آخر 10 مشاركات
رواية واجتاحت ثنايا القلب (1) .. سلسلة ما بين خفقة وإخفاقة (الكاتـب : أسماء رجائي - )           »          سارية في البلاط الملكي * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : هديرر - )           »          مصيدة الإبتزاز (77) للكاتبة: جيسيكا ستيل ... كاملة ... (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          276 - قلب فوق البركان - بيني جوردآن (الكاتـب : أميرة الورد - )           »          خانني من أجلك(2) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة بين قلبي و عقلي (الكاتـب : نغم - )           »          أغدا ألقاك ؟ (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة بين قلبي و عقلي (الكاتـب : نغم - )           »          10 - تعالي إلى الأدغال - آن ويل - ع.ق (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          صفقة مع الشيطان (145) للكاتبة: Lynne Graham (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          599 - قيود امرأة - باتي ستندارد ( تحت سقف واحد ) - ق.ع.د.ن*** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          حصاد الامس (الكاتـب : المســــافررر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-10-16, 02:06 PM   #1

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
Rewitysmile25 كبير العيلة / للكاتبة احكي يا شهرزاد - منى لطفي ، مصرية مكتملة






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية
كبير العيلة
للكاتبة احكي يا شهرزاد - منى لطفي



قراءة ممتعة للجميع......




ندى تدى likes this.

لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 09:19 AM   #2

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الملخص الداخلي:

عادات وتقاليد أي مجتمع كثيرا بل غالبا ما تتحكم بالأفراد اللذين ينتمون إليه, مهما تباينت ظروف معيشتهم أو مستوى ثقافتهم وتعليمهم, فالعادات الراسخة تتوارثها الأجيال جيلا بعد آخر, فما بالنا إن كان هذا المجتمع ..... مجتمع يتمسك وبشدة بعاداته الموروثة, بل من يخالفها يعتبر من المنبوذين, فيلفظه دون أدنى شفقة أو رحمة, مهما بلغت مكانته لديه!!..
أحب رؤوف زميلته ألفت وتوجا هذا الحب النقي الطاهر بالزواج ولكن.... كان لا بد لرؤوف من دفع ثمن هذه الزيجة ألا وهو.... الطرد من عائلته وبلاااا رجعة!!
ولكن... يُضطّر رؤوف الى العودة إلى بلدته برفقة زوجته وابنتيْه, ترى ماذا تخبأ لهم الأيام؟, وهل ستكون بناته هما ثمن رجوعه الى كنف عائلته من جديد؟...
صراع بين الماضي والحاضر مليء بالحقد والكراهية, الغيرة والعشق الملتهب!, فهل سينتصر الحب في النهاية على عادات وتقاليد عفا عليها الزمان وشرب؟!..


xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx




كبير العيلة

بقلم/احكي يا شهرزاد (منى لطفي)


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 09:19 AM   #3

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




– 1 –



ركنت سيارتها الرياضية الصغيرة بجوار المبنى الذي تقطن فيه مع عائلتها, ألقت السلام على حارس الxxxx بطريقتها المرحة المحببة ثم اتجهت لتركب المصعد لتصل الى شقتها حيث تسكن مع ابيها وامها وشقيقتها الوحيدة, فتحت الباب ودخلت وهى تلقي بالتحية بمرح هاتفة:
- السلام عليكم يا أهل الدار, أنا جيييييت..
لم تسمع أي إجابة فقطبت ودمدمت بصوت منخفض:
- إيه دا, أومال فين آل الخولي؟..
تلفتت حولها ولم تشاهد والدتها, نظرت جيدا في الردهة الواسعة والتي تحوي على طقم صالون مدهب وفي أحد الأركان سفرة مدهبة مكونة من مائدة زجاجية بيضاوية الشكل ذات 6 كراسي و بوفيه ذو مرايا كبيرة ودولاب لحفظ الصيني والاكواب الكريستال, صعدت الدرجات التي تفصل بين الردهة وغرف المنزل الداخلية والتي هي عبارة عن غرفة للجلوس بها طقم للجلوس مكون من أريكة عريضة كبيرة وأخرى اصغر قليلا ومقعدين كبيرين وطاولة زجاجية وجهاز التلفاز ذو الشاشة العريضة الحديثة ( ال . سي . دي ) وجهاز استقبال لجميع القنوات الفضائية..
سارت قليلا ثم عرجت الى يمينها حيث المطبخ الواسع والذي يتناولون فيه وجباتهم لما فيه من حميمية ودفيء فرأت والدتها وهي تقلب الطعام فوق موقد النار فقفزت اليها قائلة وهي تقبل رأسها بحب :
- ازيك يا لولو!, ايه دا ... انا هنا بئالي نص ساعه يا شيخه وعماله انادي انادي ولا هنا حد! ...
ثم غمزت بمكر وتابعت ضاحكة:
- اومال فين قيس بن الملوح يا ليلى ؟
ضربتها امها خفيفا على يدها الموضوعة على كتفها وقالت بتأنيب :
- عيب يا بنت, انتي مش صغيرة على كدا, وبعدين هكون فين يعني؟, في المطبخ بجهز الغدا يا هانم على ما انتي والست سلمى اختك تشرفوا, وبابا جوا في اودة المكتب... فهمتي يا سُلافة هانم يا لميضة؟!
ابتعدت سُلافة قليلا عن والدتها وقالت بنصف عين :
- مامتي.. لو سمحتي انتي عارفة كويس اني مش بحب حد ينادي لي سلافة!, حد يسمي بنته في القرن الـ21 سلافة؟ نهرتها امها قائلة:
- انتي عارفة اسمك دا معنى ايه؟, انتي خسارة فيكي الإسم تصدقي!, سلافة دا يا هانم معناه عصارة او خلاصة الشيء الصافي النقي الخام اللي لسه ما انضافش له حاجة, على طبيعته.. فهمت يا.... سلافة؟
مالت على أمها مقبلة كتفها وقالت بمداهنة محاولة إرضائها:
- خلاص يا ام سلمى ماتزعليش.. بس يعني سلمى مبلوعة شوية انما سلافة...أهي دي اللي انا مش بالعاها خالص!, علشان كدا قلت لكم ولاصحابي تقولولي سولي!!
قطبت امها وأجابت بإستهزاء :
- أهي سولي دي اللي أنا مش بالعاها ولا يمكن أبلعها خالص!, ايه سولي دا... كلب؟
غضبت سلافة وقالت حانقة:
- ايه يا ماما دا... كلب ايه؟, دا اسم الدلع بتاعي.. سولي!, على فكرة بقه انتو هنا اللي بتتريقوا عليه لكن كل اصحابي بيقولولي انه اسم حلو وشيك أووي...
قالت امها وهى تهز برأسها يمينا ويسارا :
- ربنا يهديكي يا حبيبتي, بس ياريت بلاش السيرة دي قودام باباكي.. مش كل مرة تفتحي لنا الكلام دا وتخلِّيه يتضايق انت عارفة انه هو اللي ...
قاطعتها بتنهيدة عميقة:
- عارفة, هو اللي مختار لي اسمي, وانكم اتفقتوا.. حضرتك اخترتِي اسم سلمى يبقى هو يختار اسم التاني, وجيت انا من قرعتي سلافة!
قالت الأم وهي تحاول كتم ابتسامة كادت ان تظهر فتتصدع الجدية المرسومة على ملامحها :
- طيب خلاص بطلي رغي وروحي غيّري هدومك وتعالي علشان تحضري الغدا معايا, سلمى أختك عندها نبطشية انهارده, مش هتخلص الا بعد 8 ان شاءالله. كلمتني من المستشفى وقالت لى..
أجابت سلافة وهى تمد يدها لتتناول واحدا من محشي ورق العنب والذي تبرع به والدتها :
- هي اللي جابته لنفسها, حد قالها تدخل طب؟, لا وايه.. تتخصص جراحة باطنه كمان ... واحدة عندها 28 سنة وخلصت الكلية والماجستير وبتحضر الدكتوراه, واحدة فاضية من الآخر, وربنا مالها كمبيوتر ساينس؟, أنا أهو... درست كمبيوتر ساينس 5 سنين في الأي . يو . سي .. وخلاص, دراسة لذيذة وشغلها جميل وأديني بشتغل في شركة أجنبية ومرتبي كبير وساعات العمل محددة من 9 الصبح لـ 5 مساءا ويومين اجازة .. مش هيَّ كل شوية نبطشية وشغل وهدَّة حيل, دا غير العيادة الشعبية اللي بتروحها يومين في الاسبوع, ماينفعش كدا.. دي مش حاسة بشبابها خالص, انا اعرف هتتجوز مين؟, اكيد أبو بكر الرازي!!
علقت امها وهي تدفعها خارج المطبخ :
- ما تتعبيش نفسك اختك دكتورة شاطرة وجميلة ولسه صغيرة وألف مين يتمناها, المهم انتي بطلي رغي, واتفضلي روحى غيّري وتعالي اعملي السلاطة على ما اروح اشوف باباكي ...
خرجت سلافة متجهة الى غرفتها بينما اتجهت ألفت الى غرفة مكتب زوجها ورفيق عمرها ( رؤوف ), دخلت بعد أن طرقت الباب فسمعت صوته داعيا للدخول, لتجده جالسا الى مكتبه واضعا نظارته الطبية فوق أنفه ويطالع بعض الاوراق بيده, ابتسمت بحنان وسارت متجهة اليه فإنتبه لقدومها ليبتسم بحنان مقابل بينما أحاطت كتفه بذراعها ومالت عليه هامسة بحنان :
- ايه يا حبيبي مش جعان؟, الغدا خلص ..
أمسك يدها مقبلا اياها قبل ان يقول :
- تسلم ايديكي يا أم البنات ...انت بتتعبي اووي يا حبيبتي.. قلت لك اجيب لك واحده تريحك وتساعدك في شغل البيت ما سمعتيش كلامي..
أجابته وهى تميل برأسها لتنظر اليه :
- حبيبي انا احلى وقت بقضيه و وانا بعملكم كل طلباتكم في البيت .. انت ناسي اني سِبت شغلي مخصوص علشان أتفرغ لك انت والبنات؟, وبعدين يا سيدي.. ما أم سعيد بتجيني مرتين في الاسبوع تنضف الشقة وتروقها كفاية أووي....
قال رؤوف مبتسما :
- ربنا ما يحرمنا منك ابدا يا حبيبتي .. عارفة كل يوم حبي ليكي بيزيد وبتأكد اني كنت هخسر اغلى حاجه في عمري لو ما كنتش اتجوزتك ! ,
نظرت اليه وقد شاب صوتها بعض الحزن كلما صادف ان طرأ على بالها هذا الأمر أو تحدثا بشأنه:
- يعني انت مش ندمان يا رؤوف انى السبب ان اهلك زعلوا منك وقاطعوك؟
هز برأسه نافيا بقوة وهو يهتف مجيبا:
- ابدا.. وانا متأكد انهم من لو عرفوكي هيحبوكي ويحترموكي, بس هي عوايد بأه اتربوا عليها..
سألته مستفهمة :
- انت لسه عند قرارك؟
هز برأسه مؤكدا وهو يقول :
- اكيد ... وهبلغ البنات بقراري دا انهارده ان شاء الله, لأنهم لازم يعملوا حسابهم وكل واحدة ترتب أمورها وتاخد أجازة من شغلها علشان احنا مش هنقعد يوم ولا اتنين بس.. لأ, انا رايح المرة دي علشان لازم بناتي يتعرفوا على اهلهم .. انا مش دايم لهم يا ألفت ... واهلهم همّا دول عزوتهم اللي هيتقووا بيهم ويبقوا ضهرهم وسندهم من بعدي...
قبلت ألفت رأسه وقالت وهى تربت على كتفه:
- ربنا يخليك لينا يا حبيبي وما يحرمناش منك أبدا, عموما براحتك حبيبي وانا معاك في أي قرار تاخده .. انا هروح أجهز السفرة على ما إنت تخلص اللي في ايدك وتحصلني علشان نتغدى, عن اذنك..
وانصرفت تاركة زوجها وقد غامت عيناه ببريق الذكريات وهو يقول في نفسه :
- آن أوان الطير المهاجر يرجع لعشّه !! ....
==================
- صباح الخير يا جدي..
ومال مقبّلاً يد جده فقالت سيدة مسنة بلهجة صعيدية:
- وجدتك مالهاشي نفس يا وِلد ولدي؟
ابتسم الشاب ثم اتجه إليها ومد يده متناولا يدها المغضنة ومال عليها مقبلا إياها وهو يجيب:
- هو انا أجدر يا جدتي ...انت الخير والبركة..
اشار له الجد بالجلوس لتناول طعام الافطار وقال :
- أجعد يا غيث يا ولدي .. جدتك فاطنة شكلها إكده رايجة على الصبح...
قالت الجدة بابتسامة:
- وايه اللي مش هيروج بالي يا حاج؟, الحمد لله ولادي بخير وصحة وولادهم ماليين علينا الدار, يبجى ايه اللي يضايجني بعد الشر؟
أجاب الجد ناظرا إليها بتركيز بينما طغى على صوته نبرة الحزن :
- كل ولادك يا فاطنة؟
قالت الجدة وقد شحب وجهها وغابت إبتسامتها:
- الله يسامحك يا حاج ..هو انا كنت بنسى عشان تفكِّرني؟, حدا ينسى ضناه؟
قال غيث بإبتسامة صغيرة محاولا تصفية الاجواء :
- خلاص يا جماعه صلوا على النبي أومال مش إكده,,
ثم التفتت الى جده متابعا:
- عوض البرهامي عاوز يشيل المحصول السنة دي كُمان, ايه رايك يا جدي ؟ ,
قال الجد الذي لا يزال هو صاحب الكلمة الاولى والاخيرة والمتصرف في جميع شؤون عائلة الخولي من صغيرها لكبيرها:
- أني شايف اننا بنتعامل معاه بجالنا كتير, وهو راجل جد كلمته وبيدفع اللي عليه في وجته مش بيمطوح فينا, خلاص.. كلمه يا غيث يا ولدي وجوله ع البركة...
تفاجئوا بمن يسحب كرسيا للجلوس عليه وهو يقول :
- صباح الخير عليكم جميعا...
هز الجد برأسه غير راض عن سلوك حفيده الآخر بينما قالت جدته بحب :
- صباح الفل والياسمين ...
قال الجد منتقدا :
- صباح الخير يا شهاب بيه.. تجدر سعادتك إتجوللي كنت فين البارحة؟, انا نمت وانت لساتك كنت ما عاودت؟
أجاب شهاب وهو ينظر الى الجد بهدوء:
- انا مش عيل صغير يا جدي !
تدخل غيث زاجرا اياه بعنف :
- شهاب!, لما جدك يسألك سؤال تجاوبه كويس !
نظر اليه شهاب ببرود وأجاب:
- وهو انا عملت ايه يا اخويا الكبير؟, جدى قلقان عليا وانا بقوله انه ما يقلقش .. عموما هريحكم.. كنت مع عزت.. نزلنا البلد وسهرنا مع بعض شوية وجيت.. اطمنت يا جدي ؟
موجها سؤاله الى الجد الذي انتفض في مكانه وهتف بسخط زاغرا اياه:
- عزت وِلد عبدالمجيد أبو سويلم؟
أومأ شهاب برأسه إيجابا وقد بدأ قناع البرود بالتصدع وبدأت عصبيته المشهور بها بالظهور :
- ايوة يا جدي عزت ابوسويلم !
قال الجد منتقدا :
- وما لاجيتش غير الواد التلفان ديه تمشي معاه ؟
أجاب شهاب بعد أن زفر بعمق محاولا الهدوء:
- اولا يا جدي عزت مش واد.. دا مهندس زراعي ودفعتي, تاني حاجه... هو مش تلفان ولا حاجه بالعكس.. ابوه وعيلته كلها بيتشرفوا بيه...
سخر الجد مشيحا برأسه:
- آه ... ديه دلوقيت, لكن في الوّلْ كانوا مش طايجينه ولا طايجين سيرته, لولا وعكة أبوه اللي خالته يرجع تاني عشان يجف جنب أهله وناسه ولا كان خطاها برجليه تاني ..
علق شهاب مهاجما :
- وكل دا ليه يا جدي ها ؟, علشان ابوه كان مرتب له جوازة هو مرضيش بيها ؟, مرضيش يسوقوه زي الدبيحة ؟, وعمل ايه يعني؟, اتجوز واحدة كويسة من عيلة وبنت ناس واصل طيّب, ورضيت تعيش معاه هنا في كفر الخولي مع اهله .... يبقى ايه الغلط اللي عمله ؟, انه استخدم حقه اللي ربنا اداهوله ؟ هتف غيث زاجرا شهاب:
- شهاب .. بيتهيألي تجفّل ع الموضوع ديه, وياللا عشان تروح المزرعه تشوف شغلك ..
تحدث الجد بصرامة مقاطعا غيث :
- استنى يا غيث لما أجول لاخوك حاجه غايبة عنِّييه ...
ثم أولى انتباهه لشهاب متابعا:
- إهنِه في البلد غير البندر, إهنه لينا عوايدنا وتجاليدنا ...لازمن نحافظ عليها ونراعيها ..احنا كلاتنا إهنه في البلد زي العيلة الواحده ماينفعشي واحد يمشي بدماغه ويفوت الباجيين !!, انت بتجول هو عمل ايه غلط ؟, انا اجولك .. صغَّر بأبوه وسط الناس بعد ما كان جال للناس انه رايد بتِّهم لولده... جيه ولده ورفض الجوازة ولبنية وصغر بيه بين الخلايج !, حاجة كبيرة ديه ولا لاه؟, الكلام كان كلام رجالة, مش كلام اعيال اصغيرين ولا كلام حريم!!
أجاب شهاب ناظرا الى جده بتركيز :
- قصدك زي عمي رؤوف كدا ؟
كان الصوت الذي نهره هذه المرة صوت جدته التى قالت بمنتهى البرود والقوة :
- شهاب .... ديه كلام كبار ماينفعشي الصغار يتكلموا فيه, خلص وكلك واتيسر على شغلك ... واحمد ربك ان ابوك ماحاضرش الكلام اللي بتجوله ديه ولا كان إداك حجك صوح..
ثم التفتت الى غيث متابعة راغبة في تغيير الحديث:
-بوك وامك ماجالوش هييجوا ميتى من العمرة ؟
فهم غيث رغبتها بتغيير سير الحديث فأجاب بهدوء وهو يسترق النظر الى شهاب الذي سادت الحمرة وجهه غضبا وغيظا :
- ان شاء الله انهارده آخر النهار هروح اجابلهم في المطار... قالت الجدة بابتسامة :
- ياجوا بالسلامة يارب ..
ثم أولت زوجها اهتمامها وقالت :
- حاج عبد الحميد اعملك جهوة ولا حاجة تشربها ؟..
نظر اليها عبد الحميد مجيبا بهدوء نسبي :
- ايوة يا فاطنه ياريت فنجان جهوة من يدك, بلاش البت صباح بتعملها ماسخة مالهاش طعم .
ابتسمت وقالت وهى تنهض واقفة:
- من عينيا يا حاج. انت تؤمر.
وغادرت المائدة متجهة لصنع القهوة بينما مهض شهاب مستئذنا بالانصراف وهو يقول :
- وانا عن اذنكم هروح المزرعه ...
اشار له الجد بالذهاب فقال غيث ما ان اختفى أخاه عن الانظار:
- معلهش يا جدي, انت خابر شهاب بيحب عزت جد ايه, وهو تجريبا صاحبه الوحيد..
تنهد الجد وأجاب:
- عارف يا ولدي, وديه اللي جالجني عليه... اللي يشوفه ما يصدجش انه بينكم وبين بعض 5 دجايج بس !!, معجوول انتو تووم !, انت اكبر منيه بكتير يا ولدي بعجلك ورجاحة مخك لكن هو ربنا يهديه يارب ..لاه وكله كوم وعصبيته الشديدة ديه كوم تاني, مش بتخلي عنديه فرصة انه يفهم ولا يجدر الكلام اللي بيتجالو, على طول بيهب كيف وابور الجاز الخربان اكده! ابتسم غيث وقال :
- معلهش يا جدي ..انت خابر انه طبعه عصبي بس جلبه طيب وبيروج بسرعه, وبعدين انت اللي صممت انى ادرس تجارة علشان امسك حسابات المزرعة ومصنع اللحوم, وانه يدرس زراعة علشان يمسك المزرعة, شكله إكده من كتر عشرته للبهايم مابجاش بيفهم زين وبجى بينطح زييهم!
ضحك الجد وقال لغيث وهو يهم بالوقوف, فوقف غيث سريعا لمساعدته على السير مستندا على عصاه العاجية :
- تصدج يا غيث يا ولدي.. انت اللي بتخليني اعرف ارووج كيف.. يا ما نفسي افرح بيك انت واخوك في ليلة واحده جبل ما اموت...
سار معه غيث حتى وصلا الى الشرفة التى تطل على الحديقة الواسعه المحيطة بالمنزل ثم جلسا فوق الكراسي الخيزران, وما إن ارتاح جده في جلسته حتى قال غيث:
- طولة العمر ليك يا جدي ان شاء الله ... ما تستعجلش يا جدي كل شيء في أوانه حلو...
قال الجد بلهجة غامضة :
- فعلا يا ولدي كل شيج في اوانه حلو ...وعامة هانت .. فات الكتير ما بجى غير الجليل !!
قطب غيث مستغربا عبارة جده ولكنه لم يتوقف عندها كثيرا وبدلا من التعليق عليها قال مستئذنا بالإنصراف:
- معلهش يا حاج هستأذنك انا علشان أتاخرت يدوب ألحج أروح الديوان أشوف الحسابات وإكده.. في أمان الله يا جدي.. اجابه الجد قائلا :
- في أمان الله يا ولدي في امان الله
انصرف غيث بينما تنهد الجد بعمق وقال بخفوت :
- ايييه يا رؤوف يا ولديْ .... اتوحشتك جوي .. ما توحشتناش انت كُمان ؟, أكتر من تلاتين سنة من يوم ما فارجتنا, سافرت برات #مصر ورجعت تاني وأدالك عشر سنين في #مصر, من يوم ما تركت البلد وانت رجلك ما طابتش حدانا واصل .. كنت اشوفك سرجه في #مصر انا وأمك وماحدش هنا في البلد يعرف اننا عارفين سكتك ... مش آن اوان الطير المهاجر انه يرجع إلـ عشّه يا ولدي ؟!!, ورفع رأسه للسماء ليشاهد صقرا محلقا فاردا جناحيه يطير مخترقا السماء بقوة وسرعه فقال الجد وهو يبتسم ابتسامة خفيفة :
- هتعود يا ولدي.. جلبي بيجوللي انك هتعود إلـ عشّك من تاني, ووجتها ماهاسيبكش تخرج منيه واصل!! .......



- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:01 AM   #4

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-2-

طرقت ألفت باب حجرة ابنتيها قبل ان تدخل لتشاهد ابنتها الكبرى وهي جالسة الى مكتب صغير منزو في ركن بالغرفة تقوم بالعمل على حاسوبها الشخصي بينما ابنتها الصغرى ترقد فوق الفراش نائمة على بطنها تتلاعب بقدميها صعودا وهبوطا وهى تتصفح في مجلة من مجلات الازياء والموضة, دخلت وقالت لابنتيها اللتان لم تنتبها لطرقاتها :
- نحن هنا .. كل التخبيط دا وما اخدتوش بالكم ؟
اعتدلت سلافة من فورها في جلستها ورتبت منامتها القطنية المرسوم عليها احدى الشخصيات الكارتونية الشهيرة بينما التفتت سلمى القابعة امام حاسوبها الى امها وابتسمت ثم وقفت وسارت متقدمة منها وهي تقول بابتسامة ناعمه :
- اهلا.. اهلا بست الكل.. معلهش كنت مركزة مع عم جوجل والسيرشيز اللي بيطلعهالي!
قالت ألفت وهى ترفع حاجبها بدهاء ناظرة الى سلافة :
- طيب انتي علشان بتتابعي حاجات متعلقة برسالة الدكتوراة بتاعتك على النت, والست سلافة هي كمان مركزة علشان هتعمل دكتوراة في احدث صيحات الموضة ؟
صاحت سلافة معترضة :
- ماما ! انا كنت بقرا المجلة.. عادي يعني
أجابت امها إمعانا في غيظها وهى على يقين من ان سبب غضب ابنتها ليس سخريتها منها لشرودها بل لأنها نادتها باسمها سلافة بدون اسم التدليل الذي اختارته لنفسها :
- معلهش يا سلافة بس تقولي ايه؟, اصل مامتك مالهاش في موضة اليومين دول.
نهضت سلافة من فورها وقد اضطربت تعابير وجهها واتجهت الى والدتها حيث قبّلت كتفها وقالت بدلال لا يليق الا بها :
- مين قال كدا؟, حد يقدر يقول حاجه عليك انت يا جميل!, هو في فيه شياكتك وجمالك؟, وهو كان ايه اللي وقع قيس بن الملوح في دباديبك انت يا قمر؟
قالت امها موبخة اياها :
- انت هتفضلي لسانك طويل كدا لغاية امتى؟, انا مش قلت لك 100 مرة قبل كدا انت كبرت على الدلع دا؟
علقت سلمى بهدوء وابتسامة رقيقة تزين ملامحها :
- معهلش يا ماما سامحيها .. عيلة وغلطت!!
قالت سلافة بدلال وقد احاطت عنق أمها بذراعيها البضتين :
- مالكيش دعوه, انا الصغيرة آخر العنقود سكر معقود .. اتغاظي وفلفلي يا أبلة الناظرة انت !
زفرت ألفت في ضيق ثم نقلت نظراتها بينهما هما الاثنتين وقالت بهدوء :
- بطلوا دلع ومجادلة بينكم انتم الاتنين .. وياللا اتفضلوا قودامي بابا عاوزكم في موضوع مهم في الليفنج ( غرفة المعيشة )..
تقدمتهما الفت بينما تبدلتا النظرات المتسائلة فيما بينهما, فقد استشعرا حدة خفيفة تلوّن سلوك والدتهما ولكنهما اكتفيا برفع كتفيهما علامة عدم الفهم ولحقا بها حيث ينتظرهما والدهما....
- بصوا حبايبي انا عاوزكم في موضوع مهم ...انتو دلوقتي مابئيتوش صغيرين وفيه حاجات لازم تعرفوها!
قالت سلمى مقطبة بين حاجبيها بهدوء حائر:
- حاجات ؟ حاجات زي ايه يا بابا ؟
ابتسم والدها بحنان وأجاب:
- اصبري يا دكتورة... هتعرفي كل حاجه دلوقتي .
ثم تابع حديثه ناظرا لابنتيه الجالستين على المقعدين امامه بينما جلست زوجته بجواره وقال :
- انا عاوزكم تتعرفوا على أهلكم ..أهلي ... جدكم وجدتكم وعمكم وعمتكم وولادهم .. عاوزكم تتعرفوا على عيلتنا .. عيلة الخولي ..أكبر عيلة في كفر الخولي !
قالت سلافة مقطبة :
- كفر الخولي؟, عيلتنا؟, كانوا فين من زمان يا بابا ؟, اول مرة اسمع حضرتك تتكلم عنهم !
أجاب والدها ناظرة اليها بتأنيب:
- ما هو انتم لو تبطلوا تقاطعونى.. هتفهموا كل حاجه!
غطت سلافة فمها بيدها وقالت بخفوت :
- سوري بابايا .. اتفضل حضرتك كمل..
تنهد ثم تابع وقد شاب نبرته بعض التردد البسيط :
- انا عارف انه صعب عليكم دلوقتي انى اقولكم انه ليكم عيلة وزي ما قلتلكم عيلة كبيرة أكبر عيلة في كفر الخولي اللي اتسمى الكفر اساسا على اسم جدكم الخولي الكبير, انتم ليكم أهل وناس وعزوة, مش مقطوعين من شجرة بعد الشر ولا حاجة...
قالت سلمى بهدوء كعادتها:
- معلهش يا بابا بعد اذن حضرتك... كل دا كويس, بس ممكن نعرف هما كانوا فين السنين دي كلها؟, ليه ما كانوش بيزورونا ولا بنزورهم؟, ليه حضرتك ماجيبتش سيرتهم غير دلوقتي ؟
تنهد رؤوف عميقا وأجاب:
- بصوا حبايبي.. في ظروف حصلت خلت من الصعب انى اكون على تواصل معهم .. انا زمان ماحاكيتش حاجه لكم علشان كنتم صغيرين, لكن دلوقتي لازم تعرفوا كل حاجه.. خصوصا قبل ما نروح هناك والموضوع يتحكي لكم بطريقة تانية!!
أرهفت سلمى وسلافة آذانهما في حين تابع والدهما قائلا :
- احنا عندنا في الصعيد البنت بتكون لابن عمها وبتتقري فاتحتهم من وهي لسه في اللفة .. انا عارف انكم هتقولو ان دا كان زمان بس هقولكم العائلات الكبيرة بتكون أحرص الناس على التمسك بالعادات والتقاليد دي .... وانا واخويا الكبير عثمان طبعا كان معروف احنا هنرتبط بمين لما نكبر, ببنات عمى طه .. اخويا عثمان الكبير ياخد راوية بنته وانا اخد اختها زينب ... عثمان ما كملش تعليم ونزل الارض مع ابويا اللي ماسِّكه الشغل كله, انا كانت سكِّتي حاجه تانية .. اخدت الثانوية العامة ودخلت كلية الآداب قسم صحافة في #مصر وماكنتش بسافر البلد الا في الاجازات .. وطبعا لما خلصت الكلية لاقيت ابويا بيفاتحني في موضوع ارتباطي بزينب بنت عمي .. انا في الوقت دا كنت طلعت من الاوائل على دفعتي واتعينت معيد في الجامعه واتعرفت على أمكم ألفت !!
حانت منه نظرة حنان الى ألفت زوجه الجالسة بجواره فيما ربتت ألفت على ذراع زوجها والذي تبادل معها نظرة تفيض بمشاعر الحب ثم أكمل قائلا :
- ألفت باباها كان أستاذي وهي كانت طالبة في سنة أولى لما اتعينت معيد في الجامعه ... شدتني ليها من اول يوم ... وسافرت البلد علشان افاتح ابويا انه يخطبها لي وطبعا اتفاجئت بحكاية بنت عمي وان ابويا كان مستني لما اخلص جامعة علشان يفرح بيا انا وعثمان اخويا في ليلة واحدة.. بس أنا رفضت وخيّرني يا اما اكون ابنه طوعه وما صغِّرش بيه مع عمي طه يا إما أنفذ اللي في دماغي وساعتها ابقى لا ابنه ولا يعرفه, وطبعا انا رفضت!, انا مش بنت يجوزوني زي ما هما عاوزين... واتجوزت أمكم وخلصت الماجستير والدكتوراه, وسافرت إعارة في الخليج وهناك جيتي انتي يا سلمى وبعد 4 سنين جات سلافة, ورجعنا #مصر, لما سلمى خدت الثانوية العامة علشان تدخل الكلية هنا, وقتها حاسيت بشوق جامد أووي لأهلي وكلمتهم, أبويا اللي رد عليا وخد عنواني وجه زارني هو وأمي, وماقدرتش أقولكم كنتم ساعتها لسه صغيرين سلمى 18 سنة وانت يا سلافة 14 سنة, ما كانش حُكْمُكُمْ على عيلتي هيبقى صح, كنتو هتبقوا مندفعين ليا ولمامتكم, لكن انتم دلوقتي كبرتوا وتخرجتوا وبتشتغلوا وتقدروا توزنوا الأمور صح.
سكت قليلا ليتأكد من استيعابهم لكلامه ثم واصل:
- عموما نرجع لموضوعنا, انا ماقدرتش انزل البلد... اخويا عثمان مقاطعني من يومها.. بيقول لي انى صغّرت بأبويا, وعمي طه علاقته بأبويا بئيت وحشة بس اللي رضاه انه عرف ان ابويا طردني ...احنا رجعنا من 10 سنين ماشوفتش فيها ابويا إلا 3 مرات بس وسرقة, لكن انتم دلوقتي كبرتم ولكم حق على العيلة دي .... انتم لكم أهل لازم تتعرفوا عليهم, علشان كدا أنا عاوز كل واحده فيكم تقدم على أجازة من شغلها علشان أنا قررت إننا نسافر كفر الخولي في اقرب وقت..
علّقت سلمى بدهشة:
- أيوة يا بابا, بس حضرتك عارف طبيعة شغلي مش هقدر آخد اجازة طويلة... دا غير الرسالة بتاعتي..
قال والدها بهدوء:
- سلمى حبيبتي... السفرية دي ضروري نقوم بيها, وبعدين يا ستّي العربية موجودة.. وقت ما تحتاجي تنزلي #مصر مافيش مشكلة ...
تدخلت سلافة في الحديث قائلة:
- بص يا بابايا.. انت عارف انى مقدرش ارفض لك طلب, من بكرة هقدم على أجازة, وأنا عموما عندي رصيد أجازات يسمح إنى آخد أجازة كويسة .
قال الأب مبتسما:
- يبقى كدا تمام .... رتبوا نفسكم في خلال يومين هنكون مسافرين ان شاءالله..
هتفت سلمى متسائلة:
- هتقول لجدي يا بابا؟
أظلمت عينا والدها بنظرة غموض وأجاب:
- أكيد لازم أقوله, جدكم هو اللي في إيده كل حاجه ..
ثم نهض قائلا : ها اقولكم تصبحوا على خير بأه ..
نهضت ألفت وقد ألقت بتحية المساء على ابنتيها وخرجت برفقة زوجها متجهان الى غرفتهما بينما تبادل كلا من سلمى وسلافة نظرات الاستفهام والتساؤل !!
=======================
- حمدلله ع السلامة يا عتمان يا ولدي.
قبل عثمان يد أبوه وأمه وقال وهو يجلس بجوارهما بينما قبلت راوية بدورها يد حماها وحماتها :
- الله يسلمك يا بووي ...اتوحشتكم جوي والرحلة كانت ناجصاكم والله انت وأمي.
قالت أمه ببشاشة:
- ان شاء الله المرة الجاية نكون صحبة عند النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم التفتت الى راوية زوجة ولدها وتابعت بإبتسامتها الحنون: -
- كيفك يا أم غيث؟
أجابت راوية بابتسامة صغيرة :
- الحمدلله يا مرات عمي, الواحد ماكانِش عاوز يفوت الحرم واصل ويرجع, الود ودنا كنا نجعد إهناك على جد ما ربنا يجدرنا, لكن ماعينفعش, الحملة اللي طلعنا تبعها لها وجت مخصوص .
قال الحاج عبد الحميد بابتسامة :
- ان شاء الله تسافري في رمضان اللي جاي متل كل سنة.
قال غيث مستفهما :
- اومال وينه شهاب يا جدي ؟
زفر الجد بغيظ وضرب بعصاه العاجية الارض وأجاب بحنق ونظراته يعتليها الضيق:
- خووك خرج مع عزت ولد أبو سويلم زي كل ليلة.. وجال مش هيعوَّج... ساعة زمن وياجي وبجالو فوج عن ساعتين زمن !!
هتفت راوية بقلق:
- هو لساتو مصاحب ولد أبو سويلم ؟
فيما جحظت عينا عثمان غضبا وكتم انفعاله بصعوبة احتراما لجلوس والده وقال بغضب مكتوم:
- ولا يهمك يا حاج, ما تشيليش هم, أني لما أشوفه ليَّا معاه كلام كتير جووي, شهاب ماعادش إصغير, وماهواش جاعد إلحاله عشان يتصرف على مزاجه... لاه ... فيه حاجه اسمها الكبير.. والكبير كلمته لازمن تُحترم وتمشي على الكبير جبل الصغير..
دلف شهاب بمرح وهو يلقي السلام وقال بينما يتجه ليقبل يد والديْه وجديْه :
- ألف حمدلله ع السلامة يا حاج انت وامي..
قال ابوه بعد ان جلس بجواره شهاب وهو يتطلع الى ولده بجدية وصرامة:
- شهاب.. إوعاك تكون فاهم اكمنك درست وجعدت في البندر سنين دراستك انك خلاص... تجلع توبك وتلبس توب البنادر!, أنا كم مرة منبه عليك عزت ابوسويلم لع؟, لكن انت اللي في راسك لازمن تعمله .... راسك يابس كيف الصخر.. وأنا مش هعيد كلامي تاني يا شهاب .. وانت ما انتاشِ إصغير عشان أجولك تصاحب مين وتسيب مين .. عزت صاحبك ماجولناش حاجه.. بس مش لدرجة كل ليلة سهر إمعاه .. انت عارف اللي حُصل منِّيه كويس والحديت ديه مش عاوز أجوله تاني كنِّهُ جصِّة أبو زيد, صاحبك ديه خف عنِّيه شوية... مفهوم يا باشمهندز؟
أومأ شهاب برأسه الى أعلى وأسفل وأجاب وهو يكتم غضبه وغيظه بصعوبة :
- ماشي يا حاج, اللي تؤمر بيه... عن إذنكم وحمد لله على السلامة مرة تانية ...
ونهض مستئذنا في الانصراف مغادرا الى غرفته بينما قالت الجدة :
- معلهش يا عتمان يا ولدي, شهاب لساتو شاب وانت خابر طيش الشباب زين, بس أني متأكده انه مش هيعمل حاجه غلط واصل ,
قال عثمان زافرا بضيق :
- ان شاء الله يا ام عتمان ان شاء الله ...
قال الجد ناظرا الى عثمان بجدية :
- عتمان يا ولدي بعد ما اتغير خلجاتك وتريح اشويْ عاوزك تلافيني لداري, في موضوع إكده عاوز أجولك عليه...
نظر عثمان الى ابيه وقال بلهفة وقلق:
- خير يا حاج ؟
أجاب الجد ونظرات الغموض تكتنف مقلتيه :
- خير يا ولدي, ان شاء الله خير ...
- انت بتجول ايه يا أبوي.. خوي رؤوف هياجي أهنه ؟
هتف عثمان بعبارته بتساؤل ودهشة وعدم تصديق, فيما أومأ الجد بالايجاب وأجاب متنهدا بعمق:
- أيوة يا ولدي .. خوك هياجي...كلها ييمين.. تلاته.. وتلاجيه إهنه.. وسط أهله وناسه, لازمن الطير المهاجر يعاود لعشه من تاني يا عتمان يا ولدي.
قال عثمان وهو لا يدري أيفرح لعودة شقيقه الصغير الغائب منذ ما يقرب الثلاثين عاما... أم يغضب لابتعاده عنهم طوال هذه السنوات دون أي محاولة منه للتواصل معه على أق تقدير شقيقه الأكبر؟!, ولكن الإنطباع الذي غلب عليه هو الحيرة!, نعم.. لِما الآن؟, ما الذي حدث وجعله يقرر العودة الى أهله وبلدته؟, فهو منذ أن غادرهم بعد ان حصل على ليسانس الآداب وقرر ان يقترن بمن اختارها رغما عن رأي والده بل ورأي كبار العائلة وهو لم يسمع منه او عنه شيئا... وان كان يشك ان والده يعرف عنه ولكنه لا يصرّح بهذا...
التفت الى والده وقال :
- وانت عرفت من وين يا حاج ؟
نظر الجد اليه وقال بصرامة :
- انت عارف انى ما انجطعتش عن ولدي يا عتمان ... رؤوف خوك كان بيكلمني ويتحدت إمعايْ ويطمني عن أخباره أول بأول, ولو عليه كان رجع لنا من زمان... بس كان عامل حساب عمك طه وزعله منِّيه... ولمان عرف بمرض عمك جبل ما يموت زاره في المشتشفى واستسمح منه وحبْ على راسه... انا كنت يومها إهناك... وهو اللي طلب مني انه يزوره وسمحت له, وعمك طه سامحه, وكان نفسه يرجع تاني لهله وناسه, بس ولد عمك عدنان ربنا يهديه كان رافض انه يشوفه... بيجول خلا سيرتنا على لسان اهل البلد كلاتهم, الكل كان مستغرب وِلْد عمها فاتها ليه.. وكلام الناس كتير... حتى لو عاوز يتجوز من #مصر.. الشرع حلل له أربعة.. يُبجى فاتها ليه جبل الجواز بحاجة بسيطة؟, وحلف ما عاد له ولد عم اسمه رؤوف ولو شافه هيدفنه مكانه!, وانت خابر عدنان ولد عمك ماعيتفاهمش واللي براسه ما في مخلوج يجدر يخرّجه منِّيه!!
قال عثمان مشفق على حال ابن عمه:
- ما هو رؤوف محجوج يا حاج .. كلاتنا غلطناه.. وانا بنفسي نصحته وجولت له لو عاوز يتجوز من #مصر ماشي بس ما يصغرش بيك ولا بعمه وبت عمه, جعد يجولي كلام كبير زي انا لو اتجوزتها هظلمها وانا ماعينفعش اكون منافج واخبي على مرتي اللي في #مصر, وانه زينب من حجها تتجوز راجل يكون رايدها هيا مش عشان كلام الناس, وركب راسه وعمل اللي في دماغه هو وبس ... بس عموما الكلام ديه من زمن وعدنان ماعادشِ الشاب الصّغيّر اللي بيتحِمِجْ على أجلّها حاجه, هو كبير عيلته دِلْوَكْ بعد عمي طه الله يرحمه ما اتوفى, وانا متأكد انه سامح رؤوف, وخلاص زينب اتجوزت راجل زين وبيحترمها ومن عيلة كبيرة ... رياض طول عمره محترم إمعانا وبيكبر بينا, وربنا بيحب عمي وبت عمي انه عوضهم بواحد زييه...
قال الجد منهيا الحوار :
- جُصر الكلام ... خوك هيوصل في ظرف ييمين تلاته بالكَتير, ومش عاوز حد يفتّح في كلام فات.. خلاص اللي فات مات واحنا ولاد انّهاردِه, ولازمن تاخد خوك وولاده في حضنك وتحت جناحك, انت دلوَكْ عمهم الكبير وهما بنات مالهومش بعد ربنا سبحانه وتعالى الا ابوهم واحنا !!
ارتسمت بسمة حانية على شفاه عثمان وقال :
- هو رؤوف عنديه بنات ؟
أجاب الجد بإبتسامة هادئة:
- إيوة عنديه بتتين !
قطب عثمان وقال :
- مافيش إولاد ؟
هز الجد برأسه نافيا :
- لع... مافيشي ولاد... بتتين واحده دَكتورة والتانية مش عارف بتشتغل في شركة اجنبية ومخلصة حاجه اكده خووك بيجول انها شهادة عالية جووي, لكن انا ماهيمنيش همّا بيشتغلوا ايه, بناتنا مش بيشتغلوا حدا حد.. اللي يهمني انهم يتعلّموا سلوْ بلدنا وعوايدنا وتجاليدنا, ويعيشوا معانا إهنه, خلاص كفاياه خوك سفر وغربة وشحططة!!
قال عثمان ساخرا :
- وبت البندر مرته هترضى تعيش حدانا في الكفر؟, واكيد بناتها طالعين لها .... هيسيبو البندر وياجو يعيشو إهنه؟
أجاب الجد بحزم:
- الحريم مالهومِش شور .. الراي في الاول والاخير راي راجلها وهي اتنفذ وبس!, واذا كان خوك جعدته في البندر نسيته عوايدنا احنا هنفكرو بيها ..اهم شيء انت تكلم عدنان ولد عمك .. هو هياجي الليلة يتحمد لك بالسلامة هو وعايدة اختك مراته وهتاجي سلسبيل بتِّك معهم, زوجها مسافر كم يوم اسكَندرية عشان شغل, واستأذنته انها تاجي مع ابوه وامه تسلم عليكم وهو وافق...
هز عثمان برأسه راضيا وقال :
- راضي طول عمره طيب ومش بيرضى يزعل سلسبيل واصل, عكس خووه ليث.. نار جايده طول الوجت اسم على مسمى صوح ليث وهو كيف الليث في غضبه وعصبيته!, هو وراضي خوه تمام كيف ولدي شهاب وخوه, اللي يشوفه ماهيصدجش انه وغيث توم حتى مش شبه بعض ..عموما اطمن يا ... رؤوف خوي هيرجع بلده وبيته واهله بالسلامة وبناته بناتنا ومرته هنشيلها فووج روسنا كرامة له, لكن هي برضيك لازم تراعي الاصول معانا .
هز الجد برأسه مبتسما وقال :
- اني شوفتها نوبتين تلاته إكده, وعاوز اطمنك إنها كانت في منتهى الاحترام معاي انا وامك ..عموما انا متأكد انها هتراعي جوزها وهتعرف تعيش وسطينا ... طمنت جلبي يا عتمان يا ولدي ربنا يطمن جلبك...
نهض عثمان ومال على والده مقبلا كتفه وقال :
- طب عن اذنك أني يا حاج, هروح أريح شوي... وماتشيلش هم حاجه واصل, ولادك كيف ما ربيتهم... مش احنا اللي نرفض ولدنا ونطلعه من وسطينا, الزمن فات يا حاج والكل شاف حاله وعيال البارحة بجوا رجالة انهاردِه وولادنا بيتزوجوا, وعمي الله يرحمه مات وهو مسامحه وعدنان أنا خابره زين, جلبه كيف الجُطن الابيض, رؤف خويْ هياجي يلاجي بيتنا ودراعتنا وجلوبنا مفتوحا له هو ومرته وبناته!
ابتسم الجد وعقّب:
- الله يرضى عنيك يا ولدي.. روح يا ولدي دارك ريح جتتك شويْ ربنا يبارك فيك وفي عيالك, انت كبير عيلة الخولي من بعدي, اني إكده اطمنت ع العيلة من بعديْ...
انصرف عثمان وهو يدعو لوالده بطول العمر تاركا والده والابتسامة تزين ملامحه .......
================================
صعدوا الى سيارتهم العائلية والتي تقودها سلمى - فوالدها ممنوع بأمر الاطباء من القيادة نظرا لحالة قلبه - وقد جلس والدها بجوارها بينما والدتها وشقيقتها تجلسان في الخلف وقال ابوها بابتسامة :
- ياللا يا سلمى يا حبيبتي رجّعينا بلدنا.. اشتقت لريحتها ولناسها ولزرعها وسماها .
ابتسمت سلمى في حنان وهزت برأسها إيجابا ثم أدارت المحرك وانطلقت في حين نظر رؤوف الى السماء وقال :
- يارب انا استخرتك في الخطوة دي .... اجعل اللي جاي سهل واحفظ لي بناتى ومراتي .....
وبدأت رحلة العودة .... ترى هل سيندم رؤوف على عودته وما مصير بناته ؟؟؟



- يتبع -



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:01 AM   #5

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-3-

وصلت عائلة رؤوف الى مشارف البلدة وارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه وهو يقول محدثا زوجته وابنتيه :
- شوفتوا بلدكم جميلة ازاي؟, شوفتوا الخضار اللي ملون أرضها.. لونه نفس لون قلوب ناسها.. أخضر وصافي...
قالت سلمى بابتسامة خفيفة :
- جرى ايه يا بابا؟, انا عارفة انك بتحب الأدب والشعر بس دي أول مرة أسمعك بتقول شعر بالطريقة دي.. من ساعة ما ركبنا العربية واحنا في #مصر وانت زي الحبيب اللي راجع لحبيبته بعد طول غياب وعمّال يتغزل فيها !!
ضحك والدها ضحكة صافية بينما سارعت سلافة بالهتاف بمرحها المعهود موجهة حديثها الى أمها الجالسة بجوارها على المقعد الخلفي تبتسم بسعادة لسعادة زوجها:
- أوباااا.. خلِّي بالك يا ليلى.. إنِّي ألمح شبح #حب قديم يلوح في الأفق غاليتي!!
ضحك الجميع وعلقت ألفت بمرح :
- لا تهتمي يا فتاة.. فقلبه معي ولم يسكنه غيري ..
قال رؤوف مكملا حديثهم بالعربية الفصحى:
- ولن يسكنه غيرك يا ليلايْ!
وانطلقت سلمى متابعة طريقها وسط الضحكات التي تتعالى في السيارة ...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
فُتحت بوابة حديدية ضخمة على مصراعيها بعد أن إنطلق زمور سيارة عائلة رؤوف وانطلقت سلمى عابرة اياها بسرعة لتبطيء بعد ذلك من حركتها ما إن اقتربت من البوابة الداخلية للمنزل بينما تلفت شهاب على صوت السيارة المتقدمة للداخل ليرمقها بتساؤل من فوق جواده العربي الاصيل (عنتر)...والذي كان جواداً اسود كالليل البهيم كان شهاب هو من روّضه, فقد كان فرس عربي جامح ولكن شهاب استطاع ترويضه وأصبح فارسه الأوحد ...
- ستِّي الحاجة...يا ستِّي الحاجة الضيوف جوم بالسلامة...
اندفعت وردة تهتف بالبشارة لسيدتها وهي تركض فرحة, بينما قامت فاطمة من مجلسها بسرعة وهي تستند على ركبتيها بوهن وقالت وهى ترتدي خفها الذي لم تستطع ارتداؤه بسهولة من اول مرة لاستعجالها بينما نادت وهى تحاول الإسراع في سيرها بما يسمح لها جسدها الكهل:
- نادمي على الحاج يا بت يا وردة..
قالت وردة الفتاة ذات الرابعة عشر ربيعا وهي تهم بتلبية أمر سيدتها:
- من عينيا.. حاضر, يا حاج.... يا حاج ...
بينما وقفت فاطمة وهي تنظر الى الباب حيث دخل راجح غفيرهم الخاص يحمل حقائب عدة إحداها فوق كتفه الأيمن يسندها براحته اليمنى الغليظة وأخرى تحت إبطه الأيسر وثالثة ورابعة يمسك بمقبضيهما بكفّه الأيسر الغليظ!!
تنحنح راجح وهويسعل هاتفا بضخامة صوته الجهوري:
- يا رب يا ساتر....
ووضع الحقائب جانبا بينما تقف فاطة تنظر بلهفة الى الباب والدموع تتلألأ في عينيها وإبتسامة ترقب ترتسم على شفتيها المشققتين, حبست أنفاسها حين طالعتها قامة مديدة يعلوها رأس اسود غزا الشيب شعره, ارتجفت شفتيها ومدت يديها فاتحة ذراعيها وهى تقول بتلعثم وإبتسامة سعادة وعدم تصديق لما تراه عينيها تشق طريقها الى وجهها المتغضن فيما تتدافع الكلمات من فمها بينما ترتعش شفتاها وتغيم عيناها بالدموع التي فاضت ما ان نطقت قائلة :
- و.. ولـ... ولدي, ولداااااااي .....
ركض رؤوف الى أمه في سرعة وكأنه قد غدا شابا في العشرين من عمره, ليلقي بنفسه بين أحضانها الدافئة, هذا الحضن الذي حُرم منه طويلا, كانت تغسل وجهيهما بدموعها بينما يقبل هو كل إِنش في وجهها وتقبل هي رأسه ووجهه وهي تهتف منادية بإسمه ثم ابتعدت قليلا عنه لتملأ عينيها برؤية وجهه الذي اشتاقت له حتى أمرضها شوقها ذلك, ثم أحاطت وجهه بكفيها المغضنتين وهي تقول من بين غصات بكائها الحار والذي يناقض الابتسامة الواسعة التي ارتسمت على وجهها لتنيره:
- رؤوف .. ولدي, يا حتة من جلبي, اتوحشتك جوووي.. جووي يا ولدي...
امسك رؤوف بيديها المحيطة بوجهه ليقبل باطن كفيها وهو يقول بينما دموعه قد غلبته رغما عنه لتغرق وجنتيه:
- وانتي كمان يا أمي.. وحشتيني اووي... اوووي ...
سمع صوتا على الرغم من عدد السنين التي مرّت ولكنه لا يزال محتفظا بقوته وثباته وهو يهتف آمرا:
- كفاياكي يا فاطنة... خليني اعرف اسلم على الغالي...
رفع رؤوف رأسه ليشاهد نظرات والده المشتاقة وهو يتابع بابتسامة مرتجفة رغما عنه فاتحا ذراعيه على وسعهما:
- ايه .. ما اتوحشتنيش آني كُمااان ولا ايه يا ابن عبد الحميد؟!.
ابتعد رؤوف قليلا عن والدته وسار حتى والده وهو يجيب بابتسامة مشتاقة ودموع تسيل رغما عنه مغرقة وجهه الأسمر:
- ابن عبد الحميد اشتاق لريحة عبد الحميد يا حاج..
ورمى نفسه بين ذراعي والده ليتلقفه حضنه القوي الدافيء ورفع يد والده يقبل ظاهرها وسط عبارات الحمد والشكر لله التي صدرت من عبد الحميد أن منّ عليه الله بإحتواء ابنه ثانية بين ذراعيه ورؤيته وسط عائلته قبل ان توافيه المنية...
راقبت عائلته الصغيرة ما حدث من لقاء عائلها الحبيب مع والديْه والدموع تجري مدراراً من فيض المشاعر التي تراه امامها, ابتعد قليلا رؤوف عن والده واشار بيده الى عائلته الصغيرة الواقفة بجوار بعضها البعض وهو يقول وابتسامة فخر صغيرة ترتسم على وجهه :
- عيلتي يا حاج ...
قالت فاطمة وهى تحاول ايقاف دموعها بإبتسامة أمومية حانية:
- ما شاء الله يا ولدي ...
بينما واصل رؤوف حاثًّا عائلته على التقدم والسلام على والديه:
- سلمى, سلافة, تعالوا حبايبي سلموا..., ثم تابع بفخر مشيرا الى والديْه:
- دا جدكم.. أبويا الحاج عبد الحميد, وجدتكم... أمي الحاجة فاطمة...
اقتربت ألفت للسلام على حماها وحماتها وقالت بابتسامة هادئة صافية وهي تقبل رأسيهما:
- انا مبسوطة جدا انى شوفتكم.. رؤوف بيتكلم عنكم كتير وما صادفش في الكم مرة اللي اتقابلتوا فيها إني أكون موجودة..
رحبت بها فاطمة قائلة بابتسامة صغيرة:
- بيتك وُمطرحك يا مرات الغالي.., بينما صافحها الجد مرحبا بها بابتسامة هادئة.....
قدّم رؤوف سلمى قائلا بفخر أبوي:
- دي سلمى يا حاج... الدكتورة سلمى رؤوف عبد الحميد الخولي...
اقتربت سلمى وصافحت جدها مقبلة رأسه بينما تلقفتها جدتها بين أحضانها وهى تهتف بحب:
- بسم الله ما شاء الله.... دَكتووورة !, أهلا بيكي يا بتِّي... نورتي بيتك ومُطرحك يا ست الدكتووورة..
اقتربت سلافة بينما تزين ثغرها ابتسامة واسعة وهي تسبق والدها في التعريف بنفسها بمرحها المعهود:
- وانا بأه آخر العنقود سكر معقود...
التفتت اليها جدتها وقالت وهى تفتح ذراعيها اليها :
- تعالي يا سكر إنتي, شكلك سكر ودمك احلى من السكر كومان...
احتضنتها سلافة وهى تقبل راسها وهتفت بشقاوتها المحببة:
- انت اللي احلى من العسل يا ماما ستو...
قطبت جدتها قليلا وابعدتها عنها وهي تستفهم بحيرة:
- واه!, ايه؟, ماما ستو؟, ايه ماما ستو دايْ؟..
أجاب رؤوف بابتسامة صغيرة:
- ماما ستو يعني جدتي يا أم رؤوف بس في البندر بيقولوها كدا.
قالت الجدة وهى تحيط كتفي سلافة بذراعها بضحكة سعيدة:
- ماما ستو... ماما ستو, ماعيفرجش.. اهنه بيجولو جدتي.. لكن أي حاجه منيكي مجبولة يا بت الغالي, وانت بجاه اسمك ايه على اكده؟, بوكي جالو بس ما تواخزنيش يا بتّي راح من بالي!.
قطبت سلافة بينما ضحك والدها وهو يجيب:
- معلهش يا حاجه.. اصل اسمها مش عاجبها!
قطبت امه سائلة :
- ايه ؟, مش عاجبها ؟, ليه يعني؟!, عيكون اسمها ايه ان شاء الله.... زليخة؟
ضحك رؤوف قائلا :
- لأ ... سلافة!
كررت فاطمة هاتفة:
- ايه؟, مين؟, كيف سُلفة يعني؟, تاجي إزايْ ديْ؟!
تبرّمت سلافة وقالت لوالدها بحزن مصطنع:
- شوفت يا بابايا... أهي ماما ستو مش عاجبها الاسم وبتقول سلفة!!, لا يا ماما ستو مش سلفة... سلافة.. اقولك.. قوليلي سولي!
هتفت جدتها باستهجان :
- واه... ايه؟, سولي؟, ديه كلب دِه؟, كيف يا بتي أناديكي باسم كلب الله يرضى عنيكي بس؟!!
ضحكت ألفت قائلة :
- شوفتي.. مش انا لوحدي اللي مش عاجبني اسم الدلع بتاعك! قالت سلافة بحنق :
- خلاص يا ماما ستو قولي لي.. لولو!, ايه رأيك؟, أظن سهلة أهي؟!
أجابت فاطمة وهي تشيح بيدها :
- مِشِ إمهمْ... لولو.. لولو, إلِمهم انك أحلى من اسمك..
ضحك الجميع بينما اقترب الجد وهو يقول :
- طيب ولولو مش ناوية تسلم على جدها ولا ايه؟
اقتربت سلافة وهي تجيب بضحكتها التي تدخل القلوب:
- معقولة يا بابا جدو؟, أنا من ساعة بابايا ما كلمنى على حضرتك ونفسي اشوفك...
احتواها جدها بين ذراعيه وهي يقول بحنان أبويّ:
- شكلك إكده.. نصابة إصغيرة كيف بووكي وهو في سنّك إكده.. كان بياكل بعجلي ياما حلاوة!
سمعوا صوتا جهوريا يقول :
- وكانت النتيجة انه بعد عنِّنا اكتر من 30 سنة !.
التفتوا جميعا ليشاهدوا عثمان وهو يتقدم منهم وما لبث ان وقف قليلا يطالع في أخيه الواقف وسط عائلته الصغيرة التي استطاعت نيل اعجاب والده ووالدته منذ لحظة دخولهم, نظر مليا الى شقيقه الذي وقف يبادله النظرات بأخرى هادئة.. متسائلة.... قلقة!!, بينما نظرات عثمان يشوبها الغموض, وساد الصمت المترقب بين الجميع, وكان عثمان أول من خرقه عندما ترك العصا الأبنوسية التي يحملها جانبا ومد ذراعيه قائلا وابتسامة بدأت في الظهور على محياه :
- نورت بيتك يا وِلد أبوي...
ليسارع رؤوف باحتضان شقيقه وهو يتشمم رائحته بلهفة كبيرة, تلك الرائحة العابقة برائحة هذه الارض الطيبة والتي اشتاق اليها اشتياق العطشان للماء ..
أشارت فاطمة لإمرأة تقف بعيدا تراقب ما يحدث أمامها وتعابير وجهها لا تنم عما يجيش في صدرها من مخاوف وتساؤلات, وبعضا من الغيرة لدى رؤيتها لفرحة الجميع بعودة الغائب بصحبة عائلته, هتفت فاطمة بابتسامة واسعة:
- جدّمي يا أم غيث سلِّمِي على ولد عمك رؤوف ومَرَتُه وبناته...
تقدمت راوية وهي تعدل من وضع وشاحها الملون العريض فوق رأسها ورسمت ابتسامة هادئة وقالت مرحبة وهي تنظر بطرف عينها الى رؤوف:
- حمدلله ع السلامة يا وِلد عمي...
رد رؤوف تحيتها بإيماءة صغيرة من رأسه وقال ببشاشة:
- الله يسلمك يا أم غيث...
تقدمت باتجاه ألفت ووقفت أمامها ومدت يدها لتصافحها وهي تقول برسمية:
- البلد نورت بوجودكم....
ومالت عليها لتقبلها قبلة خفيفة باردة ولكن ألفت لم تقف عندها وأجابت بابتسامة صافية:
- منورة بيكم يا أم غيث....
ابتعدت راوية بعد ذلك وهي ترمق البنتين بغموض, سارعت سلمى لمصافحتها وهي تقبلها قائلة:
- أزيك يا طنط؟..
وتبعتها سلافة وهي تكمل:
- عاملة ايه يا طنط؟..
أخفت راوية امتعاضها من اسلوب البنتين في الكلام, واستهجنت في داخلها هامسة مع نفسها:
- طنط وطنط, ايه الكلام الماسخ ديه؟, كَنْهُمْ بيجولوا طنطا!, انما هجول إيه؟, طالعين لامهم, مجايبك يا ولد عمي!!
قال الجد قاطعا السلام البارد الذي استشعره من كنَّته راوية تجاه عائلة ولده الآخر رؤوف:
- جرى ايه يا أم غيث, فين الغدا, ضيوفنا أكيد جاعوا من تعب المشوار والطريج!!..
هنا تبدلت تعابير راوية من البرود للهفة وسرعة الاستجابة مما دل على مدى الاحترام والهيبة التي يمثلها هذا الصرح الشامخ الواقف أمامهم والذي مهما مرت عليه السنون فإنها لا تنقص من مكانته وهيبته وسط أفراد عائلته شيئا, قالت راوية وهي تهم بالذهاب:
- حالا يا بويا الحاج, هجولهم يجهزوا الغدا...

xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
جلس الجميع في غرفة الجلوس الكبيرة بمقاعدها الخشبية الثمينة المنحوتة على هيئة الأرابيسك, كان رؤوف أول من قطع الحديث الدائر حول أحوال البلدة والأهل والأقارب حينما توجه بالسؤال الى شقيقه الأكبر قائلا:
- أومال فين أولادك يا أبو غيث؟, غيث وشهاب وسلسبيل صح؟
أجاب عثمان بابتسامة فخورة:
- صوح يا ولد أبويْ, غيث في الديوان دِلوكْ, وشهاب في المزرعة أما سلسبيل بجه فهي ببيت جوزها... راضي وِلد عدنان إبن عمنا طه الله يِّرحَمُهْ, ما كانوش يعرفوا انك هتاجي انّهارْدِهْ, ولا كانوا هيبجوا في استجبالكم...
قال رؤوف بابتسامة حانية:
- ربنا يخليهوملك ويفرحك بيهم, انما غيث وشهاب ما اتجوزوش؟
أجاب الجد وهو ينظر الى ولده عثمان بغموض:
- لع, لسّاتهم من غير جواز, كل واحد بيستنى نصيبه, ولمّن النصيب بياجي ما في حد يجدر يوجف جُصاده!!..
قطب عثمان لدى سماعه عبارة والده, وتذكر معارضة والده في زواج ابنيه خاصة وأنهما قد تخطيا سن الزواج بالنسبة لعاداتهم, فالشاب ما ان يبلغ العشرون عاما حتى يبدأ الأهل بالتخطيط لزواجه, وكلما فاتح أباه في مسألة زواج الأبناء, أغلق الوالد الحديث في هذا الأمر بغموض قائلا أن النصيب لم يأت بعد, وعندما حاول دفع غيث بالحديث في هذا الشأن مع جده فاجئه غيث بأن هذا ليس بالأمر الجلل, وأنه واثق ما إن يزمع على الزواج بجدية فإنه قادر على إقناع جدّه, بينما شهاب رفض النقاش في الأمر جملة وتفصيلا هاتفا أنه لا يفكر بهذا الأمر ولو قدر أنملة الآن!!...
همس عثمان في نفسه وهو يطالع أبوه يتبادل المزاح مع حفيدتيْه:
- يا ترى يا أبو عتمان ناوي على ايه؟, أنا خابرك زين, ما بتجولش كلام والسلام, كل حرف بيطلع من خاشمك بتكون واعي له زين!, ربنا يستر من اللي جاي يا حاج...
وهو يعلم يقينا في قرارة نفسه أن والده قد وضع قرارا بشأن أحفاده ولم يبقى سوى الإفصاح عنه و.....التنفيذ!!
--------------------------------------------------------
تجمعت العائلة حول مائدة عامرة بكل ما لذ وطاب من أكلات مختلفة شهية المذاق, جلس الجميع, الجد على رأس المائدة والى يمينه عثمان ويساره رؤوف, والى يمين عثمان راوية, بينما الى يسار رؤوف ألفت فسلمى ثم سلافة, وعلى الجهة المقابلة للجد كانت فاطمة والتي لم تجلس طوال مدة تناولهم الطعام, بل اتخذت مكانها واقفة بجوار رؤوف ابنها تهتم بوضع شتى أنواع المأكولات في صحنه, قال رؤوف وهو لم يعد يستطيع وضع لقمة اضافية في فمه:
- كفاية يا أمي, بطني هتنفجر من كتر الأكل..
شهقت فاطمة مفجوعة وخبطت على صدرها هاتفة بلوم:
- بعد الشر عنيك يا ولد بطني, ان شالله اللي يكرهك, خد يا ضنايا اشرب بوج الماية ديِه وانت هتُبجى منيح...
ومدت اليه كوبا من الماء فتناوله منها وأمسك بيدها قبل أن تبعدها ومال عليها مقبلا ظاهرها وهو يقول بابتسامة:
- ربنا يخليكي ليا يا غالية وما يحرمنيش منك ابدا انتي والحاج...
ورفع كوب الماء ليشربه بينما مالت سلافة على أذن سلمى بجوارها وهمست لها بابتسامة مكتومة:
- الحقي شكل جدتك هتاخد قيس ابن الملوح من ليلى, وشكله كدا ليلى راح عليها خلاص!!..
وكزت سلمى سلافة بمرفقها في خاصرتها فتأوهت الأخيرة بألم ونظرت اليها بعتب بينما تحدثت سلمى بحزم وهي تطالع صحنها:
- سلافة... بطلي تهريجك دا, هما هنا ميعرفوناش ولا يعرفوا طريقتك في الكلام, فلو سمحتي تراعي دا كويس اوي, ولا انتي مش واخده بالك من مرات عمك من ساعة ما قعدنا وعينها ما نزلتش من علينا, وبتبص لنا بنظرات غريبة تخض, زي ما نكون جايين علشان نطردها ونقعد مكانها!!..
تأففت سلافة وقالت بهمس:
- خلاص خلاص, آسفة, بس انا كنت بكلمك انتي بس, احنا هنبتيدها حبسة نَفَس!, وبعدين مرات عمك مع نفسها... أهم حاجة ما نحاولش نحتكْ بيها خالص...
ثم انفرجت أساريرها وتابعت بابتسامة صغيرة:
- والأهم بقه ان جدك وجدتك الفرحة مش سيعاهُم, وحاسة انه عمك كدا كمان, وكفاية فرحة بابا, شوفي ماما حتى من ساعة ما جينا وهي بتبتسم وعينها ما نزلتش من على بابا فرحانه لفرحته, وبصراحه مقابلتهم كلهم لينا حلوة, ما فيش غير مرات عمك ودي شكلها كدا بيعمل لجدك ألف مليون حساب, انا متفائلة بالاجازة دي ان شاء الله..
أجابت سلمى بخفوت:
- بس لسه باقي العيلة.... ولاد عمك, يا ترى هيتبسطوا هما كمان ولا هيطلعوا لمرات عمك؟!!..
هزت سلافة بكتفيها علامة الجهل, ثم انصرفت تتابع تناول طعامها وكذلك سلمى....
مر وقت تناول الطعام وسط الاحاديث الخفيفة تتخللها تعليقات سلافة المرحة وابتسامة سلمى الهادئة, وفرحة رؤوف بعودته الى أحضان عائلته مرة أخرى وسعادة ألفت لسعادة زوجها...
================================
تم تخصيص طابق كامل لعائلة رؤوف, كان هذا الطابق وللغرابة قد تم بنيانه منذ أكثر من ثلاثون عاما لكي يعيش فيه رؤوف مع زوجته زينب شقيقة راوية, ولكن تم إقفاله بعد ان رحل رؤوف عن البلدة, وأُعيد فتحه ثانية وتجهيزه عندما تلقى الجد اتصالا من ولده يخبره فيه أنه يزمع على العودة الى البلدة قريبا برفقة عائلته..
كان الطابق عبارة عن شقة واسعة الى حد ما, تتكون من ثلاث غرف, اثنتان للنوم وواحدة للجلوس, وردهة متوسطة, ومطبخ وحمامين, أحدهما في غرفة النوم الرئيسية والآخر بجوار غرفة النوم الأخرى والتي تم تخصيصها لسلمى وسلافة...
دخلتا الى شقّتهما العلوية بعد ان استأذنوا للصعود الى الأعلى للحصول على قدر من الراحة, دارت سلمى بعينيها في المكان حولها, بينما أطلقت سلافة صافرة طويلة وهتفت:
- يا سلااام, شوفتي الجمال, واضح كدا ان جدك جاب مهندس ديكور على أعلى مستوى, الشقة بتاعتنا على أحدث حاجة, سواء في لون الحيطان ولا التشطيب أو حتى الموبيليا....
علقت سلمى بهدوئها المعهود وهي تجول بناظريها في ارجاء المكان:
- فعلا يا سولي, وأهم حاجة الهدوء, علشان أقدر أنجز في الرسالة بتاعتي...
اقتربت سلافة من المرآة التى تتوسط الحائط في ردهة المنزل بينما انسحب والديهما الى غرفتهما ما ان صعدا الى الأعلى, قالت سلافة وهى تطالع نفسها في المرآة:
- تفتكري بابا لما يشوف باقي العيلة بالليل زي ما جدو قال, محدش هيحرجه بأي كلمة؟
تطلعت سلافة الى نفسها في المرآة وهى تنتظر جواب أختها, رأت انعكاس صورتها في المرآة وتذكرت تعليق جدتها حين رأتها أنها قد اكتسبت الشكل الحسن من والدتها ولكن خفة الدم وسرعة البديهة من والدها...
قارنت بينها وبين شقيقتها الواقفة خلفها تدور بعينيها في المكان..
من يراهما لأول وهلة يحسبهما توأمين, مع ان فارق العمر بينهما أكثر من اربعة سنوات, فكلتيهما تملكان نفس الصفات الشكلية مع فروقات بسيطة, وان كانت سلافة قد ورثت قامتها الرقيقة الضئيلة من أمها بينما ورثت سلمى طول القامة من والدهما والاثنتان تشتركان في رشاقة الجسم وخصر غاية في الدقة, وتملكان نفس لون البشرة الأبيض المشرّب بحمرة كوالدتهما والتى ورثتها عن جدتها لأمها التركية, وعينان واسعتان مكللتان برموش غزيرة, بينما تختلفان في لون العينين, فعيني سلافة سوداء عميقة تتيه في ليلها, أما سلمى فزيتونية العينين, تجعلك تشرد في غابات الزيتون الخاصة بها, و لهما شعر أسود كالليل البهيم, يتعدى كتفيهما, فالشعر الطويل هو زينة المرأة كما دأبت والدتهما على القول, وإن كانت سلافة كثيرا ما خالفت رغبة والدتهما وعمدت الى قص شعرها كي يسهل عليها تصفيفه على الرغم من نعومته الزائدة عن الحد لدرجة انها قد عمدت أحيانا الى تجعيده كي يثبت!!..
قالت سلمى مجيبة بهدوء وهي تتجه الى غرفتهما:
- ما تقلقيش, اللي انا شوفته تحت يخليني أقولك ان جدنا هنا الكل بيعمل له ألف حساب, وانه محدش هيقدر يقول لبابا كلمة واحدة تزعله, و.....
وبترت عبارتها بشهقة مباغتة, فاتجهت اليها سلافة ووقفت أمام باب الغرفة مستندة بيديها على حائط الباب بجوارها وقالت قاطبة:
- ايه يا سلمى مالك فيه ايه؟
عقدت سلمى جبينها وزفرت بغيظ وهي تجيب بحنق:
- اللاب بتاعي شكلي كدا نسيته في العربية, اووف.. ياربي – ونفخت بضيق وتابعت – لازم اروح اجيبه من العربية كنت عاوزة أستغل الوقت في الرسالة بتاعتي قبل ما الضيوف بتوع بالليل ما ييجوا...
ثم سارعت بالمغادرة فانتحت سلافة بعيدا لتسمح لها بالمرور فيما تابعت سلمى وقد تناولت مفاتيح السيارة وهي تسرع بالمغادرة:
- هروح أجيب اللاب وآجي على طول, خلي بالك من الجرس لما أرجع , بلاش تحطي لي السماعات في ودانك وأقعد أهاتي علشان تفتحيلي..
أومأت سلافة بالايجاب فيما انطلقت سلمى من فورها وهي تنفخ بضيق فمن ناحية هي تشعر بالتعب الجسماني نظرا لطول المسافة التي قادتها ولم تخلد الى الرائحة مطلقا حتى بعد وصولهم, ومن ناحية أخرى ذلك القلق الطبيعي الذي يساورها بشأن عائلة والدها, وأيضاً أمر رسالة الدكتوراه والذي تريد انجازه في أسرع وقت...
زفرت براحة وهي تخرج حقيبة اللاب من المقعد الخلفي حيث كان موضوعا في الدواسة الخلفية, وابتسمت براحة قبل أن تغلق باب السيارة ثم تسرع بالذهاب وهي تفكر جيدا في الجزئية التالية برسالتها والتي طلب منها أستاذها المشرف على الرسالة تعديلها وكانت غارقة في أفكارها بشدة وذلك حين اصطدمت بقوة في حائط ضخم كاد أن يحطمها!!..
شهقت ملتاعة, فلم يكن الحائط سوى حائط بشري بصدر عضلي عريض كاد يحطم أضلعها التي ارتطمت به, وكرد فعل لمفاجئتها رجعت الى الوراء بسرعة كادت أن تتسبب في سقوطها لولا أن امتدت يدين قويتين أمسكتا بمرفقيها وتعالى صوت خشن غاضب يهتف بغلظة:
- ايه دا؟, مش تشوفي قودامك؟!, واخده في وشّك وماشية كدا زي القطر!!...
انتبهت سلمى من جمودها الذي سببه مفاجئتها في الارتطام بمحدثها, وشعرت بالانزعاج من هذا الضخم المستبد, هي لم تقصد إطلاقا الاصطدام به, وهل هناك عاقلا يرتطم بحائط خرساني مسلح يكاد يصيبه بتهتك في ضلوعه وهو بكامل وعيّه؟!!...
رفعت عينيها إليه وفتحت فمها وهي تهم بالرد عليه بكلمات توقفه بها عند حده, وتجعله يكف عن تمتماته الغاضبة تلك, حينما إصطدمت نظراتها الزيتونية بأخرى مشتعلة كالفحم الملتهب, ليسود الصمت التام, وقد تلاقت الأعين... وهمست الشفاه, و...... رجفت القلوب!!..

- راحت فين يا ربي دي؟..
تأففت سلافة من طول غياب سلمى وقررت الذهاب للتفتيش عنها ومعرفة سبب تأخرها وفجأة طرق سمعها صوت طرقات متتالية على الباب, فسارعت لفتحه وقد علمت أنها سلمى وهتفت وهي تفتح الباب على مصراعيه بسخرية:
- ما بدري يا ست سلمى, ايه كنتي بتمشي جوّه الجزمة الأول؟؟
وقطبت ما إن طالعتها الهيئة الواقفة خلف الباب, كان مديرا لها ظهره ولكن ما إن سمع عبارتها الساخرة حتى التفت في دهشة يطالع صاحبة الصوت الساخر لتطالعه هيئتها وكانت قد أبدلت ثيابها بأخرى خفيفة عبارة عن بنطالا قطني يصل الى منتصف الساق وبلوزة بيتية عليها رسم عروس البحور الشهيرة, بنصف كم, ورقبة مربعة عريضة, وقد رفعت شعرها بمشبك فوق رأسها وتطاير بعض خصلاته حول وجهها ليكسبها رقة وجاذبية مهلكة!!
شهقت سلافة وهي ترى ذلك الكائن الضخم الواقف ببابهم, يطالعها بنظرات مشدوهة يبادلها نظراتها المندهشة بأخرى مذهولة, حاولت التحدث ولكنها سرعان ما سكتت فجأة وهي تسمعه يهمس بإنبهار بالرغم منه وكأنه مغيّب وهو لا يستطيع إبعاد عينيه عن هذه الصورة الملائكية الخلابة التي تمتثل واقفة أمامه:
- بسم الله ما شاء الله, سبحان من خلجك وصوّرك!!..
شهقتها الخجلى جعلته يفيق من التيه الذي شعر به لتتحول نظراته من ذهول وعدم تصديق الى أخرى نارية ملتهبة وهو يطالعها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها بدهشة ممزوجة بحدة وغضب, ثم انتبه الى وقوفهما أمام الباب ليقبض على مرفقها ويدفعها الى الداخل بسرعة صافقا الباب خلفه بعنف وتحدث بحدة من بين أسنانه المطبقة:
- إنتي إتجنيتي؟, كيف تفتحي الباب وانتي لابسة خلجاتك ديْ؟, فين عمي رؤوف؟..
تساءلت سلافة بدهشة بعد أن استطاعت تجميع قواها:
- عمك؟!..
مال عليها وهو لا يزال قابضا على مرفقها بقوة آلمتها بينما تابعت بتساؤل مرتبك من نظراته القوية وهو يطالع عينيها ليتيه في ليلها السرمدي بينما تقابلها سماء رمادية ترعد في دخان عينيه في ليل عاصف:
- إنتَ....
قاطعها ساخرا:
- غيث وِلد عمك يا.. بت عمي!!
شهقت صغيرة أعقبها جذبها لمرفقها بشدة لتفلته من قبضته, ثم وقفت بارتباك هنيهة لا تدري ماذا عليها أن تفعل قبل ان تسارع الى الداخل لتنادي والدها وقد شعرت بأن القط قد أكل لسانها من هذا الكائن الهمجي الضخم وكأنه الأسد ملك الغابة والذي اقتحم عليها ملاذها الآمن!!..
في حين نظر غيث في أعقابها وهي تختفي من أمامه في إحدى الغرف وتمتم بخفوت:
- بجه ديْ تبجي بت عمي رؤوف؟!, لو أنا منِّيه ما عخليش حد يلمح طرفك واصل يا.... بت عمِّي!!



- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:02 AM   #6

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-4-


تقدم رؤوف حيث تركت سُلافة غيث واقفا وهو يمد يده مصافحا ويقول ببشاشة:
- أهلا .. أهلا... إيه المفاجأة دي؟؟
بادله غيث المصافحة ومال عليه مقبلا رأسه الأشيب وهو يقول بإحترام تام وابتسامة صغيرة ترتسم على وجهه الأسمر:
- الله يخليك يا عمي, أهلا بحضْرِتَكْ, نورت الكفر والصعيد كلّاته....
أشار رؤوف الى مقعدين كبيرين خلفه داعيا إياه للجلوس, فجلس تبعه غيث بينما أجاب رؤوف:
- منورة بيكم انتم يا إبن أخويا....
ابتسم غيث وعيناه تسترقان النظر رغما عنه حيث اختفت تلك الغزال الشارد ومنع نفسه بصعوبة عن سؤال عمه عمن تكون من بناته الأثنتين؟, فعلى حسب معلوماته من جده أنه يملك ابنتيْ عم من عمه رؤوف..
قطع استرساله وقوف ألفت أمامه وهى تقول بترحيب حاملة صينية عليها كؤوس العصير البارد:
- فرصة سعيدة أوي يا غيث يا بني...
انتفض غيث واقفا ومد يده متناولا الصينية من يدها وهو يجيب بينما يضع الصينية على الطاولة الرخامية التى تتوسط الجلسة:
- أني أسعد يا مَرَتْ عمِّي...
بعد أن استقروا في أماكنهم التفت رؤوف الى ألفت سائلا:
- أومال سلافة فين؟, ماجابتش هي العصير ليه؟؟
تصنع غيث عدم الاهتمام بسماع اجابة السؤال وفي داخله يحترق لسماع الاجابة متزامنا مع انتفاضة صغيرة لخافقه لدى سماعه اسمها الذي أعجب به لغرابته!!..
قالت ألفت بابتسامة:
- أبدا, انت عارفها على ما تجهز نفسها فيها ساعة, قلت أنا أسرع...
لم يمر وقت قليل تبادل فيه غيث الحديث مع عمه ليفاجأ بظهور من نوع آخر لتلك الغزال الشارد وهو يقبل عليهم بخطوات خفيفة وكأنها تطير فوق الأرض لا تسير!, ليرفع عينيه إليها فيرى وجها ملائكيا بملامح طفلة وفتنة إمرأة!!..
تقدمت إليه تبتسم إبتسامة صغيرة وهي تهز برأسها بالتحية قائلة بصوتها ذو النغمة المميزة:
- أهلا يا إبن عمي...
ليقف ناظرا اليها هنيهة قبل ان تعتلي عيناه الغموض وهو يوميء برأسه قليلا مجيبا وقد ارتفعت طرفي شفتيه المغطاة بشارب كثيف قائلا:
- أهلا إنبك يا بت عمي...
جلست سلافة بجوار والدتها تبعها غيث, كانت سلافة تسترق النظر اليه بينما انخرط في الحديث مع والدها, جابت عيناها في هيئته التي أثارت الذعر في قلبها منذ قليل ما إن طالعها أمام الباب بهيئته الضخمة وجلبابه الرمادي وتلك العمامة الملفوفة حول رأسه بإتقان تام ذكرها بعتريس في فيلم شيء من الخوف!
نظرت الى وجهه حيث حاجباه الكثّان المعقودان بتركيز لحديث عمه, وأنفه الطويل المعقوف بدايته بشكل يدل على أنه أثر حادث قديم قد يعود الى طفولته, بينما يبتسم فمه المغطى بشارب أسود كثيف ابتسامة صغيرة لوالدها, ولفت نظرها ذلك النغز العميق في وسط ذقنه العريض بينما ترتكز هذه الرأس على عنق طويل يظهر به تفاحة آدم بوضوح, ولتكمل هذه الصورة بنيته الضخمة بكتفيه العريضتان وكأنه لاعب في كمال الأجسام, ولن تنسى مطلقا نظرة عيناه الرمادية ما إن وقع نظره عليها ولا هتافه بذهول غير مصدق لما تراه عيناه!!..
لم يكن حال غيث بأفضل من حال سلافة, ولكنه برع كالعادة في كتم مشاعره وانفعالاته والتعامل ببرود وكأن شيئا لم يكن بينما هناك فتيل بدأ بالإشتعال منذ أن أبصر تلك الشعلة المتوهجة أمام عينيه منذ برهة ليست بالقصيرة!!..
لن يستطع أن ينكر استحسانه لما يراها عليه الآن فقد أبدلت ثيابها بأخرى محتشمة بدءا من تنورة طويلة حتى الكاحل باللون البني يعلوها قميص قطني يصل أكمامه حتى المرفق باللون الكريمي, ولكن ما جعله يعود ليقطب جبينه غير راض ملاحظته لإحكام هذا القميص تماما على نصفها العلوي مما أوضح دقة خصرها!!..
تمتم في نفسه مستنكرا:
- انتي متعرفيشي تلبسي صوح للآخر ابدا؟, شكلك متجلعة جوي!!..
انتبه من شروده على صوت عمه وهو يهتف قائلا:
- سلمى... كنت فين؟, تعالي سلِّمي على غيث ابن عمك...
رفع عيناه لتطالعه فتاة قريبة الشبه بتلك التي تجلس بجوار والدتها وكأنها قطة فوق صفيح ساخن!, يعتقد من يراهما للوهلة الأولى أنهما توأمين, ولكنه لاحظ بعد أن تمعن فيها أن تلك القادمة أطول قامة من شقيقتها, ومن الواضح أنها تتسم بالاتزان أكثر وإن لم يخفى عليه نظراتها الزائغة وإرتباكها الواضح!!
بعد أن تمتمت سلمى بعبارات الترحيب بغيث استأذنت بالانصراف فلحقت بها سلافة معتذرة بابتسامة صغيرة تاركة غيث ينظر في أعقابهما وقد انعقد جبينه في تقطيبة عميقة!!
- إيه يا بنتي كنتي فين كل دا؟؟
زفرت سلمى بعمق وهي ترتمي جالسة فوق الفراش خلفها وتقول بتعب:
- اسكتي يا سولي, خليني أشم نفسي الأول, أنا مش مصدقة اني وصلت هنا!!...
جلست سلافة فوق الفراش المقابل لها وقطبت بحيرة متسائلة:
- مش مصدقة انك وصلتي هنا؟, ليه يعني هو انتي كنت خرجت في مشوار وتهتي عن السكة؟؟
نظرت اليها سلمى وقالت بتنهيدة عميقة:
- لا... بس من اللي حصل تحت!!..
عقدت سلافة ساعديها ومالت بإتجاهها وقد ارتسمت ابتسامة حماسية على شفتيها الكرزتين وهو تهتف بحماس:
- أيوة وإيه بقه اللي حصل تحت؟
سلمى ببرود:
- خبطت في حيطة!!
عقدت سلافة جبينها ورجعت بجسدها الى الوراء قليلا ورددت:
- نعم؟, خبطتي في حيطة!!
هزت سلمى رأسها بتأكيد قائلة:
- ومش أي حيطة.... حائط خرساني مسلّح ومن النوع التقيل كمان!!
رفعت سلافة ساقيها فوق الفراش وكتفتهما في تربيعة وهتفت بإندفاع:
- لالالا الموضوع عاوز له قاعدة, من الأول خالص وواحدة واحدة....
قصت سلمى على شقيقتها كيف اصطدمت بشهاب ابن عمهما والذي لم تعرف هويته إلا بعد أن ألقى على مسامعها عبارات غاضبة مما جعلها تكيل له بمكيالين, وقد شردت نظراتها وهي تستعيد المشهد ثانية...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
رفعت عيناها اليه لترد على عباراته النابية بأخرى أغلظ منها, عندما اصطدمت عيناهما, سكتا قليلا قبل أن تكون هي أول من يخرق هذا الصمت وهي تحاول الفكاك من قبضته لمرفقيها هاتفة بإرتباك:
- انت فاكر نفسك بتعمل ايه بالظبط؟؟؟
لينتبه شهاب على شروده في نظراتها التي سمرته, وحاول إستعادة تركيزه فهتف بحدة:
- بسندك يا هانم بدل ما كنت وقعت على وشّك!, هي دي شكرا اللي بتقوليها؟, المفروض مش يبقى فيه رخصة بس للعربيات.. لأ!. لازم كمان يعملوا رخصة للي زيّك... علشان يتعلموا يمشوا في الشارع ازاي!
نظرت اليه بنصف عين وقد شعرت بالحنق من كلماته ولكنها لن تدعه يفرح بإغاظتها وبدلا من ذلك تخصرت أمامه قائلة ببرود:
- والله أنا مش ماشية في الشارع.. أنا هنا في بيتي!!
قطب شهاب بحدة وهتف:
- ايه؟, بيتك!!
أومأت ايجابا مكررة :
- أيوة بيتي, دا يبقى بيت جدي... عبدالحميد الخولي..
ابتسم شهاب بسخرية وأجاب:
- والله؟, امممم... على كدا بقه انتي تبقي بنت عمي رؤوف؟!
قطبت سلمى حائرة وأجابت وقد أسدلت ذراعيها بجانبها مشيرة اليه بسبابتها:
- عمي رؤوف؟, هو انت تبقى..
قاطعها بانحناءة ساخرة منه مومئا برأسه تجاهها وقال:
- شهاب ابن عمك يا....
أجابت بتلقائية:
- سلمى...
لمعت عيناه بغموض وهو يكرر:
- سلمى.., فرصة سعيدة يا سلمى....
أومأت سلمى برأسها وقد نسيت صلافته وغروره التي أزمعت بالرد عليها واستدارت تبغي الانصراف عندما ناداها فالتفتت اليه تنظر اليه بتساؤل عندما قال بابتسامة ساخرة:
- ابقي خلي بالك بعد كدا وانتي ماشية, ربنا ستر وكنت على رجليكي, لو كنتي في العربية المرة الجاية مش هيبقى حيطة من لحم ودم.. لأ... هتبقى حيطة سد!!!
لوت تعابير وجهها استهجانا منه وأجابت ببرود حاولت التمسك به:
- لا ما تخافش, بيتهيألي أنه أي حيطة هتبقى أهون من الحديد مسلح اللي أنا اتخبط فيه دلوقتي!!..
لم تمهله الرد عليها واستدارت مغادرة تحمل في يدها حقيبة حاسوبها الشخصي بينما تشعر بشعاع ناري يلهب مؤخرة عنقها, تكاد تقسم أنه صادر من ذلك الفحم المشتعل الذي سبق وأن رأته في عينيه!!...
بعد أن أنهت سلمى روايتها قفزت سلافة وهي جالسة وتصفق بيديها وعلقت بمرح:
- بداية مشرقة بالتفاؤل... واحدة تخبط في حيطة سد والتانية يطلع لها إنسان الغاب طويل الناب!!..
قطبت سلمى بحيرة:
- نعم؟, ايه حكاية إنسان الغاب دا كمان؟؟
تكتفت سلافة ومالت عليها هاتفة بحماس:
- هقولك...
وطفقت تروي لشقيقتها ما حدث منذ أن فتحت الباب لغيث معتقدة أن الطارق سلمى حتى وقت دخول سلمى عليهم, بينما شردت سلمى بعقلها أثناء إنشغال سلافة برواية ما حدث متذكرة وجه شهاب, هو ليس بالوسيم الذي يأخذ بالألباب ولكنه يملك جاذبية رجولية خشنة, استرجعت وجهها في ذاكرتها بدءا من شعره الاسود القصير المجعد بدرجة بسيطة ثم عيناه الواسعتان بفحمهما المشتعل والذي يشرف عليهما حاجبين كثين, , مرورا بأنفه الطويل ثم شفتاه الغليظتان, يظلل وجهه لحية خفيفة نامية, بينما يرتفع هذا الرأس فوق جسد رياضي طويل يقرب المترين, حتى أنها أضطرت لرفع رأسها وهى تحادثه, مع أن طولها يتعدى المائة وسبعين سنتيمترا, همست في نفسها وهي تستمع لهذر أختها أن هناك أمرا وحيدا لم تخبر به شقيقتها وذلك لأنها هي نفسها لم تفهمه بعد وهو... تلك الرجفة التي أصابت خافقها ما إن أبصرت عيناه وكأنه بنظراته القوية قد أسر عيناها!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
حضر أفراد عائلة الخولي للسلام على الغائب الذي عاد بعد سنين طويلة, كان اللقاء المرتقب بين رؤوف وعدنان, والذي ما إن أبصر رؤوف واقفا مستعدا للسلام عليه وهو يبتسم إبتسامة صافية حتى وقف يطالعه بنظرات غامضة لمدة ثوان لم يقدم فيها لمصافحته مما جعل الباقيين يحبسون أنفاسهم ترقبا, وجعل عثمان يقبض يديه بقوة بينما تبادل النظر مع أبيه الذي جلس بكل هدوء يناقض ما يعتمل بداخله من قلق وهو يدعو الله أن ينهي هذه الخصومة كي يعود ولده ليعيش بينهم بكل راحة, بينما تبادل غيث وشهاب النظرات, الأول ببروده المعهود الذي يخفي انفعالاته, والثاني بعصبيته وحدته المشهور بها, وقد أقسم في نفسه إن صدر من عمه عدنان ما يسيء لجده أو أبوه وعمه فهو من سيتصدى له, ولكن... أشرقت أسارير عدنان لتنهي هذا الموقف الشائك وهو يفتح ذراعيه قائلا:
- بجه تغيب عُمر بحاله وتاجي ونسلم بس؟!, بالحضن يا وِلد عمي!!..
وسارع لاحتضان رؤوف فتنفس عثمان الصعداء بينما أغمض الجد عينيه براحة قبل أن يعود للنظر اليهما من جديد...
--------------------------------------------------------
- ديه تبجى زينب أختي, الست ألفت يا زينب مرت ولد عمنا..
ابتسمت ألفت ابتسامة صغيرة ومدت يدها مصافحة تلك السيدة التي تقف أمامها بجانب راوية زوجة عثمان والتي تقوم بالتعريف بينهما, كانت زينب ترتدي عباءة واسعة من الكتان سوداء اللون, بينما تزين معصميها عدة أساور ذهبية تصدر صليلا كلما حركت يديها, وتغطي شعرها بوشاح أسود مزركش بتطريز يدوي من الأطراف, يحمل وجهها مسحة جمال تدل على أنها كانت تحمل قدرا من الجمال في شبابها, ومن العجيب في الأمر أنها شعرت بالآرتياح اليها منذ الوهلة الأولى عكس راوية التي تشعر بالقلق من ناحيتها!!..
بعد أن سلمت عليها قالت زينب بهدوء:
- البلد نورت يا أم سلمى, مش سلمى برضك؟؟
هزت ألفت برأسها وأجابت بعد أن جلسا بجوار بعضهما على تلك الأريكة الخشبية المشغولة بشكل الأرابيسك:
- أيوة, سلمى الكبيرة وسلافة الصغيرة...
همت زينب بالكلام عندما قاطعتها راوية قائلة بفخر تشير الى شقيقتها وكأنها تقول لألفت أن أختها قد نجحت فيما فشلت هي فيه, وكأن هذا الشيء بيد المخلوق:
- زينب أختي ما شاء الله عندها بدال الواحد أربعة, عندها صابر وإمحمد وعرفان وهند....
ابتسمت ألفت ولم يفُتها ما أرادت راوية الأشارة اليه من حديثها عن أولاد أختها بينما هي لم يرزقها الله سوى ببنتين... وهي راضية بما قسم الله لها, فكله رزق من عند الله..
قالت ألفت بابتسامة:
- ربنا يخليهوملها ويفرحها بيهم, أومال هند فين؟, يا ريتها تيجي تتعرف بسلمى وسلافة..
ألقت زينب بنظرة لوم الى أختها وأجابت بابتسامة هادئة:
- أكيد هتاجي ان شاء الله, بس عندها امتحانات ومش راضية تضيّع وجت....
أشرقت اسارير ألفت وهتفت:
- بجد؟, ماشاء الله... هي بتكمل إيه؟؟
قالت زينب:
- هي #ثانوية_عامة ونفسها تجيب مجموع كبير وتدخل الجامعة, هتفت ألفت بحماس:
- برافو عليها, خليها تتشطر وتذاكر كويس وهي ان شاء الله تدخل الكلية اللي نفسها فيها, ولو عاوزة أي مساعدة من سلمى أو سلافة ما تتردديش..
قطعت راوية اندماجهما في الحديث ناظرة الى ألفت بنزق وقالت بحنق شديد:
- مالك يا أم سلمى... زي ما تكوني مش إمصدجة ان حدانا بنات في العلام؟..
فوجئت ألفت بالهجوم الذي شنته راوية وارتبكت قائلة بحيرة:
- ليه بتقولي كدا يا أم غيث؟, أنا عارفة طبعا أنه مافيش بنت دلوقتي مش بتتعلم, أنا فرحانه أنه البنت بتذاكر بهمة وعارفة مصلحتها ما شاء الله, رد فعلي دا طبيعي, أنا بحب البنات المجتهدة اللي عارفة مصلحتها كويّس...
قلبت راوية وجهها غير راضية عما قالته ألفت التي نظرت الى زينب بحيرة, أنقذتها تلك الأخيرة عندما هتفت براوية:
- باه, انتي هتاخدينا في الكلام ولا إيه؟, وينه الحلى بتاعك اللي جولتيلي انك عاملاه مخصوص عشاني؟
انبسطت أسراير راوية ونهضت وهي تقول:
- دجايج ويكون عنديكي, سلسبيل جوة في المطبخ بتزيّنه وهتجيبه وتاجي حالا, وما تنسيشيْ تبجي تاخدي منيه لهند أني خابرة انها بتحبه جوي, مرات ولدي بجه ولازمن أعرف بتحب إيه وبتكره ايه!!
وانصرفت متجاهلة ألفت التي نظرت الى زينب وقد تعمق إحساسها بالراحة اليها, بينما حاولت زينب التحدث معها في مواضيع أخرى بعيدا عن راوية...
---------------------------------------------------------
- بس تعرفي يا سلسبيل انتي صغيرة أوي انك تكوني زوجة وأم لولدين؟
هتفت سلافة بتلك العبارة لسلسبيل والتي شعرا معها بالراحة وكأنهما يعرفاها منذ زمن, قالت سلسبيل وعيناها السوداء تلمع بينما ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتاها المكتنزة لتظهر غمازة خدها الأيمن بارزة بوضوح:
- أني عندي 23 سنة, وحدانا إهنه في الصعيد بنتزوج أصغيرين, دا غير إني ما كانشي لايد عليا العلام, من الآخر ما كونتش رايداه, يدوب خلصت الابتدائية وجعدت ريح أمي في الدار, لغاية ما راضي خلص جيش واتزوجنا...
ولمعت عيناها بحب عميق ما إن همست بإسم زوجها, وسرعان ما انتبهت سلافة لشرودها ذاك فغمزت قائلة بشقاوتها المحببة:
- احم احم, ايه يا سوسو... اللي يسمعك يفتكركم لسه مخطوبين ولا بتحبوا في بعض.. مش متجوزين بقالكم ييجي 6 سنين وعندكمن ولدين كمان؟!...
قاطعتها سلمى قائلة:
- صحيح يا سلسبيل ولادك اسمهم ايه؟
أجابت سلسبيل بحب:
- عدنان على إسم عمي و..شبل!!
قطبت سلافة مكررة بإستهجان:
- شبل؟, ليه يا بنتي الذعر دا؟, طفل صغير في القرن الـ 21 تسموه شبل؟
زفرت سلسبيل بعمق مجيبة:
- مش احنا اللي سميناه, ديه رغبة عمه الكبير, جال شبل يُبجى شبل!!
تساءلت سلمى عاقدة حاجبيها:
- وليه إن شاء الله؟, وعمه ماله ومال اسم ابنكم؟
أجابت سلسبيل بدهشة:
- واه, كيف ماله؟, ديه عمه الكبير, ولولا اننا سمينا إسم النبي حارسه عدنان على إسم عمي كان هيسميه شبل!!
تأففت سلافة وعلقت:
- أيوة ليه بردو؟, ما يسمي ولاده هو!!...
أجابت سلسيبل بنظرات امتزج بها الخوف:
- معندهوش عيال, وسايجه عليكم النبي جفلوا السيرة ديْ, أني جتتي بتتلبش لما بسمع إسمه, هو جال عاوزه شبل... يبجى شبل, طالما عمه ليث يبجى لازمن هو يبجى شبل!!
شهقت سلمى وسلافة سوية دهشة وبادرت سلافة بالقول بحنق:
- ايه غابة الأسود اللي الواحد وقع فيها دي؟, هو ليث وابنك شبل واللي أنا شوفته ملك الغابة!!
قطبت سلسبيل جبينها وتساءلت:
- إيه؟, كيف ملك الغابة يعني؟..
تأففت سلافة بينما أجابت سلمى بتلعثم طفيف:
- ما تاخديش في بالك يا سلسبيل, بس تعالي هنا قوليلي بقه بتترعبي من عم ولادك ووافقتي ازاي تتجوزي أخوه؟
غامت عينا سلسبيل بنظرة ضبابية واجابت بابتسامة شاردة بينما تتلاعب في وشاحها الملون وقد أفلتت خصلة بنية اللون حريرية لتلتف حول وجنتها الحليبية الذهبية اللون:
- راضي.. راضي مجري فاتحتي عليه من واني لسه في اللفة, كبرت وأنى عارفة انه ديه جسمتي ونصيبي, بس اوعاكو تفتكروا اني اتزوجته غصبانية, لاه!, راضي ما في حد يعرفه إلّا لازمن يحبه, كفاية حنيته وطيبته, كفاية خوفه عليا وعلى عيالنا, دايما بيجف جنبي وما يرضاشي لأي حد يجولي أجلَّها كلمة تزعلني, حتى خوه الكبير ليث, لمن يلاجيه متعصب من حاجة يصده عني, ولما مرت أخوه اللي راحت كانت تعمل خناجات إمعايْ كان يجف لها لأنه عارف إني مش بحب الخناج وكتر الحديت!!
سلافة بفضول طفولي فاتحة عيناها بشدة:
- هو أخو جوزك كان متجوز ؟
أومأت سلسبيل بالايجاب وتلفتت حولها قبل أن تميل اليهما هامسة وكأنها تسر اليهما بسر خطير وتخشى أن يسمعها أحدهم:
- كلام في سركم اتزوج تلات مرات, ما في واحدة عمّرت إمعاه, أكترها واحدة جعدت إمعاه ست شهور وطلجها زي اللي جبلها!
استهجنت سلمى وقالت:
- يا ساتر... تلات مرات واكتر واحده ست شهور!!, وليه كدا؟؟
أجابت سلافة بمنتهى الثقة:
- أكيد يا بنتي, واللي مشيت معاه ست شهور دي لازم تتكتب في موسوعة جينيس للأرقام القياسية, بتقولك ليث... ليثٌ... أسد .. غضنفر!!, حد عاقل يقف قودام الأسد؟!!..
لم تستطع سلسبيل كتم ضحكتها التي انطلقت تصدح عاليا ولكنها سرعان ما كتمتها براحتها وهي تقول من بين ضحكاتها المكتومة:
- الله يسامحك يا بت عمي, كنت هاخد لي كلمتين في عضامي من مرات عمي دلوك!!
قالت سلمى:
- ومرات عمك طيبة معاكي يا سلسبيل؟
أجابت سلسبيل بابتسامة:
- الشهادة لله هي طيبة كيف أمي تومام!!
تمتمت سلافة ساخرة:
- لا اذا كان زي أمك يبقى فعلا طيبة!!
انتبهت سلسبيل على تمتمتها وقالت بتلقائية:
- بتجولي حاجة يا سولي؟
ابتهجت سلافة والتي أخبرتها منذ أن رأتها أن أسمها سولي وأن سلافة هذا للأوراق الرسمية فقط!, أجابت سلافة بابتسامة:
- لالا أبدا يا سوسو, دا أنا بكُح !!
انقضت باقي الامسية وسط الاحاديث الخفيفة والتي كانت مرحة بين الفتيات الثلاث بينما لم تخلو من بعض الكلمات التي تلقيها راوية على مسامع ألفت وتكون محملة بمعاني تخالف ظاهرها..
انصرف الضيوف وذهب كل الى غرفته لنيل قسط من النوم والراحة فقد كان يوما طويلا مرهقا للجميع, أوقفت فاطمة راوية قبل ذهابها الى غرفتها ونظرت اليها جيدا وهي تقول بخفوت:
- راوية أنا مش عاوزة الحديت الناجص والكلام اللي كنت عم بتحدفيه على مرات الغالي كانك بتحدفي طوب يتكرر منِّيكي تاني, أني المرة ديْ هعديها بمزاجي لكن نوبة تانية مش هسكت, وابجي شوفي هتجولي ايه لزوجك لمن يعرف بجلة عجلك!!.
ناظرة اليها بقوة جعلت راوية تشعر بالهلع فزوجها لا يوجد لديه أدنى تفاهم في مثل هذه الأمور, فهو كحماها عبد الحميد تماما, ذو بأس كبير وشخصية قوية ترجف لها الأبدان لدى ذكر اسمها, أومأت برأسها وقالت وهي تنظر الى أسفل:
- حجك عليّا يا مرات عمي, أنا مجصديشي اللي فاهمتيه..
سخرت فاطمة متابعة بصوت خفيض وهما تقفان أسفل السلم الموصل الى أعلى:
- لاه, أنا فاهمتك زين يا مرت الكبير, أنتي لساتك جواتك نار جايدة عليها عشان ولدي اختارها هيّ عن أختك, بس زينب اختك طلعت أوعى منيكي, شوفيها كيفها رحبت بيها انهارده كنْها ضيفه عنديها هيَّا مش انتي!, فوجي لنفسك يا راوية واطردي شيطانك الشاطر ديه جبل ما يوعى لك زوجك ولا الحاج أو أزهج أني من عمايلك وأجولهم يرجعوكي عن اللي بتعمليه...
شهقت راوية عاليا وقالت بهلع:
- لاه يا عمة الحاجة, أحب على يدك, انتي خابرة عتمان زين, ما عيتفهمش, أني مش هجف لها في طريج واصل, وليها عندي حج الضيف وبس...
ربتت فاطمة على كتفها وقالت بابتسامة صغيرة:
- عليكي نور يا أم غيث..
ثم التفتت متابعة صعودها الى أعلى حيث غرف النوم عندما وقفت فجأة واستدارت متابعة وهى تنظر اليها بتركيز:
- آه صحيح يا أم غيث.. أم سلمى مش ضيفة.. ديه صاحبة مكان زييها زيّك تومام!!..
وانصرفت الى أعلى تاركة راوية وقد احمر وجهها غيظا وكمدا!!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- مالك يا غيث مش جاي لك نوم ولا ايه؟؟
ألقى شهاب بسؤاله الى غيث الذي وجده يقف في الحديقة الواسعة المحيطة بالقصر تحت شجرة باسقة يعود تاريخها الى تاريخ بناء هذا القصر منذ أكثر من ثلاثة عقود, انتبه غيث الى شقيقه فألقى اليه بنظرة عابرة قبل أن يعيد عيناه الى الأعلى حيث يشاهد النجوم التى تلمع في السماء وكأنها ألماسات تلمع فوق غطاء أسود !, أجاب غيث بهدوء:
- ما جانيش نوم جولت أتمشى في الهوا شويّْ....
اقترب منه شهاب وأسند ذراعه على جذع الشجرة بجواره وقال بابتسامة صغيرة:
- وشيخ الشباب ايه اللي طيّر النوم من عينه؟
التفت اليه غيث وهربا من السؤال الذي لا يعلم هو نفسه اجابته قال بتفكّه:
- ما تجول لنفسك الاول؟, ايه اللي مسهّرك لغاية دلوك؟, لاه وايه.. ماروحتش سهرت مع ولد ابو سويلم كيف كل ليلة, ما يتهيأليش انك عامل على زعل بوك لو عرف, انت من ميته بتعمل إحساب لحد!!
زفر شهاب بعمق ونظر اليه بعتب وقال بهدوء غريب عليه:
- لازم نبرة اللوم في كلامك؟, انت عارف علاقتي بعزت عاملة ازاي, عزت أكتر من أخ, وعارف بردو اني مش بحب الحاج يزعل مني بس مش انا الي أتأمر زي الحريم أعرف وما تعرفش... صاحب وما تصاحبش!!, وتصدق أنا غلطان... لاقيتك سهران وأنا كمان مش جايلي نوم قلت نسهر سوا بقالنا كتير معملنهاش, وقبل ما تسأل أنا كمان معرفش سهران ليه؟
قال غيث وهو يربت على كتفه بابتسامة حانية:
- خلاص, جلبك أبيض, ما تزعلش, روح جول للواد راجح يعمل لنا كاستين شاي علشان السهرة إكده شكلها صباحيْ!
تمتم شهاب في نفسه وهو يتذكر غابات زيتونية ضاع فيها وشعر أنه فقد فيها شيئا لم ولن يستعيده أبدا! , قال بهمس:
- ومين سمعك يا ولد أبويْ!
نظر اليه غيث بعدم تصديق وهتف بضحك:
- ولد أبويْ؟!, لاه لاه, إكده المسألة وعرة جوي!, انت من ميته بتتكلم لغوتنا؟, من يوم ما صممت تروح الجامعة في #مصر ورفضت تجدم في جامعة أسيوط ورجعت لنا وانت لغوتك عادت لغوة اهل البندر ونسيت لغوتنا واصل, مش بتفتكرها غير لمن يكون بالك مشغول, أو فيك حاجة!, شكلها سهرة صباحي صوح, روح روح خلي راجح يعملنا الشاي وجوله يحصّلك بيه وتعالى ...
انطلق شهاب ليبحث عن راجح بينما نظر غيث في أثره وهو يطلق زفرة عميقة وخانته عيناه لتصعد الى أعلى وتمتم بحنق غاضبا من نفسه:
- إمطيّرة النوم من عينيك ليه؟, انت ما شوفتهاشي غير نوبة واحدة ... كفاية جلعها ولبسها الماسخ!!..
زفر بحنق وتابع:
- هي هتُبجى ليلة واحدة؟, بس لازمن أجول لجدي يتصرف, مش ممكن تفضل إهنه وهي بلبسها وطريجتها ديْ, لازم طريجتها ديه كلاتها تتغير....
ولمعت عيناه ببريق عزم وتصميم...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
مرت ثلاثة أيام على مكوثهم وسط عائلة والدهم , عندما بدأت سلافة وسلمى تشعران بالتململ, الأولى لرغبتها بالخروج والتنزه مع صديقاتها كما اعتادت والثانية لرغبتها بالذهاب الى الجامعة لإطلاع أستاذها المشرف على رسالتها التعديل الذي أجرته على الجزئية التي طلبه منها, وكانت كلتاهما قد تحاشتا أولاد عمهما كلية, وقد سهلها عليهما كلا من غيث وشهاب واللذان تجنباهما بدورهما, فلم يحدث أن جلسا الى مائدة طعام واحدة فكان التوأمين يتناولان طعام الغذاء كلا في عمله, بينما الإفطار كان يتناولانه في الصباح الباكر قبل الذهاب الى العمل, ولكن بطبيعة الحال لم يعجب هذا الحال الجد والذي أزمع على مفاتحة حفيديه بشأن تجاهلهما لبنات عمهم, ولكنه كان يحاول وضع اجابة مقنعة للسؤال الذي ولا شك سيتساءلانه وهو: ولما يريد منهما الاهتمام بهما؟, عندما جاءه الحل بأيسر الطرق, وعلي يد حفيدتيْه نفسيهما عندما فاتحه رؤوف بأمرهما!!
- معلهش يا حاج, أنا عارف انهم مش متعودين على البلد هنا, فبستأذن حضرتك سلمى عاوزة تنزل #مصر علشان الرسالة بتاعتها, أستاذها كان طالب حاجة فيها, وسلافة هتروح مع أختها وبعدين يبقوا يرجعوا تاني ان شاء الله...
الجد باستنكار:
- كيف دِهْ؟, انت جاصدك تجول ان البنات عيسافروا وحديَّتهم؟!
أومأ رؤوف بنعم وهو يهم بالكلام عندما قاطعه الجد بحزم:
- لاه, دا لا يمكن يوحصل واصل!!..
رؤوف بابتسامة هادئة متفهمة:
- يا حاج ليه بس؟, بناتي وانا معودهم انهم يعتمدوا على نفسهم, صدقني يا حاج البنت منهم ب 100 راجل, ما تخافش عليهم..
الجد بإصرار رافض:
- جولت لع يعني لع, لو ما هخافشي عليهم عشان إبنتّة ووحديهم هخاف أجلُّه من الطريج, انتو جيتو وكانت بتك سلمى اللي سايجة بس انت كنت معهم, والطريج طويل ووعر, لو لازمن ولا بد يسافروا.. يبجى مش لوحديهم, خلي شهاب او غيث يكون معهم!!..

شهقت سلمى ونهضت واقفة تلحقها سلافة وهما تطالعان والدهما الذي يجلس أمامهما يخبرهما بقرار جدهما الذي لا رجعة فيه, وقد أخبرهما كيف أنه حاول مرارا معه ولكن لا فائدة لقد أصدر القرار ووجب عليهما التنفيذ!...
قالت ألفت وهي مشفقة على حال زوجها وفي ذات الوقت تعلم صعوبة الأمر على بناتها فهن لم يختبرن قبلا التسلط والاستبداد بالرأي, فقد زرع فيهما رؤوف المناقشة وحرية الاختيار, قالت ألفت بحنان:
- معلهش حبايبي , جدكم وخايف عليكم, والحكاية كلها مشوار كم ساعه بالعربية ابن عمكم هيوصلكم وخلاص..
سكتت سلمى قليلا بينما نظرت اليها سلافة بتضرع, همت سلافة بالاعتراض عندما تحدثت سلمى بهدوء عيناها تلمع بتصميم:
- يعني يا بابا كل اعتراض جدي اننا بنات لوحدنا ماينفعش نقعد هناك من غير حد معانا, وعلشان الطريق صح؟
نظر اليها والدها موافقا على كلامها فجلست بجواره تبعتها سلافة وهي تقول بابتسامة خفيفة:
- خلاص تبقى محلولة ومن غير ما نتعب حد!..
نظرت اليها سلافة بتساؤل سرعان ما أجابت عليه وهي تتابع بينما لم تستطع أن تمنع ابتسامة نصر صغيرة أن ترتسم على وجهها:
- احنا هنسافر بالقطر, أظن دا حل كويس أوي لموضوع الطريق, وبالنسبة اننا هنكون هناك لوحدنا فماما تيجي معانا, الموضوع كله يومين تلاتة بالكتير, ها.. إيه رأيك يا بابا؟..
نظر اليها والدها بسكون باديء الامر ثم ما لبث أن انبسطت أساريره بابتسامة فخر أبوي وقال بإعجاب لذكاء ابنته:
- كنت عارف انك هتلاقي لها حل يا دكتورة, وأعتقد انه جدك لما يسمع الحل دا مش هيرفض!!..
وبالفعل سافرت البنتين برفقة أمهما الى القاهرة في حين قبل الجد بهذا الحل بإمتعاض ولكنه كان شاكرا لهما فقد سبق لهما وأوجدا له الطريقة التي سيقرب بها بين أحفاده وبمنتهى السهولة وذلك عندما عرف بالملل الذي يشعران به لشدة الفراغ الذي لم يعتادانه بعد!!..
---------------------
جلس الجد فوق الأريكة المذهبة الفخمة بغرفته مقابلا لحفيديه, قال غيث بابتسامة:
- طلبتنا يا جدي؟
قال الجد وهو يستند براحته على عصاه العاجية المطعمة بفصوص من الأحجار الكريمة:
- فيه موضوع عاوز أتحدت إمعاكم فيه...
تبادل كلا من غيث وشهاب النظرات قبل أن يقول غيث بابتسامة متسائلة:
- خير جدي؟, أؤمر...
قال الجد بهدوء:
- الأمر لله وحده, بنات عمكم!
نظر شهاب الى غيث بتساؤل فقال غيث:
- مالهم يا جدي؟..
ثم تابع بحنق لم يستطع مداراته:
- ما هما مسافرين, ماجدروش يجعدوا أكتر من يامين تلاتة ورجعوا يرمحوا على #مصر!
قال الجد بمكر وقد أخفى ابتسامته فهو يعلم حفيده جيدا, ذلك الذي يبرع في رسم واجهة البرود أمام الجميع بينما بداخله أتون مشتعل!, أجاب الجد:
- هما ما راحوشي لعب ولا فسحة, لاه, الدكتورة سلمى عنديها شغل في الجامعه اهناك وراحوا إمعاها....
صمت قليلا ثم تابع وعيناه تلمعان بغموض:
- بس لو جيتوا للحجيجة هما زهجانين مش عشان مش متعودين على بلدنا.. لاه!, هما بيشتِغلوا... ومش متعودين ع الجاعده إكده... عشان إكده انا لاجيت الحل اللي يخليهم ما يحسوشي بالزهج دِه واصل!...
نظر اليه كلا من غيث وشهاب بتساؤل فأجاب تساؤلهما الصامت بجدية:
- يِّشتغلوا !!, لازمن يشتغلوا, وبما إن بناتنا لا يمكن يشتغلوا حدا حد, فأني هشغلهم في مالهم!!
صرح شهاب بتساؤل:
- ازاي يا حاج؟
قال الجد بصرامة:
- هيشتغلوا إمعاكم انت وخوك, سلافة هتمسك الحسابات إمعاك يا غيث, هي دراستها في إكده كيف بوها ما جالي, وسلمى هوضب لها الاستراحة اللي حداك في المزرعة يا شهاب عشان عمال المزرعة وعوايلهم ولو حد من اهل الكفر احتاج دكتورة ولا حاجة, وأني فعلا اديت أوامري انهم يظبطوا الاستراحه وكلها يامين وتبجى جاهزة, يعني على رجعتهم بالسلامة ان شاء الله هيلاجو شغلهم مستنيهم!!...
ما إن سمع غيث وشهاب قرارات الجد حتى انتفضا واقفين, أحدهما يحاول مداراة مفاجئته من فرمان الجد الصارم والآخر لم يهتم بإخفاء استنكاره لهذا القرار, ولكنهما اتفقا معا بالهتاف بصوت واحد وبلكنتهما الصعيدية:
- انت بتجول إيه يا جدَّيْ؟!!..
محدقين في جدهما بشدة بينما ارتسمت ابتسامة ماكرة على وجه الجد المتغضن وهو يطالعهما بخبث ودهاء!!..




- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:02 AM   #7

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


5


التفت عائلة عدنان الخولي حول مائدة الطعام, جلس عدنان على رأس المائدة الى يمينه ولده الأكبر ليث والى اليسار راضي وبجانبه زوجه سلسبيل, والى يمين ليث راجية الأم..
- إعملت ايه في سفرك اللي كنت فيه يا راضي, إن شالله إتوفّجت؟
أنزل راضي الملعقة التي يتناول بها الطعام وابتلع لقمته ونظر الى والده مجيبا بحماس:
- الحمد لله يا حاج, البضاعة وصلت سليمة والتجار استلموها واتشوّنت في المخازن كُمان..
نظر اليه شقيقه الأكبر ببرود وتحدث وهو يمسك بملعقته يتناول بها بعض الأرز قبل أن يرفعها لفمه:
- إلمْهِم يدفعوا في المعاد بالمظبوط, ماعاوزينش إيطمحوا فينا شمال ويمين لمّن ياجي معاد الدفع....
هتف راضي:
- لاه يا وِلد أبويْ في دِه أنا مطمن دول كلاتهم تجار تُجال وكلمتهم متْل السيف, وبعدين هما دفعوا مُجدّم فعلا والباجي بشيك كيف ما بنتعامل مع الكل....
قال عدنان بهدوء:
- على خيرة الله, همّن مش اجداد علينا اتعاملنا معهم كَتير جبل سابج, اللهم غير مسعود الراجي, ودِه سُمعته زينة في السوج..
مال راضي على أذن سلسبيل وهمس بابتسامته التي تعشقها:
- أم عدنان مش بتاكل ليِه؟
نظرت اليه بحيائها المعهود وأجابت وهي تسترق النظر لوجوه المحيطين بهما حول المائدة:
- لاه باكل أهاه, ما تشغلشي بالك إنت, بس جولي عجبك الوكْل؟
أجاب بهمس:
- انتي اللي طابخه صوح؟, شميت ريحة يدك في الوكِّل, كَنُّه فيه فل ويَاسَمين!!
كتمت ضحكتها بصعوبة بينما علم مقدار خجلها خاصة في حضور والديه, فابتعد عنها قليلا لتحين منها نظرة الى الأمام فتفاجأ ببرود صقيعي من مقلتين غاية في السواد تماما كسواد قلب صاحبهما, وليس هذا بعجيب.... فتلك القسوة التي تغلف قلبه قد استمدها من إسمه.... ليث!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- إلّا جولي يا رؤوف يا ولدي؟
نظر رؤوف الى والدته ومال الى الامام ليضع كوب الشاي الزجاجي من يده فوق الطاولة الزجاجية الصغيرة التي تتوسط الجلسة في غرفة الجلوس بقصرهم وأولاها انتباهه كاملا وهو يقول:
- أؤمري يا حاجة...
ابتسمت مجيبة:
- الأمر لله وحده يا غالي, هما بسلامتهم مَرَتك وبناتك هياجوا ميتى؟, اتوحشتهم جوي جوي يا ولدي, الدار مالهاشي حس من ساعة ما سافروم, خصوصي بتّك إصغيّرة دِيْ, دمها شهد مكرر, وشجاوتها علجتني فيها بزيادة..
صدحت ضحكات الحاج عبد الحميد وقال:
- وانتي الصادجة يا فاطنة, ليهم وحشة كبيرة خصوصي آخر العنجود سكر معجود, كانت طول الوجت تتنطنط حوالي إهنه وإهناك, وحديتها جميل, الواحد ما يزهجش منِّيه!
ابتسمت فاطمة وترقبت جواب ولدها بلهفة لم تخف عن أعين الموجودين بينما هناك آخر قابع في كرسيه يحتسي الشاي على مهل وتعبير وجهه لا يشي مطلقا بلهفته الحارقة لمعرفة جواب جدته: متى سيعود الغائب؟!, قال رؤوف بابتسامة هادئة:
- تسلمي يا أمي, انا لسه مكلمهم انهرده الصبح وسلمى المفروض انهرده الدكتور هيحدد لها الجزء الجديد اللي تشتغل عليه في الرسالة, فبإذن ربنا ممكن على بكرة بالكتير, هعرف هييجوا امتى بالظبط وهقولكم اكيد...
قال شهاب وهو يضع كوبه جانبا بعد أن أنهاه:
- لو لسه ما حجزوش في القطر.. انا ممكن أروح لهم أجيبهم يا عمي, مافيهاش أي مشكلة!..
ابتسم الجد سرورا بحفيده وبعرضه الذي لاقى استحسانا لديه, بينما قبض الآخر على كوبه غير آبه بسخونته ما إن سمع جواب عمه الذي قال بابتسامة:
- والله يا شهاب يا بني تقريبا مش هيرجعوا في القطر, ابن خالتهم موجود وصمم يرجعهم, مرات عمك لسه قايلالي انهرده وأنا وافقت, عموما تُشكر يا شهاب شايلينك لوقت عوزة, لسه يا ما هيسافروا...
امتعض شهاب ولكنه أخفى ضيقه ذلك, بينما تحدث الجد قاطبا جبينه:
- وِلْد خالتهم؟, انت مش بتجول ان مرتك مالهاش خوات؟
أجاب رؤوف بابتسامة وهو يتناول كوبه ليتابع احتساء الشاي:
- أمه يا حاج تبقى بنت خالة ألفت, يعني كريم يعتبر بمقام إبن أختها, دا غير إني تقريبا اللي مربيه, كانوا معانا واحنا في الخليج ولما نزلنا #مصر حصولنا بعدها بسنتين, فما تخافش يا حاج ولد متربي وهيعجبك لما تشوفه..
- أستأذن أني يا حاج, عن اذنك يا حاجة, معلهش يا عمي ورايا شوية مصالح لازمن أروح أجضيها!..
هتف غيث بهذه العبارة بعد أن وضع كوبه جانبا لينهض سريعا جعل الجميع يطالعونه بدهشة فأدلى بعبارته تلك ليشرح لهم سبب مقاطعته لهم ونهوضه بذلك الشكل المفاجئ, مال على يد جده يقبلها وجدته وقبل رأس عمه وانصرف بينما تبعه شهاب مناديا:
- استنى يا غيث خدني معك..
ليلحق بشقيقه التوأم وسط نظرات الدهشة من رؤوف وابتسامة كادت تكشف عن نفسها من الجد سارع بإخفائها ولكن ليس بالسرعة الكافية فقد انتبهت لها زوجه والتي تعرفه جيدا وكيف لا وهما زوجان منذ ما يزيد عن نصف قرن, في حين دخل عثمان وهو يلمح ولديه وهما يخرجان سريعا وقال بدهشة:
- فيهم ايه التنين دول؟, واخدين في وشّهم ناجص يرمحوا رمح!
قال الجد بهدوء:
- ابدا يا عتمان يا ولدي, افتكروا مُصلحة وراهم لازمن يجضوها, اومال فينها راوية؟
جلس بجوار أبيه وأجاب بلا مبالاة:
- بتجول راسها مصدّع إشوي وعاوزة تنام, خلّيها براحتها..
نظرت فاطمة جديا الى إبنها الكبير, وهي تتشكك في السبب الحقيقي لاختلاء راوية بنفسها في غرفتها!...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- ايه يا عم الشباب, مالك بس؟, من ساعة ما ركبت الحصان وطرت بيه وانا طلعت وراك مش عارف أجيبك؟
صمت غيث ولم يجبه, وكان قد ترجل من فوق فرسه العربي الأصيل الضخم الاسود اللون, وقد وقف في فسحة خضراء على تل مرتفع يشرف على البلدة, وكان قد صعد الى غرفته ليبدل ثيابه قبل ان يتجه من فوره الى الاصطبلات ليصعد فوق "عنتر" فرسه الأصيل ليقوم بنزهة طويلة معه, كي يخلو الى نفسه, ويتخلص من تلك الانفعالات التي تمور في صدره, فكما هي عادته أبدا لا تظهر على وجهه أي ردود أفعال لأي أمر كان, فهو من النادر أن يغضب أو ينفعل مهما حدث, وحدها تلك الشيطانة الصغيرة التي منذ أن وطئت بقدمها منزلهم, وهي تصنع منه غيثا غريبا عليه, لم يسبق له وأن عرفه!
أجاب ببرود وهو يقف عاقدا ساعديه السمراوين بينما الهواء يعبث في خصلاته السوداء الشديدة القصر:
- وانت ايه اللي هامك جوي اكده؟, ثم.. ايه اللي جابك ورايْ؟
وقف شهاب بجانبه بعد أن ألقى بنظرة الى الجوادين الواقفين يأكلان بصمت من نبات الأرض, تقدم حتى وقف على بعد خطوات منه وقال بينما يطالع شقيقه الذي يوليه ظهره:
- عادي يا غيث, انت ناسي أني توأمك؟
قطب غيث جبينه ولف إليه بنصف استدارة وسأل:
- جصدك ايه؟
تقدم شهاب حتى أصبح في مرمى بصره ونظر اليه مليّا قبل أن يجيب بابتسامة هادئة:
- يعني أنا أكتر واحد يحس بيك, مهما خبيت على الناس كلها مش هتقدر تخبي عني أنا, احنا واحد يا غيث ولا نسيت؟.
التفت اليه غيث كليّة وقال بابتسامة ساخرة:
- جول لروحك يا باشمهندز!, أني كُمان أكتر واحد يعرفك صوح, اني ملاحظ انك بجالك فترة مش زي عوايدك, فين خروجاتك وسهرك لوش الفجر؟, فينه ولد أبو سويلم؟
أجاب شهاب مشيحا بنظره الى البعيد بهدوء:
- هو انا أسهر مش عاجب ما أسهرش بردو مش عاجب؟, عموما ولا يهمك يا كبير... هخرج انهرده وأسهر ارتحت؟
هز غيث برأسه يأسا من توأمه وأجاب هازئا:
- انت حر وأني مالي, بس المهم دماغك تكون فاضية مش بتونّ كيف النحلِه!
قطب شهاب جبينه في حيرة وهتف:
- إيه؟, قصدك إيه؟
ولكن غيث لم يمهله وانطلق راكبا فرسه في حين ركض خلفه شهاب ليقفز فوق ظهر فرسه الأصهب هو الآخر وهو يصيح عاليا:
- غيث.. ما ينفعش ترمي كلمتين وتمشي, غيث اقف بقولك!
لتصدح ضحكات غيث عاليا يتبعها زمجرة شهاب الغاضبة..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
وقفت السيارة لتترجل سلافة سريعا وهي تقفز بخطوات سعيدة حيث والدها يقف في انتظارها مع جدها, لم تنتظر أمها وشقيقتها أو كريم, وأسرعت الى والدها تحتضنه بشوق ولهفة وهي تقول:
- ياااه, وحشتني أوي أوي يا بابايا..
أبعدها عن ذراعيه قليلا ومال عليها مقبلا جبينها وهو يقول بحنان أبوي:
- وانتي وحشتيني أوي يا حبيبة بابا..
قال الجد بمرح وهو يفتح ذراعيه:
- بوكي بس اللي اتوحشتيه يا نصابة؟
ضحكت سلافة بمرح وقالت وهي تلقي بنفسها بين ذراعي الجد الممدوتين حيث يقف بعباءته المخملية الثمينة السوداء اللون:
- معقول يا بابا جدو؟!, حضرتك وحشتني أوي وماما ستو كمان..
أجاب الجد ضاحكا:
- إلا ماما ستُّو ديْ, هتنجنْ عليكو وعليكي انتي بالخصوص.
ابتعدت عنه قليلا وهتفت:
- هي جوّه صح؟, هدخل أسلم عليها...
لتسمع هتافا باسمها, التفتت لترى شقيقتها وهي تصعد درجات السلم الرخامي العريض حيث يقف والدها والجد في استقبالهم, هتفت سلمى ناظرة اليها بتأنيب:
- انتي دايما كدا!, اصبري أما أسلم على بابا وجدو الأول وأدخل معاكي...
صافحت والدها وجدها معانقة إياهما, وجاء دور ألفت التي صافحت الجد الذي رحب بها ثم التفت الى الضيف الذي أتى بصحبتهن, كان شابا يقرب عمر غيث وشهاب, بنيته ضعيفة نوعا ما, شعره مائل للون البني, قمحي البشرة, ليس به شيئا يُلفت النظر سوى مرحه الذي يتجلى في ابتسامته العريضة ونظراته المرَّحبة التي يرسلها الى الواقف أمامه, مد يده مصافحا رؤوف ثم الجد الذي رحب به قائلا:
- حمد لله على سلامتكم يا ولدي, معلهش تعبت من المشوار دِهْ..
نفى كريم بهزة قاطعة من رأسه قائلا:
- أبدا لا تعب ولا حاجة يا حاج, دول أهلي...
حان من الجد التفاتة يمنى ويسرى, فمال رؤوف عليه قائلا:
- بتدور على حاجة يا حاج؟
هتف الجد وهو يفتش بعينيه:
- راحوا فين دول؟, انا موكّد عليهم يبجوا موجودين.. عتمان راح الديوان من الصبح, والتاني معيروحِش المزرعة الا بمزاجه, يبجى راحوا فين؟
قبل أن يجيبه رؤوف أبصرهما الجد وهما يقبلان عليهما من ناحية الاصطبلات, ومن هيئتهما علم أنها كانا في نزهة فوق ظهور الخيل, وقف كلا من غيث وشهاب للسلام عليهم بإيماءة رأس خفيفة منهما الى كل من سلمى وأمها بينما لم تنتبه سلافة التي كانت تتحدث مع كريم جانبا, سعلت سلمى لتنتبه سلافة التي استدارت لتنظر الى ابنيْ عمها وهما يقفان يطالعنها بكل برود, هزت برأسها قائلة بابتسامة:
- اهلا يا غيث, ازيك يا شهاب..
ثم أشارت الى كريم الواقف بجانبها يبتسم بهدوء:
- كريم ابن خالتي..
مد شهاب يده لمصافحته, تبعه غيث الذي ضغط على يده بقوة جعله يطالعه بدهشة, فتمتم من بين أسنانه:
- شرفتنا...
دعا الجد الجميع للدخول, بعد ان استقر بهم المقام في غرفة الجلوس وقد استأذنت ألفت وبناتها للصعود الى طابقهم, التفت الجد الى كريم الجالس ليسأله بابتسامة خفيفة:
- إلا بالحج رؤوف ولدي ما جاليش انت بتشتغل ايه؟
ابتسم كريم قائلا:
- دكتور يا حاج..
كان كريم يجلس الى المقعد يمين الجد الذي جلس على الاريكة, والى اليسار جلس رؤوف بجوار الجد بينما احتل غيث وشهاب الأريكة الثانية المواجهة لكريم, نظر الجد الى وجهي حفيديه ليبتسم في نفسه فأحدهما يعتمد البرود في نظراته بينما داخله يتآكل غيظا يظهر بوضوح من نظراته الخائنة التي لاحقت طيف تلك الجنية الصغيرة وهي تختفي مع أمها وشقيقتها, بينما الآخر فتعبير وجهه ينبأ بوضوح عما يختلج داخله من مشاعر, فمن الواضح انه لا يستسيغ هذا الـ.. كريم!, تدخل رؤوف قائلا:
- كريم دكتور مخ وأعصاب في نفس المستشفى اللي سلمى بنتي بتشتغل فيها, هو اكبر منها بسنتين..
ليتنفس أحد الجالسين براحة جزئية بينما يكور الآخر قبضته في حدة مباغتة, لا يعلم لما غضبه عندما علم بأنه يعمل في نفس المكان الذي تعمل به صاحبة غابات الزيتون!!
قال الجد مسرورا:
- بسم الله ما شاء الله, اعمل إحْسابك يا دكتوُوُر.. انت هتتغدى عندينا إنّهاردِه...
حاول كريم الاعتذار قائلا:
- معلهش وقت تاني يا حاج, حضرتك عارف السكة طويلة, علشان ألحق أرجع في النور..
- أنا قلت لجدي أروح أجيبهم بس عمي قالي انك انت اللي عرضت ترجعهم, لو كدا ما كنتش تعبت نفسك في الأساس!
هتف شهاب بهذه العبارة بحدته المعهودة, نظر اليه الجد زاجراً بينما قطب رؤوف جبينه في حيرة من حدة ابن أخيه, أما غيث فنظر اليه بلوْم وتأنيب , فدائما ما يغلب شقيقه طبعه العصبي الحاد, بينما قطب كريم وأجاب وهو غير راض عما استشفه من حديث شهاب من أنه قد قام بتوصيل خالته وابنتيها عن كره منه, ابتسم وقال:
- أنا مش فاهم انت فهمت ايه من كلامي بالظبط؟!, لكن لو أنا كنت متضايق من المشوار ما كنتش عرضت من الأصل, سلمى وسلافة وخالتي ألفت دول أمانة عندي طول ما عمي رؤوف مش موجود, وبعد إذنك يا عمي أنا طلبت من سلمى في أي وقت عاوزة تنزل #مصر , ما تشيلش هم الرجوع أنا هرجعها زي انهرده تمام...
كاد شهاب أن يصرخ بوجهه محتدًّا عندما قبض غيث على رسغه ونظر اليه مهدِّئاً في حين تحدث الجد:
- لا يا ولدي ما حدش فهمك غلط ولا حاجة, كل الحكاية اننا عارفين المشوار وعر كيف, فبدال انك تاجي وتعاود في نفس اليوم كان ابن عمهم هيجيبهوم, وبعدين سلمى ماينفعشي تسافر #مصر لوحديها...
أجاب كريم بتلقائية:
- لا سلافة هتكون معاها, انا اتفقتم معهم على كدا!!
كاد غيث هذه المرة أن يقفز من مقعده محتدا على هذا الجالس أمامه والذي أعطى لنفسه حق تقرير ما الأصلح لبنات عمه, ولكن قبضة شهاب القوية على معصمه منعته فنظر اليه ليهز شهاب برأسه مهدِّئًا إياه هو هذه المرة...
تحدث رؤوف الذي شعر بشرارات تتطاير في المكان, وأحس بتململ إبنيْ أخيه من كريم , فقال راغبا بوضع حد لهذا الأمر:
- عموما أنا اتفقت مع سلمى بعد كدا تخلي كل سفرها بالقطر, تروح بالنهار وترجع بالنهار وهتكون معاها سلافة اختها, ودلوقتي بقه احكي لنا يا كريم, جيت على طول.. عرفت البلد على وصفي ليها ولا اضطريت تسأل؟
وهكذا أبدل رؤوف موضوع الحديث, ليتجاذبوا أطراف الكلام بعيدا عن موضوع سفر ابنيته!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
رحل كريم بعد الغذاء رافضا عرض الجد بالمبيت الليلة مؤجلا رحلة العودة الى الغد, ودّع الجميع, ورحل وهو مندهش من العادات السائدة في هذه العائلة والمستقاة من بلدها, فهو لا يستطيع التصديق انه الى الآن لا تجتمع العائلة على مائدة واحدة اذا كان هناك غريب!, هو ليس بغريب, ولكن أثناء تناولهم طعام الغذاء اندهش لعدم وجود أيّا من خالته او ابنتيها وفسر له هذا الأمر عمه رؤوف أنه من عادات بلدته الفصل بين الرجال والنساء إذا ما تواجد ضيف بينهم!
لوحت سلافة بيدها الى كريم وابتسامة كبيرة ترتسم على وجهها, ثم قررت أن تتجول قليلا في الحديقة بينما انصرفت أختها الى غرفتهما لنيل قسط من الراحة تماما كما فعل والديها.
كانت تقف تحت شجرة ورد جوري, وقد قطفت احدى الوردات تتنشق رائحتها العطرة, وأغمضت عينيها وهي تتلاعب بالوردة فتلمس وجنتيها بأوراقها الطريّة عندما تناهى الى سمعها صوت في برود الثلج يقول:
- على فين يا بت عمي؟
فتحت عينيها ونظرت الى مصدر الصوت لتشاهد غيث وكان لا يزال بثياب ركوب الخيل المكونة من بنطال أسود من الكتان يعلوه حذاء الركوب اسود اللون ذو عنق طويل يصل أسفل الركبة, وقميص أسود محكم على جذعه العلوي يفصل عضلات صدره القوية, ويمسك بيده بمهماز الركوب, تحدثت بابتسامة:
- ابدا يا ابن عمي, بتمشى شوية...
أجاب ووجهه لوحة صماء لا تعبر عما يدور بداخله:
- أصلي لاجيتك ما عاودتيش بعد ولد خالتك ما مشي, ايه زعلانه انه راح وهملكم؟
قطبت واجابت بابتسامة حائرة:
- همّلكم؟, قصدك سابنا يعني؟, لا طبعا هزعل من ايه؟, كريم عنده شغله وانا عارفة انه مش هيقدر يتأخر عليه!!
اقترب منها وهو يمسك بنهاية المهماز بيده اليمنى ويضرب به راحة يده اليسرى وقال ببرود بينما فتيلا صغيرا بداخله بدأ بالاشتعال:
- انت خابرة ولد خالتك زين على إكده؟
أجابت بتلقائية شديدة وابتسامة واسعة ترتسم على شفتيها الكرزتين أخذت بلبِّ غيث وجعلته يطالعها بانشداه:
- كريم!, طبعا, كريم دا أنا قعدت معاه عمري كله تقريبا, زي ما اتقول كدا اتربيت على ايده, هو اكبر مني ب 6 سنين, وكنا مع بعض في دبي مكان شغل بابا, وهو وطنط وفاء وعمو نبيل واخته سهى كانوا معانا, الغربة بتخلي الغُرب قرايب فما بالك بالقرايب بقه؟, ورجعنا في نفس التوقيت تقريبا, هما علشان جواز سهى واحنا علشان الكلية, كريم كان بيدرس هنا وينزل في الاجازات, ولما كنا لسه في دبي كنت أنا وسلمى بنستنى نزوله بفروغ صبر, هو اللي كان بيخرجنا ويودينا المكان اللي احنا عاوزينه, طول السنة ما فيش خروج لكن أول ما كريم ييجي بابا بيدينا الاذن نروح في أي مكان طالما هو معانا, كريم.....
ليقطع حديثها المسترسل صرخة غضب محتدة:
- بس خلاص!
قطبت ونظرت الى غيث الذي تصدعت واجهة البرودة التي يعتمدها بينما تابع وقد ألقى المهماز بعنف من يده وهو يقترب منها ليقف أمامها ناظرا في عينيها هاتفا بقوة:
- كفاياكي, ايه.. انتي ما عتكسفيش واصل إكده؟, كريم.. كريم.. كريم... يُبجالك إيه كريم دِه عشان تتكلمي عنّيه بالطريجة ديْ؟..
شهقت باستنكار وقالت:
- إيه؟, انت بتقول ايه؟,أنت...
ليقاطعها مزمجرا:
- بلا إيه بلا تيه بجه!, ايه مش واعيه لروحك؟, كريم دِه لا هو بوكي ولا خوكي عشان تتكلمي عنيه بالشكل الماسخ دِه!..
نظرت اليه بذهول بينما تابع مقلدا إياها محركا يديه الى اليمين والى اليسار:
- كريم وكريم, ويا كريم..., مش واعية لروحك إياك؟!
حاولت تمالك نفسها ووقفت أمامه وهي تهتف بقوة:
- هقول إيه, واضح كدا انك مش ممكن تفهم يعني ايه " رب أخ لك لم تلده أمك!", كريم اللي مش عجبك دا يبقى أخويا اللي أمي ما ولدتوش, وبابا لو كان شايف في أي غلط كان أول واحد وقف لنا, لكن بابا عارف احنا أد ايه مرتبطين بكريم وعيلته, عارف ليه يا غيث بيه؟..
لم تنتظر اجابته وأجابت هي بدلا عنه هاتفة بقوة:
- لأن دول العيلة الوحيدة اللي احنا كبرنا في حضنها, دول العيلة اللي خدتنا في حضنها بجد, اللي حاسينا معهم بطعم العزوة والسند, في وقت عيلتنا الحقيقية كانت متبريه من أبونا علشان سبب ما يستحقش, اللي كريم عمله معايا انا وسلمى المفروض انت واخوك كنتم تعملوه, كم مرة كان نفسي في أخ أو ابن عم يكون دمي وسندي أنا وأختي ومالاقيتش!, يوم ما بابا وقع مالقيناش غير كريم وعمو نبيل نستنجد بيهم, كريم هو اللي شال بابا على كتفه ووداه المستشفى ما استناش الاسعاف, كريم هو اللي كان بيطبطب على ماما ويشد على ايدي أنا وسلمى وبابا في الرعاية ويطمنا انه بابا هيبقى بخير, مش حد من عيلة الخولي, بعد دا كله تيجي تقولي انتي مش واعية, لأ.. آسفة انت اللي مش واعي بالظبط انتو ايه بالنسبة لنا؟, العيلة مش بالاسم, علشان كدا هتقولي مين اللي اقرب لك.. هقولك كريم, كريم دا ابن خالتي وابن عمي وأخويا وكل حاجة.. لكن أنت... ابن عمي الكبير وبس, بيني وبينك اسمنا اللي في شهادة الميلاد, غير كدا معرفوش وما يهمنيش اني أعرفه, عن اذنك!!
لتلقي بالوردة التي كانت بيدها بعنف على الأرض واستدارت مغادرة وسط ذهول غيث الصاعق, فلأول مرة يرى جانبا لم يختبره من ابنة عمه الصغيرة, تلك الجنية الصغيرة لها مخالب تخدش بها, بل إنها تزمجر كالهرة الشرسة, حسنا يا صغيرة آن لك أن تعلمي أنك تنتمين لعائلة الخولي قلبا وقالبا وأنك قد عدت الى مكانك الطبيعي بينهم ومهما حدث لن تفارقي مكانك بين أحضانهم الى الأبد!!, لتحين منه نظرة الى الأرض أسفل قديمه, فركع على ركبتيه ثم نهض واقفا قابضا على شيء في راحة يده, ما لبث أن فتح راحة يده لتظهر تلك الوردة التي ألقتها سلافة, فيقرّبها الى أنفه يتشمم رائحتها, وقال وهو ينظر الى وريقاتها التي تقطعت بعضها وكأنه يلقي بقسم على نفسه:
- هثبت لك يا بنت عمّي انه اللي بيناتنا مش اسمنا اللي في شهادة الميلاد وبس!!




- يتبع -


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:02 AM   #8

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-6-


جلست فوق الكرسي الصغير أمام مرآة الزينة تصفف شعرها الأسود المجعد والذي تدلى حتى وصل الى أرجل المقعد القصيرة, كانت تفرقه الى نصفين وأمسكت بإحداهما تقوم بتجديله عندما اعترضتها يدا سمراء قوية تبعها همس أجش من صاحبها وهو يميل اليها هامسا في أذنها:
- همِّليه, ما تجدلهوشي, انتي عارفة جد ايه بحب امسكه بين يدِّيني واحس بيه وبنعومته...
ضحكت سلسبيل ضحكة دلال ونظرت الى انعكاس صورة زوجها راضي في المرآة وقالت بغنج أنثوي يناقض حمرة الخجل التي لونت وجنتيها, فمع مرور أكثر من ست سنوات على زواجهما ولكنها الى الآن لا تزال تشعر بالحياء من غزله الدائم بها, أجابت بابتسامة زادتها فتنة:
- ما انت عارف انه بيزهجني, طويل إكده وبيغلبني في التسريح..
مال على عنقها الطويل ليقبله وهو يقول بأنفاس متهدجة:
- هو مغلبك إنتي وبس؟, ديِه إمعذبني إمعاه!, كفاية اللي بحس بيه لما بشوفه جودامي إكده هيطب الارض من طوله, ولا لما ألمسه وهو بينات يديني زي دلوك, آه يا سلسبيل.. كل حاجة فيكي بتجنينني عليكي.
أسدلت سلسبيل عينيها في حياء بينما قبض على كتفيها ليساعدها على الوقوف وأدارها اليه ورفع يديه محيطا بوجهها ليرفعه اليه وهو يتابع بصوت أجش بينما تسدل هي أهدابها الغزيرة المعقوفة الى الأعلى لتغطي بركتي العسل اللتان تجريان في مقلتيْها:
- طالعيني يا جلب راضي...
رفعت عينيها اليه ليبادلها النظر بنظرات مغرمة مشتاقة لها وقال وهو يقربها اليه ببطء:
- أحلى عيون شوفتها في حياتي, عاوز أشوف عيونك دِه وهي بتضحك إكده على طول, مش عاوز التكشيرة تعرف طريجها لعينيكي الحلوين دول واصل ولا لـ.....
وبتر عبارته وهو يضع أصابعه فوق شفتيها الحمراوين المكتنزتين يتحسسهما بشغف ويتابع بأنفاس ساخنة حارقة:
- ولا شفايفك اللي بتطير عجلي دي, ما عاوزشي أشوفها غير وهي بتضحك إو بس!.
قالت بدلال وهي تحاول الابتعاد عن قبضته التي اشتدت بينما تسللت ذراعاه القويتان تحيطان بخصرها الدقيق:
- يوه وبعدهالك بجه يا راضي, مرَت عمي هتستعوجني, همّلني خليني أروح أشوف اللي ورايْ...
باغتها بأن وضع ذراعا أسفل ركبتيها والآخر خلف عنقها وحملها فجأة لتشهق من المفاجأة وقال وهو يتجه بها الى فراشهما الذي يتوسط غرفتهما في قصر والده , بينما ولديْهما بغرفتهما التي تجاور جناحه هو وسلسبيل يلهوان بألعابهما كما سبق ورآهما قبل ان يوافي سلسبيل الى جناحهما, قال وهو يميل ليضعها في منتصف الفراش:
- باه, أهمّلك كيف؟, وبعدين ما تخافيشي أمي مش هتنادم عليكي ولا تستعوجك, هي عارفة اني اتوحشتك جوي, أني غايب عنيكي أديني سبوعين, ما وحشتكيشي زي ما انا اتوحشتك؟, كفاية إني من ساعة ما جيث واني مش عارف ألتم عليكي واصل..
أحاطت عنقه بذراعيها البضتين وهمست بحب يلمع بين عسلي عينيها:
- انت عارف يا راضي وانت مش موجود بكون عامله زي العيل إلصغيِّر اللي من غير ابوه ولا أمه, انت أبوي وأمي وأهلي وعزوتي كلاتها يا راضي, اليوم اللي بتسافر فيه وتفوتني بحس كَنْ روحي بتروح منِّي ولما بترجع بالسلامة بحس إنْها بتعاود جوايا من تاني, ربنا ما يحرمني منيك يا ولد عمي يا رب, ويجعل يومي جبل يومك...
مال عليها راضي مشرفًا فوق بينما ترتاح يديه على جانبي رأسها فوق الفراش, ورفع رأسه هاتفا:
- يا بووووويْ, وبعد إكده عاوزاني أفوتك؟, إنتي عروستي الليلة, أني أفوت روحي ولا افوتك انتي يا روح راضي!
خجلت سلسبيل وهمست باعتراض واه وهي تشيح بعينيها خجلا من نظراته الجريئة:
- راضي...
أجاب وهو يقترب بوجهه منها مسلطا نظراته على شفتيها القرمزيتين بصوت متحشرج من فرط انفعالاته التي تمور بين جنبات صدره:
- يا روح وجلب وعجل راضي انتي....
سلسبيل بخفر:
- أني....
ولم يمهلها المتابعة ليقطف كرز شفتيها في قبلة طويلة عميقة قبل أن يغرق بها في بحر من الأحاسيس والمشاعرالجياشة التي لم تعلم عنه شيئا الا على يديْ حبيبها وزوجها... راضي!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
سارت بخطوات سريعة غاضبة متجهة الى الخروج من الاستراحة هربا من هذا المغرور المتحذلق الذي يكاد أن يفقدها صوابها ويخرجها عن هدوئها المعتاد, سمعت صيحته الآمرة لها بالوقوف وكانت قد وصلت بالفعل الى الباب, فوقفت مكانها وأغمضت عينيها وهي تعد في داخلها من 1 الى 10 محاولة استعادة هدوئها, سمعت خطواته الغاضبة, ثم شعرت به وهو يقف وراءها تماما ويميل عليها هامسا في أذنها بلهجة أمر لا تحتمل النقاش كي لا يلاحظ أحد من العمّال المحيطين بهم ما يدور بينهم:
- حصّليني..
وخرج بينما تسمرت هي واقفة في مكانها تحدق في إثره لتتمتم بإندهاش غاضب:
- حصّليني!, يكون البيه فاكر نفسه سي السيد وأنا أمينة ولا أيه؟..
ثم تنفست بعمق وتابعت محاولة بث الهدوء الى نفسها:
- لا لا مش كدا يا سلمى, ما تخليهوش ينجح انه يفقدك الهدوء بتاعك, دا قرّب يخليني صورة من سلافة في عصبيتها واندفاعها!, بس انا لازم أحط له حد, هو وغروره الفظيع دا.. بس بهدوء وبرود..
والتمعت عيناها بتحد قبل ان تتجه اليه لاحقة به....
وصلت حيث يقف أسفل سقيفة من خشب السنديان تتدلى منها عناقيد العنب, وكان يستند بيده اليمنى على شجرة باسقة أسفلها, ويقف موليا إياها ظهره, وقفت على بعد خطوات منه وكتفت ساعديها وقالت ببرود تام وان لم يخلو صوتها من حدة خفيفة:
- نعم, أفندم؟
حانت منه نصف استدارة ناظرا اليها من فوق ذراعه اليمنى المستندة فوق الشجرة وقال بصوت مكتوم:
- تقدري تفهميني ايه اللي كان بيحصل جوّة دا من شوية؟
عقدت جبينها وقالت بحيرة واضحة:
- وهو ايه اللي حصل من شوية مش فاهمه؟
اعتدل في وقفته لينظر اليها لثوان قبل ان يتقدم عدة خطوات فيقف على بعد أمتار قليلة منها ويجيب بغضب خفي:
- وقفتك مع الصنايعيه بالشكل دا!, انتي فاكرة نفسك فين؟, احنا هنا في الصعيد مش في #مصر!, والمقبول عندكم هناك مرفوض وبشدة هنا!!
فكّت ذراعيها وأشارت اليه بسبابتها اليمنى وهي تردد بدهشة:
- هو ايه المقبول والمرفوض والصعيد ومصر؟, انت عارف انت بتقول ايه؟, اللي يسمعك يقول اني كنت واقفة أتسامر معهم!, وبعدين هنا او #مصر او في أي حتة تانية.. انا واحده عارفة حدودي كويس أوي وملتزمة بيها!
ضحك ساخرا:
- آه.. بدليل اللي شوفته جوة في الاستراحة من شوية!
ثم قلب وجهه متابعا باستهجان تام:
- انتي تعرفي ايه انتي علشان تقفي مع الرجالة وتقولي لهم اعملوا وما تعملوش؟!, لا ومش بس كدا كمان... تعارضيني وتتدخلي في الكلام اللي بيني وبينهم!
زفرت سلمى بيأس محاولة تمالك أعصابها التي هددت بالانفلات للمرة التي لا تعلم عددها منذ أن بدأ العمل في الاستراحة التي بالمزرعة لتحويلها الى مستوصف خاص بعمال المزرعة ولمن احتاج من أهل البلد, وكانت قد شعرت بالسرور لاقتراح الجد فهي تكاد تجن بعيدا عن مرضاها, ولكن أكثر ما ينقص فرحتها هو هذا الواقف أمامها والمسمى شهاب!, فهو منذ أن بدأت بحضور التشطيبات النهائية للاستراحة حتى تملي على لمهندس المسؤول اقتراحاتها بشأنها وقد وقف لها هذا الشهاب كالشوكة في الخاصرة!
قالت بابتسامة صفراء ساخرة:
- ممكن سؤال.. انت مهندس؟
نظر اليها عاقدا جبينه وأجاب:
- لأ...
تابعت بنفس الابتسامة الصفراء:
- أومال عاوزني أتكلم معاك انت وأقولك اللي انا عاوزاه في الاستراحة ليه؟, انا بتكلم مع مهندس الديكور علشان دي شغلته, لكن اقولك وانت ترجع تقوله.. ليه يعني؟!
هتف بسخط:
- وهو انتي بتتكلمي مع المهندس وبس؟, لو كان على كدا ما كنتش اتكلمت!, لكن حضرتك بتتكلمي مع المهندس والسباك والنقاش والنجار, دا حتى عوضين اللي بيعمل الشاي والقهوة للعمال بتتكلمي معاه!!
هتفت بحنق:
- لا الاه الا الله, وهو انا بهزر ولا بقول نُكت!, حاجة مش عجباني في الشغل والمهندس بيكون مش موجود.. ايه المانع اني اقول للصنايعي عليها؟, ايه اللي يخليني أكلم المهندس ولا أكلمك وانتو تقولولهم؟, افهم يا شهاب بيه.. انا دكتوووورة.. يعني بعالج مرضى كتير.. ستات ورجالة, فمينفعش يعني اني كل ما اعوز حاجة أجري عليك اقولهالك تتكلم بلساني!!

