آخر 10 مشاركات
موعد مع القدر "متميزة" و "مكتملة" (الكاتـب : athenadelta - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          فضيحة فتاة المجتمع الراقي (83) لـ:مورين شايلد (الجزء1 من سلسلة فضائح بارك أفينو)كاملة (الكاتـب : * فوفو * - )           »          وهج الزبرجد (3) .. سلسلة قلوب شائكة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          لنجعل اليوم يوم الاعتراف .....؟ (الكاتـب : ميكاسا أكرمان - )           »          لوحة ليست للبيع -ج2 من أهلاً بك في جحيمي- للكاتبة الآخاذة: عبير قائد (بيرو) *مكتملة* (الكاتـب : Omima Hisham - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          الطريق المسدود -روبرتا لي -عبير جديدة - عدد ممتاز (الكاتـب : Just Faith - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-16, 10:05 AM   #11

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



- 9 -

انطلق شهاب وسلمى في رحلتهما الى القاهرة في ساعات الصباح الباكر, ساد الصمت الرحلة أول الوقت, حتى عرج شهاب على محطة وقود لملأ خزان السيارة, أوقف المحرك ونظر اليها يسأل بهدوء:
- عاوزة حاجة من السوبر ماركت؟, أنا نازل أجيب مايه..
هزت رأسها نفيًّا ونظرت اليه مجيبة بهدوء:
- لا شكرا...
قال شهاب:
- ثواني هجيب مايه, انا فتحت له التانك...
لم يغب سوى عدة دقائق ليعود بكيس كبير, دلف الى السيارة ووضعه في الفراغ بينهما قبل أن يدفع فاتورة الوقود ويمنح العامل الكهل بقشيشا سخيًّا جعل الأخير يبتسم داعيا له بأن يحفظ عليه زوجته!..
احمرت وجنتي سلمى قليلا لدى سماعها وصفها بزوجة شهاب, ولم تلتفت اليه, فيما ابتسم شهاب للعامل ابتسامة صغيرة ورنا اليها بنظرة ليجد البرود هو سمة وجهها كالدارج, كتم زفرة حنق ثم شغل المحرك استعدادا لمواصلة الرحلة, وهو يدعوها لتناول العصير وبعض الشطائر الذين ابتاعهم من السوبر ماركت..
وصلا الى الجامعة, تركته قائلة:
- هشوف الدكتور ولو إتأخرت يبقى عنده محاضرة هستناه يخلصها, لو حبيت ممكن تستناني في كافتيريا الكلية, ولو اني بقول انك تروّح وانا هظبط أموري في الرجوع...
نظر اليها بتركيز وأجاب بتأن وهو يضغط على حروفه:
- شوفي يا سلمى..انا قلت لعمي اني هودِّيكي وأرجعك, فيا ريت ما تفتحيش الموضوع دا تاني, دا أولاً, وثانيا خلّصي اللي وراكي وما تشيليش هم.. أنا مش هزهق, هستناكي في العربية لغاية ما تخلصي, بس يا ريت تديني نمرة موبايلك لأنها مش عندي.. للظروف يعني....
حركت كتفيها صعودا وهبوطا بلا مبالاة وقالت:
- براحتك, هات رقمك أرن لك..
وتبادلا أرقام الهاتف, لتترجل سلمى بعدها من السيارة متجهة الى داخل الجامعة..
لم يمر سوى وقت قصير قبل أن يسمع شهاب طرقات على نافذة السيارة, كان يستند برأسه الى ظهر المقعد مرتديًّا نظارته الشمسية, كانت عينه قد غفت ريثما تعود سلمى, استيقظ من غفوته على صوت طرقات النافذة, نظر الى يساره ثم رفع النظارة فوق رأسه ليرى سلمى وهي تشير اليه بفتح الباب لها, ضغط على الزر التحكم الداخلى بقفل الأبواب, فتحت الباب وصعدت الى مقعدها, نظر اليها بحيرة وتساءل قائلا:
- معقولة!, لحقتي تخلصي؟..
زفرت سلمى بضيق وأجابت:
- لا طبعا, بس على حظي أنا طلع انهرده يوم العمليات بتاع الدكتور, وهو في المستشفى انهرده, يعني يبقى كتّر خير الدنيا لو عرفت ألمحه بس!..
كانت بالنسبة لشهاب المرة الأولى تقريبا التي يشاهد فيها سلمى وقد تخلّت عن برودها المعتاد وتتحدث بحنق طفولي نوعا ما, كتم ابتسامة داخله ووجد نفسه وهو الثائر دوما يحاول تهدئتها وطمأنتها انها ستستطيع مقابلة أستاذها كما خططت اليوم, قال شهاب بابتسامة صغيرة:
- ولا يهمك, يعني هو هيبات في المستشفى مثلا؟, ليكي عليّا يا ستِّي مش هترجعي كفر الخولي إلّا وانتي مقابلاه واللي أنت عاوزاه من سفرية انهرده دي اتحقق!
نظرت اليه بدهشة لم تستطع إخفاؤها وتحدثت بحيرة:
- شكلك متأكد أوي؟
أجاب بتلقائية:
- عادي, أنتي عاوزة تقابليه وهو أكيد في وقت معين هيخلص شغله ساعتها بقه دي فرصتنا تقابليه وتورّيه الرسالة بتاعتك..
انطلق شهاب الى المشفى بعد ذلك من جهة تجدد سلمى أجازتها ومن جهة أخرى تحاول مقابلة أستاذها....
صف شهاب السيارة وانطلقت سلمى الى الداخل فيما جلس هو يراقبها الى ان اختفت عن ناظريه, لترتسم ابتسامة شاردة فوق شفتيه لا يعلم سببها ولكن ما يعلمه جيّدا أن ابنة عمّه تخفي جانبا من شخصيتها, جانبا طفوليّا جذابا على وجه الدقة, ولا يدري لما استساغ عدم ظهور هذا الجانب منها, قد يكون لأنه علم كم أنه جانب بريء طفوليّ ينال إعجاب أيًّا كان, فأراد ألا يظهر لأي أحد سواه!!..
مرّ أكثر من ثلاث ساعات عندما حانت من شهاب القابع في سيارته نظرة الى باب المشفى ليفاجأ بسلمى خارجة وهي تبتسم ولكن تلك الابتسامة لم تكن موجهة إليه بل الى هذا الرجل الذي يرافقها!!..
ترجل شهاب من السيارة في نفس اللحظة التي وصلت فيها سلمى اليه برفقة زميلها والذي ما إن تمّعن شهاب النظر فيه جيّدا حتى علِم أنه كريم قريبهم ذاك, تبادلا التحية, صادقة من جهة كريم, وباردة كالجليد من طرف شهاب, قال كريم لسلمى بابتسامة:
- مافيهاش كلام هتيجي يعني هتيجي!..
ثم وجه حديثه الى شهاب قائلا:
- وطبعا الدعوة لحضرتك بردو, سلمى عارفة الطريق, أنا هسبقكم وهنستناكم اوعوا تتأخروا!..
ما ان غاب كريم عن الأنظار حتى التفت شهاب الى سلمى قاطبا بين حاجبيه متسائلا:
- دعوة ايه ونروح فين؟
أجابت سلمى ولا تزال البسمة تنير وجهها:
- أبدا, طنط وفاء صممت اننا نتغدى عندهم انهرده, وأنا وافقت..
أجاب شهاب :
- وإزاي حضرتك توافقي من غير ما تاخدي رأيي الأول؟, ايه تكونيش فكّرتي اني السواق الخصوصي بتاع حضرتك؟!..
كتمت سلمى تأففها وهي تهمس في نفسها:
- مهما عملت بردو بترجع تاني شهاب المدب!, انا افتكرت انى كنت واخده عنك فكرة غلط لما قعدت تطمني اني هقابل الدكتور زي ما انا عاوزة, أتاري دا اللي كان الاستثنا والقاعدة قلة الذوق!, دا انت حتى ما سألتنيش قابلته ولا لأ؟, ضيعت فرحتي بكلام الدكتور اني قربت أخلّص الرسالة!..
انتبهت من شرودها على صوت شهاب النزق وهو يهتف:
- هاي بكلمك أنا, روحتي فين؟
زفرت بعمق وأغمضت عينيها لتفتحهما بعد ذلك ناظرة اليه وقد رسمت ابتسامة بلهاء على وجهها لتجيب ببرود توصلت انه الطريقة المثلى للتعامل مع ناره المتّقدة دائما:
- ولا في أي حتة!, ما روحتش في حتة, عموما ولا تزعّل نفسك, أنا طبعا عارفة انك مش السواق اللي جابهولي بابا, وعلشان كدا أنا بقولك بمنتهى البساطة أنا معزومة على الغدا وقبلت الدعوة, انت مش عاوز براحتك ارجع انت وانا هتصرف, ما تقلقش من الموضوع دا!..
حاول شهاب تمالك نفسه واقترب منها ليقف أمامها تماما ومال ناحيتها حتى رأى انعكاس صورته في غابات الزيتون خاصتها وهمس من بين أسنانه المطبقة:
- سلمى لآخر مرة أقولك ما تفتحيش موضوع انك ترجعي لوحدك دا تاني, ودلوقتي اتفضلي اركبي, ويا ريت ما تختبريش صبري عليكي أكتر من كدا, أنا مطوّل بالي عليكي لغاية دلوقتي!!
تمتمت سلمى بصوت مسموع بينما تفتح الباب لتصعد:
- كدا ومطوّل بالك؟!, أومال لو مقصّر بقه؟..
أمسك شهاب الباب ما أن همّت بإغلاقه ومال عليها ليدخل رأسه ناحيتها وهو يقول بتقطيبة عميقة:
- نعم؟, انتي بتقولي حاجة؟..
نظرت اليه ببراءة مزيفة وأجابت:
- ولا حاجة أبدا, بقول اتفضل علشان ما نتأخرش!..
كاد أن يصفق باب السيارة بقوة ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة, فما ذنب سيارته في غضبه بسبب هذه الباردة العنيدة التي تقبع ببراءة وكأنها لم توقد نار غضبه منذ لحظات!..
وصلا حيث منزل عائلة كريم, ترجلا من السيارة, وتقدما ناحية مدخل البناية السكنية عندما اكتشف شهاب أنه قد نسيَ هاتفه المحمول في السيارة فطلب منها انتظاره وعاد سريعا لجلبه, لم يغب سوى ثوان معدودة ليعود فيجدها تقف مع كريم منشغلان بالحديث حتى أنهما لم ينتبها لعودته, كانت سلمى تضحك عاليا عندما حانت منها التفاتة ناحيته لتجده يقف على مسافة ليست ببعيدة منهما يعقد ساعديه ناظرا اليهما وعيناه تقذفان شرراً من نار, هدأت ضحكاتها بينما انتبه اليه كريم, ليقول:
- اهلا يا شهاب نورتنا, اتفضل..
انتظروا وصول المصعد وكانت سلمى تقف بجانب كريم بينما يقف شهاب الى الجانب الآخر من المصعد بمفرده, دخلوا الى المصعد ولا تزال سلمى وكريم والذي حاول إشراك شهاب في الحوار يتبادلان الأحاديث, ولم يكن نصيب كريم من حديث شهاب سوى بضعة كلمات متباعدة علم منها كريم أن شهاب قد لا يكون من النوع الأجتماعي فلم يحاول توجيه الحديث اليه مرة أخرى احتراما لما اعتقده من ان شهاب لا يميل للتحدث مع غرباء!
خرجوا من المصعد متجهين الى شقة عائلة كريم الذي تقدمهما, فما كان من شهاب إلّا أن قبض على يد سلمى بقوة جعلتها تشهق دهشة وألما, بينما تحدث شهاب بصوت منخفض يخفي غضبا ناريًّا:
- عارفة لو بعدتي عنِّي خطوة واحدة بعد كدا هعمل فيكي ايه؟, أنا مش السواق ولا البودي جاري بتاع جنابك انتي تمشي قودامي وأنا وراكي!..
لم تستطع الاجابة فقد قاطعها صوت كريم يدعوهما الى الدخول, ما ان دخلا حتى وجدت خالتها وفاء تحتويها بحب بين ذراعيها قابلته بالمثل, بعد السلام والتحية, جلس الجميع في انتظار عودة نبيل والد كريم والذي لم يتأخر, تبادلوا الأحاديث الخفيفة ورحّبوا بوجود شهاب بينهم بطريقة أخجلت شهاب بأن يتعامل معهم ببرود, فانبسطت أساريره نوعا ما خاصة مع نبيل ذلك الرجل الذي يقارب عمّه رؤوف كثيرا سواء في الأسلوب أو الطباع....
تركته سلمى مع نبيل وكريم ولحقت بوفاء في المطبخ لمساعدتها, وما إن تم تجهيز المائدة حتى دعت وفاء الجميع لتناول الطعام, قال كريم لسلمى أثناء جلوسهم الى المائدة البيضاوية الشكل المذهبة ذات الست مقاعد مذهبة أيضا:
- على فكرة ماما أول ما كلمتها وقلت لها انك هنا في #مصر وأني شوفتك في المستشفى بالصدفة يا سلمى هانم كانت محتارة تعمل غدا ايه.. بس انا اللي قلت لها على الفكرة دي, انا عارف أد أيه انتي بتحبي السي فوود..
ابتسمت سلمى وقالت:
- ما تحاولش, علشان تبقى عارف أنا قلت لبابا أني هاجي أسلم عليكم, طنط وفاء وعمو نبيل وحشوني أوي بصراحة, يعني حتى لو ما كنتش شوفتك كنت هتلاقيني طبِّيت عليكم هنا, بس بصراحة.. فكرة ممتازة يا كريم, عشرة على عشرة, انا بموت في حاجة اسمها سمك, الأكلات البحرية عموما....
انشغل الجميع بالطعام وكان نبيل بين كل فينة وأخرى يدعو شهاب لتذوق أنواع الأطعمة المختلفة, مالت سلمى الجالسة الى يسار شهاب وهمست:
- ايه يا شهاب انت ما بتحبش السمك ولّا إيه؟
أجاب شهاب بنفي:
- لا لا لا طبعا بحبه..
استغربت سلمى وواصلت:
- أومال مش شايفاك بتاكل غير رز وسلطة بس؟, السمكة بتاعتك لسه زي ما هي ما لمستهاش, حتى الجمبري ما جيتش ناحيته؟!..
لم يعلم شهاب بما يجيبها, ولم يجد بدًّا من أن يقول في الأخير بنزق طفولي:
- مش بعرف أفصص السمك ارتحتي؟.
سكتت سلمى قليلا محاولة استيعاب ما نطقه لتجيب بينما لم ينتبه لهما الآخرون:
- نعم؟, ما بتعرفش تفصص السمك؟, أومال حضرتك مين اللي بيقوم بالمهمة دي؟.
نظر اليها بحنق لتجيب بنفسها على سؤالها:
- ماما؟!..
ثم تابعت بهمس مسموع له فقط:
- امممم, كويس, تمام, ما فيش مشكلة...
لتقوم بتبادل الأطباق في غفلة من المحيطين بهم, هتف شهاب وهو يسترق النظر الى الآخرين خوفا من أن يكون هناك من يراقب ما يجري بينهما:
- انتي بتعملي ايه؟؟
أجابت بعد أن أتمت مهمة تبديل الأطباق بنجاح:
- ولا حاجة أبدا, أنا نضفت سمكتي وفصصتها, والجمبري متقشر وجاهز أهو, اتفضل كول...
تمتم بكلمة بصوت غير مسموع علمت أنها أغلب الظن كلمة شكر!, حركت كتفيها وهي تزفر بحنق, حتى كلمة شكر واضحة لا يرغب بقولها, غريب أمر هذا الشهاب, ثم التفتت الى السمكة الموضوعة في الصحن أمامها لتقوم بنزع الشوْك منها وتقشير الجمبري....
همّت سلمى بتناول الطعام عندما انتبهت أنها لم تبدل ملعقة الطعام مع الصحن, نظرت الى شهاب لتخبره لتجده يتناول طعامه بلذة واضحة, فخجلت من أن تقول له أن هذه الملعقة والتي يبدو أنها قد التصقت بفمه هي ملعقتها هي, وبدلا من ذلك تناولت أخرى نظيفة من أمامها وشرعت في تناول الطعام, وهي لا تعلم أن شهاب كان يراقبها من طرف خفي وأنه شعر باليأس والإحباط عندما وجدها قد انتبهت لأمر الملاعق وتركت ملعقته متناولة أخرى نظيفة, بينما هو يعلم منذ البدء بأن الملعقة التي بيده هي ملعقتها هي والتي ما إن وضعها في فمه متناولا أول ملعقة طعام حتى شعر بلذة لم يختبرها قبلاً, لينكب على الطعام ملتهما إياه وبين كل لقمة وأخرى يترك الملعقة في فمه ما لا يقل عن دقيقة كاملة, كانت كافية لجعله يغيب في إحساس رائع, لا يعلم كنهه, ولا يعلم سببه, أو لعله يعلم السبب ولكنه يأبى الاعتراف.. بأن لذة الطعام تكمن في طعم الشفاه الكرزي العالق في الملعقة مكان شفتيها!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- حضرتك بتقولي إيه يا ماما؟
هتفت سلافة غير مصدقة لما تخبرها به أمها, ألفت بابتسامة فابنتها قد غدت عروس يطلب رضاها القاصي والداني:
- بقولك غيث ابن عمك اتقدم لك...
هتفت سلافة بعدم تصديق وذهول حائر:
- معقولة؟, غيث!!..
ثم سكتت قليلا مقطبة وما لبثت أن تمتمت بينها وبين نفسها في دهشة بالغة لِما توصّل اليه عقلها:
- لالا دا مجنون فهمي نظمي رسمي أكيد, يعني لما شافني شاورت لكريم اتخانق معايا ولما شافني بتكلم مع منير عاوز يتجوزني, أومال لو شافني بقه وأنا بضحك مع عمرو هيعمل ايه... ياخد بالتار ولا يضربه بالنار؟!..
قالت ألفت بتقطيبة خفيفة وابتسامة متسائلة:
- بتقولي حاجة يا سلافة؟
أجابت سلافة محاولة رسم ابتسامة على شفتيها:
- ها؟, لا ما فيش يا ماما, طيب هو ما قالش ليه؟
قطبت أمها معلقة:
- ليه إيه؟
سلافة بتلقائية:
- ليه عاوز يتجوزني؟
ألفت بضحكة قصيرة:
- معقول يا سلافة واحد عاوز يتجوز بنتنا هنسأله ليه؟, أكيد يعني زي أي عريس ما بيتقدم, هو كل اللي قاله لجدك أنه عاوز يتقدم لك, لا هو قال ليه ولا احنا طبعا سألنا!..
أجابت سلافة بابتسامة واسعة:
- تمام, وهو طبعا عاوز الرد؟
أومأت أمها في انتظار سماع رأي ابنتها وإن كان داخلها متخوّف منها, فهي تعلمها جيدا وتعلم أنها لن توافق بهذه السهولة التي يتخيلها والدها أو الجد كما ألمح لها رؤوف عندما أخبرها بالأمر وأن تفاتح سلافة بشأن رغبة ابن عمها في الاقتران بها وأخبرها أيضا بأن الجد مرحّب للغاية بهذه الزيجة, قالت سلافة ببراءة:
- معلهش يا ماما, يا ريت بابا يعتذر له ويقوله لأ!..
ألفت بحيرة:
- طيب يا بنتي لأ على طول كدا؟, مش تفكري كويّس الأول؟, وبعدين لأ ليه؟, ايه سبب الرفض؟
حركت سلافة كتفيها ببرود وقالت:
- وهو كان قال عاوز يتجاوزني ليه لما أنا أقول رافضة ليه؟, هو ما قالش ليه وأنا كمان من غير ليه!!..
-----------------------------------------------------
هبّ غيث واقفا وهو يهتف بحنق:
- انت بتجول ايه يا جدّي؟
أجاب الجد محاولا كتم ابتسامته وفي داخله اعجاب بتلك الشيطانة الصغيرة التي ستنجح لا محالة في نزع قشرة البرود التي يغلف بها غيث عواطفه:
- أنا بجولك اللي جالته لامها, جالت هو ما جالش رايد يتزوجني ليه, وأني كمان بجوله لاه ومن غير ليه!..
لمعت عينا غيث ببريق التحد وسارع بالانصراف وهو يقول لجده:
- عن اذنك يا جدي...
كانت تقف أمام حوض الورود الذي نال اعجابها منذ قدومها الى البلدة, كان الجو ليلا وقد أضاء القمر سماء الليل البهيم, وكانت هناك نسمة هواء عليل تحمل رائحة الزرع بين طياتها, عدلت سلافة من وضع الوشاح الخفيف التي تضعه فوق كتفيها, بينما هربت بضع خصلات من شعرها المربوط على هيئة ذيل الفرس, لتحيط بوجهها فتكسبها جمالا فاتنا خاصة مع لمعة عينيها البراقتين, سمعت صوتا من وراءها يقول بنبرة خشنة جعلتها تقفز هلعا فهي لم تشعر بأي خطوات قادمة وكانت تظن أنها بمفردها:
- أجدر أعرف أنت رافضة ليه؟
شهقت سلافة واستدارت الى مصدر الصوت والذي ما إن رأته حتى تنفست الصعداء وهتفت وهي تغمض عينيها براحة:
- غيث!, خضتني...
اقترب منها حتى أصبح في دائرة الضوء الذي يرسله القمر في هذه الليلة المقمرة وقال:
- سلامتك من الخضّة يا بت عمي, بس ما جاوبتنيش على سؤالي.. انتي رفضتي ليه؟
تقدمت منه بضعة خطوات لتقف أمامه تماما وترفع رأسها تنظر في عينيه بقوة ليتيه في سرمدي عينيها وتقول:
- لما تقولي انت الأول ليه عاوز تتجوزني أقولك أنا!
قطب غيث مجيبا بحنق:
- كيف دِه؟, يعني ايه عاوز أتجوزك ليه؟, عاوز أتزوج زي أي واحد مش عَجَبَهْ يعني!.
ابتسمت بخفة وقالت وهي تحرك رأسها يمنيا ويسارا:
- لا يا غيث, أنا ما بقولش عاوز تتجوز ليه, أنا بقول عاوز تتجوزني أنا ليه, وأظن تفرق؟
حاول الهروب من عينيها بعيدا وهو يجيب بتلكؤ بسيط:
- هيكون ليه يعني؟, انتي بت عمي واني وصلت لسن لازمن أتزوج وأعمل عيلة, يبجى ليه ما يكونش انتي؟
نظرت اليه ببرود مجيبة بابتسامة خفيفة:
- مش جواب لسؤالي, أبسط حاجة ولو هنتكلم بالعقل سلمى أختي تناسبك أكتر مني, أولا من ناحية السن هي الكبيرة, يعني سنها مناسب عني, الفرق بينكم تقريبا 4 سنين لكن انا 8, وبعدين هي كمان بنت عمك, يعني رجعنا تاني لنفس السؤال.. ليه؟, أنا ليه؟.
اغتاظ غيث وهتف مشيحا بيده عاليا:
- أني مش فاهم انت بتلفي وتدوري على ايه؟, عريس وجالك ومش أي عريس دِه يُبجى ولد عمك, مش رايداه ليه؟
سلافة بنظرات جديّة غريبة عنها:
- انت اللي بتلف وتدور يا غيث, لكن أنا هجاوب على السؤال اللي انت بتتهرب منه, انا اتكلمت قودامك عن كريم انت اتغاظت وانت شايف طريقتي معاه, وبعد كدا منير اللي كان زميلي من ايام الجامعه, قلت في عقل بالك أتجوزها وأطبعها بطبعنا وعوايدنا, لأنك عارف ومتأكد اني مش هسمح لك تتدخل في طرقة التعامل بتاعتي مع أي حد, صح؟؟
هز غيث برأسه يمينا ويسارا وهو يقول بجدية:
- لاه, غلط, مش دِه السبب, أني كان ممكن أجول لعمي انه يعرّفك عوادينا وطبعنا اهنه, أو أضعف الإيمان أجول لجدي انك ما ينفعش تشتغلي معايا في الديوان, فيه 100 طريجة غير اني اتزوجك..
قطبت وتمتمت بينها وبين نفسها:
- ما هو مش معقول يعني يكون الحب ولّع في الدرّة يا بن عمي علشان كدا عاوز تتجوزني؟!..
غيث بتساؤل:
- انتي بتجولي ايه؟
سلافة وقد انتبهت من شرودها:
- ها؟, لا ما فيش حاجة, بقول انت لسه ما قولتش سبب واحد مقنع, البلد مليانه بنات, وعيلة الخولي مليانه عرايس, أقربهم هند بنت خالتك!, يبقى ايش معنى أنا اللي عاوزها تنول الشرف السامي دا؟
زفر غيث بحنق ومال عليها لتضربها أنفاسه الساخنة بينما يشتم رائحة عبيرها الخاص وتمتم بين شفتيه:
- مش لازم لها تريجة احياة أبوكي, انتي مش كيفك كيف أي بت عاوزة تتجوز, واني ولد عمك, وجحا أولى بلحم توره!
شهقت سلافة عاليا بغيظ وأجابت بحنق وحدة:
- نعم؟, تور!, تور ايه يا عم الجزار إنت؟, ايه تور دا؟, فيه حد في الدنيا يقول للبنت اللي عاوز يخطبها تور؟..
وضعت يديها فوق رأسها وأغمضت عينيها وهي تهتف بأسى زائف:
- يا للهول!, على آخر الزمن يا سولي عريس بيقولك انتي تور؟
ثم فتحت عينيها ونظرت اليه وهي تشيح بيدها اليمنى يمينا ويسارا متابعة:
- لالا دا كتير يا غيث, أبسليوتلي فعلا, مش ممكن, شوف أنا ممكن أديك دورة تدريبية ازاي تتقدم لبنات الناس ودي مجانا علشان غلاوة عمي عثمان وجدي عبد الحميد وعلشان أملهم فيك ما يخيبش, ما هو أصل ما فيش واحده هتوافق على عريس بيقولها تور ولحم ومعرفش ايه؟, ناقص يقول كبدة وفشة وممبار, سارحين على عربية كبدة احنا في السيدة!!..
لم يستطع صدقا لم يقدر كبح جماح ضحكته العالية والتي انطلقت لتلجم لسان سلافة وتجعلها ولأول مرة تنتبه لوسامته الخشنة, وجاذبيته القوية, نعم.. ابن عمها يملك جاذبية ساحقة وجمال رجولي واضح, ولكنها تلك التقطيبة والواجهة الباردة التي يقابل بها الجميع من يجعل من يقف أمامه لا يتمعن في النظر اليه, لقد صغر ما يزيد عن عشر سنوات عندما أطلق هذه الضحكة فانبسطت أساريره وشعرت بنفسها تقف أمامه محدقة به كالبلهاء وكأنها أمام واحد من المشاهير, انتبهت لنفسها ولتحديقها فيه, فحاولت نزع عينيها بعيدا عنه بينما طغى تعبير رقيق على نظرات عينيه وهو يلاحظ تدقيقها في النظر اليه, مما جعل دقات قلبها تتسارع رغما عنها, حاولت الهروب من نظراته المسلطة عليه وقالت وهي تحاول الابتعاد:
- عموما انا قلت ردّي, وانت ما جاوبتش على سؤالي, وانا معنديش كلام تاني أقوله!
ما ان همّت بالابتعاد حتى مد يده قابضا على ذراعها برفق وهو يهتف بصوت أجش:
- استني, أني هجولك ليه؟
اعتدلت في وقفتها أمامه, وما إن هم بالمتابعة حتى تعالى صياح الغفير راجح مناديا له, قطب بحنق ونظر الى الغفير الذي وصل اليه وهو يكاد يلتقط أنفاسه بصعوبة, هتف به غيث بغيظ بينما لا تستطيع سلافة تفسير شعورها الآن فهي من جهة شعرت بالراحة لمقاطعة الغفير لهما وهي لأول مرة تجد نفسها في موقف كهذا, ومن جهة أخرى كانت تتمنى سماع اجابته على سؤالها.. لما هي؟, سمعت غيث وهو يصيح بالغفير مغتاظا فكتمت ضحكتها لعلمها بسبب حدته:
- فيه ايه يا بجم؟, صوتك عالي اكده ليه؟
الغفير وقد بدأت أنفاسه ترتاح:
- فيه حاجة حوصلت ولازمن أجول لجنابك عليها...
انتظر غيث سماعه ولكنه لم يتكلم فنهره قائلا:
- ما تجول يا تور ايه اللي حوصل؟
تمتمت سلافة:
- بردو تور؟, واضح كدا ان تيران مزرعتكم كتير اوي..
لم ينتبه غيث اليها وهو ينتظر سماع الغفير الذي كان مترددا في الاجابة لوجودها ولكنه لم يجد بدًّا من الحديث وإبلاغ سيده بما يحمله من أنباء:
- ليث بيه لجا جاتل سي راضي!..
هتف غيث وعيناه تبرقان بوحشية:
- بتجول ايه؟, عرف مين اللي طخّه؟,,
أومأ راجح بالايجاب فقال غيث وهو يهم بالانصراف سريعا:
- تعالى معايْ بسرعة...
صوت رقيق أوقفه ليلتفت الى صاحبة الصوت التي وقفت أمامه تطالعه بقلق وهي تقول:
- رايح فين يا غيث؟, طالما عرفتوه يبقى بلغ البوليس, بلاش تروح انت...
غيث بابتسامة صغيرة:
- اطلعي دارك انتي دلوك يا بت عمي, تار الخولي ما ياخدوش غير ولادها, القانون اللي في البلد اهنه هو قانوننا احنا, عموما ما تجلجيش, هنعاود بسرعة....
سارع بالانصراف لتهتف منادية له, التفت اليها لتهمس له وعيناها تلمعان:
- خلي بالك من نفسك يا غيث...
أبتسم وأومأ بالإيجاب قبل أن ينصرف سريعا وفي أعقابه غفيره, وما هي الا لحظات حتى رأته يمتطي فرسه الأسود الضخم, وقد خلع عباءته ليعطي صورة متناقضة بين لون الجواد الأسود وبين ثوبه الناصع البياض, رفعت يدها تلوّح له من بعيد بينما لم ينتبه لها فيما تدعو له بالسلامة, رافضة أن تفسر شعورها بالخوف والقلق ناحيته سوى بأنه أمر طبيعي فلو كان شخص غريب كانت أيضا سيصيبها ذات القلق تجاهه فكيف به وهو إبن عمّها؟!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
انتهت زيارة سلمى وشهاب لعائلة كريم, وبدآ في رحلة العودة, كانت الشمس قد غربت, تبادلا بعض الأحاديث الخفيفة مبتعدين عن مناوشتهما المألوفة, وكان شهاب قد مدح في والديْ كريم, لا يعلم أي هاجس ألح عليه لمعرفة طبيعة العلاقة بينها وبين كريم, رسم ابتسامة صغيرة على وجهه وقال بلامبالاة زائفة:
- انما يعني أنا شايف ان كريم دكتور وشاطر ومن عيلة كويسة, باباه راجل محترم ومامته كمان, وانتو تعرفوهم من زمان, ايه اللي مخلاهوش مثلا يفكر يتقدم لواحده منكم انتي او سلافة مثلا؟
أخفت سلمى ابتسامة ساخرة وساعدها الظلام في ذلك, بينما أجابت مصطنعة الاهتمام:
- يعني انت شايفه انه عريس مناسب؟
قطب شهاب ولا يعلم لما شعر بالانقباض لسؤالها ولكنه تصنع اللامبالاة وأجاب:
- آه طبعا, من اللي باين قودامي أنه عريس كويس ومناسب جدا كمان, علشان كدا مستغرب انه ما اتقدمش لواحده فيكم؟
سلمى بابتسامة مكر لم يرها للظلام السائد بداخل السيارة:
- وانت عرفت منين انه ما اتقدمش لواحده فينا؟
حانت منه لفتة سريعة اليها حتى أن مقود السيارة كاد ينزلق من بين يديه ولكنه استعاد سيطرته على السيارة سريعا حامدا الله أنه لم يكن هناك أي سيارة بجانبهما بعد أن خرجا الى الطريق السريع, أجاب شهاب ببرود:
- معلهش, حصل خير, قولتيلي بقه اتقدم لمين فيكم؟
سلمى ببرود:
- شهاب ممكن تبص قودامك وتاخد بالك من الطريق كويس؟, أنا مش هكلمك لغاية ما نوصل, انا عاوزة أوصل حتة واحدة!
سكت شهاب على مضض, بعد أن حدجها بنظرة نارية...
أكملا الرحلة في صمت تام حتى وقفا لإعادة ملأ خزان الوقود, وكانا قد قاربا على الوصول, خرق شهاب الصمت السائد بسؤالها عما إذا كانت ترغب بشيء من السوبر ماركت الموجود داخل المحطة, نفت بهزة من رأسها, ليستأنفا السير بعد ذلك وبعض الأحاديث الخفيفة عندما نسيت سلمى قرارها بعدم توجيه أي سؤال له وقالت:
- صحيح فيه حاجة محيراني فيك انت وأخوك؟
ألقى أليها بنظرة مستفسرة قبل أن يعيد انتباهه الى الطريق وأجاب:
- ايه هي؟
سلمى باهتمام:
- انتو توأم, مش متشابه في الشكل صحيح, بس بردو بينكم فروقات كتير, أبسط حاجة طريقة اللبس والكلام؟
ابتسم شهاب وأجاب ونظره مثبت على الطريق أمامه والذي بدأ يمر ببعض القرى الصغيرة:
- ولا غريبة ولا حاجة, أنا بعد #ثانوية_عامة صممت أدخل الجامعة في #مصر, دخلت زراعة القاهرة, وقعدت مع صحابي في شقة, وبعد ما خلصت ورجعت البلد أمسك المزرعة كل خروجاتي تقريبا هنا في #مصر في آخر الاسبوع, انما غيث حياته كلها في البلد دخل تجارة أسيوط, ومن ساعة ما اتخرج لغاية دلوقتي ما اخدش اجازة يوم واحد, حتى لما كان بينزل #مصر علشان يخلص مصالح وبس, دا غير ان غيث بيحب أي حاجة متعلقة بالبلد من لبس لكلام للهجة, وبيرفض يغيّر أي حاجة فيه, وعلى فكرة اوعى تفتكري انى مش بتكلم صعيدي, لا بتكلم بس في مواقف معينة!...
سكت شهاب قليلا ثم قال وقد شجعته بسؤالها عنه وعن غيث:
- انما إنت وسلافة أختك مع ان الفرق بينكم اربع سنين تقريبا لكن قريبين من بعض اوي, زي ما تكونوا توأم...
ابتسمت بحنان لدى ذكره لشقيقتها الصغرى المرحة دائما سلافة وقالت:
- انا وسلافة مش بس أخوات لا وأصحاب كمان, يمكن اللي قرب بيننا اكتر كمان الغربة, اصحابنا كانوا قليلين في المدرسة وبابا كان مانع اننا نزور حد في بيته هما ييجوا أهلا وسهلا احنا نروح لأ, وطبعا اللي هييجي مرة مش هيكررها لغاية ما تترد له الزيارة, فبقيت انا وسلافة أصحاب أكتر مننا أخوات كمان, وطبعا كانت معانا سهى..
شعر بالغبطة لوجود منفذ يستطيع منه أن يعود الى نفس السؤال عن طبيعة العلاقة بينها وبين كريم فقال:
- أخت كريم مش كدا؟
أجابت:
- تمام..
انتهز الفرصة وسأل بلا مبالاة زائفة بينما كانت كل حواسه مترقبة لأجابتها:
- واضح جدا ان عيلتكم كانت قريبة جدا لعيلة كريم, انا فعلا مندهش ازاي ما خطبش واحده فيكم؟
أجابت وقد قررت منحه الجواب الذي يريد:
- وأنا هقولك زي ما سبق وقلت لك مين اللي قالك انه ما خطبش؟..
ألقى أليها بنظرة مستفسرة لتتابع مصطنعة الاهتمام:
- بس بجد يا شهاب أنا عاوزة أعرف يعني انت شايف كريم شاب ما يترفضش صح؟, واضح من كلامك انه عجبك أوي..
شهاب بلا مبالاة زائفة:
- يعني...
أجابت سلمى بجدية مصطنعة:
- تصدق.. رأيك دا هيخليني فعلا أفكر جديّا إني أوافق!
هتف شهاب وهو يلتفت اليها بذهول:
- نعم؟, توافقي على ايه؟
سلمى بلا مبالاة:
- على طلب كريم!, كريم فاتحني انهرده في الجواز!
شاهدت سلمى شيئا يتحرك أمام السيارة مقتربا منها بسرعة مما جعلها تشهق صائحة:
- شهاب خلي بالك!
ولكن يفقد شهاب السيطرة على مقود السيارة, ليفاجأ بذات الشيء الأسود وهو يمرق سريعا من أمامهما فضغط على المكابح بقوة لتدور السيارة حول نفسها عدة مرات, ثم ترتطم بمرتفع رملي ويقف محركها عن العمل تماما!!..
فك شهاب حزام الأمان, ثم مال على سلمى وهو يتحسس وجهها باضطراب واضح متسائلا بقلق فلم يسمع لها أي صوت:
- سلمى, سلمى أنتي كويسة؟!, سلـ....
ليفاجئ بقبضة ضعيفة تهوى على كتفه وسلمى تجيب بصوت حانق غاضب:
- آخر مرة أركب معاك في عربية واحدة, واضح جدا انك نادرها اني مرجعش سليمة أبدا...
ثم دفعت يده بعيدا عنها, وكان لا يزال ملمس نعومة شعرها بين يديه, كتم شهاب احساسه بالراحة لعدم اصابة سلمى بأي سوء وأجاب وهو يترجل من السيارة:
- يا ريت, لأنه واضح كمان ان وشّك عليّا مش ولا بُد, أنا عمري ما عملت حادثة في حياتي وانهرده كم حادثة كانت هتحصل؟, وآخرها دي!...
نظرت اليه ببرود, بينما تناول مصباحا يدويا وفتح مقدمة السيارة, وتطلع الى المحرك قليلا ليغلقها بعد ذلك, ثم يصعد ثانية الى مقعد السائق ويدير المحرك ليصدر صوتا عاليا ولكن ترفض عجلات السايرة الكبيرة التحرك, شتم من بين أسنانه وقال:
- العجل غرز, مش هينفع نمشي, لازم حد يشد العربية!
قالت سلمى بسخرية:
- عربيتك دي لو ما كانتش جيب 4 باي 4 محترمة كان زمانها مقلوبة فوقها تحتها في الرمل مش غارزة في الرمل!!
زفر بحنق وقال:
- تسمحي تسكتي خالص, انتي السبب, اسلوبك مستفز وبارد لازم طبعا كنا نلبس في حاجة, والحمد لله انها جات في الرمل, مش شجرة ولا حيطة!
أجابت سلمى بحدة:
- يعني أنا السبب؟, وبعدين اسلوب ايه واستفزاز ايه, لا وانت الصادق دا علشان مناخيرك الطويلة اللي انت حاشرها في حاجات مالكش فيها!, مالك انت كريم يتقدم ولا يتأخر حتى؟!
تطلع اليها دهشة وهو يتلمس أنفه مردداً بذهول:
- مناخيري طويلة!
وما لبث أن تابع بصرخة غضب ناري:
- شوفي بقه أنا ساكت لك من الصبح, انما كلمة زيادة مش هسمح لك, حطي لسانك جوة بؤك وما تنطقيش بكلمة واحده بس, مفهوم!
لأول مرة تشعر سلمى بالرهبة منه, تكفي لمعة عيناه الشرسة, فآثرت الصمت وهي تدعو الله أن ينقذها من هذا الكائن المجنون المسمى ابن عمها وأقسمت بينها وبين نفسها أنها ستبتعد تماما عن طريقه ما إن تنزاح هذه الغمّة, ولكنها لم تعلم أن خطواتها وخطواته سيسيران معا في طريق واحد وقريبا... قريبا جدا, أقرب مما تتصور!!



