آخر 10 مشاركات
عشيقة الإيطالي (1) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          كما العنقاء " مميزة ومكتملة " (الكاتـب : blue me - )           »          117 - توأم التنين _ فيوليت وينسبير ج2 شهر عسل مر ((حصرياً)) -(كتابة /كاملة بالرابط) (الكاتـب : SHELL - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          الزواج الملكي (109) للكاتبة: فيونا هود_ستيوارت.... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          258 - بلا عودة - هيلين بروكس ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          كبير العائلة-شرقية-للكاتبة المبدعة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[زائرة]كاملة&روابط* (الكاتـب : منى لطفي - )           »          سحر جزيرة القمر(96)لـ:مايا بانكس(الجزء الأول من سلسلة الحمل والشغف)كاملة إضافة الرابط (الكاتـب : فراشه وردى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-10-16, 01:55 PM   #1

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي 505-قلب في مهب الريح اليزابيت باور-دار النحاس (كتابة/كاملة)**







رواية قلب في مهب الريح
اليزابيت باور
من
قلوب عبيــــر
العدد 505
الملخص الخارجي
(( إنكِ على الأقل معه لن تكوني مثقلة بعبء
عاشق معوق, هو شبه رجل .))
لقد كانت ساشا مفتونة به . فقد كان ريكس تمبليتون
يملك كل ما تتطلبه المرأة من الرجل . كان بالغ الوسامة , بالغ الثراء
رائع الرجولة , ولكنه كان مشلول القدمين , ويعتقد أنه معوق
لا يستحق الحب. وبدا أن ليس في وسع ساشا أن تجعله يغير رأيه .
الملخص الداخلـــــي
كلا
كانت ساشا تقاومه بكل قوتها لكي تتخلص
منه, وقد نضحت عيناها بالرغبة, وهي تصرخ:
(( كلا , لا أستطيع .))
نضحت ملامح ريكس بمثل رغبتها هذه, إلى ان تحولت حيرة وذهولا.
وما لبثت أن شاهدت على فمه تعبيراً بشعاً , وهو يتنفس بصعوبة
ويقول : (( إنني آسف . لم أكن لأدرك مدى شعورك بالاشمئزاز حين يقبلك
رجل معوق. ))
عدد فصول الرواية
عشرة فصول







محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

ندى تدى likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 01:58 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الأول
كـان المنطاد يهبط بسرعة أكثـــر مما يجب !
وتوترت أصابع ساشا وهــي تنقل أبصارها بين الملامح
الصارمة للرجل الواقف عند موقد الاشتعال , يبذل جهداً
يائساً ليعلو قليلاً فوق الحقول الخضراء وقرميد منزل
المالك الذي برزت منه المداخن وقد بدت فجأة وكــأن المنطاد
موشك على الاصطدام بها .
وشعرت بالغثيان وهي تتساءل عما إذا كان هذا هو أجلها قادماً
وبدا وجهها , الذي يحيط به شعرها الأسود
المنسدل على كتفيها , شاحباً وهي تفكـــر في إمكان
سقوطهما من الفضاء فوق مكان ما من منطقة أسكس في تلك
الأمسية الصيفية! أم هي منطقة سافولك ؟ إنها لم تكن متأكدة
من طول المسافة التي اجتازتها .
هتفت : (( غايفن .. افعل شيئاً ))
امتلأت عيناها ذعراً وهي تنظر إلى النسيج المخطط
المنفوخ . وقال مرافقها بحدة : (( ألا ترينني أحاول ؟ ))
وتتابعت أمام عينيها نتف من شريط عمرها ذي الست
والعشرين سنة .
نشأتها وتعليمها الجامعي في نيويورك . طلاق
والديها , وتعرفها ببن . ولكنها سرعان ما نفت كل هذه
الذكريات من ذهنها جميعاً ابتداء من أول موعد لها مع أستاذ
الفنون الشاب الرقيق الملتحي إلى ذلك الاتصال الهاتفي
الذي زلزل حياتها منذ ثمانية عشر شهراً والذي دمر
سعادتها . شهور العذاب والمرارة التي ساقتها إلى انكلترا
هرباً من الوحدة والذكـــريات والشعور بالذنب. . .
وقال غايفن : (( لقد حاولت أن استوي به يا ساشا و أظنني
سأنجح في ذلك .))
وأعادها صوته إلى الخطر الحالي , كان مطبقاً أسنانه
بشدة , وقد احمر وجهه وهو يتنفس بصعوبة متشبثاً
بالأمل . وكانت ترقب محاولاته عندما اندلعت شعلة من
اللهب مرسلة دفعة أخرى من الهواء الحــــار في نسيج
المنطـــاد الملون .
وكان هذا كابحاً ينقص من سرعة النزول . وابتدأ نسيم
المساء يحوم بهما فوق المنزل , ولكـــن هذا لم يكن كــافياً
ولاحظت ساشا الخيمة خلف الأشجار , وكان بعض الناس
يتطلعون الآن إلى أعلى وقد تأنقوا جميعاً في لباسهم .
ولكنهما كانا على اهبة الهبوط بينهم إذا هما لم يأخذا
حذرهما .
وألقت نظرة ذعر أخرى سريعة على مرافقها . لقد شعرت
بدفعة أخرى من الحرارة من موقد الاشتعال . ولكن ذلك كان
بعد فوات الأوان إذ اصطدمت سلة المنطاد دون رحمة
نحو الخيـــمة .
سمعت ساشا نفسها تصرخ بينما كان الناس
يتصايحون , وهي تندفع ساقطة يحزها الم عنيف في
كتفها اليسرى قبل أن تصدمها الأرض وسط دوامة من
الأصوات والغبار .
وسمع صوت امرأة تصيح : (( انظروا ماذا فعلا . لقد دمرا
كل شيء . وانظروا ماذا حدث للخيمــة بسببهما ))
ارتفع صوت آخر لرجل : (( كيف حدث هذا بحق جهنم ...؟
كلا , لا تلمسوها . إذ علينا أن نعرف مدى إصابتها قبل أن
يحركها احد من مكانها .))
كان صوتاً عميقاً مسيطراً . وعاد صوت أنثوي آخر أكثر
رقة ونضجاً وقد بدت فيه لكنة خفيفة , يقول بحنان : (( لقد
ماتت يا للمسكينـــة ... ))
((كــلا ... إنني لم أمت !. ))
ومع إن هذه الكلمات تبلورت في
ذهنها إلا أنها لم تبرح شفتيها . وقد اختلطت في حواسها الضوضاء
برائحة الحشائش الغضة .
(( النجدة , النجدة من فضلكم ... )) و سمعت وهي ترتجف
ذلك الصوت المسيطر يلقي بتعليماته مرة أخرى . صوت ذلك
الرجل القادر على التنفيذ ... وسرعان ما شعرت بشيء
دافئ يغطيها. وكما لو كانت مؤرجحة فوق حافة هاوية
سحيقة , شعرت بخياشيمها تنتعش برائحة ذكية منعشة ,
وللحظات قليلة فكرت بلهفة في غايفن وعما إذا كان قد نجا
أم لا , ثم ابتدأت تتهاوى شيئاً فشيئاً في تلك الهاوية
الـــمظـلمة.
ولا بد أنها نقلت إلى الداخل , إذ وجدت نفسها , حين
استيقظت , في سرير وعيناها تحدقان إلى سقف مرتفع .
بينما كان ثمة أصوات مختلطة تصل إلى مسامعها.
(( لا ادري كيف أمكنك تقبل الأمر بمثل هذا الهدوء. إنني
اعرف انه كان حادث صدام و إنني اشعر بالأسف لأجلها ,
ولكنني لا يمكن ألا اشعر بالانزعاج. من المؤكد أن ريكس
لن يكون راضياً عن نتيجة ما حدث لخطته التي استغرق
أسابيع في وضعها.))
استدارت ساشا لترى قائلة هذه الكلمات الغاضبة .
فوجدتها فتاة اصغر سناً منها هي , ذات شعر قصير أصهب ,
تقف قرب النافذة. وعندما ابتعدت المرأة النحيلة التي
تكبرها سناً والتي كانت إلى جانبها, بدت لعيني ساشا
بالغة الأناقة .
قالت المرأة الكبرى : (( كفى يا لوريـــن . ))
وميزت ساشا صوتها ذي اللكنة الخفيفة المرأة ذاتها
التي سبق أن تحدثت عنها بحنان . ولكن إذا كان مثل هذا
الحادث يمكن أن يعكر مزاجه , فإنني ...)) وسكتت المرأة
فجأة وقد أدركت أن ساشا كانت مستيقظة .
اقتربت المرأة منها وقد كست ابتسامة رقيقة ملامحها
وهي تسألها : (( هل أنت بخير يا عزيزتي؟ هل تشعرين بألم ؟ .))
كانت أنيقة و لطيفة , برغم صلابة ملامحها .
ورفعت ساشا يدها إلى صدغها وهي تشهق متألمة ثم
قالت: (( إنني ... إنني بخير . إنها ... كتفي فقط . )) وابتدأت
تحاول تذكر ما حدث وقد بدا العبوس في وجهها وارتفعت
نظراتها إلى النافذة المستطيلة تتطلع من خلالها إلى المرج
الأخضــــر
فجأة ابتدأت تتذكر , وحاولت الجلوس وقد بدا الألم في
عينيها وهي تهتف : (( غايفن ... هل هو ... ؟ ))
قالت المرأة المسنة تطمئنها بلهجتها تلك : (( انه بخيــر
تماماً . )) كانت لهجتها إسكوتلندية (( انه في القاعة يتلقى
علاجاً لبعض الجراح وسيكـــــون على ما يرام . ولكن, بما إنك
غبت عن الوعي عدة دقائق , أرى أن من الأفضل , لزيادة
الاطمئنان , أن تنقلي إلى المستشفى .))
المستشفى . المكان الذي سبق أن انتظرت طويلاً , لكي
تخرج منه في النهاية صفر اليدين ... من دون أمل , ومن
دون مستقبل . وقد تشتت أحلامها !
قالت وهي تمد ساقيها إلى ما تحت حافة السرير .(( كلا. ))
وتأوهت والألم يفتك بأعماقها , وشعرت بأنها موشكة على
الإغماء , وهي تنظر إلى قميصها وقد أدركت أن شخصاً ما
قد فك حزام سروالها .
عادت المرأة تقول : (( أرأيت إنني على حق يا عزيزتي ؟
إنهم في المستشفى يعرفون كيف يهتمون بك . لورين ,
اذهبي واطلبي من كليم أن يجهز السيارة . ))
وهتفت ساشا مرة أخرى ودفعها إلى ذلك الألم الذي
يمزقها : (( كلا )) كانت لهجتها حادة , ولكن ليس في أمكانها
أن تواجه احد هذه الأمكنة مرة أخرى . لا يمكنها ذلك ابدأ ...
أوليس هذا ما دفعها إلى المجيء إلى انكلترا لكي تنسى ؟
عادت تقول بلهجة اعتذار : (( كلا , إنني بخير حقاً . )) ولكن
المرأة الشابة لم تقبل هذا منها , قالت : (( إن عمتي تعرف ما
هو الأنسب لك . إذ يتبع ذلك أحياناً عوارض خطرة قد تكون
مهلكة . ))
قالت ساشا وهي ترفع وجهه البيضوي الشاحب الخالي
من الزينة كغيرها من الفتيات : (( شكراً . )) وفكرت في لورين
ومظهرها المرح .
قالت العمة : (( إن لورين خصبة الخيال . ))
فقالت لورين : ((ولكن ذلك صحيح . قد يمكن ريكس أن
يقنعها , مادامت لا تستمع إلينا . إنك تعرفين مدى قدرته على
الإقناع , يا عمتي شيلا . ليس عليه إلا ...))
(( لورين ))
جذب الصوت المسكت انتباه الجميع إلى وجود رجل على
عتبة الباب. كن رائع البنية بقميصه الأبيض وربطة عنقه
الفضية وسرواله القاتم الحسن التفصيل. وكان شعره
الأسود يزيد من وسامته الفائقة . ولاحظت ساشا قوة
شخصيته المسيطرة من خلال ملامحه الفولاذية . كان يبدو
في أوائل الثلاثينات تبدو العجرفة في فكه وانفه . وكانت
إمارات السيطرة التي لاحظتها ساشا حتى وهي مستلقية
على الحشائش شبه مغمى عليها, والتي زادها قوة , كرسي
ذو عجلات كان هو مشدوداً إليه.
قال: (( لا بأس يا اماه . لماذا لا تخرجين ابنة عمي
الصغيرة من هنا ؟ ))
كان صوته آمراً يدفع السامع إلى امتثال أمره من دون
مناقشة . وفجأة وجدت ساشا نفسها ضعيفة هشة وحدها
معه في الغرفة .
دخل بكرسيه بمهابة غير عادية وقد وضع يديه اللتين
يكسوهما شعر اسود , على عجلتي الكرسي , وهو يسألها
(( ما اسمك ؟ ))
أجابت : (( ساشا مورغان . ))
تحركت شفتاه بشبه ابتسامة وهو يعود فيسألها
(( أمريكية ؟ ))
فأومأت برأسها أن نعم .
قال: (( اسمي ريكس تمبليتون )) ومد يداً باردة . إذن
فهذا هو ريكس الذي كان في غاية الغضب لإفسادهما حفلته
الغالية في الحديقة . وسحبت أصابعها بسرعة من قبضته
الواثقة.
عاد يسألها : (( كيف تشعرين؟ ))
فعضت على لسانها تمنع نفسها من أن تسأله إذا كان حقاً
يهتم بما تشعر به . ثم قالت بعدم اكتراث : (( سأعيــــش؟ ))
لم تكن تريد لشخص يهتم بحفلته أكثر مما يوجهه إليها
ويهتم بها و بغايفن, أن يعلم بأنها تعاني الألم . وتابعت :
(( إنني آسفة حقاً على ما حدث للخيمــة . ))
كانت تجلس الآن بكل استقامة وتسمع الناس خارجاً,
يروحون ويجيئون, مكررين الأحاديث عما سببه سقوطهما
بالمنطاد من فوضى , مما فهمت منه إنها موجودة في
الطابق الأرضي لتدرك فجأة أن هذه الغرفة تخص رجلاً لا
يمكنه صعود السلالم . وكان واضحاً أيضاً إنها غرفة رجل ,
وذلك من أرضيتها الخشبية القاتمة , ومن أثاثها الذي يفتقر
إلى الطابع الأنثوي الرقيق , وكان ينطق باللهجة الجورجية.
وكان ثمة باب لا بد إنه باب حمام . وفجأة , شعرت ساشا
بوضعها الشاذ وهي تجلس في غرفة هذا الرجل
قال بابتسامة عدم اكتراث: (( لا تقلقي لهذه . أتسمحين؟ ))
واقترب بكرسيه يلتقط سترة عن السرير كان يفوح منها
رائحة العطر ذاته الذي كانت شمته خارجاً لقد كانت
سترته إذاً هي التي شعرت بها تغطيها . و خامرها شعور
غريب بالانتصار وهي تراه يضعها على ركبته في شكل
عفوي وهو يقول: (( أظن أن عليك أن تشكري حظك أنت
وصديقك , لكون أصابتكما خفيفة . وقد كان ممكناً أن تموتا
أنتما الإثنان . ))
فقالت وهي تهز كتفيها: (( نعم. اعرف ذلك . )) وأوشكت أن
تخبره أن غايفن تشيز ليس صديقاً لها , وإنها لم تتعرف به
إلا في اليوم السابق عندما ابتاعت تذكرة للقيام برحلة
المنطاد هذه. ولكن لم يكن لذلك أهمية . وهي على كل حال ,
لا تظن أن هذا الأمر يهم ريكس. وعندما حول اهتمامه ,
لحظة لشيء في الخارج , اغتنمت هي الفرصة لتتأمله . لقد
كان بالغ الوسامة حقاً, وكانت خشونة ملامحه تلطف منها
نعومة شعره . وكانت فيه جاذبية غريبة أخاذة . وكانت كتفاه
عريضتين متينتي البناء كسائر أعضاء جسمه , بصرف
النظر عن عجزه .
وقال: (( هل تلجئين , عادة ,إلى تخريب حفلات الآخرين
بمثل هذه الطريقة الخطرة ؟. ))
كانت تنظر إليه وهي تتساءل عن قسوة الأقدار التي
جعلت من مثل هذا الرجل الجذاب رجلاً معاقاً , عندما لاحت
في عينية الرماديتين نظرة ساخرة وقد انتبه لتمعنها هذا فيه .
وجرضت بريقها وهي تقول: (( لقد قلت إنني آسفة .))
ولم يبد عليه الانزعاج , ولكنها أدركت , بالغريزة , إن ريكس
تمبليتون لا بد أن يكون معتاداً تماماً إخفاء انفعالاته
وحثها شعورها على أن تتابع قائلة: (( وإنني متأكدة من إن
غايفن يشعر بمثل أسفي هذا . وإذا لم تستطع أن تدرك إن هذا
إنما كان مصادفة ... ))
قاطعها بخشونة وهو يستلقي إلى الخلف: (( انتظري , هل
من عادتك على الدوام أن تتخذي موقف الدفاع؟. )) ونظر
إليها متردداً وشعرت هي بالغضب يصعد الدم إلى وجهها,
وتذكرت ما كان بن يصفها به من إنها تشابه فتيات الريف
ببشرتها . ومررت بيدها على شعرها الأشعث وقد شعرت
فجأة بما عسى أن يكون شكلها.
تابع هو قائلاً: (( الم يخطر لك قط ما عسى أن أفكر أنا في
ذلك ؟ ))
فكرت هي في إنه كان محقاً . فهو لم يقل أو يفعل أي شيء
يبرر هذا الهجوم الدفاعي منها. وقالت بشبه ابتسامه: (( إنني
آسفة. هذا لأنني سبق أن سمعت ابنة عمك تقول إنك خططت
لهذه الحفلة منذ أسابيع ...))
قلب شفتيه متسامحاً وهو يقول: ((آه, لورين! إنها دوماً
تحاول أن تتكهن بحاجاتي. ولكن , لا ضرورة لكل هذه
الأعذار, خاصة بالنسبة إلي . وإذا كنت تحبين التعبير عن
أسفك البالغ وألمك لما حدث, فوفري ذلك لوالدتي. فقد كان
هذا الذي غزوتماه , أنتما الإثنان , هو ذكرى ميلادها
الستين... ولا شأن للورين به. ))
فقالت: (( إنني آسفة .. ))
فقاطعها: (( اوه , لا تقلقي لهذا. ))
وغير ملامحه في شكل أدركت ساشا معه أنه إنما يقلد ما
بدا على ملامحها هي. وتابع قائلاً: (( إنني متأكد من إنها
ستسامحك على ذلك . وربما أكثر من رفضك لنصيحتها بأن
تقبلي بالانتقال إلى المستشفى .))
قالت: (( كلا. )) وتساءلت في نفسها عما إذا كان هو
سبب مجيئه لزيارتها , ليحاول أن يخفف من عنادها تجاه
هذا العمل الحكيم , وشعرت بنظراته تتفحص أعضاء جسدها
حتى أصابع قدميها المتوترة.
وأخيراً قال: (( لا شك إن هذا الحادث قد تسبب لك
باضطراب عنيف. ))
فأجابت وهي ترفع رأسها بازدراء: (( لقد اجتزت ذلك. ))
فقال: (( ربما كان ذلك لاصطدامك بمحور الخيمة . ))
فقالت تجادله: (( كان ذلك من الخوف . )) ورأت حاجبه يرتفع
وهو يقول: (( حتى لو كان ذلك , أليس الأفضل التأكد من
أن ... ؟ ))
فقالت: (( كلا. )) أرادت أن تستقيم في جلستها بعنف ولكنها
ما لبثت أن تلوت ألماً وقد وخزها الألم في كتفها, لترتمي
إلى الخلف في الفراش وهي تئن.
ولأول مرة رأت في نظرته لمحة عطف وهو يقول: (( لا
بأس عليك, هوني عليك. أين تسكنين؟ ))
فأجابت وهي تجمع شعرها وراء أذن واحدة من دون
انتباه: (( إن هذا يعتمد على... )) وكانت قد تكهنت بأن غايفن لا
بد قد اخبرهم بأنها تمضي إجازة في هذه البلاد . ))
وقال هو: (( على ماذا؟ ))
وفكرت, إلى متى يكفيها ما تملك من المال؟ لقد
كانت قد خططت لشهر واحد تقضيه في ضاحية لندن,
قي موطن الرسام الشهير كونستابل, ولكن لتكتشف بعد
ذلك إن الأسبوع الأول قد أتى على معظم ميزانيتها.
ولكنها قالت فقط : (( ذلك يعتمد على مقدار الحظ الذي , إما
أن يضعني في خيمة وإما في فندق. وفي الوقت
الحاضر . أقيم في خيمة تبعد ثلاثة أو أربعة أميال من
هنا كما أظن . ))
فقال: (( ماذا؟ وحدك؟ )) ونظر إليها عابساً وكأنها
مجنونة, وتساءلت عما إذا كان غايفن قد أعطاه عنها
هذه الفكرة .
فأجابت متحدية: (( نعم . ولم لا ؟.)) وجعلتها نظرته تشعر
بالاضطراب وهو يقول: (( لا أظنك تمضين وقتك بالحكمة
الواجبة بالنسبة إلى امرأة شابة وحيدة مثلك . ))
تنفست ساشا بعمق. لقد كان من الممكن أن توافقه على
ذلك منذ سنة ,ولكن أموراً كثيرة قد تغيرت منذ ذلك الحين
مما جعلها تعتبر إن الحياة تافهة , وتملكتها المرارة ,
ووخزها ألم عصبي في حاجبيها مما جعلها تقول بسرعة
وعدم اهتمام : (( أحقـــاً ؟ ))
بدا على ملامحه تعبير خشن وهو يقول: (( لا أريد أن
تتصرف ابنتي أو أي من قريباتي على هذا النحو. ولكن
يبدو إنك تحبين ركوب الأخطار . ))
وفكرت في تدميرها , مثلاً , لخيمته الرائعة تلك . ربما
كان يشعر بالحنق لأنهما , هي وغايفن , كانا يستطيعان ,
عل الأقل , المخاطرة , بينما هو سجين كرسيه ذلك , ولكن
صوته العميق قطع عليها أفكارها بقوله: (( لم يخبرني
صديقك بالكثير عنك . عدا انه قال على نفسه انه مواطن ,
وقال إنك هنا في إجازة لمدة خمسة أو ستة أسابيع . وما
دمت أقمت في خيمة , فمعنى هذا إنك لم تأتي إلى هذه
البلاد لتمكثي معه. وهذا ما يجعلني استنتج إنك لم
تعرفيه منذ وقت طويل . ولهذا , أتساءل عما يجعل شابة
جذابة مثلك تقوم بإجازة بمفردها , إلى هذا المكان البعيد
عن وطنها. وكما أعلم , فإن النساء , عادة , لسن مغامرات
في هذا الشكل . ))
فكرت متسائلة في ما إذا كان يعتبر نفسه مغامراً ... وما
لبثت أن أجفلت بعد ما انتبهت إلى أي حد قد أسرتها جاذبيته
المتدفقة .
هزت كتفيها وقد نسيت الألم فيهما , وهي تجيب ,
(( حسن , أنا واحدة بهذه الصفة . ))
وابتسم هو قائلاً: (( ومن الواضح إنك دفعت الثمن . ولكنك
لم تجيبي عن سؤالي ؟ ))
طبعاً , هي لم تجب. وحبست أنفاسها وقد تغلغل العذاب
في أعماقها كما يتغلغل الماء المالح في جرح حي . لقد كان
سبب هربها من نيويورك سبباً حميماً بالغ الإيلام . سبباً
يخصها وحدها ولا تريد أن تشارك فيه رجلاً انكليزياً بارد
الدم مثل ريكس تمبليتون . وقالت: (( إن جدتي من هذه البلاد.
وأنا رسامة للأطفال . ومن هنا , كانت رغبتي أقوى من أن
تقاوم , وذلك لمشاهدة ليس فقط موطن جدتي , وإنما موطن
الرسام المفضل لدي , والذي عاش وعمل فيه. ))
بدا عليه الرضى لهذا الجواب. وتحرك بكرسيه نحو
النافذة ليستدير إليها قائلاً: (( حسن, يا ساشا مورغان ...؟ ))
وتألق شعره في أشعة الشمس , وقال: (( إذا كنت لا
تقبلين بأية مراقبة طبية, فيجب أن الح عليك بالبقاء
هنا... هذه الليلة على الأقل . ذلك انه لن يمكنك الذهاب
إلى خيمتك في حين إن الحركة تؤلمك كما هو واضح .
عدا إنك آذيت نفسك في أملاكي , ومن هنا فلا بد أن
يتملكني شعور بالمسؤولية عنك أكثر مما يتملكك أنت
نحو نفسك . ))
فقالت: ((إنني في السادسة والعشرين من عمري .))
ونهضت متجاهلة الألم الواخز في كتفها , وأخذت تشد حزام
سروالها .
وقال ساخراً: (( يا لك من ناضجة حقاً. )) وسقطت نظراته
على يديها, واحمر وجهها لرفع الكلفة بينهما بكلماته تلك .
وأجابت: (( نعم , وليس لدي أي استعداد لقبول ضيافتك أكثر
من ذلك.)) وتنفست بعمق وقد شعرت بالاستياء من لهجته
المسيطرة, وبدا استياؤها, من عجرفته تلك , بمبالغتها في
شد قميصها إلى أسفل. وفي هذه اللحظة دخل غايفن
ملفوفاً بالضمادات المختلفة الأنواع. وبدا عليه الرضى
وهو يراها واقفة على قدميها. ولكنه ما أن أخذ يقول: (( كيف
أصبحت؟ )) حتى توقف فجأة وهو يراها تترنح في وقفتها ,
ثم لا تلبث أن تتهاوى على السرير.
سمعت ريكس تمبليتون يقول بلهجة صارمة: (( لا بد أن
تبقى ساشا هنا الليلة.)) ثم حركة الكرسي وهو يتوجه به
نحو الباب, ثم, بنظرة متحدية لها من فوق كتفه, قال:
(( سأطلب أن تجهز لها غرفة في الطابق العلوي . )) وكانت
لهجته تشل كل معارضة منها .
إذاً , فقد قرر ذلك بنفسه من دون أخذ رأيها, ولعنت نفسها
لشعورها بالدوار في تلك اللحظة مع إنها , في ما بعد وفي
أثناء فترة المساء شعرت بالسرور من تصرفه ذاك.
لم تفكر في المقاومة وهي ترى نفسها في حوض
حمام مترف ملحق بغرفة النوم التي أعطيت لها . وقد ظهر
السرور جلياً على غايفن عندما ضيفها آل تمبليتون تلك
الليلة.
لقد صفر بفمه موافقاً على ذلك قبل أن يتركهما مضيفهما
في تلك الغرفة في الطابق الأرضي . وقال وقد بهره ما يرى
من مظاهر الثراء . متجاهلاً استفسارها المتهافت عن حاله
هو: (( يا لهذا المكان . أتعلمين مبلغ ثراء هذا الشاب؟ )) ونظر
حوله إلى الأثاث الثمين وقد بدت الهيبة في صوته وهو
يتابع: (( انه يملك واحدة من أكبر الشركات لالكترونية في
هذه البلاد. هذا عدا الثروة التي قبضها ثمناً للأراضي التي
باعها منذ سنوات. اخبريني كيف استطعت التحايل للحصول
على ذلك؟ أن تحصلي على إذن دخول إلى أراضي آل
تمبليتون ؟ لا تظني إنني غيور منك! )) وضحك متابعاً:
(( ولكنني لا أمانع في أن أكون في مكان ذلك الشاب ولو يوماً
واحداً. ))
ما الذي كان يعنيه بذلك؟ أن يبقى طيلة النهار على كرسي
ذي عجلات مثل ريكس؟ إن شاباً في الخامسة والعشرين يعمل
في لندن منفذ مبيعات مثل غايفن, لا بد أن يكون بالغ
الطموح. ومع ذلك فقد وجدت نفسها غير قادرة على إخماد
فضولها نحو ريكس. ما الذي حدث له حتى جعله مُقعداً في
هذا الشكل؟ وتذكرت ما قاله غايفن باختصار عندما سألته
عن ذلك: (( كان حادث سيارة, ولم يكن الذنب ذنبه. بل كان
ذنب السائق الآخر الذي مضى بدون أن يصاب حتى
بخدش. كان ذلك منذ عامين كما أظن, وقد ذكرت ذلك جميع
الصحف . وأظن أن من المشكوك فيه أن يستطيع السير مرة
أخرى. ))
دفعها شعورها بالرثاء إلى أن تعرف المزيد عن ذلك
الرجل شخصياً , ولكن غايفن غير الموضوع, إذ اخذ منها
وعداً أن تبقى على اتصال به, وقد أصر على ذلك قبل أن
يلتحق بفريقه الذي كان يتابع طيران المنطاد براً, والذي
ابتعـــد عنه .
بينما كانت تغـوص في رغوة الصابون, كان ريكس
تمبليتون , وليس غايفن تشيز , هو محور أفكارها.
كانت ملامحه الجذابة في شكل لا يصدق, لا تبارح
ناظريها. إلى أن شعرت بالضيق من نفسها, ومن انشغالها
به, وسرعان ما طردت كل هذه التصورات من بالها. ربما
كـــان رجلاً بالغ الوسامة ولكنها ستترك منزله غداً ليصبح
جزءاً من المـــاضي.
وعدا إنها لا تريد أن تتورط معه, مهما كانت حيويته , فهي
لا تريد المجازفة بذلك . إن الحب عذاب لا تريده أن يتكرر في
حياتها. لقد سبق أن أحبت بن ولكنــــه تركها . لقد قالوا إن
حالته كانت مرض قلب نادراً . ولكن الذي لم يعرفوه, إنه
لولاها لكــان من الممكن إنه لا يزال حياً إلى لآن .
(( نهـــاية الفصل الأول ))



Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 01:59 PM   #3

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثــاني
شعرت ساشا بتحسن ملحوظ نفسياً وجسدياً ذلك في
الصباح التالي وخصوصاً بعد الإفطار الدسم الذي أرسلته
إليها شيلا تمبليتون. لقد غسلوا ثيابها كما لاحظت
بسرور. وعندما دخلت الحمام رأت في المرآة الاحمرار
الذي عاد إلى وجنتيها . كان لها شعراً أسود تفرقه إلى جهة
واحدة حول وجهها وكذلك حاجباها وأهدابها السوداء
اللماعة. وتذكرت منظرها بعد حادثة الإصطدام أمس. ما
لبثت أن اغتسلت ثم ارتدت ثيابها لتنزل بعد ذلك إلى الطابق
الأرضي .
كان ضيوف الليلة الماضية بأجمعهم قد رحلوا كما سبق
أن أخبرتها شيلا , وقد شعرت براحة غريبة لفكرة أنها لن
ترى لورين مرة أخرى . ثم قفزت تملأ ناظريها من القاعة
المهيبة المبنية من خشب السنديان وقد امتلأت إعجاباً
بالأثاث الفخم, والمدفأة الحجرية الرائعة, ثم دعائم السقف
الأثريـــة.
جاءها صوت من خلفها: (( إنها من طراز القرن الثامن
عشر إذا كنت تتساءلين عن ذلك. ))
استدارت ساشا مجفلة لترى ريكس تمبليتون وقد بعثت
ابتسامة كسول في ملامحه القاسية رقة ملحوظة.
وضعت يدها على صدرها لاهثة وهي تقول: (( لقد
جعلتني أجفل. )) لم تكن قد سمعت صوت عجلات الكرسي في
أثناء اقترابه, كما أنها لم تكن قد رأته منذ تركه لها في تلك
الغرفة الليلة الماضية. لقد خطفت أنفاسها أناقة ذلك الرجل
البالغة .
قال: (( إنني آسف. )) كان في رنة صوته تلك الهالة من القوة
التي تحيط به مما أرهف أحاسيسها .
واستطرد: (( إنها من القرن الثامن عشر كما قلت , بناها
أحد أجدادي لعروسه ومازالت ضمن أملاك العائلة منذ ذلك
الحين. وقد ورثتها عن أبي بعد موته منذ سبع سنوات مع
أراض أكثر مما يمكنني إدارتها. )) وافتر عن أسنان قوية
بدت ناصعة البياض بجانب لونه الخمري واستطرد:
(( صدقيني إن امتلاك بيت فخم مهما كان صغيراً ليس
دوماً مما يبعث على الحسد كما يظن البعض. ))
شعرت ساشا بوجنتيها تكادان تشتعلان وهي تتساءل
عما إذا كان قد سمع شيئاً مما كان يقوله غايفن الليلة
الماضية. وربما لم يكن سمع شيئاً ولكنها تشعر بعينيه
الفولاذيتين تتمعنان فيها بحدة .
عاد يقول: (( ولكن دعينا نتحدث عنك. لقد سمعت أنك
أقنعت أمي بأنك في حالة حسنة تسمح لك بالرحيل. ))
وأدركت من نظرته انه ليس من السهل إقناعه هو أيضاً,
فقالت: (( ليس بي من شيء سوى رضة في الكتف وغداً أكون
بخير. هل من المناسب أن استدعي سيارة ؟ ))
قال: (( لكي تأخذك إلى خيمتك؟ )) ووخزتها لمحة من
الإستخفاف بدت في صوته وقد تذكرت للتو ما كان رأيه في
طريقة حياتها اللامبالية . وعاد يقول: (( إنني ذاهب إلى لندن
هذا الصباح وسأوصلك معي لكي أجنبك أية مضايقة .
وسأكون على أهبة السير بعد ربع ساعة, إن كان هذا الوقت
يكفيك للاستعداد. ))
كانت سيارة فخمة ثمينة بيضــاء اللون , في انتظارها.
وكان هناك رجل في منتصف العمر يعتمر قبعة سائق .أومأ
برأسه محيياً وهو يفتح لها الباب الخلفي .
ابتسم ريكس لذلك الرجل ابتسامة ذات معنى وهو يقول:
(( لا تستائي من كليم. إن ما يفوته من الكلام يكمله في
الإخلاص. وللمناسبة إنه الرجل الذي حملك إلى الداخل
الليلة الماضية. ))
تمتمت قائلة وهي تدخل السيارة: (( فهمت. )) وأكملت قائلة
في نفسها , ذلك فقط لأنك لم تستطع أنت ذلك . ولكنها كانت
تعرف أنه مهما كان وضعه فإنه هو الآمر الناهي .
كان يبدو مستريحاً بعكازيه من دون الكرسي واستدارت
هي تنظر من النافذة إلى الضباب في الخارج بينما كان هو
يتهالك بثقله على المقعد إلى جانبها .
قال بخشونة: (( ماذا جرى؟ هل إعاقتي تحرجك؟ لم يبد
عليك الكتمان وأنت تتحدثين عنها مع صديقك غايفن , الليلة
الماضية؟ . ))
إذا فقد سمعها .
نظرت إليه مجفلة لترى شفتيه تنقلبان بمرارة. وأدركت
أنه لا بد قد سمع كل شيء قاله غايفن كذلك .
قالت متلعثمة: (( إنني آسفة... إنني لم ... أعني لم تكن
لدي فكـــرة... ))
توهج وجهها لشدة شعورها بالإحراج . لماذا لم تطلب
من غايفن أن يكف عن الحديث عنه الليلة الماضية؟
رأت بطرف عينها فمه يلتوي بعجرفة وسمعته يتنفس
تنفساً قصيراً بينما كان السائق يطوي الكرسي ذا العجلات
ليضعه في صندوق السيارة الخلفي.
قال لها بصوت خشن بينما كان السائق يأخذ مكانه وراء
المقود: ((أخبريني يا ساشا هل تحبين أن نتبادل مكانينا؟ ))
كان لكلامه وقع قطع المشار مما اقشعر له بدنها. كان
حقيقة يريد أن يجعلها تدفع ثمن الحديث عنه مع ذلك الرجل
ليلة أمس. وفكرت في حساسيته البالغة وربما المرة لما
حدث له . ومن يلومه؟ وشعرت نحوه بالشفقة وهي تزن كل
ثروته وبيته وسيارته الجميلة, مقابل المتعة البسيطة في أن
يتمكن من المشي .
قالت بصراحة وعيناها عالقتان بمساحة زجاج السيارة
التي تتحرك قبالتها: (( كلا . ))
قال يكلم السائق: (( أسمعت ذلك يا كليم؟ إنها على الأقل
صادقة. )) وانفجر بضحكة خشنة خالية من المرح جعلت
ساشا تشعر بالضيق.
فكرت في أنه نجح في جعلها تشعر بالخجل والحرج.
شعرت وكأنها تريد أن ترد عليه بجواب مفحم تعترض فيه
على جعلها مدار حديث للتسلية بينه وبين سائقه .
عند البوابة كان عليهم أن يفسحوا المجال لجرار ليمر
بقعقعته بجانبهم مما سمح لـــ ساشا أن تقرأ الكلمة المدونة
على لوحة سوداء مزخرفة على أحد الأعمدة وكانت
( الإستراحة ) .
قال ريكس: (( إنه إسم ساخر نوعاً ما, ألا تظنين ذلك؟ ))
لم تكن تدرك مقدار استغراقها في التفكير حتى اعترض
صوته العميق أفكارها تلك. وأدركت من الخطوط المتوترة
حول فمه أنه ما زال يتحدث عن إعاقته. وعند ذاك , بعد
ضحكة أخرى مماثلة قال: (( ما دمت قد أصبحت تعلمين كل
شيء عني فاخبريني إذاً شيئاً عن ساشا مورغان. لقد قلت
إنك رسامة أطفال في الولايات المتحدة . ماذا يعني
بالضبط. ))
شعرت هي بالسرور لتحويل الحديث إلى موضوع أكثر
إراحة لها . وتنهدت بارتياح وهي تقول: (( ذلك يعني أنني
أرسم صوراً تتضمنها قصص الأطفال, إما بإرشاد الناشر
وإما بعد أن ينتهي المخطوطة . ولقد كتبت البعض بنفسي ...
عدة كتب صغيرة الحجم وضعت شروحها بنفسي . ))
استمرت تتكلم بسرعة وهي ترى فمه ملتوياً. لم تكن تريد
أن تراه متأثراً في حين ليس ثمة ما يدعو إلى ذلك. وتابعت
تقول: (( إنها من نوع كتب الأطفال الموجودة في " المتجر
الاستهلاكي " ولكنها لم تقل أن خيالها قد نضب منذ موت بن.
فلم تستطع متابعة وضع الكتب التي أرادت أن تستمر
بكتابتها بنفسها , وأن أخر كتاب قد رفضه الناشر. وتابعت
تقول: ((ووضعت كذلك بعض التصاميم للتقاويم السنوية
وبطاقات الأعياد ومثل هذه الأشياء. ))
قال ريكس صادقاً وعلى شفتيه ابتسامة باهتة: (( إن هذا
العمل يدعو إلى الإهتمام حقاً. ))
قالت وعلى شفتيها ابتسامة رضى عن عملها الذي
تعشقه : (( إنه كذلك, وهو أيضاً يوفر لي ما يكفي لمعيشتي. ))
قال: (( هل تسكنيـــن بمفردك؟. ))
فكرت هي في أن ليس ثمة ما يجتذب اهتمامه . وبعد
دقائق قليلة ينزلها من سيارته وقد يشعر بالراحة للخلاص
منها . ولكنها أجابت: (( نعم نعم, هو كذلك.)) وفجأة شعرت
بنظرته القاسية النافذة. هل تراه لاحظ ما تتعمده من عدم
مبالاة في صوتها؟ والمشاعر التي كانت تحاول جهدها
إخفائها؟ وتابعت قولها بسرعة: (( إن أمي تسكن خارج
نيويورك وأبي في نيو إنكلاند . إنهما مطلقان وكل منهما
متزوج. كنت أعيش مع أمي بعد طلاقها منذ عشر سنوات
وعندما تزوجت مرة أخرى انتقلت إلى خارج نيويورك
وكان في امكاني الذهاب معها ولكنني فضلت البقاء. ))
وحبست أنفاسها مفكرة في أنه كان ثمة من بقيت لأجله.
وفجأة شعرت بحماقتها وهي تبوح إلى ريكس بشؤونها
الخاصة... وهو الرجل الغريب الذي قد لا تراه أبداً بعد أن
ينزلها من سيارته .
أوقف مجرى أفكارها صوت السائق كليم يقول: (( هل
هو ذاك ؟ هناك ؟ . ))
أجابت وهي تنظر إلى المنزل القروي ذي القرميد الأحمر
الذي أشار إليه, والذي يحيط به حقل قامت فيه خـــيمة زرقاء:
(( نعم. إنه هو .))
قال ريكس متبرماً بينما السيارة تقف بجانب سيارة
صغيرة بالية المظهر: (( حسن , حسن. إنك تحبين العيش
وسط المخاطر , أليس كذلك ؟ ))
قالت وهي ترى السخرية في عينيه: (( شكراً ولكن
ميزانيتي لا تسمح لي بدفع ثمن ما هو أفضل. ))
نظر إليها بذهول قائلاً: (( اتعنين أنك اشتريتها؟ ))
قالت وقد أحنقتها سخريته من سيارتها الصغيرة: (( حسن
لقد وجدتها أرخص من استئجاري سيارة, وقد أجريت فيها
بعض الإصلاحات . وهي الآن لا بأس بها على كل حال
شكراً على كل ما قمتم به لأجلي ... )) ووجدت صعوبة في
فتح باب السيارة, وأجفلت وهو يقترب منها فجأة ليندفع
الباب فيفتح بسهولة .
سألها: (( ما الذي أنت بسبيله الآن؟ )) وكان في لهجته
بعض الإهتمام .
أجابت وهي تخرج من السيارة تحت رذاذ المطر
المتساقط: (( سأقوم بما جئت لأجله , أعني الرسم. )) لم تكن
تعني رحلة عادية لرسم المناظر الطبيعية .
لقد سبق أن قامت بذلك من قبل في قرية والدها الذي قال
إن هذه الطريقة حسنة لكي تتعرف على زوجة أبيها الجديدة,
وذلك منذ عدة سنوات. وكانت رحلة حسنة. ولكن هذه المرة ,
لم تكن تريد إلا أن تنسى نفسها في الأرياف الإنكليزية .
تابعت قائلة: (( أظنني سأمكث هنا عدة أسابيع أخرى
وإذا كانت هذه الكومة من الحطام – وأشارت إلى سيارتها
الصغيرة – لا تستطيع أن توصلني إلى سمسار يستطيع
بيعها و... ))
قطعت حديثها فجأة وهي تنظر إلى السيارة الصغيرة
بحيرة . ثمة خطأ (( يا إلهي... )) وجاءها صوت ريكس من
نافذة السيارة: (( ماذا حدث؟ ))
قالت: (( لا أدري. إن النوافذ مفتوحة , وأنا لم اتركها
كذلك . إنني على الأقل لا أتذكر أنني فعلت. )) وبان عليها
القلق وهي تستند إلى باب سيارته بعدما لم تعد ساقاها
تستطيعان حملها .
سألها بنفاذ صبر: (( إنك لا تتذكرين أنك فعلت؟ )) فقالت
بحزم: (( إنني أعرف أنني لم أتركها مفتوحة. ))
فتحت باب سيارتها لترى الأسلاك المقطوعة حيث كان
المذياع. السترة الصوفية والنظارات الشمسية والخارطة
التي تركتها مطوية على المقعد الخلفي... كلها كانت
مفقودة .
قالت متأوهة: ((أي نوع من الناس يفعل ذلك ؟ )) وتحولت
إلى صندوق السيارة الخلفي تفتحه لتهتف: (( أوه... كلا... ))
رفعت باب الصندوق الذي كان مفتوحاً لتجد أن أدوات
الرسم متناثرة حيث كان القفل مكسوراً. (( جواز سفري !
الشيكات السياحية... كل شيء! لقد أخذوا كل شيء! )) وإلى
هذا جميع أدوات التخييم التي كانت تحفظها هنا . وأخذت
تبحث بتوتر عما قد يكون بقي من أشيائها . وأطلقت صرخة
قصيرة وهي تمسك بدفتر قائلة: (( هي ذي تخطيطات
رسومي. ))
كانت سعيدة , تخطيطات رسومها قد بقيت. وضعتها إلى
صدرها بحنان كأم تضم طفلها الجريح. لقد زاد فرحها بها ,
أن اللصوص تركوا لها على الأقل ثيابها .
قالت متأوهة: (( لقد أخذوا كل شيء ما عدا تخطيطاتي
وحقيبتي . )) ورفعت يدها تلامس شعرها الذي بلله رذاذ
المطر كما بلل وجنتيها, ولم تنتبه لسيارة البي أم دبليو
وهي تقترب منها, إلى أن سمعت ذلك الصوت الآمر يقول:
((عودي إلى السيارة . ))
أغلقت باب صندوق سيارتها وهي تغالب دموعها , لتعود
وتجلس على مقعدها الوثير في السيارة الدافئة .
قالت متمتمة بما يعتمل في ذهنها: (( ما الذي سأفعله
الآن ؟ ))
قال: (( حسن , علينا أولاً أن نبلغ الشرطة فتسجلي فقد
جواز سفرك والأشياء الأخرى المهمة . ما الذي جعلك
تتركين أشياء مثل جواز السفر في السيارة ؟ )) وتنفس
بارتياب وهو يتناول الهاتف الموضوع بين المقعدين
الأماميين ثم طلب رقماً معيناً وقد بدا عليه الهدوء وضبط
النفس.
قالت بصوت خافت : ((لقد وضعته في صندوق السيارة .
وظننت أن وضعه فيه هو أكثر حفظاً له من حمله في أنحاء
المنطقة وفي أثناء نزهتي في المنطاد . على كل حال لم
أكن لأدرك أنني سأغيب طيلة الليل . ))
(( الشرطة؟ )) وقطع بهذه الكلمة حديثها وهو يدلي في
الهاتف باسمه وعنوانه ويوضح ما حدث قائلاً: (( نعم. إنها
ضيفة عندي. )) واستقرت تلك العينان الغامضتان على
شعرها المبلل وملامحها الشاحبة, لعله يظنها حمقاء.
عاد ريكس يقول: (( هل يمكنكم إرسال أحد الآن؟ ))
فكرت ساشا في أنهم سيقومون بذلك لأجله , وتمتمت لو أنه
كان قد تابع طريقه قبل اكتشاف هذه الورطة الجديدة التي
واجهتها .
قال بحزم: (( الأفضل أن تجمعي أشياءك الباقية وتعودي
إلى منزلي. أتركي السيارة الصغيرة وسأرسل من يأخذها
فحالتك لا تؤهلك لقيادتها . كليم ؟ )) وبإشارة من رأسه كان
السائق ينزل متوجهاً إلى صندوق السيارة الصغيرة
ويحضر الحقيبة. ولكن قبل أن يصدر أي احتجاج من
ساشا وقد شعرت بالضيق لأنها أرهقت ذلك الرجل الجالس
إلى جانبها , كان هذا يقوم باتصال آخر .
(( سأتأخر قليلاً عن موعدي. )) وفكرت في أنه ربما يتصل
بمكتبه لإبلاغ من عسى أن يكون في انتظاره.
مضت تراقب السائق وهو يحمل الحقيبة ويغلق باب
الصندوق وكأنما ما بقي فيه لا يستحق أن يؤتى به.
قالت لــ ريكس بينما السائق يعود إلى مقعده خلف المقود:
(( إسمع, إنني لا أريدك أن تتحمل كل هذا العناء لأجلي . لقد
سبق أن أتعبتكم معي. )) ونظرت إليه آسفة . لقد أفسدت نهار
رجل غريب لأن جواز سفرها قد سرق, وهي الفتاة الأمريكية
اللامبالية التي سبق أن ضيفها عنده ليلة لأنها أضرت
بنفسها , فكان أن شعر نحوها ببعض المسؤولية .
بدت في عينيه ومضة من السخرية وهو يجيب: (( وما
الذي ينبغي لي عمله؟ هل أعيدك إلى الغابة التي
سقطت فيها؟ أظن أن عندك وصولات تلك الشيكات
السياحية؟ ))
هذه ضربة أخرى في ورطتها هذه . وقالت مرتبكة : (( نعم,
كلا . أعني , كنت أعلم انه لن يكون لي هنا مكان معين
فخشيت من المجازفة بإحضارها معي مخافة أن يحدث لها
ما حدث الآن وتفقد , لهذا تركتها في البيت. ))
قال: ((ولكن, لا بد أن أرقامها عندك. )) قامت متهيبة:
(( كلا. )) لتتلقى منه نظرة أدركت منها مقدار البلاهة التي
يظنها بها .
هذا ما ابتدأت هي تشعر به حقاً , وهو يسألها (( هل
تملكين أي مبلغ آخر من النقود؟ ))
قالت وهي تلقي بنظرة إلى حزامها ذي الجيب الذي
يحتوي مبلغاً لا يكاد يكفيها: (( عندي بعض النقود. ))
كان عليها أن تتصل بأمها لتحملها عناء الذهاب
إلى بيتها هي, حيث ترسل إليها تلك الوصولات. وأدركت
يائسة أنها يجب أولاً أن تقوم بذلك قبل أن تقوم بأي اتصال
بالمصرف لإبلاغه بما حصل .
قال : (( إنك في ورطة أيتها السيدة. )) والتفتت هي تتطلع من
النافذة إلى الجو الغائم في تلك المنطقة الريفية, فلم تلحظ
ما بدا على ملامحه من التوبيخ العنيف. ثم بعد لحظات قليلة
سمعته يقول: (( هل يمكنني إلقاء نظرة؟ )) ومد يده إلى دفتر
التخطيطات الذي كان على المقعد بينهما. أومأت هي
برأسها وقد شعرت بتشنج في معدتها . وفكرت في أن
مشكلاتها لا تؤثر فيه كما تؤثر فيها هي .
نظرت إليه وهو يقلب أوراق الدفتر , ويمعن النظر في
رسوم الأزهار بالألوان المائية وكذلك النباتات
والحشرات , بكسل ولا مبالاة. وذلك نتيجة أخطائها
وحدها. كما أنها لم يعجبها عند وصولهم إلى البيت أن
يعيد إليها الدفتر من دون أي تعليق. كان واضحاً أن رأيه
في تخطيطاتها تلك كان يشبه رأيه فيها... وشعرت
بالإكتئاب من ذلك .
قال لها: (( أدخلي أنت وسأوافيك أنا بعد دقائق. ))
لم يستغرق وصول الشرطة أكثر من هذه الدقائق لتشعر
إزاء أسئلتهم المتعاطفة معها نوعاً ما بمقدار مضاعف لما
كانت عليه من استهتار. وكانت أسئلتهم لا بأس بها لولا ما
أبدوه من احترام فائق لــ ريكس. كانت تجلس في تلك القاعة
الجميلة بألوانها الخضراء والمشمشية . تراقب شيلا
تمبليتون وهي تسكب الشاي. مما جعل ساشا تتمنى لو
كانت في أي مكان آخر عدا هذا المكان الذي تفرض فيه
نفسها على ضيافتهم الكريــمة .
قالت لها المرأة بعد ما رحل رجال الشرطة: (( لماذا لا
تتصلين بأمك هاتفياً يا عزيزتي؟ ))
سألتها ذلك وهي تجمع أكواب الشاي الثمينة لتضعها على
الصينية . وأجابت ساشا: (( إلى نيويورك ؟ ))
لم تكن ساشا تريد أن ترزح أكثر من ذلك تحت دين
ضيافتهم. فهي غير متأكدة مما إذا كانت النقود التي في
حوزتها تكفي ثمناً لتلك المخابرة .
جاء صوت ريكس الآمر يرن صداه في تلك القاعة العالية
السقف يقول بلهجة لا تقبل المناقشة: (( إفعلي ذلك. ))
هرعت ساشا شاكرة إلى الهاتف الموجود على المنضدة
الأثرية إلى جانب الأريكة , لتتأوه وقد ساورتها الخيبة وهي
تسمع الرنين الموحد النغم الذي أجابها.
التفتت إلى ريكس قائلة: (( لابد أنها خارج المنزل إذ ليس
ثمة جواب. ))
قال وهو ينظر إلى ساعة يده: (( إذاً حاولي مرة أخرى
واستمري بالمحاولة إلى أن تتلقي جواباُ. أما أنا فعلي أن
أذهب. ))
قال لوالدته وهو يحرك كرسيه: (( أبقيها هنا إلى حين
عودتي ولن أتأخر هذا المساء. )) ثم نظر إلى ساشا التي
تحولت لتجلس على الأريكة, وقال : (( لا تقلقي.)) كان ثمة
لمحة من التفهم والتعاطف في ذك الصوت القوي وهو
يعدها قائلاً: (( سنتدبر الأمر. ))
شعرت عند ذهابه بالوحدة . ومع أنها حاولت عدة مرات
الاتصال بأمها فقد كانت تنتهي بالخيبة في كل مرة ثم
اتصلت بالسفارة الأمريكية لتبلغ بسرقة جواز السفر.
جاء بعد الظهر خادم شاب لآل تمبليتون يبلغه بأن
اللصوص اتلفوا أثناء سرقة المذياع من سيارتها
الأسلاك الكهربائية في السيارة, ولهذا تلقوا الأمر من السيد
ريكس تمبليتون بإدخال السيارة إلى المرأب لإصلاحها .
وهكذا لم تصبح ساشا من دون جواز سفر أو نقود فقط
بل من دون سيارة أيضاً. وشعرت باليأس وهي تفكر في أن
الأمور لا يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه الآن
مع حلول المساء . وبعدما كررت ساشا محاولة الإتصال
بأمها لتخرج بالنتيجة ذاتها, إذا بها تتذكر , أن أمها كانت قد
أخبرتها بأنها ستسافر في رحلة قصيرة في أثناء وجود
ابنتها في انكلترا .
شعرت بالخوف يعتصر قلبها. وما لبثت أن أخرجت من
مفكرتها رقم أقرب جارات أمها التي وجدتها لحسن الحظ
ولكن لتؤكد لها مخاوفها وهي أن أمها غائبة حقاً عن
المنزل . ولكنها, الجارة, لا تملك أي عنوان يمكن ساشا
الإتصال بوالدتها عليه .
أعادت ساشا سماعة الهاتف إلى مكانها وقد صدرت
منها آهة عميقة . ثم جلست وقد قوست كتفاها في يأس . ما
الذي يمكنها أن تفعله الآن ؟ كانت تتساءل بحيرة بالغة عندما
سمعت صوتاً عميقاً عند الباب يسألها: (( هل ثمة متاعب؟ .))
قفز قلبها عند رؤيتها ريكس من دون أن تعرف السبب .
ليس في إمكانه مساعدتها في وضعها هذا. لكن ثقتها
البالغة به جعلتها تشعر بالارتياح عند رؤيته. وقالت: (( الأمر
أسوأ مما توقعت. ))
قال: (( هل أمك غائبة؟ ))
لا بد أنه استنتج ذلك من حديثها هي في الهاتف وقالت:
(( ليس هذا فقط , وإنما لا أعرف مدة غيابها ولا استطيع
الإتصال بها. )) وزاد على كل مشاكلها , ولو أن هذا لم يقلقها
كثيراً , عودة الألم إلى كتفها .
قال: (( إنه درس قاس لك ,أليس كذلك؟ . )) وكان لومه هذا
لها كرش الملح على الجرح الحي .
قالت له وهو يدخل كرسيه: (( إذا كنت ستلقي علي
محاضرة في المسؤولية, فوفر ذلك على نفسك. إنني
أعرف مدى حماقتي وأشعر لذلك بالغثيان , من دون حاجة
إلى من يخبرني إلى أي مدى كان إهمالي. ))
والآن ؟ فليلق بها خارج منزله. فكرت في ذلك شاعرة
باليأس من وضعها هذا الذي يكاد يحطمها . كانت تشعر
بنظراته النافذة تنتقل بين قميصها وسروالها الجينز
وبشرتها المتوهجة من الحدة. وأمرها بهدوء:
(( إجلسي. ))
أطاعت وهي تشعر بالدهشة والضيق وهي ترى نفسها
تفكر برغم كل مشاكلها , كيف تسقط المرأة بسهولة فريسة
لهذا الصوت العميق . وشعرت بالإختناق بينما كان هو
يستدير ليغلق الباب خلفه .
قال وهو يلقي نظرة قصيرة على كتفها المصابة: (( إنك لم
تجدي أية راحة حتى الآن في بلادي, أليس كذلك ؟ ذلك
الإصطدام في البداية , ثم الآن هذه المشكلة . أظن أن كل شيء
كان مؤمناً عليه في شركة تأمين. ))
قالت: (( نعم. ))
قال: (( وما الذي تنوين فعله الآن؟ ))
قالت: (( أظن أن علي الذهب إلى السفارة. ))
ماذا يفعل شخص وحيد في بلاد غريبة وقد فقد كل شيء
وخصوصاً جواز سفره؟ الشيء الوحيد الذي في إمكانها
عمله هو أن تبيع سيارتها حالما تخرج من المرأب, ثم
تشتري تذكرة سفر إلى بلادها!
قال: ((يمكنك أن تمكثي هنا. ))
أجفلت من عرضه هذا ورفعت رأسها إليه مصعوقة
كانت ملامحه صارمة وجادة إلى أقصى حد .
قال: (( إن الغرفة التي رقدت فيها الليلة الماضية
شاغرة.)) وتابع حين منعتها الحيرة البالغة من الجواب :
((لقد نقل كليم حوائجك إلى تلك الغرفة, في منتهى اليسر. ولا
بد لك من سقف يظلك في أثناء عملك للخلاص من ورطتك
هذه.. فلا تقلقي بعد الآن على إقامتك ... وعلى بقية إجازتك
إذا كان يعجبك هذا .))
أنهي كلامه مبتسماً وهو يمسد عضلات رقبته. وتابع:
(( حسن؟.)) ولم تترك لها عيناه الرماديتان فرصة للتفكير.
قالت مترددة: (( لا أدري. إنني...)) وعضت شفتها .
لقد كان عرضاً كريماً. ولكن, من غير المعقول أن يكون قد
عرض عليها البقاء هنا من غير مقابل, وهي لا يمكنها أن
تدفع تكاليف إقامة مرفهة في مثل هذا المنزل. وقالت:
(( تعني في إمكاني أن أقيم معكم حتى أحصل على بديل
لشيكاتي المفقودة؟ ))
دقت ساعة الحائط ببطء وثبات تؤكد الصمت الذي ساد
بينهما... قبل أن يجيب : (( إن دفع الأجر ليس هو بالضبط ما
يجول في ذهني. ))
سرى في عروقها توتر ضئيل وهي تنظر إليه قائلة وقد
التوت شفتاها: (( وما الذي يجول في ذهنك بالضبط؟ ))
لم يغفل هو ملاحظة تلك الرعشة الخفيفة في صوتها .
والأسوأ من ذلك, كما أدركت , هو تفكيرها المتردد فيه
كرجل. وبدت إمارات السخرية حول فمه برغم نظرته
الصوانية. وشعرت أيضاً بتوتر أصابعه وهي تشتد فجأة
على ذراعي الكرسي, وهو يقول: (( وما الذي جعلك واثقة إلى
حد تفرضين فيه أنني في وضع يمكنني فيه من ...
استغلالك؟. ))
جرضت ساشا بريقها وقد تورد وجهها. إنها بالطبع , لم
تفترض أن حياته يمكن أن تكون قاحلة في شكل أعمق مما
يبدو لأول وهلة . ولابد أن هناك آثار جروح عاطفية بالغة
العمق والمرارة . ألم تفكر هي نفسها في مبلغ قسوة الأقدار؟
قالت متلعثمة: (( إنني ... إنني لم أكن أعني... )) وتلاشت
الكلمات من ذهنها . لماذا هي تقول دوماً الأشياء الخطأ ؟
قال باقتضاب: (( دعي ذلك الآن. )) وأغفل اعتذارها متحولاً
إلى أمه التي دخلت تبلغه بأنه مطلوب على خطه الهاتفي
الخاص. واستدار هو خارجا بعد ما طلب من أمه أن تأخذها
إلى غرفة الحديقة .
تبعت المرأة في الممر الطويل وقد تملكتها الحيرة .
وكانت الغرفة التي دخلتها يغمرها الضوء والهواء الطلق
وكانت تقع خلفها حديقة مغروسة بالأشجار تمتد إلى الغابة
وتخرخر فيها الجداول إلى الوادي الخصيب .
قالت: (( كانت هذه قاعة واسعة جداً ولكن ريكس
حولها إلى جناح خاص به بعد...حسن بعد حادثة
الإصطدام التي حصلت له... )) ودخلتا من الباب المفتوح إلى
الغرفة, غرفة نومه, وأدركت ساشا أنها الغرفة ذاتها التي
سبق أن وضعوها فيها الليلة الماضية . وعجبت لماذا طلب
هو من أمه أن تدخلها إليها .
تأملت ساشا المكتبة الممتدة من الجدار إلى الجدار .
الأثاث الخيزراني والمدفأة الرخامية .
قالت المرأة: (( لن يتأخر ريكس. )) وابتسمت ساشا شاكرة
بينما خرجت المرأة , وأخذت هي تمرر يدها على احد
الكراسي تلامس نعومة الخيزران . وبدت الغرفة بالسجادة
الخضراء التي تغطي أرضها, وألوان الأثاث الطبيعية
والنباتات الخضراء في أركانها , وكأنها امتداد للحديقة...
جاءها صوته: (( هل تعجبين أم تنتقدين بنظرتك
الفنية هذه؟ ))
كانت مستغرقة في ما حولها, فلم تنتبه لاقتراب الكرسي
ذي العجلات الصامتة . والتفتت . لترى ابتسامة ريكس الباردة
المتفرسة فقالت: (( الاثنين معاً . )) كانت مثقلة بمشاكلها
بحيث لم تستطع مبادلته الابتسام , مما قد يكون فسره على
أنه توتر في أعصابها بعد ما نظر نحو الغرفة المجاورة
وهو يقول بجفاء: (( ألا يجعلك إغلاق ذلك الباب تشعرين
بأمان أكثر؟ ))
لم تتحرك ساشا من مكانها, وقد تضرج وجهها بعد ما
تذكرت ملاحظتها تلك في قاعة الجلوس . ولكن, قبل أن تعود
إلى طبيعتها , تابع ريكس قوله: (( إنك أردت معرفة ما الذي
أردته مقابل ضيافتي لك. ولكي أنفي أي تصور مخطئ عن
سبب تقديمي سريراً إلى أية امرأة شابة قد تكون بحاجة
ماسة إلى العون.. ))وأشار بيده إلى مكان خال إلى جانب
المدفأة قائلاً : (( أترين هذه الخلوة هنا ؟))
اقتربت ساشا من المدفأة وهي تشعر بصعوبة في
مقاومة جاذبيته الأخاذة: (( نعم ما الذي كان في هذا
المكان؟ ))
قال: (( كان يقوم تمثال. وكنت أتساءل دوماً عما يمكن أن
أقيم مكانه. وقد قررت الآن شيئاً قد ينال إعجابك. إنني لا
أستطيع أن أذهب إلى المناطق الريفية كما ترين, ولهذا
قررت احضار المناطق الريفية إلى منزلي هنا. أريدك أن
ترسمي على جدار تلك الخلوة لأجلي, ترسمي شيئاً يمثل
المناظر الخارجية , ليكون امتداد للغرفة. وسأمنحك
الحرية لتصميم ذلك ويمكنك إنجاز ذلك في أوقات
فراغك. وحسبما تشعرين بالرغبة, وهذا لا يتعارض مع
أية خطة أو عمل يعرض عليك في أثناء وجودك هنا. قومي
بهذا لأجلي وسأمنحك أنا المنامة والإقامة إلى نهاية
إجازتك .))
ألقت عليه بنظرة جانبية, وقد تهدل شعرها الحريري
الأسود على كتفيها, وهي تقول: (( وما الذي جعلك تظن أن
لدي الكفاءة لهذا العمل؟ ))
قال باسماً: (( شهاداتك. ))
أدركت أنه يعني تخطيطاتها التي كانت لا تزال موضوعة
على المنضدة في القاعة , إذاً فقد أعجبته عندما رآها هذا
الصباح برغم أنه لم يقل شيئاً عليها ذلك الحين.
قالت: (( ولكنني... )) كانت لا تزال تجد صعوبة في قبول
عرضه هذا. واقتربت من ذلك المكان الضيق ومررت يدها
على الجدار الناعم وهي تقول: (( إنني لم أقم بأي عمل من
قبل على مثل هذه المساحة العريضة. )) وشعرت بالفزع .
كيف يمكنها أن تتصرف مع هذه الزخارف؟ فتضيف
بألوانها المائية البسيطة رسوماً تكمل بها رسم تك الغرفة
التي لا عيب فيها؟ وانتبهت لكرسيه يقترب منها. ويقول:
(( ما هي المشكلة؟ ألا تنوين مواجهة التحدي؟ ))
استدرت إليه رافعة رأسها بكبرياء قائلة: (( ليست تلك هي
المسألة. ))
كيف يمكنها أن تخبره أنها تجد في السكنى معه, تحت
سقف واحد, رهبة أكبر من رهبتها إزاء العمل الذي يكلفها
به ؟
عاد يسألها: (( ما هي إذن لقد رأيت من تخطيطاتك
ورسومك أن دراسة الطبيعة هي مجالك. إذا وضعنا غصون
أشجار أو أي شيء أخر هنا... )) ومال إلى الأمام يشير إلى
قصده, ويتابع: (( وربما إذا جاءت الأعشاب من هذه
الناحية... شيء لافت للأنظار هنا... هنا في الوسط... ))
وأشار بيده بحركة دائرية (( ... ربما لون رمادي أو أصفر
باهت .... ))
قالت وقد قطبت جبينها إزاء اقتراحه إضفاء صبغة حية
على هذه الخلوة: (( هذا صعب إذا أردت أن تراه. ربما كان
هذا المكان منعزلاً, ولكن قد يدخله الضوء من النافذة...
وسيبدو من دون لون إذا ما انعكست أشعة الشمس على ذلك
الجدار. ))
كانت تشرح ذلك وهي تقترب من جدار قريب من القاعة
وتتابع: (( وفي أوقات أخرى تضيع الألوان في الظل . إن فكرة
الأعشاب هي رائعة ولكن ما تحتاجه في الوسط هو منظر
صارخ, إما أسمر ضارب إلى الحمرة وإما قرمزي. لمسة
واحدة فقط, وإنما من القوة بحيث تجذب النظر لأول وهلة. ))
ابتسم لها ببراءة وهو يقول: (( إذاً, فستقومين بذلك. ))
وظهرت في عينيه نظرة ماكرة أدركت هي منها أنه تعمد أن
يثير حماسها بآرائه تلك التي ينقصها الذوق , عالماً بأن
كبرياءها الفنية لن تجعلها تمتنع عن التدخل لتقويم رأيه .
قالت تعاتبه وقد شعرت بالخجل إزاء مهارته في ذلك :
(( لقد تعمدت ذلك, أليس كذلك؟ )) وتأكدت من ظنها هذا, حين
رأت ذلك الفم القاسي يفتر عن ابتسامة منتصرة .
قالت بقلق: (( افرض أن عملي لم يعجبك؟ ))
قال ببرود: (( إنني عند ذاك, أطلب أن يطلى الجدار تماماً
بالدهان, وعليك بعد ذلك أن تجدي طريقة أخرى لوفاء
ديني عليك. )) وابتسم بطريقة جعلت خفقات قلبها ترتفع.
مد يده وهو ينظر ساخراً إلى وجنتيها المتضرجتين
وقال: (( هل اتفقنا؟ ))
ترددت ساشا لحظة ثم تمتمت موافقة واضعة يدها بيده.
وكانت من قبل قد لاحظت بروداً في قوة يده هذه, أما الآن
فهذه الأصابع أمسكت بأصابعها مدة أطول قليلاً مما بعث
التوتر في أوصالها .
فكرت في ما بعد, أن هذا المكان ردة فعل قوية تجاه كل ما
حدث. وقبل كل شيء لوسامته المفرطة. ولكن, لو كان بن لا
يزال حياً , لكانت الآن زوجته السيدة ريتشاردز . وساورها
الألم عند هذه الفكرة, مهما يكن من قوة تأثير ريكس
تمبليتون , فإنها ببساطة لا تستطيع أن تسمح لنفسها
بالإقتراب من أي رجل مرة أخرى , بعد كل ما حدث... إن
شعورها بالذنب لن يسمح لها بتكرار ذلك الأمر.
(( نهاية الفصل الثانـــي )) ..