زفر بضيق وأجاب من بين أنفاسه المحتدة:
- يا دكتووورة افهمي, شغلك حاجة ووقفتك بين الصنايعية والعمال حاجة تانية!, خصوصا اني موجود!, جدي كلفني أنا اني اتابع شغلهم, وانتى قعدت مع المهندس وقولتي له على اللي عاوزاه, يبقى مالكيش عندنا غير انك تلاقي كل اللي طلبتيه اتنفذ, يعني وقفتك دي وكل يوم تنطِّي هنا مرفوووضة!, فهمتي ولا أقول كمان!
وقفت سلمى تطالعه مليا بنظرات غامضة قبل ان تقول ببرود صقيعي:
- شوف بقه, علشان واضح كدا اننا هنتعامل مع بعض كتير بما ان المستوصف هيبقى في قلب المزرعة, انت مالكش أي حق أو صفة تدخل في طريقتي لا مع الناس ولا في شغلي!, أنا كبيرة كفاية اني أقدر أعرف انا بتكلم ازاي ومع مين, وأظن اني محترمة تقاليد بلدكم كويس أوي وعارفة الفرق بين #مصر وهنا, ولو جدي كان عنده ذرة شك واحدة في كدا ما كانش اقترح فكرة المستوصف دا ولا اتحمس له أوي كمان, علشان كدا.. حتة ينفع وماينفعش ويصح وما يصحش.. يا ريت تشيلها من دماغك خالص, زي ما أنا مش بتدخل في طريقة شغلك ابعد انت نفسك خاااالص عن شغلي!
قطع المسافة التي تفصلهما في خطوتين ووقف أمامها تماما وقال وهو يقرب وجهه منها حتى أنه قد استطاع رؤية مقلتيها اللتيْن يحيط بهما شعيرات ذهبية اللون, وصرّح بوضوح قائلا:
- دا في المشمش!, حساب وهحسابك, وهراقبك, وهعد عليكي أنفاسك كمان ايه رأيك بقه؟
علمت أنه من النوع العصبي والذي كثيرا ما تغلبه انفعالاته من حديث شقيقته سلسبيل عنه, وعلمت أيضا أنه قد يأخذ كلامها على محمل التحد, وتعجبت من طبعه الأحمق هذا والذي لا يتماشى مع عمره الذي تخطى الثلاثين, لذا عمدت الى رسم ابتسامة بلهاء على وجهها وقررت أن تتعامل معه كطفل مشاغب كبير, وقالت:
- وهو كذلك, بس خلي بالك زي ما تعمل هعمل, أنا ما كنتش بحب اتدخل في شغلك بس كويس انك قولت لي على اللي هتعمله علشان انا من ساعة ما جيت هنا وشوفت طريقتك مع اللي معاك هنا وانا في كلمتين محشورين في زوري ومش عاوزة أقولهم وأقول لنفسي وأنا مالي, بس الحمد لله أخيرا هقولك على اللي في بالي...
نظر اليها متسائلا متصنعا عدم الاهتمام بينما نظرت اليه جيدا حتى كاد يتيه في غابات الزيتون خاصتها وتحدثت ببرود مشددة على كل كلمة تقولها كي تضمن فهمه لها جيدا:
- حرام عليك البني آدميين والحيوانات اللي تحت ايدك!, انت بس مش كفّرت البني آدمين في عيشتها..لأ!, دا حتى الحيوانات قربت تصرخ وتقولك ارحمنا بقه من كُتر اللي بتعمله فيهم!, ارحم... ارحم.... من لا يَرحم لا يُرحم!!...
وابتعدت عنه بعد أن منحته إبتسامة ساخرة, وانصرفت تاركة إياه وهو ينظر في أعقابها بذهول متمتما:
- أرحم الحيوانات!, هي بتهلفط تقول ايه؟
ثم انتبه الى مغادرتها, فتابع من بين هسيس أنفاسه الغاضبة وفحم عينيه يبرق كنار مشتعلة:
- ماشي يا سلمى, بتردهالي؟!, بتتريقي عليّا؟, طيب يا أنا يا أنتي؟, يا ناري.. يا تلجك!!
وبرقت عيناه ببريق عزم مخيف.......
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
جلس عثمان بجوار والده في غرفة المكتب بعد أن انهى اطلاعه على سير العمل, كما يفعل يوميا بعد عودته, فلا بد من أن يقص على والده كلما حدث سواءا في الديوان أو المزرعة واللذان يشرف عليهما يوميا خلافا للتقرير اليومي الذي يوافيه به كلا من توأميه...
قال عثمان ناظرا الى والده بابتسامة:
- معلهش يا حاج, كنت عاوز أسألك من مدة في حاجة إكده بس...
نظر اليه الجد بغموض وأجاب بابتسامة العارف ببواطن الامور:
- وما سألتش ليه يا ولدي؟, عموما إسأل... أني سامع أهاه!
قال عثمان بحيرة:
- انت ليه خليت بنات اخوي يشتغلوا مع شهاب وغيث؟, في الاول أنا جولت عشان عاوز أكيد تجرِّبهم من بعض, بوي وأني خابرك زين, وعارف بتفكر كيف, انت ما عاوزشي بنات خوي يطلعوا لحد من برات العيلة, وأني امعاك في دِه.. هما لحمنا ودمنا وكفاية بوهُم اللي تغرب وبعد عنينا.. جِه الوجت اللي نحضن فيه بناتنا وما يِّفرْجُوناشِ واصل, بس كنت مُتوجِّع انك هتختار سلمى لغيث وسلافة لشهاب, انما اللي حوصل العكس!
استند الجد براحتيه على رأس العصا العاجية المطعمة بفصوص كبيرة من الأحجار الكريمة ونظر اليه مجيبا بابتسامة:
- لو انت خابرني كيف ما بتجول كنت عرفت اني اعملت اكده ليه؟..
تابع وهو ينظر الى ابنه الكبير بابتسامة حانية:
- اني فعلا كيف ما جولت يا ولدي, مش عاوز لحمنا ودمنا يخرجوا برّات العيلة, بس لازمن لما أختار.. أختار صوح, ما هو ما ينفعاشي نلبس طاجية دِه لدِه وخلاص, كل فولة وليها كيّال ولازمن نختار الكيال الصوح, انت لمن تاجي تطفي نار وليعاذ بالله بتطفيها بإيه.. بنزين ولا مايِّهْ؟
أجاب عثمان عاقدا جبينه في حيرة:
- مايَّه طبعا يا حاج!
قال الجد مبتسما رافعا يده اليمنى مشيحا بها أمامه:
- أديك جولتها بعضمة إلسانك, النار لازم لها المايَّة... غيث ولدك هو اللي عيطفي نار سلافة, وسلمى هي اللي هتطفي نار شهاب اللي جايدة طول الوجت ديْ ما بتروحش!, لو عكسنا وشهاب ولدك خد سلافة, سلافة لساتها إصغيرة وعاوزة اللي يحايلها ويبجى رحيم بيها ويصبر عليها وياخدها بالهداوة واحدِة واحدِة, لكن شهاب ما عندوش صبر ولا طولة بال ولا برود غيث, برود غيث هو اللي هيخليه يجدر يستحملها ويطّبعها بطبعه, لكن شهاب... لو خدوا بعض من اول يوم هتجوم حريجة ونار جايدة ويمكن اللي خايف منِّيه يوُحصل وبدل ما نكون بنلم شمل العيلة نُبجى بنبعتِّرها أكتر, واكده برضيك لسلمى وشهاب, شهاب عاوز اللي يتعامل معاه بالراحة, عاوز واحدة صبورة وعندها شوية ابرود اكده علشان تجدر تتحمل اجنانه, اني يمكن كبرت صوح بس لسّاتني بعجلي وعارف اوزن الامور كيف, اني خابر زين كل واحد من ولادك كيف بيفكر وكيف بيتصرف, ومع ان المدة اللي جضيتها مع بنات رؤوف خوك مش كبيرة لكن هو كان مش بيبطل يحكيلي عنيهم لمَّن كنت اشوفه في السنين اللي فاتت, وجدرت اكون فكرة عنيهم اتوكدت منَّيها لما جوم حدانا اهنه وشوفتهم, اطمن يا عتمان يا ولدي... بوك مش ممكن يجازف بعياله ويخليهوم يفارجوه مرة تانية... وصدجني كيف ما جولتلك.. النصيب بينادي صاحبه, وعشان اطمنك زود بعد, كل واحد من عيالك اختار المهرة بتاعته من غير ما أتدخل, أني كل اللي اعملته دلْوك اني عطيت لهم الفرصة انهم يجرِّبوا من بعض ويعرفوا بعض أكتر, عشان تِعرِف ان شعر بوك الشايب دِه مش دليل شيبة وبس لاه!, دِه خبرة في الدنيِّه واللي اني عرفته وشوفته ما تلاجيهوش في أي كُتاب, اطَّمن يا ولدي.. وبكرة تجول بوي عنديه حج!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- انتي واجفة عنديكي بتعملي ايه؟
التفتت ألفت الى راوية الواقفة عند باب المطبخ الكبير, وقد ألقت بسؤالها ذلك بحنق استنكارا منها لدخول غريمتها الى المطبخ, بينما كانت ألفت تقوم بصنع كعكة بالمثلجات كما يحبها زوجها وبنتيها فارتأت صنعها لتتناولها العائلة في هذا الجو الخانق, ابتسمت ألفت وأجابت بينما تقف وردة بجانبها لتساعدها:
- راوية!, معلهش اتخضيت.. أبدا لاقيت الجو حر ورؤوف عندي والبنات بيحبوا تورتة الآيس كريم قلت أعملها, ناكلها كلنا , أهي حاجة تطري على الواحد في الحر دا...
اقتربت راوية منها ووقفت أمامها قائلة بلهجة لائمة بينما تطالعها بنصف عين:
- سلامتك من الخضّة يا أم البنات!, ايييه تاعبك الجو عندينا, معجبكيش الحر إهنِهْ, لحجتي تزهجي من بلدنا ولا ايه؟
قطبت ألفت بحيرة واعتدلت واقفة أمامه وهي تمسح يديها في منشفة قطنية وتقول باستفهام:
- ليه يا راوية خدتي كلامي بالشكل دا؟.
ثم ابتسمت بحيرة متابعة:
- أنا لا قصدي اني أنتقد البلد ولا اني زهقت ولا حاجة أبدا, وبعدين ما الحر هنا وفي #مصر وفي كل حتة, ليه بتفسري كلامي انه هجوم عليكم؟!
استهجنت راوية وقالت بصوت مرتفع:
- يعني أني بتبلّا عليكي يا ست ألفت؟, جصدك ايه؟, عاوزة تعملي فيها المظلومة وتشعليلي حريجة في البيت؟, طيب أني آسفة.. ما عنتش متحدتة معاكي واصل!..
ثم اقتربت منها وتمتمت أمام وجهها الذي يحمل تعبير الحيرة والذهول مما تسمع:
- بس يكون في معلومك أني خابرة نيّتك زين, ومعخلكيشي توصلي للي انتي رايداه!, أني واعيالك جوي...
هتفت ألفت بحيرة واضحة:
- واعية لأيه بس؟, انتي قصدك ايه يا راوية بالظبط؟
- أني أجولك جصدها ايه؟
شهقت راوية بهلع بينما رفعت ألفت نظراتها الى حماتها الواقفة الى الخلف على بعد عدة خطوات منهما مكّنتها من سماع حديثهما بالكامل, بينما تابعت فاطمة التي تقدمت اليهما بخطوات قوية تنافي سنوات عمرها التي تخطت الستون حتى وقفت بجوار راوية وقالت بنظرات تكاد تخترق راوية لشدّتها:
- أم غيث خايفة انك تزهجي من الجاعده حدانا وممكن رؤوف ولدي يخاف عليكي وع البنتَّهْ وياخدكم ويسافر تاني...
ثم حانت منها نظرة الى راوية الشاحبة بجوارها وتابعت بنظرة تحمل طابع تحذير واضح:
- مش إكده يا أم غيث؟
أجابت راوية بتلعثم بسيط بينما راقبتهما ألفت بحيرة ولا تعلم لما لم تقتنع كليّة بتبرير فاطمة, سمعت راوية تقول:
- إيـ.. أيوة صوح يا حاجة...
هتفت ألفت رافضة:
- بس أنا مش ممكن أعمل كده يا حاجة, أنا مش ممكن أكون السبب وأبعد رؤوف عن عيلته وبلده تاني, وربنا اللي يعلم أنتم بقيتوا في معزة عيلتي تمام, وبحس وسطيكم اني وسط اهلى وناسي دا غير اني فعلا بحب البلد هنا أوي واهلها وناسها..
ربتت فاطمة على كتف ألفت وقالت بابتسامة حانية:
- أني مصدجاكي يا بتّي.. انتي بت ناس, واحده غيرك كانت ممكن ترفض انها تاجي لنا اهنه, لكن انتي طلعتي بنت ناس صوح, واحنا كمان حبيناكي جوي, ومعزتك من معزة ولادي بالظبط, اني من زمان واني نفسي يبجالي بت أحس بحنيتها عليّ, مهما كان رجالتنا جلبهم جامد, وانتي بتّي اللي ما جبتهاشي بطني!..
احتوتها ألفت بين ذراعيها وقبلت رأسها وهي تقول وسط دموع جاهدت ألا تسقط:
- وإنتي يا حاجة, غلاوتك عندي في غلاوة المرحومة أمي تمام, ربنا يديكي طولة العمر, ويديم المحبة بيننا يارب...
ابتعدت عنها فاطمة وقالت بمزاح راغبة في تغيير الحديث واضفاء طابع المرح عليه:
- الّا صحيح, الحلا دِه هيجدر يرطب على جلوبنا #حبَّة من الحر الشديد دِه؟
ابتسمت ألفت وأجابت:
- هيعجبك اوي يا حاجة, رؤوف طول الصيف لازم أعملهوله, وعلى فكرة في البلد اللي احنا كنا فيها في الخليج الحرارة كانت كتير جدا بتعدى الخمسين, يعني الصيف هنا بالنسبة له لعب عيال...
أحاطت فاطمة كتف ألفت وقالت:
- طيب لو كنتي خلصتي تعالي اجعدي معانا..
قالت ألفت:
- اه خلصت خلاص, ثم وجهت كلامها لوردة:
- لو سمحتي يا وردة حطي الكيكة في الفريزر بتاع التلاجة..
وخرجت برفقة فاطمة بينما تابعتهما راوية بنظراتها الحاقدة وهي تتوعد في سرها هامسة:
- طويتي الحاجة تحت باطك كيف ما عملتي في ولد عمي!, وأكيد عمي الحاج هو كمان بجه زي الحاجة إكده, لكن لاه, أني عارفة انتي بتخططي انتي وبناتك لايه بالظبط!, وحكاية انهم يشتغلوا مع ولادي دي وراها إنَّهْ.. وما كونشي راوية إمَّا عرفتها, فاكرة انك كيف ما خدتي ولد عمي هتجدري تخلي بناتك ياخدوا ولادي!, لاه.. دِه بُعدك.. كان غيرك أشطر!, ولما نشوف يا بنت البندر أني ولاّ.... إنتي!!
بينما عيناها تحدقان في أثرهما بحقد وكره دفين..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- جدي المحاسب اللي عندينا انت خابر انه كَبير في السن والبارحة وجع من طوله وجابوله الدكتور وجال انه لازم له راحة شهر إكده, والشغل اكده هيبجى كتير, انت كنت جولتيلي ان بت عمي هتنزل امعايا الشغل, يا ترى الكلام دِه مظبوط ولا خلفتو الحكي؟
أجاب الجد على سؤال غيث الذي ألقاه على مسامعه أثناء تناولهما طعام الافطار في الحديقة بينما لا يزال الباقيين نيام, أما شهاب فهو لم ينم بالمنزل منذ ثلاث ليال, متعذرا بوجود أعمال معلقة في المزرعة مؤثرا البقاء هناك, قال الجد مخفيا ابتسامته:
- لاه الكلام لساتو زي ما هو, بت عمك انى كلمتها في الموضوع, وهي موافجة, هي أي نعم رفضت في الاول وبوها هو كان مستغرب منيها, بس اني جدرت اقنعها انها اتجرب ع الاجل مش عتخسر حاجة!
ثم نظر بمكر الى غيث الجالس بجواره عاقدا جبينه بشدة وتابع:
- إلا صحيح يا ولدي, ايه.. انت وينك اليمين اللي فاتو؟, انهارده اول مرة نفطر سوا من مدة!, بتخرج الصبح بدري وتعاود آخر اليوم تعبان وتروح دارك طوالي, وشهاب خوك بجالو اكتر من تلات ايام بينام في المزرعة وعذره انه فيه شغل كتير في المزرعة عاوز تظبيط؟!
هرب غيث من نظرات الجد الماكرة وأجاب بهدوئه المعتاد:
- ما فيشي يا جدي, شوية شغل وخلاص, ودلوك يا ريت لو جدرت تبجى تجولها انها هتبتدي معانا من بكرة بالكتير ان شاء الله..
لاحت من الجد نظرة خلف غيث لم يفطن الاخير لها وأجاب بغموض:
- واني اجولها ليه؟, ما تجولها انته!
همّ بالغيث بالكلام عندما قاطعه وجها لحورية فاتنة أقبلت عليهما وهي تحمل بين ذراعيها باقة من الزهور المختلفة برائحتها التي فاحت لتنعش المكان, كانت وجنتيها تلمعان بتألق نافس لون وريقات الورد الارجوانية في جمالها, بينما لمعة عيناها تكاد تُذهب بالألباب, هتفت سلافة ولم تكن واعية للعينين اللتان تتشربان تفاصيلها بكل دقة, وكيف لا وقد غابت عنه لأكثر من ثلاثة أيام منذ صدامهما في الحديقة بعد ذهاب قريبها, لم يستطع منع نفسه من التمعن بكل تفصيلة منها, سمعها وهي تهتف بحبور قائلة للجد بينما يجلس هو الى الظل بعيدا عن نظراتها:
- صباح الخير يا أحلى جد, ايه رأيك بقه في الورد دا؟, أنا قطفته بنفسي..
واقتربت من الجد تتناول اناء الورود الموضوع في منتصف المائدة المصنوعة من خشب الزان, لتضع الورود التي قطفتها بعد أن أخرجت الأخرى الذابلة, قال الجد بابتسامة واسعة:
- صباح النور على أحلى سلافة في البر كلاته..
استندت براحتيها على طرف المائدة ومالت على جدها تهتف باعتراض مصطنع قاطبة جبينها:
- يا جدي قلنا.. سولي, سهلة والله أهي وبسيطة, دا حتى ماما ستّو اتعلمتها وبقيت تطلع منها حلو أوي, ياللا يقول معايا.. سو..لي, شوفت سهلة ازاي؟, أسهل من سلافة!
ضحك الجد وقال بينما نظراته تتعداها الى نقطة خلفها:
- بس أني عجبني اسمك اللي اختاره ولدي, سلافة.. اسم جد اكده مش تحس انه ماسخ ومايع, ولا ايه يا غيث يا ولدي؟
اعتدلت سلافة واقفة من ان سمعت اسم غيث, والتفتت حيث يوجه الجد سؤاله, لتطالعها عينان حادتان في وجه هادئ ساكن, أجاب غيث على سؤال الجد وهو يطالعها بنظرات باردة بينما تذكرت سلافة آخر مرة رأته فيها والكلمات التي رمتها في وجهه قبل أن تنصرف غاضبة عازمة على أن تبتعد عن طريقه كلية طوال فترة مكوثهم في المزرعة, وقد نجحت الى حد كبير في ذلك, قال غيث:
- والله يا جدي أنا معرفش في الخرابيط ديْ, انا اللي اعرفه انه كل واحد له اسم بيتنادى بيه, غير اكده ماليش فيه...
نظرت اليه ثم حركة كتفها لا مبالية لكلماته بينما أشار الجد لها للجلوس بجواره فاختارت الجلوس الى يسار الجد حيث غيث يجلس الى اليمين فأصبحت في مواجهة غيث, قال الجد بعد جلوسها:
- فاكرة يا بتِّي الحديت اللي كنا جولناه من يمين انك تشتغلي امعانا اهنه في الديوان؟
أومأت موافقة وقالت وهي تتناول اناء العسل لتضعه أمامها وتغرس الملعقة الصغيرة به لتجيب قبل أن تضع ملعقة العسل في فمها:
- ايوة طبعا فاكرة يا جدو, وانا اتحمست للفكرة اوي, أهو بردو أحسن من القاعدة, انا ما اتعودتش على وقت فراغ طويل كده...
قال الجد وهو يشير برأسه الى غيث بينما تضع معلقة العسل في فمها:
- عال, يبجى جهزي حالك بعد الفطور هتروحي مع ولد عمك عشان تستلمي الشغل...
نظرت سلافة الى جدها بدهشة واسعة فاتحة عينيها على اتساعها وقد نسيت المعلقة في فمها بينما قال غيث ناظرا اليها بسخرية واستفزاز:
- مش لازم انهاردِه يا جدي, خليها من بكرة ان شاء الله, عشان تكون عاملة احسابها...
قطبت سلافة جبينها ناظرة اليه بسخط وهمت بالرد عليه عندما انتبهت الى ملعقة العسل التي لا تزال في فمها, فأخرجتها سريعا, وأجابت بينما قطرات العسل تلتمع على شفتيها لتكسبهما بريقا يخطف الأبصار:
- وليه بكرة ان شاء الله؟, وبعدين ليه يعني اروح معاك؟, ما انا ممكن أشتغل من هنا, هات لي الشغل معاك وانا هشتغل عليه هنا على اللاب بتاعي....
سكت غيث ولم يعقب على كلامها, بينما شردت نظراته في تلك القطرة من العسل التي تتركز على زاوية فمها, وقد غامت عيناه بانفعالات لم يعبر عنها أي اختلاجة في وجهه سوى انقباضة بسيطة لعضلة فكّه, انتبه بعدها لانتظارها سماع جوابه الذي لم يتأخر اذ أشاح بوجهه بعيدا عنها وهو يجيبها بصوت خشن:
- انتي ما عارفاشي الشغل ماشي كيف, لازمن تكوني موجودة الاول, وبعدين هتشتغلي عليه كيف وانتي إهنه؟
أجابت سلافة محدقة به بدهشة بينما الجد يجلس مستمعا ومستمتعا بجدالهم الممتع له:
- نعم؟, ليه.. هو انتو مش عاملين بروجرام للحسابات عندكم ممكن في أي وقت وأي مكان تدخل تشتغل عليه؟؟
ليجيب غيث وهو يزفر بعمق:
- لاه, مش عاملين, الديوان عندينا ماشي كيف مكان ماشي من سنين, ما فيش لا كَمبيوتر ولا يحزنون!..
تدخل الجد في الحوار قائلا بهدوء وابتسامة خفيفة تلون وجهه الكهل الملتحي بلحية بيضاء كثيفة:
- دِه عندي أني يا بنتي, أنى اللي ما رضيتش انه غيث يغيِّر طريجة الشغل, كان هيمشي ناس كتير جوي واني مش بحب جطع الارزاج, دِه جطع الارجاب ولا جطع الارزاج يا بتِّي!
قالت سلافة وقد شعرت بالفخر بهذا الجد العادل الحكيم بينما ابتسامة تزين ثغرها الوردي الذي لا يزال يحمل بصمات العسل الأبيض النقي:
- ربنا يخليك يا أحلى جدو, بس بردو دا ما يمنعش اننا نطوّر من شغلنا, ولو على الموظفين أكيد طبعا بعد ما نطبق البرنامج الجديد فيه ناس كتير هنضطر نستغنى عنهم, انما احنا ممكن نعمل حاجة كويسة, نعمل دورات تدريب على البرنامج الجديد, والمتقدمين دول يتثبتوا عندنا, واكيد هيكون فيه ناس مش هتتقدم خصوصا اللي سنّهم كبير, دول حضرتك ممكن تنقلهم في أماكن تانية عندك, ما شاء الله عندكم مشاريع كتير ممكن تشغلهم فيها, دا غير اللي سنّهم عدّا الستين وصحتهم مش مساعدة.. ايه المانع انه حضرتك تعمل لهم زي معاش شهري كدا يكون تقريبا مساوي لمرتبهم بكدا احنا هنظبط شغلنا صح, وهنعلمهم حاجات جديدة, واللي ميقدرش منهم وتعبان وبينزل يشتغل علشان يقدر يصرف على أهل بيته هنخليه ومن غير ما يحس انه دا احسان مننا ولا حاجة يقعد في بيته معزز مكرم والمعاش يجيله لغاية عنده, والأهم من كل دا كمية الدعوات اللي هتاخدها يا جدو, جرّب يا جدو.. صدقني البرنامج الجديد دا هينفعنا في شغلنا جامد, دا غير انك من هنا من بيتك تقدر تدخل عليه وتشوف الشغل ماشي ازاي...
صمتت لتلتقط أنفاسها بعد خطابها الحماسي, تنظر الى الجد بترقب في انتظار سماع تعليقه بينما ارتسمت على شفاه غيث ابتسامة اعجاب لم يستطع إخفائه بذكاء وحماس ابنة عمه المشاغبة هذه....
نظر الجد اليها وتحدث بعد هنيهة وقال بفخر:
- ربنا يخليكي ويبارك فيكي يا بتّي, وأني موافج, أنتي اللي هتتولي موضوع البرنامج دِه وتشوفي ازاي اندرّب عليه الموظفين عندينا..
ثم نظر الى غيث متابعا:
- غيث يا ولدي من اللحظة ديْ انت وسلافة مسؤولين عن الموضوع دِه, شوف اللي يلزمها واعمله...
قال غيث موافقا:
- وهو كذلك يا جدي, أني هستناكي يا بت عمي عشان نروحو سوا, دِه لو لساتك عاوزة تبتدي من انّهاردِه؟, ثم نهض متابعا:
- عن اذنك يا جدي..
نهضت بدورها هاتفة وهي تنظر اليه بينما أولاها ظهره:
- اكيد طبعا عاوزة ابتدي ومن دلوقتي كمان, عموما انا الحمد لله فطرت, هشرب الشاي وانا هناك....
عقد جبينه واستدار اليها بينما تقدمت منه بضعة خطوات قبل أن يكشر قائلا باستهجان:
- جاهزة كيف يعني؟, طب ع الأجل غيري خلجاتك الاول!
نظرت الى ثيابها المكونة من فستان قصير يصل الى أعلى الركبة بقليل باللون الأبيض المطبوع بأزهار عباد الشمس الكبيرة, ذو حمالات عريضة يضيق من الأعلى ثم يتسع الى أسفل حتى أعلى الركبتين, أسفله بلوزة صيفية بيضاء اللون بنصف كُم, والى الأسفل بنطال قماشي بنيّ اللون, وقد عقدت شعرها بوشاح خفيف بلون أزهار عباد الشمس, وانتعلت حذاءا خفيفا, ولم تضع أي من أدوات الزينة باستثناء كحلاً أسود أكسب عينيها اتساعا ولمعة, رفعت عينيها اليه وهتفت بدهشة:
- خلجات ايه اللي أغيرها؟
أشار بسبابته الى ثيابها وهو يقول ببرود يخفي غيْظ مكتوم:
- يعني ما وعياشي للي انتي لابساه دِه؟
كان الجد يكتم ضحكاته بصعوبة وهو يستمع الى سجالهم, فيما أجابت سلافة بحيرة وحنق:
- وهو ايه دا اللي انا لابساه؟, دا انا تقريبا لابسة هدومي كلها!, فستان وبنطلون وبلوزة, إيه عاوزني أستّف لك الدولاب كله فوقي ولا إيه؟
نظر اليه بغضب خفي وأجاب:
- مش لازم لها تريجة يا بت عمي, وشعرك دِه هتمشي بيه إكده كيف, غطِّيه الاول!
زفرت بعمق وكتفت ذراعيها وهي تقول عاقدة جبينها بنزق:
- اووف يا ربي, شعري ماله, ما هو انا لمّاه أهو؟!, عموما هريّحك!
واتجهت الى مائدة الافطار وتناولت قبعة قش كبيرة لم يكن قد انتبه اليها قبل ذلك, وكانت قد جمعت فيها الأزهار, ثم عادت اليه وهي تضعها فوق رأسها ورفعت حوافها العريضة قليلا وهي تقول في سأم:
- ها كويّس كدا؟
نظر الى قبعة القش البيضاء العريضة الحواف التي تعتمرها, زفر بحنق , تبّا لقد زادتها القبعة فتنة وجمالا!!
نفخ في ضيق وهتف وقد بدأت واجهة بروده بالتصدع:
- خلاص خلصينا, شيليها.. خلّيها مش فارجة, ياللا الحجيني كفاياكي عطلة!
وتقدمها لتهتف به محتدة:
- غيث!
وقف متمسمرا مكانه وهو يسمع اسمه من بين شفتيها فقد كان له وقع موسيقي غريب, فلم تكن تخاطبه باسمه مجردا منذ قدومها, حيث كانت تتحاشى الحديث اليه وان وجهت اليه الكلام وهذا من النادر حدوثه كانت تقول ابن عمي!, تقدمت اليه واستدارت لتقف أمامه وقالت مقطبة حاجبيها في حدة وكأنها تؤنب طفلا صغيرا على فعل طائش قد قام به:
- انت متعرفش يعني ايه " السيدات أولا"؟, فيه حد يقول لبنت – وضخّمت صوتها مقلّدة إيّاه – الحجيني! ( كتم ضحكة كادت أن تخونه وتعمد رسم البرودة على وجهه فيما واصلت)- المفروض تقولي اتفضلي, حاجة كدا, اومال لو ما كنتش متعلّم ومتخرج من جامعة, ما اتعاملتش مع بنات خالص قبل كدا؟, وانا اللي مستغربة انك لغاية ما اتجوزتش ليه؟..
تنفست بعمق وأغمضت عينيها ثم فتحتهما ناظرة اليه وهي تكمل بلهجة الاقرار بالأمر الواقع:
- أبشّرك يا ابن عمي.. لو فضلت كدا ما فيش قطة حتى هترضى بيك!, اللهم الا اذا واحدة بقه طيبة اوي ومن بتوع الافلام الابيض والاسود وما هتصدق ابن العمدة اتقدم لها علشان توافق على طول!.
نظر اليها مليّا بغموض ليميل بعد ذلك باتجاهها وهو يقول بابتسامة هادئة:
- ما تجلجيش يا بت عمّي, وجت ما هعوز أتزوج مش هختار أي حد, ولازمن اخد رأيك الاول!
قلبت وجهها حائرة وهمست ساخرة:
- يا واد يا جامد!, وعاوز ياخد رأيي, وانا مالي انا, عاوز تشيّلني ذنبها ليه؟.
كان غيث قد استدار متابعا سيره عندما توقفته صوت همهماتها فالتفت اليها بنصف استدارة وقال:
- بتجولي حاجة يا سلافة؟
نفخت بحنق ولحقته بخطوات حانقة ووقفت أمامه قائلة وهي تضع يديها في خصرها:
- لا ما قولتش, بص يا ابن عمي, شكلنا كدا هنقعد كتير مع بعض اوي الايام اللي جاية, فيا ريت تناديني سولي, مش عاوزة سلافة دي!
أجاب غيث ببرود:
- بس اسمك سلافة, اني ما جبتوش من بيتنا!.
أجابت بنزق:
- مش بحبه!, أنا اصحابي كلهم بيقولوا لي سولي!
تظاهر بالتفكير ثم قال:
- يعني أني أجف أنادم عليكي وسط الناس واقول سولي؟, لاه.., ما عينفعشي, اختاري سلافة ولا زلافة؟!
صاحت بحنق:
- ايه زلافة دي كمان؟, ما تقول لي زرافة أحسن!
ثم نفخت بضيق متابعة وهي تسدل يديها بجانبها مشيحة بإحداها:
- خلاص, سلافة أرحم بردو..
ابتسم غيث بسخرية وتابع سيره, فيما شردت سلافة قليلا لتنتبه بعد ذلك لابتعاده عنها بمسافة كبيرة فركضت خلفه وهي تصيح قائلة:
- استنى يا كابتن, انت يا باش مهندس..
ثم تابعت بلهجة صعيدية رسمت ابتسامة عريضة على وجهه لم ترها حيث كان يوليها ظهره:
- دِه بيّنها هتكون أيام كحلي مخططة برماديْ اللي جاية ديْ!!
وهرولت لتلحق بخطواته بينما تعالت قهقهات الجد الضاحكة ما إن غابا عن ناظريْه!!