- يتبع –




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:05 AM   #12

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


- 10 -


وصل غيث بصحبة غفيره راجح الى مخزن قابع على مشارف البلدة, كان المكان محاط برجال ليث, ابتعد الحارسان الواقفان أمام الباب جانبا ليدلف غيث الى الداخل, كان الظلام يسود المكان الذي يضيئه مصباح قديم موضوع على الحائط في آخر المخزن, تقدم غيث من مصدر الضوء ليشاهد رجلا قابع فوق كرسي خشبي, مقيّد اليدين والقدمين, اتجه ناحيته ليبصر ليث ابن عمه وهو يقف على رأسه وبجواره غفيره صابر الذي انتبه لدخول غيث برفقة غفيره راجح, قال صابر بصوت خشن:
- غيث بيه..
التفت ليث ليرى ابن عمه وهو يقف بجانبه, ثم أعاد نظره ثانية الى ذلك الملقى فوق الكرسي الخشبي المتهالك, مغمى عليه, لم يستطع رؤية معالم وجهه جيدا, أشار ليث لصابر بعينيه, فانصرف صابر ليعود بعد أقل من دقيقة حاملا دلوا مملوءا بالماء, أشار له ليث فقذف بمحتواه فوق رأس ذاك الجالس دفعة واحدة ليشهق عاليا وهو يصحو من غيبوبته تلك, رفع رأسه ونظر حوله وهو يهتف برعب:
- فين؟, أني فين؟, ايه اللي جابني إهنه؟
تحدث ليث ببرود وهو يبتسم بتشف بينما يدور حوله:
- عملك الاسود اللي جابك اهنه..
نظر اليه غيث ليجد رجلا قد تخطى الاربعون عاما بوجه كالح وشارب ضخم يحتل معظم وجهه, بينما عيناه جاحظتان بشكل مخيف, وعندما تحدث لمح أسنانه الصفراء فيما هناك سن ذهبي يتوسطهم, كانت ثيابه عادية جلباب بني اللون وعمامة صوفية تلتف فوق رأسه بينما تهدلت أطرافها, جذبه ليث من مقدمة جلبابه وهو يزأر في وجهه مائلا عليه ينظر في عينيه بقوة:
- فاكر الراجل اللي جتلته من شهر تجريبا حدا اول البلد؟, راضي الخولي؟!..
سكت الرجل قليلا ثم تحدث برعب:
- إيـ..أيوة افتكرته, مالُه دِه؟
ليث وهو يشده بقوة تجاهه:
- أني أبجى خوه, وهو يبجى راضي الخولي, ولد عيلة الخولي, تسمع عنّيها؟
الرجل بالتياع:
- باه!, يا وجعة مجندلة!, ايوة طبعا أسمع..., ومين ميعرفشي عيلة الخولي وكفر الخولي كلاته؟
ليث بغضب ناري:
- جِه الوجت اللي تدفع فيه حساب كل اللي إعملته..
صرخ الرجل بفزع وهو يرى ليث ينتصب واقفا ليأتي آخر يشبهه في البنية والهيبة يقف بجواره, ثم يرفع ليث قبضته لتهوى على فكه بقوة جعلته يطلق صراخا كخوار الثور, لتسقط إحدى أسنانه الأمامية وتنزف لثته, قال ليث بعنف وهو يشير الى صابر:
- أني مش هموّتك وانت مربط اكده كيف الدبيحة.. لاه!, فكّه يا صابر..
قال غيث بتقطيبة:
- ليث يا ولد عمي كيف دِه؟, نجتله ونخلص عليه ونخلص الناس من شره وناخدوا بتارنا..
ليث وهو لا يحيد بعينيه عن ذلك المجرم عسران:
- لاه يا غيث, لازمن يدفع تمن كل فعايله, الموت بالنسبة له راحه وأني مش هنولهاله بسهولة..
فك صابر وثاق عسران الذي دلك معصميه ليهدأ من ألمهما, رفع عسران عيناه لليث وقال بضراعة:
- هدّيك كل الحلال اللي عندي بس اعتجني ابوس يدك...
نزع ليث عمامة عسران المحلولة جانبا ثم أمسك بمقدمة رأسه الأمامية جاذبا لها إلى الوراء بعنف وقال بفحيح غضب قاتل:
- حلالك؟, هو حلالك يا ولد الحرام؟, من ميته السرجة والجتل بتجيب مال حلال, جولي يا ابن الـ..... مين الناس اللي انت أذيتهم, تعرفهم ولا لاه؟
أشار برأسه نافيا وهتف:
- لاه, اني جاطع طريج, بطلع ع الناس سوى اعرفهم ولا معرفهومش, أخد اللي اخده وخلاص!
جذب ليث بشعره حتى تقطعت خصلات منه بين يديه جعلت عسران يطل صيحة ألم عالية وقال ليث بحزم وعينيه تبرقان ببريق مخيف يبعث الرجفة في الأوصال:
- يبجى تكفر عن اللي اعملته..
نظر اليه عسران برعب محدقا فيه بخوف شديد وهو يتساءل بتلعثم واضح:
- كيـ... كيف يعني؟, ما فاهمش!
ليث بابتسامة سخرية صغيرة:
- أني هفهمك...
ثم خلع عباءته الكشميرية الثمينة ملقي بها الى غفيره الذي تلقاها, قطب غيث ورفع يده آمرا الرجال المحيطين بهم بالابتعاد, فهو يعلم غرض ابن عمه, هو يريد قتله بيديه العاريتين..
ابتعد الرجال مشكلين دائرة كبيرة يتوسطها ليث وعسران بينما يقف غيث ليس ببعيد عن ابن عمه تحسبا للظروف, كان ليث يدور حول عسران كمالليث يدور حول فريسته بينما شعر ذلك المجرم بالدوار من شدة الرعب ومراقبته لليث تحسّبا لتصرف مباغت منه..
قبض ليث يديه رافعا لهما أمامه وزأر قائلا:
- دافع عن نفسك لو انك راجل صوح, مش متحامي بشوية عصبجية خلِّصنا عليهم كيف الحشرات, تمام كيف ما هخلص عليك بيديْ كيف البرغوت اللي بيمص دم الناس لكن فعصة اصغيرة تجضي عليه...
زمجر عسران وقد حسبها سريعا, هو في كل الأحوال ميت إذن فليمت بعد أن يقتل ذلك الليث الثائر أولا, هو عسران من ترجف له الأبدان هلعا عند ذكر اسمه, صاح صيحة غضب وهجم هاتفا:
- موتة بموتة يبجى على جولتك أموت راجل أهون...
ورمى بنفسه فوق ليث, لم يكن عسران بالضئيل البنية بل كان ثقيلا وان لم يكن سمين, لكم ليث بقبضته ليتلقى ليث اللكمة على ذراعه ويعاجله بلكمة في معدته بقوة جعلته يقذف دما من فمه, مسح فمه بكم جلبابه ثم عاد لينقض من جديد على ليث راكلا له بقوة فيحاول ليث تفاديها لتتسبب في تعثّره ووقوعه فيقفز فوقه عسران محيطا عنقه بيديه, حاول رجال ليث التدخل فمنعهم غيث رافعا يده عاليا بينما يراقب الموقف بعيون كما الصقر, قد يبدو أن عسران ذاك المسيطر حاليا ولكنه يعلم ابن عمه تماما ويعلم أنه في حالته الطبيعية يستطيع صرع عسران ذلك وبسهولة فكيف بالآن والغضب قد منحه قوة مضاعفة ليس لصرع ذاك القاتل بل وتهشيم عظامه لتصبح فتاتاً!..
التحم ليث وعسران وأخذا يدوران فوق الارض الترابية فمرة يكون عسران فوق ليث وأخرى يكون ليث من يرقد فوق عسران, لتأتي الأخيرة فيكون عسران هو المشرف على ليث ويحيط عنق الأخير بكفيه الغليظين ويضغط محاولا خنقه, انحبس الهواء عن ليث, قطب غيث بقلق وما إن هم بالتدخل حتى ركل ليث عسران بقوة بين ساقيه ليصرخ الأخير كالبهيمة المذبوحة ويرتمي جانبا, يسعل ليث بقوة, ثم ما لبث أن قفز واقفا, أمسك بمقدمة ثوب عسران وأوقفه أمامه بينما الأخير لم يستطع الوقوف بصلابة فلا يزال الألم قويًّا, كال له ليث اللكمات تباعا وهو يصرخ به, حتى شارف عسران على السقوط مغشيا عليه, عندما رماه ليث جانبا وهو يصرخ عاليا متوعدا له أن يصحو ليجهز عليه, وفجأة لا أحد يعلم كيف ذلك, ولكن استطاع ذلك المجرم أن يستل سكينا كان مخبئا أسفل سرواله الذي يرتديه أسفل جلبابه, أمسك بالسكين ونظر الى ليث وهو يشير به بينما يدعوه للاقتراب منه بيده الاخرى وهو يقول بابتسامة صفراء:
- تعالى يا ليث بيه, ما تاجي, خُفت ليه؟, ايه خايف السلاح يطول؟, هيطول ما تخافش, أني ميت ميت بس مش هموت جبل ما اخدك امعايا أجلُّه تروح تطمن على أخوك.. راضي!
وكأنه بذكره اسم راضي قد بعث بقوة غريبة في أطراف ليث الذي زأر عاليا لينقض على عسران في نفس اللحظة الذي أشاح بها عسران بالسكين لتشرط ثوب ليث فتصيب صدره بشق طولي ولكنه سطحي, لم يجد غيث بدّا من التدخل, خلع عمامته ولفّها كحبل, لم ينتبه اليه عسران فقد كان كل تركيزه منصبا على ليث الذي لم تضعفه الإصابة, صرخ عسران وهمّ بالتهجم على ليث عندما سمع صوت صيحة غاضبة من خلفه ولم يُتح له الوقت للالتفات حيث رمى غيث بعمامته التي أصبحت أشبه بحبل ملفوف يمسك بطرفيها, فرمى بها ليحيط بها عنقه جاذباً له بقوة فجحظت عيناه بينما ارتخت يده القابضة على السكين لترتمي أسفل قدميه فأسرع ليث بركلها بعيدا, ثم انقض على عسران الذي إزرق لونه بينما خرج لسانه يلهث كالكلب بحثا عن الهواء, لكمه لكمات متتالية عديدة وشد غيث الرباط حول عنقه من الناحية الأخرى, أمسك ليث برأسه جيدا بين يديه ناظرا في عينيه ببريق مخيف وقال:
- دِه عشان تبجى عبرة لغيرك..
ثم ضربه بقوة من مقدمة رأسه في جبهة ذلك القاتل ليرتد الى الخلف بشدة فيستلم ليث الرباط من غيث ويشده بقوة ثم يلفه حول يده ويشد وكلما سمع صوت أنينه يجذب بقوة أكبر حتى أصدر صوتا كالخوار بينما تدلى رأسه جانبا وجحظت عيناه وتهدل لسانه خارج فمه اعلانا عن موته!!
لهث ليث بقوة وترك الرباط ليسقط عسران مصدرا دويّا قويا, نظر اليه ليث ليركله بمقدمة حذائه في جسده بقرف واضح ويقول آمرا رجاله:
- ارموه للديابة في الجبل تاكله, لازمن يكون عبرة لغيره, كلب وراح ولا له ديّة, والكل لازمن يعرف انه أي واحد يعمل كيف الكلب دِه نهايته هتبجى زييه تمام....
وضع غيث يده مربتا على كتف ليث بينما ربت ليث بدوره على كتف غيثي قائلا بخشونة:
- تسلم يا ولد العم, اكده نجدروا ناخدوا عزا راضي خويْ الله يرحمه..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- طيب احنا هنفضل كدا, ما تتصرف..
زفر شهاب للمرة التي لا يعلم عددها بضيق والتفت الى سلمى الجالسة بجواره في سيارته المعطلة وقال بحنق:
- اسكتي شوية, دي المرة الكم اللي بتقوليلي فيها نعمل ايه؟, اعملك ايه؟, مافيش شبكة والموبايلات مش شغالة والدنيا ليل, يعني أتصرّف ازاي؟
نظرت اليه سلمى بنزق وقالت:
- ودي مشكلتي؟, مشكلتك انت.. انت اللي حطيتنا في المطب دا, قال وبابا كان مطمن عليا علشان معاك, ييجي يشوف, لو كنت لوحدي ما كانش كل دا حصل!
كتم شهاب شتيمة كادت أن تنطلق من فمه ونظر اليها قائلا بسخرية:
- ولا يهمك يا سلمى هانم, انت قصدك انك لوحدك بتعرفي تتصرفي أحسن مني صح؟, طيب يا ريت يا دكتورة سلمى لو تعرفي تلاقي لنا حل, اتفضلي فكري في حل بقه ولما تلاقيه ابقي صحيني انا ما نمتش ساعتين تلاته من امبارح, تصبحي على خير!
وعقد ساعديه دافعا بمقعده الى الخلف بواسطة زر أسفل المقعد حتى أصبح أشبه بفراش مائل وأغمض عينيه بينما سلمى تطالعه بذهول صاعق وهي تردد بغير تصديق:
- أصبح على خير؟..
ثم هتفت بسخط:
- تصدق انك بارد!
لم يلتفت اليها وما هي إلا ثوان وسمعت صوت انتظام أنفاسه فعلمت أنه قد غطّ في نوم عميق فهتفت بحنق وهي تكور قبضتيها تتمنى لو كالت له اللكمات غيظا وقهرا منه:
- دا بيشخّر كمان!!..
لا تعلم سلمى كم مر من الوقت فلم يغمض لها جفن, وبين كل حين وآخر تلتفت الى شهاب الذي يبدو كمن ينام على ريش نعام, فهو لم يقلق ولو لثوان كما ارتسمت على شفتيه ابتسامة من يرى أحلاما سعيدة في منامه!.
لفت نظر سلمى ضوءا شحيحا من بعيد ليقترب هذا الضوء منهما شيئا فشيئا, ابتلعت سلمى ريقها بوجل, فهما على أطراف البلدة والليل يسود المكان, وتعلم جيدا مخاطر الصعيد, نادت شهاب بصوت خائف:
- شهاب..
ولكن ما من مجيب, والضوء يقترب أكثر فأكثر فوضعت يدها على كتفه لتهزّه منادية بإلحاح وهي تكاد تبكي:
- شهاب قوم يا شهاب اصحى...
وكأن الصوت في الحلم, ليفتح عيناه جاهلا بمكانه باديء الأمر ثم تذكر أنه وابنة عمه العنيدة يقبعان داخل سيارته المعطلة في الصحراء, نظر اليها وهو يمسح وجهه براحتيه قائلا:
- ايه يا سلمى, فيه ايه؟
أشارت الى الخارج باصبعها بينما احتبس صوتها من الخوف, قطب ناظرا اليها لينقل نظره الى الخارج, فيلاحظ شبح انسان يقف بجوار نافذتها, مال عليها هامسا في أذنها وهو يضع يده فوق مقبض الباب:
- أنا هخرج أشوف مين دا, أول ما أخرج اقفلي الباب من السنتر لوك على طول..
قبضت بيديها الاثنتين على ذراعه معيقة خروجه وهي تتوسل اليه بخوف:
- لا يا شهاب ما تخرجش, هو هيزهق ويمشي..
قال شهاب محاولا تهدئتها:
- وافرضي ما زهقش؟, وافرضي كان معاه ناس تانية؟, لازم أخرج أشوف مين دا؟, مش يمكن يقدر يساعدنا؟, عموما ما تخافيش احنا قريبين اوي من البلد يعني يمكن واحد من اهل البلد أو من نواحيها, يعني هيطلع عارفني!, اقفلي انتي الباب ورايا كويس, وخلي بالك في مسدس في التابلوه لو احتجتي تستخدميه, صوّبي على الرِّجلين بس.. ماشي؟
زاد هلعها بعد كلامه وترجته ألا يخرج ولكنه خلّص ذراعه من قبضتها وخرج ففعلت كما أمرها مغلقة الأبواب, غاب دقائق كانت فيها تحاول مراقبة ما يجري بالخارج, وقد أخرجت سلاحه من صندوق السيارة الأمامي تحسّبا للظروف ممسكة به بين يديها ولكنها لم تجذب صمام الأمان, وما هي الا دقائق معدودة حتى فتح شهاب الباب المجاور لها فشهقت لترفع السلاح مصوبة إياه في وجهه فهتف حانقا وهي يجذبه من يدها المتشبثة به:
- انتي بتعملي ايه؟, مش تشوفي الأول مين اللي قودامك؟!
أفلتت السلاح ليتناوله شهاب واضعا اياه أسفل ملابسه, ثم قال:
- أمان ما تخافيش, بيته مش بعيد, هنقضي معاه الليلة ومن الفجر هيتصرف ويقطر لنا العربية..
سلمى برفض قاطع:
- لا طبعا أنا مش موافقة!, افرض طلع نصاب ولا قاطع طريق, ايش عرفك انه بيتكلم بجد؟!
شهاب بصبر:
- علشان سألته عن كم حاجة وطلع عارف البلد واهلها كلهم وكمان كم سؤال كدا تانيين خلوني اتأكدت انه مش كداب, ياللا اتفضلي بقه بدل ما المرة اللي جاية يطلع قاطع طريق بجد!..
ترجلت سلمى من السيارة فأحكم شهاب إغلاق الأبواب بينما تقدمهم الرجل مضيئا بمصباحه اليدوي لهم الطريق, وصلوا الى بيت من الطين, نادى الرجل عاليا لإفساح الطريق, قال الرجل وهو يشيح بنظره بعيدا عن سلمى التي علمت ما ان نظرت اليه أنه رجل في العقد الخامس من العمر:
- اتفضل يا شهاب بيه, وحرمتك تتفضل داخل مع حريمنا!
لم يسنح لسلمى الفرصة للاستفسار عن قصد الرجل فتوجهت حيث أشار لها, دخلت الغرفة لترى ستة أزواج من الأعين تتطلع إليها, شاهدت إمرأة تبدو في أواسط العقد الرابع علمت أنها الزوجة, ثم خمسة أبناء ثلاث بنات يقاربن بعضهن في العمر الفرق بين كل ابنة وأخرى لا يتعدى العامين, وولدين أحدهما يبلغ الـ 11 عاما والآخر السنتين, علمت بعدما رحبت بها الزوجة وتمت عملية التعارف ان البنات صفا وهنا وسما تبلغ الكبيرة 19عاما والوسطى 18 والأخيرة 16 عاما, وان الكبرى متزوجة ولكن زوجها يعمل في البلدة ويأتي نهاية كل اسبوع بينما هنا فهي معقود قرانها على ابن عمها وتنتظر انتهائه من أداء الخدمة العسكرية قبل أن تزف اليه بينما سما فقد تمت خطبتها قريبا لابن عمها الآخر وزفافها مع شقيقتها هنا..
استمتعت سلمى بالجلوس معهن وان كانت شعرت في البداية بالترقب والقلق اللذان ما لبثا أن تلاشيا ما ان انخرطن في الحديث, سألت صفا بينما كانت أم علي الزوجة تقوم بتحضير الطعام:
- وانتي بجه اتزوجت ميتى؟, شكلك اصغيّر؟, انت متعلمة؟, مش من بلادنا صوح؟ شكلك ولبسك بيجول اكده؟
ضحكت هنا وقالت:
- بشويش عليها يا صفا مالك جولتي سؤالاتك كلاتها مرة واحده اكده كيف المدفع الرشاش؟
لم تعلم سلمى بما تجيب, ولا تعلم ما الذي أوحى اليهن أصلا بأنها وشهاب زوجين, قد يكون والدهم استنتج ذلك لوجودهما سوية؟, أنقذها من الجواب صوت الأم وهي تدعوها لتناول الطعام الذي انشغلن به وتركنها, نظرت الى محمود ذلك الطفل البالغ من العمر سنتين, ابتسم وركض سريعا ليجلس في حضنها, كانت الجلسة أرضية, نهرته والدته قائلة:
- محمود عيب اكده, تعالى عندي أني..
قالت سلمى والتي شعرت بالدفيء ما ان احتوت ذلك الصغير بين ذراعيها:
- لا يا أم علي سيبيه, بسم الله ما شاء الله ربنا يخليهولك, اومال فين علي صحيح؟
أجابت سما وهي تهم بوضع قطعة من الخبز المغمسة بالبيض المصنوع بالسمن الطبيعي في فمها:
- تلاجيه عند ابوي, علي ما بيبحش جعدتنا بيجول أني راجل أجعد مع الحريم كيف..
ضحك الجميع وكانت سلمى تتناول لقمة لتطعم محموداً الأخرى..
بعد أن أنهى الجميع تناول العشاء واحتساء الشاي, قالت أم علي لسلمى التي نسيت تماما شهاب وما حدث لهما في الساعات السابقة:
- معلهش جهزنالكم مُطرح اكده مش جد المجام, عشان تريّحوا جتتكم , شكلكم يا نضري من زمان وانتو جاعدين كيف ما ابو علي لاجاكم؟
أومأت سلمى بالايجاب وكان التعب قد أخذ منها كل مأخذ فلم تنتبه لعبارة أم علي كاملة فكل ما اهتمت له أنها أخيرا ستنام فوق فراش آمن:
- ايوة يا ام علي, احنا بقالنا اكتر من 3 ساعات تقريبا!
دخلت سلمى حيث أشارت أم علي بعد أن استخدمت الحمام, كانت تريد الاغتسال ولكنها لم تستطع فاكتفت بغسل يديها ووجهها ورقبتها, دخلت حيث الغرفة, لتجدها مفروشة بأثاث بسيط للغاية عبارة عن سرير خشبي مكتنز وبساط قديم ولكنه معتنى به جيدا فوق الأرض الطينية, ومرآة بطرف مكسور موضوعة فوق الحائط, وأريكة خشبية صغيرة أسفل نافذة صغيرة, أغلقت الباب خلفها لتشاهد عدة مسامير مثبتة خلف الباب لتعليق الثياب, خمّنت أن الغرفة للزوجين, وذلك من الجلباب الأسود الرجالي المعلق خلف الباب وبجانبه وشاحا نسائي ملون..
كانت أم علي قد وضعت لها ثوبا للنوم يظهر عليه القدم لكثرة الغسيل, فلونه الأصفر باهت بشدة, كان قصير الأكمام ويصل الى أعلى قدميها بقليل, علمت أنه لصفا فهي تقصر سلمى بعدة سنتيمترات, بينما مقدمته تعلوها ثلاثة من الأزرار لم تغلق منهما سوى اثنين بينما الثالث يكاد يطبق على حلقها فتركته مفتوحا!, بعد أن أبدلت ثيابها رقدت فوق الفراش ساحبة الغطاء البالي لتغطي قديمها وهي تغمض عينيها فالنوم يلح عليها لتستسلم له وهي ترسم على شفتيها ابتسامة هانئة فأخيرا ستنال قسطا من الراحة في هذا اليوم الطوييييل... ولكن مهلا! ما هذا الصوت الذي تسمعه؟, فتحت عيناها واسعا وهي ترى شهاب يقف على مدخل الغرفة يتحدث موجها كلامه الى الخارج وما لبث أن أغلق الباب ليلتفت فيفاجأ بها جالسة فوق الفراش تنظر اليه بغيظ ورغبة بالقتل واااضحة!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
لم تستطع سلافة أن يغمض لها جفن حتى أبصرت غيث وهو يعود راكبا جواده الأسود, كانت تقف في شرفتها تتطلع بين كل فينة وأخرى الى الطريق, وما ان شاهدته حتى ركضت خارجا تسابق الدرجات نزولا حتى وصلت الى المدخل في نفس اللحظة التي دخل بها, وقفت تنظر اليه بلهفة تدفعها الرغبة في الاطمئنان عليه والفضول لمعرفة ما حدث, قطب غيث جبينه واقترب منها متسائلا في قلق:
- باه!, ايه اللي مصحيكي لحد دلوكيت يا بت عمي؟, فيه حاجة؟
ابتسمت ابتسامة ناعمة كان لها أثر كبير على غيث الذي تسارعت دقات قلبه بينما لم تفطن هي لما ألمّ به, أجابت محاولة بث الهدوء اليه:
- لا يا غيث احنا الحمد لله بخير, أنا بس ما جاليش نوم كنت عاوزة أطمن وأعرف حصل ايه؟
ابتسم غيث بتعب ومال عليها ناظرا في عينيها اللتين هربت بهما بعيدا وهو يقول:
- عاوزة تطمني على ايه بالظبط يا بت عمي؟
أجابت بتلعثم طفيف:
- على.. على اللي حصل يا غيث, مش بتقول ان ليث ابن عمك مسك القاتل, يا ترى عملتو فيه ايه؟
أجاب غيث:
- خد اللي يستاهله وبزيادة كومان..
تساءلت سلافة ولم يطمئنها جواب غيث:
- يعني ايه يا غيث؟, انتو عملتو فيه ايه بالظبط؟
أجاب غيث وهو يواصل سيره الى الداخل:
- مش وجت حديت دلوك يا بت عمي, اطلعي دارك نامي دلوك والصباح رباح..
قطبت سلافة لتهتف بوجل بعد ذلك:
- داري!, ها... سلمى!
التفت غيث مقطبا وسأل بصوت خشن:
- مالها أختك؟
نظرت اليه سلافة برجاء وهلع وأجابت والخوف يقطر من أحرف كلماتها:
- سلمى وشهاب لسه ما وصلوش يا غيث, وانا من قلقي على موضوع القاتل دا نسيت خالص..
قطب غيث وهتف:
- كيف دِه؟
وسريعا أخرج هاتفه المحمول محاولا الاتصال بشقيقه ليجيبه النداء الآلي ان الهاتف خارج نطاق التغطية, وبالمثل فعلت سلافة, نظرت سلافة الى غيث وقالت بخوف:
- هنعمل ايه دلوقتي يا غيث؟
قاطع حديثهما صوت رؤوف وهو ينزل سريعا تتبعه ألفت, نظر رؤوف اليهما وقال مقطبا وهو ينقل نظراته بينهما:
- فيه ايه؟ ايه اللي موقفكم هنا الساعة دي؟
سعل غيث وقال وهو ينظر الى سلافة سريعا:
- ابدا سلافة جلجت على الدكتورة سلمى وكانت بتخبّرني أحاول أكلم شهاب..
رؤوف بلهفة:
- وكلمته يا غيث يا بني؟
هز غيث برأسه نفيا وقال:
- للأسف المحمول حجُّه مجفول يا اما فاصل شحن او المنطجة اللي هو فيها مافيهاش شبكة, ان شاء الله خير يا عمي ما تجلجش...
ثم نظر الى نقطة خلف عمه وتابع:
- ما تجلجيش يا مرت عمي خير ان شاء الله, تلاجيهم طلعوا متأخرين من #مصر ولا حاجة..
أجابت ألفت بقلق قوي:
- لا يا غيث يا بني, سلمى كلمتني وهما خارجين, طلعوا على المغرب تقريبا, الساعه دلوقتي 3 الفجر, يعني المفروض كانوا هنا من 11 بالكتير اوي...
قال رؤوف بتقطيبة حادة:
- انما انت ايه اللي مبهدلك كدا يا غيث؟
تبادل غيث وسلافة النظر قبل أن يجيب غيث بجدية:
- خدنا بتار راضي يا عمي..
هتف رؤوف بينما شهقت ألفت واضعة يدها فوق فمها:
- ايه؟, قصدك لاقيتو القاتل؟
تحدث غيث بفخر:
- لاه, احنا مش بس لاجيناه, احنا لاجينا وخد جزاته على يدينا..
رؤوف بتساؤل بينما نظرت سلافة الى يديْ غيث:
- انتو مين؟
غيث بزفرة عميقة:
- انى وليث يا عمي..
ألفت بتردد:
- قصدك.. قتلتوه؟
أجاب غيث بابتسامة صغيرة:
- ما اسمهاشي جتلناه يا مرت عمي, اسمها خدنا بتارنا وهو خد جزاته, وزمانها الضباع نهشت جتته النتنة..
لتكون سلافة من يشهق عاليا هذه المرة وتهرع ركضا الى شقتهم بالاعلى لتدخل من فورها الى الحمام لتفرغ ما بمعدتها بينما يدي غيث الملطختين بالدماء لا تبرح مخيلتها, لم تكن تظن أن القتل هيّن لهذه الدرجة, هو مجرم وقاتل نعم ولكن هناك قانون وعقاب, ولكن من الواضح أن القانون الوحيد المطبق في هذا البلد هو قانون الخولي كما سبق وأخبرها ليث في وقت سابق!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- اتفضل شوف لك حتة تانية تنام فيها..
هتفت سلمى بعبارتها تلك بمنتهى الحنق, كانت تتحدث بصوت منخفض وهي تقف في منتصف الغرفة بينما يقف أمامها شهاب وقد بلغ منه التعب أقصى الدرجات, تحدث للمرة المائة يحاول افهامها:
- أروح فين؟, قلت لك الراجل افتكر اننا متجوزين, وانا مقدرتش أنكر لأنه ببساطة حاجة من اتنين يا احنا ناس اخلاقهم بايظة وساعتها ممكن يضربنا بالنار لانه دا شرف واحنا ناس فلتانة, يا اما هيسيبنا مكاننا وكنا هنبقى صيدة سهلة اوي للمطاريد وقطاع الطرق, وأديكي شوفتي اللي جرى لابن عمي راضي!
ضربت سلمى بقدمها في الأرض كالأطفال وأجابت بحنق:
- بردو ماليش دعوه!, انا تعبانه وعاوزة انام ولو اتطبقت السما على الارض لا يمكن أنام معاك في اودة واحدة, ايه رأيك بقه؟
أزاحها جانبا واتجه ناحية الفراش ليجلس ويقول وهو ينزع حذائه جانبا بينما يتأوه محركا أصابع قدميه لإراحتهم من ضغط الحذاء عليهم طوال اليوم:
- بكيفك, انا هنام, اخرجي انتي وقوليلهم اللي عاوزة تقوليه!
اتجهت اليه ووقفت أمامه واضعة يديها في منتصف خصرها وقالت بغضب:
- يا سلام!...
لم يجبها فنفخت بضيق ثم قالت بنزق ولم تجد بدا من الاستسلام ولو مؤقتا:
- خلاص, انما انت هتنام هناك على الكنبة اللي تحت الشباك دي, اتفضل, ووشك يبقى في الحيطة يكون تلتفت ناحيتي..
زفر بضيق ونهض وهو يرفع يديه عاليا ويهتف برجاء ناظرا الى الأعلى:
- الرحمة يااااااارب...
ثم رماها بنظرة غيظ قبل أن يذهب الى الأريكة فيضع احدى وسائدها العريضة كوسادة تحت رأسه, ثم يشرع في خلع قميصه, فقفزت فوق الفراش وهي تهتف بحدة واضعة يدها فوق عينيها:
- ايه ايه, انت بتعمل ايه؟
اتجه اليها بخطوات غير مسموعة, فأزاحت يديها جانبا لترى لما لم يرد على سؤالها لتفاجأ به واقفا أمامها عاري الصدر, شهقت باستنكار بينما مال فوقها يستند باحدى يديه على عارضة السرير الخشبية ويشوح بسبابة الأخرى في وجهها هاتفا بحدة:
- بقولك ايه, انا اللي فيا مكفيني!, خلي اليوم الطويل دا يعدي على خير, ماذا وإلا هتشوفي مني وشّ عمرك ما تخيلتيه أبدا!
ثم نفخ عاليا واتجه الى الاريكة ليرقد معطيا لها ظهره, بينما قدميه تتدليان خارج الأريكة الصغيرة التي بالكاد تتسع لجسمه العضلي الضخم!..
رمقته سلمى بنظرة قلق قبل أن تسحب الغطاء لتغطي جسدها كاملا حتى رأسها, وتوليه ظهرها وهي تدعو الله أن يأتيها النوم سريعا لتمر الساعات المتبقية في هذه الليلة بسرعة, ولكنها تقلبت عدة مرات قبل أن تغفو وقد استغربت كيف نام شهاب ما ان لمست رأسه الوسادة فهو لم يتقلب أو يغير من وضعه ما جعلها تتيقن من تعبه الشديد, وهي لا تعلم أن شهاب كان طوال الوقت يمنع نفسه وبصعوبة من الالتفات ناحيتها لمراقبتها فصورتها وهي تحتضن محمود الصغير تداعبه وتقبله لا تزال في مخيلته وكان قد لمحها وهو يتجه الى الحمام المقابل للغرفة التي كانت تجلس بها, وسؤال يتردد في ذهنه ترى كيف سيكون شكل أولادها؟, وهل سيرثون غابات الزيتون خاصتها؟
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
بزغ الصبح وكان أبو علي وشهاب بعد أن فرغا من صلاة الفجر وبمساعدة بعض الرجال قد استطاعوا اخراج السيارة من الرمال التى علقت بها, فحصها أحد الرجال سريعا وكان يعمل في ورشة تصليح سيارات وأخبره أنها بحالة جيدة, صافح شهاب الجميع, وفي الداخل ودّعت سلمى أم علي وبناتها على وعد منها بحضور زفاف هنا وسما, صعدت الى السيارة بجوار شهاب الذي انطلق من فوره للوصول الى البلدة..
كانت سلمى تسترق اليه النظر دهشة من أمره, فهو لم يوجه اليها أي حديث سوى بعض الكلمات المقتضبة, هزت كتفيها بلامبالاة واعتقدت ان طبعه النزق قد عاد اليه, خاصة أنها كلما وجهت اليه الحديث كان جوابه حادا مبتورا, فقررت ألا تحادثه الى أن يصلا, وبعد ذلك ستقطع علاقتها نهائيا معه, ولن تكلمه الا في أضيق الحدود..
وصلا بعد قرابة الساعة, ما ان أوقف شهاب السيارة حتى سارعت سلمى بالترجل واتجهت الى المنزل بخطوات سريعة, دخلت لتجد عائلتها جميعها مجتمعة, اتجهت الى والدتها التي احتوتها بين ذراعيها هاتفة بقلق أمومي:
- سلمى حبيبتي كنتو فين كل دا؟
لحق بها شهاب الذي صافح جده ووالده وعمه, بينما ربت غيث على كتفه هامسا:
- كنت فين يا ولد أبويْ؟, احنا منمناشي واصل من ليلة انبارح!
همس شهاب وعيناه على سلمى:
- ومن سمعك يا أخويا, ولا أنا عيني غمضت!
رؤوف وهو يحتضن ابنته:
- حمد لله على سلامتك يا بنتي, ايه اللي حصل, تليفوناتكم مقفولة ليه؟
صافحت سلمى جديْها وجلس الجميع قبل أن تجيب سلمى:
- معلهش يا بابا المكان اللي كنا فيه ما كانش فيه شبكة, واتفاجئنا انهرده ان الموبايلات فاصلة شحن..
سمع الجميع صوتا ساخرا يأتي من أمام غرفة الجلوس يقول بينما تتجه صاحبته اليهم داخل الغرفة:
- وليه ان شاء الله؟, كنتي فين يا دكتورة؟, تلاجيها بيتت في #مصر وشهاب ما راضيشي ياجي من غيرها صوح يا ولدي؟
حدقت سلمى دهشة من ظن زوجة عمها الظالم في حين أجاب شهاب بجدية:
- لا يا أمي, أنا وسلمى ما نمناش في #مصر!
شهقات بين دهشة واستهجان تعالت في حين رمقت سلافة شقيقتها بتساؤل وحيرة, قالت سلمى بحيرة وهي لا تعلم لما هذا الاستنكار الذي يعلو الوجوه حولها محاولة رسم ابتسامة خفيفة:
- جرى ايه يا جماعة فيه ايه؟, العربية عطلت في اول البلد والحمد لله ربنا رزقنا براجل ابن حلال ضيفنا عنده في بيته والصبح صلحها وجينا..
ثم حانت منها التفاتة الى شهاب وتابعت بابتسامتها الشاحبة بينما نغز في صدرها ينبئها بأن هناك أمر غير سار على وشك الحدوث:
- ما تقولهم يا شهاب!
ليتحدث الجد قاطعا السبيل امام أي أحد للتحدث موجها كلامه الى سلمى وشهاب:
- انتو جصدكم تجولوا انكم بايَّتُّوا حدا راجل غريب؟
علم شهاب ما يعنيه الجد فسارع بالايضاح في لهفة:
- يا جدي الراجل كتر خيره شافنا وعرض اننا ننزل عنده لغاية الصبح, انت عارف الليل مخاطره كتيرة, فوافقت!
الجد بحزم:
- الراجل دِه نعرفوا؟
شهاب وهو يومأ بالإيجاب غير قادر للنظر في وجه الجد أو سلمى فهو لم يصارحها بحقيقة الرجل:
- بيشتغل غفير عند.. عند عيلة أبو سويلم, وسبق له وشافني كم مرة قبل كدا وانا مع عزت!
شهقت الجدة استهجانا ونفخ عثمان بضيق في حين تبادل رؤوف وألفت نظرات التساؤل والجهل بينما زفر غيث بحنق, ونظرت سلافة بقلق الى سلمى التي قطبت في حيرة وكادت تهتف بالجميع حانقة عمّا يجري وما هذه الألغاز كلها؟....
الجد بصرامة:
- وجولت ايه للراجل عنيِّك انت وبت عمك؟
شهاب وهو يسترق النظر الى جده :
- انا ما قولتش يا جدي, هو اللي استنتج لوحده!
انتظر الجد لسماع تتمة جواب شهاب الذي تابع زافرا بضيق:
- فهم انها مراتي وعلشان كدا ضايفنا, ما كنتش أقدر أقوله يا جدي غير كدا, انت أكتر واحد عارف أهل البلد ممكن يفكروا ازاي لو عرفوا اني راجع مع بنت عمي لوحدنا وفي وقت زي دا ومن سفر كمان!!
قال الجد بصرامة:
- طالما الراجل دِه عرفك يبجى كلها ساعتين وهتلاجي الخبر ملا البلد والكل هيعرف ان شهاب ولدنا وعروسته كانوا في ضيافة ابو علي غفير عيلة ابو سويلم..
لم يرق لسلمى الحديث الدائر وخاصة عندما رأت والدها وقد اعترى وجهه الشحوب لينظر الى الأسفل, فالتفتت اليه لتربت على يده وتقول بشبه ابتسامة:
- بابا فيه ايه؟, انا مش فاهمه؟, مين ابو سويلم دول وايه المشكلة في اللي حصل؟, دا ما كانش ذنبنا؟!
ربت والدها على يدها ونظر الى عينيها اللتان تطالعانه بقلق واضح وقال وهو يتمنى أن تمر هذه المشكلة على خير:
- الناس هنا للأسف مالهاش الا الظاهر يا بنتي!
لتهب راوية واقفة وهي تهتف ناسية وجود زوجها وعمها:
- على جثتي!, يستحيل أوافج انك تكوني مرت ولدي!
هتف عثمان عاليا وهو ينهض من فوره واقفا:
- أم غيييييييييييث!, اجفلي خاشمك واصل!, ولا كلمة بعد اكده, ما بجاش غير الحريم اللي هيجولوا اللي يوحصل واللي ما يوحصلش, ياللا روحي دارك ويكون تخرجي برّاه من غير أمري!
لتنصرف راوية بخطوات سريعة غاضبة ولكن ليس قبل أن ترمي بنظرة نارية الى سلمى ووالدتها, قالت سلمى بقلق حقيقي:
- فيه ايه يا جماعة انا بجد مش فاهمه؟
الجدة بصوت حنون:
- فيها اننا هنفرحوا بيكي جريّب يا دكتورة!
هتفت سلمى بذعر وهي تنظر الى والدها تريده ان يكذِّب حدسها:
- هتفرحوا بيا؟, ازاي مش فاهمه؟!
قال الجد وهو يشير الى شهاب الذي يجلس مسلطا نظراته على سلمى, بعينين غير مقروءتيْن, وتعبير غامض يرتسم على وجهه:
- واضحة كيف عين السمس يا دكتورة, وعريسك أهاه.. شهاب ولد عمك!
شهقت في ذهول وقفزت واقفة وهتفت غير مصدقة وهى تهز رأسها يمينا ويسارا:
- لا مش ممكن!, انا يستحيل أوافق!
هتف رؤوف وهو يقف فهو يعلم أنه من المرفوض تماما أن تقف ابنته تصيح برفضها خاصة في وجود جدها وعمها الكبير:
- سلمى, اطلعي على أودتك دلوقتي..
التفتت اليه وقالت بعينان متسعتان من شدة الصدمة:
- لا يا بابا, عشان خاطري قول انك مش موافق على الكلام دا!, ناس ايه وجواز ايه؟, انا مش ممكن أوافق!
هتف رؤوف بصرامة بينما نهضت ألفت لتحيط ابنتها بذراعها:
- سلمى هي كلمة واحدة.. أنا قلت فوق يعني فوق, اتفضلي..
نقلت نظراتها بين الموجودين بحنق لتستقر على شهاب بكره وحقد فيما وقف يبادلها النظرات بأخرى متحدية يشوبها الغموض, هتفت سلمى قبل أن تنصرف يرافقها والدتها وسلافة:
- مهما حصل يا بابا, أنا بقول لحضرتك اني مش موافقة على الجوازة دي, ومش ممكن أوافق!
لترمق شهاب بنظرة غضب ناري أخيرة قبل أن تنصرف, بينما جلس رؤوف ثانية يتبعه شهاب, نظر رؤوف الى شهاب بغموض قبل أن يلتفت الى الجد قائلا بجدية:
- أنا تحت أمرك يا حاج, اللي تقول عليه هنفّذه!!



يتبع---


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:05 AM   #13

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

-11-


صوت طرقات على الباب تعالت ليدخل بعدها رؤوف الى غرفة ابنتيه فيبصر سلمى تجلس في منتصف الفراش يحيط بها من الجانبين امها وأختها, بينما ترفع هي ركبتيها تحيطهما بذراعيها, نظرت ناحيته ليجد عينيها مليئة بدموع محبوسة وسط نظرات لوم وعتاب, تقدم اليها ووقف أمام الفراش يطالعها بنظرات أبوة حانية, ثم تحدث بصوت هاديء:
- معلهش ممكن تسيبوني مع بنتي الكبيرة لوحدنا شوية؟
نهضت سلافة مقبلة جبين أختها ونظرت الى والدها قبل أن تنصرف وكذلك فعلت ألفت التي ربتت على كتف سلمى, غادرت ألفت وسلافة التي أغلقت الباب خلفهما, تقدم رؤوف ليجلس على طرف الفراش بينما عدلت سلمى من جلستها, تحدث رؤوف بهدوئه المعهود قائلا:
- ممكن نتكلم بالراحه وبهدوء؟
أومأت سلمى بالايجاب وهمهمت بنعم, تنفس رؤوف عاليا وتابع:
- أول حاجة عاوزك تكوني متأكدة منها ان عمري ما هغصبك على شيء, بس في نفس الوقت ما يرضيكيش انه بعد العمر دا كله أطلع معرفتش أربي بناتي!
شهقت سلمى وهتفت باستنكار:
- لا يا بابا ما عاش اللي يقول على حضرتك كدا..
رؤوف بابتسامة صغيرة:
- وقوفك انهرده في وش جدك وعمك ورفضك لابن عمك بالاسلوب دا هيخليهوم يقولوا كدا وأكتر من كدا كمان, مش بس كدا.. أنا لولا اني حاولت أحتوي الموقف كان زمان أبويا زعلان مني, انتي مش عارفة يعني ايه تنتقدي تفكيرهم وعاداتهم؟, كأني بسخر منهم, بيكون فيه نوع من السخرية والتجريح أنا لا يمكن أسمح لنفسي ولا لكم بيه..
سلمى برجاء:
- يعني يا بابا يا أوافق على ابن عمي اللي انا مش مقتنعه بيه أصلا يا اما أبقى بنت عاقة؟, بابا شهاب مش متقدم لي عادي زي أي عريس .. لأ... السبب اللي عاوزيني أوافق عليه مش سبب أساسا وأرفض اني أكون محل شك, بابا حضرتك علمتنا انه طالما أنا صح يبقى ماليش دعوة مين بيقول ايه, وانا معملتش حاجة غلط, مش مشكلتي هما هنا بيفكروا ازاي ولا عوايدهم ايه, الحاجات دي مزروعة جواهم انا مش هربي مجتمع بحاله لكن في نفس الوقت أرفض اني أعيش حياتي بأسلوبهم, بابا أنا مش هفسد حياتي علشان خاطر فلان قال ايه ولا مين هيعمل ايه!...
رؤوف بجدية:
- خلصتي كلامك يا سلمى؟, ممكن تسمعيني بقه؟
تابع بدون أن ينتظر رد منها:
- شوفي يا سلمى انا زمان رفضت جوازة اتفرضت عليا علشان حبيت والدتك, وأول مرة أقولها اني كنت غلطان لما ما حاولتش مرة واتنين وتلاتة, ركبت دماغي والعناد خدني وسيبت اهلى وسافرت, انا مش بقول اني ندمان على جوازي من مامتك... لا طبعا, لو الزمان رجع بيا كنت مش هتجوز الا هي.. انا ندمي على الطريقة نفسها, كرهوا مراتي من قبل ما يشوفوها, عارفة لما بلاقيهم دلوقتي فرحانين بيها وأمي مش بتقولها غير يا بنتي وأشوف فرحتهم بيكم.. على أد فرحتي بكدا على أد ندمي اني حرمتكم من حضن العيلة, سلمى يا بنتي أنا عمري ما هعمل حاجة تكون مش في مصلحتكم, انتو ثروتي الحقيقية اللي طلعت بيها من الدنيا, لازم تكوني واثقة ومتأكده من كدا..
زحفت سلمى لترمي بنفسها بين أحضان والدها وقالت ودموعها تلمع مهددة بالسقوط:
- ربنا ما يحرمنا منك أبدا يا بابا, أنا عارفة ومتأكدة حضرتك بتحبنا أد ايه, وانت محرمتناش من حاجة أبدا, بالعكس كنت دايما لينا الأب والصديق والأخ, ربنا ما يحرمنا منك أبدا انت وماما...
أحاطها رؤوف بين ذراعيه وقبلها على جبينها ثم قال:
- طيب ممكن أسألك سؤال؟
رفعت نظراتها اليه وأجابت:
- اتفضل يا بابا.
رؤوف بهدوء:
- ممكن أعرف سبب رفضك لأبن عمك؟, وقبل أي كلام تاني عن اللي حصل.. ابن عمك صارحني تحت انه فعلا عاوز يخطبك, وكان ناوي يفاتحني أول ما ترجعوا من #مصر, بس اللي حصل هو اللي قدّم المسألة شوية, وهو على فكرة متضايق انك تفتكري انه عاوز يتجوزك علشان كلام الناس ولا حاجة, هو قاللي بالحرف الواحد انا مش هلاقي زي سلمى بنت عمي.. هي دي الانسانة اللي أتمنى إني أكمل معاها مشوار حياتي..
سكتت سلمى مشدوهة, لم تستطع التعليق عمّا سمعته من والدها, أمعقول أن شهاب كان ينوي مفاتحة والدها في أمر ارتباطه بها؟, لا مؤكد هناك سببا آخر ولكن ترى.. ماهو؟
أيقظها والدها من شرودها قائلا:
- شوفي يا سلمى أنا مش هطلب منك غير حاجة واحده بس.. شهاب يبقى ابن عمك مهندس محترم واحنا عارفين أخلاقه كويس, ممكن تفكري فيه بعيد عن أي حاجات تانية؟, أنا مش هقولهم ردّك دلوقتي.. بس اوعديني انك تفكري بجدية وتصلّي استخارة, وفي وسط دا كله لازم تكوني عارفة اني هكون مطمّن عليكي وانتي معاه, ممكن؟
زفرت سلمى بيأس وأسدلت أهدابها وهي تتمتم بصوت خفيض:
- ممكن يا بابا, حاضر..
ثم نظرت اليه وهي تردف برجاء:
- بس ممكن محدش يضغط عليا؟, سيبوني أنا أوصل للقرار لوحدي, وأنا أوعد حضرتك انك هتكون مقتنع بيه..
زفر رؤوف براحة وأجاب:
- وانا موافق يا حبيبتي..
ثم قبل جبهتها ونهض وهو يقول:
- أسيبك دلوقتي ترتاحي شوية..
وانصرف تتابعه بعينيها حتى اذا ما أغلق الباب خلفه زفرت بيأس متمتمة:
- يا رب اتصرف ازاي انا دلوقتي؟, وتابعت بحنق:
- لا والاستاذ رايح يقول لبابا انه كان بيفكر فيا من زمان!, يعني عاوز يطلع هو الملاك اللي بجناحين وانا الشرير ولما أرفض يقول شوفتوا هي اللي ر افضة لو عليا أنا موافق!..
برقت عيناها ببريق التحد وقالت بعزم:
- طيب, ماشي يا باش مهندس.. بس ابقى افتكر انت اللي ابتديت, أما أشوف هتعمل ايه بعد ما تعرف ردي, بس مش معنى كدا اني هريحك خليك قلقان كدا كم يوم لغاية ما يجيلي مزاجي أقول رأيي؟!
وارتسمت ابتسامة مكر على كرز شفتيها وهي تتخيل منظر شهاب ما ان يسمع جوابها على طلبه!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
دلف رؤوف الى غرفته هو وألفت التي نهضت ما ان رأته, جلس رؤوف الى الصوفا الموضوعة تحت نافذة غرفتهما, تقدمت ألفت لتجلس بجواره فيما أسند رأسه الى الخلف زافرا بتعب, قالت ألفت باستفهام:
- عملت ايه يا رؤوف؟
نظر اليها رؤوف وأجاب بتعب:
- اتكلمت معاها, وربنا يهديها وتوافق...
نظرت ألفت الى زوجها بتقطيبة وصرحت بما يدور بخلدها:

- هو انت موافق يا رؤوف؟, ايش معنى شهاب يعني؟, ما سلافة رفضت غيث وانت سيبتها براحتها؟