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 02:00 PM   #4

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثـــــالث
ابتدأت ساشا العمل بعد ذلك بيومين , إذ أمضت اليوم
الأول في إنهاء معاملة جواز سفرها مع السفارة , وبعد ذلك,
في شراء الأدوات والألوان الضرورية للعمل, وذلك بعد ما
أعطاها ريكس المال اللازم .
والآن وهي تباشر العمل بالألوان المائية , أخذت تضع
برشاقة لمسات من اللون الأصفر الذهبي على الجبس ,
لمسات دقيقة ماهرة من الفرشاة أظهرت أول ملامح
الطبيعة, وهي متأكدة من أن ريكس لن يقبل بديلاً من الكمال
فقد كان يعلم تماماً ما يريد. لقد عرفت ذلك من الحديث الذي
سبق أن دار بينهما عن الرسم والألوان .
بعد ذلك بساعتين , توقفت عن العمل, وهي تتراجع إلى
الخلف تنظر متأملة ما أنجزت. وشعرت بالتوتر وهي تسمع
صوت عجلات الكرسي تنبئ باقتراب ريكس .
دخل الغرفة قائلاً: (( الم تتناولي القهوة بعد؟ ))
لم تملك ساشا سوى أن تهز رأسها نفياً , وقد طغت عليها
شخصيته الجارفة. كان قد خلع سترته لشدة الحر الذي
ألجأها هي أن تفتح النافذة منذ فترة. وكانت ذراعاه القويتان
باديتين من كمي قميصه القصيرين .
قالت: (( لم أشأ أن أتوقف عن العمل قبل أن انتهي من هذه
البقعة المعقدة. )) لقد أطاعها صوتها أخيراً وهي تضع
بفرشاتها لمسات بالغة الدقة لتبدو للناظر أعشاباً حانئة .
قال وهو يتحول إلى ناحية يمكنه منها أن يزن عملها
بعينه الناقدة: (( ها إنك قد وجدت طريقك أخيراً ))
كانت تقف جانباً ترقبه بتوتر, ثم قالت: (( لقد قلت إنك لن
تعطي رأيك قبل أن ينتهي العمل تماماً . )) وكانت تذكره, بذلك
بما سبق أن وعدها به منذ يومين .
قال بابتسامته الأخاذة وهو يتحول ليواجهها: ((طبعاً ))
ونظر إلى ساقيها الجميلتين الباديتين من خلال " السروال
القصير" الذي كان ينسدل عليه قميصها الملطخ ببقع
الدهان.
قال: (( لقد جئت لأخبرك إنني تلقيت خبراً من (( المرأب))
بانتهاء تصليح سيارتك وهي في الانتظار . وقد أرسلت من
يحضرها. ))
قالت: (( أوه , شكراً , ما كان لك أن تشغل نفسك بذلك....
أعني... )) لماذا تشعر دوماً بالغباء والارتباك كلما كان
حاضراً؟ وتابعت: ((أعني إنني لست بقادرة على أن أدفع
أجرة التصليح بعد. )) كانت قد عرفت من آخر اتصال هاتفي
إلى أمريكا أن أمها لم تعد إلى البيت بعد. هي ما زالت
مدينه له بالمال, بعد ما أعطاها مبلغاً صغيراً حين ذهبت
إلى لنددن أمس .
عادت إلى عملها تتشاغل به وهي تسأله: (( حسن, ما
رأيك؟ ))
قال بلهجة بدت لها ساخرة : ((أظنك قلت إنك لا تريدين
انتقاداً. ))
لقد فعلت ذلك طبعاً, فيا لحماقتها .
قال: (( إنني لا أحب التدخل في عمل ما, قبل أن يتم هذا
العمل.)) وتوقف ينظر إلى وجهها البيضوي المتألق يحيط به
شعرها الأسود اللماع, وتابع: (( هل أربكك أنا إلى هذا
الحد؟ ))
كادت الفرشاة التي تمسك بها ساشا أن تنزلق من يدها
عند سماعها سؤاله ذاك المضطرب بالعاطفة الجياشة.
وقالت كاذبة: (( كلا, طبعاً . لماذا تظن ذلك؟ ))
قال: (( لنقل إنها الخبرة. ))
ألقت عليه نظرة سريعة وهي تقول: (( وهل خبرتك واسعة
في هذا المضمار؟ ))
ضحك وقد تجلت الحيوية في ملامحه , وقال: (( إن في
رأسك فكرة سيئة عني, أليس كذلك ؟ ))
قالت: (( أنا؟ )) واخذ قلبها يخفق كقرع الطبل, ولم تستطع
الإمساك بالفرشاة كما يجب, وبطريقة ما, استطاعت أن
تتمالك نفسها لتقول: (( في الحقيقة , لم أفكـــر في ذلك كثيراً .))
قال بابتسامة متحفظة: (( وهذا يلزمني حدي , أليس
كذلك؟ )) وشعرت بأنه غير مستعد لان يترك هذا الموضوع
وهو يقترب منها بكرسيه حتى لتكاد تشعر بالحرارة
المنبعثة من جسده. وعاد يقول: (( أتساءل عما يمكن أن
تفعليه لو أنني .... ؟ ))
(( ريكس... أوه , آسفة .)) كان هذا الصوت الذي قطع
حديثهما لامرأة أنيقة متوسطة السن تقف على عتبة الباب,
وقد بدا قميصها الأحمر ملائماً لشعرها الأصهب القصير.
وتابعت : (( إنني آسفة لتدخلي. لم أدرك إنك لست وحدك. ))
كانت تتحدث بينما ساشا تحاول أن تتخلص من تأثير
طغيان شخصية ريكس فيها. وتابعت المرأة: (( كنت
فقط أريد أن أسأل إذا كان عندك شيء احمله معي إلى
المكتب... ))
قال وقد عاد إلى شخصية رجل الأعمال المسؤول: (( نعم
يادي. هناك بعض الأوراق, إنما الآن , تعالي تعرفي بمثيل
الرسام الخالد مايكل انجلو.
ضحكت المرأتان, وقد رأت ساشا في دي امرأة طيبة.
تابع هو: ((لقد ساعدتني ساشا على التفكير في طريقة
نتغلب فيها على الفراغ في تلك الخلوة. أقدم إليك يا
ساشا سكرتيرتي دي داي .
وضعت ساشا فرشاتها جانباً لتصافح المرأة محاولة
إخفاء ابتسامتها المستغربة لهذا الاسم الغريب .
قالت المرأة وقد لاحظت ذلك: (( هيا ابتسمي كما يفعل
الجميع. ولكن سخطي أصبه على زوجي السيد داي وحده
عندما نكون معاً . )) وضحكت ساشا لهذا . حتى ريكس نفسه
سر بهذه النكتة . وقالت هي : (( مازلنا بعد أربع وعشرين سنة
من الحياة الزوجية , زوجين ناضجين إنما في سن
المراهقة. ولا أدري من منا السبب في هذا النجاح. أنا أم
هو؟ ))
ضحكت ساشا مرة أخرى وشاركها ريكس في ذلك, وهو
يقول: (( إن دي ذات كفاءة يعتمد عليها . وأحياناً تبالغ في
ذلك. ولكن أيضاً تعرف كيف تسيطر على زوجها وأولادها
وعلى رئيسها أحياناً . ))
فكرت ساشا في أن هذا هو غير ممكن. إنه هو المسيطر
دائماً. وشعرت برعشة خفيفة تنتابها سرعان ما تغلبت عليها
لتجيب بثبات: (( أحقاً ؟ لا أظن أن ذلك في إمكان أحد. ))
وافقتها دي على ذلك قائلة وهي تبتسم: (( إنك على صواب
وأرى أنك ذات مناعة جيدة إزاء جاذبيته المهلكة تلك. ))
قالت ساشا وهي تتنفس بازدراء: (( نعم. )) ولكنها شعرت
بتينك العينين الرماديتين المزعجتين ترمقانها. شعرت
بعدائهما المفاجئ حتى قبل أن ينطق قائلاً: (( إرتاحي يا دي
قبل أن أحضر لك تلك الأشياء وخذي ساشا معك. إنني أعرف
أن لي شهرة باستعمال السوط, ولكن حاولي أن تقنعيها
بأنني قد لا أستعمله معها إذا هي قامت بعملها على ما
يرام. ))
حسن, بعد كل الذي... لقد أصعقها تقلب مزاجه ذاك
والتفتت تريد أن ترد عليه ولكنه كان قد ابتعد.
قالت المرأة بصوت متفهم: (( لا تهتمي له. إنه جاف هكذا
مع الجميع. وذلك منذ حدث له ذلك الاصطدام .)) ثم أفسحت
لها الطريق لتتقدمها إلى الحديقة .
لم تستطع ساشا أن تخبرها بأن ثمة سبباً آخر لهذه
العداوة المفاجئة . وسألتها بدلاً من ذلك: (( منذ متى تعملين
عنده؟ ))
قادتها دي إلى مقعد حجري في الحديقة. ثم قالت
وهي تضم شفتيها وتقوم بعملية حسابية في ذهنها:
(( أوه... لا بد أن يكون ذلك منذ سبع سنوات. لقد تسلمت
العمل بعد وفاة والده مباشرة وبعد ما تسلم ريكس مكانه
في الشركة. وهو لأسباب واضحة, يقوم بأعماله في
المنزل الآن. وأنا أحضر كلما أراد شيئاً اعمله هنا.
ولكنني غالباً في المكتب في لندن. إنه رئيس عظيم
بالنسبة إلى المستخدمين. وعلى الرغم مما سمعته يقول
على استعمال السوط, فهو لا يحمله ليقف فوق رأسك.))
وضحكت وهي تتابع: (( إنه مثالي, وقد يعاني قليلاً من
العجز وعدم الأهلية , ولكنه عادل تماماً و يقدر جهود
العاملين. إنه رجل مدهش.)) قالت ذلك بصوت ناعم
أدركت ساشا من ورائه أن المرأة مولعة برئيسها. وتابعت
المرأة تقول: (( وهذه الأيام يبدو أنه يرتاح إلى صحبة
لورين فاراداي الجميلة. هل تعرفت بـ لورين؟ ))
كانت ساشا مولية انتباهها لفوارة في شكل تمثال رشيق
أثري لا عيب فيه لعروس البحر. وردت على سؤال المرأة
قائلة: (( نعم وهي ابنة عمه. أليس كذلك؟)) وشمل ساشا
إحساس غامض لم تدرك كنهه .
ضحكت دي بسخرية وهي تقول: (( تقريباً إنها ابنة عم
أبيه, هذا إذا استطعت حل هذه الأحجية وهذا. كما أظن
يجعلها ابنة عمه الثانية. إنها تأتي إلى هنا في أغلب العطل
الأسبوعية . إنها فتاة عنيدة مدللة في الثانية والعشرين من
عمرها. وناجحة جداً . عندها صالون للتجميل في
كمبريدج, وضعها فيه والدها وهي تديره بكفاءة من هو
بضعف عمرها. ولكن ما تريده حقاً وما هي بحاجة إليه هو
أن تتزوج ابن عمها ريكس . وبهذا تكف عن التصرف كما
تشاء, وقد يتقبل هو عند ذاك العناية التي ستقدمها إليه, وإن
كنت لا أدري إن كان سيتقبل يوماً ما حدث له... إذ أن
ارتباطه بكرسي متحرك وهو في الثانية والثلاثين من عمره
هو شيء بالغ القسوة. قالوا إن نسبة نجاح عمليته الأخيرة
لجعله قادراً على السير مرة أخرى هو خمسون في المائة .
ولكنني لا أدري... ))
سكتت دي وهي تتأمل حذاءها العالي الكعبين ثم
استطردت تقول: (( لقد ابتدأنا جميعاً نفقد الأمل في ذلك,
وأظنه هو أيضاً وإن كان لم يسلم, في الحقيقة,
بهزيمته. إنه فقط يتألم من جلسات العلاج الطبيعي, مع
أنه يرفض السماح لأحد بمد يد العون إليه في أي أمر ما
عدا كليم. ولهذا لا بد لـــ لورين أن تعمل بجهد بالغ لكي
تستطيع تغير كل ذلك, مع أنها فتاة قوية الإرادة جداً
ويبدو أن ريكس يستمتع بصحبتها. على كل حال, قد
تقابلينها مرة أخرى غداً, فهي تأتي إلى هنا في أغلب
العطل الأسبوعية. ))
قالت ساشا: (( هذا حسن...)) وتساءلت بصمت عن سبب
شعورها بالنفور من تلك المقابلة, فقد سبق وشاهدت لورين
مرة واحدة فقط, وذلك عند سقوطها من المنطاد. ولكن تلك
المقابلة لم تترك في نفسها أثراً يبرر شعورها ذاك .
لكن عند عودة لورين في المساء التالي, حدث بينها
وبين ساشا نوع من المهاترة. إذ بدت عليها الدهشة
لرؤيتها فقالت: (( ولكن أمازلت هنا؟ )) لقد هتفت لورين بذلك
بعد ما عانقت عمتها واستدارت لتقع أنظارها على ساشا
وهي قادمة من غرفة الحديقة لتعبر القاعة الفخمة .
اعترضت عمتها شيلا قائلة: (( ليس بهذه الطريقة تحيين
ضيوف ابن عمك يا عزيزتي. )) ومضت تشرح سبب بقاء
ساشا.
قالت لورين: (( أحقاً ؟)) ورفعت يدها المطوقة بالأساور
تسوي شعرها الأشقر , في حين كانت تحمل بيدها
الأخرى سلة صغيرة استنتجت ساشا من الصوت الذي كان
يعلو من داخلها أن فيها هراً ساخطاً . وعادت لورين تقول:
(( إن ريكس لم يخبرني بذلك. )) وفتحت السلة ليخرج الهر,
بينما كانت في غضون ذلك, تحدق إلى ساشا بنظرات نفاذة
من عينيها الزرقاوين .
لقد فكرت عند ذاك في أن من غير الممكن أن تكون
لورين قد اعتبرتها منافسة لها... وبعد ذلك أيضاً بفترة
طويلة , بعد العشاء انتقلوا جميعاً إلى قاعة الجلوس
وانتقلت معهم ساشا أثر إلحاح ريكس .
قالت لروين وهي تستلقي على الأريكة: (( إنني لم أرى
ريكس منذ أيام .. مما يحمل على الظن أنه أرادنا أن ننال
بعض الخلوة أليس كذلك؟ )) وضحكت لعمتها وهي تقول ذلك
مما جعل ساشا تشعر بأن كلامها هذا يشير إليها هي.
أجاب ريكس جفاء من آخر القاعة: (( هناك مجموعة
أسباب لم تمكنني من ذلك يا ابنة العم. منها أنه في كل مرة
احظي بسرور رؤيتك, يكون علي تضييف هرك الخبيث
ذاك. ))
هتفت لورين وهي تجر الهر من حيث كان يجلس على
كرسي بقربها, ثم تهدهده كطفل رضيع: (( ليس خبيثاً . أليس
كذلك حبيبي؟ إنك قاس يا ريكس.)) وعبست بينما افلت
الهر الذي كان مزيجاً من السلالة السيامية والروسية وهو
يطلق مواءً سيامياً خالصاً .
قال متفكهاً وقد أضاءت عيناه اللتان التقتا بعيني ساشا
بابتسامة: (( هل أنا حقاً كذلك؟ ))
اضطربت خفقات قلبها فجأة , وبادلته نظرته ذات المعنى.
كانت تحب الحيوانات , ولكن هذا الهر كان كارثة. وقد سبق
لــ ريكس أن شاهد المعركة التي دارت بينها وبين الهر وهي
تحاول أن تبعده عن أنابيب الألوان .
لكن لورين لمحت نظرتهما ذات المعنى تلك, مما دعاها
إلى أن تقول: (( للمناسبة, لقد رأيت رسومك على الجدار,
وهي جيدة تماماً إذا كنت سترسمين على الجدار كله . لو
كنت مكانك يا ريكس لاحتفظت بذلك التمثال بدلاً من إلقائه
في المكتبة. إن عيبك يا ريكس أنك لا تقدر الجمال
الكلاسيكي.))
استقرت نظرات ريكس لحظة على وجه ساشا, متأملة
ملامح وجهها الخالية من الزينة ولونها الطبيعي الذي تورد
إزاء نظرته تلك وقميصها بطرازه الغجري, ثم شردت نظراته
وهو يقول: (( هذا غير صحيح يا لورين. ))
تسارع نبض ساشا. لقد تضمن إطراؤه ذاك مشاعر
واضحة. وفكرت وقد حبست أنفاسها, لماذا هذا الإطراء
لها بينما هي تشعر كأنها غجرية بثيابها التي ترتديها أمام
لورين بأناقتها العصرية الفريدة؟ ولاحظت من تحت أهدابها
الكثيفة القاتمة مقدار ضيق ثوب تلك الفتاة وقصره .
عادت لورين تقول بإصرار وقد تجهم وجهها بعض
الشيء: (( مازلت لم أفهم لماذا نقلت ذلك التمثال؟ بالنسبة
إلى التمثال, فإنني بصراحة لا أظن الجدار يماثله حكمة
وقيمة.))
(( إذاً فخذي هذا اللعين.)) كان رداً عاصفاً تفجر به ريكس
وهو يندفع بكرسيه إلى خارج الغرفة بقوة هائلة جعلت الهر
يقفز مذعوراً من بين ذراعي لورين.
اخترق الصمت المتوتر الذي تلا ذلك صوت شيلا والدته
وهي تعتذر بصوت متقطع: ( أوه يا عزيزتي... إنني آسفة
على ذلك.))
ابتسمت ساشا في محاولة لتخفيف الحرج الذي انتاب
المرأة وهي تقول: (( لا بأس... هذا غير مهم.)) بينما كانت
تشعر بأنفاسها تنبهر. إذاً فأن لــ ريكس طباعاً حادة وأي
طباع؟ اختلست إلى لورين نظرة سريعة لتراها شاحبة
الوجه وقد تملكها الاستياء وبدا القلق على وجهها الجميل.
فكرت ساشا وقد وجدت نفسها منحازة إلى جانب
ريكس في إن لورين تستحق ذلك لجدالها العقيم له . كما أنها
لم تفهم لماذا يثور هو في هذا الشكل لأجل تمثال عادي .
وقالت وهي تهم بالخروج: (( أرجو المعذرة...))
كانت متلهفة للابتعاد عن الكراهية التي شعرت بها تنبعث
من لورين فاراداي . ولم تكد تصل إلى الباب حتى سمعت
الفتاة تقول بصوت خافت حتى لا تسمعها عمتها: (( إنه لن
يعجبه أن تركضي خلفه حين تتملكه إحدى نوباته تلك. ولكن
إذا كنت حريصة على أن يقطع رأسك فاتبعيه .))
التفتت ساشا من فوق كتفها وهي غير مصدقة ما سمعت,
لتقول لــ لورين: (( إنني لست راكضة خلفه يا لورين. ولكنني لا
أحب شهود الخصامات العائلية , وخصوصاً بين أولاد
العم.)) لم يكن في إمكانها منع نفسها من أن تضيف تلك
الجملة التي استفزت لورين لترد عليها بالمثل قائلة: (( لم
يكن هذا خصاماً عائلياً.. كنت أظن أننا نقوم بمناقشة
ثقافية . وعلى كل حال, فهو ليس ابن عمي تماماً.)) لقد أكدت
بقولها هذا ما سبق أن سمعته من دي في اليوم
السابق فقط. وقد ذكرت لورين هذه النقطة كما أدركت ساشا,
بالغريزة , وكأنها تريد القول إنه لها, وأن عليها هي, ساشا,
أن تبتعد عنهما! وما لبثت أن وقفت تتحول خارجة محتكة
بها في طريقها إلى الباب.
كانت ساشا تريد صعود السلم إلى الطابق العلوي ,
ولكنها إذ رأت لورين تسير في الاتجاه ذاته. لم تشأ أن
تورط نفسها في جدال آخر معها. فأحجمت عن الخروج
لتمكث في تلك القاعة الفخمة .
لم تكن متأكدة من المكان الذي ذهب إليه ريكس, وخمنت
أنه لا بد ذهب إلى جناحه الخاص. وكان باب المكتبة
مفتوحاً , وشدها شيء إلى الدخول. لقد كان هناك التمثال
الذي كان سبب ذلك النزاع المر بين ريكس و لورين .
كان التمثال مقاماً على منضدة منخفضة بجانب الباب
تماماً, وقد انعكس من بصباحين مثبتين على الجدار, نور
وردي على جسمه الرخامي الأبيض.
قرأت ساشا على قاعدته الرخامية اسم " تيربسيكور"
أليس هذا إسم إحدى بنات الملك "زيوس" التسع ملهمات
الفنون ؟ وتذكرت الأساطير اليونانية... وابتدأت الحيرة
تعتمل في ذهنها. إنها ملكة الرقص من بين أخواتها .
وفجأة , اتضح لها كل شيء .
فكرت في غلظ إحساس لورين التي لم تدرك سبب طلب
ريكس نقل هذا التمثال, جمال المرونة في هذا التمثال
الأعضاء التي تمثل الرشاقة والحركة... الحركة التي
يفتقدها ريكس. (( هل أرضيت فضولك يا ساشا؟ ))
استدارت بسرعة عند سماعها الصوت حتى كادت أن
تصدم بالباب المفتوح. لقد كان في الغرفة طيلة الوقت.
وراء التمثال تماماً. ولكنها لم تدرك ذلك .
تمتمت: (( إنه... إنه فضول فقط. ))وأخذت تجيل نظرها
في أنحاء الغرفة؛ الرفوف المرصوصة بالكتب والطاولة
اللامعة في الوسط , المدفأة الضخمة والوسائد الوثيرة على
الأريكة والكرسي ذي الذراعين .
قال: (( هذا طبيعي. حسن ادخلي ما دمت هنا.)) لم تشعر
في حياتها قط بالجبن إزاء دعوة كما شعرت الآن. وأجفلت
عندما تناول عصا كانت مسنده بجانبه ودفعها إلى الباب
بقوة فانغلق .وعاد يقول: (( ادخلي ساعديني.)) ولما لم
تتحرك قال: ((هيا يا ساشا. أظنك من النضج بحيث لن
تتصرفي كابنة عمي المدللة . و ربما بالغة النضج والجد في
بعض النواحي.))
عبست بضيق وقد شعرت بأنه يغوص في داخل أعماقها
ومشاعرها .
قال بسخرية مفاجأة: (( إنني لن أكلك. ))
قالت: (( وأنا لا أظن ذلك. )) واقتربت منه بشجاعة وهي
تتابع: (( مادمنا تناولنا العشاء معاً .))
ارتسمت على شفتيه ابتسامة دافئة لنكتتها تلك. ورد
عليها قائلاً : (( هذا ليس ضماناً أكيداً . )) وتحرك في كرسيه
يواجهها وهي تنتقل بين أكداس الكتب . وهو يتابع قائلاً :
(( حتى وأن كان المشهور عني أنني افقد إرادتي في ثوان
قليلة إذا كانت الحلوى لا تقاوم. ))
نظرت إليه باحتراس وقد تسارعت دقات قلبها , لقد كان
جالساً بين المدفأة والأريكة وقد أراح مرفقه إلى العصا
الملقاة أمامه على كرسيه . وتلاقت عيناه بعينها القلقتين
فقطب جبينه وهو يسألها فجأة: (( هل أنت خائفة مني ؟ ))
حبست ساشا أنفاسها وقد تسارع الدم في عروقها وهي
تجيب رافعة رأسها بتحدِ من دون وعي منها: (( ولماذا
أخاف ؟ .))
قال وهو يخبط العصا بعنف جعلها تقفز من مكانها:
(( ولكنك محقة في ذلك .))
أطلق ضحكة جافة خالية من السرور وهو يتابع: (( وهكذا
عرفت نقطة ضعفي.. )) كانت كبرياء رجولته الجريح تجعلها
تدفع ثمن اكتشافها ضعفه من خلال التمثال . وقال: (( كوني
فتاة طيبة ولا تخبري لورين بهذا. إنها تعتقد إنني أسد لا
يغلب. وأنا اكره أن أبدد تصوراتها هذه. ولكن إياك أن
تقللي من شأني يا ساشا أو تظهري ذرة شفقة , و إلا
سحقتك بنفسي . أحياناً أظن أنك الملهم الوحيد للحركة
لدي في البيت اللعين. ))
دقت ساعة الحائط دقة واحدة ممتدة جعلتها تسخر من
دقات قلبها هي المفاجئة. ولكن , لماذا؟ ألأن رجلاً جذاباً
قال لها المديح؟ وأي مديح ذلك ؟ وكادت تقفز ذعراً عندما
أطلق الهر فجأة مواء ممدوداً وهو يقفز على كتف ريكس من
مكان ما .
ضحكت بصوت مرتجف وهي تعجب لهدوء ريكس
وبروده وهو يحاول أن يفك الحيوان المتمسك به من حول
عنقه وهو يقول: (( هل جربت لحم القطط المشوي؟ )) كان
صوته الجاف يحمل السامع على الظن أنه يعشق هذا النوع
من الطعام , بالنسبة إلى هذا الهر فقط , على الرغم من أن
يديه القويتين تينك, كانتا بالغتي الرقة في معاملتهما
للحيوان. ولطفت عيناه الضاحكتان من ملامحه الحادة في
ذلك الوجه الوسيم وهو يقول: (( أو ربما هو يفضل أن يحنط
ليصبح مومياء . ))
بادلته ساشا الضحك وهي تقول: (( لا أظن أن لورين
سيعجبها سماع هذا منك. )) وشكرت في سرها وجود هذا
الهر لتلطيف الجو بينهما, بينما وثب الهر من بين ذراعيه
إلى طاولة متوارية خلف المقعد. وتابعت تقول وهي تهز
كتفيها متوجهة نحو الباب : (( أوه ... على كل حال ... ))
لكن صوته العميق سمرها في مكانها قائلاً: (( انتظري
دقيقة واحدة. لقد دخلت المكتبة لآخذ كتاباً , ولكن يبدو أن
ثمة من وضعه بعيداً عن متناول يدي.. ذلك الكتاب
السميك... )) وأشار إلى صف من الكتب عبر الغرفة مقابل
المدفأة وهو يتابع: (( إنه على الرف الثالث فوق الخزانة.
كوني فتاة طيبة وانزليه إلي. ))
لماذا تبعث نبرات صوته الرجفة في أوصالها؟ وبينما
كانت تتوجه نحو كتاب وهي تتذكر ما سبق أن أخبرتها به
دي, من أنه يرفض تلقي العون من أحد. هل هو يستثنيها من
ذلك؟ تساءلت في نفسها وهي تبعد شعورها السخيف
بالدفء عند هذه الفكرة, وهي تنزل الكتاب الثقيل الوزن من
على الرف .
قال لها وقد لاحظ فضولها في قراءة إسم المؤلف: (( هل
سبق لك أن قرأته ؟ )) وهزت رأسها قائلة: (( لا, ولكنني
قرأت أحد كتبه عندما كنت في الجامعة , لا بأس به ولكن
ليس فيه ما يثير. ))
قال: (( أوه. ولكن ما هو الذي يثيرك يا ساشا ؟ ))
كان يعني ثقافياً, بالطبع, فلماذا توهجت وجنتاها
وارتجفت يداها وهي تناوله الكتاب؟ تساءلت بصمت راجية
ألا يكون قد لاحظ ذلك . وكان يمكن هذا الأمر أن يمضي لولا
أن اندفع الهر بين قدميها في الوقت الذي كانت تخطو فيه
إلى الخلف. و بصرخة فزعة, سقطت على ذراع المقعد وهي
تحاول أن تتمسك بأي شيء قبل أن تسقط .
أدركت عند ذاك بخجل إنها كانت قد تمسكت بكم ريكس,
وأن ذراعه القوية هي التي أسرعت تحميها من السقوط .
قال: (( هل أنت بخير ؟ ))
قالت: (( إنني لا أرتجف . إنني ... )) ونظرت إليه وقد شعرت
بأحاسيسها تذوب عند نبرات صوته: (( إنه الهر, لقد
أفزعني. ))
قال: (( أنت كاذبة )) وفي اللحظة التالية , كان يجذبها إليه
ليحتضنها بذراعيه القويتين .
لم تستطع إلا أن تستسلم ليموت لديها أي إحساس آخر.
وحلقت بها المشاعر عالياً فوق سحب , سحب الألم
والشعور بالذنب والخيانة والغدر والعذاب .
ما لبثت أن تنهدت وهي تقاومه بكل قوتها لكي تتخلص
منه وهي تقول: (( كلا . لا أستطيع. ))
لقد كانت الرغبة في ملامح ريكس, كما بدت في ملامحها
هي .. رغبة هي مزيجه بالارتباك , وما لبثت أن شاهدت
البرود في وجهه الذي بدا وكأنه نحت من الرخام , وهو
يقول بصوت جاف: (( إنني آسف. لم أدرك كم هو مثير
للاشمئزاز في نظرك أن يقبلك رجل معوق. ))
أجفلت وهي تساءل ... هل هذا ظنه بمشاعرها؟
وضعت يدها على فمها وهي تقول متلعثمة: (( ليس الأمر
هكذا... أعني إنني...))
اضطربت أنفاسها مثله, وهي ترى برودة المشاعر في
عينيه . لقد دفعها اليأس والشعور بالذنب وتبكيت الضمير,
إلى الهرب منه لتصعد إلى عزلتها في غرفتها الخاصة .
وتساءلت في نفسها كيف استطاعت أن تسمح له بتقبيلها
في هذا الشكل؟ أن تتجاوب معه في حين ما زالت تحب بن.
تساءلت عن ذلك يكتنفها شعور تبكيت الضمير وقد استندت
إلى الباب وأغمضت عينيها. لقد سبق أن عاهدت نفسها على
أن لا تتورط في حب آخر مرة أخرى . هل هي بهذه الخفة ؟
ألم يعن لها بن شيئاً كثيراً؟ ... وبعد ما كانت مسؤولة عن
موته... تعود لتشعر بهذا الإنجذاب القوي نحو ريكس
تمبليتون ؟
لم تكن تريد حتى مجرد التفكير في هذا. وأرغمت نفسها
على الاغتسال راجية أن يهدئ الماء الدافئ من مشاعرها
المضطربة وينسيها ما حدث. ولكن الذي لم تستطع تجاهله
هو أنها شعرت معه برغبة لم تشعر بها من قبل نحو أي
إنسان .
عندما نزلت في الصباح التالي إلى غرفة الطعام لتناول
الإفطار , لم تجد لـــ ريكس أثراً ولا لـ لورين كذلك. ولم تجد
ساشا إلا الظن أنهما لا بد قد خرجا معاً .
لماذا إذاً أخذها بين ذراعيه إذا كانت رغبته واضحة في
تلك الفتاة الأصغر سناً ؟ وانتابها شعور رفضت أن تسميه .
هل كانت هي بالنسبة إليه مجرد شيء يتسلى به بعد خصامه
مع ابنة عمه الجميلة؟ فقط ليرضي زهوه برجولته الذي
ضعف بعد الحادث لذي أصابه... ليرى إن كانت تتجاوب
معه, ذلك التجاوب الذي كان حقيقة, إلا إذا كان هو لا يزال
يفسره في الشكل الذي جابهها به أمس ؟
حسن, فليستمتعا معاً!.. ولكنها شعرت بالألم لهذه
الفكرة. ولكي تنسى كل هذا, اعتذرت إلى والدة ريكس عن
عدم شهيتها لإكمال إفطارها واعتذرت أيضاً راجعة إلى
غرفتها.
كانت لا تزال تفكر في ما إذا كانت ستبقى في غرفتا تلك
أو تنزل إلى عملها, أو تذهب إلى المدينة, عندما سمعت
فجأة مواء لهر من خارج نافذتها التي اعترضت طريقه فلم
يستطع العودة .
أطلت من نافذتها. كان الهر جاثماً على الإفريز الذي يمتد
تحت نافذتها. وكانت عيناه المتسعتان ومواءه المتألم
شاهداً على أنه كان خائفاً .
ضحكت وهي تخاطبه قائلة: (( لقد تكبدت الآن ما ليس في
طاقتك, أليس كذلك ؟)) ولكن ما الذي جعله يصعد إلى هناك؟
إلى هذا العلو عن الأرض؟ لا يمكن أن يكون هذا قد أتى من
الداخل, ذلك أنها قد رأت السلم المتحرك الذي يستعمله
منظفو النوافذ, هذا الصباح, فأغلقت النافذة لكي ينظفوها
قبل أن تنزل إلى غرفة الطعام. إلا إذا ...
عادت تخاطب الهر وهي تتذكر حادثاً مماثلاً لهر آخر:
(( لقد تسلقت السلم إذاً ولم تستطع النزول , أليس كذلك. ))
أجابها هو بمواء ممتد نائح. وبعد عدة كلمات مشجعة
محاولة أن تستدعيه إلى الدخول, رأت أن الهر كان من
الخوف بحيث رفض الحراك, فلم يبق أمامها سوى خيار
وأحد هو أن تخرج إليه بنفسها لإمساكه .
فكرت في أن الأمر سيكون على ما يرام إذا هي لم تنظر
إلى أسفل. وظلت تذكر بهذا بينما كانت تخرج من
النافذة لتحبو على يدها وركبتيها على امتداد الإفريز
وطمأنت نفسها إلى أن عرض الإفريز هذا كان كافياً
للسماح لها بالزحف عليه. لقد كان الخوف فقط من مجرد
التفكير في هذا العلو .
لكن السروال الجينز الذي كانت ترتديه كان يعرقل زحفها
وحبست أنفاسها وأغمضت عينيها بعد إذ سقطت قطعة من
الإفريز لتطير شظاياها على المدخل في الأسفل محدثه
قرقعة شديدة. ولكنها ما لبثت أن وصلت إلى الحيوان
المذعور لتمد يدها إليه تمسك جسمه ثم تشد جسمه الصغير
المتصلب إلى جسمها, لتقفل عائدة على الإفريز نحو
نافذتها .
صك سمعها هدير محرك لتختلس نظرة إلى أسفل. كانت
ثمة سيارة رياضية زرقاء تصعد الطريق. وكان ريكس
وإلى جانبه لورين عند المقود .
سمعت السيارة تتوقف , ثم أصواتاً وإغلاق باب بعد فترة
ولكنها لم تنظر إلى أسفل إلى أن وصلت إلى نافذتها
انتصبت واقفة . ولكنها عند ذاك, تمنت لو لم تنظر إلى أسفل
وترى لورين وكليم ينظران إليها غير مصدقين, و ريكس
مستنداً إلى عكازيه يمط جسمه إلى أعلى بنظرة شخص مذبوح
جاءها صوته: (( ماذا تفعلين عندك هناك؟ )) كان غضبه
مخفياً بقدر ما كانت مغامرتها على ذلك الإفريز . كان صوته
واضحاً قوياً إخترق الجو وهو يأمرها: (( عودي إلى الداخل.))
لم تكن هي بحاجة إلى أن يأمرها بذلك لكي تدخل
وتستمتع بملمس السجادة تحت قدميها في غرفتها.
قالت تخاطب الهر: (( لو لم أكن أعلم أنك حيوان أعجم,
لظننتك تعمدت ذلك لكي تجعله مجنوناً من الغضب علي.))
وكان الهر في هذا الأثناء قد قفز مختبئاً تحت سريرها حال
دخول الغرفة. وعندها فقط أدركت أنها كانت ترتجف.
وتساءلت بدهشة عن السبب, فهي لم تكن تشعر بكل ذلك
الخوف, أم أن ذلك نتيجة غضب ريكس الذي جعل ساقيها لا
تقويان على حملها . وفكرت, حسن , إنه على الأقل لا يستطيع
الصعود لصب غضبه على رأسي. وساورها الإحساس
بالذنب لشعورها بالارتياح لعجزه ذاك ...
قرع الباب لتدخل شيلا والدة ريكس لتخبرها أن ثمة
اتصالاً هاتفياً من غايفن .
أخبرها هذا أنه عاد إلى منطقة سافولك وسألها إن كان
يستطيع أن يأتي ليأخذها في خلال نصف ساعة .
قالت له: (( هذا عظيم .)) كانت لا تزال تلهث, وسرت إذ لم
يسألها عن السبب, فهي لم تشعر بدافع إلى أن تخبره به ,
كذلك لم تشأ أن تذكر له شيئاً عن تأثرها بــ ريكس.
عندما وضعت السماعة, ولاحظت البقع الكلسية على
ركبتي سروالها نتيجة الزحف على إفريز النافذة, أسرعت
تبدل به سروالاً ليموني اللون وقميصاً يناسبه قصير
الكمين , ثم أسرعت تهبط الدرج لتنتظر غايفن خارجاً , غير
راغبة في رؤية أحد .
كانت على وشك الوصول إلى الباب الخارجي من دون أن
ترى أحدا , عندما رأت الباب الذي يفضي إلى الردهة
مفتوحاً , وصوت ريكس يصل إليها من خلاله خشناً قاسياً :
((ساشا تعالي إلى هنا .))
توقفت كالميتة وقدا ازداد خفقان قلبها . وجف فمها
فجأة . هل هو يعرف ما هي بسبيله من طريق والدته أو
لورين أو أي شخص آخر من المستخدمين ؟
شعرت بالهلع لهذه الفكرة في شكل غريب . وجذبت نفساً
عميقا ً ثم دخلت .
كان في غرفة مكتبه التي لم ترها من قبل . جالسا ً وراء
المكتب . فلم يرفع نظره إليها ساعة دخولها إذ كان مستغرقا ً
في وضع أوراق في أحد الأدراج . وكان ثمة مكتب آخر
تكهنت ساشا بأنه لاستعمال دي .. بينما كان خلف ذلك
غرفة صغيرة للسجلات ورفوف عليها أكداس الأوراق
لتبدو هذه الغرفة وكأنها خلية نحل للمشاريع التجارية . مع
أن كان ما كان مسترعيا ً انتباهها في تلك اللحظة هو صوت
إقفال ذلك الدرج وشدة توتر ملامح ريكس بعد ما رفع نظره
أخيراً إليها . (( أي شيطان دفعك إلى هذا العمل ... إذ تزحفين
على ذلك اللإفريز الخطر ؟))
كان يتكلم بغضب مكظوم عندما ابتدأت تجيب : (( لإنقاذ
هر لورين ...)) خبط بيده على المكتب بعنف أصعقها من
الخوف , وهو يقول ساخراً : ((إذاً فأنت خالية تماماً من
الشعور الغريزي بحفظ الذات . إنك تعتقدين , كما أرى , أن في
إمكانك أن تستغفليني , على كل حال , إذا كان في نيتك قتل
نفسك , فهل تتفضلين عليّ بأن لا تنفذي ذلك في بيتي ؟ ))
تضرج وجهها وعنقها وهي ترد عليه بغضب مدافعة عن
نفسها : (( لقد تسلق الهر السلم ... ))
قال متهكماً : (( وأنت الإنسانة ذات القلب الرقيق كان عليك
أن تخرجي لإنقاذه ! ))
قالت : (( نعم ))
قال : (( أيتها الحمقاء ألا تدركين كم هو قديم هذا البناء ؟
وكم هي خطرة تلك الأفاريز ؟ أخرجي وانظري إلى شظايا
الأحجار المتناثرة على طول المدخل إذا كنت لا تصدقين . ))
ارتجفت ساشا , لا تريد أن تتصور ما الذي كان يمكن أن
يحدث لها . على كل حال , فهي لم تعط ريكس الحق في أن
يكلمها بهذه اللهجة .
قالت : (( إنني آسفة . سأنظفها بنفسي إذا كنتم تعطوني .. ))
قال : (( لا تحاولي تغيير الموضوع . ))
قالت : (( حسن لم يكن في استطاعتي تركه هناك . لقد كان
مذعوراً . ))
قال : (( كان عليك أن تطلبي من كليم أو أحد الخدم أن
يقوم بذلك , بدلا من أن تزحفي على الإفريز بنفسك زحفاً
على يديك وركبتيك كأبطال القصص . ))
قالت تجادله معارضة إرادته العنيدة وقد بان التصميم
على وجهها : (( ربما كان سيقع في أثناء ذلك وقد .. ))
قال : (( إنه ليس بمثل ذلك الغباء ))
فكرت في انه يعني أنها كانت هي بمثل ذلك الغباء .
تقابلت أنظارهما عبر المكتب لتحبس أنفاسها وقد
عاودها ذلك الإحساس الغريب البطيء بالانجذاب إليه ,
الشعور بالذنب وتبكيت الضمير اللذان شعرت بهما وهي معه
ليلة أمس ... ولو أنها تمعنت في الأمر بصدق , لعلمت أن
سبب ترحيبها بالخروج مع غايفن , هو لوضع حد لانجذابها
هذا نحو ريكس ...
لكن برغم كل هذا , فهي لا يمكن أن تتجاهل هذا الإنجذاب
قال : (( يا لك من فتاة تجازف بحياتها لإنقاذ هر لا تعرفه . ))
رفعت ساشا رأسها ببطئ وقد أفصحت نظراتها عن
مشاعرها التي كانت تجاهد بيأس لتجاهلها .
(( إنني أعلم أنك سبق أن اعتبرتني غبية . ))
فتوترت ملامحه وهو يقول ببطئ متهكماً : ( وهل ثمة سبب
يدعوني إلى ذلك ؟ )) ومضت لحظات كانت ساشا تفكر فيها
في ما يعنيه . هل كان ذلك بسبب ما حدث بينهما ليلة أمس
لأنه اتهمها بعدم رغبتها في تقبيل شخص معوق مثله ؟
شعرت برغبة عارمة في أن تنكر ذلك , وفي أن تخبره أن
ذلك ليس صحيحاً أبداً . ولكنه لم يأت على ذكر الليلة السابقة
ولم تجد هي ثقة كافية في نفسها لتثير ذلك الموضوع
بنفسها . وهكذا كل ما قلته بصوت حاولت أن يكون ثابتاً
هو : (( كلا . )) وشعرت باليأس إذ أدركت مبلغ برود هذا
الجواب مما جعلها تشعر أنها لم تفعل أكثر من أن أثبتت
اعتقاده بذلك
أخذت ترقبه يائسة وهو يقرع بقلمه الذهبي على المكتب
بنفاد صبر , وهو يقول : (( ما لذي تعتزمين عمله اليوم ؟ ))
كان وجهه الآن خالياً من التعبير , مما جعلها تتردد خائفة
من أن تخبره عن موعدها مع غايفن . عاد هو يقول ( إن
لورين ستذهب لركوب الخيل بعد الظهر , فهل تريدين أن
تنضمي إليها ؟ ولا حاجة إلى القول إنني لن أشارككما تلك
الرياضة البسيطة , ولكننا اتفقنا على أن نتناول الغداء في
القرية . هذا إذا شئت ذلك طبعاً . ))
ترددت ساشا وهي تتساءل عما إذا كانت هذه الدعوة
جاءت منه وحده , ذلك أنها لم تكن تتصور أن لـــ لورين إرادة
في ذلك . لقد كانت مصممة هي أيضاً على أن تذهب بنزهة
على ظهر الحصان منذ أخبرتها شيلا أنه يمكنها ذلك , ولكن
ليس بمرافقة لورين فاراداي وهكذا رسمت ابتسامة مهذبة
على شفتيها ثم قالت : (( أشكرك . ولكنني سبق أن وضعت
خطة لهذا النهار . ))
كأنما كان تأكيداً لما تقول , سمع صوت سيارة غايفن
التابعة للشركة , تصعد الطريق وتقلصت شفتا ريكس عندما
وقفت السيارة قرب النافذة . وهمهم قائلاً وهو يرى الرجل
يخرج من السيارة : (( هكذا إذاً . من الواضح أن مفاهيمك أقل
كثيراً مما كنت أفترض فيك . لقد ظننت أن مبادئك هي أسمى
من أن تحاولي جذب اهتمام شخص مادي عادي الطموح
مثل تشيز . ))
كان في صوته , وهو يستدير بكرسيه حول المكتب ,
مرارة ملحوظة . مما استفز ساشا لتقول بحرارة : (( إنني لم
أحاول جذب اهتمامه . ))
التوت شفتاه بسخرية قاسية وهو يقول : (( كلا؟ هل تريدين
القول إنك لم تحاولي جذب اهتمامي؟ ))
قالت : (( ذلك شيء مختلف . كان مصادفة . فقد تعثرت
قدمي . ))
قال: (( لتقعي بن ذراعي مباشرة , أليس كذلك ؟ )) وضحك
بخشونة مما جعلها ترتعش. وتابع قائلاً: (( حذار يا ساشا.
بعض المصادفات يمكنها إحداث ردة فعل قد لا
نستسيغها .))
تساءلت عما يريد أن يقول من وراء ذلك, وقد شعرت بذلك
التجاذب بينهما يمتد ونظراته تستقر عليها. فقالت وقد
توهجت وجنتاها: (( هل هذا كل شيء؟))
لم يتنازل بالرد عليها, وإنما ألقى عليها نظرة قاتلة
جعلتها تركض هاربة من المكتب لا تلوي على شيء
سألها غايفن وهما يبتعدان بالسيارة عن المنزل: (( كيف
تسير بك الحال؟ ))
كانت ساشا مسترخية في مكانها شاعرة بالسرور.
وفكرت في أنها محقة في الخروج بصحبته, فقد كان حرياً
بأن يصرف ذهنها عن ريكس . وهو لا يتدخل في تصرفاتها
الخاصة كما يفعل ذاك .
قال بعد ما حدثته عن كل ما حدث لها: (( هذا رائع. ))
غير أنه لم يظهر اهتماماً شديداً في شكل مباشر.
وأدركت هي السبب عندما قال: (( حسن, ولكن الذي أريد أن
أعرفه حقيقة هو نوع الحياة مع آل تمبليتون. )) وابتسم لها
غامزاً بعينه وهو يتابع: (( ألم تحصلي لي على دعوة منهم
بعد؟ ))
كان يمزح بطبيعة الحال, ولكنه مع هذا شعرت بشيء
من الخيبة . وقالت متكلفة الضحك: (( هل هذا هو سبب طلبك
مني الاتصال بك ؟ ))
انفجر ضاحكاً وهو ينظر إليها قائلاً: (( هذا طبيعي. ))
ولكنة عاد يقول: (( لا تكوني حمقاء. فأنا معجب بك جداً يا
ساشا مورغان. ))
انكمشت في جلستها عندما راح يقلد لهجتها الأمريكية
شاعرة بعدم الارتياح كذلك من أن يأخذ هذه العلاقة بينهما
على محمل الجد. ولا بد أن شيئاً من أفكارها هذه بدا على
ملامحها. إذا قال فجأة: (( إنني لا أريد التورط إذا كان هذا ما
تخشينه, وإنما أريد ما تريدينه أنت. أعني المرح
والاسترخاء بقدر ما أستطيع. ))
لم تكن هي تريد شيئاً آخر غير هذا, ذلك أنها كانت لا تزال
تعاود إصلاح وتنظيم حياتها المشتتة المهشمة, وتمتمت:
(( وأيضاً تقديمك في شكل رسمي إلى ريكس تمبليتون .))
قال: (( بالتأكيد)) وابتسم وقد شغل بملاحظة الطريق عن
التوتر الفجائي الذي أصابها. وتابع قائلاً: (( ربما تقديمي
إلي تلك الشقراء الرائعة التي رأيتها تعبر مدخل المنزل. ))
ونظر إليه بمكر وهو يتابع: (( إنني أمزح فقط طبعاً. ولكن
من تكون هي؟ ))
كان سؤاله يعبر عن اهتمام حقيقي كما تكهنت ساشا.
وعندما أخبرته عنها. صفر بفمه قائلاً: (( إنها إذاً لورين
فاراداي ؟ وأنت تقولين إنها تأتي لزيارتهم في عطلة نهاية
الأسبوع؟ يا لها من ابنه عم رائعة ... سواء كانت ابنة العم
الثانية أو الثالثة أو أكثر من ذلك... فهي مناسبة جداً للسيد
تمبليتون. وهي تدر المال أيضاً ... وفي الحقيقة, لا شيء
أفضل من حفظ المال في الأسرة. أليس كذلك؟ ))
كان رأيه يتلاءم في شكل فج , ورأي دي. فلماذا شعرت
بالضيق من كلامه هذا؟
قالت وقد شعرت بالرغبة في الجدال: (( كيف تحكم على
إنسان من أول نظرة؟ ربما هو لا ينظر إليها بتك الطريقة
التي تظنها أنت؟ ))
قال وهو ينظر إليها بعينين مزويتين: (( أوه . لقد فهمت,
هل هذا ما ترجينه أنت؟ ))
قالت: (( لا تكن سخيفاً. طبعاً هذا غير صحيح. )) وإذا كانت
خفقات قلبها قد ازدادت , فذلك فقط بسبب ضيقها من كلامه
هذا .
قال بلهجة شبه مقنعة: (( ولكنه غني. ))
أشارت بيده رافضة كلامه وهي تقول : (( هذا لا يعني
شيئاً بالنسبة إلي. ))
عاد يقول: (( وهو أيضاً وسيم الطلعة.)) فأشارت بيدها
مرة أخرى بالمعنى ذاته وهي تقول: (( إنها وسامة سطحية.))
قال مرة أخرى: (( إنني لا أعرف امرأة استطاعت مقاومة
جاذبيته.))
بدت في نبرات صوته الغيرة وهو يقل ذلك .
قالت: (( حسن, إنني أستطيع المقاومة.)) لماذا احتاج
الأمر كل هذا الجدل منها لكي يقتنع؟ هل ألأنها كــانت هي
نفسها مقتنعة بجاذبيته الطاغية؟ تلك الجاذبية التي كادت
تحرقها ليلة أمس؟
تنفست بعمق ثم غيرت الموضوع. لم تكن تهتم بــ ريكس
تمبليتون في شكل خاص, فلماذا كل هذا الجدل حوله ؟ إنها
خرجت مع غايفن لترتاح وتشعر بالبهجة , أو على الأقل
لتغير من مجرى أفكارها. كانت تفكر في كل ذلك لتدرك في
ما بعد عندما أعادها غايفن إلى المنزل أنها لم تستمتع
بشيء مطلقاً . وكان عبثاً أن تتظاهر بأنها لا تعرف السبب .
كان تأثير ريكس فيها أشد عمقاً مما أرادت أن تعترف,
وقد تكدرت جداً مما حدث بينهما مؤخراً في غرفة المكتب.
لقد جرحتها شكوكه في الصميم, وهي تعلم أن سبب ذلك
يعود إلى ما حدث الليلة الماضية. ومع ذلك فهي لم توضح له
الأمر ولو بعد مليون سنة. ذلك أنها قبل أن تفعل هذا, عليها
أن تعري روحها.. أن تخبره بكل شيء. وذكرياتها كانت
تعذبها إلى أقصى حد. وكان ذنبها أكبر من أن تشارك فيه
أحداً, وخصوصاً رجلاً مثله .
(( نهاية الفصل الثالث ))


