آخر 10 مشاركات
رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          عشقكَِ عاصمةُ ضباب * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          125 - الضوء الهارب - جينيث موراي (الكاتـب : حبة رمان - )           »          عندما يعشقون صغاراً (2) *مميزة و مكتملة *.. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          73 - شاطئ الجمر - سالي وينتوورث (الكاتـب : فرح - )           »          متزوجات و لكن ...(مميزة و مكتمله) (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          أحلام بعيــــــدة (11) للكاتبة الرائعة: بيان *كامله & مميزة* (الكاتـب : بيدا - )           »          فَرَاشة أَعلَى الفُرقَاطَة (1) .. سلسلة الفرقاطة * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : منال سالم - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-11-15, 06:10 AM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



مرت السنة وتبعتها أخرى ومُنى تقاوم وترفض ابن عمها سهيل الذي لم ييأس من ذلك ,
وسعيد يراقب الأمور عن كثب وينتظر دوره بعد أن يتهيأ له المجال ..
كان الطائر يرى
أن دفئ الشتاء لم تعد تهتم له, فهناك طموح وأحلام يشغلها عن الحب والهوى, ويشعر
دائما بالتهميش في الوقت الذي يجلس فيه زملائه بين الرجال ومجالسة الكِبار , والعذر
الوحيد الذي يمنحهم هذه المكانة هو التحاقهم بالجامعات والكليات والانخراط في الوظائف
المرموقة فيما بعد. والسبب الوحيد الذي من أجله قرر أن يترك القرية وشأنها ...
هو البحث عن ذاته في مرأى العيون.

غادر القرية , ومر بالمدن تلك التي مرت بها دفء الشتاء بل تعدى الخليج إلى خلف المحيطات
.. خارج البلد .. وهناك التقيت ببعض الأصحاب وجمعني بهم الهدف الذي من أجله غادرنا أوطاننا
.. بصرف النظر عن جنسياتنا ومعتقداتنا.
كان لابد لنا من استئجار شقة نشترك في دفع اجارها الشهري.
وكنا قد ارتأينا ان نبحث عن شقة لنستأجرها من المالك مباشرة عن طريق مكاتب الايجار حتى لا يأخذوا
علينا مبالغ اضافية, فهناك تتمحور سياسة مكاتب السمسرة الxxxxية حول تبني الشقق والبيوت والمفاوضة
عليها وبذلك يرفعون أسعار الإيجار حتى يدر لهم ربحاً طائل.
بحثنا حتى وصلنا إلى حيٍ تجاري يبعد عن مقر
الجامعة عشرات الكيلوا مترات. دخلنا الشقة مع مالكها وتمت معاينة البيت ورغبنا بها واتفقنا لنسكنها لكونه
ا تحتوي على اربعة غرف ومجلس وصالة ودورتين مياه ومطبخ صغير. فرحنا كثيرا لاننا توفقنا بمبلغ الايجار
مناسب ونظافة البيت وسعتها. وكنا عادة نلتقي مجدداً ونعود بفترات زمنية متقاربه ومحددة في الاجازات الصيفية
فقط لكلفة تذكرة السفر.

وفي احدى الفصول الدراسية , قررت ان اسافر قبل موعد انتهاء الإجازة بأسبوع تقريبا حتى استعد للفصل الأصعب
في نظري. بينما بقية الطلاب كانوا لايزالون يتمتعون بإجازاتهم بين اهلهم وذويهم.

"اذا اردت ان تعرف المجهول وترى مالم تكن لتسمعة فغير من مسارك او روتينك فجأة وخالف ماكنت تعتاد عليه".

لم نكن نكترث للتغيرات التي تطرأ على الشقة وذلك بسبب الفوضى العارمة التي نحدثها حين نلتقي
اثر رجوعنا من الاجازة مثل ( وجود بعض المصابيح مضاءة واجهزة التلفزة مفصولة واحيانا الثلاجة
غير شغالة ديناميكيا او بعض الاوراق المكتبية متناثرة في الصالة وأشياء كهذه نعتبرها اُحدِثت من
قبل احدنا.
ولكن هذه المرة أنا آخر من خرج منها واغلقها وأول من يفتحها , إذا ستكون ملاحظتي
للتغيرات محل استغراب.

وصلت الشقة مرهقاً... كان الوقت متأخرا من الليل , والأجواء المحيطة هادئة تماما . انوار البيت من
الداخل مطفئة باستثناء غرفتي الصغيرة وغرفة الجلوس (الصالة ) التي هي وسط جميع الغرف .دخلت
غرفتي كعادتي انظفها وارتب اغراض حقيبتي كلا في مكانه ونظفت المكيف وفرشت سريري واطفأت
المصباح لأنام وانا بين الحلم واليقظة ...
سمعت جرس البيت يرن فحاولت ان أتجاهله ولكن رنينه أزعجني,
نظرت إلى الساعة فإذا بها تشير إلى الثانية عشر بعد منتصف الليل. قمت لفتح الباب وأنا أتساءل ياترى
من يكون الطارق ! لا اعرف احدا هنا ولا يوجد بهذا الحي مواطنين بل جميعهم غرباء ووافدين.
قمت لفتح
الباب وانا اسأله من الطارق ..؟ وفتحت قبل ان يجيب وإذا بإمرأة ترتدي عباءة سوداء لا يُرى منها شيئاً
وهي واقفة في فناء البيت كأنها ترمقني بنظرات استشعرها رغم اني لا ارى عينيها . وسألتها :

ــ ماذا تريدين يا إمرأة ؟

فلم تجبني , كنت أخشى أن يراني احداً بهذه الصورة واغلقت الباب حتى ابتعد عن الشبهة , فسمعتها تتذمر
وتُتَمتم بكلمات مبعثرة ثم ذهبت إلى فراشي وتجاهلت امرها.
تغطيت بلحافي شيئا فشيئا حتى طار النعاس من
اجفاني وبدأت لا أشعر بالارتياح , ثمة أصوات تصدر من حولي لا استطيع وصفها ولا تحديد مصدرها. قمت
وفتحت المصباح واشعلت حبة السيجار وانا مستلقي على ظهري انفخ الدخان واراقبه يتلاشى.
سمعت باب
السطح يُفتح وهو يصدر صوتا مزعجا لان الباب فولاذي ومربوط بسلسلة حديدية وعليه قفل ومفتاحة معي.
كنت أقول في نفسي "إذاً هذا لص يجهل تواجدي فلابد من شي اردعه به ".

ذهبت مسرعا إلى المطبخ وأخذت سكينا وأداة حديدية تكفي للقتل, وتوجهت إلى الباب وانا اسمع وقع قدميه
اللا مبالاه وهو ينزل من على الدرج فانبطحت أرضا لأرى من تحت الباب فرأيت لمحة خُفي رجل تمر على الباب
من الخلف , وتراجعت قليلا حتى استعد لضربة ان تمكن من الدخول عنوةً. شعرت بالخوف وأنا ممسك بالسكين
واتعوذ من الشيطان الرجيم حتى لا اضطر لاقترف جرماً على نفسي بقتله , والحمدلله انه انصرف ولم يكن حتى
توقف امام الباب وكانه لا ينوي مداهمتي فقط كان في مهمة اثارت فضولي.

من هذا الرجل وما شأنه في بيتي وماذا يريد ماذا كان يفعل وكيف تمكن من فتح السطح , لماذا ... !!!
كلها تساؤلات تقودني إلى الجنون .
رجعت إلى غرفة الجلوس واضأت جميع الانوار ثم دخلت غرفتي
واحكمت إغلاقها واتكأت على الحائط فافتقدت لمة اصحابي وضجيجهم وضحكاتهم وغنائهم وهم يعودون للمنزل.

تسلل الرعب إلى جسمي وشعرت بالارهاق وتراخت أطرافي وانا اسمع انفاسي. فتحت النقال وكتبت رسالة
إلى احد اصحابي واصابعي ترتجف ثم قلت لن يصدقوني وسيسخروا مني فترددت ومسحت الرسالة وطرحت
النقال جانبا وكان الوقت قد اقترب للفجر.
هناك أصوات أسمعها من الغرف المجاورة , تارة من المطبخ واذا
انصت قليلا اسمع بعثرة العلب المعدنية الملغاه في غرفة الجلوس وقبلها سمعت طنينا كحركت الابواب المصدأة
حين تفتح وقد توهمت أن الذي تسلل إلى البيت من السطح قد تمكن من الدخول بطريقة أو بأخرى , واستعدت
همتي وفتحت المغلق ودفعت الباب بما أوتيت من قوه وناديت بأعلى صوتي يا أنت ,,, ماذا تفعل هناك ؟ ...
وأنا ابحث من غرفة إلى غرفة مروراً بغرفة الجلوس ...

وأنا اصيح في الهواء قائلاً :


من الأفضل ان تظهر وإلا إن وجدتك قتلتك ...
لا شيئاً يرد أو يستجيب غير الصدى , صمت وسكون يخيم على البيت ولا صوت سوى نباح الكلاب في الخارج ,
أيعقل ان أكون أتوهم سماع كل هذه الاصوات ! لا لا , أنا متأكد ان شيئا بالداخل لا اعلمه .
ذهبت لارى ان كان
باب الصالة قد تم فتحه او شيئا يدل على دخول احدا بعدي, فوجدت الباب كما هو موصد ولا شي يؤكد دخول
احداً , تثاقلت خطواتي ووقفت في ذهوول مرعب , واصبح الخوف أشد . فتحت التلفاز ورفعت صوته حتى أوهم
من حولي ان الشقة بها أُناس متيقظين ولكن هي في الحقيقة حتى اوهم نفسي انني لست وحيدا في الشقة وان
الذي اسمعه ليس إلا بعضاً من اصوات التلفاز التي يتردد صداها في زوايا الغرف المظلمة.
تركت التلفاز مبرمج
على احدى القنوات الدينية التي يكون فيها تلاوة القرآن على مدار الساعة واغلقت جميع ابواب الغرف وحتى أقطع
الشك باليقين وضعت على كل باب لاصق شفاف يلتصق بين عمود الباب وخشبة الباب من الأعلى حتى أذا فُتح
الباب تخرج إحدى طرفي اللاصق دون ان يلاحظها احدا وهي دليلا قاطعاً لمعرفة عما اذا كان الباب قد تم فتحة أم لا ,
وذهبت دون أن أنظر إلى خلفي مستسلماً لما سيحدث بعدها
وأخير اتضح لي أنني لا اتعقب أثار بشراً .........
ولكن عالم مخيف سمعت به كثيرا واليوم أجد نفسي بينهم في وقت لا يتوقعون ضيافتي !!
أشعر بهم يرون كل تحركاتي ويكشفون كل ألاعيبي وكأنني مطروح في دائرة زجاجية مسلط عليها الضوء
في بقيع يسوده الظلام فما حولي يراني وانا الوحيد الذي لا ارى ولا يمكنني الفرار , فقط أنتظر قدري من
حيث لا أدري.
أخذت نفسي إلى غرفتي ولم أغلق الباب بالمفتاح تعمداً ولكني وصدته حتى اثبت لهم انني
لست خائفا وقلبي يكاد ان يخترق اضلاعي. وارتميت على فراشي متثاقلا من الارهاق والخوف والحيرة وشعورٌ
بعدم الاستقرار.

