوم التالى خرج "مراد" مع الفتيات الى أحد المولات التجارية .. تقدمت الفتاتان فالتفتت "مريم" قائله لـ "مراد" بحرج :
- آسفه انك اضطريت تاخدنى معاك
قال "مراد" وهو ينظر اليها :
- مين قالك انى واخدك معايا غصب عنى
قالت بإرتباك :
- يعني .. المفروض كنت تخرج مع اخواتك بس .. لولا انهم الصبح أصروا انى أخرج معاهم
قال "مراد" ببرود :
- أظن انا من بالليل وأنا قايل انك هتخرجى معانا
أشار بيده قائلاً :
- اتفضلى
أخذت الفتاتان وقتاً طويلاً فى المشاهدة والشراء توجه "مراد" الى الملابس المعروضة وانتقى بعضها وحملها بيده ثم توجه الى "مريم" قائلاً :
- ادخلى قيسيهم
نظرت "مريم" اليه بدهشة وحرج قائله :
- لا شكراً أنا مش عايزة أشترى حاجه
قال "مراد" بحزم :
- مبحبش أكرر كلامى مرتين
قالت "مريم" بحنق :
- و أنا مش عايزة أقيسهم
قال بعند :
- هتقيسيهم
زفرت بضيق .. لاحظت أن البائعة تقف بجوار "مراد" فلم ترد التمادى أكثر فى هذا النقاش فأخذتهم من يده وتوجهت الى أحد الكبائن المخصصه للبروفة وبمجرد أن أغلقت الستارة فتحها "مراد" فنظرت اليه بدهشة .. فقال بحزم :
- قيسيهم فوق هدومك.. متقلعيش هدومك لأن فى ناس معندهاش ضمير بتحط فى البروفة كاميرات مراقبة
أومأت برأسها وهى تشعر بشعور غريب يسيطر عليا وهى ترى هذا الحرص والإهتمام منه .. أغلقت الستارة مرة أخرى ونفذت ما قال .. خرجت بعد عدة دقائق قائله :
- أيوة مظبوطين .. بس لو سمحت أنا اللى هدفع تمنهم
نظر اليها بحده وأخذهم منها وأعطاهم للبائعة قائلاً :
- هناخد دول كمان
شعرت "مريم" بالضيق فلا ينقصها الا أن يدفع ثمن ملابسها أيضاً .. وقف الجميع فى الخارج يتفقون على المكان التالى الذى سيذهبون اليه .. كانت "مريم" شارده فلم تتابع حديثهم .. مر من خلف "مريم" بعض الشباب الذين كانوا يتحدثون ويمزحون معاً .. فرجع أحد الشباب الى الخلف وهو يضحك مع أصدقائه ولم ينتبه الى أنه سيصطدم بـ "مريم" التى توليه ظهرها .. فجأة وجدت "مريم" "مراد" يحيطها بأحد ذراعيه ويجذبها اليه بقوة فإرتطمت بصدره وهى تشعر بالدهشة مما فعل .. وبيده الأخرى دفع الشاب الذى كان مازال يرجع للخلف دون أن ينتبه .. التفت الشاب بعدما ارتطم بيد "مراد" ونظر اليهما قائلاً :
- أنا آسف والله مخدتش بالى .. معلش أنا آسف
قال "مراد" بجديه :
- خلى بالك وانت ماشى
تمتم الشاب مرة أخرى :
- أنا آسف معلش
شعرت "مريم" بالحرج من وجودها فى أحضان "مراد" بهذا الشكل فإبتعدت عنه ودفعته عنها بشكل أثار انتباه "سارة" و "نرمين" .. كانت تشعر بإرتباك شديد .. فقال "مراد" :
- يلا تعالوا على العربية وبعدين نبقى نشوف هنروح فين تانى
صعدت "مريم" بجوار "مراد" فى السيارة وهى تتحاشى النظر اليه ..

*******************************************
قال "حامد" للظابط الذى يحقق معه فى البلاغ الذى قدمه "مراد" ضده :
- "نرمين" هى اللى ركبت معايا بمزاجها يا حضرة الظابط
قال الظابط :
- بس يا "حامد" بيه فى شاهد شافك وانت بتخدرها فى العربية
قال "حامد" :
- شاهد مين ؟
قال الظابط :
- زوجة "مراد" بيه .. هى اللى شافتك وانت بتخدر الآنسه "نرمين" وبتفقدها الوعى
قال "حامد" ببرود :
- كدابه .. وبتحاول تدارى على أخت جوزها .. "نرمين" أغمى عليها فى العربية وكانت راكبة معايا بمزاجها
قال الظابط :
- طيب ليه زقتها ووقعتها من العربية ومشيت
قال محامى "حامد" :
- محصلش .. كل الحكاية ان مراة أخوها لما شافتها أغمى عليها فى العربية و "حامد" بيه بيحاول يفوقها أصرت انه ينزلها وفعلا نزلها من العربية وشالها لحد ما دخلها الفيلا وبعدين مشى
قال الظابط بشك :
- أمال ليه "مراد" بيه قدم البلاغ ده
قال المحامى :
- غيرة ومنافسة غير شريفه .. لأن "حامد" بيه خرج من الشراكة معاه وشارك رجال أعمال تانيين .. فحب "مراد" بيه يردهاله بسبب الخسارة اللى خسرها من انسحاب "حامد" بيه

***************************************

جلست "مريم" فى المساء مع "ناهد" فى حجرة المعيشة يلعبان الشطرنج .. صاحت "مريم" مبتسمه :
- كش ملك
قالت "ناهد" :
- ياربي .. مفييش ولا مرة أكسبك فيها
ضحكت "مريم" قائله :
- قولت لحضرتك انى بعرف ألعبها كويس
قالت "ناهد" ضاحكة :
- مش محتاجة تقوليلى أديني شوفت بنفسي
ثم قامت قائله :
- ظبطيهم تانى مكانهم على ما أروح أعمل فنجان قهوة
نهضت "مريم" قائله :
- خليكي يا طنط وأنا هروح اعملها لحضرتك
قالت "ناهد" مبتسمه :
- لا دى قهوة عربي مش هتعرفى تعمليها .. يلا رتبي اللعبة على ما أرجعلك
جلست "مريم" تعيد القطع الى مكانها على لوح الشنطرنج .. دخل "مراد" الغرفة ونظر اليها والى ما تفعله .. ثم قال :
- بيقولوا بتعرفى تلعبي كويس
ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت :
- يعني .. بيقولوا
فوجئت به يجلس قبالتها على الأريكة قائلاً بتحدى :
- طيب وريني شطارتك
تلاقت نظراتهما للحظات قبل أن تخفض "مريم" بصرها وتبدأ اللعب .. عادت "ناهد" لتجد "مراد" جالساً قبالة "مريم" يلعب معها فابتسمت وانسحبت الى غرفتها بهدوء .. بعد فترة من اللعب كانا كلاهما ينظر الى لوح الشنطرنج ويركز تركيزاً شديداً .. قال "مراد" دون أن يرفع رأسه :
- انتى ملكيش صحاب ؟
اندهشت "مريم" لسؤاله ونظرت اليه قائله :
- أيوة ليا
قال "مراد" وهو ينظر الى القطع المرصوصة أمامه بتركيز :
- أصلك لا طلبتى تزوريهم ولا طلبتى يزوروكى
قالت "مريم" بحرج وهى تنظر اليه :
- اتكسف اطلب انهم يجولى هنا .. وبعدين هى واحدة بس هى اللى قريبة منى وصحاب من زمان
قال "مراد" :
- "سهى" ولا "مى" ؟
اندهشت "مريم" لتذكره أسم الفتاتين فقالت بهدوء :
- "مى"
رفع "مراد" رأسه ونظر اليها قائلاً :
- و "سهى" ؟
قالت "مريم" بهدوء :
- زميلتى فى الشركة ومع بعض فى نفس المكتب بس مش صحاب أوى
أومأ برأسه وأعاد النظر الى اللعبة .. قال "مراد" بهدوء :
- تحبي تزوريها ؟
ابتسمت "مريم" قائله :
- أكيد .. دى "مى" وحشتنى أوى بجد
نظر اليها "مراد" مراقباً ابتسامتها وهو يقول :
- عندها اخوات شباب ؟
قالت "مريم" :
- لا هى بنت وحيدة
قال "مراد" :
- طيب ممكن أخدك ليها بعد بكرة لو تحبي
قالت بسعادة :
- خلاص تمام وأنا هتفق معاها على كدة
صمت "مراد" قليلاً ثم قال :
- مع انى شايف ان الأحسن هى تجيلك وممكن أبعتلها العربية بالسواق يجيبها لحد هنا ويوصلها تانى .. أقصد عشان تكونى أعدة براحتك معاها .. وأساسا أنا طول اليوم مش موجود يعني محدش فى البيت الا ماما والبنات
ثم قال وهو ينظر اليها بحنان :
- عشان أكون مطمن عليكي
شعرت "مريم" بخفقات قلبها تتسارع وهى تتطلع الى تلك النظرة الحانية فى عينيه .. وجدت الخوف يتسلل الى قلبها .. نهضت مسرعة وقالت :
- أنا تعبت وعايزة أنام تصبح على خير
غادرت الغرفة ونظرات "مراد" تتابعها .. لم تشعر برغبة فى النوم .. فوقفت فى الشرفة شاردة وهى تشعر بالضيق من نفسها ومن تلك المشاعر التى تعتريها بين الحين والآخر .. توجه "مراد" الى مكتبه وهو يفكر فى "مريم" وفى ردود أفعالها تجاهه .. حانت منه التفاته الى الدرج الذى يحوى قسيمة الزواج .. فتحه وأخرج القسيمة وفتحها وهو شادراً وأخذ يتطلع اليها لأول مرة منذ أن استلمها من المأذون .. كانت عيناه تمر على الكلمات فى تكاسل .. وفجأة اتسعت عيناه وتجمدت ملامحه وأخت دقات قلبه تتعالى بسرعة .. مرر عينيه على أحد السطور مرات ومرات الى أن تأكد بأن تلك الكلمات مكتوبة بالفعل وليس محض تهيآت .. هب من مقعده فجأة توجه الى غرفته وأغلق الباب خلفه بعنف .. كانت "مريم" لا تزال فى الشرفة دخلت فزعة من صوت الباب الذى انغلق بقوة .. نظرت الى "مراد" قائله :
- فى ايه ؟
نظر اليها "مراد" بحدة شديدة ورفع الورقه أمام عينيها دون أن يتفوه بكلمه .. قالت "مريم" بدهشة :
- ايه ده ؟
قال "مراد" بصوت يشوبه الغضب :
- قسيمة جوازنا
شعرت "مريم" بالخوف الشديد .. أيقنت بأنه اكتشف حقيقة كونها كانت زوجة لأخيه .. اقترب منها وعيناه تلمع غضباَ .. رجعت للخلف فى خوف فقال بصوت هادر :
- "ماجد خيري الهواري" .. انتى كنتى مراة أخويا ؟ .. مراة "ماجد" أخويا ؟
صمتت وهى لا تدرى ما تقول فصاح بغضب :
- انطقى .. انتى كنتى عارفة ان "ماجد" أخويا ؟
أومأت برأسها ايجاباً فازداد اشتعال النار فى عينيه وصرخ قائلاً :
- وليه ما قولتليش من الأول انك كنتى مراته
قالت "مريم" بإضطراب شديد وهى على وشك البكاء من شدة الخوف :
- عمتو .. عمتو "بهيرة" قالتلى متكلمش الا لما هى ترجع من السفر .. قالتلى مجبلكش سيرة أبداً عن الموضوع ده وهى هتقولك بنفسها
أخذ "مراد" يتطلع الى القسيمة مرة أخرى .. وكأنه لا يصدق ما يرى .. ولا يصدق ما يسمع .. قالت "مريم" بصوت خافت :
- أنا مش فاهمة هى ليه قالتلى مجبلكش سيرة .. بس حسيت ان فى حاجه خطيرة فى الموضوع وعشان كدة متكلمتش
ثم أكملت :
- انت كنت تعرف ان عندك أخ ؟
نظر اليها "مراد" بحده وقال بعنف :
- أيوة كنت عارف ان عندى أخ
صمت قليلاً ثم قال بجمود :
- بس اللى أعرفه انه مات من زمان .. من واحنا صغيرين
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت :
- مين قالك كده .. مين قالك انه مات وهو صغير
قال "مراد" بحيرة مشوبة بالحدة :
- بابا اللى قالى كده .. وعمتى كمان قالتلى كده .. اللى أعرفه ان عندى أخ ومات واحنا صغيرين
شعرت "مريم" بالدهشة .. نظر اليها "مراد" قائلاً :
- كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟
شعرت "مريم" بالتوتر .. تُرى أتخبره الحقيقة أم لا ؟ .. أتخبره بأمر أم "ماجد" الموجودة حاليا فى دار المسنين ؟ أم تخبره بالسر الأكبر والذى لم تطلع عليه أحد حتى الآن ؟ .. تًرى لماذا أخفوا عليه أمر أخوه ؟ .. لماذا أخبروه بأنه مات وهو صغير ؟ .. لماذا تجاهلوا وجوده وكأنه لم يولد أصلاً؟ .. ألهذا الأمر علاقة بوالدها ؟ .. قالت فى نفسها لا لن أخبره بأننى أعرف مكان أم "ماجد" ولن أخبره عن سرى الذى أحتفظ به لنفسى الى أن أفهم جيداً ما يدور حولى .. أخشى أن أخبره بكل ما أعرف فتنقلب الطاولة ضدى وأنا لا أفهم شيئاً مما يحدث .. لماذا كل هذه الأسرار؟ .. لابد من وجود سبب .. سبب جعل عمته تشدد عليها ألا تخبر "مراد" بنفسها عن أمر أخيه .. يجب أن أسبر أغوار الحقيقة وأصل اليها .. يجب أن أكشف كل تلك الأسرار التى تحيط بـ "مراد" و عائلته .. قالت بتوتر وهى تتحاشى النظر الى عينيه :
- معرفش كان عايش مع مين وهو صغير .. بس لما عرفته كان عايش لوحده
أومأ "مراد" برأسه وأشاح بوجهه عنها .. بدا وكأنه لا يستطيع النظر اليها .. غادر الغرفة .. وغادر المنزل كله .. ركب سيارته وهو يشعر بالإختناق .. يشعر بشئ ثقيل يجثم على صدره .. الفتاة التى تزوجها هى زوجة أخيه الراحل .. أخيه الذى ظن أنه مات وهو صغير .. لماذا أخفوا عنه أنه مازال على قيد الحياة .. لماذا يشعر بأن "مريم" مازالت تخفى عنه الكثير .. لماذا شعر وهو ينظر فى عينيها بأن هناك سر خطير تخفيه .. سر أكبر من أمر أخوه الذى لم يعلم عنه شيئاً طول تلك السنوات التى ظن فيها أنه ميت .. يجب أن يكتشف الحقيقة .. يجب أن يرغم "مريم" على اخباره بكل ما تعرفه .

*********************************************

أوقف "مراد" سيارته أمام النيل ولم يشعر بنفسه الا وآذان الفجر يصل الى مسامعه .. صلى الفجر وتوجه الى البيت .. كان الجميع نيام .. هم بالصعود الى غرفته لكنه أحجم عن ذلك توجه الى غرفة المكتب وافترش الأريكة ونام فوقها .. فى الصباح التف الجميع حول طاولة الطعام .. كان "مراد" يتحاشى النظر الى "مريم" الجالسه بجواره ويبدو على وجهه علامات الضيق .. أخذت "مريم" تختلس النظر اليه الى أن قام فجأة وقال :
- أنا ماشى
فى المكتب شعر الجميع بتوتر "مراد" وعصبيته فى القاء الأوامر على الموظفين .. حتى "طارق" لم يسلم من تلك العصبية .. صاح "مراد" :
- يعي ايه الشحنة تتأخر فى الجمارك .. أمال بس فالح سافر يا "مراد" وأنا فى الشركة بدايلك يا "مراد"
قال "طارق" بهدوء :
- انا مليش ذنب يا "مراد" وبعدين راجلنا اللى فى الجمارك بيقول ان التأخير على الكل
صاح "مراد" بغضب وهو يلقى بأحد الملفات على المكتب بعصبيه :
- وراجلنا ده مش قادر يتصرف .. وهى دى أول مرة نشحن فيها .. عمرنا ما اتأخرنا كده .. هو لو مش عارف يعمل شغله يقول واحنا نشوف حد غيره يعرف يمشى الشغل
نظر اليه "طارق" قائلاً :
- "مراد" انت مالك فى ايه بتشاكل دبان وشك ليه .. الراجل مغلطش وقولتلك التأخير على الكل
صمت "مراد" قليلاً ثم أخذ مفاتيحه وهاتفه وغادر المكتب فى عصبيه .. توجه الى سيارته ومشى بها على غير هدى .. كان يسير بسرعة عالية وهو يشق طريقه بين السيارات .. كان يشعر بغضب وضيق كبير بداخله .. شعر بأنه ناقم على "مريم" بشدة .. لأنها لم تخبره بأمر زواجها من أخيه .. وتركته يــ .....! حرك رأسه لينفض تلك الأفكار منه .. ظل يردد لنفسه .. هى كغيرها لا تساوى عندى شيئاً .. لا فرق عندى بينها وبين أى فتاة أخرى .. لم ولن اشعر باى شئ تجاهها .. قلبي كما هو لم يمسسه أحد .. ولن يستطيع أحد اقتحام أسواره

*********************************************

مرت عدة أيام كان يتحاشى فيها "مراد" ملاقاة "مريم" أو الحديث معها أو حتى النظر اليها .. وذات مساء عاد "مراد" الى البيت ودخل غرفة المكتب وأغلق الباب خلفه .. قالت "ناهد" بدهشة :
- مش عارفه ماله بقاله كام يوم عصبي جداً ومش طايق حد
قالت "نرمين" :
- أنا كمان لاحظت كده
قالت "سارة" :
- أكيد مشاكل فى الشغل .. انتوا عارفين "مراد" أى حاجه تهمه بياخدها على أعصابه
شردت "مريم" وهى تشعر بالضيق .. تًرى لماذا هو غاضب .. أغاضب لأنه لم يكن يعلم بأمر أخيه وبأنه مازال على قيد الحياة ؟ .. أم غاضب لأن "مريم" كانت زوجة أخيه الراحل ؟ .. ثم ما شأنه ان كانت زوجة أخيه أم لا .. فزواجها بـ "مراد" مؤقت وليس زواجاً حقيقياً .. نهضت "مريم" وأحضرت حاسوبها كانت تؤجل تلك المحادثة لكن الوقت قد حان ويجب أن تنهى عملها الذى طلبه منها .. طرقت باب غرفة المكتب فظنها والدته فقال :
- اتفضلى يا ماما
ظهرت الحدة فى نظراته عندما رفع رأسه ليجد "مريم" واقفه أمامه .. قالت "مريم" بصوت حاولت أن يبدو ثابتاً :
- انا خلصت الشغل ياريت حضرتك تشوفه قبل ما نوديه المطبعه
مد يده فأعطته الحاسوب وضعه على المكتب أمامه وظل ينظر اليه بعينان بدتا وكأنهما لا تريان ما أمامها ثم قال بقسوة :
- زى الزفت
شعرت "مريم" بالضيق من تعليقه الخالى من الذوق وقالت وهى تحاول التحكم فى أعصابها :
- ايه بالظبط اللى مش عاجبك فيه
قال "مراد" بعنف وهو ينظر اليها :
- كله .. كله مش عاجبنى
تنهدت "مريم" وحاولت كظم غيظها وقالت :
- يعني تحب أغير التصميم كله من أوله لآخره ؟
قال ببرود :
- أيوة .. واللوجو كمان
نظرت اليه "مريم" بحده وهى تقول :
- بس حضرتك قولتلى من كام يوم ان اللوجو ممتاز
قال "مريد" بعناد :
- غيرت رأيي .. عيدي كل حاجة تانى
صاحت "مريم" بحنق :
- وطالما مكنش عاجبك قولتلى ممتاز ليه كنت قولى انه وحش
قال "مراد" بحده :
- انتى مش هتعمليني أقول ايه وما أقولش ايه
قالت "مريم" بعصبيه وهى تحمل حاسوبها من أمامه :
- شوفلك ديزاينر غيري
نهض "مراد" من مكانه وأمسكها من ذراعها بعنف وصاح بغضب :
- يعني ايه أشوف ديزاينر غيرك وهو لعب عيال
قالت "مريم" بغضب مماثل وهى تتطلع الى عينيه :
- انتى ليه بتتعامل معايا كده .. مش ذنبي انى كنت مراة أخوك
ازدادت قوة قبضته على ذراعها الى أن ظهر الألم على ملامحها .. لحظات وخفف من قبضته ثم أزاحها تمام وتوجه الى مكتبه وجلس عليه وهو يسند رأسه الى قبضتى يده .. قال بحزم :
- اخرجى لو سمحتى
غادرت "مريم" المكتب وهى تشعر بالأسى صعدت الى غرفته فما كادت تفتح الشرفة لتقف فيها الا ووجدت "سهى" تتصل بها وتهتف وهى تبكى بحرقة :
- أنا ضعت يا "مريم"
هتفت "مريم" بدهشة :
- "سهى" بتقولى ايه
قالت "سهى" وشهقات بكائها تتعالى :
- أنا اتجوزت "سامر" عرفى
صاحت "مريم" :
- يا مصيبتى .. بتقولى ايه .. عرفى يا "سهى"
قالت "سهى" :
- المصيبة انه منفضلى خالص وبيخلى السكرتيرة تقولى انه مش فى المكتب ومسافر مع انى استنيته تحت الشركة وشوفته وهو بيركب العربية
ثم أخذت تصرخ وتصيح وقد بدا أن أعصابها قد انهارت تماماً :
- أنا ضعت يا "مريم" ضعت خلاص .. مش هيرضى يتجوزنى
كانت "مريم" تشعر بالألم وهى تستمع الى صرخات "سهى" وبكائها فأخذت العبرات تسقط على وجنتيها وهى تقول :
- حبيبتى اهدى هيحصلك حاجه
صاحت "سهى" وهى تصرخ :
- أنا مش عارفه أعمل ايه .. اعمل ايه دلوقتى .. لو أهلى عرفوا هيموتونى
قالت "مريم" بأسى :
- طيب انتى فين وأنا أجيلك
قالت "سهى" بصوت منهار :
- أنا خلاص قررت أموت نفسي فى المكان اللى ضيعنى فيه "سامر" ..هحرق اللانش اللى حياتى اتدمرت عليه .. اللانش اللى قالى انه أول مكان يشهد حبنا .. ده مكنش حب يا "سامر" ضحكت عليا يا "سامر"
ثم قالت بصوت باكى :
- ياريتنى كنت سمعت كلامك من زمان مكنش ده كله حصل .. ادعيلى يا "مريم" ان ربنا يرحمنى ويغفرلى .. بالله عليكي ادعيلى
أنهت "سهى" المكالمة فشعرت "مريم" بالفزع وأخذت تردد :
- "سهى"
عاودت "مريم" الإتصال بها بأصابع مرتجفة لكنها على ما يبدو أغلقت هاتفها .. نزلت "مريم" ببسرعة واقتحمت مكتب "مراد" وهتفت وهى تبكى :
- "مراد" الحقنى
هب "مراد" وقفاً والتف حول المكتب ووقف أمامها قائلاً :
- مالك يا "مريم" فى ايه ؟
قالت وهى تبكى :
- "سهى" زميلتى فى المكتب كلمتنى وقالتلى انها هتموت نفسها .. أنا خايفة أوى
قال "مراد" وهو يحاول استيعاب ما قالت :
- تموت نفسها .. ازاى يعني
قالت "مريم" بأسى :
- "سامر" صحبك اتجوزها عرفى
شعر"مراد" بالصدمة مما سمع فأخذت "مريم" تقول :
- قالتلى ان عنده لانش أخدها عليه وهى هتروح هناك دلوقتى وتولع فيه وفى نفسها
ثم قالت باكيه :
- أرجوك يا "مراد" ساعدنى
جذبها "مراد" من ذراعها وأمرها قائلاً :
- طيب اطلعى بسرعة غيري هدومك على ما أتصل بـ "سامر"
حاول "مراد" الاتصال بـ "سامر" مرات عديدة دون جدوى .. نزلت "مريم" مسرعة فقالت بلهفه :
- رد عليك
قال "مراد" :
- لا .. بس أنا عارف مكان اللانش بتاعه خدنا هناك قبل كده
انطلق "مراد" بسيارته وبصحبته "مريم" التى أخذت تستغفر ربها وتدعوه أن يحفظ "سهى" وينجيها .. كانت مضطربة للغاية وترتجف من شدة الخوف والفزع .. التفت اليها "مراد" يتطلع اليها .. أمسك كتفها بيده قائلاً :
- متخافيش هنلحقها ان شاء الله
أومأت برأسها وهى مازالت تدعو الله عز وجل .. سار "مراد" بأقصى سرعة الى أن وصل الى المرفأ .. أوقف سيارته فى الخارج ومن حسن حظهما أن "مراد" كان يمتلك زورقاٌ فى هذا المرفأ فأظهر التصريح للمسؤل ودخل الإثنان وهما يسرعان الخطى نظر "مراد" يميناً ويساراً ثم قال :
- مش فاكر هو يمين ولا شمال
قالت "مريم" بسرعة :
- كل واحد فينا يروح من طريق
نظر "مراد" الى "مريم" التى تبتعد وهو يشعر بالضيق لإضطراره تركها بمفردها .. ولكن حياة انسانه فى خطر ويجب انقاذها قبل فوات الأوان .. أخذت "مريم" تتطلع الى الزوارق واللانشات على جانبيها وهى تبحث بعينيها عن "سهى" .. الى أن توقفت فجأة .. كانت "سهى" واقفة على ظهر اللانش وتنظر الى البحر وتوليها ظهرها ..تمتمت "مريم" :
- الحمد لله .. الحمد لله
نادتها "مريم" :
- "سهى" .. "سهى"
لم تلتفت اليها "سهى" بل بدت وكأنها لا تسمعها
قفزت "مريم" بحذر الى ظهر اللانش وهى تشم رائحة نفاذه تنبعث من اللانش .. اقتربت من "سهى" قائله :
- "سهى"
لكن كل شئ حدث فى لحظه .. فى لحظة تركت "سهى" عود الثقاب المشتعل الذى تحمله لتحيط النيران باللانش من جميع الجهات وتتوسطه "سهى" و "مريم" التى أخذت تنظر الى النيران المشتعلة على حواف اللانش والتى تمنعها من المغادرة .. توجهت "مريم" مسرعة الى "سهى" وصاحت :
- ايه اللى عملتيه ده يا "سهى"
جذبتها "مريم" من ذراعها وصعدت لها الى سطح اللانش العلوى .. أمسكتها "مريم" من ذراعيها وصرخت فيها قائله :
- هو ده الحل فى نظرك .. انك تموتى بالشكل ده .. بدل ما تحاولى تستغفرى ربنا وتكفرى عن ذنبك .. عايزة تنتحرى يا "سهى"
بدت "سهى" وكأن قواها قد خارت من شدة البكاء فصاحت بها "مريم" وهى تقربها من الحافة :
- يلا نطى .. نطى بسرعة اللانش بيولع
فى تلك اللحظة اقترب "مراد" من اللانش ليرى "مريم" و "سهى" واقفتان على ظهر اللانش الذى تشتعل النيران به من جميع الجهات .. قفز قلبه من مكانه وشعر بالهلع وهو يرى "مريم" وسط النيران .. جرى فى اتجاه اللانش وهو يصيح :
- "مريم" .. "مريم"
صاحت "مريم" فى "سهى" :
- نطى يا "سهى"
نظرت اليها "سهى" بأسى ثم نظرت الى المياة وقفزت فيها ثم سبحت الا أن استطاعت الخروج من الماء
وقف "مراد" أمام اللانش الذى يحترق وهو يصيح بـ "مريم" الواقفة بالأعلى :
- نطى فى البحر يا "مريم"
نظرت اليه "مريم" ثم الى البحر تحتها .. شعرت بالخوف الشديد .. فهى لا تعرف السباحه .. وتخشى الماء .. ظلت متجمدة مكانها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. النيران تحيط باللانش وتمنعها من الخروج .. وان لم تقفز فستطال النيران الدور العلوى الذى تقف فيه .. صاح "مراد" فيها :
- "مريم" .. نطى بسرعة
نظرت "مريم" مرة أخرى الى البحر المظلم تحتها وهى تبكى بصمت وتمتم :
- يارب ساعدنى
تقدمت خطوة لكنها خافت ورجعت الى الخلف وهى تمسك فى أحد الأعمدة وتبكى .. نظر "مراد" حوله فلم يجد أحداً يستنجد به .. ثم نظر الى "مريم" التى تقف تستند الى العمود باكيه .. ثم نظر الى النيران المشتعلة والتى كان أهون عليه من فقدانها .. خلع الجاكيت وغمره فى الماء ثم أمسكه من الخلف ورفعه الى رأسه يحتمى به ثم قفز وسط النيران المشتعلة والتى تتصاعد ألسنتها الى عنان السماء .. صعد الى الدور العلوى واقترب من "مريم" التى كانت ترتجف خوفاً .. نظرت اليه "مريم" بدهشة وتوقف بكائها وهى تقول :
- انت ازاى نطيت للمركب
وأمسك "مراد" رأسها بين كفيه ونظر اليها بفزع وقال لهفه :
- انتى كويسة ؟
أومأت برأسها وعيونها معلقة به لا تصدق أنه قفز فى النار من أجلها .. وجهها الى الحافة قائله :
- نطى يا "مريم"
قالت بخوف وهى تعاود البكاء :
- أنا خايفة .. مبعرفش أعوم
أحاطها "مراد" بذراعيه وطمأنها قائلاً :
- متخفيش أنا معاكى .. هنعد ل 3 وننط سوا
قبل أن يبدأ بالعد .. تمسكت به بشدة ونظرت اليه بخوف قائله :
- اوعى تسيبنى
قفز كلاهما الى الماء ثم أوقفها "مراد" وأحاطها بذراعه الى أن خرجت من الماء وقد تبللت ملابسهما تماماً .. أدارها اليه وصاح فيها بغضب وصدره يعلو ويهبط بسرعة :
- انتى مجنونة ازاى تعملى كده ؟
قالت بضعف وبصوت مرتجف ومازال قلبها يخفق بجنون :
- أنا طلعت المركب قبل ما هى تولع فيه .. مكنتش أعرف انها رشت فيه بنزين ومخدتش بالى من الكبريت اللى هيا مسكاه
قال "مراد" بألم وهو ينظر الى عينيها وقد غشت عيناه الدموع :
- مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا
تطلعت اليه "مريم" ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :
- الحمد لله .. الحمد لله
حاولت "مريم" التحرر من بين ذراعيه لكن "مراد" كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت "مريم" بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته.



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 09:09 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحلقة ( 21 )


- مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا
تطلعت اليه "مريم" ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :
- الحمد لله .. الحمد لله
حاولت "مريم" التحرر من بين ذراعيه لكن "مراد" كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت "مريم" بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته
طال عناقهما وكأن الوقت قد توقف وخلى العالم الا منهما .. لم يشعران إلا بالأمان الذى يشعر به كل منهما فى حضن الآخر .. لم يقطع عليهما تلك اللحظة الا صوت حراس المرفأ القادمون بإتجاه الحريق وأصواتهم تتعالى :
- هاتوا طفاية الحريق بسرعة
- حد يتصل بالمطافى يا شباب
شعرت "مريم" بالفزع عندما سمعت تلك الأصوات التى تعالت فجأة بالصياح .. نظر "مراد" الى الخلف حيث الرجال مقبلون فى اتجاههم ثم نظر اليها قائلاً بحنان :
- متخفيش
شعرت "مريم" بالإضطراب وبالحرج الشديد ابتعدت عنه وابتعد عنها .. التفت "مراد" يتحدث الى الرجال وهو يطبق على ذراع "مريم" بيده :
- اللانش بتاع واحد صاحبى أنا هكلمه حالا
التفت الى "مريم" وأعطاها مفاتيح السيارة قائلاً :
- اعدى فى العربية انتى وهى واقفلوها عليكوا كويس
أومأت برأسها وتوجهت الى "سهى" التى تجلس على أرض المرفأ تبكى .. وجذبتها من ذراعها وتوجهت بها الى السيارة تحت أنظار "مراد" الذى أخذ يساعد الرجال فى اطفال الحريق حتى لا يمتد الى اللانشات المجاورة له

أغلقت "مريم" السيارة من الداخل كما أمرها "مراد" ثم التفتت الى "سهى" التى جلست بجوارها فى المقعد الخلفى وقالت :
- انتى كويسة ؟
قالت "سهى" والدموع تتساقط من عينيها :
- ياريتك كنتى سبتيني أموت
هتفت "مريم" بحده :
- حياتك مش ملكك عشان تنهيها وقت ما تحبي .. حياتك دى ملك لربنا .. ربنا حرم علينا اننا ننهى حياتنا بإيدينا .. ربنا بيقول فى سورة النساء : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً" .. انتى بتهربى من ايه لايه يا "سهى" .. انتى فاكره بعد ما تموتى خلاص كده هترتاحى ؟ .. لا يا "سهى" فى حياة تانية بعد الموت .. حياة أبديه .. هتتحاسبي فيها عن كل اللى عملتيه فى الدنيا .. النبي صلى الله عليم وسلم قال : "مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" .. وقال كمان : " مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة "
صمتت "مريم" قليلاً ثم قالت :
- ليه تموتى على ذنب كبير زى ده .. انتى مش عارفه ان من مات على شئ بُعث عليه يوم القيامة ؟
قالت "سهى" وهى تبكى :
- ازاى أعيش بعد اللى حصل ده يا "مريم" أنا اتفضحت خلاص وحياتى ضاعت
قالت "مريم" :
- أنا مش هقولك ازاى عملتى كده .. وازاى رخصتى نفسك كده .. وازاى سبتى واحد يضحك عليكي كده .. بس هقولك حاجة قولتهالك قبل كدة يا "سهى" انتى بعيد عن ربنا .. قربي منه ومش هتخسرى .. قربي منه يا "سهى" لان سعادتك فى القرب منه مش فى البعد عنه
قالت "سهى" ودموع الندم تغرق وجهها :
- أعمل ايه يا "مريم" قوليلى أعمل ايه
قالت "مريم" :
- استغفرى ربنا وتوبي يا "سهى" وعاهديه انك مش هتغلطى تانى أبداً مهما حصل .. لو توبتى بجد هتحسي ان نارك بردت شويه .. عارفه ان اللى حصل مش سهل .. بس انتى غلطتى يا "سهى" والغلط له تمن .. وغلطتك كبيرة وعشان كدة تمنها غالى .. بس اخلصى التوبة وخليكي مع ربنا .. وهو مش هيضيعك لو كنتى فعلاً معاه بقلبك وبكل جوارحك .. ربنا كبير ورحيم .. بس لازم تكونى صادقة فى توبتك .. وصادقة فى لجوئك له .. وصادقة فى ندمك وفى دموعك وفى دعائك
انتفضت "مريم" وهى تسمع طرقات على الزجاج خلفها .. التفتت لتجد "مراد" فتحت الباب فأعطاها غطائين واحد لها وواحد لـ "سهى" .. قال لها وهو يلقى نظرة على "سهى" :
- الأمور تمام ؟
أومأت برأسها فقال برقه وهو يتطلع الى عينيها بنظرة جعلت وجنتيها تحمران خجلاً وتهرب بعينيها :
- اقفلى الباب زى ما كان
أغلقت باب السيارة من الداخل .. وتابعته بعيناها الى أن اختفى عن أنظارها .. أفاقت من شرودها على "سهى" تقول :
- تفتكرى لو استغفرت ربنا هيسامحنى .. تفتكرى ممكن يسامحنى على كل الحاجات الغلط اللى عملتها .. انا غلطت كتير أوى يا "مريم"
قالت "مريم" بحنان :
- ربنا كبير أوى يا "سهى" وبيسامح ويغفر .. تعرفى ان ربنا بيتجلى فى السماء الدنيا وبينادى فى الثلث الأخير من الليل ويقول : "من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" .. متخيله ده .. متخيله ان ربنا سبحانه وتعالى هو اللى بيسأل مين عايز يستغفرنى عشان أغفرله ! .. ومحددش عن أى ذنب بيستغرفه .. يعني الكلام عام وشامل أى حد بيستغفر مهما كان الذنب اللى أذنبه
لفت "مريم" أحد الأغطيه حول "سهى" والغطاء الآخر حولها .. كانت أسنانها تصطك ببعضها من شدة البرد وهى الجالسه فى السيارة .. أخذت تفكر رغماً عنها فى "مراد" الواقف فى هذا البرد وملابسه مبتله تماماً .. حاولت أن تبحث عنه بعينيها لكنها لم تكن تراه من مكان جلوسها فى السيارة .. فجأة وجدت "سهى" تقول بخوف :
- "سامر"
تتبعت "مريم" نظرات "سهى" التى كانت مصوبة على "سامر" الذى أوقف سيارته على مقربه من سيارة "مراد" وأسرع الخطى الى داخل المرفأ.

اقترب "سامر" من "مراد" قائلاً فى لوعة :
- ايه اللى حصل يا "مراد"
نظر "سامر" مصدوماً الى اللانش المحترق والذى خمدت ناره بمساعدة "مراد" و الحرس .. فهتف فى الحرس بغضب :
- مين اللى عمل كده .. ازاى يبقى اللانش فى حراتكوا ويحصل كده .. اتصلولى حالاً بالمدير بتاعكوا .. أنا هوديكوا كلكوا فى ستين داهية
قال "مراد" بحزم :
- "سامر" ملوش داعى الكلام ده
جذبه "مراد" من ذراعه ليبتعد عن أسماع الرجال فقال "سامر" بغضب :
- أنا هوديهم كلهم فى ستين داهية
قال "مراد" بصرامة :
- "سهى" هى اللى حرقت اللانش
نظر "سامر" الى "مراد" بدهشة وقال :
- "سهى"
قال "مراد" بحده :
- أيوة ولعت فى اللانش وهى جواه
نظر اليه "سامر" مصدوماً وقد ألجم لسانه .. فقال "مراد" بعنف :
- أنا عارف ان تصرفاتك مش صح بس متخيلتش انها توصل للجواز العرفى
قال "سامر" ببرود :
- دى حياتى وأنا حر فيها
قال "مراد" بحده :
- اتفضل انهى الموضوع مع الحرس .. مش معقول هتعملها مشاكل ويحبسوها
أخذ "سامر" ينظر الى لانشه المحترق بغيظ شديد وهو يقول :
- استفادت ايه دلوقتى لما حرقته .. غبية
عاد "مراد" الى السيارة وركب خلف المقود .. وانطلق بسيارته .. سألته "مريم" :
- ايه اللى حصل
نظر اليها فى مرآة السيارة قائلاً :
- قولت لـ "سامر" انها هى اللى حرقته وكانت عايزه تنتحر .. وهو هيحل المشكلة مع الأمن
كانت "سهى" قد هدأت تماماً وألقت رأسها للخلف وقد خارت قواها .. مسحت "مريم" على شعرها فى حنان .. التفتت لترى عيني "مراد" مركزتان عليها فى المرآة .. شعرت بالخجل الشديد وهى تتذكر عناقهما منذ قليل .. قال "مراد" :
- على فين ؟
نظرت "مريم" الى "سهى" بشفقه وقالت :
- تحبي نروحك البيت يا "سهى" ؟
قالت "سهى" بضعف :
- أيوة ياريت تروحونى
قالت "مريم" بإهتمام :
- وهتقولى لأهلك ايه وهدومك مبلوله كده
قالت "سهى" بإبتسامه ساخرة حزينه :
- ده لو خدوا بالهم منى أصلاً .. زمانهم دلوقتى فى سابع نومه وفاكرين انى نايمه فى أوضتى
شعرت "مريم" بالأسى عليها .. أوصلها "مراد" الى بيتها .. فقالت لها "مريم" محذره :
- مش عايزة تصرفات مجنونة تانى يا "سهى" فكرى فى كلامنا كويس
قالت "سهى" بضعف :
- متخفيش .. ومعلش تبعتك معايا يا "مريم"
ثم نظرت الى "مراد" قائله :
- آسفه على تعبك يا أستاذ "مراد"
أومأ "مراد" برأسه .. نزلت "سهى" من السيارة ودخلت بيتها .. ونزلت "مريم" لتركب بجوار "مراد" وتركت الغطاء بالخلف .. فجذبه "مراد" ولفه على كتفيها .. شعرت بالحرج وتحاشت النظر اليه .. وصلا الى البيت .. كانت "مريم" تشعر بالتعب والإرهاق .. كان الجميع نيام .. صعدا الى الغرفة فحملت "مريم" ملابسها وهمت بأن تتوجه الى الحمام بالخارج فأوقفها "مراد" قائلاً :
- لا خليكي انتى هنا
حمل ملابسه وخرج من الغرفة .. أخذت دشاً وتوجهت الى الفراش وهى تجد صعوبة فى ابقاء عينيها مفتوحتان .. عاد "مراد" ليجدها تغط فى نوم عميق .. اقترب من الفراش مبتسماً ومسح بيده على شعرها برقه ودثرها جيداً .. ثم توجه الى الأريكه وهو يشعر بألم شديد فى ساقه .. نام على الأريكة وألقى نظره على "مريم" النائمة ثم خلع ساقه الصناعية بعدما اشتد به الألم وأصبح غير محتمل لكنه تركها مكانها تسد فراغ ساقه تحت الغطاء .. وغط فى نوم عميق .. بعد عدة ساعات شعرت "مريم" بشئ يداعب وجنتها فاستيقظت وفتحت عينيها بصعوبة لتجد "مراد" واقفاً بجوارها ويبتسم قائلاً :
- الفجر أذن يا كسلانه
لم تستطع فتح عينيها فأغمضتهما مرة أخرى وعادت للنوم .. وجدته يربت على كفتها برفق قائلاً :
- "مريم" قومى صلى ونامى تانى
استيقظت هذه المرة .. وخرجت من الفراش بتكاسل توضأت وصلت ثم عادت الى النوم مرة أخرى تحت نظرات "مراد" الحانيه

*********************************************
فى الصباح استيقظ "مراد" وهو يشعر بنغزات كالأشواك فى حلقة وظل يعطس كثيراً .. كانت "مريم" مازالت تغط فى النوم .. اقترب منها وأخذ ينظر اليها طويلاً ثم ارتدى ملابسه وتوجه الى الخارج .. جلس على الطاولة مع أمه فى الحديقة قائلاً :
- هما البنات لسه نايمين
قالت "ناهد" :
- أيوة محدش منهم بيصحى بدرى كده .. واضح ان "مريم" كمان لسه نايمة
قال "مراد" وهو يهم بالإنصراف :
- أيوة نايمة .. أنا ماشى يا ماما عايزة حاجه
قالت له بإستنكار :
- مش هتفطر
قال "مراد" :
- هفطر فى الشركة عندى شغل كتير النهاردة
عطس مرتين فنظرت له أمه بتفحص قائله :
- خد حاجة للبرد يا "مراد" شكلك بردت امبارح كان الجو برد
لوح لها قائلاً :
- حاضر .. يلا سلام
توجه "مراد" الى شركة "سامر" وطلب مقابلته فأذت له السكرتيرة بالدخول استقبله "سامر" وعلامات الإرهاق على وجهه قائلاً :
- معرفتش انام طول الليل وجيت هنا المكتب ألهى نفسي بأى حاجه وأول ما كلمتنى الصبح استنيتك ومرضتش أمشى
قال "مراد" وهو يجلس أمامه :
- "سامر" ايه الحكاية بالظبط
قال "سامر" بتبرم :
- مفيش اتجوزت عادى يعني .. دى كل الحكاية
قال "مراد" بإستنكار :
- هو العرفى بأه عادى دلوقتى ؟ .. ده مش جواز أصلاً
قال "سامر" بضيق :
- أنا بعتبره جواز
قال "مراد" بحزم :
- البنت كانت هتموت نفسها امبارح .. ده مأثرش فيك خالص كده ؟
هتف "سامر" بغضب :
- واحدة غبية هعملها ايه يعني .. حد يعمل عملتها السودة دى
تنهد "مراد" قائلاً :
- هى طبعاً غلطانه .. غلطانه انها حاولت الانتحار وغلطانه انها سلمتك نفسها بورقة ملهاش أى قيمة .. بس انت مشترك معاها فى الغلط ده وبتتحمل جزء من المسؤلية .. حاول تراجع نفسك يا "سامر" .. وتصلح الغلط اللى حصل ده

