آخر 10 مشاركات
❤️‍حديث حب❤️‍ للروح ♥️والعقل♥️والقلب (الكاتـب : اسفة - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          وخُلقتِ مِن ضِلعي الأعوجُا=خذني بقايا جروح ارجوك داويني * مميزة * (الكاتـب : قال الزهر آآآه - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          دجى الهوى (61) -ج1 من سلسلة دجى الهوى- للرائعة: Marah samį [مميزة] *كاملة* (الكاتـب : Märäĥ sämį - )           »          56 - الندم - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-16, 10:19 AM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



19

انتهت سلمى من فحص شقيقتها وقالت لوالديها وزوجها المحيطين بها يراقبان ما ستقوله بقلق وترقب:
- اطمنوا هي الحمد لله بخير, الضغط واطي عندها شوية بس..
قال روؤف بقلق في حين اقترب غيث للجلوس بجانب حبيبته وهو يمد يده متناولا يدها لتضيع داخل راحته الكبيرة:
- بس دي مش أول مرة يا سلمى يا بنتي ضغطها ينزل ويغمى عليها؟.
اعتدلت سلمى واقفة وأجاتب وهي تنظر بتركيز الى والدها:
- واضح يا بابا كدا انه فيه حاجة شاغلة سلافة, أو بمعنى أصح قلقاها وجدا كمان, وزي ما ارتفاع الضغط بيكون اوقات عصبي بردو الهبوط في ضغط الدم ممكن يكون لنفس السبب..
اقتربت ألفت من ابنتها وقالت بلهفة الأم:
- طيب والحل يا سلمى يا بنتي؟.
سلمى بمهنية لم تخلو من قلق ولهفة لمعرفة سبب ما يحدث لشقيقتها الوحيدة ولكنها حاولت بث الطمأنينة في نفس أمها المرعوبة على ابنتها بابتسامة صغيرة:
- ما فيش حاجة يا ست الكل, كل الحكاية انها تاكل كويس وتنام كوي سوهي هتبقى زي الفل, فياريت بقى تجهزي لها أحلى أكل من ايديكي عشان لما تصحى تاكل, وأنا مش هسيبها الا لما تخلصه كله..
هتف غيث مقاطعا بلهفة وهو يعب من ملامح فاتنته:
- أني اللي هوكلها بيدي, ما تشيليشي هم يا مرت عمي..
انصرفت ألفت من فورها لتجهيز الطعام ووقتها التفتت سلمى الى والدها الواقف يراقب ابنته الراقدة بلهفة وشفقة ونقلت نظراتها بينه وبين زوج اختها الذي حاكى شحوبه شحوب أختها الراقدة لشدة خوفه وهلعه عليها عندما سقطت مغشيا عليها بين ذراعيه, اقتربت سلمى من أبيها وتحدثت بجدية بالغة:
- بابا لو سمحت سلافة فيها ايه؟, لو سمحت يا بابا سلافة أختي الوحيدة ودي مش أول مرة يجرالها اللي جرى, سلافة مالها؟.
تبادل رؤوف وغيث النظرات قبل أن يزفر رؤوف بعمق ويجيب باستسلام:
- هقولك يا سلمى بس عاوز منك وعد ماما متعرفش, انتي عارفة هي بتقلق أد إيه ولو عرفت مش هتدوق طعم الراحة!.
اقتربت سلمى من والدها ونظرت اليه واضعة يدها فوق كتفه وهي تجيب بقلق ودهشة:
- كلام حضرتك يخض يا بابا, سلافة مالها, وايه اللي حصل بالظبط؟.
فطفق رؤوف يسرد عليها ما حدث منذ لقائها بمريم في القاهرة الى أن سقطت بين يديهم منذ سويعات مغشيًّا عليها..
هتفت سلمى والدموع تترقرق بين مآقيها وهي تنظر الى أختها الراقدة لا حول لها ولاقوة:
- يا حبيبتي يا سلافة, ثم لتسيل دموعها في صمت وتتابع وهي تغمض عينيها بشدة:
- الله يرحمك يا مريم..
ليصدح صوت هاتفها المحمول قاطعا اياها فنظرت ليطالعها اسم شهاب, استقبلت المكالمة وهي تحاول إجلاء صوتها بينما تمسح دموعها بأصابعها الغضّة:
- اهلا يا شهاب, لا ما فيش انا فوق عند بابا سلافة تعبت شوية فبابا كلمني جيت على طول وبلغت سالم أنه يقفل العيادة..
سكتت لتستمع قليلا قبل أن تجيب:
- معلهش يا شهاب كنت مستعجلة وسالم وقف لي توك توك جيت بيه..
أغمضت عينيها قليلا ثم فتحتهما وقاطعته بحزم:
- شهاب معلهش مضطرة أقفل دلوقتي عشان سلافة بتفوق, مع السلامة..
وأغلقت سريعا هاتفها لتغلقه بعد ذلك نهائيا فهي ليست في مزاج رائق لتحمل لوم شهاب لها من عدم محادثته واخباره بل وركوبها في وسيلة المواصلات المنتشرة بكثرة في البلد "التوك- توك" بمفردها...
أولت انتباهها الى أختها اليت كانت تصحو من إغمائها بينما اشتدت قبضة غيث على يدها وهو يهتف بحب:
- سلافة, جومي يا بت عمي..
فتحت سلافة عينيها لتطالعها صورة مهزوزة في أول الأمر ما لبثت أن استقرت الرؤية بعد ذلك لترى وجه غيث يطالعها بقلق ولهفة ومن خلفها ظهرى لها وجه والدها لتأتي شقيقتها من الناحية الأخرى للفراش وهي تهتف محاول المرح:
- صح النوم يا هانم..
ابتسمت سلافة ابتسامة شاحبة وقالت وهي تدير رأسها للنظر الى أختها:
- انا بقالي أد ايه وانا نايمة كدا؟.
أجابت سلمى:
- ساعة يا هانم لما نشفتي دمنا..
قاطعهما صوت الباب وهو يفتح وتدخل ألفت حالة صينية رصت فوقها أطباق عديدة مما لذ وطعام من طعام يفوح رائحته في الجو ليسيل اللعاب, وضعت الصينية فوق الطاولة الصغيرة الموضوعه أسف النافذة الزجاجية العريضة التي تتوسط الحائط المجاور للفراش, ثم اتجهت الى ابنتها لتفسح لها سلمى لتجلس بجوار ابنتها فيما نهضت سلمى لتقف بجوار أبيها الذي تقدم ليميل على صغيرته مقبلا جبينها وهو يقول بحنو:
- حمد لله على سلامتك حبيبتي..
رددت سلافة بوهن:
- الله يسلمك يا بابا..
ثم وعت ليدها المستكينة بين راحتي غيث فنظرت اليها بينما همس لها وعيناه تلتهمان تفاصيل وجهها الشاحب ولكنه لم يفقد جاذبيته المهلكة أمام عينيه:
- وجعت جلوبنا يا بت عمي..
ابتسمت سلافة بضعف وهي تجيب:
- معلهش يا ابن عمي, شوية وهبقى كويسة ان شاء الله..
هتفت سلمى بمرح وهي تشير الى صينية الطعام الموضوعة جانبا:
- لا يا هانم انتي هتخلصي الأكل دا كله, ولما أشوف شطارة خطيبك بقه, هو قال انه مش هيسيبك الا لما تخلصي أكلك كله..
أجاب غيث وهو يتطلع الى سلافة بحب:
- اطمني يا بت عمي, م هفوتها الا لمن تخلص الوكل كلاته..
ألفت بابتسامة:
- أنا عاملة حسابك معاها يا غيث, كل معاها عشان تفتح نفسها, واحنا هنتطلع نتغدى بره ونسيبكم براحتكم.., ثم نظرت الى سلمى متابعة:
- ياللا يا سلمى عشان نحضر السفرة..
ثم نهضت من مكانها بعد أن قبلت ابنتها وانصرف الجميع تاركين سلافة برفقة غيث الذي كان يريد احتوائها وبقوة بين ذراعيه ومنع نفسه من ذلك بصعوبة وليس المانع وحده هو وجود والدها ولكنه لم يعتد على إظهار مشاعره أمام الآخرين..
مال غيث على يدها القابعة في يده مقبلا لها ثم نهض وأحضر صينية الطعام ليضعها بجوارها فوق الفراش ويقول وهو يكشف الأطباق ليستنشق رائحة الطعام الذكية:
- ياللا يا بت عمي.. الوكل دِه لازمن يخلص كلّاته..
ثم رفع يده بمعلقة الطعام ومدت يدها لتتناولها فأبعدها عن متناولها وهو يردف بابتسامة:
- لاه.. أني اللي هوكلك بيدًّي.
ابتسمت سلافة ابتسامة صغيرة ولم تستطع إلا أن تداعبه بمرحها المعهود بينما خرج صوتها يشي بتعبها:
- هتوكلني بيدك وانت تاكل بإيه؟
مال عليها ناظرا في عينيها وقال وهو يضع الملعقة أمام ثغرها الوردي ففتحته تلقائيا ليدفع بها الى داخل فمها وهو يهمس بينما تتقد عيناه بشرارات من نار جعلت الدم يجري ساخنا في أوردتها كالعسل الدافيء:
- هاكل بيدك إنتي!
أطبقت شفتاها على الملعقة تلقائيا وما ان تناولت ما تحمله اليها من طعام حتى سحبها ولم يتمالك نفسه ليهوى على شفتيها بقبلة خفيفة كرفرفة جناح فراشة ولكنها دغدغت أوصالها لتغمض عينيها سابحة في عالم جديد عليها لم تختبره إلا على يد غيثها وحده!!, ابتعد عنها بعد برهة لينظر الى عينيها وهو يهمس بعشق ملتهب يظهر من بين فحم عينيه المشتعل:
- بحبك...
ابتسمت بخفر وأسدلت عينيها حياءا لتمتد يده ويمسك بذقنها بسبابته وإبهامه رافعا وجهها إليه وهو يهمس أمام شفتيها المكتنزتين اللتان تحملان آثار قبلته الملتهبة:
- مش ناوية تفرحي جلبي وتجوليهالي إنتي كومان يا بت عمي؟.
أجابت بابتسامة مداعبة بينما تتراقص شقاوتها في ليل عينيها وهي تمط شفتيها باستفزاز ألهب أحشائه:
- تؤ تؤ تؤ, لسه يا ولد عمي, لمن يتجفل علينا باب واحد ساعتها أفكّر... ( كانت تحاكي لهجته الصعيدية بابتسامة رافعة حاجبها بتحد مرح )..
سكت غيث قليلا ثن وبكل هدوء حمل صينية الطعام ووضعها جانبا, ثم مال عليها فجأة لتميل الى الخلف وهي تشهق بدهشة خفيفة فيميل بدوره مشرفا عليها ويقول بينما عيناه تراقبان ثغرها المكتنز برغبة مشتعلة بين رمادي عينيه:
- اذا كان إكده.. يبجى حضري حالك, زواجنا على أول الشهر اللي جاي, ودِه آخر كلام عندي, ماذا وإلا ما عتلوميش الا نفسك يا بت عمي, أني خلاص صبري خولُصْ..
حاولت سلافة دفعه بعيدا وقالت وهي تضع راحتها الصغيرة فوق عضلات صدره العارمة لتبعده قليلا لتشعر بدقات قلبه المتلاحقة والتي كأنها تتسابق في سباق ماراثوني:
- لا طبعا ما ينفعش, بطّل تهريج يا غيث, وعموما بابا أكيد مش هيوافق, مش هحلق أجهز ولا أعمل حاجة..
نظر اليها بتحد وأجاب:
- طيب إذا جولتلك أننا متى ما خولصنا من مشوار #مصر أني كفيل إني أجنع عمي أنه يوافج؟!.
غامت عينا سلافة ما ان ذكر مهمتهما المقبلة في القاهرة, وانطفأ بريق المرح من عينيها لترفع عينان ترقرقت فيهما دموع صامتة وقالت بصوت خافت حزين:
- تفتكر يا غيث هنقدر ناخد بتار مريم وتار سامح وتار كل اللي اتظلموا في الحكاية دي؟.
مد يده وليضعها أسفل رأسها ويقربها إليه ليحتويها بين ذراعهي وقد اعتدل في جلوسه, وقال وهو يربت على شعرها:
- أوعدك يا سلافة ان دم صاحبتك ماعيروحِش هدر ابداً, احنا صعايدة يا بت عمي, وتارنا معنسيبوش ولو كان في حنك السبع, الحجيجة هتبان واللي عِمل العملة ديْ هياخد جِزاه تالت ومتلّت كومان, ودِه وعد منّي..
رفعت ذراعيها لتطوق عنقه وألصقت نفسها به بقوة وكأنها تود الدخول بين ضلوعه بدون وعي منها وهتفت من أعماقها:
- وأنا مصدقاك يا غيث, مصدقاك وواثقة في كلامك ووعدك ليا, ربنا ما يحرمني منك أبداً.
وكان هذا أكثر من كاف لغيث حاليا, فها هي حبيبته وامرأته ترمي بنفسها بين ذراعيه برغبتها مصرحة له بإيمانها به بل إنها تدعو الله ألّا يفرق بينهما, أوليس هذا يعد إنجازا كبيرا بالنسبة له؟!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
أنهت سلمى تجهيز مائدة الطعام مع والدتها وما إن جلست هي ووالديها لتناول الطعام حتى تعالى رنين جرس الباب, فنهضت لترى من الطارق, فتحت الباب بينما تتعالى الرنات, لتفاجئ بشهاب وهو يقف أمامها فهتفت باسمه بدهشة:
- شهاب!..
تراجعت خطوتني الى اوراء ليدلف شهاب الى الداخل وتحل أصابعه مكان يدها ليغلق الباب خلفه وهو يقول رافعا حاجبه بسخرية:
- إيه مفاجأة؟, ويا ترى بقه حلوة ولا وحشة؟.
قبل أن يتثنى لها الجواب كان صوت والدها يعلو من الداخل مستفسرا عمن يكون الطارق, أشارت بيدها الى الداخل وهي تجيب والدها قائلة:
- دا شهاب يا بابا..
همى شهاب بالكلام عندما هزت رأسها نفيا ثم رفعت سبابتها لتضعها فوق شفاهها وهي تهمس:
- بعدين مش دلوقتي, تعالى نتغدى وبعدين ابقى قول اللي انت عاوزه, بس بلاش دلوقتي مش عاوزة بابا وماما يحسوا بحاجة كفاية اللي هما فيه بسبب سلافة..
زفر بضيق وقال بحدة مكتومة:
- ماشي يا سلمى, لما أشوف آخرتها معاكي إيه, اتفضلي قودامي..
دلفت سلمى الى غرفة الطعام يتبعها شهاب الذي رحب به والديها وهتف رؤوف:
- معلهش يا شهاب لا سلام على طعام, اتفضل حماتك بتحبك..
سحب شهاب مقعدا وجلس بجوار سلمى التي صبت له الطعام في صحن وقدمته له, مرت فترة تنالو الطعام بين أحاديث خفيفة لم تشارك فيها سلمى الا بالقدر اليسير, بعد انتهائهم من تناول الطعام نظر رؤوف لشهاب قائلا:
- انا هستأذن منك يا شهاب يا بني معلهش هدخل أرتاح شوية أحسن ما فصلتش من الصبح وكفاية قلقنا على سلافة..
نهض شهاب واقفا وقال بابتسامة صغيرة:
- اتفضل يا عمي, براحتك وألف سلامة على سلافة..
ألفت بابتسامة:
- عموما هو غيث جوة معاها بيتغدوا سوا, ولو اني معتقدش انه هيسيبها انهرده قلقتنا جامد عليها...
ثم وجهت عبارتها التالية الى سلمى:
- سلمى حبيبتي اعملي شاي لشهاب وشوفي غيث لو عاوز هو كمان, أنا هستأذن أنا كمان يا شهاب يا بني, معلهش يا سلمى شيلي انتي السفرة حبيبتي..
وانصرفت فيما انشغلت سلمى في جمع الصحون الفارغة, ليفاجئها شهاب بإمساكه يدها, رفعت عينيها إليه وقالت بهدوء:
- سيب أيدي يا شهاب..
كان يقف مقابلا لها من الجهة الأخرى للمائدة, فاستدار حول المائدة ليقف مواجها لها وهو لا يزال قابضا على معصمها وأجاب بحدة مكبوتة:
- مش قبل ما أفهم فيكي إيه؟, هتفضلي لأمتى تعامليني إني غريب؟, ازاي تمشي من العيادة من غير ما تقوليلي؟, وازاي تركبي توك توك ولوحدك؟, وازاي أختك تتعب ومعرفش ألا منك بالصدفة؟..
زفرت سلمى بضيق وأجابت:
- أنا مش فاهمه انت ليه عاوز تعمل مشكلة من لا شيء؟, بابا كلمني وقالي الحقي أختك وقعت من طولها وطبيعي أني أجري عليها أول ما أسمع الخبر, مش قصدي اتجاهلك ولا حاجة, وما فكرتش أكلمك, أنا كل تفكيري أني أروح بسرعة عشان أطمن على سلافة..
اشتدت قبضة شهاب على معصم سلمى حتى أنها أطلقت تأوه خفيف واقترب منها حتى ضربت أنفساه الساخنة بشرتها الحليبية وتحدث بغضب مكتوم:
- المفروض أنه انا اول واحد تفكري فيه في الوقت دا.. أنا جوزك يا هانم يعني الوحيد اللي ييجي على بالك أول ما تلاقي نفسك في مشكلة أو مأزق, لكن انتي اتصرفتي وكأني مش موجود, المفروض كنت كلمتيني عشان أجيلك وتروحي تطمني على أختك لكن أنا ولا جيت على بالك بالمرة, وبعدين وبمنتهى التهور والغباء تركبي توك توك لوحدك في بلد انتي متعرفيش طرقها كويس انتي استهتارك دا مالوش آخر؟!
قطبت سلمى بشدة وجذبت يدها من قبضته بقوة آلمتها ولكنها لم تهتم وابتعدت عنه بضعة خطوات الى الخلف وهي تكرر باستهجان:
- أستهتاري؟, أنا!!..
ثم شهرت سبابتها في وجهه وتابعت بحدة قلما تصل إليها:
- شهاب أنا ما اسمحش لأي حد أنه يتكلم معايا بالاسلوب دا, ولآخر مرة بقولك أنا واحدة متعلمة ومش بس كدا لأ أنا دكتورة وسافرت لوحدي في قوافل طبية كتير من وأنا في الكلية كمان, يعني متعودة أني اعتمد على نفسي, الموقف اللي حصل شل تفكيري أختي تعبانه ومغمى عليها ولازم أروح أشوفها, تعتقد هيكون فيا دماغ أفكر أروح إزايْ؟, اللي كان شاغلني مش ازاي أروح لا أنا كان شاغلني أني أروح لها وبسرعة, يعني الموضوع مافيهوش أي تقليل منك ولا قصد مني أني ما أكلمكش, ودي آخر مرة أسمح لك انك تكملني بالاسلوب دا!.
سكتت تلهث من فرط انفعالها, فيما وقف شهاب يطالعها بغموض قبل أن يتحدث بهدوء يشبه السكون قبل العاصفة:
- والمشكلة هنا!, أنتي بتقولي انت ما تسمحيش لحد انه يكلمك بالاسلوب دا.. لكن أنا مش حد!, أنا جوزك يا.. دكتورة, دا أولا.. ثانيا بقه.. أنا لو كنت فعلا مهم عندك كنت تلقائيا هتفكري فيا أول واحد, النفروض جوزك يا هانم هو دا اللي تلجئي له وقت شدتك, وغضبي أنك ركبت التوك توك دا مش تحكم فيكي ولا حاجة.. لا... دا خوف عليكي يا مدام, الموضوع مافيهوش دكتورة ولا متعلمة ولا جاهلة, لو لاق در الله مثلا طلع السواق ابن تيت مش هيسأل اللي راكبة معاه انتي متعلمة ولا جاهلة ولا دكتورة ولا ست بيت, وشهادتك مش هتخليه يبعد عنك مثلا, فهمت بقه يا دكتور ان الموضوع مش فرض رأي ولا حاجة, وحاجة أخيرة بقه..
سكت قليلا ليتقدم ناحيتها ويقف قبالتها تماما قبل أن يميل عليها لينظر الى غابات الزيتون في مقلتيها وهو يشدد على كل حرف يخرج منه:
- حكاية أنك مش هتسمحي لي اني أكلمك كدا تاني.. اوعي الجملة دي تتكرر منك تاني, أنا جوزك مش مراتك يا هانم.. يعني تاخدي بالك كويس أوي من كلامك بعد كدا.. وصدقيني لو اتكرر منك موقف انهرده دا او كلامك الخايب دا رد فعلي وقتها هيكون عنيف وعنيف جدا كمان, أنصحك ما تحاوليش تجربيه!.
ثم تركها بعد أن رماها بنظرة غضب حارقة امتزج فيها خيبة أمل جعلتها تقف لا تعلم كيف تجيب, هي لا تنكر أنها قد احتدت عليه بعبارات حادة ولكنه هو من دفعها الى ذلك, ولم تستطع اقصاء خوفه عليها الذي لمحته في عينيه ولمسته بين أحرف كلماته بعيدا عنها, فهو قد دغدغ مشاعر الأنثى بداخلها بخوفه وحرصه الذي لمسته في صوته, لتفاجأ بنفسها وهي تهتف باسمه عاليا ملتفتة اليه:
- شهاب..
ليقف قليلا بينما قطبت وهي تعض على لسانها الذي ناداه من غير وعي منها, نظر اليها من فوق كتفه وعلّق ببرود:
- أفندم؟, فيه حاجة يا دكتورة؟!.
سارت باتجاهه تقدم قدم وتؤخر أخرى الى أن وقفت أمامه تماما بينما أشاح برأسه هو الى البعيد, بلعت ريقها وقالت بصوت حاولت أخراجه ثابتا فخرج مهزوزا ضعيفا:
- أنا.. أنا آسفة, ما أقصدش المعنى اللي وصلك, لكن..
نظر اليها شهاب وهو يقول بذات البرود:
- لكن إيه يا بنت عمي؟.
نظرت اليه سلمى بعينين تغشاهما سحابة رقيقة من الدموع حاولت حبسها:
- أنا والله ما أقصد اللي جه في بالك, لكن زي ما تقول الخضّة على سلافة شلِّت تفكيري, معرفتش أفكر, لدرجة أني نسيت أقول لسواق التوك توك انا ساكنة فين, ولما قلت له استغرب وقالي كنت قولتيلي صراية الحاج عبدالحميد الخولي وانا كنت هعرفها على طول, دا غير اللي انا عرفته من بابا, كل دا خلّاني عصبية ومش قادرة أتلم على نفسي..
قطب شهاب وعلق:
- وايه اللي انتي عرفتيه من بابا خلّاكي كدا؟.
نظرت اليه بعينين شفافتين مجيبة:
- الأول قولي انك مش زعلان, أنا عارفة انى زودتها معاك, بس غصب عني والله..
شهاب بابتسامة شاحبة:
- يفرق معاكي زعلي أوي يا سلمى؟, لو كان يفرق ما كونتيش قفلت الموبايل بتاعك وخليتي قلقي يزيد لدرجة انى أجي على هنا على طول وما امشيش لما عمي قال انه تعبان وعاوز ينام, كنت لازم أفهم منك فيه ايه, وانتي لغاية دلوقتي ما قولتليش فيه ايه؟.
قالت سلمى زافرة باستسلام:
- هقولك.. تعالى نقعد في الصالون وانا هحكيلك على كل حاجة..
انتهت سلمى من سرد حكاية مريم التي أخبرها بها والدها, علق شهاب فور انتهائها من سردها:
- يا ولاد الـ... دي بلطجة وإجرام عيني عينك, الناس دي لازم تتشنق وفي ميدان عام كمان..
ترقرقت الدموع في عيني سلمى وأجابت وهي تستند بظهرها الى المقعد خلفها:
- عارف يا شهاب.. مريم دي كانت أختنا التالتة, بنت زي الملاك, في طيبتها وروحها الحلوة, لما اتخطبت لسامح كلنا فرحنا لها أوي, كانت فرحتهم ببعض كبيرة جدا..
نظرت اليه بينما انسابت دمعة كحبة اللؤلؤ انسابت تخدش نعومة بشرتها الحريرية فيما تتابع بحزن عميق:
- ليه يا شهاب؟, مش حرام بنت في عز شبابها يعملوا فيها كدا؟, اغتصاب وقتل!, معقول فيه إجرام بالشكل دا؟!..
امتدت يده ليمسح بابهامه دمعتها الوحيدة وهو يواسيها قائلا:
- هي راحت شهيدة يا سلمى, وتأكدي ان دمها مش هيضيع هدر, شوفي يا سلمى لازم تعرفي ان كل حاجة في دنيتنا سلف ودين, يعني لو دلوقتي لاقيتي القاتل طلع براءة بالقانون اللي مش بيتعامل الا بالورق وبس.. لازم تعرفي انه المجرم هياخد جزاؤه وبالكامل, يمكن مش بقانون البشر لكن بالقانون الإلاهي, يعني مثلا اللي اغتصب سلمى وقتلها معندوش أم.. أخت.. بنت.. زوجة؟, أكيد عنده... هييجي اللي يعمل فيه نفس اللي هو عمله في بنت الناس, افعل ما شئت يا سلمى فكما تدين تدان, وبالنسبة للموضوع دا مش غيث وسلافة لوحدهم الي هياخدوا بتارها لأ.. أنا وانتي كمان لازم نساعدهم, دا مش تار مريم لوحدها.. دا تار ناس ربنا ابتلاهم بمرض خطير وبدل ما نساعدهم ونهون عليهم..لأ.. طلع شوية بلطجية ومجرمين بيتاجروا بآلام الناس دي وبحلمهم في الشفا وبيسرقوهم عيني عينك, الناس دي لازم تتكشف.. ومش بس كدا.. دي لازم تدوق من نفس الكاس... وهيحصل!..
لم تتمالك سلمى نفسها وألقت بنفسها بين ذراعيه هاتفة وهي تخبأ وجهها في كتفه العريض:
- ياااااه يا شهاب, ما تتصورش كلامك ريحني أد إيه, أنا معرفش من غيرك كنت عملت إيه!..
لم يصدق شهاب ما تسمعه آذانه, هل هذه سلمى الباردة تلك التي ألقت بنفسها بين أحضانه جاهرة بأهميته لديها؟!..
شدد من احتضانها ساندا رأسه الى شعرها وهو يقول:
- ولا أنا يا سلمى.. أنا كمان مش عارف أنا كنت عايش إزاى قبل ما تدخلي حياتي؟!.
رفعت سلمى رأسها ناظرة في عينيه لتتيه بين دخان مقلتيه فيما أردف وهو يميل عليها بنظرة راغبة مشتاقة:
- أنا بحبك يا سلمى, بحبـ...
لتتيه باقي أحرف اعترافه بحبها بين شفتيها التي فغرتهما دهشة من اعترافه لها بحبه فلم يستطع المقاومة ليقطف ثغرها الشهي بقبلة تحمل أشواقا جمّة فيتنفس أنفاسها ملتهما شهقتها بين أنفاسه الساخنة...
بعد وهلة كبيرة اضطر للابتعاد عنها لحاجتهما الى الهواء ولكنه رفض الابتعاد عنها ليظل محيطا خصرها بذراعيه القويتين بينما أغمضت عينيها وابتسامة خجولة سعيدة ترتسم على شفتيها اللتان تحملان أثر اكتساحه لها وهي تدفن وجهها في صدره الواسع بينما تطرق دقات قلبها السريعة سمعها بقوة شديدة هاتفة باعتراف لم يتعدى شفتيها بحبها لهذا المقتحم الذي انتزع حبها سارقا قلبها بالرغم منها!!.
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- سلسبيل.. مالك يا ابنيتي؟, حالك مش عاجبني اليمين دول؟.
انتبهت سلسبيل من شرودها على سؤال زوجة عمها, فحاولت رسم ابتسامى صغيرة وأجابت:
- ها... لاه يا مرت عمي ليه بتجولي إكده.. ما آني زينة أهاه؟!.
أم ليث بنظرة مشككة:
- كيف ديه؟, انتي ما واعياشي لروحكي؟.
ثم أردفت متابعة بحنق:
- أني عارفة من إيه؟.
لتشعر سلسبيل بختفاء الهواء من حولها وترد وقد وجدت صوتها بصعوبة بينما شحب وجهها بشدة:
- عارفة؟, عارفة ايه يا مرت عمي؟..
أم ليث من دون أن تنتبه للتغير الذي أصاب كنتها:
- من يوم كتب كتاب خواتك وانتي متغيرة, أكيد عين ما صليت ع النبي هي اللي صابتك يا نضري ( اللهم صلي عليك يا نبي).
كتمت سلسبيل زفرة ألم عميقة وهي تتمتم في سرها أن هذه الليلة كانت بالفعل السبب في ما أصابها من تغير بعدها ولكن ليس السبب عين أصابتها بل... هو من أصابها!..
انتبهت على صوت حماتها وهي تناديها بإلحاح فالتفتت ناحيتها وهي تقول بابتسامة شاحبة:
- ها.. جولتي حاجة يا مرت عمي؟.
نظرت اليها حماتها بعطف وقالت:
- لاه يا نضري, جومي ريحي في دارك شويْ, ومالكيشي صالح بالصغار أنا موجودة وهوصي البت وردة تاخد بالها منِّيهم زين..
ابتسمت سلسبيل شاكرة لحماتها واستأذنت منصرفة فهي بالفعل تشعر أنها في حاجة للراحة والنوم العميق الذي هاجرها منذ تلك الليلة من أكثر من اسبوعين... ليلة عقد قرآن شقيقيها والتي كانت ليلة.... زفافها الحقيقية!!..
دلفت سلسبيل الى غرفتها مغلقة الباب خلفها وسارت حتى مرآة الزينة لتجلس على مقعدها المكسو بقماش صوفي فاخر ثم طالعت صورتها المنعكسة في المرآة أمامها, جذبت وشاح رأسها وحلت ربطة شعرها لينفلت من عقدته وينهمر كالشلال لتلامس أطرافه الأرض, عقدت يديها واستندت بجبينها اليهما وهي ترحل بذاكرتها الى تلك الليلة الليلاء!..
بعد أن عادوا من عقد القرآن تعمدت سلسبيل التلكؤ فهي تعلم أن ليث سيصب جام غضبه فوق رأسها, فقد توعدها أن عدم طاعتها لأمره لن يمر مرور الكرام, بعد أن نفدت جميع الحجج لتأخيرها اللحاق به الى جناحهما صعدت كمن يساق الى المشنقة, دخلت الى جناحها, وأغلقت الباب خلفها, سارت الى داخل الغرفة قليلا ليسترعي انتباهها صوت المياه تدفق في الحمام, فعلمت أنه بالداخل, سريعا أخرجت ثوبا للنوم, وجلست على طرف الفراش في انتظار خروجه, فهي لن تجازف بإبدال ثيابها فقد يخرج في أية لحظة وهي لا تريد المغامرة بأي شكل, فيكفيها القلق الذي يعتريها منه وهي تلعن شيطانها الذي وسوس لها لتحديه فلم تكن ستخسر شيئا إن كانت استمعت اليه وأطاعته وبدلت عبائتها اللعينة تلك, ولكنه غرور الأنثى الذي أثاره داخلها ولأول مرة تشعر به ما جعلها توافق حماتها وتستمر في تحديها له الى النهاية, ما يجعلها تندهش من ذاتها فهي لم تكن كذلك أثناء زيجتها الأولى, صحيح أن راضي كان يهيم بها #حبًّا ولكن لم يسبق لها وأن خضعت لشيطان تمردها بل وما شعرت به من غرور الأنثى لم يسبق لها وأن شعرت بهذا الإحساس قبل ذلك..
خرج ليث وكان يرتدي سروالا قطني فقط بينما تلمع قطرات المياه على عضلاتت ظهره المشدودة, كان يخفي وجهه في منشفة قطنية يقوم بتجفيف شعره بها, قفزت سلسبيل واقفة ما إن أبصرته بهذا الشكل وقد احمرت خجلا حتى كاد الدم يطفر من وجنتيها, لم تكن قد سارت خطوتين عندما صدح صوت ليث آمرا:
- على فين يا بت عمي؟.
تسمرت سلسبيل في مكانها, هي تعلم جيدا هذه اللهجة الآمرة وتخشاها, كثيرا ما نشفت الدم في عروق أعتى الرجال, ليعود اليها خوفها الأزلي منه, حاولت لملمة شتات نفسها واستدارت لتجابهه, تقدم منها وقد لف المنشفة حول عنقه القوي, بينما لا يزال جذعه العلوي عار وقطرات من المياه تجري على طول صدره لتختفي أسفل سرواله, أشاحت بنظراتها بعيدا بينما نظر اليها ليث بنصف عين وأردف ساخرا:
- ما عتبوصيش ليه يا مرتي المصون؟, فالحة بس تعصيني وتكسري كلمتي؟, لسانك بلعتيه ولا إيه؟.
ازدرت ريقها بصعوبة وأجابت وهي مشيحة بوجهها الى البعيد:
- أني مش فاهمه انت عاوز توصل لإيه بالحديت ديه. الله يرضى عليك يا ولد عمي أني تعبانه وعاوزة أنام, وبعدين انت بتزعج لي اني ليه مش مرت عمي هي اللي جابت لي العباية دي وصممت اني ألبسها, وجودامك لمن انت جولتلي أبدلها رفضت يبجى أني ماليش صالح, يا زعِّل مرت عمي يا زعلك إنت.. وفي الحالتين كنت انت هتزعل مني برضيكي... ما هو لو مرت عمي غضبت مني انت كومان عتغضب مش امك واللي يزعلها يزعلك!..
ابتسم ليث ابتسامة شريرة ومال عليها قائلا بسخرية:
- ايه ديه يا بت عمي.. من ميتى وانتي بتردي على كلامي إكده؟, انت كنت عم بتحفظي في الكلمتين دول طول الليل ولا إيه؟.
أجابت سلسبيل محاولة اخفاء حنقها من سخريته منها:
- لاه مش إكده.. بس أني معًرف شانت بتزعج لي دلوك ليه؟.
ليث وهو يقبض بقوة على مرفقها باغتتها ومن بين أسنانه المطبقة تحدث بغضب دفين:
- انت هتستعبطي يا سلسبيل؟, جولتلك التياب دي غيريها يبجى تسمعي وتنفذي من غير كتر حديت, وأمي مالكيشي صالح بيها, انتي كانُّه اللي عملته أمي جاه على هواكي, عشان إكده اتحججت بيها, جولي انك عاوزاهم يجولوا انك لساتك حلوة وصغيرة.. بس اللي أعرفه يا سلسبيل انه البنتّه هما اللي بيبجوا عاوزين الناس تنضر جمالهم لكن المتزوجة معيهمهاشي غير راي زوجها وبس, ما بتبجاشي عاوزة تكون حلوة غير في عينيه هو وحديه, مش طةل اليوم حتى شعرها ساتراه كانها عايشة مع واحد غريب عنِّيها لكن مع الناس الخلجات الجديدة والزينة والشعر السايح اللي بيسرج العين, واحدة زي ديْ تبجى إيه يا مرتي.. ما عترديشي يعني؟, ايه الجطَّة كالات السانك؟!.
تلعثمت سلسبيل في الرد وهي تجيب بينما تحاول الفكاك من قبضته دون طائل:
- جصدك ايه يا ولد عمي؟, انت خابر زواجنا كان كيف؟, انت كنت أخو زوجـ......
ليسارع ليث بكتم صوتها براحة يده الحرة بينما تضغط الأخرى على مرفقها بقوة وآلمتها وهمس بصوت كالفحيح يحمل بين طياته غضبا وحشي:
- انى دلوك زوجك.. مالكيش زوج تاني غيري.. ومش هيكون يا سلسبيل, اوعاكي أسمعك تجوليها تاني.. أني زوجك حطيها في دماغك زين الكلمة ديْ ولو ما كونتيش واعيالها زين...
وسكت قليلا ليتابع ببطء وجدية شديدة بينما تقبض ذراعيه على خصرها كالكماشة بقوة باغتتها حتى كادت تعتصرها مما جعلها تتلوى بين يديه محاولة الافلات بينما يكمل بعزم شديد:
- أني هخليكي توعيلها يا سلسبيل.. وتحفظيها كومان... وصدجيني بعد الليلادي معتنسيهاشي واصل!..
حدقت سلسبيل في وجهه برعب وهمست بصوت مرعوب:
- جصدك إيه....
ليبتلع باقي عبارتها بين شفتيه التي اعتصرت شفتيها, كانت القبلة أشبه بإعصار ضربه فهو لم يكن يتخيل ولو في أعظم أحلامه جموحا أن تكون لقبلته لها مثل هذا الأثر!, وكأنه قد لمس سلكا كهربائيا عار وذو تردد مرتفع ليصيبه بشرار ناري يسري بطول عموده الفقري حتى سائر أطرافه, كانت ترفرف كالعصفور بين ذراعيه محاولة الافلات منه ولكن هل لعصفورة صغيرة أن تفلت من بين براثن نسر جامح كاد جوعه إليها أن يفتك به؟!, وكأنه تعب من ميله لها لترفعها ذراعاه لنصبح رأسها بموازاته بينما ارتفعت يده تتغلغل خصلات شعرها الأسود المخملي, وهو يعمق قبلته بقوة وقد غاب عن دنياه تائها في عالم آخر لا يوجد فيه سواه هو وسلسبيله.. تلك النبع الصاف الرائق الذي ينهل منه ليروي عطشه الذي طال سنوات عمره كلها, عالم لا مكان فيه إلا له هو وحلم صباه ومراهقته بل وعمره كله, حلمه الذي كان محرما عليه فاضطر للتفتيش عن بديل له بين أوجه النساء فلم يجد لها بديلا, كان الأمل يتجدد كلما تزوج من أنه سيجد من تحل محلها.. ولكن كان يمنّى بخيبة أمل قوية, حتى تعددت زيجاته الى ثلاث مرات لم تصمد سسوى واحدة فقط ولستة أشهر فقط, وفي أي من زيجاته الثلاث ما أن يطلبن الانفصال حتى يسارع بتلبية طلبهن وكأنه يزيح عن كتفيه حملا ثقيلا, وفجأة.. يصبح حلمه... علما!, ويصبح حلالا كاملا له بكل ما للكلمة من معنى, لم يكن يريد تحقيق حلمه بهذه الطريقة بل لو خيروه من أن يبقى راضي على قيد الحياة ( أستغفر الله ) أو يتخلى عن حلمه لكان اختار التخلي عن حلمه وبدون تردد, والآن ما إن احتواها بين ذراعيه وذاق شفتيها تلك الثمرة المحرمة والتي لم يذقها سوى مرة واحدة منذ زواجهما ولا تزال طعمها في شفتيه, حتى نسي كل شيء آخر سوى أنها إمرأته هو... خاصته هو وحده, وليرحمه الله فهو لن يستطيع التوقف الآن ليس وقد اكتشف أن الواقع أجمل آلاف المرات من الحلم, ليس وهو ينهل من شهد شفتيها ليروي عطشا دام سنين طويلة!..
وضعها فوق الفراش بحنان ورقة كمن يخشى على إناء خزفي من الكسر, وأشرف عليها لتنظر اليه بعينيها السابحتين في بركة الشوكولاتة الذائبة, بينما شفتيها منتفختين تحملان علامة ملكيته لهما, قال لها وهو يلهث بينما راحتها الصغيرة ترتاح على كتفه الأيسر لتستشعر دقات قلبه الواضحة السريعة:
- أني زوجك يا سلسبيل... جوليها... زوجك!!..
كان يطالبها بإصرار واستماتة قوية, بل أنها تكاد تقسم أنها لمست لمحة ترجي في صوته!, ورغما عنها أجابت بينما يستجيب جسدها الخائن للمساته الجريئة:
- انت زوجي يا ليث... زوجي...
ليهتف عاليا باسمها ويميل عليها مغرقا إياها في عناق كاسح لم تستطع الصمود أمامه لترفع راية الاستسلام, بينما يرحل معها الى بحر عاتي الأمواج فتغرق معه في أعماقه لتكتشف سلسبيل أخرى لا تعرفها, سلسبيل كلما غاص معها الى عمق منه أرادت الغوص معه الى عمق أبعد.. سلسبيل وُلدت على يديه هو... لتصبح سلسبيل خاصة بـ ليث فقط!!
عادت من ذكرياتها وهى تمسح دموعها الصامتة, نظرت الى نفسها في المرآة وهي تقول بينما وجهها يحمل تعبير حزن خالص:
- بتعيطي ليه دلوك؟, مش ده اللي كنت عاوزاه؟, كنتي عاوزاه يبعد عنيكي ويهملك؟, نسيتي اللي اعملتيه؟, م انتي اللي صرخت في وشه تاني يوم انك كارهاه لانه جبرك عليه؟, لو انت صادجة كنت اعترفت انه اللي حوصل بيناتكم كان لانك رايداه كيف ما كان رايدك تومام, لكن انتى جبانة.. جبانة...
قفزت واقفة وصاحت بصوت عال:
- لاه.. أنى مش جبانة.. هو السبب.. انى ما كونتش عاوزة إكده.. راضي لساته جوايا حتى لو مش بجدر أنطج باسمه بيني وبين نفسي.. ازاي أجدر أنساه بسهولة إكده؟, انا ضعفت.. كانت لحظة ضعف وراحت إلحالها, وجدرت أخليه يبعد عني..
صدح صوت بداخلها يسألها بسخرية:
- وراضية ببعاده عنيكي إكده؟, انتي بتضحكي على نفسيكي يا سلسبيل, فوجي يا سلسبيل جبل فوات الأوان, راضي زوجك مات وانت دلوك زوجة ليث.. ليث الخولي يا سلسبيل.. عارفة يعني إيه ليث الخولي.. يعني من أصغر بت لأكبر بت في كفر الخولي يتمنوا التراب اللي بيمشي عليه...
غطت آذانها براحتيها وهي تهمس بتعب:
- بس.. كفاية.. خلاص ما جادرش..
ليقاطع حديثها مع نفسها صوت طرقات عالية, فأسرعت بمسح دموعها وأمرت الطارق بالدخول, كانت وردة الخادمة دخلت وهي تبتسم بارتباك, نظرت اليها سلسبيل وقد عادت للجلوس ثانية وقالت بتعب:
- فيه حاجة يا وردة؟.
تلعثمت وردة وتأتأت كثيرا فهبت سلسبيل واقفة وهي تنهرها:
- ما تنطجي يا بت فيكي إيه, أني معنديش روح ليكي!
قالت وردة وهي تكاد تبكي:
- هجولك يا أم عدنان بس سايجة عليكي النبي ما تجوليشي لليث بيه انه أني اللي جولتلك..
زفرت سلسبيل بضيق وهتفت:
- اللهم طولك يا روح.. انطجي يا بت..
أجابت وردة بخوف:
- شوفي يا أم عدنان أني لومن لحم كتافي أني وأمي من خيركم ما كونتش حكيت لك حاجة.. بس يعلم ربنا اني بحبك وبعزك كيف.
قطبت سلسبيل وزجرتها:
- ما تجولي على طول فيه ايه من غير رغي كَتير؟
مالت وردة باتجاهها هامسة وهي تتلفت حولها وكأن هناك من سيسمعها:
- انتي خابرة ان شافعي اخو صابر الغفير جايل عليا, ومن يامين جالي انه بيسهر مع سي ليث في...
وسكتت قاضمة شفتهيا فتأفأفت سلسبيل وهتفت:
- ما تنطوجي يا بت فين؟
فنطقت وردة وكأنها تلقي بحمل ثقيل من على أكتفاها:
- في جهوة وداد الغازية!
وكأن أفعى قد لدغتها ما إن سمعت باسم المكان الذي يسهر فيه زوجها وهتفت بحدة بالغة وبغير تصديق:
- انت عم بتخرفي بتجولي ايه؟!, خافت وردة وهتفت:
- والله العظيم اني ما كدبت في ولا حرف جولتهولك..
أشاحت لها سلسبيل بيدها تأمرها بالانصراف وهي تقول:
- طب روحي دلوك, واوعاك تجولي لحد اني عرفت حاجة والا هحول لليث بيه ان شافعي هو اللي فتن عليه.. وشوفي انتي ليث بيه بجه هيعمل فيه ايه؟, بتهيالي انت خابرة زعله شين كيف؟!.
أومأت وردة بلهفة وقالت:
- لاه مش هتحدت في الحديت ديه واصل, وفرّت من أمامها تاركة سلسبيل وهي تتوعد ليث في سرها...
وهناك في مكان تصاعد فيه دخان النرجيلة والضحكات العالية, دلفت تتهادى في مشيتها, ترتدي ثوبا يلتصق بثناياها ليبرز منحنياتها الأنثوية المثيرة, بينما تشق طريقها وسط الرجال الجالسين يريد كل منهم أن تمن عليه ولو بنظرة من عينيها الناعستين المكحلتين بالكحل العربي أو أن تبتسم له بتلك الشفاه الأنثوية المثيرة المصطبغة باللون الأحمر القان.. ولكنها لم تكن تهتم سوى بواحد فقط.. تسير باتجاهها واضعة إياه نصب عينيها, رجل واحد من استطاع سلب اهتمامها بعدم اهتمامه بها, خطف قلبها ببرودة قلبه الواضحة, أصبح حلمها الذي أقسمت على تحقيقه, انه هو ... ليثها... ليث الخولي!, من لم تنل منه سوى نظرة باردة وهو يراقب تقدمها ناحيته بينما الآخرين يكاد الجنون يصيبهم لهفة لخطب ودها... لتستحق وعن جدارة اسمها لتكون... وداد... وداد الغازية!!.