تبادر إلى ذهني الكثير من المقتطفات الحدثية وبدأت الذاكرة تمرر في تساؤلاتي بعض الصور
التي إلتقطقها الدماغ , المرأة التي ضغطت الجرس ماذا تريد وما الذي أتى بها في هذا الوقت ,

الرجل الذي نزل من السطح هل هو الآن يعيش معي بالداخل , أهو بشر مثلي فكيف لا اراه ولا اجد له أثراً ...
وفجأة توقف القاري عن تلاوة القرآن وخلف سكوناً لبعض الوقت,, وانطفأت الأنوار وحلت بعدها عاصفة في
البيت تعصف بالابواب بغمضة عين حتى ساد المكان هدوءٌ لدرجة سماع قطرات الماء تتساقط من صنبور
المغسلة .. وتك تكـ تكـ xxxxب ساعة الحائط ,,,وانا ممتد على فراشي دون حراك , واتصبب عرقاً وتمنيت لو
اني أُغمي عليً واتخطا ذلك الشعور.

لطفك يارب الله المستعان " مازال الامر لن ينتهي , حسحسة الاصوات (صوت الباب) تصدر من كل صوب
وسمعت أحدا يجري مسرعا إلى احدى الغرف بعد ان دفع بالباب وكأنه طرحه أرضا من قوة الصوت الذي
بلغني ولم يستغرق وقتا طويلا حتى بدا الصوت يتحول إلى الغرفة المجاورة وأخذت الدواليب تُفتح واحدة تلوى الأخرى ...


********************** إلى حلقــة أُخرى إن شاء الله ***************************


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:10 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


لطفك يارب الله المستعان " مازال الامر لن ينتهي , حسحسة الاصوات (صوت الباب)
تصدر من كل صوب وسمعت أحدا يجري مسرعا إلى احدى الغرف بعد ان دفع بالباب
وكأنه طرحه أرضا من قوة الصوت الذي بلغني ولم يستغرق وقتا طويلا حتى بدا الصوت
يتحول إلى الغرفة المجاورة وأخذت الدواليب تُفتح واحدة تلوى الأخرى ...
وكأنه في عجلة
من أمره , والأنوار مطفأة أسمع وقع أقدامه تدنو من غرفتي شيئا فشيئا وتذكرت الباب لم
يكن مغلقا بالمفتاح , ولا استطيع أن ارى شيئا فخشيت اذا قمت لإغلاق الباب ان اصطدم
به ويبتلعني هذا المخلوق ,,, خفقان قلبي يدفع صدري من شدة الخوف وكأن احدا يركل ظهري
. خطوات تدنو من باب غرفتي ,,
أشعر به ,, ,اراه على هيئة سواد ,, سيدخل الغرفة سيدخل الغرفة ...
سيدخل الغرفة ... وسيبتلعني و سيقتلني ,, اداواتي الحديدية نسيتها في غرفة الجلوس ,, ماذا أفعل ..
. إذا مت من يجدني ,, سأموووت ,, يتراءى لي كبر أظافرة ونتانة ريحته وحمر عيونه وسعة جبهته وطول أنفه و
حدة أنيابة وقبح وجهه وخدوش خدية .. علقت لساني عن الأذكار وعن البسملة وتوقفت جميع اجزائي عن الحرك
ة عدا عيوني وسمعي
وتراءت لي عيون دفئ الشتاء في آخر لقاء
وبعدها نسيت كل شي (لا أدري أغمى عليا أم أني نمت هكذا غفوة ) حتى سمعت الآذان يقول :
" حي على الصلاة حي على الصلاة " وسمعت بيوت الجيران تُفتح ونهضت من على سريري
وفتحت نافذة الغرفة التي تطل على فناء بيوت الجيران وسألت أحد الأشخاص هل آذن ؟ فقالي لي:
نعم قبل قليل , فقلت له انتظرني أذهب معك . وأسرعت نحوه من الباب حتى يؤنسني .

أدركته فسلمت عليه ومشينا معاً نحو المسجد لصلاة الفجر.
ــ لماذا ترتعش ..!
ــ الجو بارد وهكذا يكون جسمي إذا لامسه الماء البارد.

لم يصدقني ولكننا امضينا الطريق وحين وصلنا المسجد رأيت على عتبته إمراه جالسة تلاعب طفلها الصغير,
أقشعر بدني حين رأيتها ومرر الدماغ صورة المرأة التي طرقت بابي ليلة البارحة .

ــ ما حال تلك المرأة وطفلها يا رجل ؟
ــ عن أي امرأة تسأل ؟ (قالها دون أن يلتفت نحوي ).
ــ هذه التي أمامك ...

ــ يا لمزاحك الظريف ..

ــ أي مزاح يا هذا فأنا أسالك عن إمراه تلاعب طفلها في وقتٍ لا يفترض تواجدها ...

دخل المسجد وكأنه لم يراها وادركت اني الوحيد الذي رآها وحديثي معه عن ذلك لا يزيدني إلا غباءً .
توضأت ودخلت المسجد فجلست في الصف الاول مقابل المحراب مباشرةَ ,وقرأت ما تيسر من القرآن
واطمأنت به نفسي ثم واصلت القراءة إلى أن تقرب أحد المصلين وجلس بجانبي ومد يده نحوي لأصافحه,
وأطلقت له يدي بحرارة وفرحت بمبادرته ثم أكملت قراءتي واستوقفني بعبارت قالها وهو يهنئني بالوصول !!

ــ أراك قد نزلت مبكراً غير عادت فهل بدأت الدراسة ؟
ــ لا لم تبدأ بعد , ولكني أتيت لأنجز بعض الأعمال قبل بدء الدراسة.

كنت قد طرحت الخوف جانبا حين دخلت المسجد ولكنه تمكن مني أثناء خروجي ,
إذ تهيئ لي ان الجن تنتظر وصولي إلى الشقة , فلم أجد في نفسي الشجاعة الكافية
لمواجهة مصيري بمفردي , كما انني لا اعرف احداً استعين به أو الجأ إليه لكي يدخل
معي أو حتى يزيح عني بعض ما أشعر به من ذعر.

كنت أفكر في الذهاب إلى إحدى الفنادق لأعوض نومي واحظى ببعض الطمأنينة والأمان
حتى أُفرغ ما في رأسي من مشاهد وتساؤلات ومخاوف مرعبة.
مشيت على الطريق إلى
أن مرت سيارة اُجرة يقودها شابٌ وسيم
فوقف وسألني :

ـ هل أقلك إلى مكانٍ ما ؟
ـ
إني أمارس رياضة المشي فحسب.

ولكنه أقنعني في مصاحبته دون أن يتطرق إلى ثمن الأجرة ونحوه , وربما كنت بحاجة
إلى بعضاً من الأنس فركبت معه وتبادلنا الحوار وأتضح لي أنه من الشباب المرحين
الذين يكسرون حواجز الاتصال المباشر من أول حديث , ليس ثرثار ولا متطفل وإنما
يمتلك مهارة عالية في أسلوب الحديث وكأنه معتاد على التعامل مع جميع فئات المجتمع
وهذا شيء طبيعي كونه سائق أُجره فهو يقضي معظم يومه مع الغرباء والنزلاء .

كان يقود ويدخن وناولني السيجار ولم يكن ذوي الأسئلة المباشرة ولكن حواراته
ايحاءات ومشاركتي معه تمويهات .. وهو يراني أطيل التفكير وأختصر الإجابة فقال :

ــ التفكير إن طال وتعمق فغالباً ما يكون في احتمالات لم تكن موجودة ..
ــ لا ليس هناك ما يدعوا القلق .. أتأمل بهذا الصباح..
ـ كنت أمارس الرياضة ولكنها مشقة ومضيعة للوقت مالم تكن باستمرار ..
ــ أتساءل هل يوجد هنا فندق يتفاوض مع النُزلاء دون الحاجة إلى إبراز مستندات أو وثائق ثبوتية ( بطاقة مدنية /جواز سفر) ؟
ـ أعرف فندق قد يتعاطف معك ولكن أين شارة هويتك , لماذا لا تقدمها ؟
ــ مرهونة بدين وأنا ابحث عن عمل بالأجر اليومي
ــ
لا عليك سأتدبر الأمر بحكم معرفتي بهم (كونه يجلب لهم الزبائن).

استغرق المشوار قرابة الثلث ساعة حتى وصلنا إلى فندق المدينة .نزل السائق وطلب مني
أن ابقى في السيارة وهو سيرى ما يمكنه فعله وسيعود لي في الحال, وفعلا ذهب إلى مكتب
الاستقبال وبعد لحظات عاد وقال لي هيا من حسن حظك ان هناك غرفة لشخصين مدفوع أجرها
مسبقا وقد اضطر من استأجرها ان يغادر الغرفة قبل موعد الإخلاء ومازال هناك 12 ساعة مجانية
وقد وصيتهم عليك فلا داعي لأن تحدثهم عن أي شيئا يتعلق بهويتك كما يمكنك التمديد اذا اردت
المكوث اكثر ولكن ذلك سيكون على حسابك .
نزلت وأنا أشكره واثني عليه ودخلنا معا صالة الفندق
ثم قال لهم هذا صاحبي أحسنوا ضيافته وهو يغمز بعينه تجاهي ليشعرني ان الامور كلها على ما يرام
وقال لي هيا خذ مفتاح غرفتك وإن احتجت إلى شيء فأنا لا أبعد عن هنا ستجدني في الجوار , وودعته.

صعدت إلى غرفتي وتنفست تنفس الصعداء وهيأت نفسي مباشرةً إلى نوم بملء الأجفان وارتميت
في احضان سريري الدافي وسبحت في عالم الاحلام لأكثر من 12 ساعة إلى أن سمعت شيئا بضجيجه
يجوب في المكان وكأن بقية الاحداث عادت تراودني في الظلام وفتحت أعيني وانصدمت بفوهة البنادق
مصوبة نحوي وأربعة من المقنعين يركلوني ويصرخون في وجهي " قم أرفع يديك هيا تحرك "
وبدأ يفتشون دورة المياه ويقلبون الدواليب بكل عنفٍ وازدراء ويسألون أين أصحابك ؟؟؟؟ فقلت لهم ليس
لدي أصحاب, فقالوا أين حقيبتك ؟؟ ثم قلب أحدهم سريري فوجد أكياس صغيرة بيضاء وأخرجها وأخذ
قنينة التمباك المركونة فوق الأريكة ووضعها في كيس سوداء مكررين السؤال ذاته ؟ فقلت لهم بصوت شديد
" عن أي اصحاب تسألون وماذا يجري هنا !! فلطمني احدهم على وجهي بقاعدة الرشاش الذي في يده حتى
سال الدماء من انفي وشفتي وقيدوا يدي خلف ظهري بقبضتهم الحديدية وسحبوني امامهم في ساعة متأخرة
من الليل وأدخلوني سيارة مغطاه بشبابيك معدنية ونوافذ معتمة ونقلوني إلى منشآت شبه عسكرية مشددة
الحراسة وتم وضعي في غرفة وكأنها مخزن للنفايات لا توجد بها نوافذ ولا دورة مياه ولا يدخل إليها الضوء
وانا مقيد ولا استطيع الحراك.

بعضا من الساعات وأنا مستلقي على جانبي الأيمن حتى دخل طبيب أو ممرض ومعه كشاف ضوئي يتفقد
حالتي وأخذ يفتش أنفي وفمي وينظفه ثم رفعني لأسند ظهري إلى الحائط وبدأت أطلق عليه الاسئلة المصيرية
بشكل متتالي " من أنتم ؟ وماذا فعلت بكم كي تعاملوني بهذه الطريقة ؟ أتركوني وشأني .. أطلقوا صراحي وأنا
أتوصل إليه بكل خضوع أرجوك لا تتركني وحدي ابقى معي هنا, قام الطبيب قائلا لي بكل هدوء :

ـ"أكمل نومك .. غداً ينتظرك يوما شاقاً !!"