****************************************
استيقظت "مريم" ووجدت الأريكة فارغة حملت هاتفها واتصلت بـ "سهى" :
- صباح الخير ازيك يا "سهى"
قالت "سهى" بصوت مجهد :
- ازيك يا "مريم"
قالت "مريم" بقلق :
- عاملة ايه دلوقتى
تنهدت "سهى" قائله :
- كويسة يا "مريم" .. كويسة متقلقيش نفسك
- طيب يا حبيبتى أنا كنت بطمن عليكي .. مش عايزة حاجة منى ؟
- تسلمى يا "مريم" ربنا يباركلك انتى بجد بنت جدعة أوى ياريتنى صاحبتك من زمان وسمعت كل اللى قولتيهولى
قالت "مريم" :
- الوقت لسه مفاتش يا "سهى" فى ايدك تغيري كل حاجة وتخليها أحسن .. هقوم أفوق كده وأفطر وأرجع أكلمك تانى
- ماشى يا "مريم" هستنى اتصالك
- ماشى يا حبيبتى مع السلامة خلى بالك من نفسك
نهضت "مريم" متكاسله .. بدلت ملابسها ونزلت للأسفل لتجد "سارة" و "نرمين" و "ناهد" فى غرفة المعيشة :
- صباح الخير يا جماعة
- صباح النور
قالت "نرمين" :
- هقول لدادة "أمينة" تحضر الفطار كنا مستنيينك أنا و "سارة"
ابتسمت "مريم" وجلست فالتفتت لها "ناهد" قائله :
- شكلك مرهق
ارتبكت "مريم" قائله :
- يعني شويه
قالت "ناهد" :
- "مراد" برده كان شكله تعبان وهو نازل النهاردة وأعد يعطس كتير
شعرت "مريم" بالحزن لعلمها بأنه مريض .. وأخذت تفكر فى أحداث الأمس ووقوفه بملابس مبتلة فى الهواء الطلق بالتأكيد أصابته نزلة برد .. ودت لو اتصلت به لتطمئن عليه لكنها ما كانت لتجرؤ على فعل ذلك

*******************************************
توجهت "مريم" الى المطبخ حيث كانت دادة "أمينة" واقفة تؤدى عملها .. قالت لها :
- تحبي أساعدك
التفتت "أمينة" ونظرت الى "مريم" مبتسمة وقالت :
- متحرمش منك يا ست "مريم"
جلست "مريم" على الطاولة الصغيرة فى منتصف المطبخ وقالت لها :
- انتى عايشة هنا من زمان يا دادة
قالت "أمينة" بمرح وهى تكمل عملها :
- يوووه من زمان أوى .. من أول ما سي "خيرى" الله يرحمه اشترى الفيلا .. أنا اللى مربية سي "مراد" و "سارة" و "نرمين" .. دول ميقدروش يستغنوا عنى أبداً ولا أنا أقدر استغنى عنهم
ابتسمت "مريم" وقالت :
- ربنا يخليكي ليهم
التفتت "أمينة" اليها قائله :
- حتى لما الظروف داقت بيهم بعد موت سي "خيري" الله يرحمه مرضتش أسيبهم أبداً حتى وقت ما كانوا مش قادرين يدفعولى مرتبي والفيلا دى كانت مرهونه وخسروا كل حاجة
عقدت "مريم" حاجبيها وهى تستمع بإهتمام فأكملت "أمينة" بحماس :
- قولت أبداً لو هشتغل بأكلى وشربي بس مش مهم المهم مبعدش عنهم أبداً مهما اتعرض عليا من فلوس فى بيوت تانية
ابتسمت "مريم" لإخلاص المرأة فأكملت "أمينة" بفخر :
- سي "مراد" هو اللى رجع كل حاجة زى ما كانت .. طبعاً راجل من ضهر راجل .. وقدر يقف على رجله ويرجع الفيلا دى ملكهم وقدر يكبر الشركة لحد ما بقت حاجة كبيرة أوى
ابتسمت "مريم" وهى تلاحظ اعجاب "أمينة" بـ "مراد" الذى ربته وكبرته .. قالت "أمينة" كمن تبوح بسراً :
- بصراحة لما عرفت ان سي "مراد" اتجوز فرحت أوى أوى ده كان مقاطع الجواز ومبيطقش سيرته
ضيقت "مريم" عينيها وهى تحاول استنباط ما ترمى اليه المرأة .. سألتها "مريم" بإهتمام :
- هو "مراد" ومراته الأولانيه اطلقوا من امتى ؟
قالت "أمينة" :
- اطلقوا من ست سنين
شعرت "مريم" بالدهشة ست سنوات ولم يفكر فى الزواج مرة أخرى .. تُرى أكان يحبها الى هذه الدرجة ؟ .. لماذا طلقها اذن ؟ .. كانت تفكر فى اجابات لتلك الأسئلة فى حيرة عندما أخرجتها "أمينة" من حيرتها قائله :
- ربنا يسامحها بأه سابته وراحت اتجوزت واحد تانى .. بس هى الخسرانه عمرها ما هتلاقى حد زى سي "مراد" لا فى أخلاقه ولا فى حنيته .. هى اللى مش وش نعمه
فكرت "مريم" .. اذن فزوجته هى التى تركته .. تُرى لما فعلت ذلك .. لم ترد سؤال "أمينة" أكثر حتى لا تشك فى الأمر .. فهى زوجته وهى أكثر شخص من المفترض أن يعرف كل شئ عنه .. شردت وهى تحاول أن تخمن اجابات الأسئلة التى تدور فى رأسها


*******************************************

عاد "مراد" من الخارج وهو يشعر بأن التعبت قد أخذ منه مبلغه .. ازداد العطس وازدادت ارتاجفة جسده وشعوره بالوهن .. اتقبلته "ناهد" قائله :
- شكلك تعبان أوى
قال "مراد" معانداً :
- لا أنا كويس هاخد حاجة للبرد وأدخل أنام
هاتفت "ناهد" قائله :
- انت لسه مخدتش حاجه للبرد .. بتستهبل يا "مراد" ما أنا قايلالك الصبح
قال "مراد" وهو يصعد الدرج :
- نسيت كنت مشغول هاخد دلوقتى
توقف والتفت الى أمه قائلاً :
- فين "مريم" ؟
قالت "ناهد" وهى تنظر اليه بإمعان :
- فى المطبخ
نظر "مراد" فى اتجاه المطبخ ثم التفت الى أمه وقال بصوت هادئ :
- هى كويسة ؟ يعني مش تعبانه ؟
هزت "ناهد" رأسها نفياً وهى مازالت تنظر اليه الى أن صعد الدرج الى غرفته .. دخلت "ناهد" المطبخ لتجد "مريم" جالسه تتحدث مع "أمينة" فقالت لها :
- "أمينة" لو سمحتي هاتى حاجة للبرد عشان "مراد"
شعرت "مريم" بالقلق وقالت :
- هو تعبان أوى
نظرت اليها "ناهد" قائله :
- أيوة شكله تعبان أوى وكالعادة نسي ياخد الدوا طول اليوم
خفق قلبها قلقاً .. قالت "أمينة" :
- ربنا يشفيه ويعافيه ياخد الدوا ده ويتدفى وهيبقى الصبح زى الفل

اخذت "ناهد" الدواء وصعدت الى غرفة "مراد" أمرته بالنوم على الفراش وأن يتدفى جيداً .. قال "مراد" :
- حاضر
قالت "ناهد" وهى تتحسس جبينه :
- حرارتك عالية أوى يا "مراد" تحب أتصل بـ "أحمد"
قال وهو يعطس :
- لا أنا كويس
قالت "ناهد" بحنق وهى تشير للفراش :
- طيب لو سمحت نام وريح نفسك على ما أعملك شوربه دافيه
توجه "مراد" الى الأريكة وهم بالنوم فوقها فقالت "ناهد" بإستنكار :
- هتنام على الكنبة
نظر اليها نظرة ذات معنى فامتقع وجهها بعدما فهمت ترتيبات النوم الخاصة بهما .. همت بالخروج من الغرفة فوجدت فى وجهها "مريم" التى شعرت بالقلق يراودها وأرادت الإطمئنان على "مراد" .. خرجت "مريم" وأغلقت الباب خلفها وهى ترمقهما بنظراتها .. ابتسم لها "مراد" قائلاً :
- انتى كويسه ؟
نظرت اليه بأسف قائله :
- أنا آسفه على اللى حصل ده .. كل ده بسببي
ظل محتفظاً بإبتسامته وقال وهو يرمقها بحنان :
- فداكى
شعرت بالخجل وتعالت خفقات قلبها وقالت بإرتباك :
- تحب أعملك حاجة
قال "مراد" وهو يرمقهما بنظرات التى لم تبتعد عنها لحظه :
- تعرفى تعملى لمون سخن
ابتسمت قائله :
- أيوة أعرف
ابتسم قائلاً :
- لو مش هتعبك اعمليلي كوباية
أومأت برأسها وتوجهت الى المطبخ .. رأت "ناهد" تعد لـ "مراد" طبق حساء فتوجهت الى الثلاجة واخرجت الليمون وشرعت فى اعداد كوب الليمون الساخن .. نظرت "ناهد" الى ما تفعله وابتسامه صغيره على شفتيها فتعمدت ان تتلكأ فى اعداد الحساء .. صعدت "مريم" الى غرفة "مراد" الذى سمعته يعطس بقوة فشعرت بالحزن لأجله .. أعطته الكوب فاعتدل قليلا فى جلسته وأخذ يرمقها بنظراته .. خجلت من الوقوف امامه فى مرمى نظراته هكذا فإلتفتت لتخرج .. أوقفها قائلاً :
- راحه فين
قالت بإرتباك وهى تتحاشى النظر اليه :
- نازله تحت
صمت قليلاً ثم قال :
- طيب براحتك
نظرت اليه قائله :
- لو عايز حاجه عرفنى
قال "مراد" بتردد :
- يعني لو كنتى فاضية ومكنش يضايقك اعدى نتكلم سوا
جلست "مريم" على الفراش قبالته .. أخذ رشفه من كوبه قائلاً :
- زميلتك عامله ايه دلوقتى
تنهدت "مريم" بأسى وقالت :
- كويسه .. اتكلمت معاها الصبح وكلمتها تانى من شوية
قال"مراد" بحنق :
- مش عارف ازاى فى بنات ساذجين للدرجة دى
قالت "مريم" بحزن :
- نصحتها كتير .. بس هيا كانت بتسمع من غير ما تنفذ .. هى مش وحشة من جوه هى مشكلتها انها جاهلة بأمور دينها .. وأى حد يقولها حاجة بتصدقها
تذكرت "مريم" كيف قصت عليها "سهى" اليوم ما حدث من "خالد" و "سامر" وكل تفاصيل علاقتها بهما .. قال "مراد" :
- أنا اتكلمت مع "سامر" بس واضح ان الموضوع بالنسبه له مكنش أكتر من مجرد نزوه
قالت "مريم" بحده :
- بس حرام عليه هو فهمها ان ده جواز وانه حلال لحد ما يتقدملها ويكتب عليها .. بجد حرام عليه هى صدقته .. غلطانه ومليون غلطانه بس هو كمان مكنش أمين معاها من الأول وأقنعها بحاجة غلط وحرام .. حرام عليه بجد
ثم قالت برجاء :
- مينفعش تتكلم معاه تانى وتحاول تقنعه بموضوع الجواز .. أنا عارفه ان الموضوع مش فى ايدك وانه مش سهل .. بس بطلب منك بس انك تحاول معاه تانى
قال "مراد" بجديه :
- هعمل اللى هقدر عليه بس مش هقدر أوعدك بحاجه
قالت "مريم" بلهفه :
- ان شاء الله كلامك معاه تانى يجيب نتيجة
أخذ "مراد" يتأمل ملامحها بإمعان فأبعدت عينيها عنه .. سألها فجأة :
- كان شكلى ؟
نظرت اليه بدهشة .. ثم ما لبثت أن فهمت الى ما يرمى .. "ماجد" .. فقالت بتوتر :
- ليه بتسأل السؤال ده ؟
قال بهدوء :
- سؤال وخلاص جاوبيني عليه
لم تدر كيف تجيبه .. أنقذتها "ناهد" التى طرقت الباب ففتحت لها "مريم" .. دخلت حاملة طبق الحساء قائله :
- عايزه الطبق ده يخلص كله .. ومش عايزه أسمع كلمة مش عايز دى خالص
ابتسم "مراد" قائلاً :
- مش هفكر أقول مش عايز لانى عارف انك مش هتسمحيلى أقولها أصلاً
انتهى "مراد" من شرب حسائه وأخذ ادويته وخرجت "ناهد" من الغرفة .. هم بالنوم فقالت "مريم" بإستحياء :
- تعالى نام على السرير أحسن
التفت "مراد" ينظر اليها فى ظلام الغرفة التى لا يضيئها سوى نور القمر وقال بحنان :
- لا أنا كده كويس
قالت "مريم" :
- عشان تكون مرتاح أكتر
ابتسم "مراد" قائلاً :
- لو أنا نمت على السرير وانتى على الكنبة مش هكون مرتاح بالعكس
دخلت "مريم" الى الفراش وهى تلقى نظرة عليه كل فترة وأخرى .. الى أن شعرت أنه استسلم للنوم .. أخذت تنظر اليه الى أن نامت هى الأخرى فكان هو آخر ما رأته قبل أن تغمض عيناها .

****************************************
- عايز أعرف كل حاجه عن اللى اسمها "مريم" دى .. من يوم ما اتولدت لحد النهاردة
قال "حامد" هذه العبارة لمحاميه فى مكتبه .. فقال المحامى بثقه :
- متقلقش يا "حامد" بيه .. خلال يومين تلاته بالكتير وهيكون عندك كل المعلومات عنها
قال "حامد" بضيق :
- على آخر الزمن أدخل اقسام الشرطة ومتهم كمان
قال المحامى بسرعة :
- متقلقش يا "حامد" بيه ان شاء الله الموضوع هينتهى بدرى بدرى
قال "حامد"بغل :
- "مراد" التييييييييييييت ده لازم أدفعه تمن اللى عمله
لمس بيده الأسنان الصناعية التى حلت مكان الأسنان التى فقدها بعد ضرب "مراد" له و قال :
- اما وديتك فى ستين داهية يا تييييييييييييت مبقاش أنا "حامد"

*****************************************

فى منتصف النهار .. أصرت والدة "مراد" عليه على البقاء فى البيت وعدم الذهاب الى العمل .. اضطر "مراد" الى تنفيذ رغبتها بعدما احتد النقاش بينهما .. صعد الى غرفته ليستريح جلس على الأريكة يطالع احدى كتبه عندما دخلت "مريم" لإحضار هاتفها فأوقفها قائلاً :
- "مريم"
التفتت اليه فقال بحنان :
- اديني عنوان "مى" صحبتك وأنا أخلى السواق يروح يجيبها .. معلش مش هقدر أخرجك تزوريها النهاردة زى ما وعدتك
قالت "مريم" بسرعة :
- لا مفيش مشكلة أنا مقدرة انك تعبان
قال مصراً :
- طيب اكتبي العنوان فى ورقة وأنا ابعته يجيبها وكلميها عرفيها
ابتسمت "مريم" ودونت عنوانها وأعطته الورقة قائله :
- بجد متشكره أوى .. انت متتصورش هى وحشانى ازاى
تطلع اليها مبتسماً وهو يرقب السعادة فى عينيها .. قالت بخفوت :
- هروح أكلمها عشان تلحق تجهز نفسها
خرجت "مريم" وعينا "مراد" تتابعها .. بعد ساعتين حضرت "مى" الى الفيلا لزيارة صديقتها .. استقبلتها "مريم" قائله :
- "مي" حبيبتى وحشتيني
تعانقتا فى سعادة وكل منهما تنظر الى الأخرى بفرح .. جلستا معاً فى الحديقه بعدما قامت "مريم" بمهمة التعريف بين "مريم" و أهل البيت .. جلست مع "مى" على أحد المقاعد فى الحديقة قالت "مى" :
- ما شاء الله المكان جميل أوى
قالت "مرمي" بأسى :
- خايفة من اليوم اللى هضطر فيه أمشى من هنا .. انا اتعلقت بيهم أوى
التفتت اليها "مى" قائله :
- احكيلى يا "مريم" اليه آخر الأخبار
قصت عليها "مريم" ما فات "مى" من أحداث فهتفت "مى" :
- يعنى خلاص عرف انك كنتى مراة اخوه
قالت "مريم" :
- أيوة عرف .. بس اللى هيجننى ليه قالوله ان أخوه مات وهو صغير .. ليه كذبوا عليه .. وكمان ليه عمتو قالتلى مجبش سيرة لـ "مراد" عن أخوه وانها هى اللى هتتكلم معاه بنفسها .. حاسه ان فى حاجة غامضة
قالت "مى" وهى تفكر بإمعان :
- فعلا حسه ان فى حاجة غامضة
ثم سألتها :
- طيب انتى ليه ما قولتيش لـ "مراد" ان مامة "ماجد" موجودة وانها فى دار المسنين
قالت "مريم" بحيرة :
- مش عارفه يا "مى" خوفت أقوله .. لازم أفهم الأول ايه اللى بيحصل
ثم تنهدت قائله :
- فى حاجات كتير مش قادرة أفهمها
قالت "مى" بإهتمام :
- طبعاً ما قولتيلوش ان مامة "ماجد" دى .........
قاطعتها "مريم" قائله :
- لا طبعاً ما قولتلوش .. خفت من رد فعله .. أصلاً مشوفتيش كان عامل ازاى لما عرف بموضوع "ماجد" وانى كنت مراته وانه كان عايش ومماتش صغير .. عاملنى معاملة صعبة جداً .. فخوفت أقوله على موضوع ماما "زهرة"
تنهدت "مى" قائله :
- وهتعملى ايه دلوقتى
تطلعت "مريم" الى ما أمامها وهى تقول بحيرة :
- مش عارفه .. بجد مش عارفه

*************************************

- تفتكرى لي بابا وعمتو خبوا عليا ان أخويا "ماجد" عايش ؟
وجه "مراد" هذا السؤال لـ "ناهد" التى تجلس على الفراش تتطلع اليه وهى مصدومة مما تسمع وقالت :
- مش عارفه .. أنا بجد اتصدمت .. يعني "ماجد" كان عايش ومكنش ميت من زمان زى ما باباك قالنا
ثم سألته بإهتمام :
- و كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟
قال "مراد" بحيرة :
- سألت "مريم" وقالت متعرفش
ثم قال بإصرار :
- مع انى حاسس انها عارفه حاجه ومخبياها عليا .. بس مسيري هعرفها
قالت "ناهد" وهى مازالت تحت تأثير الصدمة :
- مش قادرة أصدق .. أخوك كان عايش وكمان "مريم" كانت مراته .. مش قادرة أصدق
قال "مراد" بضيق :
- مكنتش مراته .. كانت خطيبته .. كانوا كاتبين كتابهم بس
تطلعت "ناهد" الى "مراد" بخبث وقالت بتحدى :
- وايه الفرق يعني خطيبته ولا مراته ولا حتى مراة واحد غيره انشاله تكون متجوزة عشرة قبل كدة مش هتفرق معانا فى حاجة
نظر اليها "مراد" بحده .. فأكملت قائله بتحدى :
- وأساساً بعد ما انت تطلقها أكيد هتتجوز بسرعة البنت كويسة ومحترمة ومؤدبة وملتزمة يعني أكيد فى حد معاها فى الشغل حاطط عينه عليها خاصة انها هتخرج من الجوازة دى صاغ سليم
ازدادت حدة نظرات "مراد" وقال بغضب :
- ماما انتى عايزه ايه بالظبط
قالت "ناهد" بخبث وهى تنهض لتغادر الغرفة :
- هعوذ ايه يعني .. أما أروح أشوف الغدا

***********************************************

حضر "أحمد" ابن أخت "ناهد" للإطمئنان على صحة "مراد" بعدما علم بمرضه .. قال "مراد" وهو يستقبله فى حجرة الصالون :
- مكنش فى داعى تتعب نفسك يا "أحمد" الموضوع مش مستاهل
ابتسم "أحمد" قائلاً :
- ازاى يعني .. متقولش كدة يا "مراد"
جلسا قبالة بعضهما البعض .. قال "أحمد" :
- بس انت باين عليك انك كويس أمال خالتى بتقول انك تعبان أوى ليه
ابتسم "مراد" قائلاً :
- ما انت عارف ماما يا "أحمد" لو حد فينا عطس تعلن حالة الطوارئ فى البيت
ابتسم "أحمد" قائلاً :
- ربنا يباركلكوا فيها
ثم تنحنح قائلاً :
- بصراحة فى موضوع كنت حابب أتكلم معاك فيه يا "مراد"
قال "مراد" بأهتمام :
- خير يا "أحمد"
قال "أحمد" بحرج :
- بصراحة أنا كنت عايز أكلمك من زمان بس كنت بتردد .. بس قولت خلاص لازم أتكلم لانى خايف تضيع منى
ضيق "مراد" عينيه وهو يحاول أن يعرف مقصد "أحمد" .. تنحنح "أحمد" مرة أخرى قائلاً :
- أنا عايز أطلب منك ايد الآنسه "نرمين"
لم يبدى "مراد" رد فعل فقال "أحمد" بتوتر :
- أنا من زمان وأنا عايز أفاتحك .. بس قولت أستنى لما العيادة بتعتى تجهز عشان أتقدم بقلب جامد
ابتسم "مراد" قائلاً :
- ايه ده العيادة جهزت .. طيب الحمد لله ألف مبروك يا "أحمد" انت تستاهل كل خير
ابتسم "أحمد" وقد استبشر خيراً وقال :
- الله يبارك فيك يا "مراد" .. طيب قولت ايه
قال "مراد" مفكراً :
- ان كان عليا فمعنديش أى اعتراض انت شاب محترم ومؤدب ومن العيلة وأنا مش هلاقى لـ "نرمين" أحسن منك .. بس باقى رأيها ورأى ماما طبعاً
ابتسم "أحمد" قائلاً بحماس :
- ان شاء الله خير انا متفائل
نظر اليه "مراد" قائلاً بإهتمام :
- انت اتكلمت مع "نرمين" فى حاجة
قال "أحمد" بسرعة :
- لا والله أبداً يا "مراد" انت أول حد أتكلم معاه بعد ما فاتحت ماما فى الموضوع .. حتى خالتى ما قولتلهاش حاجة ونبهت على ماما متجبلهاش سيرة الا لما أتكلم معاك الأول
ابتسم "مراد" وهو يقول :
- طول عمرك تعرف الأصول يا "أحمد"
قال "أحمد" مبتسماً :
- ربنا يكرمك يا "مراد" وانتوا طول عمركوا بيت أصول وعشان كدة أنا عارف ومتأكد انى مش هلاقى لنفسي زوجة أحسن من "نرمين" أختك
قال "مراد" بمرح :
- خلاص اتفاقنا يا دكتور .. هتكلم معاهم وان شاء الله خير .. وانت متناش صلاة الإستخارة


*********************************************

طرقت "مريم" باب غرفة المكتب فأذن لها "مراد" بالدخول .. ابتسمت قائله :
- هعطلك عن حاجة
ابتسم لها قائلاً :
- لا أبداً اتفضلى
دخلت "مريم" وهى تحمل حاسوبها وقالت :
- كنت عايزة أوريك الشغل اللى خلصته
توجه "مراد" الى الأريكة وجلس عليها وأخذ منها الحاسوب ووضعه على المنضدة أمامه وقال :
- وريني كده
جلس "مراد" بتفحص التصميمات ثم قال :
- ممتاز طبعاً
قالت له بعتاب :
- يعني أحسن من الزفت اللى كان قبله ؟
رفع نظره اليها وابتسم ابتسامه خفقت لها قلبها بشدة وتطلع اليها قائلاً :
- شغلك دايماً بيعجبنى
نظر مرة أخرى الى الحاسوب وأشار الى نقطة به وقال :
- بس مكان اللوجو هنا مش مرتاحله ممكن نخليه يمين بدل شمال
وقفت "مريم" بجواره لتتمكن من مشاهدة التصميم فأمرها بالجلوس .. جلست بجواره بحرج وقد تركت مسافة بينهما .. قالت "مريم" وهى تشير الى التصميم :
- مفيش مشكلة .. بسيطة .. نخليه يمين
أشار "مراد" الى الخط المكتوب به احدى الجمل وقال :
- ولو ينفع الفونت ده يتغير ويكون أوضح شوية
قالت دون أن تنظر اليه وهى تنظر الى التصميم بإهتمام :
- تمام مفيش مشكلة
كانت عينا "مراد" مسلطتان عليها .. يتأمل ملامح وجهها بعينان تلمعان بنظرات حانيه .. أكملت وهى مازالت تتطلع الى التصميم :
- ممكن أعمل أكتر من نسخة لكذا فونت وتختار اللى شكلها يعجبك أكتر
كانت نظرات "مراد" مازالت مسلطة عليها .. لم يشعر بنفسه الا وهو يرفع يده ليحتضن بين أصابعه احدى الخصلات المتساقطة على وجهها .. التفتت اليه "مريم" لترى تلك النظرة الغريبة فى عينيه .. والتى لم تعتادها منه .. شعرت بقلبها يخفق بجنون .. لمس بأصابعه وجنتها ومررها عليه فى رقه .. انتفضت فجأة وقد تدرجت وجنتاها خجلاً هبت واقفه وقالت وهى تغادر مسرعه :
- ثوانى وراجعه
عبرت الغرفة بخطوات متسارعه وعينا "مراد" ترمقانها بنظرات نارية .. خرجت لتتركه يغلى من الغضب .. أخذ يفكر فى رد فعلها وردود أفعالها السابقة .. أخذ يلعب بأصابعه فى الحاسوب وهو شارداً و غير منتبه بالفعل لما يفعل .. أفاق من شروده عندما وجد أمامه أحد الملفات المكتوب عليها "حبيبى" .. ضاقت عيناه بشدة و فتح الملف ليجد به العديد من الصور المصغرة .. كبرها وأخذ يتطلع اليها .. شعرت بصدمة شديدة تجتاح كيانه .. يالله كأنه ينظر فى المرآة .. رجلاً يشبهه الى حد بعيد يقف بجوار "مريم" محيطاً كتفيها بأحد ذراعيه ويبتسمان معاً للكاميرا .. أخذ يقلب فى الصور وينتقل من صورة لأخرى وشرارة الغضب بداخله تزداد حتى صارت كالبركان الذى على وشك القاء حممه التى تتأجج بداخله .. كان يتطلع الى الصور بحيرة بألم بيأس بلهفه بغضب بضيق بغيرة بحب .. مشاعر كثيرة مختلطة ومتضاربة شعر بها تجاه الاثنان اللذان يقفان معاً فى جميع الصور وعلامات الفرح والبهجة والحب على وجه كل منهما .. توقف عند الصورة التى تجمع "ماجد" بـ "مريم" وكلاهما يرتدى دبلته فى اصبعه اليمنى .. أغلق شاشة الحاسوب بعنف .. تذكرها .. تلك الدبلة التى مازالت تزين أصابعها حتى الآن .. والتى نقلتها "ناهد" من يدها اليمينى الى اليسرى ظناً منها انها لـ "مراد" .. نهض "مراد" وهو يحمل الحاسوبه وخرج ليبحث عن "مريم" حتى وجدها فى غرفته جالسه على الأريكة شاردة .. هبت واقفة بمجرد أن رأته وبلعت ريقها بصعوبة وهى تشعر بالخوف من نظراته التى كانت كالرصاص المصوب تجاهها ..فتح "مراد" الشاشة فظهرت أمامها آخر صورة كان يشاهدها .. نظرت الى الصورة وقلبها يخفق بعنف .. تلك الصورة التى لم تراها منذ أن وطأت قدماها هذا البيت .. ألقى "مراد" الحاسوب على السرير بعنف وهو يقول :
- نسخة منى .. اخويا كان نسخة منى .. عشان كدة كنتى بتبصيلي واحنا فى المركز الصحى فى الصعيد مش كدة ؟؟ .. لانى نسخة منه .. فكرتك بيه مش كده .. الشبه اللى بينا هو اللى خلاكى تعرفى انى أخوه .. عشان كده وافقتى تتجوزيني أنا مش "جمال" مش كدة ؟؟ .. عشان أنا شكل أخويا اللى حبيتيه واتجوزتيه وفقدتيه.. صح يا "مريم"
تطلعت اليه "مريم" باعين دامعة فأكمل يقول بقسوة :
- كنتى بتعوضى شوقك له بيا .. أما بتبصيلي بتشوفى مين يا "مريم" .. "ماجد" ولا "مراد" .. بتشوفيه هو .. صح .. مين اللى سبتى نفسك فى حضنه من يومين ؟ .. "ماجد" مش "مراد" مش كده ؟.. وعشان كدة كنت بصحى ألاقيكي بتبصيلى .. وكانت نظراتك بتكون غريبة ومكنتش قادر اعتها فسر معناها .. كنتى بتبصيله هو لملامحه هو .. مش كده ؟
انهمرت الدموع من عينيها بصمت وتمتمت بصوت خافت جداً لم يستطع سماعه :
- ده فى الأول بس
نظرت اليه بألم فصرخ بعنف و بغضب شديد :
- كنتى طول الوقت ماسكه اللاب وأعدة أدامه وتقوليلى شغل .. كنتى بتشوفى صوركوا سوا مش كدة .. كنتى عايشه معاه طول الوقت .. متعرفيش انك كده تبقى بتخونينى اى ان كان سبب جوازنا انتى كده بتخونيني
صاحت "مريم" والدموع تغرق وجهها :
- لا أنا مخنتكش .. انا مشوفتش صوره ولا مرة من ساعة ما دخلت البيت ده
نظر اليها "مراد" بإحتقار وعدم تصديق .. لم تتحمل تلك النظرة فى عيناه فتوجهت الى الدولاب وأخرجت منه الحقيبة التى تحوى رسائل "ماجد" .. أخرجت الرسائل وأمسكتها ولوحت بها أمامه قائله بحده بصوت مرتجف :
- دى رسايل "ماجد" .. كان كاتبهالى قبل ما يموت .. كان مريض بالكانسر وكان المرض فى مراحله الأخيره .. كتبلى الجوابات دى وقالى أقرأ جواب كل اسبوع فى نفس اليوم ونفس المعاد .. كان عارف انى مليش حد غيره .. أهلى كلهم ماتوا فى حادثة .. ماما و بابا و أختى .. كنت هموت لولا "ماجد" وقف جمبي وساعدنى انى أخرج من محنتى .. وكتبنا كتابنا كان كل حاجة ليا عوضنى عن كل أهلى اللى راحوا منى فجأة .. كان هو الهوا اللى بتنفسه .. كان مالى حياتى كلها مكنش ليا غيره
ثم انهمرت الدموع من عينيها كالشلال تغرق وجهها :
- لما عرفت انه مريض .. كنت هموت .. اتمنيت فعلاً انى أكون مكانه وان المرض ده يجيلى أنا وهو يفضل سليم .. كنت بموت وأنا عارفه انه بيموت أدامى ببطء وانى هخسره زى ما خسرت أهلى كلهم .. هو كان عارف موته هيعمل فيا ايه .. عشان كده كتبلى الجوابات دى تصبرنى لو حصله حاجه .. أنا بقالى أكتر من سنة من يوم ما مات عايشه على جواباته وكلامه المكتوب فيهم .. بفتح الجواب كل اسبوع فى نفس المعاد
ثم قالت بألم :
- بس والله من يوم ما دخلت البيت ده وأنا مقرأتش حرف واحد .. عارف معناه ايه انى مقراش جوابات "ماجد" وانى أمنع نفسي عنها .. بس أنا أجبرت نفسي على كده لانى مش خاينة وبكره الخيانة .. لانى عارفه انى مادمت على ذمتك مش من حقى انى أقرأ جوابات واحد تانى
انتهت من كلامها وساد الصمت الا من صوت شهقاتها الخافته .. بدا وجه "مراد" جامداً وهو ينظر الى الخطابات فى يدها .. والى الخطابات العديدة التى مازالت فى الحقيبة التى تحملها بيدها .. تحدث أخيراً .. بصوت هادئ صارم وتعبريات جامدة كالحجر :
- مكنتش أعرف انى معذبك كده .. وان جوازك منى آلمك بالشكل ده
تلاقت نظراتهما طويلاً .. الى أن قال بصوت مرتجف متقطع :
- بكره جهزى نفسك عشان هنروح للمأذون .. عشان أخلصك من الحبل الملفوف على رقبتك
نظرت اليه مصدومه فأكمل قائلاً بنبرة حازمة لم يستطع اخفاء الألم فيها :
- عشان ترجعى لحبيبك وصوره وجواباته اللى حارمه نفسك منها بسببي
قال ذلك وخرج من الغرفة وهى تتطلع اليه وعلامات الصدمة على وجهها.


***************************************

فى الصباح الباكر .. سمعت طرقاته على الباب دخل بهدوء وقال دون أن ينظر اليها :
- جاهزة ؟
قالت دون أن تنظر اليه وهى تتظاهر بالثبات :
- أيوة
حمل حقيبتها وسبقها الى الأسفل .. كانت تشعر بشعور غريب .. كانت تشعر وكأنها تعيش حلماً ستستيقظ منه بعد قليل .. سارت مسلوبة الإرادة الى السيارة .. بدا جامداً وبدت جامدة .. لم تتح لها الفرصة لتوديع "ناهد" و "سارة" و "نرمين" . فضلت هى ذلك حتى لا يكون الوداع مؤلماً .. سار بسيارته وقد ران بينهما الصمت وحالة غريبة تعترى كل منهما .. نزلا من السيارة وتوجها الى مكتب المأذون وكل منهما يشعر بأنه مسلوب الإرادة وكأن قوة خفية تحركهما .. جلسا متواجهان وهما يستمعان الى كلمات المأذون التى يحاول بها اثنائهما عن هذا القرار .. كان كل منهما يطرق برأسه وينظر الى الأرض .. وتعبيرات جامدة تظهر على وجه كل منهما .. لا تستطيع أن تتبين كيف يشعر أى منهما بالنظر الى وجهه .. حانت اللحظة .. وأخبر المأذون "مراد" أن يلقى بكلمة الطلاق على مسامع "مريم" .. ساد الصمت للحظات .. بدا وكأن لسانه يعصيه .. وقلبه يثنيه .. لكن عقله أرغمهما على طاعته .. قال وهو ينظر أرضاً بصوت مرتجف بنبره متقطعه وكأن روحه تفارق جسده :
- انتى طالق
لحظات مرت ورفع رأسه يلقى عليها نظرة .. بدت جامدة كالتمثال لا حياة فيه ولا روح .. أنهيا معاملات الطلاق وخرجا معاً .. فتح لها باب السيارة وهو يتحاشى النظر اليها .. ركبت وقد بدا عليها التماسك وكأن ما حدث منذ قليل كان حلماً سيفيق كلاهما منه قريباً .. أوصلها الى شقتها .. صعد خلفها حاملاً حقيبتها .. هم بالدخول فوضعت ذراعها أمام الباب تمنعه .. لم يعد يحل له الدخول .. لم يعد يحل له أى شئ .. ولا لها .. وضع الحقيبة فى الخارج .. نظر اليها نظرة أخيرة مودعه ثم هرب مسرعاً من أمامها وكأنه يخفى ما لا يريده أن يظهر للعيان .. أدخلت حقيبتها وأغلقت الباب .. وقفت خلفه تتطلع الى بيتها .. الذى فارقته .. وها هى تعود اليه مرة أخرى .. لكنها شعرت بأنها ليست "مريم" التى فارقت هذا البيت .. لقد عادت "مريم" أخرى .. تغير فيها الكثير .. تطلعت الى البيت مرة أخرى ولأول مرة تشعر فيه بالغربة .. عندئذ تحطم التمثال ليظهر القلب الذى ينبض بداخله .. انهمرت الدموع المحبوسه داخل عينيها وجلست على الأرض خلف الباب المغلق تحتضن قدميها الى صدرها بقوة لتوقف ارتعاشة جسدها .. وكل ذرة فيها تصرخ بألم .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 09:18 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحلقة ( 22 )


عاد "مراد" الى بيته واجماً صعد الى غرفته وجلس على الأريكة واضعاً رأسه بين كفيه ومغمضاً عينيه .. ظل جالساً فى مكانه طويلاً الى أن فتح عينيه ونظر الى الفراش أمامه .. بدت تعبيرات الألم على وجهه وهو يتذكر محادثتهما بالأمس واكتشافه الشبه الكبير بينه وبين أخيه .. كان الألم يغمره لشعوره بأن "مريم" ترى فيه أخاه ليس أكثر من ذلك .. فهو بديل حى عن زوجها المتوفى .. ربما لو لم تتحرك مشاعره تجاهها لما أهمه ذلك .. لكن مشاعره تحركت من جمودها واتجهت اليها بشوق .. لتتحطم آماله على صخرة ماضيها .. نهض وغادر الغرفة وكأنه لا يطيق المكوث فيها .. بعدما رحلت عنها.

قامت "مريم" من على الأرض أمام الباب ودخلت الحمام وأخذت دشاً ساخناً وقفت كثيراً تحت الماء الساخن المنهمر على جسدها .. ودت لو يستطيع الماء المنهمر غسل روحها كما يغسل جسدها .. تمنت لو كان للماء قوة لإزاحة ما بها من آلام .. انتهت من حمامها ولفت نفسها المنشفة وتوجهت الى حقيبتها بجوار الباب ودفعتها الى الفراش وفتحتها لتخرج ملابسها .. نظرت بأسى الى الدبلة التى تزين يدها اليسرى .. حاولت نزعها من ذلك الإصبع .. لكنها ما كادت تلمس الدبلة حتى انهمرت دموعها .. وجلست على فراشها تبكى بحرقة .

*******************************************

جلس "مراد" فى حديقة الفيلا شارداً ووجهه يشع حزن وأسى .. اقتربت منه والدته قائله :
- "مراد" صباح الخير .. كنت فين انت و "مريم" خبطت عليكوا كتير الصبح محدش رد فتحت الباب لقيتكوا مش موجودين
لم يلتفت "مراد" اليها ولم يبد اى رد فعل .. راقبته "ناهد" بأعين متفحصه وقالت بشك :
- "مراد" انت كويس ؟
صمت ولم يجيب .. وقفت أمامه لتضطره أن ينظر اليها وسألته بلهفة :
- فين "مريم"
صمت .. طال صمته .. ثم تحدث أخيراً قائلا بصوت هادئ :
- مشيت
قالت "ناهد" بإستنكار :
- يعني ايه مشيت ؟
قال "مراد" بصوت حاول أن يوقف ارتعاشته :
- طلقتها
صمتت "ناهد" تحاول استيعاب صدمتها ثم هتفت قائله :
- طلقتها ؟ .. ليه يا "مراد" .. ليه كده يا ابنى
دمعت عيناها وهى تقول :
- ليه يا "مراد" .. ليه تحرم نفسك منها .. أنا عارفه انك بتحبها .. وهى كمان .......
قاطعها "مراد" بحده :
- وهى كمان ايه ؟ .. ماما "ماجد" كان نسخه منى .. عارفه يعني ايه .. يعني لو حسيتي فى أى وقت ان "مريم" حسه بحاجه نحيتي فتأكدى ان ده بس عشان أنا شكل جوزها .. اللى هو أخويا الله يرحمه
هتفت "ناهد" قائله :
- انت غبي يا "مراد" ؟ .. انت مشوفتش كانت قلقانه عليك ازاى لما تعبت .. قلقت عشان انت شبه أخوك ؟ ولا عشان كانت خايفة عليك انت ؟
قال "مراد" بحزم :
- مفيش داعى للكلام ده .. انا اتكلمت معاها واتأكدت انها لسه بتحبه .. وانها لو وافقت تستمر معايا فى يوم من الأيام فده هيكون بس عشان أنا شكل أخويا .. ودى حاجة مستحيل أقبلها أبداً
قالت "ناهد" بأسى :
- وهى فين دلوقتى ؟
قال "مراد" بصوت مرتجف :
- فى بيتها .. وصلتها بعد ما روحنا للمأذون
قالت "ناهد" بحنق وهى تنصرف :
- غلطان يا "مراد" .. غلطان أوى وبكرة تندم انك سيبتها تضيع من ايدك

****************************************
قال الظابط للمحامى "حامد" :
- خلاص القضية شكلها هتتحول للنيابة
قال المحامى بسرعة :
- مفيش قضية ولا حاجة يا حضرة الظابط .. اللى قالته مدام "مريم" ده افتراء على "حامد" بيه وبلاغ الأستاذ "مراد" بلاغ كيدي .. وعملوا فيلم خطف أخته عشان يداروا على البلاغ اللى قدمناه فى أستاذ "مراد" وفى تهجمه على "حامد" بيه فى شركته وضربه والتسبب فى تكسير أسنانه ومعانا تقرير بحالته الصحية بعد الضرب وكل ده قدمناه لحضرتك
قال الظابط :
- جميل بس دول كدة قضيتين مش قضية واحدة وبلاغين مش بلاغ واحد يعنى كل قضة هتمشى فى اتجاه
قال المحامى :
- ان شاء الله هخلى حضرتك تتأكد انه بلاغ كيدي وان مفيش داعى نوصله للنيابة وتبقى قضية .. بعد اذنك

****************************************

توجه "مراد" الى شركته وكأنه يتحرك آلياً .. لم يستطع التركيز فى أى شئ .. ظل عقله منشغلاً بها .. وفى شعوره تجاهها .. تُرى أيستطيع نسيانها كما لو أنها لم تدخل حياته قط .. تُرى أيستطيع تحمل فراقها .. قاطعه عن الإسترسال فى تلك الأفكار دخول "طارق" المكتب وهو يقول :
- "مراد" فى ايه بينك وبين "حامد" بالظبط ؟
قال "مراد" بإستغراب :
- ليه بتسأل
قال "طارق" بإستنكار :
- لانى عرفت انه مقدم فيك بلاغ بيتهمك فيه انك اعتديت عليه فى مكتبه وضربته .. ده تلفيق مش كده ؟
قال "مراد" ببرود :
- لا .. كلامه مظبوط .. ده حصل فعلاً
قالت "طارق" بدهشة :
- ليه عملت كده يا "مراد" .. ليه ضربته ؟
قال "مراد" بضيق :
- موضوع خاص يا "طارق" مش هقدر أحكيه .. وممكن لو سمحت تسيبنى دلوقتى .. بجد تعبان ومش قادر أتكلم فى حاجة
نظر اليه "طارق" بقلق قائلاً :
- مالك يا "مراد" فى ايه ؟ .. فى حاجة حصلت ؟
قال "مراد" وهو يزفر بضيق :
- لا مفيش .. أنا كويسه
قال "طارق" بشك :
- مش باين كده خالص
ثم قال :
- فى ايه قولى يمكن أقدرأحل مشكلتك
قال "مراد" بشرود وهو يمسك قلمه يقلبه بين يديه :
- أنا طلقت مراتى
هتف "طارق" بدهشة :
- ايه بتقول ايه ؟ .. طلقتها ؟ .. ليه ؟
نظر اليه "مراد" ببرود قائلاً :
- ايه اللى ليه .. طلقتها .. أصلاً جوازنا كان مؤقت أنا قولتلك كده من زمان
قال "طارق" وهو يتفحص وجه "مراد" جيداً :
- أيوة فعلاً قولتلى كده .. بس أنا حسيت انك ابتديت تميل ليها
قال "مراد" بعند وهو يمسك قلمه ويتظاهر بالإنشغال فى مطالعة الأوراق التى أمامه :
- لا .. احساسك غلط
صاح به "طارق" :
- حرام عليك يا "مراد" ليه بتعمل كده فى نفسك .. قولتلك متخافش منها .. دى مش ممكن تجرحك
صاح به "مراد" بعنف :
- انت مش فاهم حاجة يا "طارق"
قال "طارق" بحده :
- طيب فهمنى .. فهمنى يا "مراد"
قص عليه "مراد" ما حدث بينهما ليلة أمس .. ران الصمت الى أن قطعه "طارق" قائلاً :
- انت واثق ان مشاعرها نحيتك بس عشان انك شبه أخوك الله يرحمه
قال "مراد" بألم :
- أيوة واثق
ثم قال بتهكم :
- ده غير طبعاً موضوع اعاقتى اللى هى لسه متعرفوش .. وأنا واثق انها لو كانت وافقت تعيش معايا رغم رجلى المبتورة فده بس هيكون عشان أنا شبه "ماجد" وبفكرها بيه .. أنا مش ممكن أستحمل ده أبداً .. لأنى .......
صمت "مراد" ولم يكمل .. فقال "طارق" مكملاً كلامه :
- لأنك بتحبها مش كده ؟
لم يتحدث "مراد" لكن عيناه فضحت كل شئ .. تنهد "طارق" قالاً :
- فكر تانى يا "مراد" .. يمكن تكون هى كمان بتحبك
قال "مراد" بسخريه وفى عينيه نظرة ألم :
- هى فعلا بتحبنى .. بتحب ملامحى اللى بتفكرها بحبيبها .. مش أكتر من كده
نظر "طارق" الى "مراد" بأسى وهو يشعر بالحزن من أجله

*************************************************
نامت "مريم" على فراشها بعدما أرهقها كثرة البكاء .. استيقظت وهى تشعر بالوهن فى جسدها كله .. نظرت حولها لتجد نفسها فى غرفتها .. تمنت لو كان ما مرت به بالأمس مجرد حلم .. لكن هيهات .. توضأت وصلت وجلست تستغفر الله عز وجل

عاد "مراد" الى بيته فى المساء وتوجه الى غرفته دون أن يتحدث مع أحد .. راقبته أمه وهو يصعد الى غرفته بأعين ممتلئة بالحزن والحسرة .. دخل "مراد" غرفته وأغلق الباب .. ظل يتطلع الى كل شئ فيها .. كل شئ يذكره بها .. سريره الذى نامت عليه "مريم" .. وعلى تلك الأريكة كانت تجلس حامله حاسوبها على قدميها .. وتلك الشرفة كانت تقضى فيها الساعات مستندة الى سورها .. توجه الى الدولاب لإحضار ملابسه فتح الدولاب ليجد الرف الذى كان مخصص لـ "مريم" فارغاً الا من الملابس التى اشتراها لها "مراد" .. حمل تلك الملابس بين ذراعيه وتوجه بها الى فراشه يجلس عليه .. أخذ يتحسس ملابسها وكأنه يفرغ بها شوقه الى "مريم" قرب تلك الملابس من وجهه ليتشمم رائحتها .. شعر بالألم فى قلبه .. تُرى ماذا تفعل الآن ؟ .. هل حزنت لفراقه ؟ .. هل هى بخير؟ .. هل تحتاج لشئ ؟ .. هل هى بمأمن فى هذا البيت بمفردها ؟ .. هل تشعر بالوحدة ؟ .. هل تتمنى العودة ؟ .. هل تتطلع الى صور "ماجد" وخطاباته بعدما مزق "مراد" الحبل الذى كان يكتف به يديها ؟
شعر وكأنه سيجن لعدم استطاعته ايجاد اجابات لأى من اسئلته .. شعر بحنين جارف اليها .. أمسك هاتفه وأغمض عينيه .. تمنى لو استطاع الإتصال بها .. وسماع صوتها الذى افتقده .. والإطمئنان عليها .. لكنه لم يستطع .. لم تعد تحل له .. ولا هو يحل لها .

