آخر 10 مشاركات
317 – صدى الذكريات - فانيسا جرانت - روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          أنين الهوَى - الجزء 1 من سلسلة تايري -شرقية زائرة -للكاتبة:ملك على* مكتملة & الروابط* (الكاتـب : ملاك علي - )           »          ودارتـــــــــ الأيـــــــــــــام .... " مكتملة " (الكاتـب : أناناسة - )           »          عــــيــــنـــاك عــــذابــي ... مكتملة (الكاتـب : dew - )           »          عيون لا تعرف النوم (1) *مميزة & مكتمله * .. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-12-16, 07:41 AM   #1

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25 بيت العنكبوت بقلم/حامد موسى بشير،سودانية (مكتملة)






بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعضاء روايتي الغالين نقدم لكم رواية

(( بيت العنكبوت ))

بقلم/ حامد موسى بشير



قراءة ممتعة للجميع ...





فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:46 AM   #2

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رابط لتحميل الرواية




بيت العنكبوت
(رواية)

ـــــــــــ
واذا قال ابليس
إني أُريكم سبيل الرشادْ .
فيا قومِ .. شُلَّتْ يد الاقتصاد
وران الكسادْ
وإني أرى ثروتي في نَفادْ .
ألا إنكم في ازدياد
وإني على خفضِكُمْ قادرٌ ..
فانفروا للجهادْ !
وبَشر عبادْ
بأن لهم ملجــأً دون سقفٍ
وأن لهم قَصعةً دون زادْ .
بلى , إنَّ هذا لشيءٌ يُرادْ !
ألا إنَّ هذي حقـــولٌ ..
وهذا أوانُ الحصادْ
وأنتم جَرادْ .
ألا فاسرقوا كل بيتٍ
ألا واهتكوا كلّ عرضٍ
ألا واحرقوا كلّ بيتٍ
وصُـــبوا الاسيدَ
وشُدوا الوَثاقَ
وشُدوا الزِّنادْ
ولا تُفسدوا ...
إنني لا أحبَُ الفسادْ !
( أحمد مطر - بلاد مابين النحرين )
غدا نبدأ بإذن الله



التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 17-12-16 الساعة 08:29 AM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:47 AM   #3

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت
- حصار –
أنا مريض ..