ذهب وتركني اتموج في الظلام كالكفيف الذي لا يتعرف على الاشياء إلا باللمس والأحاسيس
فأحسست بأن المكان حولي ملجأ للحشرات, كائنات استشعرها ولا أراها ولكنني استطيع تميزها
كلما تخطت جسمي , فكلما شعرت بشيء يقترب مني أحرك أرجلي واضرب بهن الأرض وأحاول
ان أصدر اصواتا تخيفها وتبعدها عني ولكني استسلمت أخيرا , حين أحسست بأن أفعى كبيرة الحجم
تعبر من فوق قدمي وهي تتعقب الفئران والجرذان .
في صبيحة اليوم التالي ...
سمعت طنين السلاسل
ووقع الأقدام تتجه نحوي وفُتح الباب .. دخل إلي البواب وقال : إذا لم تستجب لأوامرنا أو حاولت
المقاومه بأي شكلٍ من الأشكال فلن يرحمك احداً هنا . وأخذني إلى غرفة الاستجواب وأقعدوني على
كرسي خشبي مقابل ضابط عسكري تتوسطنا طاولة مثبت بقاعدتها ميكرفون لا سلكي وعليها كأسان
من الماء ثم فكوا قيودي وشربت من الماء وطلبت شيئا أكله ولم يُستجاب لطلبي واخبروني ان وجبة
الغداء سآخذها مع السجناء .
قال الضابط " سنمنحك اتصال واحد فقط ولمدة دقيقتين وناولني الهاتف "

أمسكته وأنا أناظر شاشة الجوال ولا أعرف لمن أوجه اتصالي وماذا اقول له وكيف أختم المكالمة ,,,
وأسئلة تراودني حتى قاطعني الضابط وقال لي انتهت مدة اتصالك .. من دون أية مبررات أو ترجي
أعطيته الهاتف ثم قال لي أحكي لي عن نفسك.
أنا .. وقد سمعت هذا السؤال كثيرا وحفظته عن ظهر قلب,
فبدأت بإسمي وعمري وحالتي الاجتماعية ونشأتي ولمحه خاطفة عن عائلتي واهتماماتي ,, ثم ضحك
الضابط وقال يشرفني التعرف إليك وأنا سعيد بمقابلتك ولكن أين وثائقك؟ هنا سردت له قصتي ولم يصدقني
ثم انصرف عني ودخل بعده مباشرة حارسان وقيدوني وجروني إلى داخل السجن بدون أي مقدمات
عن ماهية التهم أو الجُنح.

.....................................
أوقاتٌ ممتعـــة في سجون الحياة ........................................



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:12 AM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


دفء الشتاء تحاكي فراشها كالفراشة في غير عالمها ,
لا ترى سوى مرضى راقدين أو باكيين أو غائبين عن
الوعي ولا تسمع غير أناتهم وسعالهم , فصارت تتجرع
آلامهم وتمتص نحيب بكاءهم , تبدأ حياتها بالتحديق في
عيون مصفرة ومحمرة وشفاه يابسة ..

أخذ شبابها وجمالها يذبل كل يوم عبيره. لم تعد تشعر
بنسمة الشروق تتخلل شعرها ولم تعد تتوق إلى رسم
الأماني على منظر الغروب , عمر الربيع في كونها
يشيخ قبل أوانه بين هذه الجدران الصماء .. أطباء
وممرضين .. محاليل وعقاقير .. روائح أدوية ..
عظام بالية وأرواح تفر من أجسادها أمام أعينها ..
حياة معقمــة وعالم اصطناعي مكتظ بالآلات
والأجهزة ... بعيدا عن الطبيعة .. عن النقاء الرباني
" ها أنا الآن بنت في الخامسة والعشرين من عمري
وقد تلاشت طفولتي بين هذا العالم وصرت لا أعرف
إلا عن الألم والمرض والموت..


رن الهاتف بجوار رأسها .. وفتحت نصف عينها
فنظرت إلى الساعة .. كانت الخامسة صباحاً ..
رفعت السماعة واجتاح ما تبقى من نعاسها ذلك
الصوت الملهوف قائلا :

ــ أنقذينا يا دكتورة .. تعالي بسرعة
ـ من .. ممم .. ما الأمر ؟
ــ سعيد تعرض لحادث سير ولا نعرف هو حياً أو ميتاً ..
نهضت الدكتورة دفئ على الفور ولبست معطفها المِهني
وركبت سيارتها وتوجهت إلى المشفى وتحديداً إلى العناية
المركزة مروراً بوحدة الطواري.

حاولوا منعها من الدخول ولكنها أصرت بشدة .. فوقفت حائرةٌ
أمام المُصاب كالخرساء ... عيناها مشدودتان إلى عينيه
وتنصت إلى همسات أنينه الخافت.

شيء في العينين الفاترتين البائستين يجعل قلبها يتمزق .. سرير
المصابُ والملابس المُشبعة بالدم يشعرها بالدوار .. تراقبه وهو
يفقد وعيه ويفيق بين الفينة والأٌخرى وربما تموت بعدها كل
ضحكاته التي أنست بسماعها .. ابتساماتهم .. البراءة والمُنى
ونكهة الريف تنهار أمام ناظرها .. تتذكر رسالتها الإنسانية
فتقول في قرارة نفسها " لا مجال للشوق والعواطف ها هنا ....."

تشير الأجهزة التخطيطية إلى وجود مشكلة في الحبال الصوتية
والدماغ لا يستجيب ..أطباء بعلمهم وبراعتهم أوقفتهم هذه الحالة
بذهول .. تجمدت عقولهم وظلت صامته عاجزة.

خرجت دفئ متوترة ,وعيناها خاليتين من الفرح , مع مجموعة
من كبار الأطباء من غرفة العناية واستوقفها أهل القرية في ممر الانتظار ..

ــ حالته خطيرة يا دكتور ؟
ـ ضربات بسيطة في الرأس وأسفل عنقه .. الحمد لله لا يوجد نزيف
داخلي ولا كسور خطيرة .. عموده الفقري سليم .. انها مسألة وقت ويتعافى.

ــ وكيف هو الآن .. أُريد أن أراه ؟
ـ لا يزال تحت تأثير المخدر ..
جلست الأُم إلى جانبه وهي تستجمع قواها وتتضرع إلى الله
بالدعاء .. ويدخل عليه أفراد القرية واحداً تلو الآخر وهو
ممدداً على السرير دون حراك.

تولت الدكتورة دفىء أمر الإشراف عليه ,
بل حتى السهر عليه في الأشهر الأولى.

كانت جالسة في مكتبها أثناء فترة المناوبة الليلية وترتشف
قهوتها المنبهة تلك التي تفضل رائحته أكثر من مذاقه ..
أمسكت الكوب بأصابعها المتعبة ويتصاعد البخار الساخن
إلى وجهها المرهق فتستمد من دفئه بعضاً من الراحة والاسترخاء ..

حاولت القراءة ولكنها ملت كل هذه الجرائد والنشرات الطبية المطروحة
على مكتبها .. الليل في برده موحش .. الأنوار الخافتة ساكتة ميتة ..
المشفى بطوله وعرضه في كمينه كضبع متوحش .. وأنين المرضى
وحشرجة أصواتهم الممزقة تهتك ستائر الليل الداكنة .. والدكتورة دفئ ..
إنها واقفة في نافذة مكتبها .. وحيدة .. تتأمل في الزهرة البيضاء الصغيرة
التي تتفتح بجوارها في زهرية الورد ..

ـ السلام عليكـِ يا دفئ
ـ مُنى .. وعليكـِ السلام كيف وصلتي إلى هنا !
ــ جئت فحسب , كيف هو سعيد ..؟
ــ تعالي ..
أخذتها الدكتورة دفء ورافقتها إلى غرفة العناية .. كانت الحجرة هادئة
باردة وإنارتها باهتة ..عيناه مغمضتين وجهه شاحب , وجسمه موصل
بالأسلاك المغناطيسية .. يهبط صدره ويرتفع.

ــ أهو نائم أم غائب عن الوعي ..؟
ـ بين الحالتين .
ــ ألم تستنطقوه ...
ـ أحباله الصوتية ملتهبة جداً وحالته تحجبه عن الكلام
ــ إلا متى سيلازم السرير ؟
ـ عملنا ما بوسعنا وسيخرج قريباً ولكن لا أدري إلى أين ..
ــ هل يعني أنه سيتحسن وسيعود إلى المنزل ..
سكتت الدكتورة دفء وأخذت نفساً عميقا ثم تنهدت قائلةً:
ــ لا أدري .. ربما .. كلنا أمل بأن نسمع فكاهاته المضحكة يوماً ما ...

حاولت الدكتورة دفء أن تلخص لها حالة سعيد متحاشية بذلك
ما يعانيه من بُكم متوقع, ولكن سرعان ما ركنت مُنى إلى السرير
وتهاوت إلى أسفلها وأجهشت بالبكاء .. أغمضت عيونها وبكت
بكل نغمات البكاء وحِدتها ..

تركتها دفء تفرغ كل ما في قلبها الصغير من دموع ثم أعطتها منديل يجفف جفونها.
نظرت إلى السرير مرة آخرى وقد شعر سعيد بأصواتهن ففتح
عينيه الغائرتين التعبتان .. واحتضنتهما عينان مُنى الحزينتين ..
اتسعت شفتاه قليلا وكأنه يوجه لها ابتسامة هادئة واهنة .. لها وحدها
ترجم أحاسيسه بتلك العاطفة والحنان .. فلم يكن قد رآها آحد ترتسم
على شفتيه مذ أن أصابه هذا الحادث .. ابتسامة صغيرة انفرجت
عنها شفتان يابستان ولكنها كانت تحمل في طياتها معنى الحياة
بأسرها ... ذلك المعني الذي لم يعد يلتفت إليه أحد في ضجيج
الصراع بين المادة والإمتلاك .. حب الحياة بما فيها من مآسي
وجراح .. لذة وألم .. صحة ومرض ..
كان الربيع موسم كونها لو أن الزهور جاد موعدها ,
كانت السماء صافية قبل هذا فأين سحابها .. الخريف
والضباب في عينها يتلاشى من بينها حزن الحبيب
وسُعده .. لم ترتسم ملامح الفرح سوى على براعم
الزعفران .., رموشها مبتلة بالدموع كقطرات المطر
تضيف شيئا من اللمعان على الأغصان وأراق الشجــر..

ــ سأذهب أخي ينتظرني في سيارته .. (وهي تمسح ما تبقى من دموعٍ عالقة برموشها )
ذهبت دون أن تلتفت خلفها أو حتى تودع صديقتها .. المكان
لا يحتمل الانتظار.. والنظرات كالسهام الحارقة الملتهبة
تخترق صدرها ...


........................... مؤلمة هي الحياة أحياناً ...................



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:14 AM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


في اليوم التالي دخل الطبيب الاستشاري إلى مكتب الطبيبة دفء
وكأنه لا يحمل أخباراً سارة ..