************************************************
قالت "سارة" بحزن شديد :
- مش قادرة أصدق ان "مراد" طلق "مريم" وانها خلاص معدتش هتعيش معانا تانى
قالت "نرمين" بحنق :
- مش فاهمة ازاى يعني ده حصل فجأة .. يعني المشكلة بينهم ظهرت فجأة وكبرت فجأة لدرجة انه يطلقها .. وايه دى المشكلة اللى تخلى "مراد" يطلق "مريم"
كانت "ناهد" تستمع الي حديثهما فى صمت .. فقالت "سارة" موجه حديثها اليها :
- ماما .. "مراد" مقالكيش ايه سبب طلاقهم
تنهدت "ناهد" قائله :
- دى حاجة تخصهم يا "سارة"
قالت "نرمين" بحده :
- بس احنا برده من حقنا نعرف .. ليه يحرمنا من "مريم" .. والله عمره ما هيلاقى زيها
قالت "سارة" بحزن :
- يمكن هى اللى سابته يا "نرمين"
قالت "نرمين" بدهشه :
- ليه يعني ايه اللى يخليها تسيب "مراد"
قالت "سارة" فى حيرة :
- مش عارفه .. بس شوفتى "مراد" عامل ازاى .. قافل على نفسه ومبيكلمش حد .. لو هو اللى طلقها بمزاجه ايه اللى يخليه يضايق كده
قالت "نرمين" بتصميم :
- خلاص نكلم "مريم" ونحاول نصلح بينهم
تدخلت "ناهد" قائله :
- ملكوش دعوة باللى بين "مراد" و "مريم" مش عايزة حد يتدخل لو سمحتوا .. انتوا متعرفوش حاجة


********************************************
أمسك "سامر" هاتفه وهو ينظر اليه فى تبرم ثم رد قائلاً :
- أيوة يا "سهى"
قالت "سهى" بلهفة وكأنها لا تصدق أنه أخيراً رد عليها :
- "سامر" أخيراً رديت
قال ببرود :
- كنت مشغول .. خير فى حاجة
قالت برجاء :
- عايزة أتكلم معاك شوية
- اتفضلى سامعك
قالت "سهى" بصوت حزين :
- "سامر" أنا بس عايزة أسألك انت ليه لعبت بيا كده .. ليه عملت كده واقنعتنى ان ده جواز وحلال وانك هتتقدملى لما مشاكلك فى البيت تتحل .. ليه عملت كده ؟
قال "سامر" بنفاذ صبر :
- بصى يا "سهى" انتى كنتى واحدة ساذجة أوى وسهله أوى .. بجد .. وانتى غلطانه زيي زيك لانك كنتى متساهله معايا حتى من قبل ورقة العرفى
قالت "سهى" بأسى :
- بس يا "سامر" انت وعدتنى انك تتجوزنى وقولتلى انك بتحبنى ومش هتسيبنى أبداً
قال "سامر" بضيق :
- الوضع اتغير
- ايه اللى اتغير يا "سامر" ؟ .. طيب انت ليه مش عايز تتجوزنى .. خلاص يعني معدتش بتحبنى
قال "سامر" بهدوء :
- بصراحة ومن الآخر عشان منتعبش بعض .. مش ممكن أتجوزك يا "سهى" .. مش ممكن أثق فيكي أبداً
قالت وهى تحاول أن تتمالك نفسها :
- ليه يا "سامر" ليه متثقش فيا ؟
قال "سامر" :
- لانك خنتى ثقة أهلك فيكي أضمن منين انك بعد الجواز متخنيش ثقتى فيكي يا "سهى" .. أضمن منين انك متكونيش سهلة مع غيري زى ما كنتى سهلة معايا
لم تستطع التحمل ولا التظاهر بالتماسك أكثر فأجهشت فى البكاء وتعالت شهقاتها قائله :
- بس انت عارف انك أول راجل فى حياتى
قال بنبره منخفضه :
- بردة مستحيل أثق فيكي
مرت فترة لا يُسمع فيها الا صوت شهقاتها الى أن قالت بحزم :
- دى مش غلطتك لوحدك .. دى غلطتى أنا كمان .. زى ما انت قولت أنا كنت سهله أوى .. من قبل حتى الورقة اللى كتبناها .. وكان لازم دى تكون نهايتي .. أنا خلاص معدتش هطلب منك حاجه .. أنا هطلب من اللى أكبر منك ومن اللى أقوى منك .. آسفة طلبت الرقم غلط
قالت ذلك ثم أنهت المكالمة .. أغلق "سامر" هاتفه وهو يحاول أن يخمن معنى كلماتها

**********************************

جلس "مراد" فى مكتبه يمسك أحد الكتب بيده لكن عيناه زائغة فى فراغ الغرفة .. أذهله هذا الشعور بالحنين الذى شعر به منذ أن رحلت عن البيت .. طوال الإسبوع وهو يشعر وكأنه فقد جزء من روحه .. جزء من نفسه .. حاول كثيراً أن يعود "مراد" القاسى متحجر القلب كما كان لكن هيهات .. القلب الذى دق من جديد لم تكفى قوته لإخماده واسكاته مرة أخرى .. أكثر ما كان يؤلمه هو رغبته فى الإطمئنان عليها .. لو علم فقط أنها بخير وسعيدة فى حياتها لربما ارتاح قلبه قليلاً وخف عذابه .. لكن عدم معرفته بحالها كاد أن يصيبه بالجنون .. أخذ يفكر فى آخر محادثة بينهما .. وفى كلماتها عن "ماجد" .. وعن الحب الكبير الذى جمعهما .. وعن ذكرياته التى تحملها له فى قلبها .. وعن كونه كان الحضن الدافئ لها بعدما فقدت كل عائلتها .. كان الدعامة التى ارتكذت عليها ومنعتها من الإنهيار .. كان يملء فراغ وحدتها القاتله .. أخذ يقارن بين ما فعله هو وما فعله أخوه .. هو تركها فريسة للوحدة .. طردها من بيته وأرغمها على البقاء فى عزلتها .. حرمها من صحبة أمه وأخواته وهو واثق تمام الثقة أنها أحبتهم حباً خالصاً من قلبها .. تركها فى بيتها بمفردها وهو لا يعلم أتخاف من البقاء بمفردها أم انها اعتادت الوحدة .. اتخاف من النوم بمفردها ليلاً .. أتسيطر عليها هواجس بإقتحام لص لمنزلها .. كيف تقضى طلباتها .. كيف تقضى أوقاتها .. رغماً عنه شعر بالخوف يجتاح كيانه .. خوف عليها ومنها .. أراد أن يهرع اليها ويعانقها ويدخلها سجن ذراعيه قسراً وألا يتركها أبداً .. لكنه تذكر كيف كانت تصر على طلب الطلاق .. كيف أوضحت له مدى عذابها بإبتعادها عن ذكريات حبيبها الراحل .. كيف أنها مرغمة على هذه الزيجة وأنها تود الخلاص منها والعودة لبيتها .. اذن فهى سعيدة .. سعيدة بهذا الطلاق الذى أراحها من حمل أثقل كاهلها .. سعيدة لأنها تخلصت منه ومن كل ما يمت له بصله .. لكن لماذا لم يرى السعادة فى عينيها وهما ذاهبان للمأذون .. لماذا لم ير تلك السعادة بعد أن ألقى على مسامعها كلمة الطلاق .. لماذا لم يرى تلك السعادة على وجهها وملامحها وفى عينها وهو يودعها أمام باب بيتها .. إن كانت سعيدة حقاً لماذا لم يبدو ذلك عليها !!

**********************************************

جلست "مريم" على أريكتها تشاهد التلفاز .. شعرت بألم فى بطنها فتذكرت بأنها لم تتناول شيئاً منذ يومين .. قامت بتكاسل الى المطبخ وفتحت الثلاجة لتجدها فارغة .. تذكرت أن طعامها نفذ ونسيت أن تشترى ما تسد به جوعها .. ذهبت الى غرفتها وارتدت ملابسها بآليه وكأنها آله نفذ منها الوقود وتحتاج اليه فقط لتستمر فى العمل .. بلا أى شعور بالإستمتاع .. ولا بالحياة
أوقف "مراد" سيارته على بعد عدة أمتار من بيتها .. أوقف عمل المحرك ورفع رأسه لينظر الى شرفة بيتها المظلمه .. نظر الى الشباك المجاور للشرفة ليجد النور مضاءاَ .. اذن فهى فى البيت .. تُرى ماذا تفعل الآن .. لا يعلم لماذا جاء هنا .. وماذا يفعل هنا .. وماذا يريد .. كل ما يعلمه هو أنه شعر أنه يجب أن يكون هنا .. حيث هى .. لا يراها لكنه يشعر أنه بالقرب منها .. وهذا الشعور يريح قليلاً قلبه المكلوم .. لم يصدق عينيه وهو يراها تخرج من بوابة البيت .. ظن بأنها هلاوس بصرية من كثرة تفكيره بها .. لكن دقق النظر ليجدها هى .. "مريم" .. ترى أيتخيل أنها فقدت وزنها أم أنها ضعفت بالفعل .. كانت واجمة تنظر يميناً ويساراً لتعبر الطريق ونظرة حزن عميقه فى عينيها .. شعر وهو ينظر اليها بمدى شوقه لرؤيتها .. للحديث معها .. حتى ولو كان شجاراً .. حتى ولو كان صراخاً .. افتقد صوتها افتقد عينيها افتقد ابتسامتها التى قلما رآها .. عبرت الطريق لتتوجه الى السوبر ماركت أمامه .. أدار المحرك ورجع بسيارته الى الخلف ليخفيها خلف سيارة أخرى مرصوصه على جانب الطريق .. راقبها وهى تخرج من السوبر ماركت وهى ترقب الطريق مرة أخرى لعبوره .. ود لو خرج من سيارته وتوجه اليها .. لكن بأى صفة سيتحدث معها .. وماذا سيقول لها .. قبل أن تهم بدخول البوابة أوقفها رجل ما .. ظل "مراد" ينظر اليهما بإمعان محاولاً معرفة ما يحدث .. بالطبع لم يسمع الحوار الدائر بين "مريم" والرجل الذى قال لها :
- لو سمحتى يا آنسه تعرفى فين صيدلية ......
قالت "مريم" بهدوء وهى تشير بيدها لتريه الطريق :
- أيوة حضرتك ادخل الشارع ده وبعدين ادخل أول يمين
قال الرجل لها شاكراً :
- متشكر أوى
شعر "مراد" بالغيرة والغضب بداخله لحديثها مع رجل آخر .. كان من الواضح أنها تصف له طريق شئ ما .. ولم تتحدث الا لثوانى معدودة .. لكنه شعر بالغيرة الشديد لان حتى تلك الثوانى هو محروم منها .. دخلت البيت وأنظاره مثبتته عليها الى ان اختفت

************************************

عاد "مراد" الى بيته فخرجت "ناهد" من غرفة الجلوس تستقبله بعدما سمعت صوت السيارة .. عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت ببرود :
- ان شاله تكون مبسوط ومرتاح
نظر "مراد" اليها شذراً .. فقالت :
- هتتعشى ولا زى كل يوم ؟
قال "مراد" ببرود :
- مليش نفس
قالت "ناهد" بحنق :
- والله .. ليه .. انت مش عملت اللى انت عايزه وارتحت
قال "مراد" بحده :
- عملت اللى هى عايزاه مش اللى أنا عايزه
هتفت "ناهد" غاضبه :
- بص يا "مراد" أنا ليا عينين بشوف بيهم وبحس باللى أدامى ده غير ان ميفهمش الست الا الست .. "مريم" كانت ابتدت تحس بحاجه نحيتك بس باللى انت عملته ده هديت كل حاجه
صمت "مراد" وهو غير مقتنع بكلام أمه فأكملت قائلاً بحزن :
- بالله عليك مش صعبانه عليك .. دى يتيمه ولوحدها .. كانت عملالك ايه يعنى .. كانت مضايقاك فى ايه .. دى يا حبيبتى مكنش حد بيحس بوجودها .. ومكنتش بتضايق حد .. والبنات حبوها أوى وهى كمان كانت بتحبهم أوى .. سايبها تعيش لوحدها ليه .. ما كانت عايشة وسطنا يا "مراد" ..
انهت كلامها والدموع فى عينيها .. شعر "مراد" بقلبه ينزف دماً وقال بصوت مضطرب :
- مكنش ينفع الوضع يستمر كده .. هى برده من حقها تعيش حياتها مع الراجل اللى تختاره .. مش جوازه مفروضه عليها
قالت "ناهد" بحزن :
- طيب لو سمحت خدنى ليها بكرة عايزه أزورها .. موبايلها مقفول من ساعة ما سابت البيت .. غلبت مكالمات ليها ورسايل بس شكلها مش بتفتحه خالص .. وقلبي واجعنى عايزة أطمن عليها
قال "مراد" بصوت خافت :
- متقلقيش هى كويسة
قالت "ناهد" وهى تنظر اليه بتمعن :
- عرفت منين ان هى كويسة ؟
قال "مراد" وهو يتحاشى النظر اليها :
- لسه شايفها من شوية
قالت أمه بدهشة :
- شايفها فين ؟
قال "مراد" بضيق :
- شايفها أدام بيتها
رفعت "ناهد" حاجبيها بدهشة وقالت بتهكم :
- وانت ان شاء الله ايه اللى موديك نحية بيتها ؟ .. صدفة ولا الهوا رماك ؟
نظر اليها "مراد" بحدة ثم توجه الى السلم ليصعد الى غرفته و"ناهد" ترمقه بغيظ

*******************************************

هتف "حامد" بفرحه :
- المعلومات دى أكيده ؟
قال المحامى الخاص به مبتسماً :
- طبعاً أكيده يا "حامد" بيه هو أنا عمرى قولتلك حاجة وطلعت غلط
ضحك "حامد" ملء فمه وهو يقول :
- يعني عايشة لوحدها وملهاش حد لا أب ولا أخ ولا أى حد وكل أهلها فى الصعيد وسايبنها هنا لوحدها وكمان "مراد" طلقها من 10 أيام .. حلو أوى أوى أوى
ابتسم المحامى قائلاً :
- ناوى على ايه يا باشا ؟
قال "حامد" بخبث وابتسامته تملء وجهه :
- ناوى ألعب على المكشوف مادام القطة معدتش فى حماية الأسد

******************************************
- طلبين مدام "مريم" تانى فى القسم
قال محامى "مراد" هذه العباره فأجابه "مراد" على الهاتف بحنق :
- وليه عايزنها تانى هى مش خلاص قدمت شهادتها
قال المحامى :
- محامى "حامد" بيقول انك انت اللى خليتها تشهد وتقول الكلام ده وانها كانت خايفة منك وعشان كده قالته بس هى دلوقتى اطلقت ومعدتش خايفة منك وهتغير أقوالها
قال "مراد" بغضب وضيق :
- وهما لحقوا عرفوا اننا اطلقنا
قال محاميه :
- أكيد طبعاً ما هيصدقوا يمسكوا فى أى حاجة
قال "مراد" بضيق :
- مش عايزها تدخل القسم تانى .. حاول تشوف حل تانى
قال المحامى :
- لو كان فى مكنتش اتاخرت ..بس طلبين يسمعوا شهادتها تانى
زفر "مراد" بضيق وقال :
- طيب أنا هتكلم معاها .. امتى تروحلهم ؟
قال المحامى :
- طلب الاستدعاء خلاص طلع يعني المفروض تروح من بكرة
قال "مراد" :
- طيب خلاص هبلغها
حاول "مراد" الاتصال بها دون جدوى .. كان هاتف "مريم" مغلق .. حمل نفسه الى سيارته وتوجه الى بيتها .. طرق الباب عدة طرقات قبل أن يسمع صوتها من خلف الباب :
- مين ؟
صمت لحظة ثم قال:
- "مراد"
ارتجف قلبها وهى تسمع صوته .. تسمرت مكانها للحظة وهمت بان تفتح الباب .. لكنها تذكرت أنه لم يعد يحل له رؤية شعرها .. أصبح كالغريب تماماً .. ارتدت اسدالها وفتحت الباب .. وقع نظرها على صفحة وجهه .. شعرت بإشتياق شديد لتلك الملامح التى افتقدتها .. ذكرت نفها بأنه رجلاً غريباً عنها لم يعد يحل لها النظر اليه هكذا فأشاحت بوجهها .. تأملها "مراد" للحظة ثم خفض بصره قائلاً :
- انتى كويسه ؟
قالت بصوت منخفض دون أن تنظر اليه :
- الحمد لله
صمت كلاهما .. قالت بإضطراب وهى تتطلع الى أعلى السلم :
- لو سمحت مينفعش وقفتنا كده .. انا عايشه لوحدى
آلمه كلامها الذى ذكره بأنه لم يعد يحل له منها شئ .. أى شئ .. فقال بهدوء :
- أنا جيت بس أعرفك انهم محتاجين شهادتك تانى فى القسم
نظرت اليه "مريم" قائله :
- أنا افتكرت خلاص مش هروح تانى الا لو القضية وصلت للمحكمة
قال "مراد" بأسف :
- أنا كمان كنت فاكر كده .. بس محتاجين يسمعوا أقوالك تانى
أومأت برأسها قائله :
- مفيش مشكلة .. أروح امتى
قال "مراد" :
- بكرة ان شاء الله .. ومتروحيش لوحدك أنا هاجى آخدك
نظرت اليه "مريم" بتحدى قائله :
- شكراً يا أستاذ "مراد" .. أنا هروح لوحدى
رمقها "مراد" بنظرات نارية وهو يسمع منها كلمة "أستاذ" .. فقال بحنق :
- مش هتعرفى الطريق
قالت بعند :
- لا هعرف أنا مش صغيره وبقالى أكتر من 3 سنين عايشة لوحدى
ثم قالت بتحدى :
- يعني أقدر أتصرف كويس ومش محتاجه لحد يساعدنى فى حاجه
تطلع اليها "مراد" وقد ألجمه كلامها فتمتم بحزم وهو يغادر :
- براحتك .. ياريت تروحى على الساعة 10
قالت ببرود :
- هكون هناك فى المعاد
ألقى عليها نظرة ثم توجه منصرفاً .. أغلقت "مريم" الباب لتتحول نظرتها المتحديه الى نظرة حزن .. دخلت غرفتها وجلست على فراشها واجمة .. مازالت تشعر بخفقات قلبها التى تسارعت منذ أن سمعت صوته .. كانت تشعر بالضيق الشديد .. ضيق من نفسها .. أخفت وجهها بين كفيها وهى تسأل نفسها بحده .. ماذا يحدث لكِ يا "مريم" .. لماذا تشعرين بالضيق كلما ابتعد وبالأمان كلما رأيتيه .. هو أخو زوجك .. اخو حبيبك .. أفيقي يا "مريم" .. "مراد" أخو "ماجد" ..
قبل الفجر بعدة ساعات قامت من نومها فزعة .. شعرت شئ ثقيل يجثم على صدرها يخنقها تذكرت كلماتها لـ "سهى" وهى تذكرها بأن الله عز وجل يتجلى فى السماء الدنيا فى الثلث الأخير من الليل ليستجيب لدعاء من يدعوه ويفرج كرب من يلجأ اليه .. تذكرت الآية التى تقول " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " .. استغفرت ربها ونهضت من فراشها بحماس توضأت ووقفت بين يدى الله تبث له شكواها وتناجيه كانت تردد كثيراً :
- يارب أنا مش عارفه أنا عايزه ايه ولا عارفه ايه اللى يريحنى يارب انت عالم بيا أكتر من نفسي يارب ريحنى
ظلت تبكى كثيراً فى سجودها وجسدها يرتجف بشدة .. انهت صلاة الفجر وهى تشعر بأن قواها قد خارت تماماً نامت على الأرض حيث هى فوق سجادة الصلاة .

***************************************
قال أحد رجال "حسن المنفلوطى" بثقه :
- أيوة طبعا متأكد يا "حسن" بييه .. "خيري السمري" مات ومعندوش الا بنت واحدة .. و"خيري الهواري" مات وعنديه ولدين واحد مات والتانى لساته عايش
ابتسم "حسن" بتشفى وعياه تضيقان خبثاً هو يقول :
- وهيحصل أخوه جريب جوى
ثم التفت الى الرجل قائلاً :
- عايزك تجبلى كل المعلومات عن ابنه .. كل صغيرة وكبيرة لازمن أعرفها .. فاهم
قال الرجل بحماس :
- فاهم يا "حسن" بييه .. هعرفلك كل حاجه عنه .. انت تأمر يا "حسن" بييه المهم انت تبجى راضى عنينا
ابتسم "حسن" وهو يربت على رأس الرجل قائلاً :
- حلاوتك محفوظه متجلجش

**************************************

سمعت جارة "مريم" التى تسكن تحتها طرقات فى الصباح الباكر .. فتحت الباب بحذر لتجد رجلاً لا تعرفه فقالت :
- خير يا ابنى فى حاجة
قال الرجل وهو يلقى نظرة من فوقها على البيت من الداخل :
- هى مش مدام "مريم" ساكنه هنا
قالت المرأة وهى تنظر اليه وتضيق عينيها بسبب ضعف بصرها وهى تحاول تبين من هو وماذا يريد :
- أيوة ساكنه هنا بس فى الشقة اللى فوقى على طول
قالى وهو يهم بالصعود :
- شكراً يا حجه
نظرت اليه المرأة وهو يصعد وقالت بفضول :
- انت مين يا ابنى ؟
التفت اليها ورسم ابتسامه على شفتيه قائلاً :
- أنا من طرف أستاذ "مراد" .. طليقها
صعد وترك المرأة فاتحة فمها دهشة .. ثم قالت لنفسها:
- طليقها !

انتهت "مريم" من ارتداء ملابسها وهمت بحمل حقيبتها للذهاب الى قسم الشرطة كما وعدت "مراد" بالأمس .. عندما سمعت طرقاً على باب شقتها .. اقتربت قائله :
- مين ؟
سمعت صوتاً يقول :
- أنا سواق أستاذ "مراد" باعتنى عشان أوصل حضرتك بالعربية
شعرت بالحنق .. لماذا لا يتركها وشأنها .. لم يعد لها حقوق عليه .. وليس ملزماً بإرسال سيارته الخاصه لإحضارها .. فتحت الباب وقالت للرجل :
- ثانية واحدة هجيب شنطتى
التفتت لتحضر حقيبتها .. لكنها شعرت بالرجل يطوقها بذراعه من الخلف .. وقبل أن تصرخ كتم فمها بقطعة قماش موضوع عليها أحد أنواع الأدوية المخدرة .. لحظات وفقدت وعيها .. حملها الرجل ونزل بها مسرعاً بمجرد أن خرج من البوابة أخذ يصرخ فى المارة قائلاً :
- حد يفتحلى باب العربية بسرعة .. البنت أغمى عليها وجتلها غيبوبة سكر
قال أحد المارة :
- لا حول ولا قوة الا بالله
قام أحد المارة على الفور بفتح المقعد الخلفى للسيارة
تمتم آخر :
- بسرعة يا ابنى على أقرب مستشفى
وقال آخر :
- لا حول ولا قوة الا بالله شكلها صغير .. استر يارب
صعد الرجل بسرعة خلف المقود وانطلق بالسيارة وبصحبته "مريم" فاقدة الوعى على المقعد الخلفى

***********************************
ظل "مراد" ينظر الى ساعته وهو ينتظر "مريم" أمام قسم الشرطة .. على الرغم من طلاقهما مازال يشعر بداخله أنها ملزمة منه .. وكأن شئ خفى يربطه بها .. شئ أقوى من الكلمة التى قالها لتقطع أى وصال بينهما .. حاول الاتصال بها لكن كالعادة هاتفها مغلق .. زفر بضيق قائلاً :
- افتحيه بأه
زاد قلقه عندما ازداد تأخرها .. ركب سيارته وتوجه الى بيتها .. ظل يطرق الباب كثيراً دون رد .. حاول الاتصال بها دون جدوى .. ظل يفكر .. معقول أنه جاء من هنا لتذهب هى من هنا .. لكنه شعر بشئ ينبئه بأن مكروهاً قد حدث .. سمع من الأسفل امرأة تقول :
- مين ؟ .. انت عايز مين ؟
نزل "مراد" ليجد الجارة التى تحدثت معها "مريم" من قبل فقال لها بلهفه :
- متعرفيش هى "مريم" فين ؟ .. بخبط عليها ومحدش بيرد
قالت المرأة وهى تنظر اليه وتدقق نظرها :
- آه فى راجل خبط عليها من ساعتين كده وقال انه من طرف طليقها
قال "مراد" بإهتمام :
- طليقها ؟ .. راجل ؟ .. قال ايه بالظبط ؟
قالت المرأة وهى تحاول التذكر :
- قال انه من طرف واحد اسمه "مراد" وانه طليقها .. أنا اصلا مكنتش أعرف انها اتجوزت تانى
فجأة اتسعت عينا المرأة وهى تنظر الى "مراد" وتقرب وجهها منه قائله بفزع :
- بسم الله الرحمن الرحيم .. مش انت "ماجد" اللى مات
قال "مراد" بحنق :
- لا أنا "مراد" .. أخوه
قالت المرأة وهى مازالت مصدومة :
- أخوه .. سبحان الله .. انت أخو جوزها ولا جوزها ولا طليقها ولا ايه بالظبط
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- شكله ايه الراجل ده
قالت الجارة وهى مازالت تتطلع الى وجهه :
- كان شكلك بالظبط سبحان الله
قال "مراد" بضيق :
- مش بتكلم عن أخويا .. يا حجة ركزى .. بتكلم عن الراجل اللى قال انه من طرفى
قالت المرأة وهى تحاول التذكر :
- والله ما أعرف يا بنى مش فاكرة .. أهو جدع كده طول بعرض .. وشكله كده متجوز
نظر اليها "مراد" بغيظ :
- أعمل أنا ايه بمتجوز ولا مش متجوز .. مفيش أى حاجة مميزه فيه ؟
قالت المرأة وهى تفكر :
- حاجة مميزة ؟ .. ازاى يعني .. لا هو كان زى الفل
ثم صاحت بحده :
- وبعدين انت مين عشان تسأل كل الأسئله دى .. أنا ايه يضمنلى ان "مريم" تعرفك وانك طليقها بجد مش يمكن بتضحك عليا
قال "مراد" :
- يا حجه أنا كنت مع "مريم" المرة اللى فاتت لما سلمت عليكي
قالت المرأة بحزن :
- معلش يا ابنى أصلك كنت واقف بعيد وأنا نظرى على أدى
قال "مراد" وهو يعطيها ورقه كتب بها رقمه :
- ده رقمى يا حجة لو "مريم" جت كلميني على طول .. ماشى
قالت المرأة وهى تأخذ منه الورقة وتقول بثقه :
- حاضر يا ابنى ومتقلقش أنا على طول أعدة ورا الباب ومحدش بيطلع ولا بينزل غير لما بعرف
قال "مراد" وهو يرمقها بنظراته :
- ما هو واضح
ثم غادر مسرعاً

***************************************

أفاقت "مريم" لتجد نفسها فى غرفة جيدة الأثاث نظرت حولها فى ريبه ثم انتبهت الى يديها الموثوقتان خلفها وقدميها الموثوقتان .. أخذت تصرخ قائله :
- الحقونى .. الحقونى .. حد يساعدنى
فجأة انفتح الباب ليخد منه الرجل الذى رأته على باب شقتها فأخذت تصرخ فيه قائله :
- أنت ايه اللى انت عملته ده أنا هوديك فى ستين داهية
قال الرجل :
- اهدى يا مدام ثوانى و "حامد" بيه هيجي .. هيتكلم معاكى بس مش أكتر من كده
صاحت بغضب :
- مين "حامد" ده ..وازاى تعمل كده .. انت خطفتنى غصب عنى .. انت ازاى تعمل كده
خرج الرجل دون أن يرد عليها .. حاولت الوقوف لكنها لم تستطع الحركة بسبب قدميها .. جلست على الفراش تتأمل الغرفة وقلبها يخفق بهلع بعد عدة دقائق انفتح الباب ووجدت "حامد" أمامها وخلفه الرجل الذى خطفها .. توجه "حامد" الى مقعد امامها وقال :
- آسفين يا مدام .. بس ملقتش طريقة غير كدة أقدر أتكلم معاكى بيها .. والوقت سرقنى وكان لازم نتكلم قبل ما تروحى القسم
قالت "مريم" بحزم :
- فكنى وسبنى أمشى .. كدة هيبقوا قضيتين خطف مش قضية واحدة
وضع "حامد" ساقاً فوق ساق وأخرج غليونه يشعله وقال بثقه مبتسماً :
- لا ان شاء الله مفيش قضية ولا حاجة
أخذ ينفث دخانه وهو ينظر اليها بجرأة شعرت بالغضب بداخلها .. تحدث أخيراً وقال :
- أنا عرفت حاجات كتير عنك وأهمها ان "مراد" طلقك ورماكى ورجعتى بيتك القديم اللى عايشه فيه لوحدك من يوم ما أهلك ماتوا فى حادثة عربية من 3 سنين
شعرت "مريم" بالدهشة لعلمه بكل تلك التفاصيل عنها فأكمل قائلاً :
- طبعا دى فرصة عشان تنتقمى من "مراد" وترديله القلم
قالت بثقه :
- الطلاق كان بإتفاق بينا .. وان كنت فاكر انى هأذى "مراد" تبقى غلطان
أمر الرجل الواقف بجواره قائلاً :
- فكها
اقتربالرجل منها فشعرت بالخوف .. أخذ يفك قيدها وهى تحاول قدر الإمكان الابتعاد عنه وعدم الإحتكاك به .. قال "حامد" :
- شوفتى أنا طيب معاكى ازاى .. أنا مش عايز أأذيكي .. عايز بس منك خدمة صغيره
قالت بشك وهى تفرق رسغيها بكفيها :
- خدمة ايه
قال "حامد" :
- هتروحى القسم وتقولى ان كل اللى شهدتى بيه قبل كده كلام "مراد" مش كلامك وانك اضطريتى تقولى كده لانه هددك وخوفك .. وممكن كمان تسبكى الحكاية بإنك تقولى ان ده سبب طلاقك منه لانك اكتشفتى انه راجل معندوش ضمير
قالت "مريم" بتهكم :
- بتحلم .. لو فاكر انى هشهد زور يبقى بتحلم .. ولو فاكر انى ممكن أأذى "مراد" يبقى بتحلم
كانت تنظر اليه بثقه شديدة .. ضاق عيناه وهو يقول :
- تقدرى تقوليلى وانتى عايشة لوحدك كده مين اللى هيحميكي منى ؟
شعرت "مريم" بالخوف فأكمل وهو ينظر اليها بشراسه :
- تقدرى تقوليلى ازاى هتحمى نفسك لو بعتلك واحد من رجالتى جوه بيتك يقتلك وانتى نايمة أو يعمل اللى أسوأ من كده ؟
أخافتها نظراته بقدر ما أخافتها كلماته .. قالت بصوت مضطرب :
- ربنا معايا
قال "حامد" بتحكم :
- ممكن أنفذ ده دلوقتى ومستناش انك تروحى بيتك
نظر الى الرجل الواقف بجواره وأشار له بعينه تجاه "مريم" .. أقبل الرجل تجاهها فقامت من مكانها وانذوت فى أحد أركان الغرفة وهى تبكى قائله بفزع :
- حرام عليك اتقى ربنا
التصقت بالحائط خائفة مرعوبة فقال "حامد" للرجل قبل أن يصل اليها :
- استنى يمكن تكون عقلت
ثم التفت الى "مريم" قائلا :
- ها يا قطة عقلتى ولا لسه ؟
قالت وهى تبكى بحرقة :
- حسبي الله ونعم والوكيل فيك انت ايه معندكش ضمير مش خايف من ربنا ؟
قال "حامد" بتهكم :
- أنا قلبي ميت مبخفش من حاجه
قالت "مريم" وهى تنظر اليه بإحتقار :
- فعلاً انت قلبك ميت
أشار "حامد" بعينه الى الرجل ليتقدم بإتجاه "مريم" هم الرجل بلمسها فأنزوت أكثر لتبعد نفسها عنه وهى تصرخ قائله :
- خلاص موافقة
توقف الرجل ونظر الى "حامد" ينتظر اشاره منه فأشار له "حامد" بالتراجع ووقف واقترب من "مريم" قائلاً بحزم :
- خليكي فاكرة يا قطة ان مش "حامد" اللى يضحك عليه .. لو بتقولى كده عشان تخلصى منى وتبلغى عن اللى حصل أول ما توصلى القسم تبقى بتلعبى فى عداد عمرك .. ولو روحتى فين هجيبك يعني هجيبك
ثم قال بشراسة :
- وساعتها مش هعتقك .. فاهمانى .. مش هتعقك
أومأت "مريم" برأسها ودموعها تنهمر على وجهها وجسدها يرتجف خوفاً .. أمسكها "حامد" من ذراعها ليخرجها فجذبت ذراعها بعنف فأشار للباب ساخراً :
- اتفضلى يا مدام المحامى منتظرك تحت عشان يروح معاكى القسم
نزلت "مريم" للدور الأرضى من الفليا وهى تراقب ما حولها .. كان رجلاً فى انتظارهم بالأسفل فقال "حامد" للرجل :
- خلاص مدام "مريم" اعترفتلى بكل حاجة وحابه تريح ضميرها وتقول الحقيقة
ثم غمز لها وهو يبتسم بخبث فأشاحت بوجهها عنه وهى لا تطيق مجرد النظر اليه .. سبقها المحامى الى السيارة وقبل أن تهم بالركوب قال لها "حامد" :
- حفظتى اللى هتقوليه ؟
قالت دون أن تنظر اليه :
- أيوة
قال بنبره محذره :
- أى غلطة عارفه ايه اللى هيحصل
تنهدت قائله :
- عارفه
ركبت مع المحامى فى السيارة التى انطلقت بهما الى قسم الشرطة

************************************************

كاد "مراد" أن يفقد عقله وهو يبحث عن "مريم" اتصل بـ "طارق" قائلاً :
- أرجوك يا "طارق" اتصل بـ "مى" صحبتها يمكن تكون عندها
قال "طارق" :
- حاضر يا "مراد" متقلقش
اتصل "طارق" بـ "مى" التى قالت له بهلع :
- لا مجتش عندى ومتكلمناش مع بعض وأول مرة أعرف بموضوع الطلاق ده
قال "طارق" بقلق :
- ياريت لو كلمتك أو عرفتى أى حاجة عنها تعرفيني لأن "مراد" هيتجنن عليها
قالت "مى" وهى تشعر بالخوف هى الأخرى :
- حاضر بس ياريت لو حضرتك وصلت ليها تعرفنى لأنى أنا كمان قلقانه أوى
قال "طارق" :
- خلاص ماشى اللى يعرف حاجة الأول يكلم التانى

كان "مراد" فى حالة يرثى لها وهو يسير فى الشوارع بسيارته هائماً يبحث عنها بعينيه .. يعلم بأنه لا يستطيع تقديم بلاغ عن اختفائها .. أخذ عقله يفكر بسرعة وهو يحاول أن يجد حلاً .. لا يمكنه الجلوس والانتظار حتى تظهر أو حتى يمر 24 ساعة ليستطيع تقديم البلاغ .. اتصل بأمه فقالت :
- لا مكلمتنيش ولا كلمت حد من البنات .. لا حول ولا قوة الا بالله .. أنا خايفه عليها أوى
قال "مراد" :
- طيب اقفلى دلوقتى ولو كملتك عرفيني
قالت "ناهد" بلهفه :
- ولو عرفت حاجة عرفنى يا "مراد" أنا اعده على أعصابي
كان "مراد" ينهج بشدة وقلبه يخفق بجنون وبهلع .. شعر بغشاوه من العبرات تظلل عينيه وهو يتمتم :
- يارب .. يارب احفظها

*******************************************

وقفت "مريم" خارج مكتب الضابط فى انتظار المحامى .. الذى خرج بعد عدة دقائق واشار لها بالدخول قبل أن تدخل همس فى أذنها :
- "حامد" بيه مستنى تليفون منى
نظرت "مريم" الى المحامى بإحتقار .. كيف يبيع رجل قانون ضميره هكذا .. دخلت "مريم" وجلست وجلست المحامى قبالتها وهو ينظر اليها نظرات ذات مغزى فخفضت بصرها حتى لا ترتطم عيناها بنظراته المهدده .. قال الضابظ وهو يعقد كفيه على المكتب :
- ها يا مدام "مريم" .. محامى "حامد" بيه بيقول انك عايزه تغيري أقوالك
صمتت "مريم" فقال المحامى :
- ايوة يا باشا هى اضطرت تعمل كده عشان كانت خايفه من جوزها اللى هو دلوقتى طليقها لكن خلاص هى اطلقت منه ومعدلوش حكم عليها
قال الضابط للمحامى :
- لو سمحت سيبها هى تتكلم
ثم نظر الى "مريم" التى تطرق برأسها قائلاً :
- ها يا مدام "مريم" عايز أسمع منك
أخذت "مريم" تفكر فى الوضع الذى زجُت فيه .. تذكرت كلمات "حامد" المهددة اياها بالقتل أو ما هو اسوأ .. تذكرت نظرات الرجل الخبيثة التى رمقها بها وهو يقترب منها .. تذكرت بيتها الذى يخلو الا منها .. تذكرت وحشة الليل والسكون الذى يغمر بيتها كلمها حل المساء .. لكنها وسط كل ذلك تذكرت شيئين .. تذكرت "مراد" الذى لا ولم لن تؤذيه أبداً .. شهادتها التى يريدها "حامد" أن تشهد بها ستؤذى "مراد" بشدة وقد يسجن بسببها .. وتذكرت ربها .. وتلك الآيات التى قراتها كثراً فى سورة النساء وهى تقيم الليل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً " .. وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثاً ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و جلس وكان متكئاً فقال : ألا و قول الزور " قال : فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت " .. عندما تذكرت ذلك شعرت بثقه كبيرة بداخلها وهرب منها الخوف ليحل مكانه الأمان وتشعر أنها فى معية الله .. كرر الضابط كلامه قائلاً :
- مدام "مريم" عايز أسمع منك شهادتك الجديدة
رفعت نظرها الى المحامى بعدما شعرت بأن كل الخوف بداخلها قد تبدد لم تعد نظراته المهدده تجدى نفعاً معها .. التفتت الى الضابط وقالت بثقه :
- لا مش هغير أقوالى يا فندم
نظر اليها المحامى بصرامة فتجاهلته تماماً .. فقال الضابط بإهتمام وهو ينظر اليها :
- يعني الاستاذ "مراد" مأجبركيش انك تشهدى بشهادتك الأولى
قالت "مريم" بثقه شديدة :
- لأ محشد أجبرنى .. كل اللى قولته حصل .. شوفت اللى اسمه "حامد" ده وهو بيخدر "نرمين" فى العربية وبيفقدها وعيها وكان هيمشى بيها لولا انى وقفت ومنعته وصرخت .. ورماها من العربية وهرب .. ده كل اللى حصل
نظر الضابط الى المحامى قائلاً :
- ابقى اتأكد من المعلومات اللى عندك قبل ما تبلغنا بيها
شعر المحامى بالحرج والغيظ ..
قالت "مريم" بحزم :
- وعايزة أأقدم بلاغ فى "حامد" بتهمة خطفى
قال الضابط بدهشة :
- ازاى ؟
قصت عليه "مريم" ما حدث بالتفصيل فقال لها :
- تمام هنفتح محضر بالكلام ده بس محتاجين بطاقتك
قالت "مريم"
- بطاقتى فى البيت هروح أجيبها وارجع تانى
أومأ الضابط برأسه وهو ينظر الى المحامى شزراً .. نهضت "مريم" قائله :
- تسمحلى أمشى ؟
أشار الضابط الى الباب قائلاً :
- اتفضلى
خرجت "مريم" وخلفها المحامى .. وقبل أن يتحدث اليها التفتت اليه ترمقه بنظرات ناريه وهى تقول بتحدى :
- قول للى مشغلك ان كان هو مبيخافش من ربنا فأنا مبخافش غير منه
ثم أدرات لها ظهرها وانصرفت تغادر قسم الشرطة وعينا المحامى ترمقها بغيظ وهو يخرج هاتفه فى عصبيه

***************************************
عاد "مراد" الى قسم الشرطة مرة أخرى عله يجدها .. فدخل الى الضابط الذى طمأنه على "مريم" وقص عليه بلاغها الثاني .. امتقع وجه "مراد وهو يستمع اليه والى ما حدث لـ "مريم" من "حامد"

عادت "مريم" الى بيتها وفى عقلها شئ واحد .. خوفها على "مراد" .. خافت من أن تطاله يد "حامد" لتصبيه بمكروه هو أو أحد من أهل بيتسه .. انتبهت الى كونها تفكر فيه أكثر من تفكيرها فى نفسها .. وخائفه عليه أكثر من خوفها على نفسها .. تذكرت عندما رأته أمام الباب أمس .. شعرت بحنين جارف اليه .. شعرت بالضيق الشديد من هذا الشعور الذى راودها .. جلست لتخبئ وجهها بين كفيها .. حدثها عقلها ليقنع قلبها قائلاً :
- لا تقلق أيها القلب فما تشعر به ليس سوى حنين لرجل يشبه حبيبك
قال القلب بحيرة :
- أأنت متأكد أيها العقل .. أتجزم بذلك
قال العقل بثقه :
- طبعاً متأكد .. لا تقلق فما تشعر به طبيعي وسيزول مع الوقت .. فقط أنت تحتاج الى وقت أيها القلب
صمت القلب قليلاً ثم قال :
- لكننى أحفظ دقاتئ جيداً أيها العقل .. وتلك الطريقة التى أخفق بها عندما أكون قريباً منه .. تشى بأننى قد أحمل له شيئاً بداخلى
قال العقل بعند :
- لا تردد هذا كثيراً حتى لا تقنعنى به .. افعل ما أقوله لك .. وقل أنك متلهف فقط على شبيه حبيبك
قال القلب فى عدم اقتناع :
- أنا متلهف فقط على شبيه حبيبي
قال العقل شاعراً بإنتصاره :
- أرأيت أيها القلب أنت قلتها بنفسك
قال القلب بحزن :
- نعم قلتها لكننى لا أشعر بها
صاح العقل بحده :
- بل تشعر بها لكنك غارق فى الأوهام .. افق قبل أن تحطم نفسك بنفسك يكفيك يا فيك .. أنا العقل وأنت القلب .. انا دائماً أكون على حق .. لكنك تخطئ وتصيب .. استمع الى فأنا أكثر حكمة منك .. أنا الذى أدير هذا الجسد وأتحكم فى كل وظائفه .. لماذا لم تُترك لك هذه المهمة وأوكلت لى وحدى ؟ .. لأننى قادر عليها .. وقادر الآن على ارغامك بما أريد
قال القلب بإستسلام :
- معك حق أيها العقل .. قوتك أكبر منى .. سأردد كلماتك الى أن اقتنع بها .. فلا أريد سوى راحة هذا الجسد .. ومادامت راحته فى الاستماع اليك فسأفعل
قال العقل مبتسماً بثقه :
- رائع أيها القلب .. انت على الطريق الصحيح الآن .. استمر هكذا وتستريح للأبد .. وتذكر أنا دائماً على حق
انتهت المحادثة بين عقل "مريم" وقلبها لتشعر بالراحة لما انتهى اليه النقاش .. تذكرت خطابات "ماجد" تلك الخطابات التى يبث فيها كلماته التى تطمئنها وتنزل برداً على قلبها .. هبت واقفة وفتحت دولابها لتخرج الخطاب .. الخطاب الذى رفضت أن تفتحه منذ أن أصبحت زوجة لـ "مراد" .. جلست على فراشها .. تذكرت "مراد" واتهامه اياها بالخيانة .. نظرت الى الخطاب وهى تشعر بأنها تحررت .. تحررت من القيد الذى منعها من قراءة خطابات "ماجد" .. لم تعد الآن زوجة لـ "مراد" .. أصبح من حقها قراءة الخطاب دون أدنى شعور بالذنب .. نظرت الى الخطاب تقلبه بين يديها .. نظرت الى يديها بإستنكار .. لماذا لا تفتحيه بلهفه كما اعتدتى .. أأتفقت كل جوارحى اليوم ضدى .. لماذا لا ترتعشين بلهفه وشوق .. لماذا أيها القلب لا تخفق بلهفه كما اعتدت عندما أهم بقراءة خطابات حبيبى .. ألم تسمع ما قاله العقل لك منذ قليل .. تحدث القلب بوهن قائلاً :
- آسف أيها الجسد .. أنا ما خلقت لأفكر .. بل خلقت لأشعر .. ورغم كل الكلمات التى أسمعنى اياها عقلك .. الا أننى لن أخفق اليوم كما أخفق من قبل وأنت تمسك بتلك الخطابات .. لأن بكل بساطة .. أصبح لى حبيباً آخر
وكأنها لم تكتفى بعصيان قلبها ويديها .. اعلنت عيناها أيضاً العصيان فبكت شوقاً لهذا الحبيب.
سمعت طرقات على الباب ففزعت وهبت واقفة .. مسحت دموعها وهى تقترب من الباب الذى يتعالى صوت الطرقات عليه قالت بحذر بصوت مرتجف :
- مين ؟
سمعت صوت "مراد" خلف الباب يقول :
- أنا "مراد" افتحى يا "مريم"
شعرت بشعور غريب وهى تستمع الى صوته .. اختفى كل شعور داخلها بالخوف ليحل محله آمان لا حدود له .. فتحت الباب فاقترب "مراد" فإضطرت للرجوع للخلف .. دخل واغلق الباب خلفه .. وجدته ينظر اليها بشوق ولهفه وخوف وجزع .. كتلك النظرات التى رمقها بها بعد أن خرجا من البحر يوم احتراق اللانش .. قال "مراد" بلهفه وهو مازال يحتضن وجهها بعيناه :
- انتى كويسه
قالت بضعف وهى تحاول التظاهر بالتماسك وتناسى خفقات قلبها العنيفه :
- أيوة كويسة
قال بلهفه :
- ايه اللى حصل قالك ايه وعملك ايه عايز أسمع منك
قالت "مريم" وقد انتبهت لوجوده داخل بيتها والباب المغلق خلفه :
- مينفعش كده .. لو سمحت اخرج
قال "مراد" يحده :
- بقولك قوليلى اللى حصل
قالت "مريم" بحده مماثله وهى تنظر اليه وتحاول التحكم فى تلك المشاعر التى تجتاحها بقوة :
- بقولك اخرج لو سمحت .. ميصحش كده انا عايشه لوحدى .. كده مينفعش
أطبق "مراد" على شفتيه بقوة وهو ينظر اليها ثم قال بهدوء :
- طيب أنا هخليه ينفع
صمت لبرهه وعيناه تنظر داخل أعماق عينيها .. ثم قال بحزم وبصوت رخيم :
- رديتك يا "مريم"
توقف قلبها عن العمل لثانيه ثم عاد ليخفق بجنون .. اتسعت عيناها دهشة وهى تنظر اليه وصدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها .. صاح القلب ضاحكاً بإنتصار :
- أرأيت أيها العقل .. لقد كنت على حق .. ها أنا أخفق كالمجنون بسعادة .. اسكت أيها العقل ولا تملى على أوامرك مرة أخرى .. لقد انتصرت عليك هذه المرة.