في الحقيقة تحاملت على نفسي كثيرا قبل أن أعترف لها بهذه الحقيقة بعد أن تجاوز الأمر الحد .. هذه الآلام القوية في جسمي ونوبات الإغماء تقول إن هناك شيئا ما غير طبيعي يحدث داخل جسمي .. هل هي الملاريا ؟ لا ليست الملاريا .. ليس لي أي خبرة طبية ولكن بالنسبة لشخص يصاب سنويا بها فهي تغدو كالصديقة العزيزة التي تعرف كل شئ عنها .. لا ليست ملاريا .. يحتاج الأمر لفحوصات ولرأي طبيب متخصص .. ههههههه ضحكت بسخرية من هذه الفكرة الخيالية ... فحوصات وطبيب مختص ؟؟ كان هذا فيما مضى .. قبل عام أو أكثر ربما كان بإمكانك أن تحلم بالذهاب ذات مساء لشارع العيادات والحجز عند أي أخصائي ذو إسم رنان .. كان بإمكانك حينها أن تجلس على الكرسي في إنتظار دورك وتفتح صحيفة ( قوون) التي أدخرتها منذ الثالثة عصرا لهذه المناسبة .. يااااه كم مضى من الزمن ؟؟ الآن صارت أقصى أحلامك هي أن تعيش ليوم غد .. أن تجد لقمة ليوم غد .. أن تقاتل لملء باقة ماء متوسطة من الماسورة التي كسرها شباب المنطقة ليوفروا المياه .. تفحصت أرجاء غرفتي بنظري ثم خرجت للحوش .. صارت الرائحة الكريهة هي القاعدة وغيرها إستثناء .. أحدهم مات من الجوع داخل بيته وتعفن ولكن لا أحد يجروء للخروج والتقصي .. لقد مات وشبع موت فلماذا أتعب نفسي بالمجازفة والخروج وأغلب الظن إنني سألحق به .. قبل شهرين دفنت جاري في فناء بيته جوار زوجته وإبنه الرضيع اللذين سبقاه للموت .. لا يوجد مفر .. ليس هناك أي طريقة لحمل جنازة والذهاب بها للمقابر .. أدفنوه حيث هو فلا أمان لك لو غادرت بيتك لمسافة شارعين فقط لا غير .. هناك ألف سبب للموت بإنتظارك .. معذرة لأنني سببت لكم كل هذا الغثيان من أول عشرة أسطر .. معذرة .. أنا فقط أحاول أن أضعكم في جو الأحداث .. أحاول أن أجعلكم تدريجيا قادرين على إبتلاع الصدمة كما فعلنا نحن .. صحيح أنها كانت كبيرة ووقفت لنا في حلوقنا وأستقرت هناك للأبد ولكن في النهاية تعودنا عليها .. سيارة أبي اللاندروفر العتيقة لا تزال تقف هناك في مكانها .. وقد كساها الغبار وزينتها الأوساخ لأنها لم تتحرك منذ عام كامل .. أسلاك الكهرباء التي لم تعد تأتي بأي كهرباء تتشابك مع أغصان النيمة الكثيفة وتنحني معها حتى تلامس خزان المياه الفارغ فوق الحمامات .. الراكوبة المزدانة بالحصير والمطبخ الصغير .. بيت عادي في حي عادي في مدينة عادية .. أدخل للمطبخ وأفتح الدرج بحذر لألقي نظرة على كنزي الغير الذي يختبئ هناك .. كرتونة صفراء من بسكويت ( كابتن ماجد) وربع جوال من البلح الجاف ودستة من علب الكبريت والكثير من بقايا الحلويات .. بقايا دكان أخي الراحل التي أنقذتني من الموت جوعا في هذا السجن الإنفرادي الرهيب .. لا مفر من الخروج والبحث عن طعام .. سينتهي مخزون المؤن قريبا وهذا الضعف والألم الذي أشعر به سيزيد مع مرور الوقت .. أشك إنني سأجد طبيبا في مثل هذه الظروف ولكن لابد من المحاولة .. هناك أطباء لايزالون أحياء كما أتمنى في الخارج .. فكرة الموت وحيدا من الجوع والألم تبدو لي رهيبة جدا .. أتناول قطعة بسكويت وأعود لغرفتي لأجلس جوار جهاز اللاسلكي المتهالك الذي صنعته بنفسي قبل عامين في مشروع التخرج وهناك نسخة أخرى منه عند صديقي معتصم في الخرطوم .. الخرطوم ؟؟؟ ياااااه يا خرطوم .. ترى كيف حالك الآن وكيف حال ( آية ) ؟ منذ إنهيار شبكات الإتصالات الكبرى وتوقف الإرسال التلفزيوني والإذاعي وإنقطاع الإنترنت عن البلاد قبل عام ، وأنا لا أعلم أي شئ عنكما ..هل لا تزالين على قيد الحياة يا آية ؟ هل تذكرين وجهي يا ترى .. أدير مؤشر اللاسلكي وأغمض عيني داعيا الله أن يكون معتصم على قيد الحياة .. أن يكون في مكان آمن ( وهل هناك مكان آمن في الخرطوم بعد الذي حدث ؟ ) .. أن يكون الجهاز معه ويفتحه عله يلتقط موجتي .. أفعل هذا كل يوم منذ عام بدون كلل في عتمة الغرفة الضيقة وصوت رصاص يأتي من بعيد يليه إنفجار .. أحداث معتادة .. بعضهم يقاتل بعضهم .. بعضهم سيموتون اليوم وبعضهم سيستمرون ليقاتلوا بعضهم في اليوم التالي .. من هم ؟ الحقيقة لا أدري .. قبل عام كان كل شئ شبه واضح .. كان الأبيض أبيض والأسود أسود .. كان هناك جيش وشرطة ومليشيات تتبع للجيش وأخرى للشرطة .. كان هناك حركات متمردة مسلحة تقاتل الجيش والشرطة والملشيات .. كانت هناك حكومة وكانت هناك معارضة .. كانت هناك كهرباء وماء ووقود وإتصالات .. كان هناك أمن .. تيت .. تيت .. تيت .. صفير متقطع يأتي من اللاسلكي المفتوح ومصباحه الأخضر يومض .. ضربات قلبي ترتفع وغمامة سوداء تكتنف رأسي وتجعلني أغيب عن العالم دقيقة أو أكثر وحين أفقت كان الصفير لا يزال يتردد .. أدير المفتاح وأجاهد لأخرج صوت من حلقي .. لم أستعمل صوتي منذ زمن إلا للأنين من الألم :
- ألو .. معتصم .. إنت سامعني ؟
يأتيني صوته من بعيد .. عابرا مئات الكيلوميترات .. عابرا السهول والجبال والنيل .. عابرا مئات الأهوال والأخطار والمدن .. صوت معتصم ينادي :
- ألو .. ( س) إنت حي ؟ الحمد لله الحمد لله
لا وقت عندي للتحايا لأن الحال هو أسوأ حال يمكن السؤال عنه .. أقول له :
- أنا حي والحمد لله لكن شكلي حأموت قريب .. أنا محاصر جوة البيت وما قادر أطلع ولينا أربع أيام بنسمع صوت الرصاص شكلو في قوة جديدة إجتاحت المدينة تاني .. أنتو الخرطوم حالها كيف ؟
تلك كانت أكثر تنهيدة مريرة أسمعها في حياتي .. تنهيدة حملت كل اليأس والحزن وهو يجيب :
- الخرطوم ؟ وهي فضلت خرطوم ؟ بقت خلا يا (س) .. كل قوة مسلحة في البلد دي إقتحمتها .. وحاليا عندنا عصابات وحاجات كتيرة .. أسمعني إنت بتقدر تلقى طريقة تجي هنا ؟
- بدون بص سياحي وبدون عربية أو طيارة وأساسا وقود مافي ؟ وأجي عشان شنو ؟ أهرب من الحلة للنار ؟
طال صمته قليلا ثم قال :
- في زول عايز يتكلم معاك قبل أن أسأله من هو إنساب صوتها عبر الأثير .. آية .. آيتي .. الحنان حين يختلط بالبكاء والخوف واللهفة :
- ألو .. (س) إنت كويس ؟ إنت وين ؟ عايش كيف ؟ إنت ألخ ألخ فوجئت بدموعي تسيل بصمت على وجهي .. أحاول أن أمد أصابعي علني ألمس أصابعها كما لمستها ذات مساء بعيد في شارع النيل .. ألملم شتات نفسي وأرد :
- أنا كويس يا آية .. إنتي كويسة ؟ لم أسمع غير صوت البكاء ثم جاءني صوت معتصم :
- أسمعني يا س .. نحن هنا كمية كبيرة من الناس هربنا من بيوتنا ولجأءنا للقيادة العامة .. حاليا مافي شبر واحد في العاصمة آمن إلا هنا .. المساحة بتاعة المطار والقيادة حاليا مسورة بالكامل ومأمنة لأنو في قيادات كتيرة من الجيش رفضت تستسلم للحاصل ومعهم جنودهم برضو ، وأي زول عايز يلجأ هنا مرحب بيهو .. في مستشفى كبير وخدمات طبية كويسة لأنو مدرج المطار لسه شغال وفي بعثات من الأمم المتحدة بتوصل لينا الإغاثات رغم تفجير طيارتين ليهم قبل كده .. في مياه شرب نقية وطعام كافي وفي إتصالات داخلية برضو .. نحن محتاجين لأي زول عندو خبرة بالذات في مجال الإتصالات زيك كده يا س .. لو لقيت أي طريقة حاول تجي أنا منتظرك وآية منتظراك .. حافظ على بطارية اللاسلكي حأتصل عليك تاني
ربما كان هناك بعض الأمل .. ربما ولكن فكرة السفر وقطع ستمائة كيلومتر من مدينتي حتى الخرطوم وسط هذه الظروف تبدو مستحيلة .. تبدو بعيدة جدا .. ولكن صوت آية جعلني أفكر من جديد مالذي سأخسره ؟ حياتي ؟ ربما رصاصة واحدة ستكون أرحم وأسرع من التعفن في غرفة مظلمة .. تبا .. تبا لزمن الدم هذا .. أخرج من غرفتي للحوش نحو السيارة اللاندروفر .. أفتح كبودها وأتمم عليها .. فيما عدا القذارة هي بصحة جيدة سأغير لها الزيت الليلة وعندي باقة وقود لم أستخدمها من قبل .. أعرف أنها لن تكفيني ولن تجعلني أصل للخرطوم .. أعرف إنه ربما ستقطع قبل أن أصل لمدينة (أ) ولكن لا بد من المحاولة .. ألا ترون هذا معي ؟
( يتبع )