ــ تعرفين أهل هذا المريض .. أليس كذلك ؟
ـ نعــم .. ما سؤالك عنهم ..!
ــ المريض .. لن يفيده البقاء هنا مهما مكث ..
ـ ماذا تقصد .. دكتور بافيو
ـ لا يجب أن يتأخر على هذه الحالة فهو كما تعرفين يعاني من
التهابات حادة في الحنجرة وتلف الحبال الصوتية تدريجيا وكثيرا
ما يؤل ذلك إلى انتشار السرطان في الغدد المجاورة ...

نهضت الدكتورة دفء من على مقعدها لا شعورياً ووجدت نفسها
لم تعرف كيف تجيب , ولا عن أي شيء تسأل , ولا حتى مجال
علمها أسعفها للخوض في المناقشة..

وضع الطبيب بافيو الملف الطبي الخاص بالمريض على مكتب الطبيبة دفء قائلاً...
ــ هذه مجمل التقارير والصور المشعة ..
تقرر خروج سعيد من المشفى , وصحته لا تزال غير مستقره ,
كما عجز الأطباء عن تحليل حالته النفسية إذ أصبحت معقدة
ومتقلبة مع مرور الوقت.


بدأت الشمس تتوارى في غروبها .. وعادت دفء إلى فلتها.
كانت قد أشترت بيت في المدينة قريباً من مقر عملها. لا يسكنها
سوى ممرضات المستشفى بعقدٍ سنوي.

جلست على شرفة غرفتها في الطابق العلوي .. ترى الناس وهم
تحتها يبتسمون ولكنها لا تسمع ضحكاتهم .. روضٌ الحديقة مقابلها ,
لا يرتادها سوى العُشاق , تتأمل الزهور وهي مصفوفة ولكن عطرها
لا يصل .. آخر تفكير لها قبل أن تنام كان للطائر, انها لم تراه منذ زمن
طويل, تشتاق إليه , وتود لو كان بمقدورها أن تدعوه إلى فنجان قهوة
وتحكي له عن آخر أسفارها.


الطائر في غياهب السجون ولا يدري عنه أحدا سوى بعضاً من أفراد
عائلته ولم يكن يحظى بزيارة سوى ثلاثة زيارات خلال السنة الواحدة,
وقد تكتموا على الأمر بسرية شديدة وأُخذ الأمر على انه في سبيل
دراسة وعمل , كما لم يخبروه بشيء عن أحداث القرية وبعد أن أمضى
أربع سنوات تقرر إخلاء سبيله على أن يغادر البلد في غضون 24 ساعة.


ما أجمل الحرية .. وما أعظم الحياة حين نعيشها بكرامــة .. ارتديت معطفي
وأخذت أستنشق الهواء الطلق ,, أُعَدِل بزتي وأستعيد مظهر الإنسانية وكينونته ..

وقفت لأودعهم .. بل لأستلم عهدتي الشخصية .. وبدأت حينها أشعر بنكهة من الاحترام .. كلمات ليست بقاسية ولا لينة ..
ـ أتمنى أن لا نراك مجدداً .. (قالها احد كبار الضباط أثناء خروجي) .
أومأت له برأسي وشرعت في الخروج .. ما أجمل الفراق أحياناً
فكل ما أتمناه هو أن لا أراكم أبداً أبداً ...

بينما كنت أشق طريقي نحو الشارع رأيت لافتة لـ " مقهى النُبلاء "
يطل على شارع المدينة وجلست على كرسيٍ وطاولة تحتضن غربتي
وانتظرت الجرسون يأتي ليقول " سيدي ـ بماذا أخدمك ".. لم تكن لدي
شهية على الطعام ولم أكن أشتهي شيئا سوى الحرية .. الشعور بالذات ..
مبدأ الاحترام .. المعاملة الإنسانية ..

يسليني كثيرا مشاهدة حركة الناس وضجيجهم وصراخهم .. ثراءٌ
فاحش وفقر مدقع والطبقة الوسطى ممدوةٌ كجسر عبور.. أما السعادة
فهي قسمة كل منهما والسعيد حتماً ذاك الذي يرضى بها .. تكدح البشرية
كلها وتلهث وراء الحياة ولمعانها إلى أن تبلغ النفس منتهاها وأُخرى
تصارع من أجل البقاء حتى تقضي نحبها.. قليلٌ هم الذين يأكلون ليعيشوا
والبقية تعيش لتأكُل ..

وتساءلت حينها هل يعيشون احلامهم
أم تعيش أحلامهم على آمال حيواتهم !

شربت كأساً من الماء حتى آخره , ووضعت له ثمن الفاتورة
على الطاولة مع رقائق الخبز التي لم ألمسها وأنا أشعر بالارتياح ,
وتوجهت إلى الصرافة التي كنت أتعامل معها.

ـ هل تصرف لي هذه النقود , من فضلك ..
ــ نعم سيدي , بكل سرور
ـ أظنني تم تحويل مبلغ مالي لـعنوان هذه الوثيقة من سلطنة عمان
ــ حسناً , سأُلقي نظره
الطائر .. الطائر .. لديك مبلغ مجمد وقدرة 450 دولار أمريكي
منذ أكثر من 3 سنوات , ولديك مبلغ تم تحويله في الشهر المنصرم
وقدره 1500 دولار أمريكي .

ـ عذراً .. ماذا تقصد بـ "مبلغ مجمد" ؟
لم يجيبني فقد كان يجري اتصالاً هاتفياً ويرد على المتصل بعباراتٍ
موجزة وأغلب الحوار هو أرقام حسابيه وتواريخ ورموز مالية وكان
قد أشار لي بالجلوس , ربما ليقوم بإنجاز المعاملة.

وبينما كنت انتظر المحاسب حتى ينهي مكالمته , دخل رجلان
بزيٍ موحد وجلس الاول على يساري والآخر على يميني
وأعطوني مذكرة أمر " القبض على متلقي الحوالة رقم 000000873654"

ــ تفضل معنا كما أخبرناك ولا تفكر بالهرب لن تفلح
ـ .. ولكني خرجت اليوم من سجنكم وعندي ما يثبت ذلك
ناولتهم شهادة البراءة والخروج من السجن . لم يعيروها اهتماماً,
فقط وضعوا الأصفاد على يداي بكل هدوء , ولكنهم فكوا قيدي بعد
أن تلقوا اتصالاً من مصدرهم يؤكد على صحة شهادتي, وغادرا المحل فوراً .

انحنى المحاسب إلى الوراء ونظر إليّ مباشرةً قائلا:
ـ هكذا نعني بالمبلغ المجمد ..
ــ عرفت .. وهل يمكن أن تفيدني بالاسم المرسل لهذه الحوالة ؟
ـ اه .. نعم , الاسم هــو " سعيــد من ريف ظفــار "
أخذت نقودي وغادرت الصرافة وشوقٌ للديار يجتاحني
وشعورٌ بالذنب والخوف من أهلي يولد إحباط فيكبحني ..
توجهت إلى مكتب للسفريات وقطعت تذكرة سفر إلى ريف ظفار ,
تبقى لي آخر بضع ساعات قبل موعد الإقلاع ..

أحببت أن تكون تلك الساعات على ذلك الممشى البحري
أرسم تأملاتي كعادتي .. على جسر محدب يعبر من فوق
البحر ليأخذك إلى مدينة صغيرة أشبه بجزيرة اصطناعية ,
منظر الغروب وانعكاسه على سطح البحر كان من أكثر
الصور التي تجيد بها عدسة عيني من الطبيعة , كنت
التقطها من فوق ذلك الجسر .. قطعت نصف مسافة الجسر
في المشي ثم جلست على كرسي خشبي أتأمل في حياة الناس
واستذكر طُهرية الريف من غدر الغرباء .. وبراءة الأطفال من
عيون البسطاء.. وحلاوة الحياة من ابتسامة الفقراء .

تناولت الصمت وأنا أحدق إلى البحر , وأفكاري تهيم على غير هُدى
.. أجد عقلي يعمل أحياناً بطريقة أفضل عندما أفرج عن خواطري
بِحُرية بدلاً من تجميعها داخل وعيي ..


الشقة التي كنت أسكنها وداعا .. لا أكُن لها جميلا أبداً ,,
قد أخذوا أهلي منها كل أغراضي قبل سنتين, ولم يتبقى الآن هناك
عفش ولا أمتعة ولا حقائب سفر سوى قلبٌ مٌثقل بخيباتٍ مريرة يزن
حمولته ما تسمح به متن الطائرة. حين تقترف ذنباً سهوا أو جُرمٍ ثم
يُنسب إليكـ عمداً فتُنبذ بعده ...حينها لا جميل أو معروف باستطاعته
أن يردعه ولو كنت قد صنعته في موضعه .. تنكرك جميع العيون
وتقذف بك من القلب للمنفى .. حتى أؤلائك الذين كانوا قريباً منك ذات
يوم مهما حاولت إخبار احدهم عن كل ما جرى في غيابه .. سيتخذ مرفأ
آخر للرحيل .. فقط قلب أُمي هو الحضن الذي لا يتبدل دفئه مهما خيبت آمالها .

كانت هناك طفلةٌ صغيرةٌ .. مميزة من بين براعم هؤلاء الأطفال ,
ولست أدري ما يميزها ! ترتدي قميصاً بنفسجياً وعليه معطف
صوفي زهري اللون يُطل منهما وجهٌ كأبيض الثلج. كثيراً ما لفت
نظري ملامح هذه الطفلة .. تحاول الإمساك ببالونه حمراء وكلما
لمستها بأصابعها طارت البالونه كالريشة في الهواء وابتعدت ..
تمنيت لو أن البالونة تأتي عندي واحتجزها حتى أُلاعبها أو أرى
ردة فعلها. كرنفالٌ شعبي .. يعبث الأطفال سلوى بكعكاتهم ويعانقون
أحلامهم .. وكل أحلامهم ليست سوى قطعة حلوى.

............... بقية التسلسل جاري تنسيقــه ........



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:15 AM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


تبقى من الوقت ما يلزمني أن أكون خلاله في المطار,
ولهذا أخذت حقيبتي المتواضعة في يدي وتوجهت إلى
محطة للنقل العام. كانت شبكة النقل العام (حافلات مخصصة
للنقل من محطة إلى أُخرى ) تديرها شركات محلية ومنظمة
بجدول زمني معلوم ومحدد.

انتظرت قرابة النصف ساعة حتى وصلت الناقلة إلى المحطة
وتدافع الركاب , وأنا بينهم , في الدخول. جلست على مقعدي
واحتضنت حقيبتي. كنت قد لمحت الفتاة الصغيرة تحملها أمها
نحو المحطة, وقد استقلت المترو ذاته والمصادفة أنها جلست
بجواري والصغيرة تتوسطنا ولكنها أقرب إلى أمها مني.


لاحظت أن الطفلة الصغيرة قد عادت بدون لعبتها , وشعرت بالرغبة
في الحديث مع أحد حتى أتملص من الحوار مع نفسي.

لاطفتُها قائلاً :
ـ أين بالونتكـ .. هل أنفجرت أم أضعتيها ؟
انفرجت عن أمها ابتسامة خفيفة وقالت :
ــ كثيراً ما يُضيع المرء ما كان يسعى إليه في ضجيج هذه الحياة
أمتنعت عن الكلام بل عجزت عن ايجاد ما يمكن قوله .. ولكنها أردفت قائلة :
ـ هل هذه وجهتك إلى الديار ؟
ـ أجل .. ماذا عنك ؟
ــ أنا هنا لأودعك ..
ــ عفوا .. لم أستمع إليك جيداً
ــ عرفت أنك مغادرٌ وأحببت مرافقتك

لم يعد الحديث محبذاً , ولربما أني التقيت بمجنونة في الغربة.
لكن هدوءها واحترامها لذاتها ينفي تماما تهمة اختلال العقل ,
كما انها بكامل وعيها وليس تأثيراً من مشروبات روحانية ,(الخمر).