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 09:23 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحلقة ( 23 )


- مينفعش كده .. لو سمحت اخرج
قال "مراد" بحده :
- بقولك قوليلى اللى حصل
قالت "مريم" بحده مماثله وهى تنظر اليه وتحاول التحكم فى تلك المشاعر التى تجتاحها بقوة :
- بقولك اخرج لو سمحت .. ميصحش كده انا عايشه لوحدى .. كده مينفعش
أطبق "مراد" على شفتيه بقوة وهو ينظر اليها ثم قال بهدوء :
- طيب أنا هخليه ينفع
صمت لبرهه وعيناه تنظر داخل أعماق عينيها .. ثم قال بحزم وبصوت رخيم :
- رديتك يا "مريم"
توقف قلبها عن العمل لثانيه ثم عاد ليخفق بجنون .. اتسعت عيناها دهشة وهى تنظر اليه وصدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها .. صاح القلب ضاحكاً بإنتصار :
- أرأيت أيها العقل .. لقد كنت على حق .. ها أنا أخفق كالمجنون بسعادة .. اسكت أيها العقل ولا تملى على أوامرك مرة أخرى .. لقد انتصرت عليك هذه المرة.
صمتت طويلاً وقد هربت منها الكلمات .. تتطلع الى "مراد" بدهشة .. ويتطلع اليها بنظرات تحاول تفسير معناها .. أخيراً تحدثت وقال بصوت مضطرب :
- ليه .. ليه عملت كده ؟
بدا عليه التوتر .. وكأنه يخفى مالا يريد البوح به .. قال بشئ من العصبية :
- عشان اللى حصل النهاردة .. مش ممكن أسيبك لوحدك
لا تدرى "مريم" لما شعرت بالحنق والغيظ والغضب فصاحت :
- لا متقلقش عليا أنا أعرف أحمى نفسي كويس .. متشكرة أوى
قال "مراد" بتهكم :
- واضح انك بتعرفى تحمى نفسك كويس بدليل انك اتخطفتى النهاردة
امتقع وجهها وقالت بحده :
- ملكش دعوة أتخطف ولا متخطفش
قال "مراد" بغضب :
- مش فاهم انتي عقلك فين عشان تفتحى الباب لراجل غريب متعرفيهوش
قالت "مريم" بإستنكار :
- أنا مبفتحش الباب لحد غريب .. بس هو قالى انه من طرفك وعشان كدة اطمنتله ووثقت فيه وفتحت الباب
ساد الصمت للحظات .. رأت فى عيني "مراد" نظرة غريبة .. تساءلت أعيناه تبتسمان حقاً أم خيل لها .. قال بنبره حانيه :
- يعني معنى كدة انك بتثقى فيا و بتطمنيلى
شعرت بالحرج فأبعدت عيناها عنه وصمتت .. نظر اليها للحظات ثم قال بحزم :
- يلا لمى هدومك عشان هنرجع الفيلا
رفعت "مريم" رأسها ونظرت اليه بعناد قائله :
- لا مش راجعه
قال "مراد" بعناد مماثل :
- هترجعى .. انتى دلوقتى مراتى ومسؤلة منى
صاحت "مريم" بإستنكار :
- أصلاً مينفعش اللى حصل ده
قال "مراد" ببرود :
- هو ايه ده اللى مينفعش ؟
قالت بحده :
- مينفعش انك تردنى كده أصلاً أنا مليش عدة
سألها "مراد" ببرود :
- ليه بأه ملكيش عدة ؟
احمرت وجنتاها وأشاحت بوجهها وعقدت ذراعيها أمام صدرها بغيظ .. فقال "مراد" بحزم :
- أيوة محصلش حاجة بينا بس الناس عارفه انك مراتى وكنتى عايشة معايا فى بيت واحد وفى أوضة واحدة وشرعاً وقانوناً ليكي عدة اسمها عدة احترازية
نظرت اليه "مريم" بدهشة وقالت بشك :
- الكلام ده بجد ؟
قال "مراد" بعصبية :
- معتقدش انى هضحك عليكي فى حاجة خطيرة زى دى .. وعامة تقدرى تتأكدى بنفسك من المأذون واحنا رايحينله دلوقتى
قال "مريم" ببرود :
- ما قولتش انك بتضحك عليا .. بس أول مرة أعرف المعلومة دى
ثم قالت وقد انتبهت لكلامه :
- ليه هنروح للمأذون مش بتقول انك كده خلاص ردتنى ؟
قال "مراد" بنفاذ صبر :
- أيوة رديتك بس طالما اطلقنا عند المأذون وطلعنا ورقة طلاق .. يبقى لازم يتثبت انى رديتك عشان اثبات حقوقك .. ممكن بأه تتفضلى تحضرى شنطتك .. مش عايزك تستنى هنا لحظة وعايز أسمع منك اللى حصل بالتفصيل
شعرت "مريم" بالضيق لإضطرارها الى العودة اليه .. خاصة اذا كان السبب الذى جعله يرجعها هو احساسه بالمسؤلية تجاهها لأنها شاهدة فى قضية أخته ليس أكثر من ذلك .. شعرت بالضيق الشديد .. فقالت وهى تعلم أن قولها لن يجدى معه نفعاً :
- انت مش مضطر تعمل كده .. أنا كنت عايشة لوحدى سنين وأقدر ........
لم يدعها "مراد" تكمل كلامها بل توجه من فوره الى غرفتها .. ليجد حقيبتها الفارغة موضوعه بجانب الدولاب أخذها ووضعها على الفراش بعنف وفتح دولابها وأخذ يضع الملابس بداخلها بإهمال .. لحقت "مريم" به وهتفت بإستنكار :
- انت بتعمل ايه ؟
لم يجيبها .. همت بأخذ ملابسها التى يحملها بيديه ليلقيها فى الحقيبة .. فأمسكت بيده دون قصد .. اضطربت .. و اضطرب .. وتلاقت نظراتهما لحظة .. لحظة واحدة فقط لكنها قالت الكثير .. ابتعدت فوراً .. فوضع الملابس فى الحقيبة ببطء وهو مازال يتطلع اليها .. يحاول النفاذ الى أعماقها ومعرفة ما بداخلها .. هم بأن يأخذ كومة أخرى من الملابس لكنها أوقفته قائله :
- طيب هلمهم أنا .. ممكن تتفضل تعد فى الصالون لو سمحت لحد ما أخلص
امتثل "مراد" لما قالت وتوجه الى الصالون وهو يتفحص ما حوله .. جمعت "مريم" أغراضها فى تبرم .. وقفت قليلاً تفكر فيما يصيبها عندما تكون قريبة منه .. نفضت تلك الأفكار من رأسها وأكملت مهمتها .. خرجت تحمل الحقيبة الثقيلة فبمجرد أن رآها "مراد" هب واقفاً وأخذها منها .. تأكدت "مريم" من اغلاق المحابس والشبابيك وتممت على كل شئ فى البيت ثم نزلت معه الى سيارته .. انطلقا فى طريقهما الى أن أوقف السيارة فى نفس المكان الذى أوقفها فيه منذ ما يقرب من اسبوعين .. نزل والتف حول السيارة وفتح لها الباب .. كانت تشعر بمشاعر كثيرة متضاربة ونزلت ببطء وهى تشعر أنها تود الهرب من كل شئ .. أتما اجراءات توثيق الزواج .. وانطقا فى طريقهما الى قسم الشرطة

قدما البلاغ واستمع "مراد" الى ما قصته "مريم" على الضابط وقد احمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب .. بعدما انتهيا من تقديم البلاغ ركبا السيارة مرة اخرى وانطلق "مراد" بها فى صمت .. تطلعت "مريم" اليه فوجدته غارقاً فى شروده وعلامات الغضب على وجهه .. كانت تشعر وكأن عيناه جمرتا نار .. كان يسير بالسيارة فى سرعة وحركاته تشوبها العصبية .. شعرت بالخوف من أن يتهور ويفعل مالا يحمد عقباه .. رن هاتفه فرد قائلاً:
- وعليكم السلام .. أيوة يا ماما لقيتها .. احنا جايين فى الطريق .. أيوة هى معايا .. هتطلعلك هيا وأنا هروح مشوار وأرجع .. طيب مع السلامة
أنهى المكالمة دون ان ينظر الى "مريم" تزايد خوف "مريم" وقلقها فقالت :
- ليه مش هتروح معايا .. انت رايح فين ؟
التفت ونظر اليها .. متفرساً فيها .. شعرت بالخجل وندمت على تسرعها فى القاء السؤال .. لكنها قالت بقلق :
- بلاش تعمل حاجة غلط .. لو سمحت اوعى تروحله وتضربه تانى
نظر "مراد" أمامه قائلاً بصرامة :
- ده يستاهل القتل مش الضرب
قالت "مريم" بجزع :
- اوعى تقتله هتضيع نفسك
التفت "مراد" اليها يراقب تعبيرات القلق على وجهه قائلاً بتحدى :
- ايه المشكلة يعني لو ضعت .. مالك ومالى .. ايه اللى مخوفك كده
قالت "مريم" بتوتر :
- كدة عشان مامتك واخواتك محتاجينك
تفرس "مراد" فيها فأشاحت بوجهها .. عاد الى النظر أمامه بصمت .. توقفاً عند احدى الإشارات المزدحمة وكل منهما شارداً .. اقترب بائع متجول يحمل عقود طويلة من الفل من "مراد" قائلاً :
- فل يا بيه
هز "مراد" رأسه نفياً .. فقال الرجل بإلحاح وهو يلقى نظرة على "مريم" :
- فل للهانم يا بيه .. ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس
شعرت "مريم" بالحرج لظن الرجل بأنهما حبيبان .. وشعرت أيضاً بالحزن وهى تقول لنفسها ليتك تعلم أنه اضطر لمصاحبتى اليوم من أجل شعوره بالمسؤلية تجاهى فقط ..فلا شئ يجمعنى به منذ أن رأيته إلا المصالح المشتركة .. رأت بطرف عينيها "مراد" وهو يشترى عقداً من الرجل ويضعه أمامه على التابلوه .. بالتأكيد ليتخلص من الحاح الرجل عليه فى الشراء .. انفتحت الإشارة وسارا مرة أخرى فى طريقهما .. توقفت السيارة أمام بوابة الفيلا فقالت "مريم" وهى تلتفت اليه :
- ياريت متعملش حاجه تندم عليها سيب الشرطة تشوف شغلها وهما أكيد مش هيسيبوه
بدا عليه أنه منشغل فى التفكير فى شئ ما .. فقالت مرة أخرى وهى تنظر اليه :
- ياريت بجد تتحكم فى أعصابك لان أى حاجة هتعملها هتتاخد ضدك خاصة انك ضاربه مرة قبل كده
لم يجيب فالتفتت وهمت بالنزول من السيارة لكنها وجدته فجأة مطبقاً على يدها .. التفتت بإستغراب وهى تنظر الى يده الممسكه برسغها .. دون أن ينظر اليها وجدته يحمل عقد الفل ويلفه حول يدها ببطء .. شعرت بقلبها تتعالى دقاته .. وحبست أنفاسها وهى تتطلع الى يده التى تلف العقد على يدها .. انتهى فسار العقد كالإسورة يزين يدها اليسرى .. لم تنظر اليه .. ولم ينظر اليها .. لكن بدا وكأنهما يتحدثان الى بعضهما البعض .. بحديث تعجز الآذان عن سماعه .. لكن يفهمه القلب جيداً ..ظل ممسكاً يدها للحظات قبل أن يطلق سراحها ويعود الى النظر أمامه .. خرجت من السيارة وهى تشعر بإضراب شديد وبشعور لذيذ يغمرها .. سمعت صوت السيارة خلفها لتجده وقد رحل فتوجهت الى الحديقه بدلاً من الفيلا وجلست على أحد المقاعد للحظات .. أخذت خلالها تتطلع الى عقد الفل الذى يزين يدها .. تلمسته بأصابعها تداعب البتلات البيضاء .. ثم قربته من أنفها تتشمم عبيره .. ارتسمت ابتسامه على شفتيها وهى تتذكر كلام الرجل البائع : " ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس " .. أخذت "مريم" تتسائل فى نفسها ..لماذا أهدانى اياه .. تُرى أيقصد ذلك بالفعل ؟!


****************************************
- حبيبتى "مريم" حمدالله على سلامتك
هتفت "ناهد" بتلك العبارة وهى تعانق "مريم"
قالت "سارة" وهى تعانقها هى الأخرى :
- "مريم" حبيبتى أنا فرحانه أوى أوى انى شوفتك تانى
قالت "نرمين" وهى تجرى تجاهها لتعانقها :
- "مريم" أنا مصدقتش لما ماما قالتلى انك جايه وحشتيني أوى
شعرت "مريم" بالتأثر وهى ترى المشاعر الفياضة التى تغمرها بها كل منهن .. قالت لهم بتأثر و بأعين دامعة :
- والله أنا اللى افتقدتكوا جداً
أخذتها "ناهد" من يدها وجلست معها فى حجرة المعيشة وبجوارهها "سارة" و "نرمين" .. قالت "نرمين" بلهفه :
- قوليلنا ايه اللى حصل
قصت عليهم "مريم" ما حدث .. فهتفت "ناهد" بغضب :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. ايه البنى آدم ده .. مش خايف من ربنا
قالت "مريم" بأسى :
- قالى ان قلبه ميت ومبيخفش من حاجه .. ربنا ينتقم منه
قالت "سارة" بحزن :
- أكيد كنتى مرعوبة يا "مريم"
قالت "مريم" وهى تشعر بالخوف من مجرد تذكرها ما حدث :
- كنت ميته من الرعب .. بس الحمد لله
قالت "نرمين" بأسى :
- أنا السبب فى كل ده .. سامحيني يا "مريم"
ربتت "مريم" على كفها قائلاً :
- أنا مش زعلانه منك يا "نرمين" .. وبعدين انتى كنت هتعرفى منين ان معندوش ضمير كدة وانه هيعمل كل ده
قالت "نرمين" بغضب شديد :
- ربنا ينتقم منه بجد ربنا ينتقم منه
قالت "سارة" مبتسمه :
- بس تعرفى أحلى حاجة فى الموضوع ان انتى و "مراد" رجعتوا لبعض
شعرت "مريم" بالحرج .. فقالت "نرمين" :
- فعلا دى أحلى حاجه فى الموضوع أنا مش عارفه انتوا ايه اللى خلاكوا تطلقوا أصلاً
ارتبكت "مريم" ولم تدرى ماذا تقول فأنقذتها "ناهد" موجهه حديثها الى الفتاتان :
- دى حاجة تخصها هى و "مراد" مينفعش نسألها عنها .. وبعدين سيبوها ترتاح شوية
ثم التفتت الى "مريم" قائله بحنان :
- اطلعى يا حبيبتى غيري هدومك وارتاحى وأنا هبعتلك دادة "أمينة" بالفطار تفطرى وتنامى شكلك مرهق
ابتسمت "مريم" قائله بوهن :
- حاضر يا طنط
صعدت "مريم" ودخلت حجرة "مراد" .. شعرت بحنين جارف تجاه كل جزء فى تلك الغرفة وكأنها كانت غرفتها منذ الأزل .. شعرت بسعادة وهى تلف حول نفسها وتتأمل كل ما حولها وكأن هذا هو بيتها ومكانها .. شعرت بالدهشة من هذا الشعور .. تذكرت أن حقيبتها فى سيارة "مراد" نسيت بأن تأخذها .. فتحت الدولاب لتجد ملابسها التى اشتراها لها "مراد" والتى تركتها يوم أن رحلت عن هذا البيت .. شعرت بالألم وهى تتذكر اليوم الذى طلقها فيه "مراد" .. والى اللحظة التى نطق فيها بتلك الكلمة .. نفضت تلك الأفكار من رأسها ودخلت لتأخذ دشاً ساخناً وتناولت طعامها وغطت فى نوم عميق وابتسامة راحة وأمان على شفتيها .. فهنا هو أكثر مكاناً تشعر فيه بالراحة و بالأمان .

***************************************
توجه "مراد" الى المحامى الخاص به ليعلمه بكل تلك التطورات .. فطمأنه المحامى :
- متقلقش يا أستاذ "مراد" .. كده هو بيلف الحبل حولين رقبته وأخطاءه بتزيد أكتر و أكتر
قال "مراد" بغضب :
- مش عايزه يقرب منى ولا من أى حد من أهلى والا قسماً بالله لأقتله بإيدي
قال المحامى :
- ياريت يا أستاذ "مراد" متتصرفش أى تصرف متهور عشان ميستخدموش ضدك فى القضية
قال "مراد" بصرامة :
- هحاول أتحكم فى نفسي عشان مديش فرصة للكلب ده انه يهرب من اللى بيعمله .. بس لازم اشوفه محبوس وفى أقرب وقت
طمأنه المحامى :
- متقلقش قريب أوى ان شاء الله

***************************************

عاد "مراد" الى البيت .. فوجد الجميع فى الحديقة فتوجه تجاههم .. هبت "سارة" واقفة وقالت بفرح :
- أبيه ألف مبروك .. فرحت أوى انكوا رجعتوا لبعض
قالت "ناهد" مبتسمه :
- حمدالله على السلامة يا "مراد"
قال "مراد" وعيناه تبحث عن "مريم" :
- هى فين "مريم" ؟
قالت "نرمين" :
- طلعت ترتاح فى اوضتكوا يا أبيه
أومأ برأه وجلس معهم .. فسألته أمه قائله :
- كنت فين ؟
زفر بضيق وقال :
- كنت عند المحامى هكون فين يعني
قالت "ناهد" :
- خفت تكون روحت للزفت ده تانى .. وموبايلك أفله معرفش ليه .. بتجنن لما نكون فى مشكلة كدة وألاقى اللى بكلمه قافل موبايله
ٌال "مراد" وهو ينهض :
- أنا ما قفلتوش .. فصل شحن
توجه "مراد" الى غرفته .. طرق طرقه صغيره خشية أن يوقظها إن كانت نائمة .. فتح الباب .. ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. دخل وأغلق الباب .. اقترب من الفراش ينظر اليها بحنان مبتسماً .. كم افتقد وجودها .. والنظر اليها .. اقترب منها وجلس بجوارها ومسح على شعرها برفق .. اتسعت ابتسامته وهو يرى عقد الفل مازال يزين يدها .. تلمسه بأصابعه ثم نظر اليها وعيناه تشعان .. حبــاً .. فجأة استيقظت وفتحت عيناها لتجده جالساً بجوارها .. شعر "مراد" بالإضطراب ونهض من مكانه بسرعة .. كذلك اضطربت هى وجلست مكانها .. قال "مراد" بتوتر وهو يتحاشى النظر اليها :
- كنت عايز أتكلم معاكى بس لقيتك نايمة
أزاحت "مريم" ونهضت وهى تقول :
- أنا كنت نايمة بس صحيت
وقفت قابلته وقالت :
- فى حاجة حصلت ؟
قال "مراد" :
- لا مفيش بس كنت عايز أطمنك انى كلمت المحامى ..وهيحتاج يتكلم معاكى شوية
قالت "مريم" :
- مفيش مشكلة
قال "مراد" بضيق وهو ينظر اليها :
- معلش يا "مريم" .. بس هو مضطر يتكلم معاكى عشان يسمع منك انتى التفاصيل
كررت بهدوء :
- مفيش مشكلة
قال برقه :
- انتى كويسه
أومأت برأسها صامته .. نظر الى عقد الفل ثم نظر اليها .. فشعرت بالخجل .. وقالت لتخفى ذلك :
- الشنطة بتاعتى فى العربية
قال بهدوء وهو يتوجه الى الباب :
- حاضر هجيبهالك
خرج وتركها تتساءل تُرى هل ما تراه في عينيه موجود بالفعل أم أنها تتوهم ذلك .. واذا كان موجوداً بالفعل فلماذا لا يصارحها به ؟!

*************************************
كانت "مريم" جالسه فى الحديقه وقد شردت بخيالها .. نظرت "مريم" الى هاتفها الذى يرن والموضوع على الطاولة .. ردت قائله :
- السلام عليكم .. ازيك يا "سهى"
قالت "سهى" بهدوء :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. بخير الحمد لله .. ازيك يا "مريم"
قالت "مريم" بحنان :
- تمام يا حبيبتى الحمد لله المهم طمنيني عليكي انتى
قالت "سهى" :
- الحمد لله بخير .. بس كنت عايزة أشوفك .. محتاجه أتكلم معاكى شوية يا "مريم"
صمتت "مريم" فليلاً فقالت "سهى" :
- عارفه ان جوزك ممكن ميرضاش انك تشوفيني أو تعرفيني تانى .. بس فعلاً أنا محتاجة أتكلم معاكى .. حاولى تقنعيه وهستنى تليفونك
تمتمت "مريم" بخفوت :
- ماشى يا "سهى"
توجهت "مريم" الى غرفة مكتب "مراد" طرقت الباب ودخلت وقفت أمامه بحرج قائله :
- هعطلك عن حاجة
قال لها مبتسماً :
- لا أنا أصلاً تعبت شغل وكنت عايز آخد بريك
همت بأن تتحدث لكنه أوقفها بإشاره من يده وهو ينهض قائلاً :
- استنى دادة "أمينة" بتحضرلى الأكل هقولها تعمل حسابك ونتكلم واحنا بناكل سوا
لم يعطيها فرصة لإبداء رأيها وخرج .. خرجت خلفه وتوجهت الى حجرة الطعام فى انتظاره .. ونظرت الى المائدة التى يتم اعدادها .. دخلت "أمينة" تحضر باقى الأطباق وخلفها "مراد" الذى ترأس المائدة فى مكانه المعتاد .. جلست "مريم" بجواره وهى تقول :
- أصلاً أنا مش جعانه هعد أتكلم معاك بس
قال "مراد" بتحدى وهو يرفع حاجبيه بمرح :
- لو مكلتيش يبقى مفيش كلام .. انا مبحبش آكل لوحدى
ابتسمت له وقالت :
- خلاص هاكل شوية صغيرين
ابتسم لها .. كانت تلك من المرات النادرة التى يبتسم كلاهما فى وجه الآخر .. فشعرا بشعور ألفة يجمعهما .. أخفضت "مريم" بصرها لكنها لم تستطع اخفاء ابتسامتها .. عادت "أمينة" حاملة طبق "مريم" ووضعته أمامها مبتسمه وهى تقول :
- نورتى البيت والله .. كان مضلم من غيرك
ابتسمت "مريم" لمجاملة المرأة قائله :
- شكراً يا دادة "أمينة" بس البيت دايماً منور بصحابه
هتفت "أمينة" قائله :
- مش بجاملك .. والله كان مضلم فعلاً
ثم نظرت الى "مراد" قائله :
- وسى "مراد" مكنش على بعضه من ساعة ما سيبتى البيت .. وحتى مكنش بياكل ولا بيشرب ولا بيعمل أى حاجة غير انه قاعد فى أوضته او فى الجنينة
نظرت "مريم" الى "مراد" الذى بدا عليه التوتر انشغل بالطعام أمامه فأكملت "أمينة" :
- كان مبوز ومكشر على طول كان ميتله حد .. ومشفتش الابتسامة على وشه الا لما انتى نورتينا امبارح
التفت "مراد" لأمينه قائلاً بحرج :
- مش هناكل ولا ايه يا دادة
قالت "أمينة" وهى تغادر :
- معلش الكلام خدنى .. يلا بالهنا والشفا
أمسكت "مريم" ملعقتها وهى تفكر فى كلام "أمينة" .. تُرى أحزن حقاً لفراقها ؟ّ! .. أم أن "أمينة" تهول الأمر ؟! .. قال "مراد" بخفوت دون أن ينظر اليها :
- كلى
بدأت فى تناول طعامها وهى مستغرقة فى التفكير .. فنظر اليها "مراد" قائلاً :
- كنتى عايزة تكلميني فى ايه
تذكرت "مريم" أمر "سهى" فقالت :
- "سهى" كلمتنى النهاردة وقالتلى انها محتاجة تتكلم معايا ضرورى
بدا على "مراد" الإمتعاض .. فقالت بحماس :
- أنا عارفه انها اتصرفت غلط .. بس أنا حسه انها محتجانى جمبها .. "سهى" مفيش فى حياتها صحبة كويسة تقدر تاخد بإيدها .. والديب مبيقدرش الا على الغنمة الشاردة عن القطيع
نظر "مراد" اليها وبدا وكأنه اقتنع بكلامها وقال بحزم :
- طيب مفيش مشكلة .. بس هى اللى تجيلك هنا .. انتى ما تروحيلهاش
ابتسمت "مريم" قائله :
- خلاص تماما هقولها كدة .. متشكرة أوى
نظر اليها "مراد" للحظات وقال فجأة بحنان :
- انتى طيبة أوى على فكرة
شعرت "مريم" بالإحمرار يغزو وجنتيها وابتسمت وهى تنظر الى طبقها قائله :
- عادى يعني
قال "مراد" وهو مازال ينظر اليها بحنان وابتسامه صغيره على شفتيه :
- لا مش عادى .. اللى بتعمليه مش عادى
قالن بتوتر دون أن تنظر اليه :
- أنا مبعملش حاجة
قال "مراد" بهدوء وهو ينظر اليها بإعجاب شديد :
- لا بتعملى .. بتهتمى بكل اللى حواليكي .. وبتنغمسى فى مشاكلهم أكنها مشكلتك انتى .. وبتحبى الخير لكل الناس .. خاصة الناس اللى بتحبيهم .. ولما بتحبي بتخلصى أوى .. لدرجة صعب ان الواحد يلاقي زيها فى الزمن ده .. ولما بتخصلى بتدى كل حاجة .. قلبك وعقلك ومشاعرك وكيانك كله .. وفى نفس الوقت انتى حطه لنفسك خطوط حمرا كتير فى حياتك .. رغم انك عايشة لوحدك ومفيش حد يحاسبك ومفيش حد يقولك الصح من الغلط .. أو يلومك لو عملتى الغلط .. لكن انتى بفطرتك السليمة بتعرفى تميزى بين الصح والغلط .. وبتراعى ربنا فى كل حاجة بتعمليها .. ورغم انك وحيدة ومفيش حد معاكى .. بس دايماً بتكونى قوية وواثقة من نفسك .. وبتعرفى تتحملى المسؤلية وانسانه يعتمد عليها .. وناجحة فى شغلك .. وفى نفس الوقت عارفه حدودك .. وعارفه انك بنت مش راجل .. يعني رغم نجاحك وثقتك فى نفسك وقوة شخصيتك واعتمادك على نفسك الا انك أنثى بجد .. بتقدرى تحسسى الى أدامك برجولته وبقوامته عليكي
كانت وجنتيها تشتعلان خجلاً وتنظر الى طبقها وتلعب بعصبيه بالملعقة وهى لا تستطيع النظر اليه .. أمرها عقلها بأن تستأذن وتنصرف .. لكن قلبها أمرها بالبقاء ..فإمتثلت لأوامر هذا الأخير .. مرت لحظات صامته بيهما .. لا تستطيع أن ترفع نظرها اليه .. لحظات لم يقطعها الا صوته الحزين وهو يسألها :
- لسه بتحبيه ؟
خفق قلبها وهى تعرف معنى سؤاله .. شعرت بالحيرة .. بماذا تجيبه .. حثها قائلاً :
- "مريم" بصيلي
لم تفعل .. لم تستطع .. قال "مراد" بهدوء :
- كان محظوظ أوى على فكرة .. انه لقى واحدة زيك وحبته وأخلصت له حتى بعد ما مات
ثم تمتم بحزن :
- الله يرحمه
رفعت "مريم" رأسها ونظرت اليه ترقب تعبيرات الحزن على وجهه .. نظر اليها بحزن وسألها بألم :
- اوصفيهولى يا "مريم" .. شخصيته أخلاقه طباعه .. كلميني عنه .. هو أخويا بس معرفش عنه أى حاجة .. ومش فاكر عنه غير لقطات بسيطة فى دماغى واحنا صغيرين
شعرت "مريم" بالألم وهى تسمع نبرات صوته المتألمه .. شعرت بالحزن لأجله لحرمانه من أخوه دون سبب واضح .. فقالت بهدوء :
- كان انسانه محترم .. ويعرف ربنا .. كان طيب .. وهادى .. وكان كل الناس بتحبه
كان يتأملها وهى تتحدث عنه .. بدت شارده وهى تقول :
- كان الأطفال قبل الكبار بيحبوه .. كان طيب مع كل الناس .. وقف جمبي كتير أوى .. وهى دى طبيعته .. كان بيحب يساعد الناس ويقف جمبهم
صمتت .. راقب "مراد" تعبيرات الحزن على وجهها متألماً من أجلها فقال بصوت متهدج :
- كان نفسي أقابله أوى
نظرت اليه "مريم" بأعين دامعه وهى تقول مبتسمه بضعف :
- كنت هتحبه
قال "مراد" وقد بدت الدموع فى عيناه :
- أكيد كنت هحبه
ظل ينظران الى بعضهما البعض وعيناهما تغشاها العبرات .. شعرت وكأنها تتقاسم معه آلامها .. وشعر وكأنه يتقاسم معها آلامه .. امتدت يده من فوق الطاولة تتلمس طريقها الى كفها ليحتضنه فى حنان .. لم تبتعد عيناهما عن بعضهما البعض لحظه .. شعرت "مريم" بالدهشة بداخلها .. نعم هى تنظر الى ملامح تشبه ملامح "ماجد" الى حد كبير .. لكنها لا ترى "ماجد" فى تلك الملامح .. وكأن "ماجد" كان بملامح أخرى وشكل آخر .. وكأنهما لا يشبهان بعضهما البعض على الرغم من وجود هذا الشبه بالفعل .. شعرت بأنها .. تنظر الى رجل آخر تماماً .. ولدهشتها .. فهى تشعر بشعور عميق تجاه هذا الرجل .. الذى شعرت أنه لا يشبه أى رجل آخر قابلته فى حياتها .. تركته يحتضن كفها فى استسلام وعبناه مركزتان عليها .. لكنها لمحت فى عينيه نظرة خوف و تردد و ألم .. ثــم .. أبعد يده عن كفها وأبعد عينيها عن عينيها .. شعرت "مريم" بالحرج .. وبالضيق من تغيره المفاجئ .. ودون كلمه .. نهضت لتغادر الغرفة.

******************************************

قالت "نرمين" فى دهشة :
- "أحمد" ابن خالتى
أومأ "مراد" برأسه ثم أكمل قائلاً :
- بصراحة يا "نرمين" أنا شايف انه انسان مناسب وكمان عارفينه كويس وعارفين أخلاقه .. يعني بصراحة أنا شايف انه الشخص المناسب ليكي
صمتت "نرمين" فأكمل "مراد" :
- بس طبعاً دى حياتك انتى .. انا ليا انى أنصحك واقولك رأيي بس مش ممكن أفرضه عليكي لو كنتى انتى رفضاه أو مش حسه نحيته بقبول .. لان الجواز أهم حاجة فيه القبول
صمتت "نرمين" فحثها "مراد" قائلاً :
- ها يا "نرمين" .. هل انتى رفضاه رفض قاطع .. ولا فى قبول ومحتاجه فترة تفكرى فى قرارك ؟
قالت "نرمين" بخجل وهى تنظر أرضاً :
- سيبنى شوية أفكر يا أبيه
ابتسم "مراد" وقبل جبينها قائلاً :
- ماشى يا "نرمين" فكرى براحتك .. واستخيرى ربنا قبل كل شئ
أومأت برأسها دون أن تنظر اليه وغادرت غرفة المكتب وأغلقت الباب خلفها وابتسامة سعادة تتكون على شفتيها ببطء

******************************************
دخلت "مريم" المطبخ وابتسمت لـ "أمينة" قائله :
- طنط "ناهد" والبنات عايزين نسكافيه يا دادة
ابتسمت "أمينة" وهى تعطيها صانية موضوع عليها فنجان شاى :
- طيب ادخلى دخلى دى لجوزك على ما أكون عملتكوا كلكوا النسكافيه
أخذت "مريم" الصينية وطرقت باب غرفة المكتب بتوتر سمعته يقول :
- اتفضلى
دخلت "مريم" .. فنظر اليها بدهشة وهى حاملة صينية الشاى ظل يتابعها بنظراته الى أن وضعتها بجانيه على مكتب .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيه .. همت بأن ترحل لكنه أوقفها قائلاً بخبث :
- مش هتصبيه ؟ .. مش اللى يقدم شاى لحد يصبهوله ويحطله السكر
ابتسمت "مريم" بحرج وصبت الشاى ثم سألته :
- أد ايه السكر
ابتسم لها قائلاً :
- اتنين
وضعت السكر وقلبته ثم قدمت له الفنجان .. همت بالإنصراف لكنها عادت تلتفت اليه وتقول بحرج :
- "سهى" هتجيلى بعد بكرة ان شاء الله
قال بهدوء :
- تمام
التفتت لتغادر لكنه أوقفها بسؤال مفاجئ :
- الجواب اللى كان على السرير ده من "ماجد" مش كده ؟
التفتت لتنظر اليه بدهشة .. فأكمل قائلاً :
- لما جتلك البيت عشان أخدك وأنا بحط الشنطة على السرير شوفت جواب .. ده من "ماجد" مش كده
شعرت بالإضطرب وقالت بصوت خافت :
- أيوة
أشاح بوجه وبدا عليه الجمود قائلاً :
- شكراً على الشاى
وقفت تنظر اليه فى حيرة .. قال "مراد" بحزم دون أن ينظر اليها :
- لو فى حاجة حابه تتكلمى فيها أجليها دلوقتى لانى مشغول
بلعت "مريم" ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت متوتر :
- أنا مفتحتوش
رفع "مراد" رأسه بحده وأخذ يتفرس فيها .. فأكملت قائله :
- مفتحتش الجواب
ظل ينظر اليها للحظات وقد ضاقت عيناه .. ثم قال :
- ليه ؟ .. ليه مفتحتيهوش ؟
لم تستطع الإجابة ولم تستطع المكوث أكثر .. فغادرت الغرفة بسرعة وأغلقت الباب خلفها وهى تشعر بالغيظ من نفسها .. ما الذى دفعها لتخبره بأنها لم تقرأ خطاب "ماجد" .. لماذا فعلت ذلك .. أخذت تلوم نفسها بشدة .. وشعرت بالحنق .. خرجت لتجلس فى الحديقة وقد عقدت ما بين حاجبيها فى غضب وهى تتمتم :
- غبية يا "مريم" .. غبية


جلس "مراد" فى مكتبه شارداً .. اخذ يتساءل ما الذى منعها من قراءة خطابات "ماجد" .. حبيبها .. الذى كانت تتألم لعدم استطاعتها قراءة خطاباته .. لقد طلقها .. وحررها من قيده .. فلماذا لم تعود لقراءة تلك الخطابات مرة أخرى .. ما الذى منعها ؟ .. وما الذى دفعها لأن تخبره الآن أنها لم تقرأه .. طالما الخطاب كان على السرير اذن فلقد أخرجته لتقرأه .. ما الذى منعها إذن ؟ .. أممكن أن ...... ؟! .. لا غير ممكن .. كاد أن يجن من فرط التفكير .. لكنه عقد ما بين حاجبيه فى ضيق وقد انتبه الى أمر هام .. وأخذ يحدث نفسه .. كيف تفعل ذلك يا "مراد" كيف سمح لك ضميرك لأن تفعل ذلك .. اعترف بأنك تحاول التقرب منها .. تحاول جذبها اليك .. لكن كيف تريد السيطرة على مشاعرها وهى لا تعلم حقيقتك .. "مريم" لا تعرف شيئاً عن اعاقتك .. كيف تقربها منك دون أن تخبرها الحقيقة .. كيف تحاول أن تعلق قلبها بك لتصدمها بعد ذلك بإعاقتك .. أتحاول أن تضعها أمام الأمر الواقع ؟ .. أهذه رجوله يا "مراد" .. ؟ تجعلها تحبك ثم تخبرها بأمر اعاقتك .. حتى تضمن ألا تتركك .. كيف تفعل ذلك بها .. بـ "مريم" ؟! .. أخذ يلوم نفسه بشدة .. وهو يشعر بأنه أخطأ خطأً جثيماً عندما حاول التقرب اليها دون علمها بأمر اعاقته

******************************************

استيقظ "مراد" فزعاً على صوت صرخة مكتومة .. قفز من مكانه لينظر الى "مريم" الجالسه فى فراشها وجسدها ينتفض بقوة وتخفى وجهها بكفيها وتبكى .. اقترب منها "مراد" وجلس قبالتها وقال بهلع :
- "مريم" فى ايه ؟ .. انتى كويسه
لم تجيبه "مريم" .. كانت تبكى وهى تخفى وجهها بكفيها .. فخمن أنها رأت كابوساً .. كانت تنتفض بشدة ..أحطاها بذراعيه وقربها الى حضنه دون مقاومة منها .. ضمها اليه بشدة ليوقف ارتجافتها وليبث فيها الطمأنينه .. قال بصوت حانى :
- متخافيش .. استعيذى بالله
تمتمت بصوت مرتجف وهى مازالت تخفى وجهها بكفيها :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ظلت ترددها كثيراً .. كانت تعلم بأنها يجب أن تبتعد عنه .. لكنها كانت تشعر بأمان كبير لا تريد مفارقته وحرمان نفسها منه .. هدأت شيئاً فشيئاً .. مسح "مراد" على شعرها وقال بحنان :
- خلاص .. متخفيش .. تلاقيكي نسيتي تقولى الأذكار قبل ما تنامى
رفعت "مريم" رأسها ببطء لتبتعد عنه وقالت دون أن تنظر اليه :
- فعلاً نسيت أقولها النهاردة
مسح بكفيه العبرات التى تغرق وجهها وقال :
- لسه خايفه ؟
هزت رأسها نفياً ومازالت لا تستطيع النظر اليه .. فقال :
- طيب نامى وهصحيكي على الفجر
التفتت "مريم" ونظرت الى الساعه خلفها وقالت :
- لا هقوم اصلى قيام
أزاحت الغطاء ونهضت وتوجهت الى الحمام .. نظرت فى المرآة الى وجهها الباكى توضأت وخرجت وارتدت الإسدال .. نظر اليها "مراد" الجالس يقرأ فى مصحفه قائلاً بإهتمام :
- كويسه دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
- أيوة الحمد لله
قال بإهتمام :
- متقوليش لحد اللى انتى حلمتى بيه طالما حلم وحش
قالت بخفوت :
- عارفه
قالت وهى تتوجه الى الباب :
- هصلى تحت
نهض بسرعة قائلاً :
- لا خليكي انتى هنا هقرأ أنا تحت
قالت "مريم" وهى تنظر اليه :
- متصلى انت كمان .. احنا فى التلت الاخير من الليل متضيعش فضل القيام فى الوقت ده
وقف أمامها وهو يبتسم لحرصها على ألا يفوته الأجر وقال لها :
- على فكرة القيام مش شرط يكون صلاة .. القيام ممكن يكون قراءة قرآن أو دراسة علم شرعى أو حتى دعاء وذكر
نظرت اليه بدهشة وقالت :
- بجد ؟
أومأ برأسه وقال وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
- أيوة بجد
ابتسمت قائله :
- مكنتش أعرف
شعرت بالألفة وهى واقفة تتحدث معه ويبتسمان لبعضهما البعض .. فجأة تغيرت ملامحه الى الجديه وغادر الغرفة مسرعاً .. تابعته "مريم" بعينيها وهى تحاول أن تفهم ما الذى يحدث له ويجعله يتغير تجاهها فجأة .. أيشعر بالذنب لكونها كانت زوجة لأخيه الراحل .. أهذا ما يجعله ينأى بنفسه عنها .. أهذا ما يفصل بينهما .. جلست على الأريكة وملامح الأسى على وجهها .. كيف لها هى الأخرى أن تنسى أنه شقيق زوجها الراحل .. كيف تسمح لنفسها بأن تشعر بشئ تجاهه .. أخذ عقلها يلومها بشدة .. لكن قلبها قال لها :
- لا تستمع الى عقلك أيها الجسد .. فأنا لا أفعل شئ يغضب ربك .. لا شئ يمنعنى من أن أحب هذا الرجـــل .