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:49 AM   #4

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت 2
- إنهيار -


يناير 2023 كان شتاءنا الأخير ..
ورقة التوت الأخيرة التي توقع لها كل العالم أن تسقط ، قد سقطت .. دائما يرتبط الشتاء بالنهايات والذكريات الحزينة .. دائما .. ولا أدري حقيقة هل ذكرى سقوط ورقة التوت هي ذكرى سعيدة أم حزينة .. كل كائن حي أو ميت في هذه البلاد تمنى سقوطها ولكنها عندما سقطت لم تسقط لوحدها .. كل البلاد سقطت معها .. مازرعته ورقة التوت خلال نصف قرن من الزمن جعل هذه النهاية حتمية وإن طال إنتظارها ، ولكن السيناريو الذي حدث فاق كل التوقعات .. قلنا لهم إن أنسب طريقة لتدمير الدولة وتفكيكها هو تشجيع القبلية وتهميش الآخرين ، فشجعوا القبلية وهمشوا الآخرين وأنفصل الجنوب .. قلنا لهم إن أنسب طريقة لإحداث كارثة إنسانية هي تسليح القبائل وتكوين المليشيات لمحاربة التمرد لأن الشخص الذي يزعجه الفأر لا يشتري أسدا ويدخله لبيته ، فسلحوا القبائل وكونوا المليشيات وحدثت الكارثة في غرب البلاد .. قلنا لهم إن أنسب طريقة لتدمير الإقتصاد هي قتل الزراعة والإعتماد على البترول فقتلوا الزراعة وأعتمدوا على البترول وحين إنفصل البترول مات الإقتصاد .. قلنا لهم إن أنسب طريقة لعزل الدولة وحصارها هي السياسات الخارجية الخاطئة والدخول في صراعات أكبر من حجمنا وبناء علاقات مشبوهة على حساب الجيران والأصدقاء .. قلنا لهم إن وأن وأن ولكن القربة كانت مثقوبة لدرجة إن النفخ أصابنا بالصداع .. كل العالم كان يرى الشروخ وهي تحدث في جدار سد حياتنا .. الهجرات العظمى للعقول والطاقات .. التظاهرات وقتل الطلاب الذي صار برنامجا يوميا ثابتا .. التكتلات الداخلية وسباقات التسلح .. الفساد الذي ينخر كالسوس في الجسد المريض .. كل شئ كان يوحي بدنو النهاية .. متى تفجر كل شئ ؟ أعتقد إن ذلك كان بعد مذبحة الجامعة الأخيرة .. خمسة طلاب ماتوا ضربا بالسواطير تبعهم عشرة من كوادر الحزب الحاكم ماتوا ليلا مذبوحين ... فجأة صار شارع الجامعة وما جاوره ميدانا للقتال .. ليس بين طلاب يحملون الحجارة وقوات مكافحة شغب ... بل بين فريقين مسلحين تمام التسليح .. قلنا لهم من قبل أن لعبة السلاح دائما يلعبها أثنان .. سهرت الخرطوم ذلك اليوم على أنغام الرصاص .. وحين أصبحت تلقت تحيتها الصباحية بمدافع الهاون وقوات التمرد التي دخلت من جديد .. صارت الأرصفة مليئة بالدماء وإنعقد فوق سماء المدينة الدخان .. وتحت جنح الظلام إنسلت الفئران هاربة .. كلهم حمل مايستطيع إلى صالة المغادرة .. نزل الجيش إلى الشارع ثم وجد نفسه في اليوم التالي بلا قيادة سياسية توجهه .. وحين تختفي الحكومة يبدأ الحفل الدموي الكبير .. قوات ال(ج) القوية والمخيفة أحكمت قبضتها بالكامل على الغرب وأعلنته دولة خاصة بها .. الوحش الذي ربته الحكومة تمدد وكشر عن أنيابه في وجهها .. صارت حركات التمرد في كل مكان .. قائد الجيش الذي أراد أن يطمئن المواطنين ويمسك بمقاليد الأمور تم إغتياله في نفس اليوم .. توقف الإرسال التلفزيوني والإذاعي ثم إنقطعت الكهرباء .. شركات الإتصالات أوقفت خدماتها وغادرت البلاد ومعها النت أيضا .. البعثات الدبلوماسية غادرت .. المنظمات الإنسانية غادرت .. الرحمة والعدل وحب الإنسان لأخيه الإنسان أيضا غادروا .. لم يعد هناك غير ساحة قتال واسعة بين الجميع .. من أجل لا شئ .. لم تكن حربا أهلية بل كانت شئ يفوق الوصف بين أشخاص كان يجمعهم رباط واه جدا إسمه الوطن والتاريخ والهوية .. حركات تمرد .. مليشيات مسلحة .. قوات متبقية من النظام .. عصابات سلب ونهب .. فرق مذهبية جاءت نتيجة لعلاقاتنا الممتازة مع إيران .. ثم أكتملت اللوحة الجميلة حين حدث تفجير طائرة الأمم المتحدة وأعلنت جماعة الشباب المسلم المجاهد مسئوليتها عنه ، معلنة عن دخول تنظيم القاعدة العالمي لساحة اللعب .. حدث ذلك قبل عام .. ما يحزنك حقيقة ويحز عميقا في نفسك هو إن هذا يحدث لك فقط بينما بقية العالم يمضي للأمام في أزهى سنوات القرن .. لا أحد يعبأ بك على الإطلاق .. أنت مجرد فقرة صغيرة في نشرة الأخبار عند الآخرين ينسونها قبل أن تنتهي .. لقد أنضمتت عن جدارة لنادي الدول التي ركلها التاريخ .. الصومال .. أفغانستان .. رواندا التسعينات .. بورما .. سوريا .. دخلت لذلك النادي بكامل إرادتك فأستمتع بخدماته الراقية .. عام في مفكرة العالم للأمام كان بألف عام للوراء في مفكرتنا السوداء .. عدنا للعصور الحجرية بإنقطاع الكهرباء والإتصالات والإنترنت .. شح الوقود والطعام في بلد لم تكن تنتج أو تصنع أي شئ غير الكلام .. العالم يمضي بلا توقف .. قطر أقامت المونديال دون تلقي نظرة شفقة لحليفها القديم .. دبي أبهرت العالم قبل عامين بمعرض (أكسبو) الرهيب للتكنلوجيا .. أبل أنتجت هاتفها الجديد أيفون 12 ببطارية تدوم مدى الحياة وسامسونج نافستها بهاتف جلاكسي إس13 الذي يقرأ أفكار المستخدم .. المركبة الأمريكية (سام) وصلت لسطح المريخ حاملة أول البشر الذين سيسكنوا هناك .. إلى الأمام يمضون وإلى الخلف نعود .. ننام وصحو على صوت الرصاص .. أنت تقول إن أحدهم قتل أحدهم والأخبار تقول أن سودانيا قتل سودانيا .. لم نكن ندرك إن بيتنا واه لهذه الدرجة التي لا تحدث أبدا حتى في مملكة الحيوان .. لا يحدث إلا في بيت صغير تقتل في الأم زوجها ثم تأكل أبنائها وحين يكبر بعضهم يأكلون أمهم ثم يقتلون بعضهم .. بيت وصفه القرآن الكريم بإنه أوهى بيت في الوجود .. بيت العنكبوت .. وطن العناكب حيث يسيطر على كل مكان جماعة مسلحة .. وحيث كل ولاية أعلنت نفسها دولة .. ووسط كل تلك الظروف هناك سيارة لاندروفر متهالكة بداخلها شخص أكثر تهالكا .. أنهكه المرض وهو يحلم بالوصول لحلم مستحيل إسمه : الخرطوم .. ذلك الشخص كان أنا .. (س)
يتبع