- يتبع -



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:03 AM   #9

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


- 7 -

نظرت الى زوجها الجالس فوق الفراش يطالع أوراقا في يده, ترددت في البداية من الحديث اليه ولكنها عزمت أمرها واتجهت اليه قائلة بهدوء وان تلون صوتها برعشة طفيفة لم ينتبه زوجها الغارق في مراجعة الأوراق التي بيده لها:
- كان فيه موضوع إكده عاوزه أشورك فيه يا ابو غيث..
رفع عثمان عينيه اليها وقال بهدوء:
- خير يا ام غيث؟, موضوع ايه دِه؟..
اتجهت اليه لتجلس فوق طرف الفراش بالقرب منه وأجابت بابتسامة:
- خير يا أخويْ ما تجلجش, بس هو موضوع جديم وصار وجته دِلوَكْ اننا نخلّصه!
عقد عثمان حاجبيه في تساؤل ورتك الأوراق التي بيده والتفت اليها ليوليها اهتمامه كليّة وهو يستفسر:
- موضوع جديم ولازم نجفّله!, موضوع إيه دِهْ؟!
تنفست راوية بعمق وشحذت نفسها وقالت وهي لا تستطيع النظر الى عينيه الثاقبة:
- جواز الولاد!, معينفعشي نجعدوا رابطين البنتِّة جارنا إكده!
زادت تقطيبة عثمان وتساءل بحيرة:
- جواز مين وولاد مين وبنتّة مي نديْ اللي بتحكي عنيهم؟!
هتفت ببراءة مصطنعة:
- باه. انت نسيت ولا إيه؟, احنا مش جولنا انه هند بنت اختي زينب رايدينها لغيث ولدنا؟, وهند خلاص كِلها كم شهر وتخلص مُدرسة, يبجى نستنّى إيه بجه؟, أني عاوزة أفرح بولدي انّهاردِه جبل بُكره!
عثمان يفهم جيدا زوجته وما يدور في رأسها ولهذا ابتسم ابتسامة ساخرة صغيرة وقال:
- لاه, ريحي روحك إنتِ, وجت ما ابنك يريد يتزوج هيجول, وبعدين بت اختك لسّاتها اصغيرة واللي اعرِفُهْ انها عاوزة تكمّل علامها, يعني ما أظنيش توافج ع الجواز ..
هتفت راوية باستهجان:
- باه, واحنا عندينا بنات توافج وترفض؟, بوها موافج يبجى خلاص هي مالهاش كلمة تاني بعد كلمته!..
قطب جبينه ومال برأسه تجاهها وهو يردد بتساؤل دَهِشْ:
- انتي بتجولي ايه؟, بوها موافج؟, وانتي عرفتي منين انه موافج؟, اني ما اتحدتيتيش إمعاه خالص في الموضوع ديْ, كان كلام بيني وبينك لمّن جعدت تمدحي لي في بت اختك, وافتكر اني جولتلك اني بفكر فيعا بغيث ما دام هي منيحة اكده كيف ما بتجولي وأظن برضيكي اني جولتلك ونبّهت عليكي ما تجيبيشي سيرة لمخلوج ولا حتى أختك لغاية ما نتوكد انه غيث رايدها وموافج, حوصل ولّا لاه؟!
تلعثمت راوية في الاجابة وقالت وهي تفرك يديها الاثنتين:
- حوصل يا خويْ حوصل, واني ما جولتش حاجة لحد ما غيرها بس حبيت أجس النبض ولمّحت ع الخفيف لزينب أختي ووجتها اسيت انها مرحبة ومنى عينها انه حد من عيالنا ياخد بتّها وجالت لي انه زوجها مش هيوافج وبس لاه, دِه هيطير من الفرح كُمان لو دِه حوصل!
قبض على يدها بقوة شهقت بألم لها, وشدت أصابعه على أصابعها بقوة كادت أن تفتتها وتحدث بغضب مكتوم قائلا:
- كلمة ومش هتنّيها, إوعاكي تفتكري انك بتحطيني انا ولا ابني جودام الامر الواقع بحديتك مع اختك من ورايْ, ولدي مش بت عشان أزوجه بالطريجة ديْ!..
ثم مال هامسا أمام وجهها وهو يطالعها بقوة:
- اوعاكي تكوني فاكرة انى مش خابر انتي بتفكري كيف؟, لاه يا أم الوِلْد.. اني عارفك زين ةخابرك زين الزين كُمان!, ولو على جواز ولادنا خلاص.. تجدري تطمني.. كِلها حاجة بسيطة وتفرحي بيهم التنِّيين سوا!!..
شهقت بدهشة وهتفت ناسية ألمها:
- واه!, هيتجوزوا في ليلة واحدة؟!, على اكده اختاروا العرايس بجه؟!
عمل عقلها كالمكوك وهي تتمنى أن يخيب ظنها ولكنه تحدث بابتسامة ساخرة متشفية:
- اكيد اختاروا العرايس, أومال هيتجوزوا من غير عرايس ولاّ إيه؟.
نظرت اليه قائلة بتشكك:
- ويبجوا مين بالصلاة على النبي إكده؟, مش ع الأجل تجولي, أجلّه ظلني أمهم!
تركها ومال مفترشا السرير بطوله وأجاب بابتسامة صفراء مستهزئة:
- لاه اطّمني, عرايس تشرح الجلب ابصحيح, وأكيد هنجولك, ما تستعجليش على رزجك, ودلوك همّليني عاوز أرتاح شويّ.
نهضت راوية متجهة خارج الغرفة ثم وقفت في المنتصف لتلتفت اليه وتقول وقد قررت شيئا في ضميرها:
- طب ممكن أروح أزور أختي انهارده, اتوحشتها..
لم يكلف نفسه عناء النظر اليها وأجاب ببرود:
- روحي لها وماله....
ثم رفع رأسه وتابع آمرا وبصرامة:
- بس إياكي تجوليلها حاجة على زواج وما زواجش, بتّها اصغيرة على ولادك , بيناتهم اكتر من 15 سنة, اعجلي اكده عشان ما تخسريش أختك الوحيدة, اني حذرتك يا راوية ومش هجولك اني ممكن اعمل ايه لو خالفتي اللي جولتلك عليه!
طأطأت برأسها وهي تتمتم بالايجاب ثم استدارت متجهة للخروج بينما احتلت عيناها نظرة كره وحقد واعتلى وجهها تعبير الشر ما ان لفت بظهرها, وتوعدت في سرها قائلة:
- فكرك أني معرفش أنت بترتب لإيه انت وبوك؟, لكن لاه, على جثتي ان بنات ألفت يتزوجوا ولادي, ما كونيش راوية امّا خليت نأبهم يطلع على شونة, مش كفاية امهم خدت بوهم جايين هما كمان عاوزين يخطفوا ولادي منّي!!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
نفخت سلافة في ضيق وهي تنظر الى غيث الواقف أمامها شزرا, عقدت ذراعيها بينما كان يتحدث الى أحد المحاسبين لديهم, وما إن انصرف حتى التفت اليها ليراها وقد وقفت تتحاشى النظر اليه عاقدة جبينها تزفر في حنق كالأطفال, كتم ابتسامته واتجه اليها حيث كانت واقفة بجوار النفاذة العريضة بغرفة مكتبه في الديوان وانعكست أشعة الشمس على خصلاتها لتلمع كجناح غراب, وقف على بعد خطوات قليلة منها وهو يتطلع اليها عارفا بما سبب ضيقها وحنقها منه, ولكن كيف له أن يسمح لها بأن تقوم هي بتدريب الموظفين على النظام الجديد الذي أدخلته على العمل, لا ينكر أنها قد أجهدت نفسها في الاسبوع المنصرم, كانت تأتي معه باكرا وتقضي الساعات بين الملفات والأوراق حتى غروب الشمس, وأحيانا لما بعد الغروب, فقد نظمت بيانات جميع العملاء بل والفواتير والميزانية السنوية ونظام المدفوعات, وجدولة المديونيات, قامت بعمل كثير وفي مدة بسيطة وبإتقان رائع, وبقي أن يتدرب المحاسبون لديه على النظام الجديد, ولكنه أبى ورفض أن تقوم هي به, كيف تقف أمام عددا كبير من الرجال تتحدث وتشرح وذلك يسأل وهذا يستفسر, وهي تجيب بابتسامتها التي تثلج الصدور وتجعل الواقف أمامها يتيه سابحا في عالم آخر!
انتبه من شروده على صوت تأففها العالي ليضبطها وهي ترنو إليه بنظرة ساخطة, ارتفع طرفي فمه المظلل بشارب كثيف في شبح ابتسامة وتحدث مصطنعا البراءة:
- ايه رايك يا سلافة؟, أها... كل اللي جولتي عليه ماشي زي الساعة..
التفتت اليه وأجابت بحنق مكبوت:
- يا سلام!, هو فين دا؟, بقه أنا أشقى وأتعب وغيري ياخد على الجاهز؟..
اقترب منها وقطب بتساؤل:
- هو مين دِه اللي خد وخد ايه؟
أنزلت ذراعيها وسارت حتى وقفت أمامه وهي تجيب بحدة ساخرة:
- بقه حضرتك متعرفش مين وخد ايه؟, انا اسبوع كامل مواصلة الليل بالنهار لغاية ما رتبت كل الغل من فواتير وملفات وميزانية ومديونيات, كل اللي في الديوان هنا بقه داخل على سيستم الكمبيوتر اللي عممته هنا, ولما آجي بقه أشرح انا عملت ايه وأفهم الموظفين هيشتغلوا ازاي تيجي انت وبكل بساطة وسهولة وتقول – وضخمت صوتها مقلدة له – لاه يا بت عمي, ما عينفعشي انت اللي تدرِّبيهم.. أني هشوف مكتب متخصص في البرمجيات تشيّع لنا حد من عنديهم ايدرّبهم!
لم يستطع غيث كبح جماح ضحكته التى انطلقت عاليا مما جعل سلافة تقف فاغرة فاها, فمن يضحك أمامها ليس هو غيث ابن عمها البارد المتجهم دوما, لا.. ان من يقف أمامها الآن رجل ينضح جاذبية أكسبته ضحكة وسامة لم تنتبه اليها قبلا, ارتسمت ابتسامة شاردة على شفتيها الكرزتين, انتبه غيث الى تركيزها الشديد فيه, فهدأت ضحكاته ثم اقترب منها حتى اشتم رائحة عبيرها الخاص وهمس بصوت أجش:
- ايه يا بت عمي, فيه حاجة غريبه فيّ انهارده؟
نفت بهزة من رأسها وأجابت بصدق أسر لبّه:
- لا بس أول مرة أشوفك بتضحك بالشكل دا!, احنا تقريبا قربنا على 3 اسابيع هنا وفي المدة اللي فاتت دي نادر لو شوفتك ابتسمت على طول مكشّر, زي ما تكون خايف تضحك وشّك يشقق!!.
نظر اليها بدهشة وهتف:
- كيف دِهْ؟, ازاي يشجج يعني؟
زفرت سلافة بعمق وأجابت:
- لا دي شرحها هيطول, المهم حاول تضحك كتير لأن كُتر التكشير بتخلي الوشّ يعجز بسرعة, انت لسه ما دخلتش دنيا, استنى لما تدخل وبعدين اعمل ما بدالك...
ثم تمتمت بينها وبين نفسها:
- لو جدعه مش هتخليك تكشر, ولو اني خايفة شكلك انت اللي هتخليها تكشر, ما هو أصلكم باين عليكم عيلة بتمشي كلمتها في كل حاجة حتى التكشيرة!
قال غيث مقطبا:
- انتي جولتي حاجة يا سلافة؟
أغمضت عينيها ورفعت رأسها الى الأعلى ثم فتحتهما ناظرة الى سقف الغرفة وهي ترفع يديها هاتفة:
- الصبر من عندك يارب!.., ثم التفتت اليه وتابعت:
- أنا عاوزة أعرف حاجة لو ممكن... قبل ما نشتغل سوا ما كنتش بتنادي لي غير بت عمي, ودلوقتي من ساعة ما اشتغلنا مع بعض وانت حلي في عينيك اوي اسمي, كل شوية سلافة وسلافة, ما تنساه وتسكت؟!
واضعة يديها في منتصف خصرها, تظاهر غيث بالبرودة وأجاب:
- كفاياكي كلام مالوش لزمة, واتفضلي علشان نشوف المهندس اللي جاي يدرب الموظفين على البرنامج ابتاعك...
وقف مفسحا لها الطريق فابتسمت واتجهت اليه وما ان أصبحت بالقرب منه حتى نظرت اليه وقالت بابتسامة وكأنها تهنّئه على عمل ممتاز:
- أيوة كدا, السيدات أولا.. ليدز فيرست يا كابتن..
حرك غيث رأسه يمينا ويسارا يأسا من ابنة عمه ولسانها..
دخلت حيث الغرفة التي سيقوم بها مهندس الحاسب الآلي بتدريب الموظفين على كيفية استخدام النظام الجديد, وقف غيث بجانبها وأشار اليها قائلا بينما سكت المهندس عن الشرح:
- أستاذ منير.. أحب أجد ملك الأستاذة.....
هتف المدعو منير بغير تصديق وهو يبتسم ابتسامة واسعة:
- مين؟, سلافة الخولي!, مش ممكن!, أزيك يا.. سولي!
هتفت سلافة بحبور:
- معقول؟, منير عزمي!, أنا مش مصدقة عينيا!, معقول الدنيا صغيرة أوي كدا؟!
مد منير يده مصافحا سلافة وسط نظرات غيث الذاهلة والتي ينقلها بينهما, وما إن لمحها وهي تمد يدها وتخطو ناحيته للسلام عليه حتى سارع بالقبض على راحتها لتضيع بداخل يده العريضة وهو يحدجها بنظرات قوية استغربت لها بينما لفّ الى منير الواقف ولا يزال مادًّا يده أمامه وقال بابتسامة صفراء:
- أهلاً بك يا باشي مهندز!.
ارتبك منير وأنزل يده بينما نظرت سلافة بغيظ الى غيث وحاولت جذب يدها من قبضته القوية والتي اشتدت ما ان شعر بمحاولتها الفاشلة لترك يده, رسمت سلافة ابتسامة صغيرة فوق ثغرها الوردي وقالت موجهة حديثها لمنير وهى تستشعر شرارات تتطاير من ذلك الواقف بجانبها ولكنها تكون ملعونة لو خافت من تهجّمه الواضح, فمنير من أفضل زملائها في الجماعة ولن تدعي غير ذلك ولو من أجل ذلك الـ.. غيث!.
قالت سلافة:
- انا ما صدقتش لما شوفتك, اخبارك ايه يا منير؟
أجاب منير بابتسامة صغيرة وهو يسترق النظر الى ذلك العملاق الضخم الواقف بجانبها ينظر اليه شزرا بينما تعتلي سيمات وجهه البرود:
- الحمد لله يا سولي, انما ايه المفاجأة الحلوة دي, معقول انتي بتشتغلي هنا؟
ضحكت سلافة وأجابت وهي تنظر الى غيث بترفع والذي ضغط على أصابعها بقوة أشد ما أن سمع اسم التدلل الخاص بها يتلفظ به هذا المعتوه الذي ينظر اليها بابتسامة لزجة تتراقص على شفتيه:
- مش بالظبط, أنا جدي يبقى عبد الحميد الخولي صاحب المزرعة!
ليطلق منير صافرة طويلة و.... إلى هنا وكفى!, لم يستطع غيث الصمت أكثر من ذلك, هتف به بخشونة وغلظة:
- باجول ايه يا باشي مهندز, خلص التدريب للناس علشان عاوزين يروحوا بيوتهم, عن إذنك...
وخرج وهو يجذب سلافة معه, والتي رسمت ابتسامة اعتذار خفيفة وهتفت لمنير والذي وقف يراقبهما بتقطيبة حائرة:
- فرصة سعيدة يا منير, هشوفك تاني أكيد...
صاح منير بينما يخطو غيث خطوات واسعة جعلتها أشبه بالراكضة لتلحق به:
- أكيد يا سولي...
زمجر غيث وحاولت سلافة جذب يدها من قبضته بلا فائدة, حتى وصلا الى غرفة المكتب فدفعها الى الداخل بقوة وصفق الباب خلفه ووقف أمامها وهو يرغي ويزبد بينما أخذت تفرك معصمها موضع قبضته وقد تلونت بشرتها الرقيقة باللون الأحمر القاني, فعلمت أنها ستتلون بألوان الطيف السبعة في الغد..
هتف غيث وهو يقترب منها بحنق:
- انتي كيف تسمحي لنفسك انك تتحدتي مع راجل غريب بالطريجة ديْ؟ لاه وفين.. جودام الموظفين كُمان!, انتي جنِّيت أكيد!
هتفت سلافة بغيظ وقد اعتلت وجنتيها حمرة الغضب بينما تناثرت خصلات من شعرها حول وجهها ولمعت عيناها لغضبها الشديد مما أكسبها فتنة ظاهرة لم تنتبه لها:
- انت انسان رجعي ومتخلف!, منير دا يبقى زميلي وانا ما اتعدتش الحدود معاه, انت بتصرفك دا اللي خليت الكل يستغرب!
تقدم منها بخطوات سريعة غاضبة وقبض على مرفقها بقوة آلمتها وصاح بغضب:
- وكما بتعاندي في الغلط!, مية مرة جولتلك عندينا إهنه مش كيف عنديكم في مِصِرْ, جولتلك أي كلمة محسوبة على الحرمى خصوصي اننا اهنه في بلد اصغيرة, مش بندر ولا هو مركز, لاه, اهنه سلونا غير, يعني مينفعشي توجفي تضحكي وهو يجلعك بالطريجة الماسخة ديْ جودامي!, تجدري تجوليلي الموظفين اللي شافوكم دول هيجولوا عليكي ايه؟, ما تونطوجي؟, واحد غريب عم بينادم عليكي باسم ماسخ ومايع زييكي, هيجولوا ايه؟, احمدي ربك اني مسكت نفسي ولا كان هيوبجالي تصريف تاني!!
نظرت اليه بقوة وقالت بجدية بينما تلمع مقلتيها بشدة وكأنها النجوم تلمع في سماء ليلة شديدة السواد:
- انا اللي ماسكة نفسي لغاية دلوقتي احتراما انك ابن عمي الكبير, لكن كلمة زيادة صدقني مش هسكت, وطالما أي حاجة بعملها مش عجباك أنا هريّحك خالص!
وجذبت مرفقها بشدة واندفعت متجهة الى الخارج عندما صدح صوته آمرا لها بالوقوف, بينما سار اليها ليقف أمامها تماما ناظرا اليها ومال عليها وقال وهو مقطبا جبينه بحيرة وتساؤل:
- هتريحيني كيف يعني؟
نظرت اليه مجيبة ببرود:
- حاجة بسيطة جدا, هقطع أجازتي وأنزل #مصر, أظن ان الزيارة طوّلت أوي بما فيه الكفاية, والعيلة اتلم شملها, يبقى مالوش لزوم قعاد أكتر من كدا, وقبل ما تتكلم – رفعت يدها مقاطعة اياه عندما وجدته يهم بالكلام وتابعت – انا بتكلم عني أنا, انا مش عاوزة أخلي بابا يسيب جدي وجدتي, انا بتكلم عن نفسي, الموضوع سهل جدا, انا هقطع أجازتي وهرجع #مصر, والوقت اللي بابا حابب يقعده هنا هو براحته, فاطمّن خالص, اوعدك انه دي آخر مرة تشوف فيها وشي أو أعمل حاجة مش من عواديكم, عن اذنك!
وغادرت مسرعة تاركة له وهو يقف متسمرا في مكانه, حتى اذا ما انتبه, وجدها قد اختفت من أمامه فخرج مسرعا في إثرها وهو يتمتم بشراسة بينه وبين نفسه:
- انسي انك تخطي بجدمك خطوة واحدة برّات المزرعة يا سلافة, وابجي وريني يا بت عمي هتمشي كيف, خصوصي بعد ما بوكي يسمع اللي هجولهوله!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xx
- اجعدي يا راوية يا ختي, زارتنا البركة...
جلست راوية على الاريكة المذهبة الكبيرة في غرفة جلوس منزل زينب التي رحبت بها بشدة, قالت راوية بابتسامة:
- منوِّر بوجودك يا اختيْ, عاوزاكي في كلمتين إكده..
قالت زينب بحبور:
- وماله, نشربوا الشاي وبعدين جولي اللي عاوزاه..
- فهمتيني يا زينب!
سألت راوية شقيقتها بعد أن أنهت حديثها, نظرت زينب اليها بتقطيبة خفيفة بين حاجبيها وأجابت:
- لاه, مش فهمانه!
زفرت راوية في ضيق وقالت بتأفف:
- ايه يا بنت أبوي, مش لازم لها نباهة ديْ!, عاوزاكي تشجعي هند بتّك انها تاجي عندينا كتير, عاوزة اللي ما تتسمى اللي حدانا هي وبناتها يعرفوا ان هند اللي داخله وهما اللي طالعين!
هتفت زينب:
- داخلين ايه وخارجين ايه يا أم غيث؟, انتي عم بتجولي ايه؟
راوية بتأن:
- افهمي يا زينب, أني عاوزة هند بتّك لغيث ولدي وأظن اني سبج ولمحت لك بإكده, كل اللي عاوزاه انّا نلحلحوا الموضوع شويْ!, خلي بتّك تعلج الحاج والحاجة فيها, هما اللي هيطلبوها بخشمهم لولدي غيث, ما تشوفي كيف بناتها واكلين بعجول الكل حلاوة!
نظرت زينب بحدة الى راوية وقد اشتمت رائحة غير مستحبة في الأمر وقالت بجدية بالغة:
- بجولك ايه يا راوية أني وبنتي مالناش صالح باللي بينك وبين مَرَتْ ابن عمّي, انتي كارهاها واني خابرة زين ليه, بس اني حاسّاها ست أصيلة والعيبة ما تطلعش منّيها والا ما كانيش عم الحاج وعمتي الحاجة حبوها, وجبلوها بيناتهم..
ارتبكت راوية وقالت بتلعثم خفيف:
- انتي جصدك ايه يا زينب؟, يعني ايه انتي عارفة سبب كرهي ليها؟, هيكون ايه غير انها السبب ان ولد عمي فاتك جبل الفرح وخلّانا سيرة في البلد كلاتها....
زينب بحزم:
- لا يا راوية دِه مش السبب!, وانتي خابرة زين انه وجتها الزعل مان بالأخص بوي وعمي , لكن اهل البلد ماحدش جدر يفتح خشمه منيّهم, ميجدروش يفتحوا عينيهم في عين كبير البلد, لكن اني خابرة زين ان زعلك وكرهك ليها لأنه ولد عمي فضّلها هي عليكي انتي مش عليّا أني!!
هبّت راوية واقفة وهتفت بسخط:
- ايه التخريف اللي عم بتجوليه دِه؟!, احنا كلاتنا عارفين انه بوي وعمك جروا فتحتنا من واحنا صغار اني لعتمان وانتي لرؤوف!
نهضت زينب وربتت على كتفها وقالت بابتسامة:
- ما تزعطيش إكده شين عشانك!, بس اللي بجوله دِه مش تخريف يا راوية, دِه أني سمعته بدناتي التنيين الدول!, كنت وجتها جاية لعمتي فاطنة ولاجيتك واجفة تحت التكعيبة اللي فيآخر الجنينة مع رؤوف, ربنا يسامحنى معرفشي ايه اللي خلاني أتسحب وأجف عشان عرف سبب وجفتكم إكده, يمكن لأني استغربت وجفتك إكده, المهم, وجفت وشفت وسمعت!
راوية باضطراب حاولت إخفائه:
- سمعت ايه وشفتي ايه؟
زينب وهي تدور حولها لتهمس في أذنها الأخرى:
- شوفت اختى الكبيرة وهي بتترجى ولد عمي, سمعتها وهي بتجوله انه يجول لعمي انه رايدها هي مش أختها الصغيرة, وان بوها مش هيرفض, التنيين أختين وهياخدوا ولاد عمهم, مش فارجة بجه مين لمين!
سكتت زينب بينما أحست راوية بالبرودة تغزو أطارفها, تابعت زينب بأسف:
- ولأسف ولد عمي صاحرها انه فعلا هيكلم بوه بس مش عشانها هي لاه!, عشان بيحب زميلة ليه وعاوز يتجوزها!, وسمعته وهو بيجولك انه عتمان طيب وحنين , هو يمكن يبان انه شديد لكن جلبه أبيض, وفاتك واجفة ومشي, وجتها أني اتداريت بسرعة جبل ما يلمحني, وعشان تبجي عارفة عياطي وحالتي اللي حوصلت لمن فاتني مش عشان انه همّلني وراح يتزوج من تلبندر لاه!, دِه عشان اختي بنت امي وبوي هي اللي كانت عاوزة تاخد خطيبي منّي, وراحت رمت بنفسها عليه وجالت له انها بتحبه عشانه احنيّن عليها وانها بتخاف من عتمان, وهو حاول انه يطمنك من ناحية خوه, ويوم فرحك اني كنت شايفة الدموع في عينيكي وانتي بتحاولي تكتميها, ومرت الايام وربنا عوضني برياض, وفكِّرت انك خلاص نسيت الموال الجديم دِه, لكن لاه.. واضح انه لسّاته في بالك, واني ما تزعليش منّي يا ختيْ مش عاوزة أعرض بتي لحكاية جديمة, ومن الآخر إكده.. هند بتّي خوكي عدنان طالبها لوِلده زين وبوها وافج, بس اشترط عليهم انها تكمل علامها كيف ما بدّها!
راوية بغير تصديق:
- كل دِه في جلبك يا زينب وما جولتيشي؟
زينب بابتسامة حزينة:
- هجول ايه يا ختيْ؟, اللي فات مات, وخديها نصيحة من اختك.. انسي اللي فات يا راوية, أم سلمى مرة زينة والعيبة ما تطلعشي منّيها, جربي منها, وانسي حدوتة رؤوف ولد عمك دِه!
راوية بحدة:
- رؤوف ايه و حكاية ايه؟, لو ع الحكاية ديْ اني نسيتها من زمان, لكن اني مش هخليها هي وبناتها يسرجوا اعيالي منّي, ومش بس اكده لاه, والمال والحلال, ده أمي فاطمة مش بتجولها غير بتّي وبتّي, اني في وسطيهم بجالي اكتر من 30 سنة ما سمعتش كلمة بتي ديْ واصل!
زينب بتربيتة عطف على كتف أختها:
- نضفي جلبك يا اختي, وصدجيني هتلاجي الحب مالي جلوبهم من ناحيتك زييها تمام!!
أزاحت راوية يد أختها بحدة ونظرت اليها هاتفة:
- ومستغربة بكرهها ليه؟, اذا كانت جدرت تاخدك انتي اختي مني وتخليكي في صفها, انما ولا يهمك, اني جادرة أجف جوصادها لوحدي, وما بجاش راوية اما خرجتهم من البلد بفضيحة!
وانصرفت مغادرة بسرعة الصاروخ وزينب تركض في أثرها منادية لها ولكنها لم تقف, لتعود زينب أدراجها وهي تدعو في سرها:
- يا رب سلّم يا رب, يا رب اهديها يارب وعجّلها, اختي واني عارفاكي اجنانك مش على حد!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- هتسافر ميتى يا راضي؟
أجاب راضي وهو يعقد عمامته جيدا حول رأسه:
- دلوك يا بوي بإذن الله..
اقترب ليث من راضي الواقف بجواره بينما يطالعهما عدنان بفخر, قال ليث بصوته الخشن الذي يرسل الرعب في النفوس:
- عرفت اللي هتعمله امنيح يا راضي؟, مسعود ولد الراجي لينا عنديه اكتر من 350 الف جنيه, فات شهر وما فيش ميلم واحد اندفع منيهم, اني كنت عاوز أروح له, بس انت اللي اتفجت امعاه من الاول, لو ما وافجش يدفع بالحسنى وجتها تبجى ديْ سكّتي أني!
راضي بابتسامته الطيبة:
- اطمن يا ليث يا خوي, الراجل مش حرامي, السوج بس جصّر امعاه, وان شاء الله هرجع ومعايا الفلوس, احنا ممكن نرفع عليه جضية بالشيكات اللي حدانا من غير رصيد, لكن اني بجول الطيب أحسن!..
عدنان بهدوء:
- تمام يا راضي, روح يا ولدي, تروح وترجع بألف سلامة..
مال راضي على يد والده يقبلها, وصافح أخيه الأكبر مقبلا رأسه ثم اتجه الى خارجا عندما توقفه صوت بكاء ضعيف, عرف مصدره من دقات قلبه المتسارعة’ فتش بعينيه قليلا ليبصر طرف عباءتها من خلف أحد الأبواب, فاتجه اليها ليفتح الباب ويدخل بينما شهقت سلسبيل وتراجعت للخلف, تقدم منها راضي وهو يقول بابتسامة:
- مالك يا جلب راضي؟, خفتيْ!
سلسبيل وهو تمسح وجنتيها بينما اقترب راضي يحيطها بذراعيه:
- طبعا, جلبي كان هيجف, انت المفروض كنت خارج, اعرف منين انك عاودت تاني؟
راضي وهو يحتضنها بقوة:
- سمعتك يا جلب راضي, مالي يا نور عيني, بتبكي ليه؟, هي أول مرة أسافر إيّاكْ؟
سلسبيل بحزن وهى ترفع عينان تلمعان ببريق الدموع:
- ما هى كل مرة بتكون كيف أول مرة, عشان خاطري يا راضي خدني معاك!.
أبعدها راضي عنه وهتف بابتسامة دهشة:
- باه!, جرالك ايه يا سلسبيل؟, تاجي معايا كيف؟, من ميتى وانتي بتاجي معايا في شغلي؟
سلسبيل وهي على شفا الانهيار:
- جلبي مجبوض يا راضي, مش عارفة ليه, عشان خاطري خدني امعاك...
احتواها راضي بين ذراعيه وقال بحنانه المعهودة:
- وانتي فاكرة يا جلب سلسبيل لو ربنا كاتب لي حاجة في السفرية ديْ انتي هتجدري تمنعيها عنِّيْ؟, يا جلب راضي اللي ربنا رايده هيكون ولو كنت في حضنك!
تنشقت سلسبيل عاليا ورفعت رأسها ناظرة اليه وهي تجيب:
- طيب اوعدني انك تاخد بالك من نفسك, راضي أني لو جرالك بعيد الشر هموت يا راضي, هموت!
نهرها راضي وهو يعتصرها بين ذراعيه:
- باه, ما تجيبيشي سيرة الموت, اني ما جادرشي أعيش دجيجة واحده من غيرك, انتي نوارة حياتي..
ورغبة منه بتغيير مزاجها مال عليها حتى ضربت أنفاسه الساخنة وجهها وقال بمكر:
- وبعدين عاوزين أول ما أرجع بالسلامة ان شاء الله نبدا في التالت بجه!, خلاص شبل كبر تلات سنين ما شاء الله عليه, نفسي في بنيّة تكون شبهك بالتمام, جهزي نفسك, مش هفوتك واصل, اعاود بس!..
هتفت سلسبيل وقد تخضب وجهها بحمرة الخجل التي تأخذ بلب راضي وهي تضربه بخفة بقبضتها الصغيرة على كتفه العريض:
- لازمته ايه الكلام ديه؟, أني اللي غلطانه اني بتحددت امعاك من أصله!
قال راضي وهو يعتصرها بين ذراعيه بينما سلط نظراته على ثغرها الشهي:
- لساكي بتخجلي برضيكي؟!, اهو خجلك دِه اللي بيدوبني فيكي دوب....
أسدلت جفنيها معترضة بضعف قضى على البقية الباقية من صبر راضي:
- راضي.. كفاياك!
هتف راضي:
- كفاياكي انتي..
ليلتهم شفتيها في قبلة عميقة, راغبة , شغوفة, متطلبة, ولدهشته بادلته سلسبيل القبلة بقوة, بينما تطوقه بذراعيها النحيفتين بقوة تخالف بنيتها الضئيلة وكأنها تريد إدخاله بين جوانحها, قطع عناقهما صوت جهوري يناديه, ابتعد عنها وقال بابتسامة وهو يلهث:
- دِه ليث, شكله استعوجني, همشي اني وهبجى أطمنك علي لما أوصل ان شاء الله, لا الاه الا الله..
هتفت وهو يسحب يده منها:
- محمد رسول الله..
ووقفت تراقبه من شق الباب وهو ينصرف خارجا, ليصطدم نظرها بعينان سوداوين تطالعانها بنظرة غريبة أثارت الذعر في أوصالها, لتشهق مبتعدة الى الخلف لتختفي عن تلك العينان اللتان تشعر بهما وكأنهما يتغلغلان داخلها!..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
- آآآآآآآه, اعوذ بالله من الشيطان الرجيم, اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
نهض عدنان مفزوع ليبصر زوجته جالسة بجواره وعيناها مليئتان بالدموع, ناولها كوب الماء وهو يأمرها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, بعد ان ارتشفت عدة رشفات, وضع الكوب جانبا وهتف بقلق:
- خير يا أم ليث, ايه اللي حوصل؟
هتفت بصوت ضعيف متقطع:
- كابوس سا ابو ليث, كابوس شين جوي!
وفجأة تتعالى الاصوات خارجا ليعرف من بينها صوت ليث, وقد تسببت هذه الاصوات في ايقاظ سلسبيل التي لم تكن قد استرسلت في النوم بعد فقد جافاها هذه الليلة لمدة طويلة, خرج عدنان من غرفته ليجد ليث وهو يهرول بهلع بينما يديه تعملان بديناميكية للف العمامة البيضاء, نظرت سلسبيل من شق الباب واضعة يدها فوق قلبها تهدأ من ضرباته المتسارعة, هتف عدنان بإبنه الكبير:
- فيه ايه يا ليث يا ولديْ, ايه الصوت دِهْ!
أجابه ليث وهو يلهث:
- معرفش يا بويْ, ارتاح انت اني نازل اشوف مين اللي بيخبط بالطريجة دي!
ليسمعوا جميعهم صوت الغفير صابر وهو يصرخ ما ان فُتح له الباب:
- الحجني يا كبير, الحجنا.. راضي بيه اتجتل..
لتصرخ والدته عاليا وهي تضرب صدرها بقوة:
- ولدااااااااايْ..
بينما تسمرت سلبيل لتردد بدهشة وهي تهز رأسها يمينا ويسارا:
- لاه, راضي!, لاه, راااااااااااااااااضيْ!
وتركت نفسها تسقط في هوة سحيقة تسحبها الى الأسفل, فما رغبتها في حياة تخلو من حبيبها, ولكن....... تتلقفها ذراعين لم تخطيء أذن صاحبهما شهقتها الملتاعة ليحتويها بين ذراعيه القويتين حاميا جسدها من ارتطامه القوي المؤكد بالأرض الرخامية!!