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 02:01 PM   #5

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 02:02 PM   #6

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 02:03 PM   #7

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس

تتابعت الأيام وعجبت ساشا وهي ترى إنها قد أمضت ,

حتى الآن , حوالي ثلاثة أسابيع في منزل ( الاستراحة)

وفي انكلترا نحو أربعة أسابيع .

لم تستطع ساشا , حتى الآن , الإتصال بأمها. و لما كانت

تعلم أن سوزان وسايروس كونواي , والدتها وزوجها , قد

أصبحت عودتهما إلى البيت متوقعة في أي وقت الآن , لتنتهي

كل معاملاتها المالية ورسومها الجدرانية كذلك, فقد شعرت

بالألم يعتصر قلبها وهي تفكر في أنه لن يبقى أمامها ما

يجعلها تقيم بذلك البيت بعد ذلك. وفكرت في إنه حتى ذلك

الحين , تكون الأيام التي أمضتها فيه في منتهى السعادة,

وخصوصاً الأماسي بعد العشاء , عندما كانت شيلا والدة

ريكس تذهب إلى الإسطبلات لتفقد الخيول أو لتراجع آخر

التقارير عن مختلف الجمعيات الخيرية التي كانت مشتركة

فيها, لتبقى هي , ساشا , و ريكس وحدهما .

كانت وحدها تلك الليالي التي كانت ساشا تتطلع إليها

وإلى ما كان يتخللها من مساجلات طويلة تشمل المواضيع

الذهنية والمرحة بينها وبينه كانت أحياناً تمتد ساعات

طويلة .

لم يكن من عادتها من قبل الإستمتاع بالحديث مع أي

شخص كان أو الاستماع إليه بهذه الكثرة. وكانت إذا ما

حانت لحظة الافتراق لتذهب إلى فراشها , تحس بلوعة

غريبة . ولكن كانت بينهما دوماً نظرات صامتة وتلميحات

وضحكات أو حتى تأوهات . أحاسيس عاطفية مشتركة

على الدوام تجمع بينهما , وكانت تنذر أحياناً بالانفجار.

وكانت تعرف أنها إذا هي تجاهلت هذا الإنذار وبقيت , فأن

إرادة ريكس الحديدية ستنهار ويتوقف عن الحديث لتجد نفسها

متورطة في مشاكل مع رجل قد سبق أن ارتبط جزئياً بامرأة

أخرى , إنها مشاكل لا تريدها وليس لها طاقة على

مقاومتها .

من الغريب أن القدرة على كتابة قصص الأطفال التي

كانت قد ظنت أنها ماتت مع موت بن, قد عادت فجأة بكل

زخمها لتجد نفسها أمام فكرة جديدة لكتاب من كتبها

الصغيرة. لقد فشل كتابها الأخير , لأن موضوعه كانت

تنقصه الحياة تماماً كما كان شعورها هي في ذلك

الحين. لقد أفعمتها روح منطقة سافولك الريفية بالإلهام ,

لتسبغ على عملها حيوية خلاقة, تماماً كذلك القمح

الأسطوري الذي يبعث في حياة جديدة . ولكنها في

أعماقها, كانت تعلم أن السبب لم يكن ذلك فقط , كان

مصدر ذلك الإلهام أقوى من أن يكون مجرد جمال

الطبيعة , كان شيئاً جديداً وأشد خطورة من أن تعترف

به... حتى لنفسها. ولكن لم تعد الحياة مجرد ساعات

عليها أن تمضيها. لقد أصبحت معه تشعر بالحياة حقاً

كان الشعور مصدر سعادة لها. برغم أن غايفن تشيز

كان قد حاول . عندما ذهبت معه ذات يوم إلى السباحة في

المدينة, أن يثبط من روحها تلك حين قال: (( ما الذي

تقصدينه بقولك إنك لا تستطيعين تناول الغداء معي لأنك

تتناولينه مع ريكس تمبليتون؟ )) ثم خرج من حوض

السباحة ليتبعها مجتازاً الأرضية المبللة , وقد شعر

بالغيظ من رشراش المياه والصرخات التي تتعالى من

السابحين. وقبض على ذراعها يمنعها من الوصول إلى

غرفة تغيير الملابس وقد بان عليه عدم الرضى عن

خططها لليوم التالي, وقال: (( منذ متى؟ لا أظنك متورطة

معه, أليس كذلك؟ إذا كنت حقاً فأنت إنما تتصرفين

بحماقة, ذلك أن من المعروف عنه ميله إلى ابنة عمه

الجميلة, والشيء الوحيد الذي يمنعه من الارتباط بها هو

إعاقته, حسن, إنك تعلمين حالته. ))

حاولت ساشا أن تتملص منه غير راغبة في الحديث عنه

أو عن لورين. ولكن غايفن لم يتركها تذهب وبقي مصراً

على متابعة حديثه ليقول: (( من الواضح إنه كان جاداً في

علاقته مع فتاة ابتدأت منذ أكثر من أربع سنوات قبل الحادث,

ولكن يبدو أنها تركته لتعمل في وظيفة في الخارج, عندما

علمت أنه قد لا يستعيد قدرته على السير مرة أخرى , وكانت

لورين الجميلة تنتظر بلهفة جمع الشمل, فلا تحاولي أنت حل

هذا الرباط العائلي المتين. ))

قالت ساشا وهي تسحب ذراعها من يده بقوة: (( ومن قال

إنني أحاول ذلك؟ مسكين ريكس. )) وشعرت برجفة لم يكن

سببها فقط الشعور بالبرد بسبب قطرات الماء الباردة التي

تتساقط على كتفيها من شعرها المبلول. كيف أية

امرأة أن تكون بتلك القســــوة ؟

عاد غايفن يقول بجفاء وعدم ذوق كما رأت ساشا: ((لا

أظنه مسكيناً, قد تكون عديمة الخلق حقاً . ولكن ذلك لا

يعطيه الحق في أن يحاول أن يستحوذ على مودة فتاتي

وحنانها , في حين أنه غير مؤهل كفاية كما هو حاله الآن .

فإذا كنت ستأتين إلى لندن للتسوق غداً , فيمكنك المرور

عليّ في مكتبي أنا , وليس مكتبه . ))

قالت وهي تشعر بالضيق من الماء المتناثر من جراء قفز

إثنين من المراهقين إلى حوض السباحة : (( كلا , لا استطيع

يا غايفن . إنني أحب الوفاء بالوعد . ))

كانت تريد بذلك أن تظهر له , ببساطة , جانباً من مبادئها

في الحياة . بينما كانت تتذكر شعورها عندما دعاها ريكس

ذلك الصباح , والذي كان أشبه بشعور فتاة مراهقة عند أول

موعد لها . وعادت تقول وقد عادت ترتجف : (( يمكنك أن تفكر

في ما إذا كنت أنا فتاتك , ولكنني إذا أطلت وقوفي معك , فقد

أصاب بالتهاب رئوي . )) وضحكت وهي توسع الخطى لتغير

ملابسها .

في الصباح التالي , ركبت القطار إلى لندن لتطوف على

محال شارع اكسفورد . ولهذا فعندما وصلت إلى بناية

تمبليتون التجارية الواسعة , كانت مثقلة بحملها من أكياس

مشترياتها المختلفة .

جاءها صوت ريكس : (( مرحبا ً , يا ساشا . يبدو عليك أنك

أمضيت صباحاً طيباً . )) وخرجت دي من المكتب حيث كان

ريكس يتحدث في الهاتف , لتسألها إن كانت ترغب في

فنجان من القهوة في أثناء الإنتظار . وغاب صوت ريكس

عندما أغلقت دي باب المكتب , ولكن نبرات صوته العميقة

تركت في نفسها أثراً جعلها لا تفكر في طعام أو شراب .

قالت تجيبها : (( لا , شكراً يا دي , سأنتظر إلى حين موعد

الغداء . (( وابتسمت للمرأة وهي تغوص في المقعد الوثير .

كان على شفتيها مسحة من الصبغة هي كل ما كان على

وجهها من زينة . وكانت قد أعادت صبغ شفتيها في آخر

محل كانت فيه , وذلك لكي تبدو في نظر ريكس في أجمل

مظهر . ولكنها الآن وهي ترى ملابس دي التي هي في غاية

الأناقة , أخذت ترى بساطة ملابسها التي كانت مكونة من

تنوره زرقاء واسعة وقميص أبيض وخفيّن .