تنهد رؤوف بعمق لينظر الى زوجه ويجيب بما يقلقه:
- اولا سلافة غير.. سلمى بنتك الوضع اللي هي فيه غير اختها ولو اني متأكد انه غيث مش هيقبل برفضها دا لكن مش موضوعنا دلوقتي, اهل البلد هنا عندهم عادتهم وتقاليدهم, ما ينفعش اقف في وش ابويا بعد العمر دا كله واقوله لا او معلهش يعني توظ في العادات دي, بنتك مش عاوزة تسيب لي فرصة احلها بمعرفتي وقفت قودام الكل وقالت لا..
نظرت أليه ألفت لا تعلم لما يخالجها الشك ان هناك سبب آخر وراء سكوت رؤوف, تحدثت بما يجيش في نفسها من تساؤلات وقالت:
- مش عارفة ليه يا رؤوف حاسة انه فيه سبب تاني, ممكن تصارحني.. انت موافق على شهاب فعلا ولا علشان ما تزعلش والدك؟
نظر اليها رؤوف واعتدل في جلسته ملتفتا اليها وهتف:
- بصراحة آه, تقدري تقوليلي بنتك عندها كم سنة؟, 28 سنة, رفضت كم عريس لغاية دلوقتي؟ احنا مش عايشين لها هي واختها, ماله شهاب مهندس محترم وابن عمها وهيخاف عليها, بنتك لازم تفكر انه فرصها بتقل في الجواز كل ما بتكبر, ومن الاخر كدا كفاية اللي حصلها قبل كدا, انا مش مستعد اكرر حكاية اللي اسمه احمد دا تاني, كفاية اللي جرالها المرة الاولانية دي كانت هتروح من ايدينا, احنا جربنا اختيارها وشوفنا النتيجة خلِّيها هي بقه تجرّب توافق على اختيارنا احنا وانا متأكد انها مش هتندم..
ألفت بدهشة:
- يعني ايه تجرّب يا رؤوف؟, دا جواز!, يعني معنى كلامك انك موافق بجد؟.
رؤوف بحسم:
- أيوة موافق, ولما تعرفي أسبابي انتي كمان هتوافقي!
نظرت اليه ألفت بتساؤل ليجيب بجدية بالغة:
-احمد رجع يا ألفت, عارفة يعني ايه رجع؟!, رجع ومصمم يعيد اللي فات بينه وبين بنتك, ايه رأيك بقه؟
شهقت ألفت عاليا واضعة يدها فوق فمها وهي تردد بذهول: -
- رجع, مش ممكن؟, دي.. دي تبقى مصيبة!!..
زفر رؤوف بيأس وهو يجيب:
- عرفتي أنا ليه كنت عاوز نيجي هنا البلد بأي طريقة؟, البيه كلمني في التليفون وروحت قابلته, جاي بمنتهى الصفاقة وقلة الأدب يقوللي أنا آسف!, تخيلي بعد اللي عمله دا كله وآسف!
قطبت ألفت وهتفت بغضب:
- دا مجنون.. أكيد مجنون!
رؤوف بابتسامة سخرية:
- أنا قلت له كدا بردو, بس هو قالي انه عارف هيقدر يقنع سلمى ازاي!
ثم أردف بيأس:
- شوفي يا ألف أنا منكرش ان سلمى بعد اللي حصل منه ولما فاقت من اللي كانت فيه انه اسمه نفسه كرهته, لكن أنا خايف.. خايف يرجع يحوم حواليها تاني, الزن على الودان أمر من السحر, خصوصا لو شغل لها اسطوانة انه ندمان ومش قادر يعيش من غيرها زي ما قالي, هو كان أول واحد مشاعر سلمى تتفتح له, ما أقدرش أنكر رعبي كأب عليها, ألفت سلمى لو وافقت ترجع له وعمل فيها حاجة تانية كدا يبقى احنا خسرنا بنتنا وربنا يستر المرة دي, مش هيبقى انهيار عصبي وشهرين في المصحة زي ما حصل لها قبل كدا!
ترقرقت الدموع في عيني ألفت ثم حاولت تمالك نفسها وقالت بعزم:
- بنتي قوية يا رؤوف, على أد ما بتبان هادية وباردة لكن أنا عارفة سلمى كويس أوي, على أد ما بتسامح لكن عمرها ما تنسى اللي كسرها وهو كسرها وكسرنا.... مش ممكن توافق ترجع له, لو انت شايف ان شهاب هو الحل أنا معاك, ومن ناحيتي هحاول أٌقنعها ولو بطريق غير مباشر...
نظر رؤوف الى ألفت حبيبته وشريكة عمره وقال وهو يحتويها بين ذراعيه ليلقي بحموله إليها:
- ربنا يستر يا ألفت, يا ريت تقتنع بكلامنا يا ريت..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- عتمان يا ولدي ما تنساش تبجى تجول لاخوك رؤوف انه الليلة عزا راضي الله يرحمه, اللي حوصل دِه نسّانا كل حاجة, اني رايح داري أريح شويْ, معايا يا أم عتمان...
نهض الجد من مجلسه تلحقه الجدة بينما تطلع عثمان الى ولديه غيث وشهاب بتركيز قال بعدها:
- أجدر أعرف ايه اللي حوصل بالظبط؟, مرة واحده عاوزين تتجوزوا وانتو التنيين رايدين بنات عمكم رؤوف؟!, ايه مش غريبة حبتين ؟!..
نظر غيث الى شهاب قبل أن يلتفت الى والده مجيبا بهدوءه المعتاد:
- ما غريب الا الشيطان يا بويْ, بنات عمنا واحنا أولى بيهم, واحنا وصلنا لسن لازمن نتجوزوا, يبجى ايه المانع؟, ولا انت شايف انهم مش مناسبين لنا؟
نفى عثمان سريعا هاتفا:
- لاه.., يشهد ربنا من يوم ما شوفناهم وايجو حدانا ما شوفنا منيهم الا كل طيّب, أني بس مستغرب حبتين, لكن لو متوكدين يبجى خلاص, انتو فاتحتوا عمكم في الموضوع نسيب له وجت يفاتح بناته وربنا يعمل اللي فيه الخير..
شهاب بغموض:
- تفتكر يا حاج انه هيقنعهم؟
عثمان ببراءة مزيفة:
- والله يا ولدي دِه زواج.. يعني لو ما وفجوش منجدرش نغصبوا عليهم, ما تنسوشي انهم تربية البندر!
قفز شهاب هاتفا بحنق:
- يعني سلمى ممكن ترفض؟, حتى بعد ما عرفت انه البلد كلها ساعتين وتعرف انها مراتي؟
نظر اليه عثمان بصرامة وأشار له بعصاه قائلا:
- ولد.. جعمز اهنه..
نظر اليه شهاب متمتما بنزق وهو يجلس مكان ما أشار والده:
- ولد ايه بس يا بويْ؟
لم يستطع عثمان كتم ابتسامة صغيرة وعلق على تبرّمه الواضح:
- طالما اتحدت بلغوتنا يبجى الموضوع إمأثّر فيك صوح!
كتم شهاب زفرة حانقة, وحاول التحدث بهدوء بعيد عنه تماما:
- انا مش شايف سبب تخليها ترفض بصراحة..
عثمان وهو ينظر الى غيث بمكر مستتر:
- ليه.. ما سبج وأختها رفضت خوك!
شهاب بدهشة بينما زفر غيث حانقا مشيحا بعينيه بعيدا:
- هو غيث اتقدم لسلافة؟
عثمان بتلقائية:
- إيوة, والبنيِّة رفضت حسب ما جدك جالي!
غيث وقد بدأ بروده الظاهر بالتصدع:
- لاه يا بوي هي رفضها كان لحاجة تانية وأني كنت هتفاهم معاها لوما جات حكاية ليث ابن عمي خلتني انشغلت بيها, بس اني عارف هقنعها كيف!
عثمان بهدوء:
- مش هنغصبهم على حاجة, اني مش بجول انكو تهمّلوا الموضوع لكن اتعاملوا امعاه بعجل, جدكم موافج بس ما تضمنوش.. بنات عمكم واخدين عجله ويمكن يجدروا يجنعوه برفضهم دِه, وجتها محدش فينا كلاتنا هيعرف يفتح خشمه واصل, يبجى العجل يجول بالراحة إكده والهداوة, ها.. فهمني يا باشي مهندز.. بالراحة مش بالخناج والصوت العالي...
ثم نهض مردفا:
- افوتكم أني دلوك, وما تنسوشي تجولوا لعمكم على عزا ولد عمكم انهاردِه بعد صلاة المغرب ان شاءالله..
وانصرف تاركا ولديه كلا منهما يفكر كيف يقنع متمردته الحسناء بقبول الارتباط به؟!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
دلف عثمان الى جناحه هو وراوية التي سرعان ما خرجت من غرفة النوم الملحقة بالجناح على صوت صفق الباب بقوة, نظرت الى عثمان الذي وقف يطالعها بنظرات غامضة, حاولت التحدث مدعية القوة:
- بجه يصوح برضيكي تزعّج لي جودام الجاعدين كلاتهم كيف البت الصغيرة؟
تقدم عثمان بخطوات بطيئة حتى وقف أمامها وأجاب بصوت هاديء يخفى وراؤه غضبا مستعر:
- وانتي يصوح تجفي جودام بوي وجودامي وجودام خوي وتجولي بالفوم المليان انك مش رايده بناته لولادك؟
راوية باضطراب وهي تهرب بنظراتها من نظرات عينيه القوية:
- أني ما غلطتش, دول ولادي واني من حجي اني اجول آه ولا لاه!, ولو مش هيتزوجوا واصل بنات ألفت لاه ومليون لاه كماني!
شعت عيني عثمان بغضب ناري وتحدث بهسيس غضب من بين أسنانه المطبقة:
- ما اسمهومشي بنات ألفت, دول بنات خوي رؤوف!
راوية وقد تسلط شيطانها عليها ونسيت من هو عثمان الخولي وكيف يكون غضبه الذي لا قبل للرجال به, فهو كالبركان ما أن ينفجر لا يبقى ولا يذر:
- ولو, ما كانيش يصوح تحدتني اكده وتجولي روحي دارك كاني واحده مهبولة, أني مهما كان مرتك انت يعني كرامتي من كرامتك, ولمن اللي اسمها ألفت دي تسمعك بتحدتني بالطريجة دي هتعمل هي معاي ايه؟
عثمان وهو يقبض بشدة على رأس عصاه حتى ابيضت سلاميّات أصابعه:
- المرة اللي ما بتعملشي احترام لجوزها وترد على كبير العيلة يتعمل امعاها أكتر من اكده!, انتي سمعتيها فتحت خشمها بكلمة واحده؟, ما الموضوع كيف ما يخص ولدك شهاب يخص بتّها, حتى لما بت اخوي فتحت خشمها خوي عرف يسكتّها كيف, الدور والباجي ع الكبيرة العاجلة اللي كنها مخّها ضرب ولازم لها تأديب من أول وجديد!.
راوية بشهقة عالية:
- انت بتجول ايه يا عتمان؟, عاوز تضربني؟!
عثمان بصرامة وبريق شرس يلمع بين مقلتيه:
- لا إنتي أكبر منّيها ولا أني أصغر من أني أسوِّيها!
راوية بدموع التماسيح:
- طب اعملها يا عتمان وشوف مين هيجعد لك فيها بعد إكده!, أني ما اتبهدلش على آخر الزمن وجودام اللي يسوى واللي ما يسواش!
وفي أقل من لمح البصر يسكتها عثمان بصفعة مدوية على وجهها جعلتها تصرخ عاليا ألما, وغضبا, و... خوفا!!
نظرت اليه ويدها تغطي وجنتها اليسرى حيث علامات أصابعه الخمسة موضع صفعته, والتي شكلت مكانها لونا أحمر قان, همست راوية بغير تصديق:
- انت بترفع يدك عليا يا عتمان؟, اني مش مصدجة!, انت عمرك ما اعملتها!, بترفع يدك عليّا عشان ألفت وبناتها!
مد عثمان يده ليقبض على رأسها فيسقط وشاحها جانبا بينما تتأوه ألما وهو يقول بغيظ وغضب جعل أوداجه تنتفخ وبشدة:
- انتي واعية للي جولتيه؟, هما مين دول اللي ما يسووش؟, بوي وامي واخوي؟, انتي كل اللي هامك ألفت وبناتها؟, ايه ما عاوزاشي تنسي انها هي اللي فضّلها عليكي!
سكتت راوية في ذعر بينما تابع عثمان بين غضب وأسى:
- سنين وأني شايل جوايا ومعبِّي, وأجول خلاص يا ولد احنا ولاد انهارده, سنين وأني كاتم جواتي, فكرك مش عارف انك كتِّي حاطة عينك عليه.. على خويْ؟!, ومن فُجرك صارحتيه باللي جواك!
نظرت اليه راوية وقد غرقت معالم وجهها في دموعها المنهمرة بينما تشكلت كدمة زرقاء في زاوية فمها وتحدثت بتلعثم واضح:
- انت.. انت بتجول ايه؟, كدب ما حوصلـ.......
ليصرخ عاليا:
- اوعاكي تجولي كدب, اني سمعتك بدناتي التنيين يا بت عمي, يوميها شوفتك وانتي واجفة امعاه, آخر يوم كان فيه إهنه جبل ما يسيب البلد ويسافر, كانت اختك شايفاكم وأني كت بالصدفة جاي أتكلم امعاه أحاول أجنعه انه ما يزعِّلش بوه منِّيه لمن شوفت وسمعت كل حاجة....
ودفعها بقوة جانبا , ليهز برأسه أسى وأسف, ثم ينهار جالسا فوق المقعد خلفه وهو يردف بأسف وغضب:
- كت أتمنى يكون كدب, بس ما جدرتش أكدب وداني, ولمن جوم بعد الغيبة الطويلة ده كلاتها عرفت انك لساتك شايله في جلبك منيه ومنيها, مع ان هي مالهاش ذنب..
ثم رفع رأسه ناظرا اليها متابعا بحدة:
- لكن توصل بيكي انك تهيني خوي وبناته ومرته في وجودي ووجود بوي كبير العيلة.. يبجى لاه.. أدفنك مُطرحك ولا انك تكوني سبب في فرتنة العيلة..
لم تصدق راوية ما سمعته أذناها, هو يعلم!, انه على علم بكل شيء ومن قبل اتمام زيجتهما!, لما لم يخبرها؟, فجأة تغيرت صورة عثمان في ناظرها, ذلك الرجل التي كانت تسيّرها رهبتها وخوفها منه, لم تسأل نفسها أبدا عمّاهية شعورها تجاهه, فهو ابن عمها الذي أجبرت عليه, كانت طوال عمرها تخافه وتهابه لشخصيته القوية, فيما كان رؤوف هو الدائم الابتسام والطيبة, لذلك كان رؤوف هو فتى أحلامها, بينما عثمان صورة مطابقة من أخيها عدنان!
ارتمت أسفل قدميه وقالت وهي لا تتصور أن تخلو حياتها من عثمان!, رجلها ووالد أبنائها, هتفت برجاء:
- ليه ما جولتليش؟, والله العظيم ويمين تلاته ان عمري ما اتحدت مع خوك واصل, غيرشي هو اليوم دِه, انت ما تجدرش تحاسبني على عجلي واني لساتني بت 15 سنة, بس احلف لك على مصحف اني من وجت ما بجيت مرتك على سنة الله ورسوله ما فكرت في غيرك واصل, اني مش خاينه يا عتمان, مش خاينه يا ولد عمي!
نظر اليها برفض وأشاح بعينيه بعيدا, فانحنت على يده تقبلها وهي تغسلها بدموعها هاتفة:
- أحب على يدك تصدجني, صدجني وسامحني, اني طول عشرتي امعاك زعلتك مني واصل؟, كل اللي كت بتجول عليه كت بنفّذه بالحرف الواحد, اني مش غيرانه منيها زي ما انت فاكر عشان اللي حوصل زمان.. لاه!, هي جات خدت كل حاجة ع الجاهز, حتى مرت عمي ما بجيتش معايا زي الاول!, حتى انت يا ابو غيث... بشوفك بتشكر في أي حاجة بتعملها, دِه حتى زينب في صفّها, اني خالص ما عادليشي عازة, حتى زواج ولادي ماليش صالح بيه, عارف يعني ايه يتزوجوا بناتها؟, يعني تبجى مجابلاني يا هي يا حد من طرفها طول ما اني عايشة, ما جدراشي يا عتمان, افهمني!
جذب عثمان يده بعيدا ونظر بجدية اليها مجيبا:
- لازمن تنسي يا راوية, الست من يوم ما جات ما شوفناشي منيها غير كل خير, غيرك انتي!, فكرك اني معارفش اللي بيوحصل من وراي!, كلامك اللي بتسمي بيه بدَنْها!, أمي كات لازمن تبجى في صفها.. خصوصي انه الغلط راكبك من ساسِك لراسك, انتي اللي بتنفِّريهم منيك وتبعديهم عنّك, ده بدل ما تحاولي تاخديهم في حضنك, وتحبيهم وتبجى كيف أمهم!
زفر بضيق وأردف:
- أني عارف انك عمري ما خنتيني ولو بفكرك حتى, بس تفتكري ما زعلتش انك كت حاطة عينك على خويْ, وانك كت عاوزاه هو؟!, مش هكدب وأجولك اني لساتني متضايج من اكده بس برضيكي انتي مش بتخليني أنسى!
راوية بيأس ولا تزال راكعة على ركبتيها أمامه:
- أحلف لك بالله انه ما فيه حاجة في بالي من الحديت الجديم دِه, أني.. اني يمكن أكون زودتها اشوي خصوصي جودام عمي ومرات عمي بس..
رفع عثمان يده مانعا اياها من المتابعة وقال بجدية وهو يميل ليأسر عينيها في نظرة قوية:
- من غير بس, مرت خوي هي وبناتها كرامتهم من كرامة خوي, آخر مرة أسمح لك انك تتعاملي امعاهم ولا تلجحي عليهم بكلامك الماسخ دِه!, وموضوع زواجهم من ولادنا مالكيش صالح بيه واصل, ده موضوع الرجالة هي اللي تتكلم فيه, مفهوم ولّا لاه؟, ما عاوزشي أتحدت في الكلام دِه تاني!
أومأت بالايجاب وهي تسدل عينيها الى الأسفل, تنهد عثمان بيأس وهو يطالع وجنتها حيث بدأ اللون الأزرق يزحف مكان الصفعة, أشاح بعيدا وهو يقول بصوت خشن:
- خلاص, جومي شوفي هتعملي ايه وهمّليني لحالي, عاوز أرتاح شوي!
ونهض متجها الى غرفتهما تتابعه راوية بعينيها ودموعها تغرق وجهها ولكن ترى هل هي دموع الندم أم الحزن أم الغضب ممن كان السبب فيما حدث من وجهة نظرها؟!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- ليث يا ولدي تعالى عاوزك في موضوع..
لحق ليث بوالده في غرفة الجلوس, بعد أن استقر بهما المقام, نظر عدنان الى ولده وقال بهدوء:
- هنعملوا ايه مع ام عدنان؟
قطب ليث وتساءل:
- هنعملوا ايه في ايه يا بوي مش فاهم؟
عدنان بجدية:
- يعني لمن تفوت العدة.. هتفضل معانا اهنه ولا هتعاود لاهلها؟, ولمن تعاود هتاخد امعاها الولد ولا هتسيّبهم حدانا, الولد لساتهم اصغيرين حرام نحرمهم من امهم مش كفاية بوهم!
ليث عاقدا جبينه بقوة:
- وليه السؤالات دِه دلوك يا بوي؟, لا هي جالت عاوزة تعاود لاهلها ولا عمي جال انهم هياخدوها!
اغمض عدنان عينيه وزفر بضيق ثم فتحهما ناظرا اليه بتركيز مجيبا بجدية بالغة:
- لانه دِه اللي هيوحصل, ولازمن نكون مرتبين نفسنا وجتها ونعرفوا هنجول ايه..
ليث بزفرة حنق:
- ممكن تدخل في الموضوع طوالي يا بوي؟, اني مش فاهم انت عاوز توصل لايه بالظبط؟
نظر عدنان لابنه قائلا بصرامة:
- اتجوزها يا ليث!
هتف ليث بدهشة وهو يقفز عن قدميه واقفا كمن لدغته أفعى:
- باه!, بتجول ايه يا بوي؟
أشار اليه عدنان بالجلوس فأطاعه ثم أجاب عدنان بحزم:
- بجول اللي لازمن يوحصل!, بت عمك لساتها اصغيرة وحلوة ومن عيلة كبيرة وألف عيلة تتمنى تناسب الخولي, وما يعيبهاشي انها أرملة.. دِه أمر الله, واحنا مش هنجدر نجفوا جودام نصيبها, مهما كان هي لساتها اصغيرة ووكيد بوها مش هيوافج انها تفضل مترملة العمر كلاته!
ليث باستهجان:
- يعني ايه؟, هيزوجها إيّاك!
عدنان بجدية:
- طبعا, واني هوافجه, دِه حلال ربنا!
ليث بانفعال رغما عنه:
- بس كيف نخلي غريب هو اللي يربي اعيالنا؟, لو رايده الزواج هي حرة بس تهمّل لنا اعيالنا..
عدنان بزفرة تعب:
- يا ليث افهم, حرام العيال لساتهم اصغيرين ليه يتحرموا من امهم مش كفاية بوهم؟
ليث رغبة منه بانهاء النقاش في هذا الموضوع الذي بدأ يثير حنقه و... غضبه!, وقف وأجاب:
- لمن تبجى عدتها تخلص ويجي لها عريس يبجى نشوف هنعملوا ايه, عن اذنك يا بوي!
ليصدح صوت عدنان خلفه مانعا اياه عن التقدم ما ان لفظ كلمته:
- وان جولتلك انه عريسها موجود!
تسمر ليث واقفا في مكانه قبل أن يلتفت الى أبوه مرددا بغير تصديق:
- عريسها موجود!, كيف دِه؟, ومين؟, هي لساتها في العدة!
عدنان وهو يحرك كتفيه بلا مبالاة:
- يبجى مجاهد ولد جابر الخولي, من الخولي برضيكي, مجاهد كان صديج المرحوم الروح بالروح, بوه حدتني أني ما ينفعشي يكلم عتمان وبتّه لساتها في العدة, هو عارف انها مطمع ناس كتير جوي, زينة ومن عيلة و...
هتف ليث وغضب من نوع آخر يتصاعد في صدره:
- بكفاياك يا أبويْ, ما عاوزشي أسمع جالو ايه!, الحديت دِه مالوشي عازة دلوك.. واحنا مش جاصرين على ترباية اعيالنا..
عدنان محاولا توضيح الصورة له:
- يا ولدي افهم, كلامهم خلاني أوعى انه سلسبيل مسيرها تتزوج, وسلسبيل خسارة وألف خسارة, وأديك شايف امك روحها فيها وفي العيال, وانت ما شاء الله عليك رجل طول بعرض وولد عمها وانت اولى بتربية صغار خوك من غيرك, جولت ايه؟
زفر ليث بيأس وهتف:
- ربنا يجدم اللي فيه الخير يا بوي!
ألح عدنان قائلا:
- برضيكي يعني ايه؟
هتف ليث قبل أن يولي مغادرا:
- اللي تشوفه يا بوي اللي تشوفه!
لينصرف والشياطين تتراقص أمام عينيه بينما ارتسمت ابتسامة راحة على فم عدنان, فيما وقف ليث ما أن غاب عن ناظري والده متمتما وهو يستند برأسه الى الجدار خلفه ليضربه بخفة مرات عدة:
- أتزوجها كيف بس؟, ده كانت مرته يا بوي مرته!
ليعتدل واقفا وهو يتابع بعينين يملؤهما التحد والاصرار:
- لكن طالما اكده ولا اكده هتتجوز تاني يبجى أني هكون جدرك ونصيبك يا سلسبيل, زي ما انتي جدري اللي مجدرتش أهرب منِّي واصل مهما حوصل!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
التزم رؤوف برغبة سلمى في عدم الضغط عليها, وكان قد مر أسبوع على حديثه معها, كانت لقاءاتها بشهاب تقتصر على تبادل السلام والتحية, كان كثيرا ما يزورها في المستوصف الصغير الذي تم الانتهاء منه, كانت تتعامل معه بمنتهى البرودة والرسمية الأمر الذي كان يجعل شهاب يستشيط غيظا وغضبا ولكنه كان يحاول تمالك نفسه تماما كما وعد عمه!, بينما حاول غيث مرارا مفاتحة سلافة في أمر ارتباطهما والتي ما ان تقع عيناها عليه حتى تنظر الى يديه وتشيح بنظرها سريعا لتبتعد عن أي مكان يصدف وجوده به حتى أنها امتنعت عن الذهاب الى الديوان وكان كل العمل المطلوب منها تقوم به عن طريق الحاسوب من المنزل الأمر الذي كاد يذهب بعقل غيث, وعقد العزم على مواجهتها قريبا جداً!!..
- دكتورة سلمى شعبان تعبان جوي يا دكتورة..
نهضت سلمى وقالت لسالم الممرض الخاص بالمستوصف:
- ماله يا سالم؟, لو معاك بره دخله!
خرج سالم من فوره ليعود في غضون ثوان برفقة شعبان وشخص آخر يسنده, أمرت سلمى بوضعه فوق سرير الكشف, وقف معها سالم ومتولي رفيق شعبان, بعد أن فحصته قالت:
- دي كريزة كلى, مش انا قلت لك كذا مرة لازم تروح عند دكتور مسالك بولية شاطر يا شعبان؟؟
استمعت اليه وهي تتناول محقنا لتجهيز الدواء اللازم لحقنه عندما دلف شهاب الى العيادة بغتة, نظرت اليه رافعة حاجبها بدهشة وتساؤل, قال شهاب وهو يدير نظراته بين الرجال الثلاث الذي يحيطون بها هي الأنثى الوحيدة وكأن ما يراه لم يرق له فقال مقطبا جبينه:
- معلهش مالاقيتش سالم, قلت اطمن عليكي!
لم تجبه وبدلا من هذا التفتت الى شعبان الذي يضع يده على مكان الألم في جنبه الأيسر وهو يتأوه بقوة من شدة الألم, قالت وهي تشير الى سالم ليساعده في رفع ثوبه لتحقنه بالمسكّن:
- معلهش يا شعبان الدوا دا بإذن الله هيهدي الألم...
نظر شهاب الى سالم الذي يساعد شعبان في رفع الجلباب ثم الى سلمى التي وقفت بعيدا تتظاهر بالانشغال بالنظر الى المحقن بيدها, تاركة له المجال حتى يجهز لحقنه, تقدم اليها بخطوات سريعة ووقف أمامها وهو يهتف بحدة بصوت منخفض:
- انتي فاكرة نفسك هتعملي ايه؟..
نظرت اليه بدهشة حائرة وأجابت:
- أفندم؟, هعمل ايه يعني؟, هديلو حقنة...
سخر شهاب مقلدا اياها:
- هديلو حقنة!, يا سلام!, لا طبعا ما ينفعش!..
سلمى بنزق محاولة عدم رفع صوتها وهي تسترق النظر بين كل كلمة واخرى الى مريضها:
- هو ايه دا اللي مينفعش!, سالم مش بيعرف يدي حقن, وانا الدكتورة هنا ودا مريض, يبقى مين اللي هيديلو ان شاء الله.. انت؟!
مشيرة اليه بسخرية, فنظر اليها ضاغطا على شفتيه بقوة قبل أن يجذب المحقن من يدها بشدة أجفلتها وهو يحتد قائلا:
- آه..
هتفت به بصوت منخفض غاضب:
- تعالى هنا.. هو ايه اللي آه؟, انت عمرك اديت حقن قبل كدا؟
شهاب بسخرية:
- للبهايم ولا مؤاخذة, وبيتهيالي البني آدمين مش هتبقى بعيدة اوي عنهم, مش كيميا يعني..
سلمى محاولة أخذ المحقن من يده بينما يبعد يده عنها:
- بقولك ايه يا شهاب دي مش اول مرة أدي حقن لرجالة, ودا بالذات انا عارفة حالته كويس وسبق واديتو قبل كدا, هات الحقنة الراجل تعبان احنا مش عيال صغيرين!
شهاب برفض قاطع:
- لا يعني لا, وحكاية تدي حقن لرجالة دي لينا فيها كلام تاني, محدش هيديلو الحقنة الا أنا, قوليلي ازاي لو خايفة عليه أوي!
سلمى بزفرة يأس:
- يا ربي أقوله دكتورة يقول لي حقن لأ, يا بني أنا بعمل عمليات مبفرّقش بين راجل وست دول كلهم حالات بالنسبة لي!
لم تر تجاوبا منه فزفرت بحنق وأشارت اليه بكيفية اعطائها, تقدم شهاب منه وحدجها بنظرة زاجرة ما ان اقتربت منه لتبتعد, سمعت صوت صراخا عاليا من الرجل سكت تماما بعدها, ما جعلها تقطب, تقدمت ببطء وكان سالم قد ساعده على ترتيب ثيابه, قالت:
- انت كويس يا شعبان؟
رفع شعبان عيناه الذابلة اليها وأجاب وهو ينقل نظراته بينها وبين شهاب الواقف امامه يحدجه بنظرات تحذيرية واضحة:
- الحمد لله يا دكتورة, الباشي مهندز يده بصراحة تجـيلـ... خفيفة.. خفيفة...كيف المرزبة تومام!
ساعده متولي زميله في النهوض, وناولته سلمى وصفة طبية مع تشديدها عليه في الذهاب الى طبيب متخصص, ما ان انصرفوا حتى التفتت الى شهاب هاتفة بحنق وهى ترفع سبابتها في وجه:
- آخر مرة تيجي لي العيادة فاهم؟, أهو دا اللي ناقص دكتورة وأعالج العيانين بتوعي بالمراسلة!
هتف شهاب بغضب:
- وانا ما اقبلش انه يتكشف عليكي رجاله, عاوزة تكشفي يبقى ستات بس, الرجالة يروحوا المستوصف بتاع المركز, وانا هقول لجدي كدا!
سلمى بذهول:
- ايه التخريف دا؟ يا باش مهندس افهم.. انا دكتورة.. وجراحة كمان.. يعني بعمل عمليات للصنفين ستات ورجالة مش على أد حقنة وبس..
شهاب بأمر:
- كانت أيام وخلاص, من هنا ورايح انت تخصص ستات بس!
تخصرت سلمى هاتفة بحنق:
- يا سلام ومين اللي قال كدا ان شاء الله؟, وبمناسبة ايه؟
تقدم منها شهاب حتى على أصبح على بعد انملة منها ومال عليها ناظرا بعمق في زيتون عينيها مجيبا وهو يشدد على كل كلمة تخرج منه:
- أنا اللي بقول, أنتي مش هتكشفي على رجالة تاني, انا مقبلش ان مراتي تتعامل مع أي صنف مذكر غيري!
عقدت سلمى جبينها في حيرة ورددت:
- مراتك!
أكد قائلا:
- ايوة, مراتي..
هتفت بجنون:
- مرات مين؟, شهاب انت جرالك حاجة؟, أنا مش موافقة ومش ممكن...
ليقطع سيل حديثها صوتا لم تصدق أذنيها حين سماعه, كان صاحب الصوت يقف أمام الباب المشرّع وهو يهتف:
- سلمى حبيبتي, أخيرا عرفت أوصلك, وحشتيني أوي يا سمسمة!
لتفتح سلمى عينيها واسعا وهي تلتفت الى مصدر الصوت في ذهول لينقلب الى دهشة عارمة وهي تهتف بغير تصديق:
- أحمد!!
بينما ينظر شهاب الى هذا الواقف فاتحا ذراعيه على وسعهما وترتسم ابتسامة عريضة بلهاء على وجهه الوسيم, ضيق شهاب عينيه ناظرا له نظرة تساؤل وغموض بينما يحدج سلمى بنظرات أقل ما يقال عنها أنها.. ناااااااارية!!




- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:06 AM   #14

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-12-



- مين دا يا سلمى؟.
تساءل شهاب مقطبا الجبين, دلف احمد الى الداخل متجها الى سلمى غير ملتفت الى من يقف بجوارها, وقف أمامها وقال بنظرات مشتاقة:
- وحشتيني...
لتمتد يد كالكلّاب تمسك بمقدمة قميصه ويجذبه شهاب اليه بقوة ناظرا اليه بغضب وحشي وهو يزمجر من بين أسنانه:
- احترم نفسك!, انت مش شايف راجل جنبها؟..
حاول أحمد دفع يد شهاب بعيدا وهو يهتف بغلظة:
- ايه يا عم انت, انت مالك؟, انا جاي علشان د. سلمى انت تبقى مين؟
شهاب وهو يدفعه بعيدا عن مسار سلمى ويكور قبضته متأهبا لضربه هاتفا بغضب عاصف:
- انا هعرفك دلوقتي أنا أبقى مين؟
وما ان هم بلكمه حتى هتفت سلمى:
- بس كفاية..
اتجهت اليهما في حين نظر اليها شهاب ورغبة في قتل هذا الكائن الطفيلي تتفاقم لديه, وقفت سلمى بجوار شهاب ناظرة الى أحمد ببرودة وهي تقول:
- نعم.. أقدر اعرف سبب الزيارة؟
أزاح أحمد يد شهاب جانبا ودفعها بقوة ليعيد ترتيب ثيابه التي تجعدت من هجوم شهاب المباغت عليه, ثم أجاب وهو يرمق شهاب شذرا:
- عاوزك لوحدنا يا سلمى...
زمجرة شديدة صدرت من شهاب وصرخ وهو يهم بالانقضاض عليه:
- لاااا... دا انت قليل الادب بقه وعاوز تتربى..
سلمى وهي تقبض على ذراع شهاب وتنظر اليه مطالبة له بالصمت, لتلفت الى احمد متسائلة بجمود تام:
- عاوز ايه؟, أي حاجة عاوز تقولها اتفضل قولها دلوقتي انا مبخبيش على شهاب حاجة!
قطب أحمد وسأل باستهزاء:
- ليه؟, يبقى مين ان شاء الله؟
شهاب بترفع ونظرة غضب سوداء تلمع في مقلتيه:
- انا ابن عمها... وخطيبها!
ليبتسم أحمد ابتسامة ساخرة ويرد ببرود تام:
- وأنا أحمد.. جوزها!!..
كتمت سلمى شهقة داخلها وهمّت بالرد عليه عندما فاجئها شهاب بأن نظر الى أحمد نظرة استعلاء واضح قبل أن يقول ببرود وابتسامة صفراء تزين ثغره المغطى بشارب ولحية خفيفة:
- قصدك اللي كان.. جوزها!
أفلتت شهقة سلمى هذه المرة ولكن من عبارة شهاب, نظرت اليه بعدم تصديق في حين تمتم أحمد مقطبا جبينه:
- إنت عارف أنها كانت مراتي؟
بصعوبة تمالك شهاب نفسه من أن يكيل اللكمات الى هذا المغرور السخيف, فكلمته التي ادلى بها بمنتهى البرود من أن سلمى إمرأته جعلت الشياطين تتقافز أمام عينيه.. نسبها الى رجل آخر يثير لديه غريزة رجل الكهف في الدفاع عمّا هو له.. وهي له... لن تنتسب الى رجل غيره.. وسيكون ملعونا ان لم يحصل عليها وسيعمل على جعلها تؤمن بأنه هو رجلها الوحيد وسيجعلها تعترف بذلك إن آجلا أو عاجلا!....
أجاب شهاب بحدة مكتومة واسلوب ساخر:
- قصدك مكتوب كتابكم؟, الموضوع دا كان من سنتين تقريبا والحمد لله ربنا نجاها منك بعد ما أثبت أد إيه انت انسان ندل وخسيس وواطي... أقدر أعرف راجع عاوز ايه؟
هتف أحمد بحدة:
- أنا مسمحلكش تكلمني بالاسلوب دا؟
شهاب باستهزاء:
- انا أساسا مش عاوز أتكلم معاك خالص, لكن زي ما انت شايف انت اللي جيت برجليك... وبما إن سلمى بقيت تخصني يبقى أنا لازم أتلكم معاك وافهم...
احمد ينقل نظراته بين هذا الليث الغاضب وبين سلمى المذهولة التي تتابع ما يحدث بذهن غائب, قال أحمد ببرود مغيظ وهو يزيل شيئا وهمي عالق بكم سترته:
- وانا اعتقد اني قلت انى عاوز سلمى لوحدها؟!..
ثم وجه نظرة مليئة بالتحدي لشهاب وهو يتابع:
- زي ما انت خطيبها دلوقتي أنا كنت في فترة من الفترات جوزها أو.. اللي كاتب كتابه عليها, وأعتقد انه فيه حاجات بيننا مالهاش أي صلة بيك؟!
الى هنا ونفذ صبر شهاب ولم يستطع السيطرة على غضبه أكثر من هذا لينفلت غضبه من عقاله ويهوي بقبضة كالحديد محطمّا فك أحمد لتنزف شفته وأنفه على حد سواء وينظر مبهوتا الى شهاب الذي يقف يلهث من شدة ما يضطرم بداخله من نيران تتأجج مهددة في حرق كل من يقف في طريقها!
انتبهت سلمى من شرودها وذهولها نتيجة مفاجئتها بمعرفة شهاب بأمر ارتباطها السابق بأحمد لتهتف باعتراض وهي ترى أحمد ينزف ويقف محاولا ايقاف سيل تدافع الدماء من أنفه وفمه على حد سواء بينما يقف ذلك الليث الهائج متحفزا على أهبة الاستعداد لأعادة الكرة مرات كثيرة, هتفت بنزق وهي تسرع باعطاء أحمد محارم ورقية لمسح الدماء التي تقاطرت على قميصه:
- مش ممكن يا شهاب, كويس كدا؟, انا أقدر أوقفه عند حده, بس ما ينفعش الضرب!
نار... نار تزداد وتتأجج وهو يستمع لتقريعها له وكأنه طفل صغير قام بفعل سيء!, بينما ذلك المتحذلق المغرور يقف محاولا مسح جرحه وهو يطالعه بنظرة ساخرة متشفية, هتف شهاب وهو يقترب منها والنيران تتصاعد من فحم عينيه المشتعل:
- امشي دلوقتي يا سلمى وسيبيني أنا هتصرف...
وقفت بينهما تهتف بحنق:
- انا مش همشي, الموضوع يخصني أنا..
ثم التفتت الى أحمد الواقف يطالع شهاب باستفزاز لتهتف به محتدة:
- في كلمة ونص أعرف ايه سبب زيارة حضرتك يا دكتور!
نظر احمد الى شهاب الواقف كالصقر المتربص به يحاول تمالك أعصابه بصعوبة, أجاب أحمد محاولا كسب عطفها:
- هتكلم ازاي والاستاذ واقف فوق راسي كدا, عاوز اتكلم معاكي على انفراد لو سمحتي...
نفخت سلمى بضيق ولم تجد بدّا من القبول بسخط والتفتت لتطلب من شهاب تركهما بمفردهما لتبتر كلماتها قبل أن تتلفظ بها ما إن وقعت عيناها أسيرة عينيه!, نظر اليها بتركيز وتقدم منها ليقف قبالها تماما ويقول بغضب مكبوت بينما خافقه يضرب بعنف في جنبات صدره وهسيس أنفاسه الساخنة تضرب وجهها بلهيب حارق:
- اوعي تقولي انك موافقة على طلب المجنون دا؟, اقسم بالله على جثتي أني أمشي وأسيبك معاه!
هتفت سلمى بيأس:
- شهاب أرجوك.. دي مشكلتي أنا وأنا بس اللي أوافق ولا أرفض!
نظر اليها بجدية هاتفا بصرامة بكلمة واحدة ولكن باترة حادة كشفرة السكين:
- لا....
زفرت بضيق في حين لم يتحمل أحمد هذا البائس الذي يقف بينه وبين الانسانة الوحيدة التي خفق لها قلبه, ليتقدم برعونة لم يدرك خطؤها الّا لاحقا وهو يهتف بغضب:
- قالت لك سيبنا لوحدنا, هي عافية يا أخينا؟!
لمعت عينا شهاب وانطلقت يده كالقذيفة تمسك بتلابيب أحمد وهو يهتف بصوت ترجف له الأبدان وترتعش له المفاصل:
- أه عافية, ووريني بقه هتعمل ايه؟
وما إن أنهى عبارته حتى لكمه بقوة على وجنته ولكن أحمد لم يسكت هذه المرة ليرد له الصاع الصاعين وبدأ الصراع بينهما بين ركل وضرب وسباب, ابتعدت سلمى عنهما ووقفت تنقل نظراتها بينهما لتنفخ في يأس ثم تسرع حاملة حقيبتها اليدوية الى الخارج بينما لا يزالان يكيلان لبعضهما الركلات واللكمات, وجدت سيارة شهاب الرباعية المكشوفة واقفة خارج المستوصف ولحسن حظها كانت المفاتيح بداخلها, صعدت الى السيارة وانطلقت بها وسط عاصفة ترابية ضخمة لتصدر عجلاتها صوت صرير عال دليلا على مدى السرعة التي انطلقت بها, فينتبه شهاب واحمد الى صوت السيارة فيدفع شهاب بأحمد جانبا بقوة بعد أن يلكمه اللكمة الأخيرة التي أطاحت به بعيدا ويسرع في إثر سلمى فيفاجأ بعدم وجود سيارته, ويبصر غيث آتيا من بعيد على حصانه فيشير اليه ليتقدم منه ويقف وهو مذهول من حالة توأمه المزرية, ترجل غيث من فوق حصانه وتقدم الى شهاب هاتفا:
- باه.. ايه اللي عِمِل فيك إكده يا وِلد أبويْ؟
اندفع شهاب صاعدا الى فرس غيث وهو يهتف هامّا بالانصراف:
- هقولك بعدين, فيه ضيف عندك في العيادة اتأكد انه يخرج بره البلد وما يهوّبش ناحيتنا هنا تاني, سلام...
وانطلق كالقذيفة بينما تتابعه نظرات غيث المحتارة وهو يعقد جبينه في تساؤل لم يلبث أن تحول الى دهشة بالغة وهو يفاجأ برجل غريب يخرج من المستوصف وحاله ليست بأحسن من حال شهاب بل أسوأ بمراحل!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
صفّت سلمى السيارة وترجلت لتنطلق الى الداخل, ما ان دلفت حتى اتجهت من فورها الى الأعلى دون أن تلتفت الى مناداة أمها لها والتي راعها حال ابنتها, اتجهت ألفت من فورها الى غرفة الجلوس حيث رؤوف زوجها وهتفت بخوف:
- رؤوف الحقني, سلمى راجعه من بره شكلها غريب أوي, زي ما تكون منهارة!
لينطلق رؤوف من فوره تاركا أخيه ووالده يتبادلان نظرات التساؤل والحيرة!
ما أن وصل رؤوف الدرج متأهبا للحاق بابنته حتى أبصر شهاب وهو يدلف كالطلقة هاتفا بلهفة واضحة:
- سلمى.. فين سلمى؟, عمي سلمى جات؟
نظر اليه رؤوف مليا واقترب منه وجال بعينيه على شهاب من قمة رأسه الى أخمص قدميه ليتساءل بتقطيبة عميقة بين حاجبيه:
- أقدر أعرف ايه اللي حصل؟, وايه اللي عمل فيك كدا؟, وبنتي راجعه شبه منهارة ليه؟
نظر شهاب الى عمه وأجاب بقوة:
- أنا هقول لحضرتك كل حاجة....
دفعه رؤوف الى غرفة المكتب وما ان دخلا وأغلق الباب خلفهما حتى أوقفه أمامه وقال وهو يميل ناظرا اليه بجدية:
- اتفضل أنا سامعك...
بعد أن انتهى شهاب من سرد ما دار بينه وبين سلمى وذاك المتحذلق حتى سكت وجلس يرمق عمه بنظرات تساؤل وقلق في انتظار سماع تعليقه عمّا حدث, تحدث رؤوف بنظرات غامضة وهو يكتف ساعديه مستندا الى ظهر مقعده:
- يعني أحمد رجع وعاوز يتكلم مع سلمى؟
أومأ شهاب بالايجاب وهتف:
- حقير!, بني آدم أحقر وأوطى منه ما شوفتش!!
رؤوف بتساؤل:
- وسلمى كانت موافقة على كلامه؟
شهاب بغيظ:
- كانت رافضة في الأول لكن لما هو صمم وافقت, بس أنا اللي ما رضيتش....
ثم توجه بإلحاح الى رؤوف مردفا:
- عمي لازم أنا وسلمى نعلن ارتباطنا رسمي, لازم الكلب دا يعرف أنه ما عادلوش سكة رجوع مع سلمى, لولا اني وعدت حضرتك ان الموضوع يفضل سر بيننا كان زماني دافنه بالحياة في مكانه, يسيب بنت عمي قبل الفرح بأيام!, يحمد ربنا انه حضرتك سبت بلادنا من زمان لو دا حصل عندنا هنا كان زمانه قال على نفسه يا رحمن يا رحيم, بناتنا مش لعبة, ولازم اللي عمله دا كان يدفع تمنه!
رؤوف بزفرة خانقة:
- ما انا قلت لك يا بني, وقتها كنت عاوز أخلصها من بين إيديه بأي طريقة, ما كانش هاممني الا بنتي, شهرين في المصحة بتتعالج من انهيار عصبي حاد أدى ان صوتها يروح بسببه, عمري ما كنت أعتقد انه يطلع بالندالة دي كلها, ومش عاوز كمان يسيبها لأ قال ايه بيحبها والتانية اللي اتجوزها في ألمانيا كانت علشان ياخد الجنسية وبس, بعد ما سافر عشان الدكتوراه ولاقى نفسه ما فيش شغل والفلوس معجزة معاه واهله هنا ناس من طبقة متوسطة الأب موجّه على المعاش والأم ست بيت وعنده أخين وتلات أخوات بنات غيره, طبعا الحالة ما تسمحش خالص انهم يساعدوه, المنحة اللي جات له من كلية الطب عشان يكمل دراسات عليا مش شاملة مصاريفه هو, الاقامة بس والدراسة, شاروا عليه ولاد ال... حلال انه يتجوز عشان ياخد الجنسية ويقدر يلاقي شغل, اتجوز من ورانا, كان خاطب سلمى من قبل ما يسافر وقالت له هستناك, كانوا زملا في الكلية, هو سابقها بسنتين, كان بيلح عليها علشان تقبل بارتباطهم ولما جالي وقعدت اتكلمت معاه ما انكرش اني اتغشيت فيه, كان بيتهيالي انه راجل وأد كلمته, وبعد ما خد الدكتوراه رجع عشان يتمم جوازهم, كان صمم انه يكتب قبل ما يسافر بحجة انه خايف سلمى تضيع من ايده, وانا وافقت اتخطبوا آخر سنه له في الكلية وعارفين بعض كويس, رجع عشان الفرح, وقبل الفرح باسبوع واحد بس عرفنا انه متجوز في المانيا واحده عندها فوق الاربعين سنة, واللي قالنا صاحبه اتخانقوا سوا ففتن عليه, الموضوع سهل, شهرين بتتعالج وهو رافض الطلاق لغاية ما هددته اني أروح السفارة وأقدم لهم ما يثبت انه متجوز وهناك الجمع بين زوجتين بيعاقب عليه القانون, فوافق انه يطلقها, بعدها ابتدت تتحسن شوية بشوية, الموضوع فات عليه سنتين, اتفاجئت بيه من كم شهر نزل #مصر وعاوز يستقر ولما عرف ان سلمى لسه ما اتجوزتش لاقيته بيكلمني عاوز يقابلها وعاوز يرجع لها تاني, وقتها انا فعلا كنت بفكر أني أرجع البلد هنا, وقلت خلاص... لازم أمشي, خفت حالتها تتنكس تاني وجبتهم وجيت على هنا....
سكت قليلا ليلتقط انفاسه ثم تابع بيأس:
- انا قلت لك كل دا لما فاتحتني انك عاوز تخطبها, بنتي ما غلطتش وكنت لازم اكون صريح معاك من أولها لكن المشكلة دلوقتي انها عرفت انك عرفت.. ودي حاجة خاصة بيها, أنا متأكد انها متضايقة لكدا, غير طبعا اللي اسمه أحمد دا اللي انا مش عارف هو عاوز ايه ولا ناوي على ايه؟
كشر شهاب عن أنيابه وقبض يده بقوة وتحدث بحزم مخيف:
- طيب خليه يقرب من سلمى بس وهو يشوف اللي هيجرالو!..
ثم أردف بعزم:
- عمي أنا مصمم على جوازي من سلمى وأملي انه حضرتك تقدر تساعدني...
رؤوف بقلة حيلة:
- ايوة يا بني الأول كان ممكن لكن بعد سلمى ما عرفت انك عندك خبر باللي حصل معاها قبل كدا هتفتكر انه دا شهامة منك ولو كانت رافضة فكرة ارتباطكم بنسبة 50% هتبقى رافضاه دلوقتي بنسبة 200%!!
زفر شهاب بحنق وأجاب:
- الله يبشّرك بالخير يا عمي...
قال رؤوف بشرود:
- هو فيه حل بس....
ليندفع شهاب هاتفا:
- الحقني بيه يا عمي أبوس ايدك!
نظر رؤوف اليه قبل ان يقول بجدية تامة:
- اعرف الاول ايه سبب اصرارك الرهيب دا انك تتجوز بنتي؟, وما تقوليش بنت عمك وانت أولى بيها والكلم دا.. خليك صريح وقولي الحقيقة!!
ازدرد شهاب ريقه بصعوبة ونظر الى عمه بنظرات يشوبها الارتباك قبل ان يتماسك ويوجه نظره اليه بثبات مجيبا بجدية بالغة وعيناه تلمع ببريق العزم والتحد:
- انا هقول لحضرتك السبب...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- يوووه يا سلافة...
هتفت سلمى بغيظ الى سلافة التى كانت تُخرج ما تضعه سلمى في حقيبتها الكبيرة, هتفت سلافة بعناد وتشبث وهى تخرج ثياب سلمى التى تضعها في الحقيبة:
- ما هو انا مش هتحرك من هنا قبل ما تفهميني فيه ايه؟.
نظرت اليها سلمى بغيظ وزفرت بحنق هاتفة:
- هنزل #مصر.. ارتحتي؟
سلافة بتساؤل:
- ليه؟
سلمى بتهديد:
- سلافة.. بلاش شُغل كرومبو دلوقتي, مش فايقالك!
سلافة بعناد:
- بردو مش همشي غير لما أفهم فيه ايه؟, وبعدين انتي فاهمه ان بابا هيرضى يخليكي تنزلي #مصر؟, يا بنتي قوليلي فيه ايه؟
صرخت سلمى بيأس ودموعها تطفر من عينيها رغما عنها ما جعل سلافة تشعر بأن الأمر جلل:
- فيه اني تعبت!, والله العظيم تعبت!
ثم ارتمت فوق الفراش تبكي لتجلس سلافة بجانبها تربت على كتفها بينما تدفن سلمى وجهها بين ذراعيها منخرطة في بكاء حار شبه راقدة فوق الفراش, همست سلافة وهي تكاد تبكي معها:
- سلمى فيه ايه؟, طيب أنا آسفة حبيبتي ما تزعليش, سلمى أنا...
اندفعت سلمى تلقي بنفسها بين ذراعي أختها وهي تتمتم بكلمات خافتة جعلت سلافة تقطب محاولة الانصات وما ان فهمت ما تقوله حتى فتحت عينيها واسعا وهي تردد:
- ايه؟, احمد رجع تاني؟..
لتكشر عن أنيابها مردفة:
- والمأسوف على شبابه دا رجع يهبب إيه تاني؟, مش كفاية اللي عمله؟
ابتعدت سلمى عن أختها محاولة كفكفة دمعها وابتسامة تشق طريقها وسط دموعها وتقول:
- يخرب عقلك يا سلافة, مش عارفة أضحك ولا أعيّط؟!
سلافة بغيظ:
- لا طبعا تضحكي.. تعيطي بتاع ايه ان شاء الله؟, ما يستاهلشي انك تعيّطي علشانه!, عيّطوا عليه ساعة وسكتوا البعيد!
لتخرج ضحكة مبتورة من فم سلمى, ثم سكتت قليلا لتنظر الى أختها بأهداب مبللة من بقايا دموع وهي تقول:
- بس اللي مش متصوراه انه.. شهاب طلع عارف!
قطبت سلافة مرددة:
- شهاب طلع عارف!, عرف منين؟, وعارف إيه؟...
لتتوسع حدقتاها وتتابع مجيبة على سؤالها بنفسها:
- انتي قصدك عارف بموضوع مخفي الذكر اللي اسمه أحمد دا؟
أومأت سلمى بالايجاب, قطبت سلافة ناظرة اليها بتركيز قبل أن تميل عليها هامسة وكأنها تكاد تفشي سرّا دوليّا خطيرا:
- وانتي بقه بتعيطي علشان شهاب عارف ولا علشان البتاع دا رجع؟
نظرت اليها سلمى لثوان ثم أشاحت بعينيها بعيدا فتابعت سلافة بلهجة من توصل الى سر الذرّة:
- يبقى بتعيطي علشان عرف صح؟, انما السؤال دلوقتي... ليه يا أختي يا حبيبتي؟, ما يعرف انت معملتيش حاجة غلط.. الظروف وقعتك مع واحد واطي والحمد لله اتكشف لنا في الوقت المناسب, يببقى تمسحي دموعك يا آمال... أووه.. أقصد يا سلمى, وتعالي اغسلي وشّك كدا, وبعدين نتكلم في موضوع الباش مهندس....
تعالى صوت طرقات الباب لتدلف ألفت بعدها وهي تقول بقلق أمومي:
- سلمى حبيبتي انتي كويسة؟
طالعتها سلمى بعيون دامعة وأبصرت ألفت حقيبة السفر الكبيرة فوق الفراش فهتفت مشيرة اليها:
- ايه دا يا سلمى؟
واتجهت الى ابنتها فوقفت سلافة معيقة سير والدتها وهي تقول بجدية مفتعلة:
- ما حصلش حاجة يا لولو, كانت لطشة شمس في دماغها وفاقت الحمد لله...
زفرت ألفت قائلة:
- على العموم بابا وشهاب ابن عمك برّه.. بابا عاوزك...
أجابت سلافة بدلا عنها في حين همّت سلمى بالإعتذار عن الخروج:
- قولي لبابا ثواني وهتكون عنده..
خرجت ألفت والتفتت سلافة الى سلمى متابعة:
- قومي اغسلي وشّك وانا هروح اعمل لنا كلنا لمون وغيري هدومك وحصّليني..
وانصرفت سلافة تاركة سلمى تحاول استيعاب ما يحدث لها!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
انضمت سلمى لباقي أفراد عائلتها في غرفة الجلوس حيث كانوا يحتسون شراب الليمون الطازج الذي قامت بإعداده سلافة, وقف شهاب ما إن لمح هيئتها, فقطب رؤوف ليتتبع مسار عيني شهاب, فاستراحت أساريره بعد ذلك وأشار لسلمى بالقدوم قائلا:
- تعالي يا سلمى يا بنتي...
تقدمت سلمى لتجلس على أول مقعد يقابلها ليأتي حظها في مقابل شهاب تماما..
خانتها عيناها بالنظر اليه لتطالعها كدمة زرقاء أسفل عينه اليسرى وأخرى فوق وجنته اليمنى, قطبت فقال شهاب بابتسامة خفيفة واعيا لنظراتها:
- لا دي حاجة بسيطة, بس ولا يهمك.. غيّرت لك ديكور وشّه خالص!!
صوت رنين جرس الباب فنهضت سلافة لتفتح, ثوان وعادت في أعقابها غيث, نهض شهاب ينظر الى غيث مقطبا, في حين قالت سلافة للوجوه المتسائلة:
- غيث ابن عمي ما حبش يدخل بإيده فاضية,’ بس بصراحة انا ركنت الشيء اللي جايبه معاه برّه لغاية ما آخد اذنك يا بابا!
تقدم شهاب من غيث وهمس له:
- شيء ايه دا اللي معاك؟
غيث بقهر:
- الجدع اللي حضرتك ضربته لحد ما يبان له صاحب!, مش عاوز يحكي حاجة وانت موبايلك مجفول, صمم يجابل عمي رؤوف, ما رضيتش حد من اللي تحت ينضُرُه دخلته من الباب الجنينه الورّاني, على اهنه على طول!
في حين قال رؤوف لسلافة:
- مين يا بنتي اللي بره؟
سلافة بزفرة ضيق:
- الشيء اللي اسمه احمد!
لينهض رؤوف في دهشة تبعته سلمى, في حين قالت ألفت وهي تنظر الى ابنتها الكبرى في جدية موجهة حديثها الى رؤوف:
- اعتقد يا رؤوف لازم تشوف هو عاوز ايه؟, مش معقول يجري وراها في كل مكان كدا؟
قطب غيث بعدم فهم لما يدور حوله في حين قبض شهاب على أصابعه حتى ابيضت سلاميات أصابعه, قال رؤوف وهو يشير الى ابنته الصغرى:
- دخّليه يا سلافة!
قطبت سلافة بغضب واتجهت حيث تركت أحمد بالخارج وهى تتمتم بصوت مسموع لقطه غيث بسرعة:
- الهي يدخّلوك مرابعة يا شيخ روح!
نظر غيث الى شهاب المتحفز بجانبه وهو يهمس بدهشة:
- بت عمك اتجننت!, بتكلم روحها!
دخلت سلافة وفي أعقابها أحمد الذي دار بعينيه في وجوه الموجودين, حتى تقدم الى بغيّته رافعا يده للمصافحة وهو يقول:
- أزي حضرتك يا عمي..
نظر رؤوف لثوان الى يده الممدودة من دون أن يمد يده للمصافحة وما لبث أن بادله المصافحة ببرود وهو يقول فيما كان لا يزال جالسا في مكانه لم ينهض لاستقباله:
- الحمد لله..
ثم أشار لمقعد خال بجواره قائلا:
- اتفضل..
وجّه حديثه بعد ذلك الى سلافة قائلا:
- كوباية لمون بسرعة يا سلافة...
سلافة وهي تنظر الى الضيف الغير مرغوب به بغيظ:
- اللمون خلص, ومعندناش شاي, ومالناش في القهوة!
هتف رؤوف بجدية:
- بنت!
انصرفت سلافة وهى تهمهم بغيظ وتدعو على ذلك الأرعن في سرّها!!..
بعد أن استقر الجميع في أماكنهم, بادر أحمد الى الحديث وهو يختلس النظر الى سلمى القابعة فوق كرسيها بجمود تام:
- عمي بعد اذن حضرتك, انا عارف اني غلطان وهما قلت عمري ما هقدر أكفّر عن اللي عملته, بس رجاء أخير عاوز أتكلم مع سلمى, عمي اديني فرصة أخيرة أرجوك!
همّ شهاب بالقفز للكم هذا الأرعن بقبضته الساحقة علّعا تسكته الى الأبد, فأمسك غيث بمعصمه , ليطالعه شهاب فنظر اليه غيث آمرا له بالتزام الصمت, ليتأفف ويعاود النظر الى ذلك الأحمق..
رؤوف بجدية:
- سلمى قودامك أهي.. إسألها..
أحمد برجاء حار الى سلمى:
- أرجوكي يا سلمى, اسمعيني لآخر مرة..
سلمى بجمود وهي تطالعه ببرودة وخواء:
- لآخر مرة؟, يعني هتتقبل قراري بعد كدا مهما كان؟
ازدرد أحمد ريقه بصعوبة وتمتم بنعم, نهضت سلمى وهي تقول لوالدها:
- بعد اذن حضرتك يا بابا, هنقعد في الصالة شوية...
وخرجت تحت نظرات شهاب النارية, وما ان غابت عن ناظريه حتى وجه كلماته الحادة التي لم يستطع ايقافها:
- حضرتك ازاي توافق انه يقعد معاها بعد كله؟
رؤوف بهدوء:
- سلمى لازم هي اللي تقول الكلمة الاخيرة في الموضوع دا علشان يفقد الأمل خالص...