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:50 AM   #5

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت 3
- المسار –


شوارع المدينة صامتة وهادئة ..
لا أطفال يلعبون .. لا طلاب عائدين من مدارسهم .. لا حافلات تنقل الناس .. لا شرطة .. لا جيش .. لا شئ .. الهجوم الأخير هذا الصباح جعل كل الناس تقبع مذعورة في بيوتها .. مدينتي الجميلة التي تغنى بها الشعراء وهفت إليها القلوب .. الدروب التي جريت فيها طفلا وتسكعت فيها صبيا فتيا .. شارع المدارس .. مدرستي الثانوية أرض أحلام الصبا .. مدرسة البنات المسورة بالأشجار التي تسلقتها ذات يوم لأحضر الإحتفال وأسمع إيمان حبيبتي وقتها وهي تشدو ب( اليوم نرفع راية إستقلالنا ) .. السوق الشهير .. المكتبات .. الإستاد .. ساحة الإحتفال .. محطات الوقود .. المساجد .. الكنيسة .. كل هذا تلاشى وذهب تحت وطأة زمن الدم والدموع .. أقود سيارة اللاندروفر عبر الطرقات متلفتا علني أبصر إنسان يجعلني أشعر بالأمان وبإنني لست في مدينة أشباح .. ولكن لا أحد هناك .. لقد تعلموا إنه لم تعد هناك سيارات تسير في الشوارع غير سيارات التاتشر العسكرية .. كل صوت محرك يخيفهم لأنه ربما يأتي من بعده صوت الإنفجار .. يسلمني الطريق إلى خارج المدينة فألتفت لألقي عليها نظرة أخيرة .. أكبر إحتمال إنني لن أراها مرة أخرى .. لو نجوت من الطريق الطويل سيقتلني المرض أو الجوع ولو وصلت وعشت سأعيش بقية حياتي مع ( آية ) .. آية ؟؟ أوقف السيارة جوار الطريق وأفتح جهاز اللاسلكي .. شوشرة وصفير ثم بعد قليل يأتيني صوت معتصم :
- ألو .. (س) .. إنت وين ؟
أقول له وأنا أرمق الجبل الشامخ خارج المدينة :
- أنا طلعت من المدينة ولو ما لقيت مشاكل أو قوات في الطريق أو الوقود قطع حأصل بعد بكرة تقريبا
- معاك أكل وموية
- معاي كرتونة بسكويت وباقة موية .. أسمعني ممكن تنادي لي آية ؟
- دقيقة بس هي ساكنة في مجمع البنات حأناديها وأرجع ليك
صمت طويل لا يقطعه غير صفير الرياح في الخلاء .. دقائق ثم سمعت صوته :
- (س) .. معاك آية أنا حأخليكم شوية
يأتيني صوت البلبل مغردا بحزن وإشتياق :
- (س) .. إنت وين؟ وصحتك كيف ؟ معتصم قال لي إنك عيان طولت .. عندك شنو ؟
صوتك وحده يا آية يخفف آلامي كما كنت دائما .. أقول لها :
- أنا كويس وحاليا طلعت من المدينة وجاي ليك .. عارفة أنا حاليا وين ؟ تحت الجبل الحكيت ليك عنو ووعدتك إني حأسوقك ليهو يوم
جاوبني صوت بكاءها المرير وهي تردد :
- الله يوصلك بالسلامة يا (س)
- أنا حأقفل عشان متحرك يا آية يلا مع السلامة
- لا إله إلا الله
- محمد رسول الله
قوديني أيتها اللاندروفر .. قوديني .. لم تهطل الأمطار طوال العام الماضي .. اللعنة التي أصابت الأرض أصابت السماء .. السهول الخضراء والزروع التي كنت أراها من نافذة البص وأنا عائد من الخرطوم صارت أرض جرداء يمتزج فيها الأصفر بالرمادي .. تنهب السيارة الأسفلت وتتسارع على جانبي الطريق الأشياء .. لافتات محطمة .. أعمدة كهرباء مكسورة وأسلاكها تتدلى متأرجحة مع الرياح .. بص سياحي محروق ومقلوب على جانب الطريق وعلى جسده عشرات الثقوب .. يميل الطريق وأميل معه قد أقتربت من مدينة (أ) .. من بعيد أرى تلك السيارات .. عشر سيارات تاتشر قوية لونها مموه يقف في وسطها عمود فولاذي ليحمل مدفع الدوشكا .. نهاية المسار كما يبدو .. ببطء أوقف السيارة وتدنو مني القافلة .. تحيط باللاندروفر إحاطة الثعبان بالأرنب المذعور .. قلبي يخفق بقوة وغمامة من السواد تكتنف رأسي .. ثلاثة منهم يقفزون شاهرين بنادقهم ويتجون نحوي ليفتحو الباب وأحدهم يأمرني :