****************************************

دخلت "مى" منزلها لتستقبلها والدتها بإبتسامه واسعة ..قالت "مى" :
- السلام عليكم
قالت أمها بحماس :
- وعليكم السلام .. تعالى عايزاكى
دخلت خلفها المطبخ وهى تلقى نظرها على والدها الجالس أمام التلفاز .. قالت لأمها :
- ايه يا ماما فى ايه ؟
قالت أمها بحماس :
- جالك عريس
امتقع وجه "مى" وقالت ببرود :
- طيب
ثم التفتت ودخلت غرفتها .. دخلت أمها خلفها وأغلقت الباب وقالت :
- مالك مش فرحانه ليه
قالت "مى" بوجوم :
- عادى يعني
اقتربت منها أمها وقالت :
- "مى" احنا مش قولنا نشيل الموضوع ده من دماغنا
قالت "مى" بأعين دامعه :
- غضب عنى
قالت أمها :
- حبيبتى ممكن الراجل اللى جاىي تقدملك ده يطلع أحسن من "طارق" ده مليون مرة .. اعدى معاه واتكلمى معاه وان شاء الله لو ليكي خير فيه أكيد ربنا هيفتح قلبك ليه
قالت "مى" بصوت باكى :
- مش عايزة يا ماما مش هقدر صدقيني
قالت أمها بإصرار :
- حبيبتى جربي مش هتخسرى .. مش بقولك وافقى عليه .. بقولك اعدى واتكلمى معاه
صمتت "مى" حائرة فقالت أمها وهى تغادر الغرفة :
- اعملى حسابك انه هييجى آخر الاسبوع ان شاء الله

*****************************************

شعرت "مريم" بتصرف "مراد" معها ببرود وبأنه يتحاشى النظر اليها أو الكلام معها .. أشعرها هذا بالضيق الشديد .. جلست مع الجميع على طاولة الطعام وهى شاردة تحاول تخمين ما يصيبه .. أحياناً تشعر بإهتمامه بها وبنظراته التى تقول الكثير وأحياناً تشعر أنه بعيد بارد .. كانت تشعر بالحيرة من تغير معاملته ونظراته .. قالت "ناهد" بـ "مريم" :
- كلى يا "مريم" مبتاكليش ليه
باتسمت "مريم" بضعف قائله :
- باكل يا طنط
عادت لتكمل طعامها .. حانت منها التفاته لـ "مراد" لتجده منشغلاً بطعامه .. فأبعدت عينيها عنه .. قالت "نرمين" بمرح :
- ايوة كدة رجعتى وسطينا تانى يا "مريم" .. كنا بجد مفتقدينك أوى
ابتسمت "مريم" قائله :
- أنا كمان افتقدتكوا اوى
قالت "نرمين" بخبث :
- طيب مين أكتر حد فينا افتقدتيه
فهمت "مريم" تلميح "نرمين" فارتبطت قائله :
- انتوا كلكوا
ضحت "نرمين" بخبث وقالت :
- ماشى هفوتها المرة دى
نهض "مراد" فجأة فقالت "ناهد" بإستنكار :
- مش هتكمل أكلك
قال ببرود :
- شبعت
رمقته "مريم" وهو ينصرف وهى تشعر بالحيرة والغضب فى آن واحد

فى المساء كانت "مريم" جالسه فى غرفة "سارة" تتحدثان وتتمازحان .. ثم قالت "سارة" مبتسمه :
- نفسي نعد نتكلم مع بعض للصبح
قالت "مريم" :
- احنا فيها
قالت "سارة" بحماس :
- بجد مش بهزر .. تعالى نسهر سوا النهاردة لانى جبت لعبة بازل انما ايه هتعجبك جدا
قالت "مريم" بحماس :
- هاتيها بسرعة شوقتيني
قالت "سارة" وهى تشير الى دولابها :
- طلعيها من الدولاب على ما أخلى داده تعملنا نسكافيه
قالت "مريم" وهى تتزجه للباب :
- لا خليكي انتى زمانها نايمة هعمله أنا
خرجت "مريم" من الغرفة وهمت بالنزول لتتلاقى بـ "مراد" الذى كان يصعد الى غرفته .. تحاشت النظر اليه وهى تنزل فأوقفها قائلاً :
- مفيش حد تحت كلهم طلعوا يناموا
التفتت اليه وقالت ببرود :
- عارفه .. أنا نازله اعمل نسكافيه ليا ولـ "سارة" عشان هنسهر سوا
قال "مراد" وهو ينظر لساعته :
- تسهروا أكتر من كدة
قالت بنفس البرود :
- أيوة .. واحتمال أنام فى أوضتها كمان .. فرصة تاخد راحتك فى أوضتك النهاردة
قالت ذلك ثم نزلت الى الأسفل ونظراته النارية تتابعها .. دخل "مراد" غرفته وبدل ملابسه وافترش الأريكة للنوم .. قضى ساعة ونصف من الأرق الى ان أزاح الغطاء وجلس على الأريكة .. أخذ ينظر الى السرير الخالى .. شعر بأنه يفتقد وجودها معه .. بالرغم من أنه لا يفصل بينهما إلا جدار واحد الا أنه يشعر بأنها بعيدة عنه أميال .. شعر بالضيق وهو يتذكر قولها بأنها ستقضى الليل فى غرفة "سارة" .. هو يريدها هنا .. فى غرفته .. وعلى فراشه .. يتأملها نائمة .. يطمئن لكونها بجواره .. ماذا لو رأت كابوساً آخر ..يريد أن يكون بجوارها يهدئها كما فعل بالأمس .
كانت "مريم" جالسه مع "سارة" تمزحان وهما يكملان الأحجية أمامهما .. عندما دق الباب .. فتحت "سارة" وسمعتها "مريم" تقول :
- أبيه
التفتت "مريم" بسرعة تنظر الى "مراد" الواقف على الباب .. كان الفتاتان تنظران اليه فقال لـ "مريم" بهدوء :
- تعالى يا "مريم" عايزك
ثم غادر .. قامت "مريم" وهى تتساءل عما يريد .. توجهت خلفه الى غرفته وأغلق الباب .. انتظرت أن يتحدث لكنها وجدته يزيح الغطاء عن الأريكة وينام عليها .. اقتربت منه وقالت فى دهشة :
- خير .. كنت عايزنى فى ايه ؟
أشار الى الفراش برأسه قائلاً :
- نامى كفاية سهر
ثم أشاح بوجهه .. فقالت بعناد :
- مش عايزة أنام هروح أكمل لعب مع "سارة" ولو حبيت أنام هبقى أنام معاها
التفتت لتغادر لكنها قام وجذبها من ذراعها قائلاً بحده :
- ازاى يعني تنامى معاها "سارة" تقول ايه المفروض اننا متجوزين
قالت بتحدى :
- عادى يعني مش شرط كل اتنين متجوزين يناموا مع بعض كل يوم .. عادى يعني أما أنام مع "سارة"
قال بحزم :
- لا مش عادى .. قوليلها انك عايزة تنامى واتفضلى تعالى نامى
قالت بعناد وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها :
- مش عايزة أنام دلوقتى ايه هتنيمنى غصب عنى
تبدلت نظراته من الحزم الى اللين .. لانت ملامحه وبدا وكأنه يعاني من صراعاً كبيراً بداخله .. رأت فى عينيه خوف وألم ودت لو تعلم سببهما .. لماذا هو خائف .. مما هو متألم .. شعرت بأنه يخفى شيئاً بداخله .. شيئاً كبيراً يعذبه .. بدا وكأنه تعب من النقاش .. أو مما يدور فى عقله .. التفت وتوجه الى الأريكة وتمدد عليها وأولاها ظهره .. مرت لحظات وهى واقفة تنظر اليه ثم غادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها .. تنهد "مراد" وهو يغمض عينيه فى ألم .. كان يتمنى وجودها بجواره .. لكن وجودها بجواره يعذبه .. كان يشعر بخوف شديد .. خوف من اخبارها بأمر اعاقته .. شعر بأنه لن يتحمل خسارتها .. يعلم أن الوضع لن يستمر هكذا .. وعليه التحدث .. لكنه يجد صعوبة فى ذلك .. سمع باب الغرفة يفتح ويغلق مرة أخرى .. سمع صوت السرير وهى تجلس عليه .. تمددت "مريم" ونامت ووضعت رأسها على وسادتها وهى تنظر الى ظهر "مراد" النائم .. ابتسم "مراد" رغماً عنه .. شعر بأنه يريد التوجه اليها الآن .. ويأخذها بين ذراعيه .. ويخبرها بأنها أحلى ما فى حياته .. ويرجوها ألا تغادر حياته .. لكنه لم يستطع .. التفت لينظر اليها .. فوجد أنظارها معلقة به .. تلاقت نظراتهما وكلاهما نائماً فى مكانه .. شعرت وهى تنظر اليه بأنه مصدر آمانها و أمنها .. تشعر بالطمأنينه بمجرد سماع صوته .. بمجرد ذكر اسمه .. شعر بالحنان يملء قلبه .. ويفتت قسوته شيئاً فشيئاً .. معها يشعر بقلبه ينبض كما لم ينبض من قبل .. ظلت أنظارهما معلقة ببعضهما البعض .. الى أن غلبها النعاس ونامت .. وبعدها بلحظات نام هو .. وآخر صورة رآها كل منهما .. هى صورة الآخــر .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 09:25 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


الحلقة ( 24 )


جلست "مريم" فى حديقة الفيلا فى انتظار قدوم "سهى" .. التفتت الى البوابة لترى سيارة أجرى تتوقف أمامها .. دققت النظر لترى فتاة تعبر البوابة فى طريقها الى الداخل .. شعرت بالدهشة ونهضت من مكانها وذهبت فى اتجاهها وهى مندهشة تلاقت الفتاتان .. وقفت "مريم" أمام "سهى" تنظر الى العباءة المحتشمة التى ترتديها .. والى الحجاب الطويل الذى ترتديه فوقها وتخفى به شعرها كله .. تأملت ملامحها التى ظهرت بريئة بدون أى أصباغ صناعيه .. ابتسمت "سهى" وقالت :
- اتصدمتى مش كده
ابتسمت "مريم" واقتربت منها معانقة اياها وقالت :
- بصراحة أيوة
ثم ابتعدت خطوة لتنظر اليها مرة أخرى بإمعان قائله :
- ايه التغيير ده
قالت "سهى" مبتسمه :
- تعالى نعد وبعدين نتكلم
توجهتا الى الحديقه وجلستا على أحد المقاعد الكبيرة .. نظرت "مريم" الى "سهى" مبتسمه وهى تقول :
- ما شاء الله شكلك حلو أوى يا "سهى" بجد وشك منور
ابتسمت "سهى" وقالت :
- الحمد لله .. كنت عارفه انك هتشجعيني .. خفت أتكلم مع حد تانى غيرك يحبطنى ويرجعنى لوره
قالت "مريم" :
- بس ايه التغيير ده .. ايه اللى خلاكى تاخدى الخطوة دى
تنهدت "سهى" وقالت بحزن :
- للأسف ربنا بعتلى رسايل كتير بس مكنتش بفهمها .. او كنت بفهمها وبطنشها .. لحد ما حصل اللى حصل .. كان أدامى ساعتها حلين .. إما انى أفوق وأرجع لربنا .. وإما انى استمر فى الغلط وحياتى تتدمر أكتر ما هى
نظرت الى "مريم" قائله :
- وقررت أفوق
ابتسمت "مريم" بسعادة وقالت بحماس :
- ما شاء الله .. ربنا يثبتك يا "سهى"
قالت "سهى" وقد تجمعت العبرات فى عينيها :
- "مريم" انا جتلك عشان محتاجه اتكلم معاكى .. محتاجه أسمع منك كلام يطمنى
قالت "مريم" بقلق :
- خير يا "سهى"
قالت "سهى" والعبرات تتساقط من عينيها :
- "سامر" رفض انه يتجوزنى
شعرت "مريم" بالأسى من أجلها فأكملت "سهى" بألم :
- أنا خلاص مش هطلب منه حاجه .. أنا هطلب من ربنا بس .. مش هطلب تانى أى حاجة من أى انسان .. بس يا "مريم" أنا مش عارفه حياتى هتكون عاملة ازاى .. مش عارفه أعمل ايه .. انا قررت مردش على "سامر" أبداً مهما اتصل بيا .. بس أنا مش عارفه .. انا كده ضعت .. ريحيني يا "مريم" .. محتاجه أسمع كلام يريحنى شوية .. يحسسنى ان فى أمل .. يحسسنى ان ربنا معايا .. يحسسنى انى مش هضيع .. يحسسنى انى هبقى كويسة .. ان ربنا ممكن يسامحنى
شعرت "مريم" بألم "سهى" وبمدى معاناتها .. فقالت بحنان :
- "سهى" يا حبيبتى المفروض متيأسيش من رحمة ربنا أبداً .. كل واحد فينا بيغلط .. بس لازم نصلح الغط ده ومنتماداش فيه .. وده الى انتى عملتيه دلوقتى .. عملتى وقفة مع نفسك وغيرتى الحاجه اللى غلط فى لبسك وشكلك وفى تصرفاتك .. وبدأتى تقربي من ربنا أكتر وتهتمى ايه بيرضيه وايه بيغضبه .. صدقيني يا "سهى" لو فضلتى كده مستحيل ربنا يضيعك أبداً .. طول ما انتى مع ربنا مستحيل تخسري .. بس لو ربنا ابتلاكى اعرفى انه بيبتليكي عشان يختبرك .. عشان يمتحن صبرك وقوة ايمانك .. عشان يمتحن توبتك هل هى فعلاً صادقة ومن قلبك ولا لأ .. اعرفى ان ربنا هيرزقك باللى فيه الخير ليكي .. انتى شايفه ان جوازك من "سامر" هو الخير .. بس انتى متعرفيش .. يمكن جوازك منه شر وربنا بيصرفه عنك .. أو ربنا بيمتحنك زى ما قولتلك .. المهم دلوقتى انك فعلا تكونى توبتى بجد .. وتغيري من نفسك بجد .. وتعرفى ان ربنا هو اللى بإيده كل شئ .. بإيده قلب "سامر" .. وبإيده قلوب البشر دى كلها .. يقدر يقلبهم زى ما هو عايز .. اطلبى منه هو .. متطلبيش من انسان ضعيف زيك .. وخليكي واثقه ان ربنا مش هيضيعك طالما لجأتيله .. طالما رجعتيله وسلمتيله أمرك .. طالما هترضى باللى كاتبهولك أى ان كان ايه هو .. سلمى نفسك ليه .. وانتى مش هتخسري .. وخليكي واثقه فيه يا "سهى" .. واثقه انه أحن وأرحم من الأم بابنها .. خلي عندك حسن ظن فى ربنا .. ربنا بيقول "أنا عند حسن ظن عبدى بي " .. أحسنى الظن فى ربنا .. وربنا سبحانه وتعالى هيكون عند حسن ظنك بيه
تنهدت "سهى" فى ارتياح وعلامات الراحة على وجهها وهى تستمع الى كلمات "مريم" التى نزلت عليها برداً تبرد نار قلبها .. نظرت اليها وقالت مبتسمه :
- بجد أنا بحبك أوى يا "مريم" .. ريحتى قلبي بكلامك ربنا يريح قلبك
ابتسمت "مريم" وعانقتها قائله :
- و انا بحبك أوى يا "سهى" .. وأتمنى أشوفك فى أحسن حال
ابتعدت عنها "سهى" وقالت بلهفه :
- ادعيلى يا "مريم" ادعيلي ان ربنا يهديني ويقبل توبتى
ابتسمت "مريم" وقالت :
- حاضر يا حبيبتى .. هدعيلك من قلبي

***************************************
دخل "حامد" مكتبه وهو يحمل بيده ورقة بدت له فى غاية الأهمية مذيلة بأحد الأرقام .. اتصل بالرقم المكتوب فرد عليه صاحب الرقم :
- ألووو
قال "حامد" :
- ألو .. "حسن" بيه "المنفلوطى"
قال "حسن" :
- اييوه آنى .. ميين بيتكلم
قال "حامد" وهو يرجع ظهره الى الوراء ويضع ساقاً فوق ساق :
- أنا واحد هيقدملك خدمة عمرك
صاح "حسن" بعصبية :
- خدمة اييه ؟ .. وانت ميين ؟
قال "حامد" وعيناه تلمعان خبثاً :
- انا مين مش مهم .. أما خدمة ايه أقولك .. ايه رأيك أوصلك لـ "مراد خيري الهواري" ؟
ساد الصمت للحظات قبل أن يقطعه "حسن" قائلاً :
- انت بتعرفه ؟
قال "حامد" :
- أيوة أعرفه .. أعرفه كويس أوى
قال "حسن" بشك :
- وانت ايه مصلحتك فى اكده
قال "حامد" وقد تبدلت تعبيرات وجهه لتشى بحقد دفين وهو يتلمس أسنانه الصناعية ويتذكر يوم تهجم "مراد" عليه فى المكتب :
- عشان عايز أنتقم منه .. وعشان عايز أشيله من طريقي تماماً
قال "حسن" بحماس :
- جولى عايز كام وآنى أدفعهملك فوراً و كاش
قال "حامد" بإبتسامه خبيثه :
- لا مش عايز فلوس .. زى ما قولت دى مجرد خدمه .. والباقى عليك
قال "حسن" بلهفه :
- جولى ألاجيه فين
قال "حامد" والشرر يتطاير من عينيه :
- هقولك

************************************
كانت "مريم" تجلس بمفردها فى الحديقة بعد رحيل "سهى" فإقترب منها "مراد" قائلاً :
- "مريم" ممكن نتكلم شويه
التفتت اليه بسرعة و قالت :
- أيوة اتفضل
جلس بجوارها وترك مسافة بينهما .. نظرت اليه وقالت بقلق :
- خير فى حاجة حصلت ؟
نظر اليها "مراد" قائلاً :
- انتى كنتى عارفه ان "جمال" ابن عمى اتجوز "صباح" عمتك ؟
قالت "مريم" يهدوء :
- أيوة عارفه
قال "مراد" وهو يتفرس فيها :
- وعارفه اتجوزوا ليه ؟
قالت "مريم" بحيرة :
- يعني ايه اتجوزوا ليه ؟
قال "مراد" مستفهماً :
- انتى عرفتى ايه بالظبط ؟
قالت بإستغراب :
- عرفت انهم اتجوزوا بس .. تيته اللى قالتلى واتصلت بـ "صباح" باركتلها .. ليه بتسأل السؤال ده
تنهد "مراد" فى أسى ثم قص عليها أن "صباح" هى من أطلقت النار على "جمال" وأنها هى من أوقعت بها ليحقق "جمال" انتقامه .. شعرت "مريم" بالصدمة وقالت بعدم تصديق :
- معقول .. معقول "صباح" تعمل فيا كده .. ده أنا بنت أخوها
ثم نظرت اليه قائله :
- مين قالك الكلام ده
قال "مراد" بحنق :
- عمى اللى قالى .. ومن ساعتها وأنا قرفان أتصل بـ "جمال"
غشت عينيها العبرات وهى تشعر بالألم لتلك الخيانة التى تعرضت لها من أقرب الناس اليها .. قال "مراد" بندم شديد :
- أنا آسف يا "مريم" .. ظلمتك أوى وقسيت عليكي أوى .. أنا آسف بجد
نظرت اليه "مريم" والعبرات فى عينيها .. فأكمل قائلاً بألم :
- لو كان فى أى حاجة اقدر أعملها عشان أكفر بيها عن كلامى ليكي ومعاملتى ليكي قوليلى وأنا أعملها
قالت "مريم" وهى تحاول منع عبراتها من السقوط :
- أنا مش زعللنه منك .. انت معذور مكنتش تعرف .. كان مستحيل ييجي فى بالك اللى حصل ده .. زى ما هو مستحيل كان ييجى فى بالى
ثم قالت بدهشة ممزوجة بالألم :
- بس ليه ابن عمك يعمل فيا كده وهو ميعرفنيش ؟
تنهد "مراد" قائلاً :
- عمتى الله يرحمها قالتلى انه عمل كده عشان ينتقم .. وانه بيصفى حساب قديم
قالت "مريم" بدهشة :
- حساب ايه ؟
قال "مراد" بحيره :
- معرفش .. صدقيني معرفش .. بس أكيد حاجه تخص المشاكل اللى كانت بين العيلتين زمان
صمتا وكل منهما غارق فى تفكيره .. رأت "مريم" حمامة حطت على غصن شجرة وهى تحرك جناحاً واحداً أما الآخر فيبدو أن به خطباً ما .. حاولت الطيران فوقعت من على الغصن لتسقط على الأرض .. هبت "مريم" مسرعة اليها و "مراد" ينظر اليها .. رآها تمسك بالحمامة وتحتضنها بين يديها وتقربها منها .. وقف "مراد" وتوجه تجاهها ليجدها تمسح بأصابعها على رأس الحمامة فى حنان .. رفعت رأسها لتنظر الى "مراد" قائله بأسى :
- جناحها شكله في مشكلة .. مش عارفه تطير
أخذت "مريم" تمسح عليها بأصابعها و "مراد" ينظر اليها متأملاً .. قالت "مريم" :
- أعمل ايه ؟
قال "مراد" بحيرة :
- مش عارفه
قالت "مريم" وهى تشعر بالأسى لأجلها :
- هدخل أشوف أى حاجة عشان أأكلها ممكن تكون جعانه .. وبعدين نشوف دكتور بيطري أو نوديها محل عصافير أكيد اللى بيبيع هيكون فاهم
ابتسم "مراد" ونظر اليها بحنان قائلاً :
- شكلك بتحبي الحمام أوى
قالت "مريم" وهى تتأمل جناح الحمامه بإهتمام :
- لا أنا أول مرة أمسك حمامه .. بس صعبت عليا عشان جناحها مكسور ومش قادره تطير
اختفت ابتسامه "مراد" ليحل محلها الوجوم .. تُرى كيف سيكون رد فعلها ان أخبرها بإعاقته .. أستشفق عليه مثلما أشفقت على تلك الحمامة .. لا وألف لا .. لن يتقبل منها أى شفقه .. لن يسمح لها بالشعور بالشفقة من أجله .. آخر ما يريده منها هو شفقتها .. نظرت اليه "مريم" وقالت كمن تذكرت شيئاً هاماً :
- صحيح كنت عايزة أزور وحدة قريبتى فى دار المسنين
أفاق "مراد" من شروده وسألها :
- تقربلك ايه ؟
شعرت "مريم" بالتوتر واحتارت أتخبره أم لا .. فقال "مراد" وهو يتفرس فيها :
- أنا سألتك لانك قولتيلى قبل كده انك ملكيش قرايب هنا
تلعثمت "مريم" وهى تقول :
- ليا قريبة واحدة بس
أعاد "مراد" سؤاله :
- تقربلك ايه ؟
قاطعهما صوت "نرمين" التى أقبلت نحوهما تقول :
- يلا يا جماعة الأكل جاهز ومستنيينكوا على السفرة
حمدت "مريم" ربها على قدوم "نرمين" الذى أنقذها من سؤال "مراد" .. فلم تكن تتوقع أن يسألها هذا السؤال .. وهى ليست مستعدة لإخباره الحقيقة بعد .. لانها لا تستطيع النبؤ برد فعله ان علم .. سبقتهما "مريم" الى الداخل وهى تحمل الحمامه فى يدها .. التفتت "نرمين" لتدخل هى الأخرى فأوقفها "مراد" قائلاً :
- "نرمين" .. فكرتي فى الموضوع اللى كلمتك فيه
ارتبكت "نرمين" واحمرت وجنتاها خجلاً .. واسرعت الى الداخل وهى تقول :
- ماما هتقولك ردى يا أبيه
ابتسم "مراد" وقد توقع موافقتها .. التف الجميع حول طاولة الطعام مبتسمين لبعضهما البعض .. قالت "مريم" بحزن :
- لقيت حمامه ياعيني جناحها مكسور فى الجنينة وقعت من على الشجرة مكنتش عارفه تطير
قالت "سارة" بتأثر :
- يا حرام
قالت "ناهد" :
- وبعدين ؟ طارت
قالت "مريم" :
- لا مش عارفه تطير خدتها المطبخ وحطتلها أكل
قالت "نرمين" فجأة بحماس :
- صحيح ما قولتلكوش .. النهاردة وأنا فى الجامعة .. قالوا ان ادارة الجامعة عاملة دورة فى الإسعافات الأولية واشتركت فيها
ابتسمت "مريم" قائله :
- أنا كمان كنت اشتركت فى دورة زى دى لما كنت فى الكلية
ابتسمت "نرمين" قائله :
- بجد ؟
أومأت "مريم" برأسها وقالت :
- أيوة .. مفيدة على فكرة وبيدوكى شهادة فى نهاية الدورة بعد ما بتحلى الإمتحان
قالت "نرمين" بحماس :
- عرفت فعلاً ان فى امتحان .. أكيد هيبقى نظرى بس مش كدة ؟
قالت "مريم" وهى تتناولى طعامها :
- لا .. عملى ونظرى
قالت "نرمين" بدهشة :
- ازاى يعني عملى ؟
قالت "مريم" شارحه :
- الفصل بتاع التنفس الصناعى بيكون عملى
توقف "مراد" عن تناول طعامه ثم التفت الى "مريم" قائلاً بحده :
- ازاى يعني عملى .. انتى امتحنوكى عملى فى التنفس الصناعى ؟
نظرت اليه "مريم" لترى نظرة غاضبة فى عينيه .. تساءلت فى نفسها .. أهذه غيره ؟ً .. أم أنها تتوهم ذلك .. قالت بهدوء :
- على مانيكان
هدأت حدة نظراته .. وأشاح بوجهه يكمل طعامه .. التقت نظراته مع نظرات "ناهد" الجالسه فى المقعد المقابل له .. فنظرت اليه مبتسمه بخبث شديد .. فأشاح بوجهه عنها هى الأخرى .. قالت "نرمين" مستفهمه :
- انتى يا "مريم" فصيلة دمك ايه ؟
قالت "مريم" :
-ab
قالت "نرمين" بمرح :
- ما شاء الله احنا مجمعين فى بيتنا كل أنواع فصائل الدم .. انا a زى ماما وبابا .. و "سارة" o .. و "مراد" b .. وانتى يا "مريم" ab
سقطت الملعقة من يد "مريم" فى طبقها لتصدر صوتاً عالياً .. نظر اليها الجميع فأدارت بعينيها فى وجوههم .. بدا وكأنها رأت شبحاً أمامها .. كان يبدو عليها الصدمة .. الرعب .. الخوف .. الحيرة .. سألتها "سارة" بإهتمام :
- انتى كويسة يا "مريم" ؟
حاولت التحدث فخرج صوتها مرتعشاً وقالت :
- أيوة بس شبعت .. بعد اذنكوا
نهضت "مريم"وغادرت مسرعة .. وأخذ "مراد" يتابعها حتى اختفت وقد ضاقت عيناه .

صعدت "مريم" الى غرفة "مراد" وأغلقت الباب خلفها ووقفت خلفه يعلو صوت تنفسها .. كيف .. كيف ذلك .. من غير الممكن أن تكون فصيلة دم "مراد" b .. هذا غير معقول .. من غير المعقول أن يكون أبواه a وهو b هذا مستحيل .. بل من رابع المستحيلات .. اذن فـ "ناهد" ليست أمه .. ليست أم "مراد" .. أخذ عقلها يعمل بسرعة جنونية .. من أم "مراد" اذن ؟ .. هل من المعقول أن "خيري" والده تزوج من ثلاث نساء .. "ناهد" و "زهرة" و امرأة أخرى هى أم "مراد" .. أم ............؟! .. توجهت مسرعة الى الدولاب وأخرجت منه حقيبتها فتحتها بأيدي مرتجفه وأخرجت منها قسيمة زواجها .. أخذت تنظر اليها بلهفة حتى توقفت عند نقطة ما .. فاتسعت عيناها دهشة ووضعت كفها على فمها تكتم صيحة الدهشة التى خرجت رغماً عنها .. انفتح الباب فجأة فالتفتت لتجد "مراد" خلفها .. اقترب منها فأخذت تنظر اليه وعيناها متسعتان على آخرهما وهى تمسك بيدها قسيمة الزواج .. نقل "مراد" بصره من القسيمة اليها وقال :
- فى ايه يا "مريم" ؟ .. مالك ؟
لم تستطع التحدث .. هربت الكلمات منها .. اقترب "مراد" أكثر وأخذ الورقة من يدها ونظر اليها ثم رفع نظره فى حيرة قائلاً :
- قسيمة جوازنا
قالت "مريم" بصوت مرتجف وهى تمعن النظر اليه :
- انت .. انت توأم "ماجد" ؟
نظر اليها يرقب تعبيرات وجهها .. فأخذت القسيمة منه بعصبية وأشارت الى تاريخ ميلاده وقالت بعصبيه :
- تاريخ ميلادك ..نفس تاريخ ميلاده ..
ثم أشارت الى اسم الأم وقالت بصوت مرتجف :
- واسم الأم واحد .. "زهرة"
ثم نظرت اليه وقالت بحيرة ودهشة وصدمة :
- انت توأمه ؟ .. انت توأمه مش كده ؟
كانت تعبيرات "مراد" هادئة .. قال :
- أيوة توأمه
شعرت "مريم" بالصدمة وهى تسمع هذا الإعتراف منه .. أخذت تحاول استعاب ما يحدث وما تكتشفه .. قالت بحده :
- ليه ما قولتليش .. ليه خبيت عليا ؟
قال "مراد" بحيره :
- أنا مخبتش عليكي .. انا كنت فاكرك عارفه
تمتمت "مريم" بحده ومازالت عيناه تتسعان من الصدمة :
- هعرف منين ؟ .. هعرف منين يعني ان طنط "ناهد" مش مامتك .. وانك توأم "ماجد" .. وان .......
صمتت ثم قالت بألم :
- وان ماما "زهرة" تبقى مامتك
نظر اليها "مراد" متفرساً وقال بدهشة :
- ماما "زهرة" ؟
تزايدت سرعة تنفسه وسرعة ضربات قلبه أمسكها من ذراعيها بعنف وهو يقول :
- "مريم" .. فى ايه قوليلى .. ليه بتقولى ماما "زهرة" .. ليه بتقولى ماما ؟
نظرت اليه "مريم" بألم ودموعها تتساقط على وجنتيها وهى تقول :
- أنا مش فاهمة حاجة .. أنا مبقتش فاهمة حاجة .. انت ازاى تسيب مامتك كده .. ازاى سايبها كده ؟
قال "مراد" بحده وعيناه تملأهما الحيرة والخوف :
- يعني ايه سايبها كدة .. ماما متوفيه من زمان
اتسعت عيناها دهشة وهى تصيح قائله :
- مين اللى فهمك كده .. قالولك أخوك مات .. وكمان ان مامتك ماتت ؟!! .. ليه كدبوا عليك كده
قال "مراد" وهو يشعر وكأن الدنيا تدور به :
- تقصدى ايه يا "مريم"
هتفت "مريم" بغضب وألم ودموعها تتساقط :
- مامتك عايشه فى دار مسنين يا "مراد"
وقع الخبر على رأس "مراد" كالصاعفة .. ظل ينظر الى "مريم" غير مصدقاً .. أخذ صدره يعلو ويهبط بسرعة وكأنه كان يبذل مجهوداً شاقاً .. اعاد كلماتها ليستطيع اتيعابها :
- ماما عايشة فى دار مسنين
قالت ودموعها تبلل وجنتها :
- حرام عليهم ليه حرموك منها وحرموها منك
قال "مراد" بغضب :
- ليه ما قولتليش .. من أول ما جيتي هنا وانتى عارفه انى أخوه .. ليه ما قولتليش ان ماما عايشه
هتفت بإستنكار :
- أيوة عارفه انك أخوه بس معرفش انك توأمه .. افتكرت انكوا اخوات بالأب بس .. لو كنت أعرف أكيد كنت قولتلك .. بس متخيلتش أبداً انكوا تكونوا توأم
صمتت قليلاً ثم قالت بإهتمام :
- وطنط "ناهد" عارفه انك مش ابنها
قال "مراد" وقد بدأ يفيق من صدمته :
- أيوة عارفه طبعاً
جذبها من ذراعها الى الدولاب وقال بلهفه :
- البسى بسرعة .. عايز أروحلها حالاً

خرجا معاً وذهبا الى دار المسنين .. قالت له "مريم" وهى تقف خارج الغرفة :
- "مراد" خليني أدخلها الأول لوحدى .. ماما "زهرة" تعبانه .. صدمة موت "ماجد" كانت كبيرة أوى عليها .. وانت نسخة منه .. سيبنى أتكلم بس معاها الأول
أومأ "مراد" برأسه ايجابا وقال بصوت متهدج :
- ماشى ادخليلها انتى الأول .. بس متتأخريش عليا
شعرت "مريم" بلهفته عينينه تعبيرات وجهه لملاقاة أمه .. أمه التى حُرم منها سنين طويلة .. دخلت "مريم" الى غرفة "زهرة" .. لتجدها جالسه فى فراشها والمرافقة تطعمها بيدها .. اقتربت منها مقبلة رأسها ويديها وقالت :
- حبيبتى ماما "زهرة" عاملة ايه دلوقتى
التفتت اليها "زهرة" مبتسمه وهى تتطلع اليها .. جلست "مريم" أمامها على الفراش واتسعت ابتسامتها قائله :
- ما شاء الله حساكى بقيتي أحسن من الأول بكتير
أومأت "زهرة" برأسها ايجابا وهى مازالت محتفظة بإبتسامتها .. قالت لها "مريم" وهى تمسح على شعرها فى حنان :
- ماما فى عندى ليكي مفاجأة .. مفاجأة مكنتيش تتوقعيها
نظرت اليها "زهرة" بإستغراب تحاول تخمين المفاجأة .. فقالت "مريم" بحماس وهى ترقب تعبيرات وجهها :
- "ماجد" كان له أخ توأم مش كده ؟ .. "مراد"
ظهرت سحابه حزن فى عيني "زهرة" وتوقفت عن الأكل .. ثم نظرت الى "مريم" بدهشة وألم .. وعيناها تسألانها كيف عرفت بأمر توأم "ماجد" ... قالت "مريم" بتأثر وبحنان بالغ :
- تحبي تشوفيه .. تشوفى "مراد" ابنك
اتسعت عينا "زهرة" ونطقت ملامحها باللهفة .. وهى تتطلع على "مريم" .. ابتسمت "مريم" والعبرات فى عينيها وهى تقول :
- هو معايا بره .. أدخلهولك تشوفيه ؟
التفتت "زهرة" بحده الى باب الغرفة المغلق وكأنها تريد اختراقه لتصل الى ابنها .. "مراد" .. ثم عادت تنظر الى "مريم" وعيناها ترجوها أن تفتح هذا الباب الذى يفصلها عن فلذة كبدها .. قامت "مريم" وفتحت باب الغرفة وقالت لـ "مراد" :
- تعالى
شعر "مراد" بقلبه يخفق بجنون .. اقترب من الغرفة شيئاً فشيئاً وتوقف أمام الباب .. أخذ ينظر الى تلك المرأة النحيلة التى تتوسط الفراش .. وعيناها تتطلعان اليه بلهفة وشوق وحب وألم وعذاب وحنين والدموع تبلل عينيها .. أخذ يلهث وهو يتطلع اليها .. ويحتويها بعينيه بلهفه مماثلة للهفتها .. تساقطت العبرات من عينيها وهى تتطلع اليه وترجوه أن يقترب .. اقترب"مراد" منها وجلس أمامها .. وقد بدأت العبرات تعرف طريقها الى عينيه .. اخذ كل منهما يتطلع الى وجه الآخر وكأنه يعوض شوق وحرمان السنين الماضية .. وقفت "مريم" تراقبهما والعبرات تغرق وجهها .. أطبقت "زهرة" على شفتيها لتوقف ارتجافتها .. وكأنها لم تعد تحتمل بعده عنها قيد انمله لفت يديها حول عنقه وجذبته اليها بلهفه .. لفت "مراد" ذراعيه حولها يضمها الى وقد أغمض عينيه لتتساقط العبرات منهما .. تعالت "شهقات "زهرة" وهى تضمه اليها بقوة خشية أن تُحرم منه مرة أخرى .. أخذ جسدها النحيل يرتجف بين ذراعيه من شدة البكاء .. قبل كتفها و شعرها وقال بصوت متهدج :
أبعدت رأسها لتنظر اليه بلهفه وهى تسمعه لأول مرة ينطق بكلمة "ماما" .. ثم تعالت شهقاتها مرة أخرى وهى تحتضن وجهه بكفيها وعيونها تنظر الى كل ملمح من ملامحه بشوق ولهفة .. احتضن هو الآخر وجهها بين كفيه وقبل جبينها مرات عدة وقال بصوت مرتجف :
- مش مصدق انى شوفتك وانى فى حضنك .. مش مصدق انك عايشه
ثم صاح بألم :
- يااااه اشتقتلك أوى .. كنتى بتيجي فى أحلامى كتير .. كان نفسي أشوفك وأتكلم معاكى وأرمى نفسى فى حضنك .. كان نفسي أشوفك أوى يا أمى
ابتسمت "زهرة" من بين دموعها وحاولت التحدث فلم تستطع .. التفت "مراد" الى "مريم"يمسح العبرات التى تساقطت على وجهه وقال لها بلهفه :
- هى مبتتكلمش ؟
قالت "مريم" من بين دموعها بصوت مرتجف :
- لأ .. من يوم ما عرفت ان "ماجد" مريض وهى مبتتكلمش
ثم قالت بحماس :
- بس أنا واثقة ان صحتها هتتحسن
التفتت لتجلس أمام "زهرة" على الفراش من الجهة الأخرى وقالت لها مبتسمه بحماس :
- مش كده يا ماما .. مش انتى هتتحسنى بعد ما شوفتى "مراد"
ابتسمت لها "زهرة" وأومأت برأسها وجذبتها فى حضنها تقبل رأسها .. فعلت "مريم" المثل وقبلت رأسها ويدها قائله :
- ربنا يخليكى لينا يا ماما وميحرمناش منك أبداً
نظر "مراد" مبتسماً الى العلاقة التى تجمع "مريم" بأمه .. والتفت الإثنتان تنظران اليه مبتسمتان .. شعر وهو ينظر اليهما بأنهما أغلى امرأتين فى حياته .. قام "مراد" وقال بلهفه :
- عايز أقابل مديرة الدار .. لازم أنقل ماما عندى فى الفيلا مستحيل أسيبها هنا أبداً
ابتسمت "زهرة" وهى تنظر اليه بتأثر وقد اغرورقت عيناها بالعبرات مرة أخرى
خرج "مراد" ليتحدث مع مديرة الدار التى اشترطت وجود مرافقه مع والدته لتلبية طلباتها وعلاجها .. عاد "مراد" الى أمه بلهفه وجلس أمامها قائلاً بإبتسامه واسعة :
- أمى حبيبتى .. خلاص اتكلمت مع مديرة الدار وهاخدك من هنا النهاردة .. بس هروح الأول أرتب مكان اقامتك وأجيب عربية اسعاف تنقلك من هنا .. مش هتأخر عليكي .. ماشى
ابتسمت "زهرة" وهى تجذبه لها لتحتضنه مرة أخرى .. قبل رأسها والتفت الى "مريم" قائلاً بحماس :
- "مريم" تعالى معايا
قالت "مريم" لـ "زهرة" قبل أن تنهض :
- ماما متقلقيش هنرجعلك تانى
ابتسمت لها "زهرة" .. فغادر الإثنان الغرفة .. خرجا من الدار .. توقفت "مريم" تراقب السيارات ليعبرا الطريق الى سيارة "مراد" التى أوقفها على الجانب الآخر .. فجأة شعرت بيده وهى تتلمس الطريق الى يدها .. التفتت تنظر اليه بسرعة .. رأت فى عينيه نظرة حانية .. و .. نظرة حب .. خفق لها قلبها بقوة .. شبك أصابعه بين أصابع يدها و احكم قبضته عليها يحتضن كفها فى كفه بقوة وكأنه يعدها بأن يظلا متلازمين طيلة العمر .. وكأنه يعدها بحياة مشتركة بينهما لا يستطيع أن يفرقهما أحد .. ورغماً عنها .. بادلته نظرة بنظرة .. ووعد بوعد .. ابتسم "مراد" لها وابتسمت له .. عبرا الطريق بأيدى متشابكة الى أن أوصلها للسيارة وفتح لها الباب جلست ومازالت أيديهما متشابكة وقف أمامها وكأنه لا يريد ترك يدها .. نظر حوله يتفقد ان كان يراهما أحد .. ثم انحنى ليطبع قبلة حانيه على كفها .. ورمقها بنظرة حانيه قبل أن يترك يدها ويغلق الباب .. شعرت "مريم" بقلبها يقفز فرحاً .. جلس بجوارها فى السيارة كانت تبتسم لا ارادياً وهى لا تستطيع النظر اليه خجلاً .. امتدت يده لتمسك يدها الاخرى .. وانطلق بسيارته وهو يشعر بسعادة كبيرة تغمر قلبه.


*****************************************
استقبل الجميع خير وجود "زهرة" على قيد الحياة بصدمة شديدة .. واضطر "مراد" الى اخبار أختاه بأن "مريم" كانت خطيبة أخوه التوأم الذى لم يكن يعلم أنه مازال على قيد الحياة .. انفرد "مراد" بـ "ناهد" وسألها قائلاً وهو يمعن النظر اليها :
- ماما .. انا عارف ان ممكن الموضوع يكون صعب عليكي .. بس أنا مستحيل أسيب أمى مرميه فى دار مسنين .. إما انى أجيبها تعيش معانا هنا .. وإما انى أسكنها فى مكان تانى
صمت قليلاً ثم قال :
- بس مش هقدر اسيبها عايشة لوحده .. وهعيش معاها هناك
كانت "ناهد" تستمع اليه صامته .. اقترب"مراد" منها وأمسك ذراعيها قائلاً :
- انتى أمى .. اللى ربتنى وكبرتى وعلمتى لحد ما بقيت راجل .. وأفضالك عليا ملهاش حصر .. عمرك ما حسستيني انك مش أمى اللى ولدتنى .. عمرك ما فرقتى فى المعاملة بيني وبين اخواتى البنات .. عمرى ما حسيت للحظة انك مراة أب .. كنتى فعلاً أمى ومازلتى أمى وهتفضلى أمى على طول
اغرورقت عينا "ناهد" بالعبرات وهى تنظر اليه .. ثم أجهشت فى البكاء فعانقها "مراد" وقبل رأسها .. ثم نظر اليها قائلاً :
- اللى هتقولى عليه هعمله .. شوفى ايه اللى يريحك وأنا هعمله يا ماما .. بس مقدرش أسيب أمى فى دار مسنين .. مستحيل مبقاش راجل لو عملت كده
كفكفت "ناهد" دموعها وقالت وهى تنظر اليه :
- لو مكنتش قولت كده مكنتش هتبقى "مراد" اللى ربيته وكبرته وعلمته لحد ما بقى راجل .. دى أمك يا ابنى .. ليها حق فيك زى ما أنا ليا حق فيك .. هى اللى ولدت وأنا اللى ربيت .. ومش ممكن أبداً أحطك فى اختيار بيني وبينها
أخذت نفساً عميقاً ثم قالت :
- هاتها تعيش معانا هنا .. كفاية اللى شافته فى حياتها .. وانها اتحرمت منك طول السنين دى .. من حقها تعيش مع ابنها اللى اتحرمت منه
عانقها "مراد" وابتسم بسعادة قائلاً :
- ربنا يخليكي ليا يا ماما كنت واثق ان قلبك كبير
ابتسمت "ناهد" وهى تشعر بالسعادة لسعادة ابنها .. فمضى الكثير من الوقت الذى لم ترى فيه "مراد" سعيداً بهذا الشكل.