- يتبع –




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:20 AM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


20

دخل ليث الى غرفتهما ليبدل ثيابه, أغلق الباب خلفه وتوجه الى الأريكة المقابلة للفراش حيث ينام منذ أن استيقظ صباح تلك الليلة البعيدة ليرى عينيها تلمعان ببريق حقد أسود مكيلة له الاتهامات من أنه قد أجبرها على ما لا تريده, لتحتل البرودة والصقيع سائر أطرافه ولم يجابه انفجارها الصارخ الا بكل برودة ثلجية مخبرا إياها أن تنعم بفراشها وحدها فهو لن يكرر خطأ الليلة السابقة!, مر على تلك الليلة أكثر من اسبوعين يهلك نفسه في العمل نهارا وما أن يأتي المساء حتى يذهب للسهر خارجا في ذلك المقهى الذي تديره تلك السيدة المتصابية " هانم" وابنتها الغازية... وداد!!..
جلس فيوق الأريكة خالعا نعليه ثم أسند ظهره الى الخلف مغمضا عينيه لترتسم ابتسامة ساخرة على فمه الشهواني, فهو يعلم أنه لا يزال أمامه ليلا طويلا مؤرقا الى أن تشرق الشمس, ولولا احترامه لوالده ولا يريد إثارة الأقاويل عن علاقته بسلسبيل لم يكن ليرجع الى هذا المكان العابق بأنفاسها والذي يحرمه لذة الراحة!....
تنفس عميقا وهو يهمس باسمها بينه وبين نفسه:آآآآه يا سلسبيل, لقد سرقت القلب والعقل معا!, لا يعلم كيف تغلغلت أسفل جلده وداخل مسامه ليستنشق حبها الذي أصبح هوائه بتلك الطريقة, قبل زواجه بها كان قادرا على الصمود أمامها واخفاء ما يعتمل من عشق مجنون مُحال بالنسبة له, ولكن ما إن ذاق حلاوة قربها واختلطت أنفاسه بأنفاسها حتى أصبح البعد عنها أشبه بالموت حيًّا!, لقد تضاءلت أمامها سائر النساء الأخريات, لم تعد تثيره أية قامة نسائية مهما كانت صاحبتها هيفاء بل تملك كل مقاومات الجمال, واليوم أقرب مثال على هذا!, هو يعلم بإعجاب وداد الغازية به, هو ليس بأعمى.. هو يعلم جيدا كيف تنظر اليه بشهوة حارقة وعلى يقين أنه ما إن يشير إليها بإصبعه الصغير حتى تأتي مهرولة إليه لتلقي بنفسها أسفل قدميه وعن طيب خاطر منها, ولكنه لا يريد سوى واحدة فقط.. أنثى بكل ما في الكلمة من معنى.. واحدة عرف معها معنى أن يكون حيًّا.. وليس مجرد أن يحيا!, أنثى رفعته في ليلة واحدة وحيدة الى أعلى السماء ولكن.. لتتركه يهبط وبسرعة الصاروخ في الصباح الى أسفل الأرض وبقوة مدوية كادت تكسره!, ولكنه لم يكن ليُكسر حتى لو كانت روحه معلقة بروحها!, فهو الليث... ليث الخولي, وسيكون ملعونا لو ترك أيّما إمرأة تسيطر عليه.. ولكن المضحك المبكي انها ليست أية إمرأة انها.. سلسبيل.. سلسبيله هو.. نبعه الراقي العذب الصافي.. تلك التي انتظرها سنوات عمره كله, التي خطفت قلبه منذ أن فتحت عينيها وكانت لا تزال رضيعه وهو يراها محمولة على يدي جدته تقربها منه باسمة وهي تقول انظر اليها ليث.. انظر الى عروس عائلة الخولي... ليعلن بداخله بسنوات عمره العشر أنها ليست بعروس عائلة الخولي.. بل عروسه هو!!..
كانت تكبر أمامه يوما بعد يوم ليكبر حبها في قلبه, وما ظنه أضغاث طفولة أصبحت الحقيقة الوحيدة الواضحة في حياته!, كان يعد الأيام حتى يستطيع تكليل حبه لها بالزواج, ليصبح من حقه التعبير لها بكل طريقة ممكنة وغير ممكنة عما يكنه لها في قلبه من عشق سرمدي مجنون!, يريد إخبارها أنه أبدا ليس بقاس عليها ولكنه يعتمد هذه القسوة في التعامل معها لأن البديل أن يأخذها بين أحضانه فلا يفلتها أبدا, كان يتحكم بصعوبة شديدة في وحش حبه لها والذي كان يهدد بالإفلات من سيطرته عليه, فكان يضغط وبقسوة على نفسه ما إن يرى عينيها البندقيتين تطالعانه بذلك القلق والريبة ولكن هناك في أعماق عينيها رآها.. رآى تلك النظرة المتسائلة المستفسرة, نعم هي كانت تشعر أن هناك شيء بينهما, لم تكن تخافه بالمعنى المفهوم, فمن يهاب إنسانا يبتعد عنه تماما, ولكنها لم تكن تبتعد إلا لتعود ثانية.. تماما كما الفراشة تخاف من الضوء ولكنها تحوم حوله, وقارب صبره على النفاذ ولكنه كان يمني نفسه بقرب اللقاء.. فهاهي عروس أحلامه قد شارفت على السادسة عشر, فلينتظر قليلا.. قليلا بعد.. قبل أن يصرح لوالده بخطبتها له.. وعلى النقيض منه كان راضي.. كان شقيقه الذي يصغره بخمسة أعوام من يتعجل الزواج, كان كثيرا ما يلح على والدته أن تخطب له فهو يرغب بالزواج.. ولكنها كانت ترفض وبشدة فكيف للصغير أن يتزوج قبل شقيقه الأكبر؟!, وهو كان يشك بأن أخيه الأصغر يريد واحدة بعينها ولهذا كان قلة صبره, وهو خير من يعلم ما الذي يفعله الشوق بالوجدان, فأشفق على شقيقه بأن يعاني مما يكابده هو, ليكون هو من يقنع أمه أن تلبي رغبته وهو من تكلم مع والده والذي وافق بشرط واحد.. أنه لن تتم خطوبة راضي رسميا الا بعد أن يخطب هو..
كان وقتها على وشك السفر لمتابعة بعض الأعمال العالقة في القاهرة, فوافق على شرط والده, فهو الآخر قد استبد به الشوق ولم يعد يطيق صبرا على بعاد حبيبته عنه, وسافر دون أن يدري من التي سلبت قلب شقيقه فعندما سأله لم يرد أخباره وقال له أنه لا يريد ذكر اسمها قبل ان تعلن موافقتها عليه فقد يكون حبه لها من طرف واحد وقتها هو لا يريده أن ينظر اليها بأي منظار قد يسيء إليها.. فعلم ليث أنها لا بد من العائلة وهذا أمر ليس بغريب فمن المعروف أن بنات عائلة الخولي لا يتزوجون إلا من أبناء العائلة, وسافر وغاب أكثر من شهر علم خلالها أن أخاه قد خطب ولكن ليس بصورة رسميه فقد اكتفى والده ووالد العروس بقراءة الفاتحة لحين عودته هو وتنفيذ نصيبه من الاتفاق مع والده... الزواج!, ومن الغرابة أنه لم يهتم بالسؤال عن العروس!, فقد كان شاردا بفرح وتِيه في قرب حصوله هو على حلم حياته, وعاد ليث.. ليفاجأ براضي يستقبله بالأحضان, وبعد مباركته لأخيه سأله بابتسامة عمن تكون العروس تلك التي سلبت قلبه وعقله ليخبره والفرحة تتراقص بين مقليته أنها... سلسبيل!!, وقتها قطب وكأنه لم يسمع وتحولت الابتسامة الى ابتسامة مرتابة وهو يسأل: من سلسبيل؟, ليجيبه راضي بضحكة عالية... ابنة عمنا عثمان!, وقتها شعر أن الهواء قد توقف ولم يعد يعبث بأوراق الأشجار حوله, بل شعر بالاختناق التام.. ليشحب وجهه شحوبا يحاكي شحوب الموتى, ولكن كل ذلك لم ينتبه له أخيه العاشق الذي هتف له بحبه لها.. قائلا أنه لم يصدق عندما أعلن عمه موافقته على طلبه.. وأنه لن يستطيع الصبر لاتمام زواجه بها.. ولم يكتف بغرز السكين وبعمق داخل قلبه بل أنه قد حركه ليلويه أكثر وهو يسأله بالحاح أن يخطب سريعا ليستطيع هو الحصول على سلسبيله!..
سلسبيل منْ؟, أيعقل أن تنتمي سلسبيل لغيره؟, لو لم يكن أخيه شقيقه إبن أمه وأبيه الذي يجري في عروقه ذات الدم أقسم لكان قد دفنه في مكانه حيًّا, ولكنه.. إبنه وليس شقيقه فقط!, كان دائما ما يشعر نحوه بغريزة الحماية... ولأنه الأكبر.. الأقوى...والأقدر.. كان لا بد له من الابتعاد بل وأن يجتث قلبه من صدره ويدفنه.. فهي قد أصبحت محرمة عليه.. وترك لأمه مهمة اختيار عروسه... فلم يعد يفرق معه شيئا, كلما عرضت عليه واحدة من فتيات العائلة كان يقابلها مهمهما بأنه يرضى باختيارها, ليتزوجا هو وأخيه في ليلة واحدة.. لمح فيها حلمه المستحيل يزف لغيره ليصبح لأخيه هو.. ويومها أعلن وفاة قلبه!
وغلف نفسه بقشرة فولاذية صلبة, أصبح انسان باردا خال من أي نوع من أنواع المشاعر الإنسانية, فإن كان قبلا باردا غُلفت برودته تلك الآن بالصقيع, وإن كان سابقا جامدا أصبح الآن جلمودا كالصخر!, وتتكرر زيجاته ثلاث مرات... وكل مرة يمنى بالفشل, ليس عن عيب بهن فهو يعلم تماما أين يكمن الخطأ.. إنه هو.. هو من كان يبحث عن ينبوعه الصافي بين من اقترن بهن... وبعد فشله الثالث أعلنها بكل وضوح.. هو لن يتزوج ثانية.. ويكفي ابناء راضي يحملون إسم العائلة... لن ينسى أبدا لحظة حمل شبل بين يديه وراضي يخبره أنه سيسميه شبل كما اقترح عليه!, كان عدنان الابن الأكبر ولكنه لم يحمل الاسم الذي كان يريد لابنه هو منها.. أن يسميه به!..
ومرت الأيام وكان يراها أمامه ويرى ذعرها وريبتها في عينيها, كان يتألم من داخله, ألا تعلم أنه في سبيلها على أتم الإستعداد لأن يفني روحه في سبيل ابتسامة تتألق في الشوكولاتة الذائبة لعينيها؟!, وأتى خبر مقتل شقيقه الأصغر بل ووحيده ليشعر بإحساس اليُتم الأخوي!, وليشفي غليله بقتل من تسبب في حرمانه وعائلته من شقيقه الوحيد وما إن بدأت ثورة غضبه تهدأ لأخذه بثأر أخيه حتى تتزلزل أركان حياته جميعها بأمر والده له بـ.. الزواج من سلسبيل!, لينكأ جراحه التي حسبها قد جفت ليكتشف أنها أنما قد غلفت بقشرة ظاهرية فقط.. وأنها لا تزال تنزف داخله, رفض.. وكيف لا يرفض وقد كانت لأخيه قبله, لم يكن هو أول من علمها أبجديات العشق, لم يكن هو أول رجل تنظر إليه بعينيها الناعستين, لم يكن أول من تلفظ اسمه صباحا بصوتها ذو البحّة المثيرة, لم يكن أول من تتغنج عليه وتتعلم على يديه فنون غنج الأنثى لزوجها العاشق!, ولكن لم يرحمه أبوه ليهدده بين أن يتزوجها هو أو... غيره!, ليشعر وقتها بنيران تشب في صدره تهدد بحرق الأخضر واليابس, بل بحرق كل من تسول له نفسه بالتفكير مجرد التفكير فيها كزوجة متاحة!, ويقبل.. يوافق على تنفيذ ما أمره به أبوه, يتنازعه في ذلك إحساسان.. أحدهما عدم التصديق أنه سيملك حلمه أخيرا والآخر.. الخوف مما هو آت!, يكاد يقهقه ساخرا.. هو ليث الخولي من تهتز له الشوارب وترجف له أبدان أعتى الرجال.. يخاف من أنثى صغيرة رقيقة.. ولكنها ليست أية أنثى إنها.... سلسبيل!.
وكان يوم الزفاف.. والذي فاجأته عروسه فيه بارتدائها الأسود معلنة أن زواجهما باطلا وأنها لن تكون سوى امرأة اخيه حتى وإن مات!, لقد استلت الخنجر من جرحه وأعادت غمده به عدة مرات بعباراتها التي قذفته بها كطلقات الرصاص المسمومة تلك, وابتعد.. ولكن لم يستطع.. ليعذب نفسه بقربها عندما ذاق رحيق شفتيها لأول مرة.. وقرر أن يجعلها تعتاد قربه منها.. فكان قراره الصارم أن تشاركه الفراش وأن كان كل منهما ينام موليا ظهره للآخر ولكن يكفيه أنه ينام في غرفة عبقة برائحة أنفاسها, ليحدث بعدئذ ذلك الإعصار الذي قلب كيانه كله رأسا على عقب.. ليمتلك حلمه بالفعل بين يديه شبه متوسلا إليها أن تخبره بأنه هو.... زوجها!, لم يستطع إمتلاكها قبل أن تقولها, شعر أنه كما لو كان سيغتصب حقا ليس له إن لم تكن تلفظت بها, ولكنها قالتها.. ليمتلكها!....
حرك رأسها يمينا ويسارا عدة مرات محاولا نفض هذه الذكريات الأليمة التي أبت إلّا أن تهاجمه الليلة, همس بينه وبين نفسه بألم وتوق شديد وهو يتطلع الى تلك الراقدة فوق الفراش غير واعية لمن يتلظى في سبيل نظرة واحده من بندقيتي عينيها, همس بكل حبه وشوقه وألمه.. إلى متى سلسبيل إلى متى؟, أما لهذا العذاب من آخر؟!, لم يستطع فرض نفسه عليها بعد هذا الانهيار الذي قابلته به صبيحة ليلتهما سوية, فوجئ بما كالته له من اتهامات وعبارات مسمومة كان كمن أُلقي فوقه حجرا ضخما.. كان يظن أنها ستتأكد بعد هذه الليلة بمدى حبه لها, هو لم يخبرها بالقول ولكن ارتجافة جسده بين ذراعيها, عيناه المستجديتان, شفتاه التائقتان, لمسات يديه المشتاقة المجنونة, جسده كله بسائر أطرافه وشت به وبعشقه اللا متناهي لها, دقات قلبه الذي أوشك على التوقف من شدة الدماء التي اندفعت تُضخ في عروقه عندما شعر باستجابتها له وللمساته الحميمية, استسلامها بعد مقاومتها الشرسة, هدوئها بعد أن همس لها بكلمات رقيقة لتبعد الذعر عنها, لكنها.. لم تشعر!, لم تدع لنفسها الفرصة لتعلم وتستشعر بالفعل مدى حبه وتوقه لها, تبًّا!!.. كاد يصرخ بها وهو يزيح عمامته من فوق رأسه لتظهر خصلات شعره القصيرة السوداء كجناح غراب, ليمرر فيها أصابعه بيأس وهو يحاول باستماتة أن يبعد عيناه الخائنتين اللتان ترجوانه افلاتهما لتتلصص على سارقة النوم من بين أجفانهما, شتم في سره هذه الغانية .. وداد!, انها هي بكلماتها وحركاتها التي أفصحت بها عن رغبتها به وكيف أنها تموت لتكون له فقط.. مصرحة بذلك في كلمات مغناجة بصوت أبح مثير وهي تميل عليه بينما تنفث أنفاسه دخان النرجيلة عاليا غير عابيء بها أو بكلماتها, لتغرق عينيها في عينيه وهي تقول له أنها تريد أن ترقص له وحده!, وأنه لو أراد فستخلي المقهى من الجميع في التو واللحظة.. فلا يهمها سواه هو!, ولكن.ز كانت وكأنها تكلم حجرا أصم.. لم يطرف له جفن, وبدلا من ذلك تبدلت صورتها ليرى عينان بندقيتان تطالعه بخوف, ورجفة شفاه تسلب لبه, ليشيح بعينيه بعيدا عن تلك الـ.. وداد زافرا لهواء النرجيلة الى البعيد لتمسك بمبسم النرجيلة وبكل ثقة وغنج تجذبه تجاهها وهى تهمس له بأن يدع هواءه يخرج في وجهها فلا أحب إليها من أن تتنفس أنفاسه حتى وان كانت.. دخان نرجيلة!, لا ينكر أنه قد استغرب كلماتها الجريئة حد الوقاحة وتحدق فيها عيناه بدهشة لأقل من ثوان لتسود نظرة غامضة سوداء مقلتي عيناه بعد ذلك بينما تكمل هي إغوائها له بأن تستنشق نفسا من مبسم نرجيلته بدون أن تمسح موضع شفتاه ثم تمدها اليه ثانية وهي تقول بصوت غاوي مثير أنها لم يسبق لها وأن تذوقت نرجيلة في مثل حلاوة طعم هذه !!, أي رجل مكانه كان ليقبل بما هو معروض عليه, ولكن ليس هو .. ليس ليث الخولي, ليس ومن تثيره لم تكن سوى إمرأة واحدة.. تنام أمامه قريرة العين في فراشها غافلة عمن يكتوى بنار الشوق كل ليلة لاعنا نفسه أنه نالها ذات ليلة!, فهو لم يكن قد ذاق حلاوة قربها قبلا.. ولكن الآن وقد عرف الجنة بين ذراعيها فهو يشعر بالخواء التام بل والعذاب الحارق في بعادها, ولكنها دائما هكذا سلسبيل.. كانت أبدا كالشمس الدافئة في يوم شتوي قارص البرودة.. تشع بحرارتها وما إن تبدأ بنشر دفئها حتى تغيب تاركة ليلا أشد برودة وقسوة, هي كنسمة صيف طرية في نهار مشمس حار ولكنها ما ان تعبر لتلطف الجو حتى سرعان ما تختفي تاركة قيظ من نار وراءها, دائما كان يشعر بهذا.. ولم يختلف شيء الآن.. سوى أنه بعد أن ذاق حلاوتها ونعومتها لا يعلم كيف له أن يتابع حياته محروما من ذلك النعيم المحلل له... المحرم عليه!!..
وقف ليخلع ثوبه وصديريته القماشية قبل أن يتوجه الى الحمام ليضع نفسه تحت الدش لينهمر الماء البارد فوقه لعله يطفأ قليلا من نيران شوقه المستعرة, ولم يعلم.. لم يعلم أن فاتنته لم تنم.. بل كانت تخطط للنيل منه.. لتعاقبه على تلك الوداد.. لم تهتم بسؤال نفسها لما ذلك الحريق الذي اشتعل في جوفها والذي سلبتها الراحة طوال السويعات السابقة ما ان أخبرتها وردة بذهابه الى مقهى تلك الساقطة, لم ترد مواجهة نفسها والاعتراف بما هو واضح لكل من يملك عينين, ما يهمها هو أن ليث قد اقترن بها بإرادته ولم يرفض.. إذن فكما أنها قد حُكم عليها أن تتابع حياتها معه هو أيضا من غير المسموح له بالتفكير في غير تلك الحياة.. فحياته معها هي وحدها!!..
خرج من الحمام كان جذعه العلوي عار لا يرتدي سوى سروالا قطنيا وكان يلف منشفة صغيرة حول عنقه يجفف شعره بها عندما سمع أنينا صغيرا, ليرفع رأسه سريعا فتقع عيناه على مشهد سلب أنفاسه وجعل حلقه جافا, كانت سلسبيله ترقد في وسط الفراش تتلوى وقد انحسر ثوب نومها عن ساقيها الى أعلى فخذيها, اقترب بضعة خطوات مترددة من الفراش, لتباغته للمرة الثانية هذه الليلة بجلوسها فوق الفراش فينحسر الغطاء عن أعلى ثوبها لتظهر كتفين كالمرمر ببشرة ذهبية وفي نعومة الحرير, بينما شعرها الذي يتحرق شوقا لدفن وجهه فيه يتطاير لينسدل مفترشا السرير حولها, رفعت يدا صغيرة تقول بينما تتابع اقترابه المتعثر منها من بين أهدابها الشبه مسدلة:
- ليث.. الحجني يا ولد عمي..
ليقفز قلبه هلعا عليها ويتقدم منها في خطوات ملهوفة ويميل عليها هاتفا بقلق واضح:
- مالك يا سلسبيل؟, فيه حاجة بتوجعك؟!..
أطلقت تأوها ضعيفا كان كفيلا بزعزعة البقية الباقية من تماسك ليث, ونظرت اليه بعينيها الناعستين اللتين يتوق للغرق في بحورهما هامسة بصوت يستجلب الشفقة فما بالك بقلب عاشق يثخنه الحب:
- راسي يا ولد عمي.. راسي هتنفجر, صداع جامد جوي, ماعرافشي أعمله إييه؟..
لينسى أي مشاعر خاصة به ويهتف وهو يتجه الى الحمام حيث الصيدلية المنزلية الذي يحتفظ فيها بأدوية للطواريء كما الآن:
- حالا هجيبلك جرصين مسكن..
لم يغب الا لحظات عاد بعدها حاملا قرصين من مسكن لالم الرأس وسكب كوبا من الماء من الدورق المجاور للسرير, مد يده ليناولها الدواء عندما تناولته بيد صغيرة ترتعش فلم ينتظر وأسندها من كتفيها قابضا عليهما بذراع قوية ولكن برفق ليساعدها بتناول الدواء, أبعدت الكوب عن ثغرها الوردي وهمست بابتسامة شكر:
- تسلم يا ولد عمي..
كانت هناك قطرة ماء على شفتها السفلى, لتنحدر نزولا على طول عنقها حتى مقدمة صدرها الظاهر من فتحة عنق الثوب الواسعة لتختفي بعد ذلك بين حنايا صدرها وهو يراقب مسارها حيث اختفت ليزدرد ريقه بصعوبة ويجيبها بصوت أجش:
- ولا يهمك يا بت عمي, تلاجيكي عاوزة تنامي ولا حاجة... اني متأكد لمن تنعسي وتجومي الصبح هتوبجي زينة..
لتفاجئه للمرة الثالثة وهي تمسك راحته الضخمة بين يديها الناعمتين لتجبره على الاعتدال في جلسته بجوارها وتقول بينما تعود بظهرها لتستند على الوسائد خلفها فيما تغمض عينيها وهي ترفع يده لتضعها فوق موضع الألم برأسها:
- اهنه يا ولد عمي, الألم اهنه.. واعر جوي يا ليث.. مجدراشي أستحمله!..
وتلقائيا يمسد ليث موضع الألم بينما لسان حاله يهتف بداخله:
- حبك اللي واعر جوي يا بت عمي, وبعادك اللي مجدرش أستحمله..
انتبه لسكونها بين يديه, فحاول سحب يده, لتصعقه هذه المرة بجذبها لراحته لتضعها فوق الوسادة أسفل خدها و... تنام!!
حاول جذب يده ولكنه أشفق عليها, فهي تبدو كالطفل النائم المرتاح, ليبدل من وضعيته فوق الفراش, فيرقد بجانبها مزيحا راحته وقد تأوهت باعتراض واضعا ذراعه أسفل وجنتها لتعود وتبتسم براحة!!..
قرّب جسدها الغض اللين منه وهمس بينه وبين نفسه بينما ينظر الى وجهها المبتسم النائم كالملاك:
- نامي يا جلب ليث.. أي نعم أني مش هيجيني نوم لكن ولا يهمك.. المهم راحتك إنت.. أني عارف انه لمن ياجي الصبح هترجعي سلسبيل الجديمة.. ولو فيَّا حتة عجل اصغير كنت افوتك دلوك لوحديكي.. لكن مين اللي جال اني عاجل في أي حاجة تخصّك؟, هما مش بيجولوا ان العشج جنون؟, وعشجك انتي يا سلسبيل أجن من الجنون!!..
ليسند ذقنه فوق رأسها متنسما رائحة شعرها العنبرية, ويغمض عيناه, وللمفاجأة يغرق هو الآخر في سبات عميق مماثل لما سبقته اليه سلسبيل والتي لم يكن ببالها أبدا أنها ما ان تشعر براحته أسفل وجنتها فإنها ستغوص بالفعل في نوم عميق كما فعلت.. فما بدأته كعقاب صغير له لذهابه لتلك الوداد انتهى بشعورها هي بالراحة التي غمرتها ما ان شعرت بقربه منها لتنام ولأول مرة منذ اسبوعين براحة عميقة واحساس غريب بالأمان يلفها!!..
فتح ليث عيناه ليستغرب باديء الأمر المكان الذي ينام فيه, ثم ينظر بجواره ليطالعه وجهها النائم, كانت لا تزال ترقد فوق ذراعه التي شعر بخدرها, حاول سحبها من أسفل رأسها, لتتمطى كالهرة بجانبه وتدفن رأسها أكثر بين ضلوعه, مد يدا مترددة ليحاول ايقاظها فهو يعلم تماما أنها ما أن تصحو حتى تتهمه بانتهازه فرصة مرضها, وما ان لمست يده كتفها حتى شعر بلسعة شديدة الحرارة تسري في سائر جسده, ناداها بخفوت عدة مرات قبل أن تفتح جفنيها لترمش عدة مرات قبل أن تجيبه بصوت قد خدره النعاس:
- همممم...
مال فوقها وهي لا تزال نائمة على ذراعه لم تستفق كلية بعد ليقول بابتسامة صغيرة:
- صباح الخير, كيفك دلوك؟, اكويّسة؟!..
قطبت في تساؤل فلم تكن بعد قد استيقظت جيدا بعد ليضرب ذاكرتها ألم رأسها المفتعل ليلة أمس.. وكيف اعتنى بألمها ذاك, لتعي أنها الآن تعتبر فعليا راقدة بين ذراعيه وبكل أريحية!..
احمرت وجنتيها خجلا ووضعت راحتيها على صدره العار فهو قد غفا ليلة أمس بدون أن يرتدي ثيابه كاملة بعد أن فاجأته بتعبها, وما أن لمست كفّيها عضلات صدره القوية حتى انتفضت لتسحبهما سريعا وكأنها لمست سلكا كهربائيا عار, فقد انتشرت الحرارة في سائر جسدها لحظة لمسته يداها, ولكنه أبى أن تبتعد ليسرع بالقبض على يديها لتظلا ملامستين لصدره مسببة تقافز سريع لضربات قلبه, مال عليها هامسا:
- مش الاول أطمن عليكي؟!..
أفلت يد من يديها ليرفع راحته ويضعها فوق رأسها موضع الألم السابق وهو يسألها بصوت أجش بينما عيناه تغازلانها بدون هوادة:
- الوجع كان إهنه, حاسة بحاجة دلوك؟.
ابتعلت ريقها ورطبت بطرف لسانها الوردي شفتيها فقد شعرت بجفاف في حلقها وأسدلت عينيها فلم ترى لمعة عيناه المراقبتان لذلك الفم ذو الشفاه الأرجوانية اللتين تثيرانه بشكل غير مسبوق بالنسبة له وهو الذي تزوج ثلاث مرات سابقا ولكن لم يحدث أن أثارته أيا من زوجاته السابقات, أجابت بخفوت:
- الحمد لله, تسلملي يا ولد عمي تعبتك امعايْ..
ليث بصوت مبحوح وهو يقترب أكثر حتى لغى السنتيمترات القليلة التي تبعد بينهما حتى أنه اضطرها لتميل هي الى الخلف تراقبه بنظرات قلقة مترقبة محاولة دفعه الى البعيد ولكن وكأنها تحاول زحزحة جبل شامخ من مكانه:
- تعبك راحة يا بت عمي..
همست بخفوت ولكنها لم تستطع منع أنفاسها أن تضرب وجهه ليتيه في عينيها تماما كما كان يحلم, أن تكون عيناها أول ما يستيقظ عليه كل صباح:
- هجوم أحضر لك الفطور على ما تتسبّح..
همس بأنفاس ساخنة وقد ترك يديها ليحيط خصرها بذراعيه ضاغطا جسدها اللين الطري الى جسده العضلي الذي ما ان لامسته حتى وكأنها قد أشعلت فيه النار, قال بصوت مثخن بمشاعر الشوق القاتل:
- ريحي روحك, أني لمن أنزل هاخد جرجوشتين ع الماشي, المهم انتي تكوني مرتاحة..
لترفع عينيها إليه وهي تطالعه بحيرة, لقد لمست خوفه وقلقه عليها ليلة أمس, بل أنها ولأول مرة منذ وقت طويل تنام ملء جفنيها وقد شعرت بالأمان التام, وكأن مكانها الطبيعي هنا بين ذراعيه, بعدما حدث بينهما المرة السابقة كان شعور بالخجل مختلط بشعور بالذنب لا تدري لما.. هما من دفعاها لتكيل له الاتهامات الباطلة من أنه هو من أجبرها على الاستسلام مخرسة وبقوة هتاف قلبها أنها هي من استسلم وعن طواعية منها, لكن الآن وهي تنظر الى ذلك الفحم المشتعل في عينيه وهي ترى انعكاس صورتها بين مقلتيه ترى أيضا حنانا وحماية وقلقا, تاهت في عيناه بينما في المقابل رآها ليث.. رآى تلك النظرة المتسائلة الحائرة تقبع ي زاوية صغيرة بين بندقيتي عينيها..كانت وكأنها تريد أن تستشف صدق مشاعره, وعقد العزم على أن يثبت لها أنه الآن... ليثها هي!, فيكفيه تلك النظرة الحائرة ليزعزع الباقي منها ولن يتوقف قبل أن تستسلم كاملا له وكليّة, وسيبدأ منذ اللحظة!..
همت بالكلام عندما مال عليها بغتة ليسكتها ملتهما كلماتها بين شفتيه, أخذتها المفاجأة ولم تقاوم في البداية ولكن بعد أن شعرت بيديه وهما تجوسان بين حنايا جسدها حتى حاولت الافلات وان كانت مقاومة ضعيفة قضى عليها ليث في وقتها لتستسلم رافعة ذراعيها بتردد محيطة بعنقه القوي, فيميل بها كلية فوق الفراش لتنبطح على ظهرها بينما يعلوها هو ولا يزال مبحرا بها في لجة عناق قوي يغوص معها في بحر عميق شاطئه ذراعيه.. واحة أمانها..
صوت طرقات على الباب قاطعت تلك اللحظات بينهما, ظنتها سلسبيل في البدء من مخيلتها ولكنها أنصتت قليلا لتعلم أنها دقات فعلية, حاولت التملص من قبضته وهي تزيح شفتيها جانبا هاتفة:
- ليث.. ليث الباب يا ليث..
ليث بشرود وهو تائه فيها بينما تنتقل شفتاه على عنقها مرورا بحلقها لتصل الى عظمة الترقوة بقبلات ملتهبة صغيرة:
- اممممم.. مالَه الباب؟..
حاولت سلسبيل الابتعاد عن مرمى شفتيه وهي تقول برجاء بينما الطرقات مستمرة:
- يا ليث الباب بيطُوجْ!..
ليتوقف عن تقبيلها وهو يطالعها بنظرات زائغة مشتتة ثم تشير له بعينيها تجاه الباب ليسمع الدقات العالية فتكرر كلماتها:
- الباب عيطُوج!..
ثم بدفعة صغيرة أزاحته من فوقها وهرعت الى المرآة لترتب ثيابها وهي تسأل بصوت عال عمن يكون الطارق ليجيبها صوت صغير أنه أنا... شبل وعدنان!, لملمت شعرها الثائر بربطة محكمة , وطالعت نفسها في المرآة لترى شفتيها المنتفختين اللتات تحملان أثر هجوم ليث عليهما, لتتجه الى الباب فتفتحه غافلة عن ذلك القابع فوق الفراش وقد ضرب برأسه في الحائط أعلى السرير وهو يردد بصوت خافت ويأس:
- وانتي الصادجة.. أني اللي هطوج مش الباب!..
وما أن فتحت الباب حتى اندفع الصغير شبل وفي أعقابه عدنان شقيقه مهللين ويتجهان الى ليث الراقد فوق الفراش والذي ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه ما أن وقع ناظريه عليهما, ليقفزا بجواره فوق الفراش بينما يقول شبل بلوم:
- انت وعدتنا هتلعب امعانا, انت نسيت يا بويْ؟!
ليتسمر ليث وسلسبيل مكانهما يتبادلان النظرات هو في مكانه فوق الفراش يتوسط الصغيرين وهي واقفة أمامه, ثم التفت ليث الى شبل ليحتضنه بقوة قائلا وهو يتشمم رائحته الطفولية الذكية:
- لاه.. أني أجدر أنسى وعد وعدته لـ... ولدي!!..
لتترقرق الدموع في عيني سلسبيل, ليست دموع حزن ولكنها وللمفاجأة دموع فرح!, فقد عوض الله صغارها عن أبيهما الراحل بعمهما.. ذلك الأب الحنون والذي شعرا بأبوته, فلم يكن صغيرها ليهتف به مناديا اياه بأبي ان لم يستشعرها حقيقة, فالأطفال يتعاملون بالفطرة فقط, لا يعلمون ما المجاملة ولا يتعاطونها!.., وألقت الى ليث بنظرة فهمها الأخير... فهي تشكره على رعايته لولديها... نظرة امتزجت بها أخرى تدل على إعجاب صرف.. ليعلم ليث أنه قد بدأ باختراق حصون قلبها.. ولن يتوقف قبل أن يدق أسوارها كلية لتعلن الاستسلام التاااااام لقلبه العاشق!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
سافر غيث وسلافة الى القاهرة يرافقهما كلا من شهاب وسلمى بعد إصرار شديد من سلمى لمرافقة أختها ومن شهاب أن يصاحب توأمه, وقال رؤوف وهو يودعهم:
- أنا واثق فيكم برقبتي, وعارف انكم هتحافظوا عليهم..
كانوا قد تعللوا لجدهم وعثمان برغبة سلمى وسلافة بالذهاب الى القاهرة لأنجاز بعض الأمور العالقة الخاصة بعمل كل منهما, وكانا من المفترض أن يعودوا في نفس اليوم إلا أن اقتضت الظروف فسيبيتون في منزل رؤوف هناك...
كانت سلافة قد واعدت المحامي فاتجهوا رأسا الى مكتبه, وبعد أن دخلوا وقامت سلافة بعملية التعارف بينه وبين الباقيين, جلسوا يتشاورون في الخطوة اللازم اتخاذها, قالت سلافة:
- أنا عاوزة حضرتك تطعن في الحكم انه القضية قيدت ضد مجهول...
المحامي بتعبير أسف:
- للأسف يا آنسة سلافة..في القضايا اللي زي دي لازم يكون فيه أدلة قوية عشان الطعن يتقبل..
سلافة بجدية:
- طيب لو الأدلة اللي اتحرقت دي كانت موجودة ممكن وقتها الطعن يتقبل؟.
المحامي بهزة بسيطة من كتفيه:
- للأسف يا آنسة ممكن يبقى دليل ضعيف والمحكمة ما تاخدش بيه, لأن الدليل دا بيدين المستشفى إياها لكن مالهاش دعوة بقضية قتل واغتصاب المرحومة مريم..
دمعت عينا سلمى وسلافة ما إن سمعا كلمة المرحومة تسبق اسم صديقتهما, دفعت سلمى بدموعها بعيدا وتحدثت بهدوء قائلة:
- بس مريم تبقى خطيبة سامح اللي اتلفقت له قضية من الناس دول؟!..
المحامي:
- لكن عشان قضية زي دي تتفتح تاني لازم يكون فيه دليل عن مجرم موجود فعلا.. يعني مثلا شاهد للجريمة.. كدا يعني, لكن....
وسكت قليلا وقد غامت عيناه بتفكير عميق فهتفت سلافة:
- لكن ايه يا متر؟.
غيث بتؤدة:
- حضرتك عندك حاجة ممكن تفيدنا في فتح الجضية من جديد؟.
المحامي بتفكير عميق:
- الادلة دي ممكن تساعدنا في الطعن في قضية الدكتور سامح, لو الطعن اتقبل وقتها ممكن يكون فيه فرصة لفتح قضية المرحومة مريم من تاني, بس المشكلة دلوقتي انه الادلة دي اتحرقت.. هنجيب منين أدلة إدانة تاني قوية زي دي؟!..
لتبرق عينا سلافة بعزم وهي تجيب:
- بس الأدلة موجودة يا متر...
لينظر اليها المحامي بدهشة بينما تبادل غيث وشهاب وسلمى نظرات التساؤل, لتجيب على أسئلتهم الصامتة بقولها:
- ثواني حضرتك..
لتبتعد سلافة حاملة هاتفها المحمول لإجراء مكالمة هاتفية وما هي إلا أقل من خمسة عشر دقيقة حتى تعالت طرقات على باب المكتب ليسمح المحامي للطارق بالدخول والذي كان وكيل مكتبه يخبره بقدوم أحدهم من طرف الآنسة سلافة, فنظر المحامي بدهشة اليها ثم أمره بإدخاله على وجه السرعة فيدخل ذلك القادم الغريب لتشهق سلمى متفاجئة بينما يتبادل غيث وشهاب نظرات التساؤل فيما يحدج غيث سلافة بريبة وغيظ, وتنهض سلافة متجهة الى الوافد الجديد وهي تقوم بعملية التعارف بينه وبين المحامي قائلة بجدية:
- الدكتور كريم... أهم طرف معانا في القضية..
وقبل أن يتساءل أي من الموجودين يفتح كريم حقيبة صغيرة كانت بحوزته ليخرج ظرفا ورقيا كبيرا فتناولته سلمى منه واتجهت الى المحامي لتقوم بفض الظرف مسقطة محتوياته فوق سطح المكتب ليطالع المحامي ما يراه أمامه بدهشة وينظر الى سلافة الواقفة أمامه بابتسامة صغيرة لتقول مجيبة على سؤاله الصامت:
- التكنولوجيا يا متر لازم نستفيد بيها كويس اوي, وان ما كانتش تخدمنا في حاجة زي دي.. يبقى لازمتها ايه؟, دي نسخة من ال سي دي والفلاشة اللي اتحرقوا, اتفضل حضرتك قدم الطعن في قضية الدكتور سامح!!..
في وقت لاحق وبعد انصرافهم من مكتب المحامي وقد اعتذر كريم على مرافقتهم ولكنه انفرد بسلافة متمتما لها بأنه سيكون موجودا في أي وقت, وكان قد بارك لشهاب وغيث على عقد القرآن فهو لم يحضر نظرا لظروف الحزن التي تمر بعائلتهم بسبب وفاة راضي, فتداركت سلمى قائلة بابتسامة:
- لكن أكيد هنعمل فرح وهتكون انت وطنط وفاء وعمو نبيل أول الموجودين, وسهى طبعا...
انصرف كريم ملوحا بيده لهم ومشيرا لسلافة بيده علامة انتظاره لإتصال منها لموافاته بما يطرأ من أحداث..
دلفت سلمى الى المنزل مفسحة المجال لسلافة وغيث وشهاب باللحاق بها, أغلقت الباب وقالت وهي تمسك بأكياس الطعام من شهاب مشيرة لسلافة:
- انا عارفة انتم اكيد واقعين من الجوع, ياللا يا سلافة نحضر الغدا على ما يغسلوا ايديهم ووشهم..
تناول الجميع الغذاء وسط النقاش الدائر عما سيحدث, وكانوا قد قرروا المبيت الى الصباح حيث سيتقدم المحامي بالطعن للمحكمة..
بعد انتهائهم من تناول الطعام, اتجهت سلمى لتجهيز غرفة نوم والديها لشهاب وغيث بينما قامت سلافة بعمل الشاي..
همهم غيث ببضع كلمات لشهاب الجالس في غرفة الجلوس قبل أن يلحق بسلافة التي كانت تقف بالمطبخ تقوم بصنع الشاي لهم جميعا, تحدث غيث بهدوء يخالف ما يجيش داخله من تساؤلات تكاد تقتله لمعرفة الجواب عليها:
- انما انتي جاتك فكرة النسخ ديه كيف؟.
استدارت سلافة له وابتسمت ابتسامة صغيرة وأجابت وهي ترص أقداح الشاي فوق الصينية:
- أبدا.. كل الحكاية اني حسبتها في دماغي, الموضوع مش سهل, وأنا ما بحبش أسيب نفسي للظروف, بحب أحط كل الاحتمالات في دماغي, يوم ما أخدت السيديهات والفلاشة من مريم عملت لها كوبي وادتها لكريم في وقتها, بصراحة كريم ما سألنيش , أنا كل اللي قولتهوله عاوزاك تشيل الأمانة دي عندك لغاية ما أطلبها, وطلع فعلا أد الأمانة..
حاول غيث اخفاء غيظه من عباراتها التي تشي بإعجابها بكريم وقال وهو يقترب منها بنبرة صوت لم يستطع اخفاء حدتها المكبوتة:
- غريبة.. وايش معنى كريم يعني؟.
رفعت سلافة عينيها اليه وقطبت بابتسامة حائرة وهي تجيب:
- ماجاش في دماغي الا هو ساعتها, بصراحة هو اللي انا فكرت فيه وقتها, لأنه الوحيد اللي ممكن آآمن له في موضوع زي دا!!..
الى هنا وكفى.. سيكون ملعونا إن سمح لها بالاسترسال في اقصائه أكثر من هذا, ما معنى كلامها بأن هذا الـ كريم هو الوحيد الذي طرأ ببالها بل أنه هو الوحيد الذي تثق به؟, وما هو بالنسبة لها؟, هواء!, لقد كانا وقتها في حكم المخطوبيْن ولم تكلف خاطرها بإخباره بما حدث لولا أنه قد ضغط على والدها ليعلم ما بها وذلك بعد أن صرّح له جده بشكوكه حولها وحول عمه!..
مال عليها لتلفحها أنفاسا ساخنة تخرج من أنفه وفمه على حد سواء فكأنه التنين ينفث نارا من فمه, لتنظر اليه بريبة وهي تضع سخان الماء الكهربائي جانبا بعد أن صبت الماء فوق ورق الشاي في الأقداح, سألته وهي تعتدل واقفة أمامه:
- مالك يا غيث.. فيه حاجة؟, شكلك متنرفز!.
ليفاجئها بقبضة قوية على مرفقها جعلتها تشهق وتتسع عيناها ذهولا وحيرة فيما يتحدث هو من بين أسنانه المطبقة بغضب ناري لم يسبق له اختباره سوى منذ ان عرفها هي فقط:
- بجه كريم هو أجرب واحد منيكي وهو الوحيد اللي مأمناله؟, وأني أبجى أيه ان شاء الله؟, مش راجلك ومالي عينك ولا إيه؟..
تفاجئت سلافة من هجومه القوي ومن تفسيره لما أخبرته به بحسن نية وهتفت وهي تحاول التملص من قبضته دون جدوى:
- لا طبعا الموضوع مش كدا..
غيث بسخرية وهو يضغط على مرفقها ليقربها اليه:
- طب فهميني انتي يا زينة العرايس.. واحدة مخطوبة وتآمن لراجل تاني غير زوجها في حكاية واعرة إكده.. يبجى ديه اسمه ايه؟..
سلافة بحنق:
- اولا انت يومها ما كونتش معايا, تاني حاجة بقه لو حصل وكانوا مراقبين مريم هيعرفوا انها صاحبتي وعلى طول أي حد من عيلتي هيكون مشكوك فيه بالنسبة لهم لكن كريم بعيد خالص, محدش يعرف علاقتنا بيه غير ناس معدودين بس, عرفت بقه أنا ليه فكرت فيه هو؟, مش قلة ثقة فيك لكن لأن ما فيش غيره أقدر أثق فيه وفي نفس الوقت يكون بعيد عن الخطر!.
تهاونت قبضة غيث لتسحب سلافة ذراعها بقوة وكشرت وهي تفرك موضع قبضته, قال غيث مقطبا جبينه:
- يعني جصدك انك ما كونتيش عاوزة حد منينا يِعرف بالحكاية ديْ خوف منِّيكي علينا؟.
حدجته سلافة بنظرة غاضبة وقالت:
- انا ماحاكتش لحد يا ابن عمي الا لبابا بس, سلمى وماما معرفوش غير لما أغمى عليا من يومين, يعني لا قلة ثقة فيكي ولا فهيم, خوف وحرص مني مش أكتر, لكن للأسف اللي لاقيته منك شك وظنون ماكونتش أتوقع انك تفكر مجرد تفكير فيها..
استدارت تهم بالانصراف عندما سارع بوضع يده على كتفها لأيقافها وناداها بلهفة:
- استني يا سلافة..
وقفت معطية له ظهرها فاستدار حولها ليقف أمامها ليقبض على مرفقيها برفق ويميل عليها ناظرا في عينيها بعمق وهو يردف بابتسامة أسف صغيرة:
- ما.. ما تزعليشي مني, أني مش ممكن أشك فيكي واصل, ديه ما اسموشي شك..
ابتسمت سلافة نصف ابتسامة ساخرة وسألته هازئة:
- مش شك؟, اومال دا يبقى ايه ان شاء الله؟.
ليميل عليها مقربا وجهه منها حتى اشتم رائحتها العبقة وهو يجيب بصوت خافت أجش:
- إسمها.. غييييرة, ايه.. حرام إني أغير على مَرَتي؟, حبيبتي؟!, واللي في المستجبل ان شاء الله هتبجى أم اعيالي؟..
كان في كل كلمة من كلماته يميل أكثر باتجاهها حتى إذا أنهى قوله وهمت بالحديث خطف شفتيها في قبلة رقيقة كرفرفة جناح فراشة لم مكث إلا ثوان ولكنها قلبت حالها, ليعتدل بعدها ناظرا في عينيها وهو يردف بحرارة بينما تطالعه عيناها بنظرة عتاب رقيقة:
- ما تزعليشي مني يا بت عمي, صدجيني من وجت ما شوفته حدا المحامي وأني برج من عجلي طار, لازمن تفهمي إني بحبك جوي وإني بغير عليكي جوي جوي, كنت هنجن عشان أسألك وأعرِف منّيكي, فهمتيني يا بت عمي؟, هزت برأسها ايجابا في صمت فتابع بلهفة متسائلة:
- ما انتيش حمجانه؟.
لم تستطع سلافة الاستمرار في غضبها منه أكثر من ذلك وهو يقف أمامها كالطفل الذي يستجدي من والدته ألا تغضب عليه, لتبتسم ابتسامة صغيرة مجيبة وهي تلكم صدره بقبضتها الصغيرة لكمة خفيفة تأوه لها تأوها مصطنعا:
- لاه.. مش حمجانه!!..
ثم تابعت محاولة تلطيف الجو بالمزاح:
- انما صحيح أنا أول مرة أشوفك لابس جينز وتي شيرت, انت في البلد على طول بالجلابية أو لبس الخيل, ايش معنى يعني انهرده..عشان نازل #مصر؟.
ابتسم غيث وقال وهو يحيط خصرها بذراعيه مشبكا أصابعه خلف ظهرها فيما تميل هي ناظرة الى عينيه بابتسامة ناعمة على ثغرها الوردي:
- أبدا, لكن أنا في نزولاتي #مصر بلبس إكده, مع إني برتاح في التوب أكتر, لكن لمن باجي بيه #مصر بحس كاني العمدة الكل بيعمل لي ألف حساب من غير ما يعرفوا أني مين؟
أجابت سلافة وهي تتطلع اليه بحب لمع دون أن تدري في عينيها لينير ليلهما السرمدي:
- انت يا حبيبي ليك هيبة.. أي مكان تروحه لازم يعملوا لك ألف حساب ولو كنت بالبيجامة حتى.. مش توب ولا قميص وبنطلون!
ليفغر غيث فاه ويتساءل بغير تصديق وذهول وهو يضغط عليها ليقربها منه:
- انتي جولتي إيه؟.
قطبت سلافة وأجابت بابتسامة حائرة:
- قلت ان شخصيتك جامدة ولك هيبة و...
قاطعها وهو يهز رأسه عدة مرات يمينا ويسارا:
- لاه لاه مش ديْ, جبلها.. جبل الجملة دي جولتي ايه؟.
لتبتسم سلافة وترد بمشاغبة:
- آه.. يعني عاوزني أعيد الشريط من الأول؟!..
ليجيب غيث بنفاذ صبر ورجاء:
- ايوة يا سلافة.. هاتيه من أوله.. من آخره.. م إمهم.. المْهِمْ تجوليها تاني!.
تصنعت عدم الفهم وقالت:
- بردو مش فاهمه..
ليتركها بحنق طفولي وهو يهتف:
- انتي بتجلعي عارفك أني زين, جال ماعرفاشي جال!, طب عيني في عينك إكده؟..
لتبتسم بخبث فما كان منه الّا أن نفخ بضيق واستدار ليهمّ بالانصراف عندما اقتربت منه كالنسمة الطرية وهمست بخفوت بجانب أذنه:
- حبيبي..
ليتسمر في مكانه بينما خرجت راكضة وهي تهتف ضاحكة:
- اعمل انت شاي تاني بقه دا أكيد بِرِدْ!!..
------------------------------------------------
في الصباح اتصلوا بالمحامي الذي أخبرهم بأنه قد تقدم بطلب للطعن في الحكم بقضية سامح وأنه سيوافيهم بالمستجدات أولا بأول, فقرروا الذهاب لتناول الغذاء قبل رجوعهم الى البلدة..
كانوا يتبادلون أطراف الحديث عندما جاءت سلافة مكالمة هاتفية من المحامي يخبرها بخبر زلزلها.. فقد وُجد سامح مقتولا في زنزانته!!..
ارتمت سلافة على المقعد خلفها وهي تنهار في بكاء حار حيث هرعوا ما ان سمعوا بالخبر الى المحامي لمعرفة التفاصيل, قال المحامي بأسف:
- للأسف واحد من المحكوم عليهم بالاعدام اتخانق معاه وراح ضربه بسكينة كان سرقها من مطبخ السجن!..
سلمى بانهيار:
- ازاي؟, ازاي يحصل حاجة زي كدا؟, احنا فين احنا هنا؟, معقول احنا في #مصر؟, أنا حاسة اننا في شيكاغو, وان العصابة دي مافيا من اللي بنسمع عنهم في الافلام!..
المحامي بضيق بينما وقف شهاب بجوارها مربتا على كتفها وحذا حذوه غيث لسلافة:
- للأسف هما فعلا مافيا, لكن الخوف دلوقتي بقه عليكي انتي يا آنسة سلافة!..
طالعه الجميع بقلق وريبة ليتابع بأسف:
- واضح كدا انهم عرفوا كل حاجة عنك وقتلهم لسامح دليل انهم سابقينا بخطوة واحده, وبردو انهم عارفين ان الدليل معاكي انتي, فيا ريت تخلي بالك من نفسك..
ليهتف غيث بينما تلمع عيناه بشراسة:
- طب يبجى حد يفكر بس مجدر تفكير انه يجرب منيها وجتها يجول على نفسه يا رحمن يا رحيم..
اتجه شهاب الى أخيه وربت على كتفه قائلا بصرامة:
- مش لوحدك يا أخويا, انا كمان معاك...
المحامي بلهجة محذرة:
- ويا ريت تخلو بالكم.. واضح كدا انه فيه حد مراقبكم ومش بس كدا لا.. وعارف كمان انتو بتفكروا في ايه!, محدش كان يعرف بموضوع الطعن دا غيرنا هنا, انتو اتكلمتوا في الموضوع دا بعد ما خرجتوا من عندي مع أي حد؟.
ليتبادل الجميع نظرات التساؤل والريبة ويهتفوا بالنفي في صوت واحد:
- لا ما حصلش..
يهز المحامي رأسه ويقول:
- عموما خلوا بالكم..
-------------------------------------------------------
فتحت سلافة باب المنزل لتفاجأ به مقلوبا رأسا على عقب,فمنعها غيث هي وسلمى من الدخول ليدلف هو وشهاب ليتفقدوا المنزل وما أن تأكدوا من خلوه من أي شخص حتى سمحوا لهما بالدخول, تفاجئوا بالمشهد أمامهم, فمن الواضح أنه قد تم تفتيش المنزل تفتيشا تاما فكل شيء في غير مكانه, فالتلفاز مقلوب فوق الأرض وقد تكسرت شاشته البلازما, والمقاعد والكراسي حتى المطبخ لم ينجو من أيديهم, ووسط كل هذه الفوضى خرق الصمت السائد بينهم صوت استقبال رسالة على هاتف سلافة المحمول, لتقطب وتفتح الرسائل مستطلعة المرسل, لتفاجأ برقم غريب, ففتحت الرسالة لتقرأها لتفتح عينيها على وسعهما في ذهول لما تقرأه, انتبه غيث لحالتها فسحب الهاتف من يدها ليقرأ بصوت مرتفع:
- المرة دي إنذار بسيط.. ابعدي خالص عن القضية وانسي أنك كنتي تعرفي واحدة اسمها مريم, ولو زعلانة عليها أوي كدا.. احنا ممكن نعمل معاكي واجب ونخليكي تحصليها... وزي ما حصلها بالظبط, بس مش هتكوني لوحدك.. هيكون معاكي اللي يونسك.. أختك... الدكتورة سلمى!!..
لتشهق سلمى برعب وتحتضن سلافة بينما يتبادل غيث وشهاب النظرات التي تشي بغضبهم الوحشي ليخرق غيث الصمت قائلا بوعيد:
- وجسما بالله واللي عمري ما حلفت بيه باطل لأخليهم عبرة لمن لا يعتبر, وتار مريم وخطيبها وكل اللي ماتوا في رجبتي, ومش غيث الخولي اللي يفوت تاره واصل!..
ليعاجله شهاب وشرارات الغضب تطاير من بين دخاني عينيه:
- مش لوحدك يا غيث, ويمين بالله ما يتم فرحنا إلا لمن ناخد بتارنا يا ابن أمي وأبوي, عيلة الخولي عمرها ما تفرط في تارها مهما حصل!!..
لترفع سلافة وسلمى أعينهما إليهما بينما يشد غيث وشهاب على أيدي بعضهما, فالطريق للأخذ بالثأر قد بدأ ومنذ اللحظة, وسيأخذان بثأرهما كاااااااااااااملا !!...