جاء صوت ريكس الآمر بنبرة جافة متفكهة : (( هل ابتدأت

الزائرة بتدمير مكتبي , يا دي ؟ أدخليها قبل أن يحدث مالا

تحمد عقباه . ))

قالت دي مازحة : (( حسن , ذكريه بأنك لم تبدئي بالعمل

تحت إمرته بعد . أو أنك على الأقل ا تقبضين راتباً من

مكتبه ... )) وضحكت مما يدل على نوع العلاقة الحميمة التي

تربط ريكس بموظفيه .

ابتسم لــ ساشا وهو ينظر إليها , من وراء مكتبه المصنوع

من خشب الجوز قائلاً : (( صباح الخير . )) وتسارعت دقات

قلبها وهي تراه في بذلته الداكنة الرائعة , قاسياً خطراً كما

ينبغي لملك الوسط التجاري أن يكون ... الملامح القوية

المسيطرة تلك , كانت تلطفها ابتسامته العاطفية المشرقة .

قالت تعارضه شاعرة بالسرور بذلك : (( لم يعد الوقت

صباحاً بل هو بعد الظهر . )) ورفع هو حاجبه بمكر , إذا كان

يدرك طبعها ذاك , ليلقي بنظرة إلى ساعته وهو يقول بلطف :

(( هكذا إذاً . )) وأخذ ينظر إلى أكياس المشتريات في يدها

سائلاً : (( يبدو أنك اشتريت كل ما في شارع اكسفورد . ))

ضحكت , ولكن الاهتمام بمشترياتها كان يبدو على

وجهه مما أدهشها , وهو يشير عليها بالجلوس وينظر إلى

الأكياس التي وضعتها إلى جانب مقعدها في أثناء

جلوسها , ثم قالت : (( إنها فقط أشياء تفيدني في عملي .

فراشِ وريشات للرسم . دفاتر للتخطيط و ... )) وقاطعها :

(( وماذا أيضاً ؟ )) ونظرت إليه بعد إذ سمعته يضحك بهدوء

قائلاً : (( لا ملابس ؟ لا مجوهرات ؟ لا عطور ؟ )) وأخذ يمعن

النظر في بشرتها , في حاجبيها القاتمين وأهدابها السوداء

التي كان في طولها وكثافتها ما أغناها عن الكحل . وما

لبثت أن بدت في عينيه نظرة غامضة .

قالت وقد شعرت بالاستياء من فكرة احتمال أنه يقارنها

بــ لورين : (( إنني لا اهتم بمثل هذه الأشياء في شكل خاص . ))

قال : (( كلا . )) كانت هذا الكلمة هي كل ما قاله ولم تدرك

هي ما إذا كان محبذاً لذلك أم لا . ثم قال : (( لقد تحدثت إلى

أمي هاتفياً هذا الصباح حيث أخبرتني أنك أنهيت رسومك

الجدارية الليلة الماضية . ))

شعرت بشيء من الذهول لتغييره الموضوع فجأة , ثم

قالت ببساطة : (( نعم . ))

كانت قد أكملت عملها بعد عودتها من السباحة من غايفن

حيث بقيت إلى ساعة متأخرة من الليل , ولكن ريكس لم يعد

قط ليلة أمس على حسب معلوماتها . وتساءلت والألم

يعتصر قلبها , عما إذا كان قد أمضى ليلته مع لورين .

قال باختصار وقد بان الرضى على وجهه وهو يرتاح

باستلقائه إلى الوراء عاقداً يديه خلف رأسه : (( هذا حسن . ))

وكان قميصه الرقيق يبرز صدره القوي العضلات .

جرضت ساشا بريقها وهي تنظر إليه . كان من الصعب

عليها أن تصدق أنه يجلس على كرسي ذي عجلات . وقالت

بعصبية : (( إنك لم ترها بعد انتهائها . ))

قال وهو يحدق إلى عينيها بقوة جعلتها تخفض نظرها :

(( هذا صحيح . وقد لا تنال إعجابي أبداً ... وعند ذاك تكونين

مدينة لي حتماً . أليس كذلك يا ساشا ؟ ))

كان يمزح طبعاً , ولكنه بطريقة مثيرة جعلت ريقها يجف .

وأخذت ترقب حركات يديه المرنتين وهو يجمع أوراقه

المختلفة . كانتا يدين نشيطتين قويتين . وتصورت يده

تلامس وجنتها الناعمة .

قال : (( ما الذي تحبين أن تفعليه الآن ؟ ) فرفعت نظرها عن

يديه بسرعة وقد احمر وجهها وكأنما قد خشيت أن يكون قد

قرأ أفكارها . وقالت مستغربة : (( أن افعله ؟ ))

ألم يدعها إلى تناول الغداء معه ؟؟ وأجاب هو بشيء من

نفاذ الصبر : (( نعم . ذلك أنك لم تري بعد لندن كما يجب في

المدة القصيرة التي أمضيتها هنا . ولهذا أسألك إلى أين

تحبين الذهاب ؟ ))

تصاعدت خفقات قلبها وهي تجيب : (( إنني لا ... لا

أعرف . ))

لكنه كان يعرف . وهكذا طلب من كليم أن يأخذهما إلى

مطعم كان قد سبق أن حجز فيه مائدة لهما . وعلى شرفة

مشمسة تطل على نهر التايمز , تناولا غداء مؤلفا ً من

السمك والسلطة والخبز الطازج المحمص . وكانا

وحدهما لأن كليم , كالعادة , قد غاب عن الأبصار ...

وأخذا يراقبان المراكب وزوارق النزهة التي تنساب في

المياه المتلألئة تحت أشعة الشمس . وكان ريكس يطلعها

على أسماء الجسور التي تصل جنوبي المدينة بشمالها.

قال: (( لقد كنتم أنتم الأميركيين , قد أدعيتم ملكية جسر

لندن القديم, فأخذتموه إلى أريزونا عندكم.)) ولمعت عيناه

وهو يقطع السمك في صحنه, واستطرد: (( أخشى أن عليك أن

تذهبي إلى ولاية أريزونا في أمريكا لترى الجسر

الشهير. ))

وضعت ساشا يدها على صدرها تدعي خيبة الأمل , وهي

تقول: (( وأنا التي قطعت كل تلك المسافة لأرى الجسر هنا ؟

حقاً إن هؤلاء الأميركيين يستولون على كل شيء . )) ضحكت

وهي تلتقط نظارتها الشمسية , واستطردت: (( هل لديك أي

اعتراض على ذلك؟ )) فنظر إليها بابتسامة جانبية وهو

يقول: (( ليس في هذه اللحظة , و فضلاً عن ذلك فقد حصلنا

عليك.))

أخذت ساشا تحدق إلى صحنها, وهي تقول: (( هذا لا

يكفي للتعويض على الجسر.)) وضحكت.

قال: (( هذا يعتمد على وجهة النظر التي تتطلعين منها. ))

كان تعلم أن كلامه هذا لا يعدو أن يكون غزلاً بسيطاً .

ولكن, لماذا تسبب مثل هذا الغزل في جريان دمها حاراً في

عروقها ؟ وبعد , فهي لم تعد مراهقة , لم تعتد مثل هذا الغزل

والمزاح من الرجال. ولكن لم يحدث أن قابلت من قبل رجلاً

بهذه الجاذبية الطاغية التي ينضج بها ريكس تمبليتون ,

والتي كان من تأثيره فيها أن كان تجاوبها معه من دون

حدود .

تمتمت بكلمات لا معنى لها من دون أن تعرف بماذا ترد

عليه. وسمعته يقول: (( أتعلمين؟ إنك بالنسبة إلي فتاة

السادسة والعشرين من عمرها سبق لها أن كانت مخطوبة

سليمة النية إلى درجة مدهشة.))

ضحكت وهي تحاول أن تبدو بمظهر المشمئز برغم

شعورها بتورد وجنتيها: (( أنت مغازل خارج عن الحدود.))

قال بهدوء وعيناه تتفرسان في أعطاف جسدها الجذاب :

(( كلا, ولكنني رجل يقدر الجمال.)) وجعل صوته المتهدج

بالعاطفة أنفاس ساشا تنبهر. كان الهواء يعبث بخصلات

شعره بينما أشعة الشمس تتوهج على ملامحه الجذابة .

وكان من سحر عينيه الرماديتين أن جعلها تتمتم : (( وكذلك

أنا. ))

ارتسمت على ثغره ابتسامة دافئة وسرى بينهما

تيار قوي مخيف , جعل ساشا تحاول عبثاً تمالك حواسها

والظهور بمظهر طبيعي قائلة بسرعة وبصوت مرتجف:

(( ما الذي يدور في ذهنك بالنسبة لبقية النهار؟ ))

ألقى ريكس بالملعقة جانباً وهو يقول بابتسامة ماكرة:

(( إلى جانب رغبتي القوية في الجلوس معك والتحدث

مطولاً, فأنا اقترح الذهاب إلى المعرض الوطني بعد ذلك.))

لم يكن ثمة جواب في ذلك, ولا هي حاولت أن تجيب والسبب

هو ازدياد خفقان قلبها... وبعد ما اطمأن ريكس إلى أنها

نالت من الطعام الكفاية, خاطب كليم بالهاتف النقال في

حقيبته , ثم استدعى النادل ودفع الحساب .

مضى الوقت بسرعة بعد ذلك. برغم أنه كان عليهما أن

يدخلا المعرض من الباب الخلفي بالنسبة إلى كرسي

ريكس, فإنها لم تستطع إلا أن تعجب بقدرته على التغلب على

إعاقته ومصاحبتها ليشاركها تقديرها للرسم .

هتفت وهي تقف وجهاً لوجه أم لوحة كونستابل

المشهورة ( هاي واين ) تقول: (( أنظر إلى الجمال وقوة

الحياة في هذه اللوحة ...)) كانت نظرتها الفنية مفعمة

بالتقدير لمهارته في استعمال الألوان؛ اللون الأحمر واللون

الأبيض المتألقان, كانا علامته المسجلة في هذه اللوحة

التي كانت أشهر أعماله .

قالت: (( لا أستطيع أن اصدق أنني أمام لوحته هذه.))

كان في إمكانها البقاء أمام اللوحة إلى الأبد. وكانت قد

رأت هذه الصورة على تقاويم سنوية بلا عدد, ومطبوعة

على بطاقات بريدية, ولكنها لا يمكن أن تقاس بأصلها الذي

تراه أمامها .

كانت هذه زيارتها الأولى لهذا المعرض. ومع أنها

لم تظهر دهشتها علانية لاهتمامه بإحضارها إلى هنا, فقد

قدرت له هذا إلى أقصى حد. وعندما انتبهت فجأة, إلى

جلوسه بقربها كل ذلك الوقت, تمتمت تقول : (( إنني آسفة

ولكنني ... لا أستطيع أن أخرج الآن, فهل عندك مانع؟))

قال باسماً: (( إمكثي قدر ما تشائين.)) وهزتها رنة صوته

العميقة المتفهمة , ليس ثمة رجل آخر يمثل صبره , ما عدا

بن... وفكرت بدهشة أن وراء ذلك المظهر الفولاذي قلباً

حنوناً شعرت به في غير مناسبة . . لقد فتنتها شخصيته

المتعددة الأوجه وجذبتها من دون إرادة منه. فمن تلك

الجاذبية إلى روح النكتة على ندرتها عنده, إلى طبعه

الحاد... ثم تأتي تلك الناحية العملية الجافة, الرجل الذي

يصمم بحزم ومن دون هوادة , هذه الناحية جعلت منه

اليد المسيطرة وراء قصة أسطورية النجاح لمئات الملايين

من الجنيهات, وفرضت احترامه على أكثر الرجال احتراماً.

بينما كان آخرون مثلها هي يهابونه نوعاً ما. ولقد اعترفت

بذلك بصدق في أثناء عودتها بالسيارة تاركين المدينة

وراءهما .

عند وصولهما , قال ريكس بينما كان كليم يناوله

العكازين ليخرج بهما من السيارة : (( والآن, جاء دوري أنا. ))

فهمت ساشا أنه يعني رسومها الجدارية .

قالت بلهجة قلقة: ((لقد سبق أن أنذرتك بأنني لم أقم قبلاً

بمثل هذا العمل الكبير.)) كانت تفكر في ما عسى أن يكون

انتقاده لعملها ذاك, وهي تتبع كرسيه عبر قاعة حيث أنه لم

يكن قد رأى رسومها تلك منذ المرحلة الأولى . ولكنه أشار

عليها أن تسبقه نحو غرفة الحديقة بملامح خالية من

التعبير .

فكرت بينما كان يتوجه بكرسيه نحو غرفة الرسم في أن

هذا على كل حال بيته هو... و تساءلت عن شعور رجل في

مركزه ينتظر الآخرون الكلمة الفاصلة منه .

قال من دون أن يحول عينيه عن الرسم: (( أهذا حقاً ما

طلبت منك أن ترسمي؟)) كان صوته بارداً من دون تعبير مما

جعلها غير متأكدة من رأيه. وتابع هو قائلاً: (( حسن, إنه

يعكس شخصيتك بالتأكيد, طبيعية , عفوية, قوية العزم,

مغامرة...)) وتجهم وجهه وهو يرى عمل الفرشاة المسرف

في رسم النباتات النضرة, ورشاش الدهان الجريء لإبراز

حساسيتها نحو القمح الناضج. وفجأة استدار بكرسيه.

كانت تعابير وجهه مزيجاً من الحيرة و... ماذا؟ وفكرت,

هل هو لوم؟ عتاب؟ ... وغاص قلبها بين ضلوعها عندما

قال بصوت لا يكاد يختلف عن الغضب: (( لماذا, كنت تضيعين

وقتك...؟ ))

قطع عليه كلامه صوت أمه عند الباب وهي تقول: (( آسفة

يا ريكس... لم أدرك أنك قد عدت.)) كانت لورين معها وقد بدت

المرأتان غاية الأناقة في ثياب ركوب الخيل, وفكرت

ساشا في أن شيلا لا يمكن أن تدرك مبلغ خطأ التوقيت الذي

اختارته لمقاطعتهما. وأصابها الهلع من ردة الفعل عند

ريكس ومضت تتساءل عما كان بسبيل قوله قبل أن تقاطعه

أمه. آلم تعجبه كل تلك الساعات الطويلة من العمل ؟ وأحست

بالتعاسة لترتسم على فمها ابتسامة باهتة عندما دخلت

المرأتان. وقالت الأم وهي تبتسم لـ ساشا بتقدير كبير: (( لقد

قلت لــ لورين أن تلقي نظرة على رسومنا ما دامت قد انتهت. ))

قال ريكس ببطء وهو ينقل نظرته الساخرة ين أمه

و ساشا: (( إذاً فهي رسومنا الآن؟ ))

خفضت ساشا نظرها بعد إذ لم تستطع مواجهة نظراته

هل كانت تلك الابتسامة الخفيفة لأجل الآخرين ؟

قالت لورين بجفاء, وكانت تغطي شعرها الذهبي بقبعة

الركوب السوداء : (( أظن أن من المناسب جداً لو كنتما أنتما

ضمن رسوم الجدار هذه, إذ أنكما أنتما اللذان ستعيشان

معها في النهاية على كل حال... وواضح أن عمتي شيلا هي

المبعدة. وماذا عنك أنت يا ريكس؟)) واستدارت عيناها

الزرقاوان إليه تلتمس موافقته على ما تقول. وحبست

لورين و ساشا أنفاسهما . هل ينتقدها أمام الآخرين؟

كادت تشعر بالغثيان وهو يعود فيرفع نظره إلى الرسوم

مرة أخرى لترتسم على ملامحه المشاعر القوية التي

تميزها. و كاد قلبها يكف عن الخفقان عندما نظر إليها

وكأنما لا يوجد غيرهما في الغرفة , ليقول بلطف: ((إنها

بالتأكيد تستحق أن نخسر جسر لندن لأجلها.))

قالت شيلا: (( ما الذي تتحدث عنه يا ريكس؟ ))

قال: (( إنه ما كنت أهم بقوله لها حين دخلت, وهو أنني لا

أعرف لماذا تضيع وقتها في رسم صورة جميلة على

التقاويم السنوية للشركات, في حين تملك مثل هذه

الموهبة.))

كان جوابه على سؤال أمه المرتبكة بالغ الصراحة, ولا

جواب عما كانت تقوله لورين .

شعرت ساشا بنظرتها الحادة , وأدركت أن الفتاة قد

لاحظت بجلاء تك الصلة الصامتة بينها وبين ريكس ...

ولكنها, فجأة , لم تعد تهتم وأفعم قلبها السرور . لقد أعجبه

عملها. ولم تنتبه لمقدار الحرارة التي تضمنتها ابتسامتها

له, ولا لنظراتهما التي تعانقت مدة لم تغب عن ملاحظة

المرأتين . ولكن فجأة جاءها من بعيد جداً صوت لورين

مليئاً بالتأثر واليأس, وهو يقول: (( إننا ذاهبتان للنزهة

لركوب الخيل يا ريكس, هل تأتي معنا؟)) واخترقت كلماتها

جو البهجة المحيط بـ ساشا , وكذلك أصعقها صوت شيلا

يقول بضراعة: (( لورين ))

قالت: (( إنك تعرفين ما أقصد.)) وسرعان ما بدا عليها

الندم بعدما رأت نظرة عداء ملتهبة من ريكس, فتابعت: (( لقد

كنت أقصد أن أقول إن كنت تريد أن تأتي لوداعنا. ))

لقد قلبت كلامها بسرعة وقد بان عيها الحنق, ولكنها لم

تستطع إقناع أحد من الحاضرين بقولها هذا. لقد كانت

الغيرة تتملك حواسها بقوة. وكان حب التملك الذي تشعر به

نحو ريكس يدفعها إلى مهاجمته بالطريقة الوحيدة التي

تعرفها , لتقول لــ ساشا: (( أظنك ستتركيننا قريباً لأن عملك هنا

قد انتهى ! ))

كانت الابتسامة التي منحتها لــ ساشا تنطق بالحقد

الجريح وشعرت ساشا بالرثاء لها وهي تراها تجعل من

نفسها أضحوكة .

وقالت متلعثمة: (( إنني ... حسن , أنا....)) لم تكن تعرف ما

يجب أن تقول . إنها لم تستطع الإتصال بأمها بعد لكي

توافيها بأرقام تلك الشيكات. والقرض الذي منحها إياه

ريكس قد استهلكته أو كادت في النفقات اليومية المتناثرة

من بنزين لسيارتها, وصور للجواز الجديد وكذلك الجواز

ذاته... ومضت تقول: (( أظن أنني ...))

قاطعها صوت ريكس بحزم وهو يرمقها بنظرة قوية

متحدية منعتها من الاحتجاج : (( إن ساشا باقية هنا ,

أفهمت؟ )) سكتت ساشا وقد ساورها الإرتباك من أن تتحدث

عن قصورها المادي أمام الآخرين . وما لبث أن ابتسم

لـ لورين , وقد سيطر على مشاعره بقوة خارقة , بتلك

الابتسامة القاتلة التي يمكنها أن تحطم قلب المرأة إذا

كانت ضعيفة .

ارتجفت ساشا عندما وصلت بتفكرها إلى هذا الحد .

بينما كان ريكس يقول لـ لورين: (( والآن, كوني فتاة طيبة,

واخرجي واستمتعي بنزهتك وعندما تعودين قد يمكننا

مناقشة اقتراحك عن ملحق الصالون ذاك ))

استنتجت ساشا من هذا الكلام أن لورين التي كان

والداها ثريين بما فيه الكفاية, ما زالت تلجأ إلى ريكس

لتمويلها. ورمقتها لورين بنظرة قاتلة وهي تندفع خارجة

كالعاصفة بخلاف شيلا التي انسحبت بروح مرحة .

فقالت ساشا وهي تضع يدها على مسند أحد الكراسي :

(( حقاً يا ريكس, إنها ليست طفلة.))

فقال: (( كلا ))

فأخذت ساشا تلامس خشب الكرسي الناعم بأصابعها من

دون وعي, ثم تنفست بعمق قائلة: (( إنها تحبك ))

قالت ذلك وقد ضاق صدرها عندما رفع هو حاجبه

الأسود متسائلاً عن سبب الرجفة في صوتها . ثم قال: (( إنها

فقط, تظن أنها تحبني.))

قالت : (( إنها في الثانية والعشرين .)) وفكرت في أنه لا

يمكن أن يكون أعمى إذا كان لا يستطيع أن يرى مقدار جنون

تلك الفتاة به. وأردفت تقول بتردد: (( إنها جميلة جداً ))

قال: (( نعم ))

لماذا كل هذا الألم الذي شعرت به حين وافقها على ذلك .

هل لشعورها بأن الشيء الوحيد الذي يمنعه من الزواج بها

هو عدم قدرته على المشي ؟

تحولت للخروج. ولكنه سد عليها الطريق بكرسيه وهو

يسألها: (( إلى أين تذهبين؟ ))

قالت: (( إن النزهة في أنحاء لندن قد تكون ممتعة حقاً ,

ولكنها أيضاً مرهقة . و أنا بحاجة للاغتسال لأحس

بالإنتعاش .))

كانت تكذب لأن كال ما كانت تريده حقاً هو الإبتعاد عنه .

ولكنه لم يكن على استعداد لأن يدعها تذهب. وأخذ يمعن

النظر في ملامحها الشاحبة المتوترة, وهو يقول: (( ولكنك

ستبقين هنا . ))

لم يكن يطلب منها ذلك, بل كان يأمرها أمراً. وهزت هي

كتفيها قائلة: (( نعم, إلى أن تتيسر أموري لكي أرحل. ))

قال: (( وافرضي أن هذا لم يحدث . )) وابتسم وكأنما طرأت

على ذهنه فكرة ليتابع قوله: (( إن أمامك أسبوعين فقط في

هذه البلاد وربما بقيت أمك غائبة طيلة هذه المدة . ))

قالت بإصرار: (( هذا غير محتمل. )) ولكنها مع هذا, أحست

بوخزه ألم في قلبها, كان قلبها جريحاً من ناحية ريكس

تمبليتون . فهي تعلم إنه على الرغم من محاولته كبح ميله

نحوها, فإن الجاذب الحسي الذي يربط الواحد منهما

بالآخر , يزداد قوة كل يوم, والشيء الوحيد الذي شعرت به

نحوه أن إحساسها هذا كان شيئاً أبعد من مجرد انجذاب,

ولقد اعترفت الآن في قرارة نفسها بذلك . ولهذا, إذا هي

مكثت وقتاً أطول, فإنها لن تعرف بعد ذلك كيف تخرج من كل

هذا .

على كل حال كانت تلك المعضلة تبدو وكأنها تحل نفسها

بنفسها بسرعة أكثر مما توقعته , عندما تلقت جواب

مخابرتها إلى نيويورك في اليوم التالي .

(( نهاية الفصل السادس ))


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 02:04 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع

(( لا بأس يا أمي. لا تقلقي إنني بخير!))

وضعت ساشا السماعة وقد اكتأبت مما لمسته من قلق

أمها عليها. وابتسمت بعجز لـ شيلا التي كانت قد دخلت

لتوها إلى قاعة الجلوس. وقالت : (( إنها أمي. )) وأضافت

وهي تنظر إليها بسذاجة وهي تتابع: (( إنني آسفة, ولكنك

لست مثل أمي. ))

قالت شيلا بلطف : (( إن القلق هو ميزة الأمهات . ولكن كلا,

فإن ريكس ذو شخصية مستقلة قوية لا يترك مجالاً لأحد كي

يتدخل في مسيرة حياته. ))

قالت ساشا توافقها على ذلك: (( كلا , إنني أتمنى لو

أستطيع إقناع أمي بأنني لم أعد في السادسة عشرة.))

تنهدت وهي تشعر بذلك التسارع المألوف لخفقان قلبها إذ

سمعت صرير الكرسي المتحرك في القاعة .

لقد عرف بالأمر من دون أن تخبره . لقد رأت ذلك في

نظره عينيه القاسية قبل أن يلقي على أمه نظره خاطفة

سرعان ما جعلتها تترك الغرفة. وقال: (( هل نجحت؟ ))

أومأت ساشا برأسها قائلة: (( ستذهب أمي إلى شقتي

لإحضار الشيكات السياحية. فيمكنني عند ذاك, أن أصرفها

من المصرف حالما أبرزها . لقد قالوا إن الأمر قد يستغرق

يومين أو ثلاثة, عند ذاك يمكنني أن أرد إليك القرض الذي

تفضلت بمنحي إياه, ثم , إذا لم يكن عندك مانع ... )) وشعرت

بغصة في حلقها ثم تابعت ((... إن ما أقصده هو ... إنني لا

أستطيع أن أبقى هنا فترة أطول. ))

عند ذاك, اقترب منها وقد كست ملامحه خطوط قاسية

جامدة وهو يسألها: (( لمَ ؟ ))

تزاحمت في رأسها أسباب لا تحصى ... لأنك تحب لورين

فاراداي ! ولأنني أنا... أنا أشعر نحوك بجاذبية لا

تصدق...!

طردت عنها هذه الأفكار بسرعة لتقول: (( يجب أن توافق.))

لماذا جاء هذا وكأنه التماس ؟ فقال بجمود وتجهم: (( لا

أقبل . وهذا لا يوافقني.)) واشتدت قبضته على ذراع الكرسي

حتى بانت عظام أصابعه . لقد رد عليها كلامها بعناد ساخر.

إنه بالتأكيد لا يظن بها عدم الاعتراف بالجميل. وعاد يقول:

(( سنتحدث هذه الليلة بعد العشاء . إني على موعد مع

وكيل عمل ويندسور . وهذا سيشغلني النهار بطوله .

ولكنني سأعود حوالي السابعة... فكوني على استعداد. ))

فقالت: (( ولكنني ... ))

لكن تصميمه أسكتها وهو يستدير بكرسيه خارجاً

وتنفست هي الصعداء. فهو على الأقل, يبدو أنه سيأخذها

خارجاً, ليناقش معها الأمر... وهذا يعني أنه لا يريد أن

يواصل الحديث أمام لورين .

على كل حال, فهو يستطيع أن يقول ما يريد. وهي

ستستأجر غرفة في نزل حالما تتسلم نقودها . لقد صممت

على ذلك لأجل راحتها الذهنية إذا لم يكن لشيء آخر .

لتتجنب رؤية لورين, أمضت ساشا معظم نهارها في

غرفتها تعمل في صنع دميتها ( دمية القمح ) قبل أن تقرر أن

الوقت قد حان للاستعداد للخروج مع ريكس .

لم يكن ريكس قد قال إلى أين سيأخذها , لهذا لم

تعرف ماذا يجب أن ترتدي , برغم أنه لم يكن لديها

الكثير من الملابس لتختار. ونظرت إلى خزانتها

الخالية تقريباً , ولكنه يعلم أن ملابسها ليست آخر

صرعة في عالم الأزياء ... فإذا هو لم يعتبر ذلك وهو

يوجه إليها الدعوة , فستكون هذه مشكلته هو وليست

مشكلتها. ولكنها مع ذلك , لم تستطع إلا أن تفكر في ما

يمكن أن تبدو عليه في مطعم كالذي اعتاد ريكس

الذهاب إليه. وتناولت تنوره قطنية بيضاء واسعة

تتناسب وطرفي كمي قميصها ويحيط بنهايتها شريط

عريض من الدانتيلا البيضاء .

بادرها كليم , الذي كان في الانتظار بقوله: (( يريد السيد

ريكس أن نذهب نحن إليه. )) ومع أن لهجة كليم كانت

كالعادة في غاية الاقتضاب, فقد فتح لها الباب الخارجي

بكل البشاشة التي اكتسبها من آل تمبليتون على

مدى جيلين كاملين من الرجال. وخيل لــ ساشا أنه في

الأيام الأخيرة , أصبح أكثر لطف معها .

قالت: (( إلى أين نحن ذاهبان. يا كليم ؟ هل تراك نسيت

شيئاً؟ )) سألته وهي تميل إلى الأمام بعد تركهما البيت إذ

استدارت السيارة فجأة راجعة إلى الوراء لتدخل من باب

آخر يبعد حوالي ربع الميل على طول الطريق .

لماذا لم يجب, هزت ساشا كتفيها وعادت إلى جلستها .

لكن الطريق بدلا من أن يقودهما رجوعاً إلى البيت كما ظنت,

إنحدر بهما بعيداً خلال الأشجار نحو النهر . كان واضحاً

لها إنه سلك طريقاً مختصراً نحو إحدى القرى .

كان المساء رائعاً بالشفق الوردي والنسائم العليلة .

وأغلقت ساشا عينيها تستمتع بدفء الشمس الآلية إلى

المغيب . كانت تستمع إلى خرير جدول , وهديل حمائم الغاب

عندما وقفت السيارة فجأة , ففتحت عينيها لتقعا على

خرائب منزل كان يوماً منزلاً صيفياً . ونظرت بتعجب إلى

كليم الذي استدار يفتح لها الباب , وقال بصوت خال من

التعبير : (( إنها الأوامر يا ساشا . ))

قالت بحيرة وهي تجذب الشال الحريري حول كتفيها

وتنزل من السيارة (( ماذا ؟ )) وزاد استغرابها أنه لم ينادها

من قبل باسمها الأول . ونظرت إليه ضاحكة وهي تقول :

(( لماذا هنا كليم ؟ ))

قال لها وهو يعود إلى السيارة : (( عمت مساء .))

ولدهشتها الشديدة. إنطلق بالسيارة وغاب عن ناظريها

لم تكن قد جاءت إلى منطقة بعيدة مثل هذه من قبل . ورفعت

نظرها تتأمل المبنى الأثري . كان مبنى سبق إصلاحه وربما

قصد به أن يكون منزلاً . وتذكرت أنها سبق أن رأت رسماً

لهذا المنزل في حالة أفضل مما يبدو هنا وذلك في منزل

( الاستراحة ) .

عندما أوصلها فضولها إلى الدوران , إلى الجانب

الخارجي المهدم توقفت أمام ما ترى من خراب .

كان المنظر رائعاً مثيراً . كان منبسطاً أمام ناظريها

سهولاً من الخضرة والذهب حيث القمح الناضج يلتقي مع

النباتات الأخرى الزمردية التي ترتفع على ضفة النهر

الثانية . ولكن المنظر البادي أمام الأعمدة الأثرية كما هو

الذي فتن لبها .

كان ثمة مائدة حديدية قائمة على شرفة فوق النهر

الصامت, قد بسطت عليها مأدبة لشخصين. وكانت أشعة

الشمس على غطاء المائدة من الحرير , ترسل أشعتها

الوردية على الثريا الفضية القائمة على وسط المائدة , لتبدو

هذه وكأن اللهب يتصاعد منها. وكان ريكس جالساً وقد

امتدت ذراعه على ظهر أحد المقعدين الهلاليي الشكل اللذين

أحاطا بالمائدة وهو يبتسم لها بتكاسل.

قال: (( سامحيني إذا لم أنهض واقفاً . لاستقبالك .))

كان مرتدياً قميصاً أبيض فضفاضاً طويل الكمين فوق

سروال قاتم اللون. وضحكت هي وقد شعرت فجأة بالتوتر,

وقالت: ((... عندما تدعو أحداً إلى العشاء فإنك تدعوه حقاً

إلى العشاء ... )) وأشار إلى مقعد عليه وسادتان قباله

قائلاً: (( فكرت في أن ذلك يناسب ذوقك الذي يحب البساطة

وعدم التكلف .))