*****************************************

بعد منتصف الليل وبعدما نام الجميع وقفت تناجى ربها وتتساقط دموعها على سجادة الصلاة وهى ساجدة .. تبكى بحرقة وينتفض جسدهاً ألماً وندماً .. أخذت تلهج بالدعاء وبالاستغفار .. ترجوه ولا ترجو سواه .. وقفت بين يداه الى أن شعرت بالآلام تشتد فى قدميها .. لكنها كانت آلام لذيذة لأنها فى سبيل طاعة .. شعرت وكأنها تُغسل من ذنوبها و من آلامها ومن عذابها .. شعرت وكأنها تولد من جديد .. فتاة أخرى .. بقلب آخر .. بروح أخرى .. بجسد آخر .. شعرت بأن اليوم هو يوم ميلادها .. وكأنها لم تعش قط .. وكأنها لم تحيا قط .. وكأنها اليوم فقط .. علمت معنى الحياة .. أنهت "سهى" صلاتها وأمسكت مصحفها وظلت تتلو من كتاب الله .. كلما قرأت آيات العذاب استعاذت منها وبكت .. وكلمها قرأت آيات النعيم استبشرت بها ودعت .. أغلقت مصحفها عندما سمعت آذان الفجر يتردد فى المسجد القريب .. أغمضت عينيها وهى تسمع ذلك النداء الذى كانت تصم آذانها عنه طيلة أعوام طويلة .. ها هى الآن تسمعه بقلبها قبل أذنها .. وتستشعره بكل حواسها .. فتحت عينيها عندما انتهى المؤذن وقفت لتصلى بلهفة وشوق .. وأخذ قلبها ينبض بقوة وكأنها على ميعاد يقفز قلبها لهفه له .. رفعت كفيها وقالت من أعماق قلبها :
- الله أكبــر.

****************************************
استيقظت "مريم" فجراً لتجد الأريكة فارغة .. خرجت وتوجهت الى الغرفة التى خصصها "مراد" لـ "زهرة" فسمعت صوته بالداخل .. طرقت الباب برفق .. فتح الباب مبتسماً لها .. ابتسمت له قائله :
- جيت أطمن عليها
أفسح لها "مراد" المجال للدخول .. دخلت "مريم" لتجد "زهرة" جالسه على الفراش ووجهها يشع نوراً وسعادة .. فتحت لها ذراعيها فاقتربت منها "مريم" وألقت بنفسها بين ذراعيها .. مسحت "زهرة" على شعرها وهى تنظر الى "مراد" مبتسماً .. فقال بمرح :
- أنا بصراحة بدأت أشك أنا اللى ابنك ولا هى
قالت "مريم" بدلع وهى تنظر اليه :
- ماما "زهرة" دى حبيبتى
ثم رفعت رأسها ونظرت اليها قائله :
- مش كده يا ماما
أومأت "زهرة" برأسها فنظرت "مريم" الى "مراد" بتحدى .. فعقد ذراعيه أمام صدره وقال لـ "زهرة" :
- يعني أطلع منها أنا
مدت له يدها فأقبل تجاهها فى الجانب المقابل لـ "مريم" وعانقته هو الآخر .. أحاطت "مريم" بذراع و "مراد" بذراع وهى تنظر الى السماء والعبرات فى عينيها لتحمد الله عز وجل .. شعرت "مريم" بالحرج لاقترابها من "مراد" الى هذا الحد .. كانت نظراته مركزه عليها مبتسماً أبعدت نفسها من حضن "زهرة" .. وقالت لهما :
- هروح أصلى الفجر
قبل أن تنصرف .. حضرت الممرضة التى أحضرها "مراد" لملازمة والدته .. وخصص لها غرفة بجوار غرفة "أمينة" .. قال "مراد" للممرضة بإهتمام :
- ده معاد الدوا
قالت الممرضة مبتسمه :
- أيوة يا فندم
قال "مراد" بتأكيد :
- ركزى فى مواعيد الدوا كويس .. تاخدها كلها فى معادها وبإنتظام .. وخلال يومين ان شاء الله هدخلها المستشفى تعمل تشيك أب كامل .. بس لحد ما ده يحصل استمرى على الأدوية اللى وصفها دكتور الدار
ابتسمت وقالت برقة :
- حضرتك تؤمر
شعرت "مريم" بالحنق الشديد من الطريقة التى تنظر بها الممرضة الى "مراد" ومن تبسمها الدائم فى وجهه .. غادرت الغرفة فى ضيق .. نظر "مراد" الى "مريم" التى غادرت بعصبيه ملحوظة .. دخلت "مريم" غرفة "مراد" وتوضأت وهى تستعيذ بالله من الشيطان .. أنتهت من صلاة الفجر وجلست مكانها تغلى من الغضب .. لقد انتبهت لابتسامات الممرضة ونظراتها وركزت معها الى درجة أنها لم تنتبه إذا كان "مراد" بادلها اياهما أم لا .. دخل "مراد" غرفته بعدما عاد من صلاة الفجر .. قامت "مريم" وطوت السجادة وخلعت اسدالها وتوجهت الى الفراش .. تابعها "مراد" وهو يرى العصبية فى تصرفاتها فسألها قائلاً :
- فى حاجة مضايقاكى يا "مريم" ؟
قالت "مريم" وهى تفرد الغطاء على السرير بعنف دون أن تنظر اليه :
- لا وأنا ايه اللى هيضايقنى
اقترب منها قائلاً :
- بس حاسس ان فى حاجه مضايقاكى
جلست فى الفراش وتدثرت بالغطاء وهى تقول بغيظ :
- كنت فاكراك هتهتم بمامتك أكتر من كده
قال "مراد" بدهشة :
- قوليلى أنا قصرت معاها فى ايه .. تقصدى موضوع التشيك أب اللى أجلته ليومين .. أنا كان قصدى انى أدور على أحسن مستشفى واحسن دكاتره فى جميع التخصصات عشان هى مش حقل تجارب كل دكتور يكتبلها علاج شكل فلازم أوديها عند دكاترة ممتاة كل واحد فى تخصصه
قالت "مريم" بعصبيه وهى تنظر اليه بحده :
- أنا مش بتكلم عن كده
قال "مراد" بدهشة :
- أمال بتتكلمى عن ايه ؟
قالت بعصبية :
- رايح جايبلها حتت ممرضة صغيرة وواضح أوى ان معندهاش خبرة فى أى حاجة أنا مش عارفه انت اخترتها ازاى
قال "مراد" بإستغراب وهو يمعن النظر اليها :
- أنا مخترتهاش أنا طلبت من واحد صحبي دكتور انه يرشحلى ممرضة كويسة ومقيمة وهو بعتهالى .. وبعدين ايه اللى عملته غلط فهميني ؟
قالت "مريم" بحده :
- دى متنفعش ممرضة أصلا
صمت "مراد" وهو يتطلع اليها والى وجهها الذى تشوبه حمرة الغضب .. تحولت نظراته الى الخبث وظهرت ابتسامه صغيرة على زاوية فمه وهو يقول :
- مفيش مشكلة .. بكرة الصبح هتكلم تانى مع صحبى وأخليه يبعتلى واحدة كبيرة فى السن وخبرة
صمتت "مريم" وقد هدأت عصبيتها .. فابتسم بخبث قائلاً :
- كويس كده ؟
نظرت اليه لترتطم عيناها بنظرات عينيه الضاحكة وابتسامته الخبيثة .. احمرت وجنتاها بشدة وتمتمت بصوت خافت :
- تصبح على خير
نامت وأولته ظهرها .. وقف مكانه للحظات ثم اقترب منها وانتفضت عندما وجدته ينحنى ليقبل رأسها .. تسارعت خفقات قلبها وظلت مكانها كما هى .. أغلق "مراد" النور وتوجه الى أريكته ونام عليها والابتسامه على شفتيه .. شرد بخياله وهو يشعر بالتلذذ من غيرتها التى لمسها فى كلامها ونبرة صوتها ونظرات عينينها .. كانت ابتسامتها تعلو شفتيها هى الأخرى .. لكن سرعان ما اختفت تلك الإبتسامه ليحل محلها العبوس وأخذت تتسائل فى نفسها ..أيحبها حقاً ؟ ..إن كان يحبها بالفعل فلما لا يعترف بذلك ؟! .. لكن السؤال ظل فى رأسها بلا إجابه .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 09:29 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحلقة ( 25 )


استيقظ "مراد" من نومه ونظر الى "مريم" النائمة وهو جالس على الأريكة .. عزم أمره على اخبارها بكل شئ عن اعاقته وعن زواجه السابق .. اليوم سيخبرها بكل شئ وليكن ما يكون .. لن يتحمل هذا البعد أكثر .. إن أرادت أن تخرج من حياته فلتخرج لن يجبرها على البقاء ولن يرجوها لتبقى .. يعلم أن فى هذا عذاب شديد له .. لكنه أرحم من عذاب قربها وبعدها فى نفس الوقت .. إما أن تكون له .. أو لا تكون .. دخل الحمام ليأخذ دشاً وأخذ يفكر .. نعم عزم أمره واتخذ قراره بمصارحتها بكل شئ .. لكنه يعلم جيداً أن هذا العزم وهذا الإصرار لا يمنع قلبه من الخفقان خوفاً .. بنظرة واحدة منها إما أن يكسبها للأبد وإما أن يخسرها للأبد .. لن يرحمها ان رأى نظرة شفقة واحدة فى عينيها .. أو نظرة نفور .. كلاهما يبغضه .. كلاهما يقتله .. كلاهما يرفضه ..
الأولى رآها كثيراً فى عيون "ناهد" و أختيه وأصدقائه والممرضات فى المستشفى .. حتى قرر ألا يدع أبداً أحداً يراه بدون ساقه الصناعية .. مهما كان ومهما حدث .. لم يسمح لأحد أبداً منذ أن خرج من المستشفى أن يراه ناقصاً .. معاقاً .. عاجزاً .. لا يستطيع الحركة بدون ساقه الصناعية ..
والنظرة الثانية رآها فى عين زوجته السابقة .. النفور .. لم تكن نظرة .. بل خنجراً انغمس داخل قلبه .. لتسيل منه كل دمائه وتسقط أرضاً دون أن تأبى لها .. لن يتحمل رؤية أى من تلك النظرتين فى عيني "مريم" .. ان فعلت فسيلفظها لفظاً خارج حياته وللأبد .. ظل يتمنى شيئاً واحداً .. ألا يرى أى منهما فى عينيها .. الشفقة .. و النفور

****************************************
قالت "سارة" لـ "نرمين" على طاولة الطعام :
- لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق ان مامة "مراد" عايشة
ققالت "نرمين" بإستغراب شديد :
- ليه بابا الله يرحمه قالنا وقاله انها ماتت وان أخوه كمان مات ؟
قالت "سارة" بدهشة :
- وكمان مش قادرة اصدق ان "مريم" كانت مراة أخو "مراد" التوأم .. قصة ولا فى الأحلام
قالت "نرمين" متسائله :
- يا ترى ماما مضايقة من وجود مامة "مراد" هنا ؟
قالت "سارة" بسرعة :
- لا طبعا انتى مش عارفه ماما ولا ايه
ثم قالت بأسى :
- وكمان انتى شافيه حالها عامل ازاى .. صعبانه عليا اوى انها مبتتكلمش .. "مريم" بتقول ان ده حصلها بعد وفاة أخو "مراد"
قالت "نرمين" بحزن :
- زمان "مراد" زعلان عشانها أوى .. بس أكيد فى نفس الوقت فرحان انه شافها

************************************

استيقظت "مريم" ورأت "مراد" خارجاً من الحمام يحمل منشفته ابتسم لها قائلاً :
- صباح الخير يا كسلانه
ابتسمت بصعوبة وقالت :
- مش عارفه ليه حسه أكن حد كان بيضربنى طول الليل
انفجر "مراد" ضاحكاً .. وقال :
- برئ يا بيه .. مجتش جبمك
ضحكت هى الأخرى وقامت متكاسلة .. أوقفها "مراد" قائلاً وبدا عليه القلق وقال :
- "مريم" عايز أتكلم معاكى النهاردة فى حاجة مهمة
ظهرت علامات الجدية على وجهها وقالت :
- أنا كمان عايزة أكلمك فى موضوع مهم
قال "مراد" بإهتمام :
- عايزة تقولى ايه
سمعت طرقات دادة "أمينة" على الباب وهى تقول :
- الفطار يا سي "مراد"
قالت "مريم" بسرعة وهى تدخل الحمام :
- نفطر وبعدين نتكلم
وقفت "مريم" تنظر الى نفسها فى المرآة وهى تشعر بتوتر بالغ .. كيف ستخبره .. كيف سيتقبل الأمر .. تُرى ماذا سيكون رد فعله .. كان الأمر أهون حينما كانت تظن أن "زهرة" والدة "ماجد" فقط .. وأنها بالنسبة له زوجة أبيه .. أما وأنها والدته .. فقد إزدادت خوفاً على خوف .. لكن يجب اخباره .. لا حل أمامها سوى اخباره بكل شئ .. فليظن ما يظن .. لم يخطئ أحداً فى شئ .. ستخبره وليكن ما يكون

********************************************

انتهوا من تناول افطارهم وصعد "مراد" للإطمئنان على أمه .. جلس معها بعض الوقت ثم خرج ليبحث عن "مريم" .. قال فى نفسه يجب أن أنهى هذا الأمر الآن .. لن أنتظر أكثر .. صعدت "مريم" لتبحث عن "مراد" .. يجب اخباره بما تخفيه عنه .. "زهرة" لا تتكلم لكن "مريم" تتكلم .. ويجب أن يعلم .. تقابلا فى أعلى السلم .. وكل منهما يبحث عن الآخر .. ليخبره بالسر الذى يؤرق مضجعه .. نظر كل منهما الى الآخر بقلق وتوتر وخوف .. خوف من الخسارة .. خوف من أن تتبدل الأمور .. خوف من أن تتبدل المشاعر .. تحدث "مراد" أولاً وقال :
- تعالى فى المكتب
نزلت "مريم" معه وتوجها الى المكتب .. اغلق الباب ووقفا قبالة بعضهما البعض .. كل منهما ينتظر من الآخر أن يتحدث أولاً .. لتقل رهبته قليلاً .. قال "مراد" :
- ابدأى انتى يا "مريم" .. كنتى عايزه تقوليلى ايه
شعرت بالتوتر وبدا عليها الإرتباك .. فحثها "مراد" قائلاً :
- خير يا "مريم" .. اتكلمى
بلعت "مريم" ريقها بعصوبة .. ثم قالت وكأنها تريد ازاحة حمل ثقيل عن كتفيها :
- فى حاجة كنت مخبياها عنك .. بس صدقنى لو كنت أعرف ان ماما "زهرة" مامتك كنت قولتهالك من الأول .. لكن أنا مكنتش مدركه ان الموضوع هيخصك أوى كده وان ماما "زهرة" تبقى مامتك
قال لها بقلق :
- فى ايه يا "مريم" .. اتكلمى
قالت "مريم" وهى تنظر اليه لتتبين رد فعله :
- ماما "زهرة" .. تبقى ......
نظر اليها بإمعان قائلاً :
- تبقى ايه ؟
تنهدت ثم قالت :
- تبقى مراة بابا الله يرحمه
اتسعت عينا "مراد" دهشة .. حاول أن يستوعب ما قالت .. سألها وهو مصدوم :
- ماما كانت متجوزة باباكى انتى ؟ .. "خيري" اللى قتل وهرب
قال "مريم" بحده :
- بابا مقتلش حد .. مش بابا اللى قتل
صمت "مراد" قليلا ثم قال بحزم :
- مفيش داعى نفتح الموضوع ده لانى عارف كويس أوى ان مش بابا اللى قتل .. وان باباكى هو اللى قتل
صاحت "مريم" بغضب :
- بابا مقتلش حد .. فاهم .. بابا مقتلش حد
قالت ذلك ثم غادرت المكتب دون أن تنتظر سماع ما يريد قوله
خرجت "مريم" الى الحديقة وجلست فيها وهى تشعر وكأن الدنيا تنهار حولها وهى لا تستطيع فعل شئ لمنعه هذا الانهيار .. شعرت بالحنق والضيق من النبش فى الماضى خاصة ان كان مؤلماً .. تنهدت فى ضيق وهى تتذكر اتهام "مراد" لوالدها بالقتل .. تجمعت العبرات فى عينيها وهى تتذكر والدها الحانى التقى الطيب الذى لا يترك فرضاً والذى يشهد الناس له بحسن الدين والخلق .. لا يمكن أن يقتل .. لا يمكن .. اقترب منها "مراد" وجلس بجوارها .. نظرت اليه بعتاب ثم أشاحت بوجهها فى حده .. قال "مراد" بحنق :
- أنا آسف يا "مريم" .. مش قصدى أعيب فى والدك الله يرحمه .. أنا عارف انك كنتى بتحبيه أوى .. مكنش قصدى اشوه صورته أدامك
نظرت اليه "مريم" بحده وقالت :
- انت مشوهتش صورته أدامى ومحدش يقدر يشوه صورتى أدامى لانى عرفاه كويس .. وعارفه انه مستحيل يعمل كده
نظر اليها "مراد" بغضب وقال :
- وأنا عارف بابا كويس .. مستحيل بابا يقتل
قالت "مريم" بحزم :
- وأنا متهمتش باباك بحاجه .. كل اللى قولته ان بابا مقتلش .. لكن انت اتهمت بابا بالقتل .. أنا ما أسأتش الظن فى باباك لانى معرفوش .. لكن انت أسأت الظن فى بابا رغم انك متعرفوش ومتعرفش أى حاجه عنه
تنهد "مراد" قائلاً مصدقاً على كلامها :
- فعلاً معاكى حق .. مكنش لازم أقول اللى قولته .. مش عشان أدافع عن بابا يبقى أتهم باباكى
هدأت "مريم" قليلاً .. فالتفت اليها "مراد" وقال مرة أخرى بصوت منخفض :
- أنا آسف يا "مريم" متزعليش منى
نظرت اليه "مريم" ومازال شئ من الضيق فى عينيها .. فنظر اليها بحنان قائلاً :
- مبحبش أشوفك مضايقه
اختفى فجأة كل الضيق من عينيها لتبتسم وتنظر أرضاً .. التفت "مراد" تجاهها وامتدت أصابعه لتلعب بخصلات شعرها ..رفعت رأسها لتنظر اليه .. ودت أن يتحدث .. ودت أن يخبرها بكل مشاعره تجاهها .. ودت أن يؤكد لها ما تراه فى عينيه .. كانت عيناه تشعان حباً وحناناً .. شعرت بأن داخل هذا الرجل الذى يبدو عليه الغلظة والقسوة يوجد بحر من الحنان .. ودت لو غرقت فيه .. للأبــد ..
اقترب منها وقال بصوت متهدج :
- "مريم" .. أنا .....
نظرت اليه تنتظر بلهفه ما يريد قوله .. بدا وكأنه يعانى صراعاً بداخله .. بدا الخوف فى عينيه .. ودت لو علمت سبب هذا الخوف .. حثته قائله :
- انت ايه ؟
قال "مراد" بصعوبه وهو خائف من خسارتها :
- فى حاجة عنى لازم تعرفيها
صمت قليلاً ثم قال :
- هما حاجتين مش حاجة واحدة
نظرت اليه "مريم" وقالت برقه :
- ايه هما ؟
نظر اليها "مراد" بحنان ومسح بيده على شعرها برقه قائلاً :
- أنا كنت متجوز قبل كدة
لم تخبره "مريم" بأنها علمت ذلك من دادة "أمينة" .. تركته يكمل حديثه قائلاً :
- واطلقنا من 6 سنين
نظرت اليه دون أن تتحدث كان يراقب تعبيرات وجهها ونظرات عينيها .. شجعه هدوئها ونظراتها المشجعه على المواصله فقال :
- هى اللى طلبت الطلاق .. ومكنش فى حد فى حياتى قبلها .. ولا بعدها
صمت للحظة ثم احتواها بعينيه قائلاً بحنان :
- لحد من فترة قريبة .. فى واحدة قدرت تحرك قلبي نحيتها .. بعد ما كنت فاكر انه خلاص مات ومفيش حاجه تقدر تحركه
تعالى صوت دقات قلبها حتى كادت أن تسمعه بأذنيها .. صمتت وقد احمرت وجنتاها .. انتظرت أن يكمل كلامه .. قال "مراد" بتوتر :
- "مريم" .. الحاجة التانية اللى عايزك تعرفيها ........
أمسك بكفها يحتضنه بين كفيه .. رأت صدره يعلو ويهبط من سرعة تنفسه .. وبدا عليه الوجوم والإضطراب .. ضم كفها بين كفيه يحتضنه بقوة .. كما لو كان يخشى أن ينزلق هذا الكف من بين يديه مبتعداً بعدما يخبرها بأمر اعاقته .. كانت كل ذرة فيه تهمس .. لا تتركنى لن أحتمل بعدك ليس ذنبي ما أصابنى لست أنا من قدر أن أصاب بهذا .. اعاقتى لا تعوقنى عن ممارسة حياتى بشكل طبيعي .. لن تخجلى منى بين صديقاتك .. لن تشعرى بأننى مختلف عن أى رجل آخر .. فقط جزء من جسدى مبتور .. لم أرد بتره .. لكن الله أراد .. ساقى الصناعية تحل محل الجزء المبتور .. لن تشعرى بالنقص معى .. لن تسيري معى وأنتِ خجلة منى .. من يرانى لا يعرف بأمر اعاقتى .. لا يعرف بأن قدمى مبتور .. ليس ذنبي فلا تعاقبينى .. لا تحرميني منكِ .. لا تنظرى الى بشفقه لست فى حاجة الى شفقتكِ بل أنا فى أمس الحاجة الى حبك وحنانك الى مشاركتك لحياتى الى انجاب أولاد منكِ الى تكوين أسرة معكِ الى أن تكونى سكنى وأكون سكنك .. لا تتركيني يا "مريم" أنتى آخر أمل لى فى أن أحب وأُحب كأى رجل عادى .. لن أحب غيرك يا "مريم" لن أفتح قلبي لسواكى .. لا تطعنيني مثلما فعلت زوجتى السابقة ومثلما فعلت من تقدمت لها ومثلما فعلت كل من عرفت بإعاقتى .. كونى دوائى يا مريم ولا تكونى سبباً فى زيادة آلامى وأحزانى .. لن أحتمل بعدك فلا تحرميني منكِ .. بداخلى حب كبير لكِ فلا تتخلى عنه وعنى .. لن يحبك رجل مثلما أحبك .. لم يحبك رجل مثلما أحبك .. كونى لى زوجة وحبيبة ورفيقة طريقي .. وسأعطيكي قلبي عمرى وكل ما أملك
تكلم بقلبه دون أن يجرؤ على قول تلك الكلمات بلسانه .. شعرت "مريم" به .. وبمعاناته .. ودت لو علمت بسببها .. ودت لو طمأنته .. ودت لو علمت همه وما يؤرقه .. نظرت اليه .. فى انتظار أن يتكلم .. أن يبثها نجواه .. نظر اليها يتأملها .. نظر اليها ليعلم كيف سيكون رد فعلها .. كيف ستنظر اليه .. ماذا سيرى فى أعماق عينيها .. فتح فمه ليتحدث .. فقاطعه صوت "نرمين" التى تقول :
- أبيه أبيه .. طنط "زهرة" اتكلمت
هب "مراد" و "مريم" واقفين .. قال "مراد" بلهفه :
- بجد اتكلمت ؟
قالت "نرمين" مبتسمه :
- أيوة كنت أعدة معاها .. وفجأة لقيتها بتقولى (مراد)
ابتسمت "مريم" بسعادة وأسرع ثلاثتهم فى اتجاه غرفة "زهرة" .. جلس "مراد" بجوارها على الفراش وأخذ ينظر اليها بلهفه قائلاً :
- ماما انتى قولتى اسمى ؟ .. ناديتي عليا
ابتسمت "زهرة" وقالت بصعوبة وبصوت أجش للغاية :
- "مراد"
ثم قالت :
- ولدى
ابتسم "مراد" وعانقها عناقاً طويلاًوهو يقبل رأسها ويديها .. اغروقت عبرات الجميع بالدموع .. ابتسمت "مريم" وسط دموعها واقتربت من "زهرة" قائله :
- ماما "زهرة"
التفتت اليها "زهرة" قائله بنفس الصوت الأجش :
- "مريم" بنيتي
كانت سعادة "مريم" غامرة وهى تستمع الى اسمها من بين شفتى "زهرة" .. وكانت ايضاً سعادة "مراد" لا توصف .. فى هذه اللحظة دخلت "ناهد" وهى تقول بلهفه :
- فى ايه يا ولاد .. ليه كنتوا طالعين بتجروا كده ؟
قالت "نرمين" مبتسمه :
- طنط "زهرة" اتكلمت
ابتسمت "ناهد" واقتربت منها قائله :
- حمدالله على سلامتك
قالت لها "زهرة" بصوتها الاجش :
- الله يسلمك
ثم التفتت الى "مراد" تسأله :
- مين ؟
نظر "مراد" الى "ناهد" ثم الى "زهرة" وقال :
- دى أمى اللى ربتنى .. مراة بابا الله يرحمه
التفتت "زهرة" تنظر الى "ناهد" تطلعت المرأتان الى بعضهما البعض .. ثم تنهدت "زهرة" وقالت :
- الله يرحمه ويرحم جميع أمواتنا
قالت "ناهد" :
- اللهم آمين
التفتت "زهرة" الى "مراد" قائله بصوت متعب مبحوح :
- بدى أتحدث معاك كتير يا ولدى
قبل "مراد" يدها قائلاً :
- وأنا نفسي أتكلم معاكى كتير أوى يا أمى
ثم قال بحنان :
- بس ارتاحى دلوقتى وان شاء الله بكرة هنروح المستشفى عشان بس نطمن عليكي .. وان شاء الله لما نرجع نتكلم مع بعض زى ما انتى عايزه .. المهم عندى صحتك دلوقتى
قالت "زهرة" وهى تغمض عينيها شاعره بالوهن :
- ماشى يا ولدى .. ربنا يباركلى فيك

*************************************

كانت سهى فى عملها .. عندما رن هاتفها .. نظرت لتجد المتصل "سامر" .. أغلقت فى وجهه .. و فتحت الهاتف بعصبية وأخذت الشريحة كسرتها الى نصفين ثم ألقتها فى سلة المهملات .. وظلت تستغفر ربها .. و "مى" ترمقها بنظرات حانيه وتدعو لها فى سرها بالثبات

عادت "مى" الى بيتها لتستقبلها والدتها بلهفه قائله :
- يلا يا "مى" العريس زمانه على وصول
قالت "مى" بتأفف :
- طيب يعني أعمل ايه يعني افرشله الأرض ورد ؟
قالت أمها :
- ادخلى خدى شاور و اعملى ماسك وشك شكله باهت
قالت "مى" بحنق :
- والله أنا كده اذا كان عجبه
دخلت "مى" غرفتها وجلست على فراشها وهى تقول :
- يارب ولو مليش خير فيه اصرفه عنى يارب
دخلت الحمام وأخذت دشاً تهدئ به نفسها وتحد من توترها .. ارتدت ملابس محتشمة ولم تضع أى زينه كعادتها .. سمعت جرس الباب فشعرت بتوتر بالغ .. جلست على فراشها تستغفر ربها لتهدئ من روعها .. دخلت أمها تنظر اليها قائله :
- حطى على الأقل كحل .. عينك شكلها دبلان
قالت "مى" بحنق :
- مش حاطه حاجة أنا مبحطش ميك اب أدام أى راجل غريب .. مش هاجى أحط دلوقتى عشان جناب العريس
زفرت أمها قائله :
- طيب يلا اخرجى .. تعالى على المطبخ الأول خدى صنية الشاى
قامت "مى" ودخلت المطبخ مع أمها وقالت بضيق :
- ايه الحركات النص كم دى .. ما تدخلى انتى صنية الشاى يا ماما .. مش لازم يعني أنا اللى أدخلها
قالت أمها بحزم :
- "مى" اتفضلى الصنية وادخلى الصالون الراجل مستنى
أخذت "مى" الصنية وقالت لأمها بتوتر :
- هو لوحده ولا معاه حد
قالت أمها :
- لوحده
تقدمت "مى" من الصالون وهى تنظر أرضاً .. هتف والدها :
- اتفضلى يا عروسه
هتفت فى نفسها : عروسة ايه بس يا بابا
تقدمت "مى" تجاه الرجل .. لم ترفع عينها لتنظر الى وجهه .. قالت بصوت منخفض :
- اتفضل
مد يده ليأخذ منها فنجان الشاى قائلاً :
- متشكر يا آنسه "مى"
قفز قلب "مى" من مكانه عندما استمعت الى صوته .. رفعت نظرها لتنظر اليه .. شعرت بالصدمة .. "طارق" .. ارتجفت يداها وسقطت منها صنية الشاى فوق قدميه .. فقام يصرخ من الألم بعدما حرقه الشاى الساخن .. نظرت اليه مصدومة وهى لا تدرى ماذا تقول .. صرخ والدها فيها :
- ادخلى هاتى فوطة ولا أى حاجة
تسمرت فى مكانها للحظات ثم أسرعت الى الحمام وأحضرت الفوطة وأعطتها له وقد احمرت وجنتاها بشدة وقالت بإضطراب :
- أنا آسفة أنا آسفة أوى
قال "طارق" وهو يمسح الشاى عن يديه وبنطاله :
- حرقتيني فى الرؤية أمال بعد الجواز هتعملى فيا ايه
قالت بخجل وتوتر شديد بصوت على وشك البكاء :
- والله آسفة مكنش قصدى
قال "طارق" مبتسماً :
- كنت بهزر معاكى
نظر اليها أباها شذراً قائلا :
- اتفضل يا ابنى استريح .. وهدخل أشوفلك حاجة من عندى تلبسها
دخل والدها وتركهما .. فنظر اليها "طارق" قائلاً :
- أنا كنت حاسس انك ممكن تتصدمى بس مكنتش متصور انك هتدلقى عليا صنية الشاى
قالت بإضطراب وهى تتحاشى النظر اليه :
- بصراحة متوقعتش أبداً وبعدين بابا مقاليش على اسم حضرتك بالكامل
قال "طارق" :
- أنا اتعدمت ما أقولوش كنت عايزها مفاجأة
ثم ضحك قائلاً :
- وجت فوق دماغى
ابتسمت بخجل دون أن تنظر اليه .. فقال "طارق" هامساً :
- طيب بسرعة كدة قبل ما باباكى ييجي قوليلى هى مفاجأة حلوة ولا وحشة ؟
شعرت بالدهشة فلم تعتاده متحدثاً معها بتلك الطريقة .. صمتت ولم تجب .. فحثها قائله :
- بسرعة قبل ما الحكومة تطب علينا
قالت "مى" وهى مازالت تتحاشى النظر اليه :
- ممكن أسأل حضرتك سؤال
قال "طارق" مبتسماً :
- سؤال بس .. اسألى زى ما انتى عايزه
قالت "مى" بجديه :
- ممكن أعرف ليه اتقدمتلى ؟ .. ليه أنا بالذات رغم انك عارف انى عارفه انك ........
صمتت ولم تكمل فأكمل عنها قائلاً :
- رغم انى عارف انك عارفه انى كنت معجب بصحبتك .. مش كده ؟
شعرت "مى" بالغيرة تنهش قلبها وقالت بعصبية :
- أنا آسفة مش موافقة
همت بأن تقوم وتغادر لكنه أوقفها قائلاً :
- انتى على طول أفشه كده .. لا بقولك ايه أنا مبحبش كده .. بحب الصراحة .. يعني عشان ميحصلش مشاكل كتير بينا لما نتجوز ان شاء الله عايزك تتعودى انك تتكملى معايا فى كل حاجة مضايقاكى مش تقفشى وتقفلى الموضوع .. اتفقنا يا "مى"
رغم أن كلماته أسعدتها الا أنها قالت بحده :
- ايه الثقة دى ومين قال لحضرتك انى هوافق أصلاً
ابتسم لها ابتسامه عذبه وقال :
- أنا عارف ان مفيش بنت تقدر تقاومنى
رفعت رأسها لتنظر اليه لأول مرة منذ أن جلست .. نظرت اليه بحدة وغضب وقالت :
- يا سلام
لكنها وجدته مبتسماً وهو يقول :
- بهزر معاكى .. انتى اللى مفيش راجل يقدر يقاومك
شعرت بالخجل مرة أخرى وأبعدت نظرها عنه فقالت بصوت خافت :
- ليه يعني زيي زى أى بنت
قال "طارق" برقه :
- لا انتى مش زى أى بنت .. انتى بنت جدعه .. ومخلصة .. وخجولة .. وطيبة .. ومحترمة .. وملتزمة .. ودغرى .. وأمينة .. وصادقة
شعرت بالسعادة وهى تستمع الى اطراءه لها وكلماته التى كان كاللحن فى أذنيها .. فاكمل قائلاً :
- وجميلة وعجبانى
احمرت وجنتيها مرة أخرى ونظرت اليه بحده قائله :
- لو سمحت مينفعش كده
ابتسم قائلاً :
- هو أنا واحد واقف على ناصية الشارع بعكسك .. مش بقولك ايه اللى عجبنى فيكى وخلانى اتقدملك .. وبعدين انتى اللى سألتيني أصلاً
صمتت "مى" وهى تشعر بالحيرة بداخلها أرادت أن تتأكد من أمر واحد .. فقالت له :
- هسألك سؤال وعايزاك تحلف انك تحاوبنى بصراحة
قال فوراً :
- لأ
رفعت رأسها لتنظر اليه فقال "طارق" :
- اتعودى ان أى حاجة اقولها تصدقيها فوراً من غير حلفان وانتى أى حاجة تقوليها هصدقها فوراً من غير حلفان
ابعدت عينها مرة أخرى وابتسامه صغيره ترسم على شفتيها .. ثم اختفت تلك الابتسامه لتسأل بجدية :
- انت لسه حاسس بحاجة ناحيه "مريم" ؟ .. وبصراحة ومش هزعل
صمت "طارق" قليلاً .. شعرت بالتوتر خلال فترة صمته .. الى أن قال :
- أنا هحلف المرة دى بس لانك لسه متعرفيش "طارق" .. أقسم بالله العظيم من ساعة ما صحبي اتجوزها وحسيت انه بدأ يحبها ويتعلق بيها وأنا شيلتها من قلبي ومن عقلى تماماً .. ولو حاسس ناحيتها بأى حاجة مكنتش جيت اتقدمتلك انتى .. وأنا عارف ان انتى الوحيدة اللى كنتى عارفه بمشاعرى نحيتها لانك الوحيدة اللى قرأتى رسالتى ليها .. يعني لو حاسس بحاجة نحيتها فأكيد هختار أى واحدة تانية غيرك متكونش عارفه انى كنت هتقدملها
شعرت "مى" بأنها تصدقه بالفعل ..لكنها أرادت الإطمئنان أكثر فقالت :
- "مراد" صاحبك .. وأنا صحبتها .. يعني لو حصل نصيب هنبقى معرضين ان حد يجيلنا او احنا نروحلهم .. ازاى هنبقى أعدين مع بعض كلنا فى مكان واحد وأنا عارفه انك كنت حاسس بحاجه نحيتها
قال "طارق" بمرح :
- هو انتى عايزة تعدى معايا أنا و "مراد" ليه ان شاء الله .. هو انتى هتتجوزى راجل ولا شوال بطاطا .. انا معنديش النظام ده .. نظامى الرجالة فى حته والستات فى حته .. وحسك عينك تنطقى اسم "مراد" ولا أى حد من صحابى تانى
اتسعت ابتسامة "مى" رغماً عنها .. فأكمل بجديه :
- ياريت منتكلمش فى الموضوع ده تانى وننهيه دلوقتى حالا ونشيله ونرميه ورا ضهرنا .. عشان أن مش عايز أى حاجة تعكر حياتنا مع بعض
ثم قال بحنان :
- ماشى يا "مى"
أومأت برأسها ونظرت اليه مبتسمه وقالت بخجل :
- ماشى
جاء والدها يهتف :
- مش لاقى أى حاجة مقاسك يا ابنى
قال "طارق" بمرح :
- ولا يهمك يا عمى أنا خلاص قربت أنشف
ضحكت "مى" وهى تكتم بيديها صوت ضحكها .. ثم التفتت اليه قائله :
- معلش بجد آسفة
لمحت نظرت سعادة فى عينيه وهو يقول هامساً :
- ولا يهمك فداكى البنطلون وصاحب البنطلون

**************************************

قال محامى "حامد" بقلق :
- يارب الموضوع ده ميجبلناش مشاكل يا "حامد" بيه احنا مش ناقصين
ضحك "حامد" قائلاً :
- ميبقاش قلبك خفيف كده .. أنا ساعدته مش أكتر والباقى عليه هو
قا المحامى بقلق شديد :
- ربنا يستر
قال "حامد" بتهكم :
- يا متر قولتلك ميبقاش قلبك خفيف .. وبعدين هو أصلا ميعرفش مين اللى اتصل بيه .. متقلقش مفيش أى حاجة ضدى .. وبكرة نخلص كمان من القضية كلها لما "مراد" يتكل .. ساعتها القطة مش هتقدر تقف قصاد "حامد" أبداً وهعرف ازاى أنتقم منها على اللى عملته

**************************************
هتفت "مراد" فى الهاتف :
- ألف ألف مبروك يا "طارق" بجد فرحتلك من قلبي
قال "طارق" بسعادة :
- الله يباركلك يا "مراد" .. وزى ما قولتلك ان شاء الله الفرح هيكون خلال شهر
قال "مراد" ضاحكاً :
- ايه سلق البيض ده يا ابنى
ضحك "طارق" قائلاً :
- شوفت يا بنى .. أنا بحب أجيب من الآخر .. مش لسه هخطب و أكتب كتاب ومش عارف ايه .. لا احنا بنجيب من الآخر وبندخل على الفرح على طول
ابتسم "مراد" بسعادة قائلاً :
- ربنا يهنيك يا "طارق" ويسعدك .. وأحلى حاجة فى الموضوع .. انها صاحبة مراتى .. لانى بجد بعزك جداً يا "طارق" وانت بجد أخ ليا .. وصداقتك حاجة ليها قيمة كبيرة عندى
قال "طارق" مبتسماً :
- تسلم يا "مراد" انتى كما أخويا بجد .. وان شاء الله صداقتنا دى تفضل طول العمر
قال "مراد" بسعادة :
- ان شاء الله

***************************************

- ألف مبروك يا "مى" بجد فرحتلك أوى
صاحت "مريم" بهذه العبارة على الهاتف .. فقالت "مى" ضاحكة :
- تسلمى يا "مريم" الله يبارك فيكي
قالت "مريم" بلهفه :
- بس بجد مفاجأة جميلة أوى .. بجد مش مصدقة .. انتى بنت حلال وتستهلى كل خير يا "مى"
قالت "مى" بسعادة :
- ربنا يكرمك يا "مريم" انتى كمان بنت حلال وتستاهلى كل خير
صاحت "مريم" بسعادة كالأطفال :
- مش مصدقه أخيرا هيبقى في فرح وأحضره .. ياااه كان نفسي أوى أحضر فرح ..
قالت "مى" :
- بقولك ايه رجلك على رجلى أنا قدامى شهر واحد وعايزاكى معايا بجد
قالت "مريم" بحماس :
- طبعاً يا حبيبتى مش ممكن أتأخر عنك أبدا
صاحت "مى" بسعادة :
- أنا فرحانه يا "مريم" .. فرحانه أوى بجد .. لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق
ضحكت "مريم" قائله :
- لا صدقى يا حلوة .. والحقى اتمتعى بحريتك فى الشهر ده .. قبل ما تدخل القفص يا جميل
قالت "مى" بمرح :
- يا ستى قفص قفص المهم ندخل
ضحكت "مريم" بشدة وقالت :
- ده انت واقعه أوى
قالت "مى" ضاحكة :
- أعمل ايه بحبه بجد
قالت "مريم" مبتسمه :
- بس انتى ندله على فكرة .. عمرك يعني ما قولتيلى ولا لمحتيلى .. رغم انى فعلا كنت ساعات بحس بكده .. بس انتى عمرك ما قولتي أى حاجه
قالت "مى" :
- بجد يا "مريم" مكنتش قادرة اقول حاجة ولا حتى أتكلم مع نفسي فى الموضوع ده .. كنت بحاول أتجاهل احساسى .. لانى مكنتش عايزة أعمل حاجة غلط .. أنا عمرى ما هكون أبداً زى البنات اللى بتعمل البدع عشان تلفت نظر راجل ليها .. أنا مش كده لا دى تربيتي ولا أخلاقى .. وكنت حساه مش شايفنى أصلاً .. وعشان كده كنت بحاول انسى نفسي الموضوع ده
قالت "مريم" بمرح :
- أهو طلع شايفك ومعلم عليكي كمان
ضحكت "مى" قائله :
- انتى اتعلمتى اللغة دى فين ؟
ضحكت "مريم" قائله :
- "نرمين" ربنا يخليها بتروح الكلية وترجعلنا بمصطلحات غريبة
ثم قالت :
- بجد فرحانه عشانك يا "مى" ربنا يتمملك على خير ويسعدك دايماً يارب