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:31 AM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


21

كانت سلافة أول من خرق الصمت المتوتر السائد بينهم عندما اندفعت الى هاتفها المحمول وهي تضغط بعض الأرقام هاتفة:
- لازم نبلغ البوليس..
لتمنعها سلمى التي اندفعت اليها وهي تهتف بها فيما تسحب الهاتف من يدها:
- لا.. غلط..
قطب شهاب واتجه اليهما متسائلا:
- غلط ليه يا سلمى؟, المفروض البوليس يعرف عشان يبقى دليل ضد المجرمين دول؟.
سلمى بهدوء وهي تنقل نظراتها بينهم:
- عشان لو بلغنا يبقى احنا كدا بنقولهم اننا مش خايفين وطبعا هيتنقلوا لخطوة البلطجة اللي بعد كدا, دا غير أني متأكدة انه تبليغ البوليس مش هيثبت عليهم أي حاجة دول مش هواة دول مافيا بجد والقانون مش بيتعامل غير بالورق وبس حتى لو اللي بينفذ القانون دا مصدقنا لكن بردو لازم أدلة ملموسة مش محسوسة...
سلافة بتقطيبة:
- بردو مش فاهمه, وايه المشكلة لما يعرفوا اننا مش خايفين لأننا فعلا مش ممكن نخاف من شوية مجرمين زي دول؟
ليتدخل غيث في الحديث قائلا بجديته المعهودة وهو يتقدم منهم:
- لأننا لو ما بلغناشي #الشرطة.. عيفهموا إن تهديدهم جاب نتيجة إمعانا واتهوشنا صوح, فهيبتدوا يتصرفوا بسِجَة زايدة ووجْتها عيغلطوا الغلطة اللي هتلف حبل المشنجة حوالين رجبيهم..
سلمى بابتسامة ظفر وهي ترفع إبهامها الى غيث:
- هو كدا يا ابن عمي..
ليعلو تعبير الاستنكار وجه شهاب ويتبادل النظر مع سلافة التي نقلت نظراتها بين اختها وخطيبها بدهشة فيما تحدث شهاب بصوت خرج ساخرا رغما عنه:
- ايه دا.. ما شاء الله كنتو بتشتغلوا في عصابة قبل كدا؟..
ثم نظر الى سلافة وتابع بابتسامة ساخرة:
- شكلي أنا وسلافة كدا هنتعلم منكم شغل العصابات على حق..
ليشعر غيث بالغيظ لحديث شهاب الذي جمع بينه وبين سلافته هو فأجابه بغيظ وقهر:
- لاه يا ولد يا بويْ ما تخافيش.. هتتعلموا كل حاجة.. ركز انت بس مع مراتك وفوت لي مرتي أني هفهمها كل حاجة...
قطبت سلافة ناظرة الى غيث بتساؤل قطعه صوت سلمى وهى تزفر بقلة صبر:
- دلوقتي إيدك معايا يا سلافة نروق الدنيا وبعدين نقعد نفكر في خطوتنا اللي جاية..
ليهتف غيث وشهاب في آن معا:
- انكم ترجعوا البلد...
لتهتف الشقيقتان بدهشة واستنكار تام:
- نعم!!..
كرر شهاب بزفرة حادة:
- أيوة أول ما النهار يطلع هنرجعكم البلد وما لكوش دعوة بعد كدا بالموضوع دا, أنا وغيث متكفلين بيه..
لتقاطعه سلافة بحدة:
- لا طبعا, الموضوع دا لو يخص حد معين يبقى يخصني أنا, ولو حد هيرجع البلد يبقى انت وأخوك وسلمى كمان, الموضوع دا موضوعي أنا والتار تاري أنا وانا متعودتش أهرب يا ابن عمي..
قطب غيث استهجانا وتقدم منها يقبض على مرفقها هاتفا:
- انتي بتجولي ايه يا سلافة؟..
لينظر شهاب الى سلمى بنظرة خاصة فينسحبا تاركين غيث وسلافة بمفردهما, لم يعي أيّاً منهما إنصراف شهاب وسلمى وبدلا من ذلك نظرت سلافة الى غيث وأجابت بانفعال:
- اللي انت سمعته يا غيث, احنا مش شوال بطاطا هترجعوه مكان ما جبتوه, في الأول والآخر دا موضوعي أنا, يبقى أنا اللي أقول مين يقعد ومين يمشي, وعاوز الحق أنا حاسة ان الموضوع دا ممكن ياخد في رجليه ناس مالهاش ذنب, عشان كدا الأفضل أني أتعامل فيه لوحدي, مش عاوزة أشيل ذنب حد!
نظر اليها مندهشًا بتعبيرات جامدة لثوان ليصرخ بها بانفعال تام بعد ذلك حتى أن عروقه قد برزت واضحة في عنقه وهو يقبض على مرفقها الآخر ليهزها بقوة بينما يعلو صوته ثائرا:
- انتي اتجنيتي إياك!, يعني ايه موضوعك لوحديكي ديه؟, أني جوزك يا هانم.. جوووووزك!, واعيه للكلمة ديْ ولا مواعياشي؟, أسيبك لوحديكي كيف في حاجة زي ديْ؟, ديه لو أني غريب عنيكي معملهاشي يبجى أعملها وإنتي مرتي؟, ليه مش شايفاني راجل جودامك ولا إيه؟..
حاولت سلافة الفكاك من أسر قبضتيه وعندما فشلت هتفت به:
- سيبني يا غيث, أنت اللي ابتديت, انت واخوك اللي عاوزين تشحنونا على البلد زي ما تكونوا بتشحنوا بضاعة, مريم دي تبقى زي سلمى أختي بالظبط, وتارها يبقى تاري أنا وأنا بس اللي هاخده, انت صعيدي يا ابن عمي وعارف يعني ايه تار, ومينفعش حد ياخد بتار حد تاني, تبقى عيبة كبيرة أوي ولا أنا غلطانة؟.
كشر غيث وهتف بها وهو يهزها حتى اصطكت أسنانها:
- افهمي يا بت عمي, من ساعة ما بجى طريجنا واحد مافيش حاجة اسمها تاري وتارك ولا حاجتي وحاجتك, احنا التنييين بجينا واحد, ولو عِملت اللي بتجولي عليه ديه يبجى أحسن لي ألبس ترحة وأجعد في الدار جنب أمي, ويبجى عيب لو اتسميت راجل بعد إكده!.
سكتت سلافة وهي تلهث بعدما فشلت في الافلات منه بينما تغيرت وتيرة صوته وضعفت قبضتاه ليقربها منه وهو يفلت مرفقيها ليحتوي خصرها بين ذراعيه القويتين ويردف وهو يغرق في ليل عينيها السرمدي:
- أنتي ازاي تتصوري اني أجدر أفوتك في الهم ديه وحديكي, لسّاكي يا بت عمي معرفاشي غلاوتك جد إيه؟, أني مش ممكن ههملك واصل يا سلافة, اتجنيتي انتي لمن تطلبي مني أفوتك وحديكي, أني مجدرش أتصور المجرمين دول ممكن يعملوا إيه, احنا بنتعامل مع ناس معيخافوشي ربنا, الود ودي أحطك جواتي وأغلج عليكي عشان أبجى مطمن عليكي, انتي ليه ما فهماش لحد دلوك أنتي بجيتي إيه بالنسبة لي؟!..
ابتلعت سلافة ريقها ونظرت اليه لتقابلها عيناه وهما يطالعانها بنظرة شوق وحب ملتهب بينما هناك في البعيد تقبع نظرة خوف وقلق لم يسبق لها وأن شاهدتها قبلا, حاولت التحدث لتشعر بجفاف في حلقها فرطبت شفتيها بلسانها الوردي قبل أن تجيبه بخفوت وعيناها تتضرعان إليه بالموافقة:
- بس أنا مقدرش يا غيث, مقدرش أسيب تار مريم, دي أمّنتني يا غيث, وأنا مش ممكن أخون الأمانة, وبعدين انت فاكر انك لوحدك اللي خايف عليا؟, أومال أنا ليه قلت لك انا اللي هكمل لوحدي؟, من خوفي عليك....
– سكتت قليلا ثم استدركت وهي تهرب بعينيها جانبا – عليكم, من خوفي عليكم يا غيث..
لتقربها يداه أكثر اليه ضاغطيْن على ظهرها ليلامس صدرها اللين عضلات صدره القوية فيما يجيب بأنفاس متهدجة وهو يطالع وجهها الفاتن:
- خايفة عليَّ يا بت عمي؟.
لتجيب وهي تشرد بعينيها بعيدا:
- لو.. لو ما خفتش عليك يا ابن عمي, هخاف على مين؟..
ثم أردفت ببراءة مفتعلة:
- وأكيد طبعا هخاف على سلمى أختي وشهاب ابن عمي..
ليزمجر غيث بحدة ويقول بينما تلتصق شفتاه بصدغها ليستنشق رائحة بشرتها الشبيهة برائحة الأطفال بل أنها تضاهي أيضا نعومة بشرتهم:
- مالكيشي صالح بشهاب ولد عمك, ليه حرمة تخاف عليه!.
صدرت منها ضحكة صغيرة لترفع عينيها اليه وتتساءل:
- انت بتغير من أخوك يا غيث؟.
ليجيبها بحنق:
- وأبويْ كمان..
فتحت فمها لتجيبه ساخرة ولكن توقفت الكلمات على طرف لسانها وتاهت منها أحرفها التي ابتلعها غيث في قبلة محمومة أودعها قلقه وعشقه و.. غضبه من تلك المتهورة العنيدة الحمقاء التي نجحت في أٍسر قلبه ليصبح أسيرها مدى الحياة...
تركها غيث بعد وقت طويل بعد أن شعر بحاجتهما للهواء, ثم اعتصرها بين ذراعيه وأسند ذقنه على خصلاتها الثائرة وقال بأنفاس لاهثة:
- يدي في يدك يا بت عمي.. وزي ما سبج ووعدتك تار مريم هناخدوه سوا.. مع بعض, مش عيلة الخولي اللي تهمل تارها واصل...
أغلقت سلافة عينيها وهي تستنشق نفسا طويلا, قبل أن تجيبه بخفوت قائلة:
- وأنا مش هسيب ايدك يا ابن عمي, وتار مريم هناخده سوا..
ليحتضنها بقوة أكبر وابتسامة هانئة ترتسم على وجهه الرجولي الوسيم زافرا براحة...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxx
لاحقا بعد أن أعادت سلافة وسلمى ترتيب المنزل جلس الآربعة يتناقشون في خطوتهم المقبلة, قال شهاب بتفكير عميق:
- أهم حاجة دلوقتي لازم نفكر فيها.. مين اللي عرّف المجرمين دول أننا معانا نسخة تانية من الأدلة اللي اتحرقت؟, ومين اللي قالهم اننا طلبنا من المحامي انه يقدم طعن في قضية سامح الله يرحمه؟, فيه حد بيتجسس علينا وينقلهم المعلومات..
سلمى بتأكيد:
- فعلا يا شهاب, فيه حد عارف احنا بفكر ازاي وبينقلهم الأخبار علشان كدا هما سابقينا بخطوة, ولو عرفناه يبقى احنا اللي هنسبقهم المرة اللي جاية..
سلافة بهتاف منفعل:
- صح كدا, وبكدا يبقى احنا اللي بنتحكم في خطواتهم اللي جاية لأنهم هيتصرفوا بناءا على خطوتنا احنا..
غيث بتركيز:
- انما الشخص ديه يبجى مين؟, ما حدش كان عارف باللي دار بيننا وبين المحامي غيرنا احنا والمحامي و....
ليقاطعه شهاب هاتفا بقوة:
- وكريم!!..
لتهتف سلمى وسلافة باستنكار تام:
- مين؟, كريم!, لا طبعا...
زفر شهاب بحنق ونظر الى سلمى متسائلا بنزق:
- وليه لأ طبعا يا دكتورة؟, مين الغريب يومها واللي كان موجود غيره هو؟!..
قاطعته سلافة هاتفة بقوة:
- لا طبعا.. كلامكم دا ما يدخلش العقل, إلا كريم!..
لتساندها سلمى بقوة موازية لقوتها ونفي قاطع لما قاله شهاب وأيّده غيث:
- طبعا إلا كريم, أنا ممكن أشك في أي حد تاني أنما كريم من رابع المستحيلات انه يعملها!..
شهاب بحنق وحدة بالغين:
- أفندم؟, يعني ايه تشكي في أي حد تاني دي ان شاء الله؟, يعني ممكن تشكي فيّا أنا مثلا ولا في غيث انما سي كريم لأ؟
زفرت سلمى بضيق وأجابت:
- لا طبعا ايه اللي انت بتقوله دا, أنا بس عاوزة أفهمكم إنه مش ممكن أبدا كريم يعمل كدا...
هتفت سلافة تقاطعها:
- من الآخر لو شكيتوا في كريم يبقى كأنكم بتشكوا في حد فينا بالظبط!..
نظر اليها غيث باستهجان ثم تبادل نظرات الاستنكار بينه وبين شهاب بينما تناولت سلمى هاتفها النقال وقالت وهي تضغط بضعة أرقام:
- أنا هثبت لكم حالا...
تبادل غيث وشهاب نظرات التساؤل التي سرعان ما تبدلت الى نظرات إجرامية في عيني شهاب وهو يسمع سلمى تقول بهدوء ينافي انفعالها السابق وابتسامة صغيرة تعتلي ثغرها الوردي:
- أهلا يا كريم إزيك أخبارك واخبار طنط وعمو إيه؟
- سكتت قليلا لتنصت إلى الطرف الآخر قبل أن تتابع قائلة
– معلهش يا كريم كنا عاوزينك تيجي عندنا شوية, آه عندنا هنا في البيت, احنا كلنا موجودين, آه في حاجة حصلت وعاوزين نقولك عليها, اوكي في انتظارك..
لتنهي المكالمة وترفع عينيها ناقلة بصرها في الوجوه أمامها وهي تقول بهدوء:
- كريم جاي, مسافة السكة وهيكون هنا...
وقف شهاب بالتصوير البطيء وهو يقول بذهول:
- انتي ايه اللي عملتيه دا؟
رفعت سلمى عينيها اليه لتتساءل بدهشة:
- عملت إيه؟..
هتف شهاب بنزق:
- انتي هتستعبطي؟, ازاي تكلميه واحنا لسه بنقول اننا شاكين فيه؟..
نهضت سلمى واقفة يتبعها سلافة وغيث بينما وقفت هي تجيب بحدة:
- لو سمحت يا شهاب بلاش طريقة الكلام دي, وبعدين أنا معملتش حاجة غلط كريم معانا في الموضوع دا من الأول, كان هو أول واحد فكرت فيه سلافة قبل أي حد مننا كمان.. لتلوح نظرة غضب وقهر من غيث الى سلافة التي أشاحت بنظراتها بعيدا فلا الوقت ولا المكان يسمحان بمزيد من الحوارات الجانبية بينما توعدتها نظراته بعقاب قوي آنفا..
انتبهت سلافة الى سلمى التي أردفت قائلة:
- وبعدين أظن لو فيه خطر فعلا علينا يبقى كريم هيكون معانا في الخطر دا, لأنه مش ممكن يكون العصابة عرفت اننا رجعنا تاني ننبش في القضية وعرفت بالأدلة من غير ما تعرف الأدلة نفسها كانت مع مين؟..
عاجلها شهاب بحدة:
- عشان كدا بشك فيه, ايش معنى دلوقتي بعد ما طلبناه ييجي ومعاه الدليل يحصل اللي حصل؟, هو الوحيد اللي كان يعرف باللي عاوزين نعمله؟
عقدت سلمى ذراعيها ونظرت اليه ببرود قائلة:
- أهو كلامك دا دليل براءة كريم!, لأنه ببساطة لو كان كريم زي ما بتقول معهم كان إيه اللي هيخليه يستنى لما سلافة تطلب الدليل اللي معاه كان سلم اللي عنده للعصابة من الأول...
غيث بزفرة ضيق ناهيا الجدل المحتد بينهما:
- عموما هو جاي دلوك والمايه تكدب الغطاس...
اتجه شهاب بخطوتين حازمتين الى سلمى وقبض على مرفقها مجبرا إياها على السير معه وهو يلقي بكلمات الى غيث وسلافة دون الالتفات اليهما:
- معلهش يا جماعه بعد إذنكم, عاوز مراتي في كلمتين كدا..
واتجه بها إلى غرفتها هي وأختها تاركا غيث ينظر بنظرات حادة الى سلافة التي هربت بعينيها بعيدا...
دخل شهاب ساحبا سلمى معه وأفلتها بالداخل فوقفت تطالعه بدهشة واستنكار بينما أغلق الباب خلفهما واتجه اليها بخطوات قوية ليقف أمامها يطالعها بنظرات نارية وقبل أن تهم باطلاق كلماتها الحادة في وجهه عاجلها بصوت منخفض ينبأ بغضب وحشي مكتوم:
- أقدر أعرف هتفضلي لغاية امتى تتجاهلي وجودي ولا كأني جوزك؟!..
نظرت اليه باستنكار وأجابت:
- وايه اللي حصل ان شاء الله خلاك تقول كدا؟, اني دافعت عن كريم؟ كريم اللي انا أعرفه وواثقة فيه زي ثقتي في نفسي بالظبط؟!..
لتتبع جملتها شهقة ذهول وهي تراه ينقض عليها معتصرا ذراعيها بقبضة قوية وهو يهتف بانفعال حاد:
- مين دا اللي زي نفسك؟, انت اتجننتي أكيد؟, لآخر مرة ايه اللي بينك وبين اللي اسمه كريم دا بالظبط؟, أنت فاكراني ناسي انه كان عاوز يتجوزك؟, أنت بلسانك قلتيلي كدا لما سمعت مكالمته ليكي, ناسية ولا أفكرك؟..
نظرت اليه سلمى باعتراض وهتفت بحنق:
- انت بتقول ايه؟, معقول توصل بيك انك تتهمني اتهام زي دا؟, يعني ايه بيني وبين كريم حاجة؟, انت واعي للي بتقوله؟, وبعدين مين اللي قال انه كريم كان عاوز يتجوزني؟..
شهاب بانفعال تام وعصبية مفرطة:
- انتي هتجنينيني؟, هو مش سبق وكلمك في موضوع الجواز وانتي بنفسك اللي قلتيلي؟..
نظرت اليه سلمى وقد هدأت حدتها وأجابته بنزق:
- أيوة بس ما كونتش أنا العروسة!..
لتبرد نار غضبه قليلا وترتخي قبضته لذراعيها وهو يتساءل بتقطيبة عميقة بين حاجبيه:
- أومال مين؟.
هرتب بنظراتها وهي تجيب:
- نهلة صاحبتي!, دكتورة زميلتي معانا في المستشفى, هي اللي عاوز كريم يخطبها...
ساد السكون عقب كلماتها تلك لم يخرقه سوى صوت أنفاسه الثائرة, ليميل برأسه اليها فتضرب أنفاسه الساخنة صفحة وجهها القشدية وهو يعيد كلماتها بجمود:
- نهلة زميلتك؟, كريم كان عاوز يتجوز نهلة زميلتك وانتي سيبتيني أفتكر انه قصدك أنتي؟..
رفعت عينيها اليه تعارضه هاتفة بقوة:
- أنا ما سيبتكش تفتكر حاجة, وقتها لو تفتكر كويس انت ما ادتنيش فرصة اني أشرح لك حاجة وحطيت تصور معين في دماغك اتصرفت على أساسه, وبعدين دا مش موضوعي أنا عشان أقولهولك, أعتقد شخصية العروسة اللي عاوزها كريم ما تهمكش في حاجة؟!..
ليهتف بها بانفعال تام وهو يقبض على خصرها معيقا ابتعادها عنه:
- انتي بتستهبلي؟, تفرق طبعا!, لما أفتكر انه قاصدك انتي.. الوحيدة اللي اتمنيتها زوجة ليا, والوحيدة اللي قلبي حبها, يبقى ساعتها ممكن أعمل أي شيء علشان أضمن انها ما تضيعش من إيدي, وأكيد انتي كنت بتضحكي في سرك وانتي شايفاني قودامك هتجنن كل ما ييجي في بالي انه الكلام كان عليكي أنتي, مفكرتيش انك تصارحيني وتخلي أعصابي تهدى, انتي عارفة أني كنت ممكن أرتكب جناية لو كان فعلا اتقدم لك بجد؟.
نظرت اليه مصعوقة وتمتمت بذهول:
- ايه؟, جناية!..
أكد بهزة من رأسه وهو يقربها اليه محتويا جسدها الضئيل بين ذراعيه:
- طبعا جناية, يا روح ما بعدك روح.. وانتي أغلى من روحي كمان!..
امتقع وجهها خجلا من حديثه الصريح واعترضت بضعف هامسة:
- شهاب أنا...
ليقاطعها بإلحاح وشوقه يستعر في نظراته الجائعة اليها:
- إنتي ايه بس؟, حاسة بيا؟, حاسة انتي بقيتي مهمة أد إيه في حياتي؟, صعبة اوي يا سلمى انك تريحيني ولو بكلمة؟!, كلمة واحدة تهدي مشاعر الخوف اللي جوايا!..
همست بذهول تطالعه بغابات الزيتون خاصتها:
- خوف؟!..
ليكرر بقوة:
- طبعا خوف!, طول ما أنا مش مطمن أنا بقيت ايه عندك وانا حاسس انك ممكن في لحظة تبعدي, أنا متأكد من نفسي كويس أوي وأني مش ممكن أسمح لك انك تبعدي ولو للحظة واحدة, بس البعد مش شرط يبقى بالجسم ممكن نكون في نفس المكان وبنتنفس الهوا نفسه لكن انتي بعيده عني بقلبك ومشاعرك, صدقيني البعد دا بيكون صعب اوي, مهما بقيتي جنبي لكن مشاعرك وعواطفك بعيدة عني هفضل حاسس ببعدك عني!
سكتت قليلا تطالعه بنظرات غير مصدقة لما تراه في عينيه من صدق صاف, وما تلمسه من توق في نبرات صوته بينما تقربها يديه ليحتويها بين أحضانه فيستند برأسه على مقدمة شعرها مغمضا عينيه زافرا بتعب ليسمع همسة خافتة منها جعلته يعقد جبينه ويفتح عينيه ناظرا أمامه قبل أن يتساءل بخفوت:
- انتي بتقولي إيه؟
لتعيد على مسامعه كلمتها الساحرة والتي كان لها مفعول السحر بالنسبة له:
- عمري ما هبعد!..
أبعدها عنه قليلا قابضا على كتفيها بقوة وهو يهتف غير مصدق:
- سلمى.. انتي بتقولي إيه؟..
لتطالعه بعينين تلمعان بينما تخضب وجهها بلون أحمر فتنه وهي تعيد بابتسامة خجل وهمس خافت:
- بقولك اني عمري ما هبعد ولا هسمح لك انك تبعد عني...
ليحتضنها بقوة بين ذراعيه مطلقا تأوها عال بينما تتشبث به بدون وعي منها لتسمعه يهتف باسمها بشوق ملتهب قبل أن يهبط بوجهه الى وجهها مقتنصا شفتيها في قبلة حارة أودعها كل ما يعتمل في قلبه من عشق لم يكن يعتقد بوجوده ولكنه لم يلبث أن وقع أسيرا له ما ان وقعت عيناه أسيرة لغابات زيتونية في يوم صيفي ساخن!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
حضر كريم في الموعد وجلس الجميع يتباحثون بشأن الأحداث الجديدة التي طرأت, وسط نظرات الريبة التي كان يلقي بها غيث وشهاب الى كريم من حين لآخر والذي لم ينتبه اليها على عكس سلافة وسلمى اللتان كتمتا زفرة ضيق من إصرار شهاب وغيث على الشك بكريم!!..
تساءل غيث وهو ينظر الى كريم بقوة:
- انما تفتكر مين اللي ممكن يكون بيتجسس علينا وينجل أخبارنا لولاد الفرطوس دول؟!..
كريم بحيرة حقيقية وتقطيبة عميقة:
- بصراحة هي حاجة تحير فعلا..
ثم التفت الى سلافة متسائلا:
- المحامي دا يا سلافة انتي واثقة فيه كويس؟
قطبت سلافة وأجابت:
- معتقدش يا كريم انه يكون له يد في اللي حصل, هو لو كان عاوز يوقف الموضوع أبسط حاجة ما كانش اقترح علينا اننا نطعن في قضية سامح الله يرحمه, لكن هو اللي لفت نظرنا لحاجة زي دي...
شهاب بتفكير عميق:
- طيب نرتب أفكارنا سوا.. يومها الموجودين كنا احنا والمحامي وانت يا كريم جيت بعد شوية, ما لاحظتش أي حاجة في مكتب المحامي قبل ما تدخل؟!.
نفى كريم بهزة من رأسه قائلا:
-لا ما لاحظ...
ليبتر عبارته وهو يقطب بدهشة وعدم تصديق:
- معقولة؟..
ليهتف به غيث بينما تحفز الباقون لسماع باقي حديثه:
- معجولة ايه يا كريم؟..
أجاب وهو يتذكر ما حدث يومها:
- يومها بعد ما سلافة كلمتني انا جيت على طول, دخلت المكتب ما لاقيتش حد قاعد على مكتب الوكيل استغربت ولما لافيت عشان ادخل لاقيت الوكيل وهو واقف قودام باب المكتب وأول ما شافني زي ما يكون ارتبك شوية, لكن أنا ما أخدتش في بالي بصراحة, وبعدين دخل عليكم وسمعته بيقول للمحامي انه الدكتور كريم بره وعاوز يقابله!, وقتها استغربت عرف منين اسمي من غير ما يسألني؟, لكن رجعت تاني وقلت يمكن خمن لأنكم كنتم منتظريني فافتكرت المحامي ساب له خبر أول ما آجي يدخلني على طول!!
هتف شهاب بانتصار:
- تمام كدا, هي دي الحلقة المفقودة, الوكيل هو الجاسوس, وأكيد المحامي بلغه بموضوع الطعن في القضية دا إذا ما كانش طلب منه انه هو اللي يروح يقدم الطعن, لأنه دا مش عاوز محامي شاطر ولا حاجة, تقديم الطعن حاجة روتينية والمحامي يحضر الجلسة لما تتحدد..
هتفت سلمى:
- معنى كدا يبقى لازم نقول للمحامي ونحذره!..
غيث بجدية وعيناه تبرقان بشر:
- لاه.. مش لازمن يعرف دلوك, أساسا المحامي ما عادلوش لزوم في جضيتنا, بالعكس بجه احنا ممكن نستفيد منيه اننا نوصل عن طريج الكلب اللي بيشتغل إمعاه معلومات غلط ينجلها للمجرمين دول, وبكده نضمن اننا احنا اللي سابجينهم بخطوات كومان مش خطوة واحدة..
هتف شهاب بحماس:
- تمام يا غيث...
ليردف غيث بعزم:
- باجي خطوة واحدة بس, وديه اللي هتخلينا نوصلهم لعجر دارهم ما عنستناشي لمن يجونا هما!..
قطب كريم في حين تساءلت سلافة بتقطيبة حائرة:
- هي ايه الخطوة دي يا غيث؟!..
لتبرق عينا غيث بعزم وهو ينطق باسم واحد قطب له شهاب بقوة, فهذا الاسم لمن يعلمه جيدا يعني أن غيث قد قرر دق طبول الحرب بل واعلانها قريبا.. قريبا جداااا:
- جابر... جابر زيدان!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
كان ليث يجلس في جناحه عندما هاتفه غيث بينما كانت سلسبيل بالأسفل بصحبة والدته والأطفال, تلقى ليث المخابرة الهاتفية بحبور مجيبا:
- هلا بولد العم, كيفك وكيف اخبارك واخبار شهاب, جرى ايه يا غيث انت روحت وجولت عدوا لي؟, عوجتوا جوي يا ولد عمي..
لتدور بعد ذلك المحادثة الهاتفية كالتالي:
غيث:
- معلهش يا ولد عمي ظروف هي اللي شاغلانا, بجولك يا ليث أني جصدك في خدمة...
ليث بجدية وقد اعتدل في جلسته بعد أن كان متكئا على وسادة جانبية فوق الأريكة العريضة:
- اؤمر يا ولد العم..
غيث بجدية بالغة:
- عاوز لك تشيع لي نفر من عنديك, انت اللي هتعرف اتجيبه من تحت الأرض..
قطب ليث وتساءل:
- اعتبره عنديك, انما مين ديه؟.
ليجيبه غيث بحزم فيعلم ليث ما أن سمع إسم الرجل الذي يطلب غيث إحضاره على وجه السرعة أن الأمر جد خطير:
- جابر.. جابر زيدان..
هتف ليث:
- فيه ايه يا ولد عمي عشان تطلب جابر؟
غيث بزفرة عميقة:
- فيه كتير يا ولد عمي, كتير جوي, أني عارف انه جابر زيدان هو اللي ساعدك انك توصل للمحروج عسران اللي جتل راضي الله يرحمه, وخلانا عرفنا ناخدوا بتارنا, ودلوك فيه تار تاني تار لينا احنا يا ولد عمي, ولازمن أخده!.
ليث بحمية عالية وهو ينهض واقفا:
- ايه الحكاية يا غيث؟, جولي يا ولد العم, أني ما هنساشي انك انت اللي وجفت معايْ وأني باخد بتار المرحوم راضي..
غيث بهدوء:
- ما تشغلشي بالك يا أبو شبل, شهاب امعايْ, لكن ما هوصيكِش... مش عاوز حد يِّعرِفْ بجابر زيدان, أني ما هجولش لحد واصل, أبويْ وعمي رؤوف فهمتهم انه المسألة اللي جايين عاشنها #مصر امطولة شوي, المهم جابر يكون عندي انهاردِه جبل نهار بكرة يا ليث..
ليث بقوة:
- ولا يهمك يا ولد العم, ما حدش هيعرف حاجة واصل, وجابر أني عارف أراضيه فين واعتبره عنديك من دلوك..
أنهى ليث المحادثة الهاتفية وقد شعت عيناه ببريق شرس, خطى ناحية باب الغرفة وما إن فتحه حتى وقعت سلسبيل بين ذراعيه!..
رفعت عينيها اليه بينما ضغطت يداه بدون وعي منه على خصرها في حين هتفت سلسبيل بتلعثم:
- ما تواخذنيش يا ولد عمي ما كونتيش أعرِف انك خارج..
ابتسم ليث وأجاب وهو يميل ناظرا في القهوة الذائبة لعينيها:
- ولا يهمك يا بت عمي, أني اللي كنت مستعجل..
ابتلعت سلسبيل ريقها ثم حاولت دفعه بعيدا براحتيها الصغيرتين وهي تقول:
- طب عشان مش أعوِّجَك, أني كنت جاية عسألك هتتغدى دلوك؟, عمي انهارده هيتغدى عند جدي عبد الحميد ومرت عمي مع أمي في دارها وجالت لي أسألك..
ليث بابتسامة مكر:
- يعني لوما مرت عمك جالتلك تسعليني رايد أتغدى ولا لاه كنت هتهمليني من غير غدا؟!
رفعت عينيها اليه وأجابت لهفة صادقة:
- لاه, كنت هسألك برضك..
طالعها ليث بنظرات أذابت أطرافها, فهي منذ تلك الليلة التي ادعت فيها المرض كعقابا له لذهابه الى مقهى تلك الغازية وهي لم تقترب منه ثانية, فقد أيقنت أن العقاب لن يكون سوى لها هي!, ولكنه من يومها وهو يتعمد الاقتراب منها حتى توشك على اسقاط حصونها الدفاعية ليبتعد سريعا, وقد أنهكتها لعبة الكر والفر تلك التي يتقنها, تماما كما الليث الذي يحاور فريسته قبل أن تقع بين براثنه!..
همس ليث بأنفاس متهدجة وقد بدأت دقات قلبه تعلو من قربها المعذب له:
- تسلم يديكي يا بت عمي انما معلهش أني ما رايدش أكل دلوك, عندي مشوار ضروري...
نظرت اليه وتساءلت بتقطيبة:
- هتخرج من غير ما وكِلْ!, للدرجا دي مشوارك إمهم؟!.
ليث بتأكيد:
- وأكتر من المهم كومان!..
قطبت سلسبيل وهي تتعجب من هذا الأمر الهام الذي يستدعي ذهابه على جناح السرعة بدون أن يتناول غذائه, إلا إذا كان سيتناوله في مكان آخر!, ولدى هذا الخاطر الذي ضرب عقلها كتمت شهقة كادت تفلت منها, أمعقول أن يكون ذاهب الى تلك الغازية؟, أهذا هو الأمر الملح الذي لا يحتمل التأجيل؟, لماذا؟, أيكون مدعوا لديها على الغذاء؟, عصفت بها الشكوك ولم تعلم أن حيرتها ظهرت جليّا على وجهها ليتساءل ليث بتقطيبة:
- مالك يا سلسبيل.. بتفكري في إيه؟..
لتهتف به قبل أن تخونها شجاعتها:
- فين المشوار ديه يا ليث؟.
قطب باستنكار هاتفا:
- باه.. ايه السؤال ديه يا سلسبيل؟, من ميته وانتي بتسعليني أسئلة اكده؟.
هتفت سلسبيل وقد ترسخت فكرة أنه في سبيله للقاء تلك الغازية المغوية في ذهنها:
- أني مش أبجى مرتك يا ليث؟!, يبجى حجي أعرف انتي رايح فين وحدا مين؟.
فضغط بيديه على خصرها بقوة جعلتها تئن متألمة وهو يهتف بحدة:
- ماحدش له الحج أنه يسأل الليث رايح فين وجاي منين حتى ولو كان مرَتُه!, ولو ع الحجوج فبلاش تفتحي باب ما انتيش جدِّيه, جبل ما تشوفي اللي ليكي شوفي اللي عليكي يا بت عمي!
ليزيحها جانبا ويخطو باتجاه الباب فتنتبه سلسبيل سريعا لتسبقه واقفة أمام الباب وهي تفرد ذراعيها الى الجانبين يمينا ويسارا معيقة خروجه وهي تقول باصرار:
- برضك ما انتش خارج يا ليث غير لمن تجولي رايح فين الاول؟.
زفر ليث بحنق وهو يهتف ناظرا الى الأعلى:
- اللهم طولك يا روح..
ثم عاد بنظره اليها قائلا بتحذير قوي:
- بعدي من وشي يا سلسبيل أحسن لك, أني العفاريت الزُّرج ابتتنطط جودامي الساعا ديْ..
سلسبيل بعناد غريب عنها وقد رمت بحذرها عرض الحائط وهي تتراءى أمامها صورته برفقة تلك الغانية:
- انت مش رايد تجولي ليه, رايح لها صوح؟, رايح عنديها يا ليث؟..
قطب ليث وهتف بغيظ:
- انتي اتجنيتي يا سلسبيل؟, هي مين ديْ اللي هروح لها؟, انتي اتخبطتي في نافوخك باينِّك!..
هتفت سلسبيل بدون وعي:
- وداد.. الغازية يا ليث!, اني عارفه كل حاجة, عارفة انك ليلاتي حداها في الجهوة, عارفة انه عينها منيك وانها يوم المنى عنديها لمن ترضى عنيها!..
قبض ليث على ذراعها بعنف وهتف من بين أسنانه المطبقة وعيناه تبرقان بشر:
- انتي واعية للي بتجوليه؟, وداد إيه وغازية إيه؟, انتي بتحاسبيني يا سلسبيل؟, لآخر مرة بجولك اجصري الشر ووخري من جودامي ماذا وإلا ما عتلوميش الا نفسك!..
ولكن سلسبيل كانت في واد آخر فقد تسلط عليها هاجسها أن ليث في طريقه الى تلك الغانية والتي رأتها بعد أن اصطحبت معها وردة الخادمة لتشاهدها من بعيد لتترسخ صورتها الطاغية الأنوثة في ذهنها, ولتعلمها وردة ببضع كلمات أن هناك بعض الأقاويل المتناثرة من أن ليث الخولي قد ابتاع لها شقة سكنية في مدينة قنا المجاورة وأنهما يتقابلان فيها سرًّا, ولكنها نهرتها وقتها فليس ليث الخولي من يفعل شيئل بالخفاء, وأمرتها ألا تكرر هذه الكلمات الخرقاء ثانية وإلا فأن حسابها معها سيكون عسيرا, ولكنها لا تستطيع أن تنكر تلك النار التي اندلعت داخلها لدى سماعها تلك الأكاذيب الفاضحة والتي تجمع بين زوجها وتلك الساقطة, وما يزيد في اشتعال تلك النيران الصور التي تتراءى لها بين هذه الفاتنة المغوية وهي تجلس الى زوجها كل ليلة تطالعه بعينيها الناعستين تلك, وأي رجل يجري الدم في عروقه لن يستطع تجاهل دعوتها الفاضحة, هي على يقين من أن ليث لن يقترف الخطيئة, ولكنها تعلم أيضا أنه رجل بكل ما للكلمة من معنى, وأنها تمنعه حقه فما المانع أن يشبع رغبته لدى تلك الغانية حتى ولو تزوجها زواجا عابراً !!..
وضعت سلسبيل راحتيها فوق صدره ورفعت نظراتها اليه تتحدث وصوتها تلونه نبرة رجاء لم تخطئها أذنه بينما يطالعها بنظرات ذاهلة لا يعلم أيضربها أم يعتصرها بين ذراعيه ولكن ما يعلمه جيدا أنها ليست بحالتها الطبيعية, قالت بيأس وعينيها تنظران إليه بضراعة وكأنها قد أضحت سلسبيل أخرى من صنع يديه هو:
- عاجبتك يا ليث؟, جدرت تملا دماغك يا ولد عمي!..
قبض على راحتيها المتشبثتان بمقدمة ثوبه وهو يهتف بها بينما تهدجت أنفاسه محاولا إخماد تلك الرغبة الحارقة التي تشتعل في أحشائه ملحة عليه أن يشبع توقه منها:
- أنتي شايفاني راجل ناجص إكده؟.
لتهتف نافية وهي تفلت يديها من قبضته تكتم بهما فمه ناظرة إليه بنفي تام:
- لاه.. لا عشت ولا كونت لو ظنيت فيك ظن السوْ يا ولد عمي, بس بس ريِّحني.. انت رايح عنديها صوح؟.
تمتم ليث بلعنة من بين شفتيه قبل أن يزيح يديها جانبا ويحتويها بعنف بين ذراعيه وهو يهتف بها بصوت أثخنته رغبة حارقة بالنهل من رحيق تلك الشفاه التي ذهبت بعقله:
- انتي لساكي معرفاشي مين اللي أني رايدها يا بت عمي؟..
ليتهدج صوته الى نبرة منخفضة وهو يتابع بأنفاس ساخنة بينما غرقت عيناها في فحم عينيه المشتعل:
- لساكي ما وعياشي يا سلسبيل؟.
همست بنبرة خافتة وهي تطالعه بنظرات حائرة سلبت لبه:
- جصد....
ليقاطعها فمه ملتهما باقي حروف كلمتها وتفاجئه وتفاجئ نفسها باستسلامها اللحظي وكأنها كانت تستجدي هذا العناق منه لينهي مخاوفها, وتغوص معه في عناق حار أبحر بها في عالمه هو.. عالم ليث وحده, ولكنها فوجئت به وهو ينهي عناقه بغتة تماما كما بدأه وهو يطالعها بنظرات تلمع بينما يقول وسط أنفاسه اللاهثة:
- فكري في السؤال زين يا بنت عمي, ولمن أرجع عاوز أعرفك جوابك, وأهم سؤال تجاوبيني عليه.. ليه حرجة جلبك جوي إكده.. واجهي نفسك يا بت عمي, ولمن تعرفي اللي انتي رايداه صوح, وجتها هيبجى لينا كلام تاني..
وفك يديها المعقودتين حول عنقه بينما تطالعه بنظرات دهشة حائرة قبل أن يندفع خارجا وكأن الشيطان يركض في أعقابه, فقد كان تركه لها من أصعب ما قام به, ولكنه لن يحتمل أن تتراجع كما المرة السابقة متهمة إياه بانتهاز الفرصة, فسلسبيل لا بد لها من مواجهة نفسها بما تريده بالفعل!...
بينما وقفت سلسبيل تطالع في أثره وهي تلمس شفتيها المنتفختين بأصابعها فيما يكسو الذهول ملامحها فالآن والآن فقط قد ضربتها الحقيقة الواضحة والتي كانت تهرب منها منذ زمن... فهي تحبه... هو.. ليثها!, ولن تقبل به شريكة لها, وستحارب أية أنثى تعتقد أنه بوسعها الاستحواذ عليه, وأقسمت بداخلها أن تزيح هذه الغازية من طريقها.. فقد آن لها أن تعلم بأن زوجة الليث ما هي إلا... إمرأة الليث قلبا وقالبا.. وقد تفتك بكل من تسول لها نفسها مجرد الاقتراب من... أسدها هي !!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxx*
تعالى صوت طرقات على باب المنزل فسارع غيث بفتحه ليهتف في دهشة:
- ليث!..
ابتسم ليث قائلا:
- ايه هنفضلوا واجفين ع الباب إكده ولا إيه؟.
جلس شهاب وغيث برفقة ليث بعد الترحيب به بينما انصرفت سلمى وسلافة لتحضير الطعام, قال ليث بعد أن انتهى غيث من سرد الحكاية له كاملة:
- يبجى اللي لازمن نعرفه دلوك, مين هما الناس دول؟, وبيشتغلوا لحساب نفسيهم ولا لحساب حد تاني, وديه اللي جابر هينفعنا فيه, هو جه امعاي بس هملته في الأكانده وجيت لكم على إهنه عشان أعرف الموضوع الاول...
تم الاتفاق على أن يذهب الرجال لرؤية جابر وبالفعل ما أن انتهوا من تناول الطعام حتى ذهبوا اليه مع تشديد غيث وشهاب على الأختين بعدم الخروج نهائيا أو فتح الباب لأيّ كان...
انتهت المقابلة مع جابر الذي وعدهم بسرعة حصوله على المعلومات المطلوبة, ليعود الجميع الى المنزل باستثناء ليث الذي مكث بالفندق مع جابر...
مر يومان اتصل المحامي خلالها بسلافة والتي أوهمته أنهم يعيدون التفكير ثانية في الأمر فقد استشعروا الخوف من هؤلاء الناس وكان هذا الجواب ما سبق واتفقوا عليه لعلمهم بأن وكيل مكتبه سيسارع بنقل المعلومات الى العصابة, بينما توصل جابر الى معلومات خطيرة أهمها أن صاحب المستشفى الذي يقوم بسرقة أعضاء المرضى هم عبارة عن مجموعة من رجال الأعمال المتعددة الجنسيات يرأسهم في #مصر شخصية مشهورة ذيع عنها كثرة أفعال الخير ولكنها في الحقيقة ما ذلك الا ستار يخفي وراؤه جرائمه.. شخصية كان لاسمها وقع كبير في نفوسهم فهي من الشخصيات البارزة بل والهامة.. إنه.. حامد رشوان.. من أشهر رجال الأعمال في #مصر, بل أنه يمتلك امبراطورية ضخمة كالأخطبوط تمتد أذرعها في كل مكان سواء داخل البلد أو خارجها!!..
تلقى غيث مكالمة هاتفية من ليث انطلق على أثرها اليه بينما همس لشهاب بعدة كلمات انطلق شهاب من فوره بصحبة سلافة وسلمى الى منزل في منطقة نائية وعندما سألته سلمى عن سبب انتقالهم فأخبرها انه للأمان كما أنه نوع من الخداع للعصابة فمن المؤكد أنهم مُراقبون من قِبلهم وسيعتقدون أنهم قد عادوا الى البلدة خاصة وأن المنزل خارج القاهرة في المناطق النائية القريبة من الصعيد وقد عمد شهاب الى سلك طرق ملتوية حتى استطاع الإفلات من المراقبة فكما توقع غيث كان هناك أعين تتربص بهم..
بعد عدة سويعات أتى غيث وليث لموافاتهم في ذلك المنزل الصغير المكون من غرفتي نوم وصالة للجلوس ولكنه يحوي على أأمن مكان لا يستطيع بشر التفكير بوجوده إلى الآن, حيث كان يقبع أسفل المنزل سرداب مظلم بباب خارجي يطل مباشرة على الصحراء المترامية الأطراف المحيطة به, كان المنزل ملكا للرجل المدعو جابر زيدان فمن الواضح أنه رجل خطِر وقد تعجبت سلمى وسلافة من علاقة ليث الوطيدة بهذا الرجل وعندما باحا بتساؤلهما لشهاب أفصح لهما أن ليث قد ساعد هذا الرجل سابقا عندما وجده ملقى على مشارف البلدة غارقا في دمائه فعمل على إنقاذه ليحمل له جابر معروف إنقاذه لحياته ويكون رجله المخلص...
كان من الواضح كتمان غيث وليث لأمر ما.. والذي لم ينكشف إلا مساءا عندما حضر جابر وهو يحمل حقيبة جلدية كبيرة كحقائب السفر, قال له ليث وهو يضعها في وسط المنزل:
- عفارم عليك يا جابر, استنى انت برّه دلوك وفتِّح إعينيك زين...
هز جابر برأسه وانطلق من فوره, لتظهر سلافة وفي أعقابها سلمى بينما وقف شهاب وغيث بجوار ليث يطالعون تلك الحقيبة, قطبت سلافة بحيرة وهي تشير الى الحقيبة قائلة:
- سامعه يا سلمى؟
سلمى بحيرة مشابهة لحيرة أختها:
- بيتهيألي في صوت طالع من الشنطة...
ركع غيث على ركبتيه ليفتح سحاب الحقيبة ثم يكشف غطائها لتشهق سلافة وسلمى بذهول فداخل الحقيبة تقبع فتاة في مثل عمرهما مكممة الفم وموثقة اليدين والقدمين, بينما تبادل كلا من غيث وليث نظرات الظفر, ليسأل شهاب مقطبا:
- ايه دا يا غيث؟, مين دي؟.
أشار له غيث بالتزام الهدوء وأخرج هاتفه المحمول ليضغط بضعة أرقام ثم يرفع الهاتف إلى أذنه متحدثا ببرود صقيعي:
- حامد رشوان... فيه أمانة ليك عندينا...
كانت الفتاة قد بدأت تستفيق من نومها لتنظر بهلع الى الوجوه المحيطة بها, امتدت يد ليث ليزيح بقوة كمامتها فهتفت بذعر وهي تحاول بقوة الافلات من قيدها الخشن:
- انتو عاوزين مني ايه؟, بابي.. أنا عاوزة بابي..
وضع غيث الهاتف على أذنها وهو يقول بسخرية:
- كلمي بابي يا.. روح بابي..
ليعلو صوت والدها حتى سمعه الواقفون جميعا:
- سالي حبيبتي انتى فين؟, سالي جاوبيني..
لتشرع المدعوة سالي بالبكاء هاتفة من وسط دموعها وهى تطالع المحيطين بها بقلق وخوف مهول:
- معرفش يا بابي, فيه ناس اتهجمت عليا وخدرتني ولما فوقت لاقيت نفسي هنا..
ليصرخ والدها بهلع:
- هنا فين؟, انتي فين يا سالي؟..
ليقرر غيث أنه يكفي هذا القدر من الكلام فيسحب يده الممسكة بالهاتف ويضعها على أذنه قائلا بحزم وصرامة:
- لينا عنديك حج, وحجنا هناخده بس .. من بتّك!, وكله سلف ودين يا ابن رشوان!!.., ويغلق الهاتف فجأة بينما تعالى صراخ الطرف الآخر الذي يظهر ما اعتلى صاحبه من هلع ورعب خالص!!.
شهقت سالي بهلع صارخة :
- انتو هتعملوا فيا ايه؟..
ركعت سلافة أمامها وقد تجسدت أمامها صورة مريم التي قُتلت غدرا, وكانت قد شعرت بالكره الشديد تجاه هذه الفتاة ما ان سمعت صوت والدها القاتل الحقيقي لصديقتها والذي كان مرتفع لشدة هلعه على ابنته.. فهتفت بها بشماتة كبرى وابتسامة ساخرة تعلو ثغرها:
- هنخلي بابي يدوق طعم الخسارة لأول مرة, بس خسارته المرة دي مش صفقة .. لأ!, خسارته في بنته.. زي ما كان هو السبب في ان عيلة تخسر بنتها بكل خسة ووضاعة, بابي يا حلوة لازم يعرف يعني إيه.. داين تدان, وكله.. سلف ودين!..
أنهت سلافة عبارتها وهي تطالعها بنظرات شرسة ثم رفعت يدها لتهوى بكل قوتها على وجهها بصفعة مدوية أطلقت على أثرها الفتاة صراخا حادا, بينما اندفع غيث يمنع سلافة من التمادي بضربها لتهتف سلافة بالفتاة وتعبير وحشي يعتلي وجهها:
- العين بالعين, والسن بالسن, والبادي أظلم, وحامد بيه لااااازم يدفع التمن.. وبالكااااااااااااامل..!!