- أنزل
مظهري النحيل المزري ووجهي السقيم لا يوحيان بأي مقدار من الخطورة لهذا قادوني لسيارة قائدهم والبنادق مصوبة لرأسي .. على مقعد التاتشر الأولى جلس قائدهم .. جسد قوي وزي جيش مموه ولثام أخضر تطل منه عينان صارمتان مثل أعين النسور .. قال لي :
- إنت منو وبتعمل شنو هنا ؟
كان رأسي يدور وينبض بالألم لهذ تهاويت أرضا قبل أن أرد فرفعني الجنود لأواجهه من جديد وبصوت مرتجف حكيت له من أنا وقصتي .. صمت لحظات ثم قال :
- عارف نحن منو ؟
- لا .. لكن شكلكم والله أعلم من قوات حركات التمرد .. صح ؟
- كان زمان إسمنا كده بس حاليا بما إنو مافي حكومة فنحن ما متمردين .. نحن قوات نظامية مسيطرين على مدينة (أ) بالكامل وحاليا بنطارد في قوة إستطلاع من قوات ال(ج) .. بتعرف قوات ال(ج) ؟
- وفي زول ما بيعرفهم ؟
- قلت إنك مهندس إتصالات ؟
- أيوا
- بتعرف تصلح أجهزة الثريا ؟
- تقريبا عندي فيها خبرة كويسة
أخرج من جيبه جهاز ( ثريا) للإتصال عبر الأقمار الصناعية وناولني إياه قائلا :
- لو صلحتو حنسيبك تمشي وحنديك شوية بلح وموية .. رأيك شنو ؟
تناولت منه الجهاز العتيق ماركة (هيوز 7100 ) المنقرضة والتي للأسف في زمن العصر الحجري الإجباري هذا صارت لا تقدر بثمن ..إختبرته بسرعة لأعرف هل المشكلة سوفت وير أم هاردوير فوجدتها مشكلة بسيطة في إعدادات البطاقة ضبطها في ثوان وناولته له ، فرأيت شبح إبتسامة على عينيه وه يقول :
- تمام صلحتو وأنا راجل بلتزم بكلمتو .. عبود
جاء المدعو عبود فأمره :
- أدوهو باقة موية ونص ملوة بلح وخلوه يمشي
قلت له وأنا أتلفت :
- حتخلوني أمشي .. عادي يعني ؟
أنزل لثامه فرأيت وجهه الحازم وهو يقول :
- نحن ما بنقتل مدنيين
قلت له بتردد :
- والوضع ده حيستمر كده لمتين ؟
- وضع شنو ؟
- قصدي لعبة القط والفار بينكم وبين ال(ج) .. تدخلو مدينة هم يطلع منها ، يدخلو هم وإنتو تطلعو
إبتسم كأنه يتمع إلى طفل وقال لي :
- حتطول اللعبة دي شديد يا باشمهندس لأنو لو قدمنا النية البيضاء ورمينا السلاح بكرة حيضبحونا
وأكمل وهو يشير لسائقه ليتحرك :
- أعمل حسابك من قوات ال(ج) لو لاقوك ما حيعاملوك زينا كده
تحركت القافلة المدججة مبتعدة عني فرجعت لسيارتي حاملا وأنا أمضغ بلحة حاملا غنيمتي من الماء .. الوقود سيكفيني حتى مدينة ( ك) لو لم أجد مشكلة لهذا توكلت وأدرت المحرك لأنطلق في مساري من جديد .. ساعة .. ساعتين .. يتمدد الطريق طويلا أمامي ملتويا .. الحر وصوت الممحرك الرتيب .. الآلام تدق ناقوسها في رأسي وعضلاتي .. ولكني أجرع الماء وأرشه على وجهي لأواصل الطريق .. ثم سمعت صوت الطلقة من بعيد .. طلقتين إخترقتا الزجاج الأمامي وغاصتا في المقعد المجاور لي .. توقفت بفرملة قوية فعبرت رصاصة ثالثة لتكسر المرآة الداخلية .. خمسة سيارات قوية تلوح في الأفق .. الدوشكا يطل من بعيد بفوهته السوداء والأزياء التي هي مزيج من أزيء جيش وأزيء مدنية مع اللثام الذي تطل منه عيونهم الميتة .. قوات ال(ج)
يتبع