*************************************

لم تستطع "مريم" التحدث مع "مراد" اليومين الماضيين بدا وكأنه يتهرب منها .. ومن الحديث معها .. منذ أن كانا فى الحديقة وقاطعتهما "نرمين" لم تعلم حتى الآن ماذا أراد أن يخبرها .. وهى لم تحاول الضغط عليه .. وانشغل طيلة اليومين الماضيين بفحوص والدته الطبية .. الى أن اطمئن الجميع على صحتها .. وشعر "مراد" بالراحة والطمأنينة .. فى هذا اليوم لم يأتى "مراد" الى غرفته انتظرته طويلاً ولم يحضر .. قررت أن تسأله عما كان يريد قوله عندما قاطعتهما "نرمين" .. خرجت "مريم" لتجد السكون يعم المنزل ظنت ان "مراد" فى مكتبه همت بالنزول لكنها توجهت أولاً الى غرفة "زهرة" للإطمئنان عليها .. طرقت الباب وفتحته لتجد "مراد" جالساً بجوار "زهرة" .. قالت بحرج :
- كنت فاكرة ان ماما "زهرة" لوحدها
قالت "زهرة" :
- تعالى يا بنيتي .. كنت لسه بجول لـ "مراد" يجوم يناديلك .. عايزاكى انتوا التينن
دخلت "مريم" وهى تتوجس خيفه .. كان "مراد" يجلس بجوار والدته على الفراش .. جلست على أحد المقاعد .. نظرت "زهرة" الى "مراد" قائله :
- دلوجيت يا ولدى أجدر أحكيلك كل شئ انت ومرتك
نظر "مراد" الى "مريم" ثم الى "زهرة" ثم قال :
- أنا عارف يا ماما .. "مريم" قالتلى انك كنتى متجوزه باباها
قالت "زهرة" :
- لا يا ولدى مش جصدى اكده .. آنى جصدى السبب اللى خلى بوك وأهلك يجولولك انى مت وان خوك مات
أرهفت "مريم" أذنيها تستمع الى كلام "زهرة" بإهتمام .. وكذلك فعل "مراد" الذى أولاها كل انتباهه .. تحدثت "زهرة" بضعف وقالت :
- زمان جوى .. وجت ما كنت بنت صغيره .. شفنى "خيري" الله يرحمه وكان رايد يتجوزنى
قال "مراد" مستفهاً :
- "خيري" .. اللى هو بابا الله يرحمه مش كده ؟
صمتت "زهرة" قليلاً ثم نظرت الى "مريم" قائله :
- لا .. "خيري السمري"
نظرت اليها "مريم" بدهشة .. وعقد "مراد" ما بين حاجبيه وحثها قائلاً :
- وبعدين يا ماما .. ايه اللى حصل ؟
أكملت "زهرة" بضعف :
- وبعدين رفضوا أهلى الجوازه .. لانى من عيلة "الهواري" .. و "خيري" من عيلة "السمري" والعيلتين دول كان بيناتهم عداوة كبيرة جوى .. وتار من زمان جوى جوى .. ومكانوش بيطيجوا بعض .. الكل رفض جوازى من "خيري" وآنى كنت بنت صغيره مكنش ليا رأى .. بعدها اتجدملى "خيري الهواري" أبوك يا ولدى كان يجربلنا .. وافجوا أهلى عليه .. لانه من نفس عيلتنا .. واتجوزته
ثم أمسكت بيد "مراد" وقالت بتأثر :
- قسماً بالله يا ولدى كنت مخلصة لأبوك طول فترة جوازنا
ثم قالت بأسى :
- بس الله يرحم حماتى ويسامحها .. بعد ما خلفتك انت و "ماجد" تعبت ودخلت المستشفى والدكاتره جالوا انى لازم أعمل عمليه واشيل الرحم .. جدر ومكتوب يا ولدى
نظر اليها "مراد" بتأثر فأكملت :
- حماتى معجبهاش اللى حوصل .. مع انه مرض مش بيدي ولا بيد حدا .. ده بيد اللى خلجنى وخلجك .. كانت بتحاول تخرب عليا بكل شكل .. وكانت بتترجى أبوك يتجوز عليا .. بس أبوك مرضيش يتجوز ولا رضى يسيبنى .. لحد ما اتفجت مع حريم فى البلد انهم يجولوا انهم شافونى مع "خيري السمري"
التفتت الى "مريم" تقول :
- أبوكى يا بنتى
اتسعت عينا "مريم" من الدهشة .. وألجمت الصدمة لسان "مراد" فنظرت "زهرة" الى "مراد" قائله بأعين دامعه :
- ظلمونى جوى وكل واحد منهم نهش فيا زى الكلاب السعرانه .. من غير أى دليل .. مجرد اشاعة وانتشرت وملت البلد
قالت "زهرة" بأعين دامعة وبلهجة حازمة :
- نسوا كلام ربنا نسوا انه جال : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " و كمان جال: " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ".. ونسوا كلام حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معشر من قد أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله " .. اللناس اللى بنتجل الاشاعات بدون أى دليل متعرفش ان بكلمة واحدة ممكن حياة انسان تتدمر وذنبه يبجى فى رجبتها طول العمر
صمتت قليلاً وقد بدا الألم فى عينيها يشى بمدى الأذى الذى تعرضت له .. قرب "مراد" كفه ووضعه فوق كفها .. اكملت قائله :
- بعدها أبوك طلجنى يا "مراد" .. جالى آنى مش مصدج عليكي اكده بس مجدرش أعيش معاكى وسط الخلج وهما بينهشوا فى عرضك
ثم قالت بأسى :
- وحرمنى منكوا انتوا التنين انت وأخوك يا "مراد"
أجهشت "زهرة" فى البكاء .. دمعت عينا "مريم" وهى تنظر اليها وتشعر بمدى الظلم والقهر الذى تعرضت له .. لانها ذاقت من نفس الكأس يوم اتهمها الناس بأنها على علاقة بـ "جمال" .. فكانت "مريم" أكثر من تشعر بها فى تلك اللحظة .. هدأت "زهرة" قليلاً فقال "مراد" بحنان :
- كفاية يا ماما .. انتى تعبتى ارتاحى شوية .. مش مهم كلام دلوقتى
قالت "زهرة" بتصميم :
- لا مهم لازمن أجول كل اللى كنت كتماه فى جلبى طول السنين اللى فاتت يمكن أرتاح
أكملت قائله :
- حاولت كتير أخدكوا أو حتى أشوفكوا انت وخوك .. بس حماتى كان جلبها جاسى جوى .. وكانت رافضه انى أشوف ضفر عيل منكوا .. وأبوك مكنش فى يده حاجه .. مكنش بيكسر كلمة لأمه الله يسامحها .. كانت ست جويه جادره
ثم أكملت :
- فى الفترة دى حصلت جريمة جتل فى عيلة "المنفلوطى" والعيلة دى كانت بتعادى العيلتين "الهواري" و "السمري" وكان فى بينهم مشاكل وبين الاتنين "خيري" من العيلتين .. ولما اتجتل ابن "حسن المنفلوطى " .. جالوا ان اللى جتله اسمه "خيري" لانه كتب اكده بدمه على الجدار .. وأقسم "حسن المنفلوطى" انه يجتل الاتنين "خيري" .. فالعيلتين اتحدوا مع بعض وهربوهم على "مصر" وجبل ما أبوك يهرب يا ولدى .. روحت حداهم فى بيت العيلة .. كان بدى أشوفك انت وأخوك .. لجيت "ماجد" بيلعب جدام البوابه .. محستش بنفسي الا وآنى بخطفه .. وبهرب بيه ..
ثم نظرت اليه وقالت بأعين دامعه :
- كان بدى أخدك انت كمان .. بس خفت أستنى أكتر من كده حدا يشوفنى .. ومحستش بنفسي أنى بعمل ايه .. خدت "ماجد" وطلعت أجرى بيه
تعالت شهقاتها وهى تجول :
- انا اتظلمت أوى أوى أوى وملقتش حل أدامى غير كده كان لازم أعمل كده .. سامحنى يا ولدى انتى سيبتك .. سامحنى
اقترب منها "مراد" معانقاً ايها قائلاً :
- مسامحك يا أمى .. مسامحك .. انتى مغلطتيش .. انتى اتظلمتى أوى .. ربنا ينتقم من كل اللى ظلمك
قالت "زهرة" بسرعة :
- آنى مسمحاهم يا ولدى .. مسمحاهم ربنا يغفر لكل اللى ماتوا
ثم أخذت نفساً عميقاً وأكملت قائله :
- بعد اكده عرفت بموضوع جريمة الجتل وعرفت انهم أكيد هيدوروا على ولاد "خيري" ويجتلوهم .. فإضطريت أهرب آنى كمان على مصر .. مكنتش أعرف حدا فيها واصل .. وسبحان الله يشاء ربك انى أهرب فى نفس اليوم اللى هرب فيه "خيري السمري" و "خيري الهواري" واتصدمت لما لجيتهم راكبين نفس الجتر .. وجلبى وجع فى رجلى .. وفضلت جاعده بعيد عنهم عشان ميشوفونيش .. بس عيني كانت على "خيري السمري" هو الوحيد اللى بعرفه واللى ممكن يساعدنى لانى معرفش حدا فى مصر .. بعد ما نزلنا من الجتر التنين اتفرجوا وكل واحد راح فى طريج .. مشيت ورا "خيري السمري" لحد ما التفت فجأة وشافنى .. جربت منه وبكيت بين يده وجولت له يساعدنى .. يساعدنى انى الاجى شغل وسكن عشان أعيش أنا وابنى .. بس ربك كان كريم جوى .. وجالى انه هيتجوزنى على سنة الله ورسوله .. ومحدش عرف بجوازنا الا أربعه .. أبوى الله يرحمه وهو اللى جه حدانا فى مصر وجوزنى له .. و "عبد الرحمن" و مرته .. و"بهيرة" عمتك يا ولدى
قال "مراد" بدهشة :
- عمتو ؟
قالت "زهرة" :
- ايوة يا ولدى .. اتصلت بيها وجولتلها انى اتجوزت على سنة الله ورسوله ولما ابنى "مراد" يكبر جوليله أمك ما غلطتش واصل ومعملتش أى حاجه يخجل منها
ثم غشت العبرات عينيها وهى تقول بصوت باكى :
- لكنها جالتلى ان أبوك جالك انى مت آنى وأخوك .. ساعتها حسيت انى مت فعلاً يا ولدى
ربت "مراد" على كتفها وقالت وهى تبكى :
- طول السنين اللى فاتت كان نفسى أشوفك مرة واحدة بس .. كان نفسي أجولك أنى عايشه ومظلومة يا ولدى .. ظلمونى وحرمونى منك غصب عنى يا "مراد"
تنهد "مراد" بألم .. وتساقطت العبرات من عيني "مريم" .. بدا على "زهرة" الإرهاق والتعب فقال لها "مراد" بقلق :
- ماما انتى كويسه ؟
أومأت برأسها فقال :
- طيب نامى واتراحى كفاية كلام كده .. نكمل كلامنا الصبح
غادر الاثنان الغرفة بعدما طلب من الممرضة الحضور وملازمة فراش أمه .. دخلت "مريم" الى الغرفة وجلست على الفراش واجمة .. دخل "مراد" وأغلق الباب ومسح وجهه بكفيه ثم نظر اليها قائلاً :
- انتى أول مرة تعرفى الكلام ده ؟
أومأت برأسها ايجابا وقالت :
- أيوة .. كل اللى كنت عارفاه ان بابا كان متجوز ماما "زهرة" بعد ما جوزها طلقها .. وانها جالها مرض وشالت الرحم ومعدتش بتخلف .. وبابا اتجوز ماما وخلفنى أنا واختى
ثم أكملت وهى شارده بحزن :
- ماما مكنتش بتحب ماما "زهرة" ومكنش فى اى علاقة بينهم وبابا كان معيش كل واحد فيهم فى شقة بعيده عن التانية .. ومبتدتش أشوف "ماجد" و اعرفه غير بعد ما أهلى ماتوا فى الحادثة .. وبعدها كتبنا كتابنا وكانت ظروفنا صعبة واضطريت أنزل أشتغل عشان مصاريف علاج ماما "زهرة" كانت كبيرة علينا لانها تعبت أوى بعد وفاة بابا وأصلا كان عندها ضغط عالى واعدت فترة كبيرة فى المستشفى وده اللى عطل جوازنا .. لحد ما عرفنا بمرض "ماجد" بس للأسف معرفناش الا فى مرحلة متأخره جدا ..
قالت بألم :
- كان بيبقى تعبان ويخبى عليا لحد ما وقع فى الشغل .. وعرفنا ساعتها ان المرض اتمكن منه تماما .. وماما "زهرة" تعبت أوى ومعدتش بتتحرك ولا بتتكلم واضطرينا نوديها الدار عشان ياخدوا بالهم منها لانى كنت بضطر انزل اشتغل .. لحد ما "ماجد" مات الله يرحمه
ساد الصمت طويلاً بينهما .. دخل "مراد" يغسل رأسه بالماء البارد .. ثم يجففه ويخرج من الغرفة دون القاء كلمة .. توجه الى مكتبه .. وظل غارقاً فى شروده وهو يفكر فى كل ما قيل .



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 09:53 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحلقة ( 26 )
،
،
تعب "مراد" من كثرة التفكير .. وقرر أن يدع الماضى وشأنه وأن يردم عليه التراب ويعيش اليوم ويخطط للمستقبل مع والدته و "ناهد" و اخواته و ... "مريم" .. هب واقفاً وتوجه الى غرفته ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. اقترب منها وجلس بجوارها يتأملها .. مسح على شعرها وأخذ يتذكر كم عانت مثلما عانت أمه من قبل .. تذكر أنها هى أيضاً طعنت فى عرضها مثلما طعنت أمه .. لكن الفرق أنه صدق ما قيل عن "مريم" .. تنهد فى أسى وانحنى يقبل رأسها .. وأمسك كفها الموضوع بجوارها ورفعها الى شفتيه يقبله وكأنه يعتذر لها عما بدر منه فى حقها .. تذكر فى تلك اللحظة عمته "بهيرة" يوم أن طلبت منه فى المستشفى الزواج من "مريم" .. وأصرت أن يتزوجها "مراد" .. أرادت من "مراد" أن يفعل مع "مريم" .. مثلما فعل أبوها مع أمه .. أحكم وضع الغطاء عليها وتوجه الى الأريكة .. شعر بألم فى ساقه .. فخلع الساق الصناعية وتركها فى مكانها تسد فراغ قدمه تحت الغطاء .. وغط فى سبات عميق .
استيقظت "مريم" لتجد "مراد" نائماً على الأريكة .. اذن فقد عاد من الأسفل دون أن تشعر به .. نهضت لكى تتوجه الى الحمام .. وفجأة .. وضعت يديها على فمها تكتم شهقتها ودهشتها وفزعها .. رأت "مريم" الساق الصناعيه واقعه على الأرض بجوار الأريكة .. أخذ قلبها يخفق بقوة وهى لاتزال تضع كفيها على فمها بقوة .. .. نظرت الى "مراد" لتجده نائماً .. اقتربت من الأريكة ببطء وهى تنظر لتلك الساق الموجودة على الأرض .. اقتربت أكثر لترى فى ضوء القمر المتسلل للغرفة الفراغ أسفل ساقه اليمني من فوق الغطاء .. أجهشت فى البكاء وكادت أن تعلو صوت شهقاتها لولا أنها أحكمت تكميم فمها بقوة .. تساقطت العبرات من عينيها ساخنة وجسدها يرتجف بشدة وهى تنظر الى الفراغ فى مكان ساقه .. رفعت نظرها الى وجه "مراد" واقتربت منه تنظر اليه نائماً .. كانت عيناها تشعان حزناً وألماً وعذاباً شديداً .. شعرت وكأنها اكتشفت بأن ساقها هى المبتوره .. نظرت اليه وهى تقول فى نفسها .. أهذا ما كنت تخفيه عنى ؟ أهذا ما كان يؤرق مضجعك ؟ .. أهذا ما كان يقلقك ويخيفك ؟ .. أهذا ما كنت أرى بسببه الألم والحيرة والقلق فى عينيك ؟ .. أهذا ما يبعدك عنى يا "مراد" ؟.. أهذا ما يبعدك عنى يا .. حبيبــى .. ؟ التفتت لتنظر الى الساق الملقاة على الأرض مرة أخرى .. اقتربت منها وحملتها .. ورفعت الغطاء برفق ووضعتها فى مكانها .. نظرت الى نهايه ساقه التى التحمت ببعضها فيما يشبه شكل الركبة المثنية .. شعرت بدموعها تنهمر مرة أخرى .. أحكمت وضع الغطاء عليه .. ثم اقتربت من رأسه وجثت بجواره وهى تنظر اليه .. قربت أصابع يدها من رأسه تتلمس شعره برفق .. ودت أن توقظه الآن وتخبره بكل ما يجيش داخل صدرها .. لكنها أرادت أن تفوق من صدمتها أولاً .. أرادت أن تكون مستعدة جيداً لتلك المواجهة .. وهى الآن أضعف ما يكون .. هى الآن كالطير الجريح .. لن تستطيع مداواته اذا كانت هى نفسها تشعر بالجرح .. غادرت الغرفة مسرعة وأغلقت الباب ووقفت أمامه تبكى بحرقة وهى تحاول التحكم فى مشاعرها دون جدوى .. كانت تشعر بألم شديد فى قلبها .. كانت تشعر بكل ألامه وعذابه وأحزانه كالطعنات فى قلبها هى .. وضعت كفها على الباب وأسندت رأسها اليه .. مرت دقائق وهى واقفة هكذا تحاول أن توقف شلال الدموع المنهمر من عينيها و امتداد الألم داخل قلبها .. مسحت دموعها وعندما شعرت أنها بدأت فى استعادة القليل رباطة جأشها توجهت الى غرفة "سارة" التى اذنت بها بالدخول .. قالت "مريم" وعيناها تبدوان شديدتا الإحمرار :
- صباح الخير يا "سارة"
قالت "سارة" وهى تنظ اليها بإمعان :
- صباح الخير "مريم" .. مال عينك
قالت "مريم" بإرتباك :
- مفيش عادى .. انتى عارفه الجو اليومين دول فيه تراب وبيوجع العين
ابتسمت "سارة" قائله :
- اها فعلاً الجو غريب اليومين دول
جلست "مريم" بجوار "سارة" على الفراش قائله :
- "سارة" عايزة أسألك عن حاجة
قالت "سارة" :
- خير يا "مريم"
قالت "مريم" بصوت مضطرب :
- عايزاكى تحكيلى ازاى "مراد" رجله اتبترت
قالت "سارة" بدهشة :
- هو محكلكيش ؟
قالت "مريم" بتوتر :
- عايزة اسمع منك انتى .. ومتسألينيش عن السبب
قالت "سارة" وهى مازالت تشعر بالدهشة من سؤالها :
- كانت حادثة
قالت "مريم" بإهتمام :
- ايه اللى حصل ؟
قالت "سارة" بحزن :
- كان هو وطليقته عندنا سمعناهم بيتخانقوا جامد فى الجنينة .. كانوا بيتخانقوا على موضوع الحمل .. هو كان عايز يخلف وهى عايزة تأجل .. نرفزته بكلامها .. خرج وساق العربية وطلع بيها .. وفجأة جلنا خبر انه عمل حادثة ونقلوه المستشفى .. بس للأسف رجله كانت متدمرة والدكاترة ملقوش حل الا فى البتر
كانت "مريم" تستمع اليها وعلامات الحزن على وجهها .. تخيلت شعور "مراد" وهو يتلقى خبر بتر قدمه .. تخيلت شعوره واحساسه وقتها .. تخيلت كيف كانت صدمته الأولى عندما رآى مكان البتر .. تخيلت ألمه من فقدانه لتلك الساق .. بالتأكيد شعور صعب وقاسي وغير محتمل
أكملت "سارة" بأسى شديد :
- كان "مراد" تعبان فى الأول لكنه كان راضى وصابر .. بس للأسف هى مكنش عندها ذرة احساس
التفتت اليها "مريم" بحده وقالت :
- طليقته تقصدى ؟
أومأت "سارة" برأسها وقالت بحزن :
- اتخلت عنه وطلبت الطلاق
شعرت "مريم" بنغزات الدموع كالشوك فى عينيها .. أكملت "سارة" :
- سمعناه وهو بيترجاها متسيبوش وتفضل جمبه .. وعدها انه هيركب رجل صناعيه ويمشى بيها زى الأول .. بس هى كانت مصرة على الطلاق
لم تعد "مريم" تحتمل حبس دموعها أكثر فانهمرت منها رغماً عنها وارتجف جسدها بقوة .. أكملت "سارة" بحزن وهى شاردة كأنها ترى شريط ذكريات أمام عينينها :
- فى ساعتها رمى عليها اليمين وطلقها .. اتعذب أوى .. واتألم أوى .. واتغير أوى .. خاصة لما عرف انها اتجوزت .. كان يوم صعب أوى بالنسبة له .. كنا حسين انه بيموت أدامنا واحنا مش قادرين نعمله حاجه .. بعد الموضوع ده بسنتين فكر انه يرتبط تانى .. كان فى بنت بتشتغل عنده فى الشركة أعجب بيها .. وكلمها انه هيتقدملها .. البنت وافقت وكانت مبسوطة .. ولما راحلها البيت عرفها بموضوع رجله
نظرت اليها "مريم" بإمعان .. فقالت "سارة" بحزن :
- لما عرفت رفضته
شعرت "مريم" وكأنها طعنت فى قلبها مرة أخرى .. أكملت "سارة" :
- من ساعتها رفض الارتباط تماما .. وكان بيرفض أى عروسة ماما بتجيبهاله
ثم نظرت الى "مريم" مبتسمه وقالت :
- لحد ما قابلك انتى يا "مريم" .. متتصوريش فرحنا أد ايه بجواز "مراد" وفرحنا اكتر لما عيشتى معانا وعرفناكى وحبيناكى
ثم قالت :
- كنت خايفة "مراد" يفضل لوحده وميتجوزش تانى .. بس هو برده معذور كان خايف انه يتعرض للرفض مرة تانية أو انه يرتبط بواحده يحس انها حسه نحيته بالشفقة
التفتت الى "مريم" قائله بحزن :
- تعرفى انه مش بيرضى أبداً يخلى اى حد مننا يشوفه من غير رجله الصناعية .. حتى ماما مبيرضاش يخليها تشوفه كده
كان كل تفكير "مريم" منحصر فى "مراد" وفى الألم الذى لاقاه .. كم عانى فى حياته .. كيف استطاعت زوجته السابقة أن تتخلى عنه وتتركه بمفرده يعانى وسط آلامه .. كيف تركت يده فى منتصف الطريق .. كيف تخلت عنه وهو فى أمس الحاجة اليها .. هذه تعد خيانـــة .. بل أشد أنواع الخيانة .. شعرت "مريم" بغضب شديد تجاهها .. وبألم شديد تجاهه .. طرقت "نرمين" الباب لتخبرهم بأنه تم الانتهاء من اعداد الفطور .. دخلت "مريم" غرفة "مراد" لتجده غير موجود بها .. نظرت الى الأريكة بأسى .. دخلت وغسلت وجهها وبدلت ملابسها ونزلت للأسفل
كان "مراد" جالساً فى مكانه على رأس الطاولة .. خفق قلبها لرؤيته .. دون وعى منها نظرت وهى تدخل الغرفة الى ساقه التى تبدو وكأنها ساق طبيعيه .. شعرت بوغزات الدموع فى عينيها مرة أخرج لكنها حاولت التماسك .. جلست تنظر اليهم وهما يتحدثون ويمزحون دون أن تشاركهم الحديث .. كانت كل مشاعرها وحواسها موجهه الى الرجل الجالس بجوارها والذى لا تستطيع النظر اليه حتى لا يرى الألم الذى تنطق به عينيها .. كان "مراد" يتابعها وهى تحرك الطعام أمامها وتتظاهر بالأكل دون أن تأكل بالفعل .. كان يتابعها بإهتمام .. استأذنت وقالت :
- انا شبعت .. هخرج أتمشى فى الجنينة شوية
قالت "ناهد" :
- ماشى يا حبيبتى
خرجت "مريم" وجلست فى مكانها المعتاد فى الحديقه نظرت الى الشجرة التى سقطت منها الحمامة .. تذكرت يوم أن قالت له بأنها أشفقت على الحمامة لأن جناحها مكسور .. أخذت تتساءل .. تُرى هل آلمه كلامها .. هل ظن أنها ستشفق عليه كإشفاقها على الحمامه ؟ .. زفرت بضيق وهى تتمنى لو لم تقل تلك الكلمات وقتها .. سمعت صوته خلفها .. تسلل الى أذنيها ليقفز قلبها فى جنون :
- "مريم"
التفتت تنظر اليه .. الى هذا الرجل الذى أحبته بكل كيانها .. نظر اليها بإمعان قائلاً :
- "مريم" فى حاجة مضايقاكى
حاولت التحدث لكن الكلمات أبت أن تخرج .. تفرس فيها وهو يقول بإهتمام :
- مالك ايه مضايقك
شعرت بحنين شديد اليه .. شعرت بأنها تريد أن تلقى بنفسها بين ذراعيه وتطيب جراحه .. تريد أن تطمئنه وأن تخبره أنها ليست كتلك النسوة اللاتى قابلهن فى حياته .. لن ترفضه أبداً .. أرادت أن تصرخ فيه لا تخف منى لن أخذلك .. لن أجرحك .. لن أؤلمك .. لن أتركك .. تعلقت عيناه بعينيها يخترق أعماق روحها قال بصوت متهدج :
- "مريم" مالك .. فى حاجة تعباكى ايه هى
حاولت التحدث مرة أخرى ففشلت .. اقتربت منه وأحاطت عنقه بذراعيها وتركت لعبراتها العنان .. شعر "مراد" بالدهشة وهو يراها بين ذراعيه .. أحاطها بذراعيه هو الآخر .. ضمها اليه بشدة .. وتمسك بها كالغريق الذى يتعلق بالشئ الذى يبقيه على قيد الحياة .. شعر "مراد" بقلبه يقفز فرحاً لقربه منها .. ضمها اليه يخشى مفارقتها .. شعر بالخوف مرة أخرى من ردة فعلها ان علمت بإعاقته .. شعر بأنه يخدعها .. شعر بأنه غير أمين معها .. استدرج عواطفها وهى لا تعلم شيئاً عن ظروفه .. أخذ يلوم نفسه قائلاً .. هذه ليست رجولة يا "مراد" .. أبعدها عنه .. وهو لا يتمنى غير قربها منه .. أرغم نفسه على أن يمسك بذراعيها ليفك الطوق الذى كونته حول رقبته .. ابعدها عنه برفق .. لم تغضب "مريم" .. فهى تعلم لماذا فعل ذلك .. تعلم لماذا أبعدها عنه .. أصبحت تفهم تماماً نظراته وكلام عينيه الغير مسموع .. ابتعدت .. أرادت أن تترك له فرصته .. فى أن يستعد لمواجهتها .. كما أخذت هى فرصتها فى الإستعداد لمواجهته .. ابتسمت له .. أخذ ينظر اليها يحاول أن يفهم ما تفكر فيه وما تشعر به .. كانت لغة العيون هى اللغة السائدة بينهما .. والتى تهيمن على باقى اللغات .. بدا وكأنه هدأ .. وكأن نفسه قد طابت .. وظهرت الراحه على محياه .. وابتسم .. كيف لها أن تفعل ذلك ؟ .. كيف تستطيع أن تهدئ من روعه بنظرة واحدة .. بإبتسامه واحدة .. شعر بأنها دواءه .. وفيها أسباب شفاءه .. قالت "مريم" وهى مازالت محتفظة بإبتسامتها :
- نفسى فى درة مشوى على الفحم
نظر اليها "مراد" بدهشة للحظة ثم انفجر ضاحكا وهو يقول :
- أفندم .. درة مشوى على الفحم
قالت بمرح طفولى :
- أيوة درة مشوى على الفحم ايه متعرفوش
ابتسمت عيناه قبل شفتاه وهو يقول بدهشة :
- لا أعرفه .. بس ايه اللى فكرك بيه دلوقتى
هتفت بمرح :
- نفسي فيه أوى
قال وقد اتسعت ابتسامته :
- طيب أجيبهولك منين دلوقتى
قالت بتحدى :
- اتصرف مش انت الراجل .. اتصرف مليش دعوة عايزة آكل درة
نظر اليها قليلا ثم اقترب منها ونظر الى يدها وأمسكها فى يده قائلاً وهو ينظر اليها بمرح :
- طيب عندى فكرة .. ايه رأيك نهرب فى الخباثه ونروح نشوفلنا أى حد بيبيع دره
قالت هامسه :
- موافقه .. يلا بسرعة قبل ما حد يشوفنا

على الكورنيش جلسا متجاورين .. ابتسم وهو ينظر اليها وهى تأخذ حبة فحبة من الدرة وتضعها فى فمها .. التفتت اليه وابتسمت بخجل قائله :
- ايه ؟
ضحك قائلاً :
- لما بشوفك بتاكلى بحس ان عصفورة بتاكل
قالت بمرح ودلال :
- كويس معنى كدة انى رقيقه
ابتسم لها .. لمح شيئاً على زاوية فمها فأزاله بإصبعه .. نظرت اليه مبتسمه بخجل .. تعلقت عيناه بها مبتسماً .. وقال هامساً :
- تعرفى انك بتحسسيني بحاجات كتير مختلفه .. كل شوية أحسن انك واحدة شكل
قالت بإستغراب :
- ازاى يعني ؟
قال شارداً :
- ساعات بحس انك عاقلة أوى وتقيلة اوى .. وساعات بحس انك عصبيه أوى ونرفوزه .. وساعات بحس انك حنينه أوى ورقيقة أوى .. وساعات بحس انك طفلة أوى
نظر اليها قائلاً بمرح :
- اعترفى انتى مين فى دول ؟
ابتسمت قائله بمرح :
- أنا كل دول فى بعض .. كولكشن يعني
رفع حاجبيه قائلاًً بتحدى :
- بس انتى النهاردة مختلفة .. أول مرة أشوفك مرحة كدة
قالت "مريم" بعتاب :
- قصدك انى كئيبة يعني ؟
قال "مراد" مبتسماً :
- لا طبعا مش قصدى كدة .. بس انتى جادة على طول .. واول مرة أشوفك طفوليه كده .. وشقية كدة .. يا ترى ايه سبب التغيير ده
قالت "مريم" بشئ من الحزن :
- ده مش تغيير ..تقدر تقول ان ده عودة لطبيعتى .. اللى شوفته فى حياتى هو اللى خلانى جادة أوى وكئيبة أوى .. بس أنا مكنتش كده زمان .. لما بابا وماما واختى اللهم يرحمهم كانوا عايشين
شعر "مراد" بالأسى تجاهها وقال :
- ربنا يرحمهم
صمت قليلاً ثم قال :
- يعني انتى بدأتى تحسي انك رجعتى لطبيعتك تانى
قالت :
- أيوة
نظر اليها قائلاً :
- ليه .. ايه اللى رجعك لطبيعتك دى تانى ونساكى اللى شوفتيه فى حياتك ؟
صمتت وهى تنظر اليه .. لمحه نظرة فى عينيها أذابت قلبه داخل صدره .. قالت هامسه :
- انت .. وجودك فى حياتى خلانى أنسى كل الظروف الصعبة اللى مريت بيها
خفق قلب "مراد" وهو يستمع الى كلماتها .. أشاح بوجهه عنها ونظر أمامه .. بدا عليه التفكر .. ثم عاد ينظر اليها مرة أخرى قائلاً بصوت مضطرب :
- يلا نروح عشان منتأخرش
لم تعترض "مريم" .. فهى تعلم أن صراعاً كبيراً يدور بداخله .. تفهمه وتتفهمه جيداً

************************************************** ***

كان حفل خطوبة "نرمين" بسيطاً بين أفراد العائلتين فقط فى الفيلا .. كانت "نرمين" تشعر بالسعادة بإرتباطها بـ "أحمد" ابن خالتها والذى تعرف عنه حسن الخلق والتدين .. قدمت له أمه علبه الشبكة فقال لها مبتسماً :
- لبسيها انتى يا ماما
ابتسمت أمه وهى تلبس ابنة أختها الشبكة وتعالت الزغاريد فى البيت .. كانت سعادة "أحمد" كبيرة وقد تمت خطبته على أحب انسانه الى قلبه .. كم قضى سنين طوال يتمناها زوجة له .. لكنه لم يجرؤ يوماً عن الإفصاح عن هذا الحب احتراماً لثقة أخيها فيه .. وخوفاً من فعل شئ يغضب الله عز وجل فيذهب ببركة زيجتهما .. فرح "أحمد" أكثر عندما وافق "مراد" و "ناهد" على الخطوبة السريعة والتى استغرقت أيام قلائل .. اتفقوا على أن يكون الزفاف فى نهاية العام الدراسى ..
بعد انتهاء الإحتفال بالثنائى اجتمعت الفتيات فى غرفة "نرمين" أخذن ينعمن بالحديث والمزاح ..
شعرت "زهرة" بالنوم فدثرها "مراد" وبقى بجوارها الى أن نامت .. ثم توجه الى غرفة "نرمين" فرآى ثلاثتهن معاً فابتسم قائلاً :
- شكلكوا وانتوا متجمعين مع بعض كده مش مريحنى
ضحكت الثلاث فتيات وقالت "نرمين" ضاحكه :
- ليه بأه يا أبيه هنكون بنتفق يعني على سرقة بنك
التفت الى "مريم" قائلاً :
- مش هتنامى
همت بأن تجيبه لكن "نرمين" قالت :
- لا مش هتنام دلوقتى يا أبيه ..احنا عمالين نرغى ونلوك لوك سيبها تلوك معانا .. وبعدين احنا سهرتنا النهارده للصبح
اتسمعت ابتسامته قائلا ً:
- ماشى لوك لوك براحتكوا
انصرف "مراد" عائداً الى غرفته .. جلس على الأريكة ورفع طرف بنطاله وأزاح الساق الصناعيه قليلاً مستغلاً عدم وجود "مريم" فى الغرفة
بحثت "مريم" عن هاتفها فلم تجده .. قالت لـ "نرمين" :
- مش لاقياه رنى عليا كده
اتصلت بها "نرمين" وقالت :
- بيرن .. شكلك نسيتيه تحت
قالت "مريم" :
- لا أنا طلعت بيه .. شكلى نسيته فى الأوضة .. هروح أجيبه وأرجعلكوا
قالت "سارة" :
- ماشى مستنيينك بس اوعى تتأخرى
توجهت الى غرفة "مراد" الذى سمع صوت هاتفها الموضوع على الكمودينو .. هم "مراد" بأن يرتدى ساقه الصناعية مرة أخرى ليذهب اليها ويعطيها هاتفها .. كانت "مريم" معتاده على طرق الباب لكنها لم تطرقه هذه المرة لظنها بأنه عاد الى غرفة "زهرة" بعدما تحدث معهن .. فتحت الباب ودخلت ليتسمر كلاهما فى مكانه .. شعر كل منهما برجفه تسرى فى جسده .. وكأن ماساً كهربائياً أصابهما معاً .. لم يكن "مراد" قد ارتدى ساقه الصناعيه بعد .. تطلع كل منهما الى عين الآخر .. وكل منهما يحبس أنفاسه .. كانت صدمة "مراد" كبيرة .. أرادها أن تعرف لكن ليس بتلك الطريقة .. ليس فجأة .. أراد أن يمهد لها .. ويشرح لها .. لا أن ترى الفراغ فى ساقه .. لا أن ترى أعاقته ونقصه التى يخفيها عن أعين الجميع .. أرادها أن تعرف لكنه لم يريدها أن ترى .. ظل حابساً أنفاسه مطولاً وهو متجمد فى مكانه من الصدمة .. كانت "مريم" تشعر بما يشعر به فى تلك اللحظة .. تعلم أنه كره دخولها عليه الآن .. وكره أن تراه هكذا .. وكره أن تطلع على اعاقته بتلك الطريق .. كانت ترى فى عينيه الخوف والجزع والألم والحيرة والصدمة والتردد والقلق .. عاد "مراد" يتنفس مرة أخرى .. لا بل يلهث وكأنه يبذل مجهوداَ شاقاً .. خفض بصره ونظر أرضاً .. شعر بأنه غير مستعد لتلك اللحظة بعد .. غير مستعد لأن يخسرها .. غير مستعد لأن يرى فى عينيها نظرة يرفضها .. وتدفعه لأن يبتعد عنها ويبعدها عنه .. وقفت "مريم" فى مكانها تنظر اليه .. شعرت بالدموع التى همت بأن تتجمع فى عينيها .. لكنها منعتها قسراً .. وأوقفتها قبل أن تظهر داخل عينيها .. كانت تعلم مدى حساسية الأمر بالنسبة لـ "مراد" كانت تعلم أن كلمة واحدة أو نظرة واحدة منها من شأنها أن تنهى كل شئ بينهما .. مدت يدها وأغلقت الباب .. ووقفت مكانها .. كان "مراد" مازال ينظر أرضاً لا يجد فى نفسه الجرأة ليرى نظرات عينيها .. أو تعبيرات وجهها .. كانت "مريم" تشعر بتوتر بالغ .. خافت أن تخسره فى لحظة .. خافت أن يسئ فهم مشاعرها تجاهه فيحكم عليها بفراقه .. تقدمت منه ببطء .. كلما اقتربت خطوة ازدادت خفقات قلبه سرعة .. طال الصمت .. كان يتنظر "مراد" أن تتحدث .. أن تسأل .. أن تستفهم .. أن تعاتب .. أن تغضب .. لكن طال انتظاره .. حاول أن يرفع رأسه لينظر داخل عينيها .. لكن خوفه من خسارتها منعه .. فجأة وجدها وقد جثت على ركبتيها أمامه .. حبس أنفاسه .. نظرت "مريم" اليه وهى تسمع صوت خفقان قلبها .. وتساءلت تُرى أهذا صوت خفقان قلبي أم قلبه ؟ .. نظرت الى الساق المبتور والساق التى مازال يمسكها بيده .. نظرت الى وجهه تتمنى أن يفهم .. أن يفهم أنها لا تأبى لتلك الإعاقه .. وأنها لا تعنى لها شيئاً .. مدت يديها وأمسكت منه الساق الصناعيه .. شعرت برجفة جسده وانتفاضته .. سمعت صوت تنفسه رأت ارتعاشة يده .. شعر "مراد" بالدهشة وهو يراها جاثيه على ركبتيها تحت أقدامه تمسك بساقه الصناعية .. وأخيراً رفع رأسه لينظر اليها عندما بدأت فى محاولة تثبيتها فى ساقه المبتور .. أخذ يتأمل وجهها وعينيها التى كانت مثبته على الساق .. كان يلهث بشدة وقد ازداد اضطرابه .. لا يعلم كيف سمح لها بأن تفعل .. وبأن تكون قريبه منه هكذا وبأن تراه هكذا .. انتهت "مريم" من مهمتها التى استغرقت بعض الوقت لجهلها بطريقة تركيبها الصحيحة .. الى أن نجحت فى ذلك .. ثم رفعت رأسها تنظر اليه .. شعر "مراد" برجفه فى كل أوصاله وهو ينظر اليها وهى قريبة منه الى هذا الحد جاثيه على ركبتيها تحت قدميه .. بحث فى عينيها عن نظرة نفور ورفض فلم يجد .. بحث عن نظرة شفقه وعطف فلم يجد .. لم يجد الا نظرة حب وشوق وابتسامه صغيرة ترتسم على محياها وهى تتطلع اليه .. أخيراً وجد فى نفسه القدرة على الكلام .. قال بصوت مبحوح :
- عرفتى امتى ؟
قالت "مريم" بهدوء وهى تنظر اليه :
- من كام يوم
قال "مراد" بجمود :
- مين اللى قالك ؟
قالت بهدوء :
- محدش قالى .. بس وانت نايم خدت بالى
نظر اليها "مراد" بغضب وقال بحده :
- وليه ما قولتليش انك عارفه
قالت "مريم" مبتسمه :
- لان الموضوع مش فارق معايا أصلاً
سمع "مراد" كلماتها فهب واقفاً .. وقفت فى مواجهته هى الأخرى .. كان عصبياً للغاية .. وكأنه فاق من صدمته للتو وبدا يعي ما حدث .. قال بصرامة :
- يعني ايه مش فارق معاكى ؟
توترت "مريم" وقالت بهدوء ونظرة رجاء فى عينيها :
- يعني مش فارق معايا .. اللى شوفته دلوقتى لا قلل ولا زود حاجه جوايا .. أكنى مشفتش حاجة
صاح بعصبيه وهو يلهث بشدة :
- أيوة ابتدينا تمثيل .. عايزة تفهمينى يعني انك مفيش مشاكل عندك انك ترتبط بواحد رجله مبتوره .. وان زيه زى أى راجل تانى
قالت بهدوء وقد بدأت الدموع تتجمع فى عينيها :
- أيوة مفيش مشاكل عندى
صاح بحده :
- أنا بأه عندى مشاكل .. مش عايز أرتبط بواحده فى يوم من الأيام تقولى أصلك معاق .. ولا واحدة بترد الجميل اللى عملته معاها بإنها توافق تتجوزنى
قالت "مريم" بصوت خافت :
- أنا لا دى ولا دى
صمت "مراد" وهو يشعر بتوتر كبير بداخله .. قال وكأنه يقنع نفسه قبل أن يقنعها :
- انتى من حقك تختارى الراجل اللى انتى عايزاه .. مش حاجة مفروضه عليكي .. واحنا المرتين اللى تجوزنا فيهم كان الجواز منى مفروض عليكي
صمت وهو يشعر بألم فى قلبه وقال بصوت متقطع :
- انتى مش مجبره انك تعيشي معايا .. ولا مجبره ترديلى أى جميل .. بكرة ان شاء الله ..........
قاطعته قائله بمراره والدموع تتساقط من عينيها :
- بكرة ايه ؟ .. هتطلقنى تانى ؟
نظر اليها يرقب الألم فى عينيها والدموع التى تبلل وجهها .. خفق قلبه لمرآى دموعها .. قالت "مريم" بصوت باكى :
- عايز تسيبنى لوحدى تانى .. وتبعد عنى تانى .. وتحرمنى منك تانى
ثم قالت :
- لو كررتها تانى مش هسامحك أبداً يا "مراد"
اقترب منها "مراد" ووجه ينطق بالألم أخذ يمسح العبرات على وجهها بأطراف أصابعه وهو يقول بصوت مضطرب :
- "مريم" بطلى عياط لو سمحتى
قالت بعتاب وهى مازالت تبكى :
- انت اللى بتخليني أعيط .. انتى اللى عايز تألمنى .. ليه يا "مراد" بتعمل فيا كده
شعرت برعشة كفيه وهما يحتويان وجهها يقول بحنان جارف :
- انا مستحيل أألمك .. انتى متتصوريش دموعك بتعمل فيا ايه .. أكنها سكاكين بتقطع فى قلبي
ثم قال بألم :
- أرجوكى بطلى عياط
توقفت عن البكاء وقد هدأت قليلاً .. قال لها "مراد" وهو ينظر الى عينيها بعمق :
- مش عايزك تندمى أبداً انك اخترتيني .. مش عايزك أبداً تحسي انك كان ممكن تتجوزى واحد أحسن منى .. مش عايزك تحسي أبدا انك اتظلمتى معايا
قالت "مريم" بثقه وهى تحتضن بيدها كفيه اللتان يضعهما على وجهها :
- أبداً .. عمرى ما هندم أبداُ
قال "مراد" بشك :
- واثقة يا "مريم"
ابتسمت قائله :
- أيوة واثقة
مسح العبرات التى مازالت عالقة على وجهها وقال لها بحنان :
- مش عايزك تعيطى تانى .. اتفقنا
أومأت برأسها وهى تنظر اليه بسعادة .. ارتسمت ابتسامه عذبه على شفتي "مراد" وهو يتطلع اليها .. أحاطها بذراعيه معانقاً اياها بقوة .. شعرت "مريم" بين ذراعيه كما تشعر معه دائماً .. بالأمان .. أغمضت عينيها وأخذت تتمسح بوجهها فى صدره كالقطه .. أبعدها "مراد" عنه لينظر فى عينيها بحب قائلاً بصدق شديد :
- بحبك يا "مريم"
شعرت بقلبها يرقص فرحاً .. وشعرت بالدموع تتجمع فى عينيها من جديد .. فقال محذرا :
- قولتلك مفيش عياط تانى
أومأت برأسها وهى تتعلق بعينيه وتبتسم بسعادة .. تأمل "مراد" نظرة الحب فى عينيها والابتسامه التى تفصح عن سعادتها بقربه .. اطمئن قلبه وشعر بأنه أخيراً وجد لقلبه ساكن .. ساكن أمين .. انحنى يقلبها بحب وشوق .. ويدخلها الى عالمه الخاص

استيقظت "مريم" بسعادة .. نظرت الى ضوء الصباح المتسلل من النافذة وهى تشعر بأن هذا الصباح مختلف .. ليس كأى صباح مر عليها من قبل .. التفتت لتنظر الى "مراد" النائم بجوارها .. وكأنه شعر بنظراتها .. فتح عينيه ببطء .. وتطلع الى وجهها الذى يعشقه .. ابتسم بسعادة قائلاً :
- ايه ده القمر والشمس طالعين مع بعض فى وقت واحد
ضحكت بخجل .. مسح على رأسها بيده مقبلاً اياه .. اعتدلت فى الفراش بخجل وهى تنظر الى الساعة هاتفه :
- ايه ده احنا اتأخرنا أوى عليهم
قال "مراد" وهو ينهض هو الآخر :
- أصلاً المفروض عندى معاد مع "طارق" دلوقتى .. قالت "مريم" :
- وأنا كمان المفروض أقابل "مى"
مسح "مراد" بأصابعه على وجنتها قائلاً :
- خدى العربية معاكى .. لولا انكوا بنتين مع بعض كنت روحت معاكى
ضحكت قائله :
- لا طبعاً مش هينفع تيجي
قال "مراد" بقلق وهو يتطلع اليها :
- موبايلك معاكى لو حصل أى حاجه كلميني وخليكوا فى الأماكن اللى حددتيها وقولتييلى عليها امبارح .. متروحوش فى مكان تانى الا لما تعرفيني
ابتسمت قائله :
- حاضر
ابتسم وهو يتطلع اليها بحب قائلاً :
- يا مطيع انت
ضحكت بخجل .. رن هاتفه فنظر اليه قائلاً :
- "طارق" .. أكيد بيستعجلنى .. أصلنا رايحين شركة حراسة عشان أختار السيكيوريتي اللى هحطهم على بوابة الفيلا
أنزل "مراد" قدميه وأخذ الساق الصناعية بجوار الفراش ليرتديها .. أسرعت "مريم" بالنهوض من الفراش والتفت حوله وجثت على ركبتيها أمامه كما فعلت بالأمس .. خفق قلب "مراد" بشده وهو يراها تلبسه اياها وأخذ يداعب شعرها ووجنتها فى حنان .. انتهت فنظرت اليه قائله بمرح :
- بقيت شطورة وبعرف أركبها بسرعة
نظر الى وجهها وعينيها يستشعر صدق سعادتها وفرحتها .. أمسك يديها يجذبها الى حضنه معانقاً اياها بشدة .. قال هامساً :
- ربنا يخليكي ليا يا أحلى حاجة فى حياتى
شعرت "مريم" بالسعادة لكلماته .. نظر اليها قائلاً بخبث :
- بقولك ايه متخلى "مى" تروح مع مامتها النهاردة
ابتسمت بخجل قائله :
- طيب و "طارق"
قال مبتسماً بخبث :
- هو صغير يعني ميروح لوحده
نظرا فى أعين بعضهما بسعادة .. وكل منهما يشعر بأنه وجد فى الآخر ما كان ينقصه .. "مريم" وجدت فيه الآمان الذى افتقدته .. و"مراد" وجد فيها الحنان الذى افتقده .. فشعر كل منهما أنه يكمل الآخــر