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:32 AM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


22

وقفت سلمى عاقدة ذراعيها وهي تنظر ببرود الى سلافة التي انتصبت أمامها تضع يديها في منتصف خصرها تحدجها بنظرات حادة بينما لاحت شرارات تتطاير في الجو بين الإثنتين, هتفت سلافة بحدة موجهة حديثها الى سلمى:
- قصدك تقولي إيه يا سلمى بالظبط؟.
اقتربت منها سلمى بضعة خطوات وأجابت بثقة غير عابئة بانفعال أختها الواضح:
- قصدي أن اللي بيحصل دا غلط!, احنا مش مجرمين ولا أحنا عصابة عشان نتصرف بالطريقة دي...
سخرت سلافة قائلة:
- وهما اللي عملوه في مريم وسامح الله يرحمهم دا يبقى اسمه إيه؟, مش إجرام ويستاهلوا عليه القتل كمان؟, يعني مثلا كنت عاوزاني نعمل إيه والحق بيضيع قودام عينينا.. نروح لهم نقول لهم كدا عيب وتوبوا واستغفروا ربنا؟!, أنت هتفضلي مثالية كدا لغاية أمتى ما تفوقي بقه!..
أسدلت سلمى ذراعيها جانبا وأجابت بجدية وحزم:
- دي مش مثالية يا سلافة, أنا برفض أننا نبقه زيّهم, تقدري تقوليلي ذنبها إيه البنت المرمية جوّة دي وقلبها هيقف من الخضّة من يوم جات هنا؟, كل ذنبها أنها بنت حامد رشوانّ؟, أهي بقالها يومين أهي وأبوها ولا سأل.. وولاد عمك إذا كان هما ولا إبن عمهم قلبهم في ثلاجة باردة ولا كأنهم خاطفين بني آدمة من دم ولحم, زي ما يكون اللي خاطفينها دي فرخة مثلا, الأمور ما تتحلش بالأسلوب دا..
سلافة باستهزاء عاقدة ذراعيها أمامها وهي تطالعها بسخرية:
- والله؟, أومال تتحل إزاي في رأيك أنتي يا ست الدكتورة؟.
أجابت سلمى بصدق:
- معرفش.. لكن اللي أعرفه بجد أنه أكيد شغل البلطجة والعصابات دا مش هو أبدا الحل..
اقتربت منها سلافة وحلّت ذراعيها لتربت على كتف أختها قائلة بنصف ابتسامة مشفقة وهي تتكلم بلهجة من خبر الحياة وكأنها هي الشقيقة الكبرى لا الصغيرة:
- سلمى حبيبتي فيه نوع من البشر لااااازم تعامليهم بمعاملتهم عشان تعرفي تاخدي حقك منهم, لأنهم للأسف أي طريقة تانية معهم بيفسروها على أنها ضعف وسلبية وخوف من الطرف التاني, افهميني يا سلمى عشان خاطري لأني بجد خايفة عليكي.. المُثُل والمبادئ اللي اتربينا عليها ما تنفعش مع أي حد, لازم اللي قودامك يعرف انك قوية وقادرة تبقي زيّه وأكتر منه كمان عشان يبتدي يعمل لك ألف حساب ووقتها بقه تقدري تملي شروطك عليه لأنك في موقف قوة مش ضعف, انتي فاكرة اننا هنأذي البنت دي؟, احنا مش مجرمين لكن هو مجرم وهيظن دا وهو دا اللي احنا عاوزين نوصل له, عاوزين يقلق ويخاف فيبتدي يتحرك خطوات مش محسوبة ويغلط.. والغلطة دي أنا متأكدة هتكون الحبل اللي هيلفه بإيده حوالين رقبته..
زفرت سلمى بضيق وأجابت:
- معرفش يا سلافة.. كل اللي أعرفه أني مش مبسوطة من اللي بيحصل ولا مطمّنة.. أنا هخرج أتمشى شوية وأشم هوا..
وابتعدت عن شقيقتها التي نادتها عاليا:
- استني يا سلمى هتمشي فين دلوقتي بس؟.
نظرت إليها سلمى من فوق كتفها وهي تقف أمام الباب وأجابت بسخرية خفيفة:
- ما تخافيش يا سلافة العصر أدِّن من شوية وبعدين المكان اللي احنا فيه دا مقطوع وما فيهوش غيرنا, عموما أنا هلف لفة كدا أشم شوية هوا وآجي على طول.
ما أن فتحت الباب واستعدت للخروج حتى فوجئت بشهاب يقف أمامها هامّا بطرق الباب, أنزل يده ونظر اليها بتساؤل لتجيب تساؤله الصامت بضيق واضح:
- قبل ما تسألني رايحه فين هقولك عاوزة أشم هوا, وأعتقد المكان اللي احنا فيه دا ما فيهوش غيرنا احنا والرمل..
أجاب شهاب مستغربا حدتها وضيقها بابتسامة ساخرة:
- لا وديابة الجبل ناسياهم؟..
سلمى بسخرية مشابهة:
- الديابة ما بتطلعش في النهار يا شهاب..
زفر شهاب بعمق ثم أفسح لها للمرور أمامه وهو يشير إليها لتتقدمه قائلا:
- وهو كذلك يا بنت عمي.. اتفضلي نروح نتمشى سوا..
همّت بالإعتراض ورأى نظرات الرفض في عينيها فعاجلها بحزم آمر:
- يا نتمشى سوا يا تنسي أساسا أنك تعتبي برّه المكان!..
تأففت سلمى بضيق وقالت مذعنة بتذمر واضح:
- ماشي يا ابن عمي, هقول إيه.. ما أنت من ساعة ما سبت الهندسة واشتغلت رئيس عصابة وانت التفاهم معاك بقه أصعب من قبل كدا!...
وسبقته بالخروج فنظر الى سلافة التي حاولت كتم ضحكتها ليقول بدهشة مشيرا الى نفسه:
- أنا؟!, أنا رئيس عصابة!..
تقدمت سلافة إليه وأجابت بجدية زائفة:
- لا هو بصراحة المنصب دا مش ليك لوحدك!, دا ليك أنت وأخوك بس الراس الكبيرة بقه ليث ابن عمكم هو دا اللهو الخفي!..
تساءل شهاب بسخرية:
- يا سلاااام؟!, وانتي ان شاء الله منصبك إيه في الليلة دي كلها؟!..
سلافة بتلقائية مصطنعة وهي تحرك كتفيها وكأنها تتعجب السؤال:
- ودي عاوزة سؤال؟, أنا... الدراع اليمين.. أخوك الصغنن حلاوة يا ريّس!!..
صدحح ضحكة شهاب عاليا وهو يطلع سلافة معلّقا:
- بجد انتي هتخلي حياة أخويا كلها كوميديا!, ما شاء الله عليكي أفيهاتك حاضرة كدا دايما؟!..
سلافة بتواضع مصطنع:
- دي حاجة بسيطة حضرتك, أخجلتم تواضعنا والله...
لتتعالى ضحكة شهاب ويهم بالخروج عندما ينتبه لوقوف غيث ينقل نظراته بينهما بتساؤل صامت, ربت شهاب على كتف توأمه وهو في طريقه للخروج قائلا ولا يزال أثر الضحك في صوته:
- بجد يا بختك بيها يا كبير...
ثم خرج تاركا غيث وقد علت وجه تقطيبة عميقة وينظر الى سلافة في تساؤل بينما أولته سلافة ظهرها وسارت عائدة الى الداخل فتبعها غيث مغلقا الباب خلفهما...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
سارت سلمى برفقة شهاب والذي كان يسير متخلّفا عنها بخطوات قليلة فهو قد شعر بما يجول في خاطرها من تساؤلات أهمها هل ما يقومون به هو الصواب أم لا؟...
وقفت سلمى أسفل شجرة تستظل بها, استندت إلى جذعها فيما وقف شهاب بجوارها, كانت تطلع الى البعيد بشرود فيما تسلطت عيناه على وجهها الفاتن وكأنها قد أسرت نظراته فلم يستطع الاشاحة عنها جانبا, خرق الصمت السائد حولهما بهمس هادئ قائلا:
- أكيد بتسألي نفسك اللي احنا عاملناه دا صح ولا غلط؟؟
نظرت اليه سلمى وأجابت بقنوط:
- سلافة حكيت لك صح؟
هز برأسه نافيا واجابها وابتسامة خفيفة تظلل وجهه الوسيم:
- انا مش محتاج حد يحكي لي حاجة, انا اعرفك اكتر من نفسك يا سلمى...
قطبت وهمست يائسة:
- انا مش مقتنعة باللي احنا بنعمله دا يا شهاب, مش معقولة نرجع الحق لأصحابه بأسلوب ملتو بالشكل دا وكأننا مجرمين زيّهم, احنا بخطفنا للبنت دي ما نختلفش عنهم في شيء..
شهاب بحكمة:
- سلمى عاوز أسألك سؤال.. لو حد نصب عليكي في فلوس مثلا ورفض انه يرجع لك حقك, وعملتي المستحيل ما فيش فايدة بالعكس بقه دا اتبلى عليكي وقال انك انتي اللي سرقتيه وقتها هتعملي ايه؟..
نظرت سلمى إليه باهتمام معتدلة في وقفتها فتابع:
- هتحاولي ترجعي حقك دا وتثبتي اجرامه حتى لو الطريقة انتي ر افضاها لكن مافيش قوادامك غيرها وإلا هتطلعي ضعيفة وحقك مهضوم على طول لازم تثبتي قوتك انتي مش بتستخدمي اسلوبه عشان تاخدي حق مش ليكي .. لأ!, انتي بتستخدمي أسلوبه عشان ترجعي حق مسروق منك...
شردت سلمى في حديثه فمال عليها هامسا أمام وجهها:
- فهمتيني يا سلمى؟
أومأت بعدم تركيز فيما دنا منها بوجهه مستندا براحته اليسرى إلى جذع الشجرة بجوار رأسها وسمعها وهي تجيبه بهمهمة موافقة لتضرب أنفاسه الخفيفة برائحتها العطرة وجهه المائل ناحيتها, فلم يستطع منع أصابعه التي غدت كأن لها إرادة خاصة بها لتمتد تتلمس بشوق تقاسيم وجه فاتنته التي عشقها, فانتبهت سلمى من شرودها ورفعت عينيها اليه حتى تاه في غابات الزيتون خاصتها, أمسك بوجهها بين راحتيه ليتلمس برفق وحنو بإبهامه حدود شفتيها فهمست بدون صوت وباعتراض وخجل باسمه:
- شهاب...
ليميل بشفتيه مقتنصا قبلة سريعة, دافئة, ناعمة, محملة بعشق سرمدي, ورفع رأسه بعدها لتطالعه بعينين غائمتين بمشاعر تتذوقها لأول مرة معه حيث تفتحت براعم أنوثتها على يديه هو, همس بالقرب من وجهها وعيناه ترسلان نظرات تغازلها:
- بحبك...
احمرت وجنتيها خجلا وسرعان ما ابتعدت عن مرمى يديه وقالت ويه تخفض رأسها الى الأسفل بينما تتارجع الى الخلف:
- أنا.. أنا هروح أشوف سلافة...
وما أن استدارت وقد أوشكت على الابتعاد حتى ناداها بلهفة:
- سلمى.. مش عاوزة تقوليلي حاجة؟..
نظرت اليه من فوق كتفها وأجابت بابتسامة سرقت أنفاسه وأطاحت بالبقية الباقية من صوابه:
- يوم فرحنا... هقولك كل حاجة..
وأسرعت بالاختفاء من أمامه, كاد أن يلحق بها ولكنه آثر أن يتمهل لدقائق يستيعد فيها تمالكه لأعصابه فهو لا يضمن ما قد يُقدم عليه أن رآها الآن خاصة بعد وعدها له بأن تصرح له بما يريد يوم زفافهما فكأنها قد أقرّت ضمنيّا بأنها بالفعل تحمل شعورا ما تجاهه ولكنها تخجل في الافصاح عنه حاليا...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
اقترب غيث من سلافة التي وقفت تطالعه ببراءة زائفة بينما هي تعلم بداخلها أن جمود تعابيره هذه سيتبعها تحقيق قاس للغاية عن مناسبة قوْل شقيقه بأنه محظوظ لارتباطه بها وقد صدق حدسها!..
وقف غيث أمامها وهي تتظاهر بالتلهي في النظر الى أظافرها, تحدث بصوت متحشرج:
- شهاب كان جصده إيه باللي جالو دلوك؟..
رفعت رأسها ناظرة اليه بتقطيبة حائرة مصطنعة وتظاهرت بعدم الفهم قائلة:
- هممم.. مش فاهمه يا غيث, شهاب قال ايه مش فاكرة؟
نظر اليها غيث بنصف عين وزمجر هاتفا بحدة:
- يعني ما عارفاشي جال إيه؟..
سلافة ببراءتها ذاتها المزيفة وهي ترفع رأسها إليه تطالعه بدخان عينيها مقلدة اللهجة الصعيدية:
- بااااه.. ما جولتلك يا وِلْد عمي ماعرفاشي، وجعة إيه المجندلة ديْ، إييه عاوزني أحلف لك عشان تصدّج؟.
ولم تنتظر سماع جوابه وتابعت بجدية مصطنعة:
- طب أعدم.. مرت عمي معرفاشي!!..
حدق غيث بها بذهول وهتف بها بغير تصديق صائحا:
- بااااه!!، تعدمي مين بالظبط؟..
انتبهت سلافة لما نطقه لسانها بدون وعي منها فأسرعت بالابتسام بتزلف قائلة وهي تطالعه وبراءة الأطفال في عينيها ( حلوة وبراءة الأطفال في عينيها دي صح؟، ملعوووبة.. ملعوووووبة!!):
- ما جولتش ولا عدت!..
وما ان همّ بالالتفات بعيدا عنها حتى تمتمت بحنق طفولي:
- جبر يلم العفش!..
وسمعها جيدا هذه المرة!, فالتفت سريعا اليها هادرا بقوة:
- سلافة!!...
همست بينها وبين نفسها وهي تحمد الله في سرها:
- الحمدلله نطق اسمي صح كنت فاكراه هينتقم ويقوله زلافة!، وعاد لينتقم وحاجات كدا بس الحمدلله طلع طيب وابن حلال اومال الصعايدة اجدع ناس!!..
همس ذاهلا عاقدا جبينه بشدة وهو يطالعها بعدم تصديق لهذه لمكر هذه الجنية الصغيرة, يكاد يقسم أنه سمعها تدعو على والدته:
- أنتي عم بتجولي أإيه بالظبط؟، كل دِه عشان معسعلكيش شهاب كان جصده إيه؟..
نظرت اليه بتحد وهي تجيبه بينما تضع يدها في منتصف خاصرتها وصوتها يلوّنه مكر أنثوي:
- كان بيحسدك عليا.. ارتحت؟، ولا أنت عندك رأي تاني يا عمدة؟!.
مال عليها مقربا وجهه منها وهو يجيبها وقد راقه دلالها يجيبها وعيناه تكادان تلتهمانها بينما صوته خرج أجشًّا لانفعالاته التي تمور بداخله:
- باه.. وأني أجدر أجول لاه؟!... أذا كنت أني بذات نفسي بحسدني عليكي..
وسكت قليلا مبتسما بينما هربت بعينيها خجلا منه وفجأة انحسرت ابتسامته بغتة فقطبت بريبة بينما هتف بحدة وقد غابت البسمة وظهرت بدلا عنها تقطيبة عميقة:
- باه.. كيف يجول إكده؟.. وانتي فرحانة جوي بكلامه إياك؟.
هزت برأسها الى الأسفل يأسا منه ثم رفعت عينيها إليه هاتفة برجاء:
- غيث عشان خاطري ليه دايما بتشط تمام زي عود الكبريت؟، بالراحة أخوك مش قصده حاجة دي مجاملة منه مش أكتر.. دا اخوك يا غيث معقولة تضايق من أخوك؟.
دنا بوجهه منها حتى لفحتها أنفاسه الحارة وأجابها بصوت خشن بينما تسمرت عينيها أسرية نظراته التي تشعر بها وكأنها تغازلها فيما سمعته يقول:
- دِه ما اسمهاشي بتضايِّجْ.. دِه إسمها.. بغيييييييير..، بغييير على مَرَتِيْ.. حجي ولا مش حجِّي؟!..
أسدلت جفنيها تخفي نظراتها الناعسة عنه وهي تجيبه بخفر بينما تعض على باطن خدّها:
- حجَّك طبعا..
صدحت ضحكته عاليا تدغدغ قلبها وارتسمت بسمة عريضة على وجهها, لتفاجأ بعدها براحته الكبيرة وهي تمسك بجانب وجهها بينما يمسد بإبهامه الخشن وجنتها الناعمة لتصدر عنها شهقة ناعمة كانت كفيلة بزعزعة تماسك غيث ليميل على ثغرها مقتنصا قبلة خفيفة كرفرفة جناح فراشة ولكنها أرسلت رعشة في قلبها الذي ارتجف كالطير فيما أحست بشرارة كهربائية تسري على طول عمودها الفقري مرورا بسائر أطرافها!..
ابتعد عنها رغما عنه وهمس أمام شفتيها اللتين تحملان أثر ملكيته لها:
- لمن نوخلص من اللي احنا فيه دِه.. هكلم عمي نتزوج طوالي، ماجدرش أصبر أكتر من إكده يا بت عمي..
نظرت إليه بعينين سابحتين في شوكولتة ذائبة وتمتمت بدلال أنثوي:
- عمك مش هيوافق، لأنه الجواز مش بين يوم وليلة يا عمدة، لازم له تجهيزات كتير اوي أبسطها احنا لسه هنا هخلص اللي محتاجاه أزاي؟.
قطب مجيبا بحدة خافتة رافضا لفكرة ابتعادها عنه ولو ليوم واحد:
- باه.. لا هو أنتي فاكرة أني هخليكي تبعدي عن عيني ولو يوم واحد؟، عموما ريّحي روحك عمي هيوافج خصوصا لمّن جدي يتدخل..
سلافة رافعة حاجبها بتحد لذيذ:
- لما نشوف يا عمدة.. عن نفسي متأكدة من اللي بقوله مليون الميّة..
ابتسم غيث مجيبا:
- هتشوفي يا روح العمدة، ودلوك أني خارج أشوف ليث، خلي بالك زين على نفسك..
ابتسمت سلافة وأجابت:
- ما تقلقش يا غيث..
مال عليها مقبلا وجنتها قبلة سريعة قبل أن يستدير منصرفا فيما ارتسمت ابتسامة سعادة على وجهها لتقع عيناها بعد ذلك على تلك الغرفة الصغيرة حيث توجد رهينتهم فابتسمت وتمتمت في سرها:
- لما أشوف بنت الأكابر عاملة إيه...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
دخلت اليها بخطوات وئيدة بينما طالعتها تلك الملقاة فوق فراش مهتريء مقيّدة المعصمين بنظرات خائفة, اقتربت منها سلافة وهي تبتسم بشرّ تطالعها وتعبير كره يرتسم على وجهها الضاحك دوما ولكنها ما أن تقع عيناها عليها حتى تختفي كلية كأن لم تكن، دَنَت منها فيما حاولت سالي الابتعاد الى الخلف وهى تطالعها بذعر جليّ على ملامحها الجميلة, مدّت سلافة يدها لتجذب غُرَّتها بغتةً فشهقت سالي بينما يديها المقيدتين خلفها تعوقان رغبتها بالقفز بعيدا عن نظرات تلك المتوحشة التي تكاد تفتك بها بعينيها, مالت سلافة عليها وهمست بصوت خرج كالفحيح:
- - أخبارك إيه يا بنت حامد بيه رشوان؟, يعني السيد الوالد لا حس ولا خبر؟.. مش بعيد يكون باعك انتي كمان ما أنتي قضية خسرانة بالنسبة له دلوقتي، ودول معندهومش عزيز ولا غالي ولا حتى ولادهم، اللي معندوش شرف واللي باع نفسه عشان القرش مش بعيدة عليه يبيع ابنه ولا بنته عشان القرش بردو؟.
نظرت اليها سالي باعتراض لم تستطع أن تنطقه شفتيها خوفا من نظرات سلافة النارية، ولكن سلافة رأت تكذيبها في عينهيا فابتسمت وأردفت بسخرية:
- إيه.. فاكرانا بنكدب عليكي؟, طيب اسمعي يا حلوة... هشغلك حاجة صغيرة كدا تسليكي بردو....
وابتعدت لتتناول حاسوبها الشخصي وفتحته لتضغط على بعض الأزرار ثم تضعه على طاول خشبية قريبة من الفراش حيث تجلس سالي ثم أدنته منها وهي تُردف بسخرية مشيرة الى شاشة الحاسوب أمامها:
- اتفضلي ملِّي عينيكي من.. باابي..
نظرت سالي بوجل الى شاشة الحاسوب وهي تبتلع ريقها بخوف, فهي لا تريد اثارة هذه الفتاة الذي لا يدل مظهرها الرقيق أبدا على كمية القسوة التي تشع من عينيها كلما طالعتها، نظرت سالي الى الشاشة امامها باستسلام وبعد ثوان اذا بها تفتح عينيها واسعا وتحرك رأسها ببطء من اليسار الى اليمين هامسة بصوت غير مسموع:
- مش ممكن.. أنا مش مصدقة عينيّا..
اقتربت منها سلافة ومالت عيها قائلة بتشف واضح:
- صدقتينا يا حلوة؟.. عشان تعرفي اننا مش عصابة خاطفينك عشان فدية زي ما افتكرتي، حامد بيه رشوان لينا عنده حق.. ولااااازم ناخده!!.
وكأنها لم تسمع حرفا مما قالته سلافة, فما تراه أمامها على شاشة الحاسوب لا يصدقه عقل, فهذا القرص الاليكتروني المدمج يعرض تفاصيل سرقة كِليَة مريض دخل إلى مشفى والدها للعلاج من مرض نقص المناعة المكتسبة ( الإيدز ) ليتعرض الى حادثة سطو مسلح بالمشرط الجراحي لسرقة أعضائه الداخلية, وكانت الاسطوانة المدمجة تحتوي على تسجيل بالصوت والصورة لحامد رشوان مع اثنين من الأطباء اللذان يعملان في مشفاه حيث كانا هما أداة الجريمة، كما حَوَتْ تفاصيل العملية بالكامل بعد انتهائها وكيف أنهم قد قاموا بإبلاغ عائلته أنه قد مات نتيجة لمرضه، فتقبل الأهل موته بدون نقاش فهذا المرض ما هو إلّا.. مرض الموت, ولكنهم لا يعلمون أن الوفاة لم تكن بسبب مرض القاتل بل لأن قلبه لم يحتمل جرعة التخدير ليتوقف عن العمل ويموت المريض نتيجة جرعة مخدر زائدة!.
رفعت سالي عينيها ناظرة الى سلافة وصاحت ودموعها تغرق وجهها:
- لا مش ممكن, دا كدب.. كدب, بابي مش ممكن يعمل كدا, انتو كدابين, كدابين!!.
هدرت سلافة صائحة:
- واللي بيتكلم دا بردو كدب؟, بابي دا ولا مش بابي يا هانم؟.. مش هو اللي قاعد قودامك دا ودا صوته؟.. أيه هنجيب ممثل يقلد صوته وشكله كمان؟.
صوت طرقات عالية تعالت فبترت سلافة باقي كلامها ليلفت انتباهها صوت جلبة واضحة بالخارج, فغادرت تاركة سالي وهي تبدو كالتائهة غير مصدقة لما رأته وسمعته من والدها..
اتجهت الى الخارج لترى غيث وهو يقف في جمود ووجهه مكفهر بينما شهاب وكأنه قد فقد النطق وشحب وجهه تماما, وحده ليث من اأفاق من الجمود الذي أصابهم ما ان سمع هتاف سلافة متسائلة عما حدث, ليتجه الى جابر سريعا ويمسك بتلابيب جلبابه الخشن صائحا:
- انت بتجول ايه يا جابر؟, كيف حوصل إكده؟
هتفت سلافة متجهة الى غيث:
- هو ايه اللي حصل؟.., ليسترعي انتباهها عدم وجود شقيقتها.. فقطبت متسائلة وهي تدور بعينيها في المكان:
- اللاه.. أومال فين سلمى؟.. ثم أشارت الى شهاب متابعة وقلبها تعالت دقاته بخوف مبهم وتقطيبة قلق عميقة حفرت جبينها:
- هي مش كانت معاك؟.., أجابها شهاب بجمود:
- خرجنا نتمشى شوية وسبقتني ورجعت لوحدها..
لا تعلم سلافة لم شعرت بنغزة عميقة في قلبها فقطبت متسائلة بقلق وترقب:
- و....؟.., اقترب منها غيث محيطا كتفيها بذراعه القوي فرفعت عينيها اليه تطالعه برجاء لتأتيها الإجابة التي كانت تخشاها من جابر الذي هتف بحزن غاضب:
- - الدَّكتوورة سلمى.... اتخطفت!!!, لم تكد تشهق سلافة دهشة وذهول حتى تعالى صوت رنين المحمول الخاص بها, اختطفه غيث من يدها ليطالعه رقم خاص فأسرع بتلقي المكالمة, قال غيث مكشرا عن أنيابه:
- انت بعملِتَك ديِه توبجى حفرت جبرك إبْيـَدّكْ!!, ليسارع شهاب بانتزاع الهاتف من يد توأمه وهو يهتف بجسارة وقوة:
- لو لمست شعرة واحدة من سلمى مش هيكفيني فيك عيلتك كلها مش بنتك بس!.
ليتعالى صوت حامد يقول بغلظة ووقاحة:
- هي كلمة واحدة.. بنتي والسيديهات اللي معكم يكونوا جاهزين في المعاد والمكان اللي هقولكم عليه, ولو شمِّيت ان البوليس عرف حاجة.. يبقى بنتكم هنخليها تاخد ثواب وتتبرع بأعضائها.. عضو.. عضو!.
وسارع بإنهاء المكالمة بينما يهتف شهاب عاليا بصراخ قوي:
- استنى.. استنى بس...، ولكن المحادثة قُطعت فقبض شهاب على الهاتف يعتصره بين يديه وهو يهتف بشراسة ناظرا للهاتف بيده:
- هقتلك، لو لمست شعرة منها هقتلك يا حامد يا رشوان.. ولو آخر حاجة هعملها في حياتي بس مش قبل ما أخليك تتحسر على عيلتك كلها.. واحد.. واحد!!..
تقدم ليث واضعا يده على كتف شهاب فيما انخرطت سلافة ببكاء حار فضم غيث كتفيها اليه مواسيا لها, تحدث ليث بقوة:
-اطمن يا وِد عمي, مَرَتك مش هيطلع عليها النهار الا وهيّ إمعاك, جابر..
ليهتف جابر متقدما اليه بسرعة:
- أؤمرني جنابك..
نظر إليه ليث قائلا ببرود ثلجي:
- رجالتك جاهزة وعارفين هيعملوا ايه؟, هز جابر برأسه إلى أعلى وأسفل عدة مرات هاتفا:
- حافظين يا كابير وعارفين أمنيح عيعملوا ايه..
ليث ببريق وعيد يلمع في عينيه:
- نفّذ يا جابر!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
جالسة فوق مقعد خشبي مقيدة المعصمين الى الخلف، بينما رأسها مهدلة فوق صدرها، أصوات غير واضحة طرقت سمعها بينما حاولت فتح عينيها وهي تحاول الاعتدال لتفاجأ بنفسها غير قادرة على تحريك يديها أو قدميها فأفاقت فاتحة عينيها واسعا حينما استطاعت سماع الأصوات بوضوح تام، انتبه أحد الرجلين اللذان كانا يتحدثان لحظتها عما ينتويه السيد الكبير فعله معها، فأشار لصاحبه إليها ليستدير ذلك الأخير لها ففزعت من دمامته البشعة فبخلاف سواد لونه وشعره الأجعد وبنيته الضخمة, كانت أسنانه الصفراء واضحة من الابتسامة البلهاء تلك التي افترشت وجهه ما أن نظرت إليه بزيتون عينيها، مسح على شاربه الكث وكأنه يفاخر به ثم قام من مكانه وسار متجها إليها لتنكمش في جلستها الإجبارية اشمئزازا ووجلاً منه, مال عليها حتى لفحت وجهها رائحة أنفاسه التي أصابتها بالتقزز ومنعت نفسها بصعوبة من التقيؤ في وجهه الذي يحمل علامات ليس سكين واحد بل علبة سكاكين كاملة!, فهو كعلامة مسجلة على أن هذا الكائن الغليظ الواقف أمامها مجرم عتيد الإجرام!!..
تحدث فبانت أسنانه الصفراء لتفاجأ بسواد في معظمها نظرت اليه بريبة وهي تسمعه يقول بصوت خشن كالثور الذي يخور:
- صح النوم يا برنسيسة، الجميل منورنا...
هتف الرجل الآخر بصوت أجش آمر:
- ابعد عنها يا برعي، الكبير نبه علينا محدش ييجي ناحيتها لغاية ما ييجي هو بنفسه او يبعت مرسال من عنده..
برعي وهو يعض على شفته تحسرا على هذه الجميلة المحظور التقرب منها بينما عيناهى تلتهمان وجهها الشاحب:
- اعمل إيه يا سيّد.. عمرك شوفت جمال زي دا؟
زجره المدعو سيد بقوة:
- برعي بقولك إيه لِمْ نفسك..
صوتا عاليا استرعى انتباههما وفي أقل من ثانية كان برعي قد تخلى عن وجهه المستهتر مرتديا قناع الجدية وقد ابتعد عنها ليقف بجوار سيّد الذي اعتدل في وقفته هو الآخر, رنت بنظرها اتجاه الصوت وهي تسمع صوتا أجشا يسأل الرجال عنها, اقترب صاحب الصوت منها حتى أذا ظهر وجهه لدى اقترابه من الضوء شهقت عاليا وصاحت بذهول تام:
- مش ممكن.. أنت!!...



- يتبع -



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:32 AM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


23

لا تكاد تصدق عينيها، جلست تطالعه بعد أن أمر زوجيْ الثيران بالانتظار خارجا لتتنفس براحة جزئيا وقد رُحمت من نظرات هذا الوقح المسمى بُرعي، حلّ وثاقها وهو يحاول تهدئتها لتفرك يديها بعد ذلك وهي تطالعه بنظرات حائرة.. متسائلة... قلقة...و.... مندهشة!!..
كان هو أول من خرق الصمت السائد بينهما بقوله ساخرا فيما يجلس على كرسي خشبي آخر أمامها:
- إيه بتبصيلي أوي ليه؟... عاوزة تتأكدي أنه أنا فعلا؟!!...
أجابته بحيرة ونظراتها لا تزال غير مصدقة لما تراه أمامها:
- لا بس أنا مش مصدقة عينيا!، معقولة أنت يا.. أحمد!، طيب ليه؟.. وعشان إيه؟...
زفر عميقا قبل أن يجيبها بهدوء:
- سيبك من أسئلتك دي دلوقتي وجاوبيني على الأهم.. أنتي إيه اللي وقعك في طريق حامد رشوان؟.. انتي عارفة الراجل دا يبقى مين ومين اللي وراه؟..
تغيرت نظراتها إليه لتنتقل الى السخرية وهي تجيبه باستهزاء:
- إيه هو بعتك ليّا عشان تهددني؟.. معقولة الدكتور أحمد الجراح الكبير اللي واخد الدكتوراه بتاعته من ألمانيا يشتغل صبي رئيس عصابة!..
أوشك على فقدان هدوءه وهو يهتف بها بحدة واضحة:
- سلمى.. أنا ما اسمحلكيش!..
ثم تنهد عميقا وأغمض عينيه ومسح على وجهه براحته العريضة قبل أن يعاود النظر اليها قائلا بتعب:
- سلمى وجودك هنا له معنى واحد بس.. أنك بقيتي خطر على حامد رشوان.. وأنه مش هيسيبك تفلتي منه بسهولة ومش هو لوحده لأ... اللي وراه كمان!!..
قفزت سلمى واقفة وقد تكالب عليها إرهاق الساعات السابقة ناهيك عن الانفعال وتوتر الأعصاب والقلق الذي يكاد يفتك بأحشائها لا خوفا على نفسها بل على الباقيين، صاحت بحدة:
- اللي وراه.. اللي وراه!!.. مين دول اللي وراه واللي رعبينكم بالشكل دا؟..
وقف أحمد بدوره وأجابها وهو يطالعها بإشفاق:
- صدقيني يا سلمى.. مش من مصلحتك انك تعرفي، اللي أقدر أعمله عشانك اني أحاول أخرجك من هنا وفي أسرع وقت، طبعا هو مش هيرضى ومش ممكن يوافق انك تخرجي من هنا، عشان كدا أنا لازم أعرف اللي بينك وبين الراجل الخطير دا عشان أعرف أساعدك إزاي؟..
سلمى بتنهيدة ضيق واختناق:
- حاضر يا احمد.. أنا هقولك كل حاجة، أصله خلاص ما عادش حاجة أخاف عليها لأنه زي ما وصللي أكيد هيوصلُّهم!!
أحمد بتقطيبة:
- هما مين دول يا سلمى؟..
سلمى باستسلام يائس:
- هحكيلك كل حاجة!...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- اهدى يا شهاب يا خويْ، ليث جال جودامك جبل النهار ما عيطلع ومَرَتكْ عتكون بيناتنا...
شهاب وهو يروح ويجيء في المكان كالليث المحبوس بينما تجلس سلافة وقد تحجرت الدموع في عينيها فيما اقترب غيث منه محاولا تهدئة البركان الذي يفور بداخل توأمه، وقف شهاب ونظر الى شقيقه وهو يهتف بشراسة مغلّفة بقلق رهيب:
- امتى وازاي؟، ليث غاب من اكتر من ساعتين واحنا داخلين أهو على 11 بالليل وسلمى مخطوفة من اكتر من 8 ساعات ولا حس ولا خبر بعد مكالمة ابن التييت حامد لينا، مش لازم أعرف ايه اللي هيحصل؟، دي مراتي يا غيث.. مراتي أنا وأنا اللي لازم أنقذها من بين ايديهم الله اعلم هما بيعملوا فيها ايه دلوقتي بدل قعدتي كدا زي الحريم!..
نهضت سلافة تتقدم إليه وهو تهتف برعب بينما تنقل نظراتها بينه هو وغيث تحمل رجاء يائس:
- هما هيعملوا فيها إيه بالظبط يا شهاب؟، ممكن ينفذوا تهديدهم؟، يعني ممكن سلمى ما أشوفها.....
ليهدر فيها شهاب بقوة رافعا يده أمامها يمنعها من تكملة عبارتها:
- ولا كلمة يا سلافة بعد كدا، سلمى هترجع، أقسم بالله هترجع، ولو كلفني دا حياتي كلها، أختك في عصمة راااااجل يا سلافة، سامعة راااااجل، ولو معرفتش أنقذ مراتي يبقى أحسن لي ألبس طرحة وأروح أقعد جنب أمي!..
ليتجه بعد ذلك بخطوات غاضبة الى الخارج والشرر يتطاير من عينيه فيما انهارت سلافة تبكي ليتلقفها غيث بين ذراعيه وهو يشد عليها بين أحضانه مقبلا جبينها بينما يهتف بها بقسم غليظ:
- إهدي يا جلب غيث، جسماً بالله أختك عترجع وإبجي جولي غيث جاللي...
سكت قليلا ثم أبعدها عنه لينظر في عينيها مردفا بحنو:
- معيهونِش عليّ أشوف ادموعك صبابا إكده، واللي خلج الخلج لا ترجع وما عيطولوا منيها شعرة واحده، روحي اتوضي وصلي ركعتين لله وادعيلها ربنا يحفظها ويوجف امعانا ويرجعها لنا بالسلامة...
نظرت اليه سلافة بعينين غائمتين بالدموع هاتفة بحرقة بالغة:
- ياااارب يا غيث، ياااارب...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
نظر أحمد بوجوم الى سلمى التي صمتت بعد أن انتهت من سرد حكايتها، قال بجمود مختلط بعدم تصديق:
- مريم وسامح يبقوا صحابكم؟، أنتم اللي بتهددوا حامد رشوان وقدرتو تخلّوه يلف حوالين نفسه ومرعوب من الناس اللي وراه لأنهم محمّلينه المسؤولية قودامهم لو اتكشف كل حاجة؟
سلمى بزفرة عميقة:
- أيوة احنا، بس ممكن أسألك سؤال؟..
أحمد بابتسامة صغيرة:
- أنا ايه اللي حدفني على حامد رشوان صح؟..
سلمى بحيرة:
- أنا عمري ما كنت أتصور أنك تكون ضلع في عصابة خطيرة بالشكل دا، انت سافرت واخدت الدكتوراة وقودام كدا دوست على حاجات كتير في طريقك وعملت أي شيء عشان تضمن نجاحك في اللي كنت مخطط له في حياتك، معقول بعد دا كله تبقى مجرم زي المجرمين دول؟، مهما كان الإغراء قوي مش ممكن تنسى القسم اللي انت أقسمته، مش هو دا اللي انت خنت مبادئك عشانه وخلّاك تضحي بكل حاجة عشان شهادتك وترجع بلدك واسمك بيلمع!..
أحمد بوجوم:
- مش يمكن أكون لاقيت الحاجات اللي انا ضحيت عشانها ما تستاهلش التضحية دي؟، وأكون اكتشفت متأخر أووي أن اللي انا ضحيت بيه دا أجمل شيء ممكن أقابله في حياتي واتخليت عنه بمنتهى السهولة؟!..
سلمى بغير رضا عن سير الحديث:
- لو سمحت يا أحمد، أنا مش عاوزة أتكلم في اللي فات، خصوصا وأنا مرتبطة بواحد تاني ومش أنا اللي أتصرف التصرفات دي أو أسمح لنفسي اني اقعد واسمع الكلام دا من وراه، حتى لو كان مجرد كلام لازم أحترم غيبته وأحترم اسمه اللي انا شايلاه..
ابتسم أحمد بحزن على نفسه وهو يجيبها حاسدا في داخله شهاب على هذه الدرّة النادرة:
- مش بقولك التضحية بتاعتي كانت بشيء غالي اوووي قصاد حاجة ما تستاهلش التضحية دي!..
عندما رآها وهي تهم بالمقاطعة أردف بزفرة عميقة وهو يشير بيده إليها:
- خلاص.. خلاص.. آسف معلهش، أنا هقولك..
أنصتت سلمى جيدا فيما شرد بعينيه الى البعيد وهو يتابع:
- بعد ما رفضت تسامحيني وترجعي لي، رجعت المانيا على اول طيارة وهناك قطعت كل الخيوط اللي كانت بتربطني بالبلد دي، زي ما أكون كنت بعاقب نفسي على خسارتي ليكي، ورجعت #مصر، ومع شهادة الدكتوراه بتاعتي ما كانش صعب ألاقي شغل وفي مستشفى كبيرة واشتغلت في مستشفى حامد رشوان، وشوية في شوية ابتديت أثبت نفسي، وابتدا هو يثق فيا لغاية ما خطيت الخطوة اللي كنت فاكرها هتأمن لي السعادة.. خطبت بنته سالي!..
هتفت سلمى في ذهول:
- ايه؟، سالي!..
أحمد بسخرية طفيفة:
- ايوة سالي.. اللي انتم خطفتوها زي ما حكيتيلي!، المهم.. مع مرور الوقت صارحني انه مش هيلاقي زيي جوز لبنته يعيّنُه مدير للمستشفى بتاعته بعد ما الدكتور ممدوح الوِكيل مدير المستشفى ما استقال وقالوا السبب وقتها انه مريض ولازم له الراحة لأنه عدّى الستين واللي انا اكتشفته بعد كدا أنه حس بشيء مريب بيحصل فقطع الشك باليقين واستقال وما رضيش يقول غير انه بأمر من الدكتور، لكن صارحني أنا بكدا لما زرته في بيته وقاللي انهم حيتان وأي حد هيقرب هيتاكل، المهم.. مسكت فعلا ادارة المستشفى، وكان فيه أوراق بيطلب مني حامد أني أمضيها على اعتبار اني المدير وانه دي كلها اجراءات ادارية خاصة باستيراد أجهزة للمستشفى وحاجات زي كدا، لغاية ما عرفت بالصدفة الجريمة اللي بتحصل عنده، وقتها هددت واتوعدت أني مش هسكت وهو في الأول قعد يحاول يغريني بالمرتب الاعلى ونسبة من أرباح المستشفى ومش بس كدا دا قاللي انه هيكتب لي نسبة من أسهم المستشفى ولما رفضت ظهر على حقيقته وطلع لي أوراق عليها توقيعي سليم مية في المية أنه كل حاجة بتحصل في المستشفى بعلمي وبأمري أنا، وقتها خفت.. أنا فعلا مش قدهم والدكتور ممدوح كان معاه حق، وافقت بس اشترطت عليه أني مش همد إيدي في عملياتهم خالص، وافق طبعا بس في نفس الوقت فهمني أنه مش أنا اللي أملي شروطي وأنه لو #حب يخليني أشترك معهم ماليش اني أعترض..
سلمى باستهزاء وهي لا تصدق ما تسمعه:
- وطبعا كان ليك نسبة من الأرباح؟.. ما هو مش معقولة هتوافق كدا من غير ولا مليم؟..
أحمد وهو يبتعد بعينيه خجلا منها:
- أيوة، نسبة من الأرباح والأسهم كمان!..
سلمى بسخرية:
- وإيه اللي خلاك تظهر في الصور دلوقتي؟.. ايه حامد بيه رشوان قرر انك لازم تنزل الملعب مش هتفضل قاعد في الاحتياط؟..
أحمد بتعب:
- مش بالظبط!، حادثة مريم وسامح فوقتني وخلتني أعرف أد ايه الناس دي مجرمة، عشان كدا وافقت أني أنزل الملعب معهم عشان أعرف طريقة لعبهم وأقدر أكشفهم!..
سلمى بخيبة أمل واضحة:
- للأسف يا أحمد.. مش قادرة أصدقك!..
أحمد بلهفة:
- أقسم لك يا سلمى أنا اتغيرت، ولو كنت متردد ولو 1% قبل كدا أني أكشفهم دلوقتي أنا مصمم 100%!، ما تتصوريش أنا حاسيت بإيه لما جيت هنا واتفاجئت بيكي، أنا.....
ليبتر عبارته فجأة وقد جحظت عيناه رعبا فتساءلت سلمى بريبة:
- فيه إيه يا احمد؟..
نظر اليه برعب وهو يجيب هاتفا:
- أنتي عارفة أنا جيت انهرده ليه؟.. حامد قاللي انه العملية الجديدة اللي هناخد منها الأعضاء اللي احنا محتاجينها موجودة هنا وقاللي آجي عشان أشوفك ولما سألته ليه هي مش في المستشفى قاللي انها مش من مرضى المستشفى وقتها استغربت وقلت لما آجي هفهم، عارفة دا معناه إيه؟..
سلمى بجمود وقد فتحت عينيها على وسعهما ذعرا:
- معناه...
ليصدح صوتا جهوريا يقول بغلظة وخشونة:
- أنك المتبرعة الجديدة يا دكتورة!.
ما أن طرق الصوت سمع أحمد حتى انتفض واقفا وهو يهتف برعب مخيف:
- مين؟؟.. حامد رشوان!..
لتقفز سلمى واقفة تطالع ذلك المدعو حامد رشوان وهو يقترب منهما بخطوات ذكرتها بالثعلب الماكر قبل أن يصل اليهما ويقف لينقل نظراته الخبيثة بينهما وهو يقول بمكر:
- شوفتو أد إيه الدنيا صغيرة؟.. المفروض تشكرني يا دكتور أحمد أني هخليك تشوف الحب القديم لآخر مرة، ولو أن سالي بنتي هتزعل من حاجة زي كدا لكن ولا يهمك.. بعد انهرده أنا متأكد انك مش هتفكر غير في سالي و.... زعل أبو سالي منك وبس!!.
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- يا ليث فهمني فيه ايه بالظبط وجابر فين؟..
زفر ليث بقلة صبر واضحة وأجاب بحنق سؤال شهاب ابن عمه وهو يطالعه بضيق:
- عجولك إيه يا وِلد عميْ؟... أنت اللي كلَّمتَنيْ وأصرِّيت أنك تاجي امعاي إهنه... جولتلك خلِّيك مع خوك في المُطرح الجديد تأمن بت عمك وبتّ ابن الفرطوس دِه بس انت الله يهديك ما رضيتِشْ..
شهاب بزفرة حانقة:
- أنا مش فاهم... أحنا غيرنا المكان اللي احنا فيه قلت ماشي عشان بقه معروف ليهم انما نروح مكان في نفس المنطقة تقريبا؟.. وبعدين نستنى جابر في قلب الجبل؟.. ما تفهمني يا ليث ايه اللي بيحصل بالظبط؟.
ليث بزفرة عميقة:
- عفهمك يا وِلد عمي، المُطرح الجديد دِه يُبجى بينه وبين الجبل مسافة اصغيّرة، والمكان اللي احنا فيه ديه ما في مخلوج يجدر يوصل له وان وصل يبجى يجول على نفسه يا رحمن يا رحيم، انت ما عاخدتش بالك من الرجالة المترشجة في الجبل، فِكرك لو ما كنت أني إمعاك كانوا هيهمّلوك تطلع إكده؟.. لاه.. بس لأنك مع ليث الخولي اللي ريّيسهم بذات نفسيه ابيشتغل تحت أمره معيجدروشي يظهروا حتى جودامي!..
شهاب بتقطيبة:
- جابر زيدان..
ليث بابتسامة ماكرة:
- عليك نور.. جابر زيدان، ما انت عارف انه من المطاريد، لكن اللي انت وكَتيير غيرك ما عيرفهوشي أنه كبير من كباراتهم وكلمته مسموعة ووراه رجالة تاكل الحديد!..
قطع حديثهما صوت صافرة بنغمة معينة تبعتها أخرى، ليضع ليث يده فوق كتف شهاب المقطب ريبة وهو يقول بجدية شديدة:
- جابر جِـِه!..
وما هي إلا ثوان حتى دخل عليهم جابر زيدان الكهف الموجود داخل الجبل حيث يتواجدان، أماط اللثام عن وجهه وقال وهو يلهث لليث باحترام كبير:
- كل اللي أمرت بيه حوصل يا كبير!..
لتبرق عينا ليث بالظفر في حين تساءل شهاب بريبة وحيرة:
- هو ايه دا يا ليث؟..
ليث بصوت حاسم وبوحشية شديدة:
- اللي عيخليهوم يندموا انهم جرّبوا من حريم الخولي، جهِّز نفسك يا ولد العم عشان تروح تجيب مرتك!..
همّ بالحديث مستفسرا حينما قاطعه رنينا بنغمة غريبة ليفاجأ بجابر وقد أخرج هاتفا خلويا بشكل غريب مجهز خصيصا للتحدث في المناطق الخلوية حيث شبكات الأرسال تكاد تكون معدومة مما أثار فضوله,, فكيف لجابر مثل هذا الجهاز المتطور؟.. ولكن يبدو أن المطاريد يواكبون التكنولوجيا بالفعل أكثر من غيرهم!!..
أنهى جابر محادثته ناظرا الى ليث وشهاب وهو يقول بصرامة:
- الأمانة وصَلِتْ يا كابيير!!
أشار له ليث برأسه ليرفع جابر يده مشيرا لأحد الرجال الذي قدِم يحمل حقيبتين كبيرتين وضعهما أرضا وسط ريبة شهاب ليفتح الرجل السحاب كاشفا عن وجه لامرأة بأحدهما وفي الأخرى.. طفلا لا يتعدى العاشرة من عمره!..
لم يكد شهاب يهتف متسائلا حتى قاطعهما للمرة الثانية أحد رجال جابر يدخل ركضا ثم يميل على رأس الأخير هامسا له ببضع كلمات انصرف بعدها على إثر هزة طفيفة من رأس جابر الذي نظر الى ليث ليقول ببرود:
- الحاجة التانية اللي أمرت بيها جنابك حوصلت يا كابيير، المِشْتِشْفى بتاعت المحروج حامد رشوان بجيت... في خبر كان!
هنا لم يستطع شهاب الصمت أكثر من ذلك إذ صاح بذهول:
- إييييه؟!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
جلس أحمد الى كرسي خشبي مقيد المعصمين بجانب كرسي سلمى التي قُيِّد معصميها هي الأخرى، نظر الى حامد رشوان الواقف أمامهما يمسك بسيجار كبير من النوع الفاخر بيده اليمنى بينما يضع الأخرى بداخل جيب بنطاله الرمادي لتنزاح سترة حلته الرمادية كاشفة عن بطن بارزة تكاد أزرار القميص الأبيض أن تتقطع من عليه، وكان يرتدي خاتما من الذهب الأبيض بفصّ من الياقوت محاطا بألماسات صغيرة في خنصره الأيمن، تحدث أحمد برجاء يائس:
- أرجوك يا حامد بيه، أنت عارف أني راجلك وما اقدرش أخونك، أبسط حاجة أنا أول واحد هيتأذي بالأوراق اللي معاك، أنا مستعد أرجع لك الفلوس اللي انت ادتهالي والأسهم هكتبهم باسم سالي بس سيبني أنا وسلمى وأنا أقسم لك أننا مش هنفتح بؤنا بكلمة واحدة لأي حد!..
لتهتف به سلمى بانفعال واضح:
- اخرس يا جبان يا حقير، اتكلم عن نفسك بس!، أنا مش ممكن أبيع نفسي للشيطان، أنا عمري ما هسكت عن الحق لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.. فاهم يا دكتور؟.. وللأسف أنت إتشيطنت من زمان.. من ساعة ما شوفت وعرفت وقبلت وسكتّ!..
حامد بسخرية فيما أحمد يطالع سلمى بيأس:
- شوفت يا دكتور.. أهي لغاية دلوقتي مش مقدرة حبك ليها وخوفك عليها، انا مش فاهم ايه اللي عجبك فيها اوي كدا؟.. دي ما تجيش حاجة في سالي بنتي.. خطيبتك!!..
سلمى بسخرية وهي تطالع حامد بقوة:
- كويس انك فاكر انه لسه فيه عندك بنت اسمها سالي..
اقترب منها حامد رشوان ومال عليها هامسا من بين فحيح أنفاسه:
- اوعي تفتكري أني ممكن أنساها؟.. بنتي هعرف أرجعها إزاي، وهعرف بردو إزاي أدفعكم تمن اللي عملوته.. ما اتخالقش لسه اللي يقدر يقف قودام حامد رشوان!!
سلمى بتحد وهي تثبت عينيها في عينيه:
- مش لو رضيت هي ترجع لك بعد دا كله؟..
قطب بتشكك في حين تابعت باستهزاء:
- أحب أبشرك انه بعد اللي سالي بنتك شافته وعرفته بقيت مش بس عاوزة تبعد عنك.. لأ!، دي لو قدرت تشيل اسمك من اسمها هتعمله!..
جحظت عينا حامد بغضب مخيف وقبض على شعرها بقوة جعلتها تطلق صيحة ألم في حين تحدث بوحشية من بين أسنانه المطبقة:
- تقصدي إيه يا دكتورة؟..
سلمى وهي تئن ولكنها لم تخاف:
- قصدي أننا ورّيناها السيديهات بتاعت مريم وسامح الله يرحمهم، وأؤكد لك أنها دلوقتي تتمنى انها تفقد الذاكرة عشان تنسى أد إيه أبوها راجل... مجرم وسفاح وفاسد!!..
- اخررررررسي!!!!!!!!!!!!!!!!
وبظهر يده صفعها بقوة جعلت رأسها يرتج في حين تشقق فمها ليسيل خيطا من الدماء بجانب ثغرها فيما هتف أحمد بلوعة:
- سلمى!!!!!!!!!!
نظر حامد اليها وهو يقف مشرفا عليها قائلا بشراسة قوية:
- صدقيني هتدفعوا تمن اللي انتم عملتوه دا غالي اوي...
قاطعه دخول سيّد الذي أسر له بضعة كلمات اتسعت على أثرها عيناه بقوة وهتف فيه:
- مين اللي قالك الكلام دا؟..
سيّد بوجل:
- زكي بلغني حالا، بيقولي حريقة كبيرة في المستشفى والمطافي جات والبوليس والطب الشرعي، بس للأسف المطافي ملحقتهاش والمستشفى تقريبا بقيت سوا الأرض!..
صرخ حامد كالثور الذبيح:
- خياااااااااااااااانة!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!!!
ثم سلّط عيناه بقوة على سلمى ليشير اليها هاتفا بتشفّ:
- هاتوها!!!!..
حاول أحمد النهوض بينما معصميه مكبليْن وهو يصرخ فيما يرفع سيد سلمى بقوة من فوق الكرسي مجبرا إياها على السير معه:
- سلمى!!!!، لأ... سيبوها.. هي مالهاش ذنب!!
حامد بعنف:
- اخرررررس.. برعي!!!!!!
ليدخل المدعو برعي وهو يهتف بغلظة:
- أمرك يا ريّس...
حامد وهو يشير بيده التي تحمل السيجار الى أحمد:
- فكُّوه وودُّوه مع السنيورة.. اطمن يا دكتور... آخر جميل هعملهولك.. الليلة دي دُخلتك على الدكتورة!!!!
ليتمتم أحمد بذهول وقد وسعت عيناه بعدم تصديق:
- إييييه؟!!!!!!!!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
دفعوا بسلمى الى غرفة في مبنى لا تعلم أين هو فقد عصبوا عينيها كي لا ترى الطريق وأحست بأحمد وهو يجلس بجوارها في السيارة حينما خاطبه أحدهم مناديا اسمه بغلظة، وما أدهشها أن أحد الثيران الضخمة - التي يحرص حامد رشوان على احاطة نفسه بها - ما أن دفعها الى الداخل حتى فك قيد معصميها وعصبة عينيها وتركها وغادر مغلقا الباب خلفه، تلفتت سلمى حولها محاولة إيجاد منفذ بالغرفة لتفاجأ بها لا تحوي أية نافذة أو حتى طاقة صغيرة على الاطلاق، وقفت تفرك معصميها اللتان تؤلمانها من أثر القيد حينما فوجئت بفتح الباب ثم رأت شخصا يدفع به ذات الثور الذي أدخلها بقوة الى الداخل مغلقا الباب خلفه لتفاجأ بأحمد وهو يقف أمامها ولكن ما أدخل الرعب الى قلبها حقيقة هو سماع صوت تكة في قفل الباب ثم أخرى وبعدها ساد السكون التام لتتضح أمامها حقيقة وضعها الآن.. فهي في غرفة نوم مغلقة لا منفذ فيها.. في مكان لا يعلمه إلا الله.. بمفردها تماماً مع أحمد وقد تم حبسها معه فيما يطالعها هو بنظرات غريبة جعلتها تشهق عاليا وقد وصلها ما تعنيه نظراته، فهي قد تم تسليمها على طبق من ذهب لأحد رجالهم ليقوم بالانتقام لحامد رشوان مما فعلوه بابنته ولو عن طريق تدنيس شرف عائلة الخولي فمن الواضح أن احمد قد قَبِل بصفقة حامد رشوان... حريته في مقابل سبْيَّها.. تماماً كالرقيق الأبيض!!