سألتها السؤال البديهي كعادة الحوار قائلاً :
ـ عفوا .. هل تقابلنا من قبل ؟
ـ نعم .. ألم تكن أنت الطائر ؟
ـ بلى .. ولكن من أنتِ ؟
ـ غريبة عن عالمك وقريبة من ذاتك.

تركز نظري بين عينيها بحدةٍ أفتش عن صورةٍ تماثل شيئٍ
من ملامحها في ذهني .. وأسفرت الذاكرة كلها أن عملية
البحث غير متطابقة . وانتقلت ذهنياً إلى ارشيف الشخصيات
المشابهة ووجد انها تلك التي رأيتها تلاعب طفلها فجراً في
فناء المسجد قبل أربع سنوات, إذ تراءت أمامي كل الأحداث
المرعبة وشعرت ببدني يقشعر حيالها.


تظاهرت بعدم الخوف قدر ما أستطع وأحلت نفسي قليلا على
جنب وهو الحيز الذي أستطيع شغله على ذلك الكرسي. كانت
هادئة تمرر أصابعها بين شعر طفلتها وترتب ظفرتها ثم شرعت
في سرد التفاصيل قائلةً :

ـ كنت برفقتك منذ زمن بعيد وأنا أفر من قدري .. وكان هناك
عشيقي يتعقبني هو الآخر وحين يأس من أمري علمت أنه
سيؤذيك وحين طرقت عليك البيت أردت أن أخيفك حتى لا تغفوا
عيناك فيتمكن منك. ربما هي دعوة أم بارٌ بها أو صدقة منعت
عنك شره. لا أدري كيف أستميل إليك ولكن حين دخل عشيقي
لشقتك تتبعته وحاولت قدر المستطاع ردعه. كان ...

توقفت هي عن الحديث فجأةً وأنا أتأمل شكلها وقد زال كل ذلك الذعر ,
بل شعرت بالاطمئنان نوعاً ما , وأدركت انها لا تضمر لي شرا. استمتعت
لحديثها وكنت أتوق لسماع المزيد وأنا أستذكر كل تلك الأحداث وردة فعلي تجاهها.

إنقطعت عن الحديث فجأةً لأنها وصلت إلى محطتها ونهضت لتنزل قائلةً :
ـ وداعاً ..

خرجت مصطحبة طفلتها وعيناي تراقبها وهي تشق الطريق
أمتاراً دون أن تلتفت خلفها .. وتندمت بعد ذهابها كيف لا أسألها
هل من لقاءٍ سيجمعنا ..!


وصلت المحطة التالية ومنها إلى المطار , وقد اجتزت حاجز
التفتيش وتحررت من صالة الانتظار الآخيرة. ركبت الطائرة
وأنا أنسلخ شيئا فشيئا من رداء تلك البلاد .. أغلف كل التفاصيل
والأحداث والمجريات والصور والنزعات وكل ما هو مخيف ومرعب
, حتى الجميل منها , وأقذف بها ذهنياً في سلة المهملات . حلقت
الطائرة وشقت طريقها بين السحب والغيوم وبدأت أتحرر تلقائياً من
جديد وأصبح ذلك الريفي النبيــل .. أغمضت عيني , وأصغيت إلى
حنين النوق وصوت الأبقار تخور بهدوء في البعيد , في مكان ما كانت
الحياة هادئة وروتينية وذات معنى .. ما زالت المواجهة الأصعب لم تحدث ..
من يستقبلني .. من يدري عن عودتي ! هل لازالت دفء تحتفظ بذاتي
في مذكراتها..! أم حلت عاصفة واقتلعت وريقاتها .. أخشى أن لا أكون
في عينها كرسمٍ تلاشى حبرهِ إثر إنسكابُ عطرٍ .. أو مطرٌ لا يرجى غيثه .


بحلول التاسعة صباحاً .. وصلت إلى ريفي وموطني وعشق طفولتي .. استقبلني
الخريف واهداني رائحة المطر .. قبلني برذاذه .. واستنبت في الروح زهرا
جديداً وأظنه الحنين ..




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:15 AM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


دخلت البيت والشوق يغمرني لأحضان أهلها .. من يتصور
وحشتها وهي خاوية على عروشها , طفت على القرية كلها
وكأنها أمكنة مهجورة .. هل حل بهم الطاعون ! يبدو أنهم
قد نزحوا إلى السهل (فترة التنقلات الموسمية) رأيت مدخنة
الخريف تنبعث من فوق عريش أحدهم . المنظر لا يشكل خطرا
أبداً فإن للخريف طقوسٌ ـ لا يعرفها إلى القرويين ـ ومن بينها
موقد نارا كـمدفئةٍ يتجمع حولها القرويين للتدفئة كما يجفف
فوقها الثياب المبلل من المطر.
توجهت إلى تلك البيت .. ودخلت على أرملة تطبخ لصغارها ,
تدير أمر حالها وتشرف على مواشيها وحاجة بيتها بنفسها ,
إنها أُم سعيد ..


ـ السلام عليكـِ يا عمتي
ـ وعليكم السلام .. الطائر .. مر زمن طويل على غيبتك
ـ وها أنا عدت .. كيف هي أخباركم ؟
ـ نحمد الله على أمره .. بشرنا هل أتممت دراستك
ـ أتممت .. أين سعيد ؟
سكتت قليلا ورأيت علامات الحزن على وجهها وعلمت
أنها تريد أن تخبرني بشي ما ولكن لم تستطع وحينها شعرت
بأن أمرا ما قد حدث لصديق طفولتي ... كررت السؤال ذاته
وأنا أحاول أن أحافظ على هدوء مشاعري .

ـ أين سعيد يا عمتي ؟
ـ تذكرت .. هناك شيئا لابد أن تعرفه
نهضت الأم من مكانها وأخذت تفتح مندوسٌ وتفتش في
أغراضها , لم يستغرق الأمر سوى بضع دقائق حتى عادت,
وقد تلون وجهها من حزنٍ مكبوت بداخلها ..

ـ ما هذا.. وماذا أفعل به ؟
ـ لا أدري .. انه مظروف من سعيد كُتب عليه اسمك
وأنا بدوري أُسلمك الأمانة , وربما هي وصيته لك.

علقت لساني عن الرد .. وأحسست أن الأرض تدور وكأنني
حبة قمحٍ تتدحرج على رحى .. بين تلك اللحظات التي كلما
بحثت فيها عن إجابة تتكاثر الأسئلة وتتفرع , دخل رجلٌ من
أهلهم وزوجته ينتمون لإحدى القرى المجاورة .. وقد أسترقت
منهم الجواب المُبكي حين استهلوا حديثهم مع أُم سعيد بعبارات
المواساة وقيمة الصبر عند المصيبة والابتلاء ..

أخذت نفسي بعيدا وأبعــد إلى حيث لا أدري , وأنا أضم المظروف
إلى صدري وأصونه من بللِ المطر . لم أتحمل غموضه طويلاً ,
إذ فتحت الطرد وهو مظروف مستطيل متوسط الحجم وكان بداخله
مظروف آخر وكان المكتوب كالتالي : " إن ما بين يديك أمانة قد
أبى الجبال أن يحملها لعظيم حرمتها , وتعلم أني بين الثرى ودعواتي
أن يتغمدني الله برحمته التي وسعت كل شي, فإذا كنت الطائر بعينه
فخُذ بوصيتي وإن كان الطائر قد توفي فأتمنى أن يصل المظروف
إلى دفء الشتاء وإن تعذر ذلك يُحرق المظروف والمحتوى ... "

إنها فقرة قصيرة ولكنها موجعــةٌ .. لم أستطع إنهاء قراءتها حتى
النهاية من ضباب عيني التي خلفها عصارة الدموع المالحة .. حيث
أكتفيت بهذا القدر من الكلمات وقد أفرقت عشرة أضاف هذه الحروف من الدموع .




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:16 AM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


حلقت في بالي ألف صورة وصورة .. تذكرت طفولتنا وشقاوتنا
في القرية , وعادت بي الذكريات إلى الوراء ويتوقف عرض
المشهد بعد كل جولة على آخر لقاء كان بيننا ... أنا الذي جئت
أحكي لك عما فعل الزمان في غربتي ونسيت أنك تنتظر الزمان
لساعة عودتي , أأقول اني تأخرت أم أن الأقدار هكذا .. قل لي
بربك أيها الريف أي سعادة سأفترشها هنا .. وعلى ذات المكان
الذي أنسنا بظلاله ذات يوما. وكأنها غمضة عين مذ أن ودعتك
ها هنا وأنت تأخذ حقائبي وتشد بصحبتك مأزري .. آآه لو كنت
أعلم حينها أنك مودعي لقبلتك قبلة ريفي وفيء على الجبين ..

عدت لأُكمل الشق الثاني من المظروف " هل ما زلت أنت الطائ
ر أم أصبح بين يدي دفء الشتاء ! ... أتمنى أن يصل هذا المظروف
بما فيه من مذكرات (غير مقروءة) إلى الغالية مُنى .. فإني أُقرئها السلام "


لملمت هذه الأشياء وأعدت ترتيبها وأنا أبعد عيناي عنها كي
لا تسقط عليها دموعي , وذهبت حتى وصلت بيتي وهناك
احتضنوني أهلي بحرارة يقتلها برود مشاعري , جئت بخطى
متثاقلة وهم يحسبون أن الغربة قد أذلتني وقتلت حيويتي ولكنهم
أخطئوا .. سألوني عن احمرار عيني وفتورها وقلت لهم أرق السفر
وقلة النوم وصدقوا . لم أسأل عن أحد ولم يحدثوني عن مستجد ,
وكل ما يمكن قوله هو أني لا أشعر بإستقرارٍ أبداً بل أشعر وكأني
على جمر. ساعات من الاستجواب ونبش الحديث عما حدث معي
فيما مضى وبعدها غادرت الديار وأخذت أتفقد دين سعيد في المتاجر
والبقالات الصغيرة التي أذكر اننا كنا نرتادها ونبتاع منها بدين ..
تارة أسألهم عنه ويجيبون أنهم لم يروه منذ سنوات وتارة يسألوني
عنه وأقول لهم كما قيل لي .. والإجابات المتباينة دائما هي أرقام الحسابات .

الوحيد الذي تألم لسماع الخبر ورفض أن يبوح لي بالمبلغ المتبقي
على حساب سعيد هو ذلك الآسيوي المسيحي الذي يدير مغسلة
للملابس, فقد عفى وبرءه وأحل له أمامي بل أعتبرها أقل ما يمكن
أن يمنحه لزبونــه .


كنت أطيل تفكيري المحدود وأنا أتساءل كيف للحياة أن تكون
بهذا الصخب والمرح وقلبي يعتصر من شدة المحنة .. ألا يقدرون
شعور أهل الموتى .. ألا يستفتحون على القبور ! أمعنت النظر في
أهل القرية , إنهم يمارسون الحياة ذاتها , ويهتمون بالعادات ذاتها
ويقولون العبارات ذاتها .. أين يبلغ الحزن .. ليس إلا فقاعة صابون
تتطاير في الهواء ثم تنتهي .. بل إن الموت أضنه جار من الجيرة
والحزن فردٌ ريفي يعيش بيننا وقد تزوج من اليأس ذات يوم وأنجب
لنا كل أؤلائك البؤساء .