وصب لها شراباً في كأسها. ودهشت وهي تفكر إلى أي

حد يتفهم شخصيتها حتى في هذا الوقت القصير, وتساءلت

كم تكلف كليم من العناء لكي يعد كل هذا لأجل سيده. ولكنها

قالت فقط: (( إنك رجل بالغ المهارة . )) فضلاً عن ذلك, أليست

هذه طريقته الفريدة لإقناعها بالبقاء ؟

اعترفت ابتسامته بذلك وهو يقول: (( وأنت امرأة رائعة
الجمال إلى درجة غير معقولة . ))

أحمر وجهها وأحست بالارتياح إذ صرف اهتمامهما

عن هذا الموضوع صوت طائر القيق الذي كان يحلق

أمامهما متألقاً بلونيه الأزرق والخمري في أشعة الشمس

المحمرة. وسألها : (( هل أنت جائعة . ))

ضحكت لتخفف من توترها وهي تقول: (( وماذا تفعل لو

أنني قلت لا ؟ ))

قال: (( ولماذا لا تجربينني فتعرفي ذلك؟ ))

فكرت هي أنها ليست حمقاء إلى هذا الحد, بينما

بعث تحديه هذا رجفة لذيذة في أوصالها.

ضحكت قائلة: (( لا تقلق فأنا أكاد أموت جوعاً إلى حد

يمكنني معه أن أكل حصاناً . ))

قال ضاحكاً : (( إنني آسف إذ أن أمي لم توفر أياً منها.))

تظاهرت هي , مازحة , بخيبة أمل بالغة وهو يرفع الغطاء

عن أطباق الأرضي شوكي والسلمون ومختلف أنواع

السلطات. وقالت : (( إذاً فإن علي أن أقبل بهذا الطعام.))

وأقبلت على الطعام وقد زاد الهواء الطلق من شهيتها . وقال

لها وهي ترفع كأس الشراب إلى فمها: (( لا تشربي كثيراً. ))

فضحكت وهي تقول متحدية: (( ولمَ؟ ))

قال: (( لأنني أريدك رزينة هادئة.))

قالت: (( ألا يجعل ذلك الأمر أكثر سهولة بالنسبة إليك إذ

يحملني على التسليم بكل ما تريد؟ )) فهز كتفيه مسترعياً

انتباهها بذلك, إلى هذين الكتفين القويتين .

أطلقت ضحكة صغيرة متوترة وهي تقول: (( لا تقلق, لقد

سبق أن أدركت أنه عندما تختلف آراؤنا, فإنني أحتاج إلى

كل إمكاناتي لكي أتمكن من مواجهتك. ))

قال بابتسامة تهكم قاسية: (( وبذلك. يكون مركزك هو

الأقوى.)) وفكرت في مقدار عدم ذوقها وهي تؤذيه بمثل

هذا الكلام. وتاهت نظراتها بعيداً وهي توبخ نفسها بصمت.

كانت الشمس الآن قد اقتربت من المغيب, جاعلة المنظر

فوق النهر يمور باللهب . وكان الحاصدون لا يزالون يعملون

في أحد الحقول البعيدة فيتصاعد أنين آلة الحصاد بينما

القمح المحصود يصعد سحاباً من الغبار خلفه, كما كانت

رائحته تحملها الريح نحوهما, هذا إلى رائحة أعشاب

محروقة في الجو .

سألته وهي ترى أعمدة الدخان من بعيد: (( لماذا يحرقون

قش القمح؟ )) ورغبة منها في أن تصرف ذهنه عن آلامه,

خفضت من صوتها وهي تتابع قولها بلهجة ماكرة:

(( أيفعلون هذا لكي يحرقوا الشيطان الذي يكمن فيه؟ ))

ابتسم وقد بدا مسترخياً في جلسته وهو يتناول الحلوى

بملعقته مشاركاً إياها تخيلاتها: (( وأيضاً لكي يقتلوا كل

الحشرات والآفات الضارة التي قد تقضي على الموسم

المقبل . ))

قالت ضاحكة: (( ها أنت ذا قد أفسدت الصورة, إنني أحب

التخيلات. ))

قال بزانة وهو ينير الشموع بينما كانت ترقب لهب

الشمعتين يتراقص: (( إذاً دعينا نتخيل أنك لست أميركية

عليك أن تعودي إلى وطنك بعد أسبوعين, وأنك مصممة

على ترك منزلي.))

قالت وهي تلقي بملعقتها في صحن الحلوى متمنية

القدرة على المقاومة, إنه لن يستطيع أن يجعلها تبقى في

بيته. كلا, لا يمكن هذا. وقالت: (( ريكس ...أرجوك... ))

قال: (( ما الذي يجعلك مصممة في هذا الشكل؟ .))

ماذا يمكنها أن تقول ؟ إنها في أعماقها لا تريد أن تتألم ؟

كيف يمكنها أن تقول ذلك؟ وشعرت برجفة جعلتها تأخذ

الشال وتلفه على كتفيها . وقال ريكس وقد بدا الاهتمام على

وجهه: (( أتشعرين ببرد؟ ))

قالت: (( ليس تماماً. )) كيف تخبره أن تلك الرجفة نشأت من

شعورها بالخوف منه... من شعورها نحوه... وليس من

هبوط درجة حرارة الجو؟ وأخذ الهواء الذي بدأ ينشط يحمل

التبن المتخلف عن الحصاد لينثره على أرضية الشرفة

هتفت: (( أوه أنظر!)) كان التبن يدور حول نفسه وكأنه في

دوامة يتلاعب به التيار. وراقبته ساشا مفتونة وهو يرتفع

ويرتفع إلى أن توقف الهواء فجأة ليسقط التبن الذهبي على

المائدة أمامهما .

شهقت بحيرة وهي تقول: (( لم أرى شيئاً كهذا من قبل. ))

نظر إليها ريكس بابتسامته الجذابة وهو يقول: (( كلا؟

ثمة شيء في هذا يذكرني بك .))

نظرت إليه بسرعة. هل يراها كهذا؟ قشة في مهب

الريح؟ تطوح بها مشاعرها؟ وشعرت فجأة وكان مشاعره

هو تدمرها تدميراً .

عندما سمرتها نظرته القوية, شعرت بعواطفها تتفتح

أمام مشاعره التي حفلت بها نظرته تلك من دون أية مقاومة,

لتدرك سبب غضبه منها في البداية... وهو يراها... امرأة

شابة معافاة تستمتع بحياتها بينما هو لا يعلم إن كان

سيتمكن من السير مرة أخرى .

هتفت في سرها... أوه إنني أحبه! واهتزت إذ أدركت

ذلك. ومدت يدها بسرعة واضطراب تتناول كأسها, ولكن

ارتجاف يدها جعل الشراب ينسكب على غطاء المائدة.

صرخت وهي تثب لينزلق الشال عن كتفيها ثم أخذت

تمسح الغطاء المبلل بالمنشفة وقد أحمر وجهها أسفاً : (( لقد

انسكب إلى جهتك... ))

أمسكت أصابعه القوية بمعصمها وهو يقول: (( دعي عنك

هذا. )) وسرت النار للمسته تلك في دمها .

قالت: (( لا أستطيع ... إنني ... ))

قال: (( قلت دعي عنك هذا. )) واشتدت قبضته على معصمها

بعد ما حاولت جذب يدها . وباندفاعه نحوها فوق المائدة,

انقلب كأسه هو أيضاً على الصحن الصيني ليسمع صوت

تحطمه وهو يجلسها على المقعد إلى جانبه ثم يحيطها

بذراعيه .

أخذت هي تصده عنها دون وعي منها, وكانت

مقاومتها تلك هي كل ما تستطيعه إزاء عجزها أمام

مشاعرها نحوه . ولكن عواطفها كانت بمثل حرارة عواطفه,

لتكف فجأة عن المقاومة. وهمس وهو يشم عبير شعرها:

(( ساشا... )) ولم تشعر هي بأنها تغدر بذكرى بن الآن...

وفجأة هتف وهو يدفعها عنه: (( كلا ... هذا لا يصلح لي , ولا

لك! )) واعتدل في جلسته, ملقياً برأسه إلى الخلف ناظراً إلى

السماء وقد أطبق فكيه بقوة وهو يجاهد لتمالك مشاعره .

ويقول: (( إنسي كل ما حدث.)) وهتفت وقد آلمها الإحباط:

(( ريكس... أرجوك.)) وألقت بيدها من دون وعي منها, على

ذراعه ولكنها أجفلت وهو يدفعها عنه قائلاً: (( أين هو

عقلك؟ )) وأضاف بخشونة: (( إذا كنت تريدين أن تحترقي,

فلماذا لا تضعين يدك على نار إحدى تلك الشموع؟ ربما كان

الحريق أكثر إيلاماً جسدياً ولكنك على الأقل لن تتألمي

عاطفياً . ))

أخذت تحدق إلى لهب الشموع التي ازداد إشعاعها في

ظلمة الليل وهي تشعر بالألم الذي أشار إليه بكلامه في

أعماقها .

سألته بصوت مرتجف : (( وما الذي جعلك تعتقد أنني

متورطة معك عاطفياً ؟)) وتساءلت عما إذا كان يدفعها عنه

بسبب لورين .

أجاب بشبه ابتسامة جافة , ساخراً من نفسه: (( الغرور.

كما أنني أعرف أهمية الإلتزام والوفاء بالعهد بالنسبة إلى

امرأة مثلك. وإلا لكان سهلاً علي إغواؤك تلك الليلة في

المكتبة. إذ أن رغبتي في ذلك كانت قوية إلى حد الألم . فإذا

كان الوفاء غير محتمل بالنسبة إليك, وإذا كنت تريدين

عملية سريعة فاذهبي لصديقك غايفن تشيز وأنا متأكد

من أن في استطاعته إعطاءك كل متطلباتك . إنك على الأقل

معه لن تشعري بأنك مع نصف رجل . ))

هتفت: (( يجب ألا تتفوه بمثل هذا الكلام .)) كان يأسه

يمزق نياط قلبها وكذلك إشارته إلى رغبتها في عملية

سريعة .. مع أي رجل . وأدركت بألم أنه لا يزال مجروحاً

عاطفياً من رفضها الأول له بقدر ألمه من جروحه

الجسدية. وأجفلت وهو يتابع قوله: (( كلا ؟ ظننتني

صفقة رابحة, أليس كذلك؟ )) وأصابتها ضحكته المرة

الخالية من السرور في الصميم وهو يتابع: (( ربما تظنين

في ربط حياتك بكرسي لعين كهذا شيئاً ممتعاً ... إذا كنت

تظنين هذا إذاً .. ))

أطلقت صرخ صغيرة وهو يجذبها إليه بغلظة (( إذاً أبقي

هنا! لا تعودي إلى أميركا , أبقي هنا وتزوجي مني أيتها

المتفائلة الصغيرة الحمقاء.))

كانت قبلته لها متوحشة وذراعاه متوحشتين آلمتاها

ولكنها لم تبال .

إنه إذاً لا يحب لورين. هكذا كل ما كانت تفكر فيه. و دار

رأسها بما قاله .

أحاطت عنقه بذراعيها وهي تهمس: (( أوه نعم نعم يا

حبيبي. نعم سأتزوج منك.))

نظر إلى وجهها وشعرها ووجنتيها المتوهجتين, ثم

قال: (( هل تعنين ذلك حقاً أم أن ذلك من وحي جلستنا هذه؟))

قالت وقد شعرت بالخوف من أن يكون طلبه الزواج منها

نتيجة شعور مؤقت : (( هل أنت كذلك؟ )) ولكن قبلته على

جبينها ذهبت بقلقها وهو يقول بهدوء: (( كان عليك أن

تكوني على معرفة جيدة بي حتى الآن يا ساشا, وإنني لا

أمزح في الأشياء المصيرية. ))

فكرت في أنه كذلك حقاً ... في أن التصاميم المؤقتة

ليست من طباعه... حتى و لو كانت أكثر الوسائل عاطفية

في العالم .

قالت باسمة: (( ولا أنا أفعل ذلك. )) وكانت عيناها تشعان

حباً وهي تهمس بذلك. ولكنها أجفلت قليلاً وهو يمسك

بمعصمها بقوة قائلاً وقد بان الشك على ملامحه: (( هل

تدركين جيداً ما أنت بسبيله؟)) فابتسمت في وجهه في

محاولة لتبديد مخاوفه: (( إنني أكل لحم الخيل وأستمتع

بأسطورة شياطين القمح. ))

فجأة بان عليها الجد وهي تقول: (( على كل حال فإنك لن

تبقى هكذا بقية حياتك ريكس. ))

قال: (( وافرضي أنني بقيت هكذا؟ )) كانت قبضته على

معصمها قاسية لا ترحم. وقد جعلت هذه الكلمات التي تفوه

بها أسارير وجهه بالغة الجمود .

فكرت بألم في أنه بطبيعة الحال, لم يحاول أن ينظر

إلى الأمور بتقبل ومرونة. وقالت: (( لا شيء يمكن أن يغير من

موقفي هذا ولا من شعوري نحوك.))

فكرت بقلب عامر بالإخلاص أن لا شيء يمكن أن يهمها

ما دام هو بحاجة إليها وهي بحاجة إليه.

ضحك هو قائلاً: (( يا حبيبتي الصغيرة الطبيعية. إنك

تعرفين كيف تشعرين الرجل بأهميته, أليس كذلك؟ )) وسكت

برهة يتأملها ثم قال: (( هل تعارضين في خطبة قصيرة

نعلنها للتو؟ )) وعندما لم تستطع الجواب من شدة سعادتها,

عاد يقول: (( إنني ببساطة أريد أن أجعلك زوجتي وملكي

بأسرع وقت ممكن, وأن يعلم الناس جميعاً بذلك. ))

كانت المشاعر التي تضمنها قوله ذاك تزيد من اضطرام

شعورها نحوه . إنها تعلم ما ينتظرها من صعوبات. ولكنها

تعلم أن ليس ثمة شيء لا يمكن التغلب عليه. ولم يكن الأمر

مجرد حب أعمى بصرها, كما يحدث مع صغار السن, عن

الصعوبات التي ترافق الزواج برجل معوق. وفجأة قالت:

(( وما الذي ستقوله لــ لورين؟ ))

كانت تنظر إليه بقلق وفزعت حين قال بخشونة: (( فلتذهب

لورين إلى الجحيم. ))

عندما رأى فزعها جذبها إليه بحنان, وقال وقد لانت

لهجته: (( ما أجمل أن تهتمي بمشاعر الآخرين في وقت كهذا.

ولكن, لا تقلقي... إنني لم أعطها قط أية إشارة إلى أن

شعوري نحوها هو أكثر من مجرد شعور أبن العم لابنة

عمه. في الحقيقة , لقد أظهرت لها في غير مناسبة أن ليس

لدي أي شعور نحوها غير هذا, فهي ستجتاز هذا الأمر.))

ابتسم لها بمنتهى الرقة. كان هذا الجانب الحنون من

شخصيته الذي يتعارض مع الجانب القوي, هو ما يفتنها به .

وقال وهو يقبل صدغها: (( دعي هذا لي أنا. و أنا سأخبرها

به بكل رقة. أعدك بذلك.))

في الصباح التالي, اتصلت ساشا بوالديها هاتفياً حتى

قبل أن ترتدي ثيابها لتخبرهما بخطبتها المقبلة من ريكس.

ومع أنها توقعت منهما التحفظ والاعتراض حين أخبرتهما

أن زوجها المقبل هو معوق إلا أنها سرعان ما شعرت

بالسرور حين أبديا الاحترام لرأيها, كعادتهما حين تصمم

نهائياً على أمر ما, وتمنيا لها كل السعادة .

هتف والدها بصوت مفعم بالعاطفة : (( حسن إذا كان هو

يحبك حـقاً. )) وأجابته بسعادة وقد تألق وجهها : (( طبعاً. ))

وشعرت بالسرور إذ كانت تتكلم من غرفتها حيث لا يرى

أحد مقدار البهجة و الإثارة اللتين تتجليان في صوتها

ومظهرها واللتين كانت هي نفسها مفعمة بهما هذا

الصباح .

إنها لا تذكر أن ريكس قال لها حرفياً أنه يحبها, ولكنها

أدركت ذلك من الطريقة التي حدثها بها وتصرف بها معها...

إن مجرد رغبته في الزواج منها آذنتها بشعوره نحوها. ثم

إنه من طلبه المفاجئ الزواج منها, عرفت أنه كان يائساً من

إبقائها معه بمقدار يأسها هي. وعادت تقول : (( شكراً يا

أبي . )) وأقفلت السماعة, ثم جلست لتسكب سعادتها في رسالة

إلى صديقتها جولييت, وعندما وصلت الردهة’ متألقة

في قميصها الأبيض و تنورتها البرتقالة , توقفت وقد

سمعت حركة في غرفة المكتبة .

هتفت: (( ريكس؟)) لم تكن قد رأته هذا الصباح. لم تره منذ

أعادها إلى غرفتها مرغماً الليلة الماضية, بعد ما أعادهما

كليم. وتوجهت نحو غرفة المكتبة وقد ازداد خفقان قلبها

لتقف مصعوقة عند العتبة .

لم يكن ريكس هناك بل لورين واقفة تنظر إلى حاجز

المدفأة. وعندما استدارت إليها وقد ظهر الحقد جلياً على

وجهها أدركت أنها كانت تبكي .

قالت: (( إنني آسفة يا لورين. )) كان هذا كل ما استطاعت

أن تفكر في قوله . كان لهذه الكلمات التي لا جدوى من

ورائها, التأثير عديم الجدوى ذاته في لورين وهي

تجيب: (( آسفة؟ وعلام تأسفين؟ لقد ظفرت بما تريدين,

أليس كذلك؟ )) وأطلقت ضحكة قصيرة جافة محاولة بذلك

الظهور بمظهر الرصانة وهي تسألها: (( لنتكلم, بينما الآن

فقط نحن الأثنين يا ساشا, هل هو إغراء المال ؟ أم حقيقة

أنك أردت رجلاً قد لا يتمكن من السير على قدميه بقية

حياته؟ ))

دخلت فراشة من النافذة , لتتخبط على الزجاج من دون

هدى ... كانت جميلة قد وقعت في الشرك مثل لورين تماماً

التي تملكتها فكرة الإستحواذ على ابن عمها , ولم تتمالك

ساشا من تشبيها بتلك الفراشة. وبمزيج من التأثر والغيظ

معاً , لما قالته عن ريكس أكثر مما قالته عنها هي, قالت

بضيق: (( إنني لا أريد أن أبدو قاسية جافة... )) وسكتت

هنيهة لتعود فتقول برفق: (( ... يجب أن تدركي ذلك يا

لورين . ))

بدا الألم في عيني الفتاة وبان لــ ساشا وكأنها على وشك

الانهيار ... عندما وثب الهر فجأة على النافذة في أثر

الفراشة . ورغبة منها في إنقاذ الفراشة , أسرعت تقبض على

الهر تبعده عنها لتكافأ بخدش من مخلبه وهو يقفز من بين

يديها إلى أرض الغرفة .

قالت لورين: (( لا بأس , وهكذا انتصرت.)) شعرت بغيرة

لورين وهي تنظر إلى البقعة الحمراء على يدها متابعة

قولها: (( ولكنك لا تعرفين ريكس كما أعرفه أنا. إنه قاس

وعديم الرحمة. وإذا ظننت أنك استطعت المجيء إلى هنا

وسلبه مني, فإنني أتمنى أن تذوقي إلى أي حد يمكن أن

تكون وحشيته. وخير الأمور عاجلها.))

عندما خرجت كانت تشهق, حتى كادت تصطدم بعمتها.

قالت شيلا بأسى وهي تدخل غرفة المكتبة: (( إنني آسفة

لآجل لورين... فهي كانت تعتبر ريكس بطلها المعبود منذ

حداثتها . ولكنه بطبيعة الحال, لم يظهر لها أكثر من شعور

الأخ الأكبر ورعايته. وعندما حدث له الحادث... ))

وانخفض صوتها الرقيق وهي تتابع: (( ... ولم يستطع

السير... أظنها شعرت أنه فجأة, قد أصبح أسهل منالاً

بالنسبة إليها على نحو ما ...))

تقدمت وقبلت ساشا على خدها وهي تتابع قائلة: (( على

كل حال فأنا سعيدة جداً بك يا عزيزتي .)) قالت بلطف

ولكن بذلك التقطيب البسيط بين عينيها ذاته الذي بدا في

الليلة الماضية عندما أخبرها ريكس بالأمر. ولكن ساشا

كانت هذا النهار أكثر سعادة من أن تهتم بأشياء تضايقها .

وشكرتها باسمة وهي تتقدم فتفتح النافذة لكي تسمح

للفراشة بالخروج إلى نسيم الصباح .

(( نهاية الفصل السابــ ع ))


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 02:06 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن

شعرت ساشا في الأيام القليلة التي مضت, إنها في

سعادة واكتمال لم تشعر بمثلهما من قبل حتى مع بن .

سرها أيضاً أنها الآن في إمكانها أن تفكر في خطبتها

الماضية من دون أي شعور بالذنب أو الألم كما كان يحدث

لها من قبل. كان ريكس وحده, بكل ذلك الهدوء والرجولة

والمنطق والتفهم التي يتحلى بها . هو الذي أنقذها من ذلك,

وعلمها أن تضع الأمور في نصابها. وكانت تفكر في ذلك

وهي تحدق إلى الخاتم الثمين الذي يتألق في أصبع يدها

اليسرى .

كان الخاتم الذي اختارته بسيطاً مصنوعاً من الذهب

والياقوت الأزرق , إذ أن هذا اللون, كما قالت لـ ريكس عندما

شاهدته في واجهة الصائغ, قد ذكرها بحقول القمح الذهبية

وسماء الصيف الزرقاء عندما عرض عليها الزواج .

ضحك وهو يلبسها إياه في المحل وهو يقول: (( الفنان

فقط هو الذي يقول مثل هذا الكلام.)) كان الخاتم مناسباً

تماماً لأصبعها وكأنه كان في انتظارها .

شهقت وهي ترى الثمن الموضوع على القطيفة التي

تبطن العلبة لتقول: (( ولكنه غالي الثمن جداً. ))

قال بعفوية وهو يضحك : (( إنه مجرد حبة فستق. ))

وذكرتها هذه الملاحظة البسيطة بأن هذا الخاتم الثمين لا

يعدو أن يكون بهذه التفاهة بالنسبة إلى ثرائه .

تابع هو قائلاً: (( إنه ليس كثيراً عليك. )) وكان صوته,

وهو يقول ذلك, يتضمن من العاطفة المضطربة ما تمنت هي

معه لو أن الصائغ يختفي من أمامهما , ولم تكد تسمع ريكس

وهو يقول له: (( إننا سنشتريه. ))

كان هذا المحل هو أول ما دخلا. وبدا ريكس مزهواً

وهو يتبعها على العكازين .

قال لها محذراً وقد ظهرت عليه البهجة: (( لقد أصبحت

الآن ملكي ... فلا تنسي هذا. )) وجذبها إلية يقبلها من دون

اهتمام بكليم الذي يصعد إلى مكانه وراء المقود

وعندما أدرك خجلها من السائق, تركها من بين ذراعيه.

والتفت السائق ليقول من فوق كتفه: (( أيمكنني أن أكون أول

المهنئين يا سيدي؟ ))

ماذا عن السيدة ؟ فكرت ساشا في ذلك, قد يراها كليم

قطعة من مقتنيات الأسرة اشتراها سيده حديثاً, هذا مع أنه

عاد فأومأ ناحيتها ببشاشة قبل أن يستدير باسماً .

كان ذلك منذ يومين, والآن , وهي تنظر خلف السلالم

نحو الطريق المؤدي إلى غرفة الخدم, محاذرة أن تلتقي

بأي قادم مبكر إلى الحفلة الرسمية التي أقيمت في المنزل,

كانت لا تزال غير مصدقة السرعة التي تمت بها الأمور.

(( ادخلي )) جاءها هذا الصوت العميق يجيب على قرعها

للباب, وقد بعث الرجفة في أوصالها. ونظرت إليه مستلقياً

على سريره بقميصه الأبيض وبذلته المسائية القاتمة اللون,

لتشعر بالضعف يدب في ركبتيها. وتمتمت: (( هل أنت

مستعد؟ ))

قال: (( ليس تماماً.)) ونظر إليها وقد اهتز صوته لجمال

مظهرها. وتنقلت نظراته من شعرها الذي صفف في شكل

تموجات ثائرة متناسبة تماماً وقميصها الأبيض الرقيق

و تنورتها الواسعة , إلى عينيها الكحيلتي الأهداب . ثم قال

برقة: (( تعالي إلى هنا. ))

اقتربت منه بساقين مرتعشتين . أنهما لم يجتمعا إلا

قليلاً منذ تلك الأمسية التي عرض عليها فيها الزواج. والآن,

ها هي ذي تشعر بخفقان قلبها يتسارع وهو يجذبها من

يدها ليجلسها إلى جانبه في السرير.

قال: (( ينبغي ألا تظهري أمام الناس في هذا الشكل.

وخصوصاً صديقك تشيز. لماذا دعوته؟ ))

قالت ضاحكة: (( لأنه صديقي. هل تغار منه؟ )) وانتابها

السرور بفكرة أنه يغار عليها .

ضحك هو من دون أن ينفي ذلك أو يؤكده. وأخذها بين

ذراعيه محاولاً تقبيلها ولكنها أخذت تقاومه محاولة

الابتعاد عنه وهي تقول: (( كلا يا ريكس ... شعري, وزينة

وجهي. ماذا يقول الآخرون إذا أنا عدت إليهم وكأنني

خرجت تواً من ... ))

قاطعها: (( من مخدعي...)) وابتسم وهو يتركها قائلاً:

(( هذا أحسن. دعيهم يعرفون مقدار حبي لك. هيا, سوي من

مظهرك واذهبي إلى الضيوف قبل أن يصمم عريس

المستقبل على ألا يدع عروس المستقبل تحضر حفلة

خطبتها بعد كل هذا. ))

دخلت الحمام وهي تشعر بارتجاف في أوصالها ,

وقد ضايقها أن تشعر أنها ستستجيب له حتماً من دون

مقاومة فيما لو طلب منها البقاء وعدم حضور الحفلة .

عادت بذكرياتها إلى الماضي . إنها لا تذكر مطلقاً إنها

تخلت مرة عن مسؤولياتها عندما اعتادت أن تكون مع

بن... مثل أن تتخلى عن ضيوفها كما لو طلب ريكس منها

ذلك. صحيح أنها , وبن, كانت لهما لحظاتهما الهادئة,

ولكنها كانت دوماً المسيطرة على الأمور , وهي التي

تقرر الحد الذي يجب أن يتوقفا عنده, وذلك حسب وقتها

ومزاجها.

عندما ذهبا معاً إلى القاعة لتحية أوائل الضيوف الذين

إبتدأوا بالتوافد , شعرت ببعض الأنظار تحدق إليها, منهم

أحد مديري الشركة, وشيلا , وطبعاً غايفن الذي اغتنم فرصة

وجدها فيها تقف وحدها إلى جانب الورود التي نسقتها

شيلا, ليقول : (( أرى أن لورين فاراداي تريد أن تظهر

للعالم أنها غير مهتمة . من هو صديقها الجديد؟ أهو شاب

اختارته اسكندينافياً في وجه خاص؟ ))

كان يعني أن لورين اختارت مرافقاً يمثل الجمال الأشقر,

كما أن ريكس كان أسمر, وتقريباً كان بدرجة ريكس من

الجمال, كما رأت ساشا وهي تنظر إلى ناحيتهما , عدا أن

رجل لورين كان أضخم حجماً مما يدل على أن جمال شكله

غير دائم, ثم أن اتساق عضلاته لا يقارن بما يتصف به

ريكس من ذلك .

تمتمت ساشا: (( إنني سعيدة بمجيئها.)) ونظرت إلى

كأسها إذ أنه يتوجب عليها قسراً, أن تناوله إلى لورين فيما

لو لم يفعل ريكس ذلك, إذ أن عليها أن تفعل ذلك بصفتها

تمثل الآن كرامة آل تمبليتون , فهي مجبرة, تحت ضغط

الأسرة , على أن تبدو بمظهر شجاع .

أخذ غايفن يدندن أغنية فرانك سيناترا الرقيقة ( إنها

ليست الوحيدة التي تحسن التظاهر )

قالت ساشا متحدية وقد قطبت حاجبيها: (( ماذا

تعني؟ )) كان يبدو وسيماً ببذلته القاتمة التي تظهر بياض

بشرته وتبرز ملامحه . كان مثالاً للشاب الطموح, الماهر,

المقدام .

أجاب: (( فقط كنت أظن أنك لا تريدين أن تتورطي مع أي

رجل. لقد أخبرتني أنك بحاجة إلى وقت لذلك... والسبب هو

شيء حدث من قبل. ))

لكنها لم تخبره بتاتاً عن بن, فهي لم تشعر بـ غايفن قريباً

من نفسها إلى هذا الحد لكي تشركه في أعمق مشاعرها.

ليس بالطريقة التي شاركت بها ريكس. ريكس الذي أرادت

أن تشاركه كل شيء. ليس فقط العواطف والأحاسيس ,

وإنما روحها ... حياتها كلها .

تنهدت بعمق وهي تقول: (( هذا أمر مختلف.)) وأرادت أن

تشرح لـ غايفن مبلغ شعورها نحو خطيبها, ولكنه أجاب

بحدة: (( بصراحة, يا ساشا , أريد أن أقول لك شيئاً, إنني

أعرف أن النساء لا يستطعن مقاومة تأثيره, ولكن, هل

فكرت حقاً في ما تفعلينه؟ أعني ... امرأة مثلك مليئة

بالحيوية والمرح ... ))

(( يجب ألا تحكم على الأشياء بمثل هذا الخطأ الفظيع . ))

استدار الاثنان ليواجها ريكس بابتسامته الجليدية,

وكان وجهه قاتماً خالياً من أي تعبير .

وقف غايفن صامتً, وأدركت ساشا أن صمته هذا

إن هو إلا تأكيد لشعوره بالحرج. وقالت: (( ريكس... ))

ولكنه تجاهلها وهو يتابع بهدوء وبرود تام: (( لماذا لا

تلقي نظرة على مكتبي في أثناء وجودك هنا يا تشيز ؟

إنها تعطيك خبرة في إدارة الأعمال التي لا يماثلها

شيء. لا أعني أنك بحاجة إلى تعليمات عن كيفية

استغلال نقاط ضعف معارضيك, وإنما إلى شيء من

اللباقة تنفعك. ))

قال غايفن متلعثماً: (( حسن, إن كل...! )) وبدا عليه الذهول

و ريكس يستدير بكرسيه مبتعداً عنهما, كان حقاً عقاباً

مناسباً له .

قال يخاطب ساشا: (( إنه ماكر وساخر, أليس كذلك؟ لم

أكن أدرك أنه خلفي... ))

قالت ساشا تعنفه بهدوء وقد تألمت لأجل ريكس: (( إذاً,

كان يجب أن تكون أكثر حرصاً في حديثك. وأطمئنك يا

غايفن إلى إنني فكرت جدياً في ما أفعله.))