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:32 AM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


24

تراجعت سلمى الى الخلف وهي ترى تقدم أحمد ناحيتها بنظرات غريبة أشاعت الخوف في أوصالها، اصطدمت بالحائط خلفها فشهقت بوجل لتتسع حدقتاها وهي تراه يخلع قميصه ويرميه جانبا ثم يحل حزام سرواله ونظرات تصميم تلمع بين مقلتيه، هزت رأسها مرارا تنفي ما تراه عيناها وتأبى تصديقه، همست بصوت مرتجف بينما وجهها قد هرب منه الدم:
- أحمد... أحمد انت بتعمل إيه؟.. ، ابتسمت بارتعاش وأردفت بينما امتلأت عيناها بغلالة من الدموع:
- أنت... أنت بتخوّفني صح؟؟... قالوا لك خوّفها مش كدا؟... أحمد أنت...
لتطلق صيحة عالية حين امتدت يده تقبض على يدها لترتطم رأسها بصدره العار الصلب وهو يجيب بجمود تام:
- لا يا سلمى، مش صح!!!!!
رفعت عينيها إليه تطالعه في ذهول وعدم تصديق لما أوحى به وسألته بتلعثم واضح:
- أنت... أنت هـ... هتعمل... هتعمل إيه؟؟؟
ليرفع يده ويمرر سبابته على ملامحها الحبيبة بينما كست عيناه نظرة داكنة جعلتها ترتعش من أعلى رأسها الى أخمص قدميها، أشاحت بوجهها بعيدا عن ملمس أصابعه وهي تحاول تمالك نفسها هاتفة باعتراض وحنق:
- أحمد انت... انت بتعمل إيه؟.. انت اتجننت؟!!!!!!
ولكنه أعاق ابتعادها عنه حينما أمسك بعنقها من الخلف فيما أحاط خصرها بذراعه ومال عليها هامسا أمام وجهها بابتسامة ثعلبية:
- ما تتصوريش كنت بحلم أد إيه بالليلة دي!!.. الليلة اللي هاخدك فيها بين احضاني وتحسي فيها بجد أنا أد ايه بحبك، لكن انتي ما اتدتنيش فرصة أحقق حلمي دا، تفتكري لما تيجي الفرصة دي أضيّعها؟.. للأسف يا سلمى أنا قلت لك قبل كدا انتي ليا أنا وبس وانتي ما صدقتنيش!!....
حاولت دفعه بقبضتيها في صدره بعيدا وهو تصيح:
- ابعد عني، أنت مش ممكن تكون بني آدم أبدا، أنت فاكر انك هتفلت بعملتك دي؟.. شهاب مش ممكن هيسيبك!!
وكأنها بذكرها لاسم غريمه قد أشعلت عودا من الثقاب في كومة من القش!!!... حيث زمجر بغضب عنيف وقال بصوت خرج كالفحيح من بين أسنانه المطبقة:
- غلط يا سلمي!!.. ايه اللي خلّاكي تفكريني بيه دلوقتي؟.. لو فاكراني هخاف يبقى انتي لسه معرفتنيش!!!..
لتنظر اليه هاتفة بمرارة ويداها تحاولان صدّه بعيدا عنها:
- أنا فعلا عمري ما عرفتك يا أحمد!!!!
غامت عيناه بنظرة غامضة وهو يميل عليها لتلفحها رائحة أنفاسه فتشعر بالغثيان الشديد فيما يدفعها هو الى الوراء ويداه تحطمان ضلوعها بشدة بينما أنفه مدفون بين طيات شعرها يشم رائحته بشوق غريب، شهقت حينما ارتطم جسدها بالحائط خلفها لتنتبه الى أنه قد حشرها في الزاوية في الفراغ الضيّق بين خزانة الثياب والحائط بجوارها، كانت تشتمه بينما يداها تخمشانه بأظافرها في صدره حينما أمسك رأسها بين يديه جيدا ومال عليها ليظن من يراهما أنه يعانقها بينما هو يهمس في أذنها بصوت خافت مترجي:
- سلمى ما تخافيش، أنا مضطر أعمل كدا، الأودة متراقبة بالكاميرات ولو شافوا اني خدعتهم هيكون مصيرنا الموت! همّت بابعاد رأسه عن قبضته لتشتد يديه حولها هاتفا بخوف حانق:
- ماتبصِّيش، بتبصي على إيه؟.. شوفي أنا بوعدك وعد شرف أني مش هقرب لك وهتخرجي من هنا من غير ما حاجة تحصل لك، صدقيني، أنا هتصرّف... تمام يا سلمى؟...
تركها ببطء مبتعدا عنها ليظهر وجهها الأحمر بوضوح بينما تلتقط أنفاسها وبصعوبة لشدة اللحظات العصيبة التي مرت بها والتخيلات التي دارت بعقلها عمّا سيفعله أحمد ولكن ليظن من يراها أنها خارجة لتوّها من عناق ساحق سرق أنفاسها!!!...
نظرت اليه بضعف وهي ترى نظراته المتسائلة لتومئ برأسها بالإيجاب بهزة ضعيفة من رأسها ليسرع لاحتوائها بين أحضانه مخفيًّا ابتسامة راحة في شعرها، وعاد يهمس في أذنها:
- سامحيني يا سلمى، مضطر أعمل كدا عشان أخلّصك منهم!
وقبل أن تستفسر منه عمّا سيقوم به كان قد ضغط بأصابعه على منطقة معينة أسفل الرقبة لتفقد وعيها واقعة بين ذراعيه في الحال فيسرع بالتقاطها قبل أن يلامس جسدها الأرض متجها الى الفراش حيث وضعها ومال عليها يطالع وجهها الشاحب وهو ينثر بيديه خصلات شعرها الثائر حول وجهها فيما ارتسمت على شفتيه ابتسامة ظفر واضحة!!!!!!!!!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- سعادة الباشا تليفون عشان حضرتك...
تناول حامد الهاتف من يد رجله فيما حمل وجهه جميع معاني الغضب ليقول بصوت غليظ:
- أيوة..., وفي غضون ثوان اختفى غضبه وظهرت معالم الاحترام الشديد والوجل على وجهه فيما يستمع الى الطرف الآخر لتتسع عيناه بريبة وهو يهتف:
- أنا عملت كل اللي انتم قولتوا عليه...
الصوت بخشونة:
- انت خرّفت في الآخر يا حامد، موضوع خطف الدكتورة دا هيقلب علينا الدنيا، وحكاية خطف بنتك دي كانت ممكن تتحل بطريقة تانية، حامد... انت عارف انك مش لوحدك، فيه فوقينا ناس يهمها اسمها ما يجيش ناحيته أي كلام!!..
ارتعب حامد من التلميح المبطن لكلام " الرجل الكبير"... مَنْ هو في مرتبة أعلى منه وهتف والخوف بدأ يسيطر عليه:
- أنا رجلكم، وتأكد أني هحل كل حاجة، إديني فرصة تانية، وأنا اوعدك ان الحكاية هتخلص في ظرف يومين بالظبط!!
الصوت بغلظة آمرة:
- هو يوم واحد، 24 ساعة بالظبط وبكرة زي دلوقتي تكون مدِّيني التمام ماذا وإلّا... أنا اللي هتصرف معاك وقتها، يا روح ما بعدك روح يا... حامد!!!!..
وأنهى المكالمة ليصيح حامد بارتياع:
- آلو... آلو.....
أطلق لعنة غليظة حينما وجد أن الطرف الآخر قد أنهى المكالمة، أغمض عينيه وهو يفكر في هذه الكارثة التي حلّـت عليه، فمعنى أنهم قد بدأوا يشتكون منه أي أنه قد أصبح من المغضوب عليهم، مما قد يؤدي الى اصدارهم قراراً بتصفيته هو نفسه كما هو المتعارف عليه في قانونهم!!!
صوت أحد رجاله قطع عليه أفكاره وهو يدخل لاهثا ليلتفت اليه حامد صارخا بغضب:
- فيه ايه يا مليجي تاني؟؟
المدعو مليجي بتلعثم واضح وهو يحاول التقاط أنفاسه:

- الست... الست سهير ورامي بيه...
حامد بتقطيبة عميقة وهو يهدر فيه بعنف:
- مالهم؟؟؟
مليجي بذعر من ردة فعل سيده للنبأ الذي يحمله:
- خطفوهم وهما راجعين من النادي...
لم يتثنى لمليجي التقاط أنفاسه المتعثرة إذ سرعان ما قبض حامد على عنقه صارخا بعنف:
- انت بتقول ايه؟؟؟ وأزاي دا حصل؟؟..
ليكرر مليجي حديثه وهو ينظر اليه سيّده برعب شديد:
- كانوا راجعين مع سمير السواق طلعت عليهم عربية قطعت الطريق وضربوا سمير وخطفوهم...
حامد وهو يشد قبضته على عنق مليجي حتى جحظت عينا الأخير من محجريهما:
- وعربية الحراسة فين؟... جوز التيران اللي انا جايبهم عشان يكونوا زي ضلّهم راحوا فين؟؟؟
مليجي وقلبه يكاد يتوقف عن العمل من شدة الذعر:
- عـ... عربية كسرت عليهم وعملوا معهم خناقة!!..
صاح حامد بغضب ناري:
- أغبيا!!!!!!!!!!!..
ودفع مليجي بقوة جانبا، فانتابت الأخير نوبة حادة من السعال في حين صرخ فيه حامد:
- اجمع لي باقية الرجالة بسرعة...
خرج مليجي لتنفيذ أمر سيده راكضا وكأن الشياطين في أعقابه في حين نفث حامد هواءا ساخنا من أنفه وهو يتوعد بشراسة:
- بقه كدا؟... انتو فاكريني بهوّش؟.. طيب أول هدية هتكون عندكم بعد ساعة واحدة بس!!!
ثم أسرع بضغط بضعة أرقام على هاتفه المحمول قبل أن يقول ما أن تلقى الطرف الآخر المكالمة:
- سيد... أخبار العرسان إيه؟؟؟
كشرّت أنيابه عن ابتسامة ذئبية فيما عيناه تلمعان بظفر وهو يقول:
- ابعت لي الفيلم، هوصّله أنا بطريقتي ليهم!!!!...
وبعد لحظات صدر صوت عن هاتفه المحمول ينبأ بوصول رسالة فأسرع بفتحها ليطالعه مقطعا من فيديو أسرع بالموافقة عليه ليشاهد ما يجعل ابتسامته تتحول الى قهقهة عالية ثم يسرع بضغط زر الارسال الى رقم سُجّل تحت اسم.... شهاب عثمان الخولي!!!!! .... لتتعالى ضحكاته بعدها راميا رأسه الى الخلف منتشيًا وبقوة!!!!!!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxx*
صوت وصول رسالة الى محمول شهاب قطع حديثه مع ليث ليقطب ثم يفتح الرسالة ليصبح كتمثال أول الأمر ثم رويدا رويدا بدأت حدقتاه بالاتساع وظهرت علامات الغضب الشديد على وجهه بينما قبض على هاتفه بقوة حتى كاد أن يهشّمه وهو يصرخ عاليا بينما مقطع الفيديو يعمل:
- لا!!!!!!!!!!!!, كلااااااااااااب!!!!!
ضرب الهاتف بقوة على الأرض ولكن لحسن الحظ لم ينكسر فقد سقط على السجادة الوثيرة أسفله، قفز ليث وجلًا من هيئة شهاب حيث نية القتل تبدو وبوضوح على وجهه، توجه اليه من فوره وهو ينحني لالتقاط الهاتف:
- فيه إيه يا ولْد عمي؟.. التَلفون ديه مِن ميين؟؟؟.
نظر اليه شهاب بعينين حمراوين قبل أن يسرع بسحب الهاتف من يده وهو يقول بغضب ناري مكتوم:
- حامد رشوان.... بتاعي أنا، لا انت ولا حد من رجالتك يقرب منه، بلّغ جابر يقول للرجالة انه ساعة الصفر اتقدمت!!
ليث بتقطيبة هاتفا بريبة:
- باااه... ايه اللي جرى يا وِلد عمي؟... واتجدمت كيف يعني؟.. وميتى؟؟..
شهاب بعينين تلمعان عزما ولهجة حزم آمرة:
- بعد نص ساعة بالظبط من دلوقتي، والبنت وامها واخوها هييجوا معانا، حامد رشوان هيدفع تمن اللي عمله هو... وعيلته كلها!!!!!!!!!!
--------------------------------------------
ضرب أحمد بخفة على وجه سلمى وهو يهمس برجاء:
- قومي يا سلمى، أرجوكِ ما فيش وقت!..
رفع رأسها بيد في حين استمر بصفعها بخفة على وجهها لتصدر أنينا خافتا جعله يطلق أنفاسه المحبوسة ترقبا وقلقا وهو يهتف بالحمد الله، فتحت عينيها بضعف لتطالعه باهتزاز في الرؤية أول الأمر لتتضح لها الصورة بعد ذلك، فهتفت وهي تعتدل في رقدتها فوق الأرض الصلبة:
- ايه اللي حصل بالظبط؟...
جلس أحمد بجوارها وهو يستند بظهره العار الى الحائط الخرساني خلفه مجيبا بتنهيدة عميقة:
- يا شيخة أيه دا؟.. قلبي كان هيقف من الخضّة عليكي!...
اعتدلت سلمى جالسة وقالت وهي تزيح خصلاتها المشعثة وراء أذنها:
- احنا فين هنا؟.. وجينا هنا ازاي؟؟؟
وهي تتجول بعينيها في المكان المقفر حولها ليجيبها أحمد بهدوء لا يشعر إطلاقا به:
- احنا جنب المكان اللي خطفونا فيه، بعد ما أغمى عليكي دخل واحد منهم يشوف ايه اللي حصل وفجأة حصلت ربكة معرفش ليه لاقيتنا مرة واحدة من غير أي حد حوالينا شيلتك وجريت بيكي، وجيت هنا.. لاقيت العمارة اللي لسه بتتبني دي أنسب مكان نستخبى فيه، مش هيتوقعوا أبدا اننا لسه جنبهم فكرهم هيروح أننا هنروح عند أهلك أكيد أو على أقل تقدير المكان اللي فيه ولاد عمك.....
سلمى بقلق:
- طيب وهنعمل إيه دلوقتي؟؟
أحمد بهزة رأس:
- مش عارف، لكن واضح كدا ان ولاد عمِّك عملوا حاجة كبيرة لأني سمعت واحد منهم بيقول ان حامد رشوان أمر بجمع رجالته كلهم والاغبيا نفذوا الأمر على طول من غير ما ياخدوا بالهم مننا والحمد لله دا كان في مصلحتنا!!..
انتبهت سلمى لجلوسه أمامه بينما جذعه العلوي عار، فتذكرت ما حدث قبل إغماءتها، لتنظر الى ثيابها تحاول تسويتها وكان هناك مزق بسيط في كُم بلوزتها والتي طارت أحد أزرارها العلوية، لتحاول ستر نفسها كيفما اتفق، قال احمد وهو يحاول النظر بعيدا عنها حينما انتبه الى وضعهما:
- أنا ما كنتش هأذيكي يا سلمى، مش ممكن أعمل كدا، أنا لما وعدتك أنك هترجعي سالمة كنت أد وعدي...
ليطالعها مردفا بصدق لمسته في نبرات صوته:
- ولو آخر حاجة هعملها يا سلمى، وعد مني انك هترجعي لأهلك من غير ما حد يلمس شعرة واحدة منك، على الأقل أكون سيبت عندك ذكرى حلوة تغفر لي أي إساءة أو دموع كنت أنا السبب فيهم!!..
همّت بالرد عليه عندما تعالى صوت إطلاق النيران، ليقبض أحمد على يدها وهو يحثها على الركض متخذين الظلام ستارا لهم، وفي الناحية الأخرى تحديدا أمام المبنى حيث كانت محتجزة كان هناك شهاب وليث وغيث الذي لحق بهما عندما هاتفه ليث طالبا منه القدوم بعد أن ارتاب في حالة شهاب والذي رفض الافصاح عن فحوى الرسالة المرئية التي استلمها، وأخبره بطلب شهاب بإحضار الرهائن معه، ليأتي ومعه عائلة حامد رشوان بصحبة رجال جابر زيدان بينما أمر سلافة بالتزام البقاء في السيارة مع عائلة حامد.....
هتف شهاب وهو يمسك سلاحه موجها حديثه الى جابر الذي كان مشغولا بإطلاق النيران على رجال حامد رشوان:
- عاوز واحد منهم بس يكون صاحي، هو اللي هيجيب لنا الكلب حامد لغاية هنا...
هز جابر برأسه ليسارع بتنفيذ أمر شهاب، وما هي إلا دقائق حتى كان الرجل ( برعي ) ملقى تحت قدمي شهاب وقد قيّد جابر معصميه، جذب شهاب شعره بقوة رافعا رأسه المتدلي على صدره إليه وهو يزمجر بشراسة هاتفا:
- فين الكلب سيدك؟؟؟
برعي وهو لا يستطيع التقاط أنفاسه:
- مـ... مين؟؟..
ليعاجله شهاب بركلة من قدمه في وجهه نزف لها أنفه فيما أطاحت سنتّين من أسنانه الصفراء الكالحة وهو يخور كالثور وقد سقط على ظهره، رفعه جابر من شعره بينما مال عليه شهاب هادرا فيه بشراسة:
- انطق قبل ما أخليهم يخلصوا عليك، الكلب حامد رشوان فين؟؟
نطق الرجل بصعوبة بكلمات متقطعة من فرط الوجع والألم:
- ما أنا... لو .. لو نطـ نطقت بردو... هتقتلني!...
شهاب بتحد:
- بقه هو كدا؟.. ليردف آمرا بصوت مزلزل:
- جابر... شوف شغلك...
صوت جذب صمام الأمان جعل برعي يصرخ كالحريم هاتفا:
- هقول... هقول يا باشا...
ليقاطعه ليث وهو يضع يده على كتف شهاب آمرا بصرامة:
- لاه.. ما هتجوليش، انت عتكلم الكلب دِه دلوك وتخليه ياجي اهنه، ووجتها احنا عنتصرفوا إمعاه!!
برعي بخوف يكاد يقتله وخنوع تام:
- حاضر... تحت أمرك يا عمدة، انما هقوله إيه؟؟
ليث بعينين تبرقان بوحشية لاقتراب وقوع فريسته بين براثنه:
- عتجوله انه مَرَتو وبتُّه ووِلده إهنه، ولو ما اظهورشي في ظرف ربع ساعة يجول عليهم يا رحمن يا رحيم!!....
وبالفعل، جاء حامد ملتفاًّ بحرسه الخاص من حوله فور تلقيه اتصال برعي، خرج من السيارة في حين أحاطه رجاله مشكّلين نصف دائرة، تقدم غيث اليهم في حين ظل حامد واقفا وسط رجاله، تحدث حامد بصفاقة:
- من غير كلام كتير... مراتي وبنتي وابني يرجعوا حالا ومعهم السيديهات اللي عندكم، وبنتكم هرجعها لكم ومعاها.... السي دي اللي انتو شوفتوه، بس هتفضل معايا منه نسخة عشان لو عقلكم قالكم تعملوا حركة غدر بنتكم اول واحدة هتدفع التمن!!!...
صدحت ضحكة غيث في حين همّ شهاب بالانقضاض عليه لولا يد ليث التي منعته هامسا له بأن يدع غيث يتعامل معه، غيث بعد أن هدأت ضحكته:
- ضَحَّكْتَنِي يا راجِل، أوَّل هام بتِّنا وعنعرفوا انجيبوها ولو في حنك السّبع، تاني هام الخرابيط اللي بتجول عليها ديْ سيديهات ومخبرشي إييه بِلّها واشرب مايّتها لانه مش هيطلع عليك صُبح لا انتَ ولا ردالتك اللي انت فرحان بيها ديْ.. تالت هام انه عيلتك عنخلِّصوا عليها واحد واحد جودامك اهنه عشان تِعرف انه مش عيلة الخولي اللي يتعمل امعاهم اكده، وانك يوم ما فكرت تلعب امعانا لعبتك الحقيرة ديْ لعبت وجتها في عداد عمرك انت وهَلك كلاتهم!!!!...
حامد بغلظة بينما تحرك رجاله الى الامام ناحية غيث:
- انت فاكر انك هتوهشني بكلمتين؟؟.. فين مراتي وولادي؟؟؟
غيث بلا مبالاة:
- بس إكده؟... حالا عتشوفهم...
وأشار برأسه الى جابر الذي اختفى لمدة ثوان ثم عاد يقود أمامه امرأة مكممة وصبي صغير وفتاة شابة، ليلقي بهم الى الرمل أسفل قدمي حامد الذي هتف بغضب ثم ركع على قدميه آمرا رجاله بحل وثاقهم فيما يفك هو قيد زوجته، وعندما انتهوا من تحريرهم وقف حامد محتضنا زوجته بيد وولده وابنته بالأخرى وهو يصيح:
- هتدفعوا التمن يا عيلة الخولي واحد واحد، والتمن ابتديتوا فعلا تدفعوه، وبنتكم سلمى الدليل على كلامي، والحساب يجمع!!
ما ان طرق سمع شهاب اسم سلمى حتى لم يستطع الصبر أكثر من ذلك ليندفع إليه وهو يهدر فيه بشراسة فيما التفت حامد للذهاب بعيدا وهو لا يزال محيطا عائلته:
- حامد يا رشوان!!!!!!!!!!
توقف حامد عن السير واستدار ليلمح شهاب وهو يتقدم اليه شاهرا مسدسه في وجهه وهو يهتف بعنف وحشي:
- أنا قلت انك هتدفع التمن، انت وعيلتك كلها!!!!!
لم يتثنى لأحد من رجاله أن يخرج سلاحه فقد هبط عليهم وابل من الرصاص ليتساقطوا كالذباب واحدا وراء الآخر وفي ظرف ثوان كانت الأجساد الميتة تملأ المكان بينما تلون دمائها الرمال تحتها!!!!!

هتف حامد برعب وهو يشاهد جثث رجاله من حوله والتي تساقطت في ظرف ثوان معدودة:
- ايه دا؟؟؟؟
كان احمد وسلمى قد اقتربا كثيرا من المكان حيث تواجد الجميع، أبصرت سلمى شقيقتها وهي تقف على مسافة ليست ببعيدة عنهم فركضت اليها بعد أن هز أحمد لها برأسه بالايجاب، لتفاجأ سلافة بمن يقبض على كتفيها من الخلف فالتفتت بذعر ليطالعها وجه أختها الشاحب والمتسخ بالأتربة فكتمت صيحة فرح ثم احتضنتها والدموع تجري على وجنتيهما، ابتعدتا قليلا ما أن سمعتا صوت وابل الرصاص، لتهتف سلمى بهمس وهي تنظر أمامها في ذعر:
- شهاب!!!!!!!
فلحظتها كان شهاب يقف بعد أن قُتل حرس حامد جميعهم يشهر سلاحه في وجه حامد رشوان غير آبه بالجثث الملقاة أسفل أقدامهم وهو يقول بجمود وكأنه يتلو حكما بالإعدام:
- انت قتلت وسرقت ونهبت، دا غير جرايم الاغتصاب طبعا زي مريم الله يرحمها اللي انت حرضت عليها، وآخر حاجة بقه.. كانت مراتي!!!.....
لتجحظ عينا غيث وليث حينما فهموا المعنى وراء كلمات شهاب الذي تابع بقوة وهو يشد زناد مسدسه مصوّبا فوهته الى قلب حامد رشوان مباشرة:
- غلطتك انك معرفتش انت بتلعب مع مين من البداية، تاري أنا هاخد بإيدي... في الموضوع دا قانون واحد بس اللي بيمشي... قانون عيلة الخولي!!!..
وضغطت سبابته على الزناد وانطلقت رصاصة الثأر!!!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
كانت سلمى تجلس على مقعد في المشفى أمام غرفة العمليات، بينما وجهها يعلوه الجمود وقد غابت عيناها وكأنها في عالم آخر، فيما جلست بجانبها سلافة تحاول اقناعها بالذهاب الى الحمام على الأقل لغسل يديها ووجهها الملطخيْن بالدماء ولكنها أبت وبعناد شديد، فلن تتزحزح خطوة واحدة قبل الاطمئنان عليه، أليس هو من ضحى بنفسه من أجلها؟!!!!...
يئست سلافة من سلمى لتتجه بعد ذلك الى غيث الذي يقف مرابضا أمام غرفة العمليات منتظرا خروج الطبيب ليطمئنه عن حالة توأمه الروحي، ربّاه لا يزال المشهد حيث رصاصة الغدر التي جاءته من الخلف ليقع بين يديه هامسا بوصيته له قبل أن تغمض عيناه، والتي تتمثل في كلمة واحدة فقط:
- سـ.. سلسبيل!!!!
قالت سلافة باشفاق على حاله:
- مش كدا يا غيث، ليث هيقوم بالسلامة ان شاء الله، لازم تكون أقوى من كدا، أومال سلسبيل هتعمل ايه بقه؟؟؟
ليحرك غيث رأسه بيأس هاتفا:
- ماعارفشي هجولها كيف؟.. مش كفاية راضي الله يرحمه، هخبِّرها كيف انه ليث انصاب؟..
سلافة بأسى على حاله:
- بلّغ عمي عدنان الأول وان شاء الله الدكتور يخرج يطمنّا على ليث ووقتها نبقى نقولها، لما تعرف انه حصل له حادثة بس الحمد لله ربنا نجّاه.. ساعتها المفاجأة مش هتكون شديدة عليها!!!
ابتسم غيث ابتسامة شاحبة قبل أن يمد ذراعه مطوقا كتفيها وهو يقول:
- ربنا ما يحرمني منك يا بتّ عمّي، ما عارفشي من غيرك كنت عملت ايه دِلوك؟؟
سلافة بمرح خفيف رغبة بادخال السرور اليه:
- كنت اعملت شاي بلبن وامعاهم شوية جراجيش يا ولد عمِّي!!
قطع حوارهما الهامس خروج الطبيب من غرفة العمليات حيث ركض اليه غيث بينما هرعت سلمى اليه ما أن رأته، قال الطبيب مجيبا تساؤلاتهم الصامتة:
- للأسف فيه أخبار حلوة وأخبار سيئة، الخبر الكويس انه واحد من الاتنين اللي اتصابوا الرصاصة جات بعيد عن الرئة بمسافة صغيرة جدا لا تتعدى 2 سم والحمد لله قدرنا نطلعها، المشكلة كانت في كمية الدم اللي نزفها وعوضناه، وان شاء الله الـ 24 ساعة الجايين يعدُّوا على خير... ساعتها نقدر نقول انه عدّى مرحلة الخطر، نيجي بقه للتاني..
قبل أن يتابع قاطعه غيث بلهفة:
- مين فيهم الاول يا داكتوور؟؟..
الطبيب بتركيز:
- الصعيدي، تقريبا اللي انت كنت معاه وهما مدّخلينه العمليات!!
ليهتف غيث براحة عميقة وهو يطالع سلافة بفرح:
- دِه ليث!.. الحمد لله يارب..
فيما همست سلمى بشفاه بيضاء يابسة مستفهمة عن المريض الآخر ليجيب الطبيب وهو يزفر بأسى:
- للأسف دا الخبر الوحش، الطلقات كانت عبارة عن 3 رصاصات، واحدة اخترقت الطحال والتانية الأمعاء أما التالتة فاستقرت في الرئة، قدرنا نستخرج رصاصتين لكن الأخيرة في الرئة في مكان صعب جدا استخراجها، دا طبعا غير كمية الدم اللي فقدها، هو محتاج دعواتكم دلوقتي....
لتشهق سلمى بأسى وكادت تتهاوى حينما أسندتها ذراعان قويتان لترفع رأسها الى صاحبهما هاتفة بحزن يقطع نياط القلب بينما دموعها تسيل مغرقة وجهها:
- سمعت.. سمعت الدكتور بيقول إيه؟؟... أنا السبب.. أنا السبب، كان بيفاديني أنا، الرصاص دا كان المفروض يدخل فيا أنا لكن هو خدهوم بدالي!!..
احتواها بذراعه اليمنى السليمة بعيدا عن كتفه الأيسر المصاب وهمس بصوت أجش:
- ما تعمليش في نفسك كدا، ما فيش حاجة حصلت لكل دا!!!
ابتعدت عنه تطالعه بغضب وحنق هاتفة:
- إيه؟؟... أزاي ما فيش حاجة حصلت؟... أحمد هيموت بسببي يا شهاب وتقولي ما فيش حاجة حصلت!!!!
لم يرد الاحتداد عليها في الكلام مراعاة لحالتها الواضحة ولكنها استفزته لدرجة أن هتف بها بغلظة بصوت مكتوم من شدة الغضب:
- لو قام منها يا سلمى تأكدي اني مش هسيبه يفلت باللي عمله، كون انه فداكي مش هيشفع له عندي، حكم الاعدام صدر فيه خلاص ولسه التنفيذ، يعني حتى لو عاش هيموت بس على ايدي أنا!!...
لتدفع سلمى بيده الموضوعة على كتفها بحنق بعيدا متناسية اصابته في كتفه والتي تعرض لها على يد رجال ملثمين فما ان استعد للضغط على زناد مسدسه حتى انهارت الطلقات حولهم من كل حدب وصوب من مجموعة رجال ملثمين، ليقع حامد وعائلته جميعها صرعى في ذات اللحظة بينما اندفع شهاب جانبا ليصاب كتفه برصاصة لم تصبه سوى بجرح سطحي أصاب كتفه الأيسر، بينما تم تراشق النيران بين رجال جابر والرجال الملثمين، ليصاب ليث بالرصاص أثناء حمايته لظهر غيث فيما لمح أحمد الذي كان يقف على مقربة ليست ببعيدة عنهم فوهة السلاح وهو يصوّب الى سلمى ليصرخ باسمها كي تنتبه وهو يركض ناحيتها بسرعة الفهد ليقفز محيطا بها بجسده في اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصات القاتلة لتصيبه هو بدلا عنها، وكما بدأ اطلاق النيران فجأة انتهى فجأة ليختفي الرجال الملثمون الذين بدوا بثيابهم السوداء كخفافيش منتصف الليل عائدين من حيث أتوا، والى الآن لا أحد يعلم من هم ولا إلى أين ذهبوا وإن كانت #الشرطة ترجح أن مهمتهم كانت تصفية حامد رشوان!!.. فمن يعلم خبايا مثل هذه العصابات جيدا يعلم أنهم قد جاءوا خصيصا للتخلص من حامد رشوان فقد أصبح خطرا عليهم، تماما كما أخبر جابر غيث في وقت لاحق!!...
وقفت سلمى أمام شهاب قائلة بجمود:
- أحمد ما عملش حاجة، أحمد وعدني انه هيفديني بروحه، وفداني... تقدر تروّح ترتاح أما أنا فمش همشي من هنا قبل ما أطمن عليه!!!!...
الى هنا وطارت البقية الباقية من صوابه ليقطع الخطوات القليلة الفاصلة بينهما قابضا على ذراعها وهو يهتف بها بغضب وحشي:
- كلمة زيادة مش عاوز أسمعها، واضح كدا ان اللي عمله كان على مزاجك ولا ايه؟؟
لاحظ غيث وسلافة تكهرب الجو بينهما ليتبادلا النظرات ثم يسرعان اليهما، قال غيث محاولا ابعاده عنها فيما حاولت سلافة تهدئة شقيقتها:
- استهدى بالله يا شهاب يا خويْ مش إكده!!..
هتفت سلمى غير عابئة بالنظرات الفضولية التي بدأت في الانتباه اليهما:
- انا مش هتحرك خطوة واحدة من هنا يا شهاب، دي أقل حاجة أعملها له بعد اللي عمله علشاني، مش معقوله واحد فداني بروحه اسيبه مرمي هنا في المستشفى بين الحياة والموت وأروّح أعيش حياتي ولا كأن حاجة حصلت!!!
شهاب بسخرية:
- آه بعد اللي عمله!!.. مش قلت لك ان اللي عمله كان على هواكي!!
كادت سلمى أن تشد شعرها فهي لا تدري ما يعنيه من وراء تلميحاته هذه لتقول بتعب زافرة بيأس:

- انت قصدك ايه يا شهاب بالظبط؟؟؟
لاحظ غيث أنهم قد بدئوا بإثارة فضول المارة من حولهم فأشار لغرفة استراحة المرضى قائلا:
- أني شايف أننا ندخل اهنه الاول عشان تعرفوا تكملوا حديتكم براحتكم...
بعد أن دلفوا الى غرفة الاستراحة الفارغة وقفت سلمى تطالع شهاب بجدية مطالبة بتفسير لما قصده ليجيبها بسخرية ومرارة تقطر من كلماته:
- يعني انتي مش عارفة قصدي يا دكتورة؟.. تمام.. أنا هوريكي قصدي ايه!!!
ليخرج هاتفه المحمول ضاغطا على مقطع الفيديو وهو يضعه أمام عينيها قائلا بمرارة:

- شوفتي يا مدام؟؟... عرفتي الدكتور أحمد عمل ايه يا... دكتورة؟!!!
لم تصدق سلافة عينيها لتهتف بشهقة ذهول وهي تبتعد الى الخلف عدة خطوات:

- سلمى.. مش ممكن!!
في حين أسرع غيث بإشاحة عينيه بعيدا وهو يضغط على أسنانه قهرا وغضبا، بينما اعتلى الجمود والشحوب الشديد وجه سلمى التي رفعت عينان خاويتان الى شهاب الذي يقف أمامها يطالعها بسخرية وغضب، وسألته بصوت ميّت بينما عينيها قد خبا منهما بريق الحياة:

- مش هسألك صدقت اللي انت شوفته ولا لأ لأنه واضح طبعا انك مصدق، لكن سؤالي.. انت فعلا مصدق اني كنت موافقة على كدا؟!!!
شهاب بنظرة غامضة:
- طريقتك قودامي دلوقتي ولهفتك عليه تخليني اسأل نفسي، يا ترى اللي حصل كان برضاكي؟.. واحدة غيرك كانت اتمنت له الموت ولمّا يحصل تفرح لأنه سبق وقتلها، لكن اللي انا شايفه غير كدا!!!
استحكمت غصة مريرة حلقها ابتلعتها بصعوبة قبل ان تقول بصوت خاوٍ:

- بس موقفي من اللي حصل لأحمد دا دليل معاه مش ضده!!.. يعني لو الفيديو دا صح.. أكيد رد فعلي كان اختلف، ليه مفكرتش انه الفيديو دا غلط بدل ما تفكيرك يروح انه اللي حصل في الفيديو حصل بموافقتي؟!!!
قطب شهاب وأجاب بعصبية مفرطة فقد أفلت غضبه من عقاله وكعادته دائما حينما يترك لغضبه العنان فإنه لا يترك مجالا لعقله بأن يرشده للصواب:

- عاوزة تقولي ان الفيديو متفبرك؟.. وايه اللي قطّع هدومك كدا يا مدام؟..
لاحت منها نظرة الى بلوزتها الحريرية أسفل السترة التي وضعها شهاب على كتفيها ما أن أبصرها أثناء حضور #الشرطة، رفعت عينيها اليه لتجيبه بصوت لا يشبه صوتها، صوت جامد لا حياة فيه:
- واحدة بقالها يوم تقريبا مخطوفة أكيد ما كنتش في رحلة راحة واستجمام، لكن وكالعادة انت قفزت لاستنتاجك، فلو فكرت بطريقتك هقولك انه من مصلحتي انه احمد يفوق ويقوم منها بالسلامة!!!
قطب شهاب متسائلا بريبة وان غلّف صوته نبرة سخرية:
- وليه إن شاء الله؟؟
رفعت عينيها اليه لتجيبه ببرود صقيعي ونظرات زجاجية خالية من نور الحياة:
- عشان يصلّح غلطته!!!!!!
اتجهت اليها سلافة سريعا بينما أمسك غيث بشقيقه قبل أن يتهور كعادته ويقوم بما لا يحمد عقباه كعادته حينما يغضب بجنون مثل الآن، هدر شهاب بغضب وحشي هاتفا:
- قصدك ايه؟؟؟
ببرود تام خلعت سلمى سترته ومدت يدها بها اليه وهي تجيب بوضوح تام:
- اللي فهمته...
لم يتناول سترته فألقتها على المقعد ثم اتجهت بخطى واثقة الى الباب بينما هو يراقبها بدهشة حانقة، وقفت قبل أن تخرج والتفتت اليه تطالعه من فوق كتفها وهي تردف بجمود:
- ما تنساش ورقتي يا ابن عمي، واطمن.. أوعدك انك مش هتشوف وشِّي تاني... عن إذنك!!!!
وخرجت صافعة الباب خلفها بقوة لتنتبه سلافة من جمودها وتلحق بها منادية لها بينما أوشك شهاب على الركض خلفها ليعيقه غيث قابضا على ذراعه بقوة فيما نظر اليه شهاب بحدة هاتفا:
- سيبني يا غيث!!
غيث بقوة:

- بكفاياك يا ولد أبويْ.. همّلها دِلوك.. لازمن أعصابكو انتو التنييين ترتاح اشويْ.. اللي حوصل مش هيّن يا خويْ!!
هتف شهاب بحرقة:
- مش قادر أصدق يا غيث, مش جادر يا خويْ!!...
ليربت غيث على كتفه قائلا بقوة:
- انت شهاب وِلد الخولي، وهي برضيكي مننا، يعني عزة نفسكم واحدة، انت جرحتها يا شهاب، كيف صدجت فيها الحديت الماسخ اللي جولته ديه؟.. كلامها هيّا أجرب للعجل، أني ماخابِرشِي الفيديو ديه فيه ايه، لأني مالحجتش أشوف حاجة، دَرِيت وشِّي طوالي أول ما شَغِّلته، لكن اللي اعرِفه زين انه مش سلمى بت الخولي اللي تبكي على واحد امضيّع الشرف كيف ما فكِّرت!!!، همِّلها لغاية ما أعصابها تهدى اشويْ..
شحب وجه شهاب فجأة من حديث شقيقه وعلم الى أي مدى قد تمادى هذه المرة... فهو لم يصدق ما رآه في مقطع الفيديو اللعين وحسب ولكنه اتهمها بموافقتها بل وترحيبها بما حدث!!.. الأمر الذي جعل قلب شهاب يرجف بين ضلوعه فكما قال غيث هما الاثنان أبناء عائلة الخولي حيث عزة النفس والكرامة، وليس لهذا سوى معنى واحد... أنه في طريقه لخسارة سلمى!!.. ولكنه لن يقف مكتوف الأيدي، هو لا يعلم كيف يستطيع اقناعها بفورة الغضب التى اعترته من رؤية خوفها على الآخر، ولكن ما يعلمه جيّدا أنه لن يفرّط في سلمى مهما حدث، أينهي الانسان حياته بيده؟؟... فسلمى هي الحياة لجسد شهاب وهو لم يكن ليدع حياته تنسل بعيدا عنه حتى وأن حمل كفنه على يديه مقدّما حياته قربانا لها!!!!!!!!!!!