تشتت الصحبة وتلاشت الطفولة .. كم من الأحداث حدثت في غيبتي
وأكثرها لازلت أجهلها .. هل سعيد توفي حقاً .. كيف إذاً ! ومتى وأين ..
ومُنى أين هي يا ترى ! وما موقع دفء من المحنة ! إن كانت هنا
فهي الشخص الوحيد الذي سأستمد منه كل التفاصيل بل هي من سيتولى
هذه الأمانة كما أوصى صاحبها.


بحلول المساء , كنت أنتظر عودة دفء في بيتها , جلست اختلق
الأحاديث وأمرر الأسئلة غير المباشرة . أستشف خفايا الأمور وأجد
بعضها يزداد غموضاً . لقد كبر أخوانها وتحسنت ظروفهم , وعرفت
نفسي اني كبرت أيضا , فقد مرت السنوات وكأنها أمس .

أقبلت الدكتورة دفء وعيناها يتلألأ فرحاً لست أدري عن بهجتها .
لأول مرةٍ أراها على معطفها المهني . كنت أربط اسم الدكتورة
بصورة لا تفارق ذهني, فكنت أرى أن الطبيبات ذوات تجاعيد
ويلبسن نظارات كبيرة ولا يقترن الجمال بمهنتهن إطلاقاً. هكذا
تنص القاعدة قبل أن أرى الدكتورة دفء , ولكنها كسرت القاعدة
التي تقول ذلك.


كانت قد شعرت بأن الأمور ليست في محلها وكعادتها تقرأ من
العين ما تسأل عنه .. وكأنها لم تعرف من أين تبدأ ..

ـ الحمدلله على السلامــة , كيف وجدت الغربة ؟
ـ أشعر بها أكثر وأنا في وطني ...
ابتسمت ابتسامتها الصفراء وقالت :
ــ هل استفدت شيئا ؟
ـ تعلمت الكثير .. وفقدت الكثير
ـ وماذا فقدت ؟
ـ كل شي ..
ــ الطائر .. لم أعتاد على رؤيتك متشائما لذلك لن أستوعبك
إلا إذا قلت ما تريد قوله دون إيحاءات أو كلماتٍ مختصرة.

ـ أنا تائه ـ يا دفء ـ منذ عودتي , وجدت القرية مبعثرة رأساً
على عقب .. أرجوك أخبريني عن وفاة سعيد .. كيف حدث ذلك !

لم تتأثر دفء ولم ترتبك فقد كانت تعرف ما مدى هذا الكلام ,
غير أنها استعرجت مصدره ..فهو بالفعل قد توفي في نظر الآخرين ..

ـ لا أعرف عن وفاته ولكني أعرف عن حياته .. هل ذهبت عند أهله ؟
ـ أجل .. كنت عند أمه حين حضر رجل وزوجته لمواساتهم بفقيدهم
ـ هل هذا الذي أوحى لك عن وفاة سعيد ؟
كدت أن أود أن أقتلع قلبها وأقرأ ما فيه , ولكني احتفظت ببرود أعصابي وتساءلت :
ـ ماذا تقصدين .. !
ـ سعيد لم يتوفى .. بل توفي والده قبل عدة أشهر
أخذت نفساً عميقاً ثم تنهدت بعدها .. ولازلت غير مقتنع
ـ ماذا قلتِ .. لم يتوفى ! وكيف لأمه أن تعطيني مظروفٌ
من سعيد ورموشها مبتلة بالدموع.. وحين فتحته عرفت
انها وصية يوصيني وإياك بإيصال ذلك المظروف إلى مُنى ..!


ـ عن أي مظروف وأي وصية تتحدث ؟


ناولتها المظروف وتركتها تحدق بعينيها على تلك الكلمات ..
وأنا أميل إلى قولها ولكني مازلت أجادلها حتى تجيب على
تساؤلاتي. نظرت إليها وهي تتباكى على الورقة وأنا أقول
لها هل هذا يكفي لأن تُقِرِ بأنه قد توفي .. هل كنت تنتظرينه
أن يمر عليكِ المشفى وتوقعي على جثمانه !

ـ أنا أقول لكـِ حدثيني عن وفاته , وأنتي تنكرين وفاته وتبكينه
بدموعكـِ .. ما هذا التناقض .. هل لديكـ ما تقولينه أم أنصرف
وابحث عن الجواب من أهله ..؟

أجهشت دفء بالبكاء وأجابت من خلال دموعها بصوت متقطع قائلة :
ـ
قلت لك أني أعرف عن حياته .. أعرف
عن مرضه .. أعرف عن معاناته .. أعرف
أنه حيُ يتمنى الموت في كل يومٍ وليلة ..

ـ تقولين أنه حي وانه لم يمت ...أين هـو الآن ؟؟
ـ أجل .. تعرض لحادث سير , وانتهت حياته بعدها ..
ـ وماذا بعد الحادث .. هل أصيب بالشلل ؟
ــ لا .. ليس كذلك , آآآه أه قصته طويلة ومعقدة سأختصرها لك.
وبعد لحظات من الصمت , استأنفت حديثها بنبرة حزينة قائلة :
ـ خرج من المشفى وهو لا يعاني إلا من البُكم وكان أهله لا يملكون
له شيئاً سوى أن يعيش في بيته ما تبقى من حياته .. لا يتكلم أبداً
ولا يلتفت إلى أحداً .. انحدرت حياته من سيء إلى أسوء وأصبح
اسمه مُدرج ضمن الغائبين بل على قائمة المنسيين .. أوقاتٌ أشبه
بالجُنون فتضيق نفسه .. يتنمر على البيت فيخرج من طوره وغالباً
ما يُكبل بالسلاسل ويوضع في زنزانته الصغيرة بين أربع حيطان إلى
أن تهدى نفسه بعد عدة أياااام.

ـ منى ..أين كانت ؟
تستعين بها أُم سعيد إن أشتد الأمــر فتأتي العشيقـة ـ مُنى ـ تلك التي
لا يستقر السكون إلا في حضرتها .. همسة حانية فيستجيب لها ولو
أشارت له بالرحيل لأفتدى بالموت حينها .. لا يطيع أمراً سواها ..
ولا يرى في الناس دونها .. تذرف عيونه إلا أمامها .. يكره العالم
إلا رؤيتها .. يتجاهل الأفواه إلا ثغرها ..

لم تكن هي الاُخرى تتجاهل أمره أبداً .. فقد أصابها الوهن وأصفر
وجهها بل ولازمت السرير ليالٍ طوال تتأوه في خلوتها .. يؤلمها
كثيرا حين تراه يتأمل الشروق وأرجله مقيدة بالسلاسل وقد بكت
حتى كل الدمع من عينها ,,

ـ ومن ثم .. تزوجت أليس كذلك ؟
ـ انتظرتــه قرابة الثلاثةُ أعوام على أمل أن تراه صحيحاً معافى
يشدوا صباحا ويمسي سعيداً ..

ولكنها تزوجت أخيراً مسلم ورضخت للواقع كيفما كان ..
ــ يا للصدف .. مسلم تزوجها ! وهي قبلت به ؟
ــ ليس حُباً فيه ولا طمعاً في حياتها .. بل هروباً
من واقع الألم وسماع الوجع ومراقبة القدر ينخر
القلب المُعذب في صمته ..


توقفت لبرهة وحنت برأسها وأخذت وشاحها تمسح
دمعاتها الصامته .. وأنا اتمالك نفسي وأكبح انفجار
أدمعي .. ثم استطردت قائلة :

ـ تطلقت حين أصرت على بيع ذهبها وجميع ماشيتها
لتتبرع بها كثمن تكاليف علاج سعيد الذي كان قد أُرسل
للخارج دون جدوى.


ـ وماذا عن حياتها ..؟

ـ عملت مؤخراً في مدرسة كمنظفة وتصفيف الكتب في
المستودعات بأجرٍ ضئيل وتنفقه على طفلها وكثيرا
(إن لم يكن شبه يومي ) ما ترسل بعض المشروبات
والأكلات الخفيفة مع أخوانها الصغار ليصل إلى سعيد
وخاصة عندما علمت بظروف أبيه المادية والصحية.

لا اخفيكـ أنها كانت ولازالت تحتفل بالأعياد معه ..
ففي كل سنة تشتري باقة حلوى وعطر صغير وتأتي
صبيحة العيد تاركةً همومها في بيتها لتزوره مبتسمةً برفقة أمه.

يا الله .. أهذا كله حدث في هذه القرية الصغيرة !
توقفنا عن الحديث تماماً وبقيت عيوننا تحتضن
أخبارهم .. تصور معاناتهم .. كثيرا ما يأتي الصمت
حين لا نحبذه .. بحثت في عيونها عن حبٍ قديم ..
وعن عشق عتيق .. عن مذكرات طفولتها .. عن كل شي ..


مازلت أحمل أمانة لا أعرف إليها سبيلا .. وصديقٌ
أتردد في زيارته .. وحبيبة أجلت اشواقي تجاهها
إلى أجل غير مسمى. أدركت أن الأمانة هي بوح
أشعارهم .. مذكراتهم .. أمنياتهم .. تفاصيل عشقهم
ومراسلاتهم منذ الطفولة , كان قد وعدها بالاحتفاظ
بها وبحبها حتى الموت ..


ومن ذكاءه أنه قد وضعها في مظروف وكتب عليها
وصيته حتى إذا توفي ( لا يدري المرء نفسه في أي
ساعة ولا أي أرض يموت ) يجد أهله في أغراضه أن
هناك أمانه يجب إيصالها للطائر ومن ثم لـ دفء حتى
تصل إلى مُنى دون أن يعرف احداً عن هذه الأمانه وماهيتها.
والتاريخ المدون على ظهر الرسالة يشير إلى ما قبل الحادثة
بشهر وعده أسابيع.

وبما أن سعيــد على قيد الحياة , فقد ارتأت دفء أن تحتفظ
هي بهذه الأمانة حتى يحين موعدها , كما أن مُنى لن تستوعب مزيدا من الصدمات ..




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:17 AM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


بعد عدة أشهر .. صادفني رجل مُسن يتفقد مرعى نوقه في نهاية الصرب.
كان يشتهر بالشجاعة في شبابه خاصة في عهد الثورة الشعبية لتحرير ظفار,
له مواقف مشرفة في حياته الاجتماعية والسياسية , يكاد ينكرها التاريخ لقلة
المؤرخين العرب وانحيازية الكُتاب لفئة دون أُخرى .. ولا أعرف شيئا عن حياته
الراهنة غير أنه رجل متدين من أخلاقه ويخاف الله في حديثه وتعاملاته , لو كان
شاباً لحكمت عليه بأنه انطوائي. كان دائما يسأل عن حال سعيد كلما قابل أحد من
القرية, وقد علم أن والد سعيد متوفي وليس له أخوان , وأبناء عمومته لا حول
لهم ولا قوة في ذلك وقد يأسوا جميعهم من حالته ولم يعد هناك من يهتم له من الرجال.

استوقفني الرجل بحواره عن علاقتي بسعيد ذات الاهتمام الملفت
وأستقطب عيناي وكل جوارحي حين قال:


ـ هل تملك الشجاعة لإنقاذ صديقكـ ؟

ـ عن أي شجاعة تقصد .. كلنا سندفع أرواحنا لسعيد

ضحك مني قائلاً :


ــ كلكم تقولون الكلام ذاته ..