وفي الخارج
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
تقف سلمى عاقدة ذراعيها أمامها بينما يقف أحمد مقابلا لها وعلامات الترجي ترتسم على وجهه وهو يقول:
- سلمى أنا غلطت, ظروفي كانت أقوى مني, مهدد اني أفشل في الرسالة, ما كانش قودامي الا الحل دا, انا رجعت لك يا سلمى وعاوز نبتدي من جديد...
سلمى ببرود وابتسامة ساخرة:
- انت ما غلطتش غلط بسيط, ما دوستش على رجلي غصب عني وجاي بتقولي انا آسف وأنا المفروض أني اسامحك, انت اناني, وكداب, كدبت عليا, ولولا صاحبك اللي اتخانقت معاه هو اللي فضحك عندي انت ما كونتش هتقولي حاجة, وبردوا تصرفت بمنتهى الندالة لما سيبتني قبل فرحنا باسبوع أواجه الناس ومعظمهم مش مصدق انه الفرح اتلغى علشان اكتشفت انك متجوز عليا, وقالوا اكيد فيه حاجة غلط سمعتها عني هي اللي طفشتك, ما هو أصل الناس مش بتصدق الا الوحِش بس!
أحمد بتوسل:
- أرجوكي يا سلمى انسي...
استدارت سلمى توليه ظهرها وقالت بجمود:
- شرفت يا دكتور, بس للأسف طلبك مش عندنا, ويا ريت تبقى دي آخر مرة أشوفك فيها...
هز برأسه يأسا وتقدم منها ليهمس لها:
- صدقيني عمري ما هنساكي يا أحب مخلوقة ليا, أنا اللي خسرت يا سلمى وخسارتي كبيرة اوي ولا يمكن هقدر أعوضها!!
لينصرف من فوره بينما كست عيني سلمى نظرة خواء, لتفيق من شرودها على صوت شهاب وهو يقول:
- مشي؟
نظرت اليه من فوق كتفها ليتابع:
- لو كان قعد ثانية زيادة كان زمانهم شايلينه مرابعه على رأي أختك!
لتنفجر سلمى ضاحكة فنظر اليها شهاب مشدوها ويأتي الجميع على صوتها, اتجهت سلافة اليها وهي تتساءل:
- فيه ايه يا سلمى؟
ثم وجهت سؤالها الى شهاب المندهش:
- انت عملت لها ايه؟, يعني الشيء دا يدخل علينا وكأن قطر داسه من اللي انت عملته فيه, ودلوقتي اختي مش بتبطل ضحك.. ايه انت فول أوبشن؟!
ابتسم شهاب وأجاب ولا تزال نظراته معلقة بسلمى التي احتوتها والدتها بين ذراعيها:
- تقدري تقولي كدا, عموما أي حاجة عاوزاها أنا في الخدمة!
وغمز لها بتخابث فأومأت سلافة بابتسامة متواطئة في حين كانت هناك أعين تراقبهما يكاد صاحبهما ينفث نارا من فمه, ما ان هدأ الجميع حتى اقترب غيث من شهاب هامسا:
- قسما عظما اما كنت خوي ولد أمي وبوي كان زماني دافنك مطرحك!, أجدر أعرف ايه الضحك والغمز واللمز اللي بيناتكم انت وسلافة دِه؟!
حدق به شهاب بغير استيعاب أولا ثم هتف بدهشة:
- ايه يا عمدة انت بتغير ولا ايه؟
كشر غيث عن انيابه وأجاب:
- اجفل خشمك واصل يا شهاب بيه, ماذا وإلا أني هورّيك ديكور وشّك هيبجى ازاي مش كيف ما اعملت للغندور اللي غار دِه!
قال رؤوف قاطعا تهامسهما الجانبي:
- بيتهيألي ننزل لجدكم وابوكم تحت أكيد مستغربين فيه ايه..
قال شهاب وهو يلقي بنظرات مختلسة الى سلمى:
- بعد اذن حضرتك يا عمي, عاوز بنت عمي في كلمتين...
غاب سلمى وشهاب في غرفة الجلوس لمدة لا تقل عن الساعة أو أكثر ليخرجا بعدها ويقفا أمام الجميع ليكون شهاب أول من يتحدث وقد ارتسم على وجهه تعبير جدي:
- عمي..
ليقف رؤوف يتبعه غيث فسلافة وألفت في حين يتابع شهاب وقد بدأت ابتسامة بالظهور لتفترش وجهه الرجولي الجذاب:
- حدد حضرتك المعاد اللي يناسبك عشان ننزل نشتري الشبكة...
هتفت ألفت بغير تصديق:
- ايه؟
همس غيث له:
- خطوبة!
شهاب بفخر وهو ينظر الى سلمى الواجمة والممتقعة خجلا:
- كتب كتاب يا كبير!
شهق الجميع بين دهش وحائر في حين سارع رؤوف بتقديم التهنئة وهتفت ألفت بسعادة لتحتوي ابنتها بين ذراعيها, انحنى غيث على شهاب يهتف بسخط:
- اعملتها كيف دِه؟, دِه ما كانتشي طايجاك واصل!
شهاب بثقة شديدة:
- أنت مستقلّ بأخوك ولا إيه؟, عموما لما ننزل... هقولك!!




- يتبع –

Layla Khalid likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:06 AM   #15

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


13

جلس عدنان وولده ليث وزوجه حول مائدة الطعام لتناول الغذاء, دارت أحاديث خفيفة بين عدنان وليث حتى نظر عدنان الى زوجته وتساءل:
- هي سلسبيل لساتها مصرة انها ما تخرجشي من دارها؟
زفرت أم ليث بتعب وأجابت بشفقة وأسى:
- والله ما أني عارفة يا حاج أجولك ايه, على جد حرجة جلبي على ولدي الله يرحمه على جد ما جلبي متشحتف عليها يا نضري, دي لا وكل ولا شرب واصل, وعلى طول تحس انها في دنيا غير الدنيا, ولمّن تفوج تاخد عيالها في حضنها وما ترضاشي يبعدوا عنيها واصل, أني جلجانه جوي عليها يا حاج, وخصوصي لمّن عدّتها تُخلص.. يا ترى بوها هيرضى يسيبها حدانا؟, ولو رفض.. هستحمل ما أشوفهاشي هي وعيال الغالي كيف؟, دولم اللي مصبريني على فُجدان الغالي...
ولم تستطع كتم دموعها لتنهمر مغرقة وجهها, ترك عدنان ملعقته وهو يستغفر الله بصوت مسموع ويقول موجها حديثه اليها بينما يقبض ليث على أصابعه في قبضة قوية حتى ابيضت سلاميات أصابعه:
- وحّدي الله يا أم ليث, ابنك شهيد عند ربنا, وربنا عوضنا عنّيه بولاده, مش همّا بيجولوا اللي خلّف ما ماتِش؟!, وان كان على جعاد سلسبيل واولادها حدانا إهنِه... ما تحمليش هم واصل, أني وليث مرتبين كل حاجة!
تفاجأ ليث ورفع رأسه دفعة واحدة يطالع أبوه بدهشة ليبادله الأخير النظرات بأخرى قوية ويشير بطرف عينه الى أمه الثكلى, ليزفر ليث بتعب ويغمض عينيه, مسحت أمه وجهها بطرف وشاحها ونهضت وهي تقول بصوت مبحوح يحمل أثر البكاء:
- هروح أشوفها كالات ولا لاه, معاها اعيالها وجالت لي هتوكّلهم وتاكل امعاهم..
وانصرفت تاركة عدنان وهو ينظر الى ليث بجدية, وما ان غابت من أمامهما حتى وجه عدنان حديثه الى ليث قائلا:
- فكّرت في اللي جولت لك عليه؟
زفر ليث بحنق وأجاب بلهجة تحمل حدة طفيفة:
- فكّرت يا بوي, بس مش بالعها واصل...
انفعل عدنان وهتف بحدة وصرامة:
- هو اللي هنعيده هنزيده, نجول تور... يجولوا احلبوه! (واضح كدا ان تيران البلد دي كتييييرة أوي على رأي سلافة.. ما علينا!), يا بني افهم... أديكي شايف حالة أمك كيف... طاوعني يا ولدي.. والا أقسم بالله العظيم يا أنا بيدي اللي هزوجها للي بوها يجول عليه.. وانت عارف سلسبيل زينة وما تتفوّتش واصل, ده غير إنك كبرت وعاوز أفرح بخلفتك...
لم يحر ليث جوابا مما أغاظ عدنان فأردف بقوة وحزم:
- شوف يا ليث.. أنا عمري ما غصبتك لا انت ولا خوك راضي الله يرحمه على حاجة.. لكن زواجك من سلسبيل أمر مني أني.. هتنفّذه وإلا هغضب عليك ليوم الدين!
صعق ليث ونظر الى أبيه وهو يردد بذهول:
- عتجول ايه يا حاج؟, هي حصّلت لكده؟
عدنان بتحد:
- إيوة يا ليث, لمّن توجف جصادي وتخالف شوري وتخرج عن طوعي يبجى لا انت ابني ولا أعرِفَكْ!
ليث وهو يهز برأسه الى أعلى وأسفل وبنبرة مكتومة وقد احتقن وجهه غضبا وكمدا:
- ماشي, الشور شورك والراي رايك يا حاج... اللي تجول عليه أني... أني مو.... موافج عليه!!
وانتفض من مكانه واقفا ليتجه بخطوات سريعة الى الخارج عندما سمع والده يقول:
- اعمل احسابك أول ما سلسبيل توفي عدتها هفاتح عمك طوّالي...
كان ليث يقف أمام الباب موليا أباه ظهره وما أن سمع عبارته حتى أومأ بالايجاب دون أن يلتفت ثم انطلق خارجا تلاحقه شياطينه بينما زفر أبوه بتعب وأغمض عينيه وهو يهمس لنفسه قائلا:
- غصب عني يا ولدي, بس لو ما كونتش جبرتك عليها ما كنتش هتجدمها واصل, كفاياك مرار لغاية دلوك يا ولدي, أني خابر باللي جواك زين, هي وحديها اللي هتعرف ترجع لك ضحكتك اللي فجدتها من اكتر من 6 سنين!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
جلست سلافة فوق فراشها المقابل لفراش سلمى راكعة على ركبتيها وهي تهتف بحماس:
- ها.. احكي لي بقه وافقت على الباش مهندس ازاي؟
نظرت سلمى بهدوء الى سلافة بينما داخلها يشتعل كلما تذكرت القنبلة التي فجرها شهاب أمام الجميع ألا وهي.. كتب الكتاب!, تبّا لم يكن هذا ما اتفقا عليه!, لقد خدعها وغشّها!, فقد علم مسبقا أنها لن تستطيع تكذيبه ووأد فرحة أبيها وأمها, تبا لك شهاب الخولي, ولكن أقسم أن أقتص منك وأجعلك تعض أصابعك ندما, فأنا أيضا... سلمى الخولي!
سلافة بنزق:
- يا هوووووه.. ايه يا بنتي روحتي فين؟, بكلمك أنا!..
سلمى بغير رضا:
- إيه يا بنتي فيه ايه مالك؟
تعجبت سلافة لتحدق فيها هاتفة:
- مالي؟!, مالي في جيبي يا دوك!, ايه يا بنتي بقولك وافقتي ازاي؟...
ثم غمزت بخبث بطرف عينها اليمنى متابعة:
- ولا تكوني وقعت ولا حد سمى عليكي, دا هندسة دا طلع مش سهل على كدا!...
نهرتها سلمى وهي تطالعها بحنق مشيحة بيدها في وجهها:
- ايه ايه ايه, وقعت ايه ووقفت ايه؟, وهندسة مين دا ان شاء الله؟, انا كلية الهندسة بحالها ما تأثرش فيا!, وبعدين بطلي أسلوبك دا.. اومال لو ما كنتيش خريجة جامعة امريكية كنتي هتقولي ايه؟
سلافة بجدية مفتعلة:
- كنت هعمل الجُلّاشة معاكي!
فتحت سلمى عينيها واسعا وكررت باستهجان وعدم تصديق:
- كنت هتعملي ايه ياختي؟, جلاش إيه دا اللي كنتي هتعمليه؟
سلافة وهي تشرح بهدوء بلهجة العارف ببواطن الأمور:
- يا بنتي هو أنا عشان جامعة أمريكية أبقى بعيدة عن الشارع المصري؟!, جلاشة دي يا ستي يعني الواجب!, يعني أحلى واجب هعمله معاكي!, بصي ما تزبهليش كدا واقفلي بؤك اللي انتي فاتحاه دا لغاية ما أنا شايفه اللوز وأنا قاعده هنا, المسألة بسيطة خالص... سمعت بنت البواب بتقولها لأختها ولما ٍسألتها قالت لي هي اللي بتستفزني ولو ما سكتتش هعمل الجلاشة معاها!, من هنا لهنا عرفت ان الجلاشة دي يعني هتروقها من الآخر!..
وضعت سلمى يدها فوق رأسها وهتفت بتضرع وهى تتطلع الى أعلى:
- يا رب.. ارحمني وارحمها....
ثم نظرت اليها مردفة بنزق:
- تصدقي المفروض ما استغربش!, ما انا هنتظر ايه من واحدة سابت سلافة ومسكت في سولي!
قطبت سلافة وأجابت بغضب طفولي:
- نعم نعم.. يعني ايه أن شاء الله؟, بصي يا سلمى مالكيش دعوة بسولي.. كفاية انه فيه اللي مش عجبه وعاوز يناديني بـ زلافة!!
سكتت سلمى قليلا مندهشة ثم قالت ضاحكة:
- دا أكيد غيث صح؟...
زفرت سلافة بغيظ وتخصرت هاتفة:
- آه يا ستي هو, بقولك ايه عماله تشرقي فيا وتغربي ولسه بردو ما قولتليش ايه اللي حصل بينكم وخلاكي توافقي؟
تنهدت سلمى بعمق واستسلمت مجيبة:
- هقولك.....
لتغيم عيناها بينما أحداث الساعة السابقة تتسابق أمامها لتغوص ثانية فيها مسترجعة ما دار بينها وشهاب وجعله ينتزع موافقتها انتزاعاااااااا.......
-------------------------------------------------
وقفت تنظر أمامها بينما يغلق شهاب باب غرفة الجلوس بعد أن إستأذن عمه بالتحدث معها بمفردهما, استند بظهره الى الباب يطالع تلك الفاتنة العنيدة التي تكاد تصيبه بالجنون لفرط عندها وتشبثها الأرعن برأيها, ولكنه لن يكون شهاب إن لم يجعلها توافق على الزواج به سواء طواعية أو إجبارا وسيعمل على استخدام كافة الوسائل لذلك فكل شيء مباح في الحب والحرب!
تقدم منها بضعة خطوات وهي لا تحيد بنظرها بعيدا عن تلك النقطة الوهمية في الجدار أمامها والتي سلطت نظراتها عليها, وقف على مقربة منها وقال بصوت يحمل نبرة هدوء خادعة:
- ممكن نتفاهم بالعقل, وأعتقد اننا في الاخر هنوصل لحل يرضي الجميع؟..
التفتت اليه تطالعه ببرود وأجابت بهدوء:
- الموضوع مش عاوز نقاش, اتقدمت لي وأنا رفضت, نقطة نهاية السطر!
كتم شهاب شتيمة كادت تفلت من بين شفتيه على جوابها الوقح البارد ذاك, حاول التحدث بما أمكنه من طول بال وصبر:
- لا... دي بداية السطر!, أعتقد حقي أعرف سبب رفضك ايه خصوصا بعد اللي حصل والبلد كلها تقريبا عارفة دلوقتي انك مراتي؟!
نظرت اليه بسخرية لترفع حاجبها الأيمن مجيبة بلهجة لا مبالاة لم ترقه:
- بص يا شهاب جواز علشان الناس هتتكلم وتقول ومعرفش إيه.. مش هيحصل!, أنا مش هعيش حياتي تبع للناس ولأفكار وعادات أكل عليها الزمان وشرب زي ما بيقولوا, أنا بابا رباني على ان يكون عندي ثقة في نفسي, وطالما ما غلطتش يبقى ما يهمنيش.. دي نمرة 1, نمرة 2... احنا مش ممكن نتجوز لأن ارتباطنا هيبقى فاشل!, أحنا الاتنين مختلفين جملة وتفصيلا يا باش مهندس!
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وأجاب باستهزاء وهو يطالعها من أعلى رأسها لأخمص قدميها:
- هو من ناحية اننا مختلفين... فأنا معاكي تمام في النقطة دي!, لازم أساسا نكون مختلفين.. مش ممكن يعني نكون شكل بعض!
ونظر اليها بعبث غامزا بمكر لتكتم شهقة دهشة من وقاحته بينما يحمر وجهها غيظا وغضبا لتتكلم من بين أسنانها المطبقة بغضب مكتوم:
- تصدق انك وقح وقليل الأدب كمان؟!, وأنا أرفض أني أقف اتكلم معاك ثانية واحدة زيادة بعد كدا!
وما ان استدارت حتى تعالى صوته الآمر هاتفا:
- استني عندك...
ليقطع المسافة التي تفصلهما في خطوتين واسعتين ويقف خلفها تماما ويميل عليها متابعا بلهجة لا تقبل النقاش :
- ارجعي مكانك وخلينا نقعد ونتفاهم زي الناس المتحضرين ماذا وإلا أقسم بالله لا تشوفي مني وش عمرك ما كنت تتوقعيه أبدا!
فتحت عينيها واسعا واستدارت مندفعة بغيّة اطلاق كلماتها النابية في وجهه ناسية أنه خلفها تماما لترتطم بصدره فتطلق شهقة صغيرة دهشة وما إن أبصرت عيناه حتى تحولت الى شهقة غضب فيما سارع هو للإمساك بمرفقيها بتلقائية بينما غابات الزيتون خاصتها تحدق في ليل عينيه البهيم بغيظ وغضب جعل زمرد عينيها تشعان كحجر نفيس لتضيع الكلمات منه وينسى ما كان على وشك قوله, بينما تتكسر الحروف على طرف شفتيها وهي ترى نظرة عيناه التي تكاد تبتلعها, لتزدرد ريقها بصعوبة وتحاول الافلات منه وهي تتلعثم قائلة بحدة مبتورة:
- ابـ.. ابعد عني!
ليتلفظ شهاب بكلمة واحدة خرجت حادة كحد السيف:
- أبداً!!
لتبتلع سلمى كلماتها وهي تطالعه بذهول بينما يرجف قلبها بين جنبات ضلوعها رهبة من نظرة العزم والتصميم التي تراها في عينيه وكأنه يخبرها بدون كلمات أنه لن يقبل سوى بما يريده هو... وهو.. يريدها... هي!
حاولت الهروب من نظرات عينيه القوية وهي تتحدث بارتباك حاولت اخفائه معتمدة الغضب لتفاجئ بأن غضبها ذاك قد هرب منها!, قالت:
- طيب ممكن تبعد شوية عشان نقعد أنت...
ليقاطعها آمرا بقوة:
- ما تهربيش بعينيكي.. بصّي لي!
وكأنها مسيّرة لا مخيّرة فرفعت عينيها تلقائيا لتطالعه فأردف وقبضته تشتد بدون إرادة منه بينما نغمات صوته وكأنها تعويذة سحرية ألقيت عليها لتمتص غضبها وتتركها شبه مغيبة بل وطوع بنانه!, قال:
- قوليلي انك مش حاسة باللي بيجرى بيننا بجد!, انت عارفة زي ما أنا عارف ومتأكد اني بالنسبة لك مش عريس والسلام زي ما انت بالنسبة لي مش بنت عمي وعروسة مناسبة وخلاص!, أنا كنت رافض مبدأ الجواز من أساسه, لكن اللي أنا بحس بيه معاكي معنديش أي أستعداد أنى أخسره علشان شوية مخاوف بسيطة ان ارتباطنا هيفشل, خلينا ندي نفسنا فرصة ونشوف هنوصل لفين, انا مش بقولك نتجوز حالا
– كاتما بداخله صوتا يصيح به أنه كاذب وأنه لو تُرك الأمر له لكانت زوجته منذ أبد بعيد منذ أن وقعت بين ذراعيه أول مرة لتسرق عيناها قلبه بلمحة واحدة! – فيه حاجة اسمها خطوبة ولو حاسينا اننا مش قادرين نكمل وقتها اعتقد ما حدش هيغصب علينا اننا نكمل, انا مش جبان يا سلمى.. انا بواجه, لو على حكاية الكلام اللي طلع انك مراتي محدش يقدر يفتح بؤه في كبيرهم, وعيلتنا هي اسياد البلد, بكلمة واحدة مني أخلي كل واحد يبلع لسانه ويحط كلامه جوة بؤه, لكن أنا مصمم على الارتباط بيك عشان انا عاوز كدا!, عاوزك انتي.. عاوز لما يتقال اسمك يبقى مرتبط بيا, عاوزك لما تحسي انك محتاجة حد جنبك يبقى اسمي أول اسم ينط في بالك وعلى.. شفايفك!
لتتغير وتيرة صوته ويهمس بكلمته الأخيرة وهو يراقب شفتيها المكتنزتين بينما تستعر في أحشائه رغبة ضارية بتذوق شهدهما ولكنه يمنِّي نفسه بالصبر الى أن توافق على الارتباط به ويقسم بداخله أنها ما إن تصبح إمرأته فلن يرحمها... فهل رحمته هي سابقا بزيتون عينيها الذي يشيع الفوضى في حواسه بينما تعتريه مشاعر لم يسبق له وأن اختبرها قبل ذلك ليرحمها هو الآن؟!...
زفر بعمق وتابع بينما أسرت لبه بنظراتها المذهولة وكأنها طفلة لا تفقه شيئا من عالم الكبار الذي يريد اقحامها فيه:
- سلمى فكري مش هتخسري حاجة, احنا الاتنين لو حاسبناها بالعقل مناسبين جدا لبعض, انتي عندك اعتراض على أي حاجة فيّا؟!
نظرت سلمى الى يديه اللتان تمسكان بها بقوة وكأنه يخشى فرارها وقالت:
- ممكن طيب تسيبني أحسن حاسة اني متهمة مقبوض عليها خايف لتهرب منك!
- انت متهمة فعلا... سرقة وخطف!, والحكم صدر بس لسه التنفيذ.. وصدقيني وقتها ما فيش حاجة هتخليكي تفلتي من ايدي!..
كان شهاب يهمس بهذه الكلمات بينه وبين نفسه, ولكن رسم أمامها ابتسامة خفيفة جعلت معالم وجهه تستريح وهو يغازلها بنظراته العابثة ويقول وهو يخفف من قبضته مبتعدا عنها قليلا:
- اتفضلي أديني شلت ايدي أهو..
ليبتعد لمسافة خطوة واحدة لا تكفي لابتعادها هي عنه رافعا يديه الى أعلى لتنظر اليه بنصف عين وتهتف بحنق وهي تشير الى المسافة التي تفصلهما لا تكاد تمرر قطة:
- يا سلام!, شهاب..امشي هناك...
مشيرة بسبابتها الى الحائط المواجه لها..
تتبع بعينيه مسار يدها ليلتفت ثانية اليها مجيبا بحنق طفولي جعلها تكتم ابتسامة أوشكت على الظهور من منظره الطفولي الحانق:
- هو انا تلميذ عندك في الحضانة غلط ولا حاجة وعاوزة تذنبيه وتقوليله وشّك في الحيط؟!
زفر بعمق ليطالعها بعد ذلك مشيرا الى أريكة عريضة خلفها وهو يتابع:
- اتفضلي اقعدي هنا بقه خلينا نخلص...
نظرت خلفها واتجهت للجلوس وما ان استقرت حتى فاجئها بالجلوس بجانبها يفصل بينهما فراغ صغير, رفعت عينيها اليه تطالعه باعتراض وهتفت باستنكار:
- قوم من هنا!, اتفضل اقعد في أي حتة تانية....
زفر شهاب بيأس وقال وهو يهز رأسه يمينا ويسارا بنفاذ صبر:
- يعني انتي من ثواني تقريبا كنتي في حضني ودلوقتي مش عاوزاني أقعد جنبك؟!
هتفت سلمى باعتراض حاد:
- ايه كنتي في حضني دي؟, ما تحاسب على كلامك!
زفر بغيظ وامتدت يده لتقبض بقوة وسرعة على معصمها شهقت لها دهشة وألما بينما تابع من بين هسيس أنفاسه الغاضبة:
- بقولك ايه يا سلمى.. مش هنقعد في حكاية اقعد وقوم دي ساعة يعني, عمي بره وكلها دقايق ونلاقيه معانا, عاوزين نتكلم في المهم, عندك اعتراض عليا كعريس مناسب؟!
هربت بنظراتها منه بينما حاولت جذب معصمها بعيدا عنه ولكنه لم يتركها تفلت منه فأجابت بنزق:
- لو على مواصفات العريس بالورقة والقلم يبقى لأ!, مهندس ومن عيلة وابن عمي وسنك مناسب, اوعى بقه!
محاولة جذب يدها ولكنه لم يلتفت لمحاولتها وقال بجدية بالغة:
- طالما هو كدا يبقى مش موافقة ليه؟
طالعته بنصف عين مجيبة بسخرية:
- كدا.. أنا حرة!, مش بالعاك!, دمك تقيل على قلبي يا سيدي!
ضغط على يدها الصغيرة التي تقبع في راحته القوية بشدة كعصفور صغير وقع بين براثن نسر جامح حتى كادت تقسم أنها سمعت صوت طرقعة أصابع يدها وتأوهت بألم رغما عنها وهو يقول وفحم عيناه يشتعل:
- كدابة!
فتحت عينيها واسعا هاتفة بحنق:
- إيه؟!
أجاب بقوة وقبضته تهشم يدها الصغيرة بدون وعي منه:
- أيوة كداية!, عينيك فضحت كدبك.. انتي خايفة يا سلمى.. يعني جبانة!
نسيت ألمها من قبضته التي تكاد تفتت أصابعها الهشة وهتفت بحدة واستنكار:
- نعم؟, جبانة!, وخايفة؟, ليه ان شاء الله؟, هخاف من مين ولا ليه أساسا؟
أجابها بتحد وهو يطالعها بنظر ثاقب:
- خايفة مني... بتعاندي نفسك, جبانة من فكرة انك تقعي في حبي!
سكتت قليلا قبل أن تصدح ضحكتها عاليا كماء عذب رقراق يجري في جدول مياهه باردة في يوم شديد القيظ!, هدأت ضحكاتها وهي غير منتبهة لما أثارته ضحكتها العذبة تلك في نفس القابع أمامها يطالعها كمن يرى كنزا نفيسا أمامه يخاف أن يطرف بجفنه حتى لا يتلاشى من أمام ناظريْه!, قالت رافعة حاجبها بتحد:
- واثق في نفسك أوي إنت!, يعني معلهش.. ايه كمية الغرور دي اللي فيك؟, لعلمك بقه أنا اللي خايفة عليك لو سمعت كلامك واديت نفسنا فرصة انك انت اللي تقع وانا مش حاسة بيك,وقتها أنا مش ممكن أكمل معاك شفقة وعطف على حالك!
لينتهز الفرصة التي قدمتها اليه على طبق من ذهب ويعاجلها قائلا:
- تمام يا سلمى... وانا قبلت التحدي!, انا موافق نعلن خطوبتنا وندي نفسنا فرصة وانا أؤكد لك انه في ظرف شهرين تلاتة بالكتير هتكوني مراتي ومش هتقدري تقولي لأ!
لم ترُقها نبرة التحد والثقة بالنفس التي غلفت كلماته لتندفع بالقول وقد تخلت عن حذرها وهدوءها المعتاد هاتفة:
- اوكي يا شهاب, لكن وقت ما أقولك اني مش هكمل تطلع أد كلمتك فعلا ونفترق بهدوء...
لمعت عيناه بنظرة ظفر لا تعلم لما جعلت دقات قلبها تضطرب وأوشكت على الرجوع في كلامها ولكنه لم يمنحها الفرصة لذلك ليميل باتجاهها وهو يقول بلهجة المنتصر:
- وهو كذلك...
ويميل عليها خاطفا قبلة سريعة حيث لمس بفمه الحازم حرير وجنتها القشديّة لتشهق مبتعدة وقد أخذت تكيل له الضربات المتلاحقة بيدها الحرة فيما الأخرى لا تزال أسيرة يده وهي تهتف حانقة:
- سافل, وقح, قليل الأدب..
وهو يضحك محاولا تفادي ضرباتها قائلا:
- أيه دا انتي بتضربي بجد!
هتفت حانقة وهي تواصل ضرباتها الصغيرة:
- آه طبعا.. أومال بهزار؟!
هتف وهو يمسك بيدها التي تكيل له الضربات:
- هشششش, خلاص, انا جوزك فيه واحدة تضرب جوزها؟
سكتت تناظره بذهول وهي تجيب:
- نعم؟, جوزها؟, جوز مين؟, انت خطيبي بس!
أجاب مفتعلا الهدوء:
- ماشي, خطيبك يا دكتورة, اتفضلي بقه معايا عشان نطلع نقولهم نتيجة المباحثات المغلقة بتاعتنا...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
عادت سلمى الى الواقع بعد ان انتهت من سرد ما دار بينها وبين شهاب غافلة عن قصد بعض الأمور التي لن تثير سوى مزيدا من التساؤلات لدى سلافة والتي لن تتوانى عن إغداقها بها كـ.. قبلته المسروقة لها مثلا!...
هتفت سلافة وهي تضحك:
- والله ابن عمك دا طلع لعب وفن وهندسة تمام!, قدر يقنعك...
نفت سلمى مستنكرة:
- لا يا حبيبتي السبب الوحيد اللي خلّاني فعلا أوافق اني أثبت للكل اننا ما ينفعش نرتبط لأنه هيبقى ارتباط فاشل, علشان بابا كمان يقتنع بكدا, انتي مش شايفه عينيه كانت فرحانه ازاي وهو بيقول لي انه شهاب اتقدم لي؟!
زفرت سلافة بعمق وأجابت:
- آه في دي معاكي حق, تمام زي ما كانت الفرحة مش سايعاه وهو بيقول لي انه غيث عاوز يخطبني, وازاي حاسيت أنه فرحته دي انطفت أول ما رفضت..
هتفت سلمى بحماس:
- بقولك ايه يا سولي.. ما تعملي زيي كدا!
قطبت سلافة جبينها بعدم فهم وتساءلت:
- زيك ازاي يعني مش فاهمه؟
سلمى بحماس:
- وافقي على غيث انتي كمان عشان تثبتي لهم بالدليل القاطع والبرهان الساطع انكم مختلفين تماما, ووقتها محدش هيقدر يجبرك انك تكملي في علاقة محكوم عليها بالفشل...
ابتسمت سلافة بسخرية وأجابت:
- لأ طبعا.. مش ممكن أعمل زيك, لسبب بسيط جدا, أنا كان ممكن أوافق على اللي بتقوليه دا قبل ما غيث يعمل اللي يعمله لكن دلوقتي لا وألف لا كمان!
قطبت سلمى متسائلة:
- وهو عمل ايه؟
سلافة بابتسامة:
- آه صحيح ما انتو محضرتوش.. كنتي في #مصر انت وشهاب, أنا هقولك عمل ايه....
وانبرت سلافة تقص على مسامع سلمى ما حدث في تلك الليلة الليلاء!!.....
---------------------------------------------------------
في الأسفل:
جلس الجد محاطا بأولاده عثمان ورؤوف وحفيديه غيث وشهاب, سكت الجميع في انتظار سماع تعليقه, نظر الجد بجدية الى حفيده قائلا بهدوء:
- يعني انت رايد بت عمك رؤوف صوح؟
أومأ شهاب مجيبا بلهفة لم يداريها:
- أيوة يا جدي...
تمتم الجد وهو يلاعب رأس عصاه العاجية بين أصابعه ناظرا الى موضع قدميه:
- امممم..
ثم رفع رأسه ناظرا الى ابنيه وهو يتساءل بينما عيناه تنتقلان من أحدهما الى الآخر:
- وانت يا عتمان يا ولدي موافج على كلام ولدك وانت يا رؤوف موافج على طلب شهاب؟
ليومأ الإثنان مجيبان في وقت واحد:
- تمام يا بحاج/ صوح الكلام يا حاج...
لينظرا الى بعضهما البعض مبتسمان فيبتسم الجد هاتفا:
- وده يوم المنى, ألف مبروك يا ولادي...
ثم أردف:
- لكن ما فيش حاجة واصل هتتم جبل ما تخلِّص سلسبيل عدتها, مهما كان الأصول أصول..
هتف شهاب:
- طبعا يا حاج, أنا بس بعد إذنك عاوز قراية فاتحة بس ان شالله حتى دلوقتي بيننا وبين بعض وبعدين نبقى نعمل الافراح بعد عدة سلسبيل ان شاء الله...
أجاب الجد وهو ينقل نظراته بين إبنيه:
- ها موافجين..
ليومأ كلاهما بالايجاب فيقول الجد باسطا يديه الى أعلى:
- يبجى على خيرة الله..الفاتحة....
- آمين.. صدق الله العظيم...
ومسح الجد بكفيه على وجهه, هنأ الجميع شهاب الذي مال على كف والده وعمه مقبلا لها ثم اتجه الى الجد مقبلا ظاهر يده ورأسه, وبعد أن استوى الجميع في جلستهم قال الجد وهو يطالع غيث من طرف خفي:
- يا مكتر الافراح في العيلة, وكلاتهم مستنيين عدة بتّنا تخلص عشان يفرحوا..
قطب عثمان متسائلا:
- ليه يا حاج هو مين تاني هيتزوج؟
أجاب الجد بتلقائية مصطنعة:
- ولدك شهاب وبنات خوك رؤوف!
نظرعثمان الى رؤوف بتساؤل واستفسار في حين نظر شهاب بريبة وقلق الى غيث الذي قبض على أصابعه بقوة وهو لا يصدق كلمة الجمع التي طرقت سمعه كطلقة الرصاص, ليقطع الصمت صوت عثمان متسائلا:
- بنات روؤف خوي؟!, هو فيه حد اتجدم لسلافة بت اخوي واحنا معنديناش خبر ولا إيه؟
تطلع عثمان بتساؤل الى رؤوف الذي أجاب بابتسامة هادئة مشيرا الى الجد:
- بصراحة الموضوع كله مع الحاج, هو يدوب لمّح لي عليه..
ليقطع الجد التساؤلات بقوله:
- دِه الشيخ عبد الهادي.. كلمني رايدين سلافة بتّنا لإبنه سيف اللي بيِّشتِغِل إمهندز في #مصر, جماعته شافوها يوم العشا اللي عِمِلناه عشان نفرّح البلد بجدومك يا رؤوف يا ولدي ونعرِّفهم بمرتك وبناتك, هو واد وحيد على أربع بنات وبوه نفسه يفرح بيه, دا غير انه الشيخ عبد الهادي كبير عيلة السوالمة ونسبه يشَرِّف أي عيلة!..
أحمر وجه غيث غيظا وكمدا ولم يفت جده ما ارتسم على وجهه من غضب عنيف مكتوم, ليواصل الجد صب الزيت الساخن فوق النار بقوله:
- فاتحني من فترة في الموضوع وجتها غيث كان جايل عليها فما رضيتش أجول حاجة لكن لمن عرفت انها رفضت جولت خسارة نجفوا في طريج البنية, عموما أنا جولت له يأجل الموضوع لغاية ما بتّنا توفي عدتها ووجتها ربنا يعمل اللي فيه الخير ان شاء الله....
لم يستطع غيث الجلوس صامتا أكثر من ذلك ليهتف محاولا تمالك ذاته:
- بس أني ولد عمها ورايدها, وسبج واتجدمت لك يا عمي..
قال رؤوف بهدوء وابتسامة صغيرة تعتلي وجهه:
- أيوة يا غيث يا بني, وأنا كمان سبق وقلت لك اني هكون مبسوط ومطمن على بنتي لو ربنا سهل وارتبطوا, لكن بنتي مش مقتنعة وانا ما اتعودتش أجبرهم على حاجة مش عاوزينها, لكن لو انت تقدر تغيّر رأيها... وقتها أنا معنديش أي مانع!...
قفز غيث واقفا وهو يهتف باندفاع مخالف لهدوئه المعتاد:
- وأني بعد أذنك هتكلم إمعاها, وأني خابر هجدر أجنعها كيف..
لينصرف من فوره ويلحق به شهاب فلأول مرة يرى شقيقه بمثل هذا الغضب الذي يكاد يتفجّر من بين حناياه!!..
مال عثمان على الجد الذي كان يراقب غيث من طرف خفي بينما ترتسم شبح ابتسامة مكر على شفتيه, همس عثمان للجد:
- هو صحيح يا بوي اللي انت جولته دلوك؟, يعني الشيخ عبد الهادي كلمك بخصوص سلافة بت خوي رؤوف؟
الجد بنظرة صارمة:
- هكدب إيّاك على آخر الزمن ولا ايه؟
ليهتف عثمان معتذرا:
- حاشاك يا بوي, كل الحكاية إني مستغرب ليه ما جولتش من وجتها؟
الجد بحسم:
- لانه الحكاية طوّلت ومسّخت, ابنك لازمن يحس انها هتطير من يده لو ما اتحرِّكشي, شوف خوه كيف جدر يجنع بت عمه, الهدوء وطولة البال مش ميزة على طول يا عتمان يا ولدي...
قطب عثمان متسائلا:
- يعني ايه يا بوي؟, هو الشيخ عبد الهادي مش فاتحك كيف ما جولت؟
الجد برود:
- اللي جولته حوصل يا عتمان, بس فيه حاجة اصغيرة اللي ما جولتهاش... سيف ولد الشيخ عبد الهادي خطب من #مصر.. اخت صاحبه وشريكه في المكتب ابتاعه اللي هناك وبتشتِغل امعاه.. على ما أفتكر اسمها منة... والشيخ بذات نفسه كلمني يعزمنا عشان نحضرو العزيمة اللي عملها لابنه لمن يرجع من شهر العسل مع عروسته حداهم في البلد, بس لازمن كان يبجى فيه حاجة تحرّك المايه الراكدة, وبيتهيألي انه حوصل..
وغمز الجد بمكر لابنه الذي كتم ضحكته بصعوبة احتراما لوالده، ليردف بعدها الجد بجدية مزيفة:
- وحاجة تانياه كومان... هو سيف متزوج بجاله خمس اسنين وعنديه بتِّين وواد، لكن أني ما كادبتش الشيخ عبد الهادي جبل ما يتزوج فاتحني انه رايد يناسبنا ووجتها بناتنا كانوا يا اما صغار يا اتزوجوا، وبعدين هما جماعتاه شافوم سلافة يوم العزيمة.. ولا إيه؟!!!
ليصمت عثمان قليلا مطالعا في أبيه بذهول ويهتف بعدها بغير تصديق:
- الكابير.. كابير صوح يا بويْ... وانت كابيرنا يا كابير!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx

لحق شهاب بغيث حتى وصل إليه وهو يلهث قائلا بينما يجذب مرفقه بقوة ليوقفه:
- ايه يا بني, واخد في وشّك كدا ورايح فين؟
غيث بزمجرة محاولا الافلات من قبضة شهاب:
- بجولك إيه يا شهاب همّلني لحالي دلوك....
شهاب بنفي قاطع:
- لا طبعا, تعالى بس اهدى الأول, اسمعني وبعدين يا سيدي اعمل اللي انت عاوزه....
ليذعن غيث بعد معارضة طويلة وهو يهتف بنزق:
- ماشي يا ولد أبوي لما أشوف عاوز تجول إيه...
جلسا أسفل نخلة باسقة بأوراقها العريضة, قال شهاب:
- مش عاوز تعرف أنا أقنعت بنت عمك بالجواز ازاي؟
ليهتف غيث موافقا وقد لمعت عيناه:
- طبعا عاوز أعرِف..
شهاب بابتسامة:
- شوف يا سيدي...
وطفق يروي له كلما ما صار ما عدا بعض الأمور التي تخصّه وسلمى فقط ولا يهم غيث معرفتها في شيء!!..

- انت عاوز تجول انك فهِّمتها انه ارتباطكم دِه عشان بوك وبوها يجتنعوا انكم ما تصلحوش لبعض واصل وفي الحجيجة انت ناوي تكمل الموال لآخره؟!
ابتسم شهاب وهو يجيب:
- مظبوط, عليك نور يا كبير, ما كانش فيه غير طريقة واحدة بس عشان توافق, وأنا مستعد أعمل أي حاجة الا أن سلمى تروح من ايدي..
ضيّق غيث عينيه يطالع في شقيقه الذي جلس بجانبه أسفل تلك النخلة الباسقة وفوق الزرع الأخضر يستند بظهره الى جذع هذه النخلة وقال:
- ممكن أعرِف ليه انت متمسك بيها جوي إكده؟
لف شهاب رأسه لينظر الى توأمه بابتسامة ساخرة مجيبا:
- لنفس السبب اللي خلّاك تتقدم لسلافة واللي شوفته في عينيك وجدك بيحكي على عريس الغفلة وخصوصا لما قال انها رفضتك....
زفر غيث بيأس وقال وقد نسي تهرب شهاب من الاجابة على سؤاله:
- أعمل ايه يا ولد ابوي, عامله كيف الزيبق.. مش عارف آخد امعاها لا حج ولا باطل واصل!, واللي زاد وغطى انها بتجول عني اني جاتل!, بجه عشان ساعدت ليث انه ياخد بتاره اللي هو تارنا كلاتنا أبجى جاتل؟, عشان جتلت مجرم وخلصت الناس من شره ابجى جاتل؟, بنت عمك دي لخفنت مخي واصل!
رد شهاب بهدوء:
- غيث.. بنات عمك اتربوا في مجتمع غير مجتمعنا, خلي بالك هما يعتبروا أغراب عننا خالص, بالنسبة لها هو مجرم يبقى يتسلم للعدالة ويتعدم بالقانون, لكن اللي انت عملته دا كأنك بترجع شريعة الغاب تاني.. كل واحد ياخد حقه بدراعه, انت بالنسبة لك انت خدت بتارك وانه دا مجرم وقاتل وخد عقابه وبالنسبة لها لأ القانون هو اللي بيعاقب وهو اللي بيفصل بين الناس..
هتف غيث باستنكار تام:
- يعني غرضك تجول انه اني الغلطان وهي عنديها حج؟, باه... شهاب انت نسيت سِلْوِنا ولا إيه؟, دِه جتّال جُتلة.. عليه احكام تجعّده في السجن مش أجل من 100 سنة, وكل مرة يتجبض عليه بيهرب منّيه, يعني لو عِملنا كيف ما هي عايزة يبجى دم ولد عمنا هيروح هدر!..
شهاب بنفي قاطع:
- لا طبعا انا مش بقول ان اللي عملتوه غلط, بالعكس أنا كان نفسي أكون موجود عشان أشفي غليلي منه, أنا بوضح لك وجهة نظرها مش أكتر, بقولك ايه يا غيث... بنات عمك دول عاوزين الاقتحام.... طريقتك الهادية دي ما تنفعش...
قطب غيث متسائلا:
- كيف يعني؟
غمز شهاب بمكر:
- اعمل زي ما أنا عملت, اقتحم وما تديهاش فرصة للتفكير, وأي حاجة تقدر تعملها اعملها عشان توافق, كل شيء مباح في الحب وفي الحرب يا كبير!!
لترتسم ابتسامة ظفر على شفتي غيث ويهب واقفا وهو يقول:
- عن اذنك يا خوي..
ليهتف شهاب مناديا:
- على فين يا غيث؟
أجابه وهو يسرع بخُطَاهْ:
- رايح أقتحم يا ولد ابوي...
لتتعالى ضحكات شهاب بينما يسرع غيث في خطوات مهرولة متجها الى ابنة عمه وقد أتخذ قراره النهائي... سلافة ستكون له شاءت أم... أبت!!