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:52 AM   #6

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت 4
- دمار-


كان عمري خمس سنوات وقتها ..
في العام 1999 حدث الإنقسام الكبير في صفوف الحزب الحاكم .. كانت الحرب في جنوب البلاد في قمة إشتعالها .. تفتح فمها القبيح لتلتهم الآلاف من شباب الوطن وتصرخ : هل من مزيد ؟ كان هذا طبعا قبل خمسة أعوام من إنتهاء الحرب هناك وإشتعالها من جديد في دارفور ، وقبل عشر سنوات على تمددها لتشمل جنوب كردفان والنيل الأزرق .. هذا لا يدهشني كثيرا للأسف لأن تاريخ بلادي ما هو إلا سلسلة طويلة من المآسي .. ربما عشنا أوقاتا هادئة يوما ما في زمن بعانخي ولكن منذ حينها وتاريخنا ما هو إلا عبارة عن إحتلال وقمع تطيح به ثورة يليها إحتلال يطيح بالثورة ثم ثورات يخمدها الإحتلال ، ثم إستقلال يحكمه طائفيون يطيح بهم جنرال عسكري تقتلعه ثورة شعبية ليستلمه جنرال عسكري آخر تطيح به ثورة أخرى لتعيد الحكم لطائفي يطيح به إنقلاب جنرال عسكري جديد .. لم نملك الأمن والرفاهية يوما لنندهش من فقدانهما .. هكذا نحن .. إنتهت الحرب عام 2005 بتوقيع إتفاق هش وتفرغت الحكومة بعدها للحرب الجديدة في دارفور .. كان التمرد في قمة مجده حينها .. عام 2003 سيطر على عدة مدن توجها بالهجوم الشهير على مدينة الفاشر .. حينها فقط تنبهت الحكومة لخطورة الأمر .. يجب توجيه القتال كله إلى دارفور .. بيئة دارفور كانت مختلفة تماما عن بيئة الجنوب .. طريقة القتال التي تتبعها الحركات المسلحة مختلفة تماما عن تلك التي كانت تتبعها الحركة الشعبية في الجنوب .. الوعي العام للمواطن في ذلك الزمن كان مختلف تماما عن ذلك الوعي في التسعينات أوج حرب الجنوب ... لن يستطيعوا بعد اليوم تعبئة الشعب كما كانوا يفعلون من قبل .. القتال في دارفور مرهق لأنه عبارة عن حرب عصابات في مدى مفتوح من السهول والصحارى والوديان ويمكن أن يستمر إلى أبد الآبدين .. الحل الوحيد كان ما إقترحه أحدهم .. حل شيطاني سيطفى النار بصب المزيد من البنزين عليها .. تسليح قبائل الرعاة وتجنيدهم لمواجهة الحركات المسلحة .. تلك القبائل كانت تعرف كيف تقاتل في تلك البيئة .. تعرف أين وكيف ومتى تهجم .. تلك كانت أول مرة يسمع فيها العالم بالإسم الرهيب .. قوات ال(ج) .. نفس القوات التي تقف الآن في خمس سيارات تاتشر عسكرية تحيط بسيارة لاندروفر منتهية الصلاحية أقودها أنا .. (س) .. توقفت بفرملة عنيفة جعلت السيارة ترتج ومعها رأسي وقلبي وكل خلية في جسدي .. إنتهت رحلتك يا (س) .. كانت حياتك قصيرة وغير مميزة على الإطلاق .. ثمان وعشرون سنة عشتهم فوق تراب هذه الأرض ولم تغادرها يوما .. لن يذكرك أحد بعد اليوم سوى صديقك معتصم الحزين وحبيبتك آية الباكية التي تنتظرك بكل شوق الدنيا وأنت لن تعود إليها .. هبط خمسة منهم وأسلحتهم مشهورة ليتنزعوني من مقعد القيادة ويدفعونني نحو سيارة قائدهم .. كانت الشمس تحرق وجهي والعرق يسيل على عيني فلم أميز حتى ملامحه .. قال لي :
- منو إنت ؟
بلعت لعابي بطعم الغبار والإسفلت وأجبته مرتجفا :
- زول الله ساي مسافر للخرطوم عشان أقابل ناس هناك
- ماشي عشان تلحق بالناس الفي المطار ؟
- أيوا
- قابلوك ناس الحركات في طريقك ؟
- أيوا
صمت مفكرا في حين جاء أحد جنوده وهو يحمل جهاز اللاسلكي الخاص بي ويعرضه عليه .. تغيرت ملامح وجهه لتكتسي بشراسة مفاجئة وهو يقول :
- جاسوس
حاولت أن أصرخ نافيا وشارحا ولكن أيدي الجنود إنتزعتني لترميني علي الأرض وأرتفعت فوهات الكلاشنكوف نحوي .. صوت تعمير السلاح المعدني يرن في أذني كأنه صوت ملك الموت نفسه .. ترى ما هو شعور من تصيبهم الرصاصات ؟ لن أعرف لأن الرصاصة التي ستصيبني ستقتلني .. طاخ .. صوت الرصاصة يأتي من بعيد .. ليس رصاصة واحد بل مطر من الرصاص إنهمر .. عشر سيارات تاتشر أخرى رأيتها من قبل تأتي من الإتجاه الآخر .. تستعر تلك المنطقة .. حركات مسلحة وقوات (ج) .. حرب مستمرة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين وحتى اليوم .. نيران متبادلة وصوت الدوشكا يصم الآذان .. أدفن وجهي في الأرض ولا أرى غير أشباح تتجارى حولى .. كم طال القتال ؟ أعتقد إنها عشر دقائق فقط ولكنها مرت مثل السنين .. ببطء أرفع رأسي لأجدهم يحيطون بي .. أرفع رأسي أكثر لأجد الجثث والدماء تغرق المكان .. لقد أبادوهم بالكامل .. ساعدني أحدهم على النهوض لأقف أمام قائدهم الذي قال لي مبتسما :
- قلت ليك أحذر منهم
مرة أخرى تركوني وحدي وبعد أن قادوا معهم السيارات والأشياء التي غنموها .. وحدي وسط بحر من الدم .. بخطوات متخشبة أركب سيارتي وأنطلق في رحلتي الطويلة .. أسكب على رأسي الماء لأفيق من الصدمة .. هناك أكثر من ثلاثين رجل قتلوا أمام عينيك يا (س) .. هناك روؤس تم نسفها نسفا .. هناك من إخترقت طلقة دوشكا صدره مخلفة فجوة كبيرة بحجم الصحن .. هناك دماء .. ولماذا تصدم يا صديقي ؟ ما رأيته مجرد لمحة صغيرة لما يجري في دارفور منذ ربع قرن كامل .. دارفور .. أرض التقابة ونار القرآن .. أنا كنت هناك قبل خمس سنوات .. لقد رحل القرآن ولم يعد فيها غير النار .. تواصل اللاندروفر طريقها ومن بعيد تبدو معالم البيوت ومآذن الجوامع .. لقد وصلت لمدينة (ك)
يتبع