- يتبع –


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-16, 10:04 AM   #10

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


- 8 -

صوت آيات الذكر الحكيم بصوت الشيخ المنشاوي يصدح من المذياع, بينما يجلس الجد وابنيه عثمان ورؤوف مع عدنان وولده ليث في الاستراحة التابعة لمنزل عدنان, مع باقي رجال عائلة الخولي فقط, فلم يأت أحد من أهل البلد لتقديم واجب العزاء, فقد أقسم ليث أنه لن يتقبل أي عزاء في وفاة شقيقه الأصغر إلا بعد أن يأخذ بثأره ممن قتله!..
تحدث الجد والذي قصم موْت راضي ظهره, وقد كَبِر عشر سنوات فوق سنون عمره وقال بصوت خافت ولكنه متمالك لنفسه:
- عرفتو مين وِلْد الحرام اللي اعْمِلْها؟.
عدنان بنظرات حزينة وصوت مشروخ وقد شعر أن بموْت ابنه قد مات جزء من قلبه وروحه:
- ليث مش ساكت يا عمِّي, هنجيبوه فين ما يروح, هيروح منينّا فين؟
ليث بنظرات سوداء مرعبة وصوت غليظ:
- ولمّن نجيبه هخليه يتمنى الموت ما يطولوشيْ!
غيث وهو يربت على كتف ليث:
- وأني معاك يا ولد عمي في أي حاجة تريدها, جولي بس أعمل ايه وأني اعمله..
ليث بهدوء:
- تسلم يا ولد عمي, انما دِهْ طاري أني, وأني اللي هاخده بيديْ.
ثم صمت قليلا قبل أن يتابع بصوت قد اهتز بشكل طفيف:
- راضي ما كانِش خويْ وبس!, لاه.. دِه كان ابني كُمان!
تعالى صوت من بين الرجال الجالسين يقول صاحبه:
- احنا كلاتنا تحت امرك يا شيخنا, ابو عدنان ما كانيش ولد لوحديك ولا خوك لوحديك يا ليث, دِه كان ولدنا كلاتنا وابننا واخونا كًمان, واحنا رجابينا فداكم كلاتكم, اؤمروا واحنا علينا التنفيذ..
رؤوف بهدوء:
- دا العشم بردو يا رجالة...
ثم مال الى شهاب الجالس بجواره قائلا:
- طمني يا بني, اختك عاملة ايه؟
زفر شهاب بحزن وأسى وقال:
- 3 ايام لغاية دلوقتي وهي تايهة خالص, ساكتة, تصدق يا عمي انها من ساعة ما وقعت من طولها بعد ما سمعت الخبر وبعد ما فاقت ما عيطتش؟!, انا قلقان عليها اوي يا عمي, سلمى وسلافة معاها من وقتها وكل ما أجي ادخلها علشان أشوفها يقولوا لي انها رافضة خالص تشوف حد, حتى أمي ومرات عمي لما بيدخلوا عندها ولا كأنها حاسة بيهم, أنا بجد قلقان, بفكر فعلا أجيب دكتور يطمنا عليها...
وفجأة على صوت جلبة وضوضاء ثم ركض الغفير صابر الى الداخل بوجهه الملهوف واقترب من عدنان ليُسرّ اليه ببضعة كلمات أنتفض واقفا على أثرها ثم التفت الى رؤوف الذي وقف بدوره ليميل عدنان اليه هامسا:
- رؤوف يا ولد عمي خلِّك مع جدِّي والرجالة اهنه, أني هروح عند الحريم دجايج وجايْ!
انتبه ليث الى وجه والده الذي يعتريه القلق الشديد, تقدم منه وقال مقطبا جبينه يعترض طريق والده أثناء خروجه من الاستراحة:
- فيه ايه يا بويْ؟, رايح فين دلوك؟, الواد صابر جالك ايه خلّاك تنتفض اكده؟
عدنان بقلق وأسى:
- الله يرضى عنِّيك يا ليث يا وَلدي, خليك مع عمك رؤوف وجدك, اني رايح اشوف الحريم ضروري...
ليث وقد تعمقت عقدة جبينه وبدأ القلق يغزوه:
- ليه يا بويْ, أمي جرالها حاجة بعيد الشر؟!
عدنان وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا مجيبا بأسى وحزن:
- أستغفر الله العظيم, لاه مش أمك يا ولدي, دِه.. سلسبيل!
ازدرد ليث ريقه وتساءل بتردد طفيف:
- مالها.. مالها أم عدنان؟
عدنان وهو يهم بالسير:
- معرفش يا ليث يا ولدي, صابر بيجول انه أمك شيّعت له ياجي ينادم عليّ ضروري لانها تعبانة جوي...
ليث وهو يمسك بمرفقه ويهم بالسير معه بخطوات واسعة:
- أني جاي معاك يا بويْ..
عدنان وهو يحاول ملاحقة خطوات ليث:
- بالراحة يا ولدي, ما جدرش ألحج عليك..
ليتمهل ليث بالسير بينما اعتلت عيناه نظرة غامضة لا تفصح عما يجيش بداخله...
وقف عدنان أمام غرفة سلسبيل وهو يسأل زوجته وبجانبها والدة سلسبيل التي تبكي بصمت وهي تمسح دموعها بطرف وشاحها الأسود, هتف عدنان بقلق وتساؤل:
- خبر ايه يا أم ليث؟, سلسبيل مالها؟
أجابت أم ليث ودموعها تغسل وجهها:
- معرفاشي يا حاج, حالتها وعرة جويْ...
ثوان وفُتح باب الغرفة لتقبل عليهم سلسبيل والتي ما ان رآها عمها حتى حدق فيها بعينين واسعتين لا يصدقان ما يرتسم أمامهما, فقد كانت سلسبيل ترتدي احدى عباءتها الملونة المزركشة, بل وتتزين كعروس في انتظار عريسها, وهي تضع وشاح باللون الابيض مزين بوردات باللون الزهري, قالت بابتسامة ناعمة وهي تطالع عمها ومن معه بدهشة:
- عمي.. ايه اللي موجفكم اهنه؟, فيه حاجة؟؟
ابتلع عدنان ريقه بصعوبة وقال بصوت متحشرج:
- سلـ.. سلسبيل يا بتي؟
ردت سلسبيل بابتسامة واسعة:
- اؤمرني يا عمي..
عدنان وهو يزدرد بريقه بصعوبة:
- ايه.. ايه اللي انتي لابساه دِه وعاملاه في نفسك دِه؟
سلسبيل بخجل وقد تلونت وجنتيها بحمرة الحياء:
- ابدا يا عمي, أصل راضي بيحب يشوفني بالعباية ديْ, جولت ألبسها عشان لمّن ياجي ينبسط..
أُسقط في يد عدنان وردد بذهول حزين:
- را.. راضيّ!
أومأت سلسبيل برأسها وهي تجيب بابتسامة فرح كبيرة:
- إيوة يا بويْ, راضي, حدتني من شوي وجالي انه جرّب يوصل..
لمح عدنان سلمى وسلافة تقفان خلف سلسبيل, أشارت له سلمى برأسها ألا يتحدث بما يخالف قولها, سارت سلسبيل ونزلت الدرج يتبعها عدنان والباقين, ما ان أكملت نزولها والتفتت حتى وقع نظرها على ليث الذي ما ان رآها حتى انتفض واقفا كمن لسعته أفعى وهو يردد في دهشة وعدم تصديق:
- سلسبيل!
سارت سلسبيل حتى وصلت اليه وهي ترميه بنظرات مشككة قلقة, وصلت اليها والدتها ومدت يدها تتناولها بين أحضانها وتقول بصوت باكي وهي تربت على كتفها:
- اهدي يا سلسبيل, اذكري الله يا بتّيْ..
قطبت سلسبيل وأجابت باندهاش وحيرة:
- ليه بتجولي اكده يا مّايْ؟
الأم بنواح:
- حرام اللي بتعمليه ديْ يا نضري!
هزت سلسبيل برفض يمينا ويسارا وتعبير استهجان تام يعتلي سيمات وجهها الخمري واستنكرت هاتفة:
- هو ايه ديه اللي بعمله؟ ايه.. بلبس لجوزي... حرام ألبس له وأتغندر له؟, مش فاكرة حديتك ليِّ انه لازمن جوزي ما يشوفش مني الا اللي يعجبه!, جوزي وعلى وصول, واني مستنياه, انما انتو اهنه ليه؟, فيه حاجة؟
اقتربت منها سلافة وربتت على كتفها وهي تقول:
- جايين نقعد معاكي يا ستي.. ايه بلاش؟
سلسبيل بارتباك واعتذار:
- لاه ما جصديشي يا بت عمي, أني بس مستغربة ان كلاتكم اهنه؟..
ثم ضحكت متابعة:
- لا يكون بوي وخواتي هما كمان اهنه واني معرِفش؟!
ليصدح صوت قويا من خلفها يقول بنبرات ثابتة:
- مش هما لوحديهم, عمك رؤوف وبوكي واخواتك وجدي وجدتي كمان, بس جدتي بعافية شوية دخلت تريّح شوي!
قطبت سلسبيل وتساءلت وهي تنظر الى غيث بريبة:
- وليه؟, فيه حاجة ولا ايه؟
تقدم منها ليث ليسلط نظراته على عينيها العسليتين وهو يجيب بتأن:
- جايين يجفوا جنبينا, لغاية ما ناخد بحجنا!
ابتلعت سلسبيل ريقها بصعوبة, وحاولت متابعة سيرها بعيدا عنه وهي تقول بابتسامة مهزوزة رافضة الاسترسال في هذا الحديث الذي بدأ يثير سخطها ولكن هذا هو ليث لا يصدر عنه الا كل ما هو مستفز ومغيظ سواء قول او فعل:
- عموما بيتهم ومُطرحهم, عن اذنكم اني هروح اشوف الوكل, راضي على وصول..
ما ان ابتعدت عنه خطوتين حتى سمعت صوته يعلو من ورائها متسائلا بقوة:
- ما عاوزاشي تعرفي حجنا ايه؟
اضطربت انفاس سلسبيل وسريعا اقتربت منها سلمى وسلافة في حين وقفت ألفت وراوية وأمها يتابعان ما يجري ودموعهن تجري بلا انقطاع, هتفت سلسبيل وهي تعود الى الخلف بينما يتقدم منها ليث بثبات:
- اني ما عاوزاشي اعرف حاجه؟
كادت أن تتعثر في المقعد خلفها عندما امتدت يد ليث سريعا تسندها وأجاب بقوة:
- حجنا في دم خويْ وجوزك.. راضي يا سلسبيل!
صرخت سلسبيل وهي تصيح بعنف:
- انت اتجنيت؟, حج ايه؟, راضي ما جرالوشي حاجة, راضي هياجي, هو جالي انه مش هيتأخر عليّ, هياجي وهنجيب البت اللي بيحلم بيها, بعّد عني, فوتني يا ليث!
حاولت دفعه بعيدا عنها ولكن كانت قبضتيه على كتفيها كالكماشة, بينما كانت في حالة من الهذيان, فلأول مرة تلفظ باسم مخيفها, ووحشها الذي يرعبها بصوته.. لأول مرة تلفظ باسم.. ليث!
هتف ليث بقوة وهو يقرص على كتفيها:
- راضي مات يا سلبيل, مااااااااااات!.
أخذت تحرك برأسها يسارا ويمينا عدة مرات وهي تضع يديها فوق أذنيها رافضة الاستماع بينما اهتزت تعابير وجهها, لتقول بصوت بدأ منخفض ليعلو تدريجيا منتهيا بصرخة عالية:
- لا.. راضي.. راضي.. راضي ما ماتِش..راضي.. تعالى يا خويْ... راضي.. راااااااااااااضي....
لتسقط مغشيا ليها ولكن هذه المرة كانت ذراعي شهاب شقيقها من أنقذتها من الارتطام بالأرض!.
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
خرجت سلمى من غرفة سلسبيل بعد أن حقنتها بحقنة مهدئة, كان الجميع بانتظارها وما ان رأوها حتى اندفعوا اليها, سأل شهاب وليث في نفس واحد:
- كيفها دلوك/ عاملة ايه دلوقتي؟
أشارت سلمى بيدها لهما بالتزام الهدوء, ثم دعتهما باللحاق بالباقيين في الاسفل حتى لا يصدروا أصواتا تُقلق سلسبيل.
ما ان نزلوا الى الاسفل حتى التفت شهاب الى ليث هاتفا بحنق:
- لو سلسبيل جرالها حاجة يبقى انت السبب!, انت ازاي تعمل كدا؟, ازاي قدرت تخليها تنهار بالشكل دا, مش كفاية اللي هيا فيه؟
ليث بهدوء ينافي النار التي تستعر في داخله:
- اللي اعملته دِه هو الصوح, وكان لازمن يتعمل من زمان, اختك ما انهارتش زي ما انت فاهم, اختك فاجت دلوك!
قطب شهاب صائحا باستهجان:
- يا سلام, عيّل صغير انا بقه وهتضحك عليه بكلمتين؟!, انا ما صدقتش نفسي وانا داخل وانا بسمعك بتصرخ فيها بالكلام دا, يعني لو ما كانش جدي بعتني أشوف فيه ايه.. كنت ناوي تعمل فيها ايه تاني؟
وقفت سلمى واتجهت اليهما وقالت مقاطعة شجارهما الكلامي:
- معلهش يا شهاب.. بس ليث بيتكلم صح!, اللي عمله دا هو اللي أنقذ سلسبيل من اكتئاب حاد كانت رايحاله برجليها وبسرعة كمان, انفجاره فيها هو اللي خلاها تفوق وتوعى للي حصل, يعني هو فعلا أنقذها من انهيار عصبي واكتئاب حاد.. الله اعلم كان ممكن نهايته توصل معاها لإيه؟!
لفّ شهاب رأسه ناظرا اليها بذهول وهتف:
- انت بتخرفي تقولي ايه؟
سلمى ببرود ولم يعجبها طريقته في الحديث اليها وأمام الجميع لذا أجابت ببرود:
- اظن اني الدكتورة هنا, واعتقد اني أفهم أحسن منك في الموضوع دا, سلسبيل زي أي حد داخل في هستريا, أول حاجة بتعملها لشخصي هستيري انك تحاول تفوقه حتى لو اضطريت تضربه بالقلم, سلسبيل كانت داخله في هستيرية اكتئاب حاد ممكن توصلها انها تفكر في الانتحار, كلام ليث ليها هو القلم اللي فوّقها من اللي كانت فيه, عموما انا اديتها حقنة مهدئة, على الصبح ان شاء الله هتكون كويسة!
ثم التفتت الى الحاضرين متابعة:
- بعد اذنك يا ماما أنا وسلافة هنفضل هنا معاها مش هنعرف نسيبها خصوصا في الفترة دي, يار يت تبلغي بابا, وحضرتك يا طنط - موجهة كلامها الى راوية التي كانت تضع يدها فوق رأسها بينما تمسح دموعها التي تهطل بصورة مستمرة براحتيها - حضرتك يا طنط يا ريت تدخلي تنامي, انتي تعبت اوي انهرده.
ثم نظرت الى تلك السيدة التي فقدت ابنها ولكنها تحاول التجلد والصبر واتجهت اليها بخطوات هادئة وقالت وهي تمسك بكتفيها:
- أنا مش عارفة أقولك ايه ولا أواسيكي ازاي, بس علشان خاطري حضرتك ضغطك كان عالي اوي انهرده, يا ريت تحاولي ترتاحي شوية..
ردت ام ليث من وسط بكائها:
- وهتاجي من فين الراحة يا بنيتي؟, هتاجي من فين؟
اومأت سلمى برأسها ثم ابتعدت وهى تشير لسلافة للحاق بها قبل أن تقف وتوجه حديثها الى ليث متجاهلة تماما ذلك الشهاب الذي يتابعها بنظرات ساخطة غاضبة مذهولة:
- البقاء لله يا ليث, ربنا يجعلها آخر الاحزان..
ثم اتجهت الى الدرج للصعود الى الاعلى مع سلافة لقضاء الليلة مع سلسبيل في غرفتها..
شعر شهاب ان أعصابه على وشك الافلات منه وقال وهو يستدير متجها للخارج:
- أنا ماشي..
أوقفته يد ليث التي وضعها على كتفه وقال بتنهيدة عميقة:
- شهاب, ما تزعلشي منِّي, لكن اللي انى اعملته دِه كان في موصلحتها تمام كيف ما الدكتورة سلمى جالت..
أومأ شهاب برأسه وأجاب وهو يربت بدوره على كتفه:
- أنا مش زعلان يا ليث, ربنا يكون في عوننا كلنا...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
جلس شهاب فوق فراشه وهو يقبض يده اليمنى ليضرب بها راحة كفه الأيسر بينما ينفخ بضيق, ثم نهض من مكانه وأخذ يسير جيئة وذهابا في المكان حتى كاد يحفر الأرض من قوة خطواته, هتف بحنق وغضب:
- بقى أنا ما بفهمش حاجة وعامله عليا دكتورة؟..
سكت قليلا قبل أن يتابع وهو يقلّد طريقتها في الكلام:
- ليث صح, ليث عمل المفروض يتعمل, البقاء لله يا ليث, ما تقلقش يا ليث.., ليث.. ليث.. ليث.. , اللي يسمعها يقول ليث دا عارفاه عمرها كله, دا أنا اللي اسمي ابن عمها وأقرب لها منه ما بتنطقش اسمي خالص الا نادر جدا, ايه دا؟, وبعدين ازاي عمي يوافق انها تقعد هناك؟, سلسبيل علشان العدة مش هينفع تخرج, لكن الواجب أمي هي اللي تقعد وهي.. قصدي هما.. هي وسلافة يرجعوا بقه!..
ثم ضرب بقبضته حافة النافذة التي يقف أمامها وهو ينفخ بضيق وتأفف بالغين!
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx xx*
بعد شهر
xxxxxxxxxxxxxxxx
- بابا بعد اذن حضرتك, انا عاوزة أنزل #مصر أجدد اجازتي وبالمرة أشوف الدكتور المشرف على الرسالة بتاعتي..
نظر رؤوف الى سلمى ابنته الجالسة فوق المقعد الخيزران في الحديقة الى يساره بينما تجاوره من الجهة اليمنى ابنته سلافة, قال رؤوف:
- انا عارف ان الفترة اللي فاتت دي كانت صعبة عليكم اوي, خصوصا ان ولاد عمكم انشغلوا في موضوع ليث والشغل تقريبا بقه على اكتفاكم انتم..
لا يستطيع رؤوف الانكار أنه يشعر بالفخر ببناته, فقد انشغل غيث وشهاب مع ابن عمهم ليث في البحث عن قاتل راضي, فأخذت بناته على عاتقهن أمر الاهتمام بالمزرعة والديوان في غيابهما, تحت اشرافه هو وأخيه عثمان, بينما التزم الجد الهدوء, وقد أنحنت كتفاه بعد مقتل راضي حفيده, والذي كان أقرب أحفاده إليه, وانشغلت الجدة بالاهتمام بصحة الجد بينما دخلت راوية في حالة من الحزن العميق على ابنتها, لتتولى زوجته ألفت شؤون المنزل لتثبت للجميع حُسن اختيار رؤوف لها, وتثبت لهم يوما بعد يوم أنها بالفعل واحدة منهم....
قالت سلافة بهدوء:
- أنا كلمت زمايلي في الشغل, وبعت ايميل للشركة ببلغهم فيها بمد أجازتي, وانا الحمد لله عندي رصيد كبير من الاجازات..
هز رؤوف رأسه وقال موافقا:
- تمام, يبقى سلافة توصلك الصبح لمحطة القطر تخلصي اللي وراكي وترجعي في نفس اليوم, وتبقي تكلمينا علشان نستناكي في المحطة..
- محطة ايه يا عمي ومين اللي هيسافر؟
قاطع صوت شهاب رؤوف, الذي التفت اليه ليبتسم مجيبا بينما جذب شهاب كرسيّا ليجلس في مواجهة عمه والى يسار سلمى:
- ابدا يا بني, دي سلمى عاوزة تسافر تجدد أجازتها وتشوف الدكتور المشرف على الرسالة..
ألقى شهاب بنظرة سريعة عليها بينما تجاهلته كلية فمنذ صدامهما ذاك اليوم ببيت عمه عدنان وهي تتحاشاه, مع انها تتولى مهام المزرعة بشكل مثير للاعجاب فهي تتحكم بالأمور هناك جيدا وتتعامل مع عمال المزرعة بطريقة حازمة وهادئة, قال شهاب ببرود بينما يحاول ان يسترق النظر اليها بين كل كلمة وأخرى:
- تمام يا عمي, تشوف هي عاوزة تسافر امتى وانا هوصلها!
حدقت فيه سلمى بدهشة ولكنها حاولت اخفائها, تحدثت ببرود نسبي:
- لا مالوش لزوم, سلافة هتوصلني المحطة وهاخد القطر وهرد في نفس اليوم, مالوش لزوم تتعب نفسك!
نظر اليها مجيبا بسخرية هي وحدها اشتمت رائحتها من بين أحرف كلماته:
- تعبك راحة يا بنت عمي, بس ما ينفعش يكون ابن عمك موجود وأختك توصلك المحطة وتاخدي قطر, انا هوصلك وأرجعك..
حاولت سلمى كتم زفرة ضيق كادت تفلت منها وقالت محاولة الهروب من مرافقته:
- لا ما فيهاش حاجة, انا بحب السفر بالقطر..
كانت سلافة تتابع بدهشة طفيفة وريبة ما يدور بين أختها وشهاب في الخفاء, لا تعلم لما تشعر وكأن هناك نظرات سخط متبادلة بينهما, ولكن مؤكد أنه يريد فرض سطوته عليها تماما كأخيه غيث, قد يكونان توائم غير متشابهة شكلا ولكنهما متطابقان تماما في صفاتهما, أرادت انقاذ أختها من إصراره الغريب على مرافقتها وهى تعلم أن أبيها قد بدأ يميل لحل شهاب ليطمئن عليها خاصة أنها لا هي أو أمها تستطيعان مرافقتها, فهتفت بأول شيء طرأ على بالها:
- خلاص.. بسيطة.. نكلم كريم يستناكي في محطة #مصر, وأنا متأكده انه هيجيبك زي ما عمل معانا المرة اللي فاتت..
ما ان انتهت من عبارتها حتى رسمت بسمة واسعة فرحة بنفسها أنها قد اهتدت للحل الصحيح, ولكنها فوجئت بشرارات تنطلق من مقلتي شهاب, بينما نظرات أختها الباردة لا تفصح عما إذا كانت قد لاقت الفكرة قبول لديها, ولكن لم تنتظر طويلا لتسمع سلمى وهى تقول بإيجاب:
- فكرة بردو, أساسا عمو وطنط وحشونى أوي, وممكن أروح أسلم عليهم بالمرة..
هتف شهاب بحدة رغما عنه مقاطعا لها:
- لا!, أنا اللي هوديكي..
اندهش رؤوف وقال:
- ليه يا شهاب؟, البنات مش عاوزين يتعبوك, وانا شايف انه حل كريم دا حلو, بس بدل ما يرجعها بنفسه ممكن يوصلها المحطة وترجع بالقطر...
التفت شهاب الى عمه وحاول تمالك أعصابه وهو يجيب:
- معلهش يا عمي, بعد اذن حضرتك.. أنا ما فيش مشكلة انى أوصل سلمى وأستناها ونرجع سوا, وبعدين الحركة هتبقى أسهل بالنسبة لها معانا العربية وأنا اللي سايق يعني مش هتسوق في الزحمة ولا هتلف على ركنة ولا مخالفة ولا حاجة أبدا, وبدل ما نزعج الناس, ويضطر يسيب شغله, ايه رأي حضرتك؟
رؤوف باستحسان:
- والله فكرة مش بطالة..
لترتاح أسارير شهاب ولكن يتابع رؤوف:
- لكن مش تعب عليك يا بني تروح وترجع في نفس اليوم؟
نفى شهاب بقوة بهزة رأس منه:
- لا لا لا أبدا يا عمي...
كانت سلمى تنظر اليه وهى تتحرق غيظا, تكلم والدها قائلا:
- جهزى نفسك يا سلمى الصبح هتروحي مع ابن عمك..
ثم التفت الى شهاب متابعا:
- شكرا يا شهاب, هنتعبك معانا..
أجاب شهاب وعيناه تلمعان من الغبطة لقبول عمه رأيه وأنه اخيرا سيجعل تلك المتحذلقة المغرورة تبتلع لسانها ذاك والذي كال له الكلمات النابية ذلك اليوم بعد انهيار سلسبيل..
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- انت بتجول ايه يا حاج عبد الحميد؟
زفر عبد الحميد ورجع الى الخلف ليستند الى ظهر الفراش وأجاب:
- اللي انت سمعته يا ولديْ..
عثمان بغير تصديق:
- غيث اللي جالك إكده؟, وميتى؟
أجاب الجد بصوت هاديء يحمل رنة شجن واضحة:
- جبل ما يجيلنا خبر المرحوم راضي, في نفس اليوم, بس اللي حوصل خلّا الموضوع يوجف, اني عارف وهو عارف انه مش وجته دلوك لكن هو عاوزنا نفاتحو عمّه في الموضوع علشان يكون عنده علم باللي رايده غيث..
قطب عثمان وقال:
- وليه ما جاشي يتحدت معايا أني؟
ابتسم الجد ابتسامة صغيرة وقال:
- عادي يا ولدي, هو جالي انه هيفاتحك في الموضوع, هو اساسا يومها ما كانِش هيجول لي حاجة لوما أني شوفت حالته كيف وضيّجت عليه في الحديت لوما جال لي....
قال عثمان:
- وانت رأيك ايه يا حاج؟, الوجت فعلا كيف ما انت خابر مش الوجت المناسب, واني أخجل اكلم خوي في حاجة زي ديْ خصوصي في الظروف اللي بتمر بيها بتّي, كلّمه انت يا حاج الله يخليك..
هز الجد رأسه موافقا على كلام ابنه الاكبر وقال:
- ماشي يا أبو غيث, أني هفاتحه في الموضوع وهبلغك باللي هيوحصل...
xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx*
- ليث بيه, يا ليث بيه...
صاح الغفير صابر مناديا لسيده ليث الجالس تحت سقيفة العنب الخشبية في حديقة المنزل, نهض ليث واقفا مكشّرا في وجه الغفير وصاح به معنفا إياه:
- فيه ايه؟, عم بتنادم بصوت عالي كيف التور اكده ليه؟
كان صابر يلهث محاولا التقاط أنفاسه بشق الأنفس, تكلم من بين أنفاسه المتقطعة وهو ينحني ساندا راحتيه على ركبتيه:
- لا.. لاجيـ.. لاجيناه يا كبير!
لمعت عينا ليث وتقدم من صابر ببطء حتى وقف بجواره وهو يسأل بهدوء مخيف:
- لاجيتو مين؟
رفع صابر رأسه ثم اعتدل في وقفته وأجاب باحترام لسيّده:
- ولد الحرام اللي جتل راضي بيه!
تساءل ليث بينما عيناه تلمعان لمعة عيني الأسد الذي أوشك على اقتناص فريسته:
- مين يا صابر؟
قال صابر وهو يتنفس بعمق:
- عسران أبو الليل, جاطع طريج, مايعرفناشي وما يعرفش راضي بيه, طلع هو ورجالته على راضي بيه وهو راجع, جطعوا الطريج عليه هو والسواج, هددوهم وضربوا السواج, لكن سي راضي ما وافجش يسيب لهم المال والحلال فجتلوه واخدوا كل حاجة.....
ليث بغضب مكتوم يعتمل في أحشائه كبركان يثور بالتدريج قبل أن تندلع حممه عاليا فيحرق الأخضر واليابس:
- عرفت طريجه؟
هتف صابر:
- ايوة عرفت, اللي دلّنا عليه واحد من رجالته كان سهران عند البت بدوية وهلفط بالكلام على كبيرهم واخر عمليه عِملوها, وحضرتك خابر احنا لينا رجالة في كل مُطرح, والليلة يكون راسه عندك..
ليث سريعا وبحدة وعيناه تلمعان بنشوة الانتقام:
- لع, اني عاوزه صاحي.... جيبهولي متكتف من يديه ورجليه كيف الدبيحة!..
صابر بطاعة:
- تمام يا ليث بيه..
وانصرف ليسارع بتنفيذ ما طلبه سيده بينما قبض ليث على أصابع يده اليمنى وهتف بوعيد:
- أنى بجه هعرفك مين هما الخولي؟, إمّا كُتْ أخرّج جلبك ابيدي من صدرك ما كونِش أني ليث الخولي!!
وضغط على يده بشدة حتى ابيضت سلاميات أصابعه بينما يعد الدقائق والثوان التي بدأت عدّها التنازلي ليأخذ بثأر أخيه.. راضي!!


- يتبع -



لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:21 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.