- يتبع -



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:33 AM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


25

جلست سلمى فوق فراشها عاقدة يديها حول ركبتيها، فيما غامت عيناها بغلالة شفافة من الدموع، دلفت اليها سلافة بعد أن طرقت الباب وكالمعتاد منذ أن ثلاث أيام لم تسمع جوابا لها، أغلقت الباب وراءها وسارت تجاهها بخفة لتميل جالسة بجوارها وهي تقول بإشفاق على حال أختها:
- وبعدين يا سلمى؟... وآخرة اللي انتي فيه دا ايه؟.. من يوم ما رجعنا من المستشفى وانتي على الحال دا، مينفعش حبيبتي، بابا وماما قلقانين عليكي اوي عشان خاطرهم هما على الاقل، والغلبان اللي كل يوم مرابط عندنا وانتي رافضة تطلعي له، شهاب يمكن غلط في الكلام بس من غيرته عليكي، انتي دايما بتقوليلي لازم اتعامل بعقل وهدوء وكنت دايما بتنقدي تسرعي وعصبيتي، اديه فرصة يا سلمى...
سلمى بجمود:
- واضح انه العصبية والانفعال دول اللي كنت بعايب عليهم طلعوا قلب شخصية شهاب!..
سلافة بابتسامة صغيرة:
- طيب علشان خاطري اطلعي قابليه، ما تتصوريش حالته عامله ازاي، الكل تحت مستغربين من اللي حصل، كفاية بهدلة جدي ليه هو وغيث على سكوتهم عن الموضوع كله، وليث اللي في المستشفى ربنا العالم بحالته الدكاترة بيقولوا مش هيطلع قبل اسبوع كمان وسلسبيل حبيبتي حالتها ما يعلم بيها إلا ربنا، فعشان خاطري حاولي تخرجي من اللي انتي فيه دا، شهاب بيحبك والكل عارف كدا، حقه انه يغير عليكي وخصوصا لما شاف لهفتك وقلقك عليه وهو كان خاطبك قبل كدا!
نظرت اليها سلمى بحدة هاتفة:
- يعني جبتي سيرة الكل الا هو وانتي بتعاتبيني على غضبي من شهاب؟!.. انتي ناسية انه هو كمان في المستشفى في غيبوبة بين الحياة والموت ولا دا شيء مش مهم بالنسبة لكم؟؟
سلافة باعتراض:
- لا طبعا مش قصدي بس....
قفزت سلمى واقفة وابتعدت عن الفراش وهي تقول بحزم منهية النقاش بينه وبين شقيقتها الصغرى:
- ارجوكي يا سلافة مش عاوزة اسمع حاجة تاني، ومن الآخر مقابلة شهاب مش هقابله، وياريت يحترم قراري، أنا مش عاوزه أشوفه!..
ليعلو صوت متسائل من امام الباب يقول:
- لغاية إمتى يا سلمى؟..
قالت سلافة وهي تطلع الى صاحب الصوت:
- بابا!!!
دلف رؤوف بخطوات وئيدة حتى وقف بجوار ابنته وأردف بصوت حازم حان:
- لغاية امتى القوقعة اللي انتي محاوطة نفسك بيها دي؟
سلمى وهي تسدل عينيها الى الاسفل:
- معلهش يا بابا أرجوك أنا..
قاطعها والدها بجدية:
- سلمى.. شهاب حكى لي كل حاجة من غير ما يخبي أي شيء، اعترف انه في لحظة غضب منه انفعل بكلام ما كانش ينفع انه يقوله، هو غلط واعترف بغلطه، يبقى نتعامل كناس ناضجين وتقعدوا سوى وتفهميه انه العصبية وسرعة الانفعال والغضب الجنوني دا مش هتقدري تستحمليه، داج جوزك وحقه عليكي انك تتفاهمي معاه، زي تمام ما هو حقك عليه انه يحترم شعورك ويفهم وجهة نظرك..
سلمى هاتفة بانفعال حاول كتمه:
- الكلام دا يا بابا كان ينفع لو الموضوع عصبية وغيرة عادية لكن دا اتهمني أني....
وكتمت فمها براحتها ليحتويها والدها بين ذراعيه مربتا عليها لتنسحب سلافة ببطء فيما همس والدها لها:
- هششش.. خلاص حبيبتي، ما تعمليش في نفسك كدا، هو قالي انه في لحظة غباء منه قالك كلام ميعرفش طلع منه ازاي، سلمى شهاب لو عنده شك ولو واحد في المليون كان قتلك وقت ما شافك!.. دا صعيدي حبيبتي.. ما يغركيش طريقة كلامه اللي زيينا ولا لبسه، دا زي غيث وزي أي صعيدي دمه حامي على شرفه وعرضه، في ثانية كان هينسى أي تعليم ولا تحضر ويتحول لصعيدي 100% ويخلّص عليك من غير ما يطرف له جفن حتى!! .. شهاب كان موجوع يمكن اكتر منك، انتي كمان ما ادتهوش فرصة انه يستفهم منك اللي حصل منعكم انكم تتكلموا ولما جيتوا المستشفى انشغلتوا بليث وبأحمد فما سألكيش، لااازم تسمعي منه، حقه عندك انك تسمعي، جدك عبد الحميد على فكرة كان عاوز يطلع يشوفك أنا الي قلت له انك هتنزلي عشانه هو وجدتك فاطمة، الحبسة اللي انتي فيها دي مش حل، انتي يدوب تروحي المستشفى في ساعة الزيارة وترجعي حابسة نفسك حتى مامتك نفسها مش بتقعدي معاها، واللي أنا اعرفه ان بنتي الكبيرة أقوى من كدا، أنا دايما أقول عليكي عاقلة وناضجة وهادية وبتوزني الأمور صح، ولما شهاب اختارك فرحت لانه لو مان اختار سلافة كان هيبقى حريقة وشبّت في البيت، كأنك بتكفي بنزين بجاز مثلا، عشان كدا جدك كان عنده بعد نظر لما قالي أول ما جينا انه نفسه بناتي ياخدوا ولاد عمهم، كان مختارك لشهاب وسلافة لغيث ولما ولاد عمك فاتحوني سألته ان كان كلمهم في الموضوع ضحك وقال يل أبدا بس هو مبسوط انه أحافده بيعرفوا يفكروا ويختاور صح، كل واحد فيهم اختار الفولة بتاعته تمام، مش بيقولوا كل فولة وليها كيّال؟!!؟
مسحت سلمى دموعها برؤوس أناملها البيضاء ورفعت عينيها الى والدها قائلة بصوت مكتوم بغصات البكاء:
- أنا تعبانة أوي يا بابا، العقل والحكمة دول منفعونيش قودام اتهامات شهاب، اللي انا شوفته الكم يوم اللي فاتوا دول وكأني عِشت حياة تانية خالص!.. فكرة انه انسان اكون انا السبب في موته تعباني اوي، أحمد فداني بروحه يا بابا، وفي الوقت اللي انا منتظرة من شهاب انه يقف قودامي ويقويني ألاقيه اول واحد بيهاجمني ومش حاسس باللي فيّا، مجرد فكرة انه فيه انسان بيموت وانا ليا يد في دا مموتاني أنا!!
نهرها روؤف برفق:
- استغفري ربنا يا بنتي، دا كله أجل ومكتوب، وإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.. صدق الله العظيم، وبعدين الأعمار بيد الله محدش عارف فيه ايه بكرة، مش جايز جدا ربنا يكتب له النجاة ويبقى اتكتب له عمر جديد فعلا زي ما بيقولوا؟.. خلي ظنك في الله أحسن من كدا ربنا بيقول ما معناه.. أنا عند ظن عبدي بي!!
همست سلمى وقد هدأت نوبة بكائها:
- ونعم بالله... , ثم تابعت بصوت هاديء نسبيا:
- معلهش يا بابا أنا فعلا مش في حالة تسمح اني اتكلم مع شهاب في أي حاجة، محتاجة وقت أحاول أتمالك فيه نفسي، وبعد إذن حضرتك انا هلبس عشان ألحق معاد الزيارة، سلسبيل من يوم اللي حصل لليث وهي قاعده مرافق معاه خصوصا بعد ما طلع في أودة لوحده، أنا كلمتها من شوية لاقيتها رجعت تبص على ولادها وتاخد هدوم ليها وراجعه تاني، فأنا بعد إذن حضرتك هروح معاها؟..
لتأتيها الاجابة بصوت واثق:
- وأنا ما أرضاش انه مراتي تروح في أي مكان مع حد تاني غيري.. بعد إذن حضرتك يا عمي!..
ابتعدت سلمى عن ذراعي والدها والذي التفت الى شهاب يقول بابتسامة صغيرة:
- مش تخبط الأول يا بني؟..
شهاب بهدوء لا يشعر بمقدار ذرة منه فيما عيناه مسلطتان على تلك التي تختبئ منه بين ذراعي والدها معتقدة أنها بوجودها بين جدران غرفتها تستطيع منعه من الوصول اليها، ولكن آن الأوان لتعلم أن لا أحد ولا أي شيء قادر على ابتعادها عنه فهي امرأته هو... وكفى!!.. شهاب ببرود وهو يدلف الى الداخل:
- معلهش يا عمي، بس أنا خفت انها ترفض تقابلني زي كل مرة، وبعدين الباب كان مفتوح وانا اعتبرت نفسي في بيتي، هو مش بيت مراتي يبقى بيتي بردو؟..
مشددا على كلمة "مراتي".. لتحدجه سلمى بنظرة حارقة يقابلها بأخرى متحدية، لم ينتبه رؤوف لحرب النظرات الدائرة بينهما ليجيب وهو يبتعد عن سلمى:
- اكيد طبعا بيتك، عموما أنا هسيبكم عشان تتكلموا، لما تخلصي سلمى لو.. جوزك – مشددا بدوره على الكلمة - مش هيوصلك المستشفى فبابا موجود، أنا اللي هوديكي وبالمرة أزور ليث أطمن عليه وأقابل الدكتور اللي ماسك حالة أحمد أشوف آخر التطورات إيه...
انسحب رؤوف تاركا شهاب وسلمى بمفردهما فيما الباب مشرّعا خلفه، ما ان اختفى والدها حتى استدارت سلمى لتوليه ظهرها عاقدة ذراعيها أمامها، اقترب منها شهاب حتى أحست بدفء أنفاسه من خلفها، كان هو أول من خرق الصمت السائد بينهما محاولا التحدث بهدوء:
- هتفضلي مقاطعاني كدا لغاية امتى؟..
سلمى ببرود ناظرة الى النفاذة العريضة التي تحتل الحائط امامها:
- دي مش مقاطعة يا ابن عمي، دا موقف!.. انت غلط في حقي ومش غلط سهل، فبالتالي أي رد فعل مني على اللي عملته من حقي، سواء أني أرفض أشوفك أو أسمعك!..
شهاب بضيق مكتوم وهو يضغط على أسنانه:
- وأنا اعترفت بغلطي، وحكيت لعمي ومرات عمي كل حاجة وبصراحة، ما حاولتش أبرر غلطي ولا أقول أنصاف حقايق، كل اللي حصل حكيته بالظبط، وهما اتفهموا موقفي وقدروا اني بعترف بغلطتي، المفروض انك تكوني هديتي وانتي كمان تديني عذري لكن اللي انا شايفه انك بتنفسي فيا عن غضب جواكي انتي، أنا هقولهالك لآخر مرة.. أنا عمري ما أشك فيكي، ولو أنتي مش مراتي فانتي بنت عمي روؤف.. وانا عارف كويس أوي عمي رؤوف مربي بناته ازاي، واللي حصل لك دا مش ممكن كنت أخليه يعدي بالساهل فما بالك بقه وانتي مراتي؟.. يعني حتة مني؟.. ما تلومنيش على غضبي منك لما شوفتك شبه منهارة بعد اللي جراله..
سكت قليلا محاولا التماسك وهو يضغط أسنانه بقوة بينما تكورت يده في قبضة قوية حتى ابيضت سلاميات أصابعه مغمضا عينيه لثوان ليتابع بعدها وقد فتح عيناه ناظرا الى صورتها المنعكسة في زجاج النافذة أمامه فيما صوته يخرج مشروخا:
- عارفة احساسي كان ايه لما شوفت الفيديو؟.. كنت حاسس انه حد طعني بسكينة وساب السكينة في الجرح!.. ولما شوفت خوفك ولهفتك كان كأنك بتلوي السكينة في الجرح دا وبكل قوتك، أنتي ما قولتيش اللي حصل بالظبط لأنه ما كانش فيه مجال لكدا من لحظة ما شوفتك وضرب النار اللي اشتغل والبوليس اللي جه وبعدين المستشفى وانشغالنا بليث كل دا مخلناش فرصة نتكلم، مش هنكر ان غيرتي عمِّتني وانا شايفك تقريبا منهارة عشانه، سلمى أنا انسان مش ملاك.. وانتي اكتر واحدة عارفة عصبيتي عامل ازاي وأد ايه انا انفعالي بيكون سريع ومن غير عقل كمان!.. كنت منتظر منك تهدي وأكيد هتسمعيني، لكن أنتي دبحتيني بكلمتك اللي قولتيها واحنا في المستشفى...
وصمت ليمد يده يمسك بكتفها يديرها اليه ليمسك بكتفها الآخر ويميل ناحيتها هامسا بعذاب أمام وجهها الذي فقد نضارته:
- طلاق يا سلمى؟!... قدرتي تقوليها؟.. لسانك طاوعك ونطقتيها إزاي؟!.. عارفة لما سمعتها منك حاسيت بالظبط كأن رصاصة ضربتني وهنا بالظبط!!
أمسك بيدها ووضعها على صدره من الناحية اليسار حيث شعرت بدقات قوية أسفل راحتها، حاولت سحب يدها ليضغطها بقوة فوق قلبه تماما رافضا تركها بينما هربت بعينيها جانبا رافضة الكلام ليردف بحزم وغضب مكتوم:
- انسي انك تبعدي عني، الكلمة اللي لسانك نطق بيها دي أوعي أسمعك تقوليها تاني، لمصلحتك أنتي، فكرة انك عاوزة تبعدي عني مجرد الفكرة مش مسموح لك بيها، وصدقيني هتشوفي جنوني بجد لو قلِّيتي عقلك وفكرتي بس فيها ولو بينك وبين نفسك، أنتي مراتي.. ولآخر نفس عندي هتفضلي مراتي، ولا أي حد هيقدر ياخدك مني، أنا عصبي وغيور ومدب وكل حاجة بس....
ليتابع بهمس ولِه بينما عيناه تغازلان عينيها بلا هوادة لتنجح في أسر نظراتها رغما عنها بالأخير وهي تنظر ليه منتظرة سماع تتمة عبارته التي قالها بدفء غمرها بينما شعرت بحارة أنفاسه تضرب وجهها وهو يهمس أمام ثغرها الكرزي:
- بـ حـ بـ ك.. أنا بحبك، بعشقك.. دا ما يشفعليش عندك؟!.. أنا مش هقولك اني هكون عاقل وهادي بين يوم وليلة لكن أوعدك اني هحافظ عليكي أكتر من روحي كمان، وان حبك في قلبي عمره ما هيقل بالعكس دا بيزيد كل ما الايام بتمر بيننا، ممكن تدينا فرصة تانية؟.. ممكن يا سلمى؟..
لترد عليه بعد صمت طال تعاتبه بعينيها التي اغرورقت بالدموع الغزيرة فيما شفتيها ترتجف:
- أنا كنت محتاجة لك انت يا شهاب، كنت حاسة اني قوتي هستمدها من قوتك انت، لما لاقيتك بتتهمني الاتهامات البشعة دي حاسيت زي ما اكون وقعت اتخبطت في الأرض مرة واحدة وانا ببص من مكان عالي، كلامك ليا وجعني اوي، كنت منتظرة منك انك تفهمني من غير ما أضطر اني أشرح لك، تحضنني وتأكد لي انه كل حاجة هتكون كويسة، لكن مرة واحدة لاقيت نفسي لوحدي ومش بس كدا لأ انت بتتهمني بحاجات بشعة، ولاقيتني أنا اللي كنت هبلة في ظني فيك، وانك في الاول والآخر بتتصرف بمنطق الرجل الأناني الغيور بصرف النظر عن أي شيء تاني، عارف يعني ايه يكون انت اول واحد فكرت فيه اني ألجأ له عشان يطمِّني ويهديني ألاقيك انت القاضي والجلاد في نفس الوقت؟.. احساس قاسي اوي يا شهاب، انا.. حاسة اني تعبانة اوي، أرجوك لو ليا معزة عندك فعلا سيبني أقنع بابا وماما أننا نرجع #مصر، أنا محتاجة أبعد عن هنا شوية!..
ليطير هدوء شهاب الذي حاول التحلي به أدراج الرياح ما ان سمعها تخبره في هدوء أنها تريد الابتعاد عنه بل وتطلب منه هو أن يتركها تقنع والديها بالرحيل عنهم، وكأنها لم تستمع الى حرف مما قاله، وعلمت سلمى بأن غضبه الأعمى على وشك الاندلاع إذ تغيرت قبضته ليدها لتصبح أقوى حتى كادت أن تفتت أصابعها بينما قبض على خصرها بيده الأخرى ضاغطا بقوة آلمتها ليهتف بنفي قاطع وهو يقربها منه:
- على جثتي!.. انتي اتجننتي أكيد؟.. سفر ايه اللي بتفكري فيه؟.. انتي رجلك مش هتخطي من هنا خطوة واحدة بس ولو نطقتي بكلمة زيادة مش هخليكي تخرجي برة البيت من أساسه!
سلمى باعتراض حانق وهي تحاول دفعه بعيدا عنها ولكنها وكأنها تدفع حائطا صلبا لا يتزحزح:
- ولا كأنك سمعت حاجة، وبردو غضبك وانفعالك هو اللي بيمشيك، بقولك ايه احنا فعلا شكلنا كدا هنصرف نظر عن الموضوع كله.. أنا فعلا تعبت!!
لتجحظ عيناه ويهتف بشراسة وهو ينظر الى غابات عينيها بضراوة:
- انا اللي تعبت منك، هو حل واحد بس عشان تتأكدي انك هتفضلي مراتي وتشيلي من دماغك الخزعبلات دي!!
همّت بالرد عليه حينما هجم على فمها يعتصر شفتيها بقوة وكأنه يعاقب ذلك الفم لنطقه تلك الكلمات التي أشعلت غضبه، حاولت مقاومته ولكنه تجاهل مقاومتها ليحتويها بين ذراعيه ضاغطا جسدها اليه في عناق متطلب قاسي، دافنا يده بين خصلات شعرها الثائر، ليدحض مقاومتها شيئا فشيئا حتى أعلنت استسلامها ورفع قلبها الراية البيضاء مجبرا عقلها على السكوت والتراجع تماما أمام اعصار شهاب الكاسح!!..
مرت فترة من الوقت قبل أن يبعدها عنه مسندا جبهته الى جبينها فيما يلتقطان أنفاسهما اللاهثة بصعوبة، قال بصوت متحشرج متقطع:
- أعملي حسابك.. أول ليث ابن عمي ما يخرج بالسلامة هنعمل الفرح على طول، أنا مش هصبر ولا نص ساعة زيادة بعد كدا!!..
ثم طبع قبلة خفيفة على جبهتها بينما لم تستطع الرد عليه فقد هرب منها الكلام، لتسمعه يقول بمرح خفيف وهو يسلط عيناه على نقطة خلفها:
- تصدقي انك طيبة فعلا؟.. يعني لو كان حد بص علينا بس كان زمان عمي مصمم اننا نعمل الفرح انهارده.. ودلوقتي لو أمكن!..
لتشهق مبتعدة عن ذراعيه متطلعة خلفها لترى الباب الذي تركه والدها مفتوحا خلفه وكان بسهولة لأي كان أن يرى ما دار بينهما منذ لحظات!!..
ابتعدت عنه تضربه بقبضتها في صدره وهي تهتف بحنق بينما طغى اللون الأحمر على وجهها حتى غدا بلون ثمرة الفراولة الطازجة خجلا و... غيظا:
- انت سافل وقليل الأدب، واتفضل بقه من هنا!
ضحك شهاب بخفة وقال غامزا لها بمكر:
- انا همشي دلوقتي، لكن لما يتقفل علينا باب واحد مش هتقدري تبعديني عنك خطوة واحدة، هستناكي بره عشان نروح المستشفى سوا...
نظرت اليه بتساؤل فاقترب منها وأمسك وجهها بين راحتيه مجيبا تساؤلها الصامت بابتسامة عذبة:
- لازم أروح أشكر الانسان اللي أنقذ حياة أغلى انسانة عندي، انا مستنيكي... اجهزي وحصليني..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxx
فلاش باك... قبل ثلاثة أيام:
هل كُتب عليها الفراق؟, رباه.. لن تستطيع التحمل, تقسم أنها لن تقدر على تحمل فراقه, فوجوده بجوارها في المرة الأولى هو الذي منحها القدرة على الاحتمال, ولكنها الآن لن تقدر... بدون ليثها لن تحتمل!, نظرت اليه وهو غارق في غيبوبته تناجيه بعينيها السابحتين بالدموع في صمت أن يصحو, تقسم له أنها لن تدع دقيقة تمر إلا وهي تهتف بحبه الذي تملك عليها قلبها وسائر جوارحها ولكن فليفق!, مالت عليه تقبله ظاهر يده الموضوعة بجانبه وقد تم توصيل الأنبوب المغذي اليها لترتجف شفتيها ما ان لامست يده, دست أنفها فيها تتشمم رائحته التي اختلطت برائحة المطهرات والأدوية, همست بقلب مكلوم:
- بحبك يا ليث, بحبك يا وِلد عمي, ما تفوفتنيش يا ليث, مجدراشي على فراجك يا حبة الجلب..
لتشعر باهتزازة طفيفة في أصابعه فترفع رأسها بغتة تطالعه بدهشة, فلمحت عينيه وهما مشقوقتان تنظران اليها بضعف وابتسامة واهية تكاد تظهر على محياه الشاحب فيما يقول بصوت ضعيف لا يكاد يُسمع:
- يعني.. كنت لازمن أطخ لي اعيارين عشان اسمع الكلمة اللي جعدت عمري كلاته أتمنى اني اسمعها من خشمك اللي كيف خاتم سليمان ديِه!..
شهقت بغير تصديق لتهتف بفرح طاغي:
- ليث.. انت واعي يا ليث؟!..
ليجيبها ساخرا بغمزة مكر ضعيفة:
- أني واعي لك جوي يا روح ليث, والجَسَم اللي جولتيه مش هخليك توجِّعيه!, مش هخلي دجيجة تفوت الا لمن تجوليلي بحبك يا ليث!..
شهقت سلسبيل عاليا وتلعثمت قائلة:
- انت .. انت بتجول ايه يا ليث؟, على أي حال مش وجته الحديت ديه, اني هروح اجول للدَّكتووور انك فوجت..
وطارت الى الخارج دون ان تنتظر سماع جوابه..
باك.. بعد ثلاثة أيام:
أخذت تزفر بحنق وهي ترنو اليه بطرف عينها في ضيق بينما يراقبها بعينيه في مكر, تكلم قائلا بجدية زائفة فضحتها خبث نظراته:
- عجولك جرّبي اهنه...
هزت سلسبيل كتفيها باعتراض هاتفة:
- لاه.. اني زين اكده، خليك مُطرحك ما تتحركشي كاتير، الحركة شينة عليك..
ليث وهو يعتدل في جلوسه فوق الفراش:
- اني زين والحمد لله، ما تشيليش همي، اسمعي الحديت يا سلسبيل وجرِّبي منِّي!..
عضت على شفتها السفلى في توتر لا تعلم بما تجيبه، منذ أن سمع اعترافها الغبي بحبها له وقت أن كاد قلبها يتوقف من فرط خوفها من فقده وهو يتعمد احراجها بل ويتحين الفرص للامسك بها و.....، ليحمر وجهها خجلا حينما شردت بأفكارها لما يحدث بعدها!... انها في ذهول من ليث الجديد الذي تختبره ولأول مرة، في أعظم أحلامها جموحا لم تكن تعتقد أنه عاشق ماكر بتلك الصورة!.. فهو يتعامل معها كزوج مدلّه في #حب زوجته، وهي لا تعرف كيفية التصرف السليم أمام طوفان المشاعر الهادرة الذي يكتسحها به بلا هوادة!..
من العجيب أنه سبق لها الزواج، فما تختبره معه لم يسبق لها وأن مرّت به مع راضي رحمه الله والذي كان لا ينفك يبثها أشواقه في كل وقت، ولكن مع ليث تشعر وكأنها لا تزال صبية في أول أيام زواجها، فهو يكتسحها برجولته القوية والتي تشعر معها بأنوثتها كاملة، تشعر أنها قد ودعت سلسبيل تلك الفتاة التي تزوجت وهي لم تكد تبلغ السادسة عشر عاما، وكأن الست سنوات التي عاشتها زوجة لغيره لم تكن، فسلسبيل الجديد قد وُلدت على يديه هو، سلسبيله هو كما يحلو له مناداتها بعد اعترافها بحبه والذي قابله باعتراف أقوى جعلها تفقد النطق لوهلة وهي تسمع منه ولأول مرة أنها هي من كانت تقف عقبة في وجه زيجاته السابقة، وأن مقارنته اللا ارادية بينها وبين زوجاته السابقات كانت نتيجتها محسومة لصالحها ولا محالة، وكم كان يحمد الله على عدم وجود أطفال بينه وبين إحداهن فهو لم يكن يريد لرحم أن تحمل أطفالا سواها!!.. هي سلسبيله.. واحته العذبة ونبع راحته الصافي....
تكهّن ليث بما تشعر به من خجل كان يثير استغرابه في البداية ولكن ليتحول بعد ذلك شعوره الى راحة وفرح.. فزوجته.. حبيبته.. سلسبيله تشعر بالخجل منه كأي زوجة في مقتبل حياتها الزوجية، وكأنها لم يسبق لها الزواج قبلاً!!
غصّة فجائية استحكمته لذلك، ولكنه ابتلعها بصعوبة، هو لن ينكر أنه يشعر بالغيرة عندما يطرأ له ذلك الأمر ولكنه لن يدع ذلك الاحساس يسلبه حلاوة حبها الذي صرّحت له بها في غفلة منها، كان أول الأمر يشك أن اعترافها ذلك ما هو الا وليد اللحظة ولكن لتؤكده له وهي تنظر الى عينيه واضعة راحتها على وجنته متلمسة خشونة ذقنه وهي تهمس وقت أن صارحها بشكوكه:
- شفجة!!.. انت فاكر اني هشفج عليك فهجولك اني.. بحبك؟!.. لاه يا وِلد عمي.. لو شفجة كيف ما بتجول هتلاجيني قاعده جارك لانك زوجي ولازمن اكون جنبك، لكن مش هجولك عن اللي حساه جوات جلبي، الشفجة عمري ما هموت منها لكن اللي انا حاسيته وجت عمي جاللي ع اللي جرى لك حاسيت ان روحي بتنسحب منِيْ وما مجدراشي أجف على رجليِّا.. ليث.. أني هموت ولا جرالك حاجة بعيد الشر!..
ليسارع بوضع يده الحرة على فمها يقاطعها هاتفا بلهفة آمرة:
- أوعاكي تجولي إكده.. أني مجدرش اعيش من غيرك لحظة واحدة يا سلسبيلي.. عارفة أني كنت أجدر أعيش في دار لحالي وما كانش الحاج عيعترض، لكن أني فضلت أني أكون معاك في نفس المُكان.. أشاركك الهوا اللي بتتنفسيه، ولو هموت كل ثانية وأني شايفك متحرمة عليَّا وحلال لغيري.. لكن دِه كان أهون من اني أتحرم منيكي، كان شوفتك كفاية بالنسبة ليْ، وصدجيني لوما أنه كان خويْ أني كنت دفنته بمُطرحه ولا خليته يتهنى بجربك دجيجة واحدة!.. لكن يشهد ربنا انك من يوم ما دخلتي دارنا وأني عمري ما حاولت أبص لك بصة شينة، حتى ولو بفكري، لكن وجت ما أنام... كنت ببجى معاكي لوحدينا.. عشان إكده كنت بستعجل النوم عشان اكون براحتي امعاكي..
عاد من ذكرياته لتلك المتنعة التي تجلس بعيدا عنه تأبى الاقتراب منه خجلا وريبة منه، لتلمع عيناه بشقاوة وهو يهمس بتعب مصطنع:
- معلهش يا بت عمي ماعارفشي أجعد زين، ارفعي لي السرير..
لتنهض من فورها متجهة اليه لترفع ظهر الفراش فيحاول الاعتدال في جلسته فتسارع باسناده ليرتاح في جلسته ولكنها لم تنتبه الى النظرة الماكرة التي تلاعبت في عينيه، ليقبض بمعصمها فجأة ويشدها بقوة تجاهه فتسقط على صدره وهي تشهق بدهشة كتمها بشفتيه مبتلعا أنفاسها الساخنة، لتتسمر وقد أصابها الذهول أول الأمر لتحاول الابتعاد عن هجومه الهادر على حواسها كله وهي تهتف بأنفاس متقطعة:
- ليـ... ليث، لاه.. انته لساتك تعبان!!..
ليهتف بلهفة من بين قبلاته الثائرة فيما يده تتسلل أسفل وشاحها العريض تغوص في خصلات شعرها الناعم:
- اني تعبان صوح يا سلسبيلي، مشتاج لرشفة منيِّكي تحييني يا جلب ليث النابض إنتيْ..
حاولت الابتعاد عنه وفي خضم محاولاتها هذه ضربت بيدها كتفه موضع الاصابة بدون انتباه ليطلق صيحة ألم وقد تركها رغما عنه، شهقت وهي تطالعه في خوف هاتفة:
- ليث.. يجطعني.. رد عليَّا يا ليث، ما تخلعش جلبي عليك..
نظر اليها متأوها بألم ويجيبها وهو يقضم طرف شفته السفلى فيما عيناه تطالعانها بمكر خفي:
- جلبي أني اللي عيتخلع لو مطلعتش من المخروبة ديْ انهاردِه جبل بُكْرة..
اعتدلت سلسبيل واقفة وعدلت وشاحها تخفي خصلات شعرها المنفلتة، ثم مسحت وجنتيها وهي تحاول تمالك نفسها وهي تقول:
- أني عروح أنادم ع الدَّكتور ياجي يطمنّا عليك..
وسارعت بالاختفاء من أمامه ليزفر هواءا ساخنا من فمه وهو يهتف بحرارة واضحة:
- أني عاوز دَكتور جلب مش دًكتور جَرَّاح..
--------------------
تسير وهي تتهادى في مشيتها, لتصل الى باب غرفته, ما ان همت بإمساك مقبض الباب حتى صاحت السيدة التي ترافقها:
- يا بنيتي اجصري الشر, اني ما عارفاشي عتدخلي عليه كييف؟, فرضا مَرَتُه امعاه هيبجى ازايْ الحال؟..
لتلتفت اليها الأخرى هاتفة بتحد وعناد شديد:
- بجولك ايه يا عمة فردوس لو خايفة بعّدي انتيْ, انما أني عشوفه يعني لازمن اشوفه, ديه ليث يا عمة... ليييث!..
وأدارت المقبض لتدخل تاركة خلفها عمتها وهي تصدر بشفتيها صوت اعتراض هامسة وهي تشير بيديها الاثنتين أمامها علامة خيبة الرجاء في ابنة اخيها:
- ادخلي يا نضري حاكم اني عارفاكي ما بتبسمعيشي غير اللي في بالك انتي وبس..
دخلت الى الجناح ضاربة بكلام مرافقتها عرض الحائط وما ان سارت خطوتين باتجاه الغرفة الملحقة بالجناح حيث يرقد ليث حتى فوجئت بمن تخرج من غرفته والابتسامة تزين محياها الفاتن, لتتسمر تلك الأخيرة تطالع من تقف أمامها بدهشة, تقدمت منها سلسبيل ووقفت أمامها تنهرها بقوة وهي في ذهول من مدى وقاحة تلك المخلوقة أمامها:
- انتي ايه اللي جابك اهنه؟..
تخصرت وداد أمامها قائلة:
- جيت أشوف سي ليث!.
سلسبيل بقوة وهي تشير الى الباب:
- كلمتي مش هتنّيها... تخرجي من اهنه وما عشوفكيشي ولو صدفة, انتي فاهمه ولا لاه؟..
وداد ببرود:
- مش من حجك!.
سلسبيل وهي على وشك جذبها من شعرها وإشباعها ضربا لتنفث عن غضبها:
- اومال حج مين يا نضري؟.. أني مرته انما انتيْ...
لتقاطعها وداد رافعة حاجبها بتحد بينما نظراتها يملؤها التشف والحقد:
- مَرَتُه يا.... ضرتيْ!!....
بينما وهناك في طابق الحالات الحرجة يتعالى صوت بكاءا حارّا بعد أن خرج الطبيب بكل هدوء ينعي لهما... شابًّا فقد حياته لأجل #حب كان السبب في خسارته ولكنه لم يخسر حبيبته التي ضحى بروحه من أجلها!!...



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:33 AM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


26

كان يستند بظهره الى الخلف فيما ترتسم ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يشرد في طفلته، صغيرته، حبيبته، امرأته... سلسبيله هو...، نعم، لا تزال في عينيه طفلته الصغيرة التي كان يحب إغاظتها بشد ضفائرها الطويلة وكانت هي تتذمر وتنظر اليه بحنق بينما الدموع الماسية تلمع بين عسلي عينيها مما يجعله يحتضنها ويرفعها بين ذراعيه ليمسح دموع لم تنساب، فلم يكن ليرضى بأن تنساب لآلئها بسببه حتى وأن كان يلهو بها، بل أنه ما أن يحتويها بين ذراعيه وهي ابنة السادسة عشر حتى يعترف بينه وبين نفسه أنه لم يستفزها إلا كي تنتهي بين يديه، ينعم برائحتها الطفولية المحببة، ولا يرضى بإنزالها قبل أن تعتذر وتقبله فوق وجنته الخشنة!.. وهي تحتار فيما تعتذر وهو من أخطأ في حقها؟.. ولكنه الليث الذي ومنذ نعومة أظفاره تهابه الرجال، فتسارع بالاعتذار ولصق قبلة طفولية فوق وجنته الخشنة سريعا كي ينزلها فتعود للهو بين أقرانها، ولكن سرعان ما يمتعض وجهها حينما تلمس خشونة ذقنه وهو صبي يتعدى عمره السادسة عشر ربيعا، فيضحك ملء فيهِ وهو يراقص حاجبيه بإغاظة مهددا إياها أنها لو كررتها وكشرت في وجهه ثانية فلن ينزلها بل سيعلقها من جديلتيها في أعلى النخلة لتسارع بالاعتذار ثانية وتقبيل وجنته الأخرى تعويضا عن سخريتها من خشونة وجنته الأولى!!..
ضحك بخفوت وهو يشرد في ذكرياتهما سوية بينما قلبه يدق بقوة ويهتف في نفسه بأنه سيخبر الطبيب بأنه سيتابع علاجه بالمنزل، فقد تعدى الجرح مرحلة الخطر.. ولكن قلبه إن لم يغادر الى منزله سريعا فسيكون في عمق الخطر!.. فهو لم يعد يستطيع احتمال الابتعاد أكثر من ذلك عن واحته العذبة... عن سلسبيله الصافي.
صوت ضوضاء خارج غرفته شد انتباهه لينظر الى الباب مقطبا واعتدل مغادرا الفراش يريد التوجه الى الخارج ليرى ما الأمر خاصة وأنه قد ميّز صوت.. سلسبيل!...
ما أن تقدم خطوتين باتجاه الباب حتى فُتح بقوة لتدخل سلسبيل كالصاروخ وتقف أمامه وقد احمر وجهها فيما لمعت عينيها لينظر اليها مقطبا ويتقدم اليها يتساءل بحيرة وقلق:
- سلسبيل.. مالِك إكده؟.. ايه اللي حوصل؟..
ليبصر آخر وجه تخيل أن يراه، كانت وداد من لحقت بها، نظر الى الأخيرة في تساؤل وريبة، رفعت سلسبيل سبابتها وصاحت بحنق وهي تشير الى وداد:
- صوح يا ليث الحديت اللي بتجوله ديه؟.. انت اتزوجتها صوح؟؟
لتنساب دموعها وهي تصيح بصوت مخنوق بينما تناظره بذهول وعدم تصديق، فيما تراجع ليث بصعوبة مستندا على دعامة السرير المعدنية فقد شعر بوهن ساقيه، بينما وقفت وداد تطالع ليث بريبة وقلق فيما يبادلها الآخر برغبة في القتل واضحة، حاول ليث تجاهل ألمه ليقترب من سلسبيل ببطء وهو يقول محاولا تهدئتها:
- اسمعيني يا سلسبيل أني....
فقاطعته هاتفة بحنق:
- اتزوجتها ولا له يا ليث؟..
عاود محاولة تهدئتها مرارا ولكن طفح كيلها وهي تعتقد أنه يحاول الهروب من الأجابة لتهتف بحدة صارخة به:
- جاوبني ولاش لف ودوران.. اتزوجتها ولا لاه؟؟...

لتتبدل نظرات ليث الى اخرى غاضبة سوداء قوية.. فمهما بلغ حبه لسلسبيله فهو لا يزال ليث الخولي.. من ترجف لاسمه الأبدان وتهتز له أعتى الشوارب.. ولن يسمح أبدا بأن تطاول عليه او تصرخ في وجهه كما تفعل الآن، ليجيبها بجمود وبرود صقيعي:
- جصري حسك يا سلسبيل، صوتك ما عيعلاشي في وجودي...
وقفت سلسبيل تطالعه بتحد وهي تكرر بقوة:
- واني مش هكرر سؤالي كاتير... انت اتزوجتها صوح؟..

فهتف بكلمة واحدة كانت كطلقة الرصاص، مدوية في رنّتها.. لتصيب قلبها فتمزقه الى آلاف القطع:
- إيوة يا سلسبيل.. اتزوجتها!!.
سكتت... تراجعت... و..وجمت!!... لتهمس بغير تصديق محدقة اليه بذهول وهي تبتعد الى الخلف بخطوات متعثرة:
- اتـ.. اتزوجتها يا ليث؟... لااااه.....
وتهرع الى الخارج صافقة الباب خلفها بعنف، في حين حاول ليث اللحاق بها وهو يصرخ مناديا لها ولكنها كانت قد اختفت، فالتفت الى تلك الأفعى التي تراجعت الى الوراء في خوف منه فاصطدمت بالحائط خلفها، في حين اقترب منها ونية القتل مسطورة بوضوح على وجهه وفي بريق عينيه الجاد، هتفت في رعب وبتلعثم واضح:
- أني ما كانيش جصدي اجولها حاجة، هي اللي جبرتني اني أنطوج و.... آآآآآآآآه...
ليسارع ليث بالقبض فجأة على عنقها بيده الحرة فيما الأخرى معلقة بحامل الى كتفه حيث الجرح، حاولت التكلم بصعوبة ترجوه تركها فيما هتف ليث بشراسة من بين أسنانه المطبقة:
- هجتلك واشرب من دمك يا مرة يا فاجرة، انتي فاكرة انه اللعب امعاي بالساهل اكده؟.. تبجي غلطانه، هدفعك التمن غالي جوي يا وداد الكلب!!!
وبظهر يده التي رفعها عاليا هبط بصفعة مدوية على وجهها أدمت شفتيها ثم ما لبث أن دفعها بعيدا عنه قبل أن يتناول هاتفه المحمول ويضغط بضعة أرقام ثم تحدث بجدية قائلا:
- صابر.. ام عدنان جايتك دلوكيت عشان إتعاود بيها البيت، اسمع اللي عجولك عليه وتنفذه بالحرف الواحد!!!!!!!!!!!
بعد أن أنهى محادثته مع صابر أغلق الهاتف ونظر بغضب أسود الى وداد التي كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها كي لا تختبر غضب الليث، فغضبه وحشي لا قبل لها باحتمال عواقبه، صوت طرقات على الباب جعلتها تطلق أنفاسها التي حبستها في راحة لتسمع بعدها صوته وهو يدعو الطارق للدخول، لتكتشف أن هذا الطارق لم يكن سوى عمتها فرودس.
وقفت فردوس تقول بتردد وهي تنقل نظراتها بين ابنة اخيها وليث:
- حمد لله ع السلامة يا كبيرنا، شدة وتزول ان شاء الله..
هرعت وداد تجاه عمتها في حين تحامل ليث على نفسه واتجه الى الباب يغلقه قبل أن يلتفت اليهما ويتجه ناحيتهما فيما عيناه مسلطتان على وداد التي توارت خلف عمتها في ذعر شديد، وقف ليث على بعد خطوات منهما وقال بحزم صارم:
- ست فردوس.. هي كلمة ومش هتنِّيها، عيشكوم انجطع من البلد إهنه... جودامكم مهلة اربع وعشرين ساعة، باكر عشيّة ما عاوزيش ألاجيكم في البلد كلاتها، وإلا تبجوا انتو اللي حكمتم على نفسيكم.
شهقت فردوس في خوف وذهول وقالت بوجل:
- ليه يا كبيرنا؟.. دا احنا جاعدين بحسّك ربنا يخليك لينا، انت اللي حامينا وحنا اتنين ولايا وانت خابر الظروف..
ليث بصرامة ولا تزال نظراته معلقة بوداد التي تبادله النظر بأخرى تائهة.. مترجية.. حزينة:
- خير تعمِل شرٍّ تِلجا، أني عاوز عسعلك سؤال واحد يا فردوس.. أني ايه بالنسبة للمحروسة بت خوكي؟..
فرجوس مقطبة بحيرة:
- انت كبير كفر الخولي واللي اعملته عشان تحميها من المدعوج عارف محدش يجدر اينكره.
ليث بجمود:
- يعني أني مش جوزها؟..
شهقت فردوس والتفتت الى وداد في تساؤل وهي تجيب:
- أيه؟... لاه.. ما حضرتك عارف الجواز كان...
قاطعها هاتفا بحدة:
- كان من مدة، فاكرين ولا أفكِّركم أنا؟... لمّن عارف البلطجي اللي كان امعاكم وكان بيحرسها طومع فيها وكان رايد يتزوجها، وهي بلغت عنيه #الشرطة وجبضت عليه، وهربتوا منّيه فايتين بيتكم وناسكو وجيتو إهنه، ولكن خرج من كم شهر من السجن جيتو وجعتوا في عرضي، وجولتوا احمينا، حوصل ولا ما حوصلش؟..
فردوس برهبة في حين شحب وجه وداد وهربت بعينيها بعيدا:
- حوصل يا كبيرنا، وحضرتك وجتيها جولت لو جرّب منيكو هتدفنه مُطرحه..
ليث بسخرية:
- لكن انتم مصدجتونيش، ووجتها وطّت على يديْ تحبّها عشان اتزوجها.. صوح ولا لاه؟..
فردوس بخنوع وهي تدعو الله في سرها أن تمر المسألة على خير:
- صوح يا سي ليث.
ليث بحزم:
- وجتها أني جولت إيه؟..
فردوس باستسلام:
- حضرتك جولت معينفعشي، وانك ليك وضعك وهيبتك، واننا في احماك من غير خوف..
ليث بغضب وحشي مكتوم:
- لكن بنت خوكي صممت أني أعجد عليها، جالت ورجة بس اتوريهاله عشان ايشيلها من دماغه، وجتها اشترطت عليكو أيه؟
فردوس وهي لا تعلم ألى أين سينتهي هذا الاستجواب:
- اشترطت انه يبجى عرفي.. في السر يعني، وانه لمّن المدعوج عارف يبعد عنينا عترمي عليها اليمين وتحللها منيه الجواز ديه..
امتدت يد ليث لتجذب وداد من شعرها من خلف فردوس والتي ابتعدت من فورها فلم تكن لتقف أمام الليث وهو في غضبه الراهن، صاح ليث وهو يهز وداد بقوة حتى كادت تقسم أن رأسها سيقتلع من فوق كتفيها:
- وعارف غار ولا لاه؟... جطعت الورجة ورميت عليكي اليمين ولا لاه يا مراه؟.. اني عمري جرّبت منيكي يا مراه؟..
لتهتف وداد وهي تمسك بيديه القابضة على خصلاتها بقوة:
- لاه.. ما حوصلشي يا سي ليث، انت.. انت جطعت الورجة لمن عارف عرف واتوك داني في حماك... لكن..
صرخ ليث بعنف:
- لكن إيه؟؟.. ايه اللي خلّاكي تنبشي في اللي فات؟.. جولتي لمَرَتي ليه انك امراتي؟.. انطجي يا وداد أحسن يمين يحاسبني عليه ربنا أكون دافنك في مُطرحك دلوك..
نظرت اليه وداد بعينين تذرفان دموعا غزيرة وقد اكتسى وجهها الجميل بتعبير حزن عميق:
- لأني... لأني بحبك يا سي ليث؟..
ليدفعا ليث بقوة وقد هاله ما سمعه فيما وبدلا من ان تبتعد عنه أخذت تقترب تجاهه بينما قطب في وجها بحدة ولكنها كانت قد قررت كشف أوراقها كلها.. فهو يستحق أن تحارب المرأة لأجله.. بل أن تضحي بالنفيس والغالي كي لا تضحي به هو!
هتفت وداد وهي تقف أمامه رافعة عينان تستجديانه ونبرة صوت غلفها التوسل الشديد:
- إيوة يا سي ليث، ما تستغربشي إكده، انت الوحيد اللي كا كونتيش بتبص لي بصّة شينة، انت الوحيد اللي كونت شايف وداد البني آدمة اللي خلجها ربنا، ما كونتيش طمعان فيا زي بجيت الخلايج، غولطت لمن جولتا ني مرَتك جايز مش هنكر، لكن ماجادرتش أستحمل لمّن لاجيتها بتمنعني أني أشوفك وأطمّن عليك.. وجتها غيرتي عمَتني، خليتني أجول وايه المانع لمّ، يكون عندك ابدال الحرمة اتنين وتلاتة، انت الليث اللي أي واحدة تتمناك...
هدر فيها ليث بعنف:
- اخرسي يا حرمة، ما فيش أي كلام ايبرر اللي اعملتيه والكدب اللي هلفطتي بيه..
هتفت وداد وهي تحاول جذب يده لتقبيلها فسحبها منها بعنف لترتمي فوق قدميه وهي تصيح بنواح عال:
- أحب على يدك.. أحب على رجلك ما تبعدنيش عنّيك.. أني ما عاوزاشي حاجة واصل، خليني في ريحك وخلاص، خليني أحس انك عزوتي وحمايتي وضهري... أحب على رجلك يا سي ليث ما اتخجرنيش من جنِّتك...
رفعها ليث قابضا على كتفيها وهو يصيح بها:
- ما عادش منيه فايدة الحديت ديه، أني أمنتك وانتي خونتي يا وداد..
سكتت وداد لوهلة قبل أن تقول بجدية وعينيها تحدقان فيه بقوة:
- اتزوجني يا سي ليث...
ضغط ليث على كتفيها بقوة آلمتها وصاح بقسوة:
- باه.. اتجنيتي إياك..
وداد وهي تمسح دموعها بارحتيها في الحاح كبير:
- الجنان أني أبعد عنيك يا سي ليث، اتزوجني واني جابلة باللي تعمله، أكون في الضل مش مهم، لكن أشيل اسمك، أنت عارف جد ايه رجالة يتنوا نظرة منِّي أني، لكن أني ما رايداشي غيرك..
تركها ليث واستدار معطيا اياها ظهره وهو يقول ببرود:
- واني ما رايدش غير واحدة بس... اللي هي زوجتي، ومن سابع المستحيلات أني أتزوج عليها، مش ليث الخولي اللي يعمل إكده ومش سلسبيل الخولي اللي يتعمل فيها إكده.

لتنسى وداد خوفها من الليث وتهتف بغيظ سافر صائحة:
- هي ساحرتك؟.. فيها ايه غريب عنينا؟.. كلنا حريم، واللي أعرِفه انك انجبرت عليها لانها مرت أخوك الله يرحمه، يبجى....