- يتبع -

Layla Khalid likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:14 AM   #16

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


14

مر يومان لم يستطع فيهما غيث الانفراد بسلافة فدائما ما تكون محاطة بأحد أفراد عائلتها أو... عائلته!, وهذا مدعاة للسخرية, فكأنهم قد اجتمعوا على ألّا يتيحوا له الفرصة التي يريدها للتحدث اليها منفردا حتى فاض به الكيْل فقرر أن يحادثها وإن كانت محاطة بعائلة الخولي أجمع وإن أدى الأمر لاختطافها فسيفعل!!
وقفت سلافة عند حوض الورود الذي جذبها منذ أن وقعت عيناها عليه منذ أول يوم لها في القصر, كانت تتجاذب أطراف الحديث مع عم مدبولي البستاني الرجل الستيني العمر, كانت ترتدي فستان طويل ينسدل بطولها حتى أعلى كاحليها بقليل, كان باللون الليموني موشح بأزهار بيضاء كبيرة مطبوعة عليه, ومغلق بأزرار بيضاء كبيرة من الأمام من أعلى وحتى منتصف خصرها حيث يضيق الفستان ثم يهبط متسعا الى الأسفل, كانت أكمامه تصل الى مرفقيها مطوية بزر أبيض لدى كل كُم, وانتعلت في قدميها حذاءا صيفيا مفتوحا باللون الأبيض, بينما جمعت شعرها الأسود الطويل الى أعلى على هيئة ذيل الفرس, واكتفت بوضع ملمع للشفاه باللون الخوخي, وبعض الماسكارا الخفيفة التي أكسبت أهدابها طولا وكثافة, ورشّت بضع قطرات من عطر الياسمين الخفيف الرائحة خاصتها, كانت تقف تتحدث وتضحك مع مدبولي غير واعية لصورتها الفاتنة التي خلبت لبّ ذلك الشاب الذي يتقدم ناحيتهما, وكلما قصرت المسافة بينهما كلما وعى أكثر لفتنتها وغضب أكثر من تلك الفتنة!..
كانت تميل برأسها الى الخلف ضاحكة عندما انتبهت الى ارتباك مدبولي الطفيف ثم اعتداله وهو يقول بكل احترام:
- أهلا يا بيه...
قطبت والتفتت لترى غيثا وهو يقف على بعد أنملات منها بلباس ركوب الخيل الأسود والذي أكسبه جاذبية رجولية طاغية, ولفت نظرها خصلات شعره الشديدة السواد القصيرة حيث انعكست عليها أشعة الشمس فتوهج لونها وأضحت كجناح الغراب في لمعانه....
تحدث غيث بصوته الخشن وهو يرمقها بنظرات غريبة:
- أهلا نبك يا مدبولي...
ثم أردف موجها الحديث الى سلافة:
- كيفك يا بت عمي..
هزت سلافة كتفيها وأجابت بتلقائية:
- الحمد لله, غريبة يعني انت مش في الديوان دلوقتي...
غيث وهو ينظر الى مدبولي بنظرة عرفها الأخير فأسرع بالاستئذان:
- عاوزك في موضوع ضروري...
هزت سلافة رأسها بنعم ولكنها أسرعت بنداء مدبولي هاتفة وهي تمد يدها بباقة من ورد الجوري:
- شكرا يا عم مدبولي على الورد...
نقل غيث نظراته بذهول من وجهها المبتسم الى وجه الرجل الكهل والذي تخضب باللون الأحمر لثنائها له!, تبًّا هل ينبغي لها أن تثير اعجاب كل رجل تقابله حتى وإن كان كهلا قد تخطى الستين من عمره؟!, من الواضح أنه سيمنع تعاملها مع أي صفة مذكر يتراوح عمره من السادسة عشر وحتى الثمانون!
التفتت سلافة الى غيث وتساءلت بينما لا تزال الابتسامة مرتسمة على شفاها الخوخية اللون والتي جعلت غيث يشرد فيهما فلم يسمع ما تقول حتى رفعت صوتها:
- هاااااي.. غيث روحت فين؟
انتبه من شروده وسعل قليلا ليجلي حنجرته قبل أن يقول:
- ما أني امعاكي أهاه...
سلافة بتساؤل:
- كنت عاوزني في إيه بقه؟
غيث بعد أن زفر بعمق:
- شوفي يا بت عمِّي أني لا بحب اللف ولا الدوران, هو سؤال وعاوز جواب عليه دوغري إكده.. انتي ليه مش موافجة على زواجنا؟
ابتسمت سلافة ابتسامة صغيرة وحركت رأسها يمينا ويسارا بخفة ثم رفعت نظراتها اليه مجيبة بهدوء:
- تاني يا غيث؟!
غيث بإصرار:
- وتالت ورابع وعاشر كومان!, أني مش هسكت غير لمّن أعرِف السبب الحجيجي لرفضك دِه, خصوصي وإن عمي رؤوف متشجع جوي دِه حتى الست ألفت هي كمان معندهاش أيتها مانع, يبجى تصليبة رايك ده وتنشيف دماغك ليه؟
ابتسمت سلافة قائلة بدعابة:
- صعيدية بقه تقول إيه؟..
ثم نظرت اليه مجيبة بكل جدية:
- شوف يا غيث.. اوعى تكون فاكر اني بتعزز مثلا ولا أني فرحانه علشان فاتحتني في موضوع الارتباط دا أكتر من مرة؟, لالالا أبدا, أنا هكلمك بوضوح أكتر يمكن سبب رفضي ما وصلكش في الأول..
سكتت قليلا فيما وقف أمامها مترقبا لسماع ما ستقوله, تنهدت عميقا وقالت:
- غيث الموضوع مش موضوع انك اخدت بالتار بإيدك وما لجأتش للقانون وبس.. لا!, الموضوع إنه اللي حصل دا أكّد لي اننا مختلفين في وجهات نظرنا ومبادئنا!, غيث أنا مش هينفع أرتبط بواحد أبسط قواعد الحياة أو الأساسيات عموما مختلفين عليها..
زفر غيث بعمق وقال بصبر:
- ممكن أسألك سؤال وتجاوبيني عليه؟
سلافة بهزة من رأسها بنعم:
- أكيد اتفضل إسأل..
غيث بجدية:
- انتي شايفاني ظالم ولا متجبّر على خلج الله؟
حركت سلافة كتفيها وأجاتب بصراحة تامة:
- بصراحة.. لا!, كل الناس اللي بتشتغل تحت إيدك بتشكُر فيك جدا وبيقولوا انك كريم ورحيم بيهم, يمكن جد في شغلك لكن في نفس الوقت مش ماسك لهم الكرباج...
غيث:
- امنيح, طيب سؤال تاني.... المجرم اللي اني وليث خلصنا الناس من شرِّه دِهْ حاسة انه مظلوم؟؟
سلافة بنفي قاطع:
- لا طبعا, أنا اعتراضي مش على أنه يستحق القتل ولا لأ دا يستاهل أساسا يتشنق في ميدان عام عشان يكون عبرة لغيره, أنا اعتراضي على طريقة تنفيذ الحكم دا, فيه قانون احنا مش في غابة ما ينفعش كل واحد يطبق العدل بإيده في جهة مختصة بكدا, لأنه لو عممنا هتكون كارثة لأنه كل واحد هيطبق العدل اللي من وجهة نظره هو حتى المجرم في اجرامه بينتقم من المجتمع لأنه لاقى نفسه هيموت من الجوع ومحدش سائل فيه أول جريمة لأي حد بيكون لها سبب وقوي من وجهة نظره, ويا روح ما بعدك روح.. القاتل بقه بيقتل والحرامي بيسرق وكله عشان الفلوس, انا مش ببرر لهم الجريمة لأ.. أنا بوضح لك انه ما ينفعش كل واحد ينفذ العدل من وجهة نظره هو بدراعه فيه قانون كفيل بحماية الناس وانه يرجع لهم حقوقهم وفوق القانون فيه ربنا سبحانه وتعالى لو عدالة الأرض ما قدرتش تطبق العدل بين الناس لأي سبب فعدالة السماء عمرها ما تظلم...
غيث بإصرار:
- يعني الطريجة هي اللي مش لادة عليكي.. لكن الاساس احنا متفجين فيه انه مجرم وبلطجي ويستاهل جطع رجبته...
سلافة بعجز عن افهامه:
- يا غيث أنت ليه مش عاوز تفهمني؟, بقولك انه تفكيرنا نفسه مش واحد, الصح بالنسبة لك غلط بالنسبة لي يبقى نرتبط ازاي ببعض ونكمل حياتنا مع بعض ازاي بس؟.
ثم نفخت بضيق وأردفت بجدية لتنهي هذا النقاش العقيم بالنسبة لها:
- شوف يا غيث.. انت ابن عمي وانسان كويس ومحترم لكن للأسف انا مش مقتنعة بارتباطنا وان شاء الله ربنا يعوّضك بواحدة أحسن مني 100 مرة كمان...
أجاب غيث بصرامة:
- وأني مش رايد غيرك!.
قطبت سلافة ناظرة اليه وقالت:
- طيب ممكن انت بقه تجاوبني على سؤالي.. ليه أنا بالذات يا غيث؟
غيث بلا مبالاة مزيفة:
- وليه لاه؟, انتي بت عمي وزينة ومتعلمة يبجى ليه ما افكّرشي فيكي؟
عقدت سلافة ذراعيها أمامها وقالت ساخرة بابتسامة صغيرة:
- اللي بتقوله دا يبقى معقول لو انت تقبلت رفضي, لكن انت #مصر يا غيث ليه؟
نظر اليها غيث نظرة سمّرتها في مكانها وهمس بصوت أجش:
- لأن مواصفاتك هي اللي عاوزها تكون في ولادي, انتي شخصيتك جويّة, عنيدة, كرامتك فوج, ما بتخافيشي من حد واصل, من الآخر عاوز ولادي يكون عنديهم نفس صفاتك ديْ..
سكت قليلا ليتابع بابتسامة:
- ده طبعا غير دمك الخفيف...
كانت سلافة طوال تعداده لصفاتها وهي فاغرة فاها بينما سرت قشعريرة في سائر جدسها لدى ذكره أنه يريد أبناءا منها يحملون جيناتها!, فكرة أن يجمع بينها وبين غيث أطفال كانت كفيلة بجعل الدم يجري في أوردتها ليغدو كالعسل الدافيء بينما تخضب وجهها باللون الأحمر القان لدى تخيلها لأطفال يحملون لون بشرته السمراء ونغزة خدّه الأيمن والتي تظهر عند ابتسامه, وهو يركضون حولها هنا وهناك بين المروج الخضراء...
حركت رأسها لتفيق من حلم يقظتها هذا وهمّت بالكلام عندما قاطعها صوت رنين هاتفها المحمول والذي تحمله في جيب فستانها فأخرجته ليطالعها اسم سلمى فتلقت المكالمة وتمتمت ببضعة كلمات مفادها أنها لن تتأخر, نظر غيث اليها وتحدث قائلا:
- عرفتي أني ليه عاوزك ومصر عليكي يا سلافة؟, أني بختار أم لولادي... وأني متأكد إني مش هلاجي أم أحسن منيك, إيه رأيك دلوك؟
همت بالكلام ثانية عندما أتت وردة - الفتاة التي تبلغ من العمر اربعة عشر ربيعا وتعمل لديهم في القصر- تهرول منادية سلافة وعند وصولها اليها أخذت تلهث لالتقاط أنفاسها الهاربة قبل أن تتكلم بصوت متقطّع:
- ست سلافة.. عمي الحاج جالي أبلغك انك تلحجيه على داره عاوزك ضروري...
أجابت سلافة بتقطيبة:
- ماقالكيش عاوزني في ايه؟
نفت وردة بهزة من رأسها قائلة:
- لاه, ما جاليش...
قالت سلافة:
- تمام يا وردة, إسبقيني انتي وأنا هحصلك..
زمجر غيث ما أن توارت وردة عن الأنظار وقال بتأفف:
- ايه دِه؟, كانهم عمالين روباطيِّة عليّ عشان معرفش أتحدت امعاكي, بجولك ايه تعالي نمشي من اهنه نروحوا أي مكان, مش هنخلصوا منيهم دول.
هزت سلافة برأسها رفضا وأجابت وهي تهم بالسير بعيدا عنه:
- مالوش لزوم يا غيث, احنا قلنا المفيد, احنا ما ننفعش لبعض, ربنا يرزقك بواحدة تانية ويا سيدي تكون جيناتها أحسن مني كمان...
قطب غيث وقال باستهجان لم تنتبه اليه:
- بس أحنا لساتنا ما خلصناش حديتنا..
ثم تابع بصرامة وهو يشير بسبابته أمامه:
- سلافة مشِّي جودامي ياللا...
نظرت اليه سلافة باستنكار وهتفت:
- ايه دا؟, أمشي أروح فين؟, لا طبعا.. مش ر ايحه في حتة..
غيث بتهديد مبطن:
- سلافة طوعيني, اسمعي الكلام ومشِّي معايْ...
حركت سلافة رأسها بقوة يمينا ويسارا حتى تطايرت خصلات شعرها المربوط حولها وقالت مؤكدة بعناد شديد:
- وأنا قلت لأ يعني لأ....
تقدم منها غيث حتى وقف أمامها تماما ومال عليها ناظرا في ليل عينيها وهو يكرر بتحذير:
- سلافة أني مش بهزّر, اتجي شرِّي الساعة دي واعملي كيف ما بجولك..
حركت سلافة كتفيها باستهانة وأجاب ببرود:
- والله انا قلت لك اللي عندي, مش همشي معاك خطوة واحده من هنا أيه رأيك بقه؟
هز غيث كتفيه بلا مبالاة وقال بلهجة جعلتها تقطب ريبة:
- ماشي يا بت عمي كيف ما انت رايدة, استعنا بالله....
ليخفض هامته فتقطب بحيرة تبددت عندما رفع جذعه ثانية ولكن.. حاملا إياها فوق كتفه كجوال البطاطا!, هتفت به بقوة وهو تضربه بقبضتيها الصغيرتين فوق كتفه:
- نزلني يا غيث أنت اتجننت؟
أجاب غيث وهو يحثّ في السير:
- انتي اللي جبتيه لروحكِ, جولتلك من الاول ما سمعتيش الحديت....
كان رأسها يتدلى خلفه بينما ساقيها تضربان صدره, سار بها حتى وصل الى كوخ مخصص لأدوات الزراعة الخاصة بمشتل الزهور المزروع في حديقة القصر, أنزلها عن قدميها وأغلق الباب خلفه, ما أن لمست قدميها الأرض حتى سارعت بابعاد شعرها عن وجهها وقد حُلّت ربطته, وصرخت في وجهه بحدة وهي تشير بيدها الى الباب حيث يقف مستندا اليه بظهره:
- شوف لو ما بعدتش حالا مش هيحصل لك كويس!, سيبني أرجع بالذوق يا غيث بدل ما أصرخ وأطلع جناني عليك, انت متعرفنيش لما بتجنن بتجنن!!
تقدم غيث منها حتى وقف على بعد بوصات قليلة ومال برأسه ناحيتها قائلا باستهانة:
- واني ما بنتهددشي يا سلافة, ايه رايك بجه؟, جولتلك جبل سابج لازمن اقتنع برايك انتي لغاية دلوك ما جولتيش سبب محدد لرفضك دِه, يعني ايه احنا مختلفين في الطريجة ديْ؟, شوفي يا بت عمي.. أني بجولهالك أهو.. أني ما جابلشي غير موافجتك على زواجنا, انتي لساتك اصغيرة وماخبراشي الدنيا زين, ولو على اختلافنا اليل تعبه بيه نافوخي دِه هنجدروا نوصلوا لحل وسط!!
وقفت أمامه تغمض وتفتح في عينيها لا تستطيع تصديق ما فعله هذا المتبجح؟؟, لقد حملها كجوال البطاطا فوق كتفه وأتى بها عنوة الى هنا ليجبرها على الاستماع اليه وأخيرا ينذرها أنه لن يقبل بغير نعم جوابا على أمره إياها بالزواج به!!!!!
تبا وسحقا واللعنة عليك وعلى رأسك يا غيث يا ابن أم غيث!!!!, سأوريك من هي سلافة رؤوف الخولي, لست بأنثى كسائر النساء, فأنا لا يملكني إلا أنا... أنا حرة وأبدا لن أخضع, كرامتي فوق هامتي وأبدا لن أركع!!
طالعته تبادله النظرات قوة بقوة, قال وهو يزفر بعمق:
- يعني لازمن تحديني اني أجيبك غصب يا سلافة؟, ما عتسمعيش الكلام من الاول ليه؟, لكن معلهش كيف ما جولتك انتي لساتك اصغيرة مع الوجت هتتعلمي....
سلافة ببرود وهي تقف عاقدة ذراعيها أمامها:
- وانا مش عاوزة اتعلم, واوعى تفتكر اللي انت عملته معايا دا هيعدي كدا, ابدا يا غيث, ودلوقتي بقه انا لا عاوزاك تتكلم ولا انا عاوزة أسمع زي ما جبتني هنا ترجعني مكاني والا همشي من هنا وارجع بأي طريقة واضح؟.
اقترب حتى أصبح على بعد بوصات منها ومال ناحيتها يطالعها بقوة وهو يقول بينما تضرب أنفاسه الساخنة بشرتها الحليبية:
- لمن تاجي تكلمي جوزك تكلميه عدل, أني مش هسمح لك تتطاولى علي بأي طريجة واضح؟؟.
كادت سلافة أن تشد شعرها وتشققت واجهة البرود التي تعتمدها وصاحت:
- جوز مين؟, غيث لآخر مرة بقولك انا مش موافقة, اتجوزك ازاي؟, اتجوز قاتل على آخر الزمن!!
هتف ليث صارخا بغضب عنيف:
- هي سيرة أبو زيد الهلالي هندنّا نحكّوا فيها طولة اليوم؟, يا بت النااااااس افهمي.. اني مش جاتل, انا اخدت بتاري وتار ناس اتظلموا كتير جوي, انتي لساتك اصغيرة مافاهماشي حاجة, فكرك البوليس لو مسكه ايه اللي هيوحصل؟, هيهرب زي ما بيعمل كل مرة, سلافة انا مش ببرر اني لو الزمن عاد مش هعمل غير اللي عملته..
سلافة بعناد وتشبث بالرأي:
- وانا بردو مش مقتنعه.. اتجوزك ازاي وانا ضد افكارك دي,
وبقولك فيه قانون تقولي انا القانون ليه يعني... معلّى جانون وانا معرفش!!
غيث بحدة:
- وانى مش موافج على كلامك ده... انى رايدك ليه مش عاوزة تدي نفسك وتديني فرصة, يمكن اطلع غير ما انتي متخيلة؟؟؟
سلافة بزفرة عميقة:
- غيث افهم انا مش مقتنعة يبقى هتجوزك ليه بقه.. خلاصة حق ولا تكفير ذنب؟؟
هتف غيث بغيظ:
- هي وصلت لأكده؟, طب اسمعي يا بت عمي آخر كلام.. ماحدش هيجدر يجرب لك طول ما اني جايل عليكي, وعشان تبجي عارفة خروج من اهنه جبل ما توافجي انسي, وادي جاعده....
وجلس على الكرسي الخشبي ذو الأربعة قوائم وتابع وهي تطالعه وكأنه قد نبت له قرون فوق رأسه فأضحى كائن خرافي:
- وعشان تبجي عارفة عمى اللي هو بوكى عارف انك امعايا دلوك, فكري اكده واعرفي صالحك فين!!!
هتفت سلافة بحنق:
- صالح إيه وطالح إيه بس؟
ثم أغمضت عينيها فنظر اليها وهو يقول ببرودة:
- خلاص ما تتزرزريش إكده, أني هحلهالك...
قطبت سلافة متسائلة بنزق:
- يا سلام وهتحلها ازاي دي ان شاء الله؟
غيث رافعا حاجبه الأيمن بتحد:
- هم مش بيجولوا فترة الخطوبة دي عشان التنيِّن يجربوا من بعض ويتعرفوا على بعض أكتر؟, خلاص... احنا نتخطب وناخد الفترة دي فترة تعارف ونحاول انجرّب من بعض فيها..
هزت سلافة برأسها نفيّا وأجابت:
- مينفعشي للأسف, اللي بين شهاب وسلمى غيرنا خالص, هما مش مختلفين في الأساسيات, يمكن كل واحد له طريقة معينة لكن مش زينا, احنا واحد فينا في الشرق والتاني غرب, وموقفك دا دلوقتي أكبر دليل على كلامي, أنت مش مقتنع برأيي ومش عاوز تقبله, ومنشّف دماغك ع الأخر...
غيث بابتسامة ساخرة:
- دا الموج فدِه أكبر دليل على أننا ما نصلحوش غير لبعض!
سلافة باستخفاف وهي تضع يديها في خصرها:
- يا سلام!, وازاي بقه يا فيلسوف عصرك وأوانك؟
نهض غيث وتقدم منها ثم وقف ومال برأسه ناحيتها وهو يجيب بابتسامة نصر صغيرة:
- عشان انتي كومان مش عاوزة تجتنعي بكلامي, انت كومان دماغك أنشف من الحجر الصوان, يعني دماغ صعيدية صوح, يبجى أحنا الاتنين أكتر تينين لايجين على بعضهم!
زفرت سلافة بيأس وهتفت وهى تنظر الى الآعلى:
- يا ربي أٌوله ايه دا بس ولا أعمل إيه؟
سكتت قليلا ثم نظرت اليه لتجده واقفا يطالعها بمنتهى البرود فتحدثت بحنق هاتفة:
- طيب بص.. أنا هوافق مبدئيًّا... شوف مبدئيًّا.. بس مش على خطوبة لا.... تعارف بس!
قطب غيث وقال مستهجنا بعد أن كانت الابتسامة بدأت بالظهور لدى سماعه موافقتها ولكنها سرعان ما غابت عند سماعه باقي عبارتها:
- كيف دا؟, تعارف ازاي يعني؟
سلافة بنزق:
- يعني تعارف يا غيث, ما فيش أي حاجة رسمي خالص ولا حتى قراية فاتحة, هو مش كدا.. كدا كل حاجة واقفة لغاية عدة سلسلبيل ما تخلص؟, خلاص... لسه أكتر من شهرين تقريبا على العدة تبقى فترة كافية اننا نحاول نعرف بعض أكتر, ايه رأيك ولعلمك.. دا آخر كلام عندي!!
قال غيث وهو يشعر بنشوة الانتصار فيكفي أنها قد وافقت على الفكرة وأن ظهر أنها مرغمة ولكنه يعلم بداخله أنها تحمل له شعورا خاصا, لقد لمسه في تلك الليلة التي سألته عن سبب إصراره على الزواج بها قبل أن يقاطعهما غفيره الخاص ويخبره بأمر ذلك المجرم ليذهب ليقتص هو وليث منه:
- وأني موافج يا بت عمي...
ثم مد يده لمصافحتها فنظرت قليلا الى يده قبل أن تم يدها فيتناولها في راحته لتضيع يدها الصغيرة وسط كفه القوي, ويضغط عليها لا شعوريا بينما تطالعها عيناه بنظرة جعلت دقات قلبها تدوي بهدير قوي أوشك أن يصم آذانها, وحبست أنفاسها تخشى أن تقطع سحر هذه اللحظة بينما ترسل يده ذبذبات كهربائية ليدها فتسري في سائر أنحاء جسدها وكأنها لمست سلكا كهربائيا عار ذو تردد عال لتشعر بقشعريرة تسري في عمودها الفقري وحتى أطرافها, حاولت سحب يدها لتقطع هذه اللحظة التي شكّتى أنها قد تدوم الى الأبد, فتنحنح غيث تاركا يدها على مضض وهو يقول بصوت خرج أجشّأ من فرط انفعالاته التي اختلجت داخل جنبات صدره:
- جريب جوي يا بت عمي مش يدك بس اللي هتبجى حجي..لاه!, كلك على بعضك اكده هتكوني حجي أنا وبس!
زاد احمرار وجهها وأجابت وهي تهرب بنظراتها:
- طيب ممكن نرجع بقه....
وخرجا عائدين الى القصر ولكن شتّان بين حالهما عند الدخول وحالهما الآن بعد الخروج!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
بعد انقضاء عدة سلسبيل:
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
مرت شهور العدة ولم يحدث فيها أي جديد, فلا تزال المناوشات بين شهاب وسلمى وان خفت عن السابق كثيرا, بينما غيث وسلافة فعلاقتهما في منحنى صعود وهبوط بالتزامن, فأحيانا تشعر بامكانية المضي قدما في ارتباطهما وأحيانا أخرى تكاد تجزم باستحالة نجاح أي ارتباط بينهما..
أما ليث فلم يفاتح عمه بعد بشأن ارتباطه بسلسبيل, وكان يماطل ما إن يفاتحه والده في الأمر حتى قرر والده أن يضعه أمر الأمر الواقع بأن فاتح هو الجد برغبته في ارتباط سلسبيل بليث وكانت سلسبيل حينئذ لدى عائلتها لقضاء بضعة أيام برفقتهم بعد انقضاء عدتها!!...
- انت بتجول ايه يا بوي؟
هتفت سلسبيل غير مصدقة لما تسمعه آذانها من والدها بينما يجلس الجميع حولها في غرفة الجلوس حيث أمر الجد بأن يتجمع أفراد العائلة لأمر خاص بسلسبيل وأولادها!!
عثمان بحزم يخالطه حنان أبوي:
- بجول ان عمك عدنان طلبك لليث عن ولادك, انتي لساتك شابة صغيرة ومش هتجعدي عزبة اكده من غير زواج..
هتفت سلسبيل وهي تقفز عن قدميها واقفة باستنكار تام وعينيها تغشاها دموع محبوسة:
- لاه يا بوي, أني مش هتزوج بعد راضي, كفاية علي ولادي هربيهم...
تدخل الجد مقاطعا بجدية:
- سلسبيل يا بتّي الحديت اللي بتجوليه دِه انتي عارفة انه مينفعشي حدانا اهنه, كيف نسيبك عزبة وانك لساتك بت 26 سنة؟, وعيالك أكبرهم 5 سنين؟, يا بتي المشوار لساته طويل ولازمك راجل امعاك!
اندفعت سلسبيل تجذب يد جدها تقبلها وهي تهتف بتوسل:
- ربنا يخليك ليا يا جدي انت وبوي واخواني, أني ما عاوزاشي حاجة من الدنيا تاني غير ولادي وبس, أحب على يدك يا جدي..
مسد الجد على الوشاح المغطي لرأس سلسبيل وهو يقول:
- ارفعي راسك يا بتي, بت الخولي ما تطاطيش راسها واصل, احنا اللي بنعملوه دِه عشان كانت وعشان عيالك, ليث عمهم وهو أكتر واحد هيشيلهم في عينيه, وانت شايفه كيف عدنان ولدك من يوم ما جيتو ما عيبطلش يسأل هتعاودوا حدا عمه ميتى؟
نظرت سلسبيل الى غيث بترجي واتجهت اليه وهي تقول:
- اجنعهم يا خوي, أني ما عاوزاشي جواز, ولو على عمهم وجت ما يحب يشوفهم أني مش همنعهم عنيه...
نهض غيث وقال وهو يربت على كتف سلسبيل التي بدأت دموعها بالانهمار في صمت:
- سلسبيل يا ختي ليث راجل وجدع واحنا هنكون مطمنين عليكي انتي والعيال وانتو في حمايته...
هزت رأسها بياس واتجهت الى شهاب الواقف يراقب ما يدور بينما يعقد ذراعيه وقد ارتسمت علامات الوجوم على وجهه:
- شهاب أحب على يدك يا شهاب...
وجذبت يده لتقبلها فسحبها سريعا فركعت وهي تصيح:
- أحب على رجلك يا خوي...
ليسارع شهاب رفعها وهو يهتف:
- بس يا سلسبيل كفاياكي يا ختي...
لم تستطع سلافة الصمت أكثر من ذلك ووقفت هاتفة:
- ايه دا احنا فين هنا؟, هو الجواز بالعافية؟, دا حتى شرعا حرام ما ينفعش!
نهرها أبوها بنظرة صارمة وهو يقول:
- سلافة... صوتك ما يعلاش في وجودنا...
اتجهت سلسبيل وكأن سلافة هي حبل النجاة ووقفت أمامها تصيح:
- جوليلهم يا سلافة, جوليلهم ما يموتنيش بالحياة, ليث لاه.., ليث لاه يا بوي, لاه....
تقدمت سلمى منها تحيطها بذراعها وهي تقول بعطف:
- هدي نفسك انتي يا سلسبيل وان شاء الله كل شيء يتحل..
أجابتها سلسبيل بينما عيناها تتطلعان الى أمها أملها الأخير ولكن هذه الأخيرة تشيح بنظرها فهي تعلم عادات بلدها وترى أن ليث أصلح شخص لتربية صغار ابنتها وفي نفس الوقت تحتفظ بحقها من ميراث زوجها بل وترث أيضا من ليث!!
قالت سلسبيل بلهجة المغلوب على أمره بعد أن علمت أن أمها قد خذلتها كالعادة:
- مافيش حاجة هتتحل يا سلمى, مش هيسكتوا, لكن انا لا يمكن أوافج...
وابتعدت عن سلمى متقدمة من والدها وهي تهتف بتحد غريب عنها:
- سمعتني يا بوي.. لاه, على جثتي أني أتزوج ليث, ليث لاه يا بوي لاه....
لتهوى يد أبوها بصفعة مدوية على وجنتها جعلتها تصرخ ألما بينما هب غيث وشهاب يعيقان تقدم والدهما لمواصلة ضربها فيما احتوتها سلافة بين ذراعيها, وهتف عثمان صائحا:
- بتعلي صوتك علي يا جليلة الحيا, طيب علمن يصلك ويتعداكي كمان... زواجك من ليث ولد عمك مع هلال الشهر الجاي, وابجي وريني هتعملي ايه!!
لينصرف مغادرا بغضب بينما نظرت سلافة وسلمى اليها بإشفاق وتحدث الجد بجدية يغلفها الحزن:
- غيث.. شهاب, الحجوا بوكوا شوفوه وين راح..
لينفض الجمع وتنهض الجدة متجهة الى حفيدتها تجذبها من بين يدي سلمى الى حضنها الحنون الدافئ وهي تقول مانعة دموعها من الانهمار بقوة:
- هدِّي يا بتي هدِّي.. بوكي بيحبك ومارايدلكيشي الا الخير, تعالي ريحي في دارك دلوك...
اتجها للانصراف ومرا برازية التى وقفت أمامهما وقالت بجمود محاولة عدم التأثر بدموع ابنتها:
- امسحي دموعك يا سلسبيل, انتي ما عدتيشي اصغيرة للي اعملتيه دِه, بوكي ورايد مُصلحتك..
لم تحر سلسبيل جوابا وانصرفت تاركة راوية ترغي وتزبد فقد تجاهلتها أمام ألفت غريمتها والتي سرعان ما لحقت بسلسبيل هي وابنتيها..
نظر الجد الى راوية وتحدث بجدية:
- كويس انك عارفة انه بوها ما عاوزشي الا صالحها...
هتفت راوية وهى تقترب لتجلس بجانبه:
- أومال يا عمي, بو غيث ما يعملشي حاجة تضر بولادنا واصل...
ابتسم الجد شبح ابتسامة ساخرة وقال:
- تمام, على إكده يبجى اعملي حسابك زواج اعيالك كلاتهم هيبجى سوا..
قطبت راوية وهتفت:
- كيف يعني مش فاهمه؟
الجد ببراءة مزيفة:
- ايوة صحيح انتى معترفيشي.. اصلنا مارضيناشي نجول لغاية ما سلسبيل تُخلص عدتها...
راوية بقلق ولا تعلم لم نغزها قلبها:
- تجولوا ايه يا عمي؟
الجد بتلقائية مزيفة:
- شهاب وغيث خطبوا سلمى وسلافة واحنا ما رضيناش نجول لغاية ما تفوت عدة سلسبيل, ودلوك أني هجول لرؤوف وعتمان الاولاد كلاتهم يتزوجوا سوا, فكرة مش اكده؟
وكأن دلوا من المياه الباردة قد سُكب فوق راوية, فقد طالعته بذهول تام وهي تردد:
- انت بتجول ايه يا عمي؟, ولادي أنا خطبوا بنات ألفت وأني معرفشيِ؟ّ
الجد بلا مبالاة:
- جولتلك كنا ما عاوزينيش الموضوع يتعرف جبل عدة بتِّك ما تفوت, ولو كنت عرفتي خابرك زين ما يتبلشي بخشمك فولة, كانت البلد كلاتها هتعرف!
نظرت راوية الى الجد وهتفت بدون شعور منها وقد ارتسمت علامات الكره والبغض على وجهها ليجعلها في أبشع صورة:
- دِه يستيحل يوحصل, على جثتي ان ولادي ياخدوا بنات ألفت... لا يمكن!!
ليصدح صوت عثمان عال:
- رااااااااوية!!!
فتشهق بذعر وتلتفت خلفها لتراه واقفا وعيناه تطلقان شررا من نار, تقدم عثمان منها وفي أثره ولديه وشقيقه, وقف عثمان أمامها وهتف من بين أسنانه:
- انتي اتجنيتي؟, انتي كيف توجفي جودام بوي وتجولي الكلام اللي جولتيه دِه!
نهض الجد فأسرع رؤوف يسنده وقال وهو متجها الى الخارج ناظرا الى راوية بجدية وصرامة:
- عتبة دارك عوجة يا عتمان يا ولدي, يا تصلّحها يا.. ترجّعها!!
لتشهق راوية غير مصدقة, فيما استمر الجد في طريقه الى الخارج برفقة رؤوف بينما نظر عثمان اليها وهتف بقوة:
- أمرك مطاع يا بوي, والعتبة العوجة ما عادت تلزمني..
سكت قليلا ثم أردف بحزم:
- زواج ولادك يخلص وبعد اكده تاخدي خلجاتك وتعاودي دار ابوكي من تاني, بيتي يتعذرك يا راوية......
ويتجه بخطوات حادة الى الخارج تلاحقه صرخة راوية عاليا:
- لااااااااااا........



- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:14 AM   #17

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


15

سارت سلافة في الحديقة التي يغلبها الظلام إلا من بضعة أنوار تشع من مصابيح موزعة في الأرجاء وهي شاردة فيما صار هذا اليوم من أحداث جعلته يوما طويلا للغاية, لم تستطع النوم بعد أن تحدثت مع شقيقتها وقد أشفقت على سلسبيل, حاولت مرارا التحدث مع والدها بشأن التدخل لإقناع عمها بقبول رفض سلسبيل للزواج من ليث ولكن والدها كان صريحا معها أنها العادات والتقاليد التي تحكم هذا المجتمع ولكنه سيحاول أن يؤخر موعد الزواج حتى تلين سلسبيل قليلا, تركت شقيقتها نائمة وقررت السير في الحديقة علّ نسيم الليل يهدأ من روحها المتمردة التي تتواثب في صدرها بغضب شرس من تلك العادات البعيدة كليّة عن تعاليم ديننا الحنيف, فالإسلام نهى عن تزويج الفتاة أو الثيب إلا بإذنها, فالثيب تستنطق أي لا بد من أن تتلفظ بالموافقة بينما البكر فإذنها سكوتها حيث يمنعها الحياء من الإدلاء بموافقتها علانية, ولكن ما يحدث هو ضد كل الشرائع السماوية ولا يستطيع عقل بشري استيعابه...
قادتها قدماها الى شجرة باسقة ذات جذع عريض ضخم تسبح في السماء بأغصانها العالية التي تحمل أوراقها الخضراء, ارتكزت برأسها الى جذعها وزفرت بعمق مغمضة عينيها وهي تهمس في سرها أنه كلما مرّ الوقت تأكدت من صواب قرارها برفض غيث زوجا لها حتى وإن كانت.....
- مين هناك؟
انتفضت سلافة من وقفتها وفتحت عينيها متلفتة حولها لتستطلع مصدر الصوت الذي تعلم صاحبه جيّدا, كيف لا وهو من كان يشغل تفكيرها حالا!!
خرجت سلافة الى دائرة الضوء وقالت بصوت هاديء بينما يقف غيث على مسافة غير بعيدة منها وهي تجيب بهدوء:
- أنا يا غيث...
عقد غيث جبينه وتقدم منها بضعة خطوات حتى وقف على مقربة منها وتساءل بحيرة قاطبا:
- سلافة؟, غريبة!, ايه اللي امصحيكي لدلوك؟, وكيف تجفي لوحديكي في الجنينة إكده؟
سلافة بزفرة خانقة:
- ما جاليش نوم يا غيث قلت أتمشى شوية, ما حاصلش حاجة يعني...
تكلم غيث بإصرار:
- كيف ما حوصلش حاجة؟, ميت مرة أفهّمِك انك ماعينفعشي توجفي لوحديكي في وجت زي دِه, انتي ما عاوزاشي تسمعي الكلام ليه؟
وكأن غيث بحديثه هذا قد فتح أتون غضبها ليفلت من عقاله فتقطع الخطوات الفاصلة بينهما وتقف أمامه هاتفة باشمئزاز بالغ وكأنها تبصق الكلمات:
- عشان عاداتكو وتقاليدكو صح؟
غيث بحيرة لا يفهم سبب انفجارها:
- إيوة بس...
لتقاطعه باسطة يدها وهي ترفعها أمامه هاتفة بحدة:
- بس خلاص مش عاوزة أسمع حاجة تاني, تأكد اني من هنا ورايح مش هعمل أي حاجة تخالف عاداتكم وتقاليدكم العظيمة..
سكتت قليلا لتنظر اليه بقوة متابعة:
- عارف ليه؟..
لم تنتظر سماع جوابه وأجابت بتحد:
- لأني مش هكون موجودة عشان أسيء لعوايدكم العليا, عن إذنك!..
لم تبتعد سوى خطوتين اثنين قبل أن يعلو صوته وراؤها هذه المرة آمرا اياها بالوقوف!, ليتقدم منها ويقف أمامها متسائلا بغلظة وتقطيبة عميقة بين حاجبيه فيما يطرق القلق جوانحه بقوة عن معنى عبارتها الأخيرة التي رمتها في وجهه بكل تحد:
- جصدك إيه مش هتكوني موجودة؟
عقدت سلافة ذراعيها ورفعت ذقنها الصغير لأعلى دليل التحد لتجيبه بقوة:
- يعني ماشية, مش هستنى هنا أكتر من كدا, خلاص الأجازة طوّلت أوي ولازم تنتهي!
وكأنها مدت يدا من حديد لتنتزع قلبه بقسوة وجبروت وهي تخبره بلامبالاة متناهية عن عزمها على الرحيل و... تركه!
ولكنه يكون ملعونا لو سمح لها بتنفيذ ما رمته في وجهه, ليأتي دوره هو هذه المرة ليجابهها بمنتهى الصلف والغرور وهو يهتف بقوة بينما لمعة عيناه تأسران نظراتها فلا تستطيع الإشاحة جانبا:
- ومين اللي جال أنك هتعملي التخريف اللي بتجوليه دِه؟, مين اللي هيسمح لك أساسا إنك تتحركي خطوة واحدة بس من مُطرحِك؟!
نظرت اليه باستنكار وهتفت محتدة:
- ليه ان شاء الله؟, هو سجن؟!, وبعدين أنا بابا بس هو اللي يقدر يوافق أو يرفض غير كدا ما اسمحش لأي شخص إنه يتدخل في شيء يخصني...
ليميل غيث ناحيتها ناظرا بتركيز شديد في ليل عينيها البهيم وهو يشدد على كلماته ليضمن فهمها لها جيدا:
- بس أني مش أي حد, أني ولد عمك.. وزوجك!..
همت بمقاطعته عندما أردف:
- عارف هتجولي انك مش موافجة لكن أنا بجولك أنا اتجدمت لك وعاوز أتزوجك ولغاية ما أسمع موافجتك رجلك مش هتخطي شبر واحد بعيد عن إهنه... أظن واضح؟
خانتها الكلمات وهي تطالعه في ذهول غير مصدقة لما سمعته آذانها قبل أن تتحدث بتلعثم والحروف تتعثر على لسانها من فرط دهشتها:
- إنت.. إنت بتـ... بتقول ايه؟, انت اتجننت أكيد!..
لينفلت لسانها من عقالها بعد ذلك وهي تهتف بغضب ناري جعل عينيها تبرقان كسماء مرعدة في ليل شتوي غاضب:
- لكن هنتظر ايه منك؟, اذا كانت أختك اترمت تحت رجليكم وتبوس ايديكم انكم ترحموها وما ترموهاش لأبن عمكم وما اهتزتش فيكم شعرة, يبقى اللي انت بتعمله دلوقتي دا المفروض ما يدهشنيش, كل يوم بتأكد ان رفضي لارتباطنا كان صح مليون في الميّه!
تحدث غيث بهدوء ينذر بالخطر بينما تطايرت ألسنة اللهب من فحم عينيه المشتعل وهو يجيب:
- اللي حوصل انهاردِه ما يخصيكيش جد ما يخصّني أني واخويْ, سلسبيل أختنا من لحمنا ودمنا, وليث عم اعيالها وولد عمها هيجدر يصونها ويراعاها, هي ما هتجعدشي العمر كله تبكي على راضي الله يرحمه, سلسبيل لساتها اصغيرة وجودامها العمر كله, لكن لأنك مخّك إصغيّر حاكمت وأدانتي من غير ما تسمعي ولا تستفسري, أني كان ممكن ما أبررشي حاجة, لكن أنا جولتلّك يمكن تجدري تفهمي سبب اللي بوي وجدي عِملوه انهرده ايه, ومع إنها أول مرة أبرر نفسي لكن هجولك.. أنا اتحدت مع سلسبيل جبل شويْ, كانت منهارة مش هجدر أنكِر.. لكنها عارفة انه بوها وجدها مش رايدين غير مُصلحتها, وسيبتها تفكِّر.. هما كلمتين اللي جولتهوم لها.. هي عارفة ان بوها مش عيسيبها إكده من غير زواج.. ولو حوصل واتزوجت.. ليث وعمي عدنان مش هيجبلوا حد غريب إيربي اعيالهم, يبجى تتزوج عمهم ويتربوا وسط بيت بوهم وحضن عمهم اللي هيبجى حنين كيف راضي الله يرحمه عليهم, ولا ترفض وتركب راسها وهي عارفة ومتوكدة انها مسيرها هتتزوج يعني هتتزوج بس المرة ديْ هتتحرم من اعيالها, وسيبتها تفكّر في كلامي زين.... وأجدر أجولك انها هتوافج.. لأنها في الأول والآخر أم.. ماعاوزاشي تبعد عن ضناها!!
سكتت تراقبه وهو يطالعها بنظرات غضب ممزوجة بخيبة أمل لا تعلم لما قرصها قلبها لها؟!, تابع بصوت بارد:
- وأأكد لك انها هتوافج... ولوما إني اتكلمت امعاها وفهّمتها كانت زمانها في انهيار كيف اللي جالها بعد وفاة راضي الله يرحمه, يعني يا بنت عمي يا بنت #مصر عوايدنا وتجاليدنا اللي مش عجباكي ديْ في الاول والاخير يهمها مصلحة بتّها, احنا بنفكّر لجودام مش فرض راي ولا هي لوي دراع ولا حاجة, عوايدنا اللي مش عاجباكي أول واحد كسرها كان عمي رؤوف.. بوكي.. ولمّن رجع لجى جلوبنا ودراعتنا مفتوحاله ومن غير مجابل.. يا.. بت عمي!
واستدار مبتعدا بخطوات قوية لتفيق سلافة من شرودها في كلماته وتلحق به حتى قطعت عليه الطريق وهي تهتف بيأس وترجي وعينيها لأول مرة يظهران ضعفا لم يسبق لغيث أن شاهده عليها قبلا:
- غيث.. أنا.. أنا آسفة, غيث أرجوك ما تضايقش من كلامي, بس.. بس أنا مش قادرة أنسى منظر سلسبيل وهي بترمي نفسها تحت رجليكم وتبوسها وهي بتترجاكم بلاش الجوازة دي!
زفر غيث بيأس مغمضا عينيه ليفتحهما ناظرا اليها وكأن عيناه تسألانها ماذا يفعل بها؟, بينما طالعته بنظرات حائرة مشتتة وهي تردف برجاء وقد تشبثت أصابعها بمقدمة ثوبه بدون شعور منها:
- أرجوك يا غيث بلاش تجبروها على حاجة هي مش عاوزاها, أصعب شيء لما أقرب ناس ليها اللي فاكراهم ضهرها هما اللي يكسروها, بلاش تكسروها يا غيث.. أرجوك!..
أغمض عينيه ليزفر عميقا ثم فتحهما وهو يطالعها بنظرات لا تعلم لما أشاعت الاضطراب في دقات قلبها والتي علت صوتها حتى خُيّل إليها أنه ولا بد قد سمعها, تحدث وهو يمسك لا شعوريا بأصابعها النحيلة الهشة بين أصابعه القوية وقد غُلف صوته بنبرة حنان لم تألفها منه:
- سلافة.. سلسبيل أختي الوحيدة, دِه نوارة البيت دِه, ما كانش حد فينا يجدر يرفض لها طلب جبل ما تتزوج, ولحد دلوك, بس أنا فهمتك ليه أبوي وجدي #مصرِّين على زواجها من ليث, وحاجة كُمان أنا واثق ومتأكِّد إن ليث هيشيلها في عينيه, ما تتصوريش هو بيحب عيال المرحوم كيف, اطمني يا سلافة, بس اللي برجوه منّيِكي انك تهدّيها, افهميني يا بت عمي, آخر حاجة أجبلها اني أكسر أختي.. شجيجتي!
وسكت... لتتابع حديثهما العيون, فتتيه عيناه بين سرمدي عينيها لتعلو دقات القلوب وتتهدج الأنفاس, وتنتبه سلافة ليدها الصغيرة وهى تقبع داخل راحته العريضة بأمان وكأنها قد وجدت فيه ملاذها الآمن فتسحبها بارتباك دفع بحمرة الخجل الى وجهها لتلون وجنتيها, وتقطع حبل الاتصال بين أعينهما مشيحة بوجهها جانبا, ويكون غيث أول من يقطع الصمت المحيط بهما كالشرنقة قائلا بصوت متحشرج محاولا استعادة هدوءه الذي تبعثر بين جفونها الناعسة:
- ممكن تجاوبيني بصراحة يا بت عمي؟
أومأت في صمت فتابع:
- إنتي رافضة عشان الموضوع اللي اتحدتنا فيه جبل سابج عن تارنا اللي خدناه بيدنا ولا عشان ما انى عيشتي كلها اهنه في البلد؟, وانتى خابرة انى يستحيل أهمِّل بيتي وأرضي واهلي وناسي وأعيش في مصِر, ولا يمكن إكمن لغوتي واللبس اللي بلبسه ما عيلدوش عليكي؟
رفعت سلافة ناظرة اليه بتركيز وهي تجيب بثقة وهدوء:
- هجاوبك بصراحة يا غيث, وصراحة شديدة كمان, أولا أنا مش بنت تافهة مش بيهمها غير الشكل واللبس وطريقة الكلام وبس.. لأ!, وبعدين مين قال اني مش بحب البلد, انا لو ما كنتش بحبها ما كنتش استحملت فيها يومين مش داخلين على اكتر من خمس شهور تقريبا, انت عارف إني بشتغل في شركة أجنبية, طبعا الاجازة طويلة جدا, ولأن علاقتي معهم كويسة.. اتفقت معهم إني أعملهم الشغل كله من هنا على النت, والظروف خدمتني لأن القسم اللي أنا بشتغل فيه سهل أوي أني أرتب أموري وأخلص شغلي كله بالكمبيوتر وأبعته على ايميل الشركة, لو ما كنتش مرتاحة كنت قطعت الأجازة ورجعت.. ايه اللي هيمنعني؟, وبابا كان هيوافق عشان ظروف شغلي, ما كنتش اهتميت إني أرتب أموري بحيث أني أشتغل من هنا, دا أولا.., ثانيا بقه....
سكتت قليلا بينما يطالعها في تساؤل وقلق من اجابة سؤاله الثاني عن ملبسه ولهجته, ارتسمت ابتسامة طفيفة فوق شفتيها الكرزتين وهي تردف:
- انت عارف أني متعلقة ببابا جدا؟, أنا كنت أعرف انه من الصعيد, ما كانش بيحكي لنا عنكم بصورة مباشرة بس كان بيكلمنا دايما عن عادات بلده وعن أهلها وناسها لغاية ما شربنا #حب البلد دي زيّه تمام, ولما قال لنا اننا لينا أهل والمفروض نيجي عشان نشوفكم كنا متحمسين جدا لكدا, نفسنا نشوفكم على الطبيعة, وأنا بالذات كنت عاوزة أعرف يا ترى الحكايات اللي كان بابا بيحكيها لنا واحنا صغيرين دي حقيقة ولا لأ؟, لما شوفتك بالعباية والعمة أول مرة حاسيت أني قودام عمدة بس شاب, بهرتني بجد, تمسكك بلهجة بلدك وانك لازم تكون مع أهلك وناسك وخصوصا أن أنت كبير عيلتك بعد والدك وجدي خلّاني أحترمك أكتر, عشان كدا يا غيث عمر ما لبسك ولا لهجتك ولا حتى حياتك هنا في البلد ما هتكون سبب لرفضي أبدا, بالعكس.. أنت امتداد لبابا في نظري, انت بتحقق لي الصورة اللي رسمتها في خيالي من وانا طفلة على حكايات بابا للصعيد ولأهله ولناسه, بحس إن بابا لو كان قعد هنا كان هيبقى شبهك تمام دلوقتي, بس أنا زي ما قلت لك قبل كدا.. على قد ما أنا اللي يشوفني يفتكرني متسرعة وعصبية وانفعالية لكن دا – ورفعت سبابتها مشيرة الى عقلها – فيه نقط معينة بيشتغل وجامد جدا, وارتباطنا صدقني حواليه علامات استفهام كتير, وأهم حاجة فيه إن رأينا مش واحد في الحاجات الأساسية اللي هي القاعدة اللي بيتبني عليها حياتنا بعد كدا, فهمتني يا غيث؟..
زنظرت اليه برجاء ويأس ليفهمها, بينما لم يستطع غيث وصف شعوره وهو يسمعها تتحدث بهذا الشغف الذي لمس صدقه بين نبرات صوتها عن والدها وعن ولعها ببلدها من قبل أن تراها, ولكن.. تظل العقبة الوحيدة... عقلها!, ترى ما الحل؟, ولكنه لن ييأس وإن كان ارتباطهما يخالف أوامر عقلها فهو كفيل بأن يُفقدها هذا العقل لتصبح طوع بنانه بعد ذلك, وسيبدأ منذ اللحظة!!...
مال عليها تائها في ليل عينيها البهيم وتحدث بصوت متهدج من فرط توقه لاحتوائها بين ذراعيه ليجعلها تلمس وعن قرب بل وتتأكد كيف أن ارتباطهما هو الأمر الصائب الوحيد الذي عليهما فعله قبل أي شيء آخر, قال وأنفاسه الساخنة تضرب وجنتيها المرمريتين:
- إديني فرصة يا سلافة وأني هثبت لك اننا احنا التنييين بنتحدت لغوة واحدة, واننا بنفكر زي بعض, انتي ما عتصدجنيش دلوك لكن الأيام هتثبت لك كلامي دِه, وافجي على خطوبتنا وجربي.. صدجيني مش هتخسري حاجة, مش هما بيجولوا انه الخطوبة دي فترة تعارف؟...
أومأت بالايجاب فواصل بأمل في اقناعها خاصة وأنها لم تعارضه والتزمت الصمت التام:
- يبجى نعملو كتب كتاب كيف شهاب وسلمى جولتي ايه؟
لتفيق من ضياعها في عينيه وبين همسة شفتيه هاتفة:
- لا...
قطب فأردفت تشرح وجهة نظرها:
- أرجوك يا غيث... كفاية خطوبة بس, مش هقدر كتب كتاب, أرجوك افهمني...
جاء وقت غيث ليهتف هو بها من أعماق قلبه وهو يميل عليها لتضربه أنفاسها الدافئة فتشعل نارا في أحشائه لا سبيل لإطفائها إلا بها هي وحدها:
- أرجوك انتي اللي تفهميني يا سلافة, أنا ما أجدرش تكوني خطيبتي وبس, صدجيني... عاوز الحواجز اللي بيناتنا تنجص, لو مكتوب كتابنا هجدر أتعامل امعاكي براحتنا لكن خطوبة إكده.. هيبجى لسّاتو فيه حاجز بيناتنا..
سلافة في محاولة منها لصد هجومه العاطفي الذي يكاد يغرقها به, وهي تراه في عينيه وتسمعه في نبرات صوته.. هو لن يكتفي بخطبة أو عقد قرآن.. بل إنها تكاد تقسم أنه سيتمم زواجهما الى آخره.. مهما كان قرارها النهائي, ومن سخرية الموقف أنها تعلم يقينا أنه يصيبها ضعف من نوع غريب لم يسبق لها وأن اختبرته قبلا ما إن يرتبط الموضوع بغيث, تماما كما يحدث الآن, فهي كانت قد قررت الرفض ونهائيا, ولكن ما حدث عكس ذلك, فقد أقنعها بأن توافق على الخطبة لتمنح نفسيهما الفرصة للتأكد من صحة ارتباطهما من عدمه, ولكنه يتحدث الآن وبعد ثوان من موافقتها على الخطبة ويطلب منها الموافقة على عقد القرآن!, بل إنها تكاد تقسم أنه ما إن يمر خمس دقائق أو أقل فإنه سيعمل على إقناعها بالزفاف!!!!, شدت من أزرها وأجابت بعد أن رطبت شفتيها بطرف لسانها الوردي ما جعل غيث يسمّر نظراته على شفتيها النديتين:
- معلهش يا غيث, خليها خطوبة بس, وبعدين يا سيدي الموضوع في إيدينا لو حبينا نكتب في أي وقت أعتقد عمي وبابا مش هيمانعوا... ايه رأيك؟
سعل غيث ليجلي حنجرته وأجاب بصوت خشن بينما عيناه تراقبان تحرك شفتيها مما جعل الدماء تسير ساخنة في عروقها كالعسل الدافيء وشعرت بنظراته وكأنها... تحتوي شفتيها في قبلة عميقة... داااافئة!!, قال غيث:
- وهو كذلك يا سلافة, هخليها عليّ المرة ديْ..
ابتسمت ابتسامة صغيرة وهمست له وهى تنظر اليه بعينيها الكحيلتين:
- تمام يا غيث, انا هبلغ بابا بموافقتي, ودلوقتي أقولك تصبح على خير...
ثم انصرفت سريعا من أمامه بينما تمتم رادًّا بتحية المساء عليها وهو يضرب رأسه بجذع الشجرة بجواره بخفة بينما يلاحق طيفها الغارب بنظراته المشتعلة وهو يهمس بعذاب:
- واني هيجيلي النوم الليلادي واصل!, طول ما نفسك في البيت امعاي وبعيدة عن يديّْ مش هعرف أدوج طعم الراحة واصل...
ثم رفع عينيه الى السماء مردفا من أعماقه:
- الصبر يا رب.......

xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
نظرت سلسبيل الى والدتها الراقدة فوق فراشها وتنهدت بحزن, فشجار والديها قد أنساها مصيبتها الوشيكة بزواجها من ليث, لا تصدق ما أخبرتها به والدتها من أن والدها أمرها بمغادرة غرفته الخاصة وأن اقامتها في هذا المنزل ما هي إلا إقامة مؤقتة الى أن يتم زواجها وشقيقيها ثم تغادر الى منزل أخيها عدنان والى غير رجعة!..
شعرت سلسبيل أنها بين نارين فمن جهة هي تشفق على والدتها وما آل اليه حالها ومن جهة أخرى فهي تلتمس بعض العذر لوالدها فوالدتها لا تخفي كراهيتها العميقة لعمها وعائلته الأمر الذي يدهشها هي, لقد تقربت منهم وعرفتهم جيدا خاصة بعد مُصابها الأليم في زوجها, لم يتركها أيّ من زوجة عمها أو ابنتيها بل لقد تدخلت سلافة من أجلها ومنذ سويعات قليلة محاولة منع هذا الزفاف الكارثة غير ملتفتة لغضب رجال العائلة من تدخل سافر من إحدى فتياتهم!..
حاولت الحديث الى والدتها قائلة بحنان:
- أمايْ.. أعمل لك كوباية لمون تروّج دمك؟
لم تلتفت راوية الراقدة على جنبها الأيمن الى ابنتها وأجابت ببرودة مغلفة بحزن مرير:
- ماعاوزاشي حاجة, روحي دار اعيالك وهمّليني لحالي..
زفرت سلسبيل بيأس ونهضت من جوارها متجهة الى الخروج عندما تعالت طرقات هادئة فسارعت لفتح الباب لتطالعها هيئة شقيقها الأكبر غيث وهو يسألها بهدوء عن والدتهما...
أفسحت له سلسبيل الطريق ليدخل ثم نظرت اليه وقالت وهي تمسك مقبض الباب:
- حاول امعاها يا غيث يا خوي, ما راضياشي لا تاكل ولا تشرب, انا عند اصغاري لو عاوز حاجة نادم عليّ..., وخرجت موصدة الباب خلفها..
تقدم غيث حيث والدته التي اعتدلت جالسة في الفراش, جلس بجوارها ومال عليها مقبلا رأسها وهو يقول بحنانه المعهود عليها:
- مالك يا ست الحبايب, انتي تايه عنيك الحاج عتمان ولا إيه؟, كلام جالو في ساعة غضب...
رفعت راوية عينان تقدحان شررا وهمست بغضب:
- ساعة غضب!, يبهدلني ويزعِّج لي جودامكم كلياتكم وجدك يسخنه علي وتجولي ساعة غضب وما جاصدش؟, جوم يا غيث روح دارك وهمّلني عاوزة أنعس اشويْ..
تكلم غيث بهدوء:
- ما هو انتي كمان يا أم غيث غُلطت ما تواخزنيش يعني, اني بدي أفهم ليه رافضة بنات عمي؟, زينين ومتعلمين وفوج كل دا بنات عمنا يعني لحمنا ودمنا واذا كان سلوِنا وعوايدنا ان البت ما تتزوجشي إلا ولد عمها يبجى رافضة ليه؟
هتفت راوية بغضب:
- كول اللي حوصل دِه ومعرفشي ليه مش رايداهم؟, دا كفاية أولكشي خلوا بوك يطردني من مُطرحي, كل دِه عشان جولت ما عاوزاهومش لولادي؟,,
غيث محاولا امتصاص غضب والدته:
- يا أم غيث سبج وجولت لك طريجتك هي اللي خلّت بوي يجول ويعمل إكده, من ميته حد فينا بيرفع صوته ولا عينه حتى في بوي ولا في جدي, لكن كرهك ليهم اللي اني معرفلوشيْ سبب هو اللي خلّاك تزعجي في وجه جدي...
راوية بنصف عين وبحنق وحدة بالغين:
- ولساتني ما عاوزاهومشي, وهكون غضبانه عليك انت وخوك لو طاوعتو جدكم وكملتو زواجة الشوم ديْ!
زفر غيث بيأس وهتف حانقا:
- طب جوليلي سبب واحد لرفضك دِه, وصدجيني لو اجتنعت بيه أني بنفسي هجنع شهاب وهنشيل الموضوع من دماغنا واصل, بس أفهم!
سكتت راوية قليلا ثم طالعته بجدية بالغة وأجابت:
- أني أمك ولازمن تسمع كلامي, نعرفهم من فين بنات عمك دولم ها؟, غايبين بجالهم سنين وسنين ومرة واحدة شوفناهم لا هم متعودين على طبعنا ولا عوايدنا ولا سِلْوِنا, شوف طريجة لبسهم كيف ولا دلعهم الماسخ, بنات متجلعين إكده وماعينفعوكوش, أني أمكو وأني أدرى بصالحكو....
غيث بجدية:
- وان جولت لك اني أني وشهاب رايدينهم؟, وان احنا واسجين في تربية عمنا ليهم, ولو على طبايعنا مع الوجت هيتعودوا عليها...
راوية بحسم:
- غيث هي كلمة واحدة انت وخوك تجولوا لابوكو انكو غيرتوا رايكم ومعاوزينهومش!!
نهض غيث ناظرا الى والدته بأسف وهمس:
- وأني مش هكدب, أني وشهاب رجالة يتشد بينا الضهر وما احناشي اصغيرين عشان نرجعو في كلامنا ونجصّر رجبة بونا جِدام خوه, زواجنا من بنات عمنا هيتم كيف ما الحاج عتمان اتفج مع عمنا, وياريت تحاولي تجربي منيهم وتعدِّيهم كيف سلسبيل وصدجيني هتلاجيهم غير ما انت متصورتهم!
أومأت راوية وقالت ببرودة ونظرها مسلط الى البعيد:
- ماشي يا غيث, هملني دلوك تعبانه وعاوزة أنعس...
مال عليها مقبلا رأسها واتجه بخطوات واثقة الى الخارج, وما أن أغلق الباب خلفه حتى لمعت عينا راوية بشر دفين وهمست بصوت خرج كالفحيح من بين أسنانها:
- ماشي يا ألفت.. عاوزة تاخدي ولادي مني كيف ما اخدت الحاج والحاجة وحتى زوجي في صفك وجبلهم ولد عمي... لكن ما هنولكيشي اللي ببالك... ما كونشي راوية إما خليتك تندمي ع اليوم اللي طبِّيتي فيه البلد برجلك انتي وبناتك دولم!
ليسطع بريق الغضب والكره والحقد في سواد عينيها والذي يضاهي سواد قلبها!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
دلفت سلمى حيث يجلس شهاب في انتظارها بغرفة الجلوس حيث أخبرها والدها بحضوره ورغبته بالتحدث معها, حاولت سلمى عدم إظهار دهشتها وتركت والدها برفقة سلافة يستفسر منها عن موافقتها على طلب غيث والذي أبلغه بها الأخير!!
رفع شهاب رأسه ما إن شعر بتغير ذبذبات الجو حوله وعلم أنها قد حضرت قبل أن تقع عيناه عليها, نهض من مكانه ورحب بها, قالت سلمى:
- ازيك يا شهاب, بابا قال انك عاوزني؟
وجلست مشيرة له بالجلوس بالمقابل ولكنه لم يجبها ولم يلبي طلبها له بالجلوس, وبدلا من ذلك نظر اليها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها متفحّصا ثيابها المكونة من بنطال قطني باللون الأصفر يعلوه بلوزة حريرية بيضاء اللون مرقطة بنقاط صفراء زاهية, وقد رفعت شعرها بطوق للشعر أبيض اللون, تحدث بهدوء لا يفصح عما يمور بداخله من انفعالات:
- انتي كنت بلبسك دا انهرده في العيادة؟
نظرت الى ثيابها ثم أومأت مجيبة بدهشة:
- أيوة, ليه؟, فيه حاجة؟
كتم شتيمة كادت تفلت من بين شفتيه وهتف وهو يشير بسبابتها اليها:
- انتي مش فاهمه فعلا ولا بتستعبطي؟
هبت سلمى واقفة وهي تهتف به بالمقابل رافعة سبابتها في وجهه بتحذير:
- شهاب.. خلي بالك من كلامك, أنا أرفض طريقتك دي في الكلام!
شهاب مقلدا لها بسخرية:
- شهاب.. أنا أرفض طريقتك دي!..
ليتابع بصوته الخشن وقد بدأ الغضب يعلو بداخله حتى بدا كالمرجل الذي يوشك على الفوران:
- وأنا أرفض يا ست هانم طريقة لبسك دي!, انتي مش واخده بالك انك في بلد في الصعيد ولا ايه؟, يعني المفروض البنطلونات والحاجات دي ما تتلبسش!
أجابت سلمى ببرودة حاولت تغليف صوتها بها بينما هي تريد الصراخ به ناعتة اياه بالغباء المطلق:
- أظن دي طريقة لبسي من ساعة ما جيت البلد.. ايه اللي جد دلوقتي؟..
اقترب منها بضعة خطوات حتى وقف على بعد بوصات منها ومال برأسه تجاهها مجيبا:
- اللي جد انك بقيتي مراتي, قبل كدا ما كنتش أقدر أعترض على لبسك ولا طريقتك, لكن من ساعة ما فاتحتنا اتقرت وبقيتي شايله اسمي يبقى حقي اني أتدخل وأتدخل كمان!
هزت سلمى برأسها وابتسامة ساخرة تعلو شفتيها الورديتين قبل أن تنظر اليه وقد عقدت ذراعيها أمامها وأجابت بلا مبالاة:
- والله حكاية ان لبسي دي مش عاجباك مشكلتك مش مشكلتي!, أنا كدا ودي طريقتي ودا لبسي ومش هغير من أي حاجة فيّا عشان أعجب سيادتك- ثم تابعت بهزة لا بمالاة من كتفيها- ولو مش عجباك احنا لسه ع البر, الموضوع كله يدوب قراية فاتحه..
ما إن أنهت عباراتها حتى شهقت عاليا فقد فوجئت بشهاب وهو أمامها تماما يميل عليها ناظرا بعمق في زيتون عينيها وهو يقول بغضب ناري:
- انسي خالص حكاية لسه ع البر دي, انتي وافقتي عليا وأنا بلزمك بالموافقة دي, وطالما ما صدرش مني حاجة وحشة أو في أخلاقي يبقى تنسي اننا نسيب بعض, ودلوقتي اتفضلي اقعدي عشان عاوزك في موضوع مهم...
جلست على الأريكة خلفها حيث أشار وهي كالمنومة فقد هالها حالة الغضب التي تلبسته ما أن نوّهت باحتمالية فض ارتباطهما, لا تدري لما تسارعت دقات قلبها بالقفز ترى هل هو فرح الأنثى لتمسّك خاطبها بها أم.. خوفا وقلقا مما هي مقدمة عليه خاصة وقد اكتشفت لتوها أنها لا تعلم بعد من هو شهاب حقيقة؟!..
تحدث بهدوء بعد أن زفر بعمق ليجلب الهدوء الى نفسه:
- احنا ما اتكلمناش في الشبكة, عمي قال ان الشبكة دي هديتي ليكي لما والدي فاتحه, فكنت عاوز نتفق على يوم ننزل فيه سوا ننقي الشبكة...
بلعت سلمى ريقها ونظرت اليه تجيبه ببرود:
- زي ما بابا قال, هو قالك انها هديتك وأنا موافقاه.. وأعتقد ما فيش حد بيختار هديته؟!
أغمض عينيه يعد في نفسه من واحد الى عشرة, ثم فتحهما ناظرا اليها تلك الفاتنة الباردة التي ستتسبب في اصابته بأزمة قلبية لا محالة ان استمرت على برودها هذا!, تحدث محاولا تصفية الاجواء بينهما:
- بس أنا أفضل انك تختاريها بنفسك, افرضي اخترت حاجة ما طلعتش على زوقك أو معجبتكيش؟!
كتمت سلمى دهشتها من منطقه, فهو يريدها أن تنتقي هي شبكتها بنفسها لتكون على ذوقها هي فلا تضطر الى ارتداء شيء لم ينل رضاها, جلب هذا المعنى الذي توصلت اليه الابتسامة الى شفتيها وأجابت بأول ما تبادر الى ذهنها بتلقائية شديدة:
- ما تخافش, هديتك مهما كان ذوقها فأنا متأكده انها هتعجبني, الهدية في معناها مش في تمنها...
اقترب منها في جلستهما فوق الاريكة ليجيب بصوت أجش بينما تاهت نظراته وسط بركتي الزيتون خاصتها:
- بقولك ايه؟
همهمت بخفوت وقد أسر عيناها برماديْ عينيه:
- امممم...
ليتابع وقد خرجت أنفاسه ساخنة لاهثة تلسع بشرتها الحليبية:
- ما تخلّيه فرح مع سلسبيل وليث أحسن؟.
هربت بنظراتها بعيدا وقد امتقع وجهها خجلا وقالت بتلعثم:
- لا.. لا طبعا, ما.. ماينفعش, وبعدين ما تنساش انك حاطيتني قودام الامر الواقع في موضوع كتب الكتاب دا, احنا اتفقنا كان على خطوبة بس..
ابتسم شهاب وأجاب ونظراته مسلطة على ثغرها الوردي:
- معقولة فرصة جات لي أضمن تكوني فيها مراتي وأضيّعها؟!
لترميه بسهام عينيها عندما رفعت نظراتها اليه متفاجئة من قوله, فتصيب قلبه في مقتل!, وتجيب غير واعية لما أحدثته في نفس القابع أمامها يمنع نفسه بصعوبة بإسكات هذا الفم المثير بقبلة يكاد يفنى في سبيلها ليتذوق رحيق هاتين الشفتين:
- ردودك جاهزة يا باش مهندس...
ابتسم شهاب ابتسامة واسعة أكسبته جاذبية رجولية مهلكة جعلت قلبها يفقد دقة من دقاته وأجاب وهو يميل عليها لتشتم رائحة عرقه الخاص ممتزج بعطره ليكون مزيجا مثيرا أشاع الفوضى والاضطراب في سائر أطرافها:
- صدقني كلامي مش أنشا ومستعد أثبت لك حالا!
قطبت جبيتها وسألته بريبة:
- تثبت لي!, أزاي يعني؟
أشار برأسه الى شفتيها وهو يقول:
- أمضي على كدا!
قطبت محاولة فهم عبارته وما إن انتبهت لاتجاه نظراته الى فمها حتى شهقت عاليا وهتفت بحدة وهي تحاول القيام من جانبه:
- انت هتثبت فعلا... بس اللي هتثبته انك وقح وعن جدارة!
لتقف مبتعدة عنه بينما صدحت ضحكته عاليا فتتغير تقاسيم وجهه ويصبح أصغر من سنواته التي تقارب الثانية والثلاثون, نهض متجها إليها وقال:
- ماشي يا بنت عمي, مش هحاسبك دلوقتي على كلامك دا, بس صدقيني.. وعد مني أوريك الوقاحة بجد أول ما نمضي قسيمة الجواز, ودلوقتي مضطر أمشي عشان مسافر أسيوط في شغل واحتمال أرجع بكرة..
تمتمت:
- بكرة؟, يعني مش هترجع انهرده؟
غمزها بخبث ومال ناحيتها وهو يتسائل بمكر:
- ايه.. هوحشّك؟
لتقطب زافرة بحنق وتتجه الى الباب وتقف قائلة ببرود:
- شرفت يا باش مهندس...
اتجه ناحيتها بخطوات وئيدة ومال عليها فيما هي مشيحة بوجهها جانبا وهمس بجانب أذنها:
- مع السلامة يا حبيبي.. ها؟, الواحدة بتقول لجوزها كدا, مش تديلو وش خشب زي كدا؟
شهقت معترضة والتفتت اليه هاتفة:
- ها؟, وش خـ...
ليعاجلها بقبلة سريعة فوق وجنتها وينصرف في أقل من طرفة عين تاركا إياها وقد تسمرت مكانها وهي تتمتم:
- مجنون.. وأحلف على كدا كمان!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- يا بنتي فهميني لازمتها ايه سفرك معايا؟
أجابت سلمى وهي تركز نظراتها على الطريق الممتد أمامها بينما تجاورها سلافة في سيارتهما في اتجاههما الى القاهرة:
- انت مش بتقولي عندك شغل في #مصر لازم تسلميه بإيدك؟, وأنا خلصت شوط كبير في الرسالة وفرصة الدكتور يشوفها..
نظرت اليها سلافة بنصف عين وقالت:
- مش عارفة ليه يا سوسو حاسة انك مخبية عليا حاجة!, من ساعة ما شهاب مشي امبارح وانتي مش طبيعية, دا انتي حتى ما قولتلوش على سفريتنا #مصر؟!
أجابت سلمى ببرود يخالف العاصفة التي تجيش بداخلها منذ الأمس وتحديدا منذ رحيل شهاب مخلفا اعصار في أحاسيسها ومشاعرها لم يسبق لها وأن اختبرته سابقا حتى مع أحمد:
- ما فيش يا سلافة, بس حاسة انه عامل عليا حصار, ما تلبسيش ما تروحي, وكل شوية يطب عندي في العيادة تعبت خلاص وأعصابي باظت, فرصة أفك شوية وبعدين تعالي هنا هو انتي يعني اللي كنتي قلتي لغيث؟
زفرت سلافة حانقة وأجابت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
- هو أنا لحقت!, أنا يدوب بقوله اني محتاجة أنزل #مصر علشان الشغل ودا استلمني.. ليه, وعشان ايه, لو عاوزة تشتغلي اشتغلي في مال جدك أهو مالك انتي كمان, قفلني!, قلت في نفسي أنا غلطانه من الأساس إني بقوله حاجة, ثم انه لسه يدوب قراية فاتحة حتى دِبَل ما فيش!
ابتسمت سلمى وعقبت ساخرة:
- قلتها قبلك يا حبيبتي.. لسه قراية فاتحة.. وأحب أبشّرك ان ولاد عمك قراية الفاتحة عندهم كتب كتاب تمام زي ما بيقول المثل!....
وأكملا رحلتهما الى القاهرة والتي وافق بصعوبة والدهما أن يقوما بها بالسيارة فكان يحبذ استخدام القطار ولكن سلمى أقنعته بأن السيارة ستوفّر عليهما مشقة الموصلات وسيستطيعان التنقل بسهولة ويسر....
وصلا الى وجهتهما حيث عمل سلافة وبعد أن رحبت بزملائها وزميلاتها وأنهت ما قدمت من أجله كان لا يزال هناك وقت قبل أن تلحق بشقيقتها التي تركتها متجهة الى مشفاها واتفقا على اللقاء في مقهى قريب من عمل سلافة....
نادت مريم صديقة سلافة عليها وهي تراها تتجه الى المصعد في طريقها الى الأسفل:
- سولي.., سلافة..
استدارت سلافة الى مصدر الصوت وابتسمت بترحيب فيما أقبلت عليها مريم تعانقها:
- مريومة وحشتيني فينك يا وحشة؟
أجابت مريم بابتسامة شعرت بها سلافة وكأنها تخفي وراءها همّا كبيرا:
- موجودة حبيبتي, انتي اخبارك ايه؟
تمتمت سلافة بالحمد لله فواصلت مريم وهي تتلفت حولها:
- بقولك يا سولي.. كنت عاوزاكي في موضوع كدا...
أجابت سلافة قاطبة جبينها:
- انا رايحه دلوقتي كوستا استنى سلمى, تعالي معايا نشرب كابوتشينو ونتكلم...
بعد أن استقر بهما المقام وطلبا قدحين من القهوة الايطالية ذات الرغوة الكثيفة, أولت سلافة انتباهها الى مريم قائلة:
- اتفضلي يا ستي كلي آذان صاغية..
أجابت مريم:
- الاول عاوزة منك وعد ان الكلام اللي هقولهولك دا يبقى سر بيننا ما يطلعش غير في حالة واحده بس...
قطبت سلافة وقالت:
- وأنا من امتى بطلع سر برّه يا مريم؟, عموما يا ستي لكي وعدي بكدا, بس حالة إيه اللي مسموح لي أطلع فيها سرك برّه دي؟..
سكتت ثم تابعت بفكاهة:
- اوعى يكون زي الافلام بتاعتنا... لو جرالك بعد الشر حاجة؟!
لتنظر اليها مريم بجدية جعلت ضحكتها تموت فوق شفتيها وهي تجيب بمنتهى الجدية:
- تمام يا سلافة.. هو كدا!, الحالة الوحيدة فعلا أنه يجرالي حاجة...
قطع النادل حوارهما الدائر واضعا أقداح القهوة وقطع الكعك المحلى بالشوكولا فوق الطاولة الدائرية التي تتوسط جلستهما قبل أن ينصرف, فتابعت سلافة متسائلة بحيرة وقلق:
- فيه ايه يا مريم قلقتيني؟
فتحت مريم حقيبتها اليدوية وتناولت منها اسطوانة اليكترونية وشيئا صغيرا للغاية يوصل بجهاز الحاسوب لتحميل المستندات وقالت:
- الأول الـ سي دي دا والفلاشة دي تحافظي عليهم زي عينيكي, لو جرالي حاجة الحاجات دي تسلميها للنائب العام.. النائب العام شخصيا يا سلافة!
هتفت سلافة برعب بدأ يغزو أوصالها:
- مريم فهميني فيه ايه؟
رجعت بظهرها الى الخلف مستندة الى مقعدها وأجابت بهدوء لا تشعر بأي شيء منه:
- سامح خطيبي انتي عارفة انه دكتور تحاليل وتخصصه نادر في الأنسجة البشرية, من فترة كدا لاقى شغل في مستشفى استثماري والمرتب بالدولار, كانوا بيطلبوا منه انه يعمل أبحاث متطورة علشان علاج الأمراض المستعصية زي السرطان, كانت فكرتهم انه ممكن الأنسجة المريضة تتاخد من مريض يستحيل شفاؤه ويتعمل عليها أبحاث للوصل لxxxx يساعد في علاج المرض, زي متطوعين يعني.. وقالوا له انهم بيدوهم طبعا فلوس في مقابل كدا, طبعا المريض بالمرض دا وخصوصا اللي فرص شفاه معدومة كان بيوافق, هما فهموه كدا.. انه الانسجة دي هتساعد في علاج مرضى فرص الشفا عندهم عالية, لكن للأسف الحقيقة طلعت غير كدا!
قطبت سلافة متسائلة:
- طلعت ايه يا مريم؟
رفعت مريم نظراتها اليها لتجيب بهدوء قاتل:
- تجارة أعضاء!..
شهقت سلمى ملتاعة وهي تكرر واضعة يدها فوق فمها:
- ايه؟, تجارة أعضاء؟!
لتهز مريم رأسها بالايجاب وتجيب:
- للأسف يا سلافة, سامح شك في الموضوع, المريض اللي بييجي علشان ياخدوا منه عينة مثلا من الكبد أو النخاع أو العضو المصاب بالخلايا السرطانية بياخدوا منه بردو أعضاؤه الداخلية السليمة, يعني يكون داخل العمليات عشان عينة كبد يطلع من غير كلية, أو طحال, وهكذا, اللي خلّاه يشك الحاجات المطلوب منه يحللها في الانسجة, حاجات مالهاش علاقة بعلاج سرطان , لا.. دي شروط لازم تتوفر في نقل عضو من انسان للتاني, ومعظم اللي دخلوا رجعوا المستشفى يشتكوا من آلام رهيبة في أسفل الظهر ومنهم مريض صعب على سامح فأخده لدكتور زميل ليه عنده عيادة وبعد الكشف ظهرت النتيجة انه المريض معندوش كلية!, دا غير انه الراجل قاله انه كان داخل يتعالج في المستشفى من تليف في الكبد في القسم المجاني اللي عاملينه عندهم, يعني الموضوع طلع كله نصب في نصب, بياخدوا المرضى على أساس انهم بيعالجوهم ببلاش ويسرقوا أعضائهم السليمة وفي نفس الوقت فهموا سامح وهو المسؤول الأول عن التأكد من سلامة الأنسجة انهم بيدوهم فلوس مقابل دا يعني بمعرفتهم, ومش بس كدا دول كانوا بيعملوا لهم تشيك أب كامل ويصمموا يتعمل تحليل للأنسجة الحيوية اللي في الجسم يعني تحليل كامل للكبد والكلى وجميع الأعضاء الداخلية بحجة التأكد من سلامة باقي الاعضاء وهما بيعملوا كدا عشان تجارتهم الرخيصة..
هتفت سلافة بحدة:
- حسبي الله ونعم الوكيل فيهم..
مريم وقد اغرورقت عيناها بالدموع:
- طبعا سامح بعد ما اكتشف الكارثة دي هدد انه هيبلغ البوليس, وطلع انهم مش ساهلين, وقدروا يلفقوا له تهمة تبديد عهدة وسرقة أدوات معمل كان ماضي عليها في أول شغله وهو بيستلم المعمل, الأجهزة دي تكلف فوق المليون جنيه, واتحكم عليه ب 5 سنين سجن بعد عذاب مع المحامي اللي حاول بشتى الطرق انه يثبت اتهام سامح انهم بيتاجروا في الاعضاء لكن للأسف مافيش دليل واحد, لغاية ما الدليل وقع في ايدي من جوة المستشفى نفسها من ممرضة عندهم شافت وسمعت وللأسف أبوها كان واحد من ضحاياهم, وهما عرفوا وبيطاردوني عشان ما أقدمش الحاجات اللي معايا دي للنيابة, وهددوني بأخواتي وأمي أنت عارفة انها ست كبيرة مالهاش بعد ربنا غيري وأخواتي توأم لسه في ابتدائي مالهومش إلا أنا..
سلافة بغضب:
- ايه دا, احنا فين هنا؟
مريم بابتسامة ساخرة:
- في الغابة يا سلافة, للأسف فعلا دنيتنا بقيت غابة, وآخر حاجة كنت رايحه للنائب العام بعد محاولتهم معايا انهم يدوني فلوس ويطلعوا سامح من السجن ما فشلت هددوني بقتل أمي وأخواتي..
سلافة بتحد:
- ما يقدروش, لو كانوا قادرين كانوا عملوها, انتي اللي في الموقف الأقوى دلوقتي يا مريم, رقبتهم في ايدك , ما تخافيش وقدمي الحاجة اللي معاكي..
قالت مريم بجمود:
- بس هما قدروا فعلا يا سلافة وعملوها!
سلافة بتقطيبة:
- عملوا ايه؟
مريم بجمودها ونظراتها اتلزائغة:
- قتلوا رجاء الممرضة اللي ساعدتني...
شهقت سلافة بالتياع:
- هااااااا!, مش.. مش ممكن!
تابعت مريم ناظرة اليها:
- ودلوقتي أنا عندي معاد مع النائب العام, المفروض أقدم له اللي معايا ويثبت كلامي, اللي موقّفني خوفي على أمي وأخواتي, عشان كدا أنا هسيب لك الفلاشة والسي دي معاكي, ومعايا نسخة تانية.. معادي مع النائب العام بعد يومين لأنه للأسف مسافر لو سمعتي انهم نجحوا في انهم يوصلوا لي الحاجة اللي معاكي تسلميها انتي للنائب العام, موجود كمان دليل براءة سامح انا زرته من يومين ووصيته على أمي وأخواتي لو جرالي حاجة, اوعديني يا سلافة..
برقت عينا سلافة التي غشيتها الدموع هاتفة:
- اوعدك يا مريم, وان شاء الله مش هيحصل حاجة وسامح هيخرج منها وهتتجوزوا وأفرح فيكي مش بيكي...
وحاولت رسم ابتسامة على شفتيها فتختلط بدموعها المنسابة في صمت.....
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- انتي يا بنتي من ساعة ما رجعنا من بره وانتي ساكتة ليه؟
أجابت سلافة على سلمى الجالسة بجوارها في منزلهما بالقاهرة حيث أجلّا موعد رجوعهما الى الغد حيث فضلت سلمى الرجوع في وضح النهار فقد غربت الشمس وهما لا تزالان في القاهرة وقد استحسن والدهما هذا الرأي...
قالت سلافة بصوت يغلفه الأسى:
- مالي بس يا بنتي قلت لك دور برد مهمّدني شوية...
سلمى بنصف عين:
- مش عارفة ليه مش مصدقاكي؟, حاسة انه فيه حاجة تانية.. من ساعة ما شوفت مريم وأول ما شافتني استئذنت وقامت وانا حاسة انه الموضوع فيه حاجة.....
ليقطع استرسالها في الحديث صوت رنين جرس الباب المُلِحّ, فطالعت ساعة معصمها وقالت بتقطيبة حائرة:
- يا ترى مين هيجي لنا دلوقتي الساعة داخله على 12 بالليل؟
وضعت كوب الشاي الذي كانت تحتسيه فوق الطاولة الرخامية التي تتوسط غرفة الجلوس ورتبت بلوزة منامتها القطنية والتي تصل الى أردافها مرسوم عليها أحدى الأميرات, فيما يصل سروال المنامة الى ركبتيها, حاولت النظر من العين السحرية ولكنها لم تستطع رؤية أي شيء, فرفعت كتفيها باستسلام بينما تعالى رنين جرس الباب ثانية وبإصرار شديد فهتفت وهي تدير المقبض لفتحه:
- طيب طيب....
لتشهق من المفاجأة وترتد الى الخلف وهي ترى من ينتصب واقفا أمامها يكاد يفتك بها بنظرات الغضب التي تتطاير من بين فحم عينيه المشتعل وهمست بينما يلج هو الى الداخل لتحل أصابعه مكان يدها ممسكا بمقبض الباب ليغلقه خلفه وهو يركز نظراته التي تكاد تجلدها بسياطها عليها بينما تهمس هي بوجل وقلق من غضبه الوحشي:
- شـ... شهااااب!!


- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:14 AM   #18

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


16

وقفت سلمى عاقدة ذراعيها أمامها قاطبة جبينها بينما وقف شهاب على مسافة غير بعيدة عنها وهو ينفث نارا من فمه وأنفه على حد سواء فيما تلمع عيناه بشرر مستطير, بينما وقفت سلافة تنقل نظراتها الى اليمين حينا حيث تقف سلمى مشيحة برأسها الى البعيد مولية إياهما جانب وجهها, والى اليسار حينا آخر حيث ذلك التنين الغاضب, رسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها وهي تقول مرحبة بشهاب في حين كانت تسترق النظر الى أختها:
- أهلا يا شهاب, حمد لله على السلامة, ايه المفاجأة الحلوة دي؟!
تحدث شهاب بصوت خشن بينما عيناه مسلطتان على تلك العنيدة المشيحة بوجهها الى البعيد:
- الله يسلمك يا سلافة, هي المفاجأة حقيقي كانت بالنسبة لي أنا كمان!, بصراحة استغربت جدا لما عمي رؤوف قاللي انكم هنا في #مصر والدكتورة هي اللي جاية بيكم سايقة المسافة دي كلها لوحدكم..
تجاهلته سلمى تماما بينما استشعرت سلافة ذبذبات توتر تملأ الجو فأجابت محاولة التخفيف من حدة التوتر التي ملأت المكان من حولهم:
- بصراحة أنا السبب, فيه حاجات خاصة بشغلي كنت لازم أنزلها #مصر, وسلمى ما رضيتش تسيبني أسافر بالقطر لوحدي, فجينا سوا خصوصا أنها عارفة انه العربية هتريحنا جامد في المواصلات سواء للشركة عندي او المستشفى عندها..
قال شهاب وهو لا يزال يطالع تلك الباردة والتي كأنها تعاقبه ببرودها هذا:
- بس مش المفروض يكون فيه حج معكم؟, الطريق من كفر الخولي لهنا طويل أوي, والسكة مش أمان, أديكي شوفتي اللي حصل لراضي ابن عمي الله يرحمه, الموضوع مش مستاهل مجازفة..
مرة أخرى كانت سلافة من تجيبه وهي تنظر الى أختها برجاء أن تنطق ولو بحرف واحد:
- ما انت كنت في أسيوط يا شهاب, ومحبناش نقلق حد معانا, وبعدين بابا وافق, احنا جينا بالنهار ولما لاقينا الوقت إتأخر قلنا نبات هنا ونرجع بكرة الصبح إن شاء الله..
نظر اليها شهاب وقتها وسأل ببرود وهو ينظر اليها بغموض:
- وغيث؟
اضطربت سلافة لثوان ولكنها سرعان ما حاولت تمالك نفسها وأجابت بتلعثم طفيف:
- ماله غيث؟!
أجاب رافعا حاجبه بسخرية:
- ما قولتلوش ليه؟, غيث ميعرفش انك سافرتي انهرده واتفاجيء زيي تمام وعمي رؤوف بيقول قودامه لجدي انكم هتستنوا هنا انهرده وترجعوا بكرة, هو مش المفروض غيث دا يبقى خطيبك زي ما الهانم اللي واقفة هناك دي تبقى خطيبتي؟, يعني الأصول تقول اننا أول ناس نعرف انتو رايحين فين, ولا أنتو مالكوش كبير يا بنات عمي؟!
الى هنا ونست سلافة أي كلام عن احترام الضيف وطارت محاولتها لتهدئة الوضع المتوتر الذي يسود المكان أدراج الرياح والتفتت الى شهاب ناظرة اليه بسخط وهتفت بحدة:
- أولا أحنا كبيرنا بابا.. ربنا يخليه لينا, تاني حاجة بقه كون ان انت واخوك خطبينّا مش معناه اننا غنم ما نتحركش الى لو سمحتوا لنا, وبعدين عشان تعرف الخطوبة ممكن تتفشكل في ثانية مش عشان خطبتونا يبقى تحجروا على انفاسنا!
رفع شهاب عيناه ناظرا الى الأعلى وهو يهمس في سره:
- ربنا يكون في عونك يا غيث, هتتصرف مع المدفع السريع الطلقات دا ازاي؟!, ايه نار وهيت مرة واحده؟, والتانية واقفة زي التمثال, كمية برود ما حصلتش, بس أنا بقه هشوف أخر البرود دا ايه, وبالنسبة لك يا آنسة كبريت غيث أخويا هو اللي يشوف له صرفة معاكي!.
سكتت سلافة في انتظار سماع رده ولكنه وقف صامتا يطالع في لسمى التي بدأت واجهة برودها بالاهتزاز ما إن هاجمها هي وشقيقتها وفرحت عندما سمعت جواب أختها عليه, نظرت سلافة اليهما وزفرت حانقة وهي تقول بينما تهم بالانصراف:
- اليوم انهرده كان طويل أوي, وواضح كدا ان الليلة دي أطول, أنا هستأذن وأروح أنام خلي اليوم دا يخلص بقه!..
وانصرفت تاركة سلمى وهي تنظر في عقبها بينما شفتيها مزموتين حنقا من تركها لها بمفردها معه, نظر شهاب الى سلمى وقال ساخرا:
- ايه.. مش عاوزة تنامي انتي كمان خلي اليوم دا يخلص؟.
نظرت اليه لأول مرة منذ أن دخلا الى غرفة الجلوس سويةأو تحديدا منذ أن لحق بها الى هنا بخطواته الغاضبة, أنزلت ذراعيها جانبها وقالت ويه تحرك كتفيها بلا مبالاة:
- لما أكون عاوزة أنام هروح أنام مش هستنى عزومة من حد!, بس هو السؤال المفروض يكون...
وسكتت ناظرة اليه بحدة متابعة:
- انت مش شايف انه الوقت متأخر اوي على الزيارة؟, وبعدين بأي حق تيجي لنا في وقت زي دا؟, وزي ما سلافة قالت احنا واخدين الإذن من بابا غير كدا ما حدش له الحق يعاتب أو يلوم أو حتى يطالب بحق مش من حقوقه!..
اقترب منها شهاب قليلا وهو يردد مقطبا:
- إيه؟, مش من حقي اني ألومك انك خليتيني آخر من يعلم؟, مش من حقي أني أعاتبك انك بتتصرفي ولا كأن ليا أي صفة في حياتك؟..
ثم ارتفعت وتيرة صوته وهو يشير بسبابته اليها من أعلى إلى أسفل مردفا بنزق:
- مش من حقي أني أقولك ازاي يا هانم تسمحي لنفسك انك تفتحي الباب في وقت زي دا وانتى واختك لوحدكم لا.. وباللبس دا كمان؟, مش من حقي؟!..
ليصيح عاليا في آخر كلماته, فابتلعت ريقها بصعوبة محاولة تمالك نفسها وأجابت حانقة من نفسها لأنها أحست بالخوف لوهلة من صراخه بها:
- آه مش من حقك!, مش من حقك انك تعد عليّا أنفاسي يا شهاب, مش من حقك الحصار اللي انت عاملهولي دا؟, دا حتى الشغل.. حتى العيادة مش سايبني براحتي, أنا.. تعبت!, تعبت وأعصابي تعبت, عاوز تعرف بجد انا جيت من غير ما أقولك ليه؟.
نظر اليها مستفسرا فتابعت بابتسامة مريرة:
- جاية هربانه منك يا شهاب.. ارتحت؟!
قطب متسائلا بحيرة وقد خف غضبه:
- ايه؟, هربانه مني؟
أجابت بينما تشققت واجهة برودها بالكامل:
- أيوة, هربانة من حصارك ليا, شهاب انت مش مديني فرصة أعرف أنا عاوزة إيه بالظبط وأشوف أنا رايحه لفين؟, من ساعة ما اتقدمت لي وأنا حاسة كأن شريط فيديو بيمر قودامي بسرعة رهيبة, أنا كأني منقادة, مش بفكر بدماغي.. لأ, بفكر بدماغك انت وبعمل اللي عاوزه انت, وأنا مش كدا!, أنا طول عمري قراراتي بتكون نابعة مني أنا, حتى لو فيه قرار مش مقنع بالنسبة لبابا كان بيقعد ويناقشني فيه ويقنعني بوجهة نظره, لكن انت بتشدني في طريقك ومن غير ما تديني الفرصة اني حتى أسألك احنا رايحين فين ولا ماشيين إزاي, ودي حاجة عمرها ما حصلت معايا حتى لما كنت مخطوبة لأحمـ...
ليقطع شهاب المسافة الفاصلة بينهما في خطوتين اثنين ويغطي فمها براحته في أقل من الثانية باندفاع فاجئها وقبض بيده الحرة على ذراعها الأيمن ليهمس بغضب عنيف شرس يخرج من بين أسنانه المطبقة:
- جربي كدا تنطقي اسمه تاني أو تجمعي نفسك معاه في جملة واحدة وانت تشوفي اللي هيجرالك بجد!
كانت تنظر اليه بعينان مدهوشتان بينما غاصت عيناه في غابات الزيتون التي اشتد لونها دليلا على انفعالها, كانت انفاسها تخرج متقطعة تضرب يده, فيما استشعرت راحته ليونة شفتيها الناعمتين تحتها, فأزاح يده بتلكؤ بعيدا عن فمها لتسقط عيناه على ثغرها الوردي وتتهدج أنفاسه, بينما تقف بين يديه كالمشدوهة لا تعرف ماذا أصابها ما أن طالعت سرمدي عينيه, هي لا تريد هذا الشعور, إنه يخيفها وبقوة, فمعه لا تعرف موضوع قدميها, لم يسبق لها وأن اختبرت ارتفاع نبضات القلب بهذه الصورة, ولا شعرت بدمها يسل ساخنا في عروقها ليخضب وجنتيها بدماء الخجل وهي ترى نظراته التي تكاد تلتهم صفحة وجهها وهي ترتفع لتغوص في عينيها حينا ثم تهبط لتتلكأ على ورديْ شفتيها أحيانا!...
أسدلت أهدابها هربا من نظراته التي أشاعت الفوضى في أطرافها, بينما وقف هو مذهولا لا يستطيع تصديق ما حدث حالا!, ربّاه... لقد ضربته الحقيقة كالصاعقة ما أن أقترب منها حتى أصبح يشتم أنفاسها ليغرق بعد ذلك في زمرد عينيها, بينما يده تستشعر رقة عظام ذراعها أسفل قبضته, لقد أخبرته دقات قلبه المتقافزة عاليا عندما استشعر نعومة ثغرها الوردي تحت راحته, تلك الشرارة التي اندلعت في سائر جسده ما إن طالعته بتلك النظرة المشتتة الضائعة الأن وهي بين يديه سرقت قلبه, وجعلت حقيقة ما يشعر به تضربه كالصاعقة الرعدية بينما أضاء مسمى هذا الشعور في عقله كالبرق... فهذا الأحساس لا يوجد اسم صحيح له سوى... الحب!, نعم.. هو يحبها, يحبها بكل قواه, يحبها بكل دقة من قلبه تتلو اسمها وهي تتقافز في خافقه ما أن يراها, بل هو يكاد يجزم أنه قد تجاوز مرحلة الحب الآن الى... العشق!, نعم فهو يعشق كامل تفاصيلها, يعشق تقطيبة حاجبيها حنقا منه, يعشق برودها تلك القشرة تالواهية التي تغلف نفسها بها وهي لا تعلم أنه يعلم أي كيان هش تحاول حمايته ببرودها المفتعل ذاك!..
يعشق حتى أحرف إسمها... س ل م ى ....., أغمض عينيه مرددا اسمه بخفوت وكأنه يتهجاه ... بأحروف منفصلة.. س ل م ى ...
لتسمعه فتهمس بتساؤل رقيق:
- نعم؟.
فتح عينيه يطالعها بنظرات براقة وقد بدأت ابتسامة سعيدة في الظهور لترفع أعلى شفتيه المحاطتان بشارب ولحية خفيفة وأجاب:
- لا أبدا, بس كنت بدوق اسمك!, تصدقي اسمك طعمه حلو أوي!
حدقت به في دهشة وذهول وحاولت الابتعاد عنه محاولة جذب ذراعها من قبضته وهي تتمتم مفتعلة الحنق بينما خجلها ما يجعل الحروف تتعثر فوق لسانها:
- إنت.. إنت مش.. مش هتبطل......
ليقبض على ذراعها الحرة الأخرى جاذا اياها له وهو يجيب بابتسامة صغيرة ناظرا في عمق عينيها بنظرة جعلت دقات قلبها تتقافز بقوة حتى أن أنفاسها قد تعثرت:
- مش هبطل ايه ها؟, خطيبتي ومن حقها عليا أني أقولها كلام حلو... مش عيب ولا غلط أكيد..
همت بالكلام عندما فعل ما جعلها تشهق بدهشة و... خجل وذلك حينما أحنى رأسه ليستند بجبهته الى جبينها ويردف بزفرة عميقة:
- بلاش يا سلمى, بلاش تقولي حاجة تخرجني من الاحساس اللي انا فيه دا....
ثم رفع جبينه ناظرا اليها بعمق متابعا بينما تطالعه بنظرات حائرة:
- سلمى أنا مش ممكن هسيبك بعد ما لاقيتك, عارفة.. من أول يوم شوفتك فيه لما خبطنا في بعض وأنا حاسس انك سرقتي حاجة كبيرة أوي مني, بس ما كنتش عارف هي ايه, لحد ما عرفت.. وبالتحديد دلوقتي بس اكتشفت ايه اللي سرقتيه ومش هسيبك غير لما تديني المقابل ليه!.
قطبت قائلة بحيرة:
- هو ايه اللي سرقته؟, تكون محفظتك وقعتك وعاوز تلبسها فيا؟
زفر بيأس وحرك رأسه يمينا ويسارا بقلة حيلة وهو يجيب:
- أستغفر الله العظيم, سامحني يا رب...
ثم نظر اليها تابعا بحزن مفتعل:
- هو انا مش قلت لك بلاش تتكلمي عشان ما تخرجنيش من الحالة اللي انا فيها دي, سيبينا نعيش اللحظة يا سلمى!, محفظة ايه اللي سرقتيها بس؟, المحفظة وصاحب المحفظة تحت أمرك, اللي سرقتيه أكبر يا سلمى....
سكت لتنظر اليه بعينين متسائلتين فيتابع بهمس داعب أوتار قلبها:
- اللي سرقتيه قلبي... وقلبك هو المقابل ليه واللي مش هرضى بأي بديل غيره!..
شهقة خافتة دليل ذهول.. عدم تصديق... أو خجل صدرته عنها لتحاول الابتعاد عنه فتركها هذه المرة لتعود الى الخلف بضعة خطوات وهي تقول بارتباك:
- شهاب.. شهاب احنا لسه معرفناش بعض كويس عشان الاحساس اللي انت بتتكلم عنه دا, احنا...
هتف مقاطعا بحنق وهويراها تحاول الهروب من مشاعره الواضحة وضوح الشمس:
- احنا ايه يا سلمى؟, انا كنت واضح معاكي من الآول, قلت لك بيننا حاجة مش مستعد أضيعها لغاية ما اعرف هي ايه, بالنسبة لي أنا عرفت واتأكدت من اسمها, وانا قوي كفاية اني أواجه نفسي انه الشيء اللي كنت بسخر منه طول عمري حصل... وحصل بقوة كمان, لكن يا ترى انتي هتكوني قوية وصادقة مع نفسك وانتي بتواجهيها؟, ولا هتعملي نفسك مش واخده بالك؟..
تأتأت هامسة:
- أنا.. أنا...
زفر عميقا وقال وهو يبتعد عنها:
- خدي وقتك كله يا سلمى أنا مش هستعجلك, لكن...
وسكت رافعا سبابته أمامها مردفا بقوة وعيناه تلمعان بشدة وكأنه سيدلي بقسم عظيم:
- أنا مش هبعد, مش هسيبك تضيعي أحلى حاجة ممكن نعيشها سوا, ولو الحصار اللي هيخليكي تواجهي نفسك بسرعة بدل ما الأيام تضيع يوم ورا التاني واحنا لسه محلك سر.. فأنا هحاصرك... مش بس بوجودي حوالي كلأ... هحاصرك بوجودي وبكلامي و...بقلبي يا سلمى لغاية ما ترفعي الراية البيضا!..
هربت سلمى بعينيها فأردف بغرض اضفاء بعض المرح الى محادثتهما التي تسببت في توترها الظار بوضوح:
- ممكن بقه تعطفي على ابن عمك وتجيبي لي مخدة أو أي حاجة أنام عليها؟, أنا من امبارح من نمتش وحتى بعد ما رجعت من اسيوط وعرفت انكم هنا ما استنتش وطلعت على طول عليكم...
ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:
- طيب مش جعان؟, تتعشى الأول؟
شهاب وهو يتمطى بتعب:
- بصراحة يا سلمى أنا جعان نوم...
همست سلمى وهى تنصرف:
- تمام, ثوانى أجيب لك مخدة ...
عادت بعد ثوان حاملة لوسادة قطنية وملاءة ومنامة لوالدها ومدتهم اليه فتناولهم شاكرا لها بابتسامة عميقة أظهرت نغز ذقنه البارز, قالت سلمى وهي تهرب بنظراتها خجلا من نظراته الجريئة وكأنه بعد تصريحه الذي ألقاه في وجهها قد هدم جميع الحواجز التي كانت بينهما ليقوم بمحاصرتها تماما كما وعد!, قالت سلمى:
- ثوانى وراجعة...
لتعود بعد دقائق حاملة صينية عليها كوب من الحليب الدافيء وبعض الشطائر, وضعت الصينية فوق الطاولة الصغيرة ثم قالت وهى تشير اليها:
- اشرب كوباية اللبن وكول الساندوتشات عشان تعرف تنام, لو نمت جعان هتقلق بعد شوية ومش هتعرف تنام كويس..
اقترب منها ينظر الى الصينية وما رصّ عليها من عشاء سريع ليرفع عيناه اليها بينما تنظر هي الى البعيد ويقول بهمس:
- طيب دا هيسكت جوع بطني, لكن فيه جوع تاني بقه مهما عملت مش بيسكت...
نظرت اليه حائرة والتي انجلت ما ان سمعته يتابع بمكر غامزا بشقاوة وهو يميل عليها هامسا في أذنها:
- جوع قلبي!..
لتشهق مبتعدة وهي تغطي فمها بيدها:
- هاااااا...
ثم وبدون وعي منها ضربته بيدها على كتفه بقوة وهتفت به بحنق وغضب فيما تسرع بالانصراف:
- انت فعلا وقح وقليل الأدب وسافل كمان, وان شاء الله قلبك هيفضل جعان كدا لغاية ما يجيلو مجاعة وما تلاقيش اللي يعبره بنظرة واحدة حتى!..
سارع بالقبض على معصمها بينما تمر من جانبه ومال عليها قائلا بابتسامة مصطنعا البراءة:
- وأهون عليكي؟..
ليردف بصوته الهامس المغلف بتوق ليرسل ذبذبات من التوتر بينما تتسارع نبضات قلبها حتى كادت تخرج من بين جنبات صدرها:
- وأنا مش عاوز يعبرني بنظرة غير عينيكي انتي وبس, وأنا متأكد اني مش ههون على قلبك, عارفة ليه؟
رفعت عيناها بتساؤل فتابع:
- لأنه حبيبي....
همهمت بأن موعد النوم قد حان مرددة تحية المساء, فرفع يدها التي لا تزال في قبضته مقبلا راحتها بدفء وهو يجيب :
- وانت من أهله...
سحبت يدها وانصرفت سريعا بينما لاحقت عيناه طيفها حتى اختفى تماما في حين وقفت هي خلف باب غرفتها ممسكة بيدها التي لا تزال تلسعها من حرارة شفتيه بيدها الاخرى وتشعر ان قلبها قد أوشك على الوقوف من شدة الانفعالات التي تمور به وهمست في سرها:
- واخدني على فين يا شهاب؟, ويا ترى ايه اللي مخبيلي معاك؟!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
بدآ رحلة العودة الى كفر الخولي في الصباح الباكر مستقلين سيارة شهاب والذي صمم على ترك سيارتهم وعندما عاندت سلمى مخبرة إياه أنه لا بد من وجود السيارة معهم تحسبا للظروف أجاب بهدوء مخالف لطبعه الحاد أنه سيتكفل بإحضارها الى البلدة...
كان شهاب يسترق النظر الى تلك الحانقة الفاتنة التي تقبع في الكرسي بجواره بينما احتلت سلافة المقعد خلفها, منذ أن رآها في الصباح وهي تتعمد التهرب منه حتى عندما صمم على الرجوع برفقته جادلته أول الأمر بحدة لم تلبث أن خفتت عندما رأت أختها وهي تقتنع برأيه, تبادل الأحاديث الخفيفة مع سلافة بينما تجهلت سلمى الدخول في أي حوار وباءت جميع محاولاته لإشراكها في الحديث بالفشل بينما لمس روح سلافة المرحة عن قرب ولكنها أيضا تملك من العناد والانفعال الزائد ما يجعله يشفق على غيث شقيقه ولكنه يعلم جيدا أنه جدير بترويضها تماما كما هو جدير بغزالته البريّة!!..
بينما كانت هي تشعر بالحنق منه ومن نفسها ومن الأمر ككل!, رباه لقد تعمدت الاعتماد عنه حتى تفكر بصفاء ذهن في أمر ارتباطهما ولكنه بحضوره المباغت ليلة أمس وبحديثه الأكثر غرابة تسبب في تشتيت ذهنها فلم تعد تعلم ماذا تريد حقيقة, هل هي تريد منه الابتعاد فعلا.. أم تريده أن ينفذ وعده لها ويثبت صدق أحساسه والذي تشي به عيناه!!..
بينما شردت سلافة بالأمر الذي أخبرتها به صديقتها مريم, مريم هي صديقتها وتوأمة روحها, بدأت صداقتهما صدفة حيث كادت سلافة أن تضربها بسيارتها فقد كانت حديثة العهد بالقيادة وكان والدها قد ابتاع لها سيارتها كهدية دخولها الجامعة, كانت شغوفة بالقيادة السريعة, وكنتيجة طبيعية لسرعتها العالية وحداثة تعلمها القيادة كادت تتسبب بحادث سير مروع عندما تفاجئت بمريم أمامها فضغطت مكابح السيارة فجأة لتفاجأ بسقوط مريم أمام سيارتها,, ترجلت من السيارة سريعا وبعد أن ساعدتها بالنهوض ذهبت بها الى المشفى حيث تبين وجود شرخ في قدمها, واحتجزت بالمشفى ولم ترغب مريم بعمل بلاغ للشرطة, فمما رأته أمامه فسلافة كانت على وشك الانهيار وانهالت عليها بوابل من الاعتذرات, بينما أنبتها مريم لتهورها بالقيادة, ولم ينس رؤوف ولا ألفت حسن صنيع مريم فشخص آخر كان قد صمم على تقديم بلاغ في ابنتهما او على احسن حال كان طلب نقودا في سبيل تنازله عن الشكوى ضدها..
وبدأت صداقتهما بعد ذلك لتصبح مريم ابنة ثالثة لرؤوف وكان والدها قد توفى وهي لا تزال في التعليم الثانوي فشعرت به يعوضها حنان والدها المتوفي, كانت مريم قد أنهت دراسة كلية التجارة ( تجارة – لغة إنجليزية ) ولتقوم بسلافة بتقديم أوراقها للعمل بالشركة التي تعمل بها الأخيرة, ووقد ساعدها تقدير مريم في التخرج بامتياز ولكنها رفضت التعيين كمعيدة بالجامعة مفضلة العمل الحر فالمرتب الحكومي لا يكاد يكفي الخبز اليابس!, وبالفعل تم قبولها بعد أن اجتازت وبنجاح كبير سلسلة الاختبارات التي مرت بها, لكي يتلازما فلا تكادان تفترقا الا وقت العودة للمنزل واحيانا كثيرة كانت سلافة تصاحب مريم الى منزل الاخيرة وتقضي باقي اليوم برفقتها....
كانت سلافة قد هاتفتها قبل مغادرتها القاهرة و عرضت عليها أن تأتي معهم وأنه مرحب بها معها ولكن مريم رفضت وأخبرتها أنها لن تهرب بل هي باقية لتواجه ما ستأتي به الأيام, ولكن أكثر ما يثير قلقها أنها أخبرتها عن تأخر موعد مقابلتها للنائب العام لظروف طارئة كما أخبرها المحامي والذي عرض عليها إعطائه ما تملكه من أدلة تدين ذلك المشفى ليقوم بحفظه في مكان آمن ولكنها رفضت قائلة لسلافة:
- انا مش هدي الحاجة دي لمخلوق غيري أنا وانتي يا سولي, شريف المحامي أنا مش بشكك فيه ولا حاجة لكن أنا لازم أحتاط للظروف كلها, ادعيلي انتي بس...
والآن وهي في طريقها الى بلدتها يلهج لسانها بالدعاء لصديقتها الروحية بأن يحفظها الله ويعينها على اكمال ما بدأته...
وصولوا قرابة الساعة الثانية ظهرا, نظر شهاب الى سلمى والتي لم تتبادل معه كلمة واحده طوال رحلتهم التي استغرقت ما يقرب من خمس ساعات وقال بابتسامة خفيفة:
- حمد لله على السلامة...
همهمت بخفوت فخمّن أنها ترد تحيته, والتفت الى سلافة قائلا:
- حمد لله على السلامة يا سلافة....
زفرت سلافة بغيظ وأجابت بتكشيرة:
- الله يسلمك..
لتترجل من السيارة صافقة الباب خلفها ,فينظر الى سلمى هاتفا بدهشة:
- ودي مالها دي؟
كانت أول ابتسامة يراها تنير وجهها وان كانت ابتسامة خفيفة لتقول بعدها:
- انت مش ملاحظ انك مش بتقولها غير سلافة سلافة؟.
ابتسم وهو يرى ابتسامتها التي اشتاق اليها وأجاب وهو يشكر سلافة في ضميره التي كانت السبب وان بشكل غير مباشر في هذه الابتسامة التي ترتسم على وجه مشاكسته الحسناء:
- هي مش اسمها سلافة؟.
سلمى ناظرة اليه مجيبة بتلقائية وقد نست سبب غضبها منه:
- انت عارف كويس أوي ان سلافة مش بتحب حد يناديها باسمها, عادتها لك في المرات اللي قبل كدا, لكن أنا عارفة اختي كويس أوي.. في حاجة شغلاها وطالما المود بتاعها مش اللي هو يبقى غلطت غلطة عمرك لو قلت لها سلافة, عاوز تبعد عن المشاكل يبقى سولي وما فيش غير سولي!..
صدحت ضحكته عاليا ما جعلها تبتسم بالمقابل لينتبه لشرودها في وجهه فمال عليها هامسا أما وجهها بابتسامة #حب:
- عشان خلّيتك تبتسمي وتتكلمي معايا ليها عليا أقولها يا أحلى سولي.
نظرت اليه بنصف عين وأجابت بحدة رغما عنها:
- مش أوي كدا..
همس بابتسامة وغمزة ماكرة:
- إيه.. بنغِير ولا إيه؟.
رمقته بحنق وقالت وهي تفتح الباب المجاور لها لتترجل من السيارة:
- ليه ان شاء الله هغير من مين؟, سلافة!, دي زيي تمام, قال غيرة قال....
وترجلت صافقة الباب خلفها في حين ضحك ضحكة صغيرة وقال وهو يلمح طيفها يتهادى حتى اختفى وراء الباب الخشبي الواسع لقصرهم العامر:
- هتروحي مني فين؟, وراكي لغاية ما تعترفي وتقري على نفسك باللي في قلبك ورافضة تسمعيه..
-------------------------------------------------------------
تجمعت العائلة حول مائدة الغذاء والتي غاب عنها شخصين, غيث وأمه, فأما راوية فمنذ غضب عثمان منها وبأمر منه فإنه لا تتواجد في مكان يكون هو فيه, أما غيث فقد آثر ألا يكون موجودا عند عودتهم فهو يشعر بغضب عنيف لم يسبق له وأن مر به من قبل, ولكنها تلك الجنية الصغيرة من تبدع بإخراج أسوأ ما فيه!..
انفردت سلافة بوالدها لتسرد عليه ما كان من أمر مريم وبعد أن انتهت نظر اليها قائلا بذهول وأسى:
- معقول أي بنتي اللي انتي بتقوليه دا؟, لا حول ولا قوة الا بالله.. ربنا معها وهينصرها هي وخطيبها ان شاء الله, عموما عاوزك تكلميها كل شوية تطمني عليها والحاجة اللي سابتها معاكي لو عايزة هاتيها انا هشيلها بمعرفتي..
سلافة بابتسامة صغيرة:
- لا يا بابا أنا هخليها معايا, ادعي لها بس يا بابا...
قاطع حديثهم صوت ألفت تنادي لينضموا الى الجميع فيلا احتساء الشاي, فقالت لوالدها سريعا:
- بابا لو سمحت الموضوع دا بيني وبين حضرتك مش عاوزة حد يعرفه ولا حتى سلمى ولا ماما, حضرتك عارف هما بيحبوا مريم أد ايه دا غير انهم هيقلقوا عليا...
رؤوف بابتسامة صغيرة بينما يتجه معها الى الخارج:
- ولا يهمك حبيبتي...
حضر غيث أثناء احتسائهم الشاي وألقى بالتحية الى الجميع متجاهلا سلافة التي نظرت اليه من خلف جفونها مغتاظة فهو قد رحب بعودة سلمى ولم يوجه اليها أي حرف!, ثم هزت كتفيها بلا مبالاة متمتمة في سرها أنه لا يعنيها في شيء سواء رحب بها أو لا, التفت رؤوف الى شهاب قائلا بينما يتبادل كلا من الجد والجدة النظرات المرحة الخاصة بغيث وسلافة:
- صحيح يا شهاب هتعرف تجيب عربية سلمى ازاي؟
شهاب وهو يضع كوب الشاي جانبا:
- هبعت راجل من رجالتنا وأديلو العنوان عشان يجيبها...
ثم نهض متابعا:
- معلهش أستأذن انا محتاج أنام شوية..
علقت الجدة بحنان:
- اتفضل يا بني, نوم العوافي..
بينما قفزت سلافة واقفة وهتفت به وهي تضع كوب الشاي فوق الطاولة الصغيرة التي تتوسط الجلسة:
- شهاب معلهش عاوزاك في خدمة..
ليلتفت اليها شهاب بتقطيبة حائرة وبابتسامة صغيرة أجابها بينما يوجد آخر يتابع ما يحدث أمامه بينما بدأ اعصار غضبه النادر بالهبوب داخله:
- اتفضلي يا بنت عمي...
سلافة بابتسامة تلقائية جعلت وجهها يزداد فتنة بينما سلط غيث نظراته على ثغرها الوردي هاتفا بداخله أنها لم يسبق لها وأن منحته ابتسامة واسعة كتلك حتى بعد أن وافقت على ارتباطهما, سمعها وهي تقول بدلال محبب:
- ممكن بدل الراجل تبعت راجلين؟, واحد عشان عربية سلمى والتاني عشان عربيتي...
ضحك شهاب وقال بابتسامة مرح:
- يا سلام.. غالي والطلب رخيص, نبعت رجلين, حاجة تانية يا... سولي!.
الى هنا ونفذ صبر غيث الذي هب واقفا ليلفت أنظار الجميع فقال بتلكؤ وهو يهم بالانصراف:
- أني ماشي, عن إذِنْكُمْ...
وانصرف تاركا شهاب ينظر في أثره بريبة لتحين منه التفاتة الى سلمى فيجدها مسلطة نظراتها عليه في حدة وحنق, فما كان منه الا أن بادلها النظر بتحد ثم غمزها خفية عن الجميع بخبث قبل أن ينصرف مغادرا الى غرفته...
كان غيث جالسا تحت الشجرة حيث مكانه المعتاد في الحديقة كلما صادف أمرا يقلقه أو.. يغضبه, وعلى هذه الحالة وجدته سلافة وهو يمسك غصنا بيده يقوم بثنيه بين يديه, كانت سلافة قد خرجت للسير في الحديقة عسى هواءها الطلق أن يهدأ بالها عندما لمحته, علمت أنه قد رآها ولكنه أشاح عنها متجهلا لها عن قصد, فسارت اليه بتحد ووقفت أمامه قائلة:
- ايه يا ابن عمي, قمت وسبت القاعدة عشان تيجي تقعد لوحدك هنا؟, انا افتكرتك تعبان زي شهاب..
لينكسر الغصب بين يديه ويلقي به بقوة ثم ينهض ناظرا اليها بغضب يلمع بين فحم عينيه المشتعل وهو يجيبها بينما أتون غضبه يوشك على الانفجار:
- أحسن لك ما تجيبيشي طاري خويْ واصل, كفاياكي اللي حوصل منٍّيكي, خليني ساكت أحسن لك يا بت عمي..
قطبت سلافة مستهجنة ووضعت يديها في منتصف خصرها هاتفة بحنق:
- نعم؟, هو ايه دا اللي حصل ويعني ايه تسكت لي؟
أجاب غيث مقلدا صوتها وهي تطلب من شهاب أحضار سيارتها هي الاخرى من القاهرة:
- ممكن يبجوا رجلين يا شهاب..., وهو يجولك حاجة تانية يا سولي!, لا تكوني ناسية انك خطيبتي أنا مش هوّ, وبعدين تعالي إهنه.. انتي كيف تسافري مُصر من غير ما تجوليلي؟, ايه مش مالي عينك إيّاك؟
زفرت سلافة بحنق وأجابت:
- الله جرى ايه يا غيث انت قلبت في كله مرة واحدة ليه, اولا شهاب نادى لي بإسمي اللي كلكم عارفين اني بحب أتنادى بيه, وانا متأكده ان سلمى اللي لفتت نظره لكدا, حكاية #مصر انا مش شايفه فيها حاجة أبدا, بابا وعارف يبقى أقولك ليه؟, احنا لسه مش مخطوبين رسمي, لما تبقى رسمي وقتها يبقالك الكلام..
كشر غيث هاتفا بنزق:
- يا سلاااام, يعني هو الخاتم اللي عيخليني عريسك صوح؟, طب شوفي يا بت عمي.. جوصر الكلام انت اسمك سلافة, اسم الجلع اللي انتي بتجوليه ده مش مسموح لحد انه ينادم عليكي بيه واصل, واحد بس اللي مسموح له...
نظرت اليه هاتفة بحنق:
- يا سلام.. ومين الواحد دا بقه ان شاء الله؟
لينظر اليها بتركيز مجيبا بثقة:
- أني.. جوزك!.
لتبهت وتسدل ذراعيها بجوارها ويتخضب وجهها بدماء الخجل بينما يتابع هو بلهجة حازمة:
- تاني حاجة بجه.. رجلك ما عتخطيشي برّات البلد من غير ما أعرِفْ.. ماذا وإلا يا سلافة هحبسك في دارك وما عخلكيشي تشوفي السمس حتى..
أشاحت بيدها في وجهه صائحة:
- ايه.. ايه.. حيلك حيلك.. انت فاكر نفسك مين؟, الحاكم بأمر الله!.
قبض على يدها المشهرة في وجهه بقوة واقترب منها وأجاب بقوة بينما تداخلت أنفاسهما الثائرة سوية وهو يجيبها بقوة وعيناه تنظران بعمق الى ليل عينيها السرمدي:
- لع... أني مش الحاكم بأمر الله, أني أبجى... زوجك يا بت عمي!.
حاولت جذب يدها من قبضته لتشتد قبضته لها فأنت بألم ثم هتفت به:
- سيب إيدي, وطالما هي عافية بقه.. يبقى انسى خالص انه يكون في جواز بيننا...
ليميل عليها فتضرب أنفاسه الساخنة صفحة وجهها حتى أنها شعرت بلسعة حارقة في بشرتها وقال بينما قد اشتعل فتيل غضبه ليهب اعصاره عاليا يطيح ما يقف بطريقه:
- نجوم السما أجرب لك يا سلافة, وعلمن يصلك ويتعداك.. انتي خطيبتي وأني مش هوافج ع الخربطة اللي بتخربطيها ديْ, مش عشاني راجل وما عاوزشي أكون شخشيخة في يد مرتي تجولي نفضها سيرة, عمي اللي هو بوكي ذات نفسه لو عرف انك سافرتي من غير ما تجوليلي أول واحد عيلومك, لأنه اللي عرفته يا بت عمي انك واختك ما عرفتهوش انه اني واخوي مش عارفين, هو كان فاكرنا عارفين, يا ترى بجه لمن يدرى بكدبكم عليه وعلينا هيتصرف فيكم امعاكم؟
هتفت سلافة بنزق:
- احنا ما كدبناش, هو بابا ما سألنا ش اذا كنا قلنالكم ولا لأ, فسكتنا, لو كان سأل كنا هنقوله طبعا...
غيث ساخرا:
- هو ما سعلكومش عشان عارف انه بالعجل اكده اكيد جولتولنا, جوصر الحديت,... كلامك الماسخ عن فض الخطوبة والخرابيط ديْ تنسيها خالص, وعشان تبجي عارفة اني هفاتح عمي رؤوف اننا نكتبوا مع شهاب وسلسبيل, اللي كنت خايف منيه حوصل, كل ما هيحصل بيننا خلاف هتنطي تجوليلي نفضوها, لازمن أتوكد انك مش هتجلي عجلك وتعمليها..
نست سلافة ألم يدها التي لا تزال قابعة بيده وهتفت برجاء:
- لا يا غيث بلاش, كتب كتاب لأ, صدقني مش في مصلحتنا احنا الاتنين, لو صممت يا غيث هبتدي أقلق بجد أنا ما صدقت ابتديت أهدى شوية من ناحية ارتباطنا, وصدقني لو قلقت هبتدي أفكر وأوسوس, وساعتها ممكن فعلا أكمل بابا واقوله مش عاوزة أكمل..
همس غيث امام شفتيها بينما خفف قبضته لا شعوريا وبدأ ابهامه يداعب ظهر يدها بدون وعي منها مثيرا أحاسيس شتى في داخلها:
- انتي ليه مش جادرة انك تحسي بالنار اللي بتجيد جواتي كلما بشوفك بتضحكي مع حد تاني حتى لو كان خوي ولد أمي وأبوي؟, لساتك مش عارفة اني متمسك بيكي ورايدك جد ايه يا بت عمي؟, هجيبهالك على بلاطة يا بت عمي... لمن تزعلي مني اعملي ما بدا لك, ازعطي, اتخانجي, خاصميني, أي حاجة أنا جابلها منيكي لكن اوعاك يا سلافة.. اوعاك تفكِّري ان اللي بيناتنا ديه ممكن ينتهي كيف ما بتجولي, ولغاية آخر نفس في صدري يا بت عمي.. مش هفوتك واصل, يستحيل يا سلافة..يستحيل..
لتهر بعينيها منه مسدلة رأسها الى الأسفل فيرفع ذقنها اليه يطالعها بنظرة تحكي الكثير ويهمس برجاء:
- افتحي عينيكي يا سلافة..
لتنصاع رغبته بدون وعي منها فتصطدم نظراتها بأخرى رمادية جعلتها تتيه في سماءها بينما أردف هو بتوق يغلف صوته:
- أحلى عيون عمري ما شوفت زييها..
ثم سحب يده بتردد طفيف, لتبتعد عنه عدة خطوات بينما وقف ينظر في أثرها بينما حاربت نفسها كي لا تلتفت إليه فلو فعلت فستعود أدراجها إليه بل إنها قد توافق على جنونه في عقد القرآن....
يوم الزفاف:
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxx تم عقد قرآن سلسبيل وزفافها على ليث وسط العائلة, وتم أطلاق أعيرة نارية اعلانا عن انتهاء عقد القرآن ولكن غاب الفرح عن وجوه الحاضرين والذين لم يكونوا سوى أفراد العائلة فقط, بينما لم تهبط سلسبيل من غرفتها بالأعلى فقد حضر غيث وأحد من الشهود لسماع موافقتها وذيلت اسمها على عقد النكاح, ومال غيث على جبينها يقبله وتركها لتتجهز لرؤية زوجها.. ليث!.
كان بصحبتها سلمى وسلافة وهند ابنة خالتها زينب, كان شهاب قد قام بتأجيل عقد قرآنه على سلمى ليكون مع غيث في ليلة واحدة, وبما أن سلافة لا تزال تماطل في تحديد موعد عقد القرآن فسلمى سعيدة للغاية بهذا التأخير خاصة وأن شهاب قد غيّ{ من طريقته معها فأصبح مهادنا معها زيادة عن اللازم, ويكثر من كلماته الحنون وعبارت الغزل حتى أنها أصبحت تتفادى المكوث معه بمفردهما!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
في جناح العرائس بمنزل عدنان:
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xx*
كان قد تم تجهيز جناح للعرائس سلسبيل وليث بعيدا عن جناحها القديم, فكان الجناح عبارة عن غرفة ليث وقد ضم لها غرفة أخرى بجوارها وتم تغيير أثاث اغرفة بالكامل ودهانه بلون السماء الصافية..
دلف ليث الى الجناح بعد الانتهاء من طعام العشاء وقد استأذن الرجال بالانصراف بينما بقيت بعض النسوة مع والدته التي يرى فرحتها وهي تتقافز في عينيها, أغلق الباب خلفه مستندا عليه زافرا بتعب, ليسمع صوت خطوات ضعيفة, لو كانت تلك الخطوات لشخص آخر لم يكن ليسمعها فهي لا تماد تصدر صوتا, ولكنها خطواتها هي, كيف لا ينتبه اليها, فتح عينيه لتطالعه هيئتها بثوب أسود طويل ووشاح أسود تلفه حول شعرها الذي طالما هاجمه في أحلامه منذ أن رآه آخر مرة قبل أن تتحجب عنه وكانت وقتها ابنة العشر سنوات!..
تقدم منها وهو يقول ببرود:
- هدخل أتسبح وآجي..
ما ان خطى خطوتين مبتعدا عنها حتى سمع صوتها مناديا له بنبرة أراداتها قوية فخرجت مشروخة:
- ولد عمي...
ليلتفت اليها ناظرا الى عينيها لأول مرة منذ دخل الى غرفتهما ليصعق من حجم الكراهية التي تشع منهما, حاول اعتماد البرود وأجاب بجمود:
- فيه حاجة يا بت عمي...
سكتت قليلا قبل أن تجيبه محاولة اضفاء الثقة على صوتها الذي خرج محملا بما تجيش به نفسها من كره لهذا الوضع الذي اضطرت للقبول به:
- احنا زواجنا باطل!..
التفت اليها بعنف واقترب منها بخطوات بطيئة وهو يردد باستنكار:
- باه, انتي اتجنيتي اياك؟!, كيف يعني زواجنا باطل؟, أني زوجك على سنة الله ورسوله وعلى يد مأذون وبموافجة بوكي واتنين شهود كومان, كيف يبجى باطل؟
لتشعر بثقتها تعود اليها بعد أن أطلقت للسانها العنان فهم إذا كانوا قد أجبروها على الموافقة على هذه الزيجة فستكون بشروطها هي!, أجاتب بثقة:
- بس أهم موافجة ما حوصلتش.. أني موافجتش ع الزواج منيك يا ولد عمي!.
قطع الخطوات الفاصلة بينهما في خطوتين وانقض قابضا على ذراعها بعنف بينما برزت عروق رقبته تعبيرا عن غضبه الوحشي لترتعش عيناها وهي ترى أمامها ليث الذي كانت تهرب كلما صادفته في طفولتها, كانت تخافه وتخشاه وتتحاشى التواجد معه في مكان واحد, وعندما تقدم راضي لخطبتها كانت تحمل هم العيش معه تحت سقف واحد ولكنه أغلب أوقاته كان يقضيها خارجا فلم تكن تصطدم به, ولكن الآن فلديه ورقة تمنحه الحق المطلق بالتعامل معها كيفما يشاء, هزها ليث بقوة هاتفا بها:
- انتي معترديش ليه؟.
ازدرت ريقها وأجابت محاولة تمالك نفسها:
- انت خابر زين اللي حوصل, بوي واخواني اللي جبروني ع الزواجة ديْ, ولومن خوفي تاخدوا مني اصغاري ما كنتش وافجت واصل, يعني من الآخر.. انت زوجي جدامهم وبس كيف ما كانوا رايدين, لكن بيناتنا أنت ولد عمي بس...
نفض ليث ذراعها من يده بقوة واستدار موليا اياها ظهره قابضا على يده بشدة وهو يهتف بها من بين أسنانه:
- سلسبيل.. روحي جوة دلوك, ابعدي من وشي الساعة دي أصلح لك..
سلسبيل بتلعثم طفيف ولكن لا بد لها من قول ما يؤرق مضجعها:
- أني مصممة على كلامي يا ولد عمي, شعري ما عينفردش على مخدتك واصل... أني.. أني مش خاطية, ولو حوصل حاجة هتبجى غلط وحرام كومان!!...
التفت اليها وهم بالصياح ولكنه تذكرأن هناك نساء بالاسفل’ فقال بشراسة مخيفة وصوت منخفض ولكنه يبعث الرجفة في الاوصال:
- احمدي ربك انه في حريم تحت, وما عاوزشي صوتنا يوصل لهم, ولا كنت خليتك تبلعي كلامك الماسخ ده, وبعدين مش ليث الخولي اللي عيفرؤض تفسه على حرمة.. حتى لو كانت حرمته ومعاه ورجة رسمي اتخليه ياخد هو اللي عاوزه منيها, بس أني يا بت عمي... ما عاوزشي, النفس عافتك!..
واتجه الى الحمام الملحق بالجناح صافقا الباب خلفه بعنف بينما لا تعلم سلسبيل أتفرح لابتعاده عنها وتسبب كلماتها اليه بأن زهدها أم تحزن لأنها قد كسرت برجولته ويه ترمي اليه بنفورها منه فهو أولا وأخيرا ابن عمها وعم أولادها..
فيما بالداخل وقف ليث يمرر أصابعه في شعره بحدة وانفعال ثم تمتم بينه وبين نفسه بألم:
- ليه يا سلسبيل ليه, بكفاياكي رش الملح ع الجرح يا سلسبيل بكفاياكي!!..
وهبط بقبضته على الجدار الرخامي للحمام ليفرغ شحنة الغضب بداخله فيتشقق الرخام وتنزف يده بينما هو غير واع سوى لعينين سوداء كحيلة قد صرعته منذ زمن... تحديدا منذ أن كانت تركض في الأنحاء بجديلتيها الطويلتين خوفا منه ما ان تراه بينما يضحك ساخرا منها ويسارع بجذبها من جديلتيها ويرفعها الى أعلى وهي تركل بقدميها هاتفة برجاء لينزلها, فيسارع بإنزالها ثم يقبلها فوق جبينها هي ابنة الخمس سنوات وهو اين الخامسة عشر عاما ويهتف بداخله:
- امتى الايام تفوت جوامك يا سلسبيل وتكبري ووجتها لمن هرفعك بين يديني معفوتكيش واصل!..
ولكنها لم تكن أبدا له... فقد كانت لشقيقه الراحل حيّاً و... ميّتاً!!




- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:15 AM   #19

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


17

صوت طرقات على الباب أيقظته من نومه المتململ ليفتح عيناه ويطالع للحظات في سقف الغرفة ثم يعي لصوت الضربات المتتالية, فرك وجهه براحته الخشنة واعتدل من نومته الغير مريحة فوق الأريكة العريضة بالصالة الخارجية لجناحه هو وسلسبيل, وعى لصوت والدته وكأنها تحدث أحدا معها فقفز ناهضا من فوره وأخذ يلملم حاجياته المبعثرة يمينا ويسارا حيث قضى ليلته بعد أن هربت عروسه في الليلة السابقة الى غرفتهما وأغلقت الباب عليها, صاح قائلا وهو يرتدي ثوبه الكتاني:
- دجيجة يا أم ليث...
واتجه من فوره الى الغرفة وطرق الباب عدة مرات ولكن ما من مجيب فهمهم بحنق:
- نومة أهل الكهف ولّا إييه؟.
ثم نادى بصوت منخفض كي لا يصل الى أسماع والدته:
- سلسبيل, جومي كفاياكي نوم.. أمي إهنه..
ولكن ما من مجيب بينما الطرقات تتعالى خارج الغرفة فلم يجد بدًّا من فتح الباب ودخل سريعا وهو يقول بلهفة:
- سلسبيل, جومي, سلسبـ...
لتقف باقي الكلمات في حلقه عندما تفاجأ بما يراه أمام عينيه!, كانت سلسبيل والتي جافاها النوم حتى ساعات الصباح الأولى تنام مفترشة السرير الواسع, كانت ترقد على جانبها الأيمن مولية ظهرها للباب بينما افترشت خصلات شعرها السوداء الوسادة جانبها وانسدلت اسفل ظهرها حتى وصلت الى الأرض!بينما كان الغطاء محسوراً عنها ليبرز ساقيها السمراوين بشكلهما الأنثوي الجذاب, وكأن لقدميه إرادة خاصة بهما فسارت به بدون إدراك منه حتى وقف بجانب الفراش تماما بينما تعتلي وجهه نظرات الذهول في حين قد اشتدت ضربات خافقه حتى شك أنه قد يقف في أي لحظة!, تحدث بصوت خرج مرتعشا رغما عنه وهو يدعو في سرّه أن تنتبه سريعا وإلا فهو غير مسؤول عما سيحدث ان استمرت في نومتها هذه وكأنه تدعوه لينضم اليها:
- سلسبيل, جومي...
لتصدر منها همهمة خفيفة ثم وكأنها لم تكتف ببعثرة حالته التي هو عليها, اذا بها تنقلب على ظهرها ليظهر وجهها أمامه مغطى ببعض الخصلات الطويلة, ليمد يدا ترتعش ويزيحها جانبا ليطالعه وجهها الفاتن, رباه.. كم تمنى أن يكون وجهها هو أول شيء يراه ما إن يصحو من نومه وآخر شيئا يراه قبل أن ينام, وبأصابع ترتعش إثارة وشوقاً لم يستطع ردع نفسه وهو يستكشف حنايا وجهها بتوق شديد, ليلامس جبينها نزولا الى رموش عينيها الغزيرة ثم أنفها الصغير الدقيق ثم ثغرها الوردي, و آآآآآآه من هذا الثغر!, كم يتوق لتذوق رحيق هاتين الشفتين, يقسم أنه لن يتمنى شيئا بعد ذلك, فيكفيه الشعور بعسلهما بين شفتيه ليقسم أنه قد نال كل ما يصبو إليه, لا.. بل الشعور بكليتها بين يديه, ولا يريد أي شيئا آخر, فهي سلسبيل, حلم المراهقة والصبا والذي أصبح محرما عليه ما ان تزوجت من أخيه, ولكن الآن أصبح الحلم واقعاً وأصبحت هي حلالاً له, ملكاً خالصا له , شفتيها وعينيها وكل ما فيه ملكه هو دون سواه, كتم آهة كادت تخرج من شفتيه وهو يتلمس بإبهامه الخشن حدود شفتيها المكتنزتين, لينتبه لتململها فيبعد يده على غير رغبة منه ويعتدل مبتعدا عنها في نفس اللحظة التي فتحت فيها عيناها لتصرعه للمرة التي لا يعلم عددها بنظرة عينيها الناعسة والتي اختفت ليحل بدلا منها نظرة ذعر وهي تنتفض جالسة فوق الفراش وتجذب الغطاء فوقها حتى ذقنها بينما خصلات شعرها الثائرة متشابكة حولها وهي تهتف بصوت قلق فيما تطالعه نظرات مرتابة:
- فيه ايه؟, ايه اللي حوصل؟, وكيف تدخل إهنه وأني نايمة اكده؟.
عاود اقترابه منها حتى وصل بمحاذاتها تماما ونظر اليها بتركيز قبل أن يجيبها بهدوء ينافي العواصف الثائرة التي تجيش في صدره:
- أوعاكي تنسي أنك بجيتي مرتي, يعني حجي أني أدخل وأخرج في أي وجت, واللي حوصل البارحة ديه معيتكررش تاني, وانتي خابرة زعلي شين كيف, أني لمن هعوزك ولا باب حديد هيجدر يبعدك عني!, لكن أنا اللي عايفك, ودلوك من غير حديت كَتير جومي وضْبِي حالك أمي جات وجايبة الفطور امعاها....
ورماها بنظرة قوية واتجه مغادرا بعد ذلك وقبل أن ينصرف لم يستطع منع نفسه من الالتفات اليه والمتابعة بسخرية:
- فطور العرايس يا.... عروسة..
وخرج صافقا الباب خلفه ليستند عليه مغمضا عينيه وهو يهمس في نفسه:
- وبعدهالك يا سلسبيل, بعدت عنيكي لكن انتي اللي ما عاوزاشي تخرجي من نافوخي ليه؟..
ثم فتح عيناه هامسا بعزيمة بينه وبين نفسه:
- لكن لاه, مش ليث الخولي اللي تعصى عليه حرمة, حتى لو كانت روحه فيها, انتي بديتي يا سلسبيل, وربنا يشهد اني كنت ناوي أعاملك بما يرضي الله وأصبر عليكي لكن لمن توصل انك ترفضيني يبجى أنى اللي عايفك يا بت الناس وهخليكي تتندمي جد شعر راسك, والايام بيناتنا يا بت عمي!..
وانصرف من فوره ليفتح الباب لوالدته التي ما ان شاهدته أمامها حتى تلقفته بين أحضانها كيف لا وهو من أثلج صدرها بزواجه من سلسبيل فضمنت ألا تحرم من صغار ابنها المرحوم..
أمرت والدته الخادمة بوضع صينية الفطور جانبا والانصراف, وما ان همت بسؤاله عن سلسبيل حتى فُتح الباب لتطل من ورائه سلسبيل والتي ما ان وقع نظر ليث عليها حتى تطاير غضبه منها أدراج الرياح, ليطالعها محاولا التغلب على دهشته من مظهرها الجديد عليه بثوبها المشمشي الذي يصل الى الكاحل ولكنه يضيق عند الخصر وبأكمام واسعة للغاية كلما رفعت يدها ينزاح الكم الى الأعلى كاشفا عن بشرة ذهبية, بينما خصلات شعرها مغطاة بوشاح من نفس لون الثوب من أعلى رأسها لتنفلت باقي الخصلات حرة طليقة ظاهرة من أسفل الوشاح القصير لتغطي كامل ظهرها حتى نهايته, وأما عينيها فتلك قصة أخرى, لم يستطع الإشاحة عنهما جانبا بينما يراها تتقدم من أمه بوجه خضبته دماء الخجل حتى شكّ في سلامة عيناه بل وآذانه وهو يسمعها ترد تحية والدته بذلك الصوت الأبح المثير الذي تكسوه رنة الخجل!!...
عانقت سلسبيل حماتها وهي ترى وجه ليث الممتقع الواقف خلف والدتها, لا تنكر أنه استحضر شيطانها بقوله أنه هو من يرفضها ولا يريدها, وفي نفس الوقت تريد أن تثبت لعائلته أنها عروسا لم تبخس حق زوجها فهي تتزين له كما العروس تماما حتى اذا ما شكى منها كانوا هم من يقفون له ويكذبونه!!.
ابتعدت سلسبيل عن حضن حماتها التي ملّست خصلاتها الظاهرة من أسفل الوشاح قائلة بابتسامة واسعة ودموع تترقرق في عينيها:
- بسم الله ما شاء الله عليكي يا بنيتي, جومر أربعتاش, ربنا يهنيكو ويسعدكو وأفرح بخلفتكو عن جريب ان شاء الله..
لم تعي والدته ما تركته عبارتها من تأثير عليهما ما أن ألقتها إليهما, فقد وجم الاثنان أحدهما لعلمه بصعوبة حدوث هذا وان كان يكاد يتحرق شوقا لحصوله والأخرى لإيمانها أنه من سابع المستحيلات أن تسمح لغير حبيبها بالاقتراب منها حتى وان كان حبيبها ذاك قد رحل الى عالم آخر غير عالمها!.
انصرفت والدته تاركة إياهما لتناول طعام الفطور وشددت على سلسبيل ألا تترك زوجها بمفرده مطمئنة إياها على صغارها فهما منشغلان باللعب في الحديقة...
ما ان أغلق الباب خلف والدته حتى رآها تتجه الى غرفة النوم فأوقفها آمرا وهو يقول:
- على وين ان شاء الله إكده؟, مش تستني لمن أفطُر..
كتمت زفرة ضيق , وعادت أدراجها حتى الطاولة التي وضعت عليها الخادمة صينية الطعام, رصت الأطباق فوقها, واتجهت حيث البراد الموضوع في زاوية من الصالة الخارجية وتناولت منه قارورة من الماء المثلج, وبعد أن أعدت الطاولة وكان يقف يطالعها من تحت جفونه المسدلة, أشارت الى الطاولة قائلة ببرود:
- أهاه, حاجة تانية؟
تقدم ليجلس على الأريكة والتي اتخذها فراشا له ليلة أمس, وجذب الطاولة القصيرة اليه, ثم أشار الى الطعام قائلا:
- اجعدي عشان تاكلي امعايْ, ما بعرفش آكل إلوحدي..
لم تأبه لقوله وقالت فيما تستدير لتغادره وهي تمر به لتصل حيث غرفتها ملاذها الآمن:
- ماعاوزاشي آكل, لمن أجوع هبجى أتصرف..
لتقبض يده على معصمها بقوة وبغتة جعلتها تشهق دهشة, وسحبها دون أن يلتفت اليها ليجلسها بجواره على الأريكة بقوة وهو يقول:
- لمن أجول كلمة ما تنيهاشي مفهوم؟, ودلوك هتاكلي يعني هتاكلي, انا متوكّد انك على لحم بطنك من انبارحة..
ترك يدها مشيرا للطعام أمامه ففركت معصمها بيدها الأخرى وهتفت بنزق:
- بس أني ما عاوزاشي آكل, مش غصبانية يعني!.
نظر اليها بحدته التي دائما ما كانت تسبب لها الرجفة فيرتعش داخلها بينما تحاول جهدها إخفاء ذعرها الذي دأبت على الشعور به منه, تحدث بصوت خفيض ولكن يخفي أعتا الرجال:
- أني لمن أجول حاجة تنفذيها وفي ثانيتها, أظن واضح؟!
وتابع تناول طعامه وهو يراقبها من طرف خفي, ليشرد في أصابعها الرقيقة التي تأكل بها لقيمات صغيرة لا تطعم عصفور صغير, بينما تخونه عيناه وترتفع حيث فمها الذي يلوك الطعام ببطء ومن غير شهية حقيقية, ليزدرد بريقه في صعوبة وهو يراقب تلك الشفاه وهي تتحرك يمينا ويسارا أثناء مضغها الطعام, يكاد يقوم هو بالتهام شفتيها بدلا من الطعام, كان شاردا فيها ولم يعي لنفسه وهو يقضم اصبعه مع كسرة الخبز ليصيح متأوها وقد فوجئ بأصبعه تحت ضرسه, نظرت اليه سلسبيل بقلق وهتفت بتلقائية:
- خير يا ولد عمي, فيه حاجة؟!..
نظر اليها بحنق وهو يفرك اصبعه في ثوبه ويصيح:
- لاه ما فيش حاجة, كملي وكْلِكْ...
قطبت مستهجنة ثم لاحت منها نظرة الى اصبعه الذي لا يزال يفركه بين طيات ثيابه لترى احمراره الواضح فكتمت ضحكتها وقالت وهي تشير الى سبابته المتألمة:
- أني هجول لمرات عمي ما عادتش تعِمل وكل حلو إكده لحسن انت بالطريجة ديْ هتاكل صوابع يدينك التنيين ورا وكلها..
نظر الى إصبعه حيث تشير ثم نظر اليها ثانية بنصف عين ليلاحظ نظرتها الماكرة فقال بصوت مهدد:
- بتتمسخري علي يا سلسبيل؟, على آخرة الزمن حرمتك يا ليث الخولي ابتتمسخر عليك!
وسكت قاضما كلامه بينما لم تنتبه لما انتابه من تغيير عندما وعى لما قاله من وصفه لها بـ.. حرمته!, أي زوجته هو, إمرأته اسمها مقترنا باسمه هو!, أجابت وقد فلتت ضحكتها عاليا:
- وأني يعني بتبلّا عليكْ ولّا إييه؟, كاهو صوبعك أهو كيف راس البصلة الصغيّرة..
لفت انتباهها سكونه المفاجئ فرفعت عيناها اليه لتشعر بالاضطراب من نظراته المتفحصة لها, وتصيب القشعريرة سائر بدنها فهبت واقفة في محاولة منها للهروب من عيناه المراقبتان لها كما الصقر:
- أني شبعت الحمد لله, كمّل وكلك انت بالهنا على ما أصب الشاي..
همت بالذهاب عندما قبض على معصمها جاذبا اياها بشدة فتسقط في أحضانه لتشهق من المفاجأة ولكن لا يدع لها الفرصة فما ان فتحت فمها شاهقة حتى ابتلع باقي شهقتها بين شفتيه اللتان اعتصرتا شفتيها ممتصا رحيق ثغرها الشهي ليشعر بطعم حلو كالعسل لاذعا كمذاقه فيحتويها بين ذراعيه غافلا عن مقاومتها له وضربات قبضتيها الصغيرتين اللتان كالتا اللكمات الضعيفة لصدره العريض القوي!!..
بعد وقت طويل وحين كادت تختنق طلبا للهواء أفلتها ليث ولكن ليحكم قبضته حولها ساندا جبهته الى جبهتها محاولا التقاط أنفاسه الثائرة, بينما بعد أن هدأت أنفاسها حاولت الابتعاد عنه وهي تطالعه بنظرات غضب سوداء هاتفة بشراسة:
- بعّد عنّي, جولتلك جبل سابج أني ما عاوزاكش, أني مش مرتك.. أني...
ليسارع بكتم صوتها براحته الخشنة العريضة ضاغطا على فمها بشدة حتى كادت تختنق وتحدث من بين هسيس أنفاسه الغاضبة وهو ينظر الى عينيها اللتان ترميانه بلهيب أسود:
- أنتي مرتي أني دلوك, أسمعك بس تجوليها انك مش مرتي تاني وجتها هثبت لك انك مرتي صوح, وبحج وحجيج, ما فيش راجل له الحج فيكي غيري, اوعاكي تكوني فاهمه اني لمن فوتك البارحة كان عشان الكلمتين الخايبين اللي جولتيهم كيف دلوك, لاه!, أني لمن همّلتك كان عشان أني مش عاوزك وجتها, لكن وجت لمن أريدك مش هتجدري تجولي لاه, اللي عاوزك تفهميه وتحطي في عجلك زين انه مش ليث الخولي اللي تستعصي عليه حرمة.. أي حرمة, ما بالك لمن تكون الحرمة ديْ مرَتُه؟, حلاله؟!, حطي عجلك ابراسك يا بت الناس وبلاش الحديت اللي ما انتيش جدِّيه ديه, وعشان تكوني عارفة أني اللي نفسي عافتك, واللي مش هتدهولي برضاكي معخدوشي غصب عنيكي, أني ليث الخولي يا... بت عمي!..
وأزاح يده دافعا اياها جانبا لتقفز واقفة وتتجه من فورها الى غرفتها مغلقة الباب خلفها بدون أي تعليق منها على كلامه وكأنها تفر من المحتوم بينما طالع ليث حيث توارت خلف الباب وهو يهتف في ضميره:
- ما كونيش ليث اما خليتك اتدوجي العذاب اللي اني فيه يا سلسبيل, جبل ما أدوج جُربك كنت أجدر أصبر على ابعادك لكن دلوك لمن جربت منيك وشوفت الجنة بين درعاتك صبري نفد مني, وهتاجي لحدي يا سلسبيل وبرضاكي يا بت عمي..
وبرقت عيناه بعزيمة واصرار, بينما لا تزال شفتيه تحمل طعم شهد شفتيها اللاذع!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xx
صوت طرقات على غرفة رؤوف الذي كان يطالع الجريدة اليومية فسمح للطارق بالدخول ليطالعه وجه سلافة ابنته من وراء الباب, فأزاح الجريدة جانبا وأشار اليها قائلا:
- سلافة حبيبتي صباح الخير, تعالي يا حبيبة بابا..
لتدلف الى الداخل مغلقة الباب خلفها وتتقدم اليه لتلقي بنفسها بين ذراعيه المفتوحتين لها وتجلس على ركبتيه وكأنها عادت صغيرة وهي تقول بصوت ضعيف:
- أنا تعبانه أوي أوي يا بابا..
أبعدها والدها عن صدره ونظر اليها بقلق مقطبا وسأل:
- مالك يا بنتي؟, حاسة بإيه بعد الشر؟!
لتقضم شفتها السفلى بينةأسنانها اللؤلؤية وتعتدل في جلستها ناظرة اليه وهي تجيب محاولة محاربة دموعها:
- مريم يا بابا, مريم...
تساءل بوجل:
- عرفت حاجة, حصلها حاجة؟
أجابت وقد بدأت شفتيها بالارتعاش:
- بئالي يومين أكملها مش بترد وانهرده مامتها قالت لي لما اتصلت بيها على الأرضي بتاع بيتها انها مختفية من يومين وموبايلها مقفول على طول, طنط هتموت من قلقها عليها يا بابا, وانا جربت تاني بعد ما كان محدش بيرد دلوقتي مقفول على طول!..
قال رؤوف وهو يمسك بذراعيها ناظرا الى عينيها بقوة:
- سلافة اسمعيني حبيبتي, الموضوع واضح انه أكبر منك من مريم ومن سامح خطيبها ومني انا شخصيا, أنتي كنت قولتيلي انها المفروض هتقابل النائب العام ومقابلتها اتأجلت كونها اختفت في التوقيت دا يبقى دا مالوش معنى غير حاجة واحده بس...
نظرت اليه برعب وتحدثت بصوت متقطع مذهول:
- انهم يكونوا... وصولوا لها؟, معقولة يا بابا؟, تفتكر حضرتك انهم يكونوا عملوا فيها حاجة؟, بس المحامي بتاع سامح أكد لها انه لسه محدش يعرف الادلة اللي معاها؟
أبوها بتنهيدة عميقة:
- يا بنتي دول ناس مش ساهلين, يعني تفتكري انهم مش حاطينها تحت عينيهم خصوصا وان سامح خطيبها اللي هما رموه في السجن بإيديهم وبقضية متلفقة عارف كل جرايمهم؟, انا متأكد انهم قدروا يوصلوا لها قبل ما توصل الدليل اللي معاها للنائب العام....
ليقطع حديثهم صوت هاتفها المحمول فتنهض واقفة وتخرجه من جيبها ليطالعها رقما غريبا فتستقبل المكالمة بريبة وما ان سمعت صوت محدثها حتى لانت أساريرها وهتفت:
- أهلا يا طنط, طمنيني عرفتوا حاجة عن مريم؟.
لتسكت متصنتة قليلا بصعوبة للكلمات التي تصلها وسط هستيرية صوت محدثها قبل أن تفتح عيناها هلعا وهي تردد بينما تنظر الى والدها الواقف أمامها يطالعها بتوجس وريبة :
- مر.. مريم لاقوها مقـ.. مقتولة في منطقة مهجورة بعد.. بعد ما اغتصبوها!..
وتقع يدها بجانبها وهي تنظر في صمت الى والدها قبل أن تبدأ بإسدال جفنيها لتسقط مغمى عليها, في حين ركض اليها والدها في هلع مناديا باسمها....
أزاحت سلمى سماعة الفحص جانبا من أذنيها, ثم أمسكت برسغ شقيقتها لتطمئن على معدل النبض, ثم وضعت يدها جانبا قبل أن تنظر الى والديها الواقفين يراقبانها في قلق وتقول بابتسامة شاحبة:
- الحمد لله, الضغط اتظبط, بس انا مش عارفة ايه اللي خلاها يجي لها هبوط مفاجئ في الضغط بالشكل دا, سلافة عمرها ما اشتكت من حاجة زي كدا؟!..
نظرت ألفت الى رؤوف الواقف ينظر الى ابنته الراقدة فوق فراشها بينما نافس شحوبها شحوب الموتى وتقدمت منه قائلة بلوعة بينما قلقها على ابنتها يكاد يفتك بها:
- هي كانت معاك في اودة المكتب يا رؤوف, ايه اللي حصل خلّا بنتي تنهار بالشكل دا؟.
سكت رؤوف قليلا ثم أجاب قائلا نصف الحقيقة وبصوت حاول أن يكون متماسكا فخرج متحشرجا من فرط قلقه على صغيرته:
- معرفش.. جالها تليفون تقريبا واحده زميلتها في الشغل عملت حادثة واتوفت وكانوا بيبلغوها عشان لو عاوزة تروح مع زمايلها تعزي أهلها..
شهقت ألفت ملتاعة وهتفت وهي تضع يدها على قلبها:
- يا حبيبتي, يا قلب مامتها, أكيد شابة صغيرة في السن طالما زميلتها زي ما بتقول, ربنا يصبر أهلها, اذا كانت سلافة اللي هي يدوب زميلتها ما استحملتش الخبر يا ترى أهلها وخصوصا مامتها عاملين ايه دلوقتي؟, انما ما قالتش مين يا رؤوف؟
هز برأسه نفيا وأجاب وهو يشيح بعينيه جانبا:
- ما لحقتش أسألها..
أشارت سلمى لهما بالخروج ووقفت معهما خارج الغرفة قائلة بجدية:
- طالما الموضوع كدا يا بابا يبقى سلافة أكيد هتصمم تروح تعزي وانا لا يمكن أسيبها تروح لوحدها..
قاطعتها أمها بلهفة:
- ولا أنا, رجلي على رجلها, وبعدين العزا واجب, هروح معها أعمل الواجب ونعزي في صاحبتها الله يرحمها..
قاطعهما رؤوف قائلا:
- يا جماعة سلافة مش هتتحرك خطوة واحدة من هنا الا لما أطمن عليها الأول..
ثم نظر الى ابنته متابعا:
- سلمى عشان خاطري لو قالت لك انها عاوزة تروح بأي طريقة اقنعيها انها تأجل المشوار دا قوليلها صحتها لسه تعبانه أي حاجة..
قطبت سلمى متسائلة:
- ليه يا بابا؟
روؤف بحنق غريب عليه:
- يووه يا سلمى, اعملي اللي بقولك عليه....
وتركتهما منصرفا يتبادلان نظرات الدهشة والقلق من حالته التي تشاهدانها عليه لأول مرة!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
أصاب الجد القلق عندما وصل اليه تعب سلافة المفاجئ ولكن رؤوف طمأنه أنها إصابة برد خفيفة بينما تظاره الجد بتصديقه ولكنه أضمر في نفسه أمرا هاما....
- خير يا جدي أؤمرني شهاب خوي جالي انك عاوزني..
نظر الجد الى غيث الواقف أمام باب غرفة نومه وأشار اليه بعصاه قائلا بهدوء:
- أجفل الباب وتعال عاوزك..
قطب غيث واستجاب لأمره ثم اتجه اليه وبعد جلوسه بجواره على الأريكة الخشبية المشغولة على هيئة أرابيسك مال اتجاهه الجد وتساءل وهو يستند بيديه واضعا ذقنه المكسوة بلحية مستوية بيضاء عليهما:
- انت اعرفت ان بتعب بت عمك؟
قطب غيث وأجاب بتلقائية:
- لاه, شهاب ما جاليش, أكيد لجطت دور برد من العيانين اللي عم بيجوها العيادة, ربنا يكون في عونها..
نظر الجد اليه بتركيز وقال:
- بس مش سلمى اللي تعبانه..
زادت تقطيبة غيث حدة وتساءل بقلق ينضح من نبرات صوته الخشنة:
- أومال ...
ليقاطعه الجد مجيببا بجدية:
- سلافة...
هتف غيث:
- إيييه؟, سلافة!, مين ميتة الحديت ديه يا جدي, وكيف مدراش بيه.’ مش المفروض سلافة ديه تبجى خطيبتي؟.
الجد بهدوء:
- اهدى يا غيث يا ولدي, هي دلوك اكويسة, جدتك كات عنديها, وهي منيحة الحمد لله, بس مش ديه المشكلة!.
تساؤل غيث بريبة عاقدا جبينه:
- وهي فين المشكلة يا جدي؟
الجد بحزم:
- فيه حاجة عمك رؤوف امخبيه, والحاجة ديه تخص سلافة بالذات وأنا متوكّد انها السبب في الوعكة اللي صابتها ديْ لانه من وجتها ورؤوف ولدي مش على طبيعته وكل ما عسأله يجولي ما فيشي يا حاج, شطارتك تعرف فيه ايه بالظبط!..
نهض غيث واقفا وأجاب وعيناه تبرقان باصرار وعزم:
- اطمن يا جدي, اعتبرني اعرفته, اني هتصرف..
وانطلق من فوره الى عمه ولكن قبلا لا بد له من الاطمئنان على السبب الرئيسي لفقدانه طعم النوم والراحة والتي يكاد يجزم انها ستكون السبب الرئيسي أيضا لإصابته بأزمة قلبية مفاجئة من فرط قلقه عليها!..
-------------------------------------------------------
كانت سلافة مع والدها في غرفتها تجادله بشأن سفرها الى القاهرة, صرف والدها ألفت وسلمى قائلا أنه يريد الانفراد بها بعد سماعها ترفض طلب سلمى منها بالتزام الراحة وعدم اجهاد نفسها فأخبرهما انه سيعمل على اقناعها, وقفت سلافة أمام والدها تهتف وعيناها تغشاهما الدموع بينما ترفل في ثوب أسود مقفول من الأمام بأزرار سوداء حتى منتصف الخصر, ونص كم, وجمعت شعرها على هيئة ذيل الفرس, أعرب وجهها عما تعانيه من قلق واضطراب بوجنتيها الغائرتين والهالات السوداء المحيطة بعينيها, هتفت سلافة لوالدها برجاء ودموعها تسيل في صمت مغرقة وجنتيها الشاحبتين:
- يا بابا أرجوك افهمني, أنا لازم أسافر, أنا معايا أمانة لازم أسلمها..
رؤوف بهدوء محاولا اقناعها:
- وانا ما قولتش ما تسافريش, بالعكس أنا هسافر معاكي بس الأول عاوز ناخد رأي محامي في الموضوع دا, يدلنا نروح فين بالظبط, المحامي بتاع سامح أنا بصراحه قلقان منه يمكن أكون ظالمه بس من الآخر كدا أي حد له علاقة بالموضوع دا محل شك بالنسبة لي دلوقتي...
سلافة بعناد وتشبث بالرأي وخوفها على والدها أن يصيبه مكروه من وراء هذا الأمر الخطير يجعلها أكثر تشبثا بمحاولة اقناعه تركها تسافر بمفردها:
- طيب سيبني أسافر أعزي مامتها, وبعدين نبقى نشوف موضوع المحامي دا, أرجوك يا بابا..
- ما انتيشي مسافرة ولا رايحة في مكان يا سلافة..
التفتت باندفاع لترى محدثها يقف بباب الغرفة لفقطبت هاتفة بغيظ:
- غيث!..
تقدم غيث الى الداخل يلقي اليها بنظرات ملتهبة ثم تحدث الى عمه قائلا:
- سامحني يا عمي لو دخلت اكده بس اني خبطت مَتير وما سمعتونيش, وبعدين غصب عني سمعت حديتكم فدخلت ما جدرتش أسكت..
تقدم اليه عمه وقال وهو يربت على كتفه:
- جيت في وقتك يا غيث, أنا هسيبك معاها يمكن تحاول تعقلها..
وخرج تاركا الباب خلفه موارباً..
وقفت سلافة عاقدة ذراعهيا أمامها تطالعه بتحد وقالت بحدة:
- نعم؟, أفندم.. اتفضل قول اللي انت عاوزه, بس قبل أي حاجة أنا هسافر يعني هسافر وما فيش حاجة هتخليني أرجع في كلامي...
تقدم غيث منها بضع خطوات, كان لا يزال يرتدي ثياب الفروسية السوداء بينما خصلات شعره مشعثة بفعل الهواء وتستكين خصلة على جبهته العريضة, مال ناحيتها قائلا بحزم:
- أنتي معتروحيشي في مُكان يا سلافة, أظن واضح؟
نظرت اليه بغيظ وهتفت :
- وانت مالك؟.
هم بالرد لتقاطعه بحدة :
- هتقولي ابن عمك وخطيبك هقولك بردو دا ما يداكش الحق انك تدخل بالصورة دي, انا حرة, وطالما بابا موافق يبقى خلاص, وعشان بس تطمن بابا هييجي معايا..
نظر اليها غيث بغموض الى ان سكتت وهي تلهث تلتقط أنفاسها المتعثرة وتحدث بكل برود:
- خلصتي حكيك الماسخ ديه؟, شوفي يا بت عمي... انتي مش هتتنجلي غير لمن رجلي تبجى على رجلك, أصلا انتي كيف ما تجوليليش؟, دي لومن عمي رؤوف جلجان واني ضغطت عليه عشان اعرف اللي بيه ما كنتش اعرفت!
نظرت اليه بتحد رافضة الاجابة فتابع بينما يميل بوجهه على وجهها حتى اختلطت أنفاسهما الثائرة هي بتحد وهو بتأثر ورغبة ضارية في اخفاء هذه المشاكسة بين جنبات صدره خوفا وهلعا عليها, لن ينسى الصدمة التي شعر بها ما ان صارحه والدها بسر شرودها الدائم ووعكتها الصحية المفاجئة:
- أني المفروض أكون أجربلك من اي حد تاني.....
ازدرت ريقها بتوتر وقالت بسخرية زائفة في محاولة منها عدم الانصات لقلبها الذي يؤمرها بعدم السخرية مما تراه يشع بصدق من بين رمادي عينيه:
- يا سلام ليه بقه ان شاء الله؟
وبدون وعي منه امتدت يداه تقبضان على ذراعيها وهمس بصوته الخشن:
- لأنك انتي أجرب حد ليا في الدنيا ديه كلاتها, انتي لساكي مش عارفة انتي ايه بالنسبة لي يا سلافة؟
هتفت سلافة بحدة بينما تحاول الهروب من نظراتها التي تحاصرها وتهدد بدك حصون قلبها والاستيلاء عليه لاعلانه فارسه ومالكه الأوحد, فيما تحاول إزاحة ذراعيها من قبضته مشيحة بنظراتها:
- سيبني يا غيث, أنا مش عارفة ومش عاوزة اعرف..
ليهتف بحرقة:
- كدابة!
فرفعت عينيها تنظر اليه بذهول فتابع بحدة ونيران عميقة تندلع في عمق عينيه:
- ايوة كدابة, انتي عارفة ومتوكدة بس خايفة, انما أني بجه مش خايف, اني كنت مأجلها ومش رايد أجولها لغاية ما تبجي مرَتي حلالي, عشان خايف عليكي منِّيها, لكن خلاص.. ماجدرش أصبر أكتر من اكده!