بدا عليه الخجل وهو يقول: (( إنني آسف . ولا يعني ذلك

أنني مسروراً لأجلك, ذلك أنني فعلاً كذلك, وإنما أنا ما

زلت مصعوقاً للسرعة التي استطعت فيها اصطياد سيد

المقاطعة... ))

إذاً فقد كان مصعوقاً عندما لم يستطع الكلام حين دعته

إلى الحفلة هاتفياً ذلك النهار. وتابع هو: (( ولكنني لم أقل

ما يشير إلى ذلك. ولكن, تقبلي تهاني يا ساشا. وأرجو لكما

كل السعادة. ولكن, بالتأكيد, سيكون الأمر صدمة لروزاليند

بيكينغتون عندما تكتشف الأمر. ))

شعرت ساشا بلهب يحرق وجنتيها وهي تنظر إليه

عابسة وتقول: ( روزاليند... ؟))

قال: (( اوووه ... آسف . أظن أن قلة الذوق أن أذكر

المرأة السابقة في خطبة, ولكنني سبق أن حدثتك

عنها. هذه قسوة... )) وانتبه لنفسه وهو يتحدث عن المرأة

الأخرى, وتابع: (( لقد سافرت إلى الخارج بعد حادث

الاصطدام, وهي عائدة حتماً الآن إلى البلاد وستختلط

عندها المشاعر حين تسمع أنه ليس فقط عاش من دونها

ولكنه أعلن خطبته كذلك. ))

فاجأها صوت يقول: (( في الحقيقة ليس ثمة أجمل من

هذه العودة إلى الوطن بالنسبة إليها. أليس كذلك؟ ))

توترت أعصاب ساشا عندما ظهرت لورين إلى جانبهما

فجأة . وبدت جميلة كالعادة في ثوبها الأسود وشعرها

الأشقر القصير. ولم تظهر ابتسامتها المضيئة أي مشاعر

عدائية نحو ساشا. وهزت لورين كتفيها وهي تتابع قولها:

(( بعد الطريقة التي عاملت بها ريكس, تصرف ابن عمي

كعادته في توقيت أعماله بالضبط. وذلك بإعلان خطبته في

حوالي الوقت الذي عادت به إلى سافولك منذ أسبوع . ))

جاهدت ساشا لكي تتمالك نفسها وتظهر عدم المبالاة ما

الذي كانت لورين تقصده بقولها هذا؟ أن ريكس قد تعمد

إعلان الخطبة هذه لكي ينتقم من... ؟

اغتصبت ابتسامة لتبتعد بعد ما استأذنت منهما, هما

الاثنين , بحجة وجوب اختلاطها بسائر الضيوف, وقد

اشتدت أصابعها على كأسها. ماذا لو كانت روزاليند هذه قد

عادت ؟ ليس من الضروري أن يكون ريكس قد علم بذلك.

حتى ولو كان قد علم , فما الذي تتصوره؟ لقد طلب منها

الزواج فقط لأجل أن ....

توقفت عن تلك الخواطر التي شغلتها. لقد كانت حمقاء إذ

سمحت لملاحظة فظة من لورين , التي كان جلياً أنها ما

زالت تشعر بالغيرة منها, بأن تذهب باستقرارها النفسي .

صحيح أن عرض الزواج من ريكس كان مفاجئاً وغير

متوقع, ولكنها كانت ستسافر إلى بلادها في الأسبوع

التالي وهو ما جعله يسرع في تنفيذ قراره. إنه يحب ساشا

بالطبع ! وإن لم يكن قد تحدث عن ذلك بصراحة. فلماذا يهم إذاً

لو أن صديقته السابقة قد عادت إلى البلاد؟ ربما كان عليها

أن تعود لفترة ما , لتصادف عودتها تلك في الوقت الذي

عرض فيه ريكس الزواج عليها .

إذا هي احتاجت إلى تأكيد لذلك فقد حصلت عليه منذ أكثر

من عشرة أيام , إذ كان ريكس بالغ الاهتمام بها, وكانت

الأزهار تصل إليها بالعشرات. إذا مر نهار من دون أن

يراها فيه. أزهار مختلطة, وكذلك أزهار الأوركيديا ...

ومرة حين كان عليه أن يلغي موعد غدائهما , أرسل إليها

وروداً حمراء .

قالت تغيظه عندما عاد في ذلك المساء ذاته: (( حذار, فأن

للأزهار لغة خاصة . ))

كانت تريده أن يخبرها انه يحبها ... وتابعت: (( كيف لك أن

تعلم أنني لن أسيء تفسير معناها ؟ ))

أجاب باختصار وهو يشير إلى الأزهار التي كانت قد

وضعتها في أصيص في قاعة الجلوس: (( وماذا يعني هذا؟

هل يكلفني كثيراً من النقود؟ ))

هكذا كان عليها أن تشيح بنظرها لكي نخفي خيبتها

وهي لا ترى في عينيه سوى الإغاظة الضاحكة. كما أنه لم

يخبرها بسبب إلغائه موعدهما للغذاء ذاك, لقد أدركت ذلك

ولكنها لن تسأله عن ذلك مطلقاً. إنها تعرف أن ذلك جنون,

فهو خطيبها. ولكنها, في الأيام الأخيرة , شعرت به يطيل

التفكير مما جعلها, على الرغم من اهتمامه بإرضائها,

تشعر بأنها بعيدة عنه وكأنهما غريبان .

(( ماذا حدث؟ )) جاءها صوته صارماً أجفلت له واهتزت

بقوة ملاحظته المفزعة . و كانت في تلك الأثناء تتظاهر

بوضع بعض النباتات الخضراء في الأصيص مع ورودها

الحمراء .

قالت كاذبة من دون أن تنظر إليه: (( لا شيء. ))

قال: (( إذاً , دعي هذه النباتات اللعينة وتعالي اجلسي

هنا. )) ومد يده يقرب إليه مقعداً صغيراً لتجلس عليه.

وأطاعته هي شبه متباطئة . وسألها بفضول: (( هل اعتاد بن

أن يرسل إليك زهوراً ؟ ))

أجابت وقد لاحظت بحيرة قوة المشاعر البادية على

ملامحه الوسيمة. ما الذي كان يتصوره؟ هل ذكرتها وروده

بالورود التي كان يرسلها إليها خطيبها الذي فقدته مما

جعلها تشعر بالأسى ؟ ومد أصابعه تتخلل شعرها وهو

يقول: (( هل ترينني عنيفاً معك ؟ هل هذه هي المشكلة؟ ))

يا حيرتي .. ما الذي في استطاعتها قوله؟ أخبرني فقط

أنك تحبني . أريد أن يطمئن قلبي. أريد أن أعرف بالضبط

شعورك نحوي .

لكنها لم تستطع أن تقول ذلك. وأغمضت عينيها لتخفي

شوقها لأنه كان منحنياً ووجهه ملاصقاً لوجهها. وكان كل

ما استطاعت فعله هو أن هزت رأسها نفياً .

قال: (( هل استياؤك هو من أجل إلغاء موعد الغداء ؟

ولأنني لم أشرح لك للحقيقة؟ )) وفكرت هي في أن ذلك هو

فقط جزء من السبب . وعاد يقول: (( حسن, إنني آسف يا

ساشا... )) وانتقل بكرسيه إلى ناحية أخرى من مقعدها

خلفها, وخفق قلبها عندما جذبها فجأة إليه وقد وضع,

ذراعيه حولها وهو يتابع: ((حتى الزوج وزوجته ليس في

إمكانهما أن يخططا لكل دقائق الوقت الذي يمضيانه بعيداً

عن بعضهم البعض. وهكذا عليك أن تقبلي بهذا الوضع,

وخصوصاً بالنسبة إلى عمل كعملي . فهذا نوع من الأمور

التي ستحدث معنا من وقت إلى آخر .

لم يشأ أن يفيض في الموضوع أكثر من ذلك. حتى أنها

فجأة , لم تشأ ذلك هي أيضاً لأنه استعمل أفضل سلاح

ليطمئنها وهو أنه قبلها .

خوفاً من أن يفاجئهما أحد وهما على هذه الحال, شيلا

أو كليم مثلاً, أو أحد من الخدم , رفع ذراعيه عنها ليضع

يديه على كتفيها قائلاً وهو يقبل شعرها: (( ليس الآن

وليس في هذا المكان يا ساشا. عندما يحين الوقت

المناسب . عند ذلك لن يكون لديك أي شك في وفائي. والآن,

أخبريني ماذا فعلت اليوم في الوقت الذي كان علينا أن

نلتقي فيه؟ ))

تمتمت قائلة: (( ذهبت إلى السباحة. )) وشعرت بتصلب

مفاجئ في جسمه وهو يسألها: (( ماذا؟ وحدك؟ ))

قالت: (( نعم. ))

قال: (( ليس مع غايفن؟ )) وغرز أصابعه , التي كانت تعبث

بشعرها برقة, غرزها الآن في شعرها بشدة آلمتها وهو

يشده إلى الخلف ليضع رأسها على ركبتيه .

أنّت متألمة: (( ريكس... )) ورفعت نظرها إلى ملامحه

الداكنة المتوترة . وتجهمت ملامحها شاعرة بالتعب ثم

اعتدلت في جلستها عندما تركها فجأة بعدما ظهر الألم على

وجهها, وهي تقول: (( إنني طبعاً لم أذهب مع غايفن, فأنا

مخطوبة لك. )) وسكتت وهي تفكر , كيف يمكن أن يخطر له

هذا ؟

قال: (( ولكن هذا لم يمنعك من أن تلعبي معه بكرة الطاولة

ذلك النهار. ))

قالت: (( كان شيئاً مختلفاً . ))

قال: (( أحقاً ؟ ))

قالت: (( نعم. لقد أخبرتك بذلك. )) واستدارت تقابل

نظرته المتشككة وهي تستطرد : (( لقد كان يلعب مع

الآخرين وكان وأخته يشكلان فريقاً, ولأن شقيقته

شعرت بالتوعك, لم يشأ أن تفسد اللعبة فطلب مني أن

أنضم إليهم بدلاً منها. ))

قال: (( وبما إنك خلقت لمساعدة المحتاجين, فقد ذهبت

حالاً . ))

قالت متحدية: (( نعم. ألم تكن لتتصرف هكذا لو كنت

مكاني؟ )) وشعرت بالإستياء من مظهره ذاك الذي لا سبب له

ولم تدرك ما قالت إلا بعد ما رأت على شفتيه تهكماً قاسياً

فسارعت تقول: (( إنني آسفة... لقد قصدت ... أوه , إنك تعرف

ما الذي قصدته! ))

قال بخشونة وقد بانت الكآبة في عينيه: (( انسي هذا. ))

واستدار بكرسيه مبتعداً تاركاً إياها تنظر في أثره إلى

كتفيه العريضتين .

في الصباح التالي , كان قد خرج قبل نهوضها من

فراشها. وكانت هي مسرورة لأنهما, على الأقل , قد تدبرا

تسوية الأمور نهائياً بينهما في الليلة السابقة . ولقد اعتذر

ريكس, كذلك, عن كثرة فترات غيابه , حتى أنه قدم إليها

بعض الاقتراحات حول الصورة النهائية , التي كانت تصممها

للعبة القمح التي تصنعها. كان تقديره لعملها الذي وضعته

في الكتاب الصغير برفقة حديثهما المترتب على ذلك

واهتمامه بمستقبلها , قد ساعد على إعادة الأمور إلى

نصابها. وفي النهاية, أخذها إلى غرفة المكتبة حيث جلسا

معاً جلسة هادئة , ثم قبلها قبل أن يدعها تذهب إلى فراشها ,

وهذا الصباح, قابلتها شيلا في أثناء نزولها السلم,

لتخبرها أن ثمة اتصالاً هاتفياً من دي على خط ريكس

الخاص.

عندما رفعت ساشا السماعة , سمعت صوت دي تقول: ((إن

ريكس يحضر اجتماعاً. لقد ذهب قبل مجيء البريد وأنا

أعلم أنه يتوقع رسالة مهمة في داخلها شيك. وهذه قد تكون

قد أرسلت إلى المنزل من طريق الخطأ, بدلاً من أن ترسل إلى

المكتب هنا. فهل تتكرمين بفتح ما عندك من الرسائل ثم

إعطائي خبراً عن ذلك؟ ))

سألتها ساشا ضاحكة: (( حتى الرسائل المكتوب عليها

( خاص وسري ؟ ) )) ولم تجد ساشا الرسالة التي سألت دي

عنها . وكان ثمة رسالتان بتلك الصفة , واحدة من مكتب

الضرائب, استطاعت أن تعرفها قبل أن تفتحها, أما

الثانية فقد كتبت بخط منحدر على استعجال .

قالت دي وهي تضحك : (( إنها حقوق السكرتيرة. ))

وتناولت ساشا الرسالة مرة أخرى لتفتحها .

فكرت و هي ترتجف بعد ما قرأت محتويات الرسالة ,

ولكنها ليست حقوق الخطيبة ...

كانت رسالة شخصية للغاية, تتوسل إلى ريكس أن يرد

على الرسائل الهاتفية التي سبق أن أرسلت من دون جواب,

وتتوسل إليه أن يتصل بها لإشعار قصير بالتسليم. وكان

الإمضاء ببساطة, روزاليند .

أجبرت ساشا نفسها على الخروج عن صمتها الذاهل,

لتقول: (( هذا كل شيء . )) من دون أن تتمكن من أن تقول لها,

إن حبيبة ريكس السابقة تكتب إليه مرة أخرى . وفكرت في

أنه قد لا يريد أن تعرف دي بذلك.. كانت متأكدة من هذا.

وشعرت أن عملها هذا كان تجسساً منها عليه , وتساءلت

عما ستكون ردة فعله إزاء فتحها للرسالة . ربما لم تكن دي

لتفتح رسالة مكتوبة بخط اليد. وساورها شعور بالذنب إذ

فكرت في أنها يجب أن تكون قد وضعت ذلك باعتبارها هي

نفسها . ولكن ريكس لن يهتم لذلك بالتأكيد إذا كان لم يعد

يهتم بتلك المرأة . ولكن, إذا كان ما زال يهتم بها...

عندما أقفلت دي سماعة الهاتف , ابتدأ عذاب الشك يشغل

ذهنها . ربما هذا ما كان يرجو حدوثه؟ لعل لورين كانت على

حق في أنه لما علم بعودة حبيبته السابقة , أسرع بإعلان

الخطبة انتقاماً منها ...

تساءلت , وهي تستجمع شتات نفسها, عما إذا كانت

ستجن . إن ريكس يحبها! وإلا , لماذا طلب منها الزواج؟ إن

الناس الأذكياء لا يتعهدون بشيء لا ينوون الوفاء به .

و ريكس كان أذكى رجل عرفته .

مع هذا, لم تشأ أن تدعه يعلم بما وجدت في بريده هذا

الصباح, وعندما أعادت الرسالة إلى المغلف أدركت يائسة

أنها لا تستطيع أن تغلق المغلف ذاك في شكل لا يشعر ريكس

معه بأن الرسالة قد فتحت . ولكنها كانت قد فتحت المغلف

من أعلاه , ولذا لم يكن في المستطاع إغلاقه ثانية. حتى

أنها فكرت في أن تطبع مغلفاً آخر, ثم تعيده إليه بواسطة

البريد. ولكنها فكرت في أن ذلك سيبدو شاذاً حيث أن

الرسالة ذاتها كانت بخط اليد. إلى جانب أنها لا تريد أن

تتصرف في هذا الشكل من المخادعة , إذاً , فإن الأكثر تعقلاً

هو أن تجابهه بالأمر بصراحة. ولكن شيئاً ما منعها من أن

تفعل ذلك. وأخيراً, قررت ببساطة, أن تتركها على المكتب,

ثم تدع له هو أن يبدأ بمفاتحتها بالأمر أو لا حيث أنه لا بد أن

يفكر في ذلك بعد أن يراها مفتوحة .

هكذا, عندما خرج إلى الشرفة ذلك المساء حيث كانت

جالسة ترسم, شعرت بتوتر في أعصابها, إذ كانت تعلم أنه

قد أنهى , لتوه, الإطلاع على بريده اليومي .

(( هذا جميل )) قال ذلك وهو ينظر إلى الدفتر الموضوع

على ركبتيها والشكل الملون الصغير لـ ( دمية القمح ) التي

كانت تضع في شعرها حلية حمراء متألقة, وتابع يقول:

(( إنها ستخطف قلوب الأطفال جميعاً, من هنا إلى القطب

الجنوبي. ))

فكرت قائلة, كما خطفت أنت قلبي ... كانت مسلوبة اللب ,

كالعادة بجاذبيته وهو يمعن النظر في عملها, وتأملت

أهدابه المسبلة وبشرته الدافئة وتلك الابتسامة الكسول.

قالت ضاحكة: (( أتظن أنها ستجلب لي ثروة ؟ )) وكانت

تشعر بالاضطراب في أثناء ضحكها وهي تنتظر منه أن

يقول شيئاً على تلك الرسالة, ولكنه لم يقل شيئاً.

تساءلت عما إذا كان هذا يعني أنه لم يقرأ الرسالة بعد ,

ولكنها ارتابت في ذلك, وحاولت أن تخفي عدم ارتياحها

خلف ابتسامتها وهو يأخذ يدها ليطبع قبلة شاردة

وهو يقول: (( إذا لم يكف هذا , فهم يريدونني أن أجيب.. )) ثم

قال بلهجة عادية: (( أرجو المعذرة يا عزيزتي, إذ أن علي أن

أقوم بعدة اتصالات هاتفية في الداخل, استمتعي بالرسم

وببقية هذه الأمسية الجميلة . ))

بدا عليه, على غير عادة , الاسترخاء و الرضى عن النفسي

وهو يتأمل الورود وراء الشرفة ثم تابع قائلاً: (( سأذهب لأبدأ

بذلك وسأراك عند العشاء . ))

فكرت ساشا وهي تضع فرشاتها جانباً بعد ما فارقها

الإلهام مع ذهابه.. إذاً, هذا ما كان ... لقد قرأ الرسالة حتماً .

لقد وضعتها فوق بقية الرسائل في وسط المكتب, وربما هو

ينتظر فرصة أفضل لينفذها ,وفي هذه الحالة , لن يكون ذلك

في أثناء العشاء , , كما فكرت في ما بعد, إذ أن شيلا جاءت

لتناول العشاء معهم لتسأله النصيحة في ما يتعلق بحصان

للسباق .

بينما جلس ريكس غافلاً عما تشعر به من توتر, كانت

ساشا تنظر إليه وقد أنهكها تمالك أعصابها . ثم بعد ذلك,

بقي يتحدث هاتفياً مع زبون ذي أهمية قرابة ساعة كاملة .

وذلك بعد ما اتصلت بها أمها كما تفعل أحياناً للإطمئنان إلى

أن ابنتها سعيدة وبحالة طيبة.. ثم استغرق ريكس في أعماله

المكتبية . بعد ذلك لم تسمح لهما فرصة يرتاحان فيها معاً

مرة أخرى .

استيقظت مبكرة في الصباح التالي , وقد صممت على أن

تراه قبل أن يخرج حيث أنه كان قد أخبرها أنه سيمضي في

مكتب لندن معظم أيام الأسبوع .

في الواقع, لم تكن قد نامت جيداً , وقد صممت على أن

تخرج لتتمشى قليلاً حالما يبزغ الفجر. وهكذا كانت قد

عادت من جولتها عندما انضمت إلى ريكس على مائدة

الإفطار في غرفة الطعام. وبدت متألقة متوردة الوجنتين

حين رأته, وقد لطخت بقع الوحل حذاءها نتيجة توغلها في

الغابة .

قال ببطء, وهو يضع صحيفته إلى جانبه ويسحبها من

ذراعها يجلسها إلى جانبه: (( إنك أكثر المخلوقات التي

رأيتها إشراقاً وحيوية. )) وقال لها وقد ابتدأت تخلع السترة:

(( كلا دعيها, فإنك ستشعرين بالبرد بعد فترة . )) وأطاعته فهي

تعلم أنه ذو خبرة, لقد أخبرها مرة أنه كان معتاداً التمشي

في الغابات بانتظام كل مساء قبل أن يحدث له ذلك الحادث ؟

كانت تلك التقطيبة بين حاجبيه تناقض ما أظهره من سرور

برؤيتها, وكأنما كان يفكر في أمر ما , وتساءلت وهي

تجرض بريقها, أهي تلك الرسالة ؟

جازفت بالسؤال وهي تسكب لنفسها عصير البرتقال,

متظاهرة بعدم المبالاة : (( هل اطلعت على البريد هذا

الصباح ؟ ))

قال: (( نعم. شكراً . )) قالها بذهن غائب تقريباً. مما جعلها

تلقي عليه نظرة سريعة. ولكنه لم يكن ينظر إليها, بل كان

يحدق إلى عبارة على صحيفته المطوية وهو يمسح الزبدة

على الخبز بهدوء

قالت بصوت مضطرب بعد ما روت عطشها بجرعة كبيرة

من العصير: (( يجب أن أبدأ بالتفكير في رحلة إلى الوطن.))

لم تكن تريد أن تتحدث عن ذلك, وإنما أرادت أن تسأله

عن تلك الرسالة , لا بد أن يكون قد قرأها الآن, وإذا كان ذلك

قد حدث فلماذا لم يقل شيئاً حيث أنه قد عرف أنها

فتحتها ... وقرأتها ؟ وأحست بحيرة جارحة .

قال: ((هل يجب أن تذهبي ؟ ))

لقد استحوذت الآن على اهتمامه كلياً, ولكن, لأمر ما ,

شعرت بارتباك غريب. وأجابت: (( لا بد أن أذهب يوماً ما . ))

ومنحته ابتسامة سريعة , وهي تتساءل عما إذا كان ما

شعرت به في صوته هو أسف حقيقي , وتابعت: (( إنني

بحاجة إلى مواد للرسم , ومن السخافة أن أشتريها من هنا,

بينما عندي منها الكثير في البيت, كذلك أمي وأبي يريدان

أن يعرفا كل شيء عنك .. )) ولم تستطع أن تنظر إلى وجهه

وهي تقول ذلك , وتابعت: (( هذا عدا رؤية صديقتي

جولييت. كذلك الشقة المغلقة من دون فائدة في حين

أنها يمكن أن تكون ذات فائدة لزوجين يبحثان عن منزل

بثمن معقول. هذا إضافة إلى أنه يمكنني أن أنجز إجراءات

بيع مقتنياتي بنفسي, إنني أريد أن أخرجها إلى السوق

إذا ... إذا كنت تعتزم أنني سأعيش في هذه البلاد بعد

زواجنا. )) قالت ذلك بهدوء وبشيء من عدم التأكد إذ أنه

تحدث كثيراً عن حفلة الزواج في البداية , إلا أنه لم يأت

على ذكر ذلك منذ أيام . وتابعت: (( لا يمكنني ترك كل شيء

لأبي أو أمي لإنجاز ذلك كله. إن هذا ليس لائقاً . ))

قال وهو يتنفس بعمق: (( معك حق .))

تساءلت هي عن السبب الذي يجعله حزيناً وهو يتحدث

عن ذلك. وتابع قائلاً: (( إنني أوافقك على أن من الواضح أن

العروس هي عادة بحاجة إلى نقود. ولكن لا تستعجلي في

التخلص من منزلك الآن, فهذا الوقت غير مناسب للبيع.إن

بلادك تعاني ركوداً تجارياً... وأثمان الممتلكات هابطة

إلى الحضيض, ومن الأفضل لك أن تدعيه بعض الوقت

وفكري في البيع بعد أن تنتعش السوق. ))

فكرت في أن الحق معه. وراقبته وهو يأكل الخبز

المحمص. ولكن , لماذا تملكها شعور غامض بأن عنده

أسباباً أخرى عدا الأسباب التجارية التي ذكرها ؟ هل تراه

قد تراجع عن طلب الزواج منها ... وقوى من تراجعه هذا

تسلمه تلك الرسالة ؟

قالت تذكره: (( إنك تعرف أنني كنت قد رهنت بعض

أشيائي . وهنا, أو في أميركا, ذلك الممول يطالب

بنقوده ... ))

قال: (( إذاً فسندفعها إليه.))

فكرت ساشا في أنه, إذا , ما زال مصمماً على الزواج.

وفتحت فاها تحاول الاحتجاج عندما مسح هو يده

بالمنشفة. ثم رفع إصبعه إلى شفتيها يمنعها من الكلام

وهو يقول بحزم: (( إنني أصر على ذلك. )) وأدارت رأسها

رائحة كولونيا بعد الحلاقة المضمخة بها يده , وتابع هو:

(( إنني لا أريدك أن تقلقي بالنسبة إلى النقود . إن هذا ينقص

من إبداعك . وموهبتك النادرة ينبغي ألا تبدديها في التركيز

على أشياء أخرى , للمناسبة.. )) وأمسك بيدها يمر بشفتيه

على رؤوس أصابعها, وهو يتابع قوله: (( لن يكون في

إمكاني أن أخرج باكراً بعد الظهر كما سبق أن خططت لذلك ,

ولهذا, فإننا سنتناول الشاي معاً بعد الظهر . على كل حال,

إذاً كان لا يزال في نيتك أن تأتي إلى المدينة اليوم , فتعالي

وقابليني بعد الساعة السادسة, وسأكون قد أنهيت عند ذاك

عملي , و سأصطحبك إلى العشاء .))

لِمَ لم يأت على ذكر الرسالة؟ حدثت ساشا نفسها

وهي تنظر إليه مبتعداً , بأن لا بأس بذلك , ولكن , كلا. إنه

يعرف أنها قد رأتها وأنها تكاد تموت لكي تعرف ما هو

مصمم على فعله بالنسبة إليها. وعلى كل حال, فإن لها

الحق في أن تعلم! فلماذا إذاً, إذا كانت تلك المرأة لم

تعد تعني له شيئاً بعد الآن, يرفض أن يتحدث عن ذلك

إليها بصراحة ؟

كانت ساشا تتساءل عن كل هذا وقد امتلأ قلبها حزناً.

لما حدثت نفسها . مرة أخرى , بأنها ستصاب بالجنون

إذا هي استمرت بهذه الهواجس , دفعت بكل هذا من ذهنها. ثم

تابعت شؤون يومها, فأمضت الصباح في إعداد تخطيطاتها

وكتاباتها لكي تسلمها إلى الناشر , ولم تشعر برغبة في

الذهاب إلى المدينة . ولكن, بما أنها قبلت دعوة ريكس إلى

العشاء , صممت على أن تعود إلى ما سبق أن عزمت عليه من

شراء سترة شتوية. إلى جانب ذلك, فكرت في أن جولة في

المحال قد تحسن من نفسيتها وتساعدها على أن تصحح

من نظرتها إلى الأمور ,ولكن ,لم يكن لها مزاج للتسوق ,لهذا

وصلت إلي مكتب ريكس قبل الموعد بقليل لتجد أن دوام

موظفة الاستقبال قد انتهى ,كما أن دوام الحارس الليلي قد

ابتدأ.

حيته ساشا بكلمة رقيقه ثم تابعت طريقها إلى المصعد,

ثم إلى الطابق العلوي .

كان المكتب الخارجي خالياً, ولكن باب مكتب ريكس كان

موارباً, ولما توجهت نحوه سمعت أصواتاً اتيه من الداخل .

سمعت صوتا غير مألوف لامرأة يقول: ((انك تقوم بعمل

خاطئ ))

أجابها صوت ريكس : ((هذه ليست أول مرة .))

عادت تقول : ((انك لا تخطئ ,على الأقل ليس مثل هذا

الخطأ الكبير .أوه يا ريكس , ألا تفهم ؟ لقد كنا معاً على ما

يرام .))

فقال (ولماذا رحلت إذًاً؟ ))

كان للطريقة التي فاه بها بهذه الكلمات ما جعل الدم

يجري بارداً في عروق ساشا

أجابت المرأة: ((لقد... لقد كنت خائفة . لم أستطيع أن أتلاءم

والوضع . ))

قال : ((و الآن ,أتظنين أن في استطاعتك ذلك ؟))

قالت: (( أوه ,ريكس ...)) كان صوت المرأة منخفضاً يضج

بالمشاعر: ((لقد أصبحت خشناً ساخراً الآن .حسن لقد كنت

مخطئة . ولكن أرجوك... لا تعاملني في هذا الشكل .))

قال : ((وماذا تريدين أن تسمعي مني يا عزيزتي ؟إنني

لم أكف عن التفكير فيك ؟ إن عدم رؤيتي لك مرة أخرى كان

أشد إعاقة لي من معرفتي أنني لن أتمكن من السير مرة

أخرى ؟ أم أنك كنت علي حق ؟)) كانت ضحكته وكلماته تبدو

وكأنها قدت من رئتيه , وتحمل من الألم بقدر ما شعرت به

ساشا وهي تسحب أنفاسها من رئتيها . لم تستطع تصديق

ذلك . لقد دل عذابه هذا على أنه مازال يحب تلك المرأة

حتى ولو منعته كبرياء رجولته المجروحة من الاعتراف

به.

كاد تنصتها ذاك يوردها مورد الهلاك حيت سمعت صوت

المرأة يقول بلهجة تقرب من الانتصار: ((أوه ,ريكس ...))

أرادت أن تشد بيديها علي أذنيها كيلا تسمع المزيد وأن

تجر نفسها بعيداً... ولكنها لم تستطع الحراك وهي تسمع

خطوات نسائية خفيفة تسير علي أرض الغرفة , ثم حركة

عجلات الكرسي تبعتها آهة نسائية ثم صمت ...صمت

عاشقين , اشتبكا في العناق .

أوه كلا ...إن هذا بعد فوات الأوان . لقد ارتفعت يدا ساشا

تغطيان أذنيها وهي تجاهد في ألا تصرخ يائسة . شعرت

بالغثيان , بالتشنج في أوصالها وهي تجر نفسها من عذاب

الواقع خلف الباب لتخرج عائدة إلى المصعد.

لوح لها الحارس بيده وهي تمر , ولكنها لم تكد تنتبه له

وهي تجتازه مترنحة من الألم , إلى الشارع .

كيف يمكنه ذلك , وشعرت بعذاب هائل , وتنفست بعمق

محاولة أن توفق هذا العذاب من أن يغمرها . هل كان يقوم

هناك بصراع مع نفسه , ليخسر في النهاية تماماً؟ أوه ,

ريكس ...

كانت حركة السير في أوجها تلك الساعة ولكنها لم تكد

تنتبه. كان عقلها تشغله فكرة واحدة. وهي أن ريكس ما زال

يحب روزاليند بيكينغتون .

في أثناء عودتها إلى حيث تركت سيارتها, كان أول ما

خطر لها هو أن تعود إلى منزلها... لتدرك , فجأة , بسخرية

أن منزلها يبعد ثلاثة آلاف ميل . ولكنها لا تستطيع العودة إلى

منزل (الاستراحة).. الآن ... ليس وهي في حالة من

العذاب .

خرجت بسيارتها من المرأب بعد ما دفعت الأجرة , بينما

كان ذهنها تتخبط فيه الأفكار المؤلمة في أثناء اجتيازها

الشوارع المزدحمة . لا عجب في أنه لم يأت على ذكر تلك

الرسالة... ولم يعد يريد أن يتحدث عن حفلة الزواج... لقد

أصبح كل شيء الآن مفهوماً, لقد كان في نفسه صراع بين

حبه لروزاليند , وبين نصيحته لــ ساشا هذا الصباح بألا تبيع

شقتها في أميركا . وتبرعه لأن يدفع عنها قيمة الرهن ....

لماذا كان ذلك؟ هل هو نوع من التأمين لها ؟ المحافظة على

مصلحتها , ومصلحته هو, للإطمئنان إلى أنها لن تصبح

متشردة كلياً ... فيكون في ذلك راحة لضميره فيما لو قرر

عدم الزواج منها ؟

كانت الآن تبكي فتعوق دموعها قيادتها للسيارة. ولكنها

مسحتها شبه غاضبة . لم تعرف كم بقيت تقود السيارة وإلى

أي مدى. إلى أن وصلت إلى ناحية الجسر حيث أوقفت

سيارتها, ثم نزلت تتمشى على الشاطئ المغمور بنور

الغسق المتضائل .

كانت سرعة الرياح, والسحب السوداء الآتية من البحر ...

كل ذلك يبدو غريباً منذراً بالشؤم, ولكنها لم تهتم وهي تسير

ترفس الرمال بقدميها وقد شابه صخب أفكارها تخبط تلك

الأمواج على الشاطئ .

ما الذي يكون الآن بينهما بعدما سمعته في مكتب ريكس ؟

هل انتهى كل شيء بينهما؟ هل يعود إلى روزاليند؟ في تلك

الحالة, ما الذي كانت هي تمثل بالنسبة إليه ؟ هل كان ذلك

أكثر من مجرد فترة استراحة بهيجة مرت في حياته؟؟

يا حيرتي ... إنها لا تستطيع التفكير في ذلك .

عادت إلى السيارة بعد ما سمعت جلجلة الرعد ... ولكنها

كانت قد سارت شوطاً طويلاً من دون وعي منها . وقد حل

الظلام وانهمر المطر حين وصلت إلى السيارة. وهكذا,

بثيابها القطنية الخفيفة المكونة من قطعتين التي ارتدتها

لمناسبة الذهاب إلى العشاء . كانت ترتجف وقد بللها المطر

عندما وصلت أخيراً إلى منزل الاستراحة .