**************************************************

فى المساء اجتمع "سامر" و "حامد" معاً فى منزله ومعهما فتاتان ولم يخلو الأمر من الخمر لتكتمل سهرتهما .. وتعالت أصوات الموسيقى لتتمايل الفتاتان بالرقص الخليع .. كانت سهرة ككل السهرات التى تجمعهما .. فالطيور على اشكالها تقع .. ولم يكن "سامر" الا وجه فى عملة "حامد" .. انتهت السهرة ليخرج "سامر" بصحبة صديقته التى لم يحتج الى ورقة زواج عرفى ليأخذ منها ما يريد .. بل كانت ممن تستبيح عرضها لكائن من كان .. بإسم الحب أو المتعة أو الصحوبية .. فلا فرق بين المسميات ان كانت الغاية واحدة .. عاد "سامر" الى بيته ورأسه يدور من الخمر الذى شربه طيلة الليل .. دخل الى المصعد واحتاج وقتاً لا بأس به فقط ليضغط على زر طابقه .. خرج من المصعد وهو يتطوح أخرج مفاتيحه ليحاول دخول شقته .. وقف مطولاً يعجز عن وضع المفتاح فى مكانه بالباب .. فجأة وجد من يدفعه دفعاً الى الجدار .. التفت بحده ليجد والدته تصرخ فيه قائله :
- انت السبب انت اللى نجست بيتنا ونجست حياتنا .. انت السبب
نظر اليها "سامر" بدهشة محاولا استيعاب ما تقول .. أخذت أمه تضرب صدره بقوه وتصرخ قائله :
- اطلع بره بيتي مش عايزة أشوفك فى بيتى تانى وبكرة هكلم المحامى يسحب منك التوكيل بتاع ادارة الشركة
بدأ "سامر" يفيق بعدما سمع كلماتها فصاح قائلاً :
- هو ايه ده .. ايه اللى اطلع بره وهسحب منك التوكيل .. هو يمزاجك
لطمته على وجهه قائله :
- أيوة بمزاجى بمزاجى يا تييييييييييييييييييت
دفعها "سامر" يديه وصاح بغضب :
- انتى في ايه .. مالك طايحه فيا كده
قالت أمه وهى تصرخ بغضب :
- أختك اغتصبوها يا "سامر"
نزل الخبر على رأس "سامر" كالصاعقه وقال :
- ايه .. بتقولى ايه
صرخت أمه بعنف قائله :
- كما تدين تدان يا "سامر" كنت مستنى ربنا يحفظ اختك ازاى وانت مضيع بنات الناس .. كنت مستنى ايه غير كده
دفعها "سامر" بقوة وصاح بغضب هادر :
- بنتك تستاهل أكتر من كدة .. ممشياها بلبس متلبسوش واحدة محترمة .. ماشية تعرض جسمها على كل الرجالة اللى ماشية فى شارع .. ده أنا كان صحابي بيعاكسوها أدامى وبيقولوا عليها كلام زى الزفت وكنت بستعر أقولهم انها اختى .. كان لازم يحصلها كده
أخذت أمه تبكى بحرقه وتقول :
- حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا انتوا الاتنين .. ربنا ينتقم منكوا انتوا الاتنين
صاح بقسوة قبل أن يغادر :
- وفيكي انتى كمان لانك معرفتيش تربي

*****************************************
فى اليوم التالى .. كان "مراد" جالسا فى مكتبه بالبيت يطالع أحد الملفات عندما طرقت "مريم" الباب ودخلت بهدوء مبتسمه .. تقدمت من المكتب ووضعت عليه صنية الشاى والكيك التى تحملها .. امسك يدها وقبلها وابتسم لها قائلاً :
- تسلم ايدك يا حبيبتى
قالت مبتسمه بخجل :
- دوقه وقولى رأيك بصراحه أنا اللى عملاه
قبل يدها مرة أخرى ونظر اليها قائلاً بحب :
- طالما انتى اللى عملاه يبقى أكيد هيعجبنى
فتح "مراد" الخزينه بجواره وأخرج منها علبة قطيفة صغيرة .. فتحها وأخرج منها دبلة ذهبية وأخرى فضية .. نظرت "مريم" اليهما بخجل وسعادة .. أمسك يدها اليسرى ونزع منها الدبلة التى تزينه وألبسها الدبلة التى تحمل اسمه .. أخذت "مريم" الدبلة الفضية التى تحمل اسمها وألبسته اياها .. وكلاهما ينظر الى الآخر بسعادة
حانت منها التفاته الى الملف الموضوع على المكتب أمامه لمحت صور دماء ورجل ملقى على الأرض قالت بدهشه :
- ايه ده يا "مراد"
نظر "مراد" الى الملف والصور قائلاً :
- ده ملف جريمة القتل اللى كانت حصلت فى الصعيد .. لقيته فى أوراق بابا اللى كانت فى الخزنة
أمسكت "مريم" الصور لتطلع اليها فأخذها منها "مراد" بسرعة قائلاً :
- لا متشوفيهاش .. مصورين الجثة على الأرض هيتعبك المنظر ده
قالت "مريم" :
- طيب عايزة أشوف الصورة اللى كان مكتوب فيها بالدم
بحث "مراد" فى الصور الى أن أخرج الصورة وأراها اياها .. مسكتها "مريم" تتأملها .. فقال "مراد" وهو يمسك احدى الأوراق بيده :
- تقرير الطبيب الشرعى بيقول ان الرصاصة اخترقت قلبه ومات .. وكمان الحرق اللى كان مكان الرصاصة على صدره معناه ان الرصاصة اضربت من مكان قريب جداً
نظرت اليه "مريم" قائله :
- يعني ايه؟
قال "مراد" بإستغراب :
- يعني اللى ضرب عليه النار كان واقف قريب منه جداً .. التقرير بيقول أقل من متر .. ودى حاجة غريبة جدا
قالت "مريم" بإستغراب :
- ليه غريبة ؟
قال "مراد" وهو ينظر اليها :
- لأن كان فى مشاكل بين بابايا وباباكى و ابن "حسن المنفلوطى" .. والمشاكل دى كانت بتوصل لرفع السلاح .. دلوقتى ايه اللى يخلى ابن "حسن" يآمن انه يقف قريب أوى من واحد المفروض انه عدوه .. مخفش يقتله ؟ .. ازاى يقف ادامه والمسافة بنيهم أقل من متر من غير ما يخاف ؟
قالت "مريم" وهى تزم شفتيها :
- مش عارفه .. طيب السلاح اللى اتضرب بيه لقوه ولا لاء ؟
قال "مراد" بإستغراب :
- مش هتصدقى .. السلاح كان جمب الجثة واللى أغرب من كده ان السلاح كان مرخص بإسم القتيل
قالت "مريم" بدهشة :
- وبابايا أو باباك ايه اللى هيوصلهم لسلاح القتيل ؟
قال "مراد" شارداً :
- يمكن كان القتيل عايز يتهجم على "خيري" اى ان كان بابايا ولا باباكى .. و"خيري" خده منه ودافع عن نفسه وضرب عليه النار .. وعشان كده النار اضربت من المسافة الصغيرة دى
قالت "مريم" بحماس :
- أيوة صح أكيد هو ده اللى حصل لأن انت بتقول ان باباك مستحيل يقتل وأنا كمان بقول نفس الكلام عن بابا .. يبأه القتل كان دفاع عن النفس
قال "مراد" بحيرة :
- مش عارف برده حاسس ان فى حاجه غلط .. لو هو قتل دفاع عن النفس ايه يخلى "خيري" اللى قتل ينكر ده ؟ .. السلاح اللى اضرب منه النار سلاح القتيل .. وده كافى انه يثبت ان القتيل هو اللى اتهجم عليه وهو اضطر ياخد منه السلام يضرب عليه النار عشان يدافع عن نفسه .. ايه اللى يخليه ينكر انه ضرب عليه اصلا ؟
سألته "مريم" قائله :
- طيب مش يمكن فعلا اللى قتله واحد تانى غير بابا وباباك .. والكلمة اللى تكتبت بالدم القاتل هو اللى كتبها
قال "مراد" وهو ينظر الى الأوراق :
- تقرير المعمل الجنائي بيقول ان البصمات الى على الكلمة اللى اتكتبت هى بصمات القتيل نفسه .. يعني هو اللى كتبها بنفسه
قالت "مريم" وهى تمعن النظر الى الصورة وتقربها من "مراد" :
- "مراد" انت مش شايف حاجة غريبة هنا ؟
أخذ "مراد" الصورة منها ونظر اليها قائلاً :
- لأ مش واخد بالى
قالت "مريم" بحماس :
- اسم "خيري" مكتوب بطريقة غريبة


يتبع..........


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 10:03 PM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع..............






تأمل "مراد" الصورة جيداً ورفع حاجبيه دهشة وقال :
- فعلاً مكتوب بطريقة غريبة
قالت "مريم" بإستغراب :
- لو كان القتيل هو اللى كتب اسم "خيري" ايه اللى يخليه يكتبه بالطريقة دى .. ولو كان القاتل هو اللى كتبها واستخدم فيها صوابع القتيل عشان تظهر بصماته برده ايه اللى يخليه يكتبها بالطريقة الغريبة دى
فجأة قفزت فى رأس "مراد" فكرة .. أخذ يقلب بين الأوراق التى أمامه بلهفه شديده .. قالت "مريم" بإهتمام :
- في ايه يا "مراد" .. اكتشفت حاجة ؟
أخرج "مراد" احدى الورقات ونظر اليها لتتسع ابتسامته لتملأ وجهه كله .. قالت "مريم" بلهفه شديدة :
- "مراد" قولى
نظر اليها "مراد" قائلاً بسعادة وثقه :
- لا بابايا ولا باباكى اللى قتل
اتسعت عينا "مريم" لتنظر اليه قائله بلهفه :
- بجد انت متأكد ؟
حضن وجهها بين كفيه وقال بسعادة :
- أيوة متأكد يا حبيبتى
قالت بلهفه :
- عرفت ازاى يا "مراد" ؟
أمسك الورقة التى كانت فى يده منذ قليل ووضعها أمامها ووضع اصبعه على احدى الجمل وقال مبتسماً :
- اقرى الجملة دى
قرأت "مريم" الجملة لتتسع عيناها دهشة وهتفت قائله :
- مش ممكن .. معقول ده
قال "مراد" وهو ينظر الى الورقة :
- مراته اللى قتلته
قالت "مريم" وهى تعاود النظر الى الصورة :
- كان عايز يكتب "خيريه" مش "خيري" بس مات قبل ما يكملها .. ملحقش يكتب الحرف الأخير
أخرج "مراد" هاتفه فقالت "مريم" بإهتمام :
- هتعمل ايه
قال :
- هتصل بعمى أشوف يعرف ايه عن "خيريه" دى
تحدث "مراد" مع عمه "سباعى" قرابة النصف ساعة .. ثم أنهى المكالمة .. قالت "مريم" بحزن :
- ربنا يرحمها ويغرفلها بأه .. ماتت وسابت العيلتين كل واحد فيهم شاكك فى التانى
تنهد "مراد" بأسى قائلاً :
- بسببها بابا اضطر يسيب بلده وأهله
ثم نظر الى "مريم" قائلاً :
- وباباكى كمان اتحرم من بلده وأهله
قالت "مريم" بحزن :
- خلاص يا "مراد" اللى فات مات .. مش هيفيد بحاجه نتحسر عليه دلوقتى .. وبعدين لو مكنش ده كله حصل يمكن مكناش أنا وانت بقينا لبعض
اقترب منها معانقاً اياها وهو يقول بحنان :
- الحمد لله

*************************************
تم زفاف "طارق" و "مى" فى قاعتين منفصلتين .. حضر الجميع داعيين لهما بالبركة وأن يجمع الله بينهما فى خير .. اقتربت "مريم" من العروس قائله :
- حبيبة قلبي طالعه زى القمر
ابتسمت "مى" قائله :
- بجد يا "مريم"
عانقتها "مريم" قائله :
- طبعاً بجد .. حبيبتى ربنا يوفقك فى حياتك ويباركلك فيها
شدت "مى" على أيدي "مريم" وهى تقول بسعادة :
- وانتى كمان يا "مريم" ربنا يسعدك دايماً
التفتت "مريم" لتنظر الى "سارة" الجالسه على احدى الطاولات .. فاقتربت منها وجلست بجوارها قائله :
- ايه يا بنتى أعده لوحدك ليه ؟
ضحكت "سارة" قائله :
- مليش فى الرقص
قالت "مريم" بمرح :
- يعني أنا اللى ليا .. اهو الواحد بيعمل أهى حركات وخلاص
التفتت حولها قائله :
- فين "نرمين" ؟
أشارت "سارة" الى المنصة وضحكت قائله :
- بتأدى النمرة بتاعتها
نظرت اليها "مريم" وانفجرت ضاحكة .. ثم التفتت الى "سارة" قائله :
- انتى واثقة ان "نرمين" أختك انتى و "مراد" .. أنا شكه انكوا لقيتوها على باب جامع وهى صغيرة
ضحكت "سارة" قائله :
- أنا كمان يا بنتى شكه فى كده .. شكلها هتطلع فى الآخر بنت دادة "أمينة"
انفجرت الفتاتان فى الضحك والمزاح
فى قاعة الرجال .. وقف "طارق" محاطاً بأصدقائه .. قال أحدهم :
- مبروك يا عريس .. أخيراً شوفناكى فى الكوشة يا بيضه
صاح آخر بمرح :
- مكنش يومك يا "طارق" .. كان مستخبيلك ده كله فين يا ضنايا
صاح "طارق" قائلاً :
- ايه العالم المحبطة دى .. طيب حد يقولى كلمة تشجعنى يا جماعة بدل الكلام اللى يجيب ورا ده
قال أحد أصدقائه ضاحكاً :
- مكنش انعذر واتباع جذر .. نجبلك كلام مشجع منين .. انت واقف فى بركة شباب متجوزة .. روح فى آخر القاعة يمكن تلاقى شلة شباب زى الورد لسه متجوزوش هيدوك دفعه تمام
التفت "طارق" الى "مراد" وهو يقول بمرح :
- طيب انت يا "مراد" قولى كلمة تطمن قلبي طيب بدل العالم التعبانه دى
ابتسم "مراد" قائلاً :
- بص يا "طارق" يا حبيبى .. اللى عايز العسل يتحمل قرص النحل
صاح "طارق" قائلاً :
- هى فيها قرص ولا ايه .. يا "مراد" أنا بقولك طمنى مش ارعبنى


شعرت "مريم" بالتوعك فى بطنها .. فالتفتت الى "سارة" قائله :
- "سارة" متيجى معايا عايزة أروح الحمام
قامت "سارة" معها وخرجا من القاعة وتوجها الى حمام السيدات .. خرجت "مريم" وهى مازالت تشعر بالألم فى بطنها حاولت تجاهله .. لكن ظهرت تعبيرات الألم على وجهها .. قالت "سارة" بلهفه :
- انتى كويسة يا "مريم" ؟
قالت "مريم" وهى تجاهل الألم :
- أيوة كويس متشغليش بالك
توجهتا الى القاعة مرة أخرى فارتطمت "سارة" برجل كان يخرج من قاعة الرجال .. التفت الرجل قائلاً بحرج :
- معلش أنا آسف والله مخدتش بالى
قالت "سارة" بحرج :
- محصلش حاجة
نظرت "مريم" الى الرجل بدهشة .. فالتفت اليها وقال مبتسماً :
- ازيك يا مدام "مريم"
نقلت "سارة" نظرها بينهما بدهشة .. فقالت "مريم" بإرتباك :
- ازيك يا أستاذ "عماد" .. ثم جذبت "سارة" من يدها قائله :
- بعد اذنك
خافت "مريم" من أن يراها "مراد" تتحدث معه .. خاصة لعلمها بشدة غيرته عليها .. دخلتا القاعة فقالت "سارة" وهى تجلس بجوارها على الطاولة :
- مين ده يا "مريم" ؟
قالت "مريم" :
- ده مديري فى الشركة اللى بشتغل فيها .. أستاذ "عماد"
قالت "سارة" :
- اهاا ..
عاد "عماد" الى قاعة الرجال مرة أخرى .. ليقع نظره على "مراد" .. أخذ ينظر اليه بدهشة شديدة .. انتبه "مراد" لنظراته .. اقترب منه "عماد" قائلاً بحرج :
- معلش أنا آسف انى ببصلك كده .. أصلك شكل واحد أعرفه .. بس شكله بشكل غير عادى .. لولا انى عارف ان معندوش اخوات كنت قولت انك أخوه
قال "مراد" بإهتمام :
- تقصد "ماجد خيري" ؟
هتف "عماد" بدهشة :
- انت تعرفه ؟ .. انت اخوه ؟
قال "مراد" مبتسماً :
- أيوة أخوه
ابتسم "عماد" قائلاً :
- كنت فاكر ان معندوش اخوات
قال "مراد" بإهتمام :
- كنت تعرفه منين ؟
قال "عماد" :
- خطيبته بتشتغل عندى فى الشركة
قال "مراد" وقد ضيق عينيه :
- حضرتك أستاذ "عماد" مدير شركة رؤية للدعاية والإعلان
ضحك "عماد" قائلاً :
- مكنتش عارف ان صيتي واصل للدرجة دى
قال "مراد" مبتسماً :
- مدام "مريم" تبقى مراتى
صاح "عماد" بدهشة :
- ما شاء الله .. ربنا يباركلكوا يارب
ثم قال :
- شكراً لانك مخلتناش نخسر ديزاينر محترف زيها .. ووافقت على شغلها معانا عن طريق النت
ابتسم "مراد" قائلاً :
- وأنا سعيد انى اتعرفت على حضرتك

خرج الجميع من القاعة وركبا العروسين فى طريقها الى منزلهما .. ركبت "مريم" مع "نرمين" و "سارة" و "ناهد" فى السيارة فى انتظار "مراد" كانت "مريم" تشعر بالألم فى بطنها يزداد .. فقالت لـ "سارة" الجالسه بجوارها :
- "سارة" ممكن تنادى "مراد"
التفتت "ناهد" قائله :
- مالك يا حبيبتى تعبانه
قالت "مريم" بسرعة :
- لا أبدا يا ماما .. حاجه بسيطه .. بس أصل "مراد" اتأخر واحنا مستنيينه من بدرى
نزلت "سارة" من السيارة وتوجهت الى حيث "مراد" واقفاً .. ترك "مراد" صحبة الرجل الواقف معه والتفت الى "سارة" قائلاً :
- خير يا "سارة"
قالت "سارة" :
- مستنيينك من ساعتها يا أبيه
قال "مراد" :
- حاضر جاى حالا
أقبل "عماد" فى اتجاه "مراد" قائلاً :
- فرصة سعيدة يا أستاذ "مراد"
سلم "مراد" عليه قائلاً :
- أنا الأسعد يا فندم
حانت من "عماد" التفاته الى "سارة" الواقفة مع "مراد" لمحت نظرته اليها فتضرجت وجنتاها وأخفضت بصرها .. توجه "مراد" بصحبة "سارة" الى سيارته .. فحانت من "عماد" التفاته أخرى تجاههما قبل أن ينطلق بسيارته
وصل "مراد" بسيارته الى الفيلا .. نزل الجميع شعرت "مريم" بالتوعك وشعور بالضيق فالتفتت لـ "مراد" قائله :
- "مراد" أنا هعد فى الجنينة شوية
سألها بإهتمام :
- مالك ؟
قالت بسرعة :
- لا مفيش بس حسه انى مخنوقة شوية
قال "مراد" وهو ينظر اليها بحنان :
- طيب انا هطلع أطمن على ماما وأجيلك
صعد "مراد" الى غرفة "زهرة" للإطمئنان عليها .. وبعد فترة خرج "مراد" ليبحث عن "مريم" وجدها جالسه على أحد المقاعد وتعقد ذراعيها أمامها وتضغط بهما على بطنها .. اقترب منها قائلاً بإهتمام :
- "مريم" فى ايه ؟
رفعت "مريم" رأسها وقالت :
- حسه ان بطنى وجعانى
جلس بجوارها قائلاً بحنان :
- ألف سلامه عليكى .. ممكن تكونى كلتى حاجة تعبتك
قالت "مريم" بصوت خافت :
- لأ مكلتش حاجه
ثم قالت :
- ادخل انت أنا هعد شوية وبعدين أدخل
نظر اليه بحنان قائلاً :
- مش هقدر أسيبك تعبانه كده
قالت تطمأنه :
- أنا كويسه متقلقش
اقترب منها ووضع يده على مكان الألم يقرأ بصوت خافت آيات من كتاب الله .. أغمضت "مريم" عينيها وأسندت رأسها الى صدره فأحاطها بذراعه .. شعرت بالسكينة والراحة .. كان صوته عذباً فى القراءة .. استكانت تحت يده .. ودت ألا يتوقف أبداً .. انتهى من التلاوة ففتحت عينيها ونظرت اليه ميتسمه .. ابتسم قائلاً :
- أحسن شوية
قالت :
- الحمد لله
رن هاتفه فأخرجه قائلاً :
- ثوانى أرد على المكالمة دى لانها مهمة
تحدث قليلاً بجوارها ثم قام أثناء الكلام ووقف مبتعداً عنها ببضعة أمتار وأخذ يتحدث فى الهاتف و "مريم" تنظر اليه بحنان .. كانت تشعر بسعادة غامرة لأنهما استطاعا التغلب على كل العقبات التى واجهتهم .. وأخيراً أصبحاً معاً .. كزوج وزوجة .. كحبيب وحبيبة .. حمدت الله فى سرها على ما أنعم به عليها .. نظرت الى "مراد" لتلمح شيئاً غريباً على قميصه الأبيض .. نقطة حمراء صغيرة تتحرك بسرعة على قميصه وعلى بنطاله الى أن توقفت فوق قلبه ..شعرت وكأن قلبها انخلع من صدرها بقوة .. نظرت بلهفه فوق البناية المجاورة للفيلا فرأت فى ضوء القمر رجلاً على السطح يوجه بندقيه فى اتجاههم .. نظرت مرة أخرى فى لهفه الى "مراد" الذى يتحدث والى النقطة الحمراء المثبته فوق قلبه .. فكرة واحدة هى التى سيطرت عليها فى تلك اللحظة .. لا يمكن أن تخسره .. لا يمكن أن تخسر "مراد" .. تحجرت الدموع فى عينيها .. لم تفكر .. لم تشعر .. لم تحسب .. ولم تنتظر .. فقط انطلقت كالسهم .. لتلف ذراعيها حول عنقه وتلقى نفسها فى حضنه وأغمضت عينيها قبل أن تشعر بألم حارق فى ظهرها وبرجه عنيفة فى جسدها .. شعرت بتنفسها يضيق وبالدنيا تدور من حولها
اندهش "مراد" عندما وجدها تلقى بنفسها فى حضنه وتلف ذراعيها حول عنقه ..أنزل الهاتف من على أذنه ليمسكها قائلاً :
- "مريم"
فجأة شعر برجة عنيفة فى جسدها وكأنها اصطدمت بشئ ما .. نظر بهلع الى يده الموضوعه على ظهرها ليجدها غارقه فى الدماء .. هوت بين يديه لتسقط أرضاً وهو ممسك بها .. صاح بلوعه :
- "مريم" .. "مريم"
كانت تأخذ نفسها بصعوبه كما لو كانت تغرق .. قالت بصعوبه بصوت مرتجف :
- خلى بالك
نظر "مراد" الى الشعاع الأحمر الذى يتحرك بجنون فوق الأرض العشبيه .. نظر حوله ليرى الراجل فوق السطح فأخذ يصرخ فى الأمن الواقفون على البوابه .. حضر اثنان منهما بسرعة .. وأشهر أحدهما السلاح وصوب فى اتجاه الرجل وأطلق طلقة لم تصيبه لكنها صمت الآذان من دويها .. شعر الرجل الواقف على السطح العارى بالخوف فهرب مسرعاً .. فجرى واحداً من الأمن خارجاً من الفيلا ليلحق بالرجل .. اما الآخر فقد صرخ فيه "مراد" بعنف :
- بسرعة .. اطلب الإسعاف بسرعة
هرع كل من فى الفيلا خارجاً مع صوت الرصاص والصراخ
التفت "مراد" الى "مريم قائلاً بهلع وهو يضع يده على الجرح يكتم دمها الذى ينزف يغزاره :
- "مريم" .. خليكي معايا يا "مريم"
كانت مازال تأخذ نفسها بصعوبة .. بكا "مراد" بجوارها وأمسك يديها يضمها الى صدره قائلاً بصوت باكى :
- "مريم" متسبنيش .. "مريم" خليكي معايا .. متغمضيش عينك
فشلت فى ابقاء عيينها مفتوحتان .. فأغمضتهما .. هزها "مراد" بعنف وصرخ فيها :
- "مريم" فتحى عينك متغمضيهاش .. "مريم"
اعادت فتح عينيها مرة أخرى وهى تنظر اليه .. قال لها بألم شديد بصوت باكى والدموع تغرق وجهه :
- قولى الشهادة يا حبيبتى
حركت شفاهها دون أن تقوى على اخراج صوتها
اقترب منهما الجميع وأخذوا فى الصراخ والبكاء .. حملها "مراد" مسرعاً وقال بهلع :
- مش هينفع نستنى الإسعاف بتنزف جامد
حملها وتوجه بها مسرعاً الى السيارة وأمر"نرمين" بالركوب جوارها .. ركبت "نرمين" وانطلق "مراد" بالسيارة وقميصه يقطر دماً .. ظل طوال الطريق يلتفت اليها ليلقى نظرة عليها .. كلما وجدها قد أوشكت على اغماض عينيها مد يده يهزها بعنف قائلاً :
- افتحى عينك متغمضيهاش
كانت تئن من الألم .. شعر بقلبه يتمزق .. مد يده ليمسك يدها وهو يقود السيارة بسرعة بالغة .. التفت اليها قائلاً بلهفه :
- خلاص يا حبيبتى اطمنى دقايق وهنوصل المستشفى
أوقف "مراد" السيارة أمام المستشفى فى اهمال وحملها مسرعاً .. صاح فيه رجل الأمن :
- مينفعش توقف العربية كده
صاح به "مراد" :
- عندك المفتاح فى العربية
دخل "مراد" المستشفى مسرعاً و"نرمين" خلفه باكيه .. صاح فى الممرضات :
- عايز دكتور بسرعة
أتوا له بالترولى وضعها عليه .. وما هى الا دقائق حتى كانت فى غرفة العمليات .. وقف "مراد" خارج غرفة العمليات وقلبه يكاد يتوقف من فرط خوفه وقلقه وتوتره .. ظل يردد ودموعه تغرق وجهه :
- يارب احفظها .. يارب
جلست "نرمين" على أحد المقاعد تبكى وتدعو الله هى الأخرى أن يحفظ "مريم"
مر الوقت بصعوبة شديدة على "مراد" حتى خرج أخيراً الطبيب أسرع اليه قائلاً بلهفه :
- طمنى يا دكتور .. "مريم" كويسه
قال الطبيب :
- حضرتك جوزها ؟
أومأ "مراد" برأسه وعيناه تتعلق بشفتى الطبيب .. ابتسم الطبيب بتعب قائلاً :
- متقلقش المدام بخير .. شلنا الرصاصة وهتبقى كويسة ان شاء الله
أغمض "مراد" عينيه للحظة ولم يشعر بنفسه الا وهو يخر على الأرض ساجداً لله حمداً وشكراً له .. نظر اليه الطبيب وقال مبتسماً :
- الحمد لله ربنا نجهالك
تمتم "مراد" وهو يمسح العبرات عن وجهه :
- الحمد لله .. الحمد لله
قال له الطبيب وهو يضع يده على كتف "مراد" :
- وربنا يعوضك ان شاء الله
نظر اليه "مراد" مستفهماً فقال الطبيب :
- كانت حامل وفقدت الجنين
أغمض "مراد" عينيه لحظه ثم فتحها وقال :
- انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لي خيرا ًمنها
ثم نظر الى الطبيب وقال بصدق شديد :
- مش مهم أى حاجة المهم هى تبقى كويسة
رآها تخرج محمولة على الترولى .. ترك الطبيب وأسرع تجاهها .. نظر اليها نائمة فمسح على وجنتها قائلاً بصوت متهدج :
- "مريم" حبيبتى
قالت له الممرضة :
- متقلقش الدكتور بيقول انها كويسه بس هتاخد وقت على ما تفوق من البنج
أدخلتها الممرضة الى احدى الغرف .. نظر اليها "مراد" بحنان .. تمتمت "نرمين" :
- الحمد لله .. كنت حسه ان قلبي هيقف من الخوف
التفت "مراد" الى "نرمين" وكأنه لم ينتبه الى وجودها إلا الآن .. نظر الى ملابسها المدرجة بالدماء والى ملابسه هو الآخر .. قال لـ "نرمين" بصوت متعب :
- انتى كويسة يا "نرمين" ؟
أومأت برأسها فجذبها الى حضنه قائلاً وهو ينظر الى "مريم" :
- متقلقيش هتبقى كويسة
ثم نظر اليها قائلاً :
- "نرمين" خليكى معاها .. متسبيهاش لحظة لو حصل أى حاجة خدى تليفون من حد من الممرضات وكلميني أنا راجع البيت أطمن على "ماما" و "سارة" و ماما "زهرة" وأشوف الأمن مسكوه ولا لا
قالت "نرمين" بأسى :
- مين اللى عمل كده مين اللى عايز يأذى "مريم"
تنهد قائلاً :
- كان بيضرب عليا أنا مش على "مريم"
اقترب منها ومسح على رأسها وقبل جبينها .. قالت "نرمين" :
- متقلقش يا أبيه أنا هفضل جمبها
خرج "مراد" وعاد الى البيت مسرعاً .. أخبره أحد أفراد الأمن أنهم تمكنوا من القبض على مُطلق النار واقتادوه الى قسم الشرطة بعدما طلبوا الشرطة وأبلغوهم بما حدث .. طمأن أهله بأن "مريم" بخير فعاتبته أمه هاتفه :
- يعنى مكنتش قادر تتصل يا "مراد" تطمنا عليها
قال "مراد" بوهن :
- أنا مكنش فيا عقل أفكر يا ماما .. انا حتى ورحت المستشفى من غير حتى بطاقة ومن غير ولا مليم لولا ان صاحب المستشفى صحبي وأول ما اطمنت عليها وخرجت جيت على طول
قالت "سارة" باكيه :
- و "مريم" كويسه دلوقتى ؟
قال "مراد" بوهن :
- أوية كويسة هغير هدومى وحضريلى هدوم لـ "نرمين" عشان هدومها غرقانه دم التفت الى "ناهد" قائلاً :
- ماما كويسة
قالت "ناهد" :
- متقلقش خافت من ضرب النار بس طمنتها اننا كويسين مرضتش أقولها اللى حصل دلوقتى
قال "مراد" بإمتنان :
- كويس
صعد "مراد" مسرعاً الى غرفته ليتغير ملابسه وقلبه وعقل منشغل بحبيبته الراقدة فى المستشفى والتى كانت على استعداد للتضحية بحياتها من أجله .. من أجله هــو .


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-10-15, 10:06 PM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الحلقة ( 27 ) والأخيـــرة



فتحت "مريم"عينيها شيئاً فشيئاً رأت نفسها نائمة على الفراش فى مكان غريب .. حاولت أن ترفع يدها فانتبهت لوجود شخص بجوارها .. كان "مراد" جالسا على مقعد بجوارها ويمسك بيدها ويسند جبهته على السرير .. شعر بحركتها فهب واقفا واقترب منها يمسح على رأسها قائلاً :
- حبيبتى .. حمد الله على السلامة
نظرت "مريم" اليه بدهشة وهى لا تقوى على الحركة .. أمازالت حقاً على قيد الحياة .. ألم تمت .. آخر شئ تتذكره "مراد" الذى كان مسرعا بسيارته ويمد يده للخلف ليمسك بيدها .. نظرت اليه فى مرآة السيارة نظرة أخيرة وكأنها تودعه قبل أن تغلق عينيها وتفقد الشعور بكل ما حولها .. بلعت ريقها بصعوبة فقال "مراد" بهلفه :
- حبيبتى ثوانى هنادى الدكتور
خرج "مراد" مسرعاً وأحضر معه الطبيب الذى فحص الأجهزة التى كانت موصلة بها وفحص عينيها و ضغطها وقال بروتينيه :
- حمدالله على السلامة يا مدام .. ان شاء الله هتبقى كويسة بس لازم تستنى معانا فترة عشان الجرح
أومأت برأسها .. خرج الطبيب فأغلق "مراد" الباب واقترب منها يجلس على الفراش بجوارها احتضن يدها الموضوع بها الكانيولا .. ونظر اليها بحنان قائلاً :
- حبيبتى انتى كويسه
أومأت "مريم" برأها وقالت بضعف :
- ضهرى وجعنى
مسح "مراد" وجنتها بأصابعه قائلاً :
- معلش يا حبيبتى .. هما حطولك مسكن من شوية عشان لما تفوقى
صمت قليلاً ونظر فى عينيها وقال بصوت مرتجف وقد غشت عيناه العبرات :
- ليه عملتى كده ؟
نظرت "مريم" اليه بحنان وقالت بضعف :
- كنت خايفه عليك
قال "مراد" بصوت مضطرب :
- انتى متعرفيش أنا حسيت بإيه لما شوفتك غرقانه فى دمك .. كنت هموت يا "مريم" .. ازاى اتهورتى كده .. مفكرتيش لو كان حصلك حاجه أنا كان ممكن يحصلى ايه
تذكرت "مريم" جملته التى قالها بعد حريق اللانش .. نظرت اليه بأعين دامعة وقالت بوهن :
- وأنا كمان مكنتش هقدر أستحمل يحصلك حاجة يا "مراد" .. الرصاصة كانت هتيجي فى قلبك .. لكن أنا كانت هتيجي فى أى مكان غير قلبي
احتواها بعينيه وقال بتأثر شديد :
- بتحبيني أوى كده ؟
ابتسمت قائله :
- بتسأل
قال بلهفه :
- عايز أسمعها
نظرت بحب الى عينيه والى ملامحه .. ملامح "مراد" .. وقالت هامسه :
- بحبك أوى
سألها قائلاً :
- بجد يا "مريم"
ابتسمت قائله :
- بجد يا حبيب "مريم"
اتسعت ابتسامته وأخذ يتأملها الى أن شعر بأنها تغمض عينيها من التعب فقال لها بحنان :
- كفايه كلام وارتاحى
قالت برجاء قبل أن تغمض عيينها :
- خليك جمبي
رفع "مراد" كفها الى فمه يقبله دون أن يبعد نظره عنها وهو يهمس قائلاً :
- حاضر يا حبيبتى .. نامى وأنا هفضل جمبك .. اطمنى
ابتسمت له وأغمضت عينيها وهى تشعر بالسكينة والأمان لوجوده بجوارها.

***********************************
قال "حامد" بلهفه :
- انت واثق من الكلام ده ؟
قال المحامى فى الهاتف :
- أيوة طبعاً واثق يا "حامد" بيه .. الرصاصة جت فيها هيا ونقلوها على المستشفى
ضحكت "حامد" قائلاً :
- حلو أوى كدة أحسن ما كانت جت فى "مراد" .. لانى كدة هبقى خلصت من الشاهدة الوحيدة فى قضيتين الخطف .. قشطة أوى
قال المحامى بقلق :
- بس اللى سمعته انها خرجت من العمليات وانهم قدروا ينقذوها
قال "حامد" بحقد :
- متقلقش يا متر .. أنا مش هخليها يطلع عليها النهار
أنهى المكالمة وخرج من بيته لأحد حراسه :
- ابعتلى "رامي" على المكتب بسرعة
قال الحارس :
- أوامرك يا فندم
توجه "حامد" الى مكتبه وتوجه الى الخزنة ليخرج منها مسدساً مزود بكاتم للصوت .. أخذ ينظر اليه بتشفى .. سمع صوت خارج المكتب فوضع المسدس على المكتب وتوجه الى الخارج قائلاً :
- تعالى يا "رامى"
لكنه فوجئ بشخص آخر .. فقال له "حامد" بحده :
- انت مين وايه دخلك هنا ؟
اقترب الرجل منه ووقفه أمامه .. كانت تعبيرات وجهه جامدة .. قال بصوت أجش :
- فاكر "هايدي"
نظر اليه "حامد" وقد ضاقت عيناه فأكمل الرجل :
- أنا أخوها .. اخو "هايدي"
قال "حامد" بنفاذ صبر :
- أنا مش فاضى .. خلص عايز ايه ؟
قال الرجل بنبرات قوية :
- "هايدي " ماتت امبارح وهى بتعمل عملية اجهاض عند دكتور معندوش ضمير .. زيك كده
صمت "حامد" للحظات .. ثم قال بتهكم :
- وجايلى ليه بأه .. عشان أصلى عليها ؟
قال الرجل بقسوة وهو يظهر المطواة التى أخفاها خلف ظهره :
- لا عشان أصلى عليك انت
لم تتح الفرصة لـ "حامد" للصراخ حتى .. سدد الرجل اليه طعنات متتالية بسرعة وبقوة وبشراسة وقد تشنج جسده .. حتى خر "حامد" على الأرض غارقاً فى دمائه .. وفاقداًُ لحياته

*******************************************

استيقظ "طارق" من نومه ونظر بجواره فلم يجد "مى" غادر فراشه وبحث عنها ليجدها واقفة تصلى وبيدها مصحفها .. ابتسم وهو ينظر اليها .. شعرت به فسجدت وأنهت صلاتها .. ثم التفتت لتيتسم اليه بخجل .. اقترب منها وقبل رأسها قائلاً :
- ربنا يخليكي ليا
قالت "مى" بخجل :
- اشمعنى
قال "طارق" وهو يمسح على شعرها مبتسماً :
- عشان هتخلى حياتى أحسن
قالت "مى" بإبتسامه مشجعه :
- صلى انت كمان .. معدش الا شوية صغيرين على الفجر
أومأ برأسها وقبل وجنتها قائلاً :
- هروح أتوضى وآجى نصلى سوا
ابتسمت بسعادة وجلست تنتظره .. انهيا صلاتهما وجذبها "طارق" بجواره وهو يقول :
- انتى نمتى بالليل كويس
قالت بإستغراب :
- أيوة .. ليه ؟
ابتسم "طارق" قائلاً :
- بفكر نصلى الفجر ونطلع نقضيلنا اسبوع فى العين السخنة
ضحكت "مى" قائله :
- فجأة كدة
قال "طارق" بمرح :
- مفيش أحلى من السفر فجأة .. هاا ايه رأيك
قالت بسعادة :
- ماشى بس نفطر الأول
قال "طارق" :
- لا هقولك فكرة احلى اعملى سندوتشات ونبقى ناكلها فى العربية
قالت "مى" بمرح :
- خلاص ماشى
أنهيا صلاة الفجر .. وتوجها الى السيارة حاملين حقائبهم .. انطلق "طارق" فى طريقه وهو يتأمل "مى" بين الحين والأخر .. قال لها بعد ساعة من الطريق :
- جعت .. متطلعى السندوتشات
فتحت "مى" حقيبة الطعام وأخرجت واحدة ومدت يدها اليه .. فقال "طارق" بخبث :
- هاكل ازاى يعنى وأنا سايق ؟
قالت "مى" بحيرة :
- طيب أقف على جمب
قال "طارق" ونظرات المرح فى عينيه :
- تؤ .. مش عايز أضيع وقت
ثم التفت اليها قائلاً :
- أكليني انتى
ضحكت بخجل وقالت :
- مش هعرف
رفع حاجبه بتحدى قائلاً :
- آه مش هتعرفى .. يعني أجبلى واحدة تأكلنى ولا أعمل ايه دلوقتى
نظرت اليه "مى" بغيظ فإنفجر ضاحكاً وهو يقول :
- خلاص أكليني طيب .. بدل هااا انتى عارفه
مدت يدها بخجل فقطم منه وهو ينظر اليها .. ثم صاح قائلاً :
- الله .. أحلى سندوتش مربى كلته فى حياتى
ضحكت "مى" قائلاً :
- على فكرة دى جبنه مش مربى
قال "طارق" بخبث :
- من ايدك انتى تبقى مربى
ضحكت "مى" فى سعادة وهى تمد يدها مرة أخرى لتطعمه

***************************************

حضر "عبد الرحمن" و زوجته و "عثمان" للإطمئنان على "مريم" بعدما علموا بما حدث لها .. أمضوا اليوم معها الى أن اطمئنوا على صحتها ثم تركوها فى رعاية "مراد" وتابعوها بالمكالمات من حين لآخر

دخلت الممرضة غرفة "مريم" وطلبت من الجميع المغادرة لإنتهاء وقت الزيارة .. قبلتها "ناهد" قائله :
- ألف سلامة عليكي يا حبيبتى
قالت "مريم" بوهن :
- الله يسلمك يا ماما
قالت "سارة" :
- ألف سلامة عليكى يا "مريم"ان شاء الله تقومى بالسلامه
قالت :
- الله يسلمك يا "سارة"
قالت "نرمين" بمرح :
- بقولك ايه خلصى جو المستشفى والعيانين ده بسرعة عشان وحشتينا أوى والفيلا بجد ملهاش طعم من غيرك
قالت "مريم" مبتسمه :
- تسلمي يا "نرمين"
التفتت "ناهد" الى "مراد" قائله :
- خليني أنا بايته معاها النهاردة وروح انت يا "مراد" بقالك يومين بايت هنا
قال "مراد" بإصرار :
- لأ هفضل أنا معاها
غادر الجميع وأغلق "مراد" الباب ثم اقترب من فراش "مريم" وابتسم لها قائلاً :
- نامى شويه
نظرت اليه وقالت :
- تؤ مش عايزه
جلس على بجوارها وأمسك يدها يتحسس العروق التى ظهرت فيها .. ثم نظر اليها قائلاً :
- عايز أقولك حاجه
نظرت اليه "مريم" بترقب .. فقال بهدوء :
- ربنا هدانا هدية بس خدها تانى .. بس أنا واثق انه هيعوضنا بغيرها
نظرت اليه "مريم" بحيره قائله :
- مش فهمه
صمت .. ثم ظهرت الدموع فى عينيها وقد فهمت ما يرنو اليه .. قبل يدها قائلاً :
- الصبر عند الصدمة الأولى يا "مريم"
تمتمت بخفوت ودموعها تنهمر :
- انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها
مسح دموعها بأصابعه وهو يقول :
- قولى الحمده لله
رددت :
- الحمد لله
قال "مراد" وهو يحتضن يدها بين يديه بحنان :
- افتكرى الآيه اللى فى سورة الكهف " فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ " .. كان سيدنا موسى مضايق ان سيدنا الخضر قتل الطفل الصغير ومكنش يعرف ان فى موته رحمه من ربنا لأبوه وأمه "وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا "
قالت "مريم" وقد لاحت ابتسامة رضا على شفتيها :
- الحمد لله
قال "مراد" بمرح :
- وبعدين مالك زعلانه كده شكلك زهقتى منى وعايزة حاجة تشغلك عنى
نظرت اليه بحب قائله :
- مستحيل أزهق منك أبداً .. بس مشتاقة أوى يكون ليا ابن منك .. ابننا احنا الاتنين يا "مراد"
ابتسم لها قائلاً :
- وأنا نفسي فى كده أكتر منك
قبلها قائلاً :
- بحبك أوى
نظرت اليه بسعادة قائله :
- بحبك أوى

*************************************
يتبع......


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.