وكأنها شعرت بما يوشك على الاعتراف به فهتفت بتوسل محاولة ايقافه عن متابعة حديثه:
- غيث ارجوك سيبني دلوقتي أنا...
ليقاطعها بلهفة ونظرات عينيه تكادان تلتهمان تفاصيل وجهها:
- بحبك.. بحبك يا بت عمي, بحبك ولا عمري حبيت جبلك ولا هحب بعدك, بحبك يا سلافة بحبك!,و...
وسكت بارتا عبارته بينما تابعت عيناه إلقاء قصيدة عشق إلى ليل عينيها البهيم, ليقربها اليه بدون وعي منه بينما تاهت هي في سماء عينيه ليتابع بشغف وبدون إدراك ليديه اللتان وكأنهما يمتلكان إرادة خاصة بهما حيث امتدا ليحتضنا خصرها:
- عارفة ما كونتش عاوز اجولك ليه؟, لأن الكلمة ديْ كانت كيف السد اللي مانع طوفان حبي انه يغرّجك, حبي ليكي كيف الطوفان يا سلافة, كنت مانع نفسي بالعافية اني اجولهالك لأني متى ما جولتها يبجى خلاص, صبري نفد, وإسمعي آخر كلام يا بت عمي.. احنا التنيين هننزلوا #مصر سوا.. بس وانتي مرتي وشايله اسمي!.
وينتهز فرصة ذهولها ليميل عليها غير قادرا على منع نفسه من وضع قبلة عميقة فوق جبهتها وكأنه يضع صك ملكيته لها, ويبتعد بعدها بصعوبة ناظرا اليها وأنفاسه متهدجة متابعا:
- أني هكلم عمي الليلة بعد العِشا ان شاء الله, كتب الكتاب هيكون في أجرب وجت...

وسكت ناظرا اليها بعمق بينما سكنت سلافة غير مصدقة لما آلت اليه الأمور, فمن الواضح أن غيث قد عقد العزم على الزواج بها ولن يدع أي شيء يقف في سبيل تحقيق ذلك, حتى وان كانت هي نفسها!, بينما تعالت ضربات قلبها عاليا تكاد تصرخ بها أن غيث قد أعلن انتصاره وفوزه الساحق بقلعة قلبها بعد اقتحامه لمشاعرها وتحطيمه حصونا قلبها واحدا وراء الآخر!!........



- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:15 AM   #20

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


18

أنوار تلألأ بها قصر الخولي المنيف في البلدة وصدحت بعدها صوت إطلاق الأعيرة النارية احتفالا بعقد قرآن أحفاد عميد عيلة الخولي الحاج عبد الحميد عثمان الخولي, اقتصر عقد القرآن على الأهل والأقارب فقط احتراما لوفاة ابن العائلة راضي, ولكن هذا لم يمنع الرجال من إطلاق الأعيرة النارية احتفالا بأبناء كبيرهم.. شهاب وغيث الخولي...
جلست سلافة وسلمى بجانب بعضهما بينما التفت النسوة حولهما وهن يلقين اليهن بالتهاني والمباركات, ووقفت الجدة تنظر بزهو الى حفيديتها وجمالهما الوضّاء, وكانت قد سمحت للنسوة بالأغاني وإطلاق الزغاريد فالمنزل خال لهن بينما انتصبت خيمة كبيرة للرجال في الساحة الملحقة بالقصر, وقد حضرت أم ليث وسلسبيل شقيقة العريسين وألحت أم ليث على الجدة السماح للحريم بإنشاد الأغنيات والتعبير عن فرحتهم, وبينما جلست ألفت تتلقى التهاني والمباركات من الحاضرات كلهم كانت راوية تقبع في جانب بعيد عنها تنظر اليها دون انتباه الآخرين لها بغموض بينما يعتمل قلبها بكره أسود وحقد دفين وهي تتوعد في ضميرها أنها ستذيقها هي وبناتها الويل على كافة أنواعه بل ستحيل ضحكتها السعيدة بابنتيها هذه الى دموع حارقة تبكي الساعة التي وافقت فيها على زواج ابنتيها من ولديْها هي!..
لم تكن تدري راوية والتي غلبها كرهها فظهرت نظتها السوداء جلية في عينيها أنها موضع مراقبة الجدة فاطمة لها, والتي أسرّت في نفسها وهي تتابعها بعينيها بوعد قاطع:
- ربنا يستر من اللي بتفكري فيه يا مرَت ولديْ, لكن أني واعيالك زين ومفتحالك عينيا التنييين جوي, ولو جلِّيت عجلك واعملت حاجة تفسد فرحتهم لاكون أني اللي واجفالك يا راوية, وانتي عارفة كلمة الحاجة فاطنة.. لمن أجول أنفذّ..
كانت هناك سيدة متشحة بعباءة سوداء مزينة أطرافها بخرز ملون تمسك بيدها دفّاً وتقوم بغناء بعض الأغاني المشهورة لديهم والتي كان يسمعها ولأول مرة ألفت وابنتيها...
ابتسمت سلافة هي وسلمى وهما يسمعان تلك الكلمات التي تراقص عليها بعض الفتيات وكانت تقول:
اتكحرت وأجرى يا رمان .. وتعالى على حجرى يا رمان ..أنا حجرى حنين يا رمان .. ياخدك ويميل يا رمان.. اتكحرت وأجرى يا رمان.. وتعالى على صدرى يا رمان.. أنا صدرى حنين يا رمان.. ياخدك ويميل يا رمان.. اتكحرت وأجرى يا رمان.. وتعالى على وسطى يا رمان.. أنا وسطى حنين يا رمان.. يخدك ويميل يارمان.. اتكحرت وأجرى يا رمان ..وتعالى على (.........) يا رمان ..أنا (........) حنين يا رمان.. يخدك ويميل يا رمان....
جلست سلسبيل تطالع الفرحة المرتسمة على وجوه المحيطين بها, ولفت نظرها تعبيرات وجهي سلمى وسلافة, لا تنكر أنها ترى فرحة تتقافز داخل الأعين ولكنها لا تدري لما تشعر أنها ممتزجة بشعود آخر أشيه بالقلق أو الخوف, هي تعلم أن شقيقيها قد دفعا بالأحداث سريعا وأن عقد القرآن قد تم بعد زواجها هي بأقل من أسبوعين, ليرحل عقلها شاردا في ذلك الذي أقحم نفسه في حياتها ومع هذا يتركها بكامل حريتها!, هو يتحكم بكل شاردة وواردة بها وبدون أي مجهود منه!, يكفي أن ينظر إليها بليل عينيه السرمدي ذلك لتعلم ما يريد, هي منذ عناقه المباغت لها وهي تتعمد عدم الاقتراب منه أو إثارته, تعلم يقينا أن ماحدث كان النتيجة التي ترتبت عن عباراتها الخرقاء تلك التي رمتها بكل غباء في وجهه ليلة الزفاف, لم يكن من الواجب أن تقذفه بتلك الكلمات الصريحة بوقاحة من أنها لا تريد قربه وأنها لا تزال في عين نفسها زوجة لأخيه... راضي!, كتمت تنهيدة عميقة كادت تخرج من أعماق صدرها, حتى الأسم أصبح محرّم عليه تذكره, وقد يكون هذا أكثر ما يثير أعصابها ويوغر قلبها تجاهه, فهي ومنذ أن حملت لقب زوجة ليث أصبح من غير المسموح لها التفكير بغيره وان كان هذا الغير قد كان زوجا لها ذات يوم والآن هو في عالم آخر, ولكنها ليست بخائنة وهي تعد هذه خيانه ان ذكرت اسمه حتى بينها وبين نفسها, وهذا أكثر ما يثير استيائها وحنقها من ليث أنه حرمها حتى متعة العيش على ذكرى زوجها الراحل, لا تنكر أنه لا يحب صغارها فقط بل هو يعشقهم وهما يعشقانه بالمقابل وخاصة شبل, ذلك الصغير الذي أسماه هو وتربى في حضنه أكثر من أبوه البيولوجي والذي كان دائم السفر, فهو يقضي وقتا كثيرا معهما بل أن وقته هذا يعد من المقدسات بالنسبة له حتى أنها تشعر أن الولديْن قاربا أن يصبحا نسخة مصغرة عنه وخاصة شبل والذي يحاكيه في كل حركة تصدر منه ابتداءا من عقد يديه خلف ظهره وهو يتناقش في أمر هام, إلى التقطيبة التي تعتلي وجهه أثناء تركيزه في حل مشكلة ما, انتهاءا برغبته بارتداء عمامة كعمه ليث بل وأن يتعلم هو كيفية ربطها لنفسه!..
هزت رأسها محاولة صرف هذه الأفكار عن ذهنها ولكنها لم تستطع محو ابتسامتها عندما تذكرت وجهه عندما كان يحثها على الاسراع فهو سيكون إحدى الشهود على عقد القران بل أنه الشاهد المشترك على العقدين, كانت قد ارتدت عباءة حريرية وبناءا على نصيحة حماتها لم ترتديها سوداء فهي في نظر الناس عروس والعروس لا ترتدي الا الالوان الزاهية, وكانت قد أهدتها حماتها عباءة حمراء اللون موشية بخطوط فضية محكمة على جسدها تنسدل حتى الكاحل وأطلقت خصلات شعرها الأسود الطويل والتي قاربت ركبتيها, ثم زينت عينيها بالكحل الأسود العربي ولأول مرة تلون شفتيها بلون أحمر كرزي بناءا على إلحاح حماتها, كانت تقول لها بفخر أنها تريد أن تفاخر بها بين النسوة, فهي لا تقل جمالا عن ابنتي عمها, وبعد إلحاح شديد وافقت يتنازعها شعوران... عدم الراحة و...الخجل!, نعم فهي خجلى أن يراها ليث على هذه الصورة, هي لن تخرج كاشفة وجهها طالما أنها قد تزينت, فهي ستقوم بتغطيته كما أنها سترتدي عباءتها السمراء الواسعه ولكنها ستخلعها هي وبرقعها ما ان تصل, لم تكن لتخرج بزينتها تلك أمام الناس, ما ان خرجت من غرفتها وكان هو يزفر مناديا لها بقوة حتى تسمر واقفا أمامها فاغرا فاه مما يراه, النظرة التي أطلت من عينيه أرضت غريزة الأنثى بداخلها خاصة وأنه منذ الليلة التي لم يتمالك فيها نفسه وعانقها عناقا كاد أن يزهق روحها لم يقربها بل أنها كثيرا ما تشعر أنه يتعمد الابتعاد عنها كي لا يلامسها ولو بطريق الخطأ, وكثيرا ما ترردت كلماته من أنه هو الرافض لها في عقلها لتسألن نفسها ولأول مرة.. ترى ما سبب اخفاق زواج ليث ولثلاث مرات؟, بل أن أطول زيجة فيهم استمرت لستة أشهر فقط؟, والسؤال الأكثر إلحاحا هو.. هل ي ترى كان هناك أخرى شغلت قلب ليث ولهذا فشل في زيجاته الثلاث ولهذا أيضا أخبرها وبمنتهى الثقة أنها لا تثير فيه مقدار شعرة من أنملة؟, تكاد التساؤلات تفتك برأسها ولكن الأمر الذي يثير دهشتها وغيظها بل وحنقها هو.. ولما تشغل بالها بمثل هذه الأسئلة؟, لم تكن هي التي فرضت عليه الزواج بها بل أبوه وجدها وأباها بل والعائلة والأصول والأعراف!, فلو كان هناك ضحية لكل هؤلاء فهي الضحية ليس هو, فهو أولا وأخيرا رجل كان يستطيع الرفض ولم يكن ليقوم بما لا يريده فهو ليث.. ليث الخولي, إسمه بمفرده تهتز له الأبدان وترجف له القلوب...
تذكرت كلماته التي ألقاها بذهول اليها وهي يطوف حولها بينما وقفت في مكانها يكسوها الخجل من أعلاها الى أسفلها, ليقف بعدئذ أمامها وهو يهتف بانشداه مشيرا بسبابتها اليها من الأعلى الى الأسفل:
- انتي هرتوحي الفرح إكده؟.
قطبت وأجابت وقد اعتقدت أن منظرها ليس بالجيد وهي تنظر الى لباسها:
- إيوة, مرات عمي هيا اللي جابت لي الخلجات ديْ وجالت لي ألبسهم, ايه شكلهم مش زين؟
أجاب ليث وهو شارد بنظراته بين خصرها المحكم التفصيل وذراعيها الظاهرين من أسفل الكم الطويل الواسع اذا ما حركتهما فان الكم ينحسر الى الأعلى, ثم رفع عيناه الى عظمتي الترقوة الواضحين من فتحة العنق الواسعة, ليبتلع ريقه بصعوبة ويجيب بتلكؤ بينما نظراته تدقق في كل صغيرة وكبيرة فيها:
- هو من ناحية انه زين فهو زين الزين كومان...
ثم قطب متابعا وهو يقترب منها حتى وقف أمامها تماما فلفحتها أنفاسه الساخنة بينما هبّ عليه رائحة عطرها المسكي ليتغلغل داخل أنفه فيسير في دمه لينشر حرارة شديدة في سائر حواسه, رفع اصبعه يلمس به ثغرها الشبيه بثمرة الفراولة الناضجة:
- وايه ديه؟, حُمرة؟, وعينيكي ديْ..
ورفع عيناه الى عينيها ليتيه في عسليهما, هز رأسه بعنف يمينا ويسارا ليجلي عقله ثم هتف بغلظة:
-لاه.. على جتتي تتحركي خطوة واحدة من اهنه وانتي بالمنظر ديه!, روحي بدلي تيابك دي بسرعة ياللا, همّي أومال..
نظرت اليه مبهوتة من انفعاله ثم سألت ببراءة:
- يعني اني بدي أفهم دلوك اعتراضك عشان اللي اني لابساه زين؟
أجاب ليث بحدة:
- زين زيادة عن اللزوم كومان!..
قطبت وأجابت بحنق:
- ليث... أني مش هغيِّر خلجاتي, طالما هما زينيين أغيِّرهُم ليه؟, خصوصي ان مرت عمي هي اللي جايباهوم.., ياللا يا ليث بعدين الجماعه يستعوجونا...
وبدأت بالسير أمامه ليأمرها بالوقوف صائحا:
- استني عندك!..
ثم لحقها ووقف أمامها يهتف بحنق:
- انتي كيف ما تسمعيش أوامري وتنفذيها؟, أني مش عاوز حد يلمحك وانتي إكده!, أظن حجي زوجك وحجي عليكي اتطيعيني!
زفرت بضيق وأجابت:
- طيب مش لمن أفهم الاول ليه؟, انت بتجول انهم عاجبينك يبجى ليه؟, وبعدين مرت عمي جالت لي اني عروسة ولازمن ألبس وأتزين كيف العرايس ما بتعمل وان تجولت لي جبل سابج انه لازمن نظهر جودام الناس اننا مبسوطين وما فيش حاجة بيناتنا, يبجى ايه السبب؟.
هتف غيث بغير وعي منه:
- لأنك حلوة جووي, وأني بغير جوي جوي!.
سكتت لوهلة لتستوعب ما يقول ثم بدأ شبح ابتسامة يشق وجهها للظهور حاولت اخفائه سريعا وهي تقول:
- اني يعني هجعد مع رجالة؟, أني جعدتي كلاتها هتبجى وسط الحريم, حتى وشي هغطيه لغاية ما نوصلوا اهناك ما كونتش هتطلع بيه إكده وأني متزينة!
مال غيث عليها لينظر الى عينيها بعمق وهو يجيب:
- جوليها تاني انك حد من الرجالة هيلمح طرفك حتى لو بتتمسخري عشان أعرفك ان الله حج!, وبعدين حتى لو مع الحريم أني راجل ما أجبلش انه مرتي تظهر بالشكل دِه حتى لو مع حريم... واحده تجول عينيكي حلوة والتانية تجول خشمك والتالتة جسمك و.... لاه لاه لاه غيريه, غيريه لا ما عتروحيشي وديه آخر كلام عندي..
ليقاطعهما صوت طرقات على الباب فأجاب ليث الطارق والذي لم يكن سوى والدته التي دلفت بعد ان فتح لها الباب وما ان أبصرت سلسبيل حتى أدمعت عيناها وهتفت ببسم الله ما شاء الله ثم تابعت بابتسامة عريضة:
- جومر الله أكبر, أيوة إكده أهو دلوك حلاوتك تغلب حلاوة بنات عمك بتوع البندر, أني متأكّدة أن كل اللي عيشوفوكي الليلة عينيهم هتخرج من حجورها من جمالك!.
ليزمجر ليث كزمجرة الليث الغاضب ويهتف بوالدته حانقا:
- باه يا أمايْ, انتي بتكبري راسها ليه؟.
نظرت اليه أمه بدهشة وهتفت:
- باه مرات ولدي وفرحانه بيها, وبعدين ياللا إتأخرنا, بوك باعت يستعوجنا....
هتف ليث محاولا أيقافها وهي تهم بالسير منصرفة جاذبة سلسبيل معها:
- يما أستهدي بالله بس, سلسبيل هتغيِّر خلجاتها وبعدين هنروح..
قطبت أمه باستغراب:
- كيف يعني؟, وليه سلسبيل إتغيِّر؟, الخلجات عليها هتاكل منِّيها حتة!..
رفع ليث يده عاليا وهتف بحنق:
- يوووه يا أمّا... مش عتخرج جودام الخلايج إكده!.
الأم بنبرة زاجرة:
- ليث.. انت جرالك حاجة بعد الشر؟, مرتك مالها ما هي زي الفل أهي؟, اسمع يا ولدي الله يرضى عليك مش وجت مناجرة دلوك, وبعدين مرتك هتلبس عباية سودة وبرجع يبجى لازمته ايه عمايلك ديْ؟.
ارتدت سلسبيل عباءتها السمراء ونقابها الذي أظهر عينيها المخططتين بالكحل الأسود العربي ليزمجر ليث للمرة الألف هذه الليلة وهو يهتف مشيرا الى عينيها:
- ها.. شوفي يا أمّا.. عينيها ظاهرة كيف؟.
نظرت الأم الى عيني سلسبيل وأجابت بلامبالاة:
- وايه يعني عادي, محدش شايف حاجة والدنيا ليل, مش هنخطي من ناحية الرجالة واصل, ياللا يا سلسبيل يا بتي ولدي فاضي باينُّهْ..
خرجت ساحبة سلسبيل معها والتي لمحتى نظرة وعيد رماها بها ليث!!..
عادت الى حاضرها وهي تطالع العروستين لتنهض وتتجه اليهما مهنئة, وبعد قليل مدّت مائدة عشاء للسيدات بالداخل وأخرى للرجال خارجا, وبعد فترة بدأ الحضور بالانصراف ولم يبقى سوى سلسبيل وحماتها وزينب بالداخل وليث وصغار سلسبيل ووالده مع رياض زوج زينب بالخارج..
مالت زينب على أذن راوية هامسة:
- اجصري الشر يا ختي وابتسمي ولو بالكدب, الحاجة فاطنة عينها عليك من أول الليلة, بلاش تِكَبِّري الموضوع..
هتفت راوية بصوت منخفض وبنزق:
- يعني عاوزاني أتحزم وأرجص؟, مش كفاية سرجوا مني عيالي التنيين واني ساكتة وحاطة البُلغة في خشمي وما نطجتش بولا كلمة؟, زينب اجصري انتي في حديتك الماسخ دِه..
نظرت اليها زينب بإشفاق وأجابت قبل أن تنصرف عنها:
- خلي ابليسك راكبك لمن في الآخر هتجولي يا ريتني سمعت كلامك يا ختي..
وتركتها وانصرفت لتعلن الجدة بعد قليل رغبة العريسين بالجلوس الى عروسيهما, فنهضت كلا من سلافة وسلمى واللتان قد تعالت ضربات قلبيهما توترا وخشية مما هو آت, ولكن ظلا متماسكتين كي لا ينكشف ما يعتريهما من توتر وقلق..
دخلت سلافة الى غرفة أعدت سابقا لتجلس فيها مع غيث, كانت هناك مائدة مصفوف عليها أطباق العشاء, وقفت ما إن أغلقت الجدة الباب خلفها تطالع الباب وكأنها تريد حفظ النقوش المزدان بها خشب الباب ليطرق سمعها همسة خشنة:
- ما شاء الله تبارك الله, سبحان من صوّرك..
استدارت سلافة لتشهق بغتة وهي تتراجع الى الوراء عدة خطوات فقد فوجئت بغيث وهو يقف أمامها تماما, نظر اليها غيث بنظرات أشاعت الفوضى والإضطراب في سائر حواسها, أشاحت بوجهها جانبا بينما تقدم ليقف أمامها وهو يتابع بوله شديد:
- الجمال ديِه كلّاته بجى ملكي أنا...
ابتلعت ريقها بصعوبة, فامتدت يده ليقبض بسبابته وابهامه على ذقنها مديرا وجهها إليه ليتابع ونظراته تلتهمان تفاصيل وجهها بدءا من عينيها بليلهما السرمدي ثم حاجبيها الرفيعين مرورا بأنفها الصغير الدقيق حتى ثغرها بلونه الزهري الشهي ليطق وقتها آهة من أعماقه جعلتها تضطرب وهي تسمعه يهتف بصوت خشن من فرط الانفعالات التي تمور بداخله:
- مبروك يا جلب غيث, ما تتصوريشي فرحتي جد إيه دلوك؟.
ابتسمت ابتسامة صغيرة وأجابت ببحة مثيرة فقد خانها صوتها لفرط توترها مستعدية بعضا من مرحا وهي تسأل:
- جد إيه يا ولد عمي؟.
ابتسم غيث لطريقتها في التحدث باللكنة الصعيدية, قال مبتهجا:
- اعرفتي تتكلمي زيينا أهاه..., مش جولتلك هنعملك حاجات كتير بس انتي اصبري..
قالت سلافة وقد بدأ توترها بالزوال وهي تبتسم ابتسامة سحرت عقل غيث الذي وقف يراقب تحرك شفتيها وهي تتكلم بتوق شديد لمعرفة مذاق هذه الفاكهة التي كانت محرمة عليه قبلا ولكنها أصبحت حلالا خالصا له ما أن عقد عليها ليعلنهما الشيخ زوجا وزوجة أمام الجميع:
- وهتعملني ايه تاني يا ولد عمي..
ليميل عليها فتضرب أنفاسه الساخن صفحة وجهها البيضاء لتشعر بسخونة تنبعث منه بينما تمتد يديه تقبضان على ذراعيها وتسحبان جسدها لتلتصق بجذعه القوي وهو يجيب بينما كان يطالعها كالمسحور لا يكاد يشيح ببصره عن ثغرها الزهري الطري:
- هعلمك كيف تحبيني كيف ما بحبك, لو اني حبي أكتر بكَتير من أي #حب ممكن تسمعي عنِّيه, بحبك يا بت عمي بحبـ....
وكأنه وجد أن الفعل أبلغ تعبيرا عن الكلام ليميل على ثغرها الوردي مختطفا إيّاه بقبلة ضارية أودعها شوقه وعشقه وتوقه لها, حاولت الافلات منه في البداية ولكنه كان أقوى منها بمراحل, ليعتصر خصرها الدقيق بذر اعيه فيلمس بشرة ذراعيها المكشوفين ففستانها كان من الشيفون المبطن بالساتان باللون الأصفر الليموني, ينسدل على قامتها حتى منتصف ساقيها, وكانت ذراعيه مكشوفين فهو ذو أكمام قصيرة للغاية, بينما فتحة العنق واسعة تُظهر كتفيها, غاب غيث في عناقه لها, يكاد يقسم أنه كان سيفنى لو لم ينهل من شهدها, فكأنه العليل وثغرها هو ترياقه الوحيد, ضعفت مقاومتها وانتبه لسكونها بين يديه, أبعدها عنه بصعوبة بالغة, واستند بجبينه الى جبينها وهو يقول بصوت خرج أجشا محملا بأحاسيسه القوية التي ولأول مرة يشعر بها بل إنه تفاجأ أنه يملك القدرة على الشعور بها لهذه الدرجة ولكن هذا طبيعي وخاصة في حالته فهو ليس محبّا عاديّاً.. بل هو عااااااشق حتى النخاع لعروسه التي أذاقته الأمرّيْن حتى واقفت على الارتباط به, قال بشوقه كله:
- احنا لازمن نتزوج بأسرع وجت, مش هجدر أستحمل يا سلافة, ارحميني يا بت عمي ووافجي!.
سحبت أنفاسها ببطء وعلى دفعات صغيرة حتى استعادت هدوئها الذي تبعثر على يد غيث بهجومه المباغت لحواسها, أجابت بابتسامة صغيرة لم يرها ولكنه سمع صوت ضحكتها في نبراتها المشاغبة بدلال:
- بعد اللي انت عملته انهرده دا يا ابن عمي انسى يكون في جواز قبل سنة!.
انتهزت فرصة مفاجئته من قولها لتبتعد عنه ما ان ضعفت قبضته لها, رجعت عدة خطوات الى الخلف حتى اصبحت على مسافة كانت بالنسبة لها آمنة فهي أصبحت على يقين أن غيث قد وصل صبره الى منتهاه ولا بد أن تمسك هي بلجام علاقتهما ماذا وإلا وبطريقته تلك قد تصحو في الغد تجده وقد حدد موعد الزفاف مع والدها!..
تقدم غيث خطوتين ثم سأل مستهجنا وهو يقطب حاجبيه, فهو من جهة يشعر بالغيظ من جوابها ومن ناحية أخرى يعر بالحنق الشديد لاستغلالها دهشته وابتعادها عنه وحرمانه من عذب حضنها الدافيء ورائحتها المسكرة:
- يعني إيه الكلام دِه ان شاء الله؟.
أجابت سلاة وهي تغمزه بشقاوة محببة مقلدة لكنته الصعيدية:
- اللي انت سمعته يا كَبير, ياللا دلوك أحسن يستعوجونا!..
هم بالكلام عندما قاطعه صوت طرقات على الباب فانتهزت سلافة الفرصة وركضت لتفتح ليطالعها وجه جدتها المغضن فاترمت بين ذراعيها وهي تهتف بمرح:
- ماما ستو, تصدقي حالا غيث كان لسه بيقول عاوزين الحاجة تيجي تتعشى معانا!.
فتح غيث عيناه على وسعهما وهتف بذهول:
- أني..
لتقاطعه سلافة:
- أيوة طبعا, عموما أيه رأيك أنا بجد شبعانه نطلع نقعد مع جدو شوية أحسن دا وحشني أوي...
ثم تأبطت ذراع جدتها وسارت معها تاركة غيث يلاحقها بنظرات مذهولة يكاد يضرب كفّا بكف من فرط دهشته وألاعيب هذه الجنية الصغيرة التي تكاد تذهب بعقله!.
------------------------------------------------------
عند سلمى وشهاب:
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
كما فعلت الجدة مع غيث وسلافة فعلت مع سلمى وشهاب إذ أدخلت سلمى الى غرف جانبية قبل أن تغلق الباب خلفها, جالت سلمى بعينيها حولها لتقع عيناها على مائدة عامرة بكل ما لذ وطاب من طعام ولم تكن قد تذوقت لقمة واحدة منذ الصباح الباكر, وكأنها برؤيتها للطعام قد افتكرت جوعها لتعلن معدتها أصوات الاحتجاج, فاتجهت حيث المائدة وأزاحت كرسيا لتجلس, أمسكت شوكتها وتناولت حبة من ورق العنب المحشو والذي تعشقه لتمضغه بلذة وبطء حتى ابتلعتها ثم تبعتها بأخرى تتلذذ بمذاقها وهي تغمض عينيها ليصل همس أجش الى آذانها يقول بخشونة ذكورية جذابة:
- هتخليني أحسد ورق العنب كدا وانتى بتاكليه بالاستمتاع دا!.
فتحت عيناها لتطالعها عيناه وقد دكن لونهما حتى غدا كسماء مظلمة في ليل شتوي بارد, ابتلعت باقي لقمتها ببطء ثم وضعت شوكتها جانبا وقد غادرتها شهيتها لتمسح فمها بمنديل ورقي, ثم تسلط نظراتها على نقطة وهمية فوق مفرش المائدة أمامها بينما تلمح بطرف عينها شهاب وهو يجلس على الكرسي الآخر بجوارها فاردا ذراعه على مسند كرسيها مستندا بذراعه الآخر على المائدةأمامه فكأنه يحوطها من الجانبين!, همس شهاب وهو يميل اتجاهها:
- مبروك, ألف مبروك يا عروسة..
سعلت قليلا لتجلي حلقها قبل أن تجيبه بخفوت قائلة:
- الله يبارك فيك..
سكت يطالع هيئتها المهلكة لحواسه, بدءا من شعرها بخصلاته اللولبية الناعمة التي أطلقتها تحيط بوجهها مرورا بزينة وجهها وعينيها المظللتين بلون الزرع الأخضر ليعزز من لون عينيها, ثم أنفها الشامخ فثغرها الخوخي اللون الذي يتماشى مع فستانها المشمشي اللون والذي يغطيها من أعلاها الى أسفلها ولكن... بفتحت عنق عميقة تظهر عظمتي الترقوة وتختفي حلية سلسالها داخل هذه الفتحة ليبتلع ريقه بصعوبة وهو يحاول اكتشاف أين تماما اختفت حلية السلسال؟!, بينما ذراعاها يغطيهما قماش الفستان الشيفوني حتى المرفقين, مال اتجاهها هامسا وهو تائه في غابات عينيها:
- أكّليني!.
نظرت اليه بانشداه بينما زحف اللون الأحمر الى وجنتيها ليجعلها آية في الجمال, وبدون كلام رفعت شوكة نظيفة وهمّت بالتقاط إحدى محشو ورق العنب عندما اعترض هامسا أمام وجهها:
- لا.. بشوكتك إنتِ!..
قطبت لا تعي ما يقوله ليعيد على سمعها وقد مال أكثر اتجهها هامسا في أذنها لتضربها رائحة عطره الرجولي من خشب الصندل الممتزج برائحته الخاصة صانعا عطرا رجولي أخذ بلبها حتى أنها كادت تشعر بالدوار:
- شوكتك أنتي يا بنت عمي!.
رفعت شوكتها وكأنها مسلوبة الإرادة وتناولت إحدى ورقات العنب وقربتها من فمه ليميل عليها قابضا عليها بأسنانه ليمضغها ويبتلعها وهو لا يبعد بعينيه عنها مقدار شعرة, وما ان انتهى من تناولها حتى تناول الشوكة من يدها لتتلامس أصابعهما فيسير تيارا كهربائي عال التردد بينهما لتشعر برعشة في سائر أطرافها, تناول احدى ورقات العنب بطرف الشوكة ومدها لها لتتناولها بأسنانها اللؤلؤية, وهكذا مرة هي تطعمه وأخرى هو يطعمها حتى شارف طبق محشو ورق العنب على الانتهاء عندما تناول آخر واحدة بالوكة وقال بهمس:
- افتحي بؤك..
لتنصاع طواعية كالمغيّبة, وما ان ترك طرف الشوكة ورقة العنب بين اسنانها حتى سارع هو بالتقاط النصف الآخر بفمه لتيبعها بقبلة كاسحة, كانت بداية لعناق أقل ما يقال عنه أنه قااتل للحواس!, احتواها بشدة ورفعها بين ذراعيه وكأنها طفلة صغيرة لا تزن شيئا ووضعها على ركبتيه مواصلا عناقها المغيب للعقل, مرت فترة طويلة حتى تركها على مضض بعد أن استشعر حاجتها للتنفس, وضع ذقنه فوق خصلاتها الناعمة ملتقطا أنفاسه الثائرة ليهمس بصوت أجش خشن من فرط رغبته التائقة التي تستجديه لينال امرأته الآن وفي التو واللحظة:
- أنا هتفق مع باباكي الفرح يبقى أول الشهر, يعني بعد اسبوعين من انهرده, ولو عليّا ندخل انهرده!.
لتشهق عاليا مبتعدة عنه وتضربه بقبضتها الصغيرة فوق كتفها هاتفة بحنق:
- انت.. انت قليل الأدب!, وأنا بعد اللي انت عملته دلوقتي دا انسى أني أوافقك على الجنان اللي انت بتقوله دا!.
نظر اليها بابتسامة قائلا بمكر:
- حبيبتي الجنان ان مراتي حبيبتي تبقى قودامي وبين إيديا وأتحرم منها, ظلم دا ولا مش ظلم؟.
هتفت بنزق وهي تحاول القيام من جلستها في حضنه بينما يتشبث هو بها مضيقا الخناق حول خصرها:
- لا طبعا مش ظلم, واتفضل بقه ابعد عاوزة أقوم..
هز كتفيه بلا مبالاة وأجاب ببرودة زائفة:
- والله انا واخد مراتي في حضني ومش عاوزها تبعد عني ثانية واحدة, انتي بقه عاوزة تقومي دي مشكلتك انتي مش مشكلتي..
هتفت بحنق بينما اصطبغ وجهها بلون الدم لفرط خجلها وغيظها منه:
- يا سلام انت هتستعبط؟, ابعد يا شهاب خليني أقوم أحسن حد ييجي دلوقتي شكلنا مش هيكون حلو..
قال شهاب بلا مبالاة:
- ايه اللي في شكلنا مش حلو؟, واحد ومراته حبيبته فرحان بيها ومش عاوز يسيبها فيها ايه دي أفهم أنا؟, وبعدين اطمني محدش هييجي..
وكأن الله قد استجاب لدعائها فقد تعالت صوت طرقات على الباب ليعلو صوت الجدة فأفلتت سلمى من بين يديه بصعوبة وساوت ثيابها قبل أن تتجه الى الباب بينما وقف هو قاطبا ليفتح عيناه على وسعهما وهو يطالع جدته تدخل وبيدها سلافة ووراءهما غيث في حالة يطغى عليها الذهول الممتزج بالحنق والغيظ ولا يعلم هاجمه هاجس يخبره أنه ما هي إلا ثوان ويخرج من هنا حاملا لنفس تعبير وجه غيث؟!..
ما هي إلا ثوان الا وكانت الجدة تخرج من الغرفة تتأبط في كل ذراع بسلمى وسلافة يتبعهما غيث وشهاب يسيران بجانب بعضهما ينظران الى من سلبتاهما طعم الراحة تارة والى بعضهما بأسى أخرى وإلى جدتهما برغبة في الاستنكار وبقوة ثالثة!!.
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
سافر غيث وسلافة لمقابلة النائب العام وتقديم الأدلة التي بحوزة سلافة والتي أدلت بأقوالها كاملة حول معرفتها بقضية مريم وسامح, ورحلا بعد أن اطمئنا الى سير العدالة بمجراها الطبيعي, وكانت سلافة تشعر بالتفاؤل الشديد فهي ستنفذ وعدها لمريم ولن تفرط في أمانتها والجناة سنالون عقابهم الذي يستحقونه بينما هي لن يذهب دمها هدر, ولكن بعد يومين أتاها الخبر الذي قوّض سعادتها تلك!.
كانت سلافة وغيث قد ذهبا الى محامي سامح الذي كان في غاية التعاون معهما وشعرا أنه يريد مساعدتهما في إظهار الحق مما بدد مخاوفهما بشأنه, أخبرهما المحامي بأنه سيتدقم بطعن في قضية سامح معللا ذلك بظهور ادلة جديدة تثبت أقوال سامح السابقة بشأن اتجار المستشفى التي كان يعمل بها بتجارة الاعضاء, وعليه فسيأمر النائب العام بإرفاق الأدلة لباقي مستندات القضية, وبالفعل سارت الخطة كما رسمها المحامي ولكن ما لم يحسبوا حسابه هو مدى قدرة هؤلاء الناس على الوصول الى غايتهم, بل مدى الأجرام الذي قد يصلون إليه في سبيل منع أيّا كان من الوصول اليهم, كان ذلك بعد إعادة فتح قضية سامح بيومين اذ قرأت سلافة خبر حريق في غرفة حفظ الأدلة بالمحكمة!, مما جعلها تقفز بهلع وتتجه مستفسرة من المحامي مهاتفة إياه وهي تصيح به أن يشرح لها حقيقة ما حدث حتى أن غيث قد دخل سريعا على صوتها العالي وهي تصيح:
- يا شريف بيه انا مش فاهمه ازاي حريق في مكان بيحفظوا فيه أدلة مهمة زي دي؟.
أنصتت قليلا قبل أن تتابع وهي تلهث لالتقاط أنفاسها الثائرة:
- يعني ايه ماس كهربائي؟, هو كل مصيبة يقولوا ماس كهربائي, حاضر.. ههدى.. بس يا ريت تعرفني اللي بيجرى أول بأول..
أنهت المكالمة بينما يسألها غيث مقطبا عمّا جرى فسردت عليه آخر الاخبار, احتواها بين ذراعيه وهو يقول بتصميم:
- ولا يهمك يا سلافة, أنا متوكد ان الحج هينتصر برضيكي, وبعدين اني مش هسيبهم واصل, أني أعرف ناس مهمين جوي في الداخلية بحكم شغلنا, بس ما كونتش عاوز أدخِّلهم جولت أستنى لمن نشوف ايه اللي هيوحصل؟.
ثم رفع رأسها ناظرا الى عينيها #حب قبل أن يردف بابتسامته المحبة رغبة منه في تلطيف الأجواء:
- انتي لساتك متعرفيشي مين همّا عيلة الخولي؟, عيلتنا كبيرة جوي يا سلافة وبنشتغل مع ناس من كبارات البلد, وصدجيني دم صاحبتك معيروحش هدر, وبعدين انتي ناسية انه لسه جضية جتلها ما اتجفلتش لساتهم عم بيدوروا ع الجاني..
ابتسمت سلافة بتعب وأومأت برأسها ايجابا, فتابع غيث:
- بجولك ايه أني هوصل مشوار اصغيّر إكده ولكن أرجع ألاجيكي روجتي, ماشي الكلام؟..
همهمت بالموافقة, فطبع قبلة علة وجنتها وانصرف, بينما جلست هي تستعيد ما سمعته من المحامي عندما دخل اليها والدها فتجاذبت معه أطراف الحديث حيث أخبره غيث بآخر التطورات ليقطع حديثها ووالدها رنين هاتفها المحمول فطالعت الاسم لتجيب بلهفة ما ان طالعت اسم المحامي شريف, كانت تستمع بلهفة أن يكون هناك تطورات في اقلضية لصالحهم عندما جمدت تعابير وجهها وتسمرت في مكانها لينهض رؤوف واقفا ويتقدم ناحيتها بينما سقط الهاتف من يدها, سألها رؤوف بقلق:
- في ايه يا سلافة؟, ايه اللي جرى؟.
رفعت سلافة عينان مذهولتان اليه وهي تمتم بغير تصديق:
- ضد مجهول يا بابا!, القضية اتقيدت ضد مجهول!, دم مريم راح هدر يا بابا راح هدر!..
أغمض رؤوف عينيه متأثرا وهو يتحوقل قائلا:
- لا حول ولا قوة إلا بالله...
لتبرق عينا سلافة ببريق وحشي وهي تهتف بعزم وإصرار:
- لكن لأ... أنا صعيدية وتاري لازم آخده, ولو القانون عجز انه ياخد لي بتاري, فأنا مش هسيب تار مريم يروح هدر أبدا!..
رؤوف قاطبا بريبة وقلق:
- يعني ايه يا سلافة؟.
نظرت اليه سلافة ببريق وحشي لم يسبق وأن رآه في عيني صغيرته سابقا وأجابت بشراسة:
- يعني اللعبة لسه ما انتهتش, أنا صعيدية يا بابا ومش ممكن أسيب تاري أبدا, وتار مريم أنا اللي هاخده...
وفجأة ارتسمت صورة مريم أختها التي لم تلدها أمها أمام عينيها لتمتلئ مآقيها بالدموع وتبدأ شفتيها بالارتجاف وهي تتذكر صور عديدة لمريم وهما سوية وأثناء مزحهما سوية وخروجهما وعملهما, صور مختلفة عديدة لتصيح بحرقة عالية:
- آآآآآآه.. يا مريم, مريم...
حاول رؤوف تهدئتها لتلفها فجأة غمامة سوداء ويدخل غيث مسرعا على صيحة سلافة والذي صادف وقت رجوعه ليتلقاها بين ذراعهي قبل أن تهوى وتنظر اليه هامسة بضعف ودموعها تسيل مغرقة وجهها:
- انت صح يا غيث, انت صح!.
وتسقط بعد ذلك في تلك الدوامة السوداء التي ابتلعتها لعلها تبتعد عن ذلك العالم القاسي ولو لدقائق في حين هتف غيث بلوعة وهو يعتصرها بين أحضانه موجها حديثه الى عمه الذي ركض الى الخارج طلبا للمساعدة:
- نادي سلمى يا عمي, سلافة هتروح منينا..
لينظر بعد ذلك الى وجهها المغمض العينين الراقد بين ذراعيه بلا حول ولا قوة وقد غزاه الشحوب الشديد مردفا بقسم ووعيد:
- واللي خلج الخلايج لأخد لك ابتارها ودمها ما عيروحش هدر, بس انتي جوميلي يا جلب غيث, جومي يا سلافة, ما تعمليش فيا إكده..
ولكن سلافة كانت هناك في تلك الغيمة السوداء التي ابتلعتها لا تعي شيئا مما حولها!!..



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:23 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.