أمسك بعصاه ليكمل طريقه .. واستبدلت اجابتي قائلا :


ــ انتظـر .. نعم أملك الشجاعة ماذا تريد أن تقول


ودون أن ينتظر لسماع ردة فعلي .. قال بحزم :

ـ لا شي .. فقط صديقك مسحور ..

أخذت أعدي خلفه حتى برزت أمامه واستوقفته مرة أخرى قائلاً :

ــ من قال لك أنه مسحور ؟

ـ يا بُني.. لو كنت تفكر في إنقاذه لسألت عن الفاعل

ـ ومن كان وراء ذلك ؟
ـ هل تعرف وادي الضباع ؟
ـ أجل .. عشت روعيي الغنم وأعرف كل تلك الأودية والهضاب
ـ إذاً كن هناك نهار يوم الجمعة وإن رأيت إمراة تصطحب الضباع
فأعرف أنها لها ضلع في هذا الأمـر .. وأحذر أن تراك هي قبل أن تراها.


سألته آخر سؤال بعد إلحاح قبل أن نفترق قائلاً له :

ـ وإن لم أراها ..
ــ هذا يعني أنها رأتك قبل أن تراها والحامي هو الله .

أعطاني تلك الإشارات والدلائل كمفتاح للخريطة وذهب في طريقـه, وكأنه يؤكد
تواجدها هناك ويحذرني من أن تراني قبل أن أتمكن من رؤيتها.


يبعد المكان عشرات الكيلو مترات وهو وادي محفوف بالأشجار لا يعرف مآربه
إلى الرعاة, لكونه يتميز بكثرة الكهوف الكبيرة التي يلجأ إليها الرعاة إلى إيواء
أغنامهم حين تهطل الأمطار بغزارة في غير مواسمها.




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:19 AM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


شرعت أخطط لهذه المهمة دون أن أبوح لأحد بما يجول في خاطري ,ولم يكن لدي
أدنى فكرة عما سأستخدمه في تلك المواجهة من حِيل , والحمد لله الذي أنعم علينا
بالعلم والدين والتحصين ضد السحر والجان .

في صبيحة يوم الجمعــة , حرصت أن تكون صلاتي الفجر جماعة في المسجد ,
وفطرت على سبع تمرات وماء وقرأت سورة الكهف وآية الكرسي والمعوذات
وكثيرا من الأدعية التي تبطل أعمال السحرة ..


أخذت بندقية ألمانية تعود للحرب العالمية الثانية , وسكين يكفي لنحر سبعمائة
ناقة .. وعصى غليظة وتوجهت لوادي الضباع , وصلت هناك وأتخذ مكانا يرصد
مدخل الوادي ومطل على كهفين أساسيين. كنت أشاهد الثعالب تعود أدراجها إلى
أوكارها وبعض الذئاب يتراقصون على جيفة أسفل الوادي .. وصغار الوبر البري
يعتلون اشجار الصغوت مستبشرين بصباح جديد .. سبحان الله ,, كنت أؤمن دائما
أنه إذا أردت أن ترى مالم تكن لتراه فغير من روتينك فجأة .. أو فاجئ الأمكنة
بزياراتك غير المعتادة .



بحلول العاشرة والنصف صباحاً , لمحت إمرأة تنزل إلى الوادي ولكنها اتخذت طريقا
غير الذي كنت أترصده . راقبتها وهي تنحدر وتنعطف يمينا ويساراً إذ أن الطريق يبدوا
كأنه متعرج , توقفت لتأخذ استراحة أو ربما تراقب هي الأخرى أسفل الوادي وتنظر
بلمحات متكررة إلى جنبات الوادي .


وأنا أراقبها , قد غيرت مكاني مراتٍ عديدة لأتعقب آثارها إلا أن دخلت كهف متوسط
وظلت على فوهته حتى انبثقت إليها الضباع من أوكارها.


حشوت الرصاص في بيت النار وتسللت إليها حتى وضعت فوهة البندقية أسفل أذنها .
ارتعدت وازداد هلعها واتسعت حدقاتها متسمرة دون حراك قائلةً :

ــ اللهم سترك .. استر لنا يارب ..
ـ أستُرك بعافية صديقي الذي تكالبتن عليه وإلا ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ لأرجمنكِ هنا دون رحمة.
تشبثت بالأرض وهي تراوغ بالأعذار قائلةً :
ــ عافيته من الله ..

لم أتردد في اطلاق أول رصاصة على ضبع امام أعينها لتقذف به النار
أسفل الوادي ,وتردد صداها كقوة مدفع ..وأعددت الرصاصة الثانية لبيت النار ..


وضعت فوهة البندقية على مركز رأسها بدون رأفة وصرخت قائلاً :

ـ أخبريني بمن فعل بصديقي وإلا والله سأفجر رأسك
ــ أتركني .. وأسترني.. وصديقك ستأتيه العافية من الله , أذبح بقرة لا حلوب
ولا ولود واجعل دمها يسيل على مكان منامه.


تركتها تنتحب من شدة الهلع ومتندمة لسوء فعلتها , وعدت إلى القرية
وقد خبأت البندقية عندما اقتربت من الحي . توجهت مباشرة إلى منزل سعيد
ودخلت عليه غرفته فوجدته مٌلقى على الفراش كالجثة المحنطة .


نزلت إلى حظيرة الماشية , وناديت أم سعيد وقلت لها أريني من أبقاركم بقرة
لا حلوب ولم تكن قد أنجبت , فأشارت على بقرة خارج الحظيرة . سألتني لما
السؤال فتجاهلت أمرها وربطت رأس البقرة بالبوابة الحديدية وأحكمت ربط
أرجلها وقذفتها أرضا ونحرتها وجعلت دمها يسيل في إناء معدني وبعد ذلك
أخذت الدم إلى غرفة سعيد وجعلته يسيل على جسد سعيد وعلى منامه ونثرته
على زوايا الغرفة .


خرجت وتركته يرتعش ويرتعد من مكانه ووجه ينكمش وينتفض وينفخ زفيره في الهواء ..

أستغرق سلخها وتوزيعها للقرية عدة ساعات ,وبعدها عاد الرجال والأولاد من صلاة الجمعة
وسمعت أم سعيد تهلل وتكبر وتحمد الله على عافية سعيد ..


ذهبت مسرعا ورأيته ينفض الدم من رأسه وقد أزعجه تخثر الدم على جلده وبدأ
يتحسس حنجرته بيده .. ويحمحم . حلفت له أن يبقيه لعدة ساعات ..
ولكم أن تتصوروا سعادتي وهو يشتمني ويلعنني بطريقته الساخرة ..


في اليوم التالي , كان قد زاره جميع أهل القرية وأقرب الأهالي إلا من كانت
تزوره عشية وترثيه في أوج الليالي .. ذهب يبحث عن مُنى في الجوار ويتفقد
القرية فلم يجد إليها سبيلاً .. كان يخشى دائما أن يسأل عنها أو يذكر أسمها عند أحد .

كانت هي الأخرى قد علمت بأنه تماثل للشفاء ,ولعلها تنتظر الزحمة والجموع أن
تتلاشى لتلهم قرة عينها النظر في ذاك الحبيب الأولُ ..


أخذ سعيد يقتفي أثرها مستبعدا السؤال عن إسمها .. كل ما يعرفه عنها أنها كانت تزوره
وقد تزوجت بزميله وتركها مطلقة ولديها طفل قد تجاوز السنة وأخر معلومة عنها وصلت
إليه ..أن أ أنها في منزل أخيها . وكل ما يسعى إليه هو أن يختصر الأخبار من طرف عينها
ولم يكن يفكر بالعتاب أبداً ولو تزوجت من غيره ألف مره.


لم يتراجع عن زيارتها ولو كانت خارج حدود القرية وربما أبعد
من ذلك .. طرق الباب وفتحت له زوجة أخيها ..


ــ هل مُنى هنا ؟

ـ أجل .. من يريدها
ـ هل هي بخيــر ..؟
ــ ومن أنت ؟

سمع أحمد صوته وقال لزوجته دعيه يدخل ..

ــ أهلا بك تفضل .. الحمدلله على سلامتك

ــ زاد فظلك وكرمك .
ـ جئت تسأل عن مُنى أليس كذلك ؟
ـ أ.. أأ .. أجل فقط أشكرها لأنها كانت تساعد أمي كثيراً.
ــ أنها مريضة منذ بضعة أيام .. أخبرتها أن تأتي معي لزيارتك البارحة
ولكنها أكتفت بأن ترسل لك سلامها .. تعال لعلها تسعد بزيارتك .


دخل أحمد إلى غرفة مُنى وبعدها تبعه سعـيد وقلبه تتصارع بداخله حياءً وشوق
وخوفُ على صحتها .. ذهنه فارغ تماماً من العبارات والجمل الاستهلالية ..

أنها نائمة طريحة على الفراش لا يُرى منها إلى وجهها الذبِلُ .. قلبها الصغير
لم يعد يتسع من الهم شيئا فقد أمتلئ حزناً .. واكتوى ألماً .. وذاقت مرارة الخيبة
واستنزفت من طاقة الأمل حتى أخذ من قوة عظامها وبدأت تشعر بالهشاشة وضعف
المناعة ضد صروف الدهر .. لا تحب أن تتظاهر بالألم أبدا ولا حتى الاعتراف به ,
إلا أنها تجهل وقفة زائرها على رأس سريرها.

لم يتوقف عن النظر إليها .. قصة حب مبتورةٌ قبل أن تبدأ .. نائمــة
هي وبقي هو مثل جرحٍ لم يندمل بعد ... مهما كانت الأقدار قاسية وأندثر
ما كنت تجمعه لغداً فالأجمل دائما مازال قادماً ..


كان سعيد يحاول استعادة تفاصيل زنزانته ويتعمق في التفكير وعيونه منصبة
على عيون حبيبته المغمضتانِ حين قطع عليه أحمد تأملاته بالحديث قائلاً :


ـ أخشى أن لا أتمكن من حضور دعوتكم للعزيمة المزمع تنظيمها الأسبوع المقبل ,
فقد تم نقل مقر عملي إلى العاصمة .


نظر إليه سعيد وكانت ردة فعله سريعا
ـ وهل ستذهب منى معكم ؟

شعر بالإحراج من سؤاله وأردف قائلاً :

ـ أقصد أنها مريضة .. لا تقوى على السفر
ـ ستتعافى قريباً بإذن الله .. وستأتي معنا.
ـ أجل .. أجل .. بإذن الله ستزول حمتها.


بعد مضي عدة أيام أُعلن في الريف عن وليمة غداء بمناسبة تماثل
سعيد للشفاء (مسلوت = عزيمة ) والدعوة عامة للجميع كما أن هناك
خيام نُصبت للنساء أيضاً (نحج طال بطاسه = احتفالات نسائية ).


حضر الرجال من الشرق إلى الغرب , وسعيد في وسط الخيمة يهنئه
الحاضرون بالسلامة . كان سفر مُنى عن القرية يشغل حيزاً كبيراً من
تفكيره , ترقب حضور زميله أحمد ولم يأتِ فعرف من خلاله أنهم مغادرون.