أخطأت... بل.. أجرمت... اعترفت بهذا وهي تتلقى صفعتها المدوية الثانية، وأن كانت الأولى قد أدمت قلبها فالثانية قد دمرتها تماما!!.... هرعت اليها فردوس تساعدها على النهوض اذ سقطت من شدة الصفعة، نظر اليها ليث وهو يهدر متوعدا:
- كلمة واحدة منيِّكي تاني وأني هنسى أنك حرمة!... اسمها ما هتجوليهوشي ولو بينك وبين نفسك... ودلوك... جودامكم لغاية اناهردِه عشيّة تكونوا سايبين البلد كلّأتها ماذا وإلا خبر طلاجك هيوصل عارف ووجتها انتي خابرة زين هو عيعمل إيه؟؟
صاحت وداد وقد كان اسم عارف كفيل بادخال الذعر في قلبها بينما وجهها المكدوم يشي بنتيجة إغضابها لليث:
- لاه يا سي ليث، كله إلا عارف، جطعني ما عجولشي لاه.. لكن عارف... أحب على يدّك بلاش..
نظر اليها ليث بصرامة، وما لبث أن سمع عدة طرقات على الباب فأذن للطارق بالدخول، دلف صابر الى الداخل واقترب هامسا ببضع كلمات الى ليث الذي كان يسلط نظراته السوداء على وداد التي وقفت تحتضنها فردوس لتهدأ ارتعاشتها الواضحة، قال ليث بصرامة:
- صابر.. تاخد زوج الحريم دول واتدنيك امعاهم لغاية ما يفارجوا البلد كلّاتها..
فردوس بدموع غزيرة:
- طب عنروح فين يا كبيرنا؟..
ليث بصرامة:
- اتركيّهم يا صابر إو تديني التمام انهم رحلوا، وانتو مش هتغلبوا يا فردوس، ما هو دا شغلكو، انتو كنتوا فين جبل إنه؟.. انتو بتدوروا على طول، بلاد الله لخلج الله، لكن اجعاد أهنه أني جولت اللي حدايا، اذا صبح عليكو صبح هتلاجو عارف أمشرف، انا الاول كنت كريم امعاكو وهملتكو لبكرة الصبح، لكن معجبكوشي، دلوك بجولكو لغاية عشية، ولو زودتو عتخرجوا من اهنه عتلاجوا عارف مستنييكوم تحت..
هزت الاثنتان رأسيهما في خنوع واتجهتا للخروج في حين أشار ليث لصابر بالاقتراب ليهمس له في أذنه بصوت غير مسموع:
- ابعت حد من الرجالة يجطُرهوم، مهما كان تنتين ولايا ما عاوزينش يوحصل حاجة ويبجى زنبهوم في رجبتنا..
هز صابر رأسه بالايجاب ولحق بهما مغلقا الباب خلفه ليزفر ليث بعمق وهو يقول:
- فاضل المجنونة سلسبيل، فاكراني معجدرشي عليكي؟.. يبجى لساتك معرفتيش الليث!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx

اخذت تسير جيئة وذهابا وهي تكاد تشد شعرها فيما تهتف محدثة نفسها بصوت مسموع وفي حنق غاضب:
- إكده يا ليث؟.. أني أي ليث تتجوز عليْ؟.. د هانت معملتهاشي جبل إكده، عمرك ما اتجوزت على واحدة من اللي سبج واتجوزتهم، أني سلسبيل ليث تعملي فيّا إكده؟.. ماشي يا ليث.. ابجى شو فمين اللي عيجعودلك فيها؟..
ليجيبها صوت عال أمام الباب:
- ومين اللي جال انك عتتحركي خطوة واحدة بعيد عن اهنه؟..
شهقت والتفتت لتراه وقد انتصب أمام الباب، ليغلق الباب خلفه بإحكام قبل أن يقترب منها بخطوات محسوبة فيما وقفت أمامه وهي تهتف مشيرة الى الباب:
- فاكر أنك لمّن اتخلي غفيرك يجيبني إهنه أني معارفشي أروّح إلحالي، تبجى غلطان يا ليث، وبجولك دلوك خلّيه زي ما جابني ايعاودني لعيالي، عخودهم وأرجع دار أبوي وعريّحك مني خالص..
اقترب منها وهو يشير بيده اليمنى الحرة فيما اليسرى مرفوعة لأعلى بحامل ذراع حتى يشفى الجرح تماما، قال بهدوء يشي بعاصفة هوجاء تلوح في الأفق:
- انتي بتجولي إيه؟..
همّت سلسبيل بتكرار حديثها حينما هدر فيها بعنف أخرسها:
- اوعاكي.. شوفي إوعاكي أسمعك اتجولي كلامك الماسخ ديه تاني، اعيال مين ودار ايه اللي عتسيبيها، انتي مرتي أنا.. والعيال دول إعيالي.. وفكري.. فكري بس يا سلسبيل في الجنان اللي بتجولي هديه وانتي هتعرفي غضب الليث كيف.
وقفت سلسبيل أمامه رافعة رأسها في شموخ جعل لمحة اعجاب سريعة تمر عبر سوداء عينيه في حين أجابته بثقة لا تشعر بمقدار نصفها:
- هي مش سايبة يا ولد عمي، انت خابر بويْ زين.. أني ليا أهل وعزوة.. لو كنت فاكر أكمنهم جوزوني ليك يبجى ماليش عازة احداهم تبجى غلطان، جوازنا انت خابر زين كان غرضه إيه..
لتنغلق تعابير وجه ليث ويقترب منها حتى تلفحها رائحته الخاصة فيما يقول متسائلا بغموض:
- لاه، ما خابرشي يا بت عمي... يا ريت تجوليلي أنتي جوازنا كان ليه؟..
حاولت سلسبيل الهرب من عيناه النافذتين وهي تجيبه بعناد رافضة أن تدع خوفها الذي بدأ يطرق جنبات قلبها يظهر على وجهها:
- انت خابر زين يا ليث، لو ما كانيش عمي فاتحك في موضوع جوازنا ما كونتيش اتجدمت، أني خابرة زين أن عمي هو اللي صمم ع الجواز عشان العيال أجلّه، لو كنت ارضيت أني أفوت لكم العيال ما كانيش هيبجى فيه مشكلة، اعيالكم وفي حضنكم وأني بوي كان هيجوزني ما كانيش هيهملني إكده من غير جواز، وانت خابر عمك عتمان صعب كيف.. ما كونتـ..
وفي أقل من ثانية كان ليث أمامها، متجاهلا جرحه الذي لم يندمل بعد، ليمسك بها بقوة ضاغطا يده الحرة فوق فمها وهو يهتف بشراسة ووحشية من بين أسنانه:
- كلمة زيادة يا سلسبيل وما عتلومشي إلا نفسك!.. إنتي اتجنيتي إياك!... واحد تاني؟.. انت فاكرة أني كنت ههملك تتجوزي واحد غيري؟.. بويْ يمكن هو اللي فاتحني في جوازنا لكن حتى لو ما كان اعملها أني ما كوتش ههملك واصل، كل الحكاية أني كت رايد أفوت لك وجت عشان تهدي، لكن الله في سماه شعرك ما كان عينفرد على فرشة راجل غيري، كت دفنته مُطرحه، جبل سابج اللي كان ملجمني انه خويْ.. لكن لمّن بجيتي خالية ما كانيش فيه اللي يجدر يبص لك بطرف عينه حتى، انت لليث يا سلسبيل.. لليث وبس.. اوعاكي تجولي اكده مرة تانيِّة، خشمك ديه ما يجيبش السيراديْ غير لو انتي رايده صوح تشوفي وشِّي التاني.. وصدجيني ماعتجدريش تتحمليه.
نظرت اليه سلسبيل وقد أخذ بلبها عزيمته الواضحة وعيناه اللتان تقسمان لها بأغلظ الأيمان أنها أبدا لن تكون لغيره، وأنه لم يكن ليسمح بذلك، كان هذا الأمر يقض مضجعها، على الرغم من أنه قد صارحها بحبه لها ولكن كان لا يزال هناك جزءا صغير من الشك في أمر زواجهما، وهل لأن أبوه قد أصر عليه أم عن رغبة فعلية منه، كانت تريد سماعها ثانية منه كي تنسى كارثة زواجه الثانية!... وعند هذه النقطة وكأنها قد أفاقت من سباتها، إذ زمجرت كقطة متوحشة مبعدة يده عن وجهها وتساءلت بحدة:
- ولمن هوّ الموضوع إكده اتزوجت عليْ ليه يا ولد عمي؟..
لتصدح ضحكات ليث فيزداد حنق سلسبيل، أمسك بها يعيقها عن الهروب من أمامه فيما هتفت بحنق غاضب:
- بعّد عني يا ليث..
ليحكم قبضته على كتفيها وهو يقول وبقايا ضحكته لا تزال في صوته:
- أنتِ مجنونة يا بت عمي، لكن أني بموت في اجنانك ديه، عاوزة تعرفي الحكاية كلاتها يبجى تهدي أكده وتجفلي خشمك واصل لغاية ما أخلّص كلام، استنبينا؟..
أومأت بالموافقة وهي تزفر بضيق هاتفة:
- ماشي يا ولد عمي، أمّ، نشوف آخرتها امعاك إيه، وخلّي بالك كيف ما أنت الليث.. أني أبجى مَرَتْ الليث، يعني مش هتجدر تضحك على عجلي بكلمتين...
سار بها ليث الى الأريكة الوثيرة حيث أجلسها وجلس بجوارها قبل أن يبدأ يسرد عليها الحقيقة بينما تتفاوت تعابيرها بين متعاطف وحانق و... شرس!!
حالما انتهى من سرد روايته التفت الى سلسبيل وسألها بينما شعر بألم مصحوب بسخونة مكان الجرح ولكنه تجاهله:
- ها.. عرفت يا بت عمي الحكاية صوح؟.. ما كانيش له لازمِه كل اللي اعملتيه ديه؟.
سلسبيل وهي تشعر بالخجل لتهورها معه ولكن في نفس الوقت تشعر بالحنق والغضب لأن هذه الوداد حملت اسمه في يوم من الايام وان كان بورقة زواج عرفي أبيض!، قالت سلسبيل وهي تكشر كالأطفال في حنق طفولي:
- وأني كت أعرِف امنين؟.. وبعدين انت المحجوج.. أني مرتك يعني المفروض كت أعرف الحكاية ديْ منِيك انت من جبل ما بت الفرطوس ديْ تاجي لك المشتشفى او تعمل اللي عِملتو ديه.
ليث وهو يغالب ألمه مجيبا بتعب واضح:
- أنتي اغلطتي يا بت عمي، الاصول كتي تستاني لمن تشوفي الحكاية ايه، مش تاخدي في وشك وتهربيْ.
سلسبيل وأحساس الحرج لديها تضاعف بينما تنظر اليه بعينين صادقتين:
- اعذرني أي ليث، أني برج من عجلي كان عيطير لمن سمعتها، وخصوصي لمن سعلتك وجولتلي انه الحديت صوح، لكن إيه الموكان ديه؟.. انت خليت صابر يجيبني فين؟..
ليث وهو يرفع يده يمسك رأسه:
- ديه شوجتي في جنا، اني كنت خابر انك عتهلفطي بالكلام اللي مالوش عازه جودام بوي وبوكي، ما كونتيش عاوز حد يتدخل بيننا، ما كونتيش عسيبك تبعدي عني ولو دجيجة واحده، عشان إكده جبرت الدكتور يكتب لي اخروج انهارده مع انه جالي حالتي لسه....
وبتر عبارته وهو يرتمي على الأريكة في حين هتفت سلسبيل بخوف:
- ليث!!!!!...
--------------------------------------------------------
خرج الطبيب الذي أتى به صابر والذي هاتفته سلسبيل وهي في أقصى درجات الخوف على ليث الذي سقط بين أيديها مغشيّا عليه، ناول الطبيب وصفة الدواء لصابر وهو يؤكد على وجوب الالتزام بمواعيد الدواء والراحة التامة فقد نزف الجرح واضطر لقطب غرزتين أخريين له، انصرف الطبيب ومعه صابر وقد أمرته سلسبيل بإحضار الدواء قبل أن تعود غرفة النوم حيث يرقد ليث النائم بفعل المهدئ..
جلست سلسبيل بجواره ومدت يدها تمسح خصلات شعره الأبنوسي برقة لتهبط بسبابتها على وجهه تتلمس خشونة ذقنه فشاربه الكث بينما تنهل عيناها من وسامته الخشنة وهي تهمس بلوم:
- إكده يا ليثي؟.. عاجبك الخرعة اللي اتسببتي لي فيها؟.. أني جلبي كان عينخلع من موطرحه، لسّاتك معترفشي أني بخاف عليك كيف؟.. فداك أني وأي حد تاني المهم انت تجوم بالسلامة يا ليث سلسبيل..
صوت طرقات هادئة لتتجه سلسبيل الى الباب حيث تناولت الدواء من صابر وأمرته أن يلزم السيارة بالاسفل وألا يخطو خطوة واحدة إلا بمشورتها..
أعدت سلسبيل الحساء الساخن، دلفت الى الداخل لتجد ليث وقد أفاق من سباته، وضعت صينية الأكل فوق الفراش بجواره وهي تقول بابتسامة ناعمة:
- الدكتور بيجول لازمن تتغذى منيح عشان الجرح ايلم بسرعة.
قال ليث وهو يشيح بوجهه بعيدا عن الطعام:
- ماعاوزشي يا بت عمي، بعّديه عني.
قالت وابتسامة ناعمة تزين ثغرها الكرزيّ:
- لاه.. أني اللي عاملاه بيدِّيني التنيين دول، هتكسف يديْ؟..
ليطالعها ليث وهو يبتلع ريقه بصعوبة هامسا في حين تسافر عيناه على صفحة وجهها البهي تلتهم تفاصيله الفاتنة:
- لاه طبعا.. يسلموا ايديكيْ يا بت عمي.
ومد يده ليتناول الملعقة حينما فاجأته للمرة الثانية بأن سبقته وتناولتها وغرفت بها بعض الحساء ثم رفعتها الى فمه وهي تقول بنعومة ورقة:
- افتح خاشمك.
ليقول بانشداه:
- ها!!!.... ضحكت سلسبيل ضحكة خافتة ناعمة أجرت الدم ساخنا في عروقه بينما أجابته وهو تشير له بالملعقة:
- هوكّلك بيديّ يا ولد عمي.
ليفتح فمه تلقائيا كالطفل الوديع فيما تطعمه هي الحساء الذي أنهاه عن آخره دون أن يعي مذاقه الفعليّ، فقد كان تائها بين أهدابها الساحرة حينا وانعطافة شفتيها المسكرتين أحيانا!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- عمي، أنا مش عجبني حال سلمى.
تنهد رؤوف عميقا وهو يجيب شهاب بينما تابع الجد عبد الحميد الحوار الدائر أمامه دون أي تدخل منه:
- وأنا هعمل أيه يا شهاب يا بني؟.. أنت شايف بنفسك من ساعة ما اللي حصل وهي قافلة على نفسها بابها ومش عاوزة تشوف حد.
زفر شهاب بيأس في حين قال والده عثمان بحزمه المعروف:
- ما تواخزنيشي يا خويْ.. بس بتّك امزوداها حبتين.. واحد وعمره انتهى لحد إكده.. ديه أعمار وكله امجدر ومكتوب، واحنا ما عننساشي اللي عِمله واصل، هو حافظ على عرضنا وصانه، وعشان إكده أكبر صوان عيتنصب له احدانا..
xxxxلم يخبر شهاب والده أو الجد بحقيقة ما حدث، ولا يعلم أيّا كان بأمر مقطع الفيديو المسجّل لسلمى والذي كان بحوزة حمدان الذي قُتل يوم الحادث ليختفي أي أثر للفيديو بعد أن تحطم هاتفه يومها، وحدها أسرتها والديها وشقيقتها من علموا بالحقيقة، ولم يخبرهم سوى أنه ساعد في انقاذ سلمى من براثن العصابة وقد تلقى الرصاصة بدلا عنهاxxxx
قال الجد بجدية:
- مش كفاية يا عتمان يا ولديّ، ادبح عجلين ووكل الفوجرا بيهم، واتبرع بجرشينات تساعد بيهم في بنى الجامع الكبير اللي حدا البحر عشان تبجى صدجة جارية للمرحوم.
زفر شهاب بضيق وقال:
- كل داك ويس وجميل، بس مش هيخرج سلمى من اللي هيا فيه.
ليقاطع الجد الجدل الدائر قائلا بصرامة:
- رؤوف.. الولاد أديهم كاتبين بجالهم فترة طويلة، أني شايف اننا نتمم الجواز.. جولت إيه؟..
لتنفرج أسارير كلا من شهاب وغيث في حين ابتسم عثمان استحسانا لأمر والده المغلّف على هيئة اقتراح ولكنه أكثر الناس علما بالحاج عبد الحميد وأنه لم يكن يقترح بل... يأمر!
رؤوف بتردد:
- مش عارف يا حاج، بس مش مستعجلين شوية؟.. سلمى لسه ما خرجتش من اللي هي فيه.
عثمان باعتراض:
- كيف مستعجلين يعني يا ولد ابويْ؟.. العيال أداهم زمن عاجدين لهم على بعض، وافج يا راجل خلينا نفرحوا بيهم، خير البر عاجله.
نظر عبد الحميد الى رؤوف وقال في جدية:
- رؤوف يا ولدي أني خابرك زين، انت رايد تطمَّن على بتّك واتخرجها من اللي هيا فيه ديه، وأني بجولك انه أحسن طريجة اننا نتمم الجواز، صدجني ديه بس اللي عتخليها تنشغل بلوازم الفرح وتطلع من اللي هيّا فيه ديه.
همس رؤوف وكأنه يحدث نفسه بصوت منخفض:
- يمكن يا حاج، لما نشوف، عموما أنا هقولك وأشوف هتقول إيه.
عثمان باستنكار فلم يعجبه رد أخيه:
- أيه؟.. يعني ايه تشوف رأيها ديْ؟.. هو فيه بعد شور الحاج راي ولا ايه؟.. رؤوف يا خوي انت تجولها انه الحاج أمر انه الزواج يتم.
نظررؤوف الى الجد بتساؤل ليجيب الأخير بحزم وهو ينقل نظراته بينهم جميعا:
- بلِّغ بناتك يا رؤوف ان الجواز على هلال الشهر الجديد.. يعني بعد سبوعين تمام من انهاردِه!.. وديِه قرار جدهم عبد الحميد.. كبير العيلة!..
فأسقط في يد روؤف فهو أكثر من يعلم أنه إذا ما أمر الكبير بشيء.. فأمره واجب النفاذ!!



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:34 AM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


27

حدقت ثلاث أزواج من الأعين المذهولة برؤوف وهو يخبرهم بقرار الجد بتحديد موعد الزفاف، كانت سلمى أول من أفاق من دهشته لتتكلم بغير تصديق:
- إزاي يا بابا حضرتك توافق على حاجة زي كدا؟.. جدي على عيني وراسي بس تحديد معاد الفرح أعتقد دا شيء يخصني أنا وشهاب بالدرجة الأولى؟.. واحنا اللي نحدد الوقت المناسب لينا احنا الاتنين.
نظر اليها رؤوف بابتسامة صغيرة وأجاب وهو على علم بإجابتها مسبقا:
- ويا ترى ايه هو المعاد المناسب ليكي يا سلمى؟.. لأن شهاب موافق على قرار الحاج.
اضطربت سلمى قليلا لتجيب بعدها وهي تفرك يديها بتوتر:
- بصراحة يا بابا حضرتك عارف الظروف اللي مرّينا بيها اليومين دول، وعشان أكون صادقة مع حضرتك.. أنا مش هقدر أتجوز في المعاد اللي جدي حدده.
تحدثت ألفت بلهجة الأم الحانية:
- سلمى حبيبتي.. احنا كلنا عارفين ومقدرين حالتك النفسية وبالذات الظروف اللي انتي مريتي بيها، وأنا بصراحة في الموضوع دا شايفة ان جدكم معاه حق!.
نظرت اليها كلا من سلمى وسلافة باستنكار في حين ابتسم رؤوف لتردف مانعة أي منهما مقاطعتها:
- بالراحة بس قبل ما تتسرعوا في الكلام، انتي يا سلمى للأسف كنت فاكراكي أقوى من كدا، فين إيمانك يا بنتي؟.. " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".. صدق الله العظيم، أنا مقدرة حزنك على المرحوم، لكن ليه ما تبصيش من ناحية تانية؟... المرحوم في حكم الشهيد.. ودا جزاؤه كبير أوي عند ربنا، شوفي هو كان هيموت في ساعته دي ويومه دا، لكن مش يمكن كان يموت مع حامد رشوان؟.. يعني عاصي لربه؟.. لكن هو مات وهو بيدافع عن عرض وشرف، شوفتي ربك رحيم بيه أكتر من نفسه إزاي؟.. وبعدين الفرح دا الشيء الطبيعي بعد كتب الكتاب، لأنكم فعلا في حكم المتجوزين وأنا بصراحة ضد أن المواضيع دي تطول، صدقوني حبايبي.. بيحصل خلافات ومشاكل على أقل حاجة، فأنا شايفة أننا نتوكل على ربنا ولو أني حاسة اننا هنتزنق في الوقت، احنا لسّه ما جهزناش حاجة، أنا صحيح كنت بجهزكم من وانتم صغيرين لكن بردو فيه حاجات ناقصة، ايه رأيك في كلامي يا رؤوف؟..
أشاد رؤوف برأيها قائلا:
- عين العقل كلامك يا ألفت....، ثم نظر الى ابنتيه وتابع:
- شوفوا يا بنات.. أنا بصراحة مش شايف معنى أنكم رافضين، خصوصا وانكم ما قولتوش ايه هو المعاد اللي يناسبكم.. صح؟.. يعني أنا أفهم انكم تقولوا لا مثلا عاوزين على الاقل شهر نخلص فيه حاجتنا، لكن أنتم اعترضتم من غير ما تقولوا البديل، يبقى دا رفض لمجرد الرفض بقه ولا إيه؟..
سلمى بهدوء:
- لا طبعا يا بابا، بس بعد إذنك لازم نكون مهيئين نفسيًّا لحاجة زي كدا، أنا معاكي يا ماما في كل اللي بتقوليه بس أنا في الاول والآخر بشر مش ملاك، وأكيد بمر بلحظات ضعف.. بستغفر ربنا طبعا كل ما بييجي في بالي اني السبب في اللي حصل لأحمد، بس أنا نفسيا دلوقتي عاوزة أبعد وبس، عاوزة أنسى اللي حصل، وفي نفس الوقت عاوزة لما أبتدي جوازي أكون زي أي عروسة، بفرحة وأمل وأنا ملهوفة وفرحانه مش جوايا حزن وضيق!.. جوازي لازم يكون شيء أنا ملهوفة عليه مش دوا طعمه مر ولازم أخده عشان أخفّ!..
تنهدت ألفت بعمق ونظرت الى رؤوف وتساءلت:
- إيه رأيك يا رؤوف في كلام بنتك؟..
نظر رؤوف بهدوء الى زوجته وقال:
- سلمى ليها وجهة نظر طبعا تُحترم، بس عشان تكوني عارفة يا سلمى – ووجه تتمة حديثه الى سلمى – هو دا السبب تحديدا اللي خلّا جدك يستعجل في تحديد معاد الفرح!.. اللي قاله بالحرف الواحد لازم حاجة تخرج سلمى من اللي هيّا فيه، وطبعا ما فيش أكتر من حياة جديدة مع جوزك تبتديها وانتي كلك فرح وأمل وتفاؤل، عشان كدا أنا بضم صوتي لصوت جدك...
لتقفز سلافة هاتفة بانفعال:
- بس بعد إذنك يا بابا أنا مش موافقة..
زفر روؤف فهو يعلم مدى قلة صبر ابنته الصغرى وعنادها الشديد، تحدث رؤوف بهدوء نسبي:
- وأنتي رافضة ليه يا سلافة؟..
أجابت سلافة:
- بصراحة كدا يا بابا أنا مش عارفة ايه وجه الاستعجال؟.. أنا حاسة زي ما نكون بنجري حوالين نفسنا؟.. الموضوع من أوله وجري، جري، جري.. من لحظة ما خطبونا عشان نتفاجئ انه كتب كتاب وبعدين هوب.. هوب دلوقتي عاوزين فرح والحِجّة نفسية سلمى!....، لتوجه حديثها بعد ذلك الى سلمى مردفة:
- انتي يا بنتي إنتي نفسيتك هتتعدل بعد الفرح؟.. معقول!.. دا احنا بحالتنا دي عاملين زي اللي بينط في البحر وهو مش بيعرف يعوم!.. وبصراحة يا بابا حتى لو سلمى وافقت.. أنا رافضة.
رؤوف ساخرا:
- ولما تعرفي أن غيث موافق ومصمم انه الفرح يكون في المعاد اللي جدك حدده.. هتعملي إيه؟..
برقت عينا سلافة بعزم وقالت:
- أنا هتكلم معاه، فيها إيه دي؟!..
لتنفذ قولها في التو واللحظة وهي تستأذن بالانصراف متجهة الى الخارج حيث غيث، في حين نهضت سلمى وقالت بهدوئها المعتاد:
- بعد إذنك يا بابا.. أنا محتاجة أتكلم مع جدي عبد الحميد، بيتهيألي جدي لو اقتنع بوجهة نظري هو بس اللي يقدر يقنع الكل..
ثم انصرفت هي أيضا في حين نظرت ألفت الى رؤوف وقالت بابتسامة:
- البنات كبروا يا أبو البنات وكل واحدة فيهم عاوزة تتصرف بطريقتها هي.
روؤف بفخر أبويّ:
- سيبيهم يا ألفت، مع أني موافق الحاج في كل اللي قاله لكن ما تتصوريش وانا شايفهم وكل واحدة عاوزة تثبت وجهة نظرها أنا حاسس بالفخر إزاي، بناتي ليهم شخصية ورأي وبيفرضوا شخصيتهم دي على اللي قودامهم ولازم اللي يواجههم يعمل لهم ألف حساب، ويعرف أنهم مش عشان خاطر بنات يبقى مالهومش رأي ولا يبقى أؤمر تُطاع، وأنا متأكد انه الحاج هيقدر يِّفهمهُم كويّس ويقنعهم كمان.
----------------------------------
كان الجد يجلس في مكانه المفضل في الحديقة تحت سقيفة العنب حينما اتجهت اليه سلمى، سلّمت عليه مقبلة ظهر يده كما سلّمت على جدتها، رحب بها الجد مهللا وقال وهو يشير اليها لتجلس بجواره على الأريكة الخيزران:
- يا مرحب يا مرحب بالدكتورة، كيفك يا بنيتيّ؟.. ان شالله زينة؟..
جلست سلمى وأجابت بابتسامة:
- الحمد لله يا جدي ربنا يخليك.
قالت الجدة وهي تمد يدها بكوب الشاي للجد:
- فينك يا دَكتورة، جدتك ما اتوحشتهاش؟!..
أجابت سلمى بنفي قاطع:
- لا طبعا ازاي يا جدتي، معلهش أنا عارفة اني مقصرة بس..
ليقاطعها الجد رافعا يده باسطا راحتها:
- ما بسّش يا بنيْتي، انتي عمريكي ما تجصري إمعانا، انتي ولد الغالي، جدتك ما جصدهاشي حاجة.. انتي بس بتتوحشينا فبنبجى رايدين نجعودا إمعاكي..
أكدت الجدة قائلة:
- عندك حج يا حاج، انتي غالية حدانا جوي جوي يا بنيتي وربنا يعلم، غلاوتك أنتي وخيتِك وأُميكي من غلاوة ولدي رؤوف إسم الله عليه..
قالت سلمى بابتسامة:
- وحضرتك وجدي غاليين علينا أوي أوي يا جدتي.
نظر عبد الحميد بابتسامة ماكرة وقال وقد أخبره حدسه بسبب حضور حفيدته لرؤيته:
- إيه يا بنيتي، شايف حديت على وشّك.. خير يا دَكتورة؟..
سحبت سلمى نفسا عميقا قبل أن تلتفت بكليّتها الى جدها وهي تقول بهدوء نسبي شابه توتر ملحوظ:
- بعد إذنك يا جدي.. بابا قال لنا ان حضرتك قررت أنه الفرح يكون على أول الشهر اللي جاي، يعني كمان اسبوعين تقريبا كدا أن شاء الله..
نظرت اليها الجدة بتساؤل ولم تتكلم في حين ابتسم الجد وأجابها بحكمة:
- أول هام أني ما جررتش.. أني حددت!.. انتو عاجدين أديلكو أكتر من شهرين، ومش لساتكم عتعرفوا بعض، دا غير أنه العرسان جاهزين، يبجى إيه المانع انكو تتجوزوا وخير البر عاجله؟..
زفرت سلمى بعمق وقالت:
- اسمح لي يا جدي أنا هكون صريحة مع حضرتك... أنا يعني حضرتك عارف أكيد الظروف اللي مرِّينا بيها، أنا نفسيا مش قادرة أبتدي حياة جديدة، على الأقل دلوقتي، محتاجة وقت أجمّع فيه نفسي كويّس عشان لما أبتدي حياتي مع شهاب أبتديه وأنا عاوزة كدا مش عايزة أحس اني كنت مجبرة!..
قال الجد بحنكته:
- طب خليني إمعاكي يا دَكتورة.. دلوك أنتو مش كاتبين اكتابكم بجالكوم كم شهر؟.. واللي أنا شايفه يجول أنكم مش لسه عتتعرفوا على بعض، وحكاية الظروف اللي مريتي بيها ديّ عاوز أجولك انه هي الظروف ديْ اللي خليتني أنجز في موضوع الفرح، لأنه كيف ما جولتي انتي لازمن تطلعي من اللي انتي فيه ديِه.. وديِه مش هياجي غير لمن عجلك ينشغل بحاجة تانية خالص، بجوازك وحياتك الجَديدة، وبعدين يا بنيتي أنا خلاص العمر مبجاش فيه جاد اللي راح.. رايد أفرح بأحفادي جبل ما ربنا سبحانه وتعالى ياخد أمانته، تستكتري فيا الفرحة يا بنت الغالي؟..
هتفت سلمى نافية بحرارة:
- أبدا يا جدي، بعد الشر عليك، ربنا يديك الصحة وطولة العمر حضرتك وجدتي..
لتهتف الجدة بنزق:
- وبعدهالك يا حاج.. أني مش جايلالك ما تجيبيش السيرة ديْ تاني؟.. ربنا يعطيك طولة العمر ويجعل يومي جبل يومك جول آمين..
ابتسمت سلمى وأرادت إضفاء بعض المرح على الجلسة فقالت وهي تغمز جدها:
- اللاه اللاه.. أقوم أنا بقه، حاسة أني بقيت عزول وأنا مش واخدة بالي!..
لتصدح ضحكة الحاج فيما أنبتها الجدة قائلة:
- باه.. أنتي يا سلمى اتجولي إكده؟.. لو سلافة كنت جولت مش امهم اتعودنا على طبعها في الغشمرة.. لكن انتي...
قال الجد:
- عشان تبجي عارفة يا فاطنة سلمى عنديها خفة دم كيف سلافة تمام..
ضحكت سلمى وقالت:
- تسلم يا جدي، بس أنا ما أجيش في سلافة حاجة..
الجدة بحنان:
- ربنا يخليكو لبعض، المهم يا بنيتي دلوك.. وافجي يا نضري انه الفرح يبجى في المعاد اللي جدّك جال عليه، وعشان تبجي عارفة.. عمر جدك ما جال كلمة وحَدْ وجّعها الأرض واصل، لكن لانكم عنديه حاجة تانية فعشان إكده ما رايدشي يكون غصب عنيكي أنتي وأختك.
نظرت سلمى الى الجد وقالت بابتسامة:
- ما عاش ولا كان اللي يوقع كلمة ليك يا حاج عبد الحميد، بس أنا بعد إذنك ليا طلب صغير...
تبادل الجد والجدة نظرات التساؤل وسط ابتسامة فرح يخالطها الريبة!!..
----------------------------------------------------
اتجهت سلافة الى مكان وجود غيث في حظيرة الخيول حيث سألت عليه فأرشدوها الى مكانه، كان غيث يمتطي فرسا أسودا عربيّا ضخما يتريّض به في مساره حينما لمحها تقبل عليه من بعيد، فاتجه إليها ليقف بجانبها جاذبا لجام الفرس بقوة ليوقفه ليصهل الأخير احتجاجاً، نظر اليها من مكانه فوق صهوة الجواد وقال بابتسامة:
- ايه الصدف السعيدة ديْ.. يا ترى على فين العزم ان شاء الله؟..
ظللت سلافة عينيها بيدها وأجابته وهي ترفع رأسها لتتطلع إليه:
- أنا عاوزاك في كلمتين يا غيث.
قطب غيث وقد استشعر الجدية في كلامها، ليسارع بالترجل من فوق صهوة الفرس، ويمسك بلجامه قائلا:
- خير يا بنت العم.
سلافة وهي تنظر اليه وقد أنزلت يدها جانبا:
- خير ان شاء الله..
نادى غيث على السائس ليسلمه لجام الفرس ثم دفعها براحته فوق ظهرها بخفة ليوجهها الى السير الى منطقة مظللة بعيدا عن أشعة الشمس القوية وهو يقول:
- خير يا بت عمي؟.. جلجتيني..
وقفا أسفل شجرة سنديان ضخمة تميل بأوراقها حولهما، نظرت اليه سلافة وهي تحاول أن تشحذ قوتها ثم أجابت بما تملكه من ثبات:
- بابا قال لنا على قرار جدي بخصوص معاد الفرح..
قطب غيث وقد شعر أن تتمة حديثها لن تعجبه وقال:
- وبعدين؟..
لعقت شفتيها الجافتين بطرف لسانها الوردي لترطبهما وأجابت بعد أن سحبت نفسا عميقا:
- أنا مش موافقة يا غيث!.. من الآخر مش فاهمه إيه وجه الاستعجال بالظبط؟.. احنا مش مخطوبين بقالنا سنة ولا اتنين، احنا بقالنا كم شهر بس، ومن الآخر أنا مش جاهزة اننا نتجوز دلوقتي!..
ساد الصمت بعد انتهائها من حديثها الجاد والذي اصطبغ بنبرة تحد، عقد غيث ساعديه السمراوين أمام صدره وطالعها بنظرات مبهمة، فيما أشاحت هي بعينيها بعيدا عنه، كان غيث أول من خرق الصمت السائد قائلا بهدوء كالهدوء الذي يسبق العاصفة:
- طيب ممكن أعرِف يا بت عمي انتي هتبجي جاهزة ميتى بالظبط عشان جوازنا؟..
سلافة وهي تطالعه بثقة:
- بصراحة معرفش لسه يا غيث، لكن كل اللي أعرفه اني مش هقدر أتجوز في المعاد اللي جدي حدده، أصلا المفروض انه المعاد دا انا وانت اللي نحدده، احنا أدرى الناس بالوقت اللي هنكون مستعدين فيه!..
ابتسم غيث بسخرية قائلا:
- عجيبة!.. ما انتي لساتك يا بنت الناس عتجولي ما عاوزاشي دلوكيت خالص ومعرفش إيه، يبجى منين ديِه ومنين احنا اللي نحددوا امعاد الفرح؟.. وبعدين أنا جولتلك جبل سابج أنه متى ما اتطمنا على ليث والموضوع خولص بالسلامة اننا هنتمم الزواج، صوح ولا لاه؟..
شعرت سلافة بالتوتر وأن غيث قد حشرها في الزاوية بأسئلته المفرطة فهتفت بحدة:
- هو تحقيق ولا إيه يا غيث؟.. مش المفروض أنا العروسة؟.. يعني أنا اكتر واحدة لازم تكون موافقة على معاد الفرح، وانا بقولك يا غيث المعاد مش مناسبني، وقت قليل جدا وأنا لسه مش مستعدة!...
أسدل غيث ذراعيه بجانبه وقلّدها ساخرا:
- وميتى على إكده عتكون عروستنا مستعدة للفرح؟..
هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت بثقة وبرود علمت بعدها مدى خطئها في استفزاز غيث:
- من الآخر كدا مش قبل.. ست شهور!!..
ليهتف غيث عاليا:
- كيييف!!!!!!!!!، 6 شهور؟!!، انجنيتي إياك!!، ست شهور إيه ديْ!
واقترب منها في حين تراجعت هي عدة خطوات الى الوراء وهي تحذره شاهرة سبابتها أمامه:
- بقولك ايه يا غيث... اوعى تقرب مني، أنا مش نعجة انت شاريها من سوق التلات مالهاش رأي، أنا بني آدمة، وليا رأي, وموضوع جوازي دا ما يهمش حد أد ما يهمني أنا!...
وقف غيث أمامها لتصطدم بجذع النخلة خلفها فشهقة بخفة في حين مال عليا مجيبا باستهزاء واضح فيما عيناه تغشاهما نظرة خيبة الأمل الواضحة:
- معلهش يا بت عمي.. فيه طرف تاني إيهمه موضوع زواجك... – لتنظر اليه مقطبة بريبة فيتابع بنصف ابتسامة سخرية تشوبها المرارة – العريس!.. اللي هوَّ أنا يا... عروسة!..
حاولت سلافة امتصاص غضبه الواضح والذي تعبر عنه عيناه بوضوح فقالت:
- اسمعني يا غيث...
ليسارع بإمساك يدها التي كانت تشير بها اليه ليشبك أصابعهما سوية وهو يقول بجدية بالغة:
- لاه يا بت عمي.. اسمعيني أنتي، أنى كنت بأعد الايام لجل اليوم ديه ما ياجي، وجت ما جدي حدد المعاد كنت حاسس بجلبي كانُّه عيطير من الفرحة، خلاص ما بجاش غير أيام وتكوني امعايا، معتبعديش عن عينيا التنتيين واصل، كنت فاكر انك عتفرحي كيف ما اعملت، لكن واضح انه أني بس اللي كنت ملهوف عليكي يا بت العم.
استطاع غيث إشعارها بالذنب ليبدأ ضميرها في تأنيبها وتقريعها بعنف، فما حجتها القوية في رفضها معاد الزفاف، فسلمى تملك تبريرا مقنعا وهو حالتها النفسية السيئة، ولكن هي.. ما السبب الذي تملكه للاعتراض؟.. وبدلا من أن تصارحه بتخوفّها من اتمام الزفاف سريعا وهي لم تقض معه المدة الكافية التي تجعلها تعتاد طباعه جيدا إذ بها تتصرف وفقا لشخصيتها المجنونة وانفعالها الصبياني وترمي برفضها في وجهه لمجرد الرفض فقط كما سبق وواجهها أبوها بذلك!..
كانت تسترق النظر اليه بطرف عينيها بينما تعض على باطن شفتها السفلى في حين كان غيث يرنو اليها بطرفه وهو يعلم تماما فحوى الأفكار التي تدور في هذا الرأس الصغير العنيد، هو يعلم سلافة تماما كراحة يده، عرف أنها أبدا لن تأتي بسياسة الأمر الواقع، ليأتيها من ناحية أخرى.. ألا وهي تأنيب الضمير!.. ومن النظرات المترددة التي ترمقه بها وهي تحسبه غافلا عنها يكاد يجزم أنها تراجع نفسها بشأن قولها الأحمق ذاك الذي رمته في وجهه من أنها ترفض إتمام الزواج في الموعد الذي حدده الجد، أتمزح؟.. هو يكاد يصاب بنوبة قلبية من فرط فرحته لقرب زفافهما حيث يجمعهما مكان واحد، وهي تفكر كيف تقنعه بأن يؤجل معاد الزفاف، تبّا له ألف مرة لو وافقها على جنونها، ولتحمد ربها أن الجد قد قرر الموعد في غضون أيام، فلو لم يتدخل أحد في ذلك لكان سارع هو بالالحاح في اتمام الزفاف ولو اعترض أحد لكان خطفها تماما كما فعل في السابق كي يقنعها بالارتباط به، فمن الواضح أنه أمام سلافة لا يوجد حلّا آخر سوى اختطفاها!!!.. حيث يطير منه عقله الراجح والذي يتصف به ليحل بدلا منه بعضا من جنونها اللذيذ، وكم يحب هو هذا الجنون الذي يضفي على حياته الراكدة بهجة لا تقاوم!..
تحدثت سلافة وشعور الذنب يزداد بداخلها:
- غيث أنا مش عاوزاك تزعل مني، غيث أحنا ما لحقناش نتعود على بعض، أحنا محتاجين وقت نعرف بعض فيه أكتر و...
ليقاطعها وقد ترك يدها ليمسك بوجهها بغتة ويحيطه براحتيه الخشنتين فيما يميل عليها ليتيه بين دخاني عينيها هامسا بخشونة:
- نتعودوا على بعض؟.. فِكرك أني لحد دلوك معرفتكيش يا بنت عمي؟.. أني ما فيش حاجة فيكي الا وحفظتها، عارف ميتة بتكوني غضبانة من عجدة حواجبك وزمّتك الـ خشمك كيف الصغار، عارف ميتة بتكوني فرحانه وعيونك بتتفطط تفطيط من فرحتك، عارف ميتة بتكوني رايده حاجة وتجعدي اتلفي عليها وكان اللي جودامك ديه مش عيفهم إنتي رايده إيه؟.. سلافة.. أني لو اختبروني فيكي عاخد الدَّكتوراة وبامتياز كومان!...
كانت سلافة تطالعه بانبهار طوال حديثه، فيما حمرة جذابة انتشرت في وجهها كله حتى منابت شعرها ما جعل وجهها آية في الجمال، وشعرت بدقات قلبها وهي تطرق عاليا، لم تكن تعتقد أنها قد أصبحت كالكتاب المفتوح بالنسبة لغيث هكذا، ربّاه.. أنّى له أن يعلم عنها كل هذه الأمور الدقيقة وبمثل هذه السهولة والوضوح؟.. هي تشعر به وقد أصبح أقرب اليها من أنفاسها، انتبهت من شرودها على ضغط ذراعيه اللتان تسللتا اليها ليحيطا بخصرها الدقيق فيقربها اليه بينما مال عليها لتلفحها أنفاسه الحارة وهو يتساءل فيما تتيه هي في فحم عينيه المشتعل:
- لسّاكي برضيكي جلجانة من جوازنا يا حبة الجلب؟..
تاهت في عينيه، لترد بهزة نفي بسيطة من رأسها وكأنها منومة مغناطيسيا، ولكن هزة النفي هذه كانت أكثر من كافية لغيث ليسارع باحتوائها بين ذراعيه يود إدخالها بين ضلوعه وهو يهتف بحرارة:
- بحبك يا جلب غيث...، ولم يمهلها الرد إذ سارع باقتطاف ثغرها الوردي في قبلة طويلة عميقة أودعها حبه وعشقه اللامتناهي لها، حتى أذ تركها لتستطيع التنفس همس لها وهو يسند ذقنه الغير حليق الى جبهتها فيما يحاول جاهدا التقاط أنفاسه الثائرة:
- هاعد الايام بالساعة والدجيجة لحدت يوم الفرح، وربنا يصبرني اليامين دول..
لتسارع بدفعه بخفة وتجيبه وهي تبتعد عنه بخطوات رشيقة:
- اعمل حسابك انك مش عتشوفني واصل اليامين دول، عن إذنك يا ولد عمي..
لتسارع بالابتعاد فيما ينادي عليها ليقف مراقبا ظلها إلى أن اختفى فابتسم وهمس:
- مجنونة، بس بموت في اجنانك..، ليقطب فجأة ليستوعب الآن فقط كلمتها من أنه لن يراها لحين موعد الزفاف فيسارع بالركض خلفها وهو يهتف:
- تعالي إهنه، كيف مش عشوفك يعني؟... وجفي يا سلافة!..
وسارع بالركض خلفها بغيّة اللحاق بها.....
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
وقفت ووجهها بلون ثمرة الفراولة الطازجة، أشار اليها ليث بسبابته لتقترب، عضت باطن خدها بينما تقترب بوجل، أشار الى صدره العار وهو يقول بمرح مشاغب مفتعلا الجدية:
- يعني انتي دلوك مش عتغيري ع الجرح؟.. خلاص أشيع الواد صابر يجيب ممرضة من المشتشفى، دام انك مش رايدة اتغيري لي عليه...
قطبت بشدة فيما طار خجلها أدراج الرياح وهي تسمع اقتراحه الوقح هذا، لتقترب منه وتتناول الحقيبة التي تحتوي على أدوات غيار الجرح هاتفة بخشونة:
- باه.. ممرضة؟.. لاه يا نضري.. عغير لك أني....
ودفعته في كتفه بقوة ليقع جالسا فوق الفراش خلفه وهو يهتف باستنكار، فيما شمّرت عن ساعديها وبدأت في تنظيف الجرح واستبدال الرباط الطبي بآخر نظيف، كانت أنفاسها اللاهثة تلفحه وهي تقوم بربط الشاش الطبي، بينما تتابعها عيناه كالصقر وما أن انتهت وقد ألصقت اللاصق الطبي بنجاح حتى هتفت بظفر:
- اهاه... ولا أجدعها اممرضة تعرف تعمل اللي أني اعملته.
ما ان أنهت عبارتها حتى سارع بإحاطتها بذراعه ليرفعها فوقه بينما يميل فوق الفراش خلفه فشهقت بعجب ليدفعها بخفة وبحركة خفيفة لتحل مكانه هي فوق الفراش فيما يشرف هو عليها بينما رائحتها الأنثوية الخاصة تُسكره فيهتف بعد أن نفذ صبره تماما بحرارة قوية:
- وأني جبت آخر يا سلسبيلي..
همّت بالكلام ليُسكتها مبتلعا كلماتها.. معتصرا فمها في قبلة حارة تحوّلت تدريجيًّا إلى عناق طويل، عنيف،متطلب، حيث أبحرا الى عالم عشقهما العميق ليغوصا فيه وقد تشبثا ببعضهما البعض وكأن حياة أحدهما تتوقف على حياة الآخر!..
بعد وقت طويل كانت سلسبيل تفترش برأسها صدر ليث، همس ليث بخشونة وهو يقبّل قمة رأسها:
- عارفة يا سلسبيل.. – اكتفت بإصدار صوت همهمة صغيرة فتابع بابتسامة جذلى – نفسي اتدنيكي بين دراعاتي إكده، لو طولت ما عسبكيش اتفارجيني دجيجة واحدة، عمري ما حسيت بالسعادة إكده، سعادتي في وجودك جنبي وجصاد عيني يا سلسبيلي.
رفعت سلسبيل رأسها وطبعت قبلة رقيقة على ذقن ليث الخشن قبل أن تهمس برجاء من عسل عينيها المصفى:
- ليث فيه حاجة رايدة عسعلك فيها..
هبط بعينيه اليها وقال بابتسامة:
- اسعلي يا بت عمي..، تساءلت برجاء هامس:
- انت فعلا كان جوازك من بت الفرطوس ديْ ع الورج إو بس!
زفر ليث بضيق فاعتدلت في رقدتها لتنهض على ساعديها وقالت وهي تميل فوقه ناظرة اليه ترجوه بعينيها فيما توسدت يدها صدره فوق خافقه تماما وهي تردف باستعطاف:
- طمّني يا ليث، أني عجلي هيشت منّي، انت فعلا ما جربتش منيها واصل؟..
زفر ليث بضيق قبل أن ينظر اليها وهو يجيبها بجدية:
- سلسبيل من ميتة وأني بكدب في احاجة؟.. لو كان ديِه حوصل ما عاخفيش منيكي وعجول حوصل، لكن أبدا عمري ما لمستها خير.. شر، اطمّنتي؟.. أني بس بدي أعرِف ليه سؤالاتك ديْ، أنتي إكده بتكدبيني يا بت عمي.
لتسارع بوضع راحتها فوق فمه وهي تشهق معترضة:
- لا عِشت ولا كونت يا نضر عيني، أني بس.. أصلها....
حثّها ليث على التكملة قائلا:
- أصلها إيه كمّليْ..
هتفت بحنق وهي تدير وجهها جانبا:
- حلوة جوي يا ليث ومتغندرة إكده وشايفه نفْسَهَا، ديه غازيّة يا ولد عمي يعني تِعرف كيف اتجيب الراجل ليها، وأني.. بغار يا ولد عمي، بتجيد فيا النار كل ما ياجي ببالي انه ممكن واحدة تانية إتفكر فيك ولو بينها وبين نفسيها!..
صدحت ضحكة ليث عاليا فضربته سلسبيل بقبضتيها الصغيرتين فوق صدره وهي تهتف باستنكار:
- عتضحك عليّ يا ليث، طيب وخّر عنِّي، أني عاوزة أجوم من إهنه..
ليحاصرها بذراعيه وهو يقول فيما يضغطها أقرب اليه:
- أوخّر؟!.. مجنونة إنتيْ!.. أوخّر كيف وأني ما صدجت انك تحسي بجلبي؟.. أهملك كيف وانتي بتجولي انك بتغيري علي، يعني بتحبيني؟.. أفوتك كيف وانتي في الموكان اللي يا ما حلمت اتكوني فيه؟.. جاري إهنه، بين يدِّيني التنيين، تجومي تجولي بعّد؟!.. وبعدين فيه حاجة غلوبت أجولك عليها وأعيد وأزيد فيها... كل الحريم إف كفة وانتي لوحدك إف كفة، وبرضيكي كفّتك انت الرابحة يا سلسبيلي، لأنك خدت جلبي امعاكي من زمان، من وجت ما كونتيْ بضفيرة وبتجري حواليّ، سرجتيه يا سلسبيل وما عاودش موطرحه إلا لمن اتزوجتك وبجيتي مَرَتيْ، وجتها بس حسيت انه جلبي رد لي تاني، إوعاكي اتحطي نفسيكي في كفة واحدة مع أي حرمة تانية، مرت الليث مالهاش زيّ وما فيش ضوفر حرمة تانية تسواها.
لتغشى عينيها طبقة شفافة من الدموع وقد لمست الصدق في كلماته وهمست بصوت متحشرج:
- بحبك يا ولد عمي، ربنا ايخليك ليّ يا ليثي، وما عيحرمني منيك واصل..
زادت دقات قلبه وهو يسمع اعترافها اللا مشروط بحبه ومال عليها متمتما بصوت أجش:
- بجول إيه.. ما تاجي انكمل الحديت اللي كنا بنجوله من إشويْ.
لتعض على باطن خدها وتهمس بخجل يلون وجنتيها:
- احنا كنا بنجول إيه؟.., ليهبط عليها هاتفا بخشونة:
- بسيطة.. عفكرك جوامك!!!!!!!!!!!!....
xxxxليراجع معها ليث كلما سبق وأن قالاه وبالكلمة والحرف الواحد.. (فيس بيرقّص حواجبه وبيغمز بمكر)xxxx
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
دلفت سلمى الى غرفة الجلوس وهي تمسك بمرفق جدها، لتجد الجميع وقد اجتمعوا، ألقى الجد السلام، فيما اتجهت الجدة الى المطبخ لتأمر الخادمة بإحضار الشاي وقطع الكعك البيتي الذي كانت قد صنعته ألفت في وقت سابق، جلس الجد ليحذو الباقين حذوه وكانوا قد قاموا احتراما له، انخرط الجميع في أحاديث جانبية لينتهز شهاب الفرصة ويميل على سلمى التي جلس بجوارها هامسا:
- مبروك يا عروسة، فرحنا بعد أسبوعين، جهزي نفسك، عشان تبقي تقوليلي عاوزة تسافري #مصر، انسي.
نظرت اليه بخبث وهي تقول بهمس مماثل بإغاظة وابتسامة استفزاز أثارت ريبته تعتلي فمها الصغير:
- ومين اللي قال ان شاء الله أني مش هسافر؟..
شهاب بثقة:
- جدي!.. أنا متأكد أنه مش هيوافق، ولا هتعملي حاجة من وراه؟..
رفعت سلمى حاجبها بتحد وهي تجيبه بصوت منخفض:
- لا طبعا، بس مين اللي قال لك أنه مش هيوافق؟..
قطب سائلا:
- يعني إيه؟..., نظرت اليه بتحد قبل أن تثير انتباه جدها قائلة بنعومة:
- انت موافق يا جدي على كلامي صح؟..
ليقول الجد هاتفا بتأكيد:
- واكيد يا بتّي...، ليلتفت الى سلافة وهو يشير اليها لتقترب، فنهضت واتجهت اليه لتجلس بجواره من الناحية الأخرى فيحتويها بذراعه قائلا بابتسامة:
- كيفها حبيبة جدها؟.. يعني لا بتتحدتي ولا بتهزري كيف ما كونتي، إيه فيه حاجة مزعلتك يا حبيبة جدك؟..
سلافة بنفي قاطع وهي تحيط عنق جدها بذراعيها وبدلالها الطفولي أجابت:
- لا طبعا يا بابا جدو، ربنا ما يحرمني منك أنت وماما ستو..
وقبلت لحيته البيضاء لتعلو ضحكات الجد فيما أردفت سلافة بجدية زائفة:
- هو طبعا موضوع الفرح دا بس...
ليقطب الجد متسائلا فيما أمسك الباقين أنفاسهم بينما عض غيث على قبضة يده ناظرا لها بلوم لتكمل بمكر:
- لكن والله ما هي راجعة، بقه جدو حبيبي يجول كلمة ومعتمشيشي؟.. تمشي على رجابينا كلّاتنا يا كَبيرنا..
لم يستطع الجالسون كتم ضحكاتهم التي صدحت عاليا في حين كانت الجدة تدلف وهي تقول بابتسامة واسعة:
- ما تضحكونا امعاكم...
أجاب الجد وصدى ضحكته لا يزال في صوته:
- عجولك إيه بس يا أم عتمان، بنت ولدك رؤوف رجعت الضحكة للدار إهنه من تاني، الحمد لله أني كنت عامل إحساب اليوم اللي عيتزوج فيه غيث وشهاب وبنيت لهم كل واحد منيهم دور كامل فوجينا، عشان ميهملوناشي واصل..
ابتسم الجميع إلا واحدة.. كانت ابتسامتها صفراء بينما الغل والكراهية والحقد يتأكلآنها من الداخل.. لتعكر صفو الجلسة المرحة بقولها الخبيث الذي هبّ عليهم كريح خبيثة:
- وانت ان شاء الله ما كونتيشي رايدة الفرح ايكون في المعاد اللي حدده جدّك ولا إيه؟.. غريبة.. البنتة كلاتها ما بتصدج تتزوج، وانتي إيه.. لا يكون ولدنا مش عاجبك!..
ليصمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير، فيرمقها عثمان زوجها بنظرات غضب نارية، بينما تحدجها الجدة بسخط، وينظر اليها غيث وشهاب بلوم، فيما تتبادل ألفت مع رؤوف نظرات ريبة وقلق من حماة ابنتيهما المستقبلية، وأخيرا لينظر اليها الجد بغموض، لتكون سلافة أول من خرق الصمت فتجيب بابتسامة استفزاز أثارت غيظ راوية وحنقها:
- بس أحنا مش أي بنات يا طنط – مشددة على كلمة طنط وهي تمط شفتيها- احنا بنات روؤف الخولي.. اللي طول عمرهم حلم لأي واحد.. لا احنا خايفين نعنس ولا يفوتنا القطر، يعني من الآخر ولاد عمنا أكيد ماما ستو داعيالهم في ليلة القدر أنهم يناسبوا عيلة الخولي.. أكبر عيلة في البلد.. صح يا ماما ستو؟..
xxxx متجاهلة عن قصد ان تقول ان أمهم هي التي دعت لهم فهي تعلم تماما ان امهم ابعد من ان تدعي تبلك دعوة وايضا كي تثير غيظها أكثر وأكثر لعلها تموت حسرة وكمدا العجوز أم منقار تلك!!xxxx..
كان الجد من أجاب وقد أُعجب بسرعة بديهة حفيدته والتي كان لاندفاعها في هذه اللحظة الفائدة في تحجيم تلك العقربة الحيزبون:
- صوح يا بنت الخولي، بناتنا هديّة ما عندّيهاشي إلا للي يستحجّها، ومافيشي غير أولاد الخولي اللي يستحجُّوا بنات الخولي..
ثم عمد الى تغيير الحديث مردفا للجدة:
- فينو الشاي يا أم عتمان..
ليقاطعه دخول الخادمة بصينية الشاي، لتمر بين الجالسين لتقديم الشاي وقطع الكعك، وبعد انصرافها قال الجد بهدوء:
- عتسافروا ميتة يا رؤوف يا ولدي؟..
ليسعل غيث وهو يرتشف الشاي بينما ينزل شهاب قدح الشاي الذي كان على وشك الاحتساء منه فيما يجيب رؤوف بهدوء:
- الصبح ان شاء الله يا حاج، يدوب عشان نلحق نخلص اللي ورانا..
قطب عثمان فيما استمع غيث وشهاب الى سؤال والدهما:
- عتسافروا يا خويْ؟.. ليه؟..
أجاب رؤوف بابتسامة:
- عشان البنات يلحقوا يجهزوا حالهم يا أبوغيث، فرحهم قرّب.. انت ناسي؟..
لتميل سلمى الى شهاب الذي كان يحدق في وجه عمه مدهوشا وتهمس له بمكر:
- عرفت بقه أني بردو هسافر وبموافقة جدي نفسه، بالعكس بقه.. دا اقتنع على طول أول ما قلت له أننا لازم نسافر عشان نلحق نجهز اللي عاوزينه، عشان.. الفرح يا ابن عمي..
قبض بقوة على قدحه حتى كاد يُكسر، ثم وضعه جانبا قبل أن يلتفت اليها وهو يهمس من بين أسنانه:
- أنتي بتردهالي يا سلمى؟.. طيب إيه رأيك بقه.. رجلي على رجلك، وابقي امنعيني أني آجي معاكي!!!!
لتحدق فيه فاغرة فاها غير مصدقة لما قاله هذا المتهور!.. كيف بالله عليه سيرافقهم في سفرهم، هي تريد فسحة من الوقت لتعتاد على فكرة زواجهما المرتقب وهو لا يريد إعطائها حتى هذه المساحة الضيقة من الحرية، وحانت منها نظرة استنجاد الى الجد والذي أدرك بفطنته أن حفيده لن يسلّم بسهولة بأمر سفرها، وكأن حدسه قد أخبره أنه قد يقدم على عملا مجنونا كاللحاق بها فعلا صوته آمرا:
- وانت يا غيث أنت وشهاب..
ليلتفت الجميع الى الجد الذي تابع:
- عاوز فرح سبع ليالي، عاوزكم تدعوا الكل، ديِه فرح أحفاد الخولي، انت يا غيث تخلّص شغل الديوان وانت يا شهاب شوف المزرعة ناجصها إيه انتو بجالكو وجت طويل بعيد ان أشغالكم عشان تتفرغوا للعرايس..
قبض شهاب على يده في حنق بينما ألقت سلمى الى جدها بنظرة شكر، فيما نظر غيث الى سلافة التي رفعت حاجبها بإغاظة له ليرمقها بنظرة متوعدة وحدها تعلم معناها...
كانت راوية تجلس تراقب النظرات المتبادلة بين ولديْها وابنتيْ عمهما، لتهمس بشرِّ في نفسها:
- كانك لعنة يا ألفت أنتي وبناتك وصابت رجالة عيلة الخولي، ما في راجل في العيلة إلا وطويتوه تحت اجناحكم، لكن اوعاكي تفتكري أنك نجحتي يا ألفت أنتي وبناتك وعتاخدوا الكل في صفكم، أني ليكي يا ألفت بالمرصاد، ما أكونش أني راوية أما خليت أعيالي يخلصوا منيكي الجديم والجديد، بناتك عتدفع التمن يا ألفت، وديه عهدن عليْ!...
وبرقت عيناها بشرِّ مستطير، ولكن لم يغب ذلك البريق الخبيث عن عيني الجد اليقظتين، وفي وقت لاحق نادى عثمان ابنه بعد أن انصرف الجميع، ليطلب منه الجلوس إليه، ثم نظر اليه قائلا بحزم وهو يستند الى عصاه العاجية:
- عتمان يا ولدي.. عتبتك مايلة... إعدلها!!..
قطب عثمان لبرهة.. ثم احمرت أذناه خجلا من والده وحنقا مما قصده من أفعال زوجته وإهانتها المستترة لابنتيْ شقيقه فأجاب:
- ولا يهمك يا حاج...، ثم انتفض واقفا وهمّ بالذهاب حينما أردف الجد بحكمة وجدية:
- جَوِّمها يا ولديْ.. لكن حاسب تِكْسِرْها، وخلِّي بالك... ديِه المرة التانيّة.. والتالتة.. تابتة يا عتمان... لو ما عرفت تجَوِّمها.. يبجى مالهاش غير أنك... إتغيّرها!!!!!!!



- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:34 AM   #30

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


28

استعدت عائلة رؤوف للعودة الى القاهرة لاستكمال تجهيز العروستيْن، لن تنسى سلمى رسالة شهاب التي أرسلها على هاتفها المحمول وذلك بعد أن لازمت غرفتها إثر انتهاء حديث الجد معهم بشأن الفرح، فقد آثرت الابتعاد عن شهاب وهي تعلم تماما أنه سيصب جام غضبه عليها لأنها كان قد سبق لها وأن صارحته برغبتها في العودة الى القاهرة وهو رفض وبشدة، لتحين لها الفرصة ما أن حدد الجد موعد الفرح وبموافقة ومباركة الجد نفسه كانت العودة للقاهرة!...، فتحت الرسالة لتقرأ كلماته وهي تتخيل منظره العابس وهو يكتبها:
- عملت اللي في دماغك بردو يا دكتورة؟.. ماشي.. هتروحي مني فين؟.. الحساب يجمع يا عروستي... وخلِّي بالك أنا مش بسيب حقي أبدا!!...
لتبتسم وتضع الهاتف جانبا دون أن تكلف خاطرها إرسال الرد وعلى الجهة الأخرى علم شهاب حينما مر وقتا طويل بعد ارساله لرسالته ولم يتلق أي رد أنها قد امتنعت عن الجواب، فابتسم ابتسامة خبيثة وهو يقسم بوعيد أن غدا لناظره قريب!..
في حين كانت سلافة ملازمة لجدها طوال اليوم فلم يستطع غيث الانفراد بها، وكأن الجد قد فهم أنها تتعمد الهروب منه فأسند إليه بعض الاعمال التي تشغله طيلة اليوم فلم يستطع الحديث اليها، ليهاتفها ليلا وكانت قد استعدت للخلود الى النوم حينما دق هاتفها الشخصي ليطالعها اسم غيث، ابتسمت وهي تجيبه فيما صوتها كان خالطه خدر النعاس:
- أيوة يا غيث...، كان غيث قد انتوى التحدث اليها بفظاظة ما ان يسمع صوتها ولكن هذا الصوت الانثوي الناعس الذي أجابه جعل نواياه تطير أدراج الرياح، ليبتلع ريقه بصعوبة وهو يقول:
- أني صحِّييتك؟...، نفت بصوت ناعس:
- لا بس كنت خلاص هدخل في النوم..
نطق غيث بسخرية طفيفة:
- اييه، كنت فاكرك مش عيجيلك نوم الليلاديْ بعد ما جدي وافج على سفركم إلـ #مصر؟..
تعلم سلافة تماما أن هذا الأمر ليس على هوى غيث، ولحبها الدائم لاغاظته واخراجه عن طوره فبهذه الطريقة تشعر أنه انسان حقيقي يتفاعل مع من حوله وليس ذلك الانسان البارد الذي قتلها بروده في أول اقامتها هنا، فأجابت وهي تتمطى في الفراش بدلال فيما صوتها يشوبه مكر أنثوي لم يفطن إليه غيث:
- طبعا يا ابن عمي، #مصر وحشتني اوي وبيتنا واصحابي، وبعدين السفر ان شاء الله هيكون بكرة الصبح فلازم أنام بدري عشان أصحى فايقة..
هتف غيث في ذهول وهو ينظر أمامه محدقا بقوة:
- باه، لا هو انتوم هتسافروا الصبح اكده على طول؟..
كان النوم قد بدأ يداعب جفون سلافة فلم تنتبه لنبرة غيث الغاضبة وأجابت بصوت تائه صغير:
- أومال على عرض يا غيث؟.. يدوب عشان نلحق نجهز نفسنا ونعزم الناس.
قطب غيث قائلا بصرامة:
- سلافة.. اتكلمي زين، معينفعش تتمسخري على جوزك يا بت عمي، أجولك طول تجوليلي عرض!... ديه اللي ناجص، جوصره... هو سَبووع واحد بس، تخلِّصوا فيه حاجاتكم ودانتكم راجعين طوالي، ولا أجولك.. أني هاجي لكم عشان ترجعوا أحسن.. سلافة.. ألو... سلافة...
ولكن سلافة لم تجيب فقد كانت في تلك اللحظة تأكل أرز مع الملائكة كما يقولون وقد غلبها النوم!... ابتسم غيث بشرود بعد أن تناهى إليه صوت همهمات بسيطة علم منها أن سلافة قد نامت، فهمس بصوت خشن:
- نوم العوافي يا بت عمي، تصبحي على خير..
وأنهى المكالمة مغلقا الهاتف..
ودّع رؤوف وأسرته أفراد عائلته، وشدد الجد عليه أن يكون هنا بعد سبعة أيام تماما حيث سيبدأ الاحتفال بفرح أحفاد عبد الحميد الخولي كبير كفر الخولي، وستمتد الاحتفالات الى سبعة أيام أخر وسبعة ليالي....
بعد أن سلّم شهاب على عمه وزوجته اقترب من سلمى ووقف أمامها قائلا بسخرية:
- خلي بالك من نفسك، جدي قال اسبوع بالظبط وتكونوا هنا، وصدقيني اسبوع وخمس دقايق مش مسموح، أظن واضح؟..
أومأت سلمى بالايجاب قائلة بهدوء:
- ما تقلقش، بابا طالما أدى كلمة لجدي يبقى خلاص.. أشوف وشك بخير..
ومدت يدها للسلام عليه، ليقبض على راحتها الصغيرة في يده الخشنة ويقربها اليه ليغرق في غابات الزيتون الخاصة بها ويهمس بحشرجة:
- أشوفك بخير، ليميل عليها بغتة مختلسا قبلة من وجنتها الناعمة جعلتها تشهق بنعومة وترتد الى الخلف فيما تتجول بعينيها في وجل خوفا وخجلا من أن يكون أيّ من الواقفين قد لاحظ فعلته المتهورة!.. لتتنفس الصعداء فالجميع مشغول بتوديع أسرتها الصغيرة...، سحبت يدها من يده وهي تشيح بوجهها الذي تخضب بخجل متجهة الى والدها، فيما صافح غيث عمه ثم أمسك بمرفق سلافة وهو يقول لعمه بابتسامة:
- معلهش يا عمي، عجول كلمتين لبت عمي..
ثم سار بها قليلا حتى يبتعد أن أسماع الباقين ووقف أمامها يطالعها فيما شتت نظراتها هنا وهناك وهي تنتظر أن يبدأ هو بالحديث، وعندما لاحظت أن صمته قد طال بادرته قائلة ببراءة مصطنعة:
- أنا طبعا عارفة أن الجو حلو والسكون ما فيش أحسن منه، لكن المشكلة أنه ورانا سفر، فلو ممكن تنجز في السريع يبقى كويس، أو أمشي أنا وخليك أنت اتملّا من السكون دا براحتك!..
تحدث غيث أخيرا ببرود قائلا:
- يعني ما عارفاشي أني عاوز أجول إيه؟..
هزت كتفيها علامة الجهل وهي تجيبه ببساطة:
- وأنا هعرف منين؟....، زفر بضيق وأجاب وهو يحاول تمالك نفسه:
- ليه ماجولتليش من البارحة انكو عتسافروا انّهاردِه؟.. أني اعرفت بالصدفة لمن حادتك في الليل وحضرتك كنت نايمة.
سلافة بطبيعية:
- عادي يا غيث، طالما جدي وافق على المبدأ نتأخر ليه؟.. وبعدين هو أنا شوفتك امبارح انت طول الوقت كنت مشغول..
غيث بصوت مكتوم:
- والتَّلفون عِملوه ليه؟..
سلافة وهي تتظاهر بالتفكير في الجواب واضعة سبابتها فوق ذقنها تربت عليه مقلدة لهجته الصعيدية:
- اممم.. عِملوه ليه؟.. بصراحة.. ما اعرفشي يا وِد عمي، عبجى أفكّر في جواب السؤال ديه بعدين، أفوتك أنا دلوك عشان اتعوجت إكده...
وهمت بالانصراف من أمامه حينما شدتها قبضة قوية خلف أجمة فنظرت اليه متسائلة بدهشة:
- أيه يا غيثـ....، ليسكتها بقبلة نارية قصيرة، تركها بعدها وهو يلهث هامسا:
- تصبيرة لغاية الفرح...
احمرت وجنتيها وأسرعت للحاق بعائلتها حيث صعدت الى سيارة العائلة التي قادتها سلمى وسط نظرات الاعتراض من شهاب الذي عرض على عمه أن يقوم بإيصالهم ولكن عمه رفض شاكرا معللا أنهم سيكونون في حاجة الى السيارة لقضاء مصالحهم، كما أن سلمى سائقة ماهرة!... ، ليقف الآن ينظر الى الغبار الذي تركته سيارتهم خلفها مقطبا جبينه وهو يشعر ولأول مرة بطعم الشوق لحبيب غائب!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
انتهت ألفت وبناتها من تنظيف المنزل بمساعدة زوجة الحارس، ثم قام رؤوف بطلب غذاء لهم من المطعم عن طريق خدمة التوصيل، بعد أن اغتسلوا جميعا كانت ألفت في غرفتها هي ورؤوف عندما تكلمت لأول مرة في هذا الأمر الذي يؤرقها وبقوة!..
- انا قلقانة بجد على البنات يا رؤوف، مرات أخوك ربنا يهديها مش سهلة..
رؤوف والذي كان يحتسي كوب الشاي:
- ولا يهمك يا ألفت، شهاب وغيث رجالة بجد، وشاريين البنات، وهي زي ما أنتي شوفتي من نظرات الحاج ولحاجة ليها عارفين يلجموها تمام..
ألفت بقلق:
- انت عارف أكتر حاجة مخوفاني إيه؟.. سلافة!.. سلمى عاقلة وهادية ما شاء الله عليها انما سلافة مطيورة..
رؤوف بهدوء:
- لكن غيث عاقل وراكز، ما تخافيش غيث هيعرف يتعامل مع الاتنين ازاي، وبعدين انتى مش بتقولي انها جات سلمت عليكي الصبح قبل ما نمشي؟..
زفرت ألفت بيأس قائلة:
- جات وهي مغصوبة يا رؤوف!.. الحاجة فاطمة تقريبا كانت شبه بتجرّها غصب عنها عشان تيجي تقولي كلمتين اتنين وهي بتنطقهم كانت زي اللي بيسحبوا منه الكلمة بالعافية.. تروحوا وترجعوا بالسلامة، وأنا متأكده انها من جواها كانت بتتمنى انها ما تشوفش وشّنا تاني..
انتقل قلق ألفت الى رؤوف الذي حاول بث الاطمئنان الى زوجته داعيا الله بحفظ بنتيْه:
- ما تشغليش بالك يا ألفت، احنا طيبين وبناتنا طيبين عشان كدا ربك مش هيسيبهم، أخويا عثمان راجل وربّى رجالة بصحيح، أنا مش هطمن على البنات الا مع ولاد أخويا...
لتنهد ألفت بعمق هامسة:
- ربنا قادر يخلف ظني...
مرت الأيام سريعا، لم يكف هاتف كلا من سلمى وسلافة عن الرنين، كان شهاب وغيث وكأنهما قد اتفقا على صنع حصار شديد لهما، قابلته سلمى بهدوئها وبرودها المعهود أما سلافة فكان تشعر بالحنق من حصار غيث لها والذي أطبقه أكثر وأكثر حولها حين هاتفها وكانت في عملها السابق تدعو زميلاتها الى حضور الفرح ليشاء حظها العاثر أن يخاطبها زميل لها بصوت عال وصل إلى أسماع غيث وهو يقول:
- سولي.. احنا طبعا كمان معزومين، الفرح للصنفين مش كدا؟..
لم تنتبه سلافة الى اصمت غيث الغريب على الجهة المقابلة من الهاتف وأجابت زميلها بتلقائية مرحة:
- أكيد يا سامي، انتو كلكم تشرفوا...
ليهتف سامي بمرح:
- ما أوصكيش على اللحمة.. عاوز هوبر لحمة هوبر!..
لتضحك سلافة قائلة:
- يا سلام، وما أكتر اللحمة عند الحاج عبد الحميد، أوزي بحاله ليك يا كابتن...
ليلوح اليها ساني بيده منصرفا فتنتبه الى الهاتف بيده لتعيده إلى أذنها قائلة ولا يزال الضحك يلون صوتها:
- أيوة يا غيث...، ولكن ما من مجيب عليها، فقطبت قليلا لتنتبه الى صوت أنفاس متسارعة في الطرف اآخر فقالت بريبة:
- ألو.. غيث؟!!..
لينطق غيث بجمود:
- مين اللي كان عم يتحدتت امعاكي دِه؟..
سلافة بتلقائية:
- أبدا.. دا سامي زميلنا هنا..
غيث ببرود يخفي غضبا ناريا على وشك أن يندلع:
- وانتي بتتحددتي امعاه بكل بساطة إكده؟...
سلافة وقد بدأت تشعر أن غيث ليس في حالته الطبيعية:
- عادي يا غيث، دا زميلي هنا من سنتين، وبعدين أدِّي في السن مش هقوله سيادتك وحضرتك، احنا هنا كلنا كدا، ما فيش ألقاب غير لرئيس القسم أو المدير بس!..
هتف غيث بشراسة من بين أسنانه:
- طب أسمعي بجاه عشان تعملي احسابك.. لو اللي إسميه سامي ديه هوّب إهنه أني بنفسي اللي عطبخُّه ووكّله للضيوف، جولتي إيه؟.. لاه وما هواش إلواحده... أي زميل ليكي ممنوع يجرّب منّيك ولا تتحدتي امعاه ولو وزّه عجله واتدلّى برجليه إهنه يبجى حفر جبره ابيده، فاهمه يا بت عمي!..
وأسرع بانهاء المكالمة لتطالع سلافة الهاتف بيدها هامسة في ذهول:
- غيث اتجنن!..
بينما في الناحية الأخرى كاد غيث يهشم الهاتف في يده وهو يطبق عليه بشدة هاتفا بنقمة:
- عتجننيني يا بت عمي، عجلي بيطير منّي من عمايلك يا سلافة، كيف تسمح له انه يجولها زولي ( لو سلافة سمعتك يا غيث بتقول زولي دي صدقني هتلغي الفرح بلوبيف بلوبيف )
، عمال يتحدت امعاها ويتجلع إكده ما كانيِّهوشي راجل، طبعا مش اسميه سامي!.. هستنى إيه بجاه منِّيه غير إكده!..
ليطبق حصاره حولها فلا تمر ساعة من ليل أو نهار الا ويحادثها لمعرفة خط سيرها!..
------------------------------------------------
عاد رؤوف وأسرته في الوعد المتفق عليه بعد أن كاد الجميع أن يهلك وهو يجري على قدم وساق لانهاء الاستعدادات اللازمة للزفاف المرتقب، وكانت سلمى وسلافة قد اختارتا أثاث منزلاهما من محل خاص بالأثاث المنزلي كان والدهما دائم التعامل معه، وكان قد شاهدت كل واحدة منزلها منذ البدء قبل عقد القرآن مع رؤوف وألفت...
كان الجميع في استقبالهم بما فيهم راوية والتي لن تنسى أبدا اللهجة شديدة البأس التي خاطبتها بها حماتها حين أجبرتها على الذهاب لتوديع ألفت إذ قالت لها بوعيد أنه من الأسلم لها أن تكف لسانها السليط عن زوجة ابنها وبناتها بدلا من تذيقها هي كيف تكون سلاطة اللسان حقًّا!!... بينما هددها عثمان وبعبارة صريحة أنها إن لم ترجع عن كلماتها المسمومة التي تلقيها على مسامع زوجة أخيه وابنتيها فإنه يضمن لها أن ولديْها سيبدآن حياتيهما في ذات الوقت الذي ستنتهي فيه حياتها هي معه كزوجة!.. لذا اضطرت صاغرة على ابتلاع لسانها الآن فقط على أن تستعيد جولاتها بعد أن يطبق الشِّرك على بنات ألفت فتصبحان بين يديْ ولديها هي، وساعتها لن تألو جهدا في جعل أيامهما سوادا حالكاً!!!!!!!!...
جلس الجميع لتناول الغذاء الذي غاب عنه كلا من غيث وشهاب اللذان انشغلا في انهاء بعض المصالح اللازمة في حين أنهما كانا قد يتجاهلان عروستيهما عن سبق إصرار وترصد،.. ألم تنفذا رغبتهما بالسفر رغما عنهما، إذن فقد حان الوقت لتعلم كلا من سلمى وسلافة أن عاقبة مخالفتهما لزوجيهما وخيمة للغاية، ولكن فات كلا من شهاب وغيث أن ابنتي عمهما ليستا من النوع الذي يسهل عقابه، وما بدآه كعقاب لهما انقلبا عليهما خاصة وأن سلافة كانت هي المخططة هذه المرة وبموافقة الجدة فاطمة هذه المرة!..

مالت سلافة على أذن سلمى الجالسة بجوارها حول مائدة الطعام العامرة بما لذ وطاب من الطعام وهمست بغيظ:
- شوفتي عمايل ولاد عمك؟.. مش المفروض اننا عرايس وانهم يكونوا في استقبالنا؟.. أد كده احنا مش فارقين معهم؟.. شوفتي حماتك العجوز أم منقار فرحانة فينا إزاي وعينيها لمعت لما جدي سأل عليهم قبل ما بابا يقوله انهم كلموه يسلموا عليه واعتذروا انهم ما كانوا موجودين عشان مشغولين شوية!.. نعمل فيهم ايه دلوقتي؟.. مش كفاية الحيزبون دي؟..
نهرتها سلمى بصوت منخفض وهي تحاول افتعال الجدية وكتم ضحكتها:
- سلافة خلاص، جرى إيه يعني؟.. وبعدين بلاش تشبيهاتك دي هي دلوقتي بتاخد من حسناتك عشان تبقي عارفة.. وخسارة فيها خصوصا لما أنتي بقه تشيلي سيئاتها وشوفي انتي بقه عندها سيئات أد إيه؟..
حدقت سلافة هاتفة برعب:
- لالالالا.. دا هم ما يتلم يا أمي، أنا متأكده أن سيئاتها أكبر من هرم الجيزة!..
قالت سلمى بصرامة منهية الموضوع:
- يبقى خلاص، بطلي تجيبي في سيرتها، قولي ربنا يكفينا شر أذاها وخلاص، وبعدين عشان تكوني عارفة اعتذار ولاد عمك دا اعتذار سياسي تمام زي عيا سياسي كدا!!..
قطبت سلافة وهي تتساءل:
- نعم.. اعتذار سياسيس!.. ازاي يعني؟..
حركت سلمى كتفيها بلا مبالاة وهي تعيد انتباهها الى طعامها الموضوع في الصحن أمامها:
- يعني أي أختي العزيزة بيعاقبونا عشان سافرنا من غير موافقتهم، فاكرين انهم كدا هيردوها لنا!..
برقت عينا سلافة بوحشية وهي تجيب من بين أسنانها:
- بقه كدا، بس للأسف ما حسبوهاش صح، أنا بقه هخليهم يندموا على عملتهم المهببة دي!..
سلمى مقطبة:
- وأزاي بقه يا نبيهة ان شاء الله؟.
سلافة وهي تضع أصبعها على جانب رأسها غامزة بشقاوة لأختها:
- هشغّل الفهامة يا دوك!..
وفي وقت لاحق بعد الانتهاء من تناول الطعام انفردت كلا من سلمى وسلافة بالجدة حيث بدأت سلافة في تنفيذ عقابها هي لأولاد عائة الخولي!..
طوقت سلافة كتفي الجدة بذراعها قائلة بدلالها المحبب:
- ماما ستُّو ليا عندك طلب وعارفة انك مش هتكسفيني..
ابتسمت الجدة التي تعشق دلال حفيدتها الصغرى وأجابت:
- جولي يا بنتي، ولو في يديّ أني ما تأخرّشي عنيِّكي واصل..
سلافة بمكر:
- أنا كنت بصراحة عاوزة نفضل في #مصر لغاية معاد الفرح لكن بما أن جدي أمر اننا نيجي قبل الفرح بأسبوع فلازم نسمع كلمة بابا جدو، وبصراحة سبب اننا كنت عاوزة نفضل هناك انه غيث وشهاب ما يشوفناش لغاية يوم الفرح..
وسكتت وقد اصطنعت الخجل مسبلة أهدابها الطويلة في حين راقبتها سلمى في ذهول من أختها تلك الممثلة الماهرة التي اكتشفت الآن فقط أن موهبتها خسارة أن تدفن بل لابد لها من دخول مجال التكثيل والذي ستثبت نفسها فيه وبقوة، أردفت سلافة بحياء زائف:
- أنتي عارفة يا ماما ستُّو اننا في وشّهم هنا طول اليوم وأحنا عروسة عاوزة عريسي يكون مشتاق يشوفني، مش قودامه ال 24 ساعة يعني!..
ابتسمت الجدة ووجهت سؤالها الى سلمى قائلة:
- وأنتي رايك من رايك خيْتك برضيكي يا دَكْتُوورة؟..
لتنتبه سلمى هاتفة:ط
- ها؟!.. آ.. آه طبعا يا جدتي..
لتفرتش وجه الجدة ابتسامة واسعة وهي تقول:
- اطّمني يا بنيتي ، كم عروسة عندينا، من النّهاردِه ازواجكم ما عيطبوشي الدار إهنه لحدت يوم الفرح، اطمنوا...
ثم غمزت سلافة متابعة بمكر:
- عيشتاجولكم يا نضر عيني!..
لتضحك سلافة وهي تهتف عاليا فيما تحتضن جدتها بقوة:
- تعيش ماما ستُّو.. تعيش.. تعيش.. تعيش!!..
عاد شهاب وغيث الى المنزل، بعد مرور وقت طويل على رجوع عائلة عمه، ما أن دلفا الى داخل المنزل حتى أسرعت اليهما وردة الخادمة وهي تهتف:
- سي غيث، سي شهاب، معالِهش الحاجة فاطنة عاوزاكو في دارها..
قطب غيث وشهاب وتبادلا النظرات المتسائلة قبل أن يتجها الى غرفة الجد والجدة فطرق شهاب الباب ليسمع صوت جدته تأذن لهما بالدخول، دلفا اليها ليبصرا الجدة وهي تجلس براحة الى الأريكة العريضة في غرفتها تحتسي كوبا من الشاي بالحليب، تقدما إليها ليسلما عليها مقبلين ظاهر يدها بالتناوب، أشارت لهما بالجلوس، كان غيث الباديء بالحديث قائلا بابتسامة:
- أومال جدي فين يا جدتي؟.. فايتك الحالك ليه؟..
الجدة بابتسامة:
- جدك مع بوك وعمك بيتمموا على الطباخ انتو عارفين انه من الليلاديْ هتبتدي الافراح والليالي الملاح، سبع ايام بسبع ليالي ، كل يوم تندبح الدبايح وينشد المنشد ع الربابة، جدكم جايب الريس عبدالعال البنجاوي أشهر منشد في الجيهة كلّاتها، ولا الريس متجال في زّمانّهْ!..
قال شهاب بابتسامة:
- ربنا يخليكو لينا يا حاجة، حضرتك كنتي عاوزانا في حاجة؟.. البت وردة قالت لنا انك عاوزة تتكلمي معانا..
الجدة بابتسامتها الحنون:
- معتحرمشي منيكم يا نضري، بس كل اللي كنت رايده أجوله لكم انكم تلموا شوية من خلجاتكم وتروحوا حدا الاستراحة اللي في طرف الجنينة الجبلي، أني خلّيت الواد خليل وراجح يوضبوها وبجيت زي الفل!..
تبادل كلا من غيث وشهاب نظرات الدهشة قبل أن يتنحنح غيث ليجلي حنجرته سائلا الجدة بابتسامة صغيرة:
- وايه اللي عيخلينا نهملوا دارنا ونروحوا الاستراحة يا حاجة؟
أجابت الجدة بضحكة:
- عشان عرايسكم يا ولديْ، معينفعشي تبجوا مع بعض في موكان واحد، لازمن تبعدوا، بصراحة كتر خيرها عروستك هي اللي نبهَتْني لِكدِهْ!..
بُهت غيث وهتف:
- باه!... مين يا حاجة؟..
ليجيب شهاب ساخرا:
- ما قالت لك عروستك يا عريس، يعني عروستك انت ومعرفش بينكم وبين بعض إيه فبتخلصه منك أنا وعروستي مالي؟..
قطبت الجدة حيث لم تفهم معنى كلام شهاب وتساءلت:
- انت بتجول ايه يا شهاب يا ولدي؟..
شهاب بزفرة ضيق:
- لا ما فيش يا حاجّة، طيب عن إذنك احنا بقه، هنلموا خلجاتنا عشان نروحوا الموطرح الجديد!..
وانصرف وهو يدفع غيث في كتفه حتى خرجا وأغلقا الباب خلفهما، ليتجه غيث الى الأعلى وهو يتوعد سلافة هاتفا:
- بجه إكده يا سلافة، انتي اللي جبتيه لروحك..
ليتوقف على أول درجات السلم مغمضا عينيه زافرا بغيظ وهو يقول:
- أستغفر الله العظيم، اللهم اخزيك يا شيطان، ماشي يا سلافة، أني مش هكسّر كلام الحاجة لكن حسابك تجِل جوي جوي يا بنت العم..
ثم اتجه الى الخارج وهو يهتف بشهاب أن يجمع له بعض الثياب معه ويلحق به في الاستراحة....
استغربت سلافة من عدم اتصال غيث بها، كانت تعتقد أنه ما ان يعلم من الجدة أنه ممنوع من رؤيتها حتى يوم الفرح فأنه سيسارع بالقدوم اليها، ولكنها تعلم مدى برود غيث، هي أكيدة أنه يخطط لمعاقبتها الآن، ولكن لا يهمها فهي له!..
ما أن حل الليل حتى علا رنين هاتفا سلافة فتلقت المكالمة مبتسمة بظفر لتكون أول كلمة سمعتها:
- مرتاحة دلوك يا بت عمي؟..
استندت سلافة الى ظهر سريرها وهي تتلاعب بخصلة طويلة من شعرها المنسدل مجيبة بدلال:
- وايه اللي مش هريحني يا ابن عمي؟..
غيث كاتما غيظه بقوة:
- بجه انتي مش رايده عريسك يشوفك الا يوم الفرح يا عروسة؟..
سلافة بنعومة كادت تفقد غيث صوابه:
- أه يا ابن عمي، حقي، عاوزة عريسي يحس أني وحشاه، مش قودامه ال 24 ساعة في اليوم...
ليهمس غيث وقد طار غضبه أدراج الرياح فهذه الجنية الصغيرة تتفنن في التلاعب به:
- وإذا جول تلك ان عريسك متوحشّك حتى وانتي مجابلاه اليوم كلاته؟.. وانه نفس ايغمض وايفتح يلاجيكي جودامه وما تفارجيهوشي واصل؟..
اضطربت سلافة واحمرت خجلا وأسرعت بانهاء المحادثة فحينما تنتاب غيث هذه الحالة من الرومانسية المفرطة تفقد هي قدرتها على مجاراته، لتقول بسرعة:
- معلهش أي ابن عمي هضطر أقفل ماما بتناديني..
وأسرعت بانهاء المكالمة وهي تتنفس بعمق....
أما شهاب فهو لم يتواصل مع سلمى بأي طريقة كانت، الأمر الذي أدهشها ولكنها لم تتوقف عنده كثيرا فقد انشغلت بتلقي التهنئات والهدايا من أفراد العائلة والبلدة جميعا...
مرت الايام وأتى يوم الحنة سريعا والذي تألقت فيه كلا من سلمى وسلافة بفساتين غاية في الجمال، كان فستان سلافة باللون الأحمر النبيذي ينسدل على جسمها الى الأسفل، بأكمام من الدانتيل المخرم طويلة، مزمومة على الذراعين، وأسدلت شعرها الأسود ليتطاير حولها وانتعلت حذاءا ذهبيا عال الكعبين، بينما اكتفت من الزينة بكحل أسود أكسب عينيها اتساعا ملحوظا وحمرة خدود طفيفة وأحمر شفاه بلون الكرز، بينما ارتدت سلمى فستانا من اللون الفستقي، ليضاهي لون عينيها التي حددتهما باللون الاسود ليظهر لونهما الزيتوني الواضح، كان من الشيفون متعدد الطبقات ينسدل على طولها في حين تعلو جزءه العلوي طبقة من الساتان الناعم مطعم بفصوص من الألماس الاصطناعي، وانتعلت حذاءا فضيا عال الكعبين، وجمعت شعرها الكستنائي على هيئة شنيون تاركة بعض الخصلات تحيط بوجنتيها لتكسبها نعومة ورقة، واكتفت من الزينة بالكحل الاسود وحمرة خدود طفيفة وأحمر شفاه باللون الوردي لشفتيها، كانا بحق متعة للنظر...
انقضت الليلة وسط الزغاريد والأفراح وقد قرت راوية أن تتصرف باعتبارها هي سيدة المنزل وصاحبة الفرح وليست ألفت، وأن ترحب بالحضور فليس من مصلحتها أن ينتبه لها عثمان أو الجدة فقط حتى يطمئن الجميع لها لتضرب هي ضربتها بالتعاون مع " أم ستيت" أكبر دجالة في البلد, تلك التي تبرع في شفاء المريض أكثر من أي طبيب و..... كره الحبيب!...( استغفر الله العظيم.. ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطؤك )...
صدحت الفرقة الشعبية التي أمر الجد بإحضارها والتي تتكون جميع أعضائها من النساء الذائعات الصيت في هذا المجال وعلى رأسهم المطربة فاطمة عيد في حين قام بإحضار أكبر منشدين الأفراح " الريس عبد العال البنجاوي " لأحياء الليلة الكبيرة....
جلست سلافة وسلمى بجوار بعضهما بينما وقفت الفتيات تتراقصن أمامهما واقتربت منهما سلسبيل وهي تتهادى في عباءة حمراء حريرية تاركة شعرها الأسود الغزير يتدلى حتى نهاية خصرها، بعد أن هنأتهما غمزتها سلافة قائلة:
- ما شاء الله إيه الجمال دا؟.. هو اللي جوزها يتصاب بتحلو كدا؟..
نهرتها سلسبيل بجدية زائفة:
- باه سلافة.. مش عتبطلي عادتك ديْ؟..
لتجيب سلمى بضحك:
- ما تبقاش سلافة يا بنت عمي..
قالت سلافة بلهفة:
- المهم ما تنسينيش، ايه رايك؟.. عجبك؟؟..، احتضنت سلسبيل سلافة فجأة وهي تجيبها:
- ربنا يخليكي ليا يا سلافة، بس ديه كاتير عليّ، وباين عليه غالي جوي!..
ابتسمت سلافة وهي تربت على ظهرها قائلة:
- ما فيش حاجة تكتر عليكي حبيبتي، انتي ما فرحتيش يا سلسبيل، وجه الوقت اللي تعوضي جوزك فيه، وبعدين انتي ناسية قبل ما نسافر انك انتي اللي قولتلي انتي مش عارفة تعوضي ليث ازاي؟.. انتي اللي حطيتي الفكرة في دماغي، بس ما تنسيش تحكي لي اللي هيحصل صوت وصورة..
وهي تغمزها بمكر لتضربها سلسبيل بخفة على يدها تنهرها بمزح قائلة:
- بكفاياكي عاد، وبعدين معتخافيشي، اللي هيوحصل عتشوفيه صوت وصورة، بس مع.. زوجك.. اللي هو خويْ، ولو اني متاكدة انك اللي عتشوفيه أكتر بكاتييير!!..
أعجبت سلمى وسلافة بالاغاني المنشودة، والتي كان منها:
* .ياليلة الحنة ياريدى
والسلام منايدك ليدى
ياليلة الحنة والمجمع
هى تتكلم وانا اسمع
دا كلامك احلى من السكر
واحلى من البلح الرشيدي..
xxxx يتم احضار صينية مليئة بالحنة الجاهزة للاستعمال ويوضع بداخلها شموع وتغطى الصينية بحنتها وشموعها بقماش التل ويتم أشعال نار فى وسط صينية الحنة ويلتف حولها الشباب وأثناء الغناء يقوم أصحاب العريس وأقاربه من الرجال بالتجمع حول العريس وتخضيب يديه وقدميه بالحنة فى جو يسوده الحب والفرح...، وفي الغالب تسبق هذه الأحتفالات ليلة قرآن كريم حتى تعم البركة على ليلة الحنة و الزفاف،
ويعد العريس الزفاف وليمة كبيرة لتجهيز العشاء لكل الحضور من المدعوين في أي أرض واسعة يقام عليها الاحتفال،
ومعظم طقوس الحنة، تقوم علي تزيين القدمين والكفين..xxxx
* والله لأغني لك يا عريس يا غالي
والله لأغني لك وأسهر الليالي يا عريس لأغنى لك
يا عايق من دول جيلك والله لأغني لك يا عريس يا غالي

* أدلع يا عريس يا بو لاسه نايلون
ادلع يا عريس وعروستك نايلون
عند بيت ام فاروق هاي هاي .. والشجره طرحت برقوق هاي هاي
واللي بحبه جدع مرزوق وبلاسه لاسه نايلون
عند بيت ام حنان هاي هاي
والشجره طرحت رمان هاي هاي
واللي بحبه جدع عجبان واللاسه لاسه نايلون
عند بيت أم صلاح هاي هاي
والشجره طرحت تفاح هاي هاي، واللي بحبه جاني وراح واللاسه لاسه نايلون
أمك عامله مصليه هاي هاي
وهي وليه حرميه هاي هاي
وتتبلا عليا واللاسه لاسه نايلون
شوفوا البت القداره هاي هاي
رايحه المحطة بنضاره هاي هاي..
تدي لحبيبها اشارة واللاسه لاسه نايلون
والله لأغني لك وأسهر الليالي
لا اعشيك بوزة و أغديك بوزة
وحياة المعزة.. دا أنتَ عندى غالى يا عريس يا غالى

* يا حلاوتك يا ستفندى يا بن عم البرتقان يا حلاوتك وانت طارح فى الجنينة ع الأوان
عروستنا ف بيت أبوها.. أربعه بيزوقوها وعريسنا يقول هاتوها دى وحشانى من زمان
يا حلاوتك يا ستفندى يا بن عم البرتقان
يا حلاوتك وانت طارح فى الجنينة ع الأوان .. عريسنا ف بيت أبوه أربعه بيلبسوه وعروستنا تقول هاتوه دا وحشنى من زمان
يا حلاوتك يا ستفندى يا بن عم البرتقان يا حلاوتك وانت طارح فى الجنينة ع الأوان.
* خدناها خدناها خدناها خدناها قولوا لابوها يتعشى خدناها من ع الفرشة صبوا لأبوها يغسل أيديه خدناها وضحكنا عليه خدناها خدناها خدناها بالسيف الماضي وابوها مكنش راضي وعلشانها بعنا الاراضي الحلوه اللي كسبناها خدناها بالملايين واهلها ما كانوش راضيين وعلشانها بعنا الفدادين الحلوه اللي كسبناها خدناها خدناها خدناها بالسيف والقوة، وأبوها راجل فتوة ، وعلشانها بعنا الاراضي .. الحلوه اللي كسبناها...
انقضت الليلة وسط الاغاني والافراح، وبعد انصراف الجميع وصعود سلمى وسلافة الى منزلهما، حيث قضتا بعض من الوقت مع أمهما تتبادلن الاحاديث الخفيفة، انصرفت ألفت مؤكدة على ابنتيها النوم جيدا فغدا يوم طويل، ما ان همت سلافة بالخلود الى النوم حتى صدح هاتفها بالرنين لتعلم هوية المتصل قبل أن ترى الاسم فقد خصصت نغمة مميزة له كانت عبارة عن مقطع معين من أغنية شادية الشهيرة يقول" وحياة اللي جرالي ويّاه من غير معاد.. لا أسهره الليالي وأحرمه البعاد!!"" (ههههه ناويالك يا غيث معاك ربنا)...
كان احتفال الليلة كان قد ذهب بالباقي من غضب غيث الذي كان يعد الدقائق الباقية على زفافه الى عروسه العنيدة الفاتنة، أجابت سلافة بابتسامة:
- أزيك يا غيث..
قال غيث:
- الحمد لله ، الليلة كانت حلوة جوي، جوليلي عجبتك الفِرْجَة اللي شيعنا جبناها من جِنا؟؟
سلافة هاتفة:
- تجنن يا غيث، بس فيه أغاني أنا كنت سمعتها ع اليوتيوب وما اتغنتش، بصراحة فيه أغنية علّقت معايا جامد...
طلب منها غيث بحنان أن تغنيها له فوافقت في الحال لتبدأ في غناءها فيفتح عينيه واسعا غير مصدق لما تسمعه أذناه حيث كانت تقول:
*زعلان ليه تعالى وانا اقولك .. انت كيلو لب وانا كيلو لب .. ناكل انا وانتة والقشر لامك .. زعلان لية تعالى وانا اقولك .. انت كيلو لحمة وانا كيلو لحمة .. ناكل انا وانته والعضم لامك..

نهرها غيث هاتفا:
- سلافة... ايه الكلام الماسخ ديه؟...
لتجيب سلافة ببراءة مفتعلة:
- هو انا جبت حاجة من عندي يا غيث؟.. دي أغانيكم أنتم...
غيث بحدة:
- طب جفلي ع الحديت ديه، ويكون في معلومك يا بت عمي اللي يشيل أمي في اعينيه عشيله على راسي من فوج، احترامها من احترامي تمام، مفهوم يا سلافة؟...
لم تريد سلافة مجادلته فيما همست في داخلها بحنق:
- يا روح أمك!! "احم احم آسفة بس ما يتقاله الا كدا!! هههه"..
قالت سلافة منهية الكلام:
- خلاص يا غيث، هي أغنية وقلتها عادي يعني...
لم يطيل غيث في الحديث في هذا الأمر فهو يعلم مدى حساسية الموضوع خاصة وأن أمه لم تخفي عدم رضاها عن اختياره هو وشهاب ولكنها أمه أولا وأخيرا ويجب على سلافة احترامها!..
تنهد غيث عميقا وهو يقول:
- عارفة يا سلافة.. أني باعد الدجايج والثواني يا جلب غيث لحدت ما يتجفل علينا باب واحد، ووجتها...،
وسكت تاركا باقي عبارته معلقة ليطير النوم من عينيها وتهتف به في ريبة مقطبة:
- لحدت إيه يا ابن عمي، ما تكمل!..
اجابها بخبث ينافي طبيعته العاقلة تماما:
- لاه مش عكمل دلوك... عتشوفي بنفسيكي وجتها ععمل إيه!!..
نهرته سلافة بزمجرة خرجت كزمجرة قطة سيامي:
- غيث بقولك إيه.. بلاش الألغاز بتاعتك دي، وبعدين أظن أنت اتأكدت بنفسك انه أي عقاب من ناحيتك بيبقى قودامه عقاب أشد من عندي، ولا نسيت لما ما جيتش أنت وأخوك يوم رجوعنا البلد ووقتها جدتي أصدرت فرمانها انكم تطلعوا من البيت خالص!..
غيث بهدوء:
- طب ليه بس إكده يا بت الناس؟.. كنت انسيت الموضوع ديه، انتي اللي بتجبيه لروحك أهاه.. عمومي نامي زين يا عروسة لأنه جودامك يوم طوييييل من الصبح بإذن ربنا....
وانهى المكالمة تاركا اياها وقد احتل الشحوب وجهها...
كانت سلمى تتحدث الى شهاب في الهاتف حيث هاتفها هو على غير عادته في الفترة الماضية تحديدا منذ عودتها وأصدار الجدة أمرها بانتقاله هو وغيث الى الاستراحة، كان شهاب يحدثها بهدوء مهنئا لها وحين سألته عن مناسبة هذه المكالمة هز كتفيه بلا مبالاة قائلا:
- بصراحة قلت عروسة بردو وبلاش أكسر بخاطرك الليلة دي، خليني أنا الكبير..
سلمى ساخرة:
- بجد؟.. لا فيك الخير بصراحة!..
قاطع حديثها رنين جرس الباب فقطبت وهي تقول:
- ايه دا.. مين اللي جاي دلوقتي؟..
شهاب بلا مبالاة:
- اكيد مش حد غريب، عموما شوفي عمي كدا يفتح..
سلمى رافضة وهي تتجه لتستطلع هوية الطارق:
- لا مالوش لزوم، أكيد حد من هنا، أنا هشـ...
كانت تدير مقبض الباب أثناء محادثتها له لتشهق بخفة وهي تحدق بقوة في الشخص الواقف أمامها، قال شهاب وهو يبتسم:
- إيه مفاجأة مش كدا؟!....، هتفت سلمى وهي تتلفت حولها:
- انت مجنون مش كدا؟...
دلف شهاب وهو ينزل يده التي تحمل الهاتف بجانبه لتتراجع هي الى الداخل فيما يغلق هو الباب ليصل اليها في خطوتين يعتقل خصرها هامسا أمام وجهها الذي لا يزال يحمل أثرا من زينتها:
- كدا!! ، ليميل مختطفا قبلة من شهد شفتيها فاجأتها لتتسمر بادئ الأمر ثم تنتبه فتحاول التملص منه وتضربه بقبضتيها الصغيرتين ليقبض عليها بيد واحدة بينما يمتص رحيق شفتيها بقوة، ليتركها فجأة تماما كما اكتسحها بإعصاره فجأة وهو يهمس من بين أنفاسه اللاهثة:
- عشان بس تعرفي أني لما بعدت عشان أنا عاوز كدا، ولا 100 فرمان ولا مليون باب وشباك هيقدروا يبعدوكي عني!.
ليستدير متجها الى الباب ففتحه وانصرف سريعا ولكن قبل أن يغلقه خلفه رمى لها قبلة في الهواء قبل أن يختفي من أمامها تاركا لها وهي تتمتم في ذهول:
- مجنون... أقطع دراعي انك مجنون وابن مجانين كمان!..



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:56 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.