كان الوقت متأخراً أكثر كثيراً مما كانت تظن. فكرت في

ذلك وهي تلقي نظرة على ساعة الجدار وتصعد بهدوء إلى

غرفتها هلعة من مواجهة ريكس, متسائلة عما يمكن أن

تقوله له وماذا يمكن أن يقوله لها .

سرت بوصولها إلى غرفتها دون أن يراها أحد .

وخلعت ثيابها المبتلة وأسنانها تصطك من البرد, ثم أخذت

تفرك جسمها بالمنشفة , ثم لبست ثوباً طويلاً أبيض

وابتدأت تجفف شعرها عندما, فجأة , اندفع الباب مفتوحاً .

وأطلقت صرخة فزعة عندما ارتد الباب مغلقاً بعنف .

وأطفأت مجفف الشعر بيد مرتجفة وهو يصيح بها: (( أين

كنت حتى الآن ؟ ))

لم تكن ترتجف من رؤية ريكس هناك, في غرفتها فقط ,

وإنما أيضاً من الغضب الذي كدر وجهه حتى نفرت العروق

في عنقه من خلال فتحة قميصه: (( ألم تفكري في القلق الذي

كان يفترسنا جميعاً عليك؟ كيف تتصورين تفكيري عندما

أترك خطيبتي في وقت على أمل أن أراها عند العشاء, ثم لا

يعرف أحد مكانها في أي مكان هي إذ لم ترجع حتى قبل منتصف

الليل ؟ كنا على موعد... أتذكرين؟ أم أنني لا أستحق اتصالاً

هاتفياً تخبرينني فيه بإلغائك الموعد إذا كنت قد شئت ذلك ؟

إذا كان ثمة شيء يبقيك خارجاً إلى مثل هذا الوقت وحدك؟ ))

كان ثمة تهكم في جملته الأخيرة. ولكن, كيف له أن

يتهمها بأنها مع شخص آخر بعدما سمعته من خلال باب

مكتبه؟ وشعرت بالمرارة .

هوت كتفيها قائلة وهي تضع مجفف الشعر على

الطاولة: (( إنني آسفة.)) وفطنت الآن, شاردة الذهن, إلى أنه

صعد إلي غرفتها بالمصعد الذي كان قد أصلح في اليوم

السابق فقط. وتابعت تقول: (( لم أدرك أننا قد توصلنا إلى

اتفاق نهائي . ))

لقد كانت تكذب الآن, في محاولة جبانة لتتخلص , وقد

كانت أضعف وأشد تألماً من أن تواجهه بحقيقة ما سمعت.

قال: (( أوه, لم تدركي ذلك؟ ))

إنه لم يصدقها. لقد أخبرتها عيناه وحدهما بذلك. لقد

كانا كقطعتين من الجمر تخترقانها وهو يتابع: (( إذا ما

الذي كنت تفعلينه طوال ذلك الوقت؟ هل كنت تسبحين؟ )) قال

ذلك بسخرية جارحة وعيناه تنظران إلى شعرها المبلل

وتابع: (( لا أظنك استطعت الاغتسال في هذه المدة القصيرة .

وأظن أن الحمامات العامة تغلق أبوابها منذ ساعات. ماذا

كنت تفعلين إذاً ؟ تركضين حافية القدمين تحت المطر مع

ذلك الانتهازي المتزلف تشيز؟ ))

التهبت عينا ساشا وهي تقول: (( كيف تجرؤ على هذا

القول؟ )) لقد أرادت أن تصرخ به وتخبره بكل ما سمعته

منه ومن تلك المرأة , ولكن الكلمات التصقت بحلقها,

لتقول: (( وماذا لو كنت معه ؟ إنه على الأقل لا يريدني فقط

لكي يتعزى بي عند شعوره بالإحباط. )) كانت بذلك ترد له

الضربة, تريد أن تؤلمه قدر ما آلمها وهي تسمعه

يبث روزاليند بيكينغتون لواعج قلبه. وأدركت, وهي ترى

المشاعر المظلمة التي كست وجهه, إنها قد تجاوزت

الحد .

دخل بكرسيه وقد شحب وجهه بثورة عارمة , خابطاً

الباب خلفه بعنف أفزعها . ورأت عقد أصابعه تبرز عظامها

لشدة قبضته على ذراعي كرسيه وقد لمعت عيناه ليس

بالغضب وحده وإنما أكثر وأكثر , بنظرة ثلجية تنذر

بتصميم بالغ الخطورة .

جحظت عيناها تحدق إليه وقد بدا أن كل قوته الجسدية

قد ظهرت في يديه هاتين, ثم, وبكل إرادته الهائلة , اندفع

واقفاً , تاركاً الكرسي ليتقدم إليها ببطء مخيف .

(( نهاية الفصل الثامن ))



Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-10-16, 02:07 PM   #10

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع

(( ريكس... ))

رفعت ساشا يدها إلى فمها وهي تتراجع خطوة إلى

الخلف وقد أدارت رأسها الصدمة لتصطدم بحاجز السرير,

وقد تعلقت عيناها بعينيه الملتهبتين ليندفع نحوها بقوة

قبل أن تتمكن من الهرب من طريقة .

قال وهو يضحك بخشونة إزاء صرخة الذعر المبتورة

التي أطلقتها: (( وماذا في ذلك؟ ألا أعجبك في هذا الشكل؟ ))

وأفقده توازنه مقاومتها فانقلب وإياها ساقطين على

السرير وهو يقول: (( أليس هذا ما تريدين ؟ رجلاً يستطيع أن

يمشي؟ )) فهتفت بضعف : (( كلا! كنت اقصد...! أوه , ريكس ,

كلا .. أرجوك!)) كان غضبه متواصلاً , وكانت مقاومها من

دون جدوى .

قال بصوت مخيف: (( ما الذي يخيفك هكذا ؟ ألا أعجبك في

هذا الشكل . أم أن ذلك يحطم ما توهمته عن ذلك المعوق

الجدير بالرثاء الذي ارتبطت به ؟ ))

(( إياك! )) قالت ذلك وهي تبكي وتشهق إزاء غضبه العارم

ذاك, وإزاء كل المفاجآت القاسية التي عرضها لها هذا

النهار. وكانت تقاوم عبثاً. فقد كان مسمراً معصميها

بمستوى كتفيها , تكاد قبضتاه القويتان عديمتا الرحمة, أن

تسحقا لحمها الطري .

(( ريكس ... ))

رفعت نظرها إليه, وبدهشة , ولعدة لحظات, لمحت على

وجهه مشاعر محرقة . وشهقت وهي ترى الألم العميق

ذاته الذي يكمن في أعماقها هي, كان ذلك للحظات قليلة

ليعود بعدها ذاك القناع الحجري يكسو وجهه. وصدر من

حلقها صوت مختنق حين أهوى عليها بقبلة قاسية عنيفة.

فكرت بذهول, ما الذي تفعله وهي تعرف أنه يحب امرأة

أخرى ؟

عندما استيقظت , بعد غفوة قصيرة, كانت تشعر و كأنها

تحترق .

أخذت تئن في الظلام, وكأنما استيقظت من حلم مؤلم ,

تذكرت المشهد الغاضب مع ريكس, ولكن ريكس قد ذهب.

ربما كانت تهذي متصورة ما حدث, ذلك أنه غير

موجود. ولو كان ما حدث بينهما , حقيقة وليس مجرد

تخيلات منها, لما ذهب من دون أن يوقظها .

لابد أنها سقطت في إغفاءة بعد ذلك , إذ أن الليل قد بدا

وكأنه اختلط بالنهار. لقد سمعت أصواتاً وحاولت أن تجيب ,

ولكن يبدو أنهم لم يفهموا ما كانت تقول .

لقد نادت ريكس, وتصورت أنه قد استجاب لها على

الأقل. ولكنها عجبت من أن يفعل ذلك في الوقت الذي يحب

فيه امرأة أخرى, ومن هو ذلك الرجل الجالس إذاً, بقربها

على السرير, يمرر يده على جبينها بحنان, ويهمس إليها

بكلمات حلوة رقيقة وكأنه يحبها ؟

عندما استيقظت مرة أخرى, كانت الحرارة قد انخفضت

ولم تعد تشعر بالألم . كما أن ذهنها قد استعاد صفاءه

ورفعت عينيها إزاء أشعة شمس أيلول .

نزلت بضعف من السرير و هي تشعر بحاجة ملحة إلى

الإغتسال ... ثم , وقد أدركت مبلغ عدم توازنها , تمسكت

بأحد أعمدة السرير في الوقت ذاته الذي دخلت فيه شيلا

الغرفة .

أسرعت إليها المرأة تهتف بلهفة: (( إذاً , لقد استيقظت. هل

أنت متأكدة من أنك بخير؟ لقد كنت فريسة الهذيان مدة

يومين. لا أستطيع أن أصف لك مبلغ القلق الذي أصابنا

لأجلك. خصوصاً ريكس. غريب منك أن تسيري تحت المطر

فتصابي بالبرد! ))

نظرت ساشا وهي تتمتم: (( هل هذا ما حدث؟ )) لم

تكن تريد أن تتذكر رحلة العذاب تلك إلى شاطئ البحر. وذلك

المشهد البشع مع ريكس, وكلماتها المرة لتي استفزته إلى

من ينهض من الكرسي ويمشي...! ولكن شيلا تقول إنه كان

قلقاً عليها . وتملكتها رجفة وهي تتذكر عنفه في أثناء

معاتبتها. هل غير ذلك ما سبق من شعوره نحوها؟ تساءلت

عن ذلك بألم وهي تنظر بحيرة إلى قميص النوم الذي لم

تتذكر أنها لبسته. وقالت شيلا: (( كنت لا تزالين في معطفك

المنزلي, شبه غائبة عن الوعي, عندما جئت وقررت أن

أستدعي الطبيب . لا بد أنك كنت تشعرين بالمرض , مما جعلك

تستسلمين لمثل هذا النوم الطويل. )) وأشاحت ساشا

بوجهها لتخفي وجنتيها المتوهجتين, بينما تابعت والدة

ريكس تقول: (( وفكرت في أنك ستشعرين براحة أكثر في

قميص نومك . ))

تمتمت ساشا: (( شكراً ))

لم تكن تحب بتاتاً أن تكون مصدر إزعاج لأحد. وكانت

على وشك أن تقول هذا عندما سألتها شيلا: (( هل أنت جائعة

يا ساشا؟ هل آتي إليك بفطور؟ ))

كانت جائعة فعلاً, ولكن الحمى كانت قد أصابتها

بالجفاف حتى أنها شعرت بلسانها كقطعة من الورق

النشاف . وقالت تجيبها: (( شكراً, ولكن قبل ذلك , هل يمكنني

أن أحصل على شيء من عصير البرتقال من فضلك؟ ))

قالت شيلا: (( بالطبع يا عزيزتي . سأرسله إليك حالاً. ))

من دون ذكر لتمكن ريكس من المشي, أدركت ذلك عندما

أصرت المرأة على إعداد الحمام لها, كما أنها تأكدت من أن

كل ذلك لم يكن حلماً فهل يعني هذا أن تلك الكلمات الرقيقة

التي سمعته يهمس بها إليها عندما كانت مريضة , هل هي

حقيقة وليست حلماً أيضاً ؟ و أفعمت بالأمل وهي تصل

بتفكيرها إلى هنا. وتضايقت لما كانت هذه مجرد تصورات

لكلمات عاطفية كانت تتخيلها, مستمدة إياها من تشوقها

الشديد إلى ذلك. وعندما نزلت إلى غرفة الطعام لتناول

فطورها المكون من بيضة مسلوقة وخبز محمص, وشربت

ما يعادل لتراً من عصير البرتقال, صادفت ريكس في غرفة

المكتبة .

كان جالساً إلى منضدة يقرأ في كتاب. ولم يسمعها وهي

تدخل. كان منحنياً على الكتاب , بشعره الأسود ذاك , ويديه

القويتين وهو يقلب صفحة على الكتاب, كان في ذلك المنظر ما

جعل قلبها يتلوى ألماً . وفجأة, رفع إليها نظره دهشاً

ليهتف: (( ساشا؟ )) وتألق وجهه القوي بابتسامة وهو يدفع

بكرسيه إلى الخلف بعيداً عن المنضدة .

قالت تذكره مرتبكة وقد بدا التساؤل في عينيها وهي

تراه سجيناً , كالعادة, في كرسيه, قالت: (( ولكنك ...مشيت.))

قال: (( نعم.)) ومد يده يأخذ عصا كانت ملقاة على كرسي

إلى جانبه, ثم يقف مستنداً إليها بطولة الفارغ, مشرفاً

عليها وهو يقول: (( كيف حالك؟ ))

فقالت بخجل: (( لا بأس. )) وعجبت لاهتمامه بها بهذا

الشكل , في الوقت الذي يحدث له هو هذا الشيء الرائع.

وحاولت جاهدة أن تمنع نفسها من الإندفاع إليه لتدفن

وجهها في قميصه المتهدل ذاك.

قال مبتسماً وهو يتقدم نحوها متكئاً بصعوبة على

عصاه: (( لقد التحقت بناد. ))

قالت بارتياب وهي تنظر إليه يمشي : (( منذ متى ... عرفت

ذلك؟ )) كان يترنح قليلاً. كان ذلك حقيقية .. إن كل ما يحتاجه

الآن هو التمرين. كانت متأكدة من ذلك .

قال: (( لم أكن أعرف. )) ووقف بعيداً عنها بذراع, إلى

جانب التمثال الرشيق متابعاً قوله: (( كنت أحاول منذ أشهر,

من دون نجاح لم أستطع حتى أن أضع قدماً أمام الأخرى

من دون أن انكفئ إلى الأمام . إلى أن جعلني شيء ما أفور

غضباً إلى أن ... ))

شيء ما ... إنه يعنيها هي . فكرت ساشا في ذلك بعد ما

التقت أعينهما , وهي تشعر بوجهها يتوهج. لم يكن المشي

هو الشيء الوحيد الذي حصل في تلك الليلة . ولكن, رغبة

منها في أن تبعد ذلك الموضوع عن حديثهما, سألته: (( هل

أخبرت أمك؟ كان ينبغي أن تقول لي شيئاً على ذلك, ولكنها

لم تفعل.))

قال وهو يضع يده في جيب سرواله: (( كلا لا أقصد بهذا

أنني لم أخبرها, بل أقصد أنني طلبت منها ألا تخبرك. لقد

مرت بنا فترة بشعة تلك الليلة, ولم أستطع إلا أن أفكر في

أنني أسهمت في مرضك. ولم أشأ أن يذكرك أحد بذلك من

دون ضرورة . لقد قال الطبيب إن سبب مرضك هو برد

شديد... ولكنني أظن أن ثمة سبباً آخر لذلك. ))

نظرت إليه متسائلة وهي تعبث بأصابعها. كانت أساريره

خالية من التعبير وهو يمعن النظر في وجهها الشاحب

وعينيها القاتمتين المتسعتين, ومظاهر الهزال تحت

قميصها وسروال الجينز الذي ترتديه, ثم قال بهدوء:

(( تعالي إلى هنا.))

جعلت لهجته الهادئة الآمرة خفقات قلبها تتسارع .

وأطاعته , لتشهق إذ جرتها ذراعه إليه لتحتضنها بشدة وهو

يقول: (( إلى أين ذهبت, ليلحق بك مثل ذلك البرد والبلل؟ كان

يمكن أن تصابي بالتهاب رئوي. أين كنت؟ )) كان سؤاله هذا

حازماً برغم رقته .

قالت معترفة: (( لقد كنت أتمشى. )) كانت تجيبه, مستجيبة

للهجته المسيطرة, شاعرة بالضعف و الوهن, مستكينة لقوته

وهي تعجب كيف كان يبدو كالصخرة العملاقة, قوة

ورسوخاً, في الوقت الذي يحتاج فيه إلى عصا ليتكئ

عليها .

سألها: (( مع غايفن؟ ))

كان ذلك ما جعلته يعتقد في تلك الليلة .

ولكنها يجب ألا تكذب عليه الآن. وتمايل شعرها على

كتفيها وهي تهز رأسها نفياً وهي تقول: (( كلا. ))

قطب جبينه وهو ينحني عليها لتغوص عيناه في عينيها

تستشفان روحها. فجأة, مر بشفتيه على جبينها برقة

بالغة .

بدا أن دفئه ورائحته وقوته قد بعثت في أوصالها الواهنة

القوة, فرفعت ذراعيها تحيطانه بهما .

قال وهو يلقي بالعصا بعيداً ليأخذها بين ذراعيه ,

مستنداً إلى المنضدة خلفه, بما يشبه الغضب: (( إنك

تسحرينني . أقسم على ذلك. ))

تنهدت قائلة: (( ريكس... ))

ألا يبدو عليه الآن أنه يحبها هي , وليس روزاليند

بيكينغتون, برغم كل تصوراتها ؟

فجأة, استجمع أرادته ليبتعد عنها وهو يقول: (( إنك ما

زلت مريضة. )) وربت على ظهرها بلطف وهو يستطرد:

(( اضافة إلى إننا إذا بقينا نقوم بهذا العمل, فستصل إلى

مالا تحمد عقباه, وأنت لا تريدين ذلك .أليس كذلك؟ ))

هل هي تريد ذلك حقاً؟ وهزت رأسها وقد غامت

عيناها . لماذا تبدو عليه كل هذه الثقة بأنها لا تريد ذلك؟ لم تكن

متأكدة منه لكي تسأله عن كل هذا برغم أنها كانت تضع

خاتمه في إصبعها .

كان ينظر حوله إلى عصاه, وانحنت ساشا تلتقطها

وتناوله إياها .

قال: (( شكراً )) ومد يده يتناولها منها, ثم يقبض على

يدها بيده الأخرى بينما كانت هي تحاول التراجع,

ليتابع بعبوس: (( لماذا أردتني أن أعتقد أنك كنت مع

غايفن؟ )) وبدت حول عينيه وفمه غضون تنبئ بإجهاده

نفسه أو ما شابه .

فكرت هي في أن سبب ذلك أنها رأته مع روزاليند في

مكتبه ... أرادت أن تتخلص من هذه المعرفة التي يعذبها

كبتها في نفسها وذلك بأن تصارحه بها . ولكنها لم

تستطع... كانت شديدة الخوف مما قد يكون جوابه. وهكذا,

هزت كتفيها وهي تتم: (( لا أدري.))

بعثت لمسة يده الألم في نفسها مرة أخرى . ونظرت إلى

ذلك الإبهام الضخم يشد, من دون انتباه, على معصمها .

وعند ذاك أومأ برأسه إيماءة لا تكاد تلحظ وقد توتر فمه

وكأنما قد أرضاه جوابها من بعض النواحي , ثم قبلها في

جبينها قبلة فاترة لا تتناسب والرعشة في صوته حين قال:

(( إرتاحي اليوم , وغداً إذا كنت فتاة طيبة جداً , قد أسمح لك

بالخروج.)) وبإبتسامة ملتوية لا تعبر عن شيء في وجهه ,

تابع: (( والآن, إصعدي إلى غرفتك قبل أن أحملك أنا بنفسي

إلى فراشك. ))

مضى , في الواقع, يومان قبل أن تشعر ساشا بالقوة

الكافية للخروج لتتمشى , وكانت الشمس دافئة منعشة, مما

جعلها تبقى في الخارج فترة, جالسة على المقعد الذي سبق

أن جلست عليه مع دي .

جاءها صوت ريكس بينما كان مستغرقة في قراءة

مجلة بين يديها: (( يبدو عليك الاسترخاء , مما يجعل

إزعاجك شيئاً مؤسفاً.))

قفزت هي للمفاجأة ليقول وهو يبتسم نادماً: (( إنني

آسف . )) وجلس عن شمالها واسند عصاه أمام ساقية . كان

يمشي قليلاً, إنما بشيء من الصعوبة , كل يوم. ولكن كان من

الصعب التصديق أنه مشى كل تلك المسافة من غرفة الحديقة

التي كان الكرسي المتحرك لا يزال فيها .

قالت مازحة: (( مثل كلب أو خادم أمين؟ )) ولكنه

كان يعلم كما تعلم هي أن له السيطرة المطلقة, على الأقل

بالنسبة إلى مشاعرها إن لم يكن إلى غير ذلك.

ضحكت هي ببساطة قائلة: (( ولكنني لا أستطيع أن

أتصورك في ذلك الدور. )) ومالت إلى ناحيته من دون وعي

منها. كانت تريده أن يحتضنها, ولكنه لم يفعل, كان يراقب

حركات عصفور صغير كان يقفز بين الصخور الأثرية خلف

الفوارة .

قال: (( أوه, لقد سبق أن ارتبطت يا ساشا... ولو أن ذلك

ليس بالمعنى الحرفي. وبالتأكيد, أنت لست من السذاجة

بحيث لا تدركين ذلك. إنني أقصد أنك تدركين كيف يفقد

الرجل تمالكه لمشاعره. لم يحدث قط أن جعلتني امرأة

أرغب فيها من أول نظرة إلى هذا الحد, كما فعلت أنت,

وأنت تجلسين هناك ضعيفة عاجزة كطفلة عديمة

المسؤولية , مما جعلتني أرغب في الأمرين, أن أحميك

وأن أخذك إلى دنياي. وإن غلطتك الكبرى هي في أن

تدعيني أعرف أن هذا الشعور هو متبادل بيننا, أيضاً, لا

أظن أن ثمة رجلاً يستطيع مقاومة الجاذبية الطبيعية غير

المتكلفة كجاذبيتك أنت, إنك تملكين من الجاذبية أكثر مما

تملك كل النساء اللواتي يستعملن الوسائل المصنعة لذلك .

إن هذا لشيء مدمر, والمحير هو إنك لا تدركين ذلك عن

نفسك, أليس كذلك؟ ))

كان لهجته استنكار جعلها ترمقه بنظرة جانبية قائلة:

(( إنني آسفة.))

لقد اعتذرت شاعرة بجرح في أعمقها. لماذا كان

يتحدث إليها في هذا الشكل؟

لماذا يتكلم بصيغة الماضي وكأنه... ونفت عنها هذا

الخاطر قبل أن يتمكن منها وهي تقول: (( تلك طبيعتي ولا

يمكنني تغيرها.))

قال: (( بالضبط. تلك البراءة هي التي تجعلها مدمرة. ))

لم تعرف ماذا يقصد بقوله.ولم تستطع كذلك أن تفكر لأنه

كان مائلاً نحوها وذراعه ممتدة على مسند المقعد. وفطنت

إلى أنه حنى رأسه يحاول تقبيلها, وعندما أرادت أن

تتجاوب معه, رجع برأسه إلى الوراء فجأة وهو يقول

بهدوء: (( إن الزواج يتطلب شيئاً أكثر من ذلك.))

نظرت إليه بسرعة متسائلة عما يحاول أن يقول.

وانقبض قلبها وهي تتطلع إلى يدها الصغيرة في يده

وأصابعه حول خاتم الخطبة , وهو يقول: ((في تلك الليلة...))

سكت وكأنه يجد صعوبة في اختيار الكلمات المناسبة,

ثم أكمل قائلاً: (( لقد كان الحق معك. لقد كنت أنا أنانياً.

حسن, لقد تقدمت حالتي نوعاً ما, ولكن, ليس ثمة ما يضمن

أنني سأمشي في شكل طبيعي, ذلك شيء لن يعود تماماً كما

كان قبل حادث الإصطدام. )) ونظر إليها بوجه خال من

التعبير وتابع: (( ما أريد أن أقوله هو ... إنني لن أرغمك على

استمرار الخطبة. ))

كانت تعلم أن ذلك سيحصل. كانت تعلم ولو أن عقلها كان

يرفض الحقيقة. حتى هذه المعرفة لم تساعد على أن تقلل

من الصدمة التي أصابتها وهو يقول ذلك.

وانعدم اللون وشحب وجهها وهي تقول: ((تعني... أنك

تفسح الخطبة؟))

تساءلت عما إذا كان صوتها قد اظهر اليأس الذي يعتمل

في نفسها حين أجاب باكتئاب: (( كلا. سأترك الأمر إليك

كلياَ.))

ولماذا؟ أرادت أن تصرخ بهذه الكلمة. وحدهما عيناها

المعذبتان ألقتا عليه هذا السؤال,لأنها تعرف لماذا. ربما

كانت قد صدقت كلامه على نفسه بأنه كان أنانياً...لأنه كان

قد تظاهر بأن هذا العمل إنما هو لأجلها هي, مظهراً أنه

يقدم إليها باب التحرر من الإرتباط به. ولكن, بعد ذلك

المشهد الذي شهدته بينه وبين روزاليند تلك الليلة, فلم يبق

لديها أي شك في أنه ما زال يحب تلك المرأة. والآن, عندما

لم يبق مرتبطاً بالكرسي تماماً ...

كان عليها أن تتمالك دموعها التي كانت على وشك

الانهمار , إنه يترك الأمر لها, كما قال, لأنه حتى لو كان يحب

امرأة أخرى, فإن كرامته وشرفه يمنعانه من الإخلال بوعد

قطعه على نفسه .

(( إذاً, فالأمر هكذا, أليس كذلك؟ )) كانت تشعر بشفتيها

ترتجفان, ولكن كان مما يبعث على الحيرة أنها كانت لا

تزال تستطيع أن تبتسم .

كان النسيم يعبث بشعره, وتشنجت أصابعها وهي

تتساءل لماذا لم تعد تستطيع أن تلمس شعره مرة

أخرى , وعبس وهو يقول: (( هل هذا هو كل ما تقولينه؟))

إنه طبعاً, لا يعرف أنها سمعت كل شيء في المكتب تلك

الليلة. ولكن, ما الذي توقع منها سماعه؟ أن تقول له أحبك؟

أرجوك ألا تصنع هذا معي ؟ إن لها كرامتها هي أيضاً.

قالت: (( ماذا أيضاً يمكنني قوله يا ريكس ؟ لقد اتخذنا,

نحن الاثنين , قراراً سريعاً إذ ارتبطنا بالخطبة. فلا حاجة,

إذن بنا إلى الاستمرار بتحمل صعوبته علينا نحن الاثنين

وذلك بإطالة أجل العذاب... )) واختطفت مجلتها واستوت

واقفة بعد إذ لم تعد تستطيع أن تبقى للتحدث في أمر إنهاء

الخطبة بالهدوء ذاته الذي يتحدثان فيه عن الطقس. إن

عليها أن تبتعد .

(( قفي.. )) وأمسك بذراعها يوقفها أمامه كحيوان يائس

وقع في الشرك. وقال : (( لا يمكن أن تذهبي هكذا... وكأن

شيئاً لم يكن. ثمة شيء ينبغي أن تضعيه في اعتبارك, وهو

أنك ربما كنت حاملاً. ))

لم تستطع النظر إليه وهي تقول: (( هذا غير محتمل.))

كانت خائفة من أن تنهار لذكرى ليلة الحب تلك .

كانت لا تزال مشيحة بعينيها وهزت كتفيها غير مدركة

ما تبدو عليه من عدم المبالاة إلى أن هزها قائلاً: (( ألا

تهتمين بما فيه الكفاية ولو لتؤمني مستقبل ابننا؟ ))

ضغط على ذراعها بقوة, وبغضب جريح انتزعت

ذراعها منه. كيف يتحدث عن الاهتمام في حين أنه هو

الذي يريد أن يدمر علاقتهما, في حين أنه هو الذي يعشق

امرأة أخرى؟

قالت وقد رفعت رأسها عالياً , وهي الطريقة الوحيدة

التي يمكنها أن تواجهه بها من دون أن تستسلم للدموع:

(( أولاً, أنه مجرد افتراض, ولكن, إذا حدث هذا فعلاً, فأني

قادرة تماماً للعناية بابني... ))

قطب جبينه وهو ينظر إليها كما لو أنها فقدت عقلها:

(( و هل تريدين أنت ذلك!))

قالت لاهثة : (( كلا , ولكن إذا حكمت الظروف ...))

قال: (( اللعنة على الظروف.)) ولدهشتها, وقف بسهولة

مستنداً إلى عصاه وهو يتابع: (( إذا أصبح لنا ولد... )) وقبض

على ذراعها بشدة مرة أخرى وهو يستطرد: (( فانا أريد

أن أكون جزءاً من حياته. ومهما كان شعورك نحوي فإنك

لن تتركي هذا المنزل حتى أتأكد أنا من ذلك. ))

يا للهول, كيف يكون بهذه القسوة؟ وبدا اليأس في

صوتها وهي تقول: (( لي الحق في أن أذهب إلى المكان

الذي أشاء متى أشاء.))

قال: (( إفعلي ذلك, وسأجدك أينما تذهبين.))

احتل الغضب مكان اليأس الذي بدا عليها منذ لحظات,

لتقول: (( حتى لو كان هناك امرأة أخرى؟ ))

لم تستطع منع نفسها من أن تقول ذلك. لقد انفجرت

عواطفها المحطمة مظهرة الحقيقة, بينما شعرت بقلبها

يعصره الألم , إذ بدا ليه تردد قصير قال بعده: (( حتى لو

وجدت امرأة أخرى.))

أحست بطعنة ألم في قلبها وهي تحاول تخليص نفسها

من قبضته مجاهدة ضد الإثنين . عذابها. وتلك القوة التي لا

تلين. بينما كان هو يقول مهدئاً إياها بصوت منخفض

خشن:

(( ساشا... أعطينا هذا على الأقل . إبقي إلى أن تعلمي ...

إما هذا , وإما ذاك . هذا كل ما أطلبه. ))

كان في وجهه نوع الألم , وهو يتحدث, لم يخف

عليها. ألم بالعمق ذاته الذي تشعر هي به, ولكن , كلا طبعاً ...

لقد كانت تتخيل ذلك بطبيعة الحال, كما فكرت. وإن ذلك

الظل تحت عينيه لا بد أنه من تأثير الشمس. وأومأت برأسها

وقد منعتها الصدمة من الكلام. فلتدعه يعتقد ذلك إذا شاء .

كيف يمكنها أن تتحمل عذاب البقاء وهي تعلم أن ثمة, منذ

الآن إلى حين سفرها, امرأة تنتظر رحيلها لتحتل مكانها؟

لكن , إذا هي ذهبت إلى نيويورك , ثم اكتشفت أنها حامل,

ماذا يحدث حينذاك ؟

جاءها هذا السؤال من قليل من التعقل في دخيلتها. إن

لـ ريكس الحق في أن يعلم ما دام هو والد الجنين . كما أن

ذلك الطفل سيكون له كل الحق في أن يستمتع بحب والده

وسنده. إنها لا تستطيع أن تنكر أياً من ذك, مهما سبب لها

البقاء من ألم. وربما, كذلك, لا تأخذ معرفتها بالأمر أكثر من

أيام معدودات ...

قال وهو يضع ذراعه على كتفيها: ((( إنك تشعرين بالبرد.

عودي إلى البيت. ))

أجفلت هي من إحساسها بذراعه تلك , فجذبت نفسها

مبتعدة عنه بسرعة , وقد شعرت بالبرد ينخر عظامها, ليس

من أي شيء مادي. ولكن من فكرة مفاجئة ساورتها وهي

إنها إذا كانت حاملاً , فربما أصر على الزواج منها برغم كل

شيء. وإذا هو فعل ذلك, فهل تكون هي من القوة بحيث

تستطيع الرفض ؟ أم أنها ستقبل لأجل الطفل؟ وإذا هي فعلت,

فهل تتمكن من احتمال العذاب الأبدي, وربما استيائه, إذ هي

تعلم بأن قلبه مع امرأة أخرى ؟

كانت تفكر في كل هذا, وهي تجتاز الممر نحو غرفة

الحديقة. إنها عقبة, عليها أن تجتازها, عندما تصل في

النهاية إليها .

(( نهاية الفصل التــاسع ))


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.