بدأ كأنه شارد الذهن وكانت تراوده فكره وداع عائلة سعيد قبل خروجهم من البيت.
حاول أن يتمكن من اللحاق بهم في البيت فوجد الأبواب مؤصدة , وتوجه إلى المطار
ولم يجد لهم أثراً .



عاد من حيث أتى وقد ألم به رحيل مُنى دون أن يودعها .. ليس هناك أشد وجعاً من
أن تخدعك الظنون وتتعقبها كما يتعقب الظمآن السراب . عاندهم الحظ ومنعتهم
الظروف أن يستمعا إلى حديث بعض لأكثر من ثلاث سنوات. الحب أحياناً يجعلك
تعيش أصعب الظروف وكثيراً ما نعتقد أن الحب رياح عاتية لا تمر إلا على المراهقين.


كانت الهبوت قد بلغت ذروتها حين برز رجل من بين أوساط الناس ليقول كلمة أمام
الحاضرين . تجمعت الرؤوس على مسمع منه وهو يذيع في الخيمة قائلاً:

ـ بالأمس كنا نبكي ونتباكى على موتانا واليوم نضحك ونتغنى
بأفراحنا .. الأمس يومٌ مضى وانقضى واليوم ماضٍ مقتضى
والغد كالأمس واليوم سيأتي ويفنى. وهذه هي الحياة لا وجعٌ
يدوم ولا فرح يطول .


توقف لبرهة .. والناس مُنصتين إليه ثم أستأنف حديثه
وهو ممسك ذراع سعيد بيده اليسرى قائلاً :

ـ أغلبكم يعرف هذا الشاب , وجميعكم قد سمع عنه, كما تعرفوني جميعكم
وأنا أشهدكم بأني قد عزمت على تزويج ابنتي مٌنى من هذا الشاب على سنة
الله ورسوله فأشهدوا عقد قرانه الآن, وعلى هذا المكان ولتصبح العزيمة
ضيفة زواج سعيد من مُنى .


سعيدا وهو واقفا إلى جانب والد مُنى وأمامهما الشارع (الشيخ) الذي يلقنهما
نص عقد القران , ولا يدري ماذا يفعل , بل انه لم يصدق ما سمعت أذناه ,
ولم يستوعب ما شهدت عيناه.

كان قبل لحظات يبحث عن مُنى لوداعها فلم يجد إليها عنواناً أو طريقاً والآن
يتم تزويجه البنت ذاتها . معادلة في نظره لم يتمكن من فكها ولكنه على أقل تقدير
قُرر له ذلك وسينتظر من أين سيشع النور الذي عتم كل هذه السنين.

تهافت الناس لمصافحة العريس وضجت الهتافات والعبارات
" مبروك مبرووووووووووك ألف ألف مبرووووك " وتطايرت
الورقات النقدية حول رأس العريس الذي لم يكن مستعداً أبدا
لبريستيج او بروتوكول العرائس , كما انه لم تلتقي شفتاه من كثرة
الابتسامات العريضة واحيانا يتخللها الحياء , والصدمة والمفاجئات
التي تنهال عليه من يمنه ويسره.

لم يكن وحده المُتفاجئ فحسب , بل وصلت المفاجئة الكبرى أوساط النساء
حين دخلت العروس بكامل زينتها إلى خيمة النساء وكانت برفقتها أمها ودفء.
كانت دفء هي التي تشجعها على المواجهة وتواري حيائها إذ كانت جالسة
بجنبها تشرف على تجهيزها. ظهرت مٌنى وكأنها غصنٌ بدأت تزهر أطرافه,
وتستعيد نضارة بشرتها لتبدو كما كانت وأكثر جمالاً وتأنقاً. بدأت عروق الحياة
تضخ دماءها من جديد .. وعادت القرية تنتعش بشبابها وتعيد نسج ما مضى من أحلامها.



دفء الشتاء.. تلك التي كرست حياتها للسعي الدؤوب خلف أحلامها وتحقيق
رغباتها العلمية .. أنها باتت تدرك بعد كل هذه السنوات المتعبة أن الاستقرار
النفسي لا يمكن شراءه بالمال ولا توفره الوظيفة. وإذا كانت الحياة هي معادلة
فلا بد أن يكون هناك مبدأ للتكافؤ.



لم تُكن هي الأخرى بعيدة عن هذه الزيجات , ولم تكن تتوقع يوما من الأيام
أن زفافها سيكون بهذه الطريقة السريعة.
يليق بها
فستانها الثلجي ..
وما ازدادت إلا جمالاً وأنوثةً وهي بين الحلم واليقظة من هول المفاجئة.
أصبحت من نصيب الطائر الذي اصابته هو أيضاً عدوى المفاجئة فقد تم
أخذه من مطبخ الوليمة إلى جانب سعيد ليشهدا عرسهما معاً .





############# the end ################
أتمنى أن تعجب ذائقتكم .. خالص احتراماتي وشكري لكم جميعا .......

أهداء إلى من يعشق ظفــار ..




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-15, 06:23 AM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


مذكرات ظفارية 2


خرجت يوما للسهر مع صديق لي في سيارته, وبينما كنا نتجول في السيارة ورد إليه اتصال هاتفي وق
ام بالرد عليه , بدأ له أن المتصل يطلب مقابلته وحده وأن لا يكون بصحبته احد. بعد انتهاءه من المكالمة
أخبرني بأن هناك شخص ينتظر مقابلته في احد المطاعم ولابد من ذلك , ونحن في طريقنا إلى المطعم
طلب مني صديقي قائلاً:


ــــ أنت ستكون الليلة أبكم وإياك أن تتفوه بكلمة واحدة انتبه!
ــــ ولماذا أتظاهر بذلك ؟
ــــــ الشخص الذي ينتظرني يريد أن يأخذ راحته في الحديث وقد أخبرته عنك وقلت له انك أبكم حتى لا يعقدني.
ــــ حسناً , سأنتظرك في السيارة حتى ولو تأخرت
ـــ لا لا , لن يطول جلوسه فهو سيذهب ونحن سنكمل سهرتنا هناك.

لم أفهم جيداً ما يفكر فيه ولكونه صديق غير مقرب وعلاقتي به علاقة ملاعب ومطاعم وسهــر
فلم أسأله عن شيء فقط اتفقنا على مقابلة صديقه وأنا أتظاهر بالبكم.

وصلنا المطعم وهناك في احدى الزوايا كانت الطاولة رقم 5 مرتبه ونظيفة وعليها مناديل و
ثلاثة علب ماء بارد ولا يشغلها احداً. يبدو أنها محجوزة لصاحبنا. تقدم صديقي وجلسنا على
تلك الطاولة إلى أن جاء الذي ينتظر لقاء صديقي.

سلم علينا وهو يتفحص عيوني وكأنه لا يرغب بتواجدي. خاطبته مستعيناً بالإشارة والابتسامة
وهما يبتسمان مني, ثم استدعى صاحبنا شخصاً اسمه ناصر, وحين سأله صديقي عن سبب استدعاء
هذا الشخص , قال له : هذا شاب يناسب صديقك سنتركهم يتعرفون على بعض ونتفرق نحن لحديثنا.


جاء ناصر والابتسامة ترتسم على شفتيه وشرع يسلم علينا ويرفع أصبعه الابهام وانا ابادلة بالطريقة
ذاتها ثم أشار له صاحبنا مستخدماً طريقة حك السبابتين ببعضهما ثم يشير نحوي وهي جملة كافية ليفهم
منها ناصر انني أبكم مثله.

جلس ناصر يلقنني الاشارات ويحرك أصابع يديه بطريقة سريعة جداً , ولا أملك من الأمر شيئا سوى الابتسامة
وتحريك حواجبي وثني رأسي ورفعه علامة لمواصلة المحادثة. شعرت به يواجه صعوبة بالغة في توصيل
معلومته بشكل صحيح بينما هو يتلقاها مني بطريقه سلسه , لدرجة انه سألني عما إذا كنت قد تعلمت شيئا في هذا
المجال بالطريقة الحديثة (لغة الإشارة ورسم الجُمل وتوصيل المعلومة بطريقة مختصرة , فقلت له انني أتعلم في
البيت أحيانا , كما أنه سألني عن التلفون وأخبرته أن هذا التلفون فيه صور رائعة واشياء حلوه ويمكنك استخدامة
والتعامل معه وهكذا , وكل ذلك حتى استغل طريقة تحويل حالة النقال إلى وضع الصامت حتى لا يفضحني.


جلست مع ناصر قرابة الساعة ونحن على لغة الإشارة في حدود التعارف وبعدها سألني عن خلفية صاحبنا فبينت له
اني لا اعرفه مجرد انه صاحب صديقي, وهنا بذلت جهداً كبيرا في الحوار معه لأستشف منه ولو شيئا بسيطاً عن صاحبنا.
واتضح لي بعد جملة اشارات وإيماءات ان صاحبنا ليس سوى مروج منشطات كما انه حين يشير إليه لا يعبر عنه بإرتياح
, ضحكت منه فقلت في نفسي ربما أسأت ترجمة الاشارة.


بعد تقريبا ساعة جاء إلينا صديقي ومر صاحبه من أمامنا وكانه يغادر المطعم ,ثم أشار إلي صديقي برأسه لنخرج ,
فقمت وصافحت ناصر وودعته بودوتعابير لا تخلو من الابتسامة.
انصرفنا أنا وصديقي وحين ركبنا السيارة سألته:
ــ إلى أين سنذهب ؟

ـــ سنكمل سهرتنا في مكان آخر غير هذا
ـ كأنك تأخرت قليلاً ولكن لابأس ...
ـ الأهم أنك أبليت بلاءً حسناً في عملية التمثيل
ـ لقد أوقعتني فكرة التعارف في مأزق كبير فلو تأخرت قليلاً لكشف أمري.
ـ جيد أنك حافظت على هدوءك وعرفت كيف تتصرف

أدار السيارة إلى الوراء وذهبنا في طريقنا إلى إن مررنا بسيارة مصطفة على رصيف احدى الطرقات الفرعية.
أصطف صديقي بجانبه وفتح له صندوق السيارة الخلفي (دبه) ووضع فيه ما وضع ثم أكملنا طريقنا.

في الحقيقة تجاهلت كل شيء وابعدت كل الشكوك حتى لا أكون شاهد على شيء وارتبط به , ولكن فضولي
يراودني لمعرفة خلفية صاحبنا الذي قابل صديقي في المطعم , وهنا سألته بطريقة غير مباشرة :


ـــ كنت افكر في ذلك الرجل وكثيرا ما اصادفه ولكن لا أدرياين بالتأكيد ! من ذلك ارجل ؟
ــــ لا اعتقد انك قد رأيته من قبل , فهو لا يعيش هنا أصلا..

سكت هو بعدها ولزمنا الصمت ثم أوصلني إلى حيث أخذني وكانت ذلك ابرز ما جاء في سهرتي معه.
حذفت رقمه من قائمة معارفي وكل ما حاولت بالإبلاغ عنه أخذتني عواطفي وتجنبت عواقب تلك الأمور ,
كما انه ليس هناك آلية واضحة للإبلاغ عن مثل هذه الحالات , وربما تعرض نفسك للمساءلة القانونية إ
إن بلغت عن شيء دون دليل واضح , وانت لا تملك إلا ما رأت عيناك. ولكنه الآن يقضي بعضاً من عقوبته
خلف قضبان الحديد.
عين الله ترعاكـ ياوطن وترعى كل العيون الساهرة لأجـــــلك يا وطن ,,,,,,,,,,,,,,,



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:32 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.