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:54 AM   #7

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت 5
ـــــــــــــــــــــــ
- إنتظار –


يوم عادي في عاصمة ما بعد المحرقة ..
تشرق الشمس عليها مبشرة بيوم شديد الحرارة كحالها دائما .. تعال معي إلى أعرق مدنها الثلاثة وأقدمها وأكثرها إزدحاما .. أمدرمان .. مدينة مثل لوحة صامتة ليس بها حتى زقزقة العصافير .. بعض البشر يظهرون وهم يمشون بسرعة متلفتين بذعر .. لا بقالات .. لا أندية .. لا محلات بيع .. لا شئ .. وسط ذلك السكون تتحرك (هبة) .. الغزال الأمدرماني الأصيل يغادر دغله خائفا ليبحث عن طعام .. هبة .. الطبيبة الصيدلانية الجميلة .. أربعة وعشرون عاما ..واحد وخمسون كيلوجراما .. وعينيان ساحرتان .. كان هذا فيما مضى .. صارت أكثر نحولا وأختفى لمعان عينيها .. تخرج من بيتهم بحذر .. تتلفت في الطريق وهي ذاهبة إلى سوق ( أبو السريع ) .. كانت تعرف القواعد العامة للحياة الجديدة ..لا يوجد أمان ، أو شرطة أو نيابة أو قضاء .. تصرف على هذا الأساس .. أعتبر نفسك في غابة و لا تكن ضعيفا أبدا وإلا سيتم إفتراسك .. لا تدري حقيقة مالذي غيّر طباع الناس لهذه الدرجة في هذا الوقت الوجيز وجعلهم ينزلون لهذا الدرك اللامعقول من الجنون .. ربما هو غياب قبضة الحكومة .. ربما هي صدمات الرعب المتتالية بسبب الإجتياحات المتكررة للمسلحين .. تتذكر بوضوح أول مرة عاشت فيها هذا الإحساس .. إحساس عدم الأمن والرعب من أصوات الرصاص والإنفجارات .. قبل ستة عشر عاما .. العاشر من مايو من عام 2008 .. الساعة الثالثة ظهرا .. أمها تخبئها هي وأختها أسفل لسرير بينما في الخارج ترتج الأرض أسفل سيارات حركة العدل والمساواة وهي تجتاح المدينة في عملية (الذراع الطويل ) ..ثلاثمائة سيارة لاندكروزر بكامل العتاد والجنود تقتحم العاصمة التاريخية للبلاد .. كان عمرها ثمان سنوات .. أمها تبتهل لله أن وتمسك بالتلفون محاولة الإتصال بأخيها الأكبر الذي لم يعد بعد .. كانت تبكي وأختها كذلك تبكي .. الأخ الأكبر مصدر الأمان بعد رحيل الوالد ، لم يعد بعد وفي الخارج يشتعل الجحيم .. أين جيش هذه البلاد وأين قوات أمنها ؟ .. حين عاد شقيقها الكبير مرهقا ومغبرا عند الغروب حكى لهم بقلب يتقطع ما حدث .. شقيقها كان مثلها الأعلى .. ذكي وحنون .. يدرس الصيدلة في الجامعة الإسلامية .. حكى لهم عن الرعب في الشوارع وعن الجثث .. حكى لهم عن تحطم جدار الأمان في نفوس الناس التي كانت تثق في الحكومة لحمايتهم ... حكى لها عن ( موسى عبد الباقي ) زميله الطالب في السنة الثالثة بصيدلة الإسلامية وإبن المناقل الأسمر الباسم دوما ، الذي تلقى رصاصة في عموده الفقري لا أحد يدري من أين أتت ، ثم رحل بعدها بشهر في الأردن .. تتذكر كل هذا وتتذكر رحيل شقيقها نفسه في حادث سير ، ثم قرارها بدخول كلية الصيدلة حيث درس هو وحيث مشى ودرس موسي عبد الباقي .. تعلمت منذ عام كامل إن الأمان قد رحل وإنها يجب أن تتعلم الصيد لتعيش في الغابة كما قال لها ( أسعد ) .. تعض شفتها السفلى حين طرأ الإسم على بالها .. أسعد ! ترى أين أنت الآن وماذا حل بك ؟ شهر كامل لم أسمع عنك أي شئ .. ثلاثون يوما بليالهم وكل ليلة تمر بي كألف ألف ليلة وأنا في إنتظارك .. أنت ظهري وأماني الوحيد الذي تبقى لي .. تسيل دموعها بصمت وهي تحث الخطى عابرة الشارع الكبير الذي يفصلها عن مرفأ النيل حيث سوق أبو السريع .. سوق صغير يأتي إليه ساكني جزيرة وسط النيل ليبيعوا للناس الخضروات والفواكه والأسماك .. كل شخص يأتي وهو مسلح ببندقية أو مسدس أو سكين .. الكل يتلفت متوترا ويراقب الآخرين .. لا توجد عملات نقدية لأنها صارت بلاقيمة منذ زمن طويل لهذا يتعاملون بالمقايضة .. الذهب والفضة مرغوبان بشدة والأثاثات المنزلية والملابس تأتي في المرتبة الثانية .. الناس يبيعون أي شئ ليوفروا الطعام .. تتم المبادلة بسرعة وينسحب المشتري قابضا على سلاحه بيد وبيده الأخرى أكياس طعامه .. غالبا سيحاول آخرون مهاجمته في الطريق ولكن في وجود السلاح يستطيع أن يحمي نفسه وطعامه .. هكذا تسير الحياة .. تكمل هبة المقايضة بسرعة .. تشتري الفحم والسمك والخضروات تنسحب من السوق وفي رأسها القاعدة الثانية : كل فتاة تسير وحيدة في الشارع هي مشروع إغتصاب .. من بعيد يراقبها ثلاثة شباب ثم بإشارة متبادلة سريعة يتبعوها .. تسير بمحاذاة الشاطئ ممسكة بقوة بكيس الطعام .. ثوان قليلة ثم يلتف الثلاثة حولها .. قلبها يخفق بقوة وأحدهم يقول لها :
- على وين يا جميل ؟
يد تمسك بكتفها من الخلف وخرى تمتد لكيس الطعام .. تغمض عينيها ثم تسحب السكين المختفية في حزام بنطلونها .. بسرعة قبل أن يفهم أحدهم تمر السكين لتنغرس في فخذ الواقف خلفها .. صرخة ألم معذبة طويلة ، ثم تهوي السكين على اليد الممسكة بكيس الطعام لتتفجر الدماء مع الصرخات .. ثوان وثلاثة شبان يفرون مذعورين .. تعيد السكين لحزامها ودموعها تسيل بصمت وهي تسير نحو البيت .. للمرة السابعة منذ رحيل أسعد تخرج السكين لتدافع عن نفسها .. لم تطعن أحد في مقتل من قبل ولكنها تدعو الله أن لا يأتي اليوم الذي تغوص فيه سكينها في صدر أحدهم .. حياة قاسية ولكن القاعدة الثالثة تقول : إذا مت فأنت الخاسر الوحيد .. لن يحاكم أحد من قتلك .. لن يدفع أحد ديتك .. بل ربما لن تجد حتى من يدفنك .. لذلك ( عش ودعهم يموتون ) .. تسير و أمامها وخلفها حطام السيارات التي لم يصلحها أحد منذ أيام الهول الأولى .. لافتات المحلات محطمة وبعضها مكسور ومرمي بإهمال وقد كساه الغبار .. لافتة كبيرة تعترض طريقها ولكنها تعبرها بوثبة واحدة ثم تلتفت لتقرأها بقلب ملئ بالحنين : الريفيرا .. تحت سماء شمسها حارقة ولونها أحمر بلون الغبار .. تحت صمت رهيب يخيم حتى على تسير وحيدة وكل كيانها يشتعل بسؤال حارق بلا جواب : أين أنت يا أسعد ؟
( يتبع )



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:55 AM   #8

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




بيت العنكبوت 6
- أسلاك شائكة –


يوشك الوقود على النفاد ..
هكذا يخبرني مؤشر الوقود والسيارة تتهادى في شوارع مدينة (ك) .. منتصف المسافة للعاصمة .. مثلها مثل مدينتي ومدينة (أ) كانت صامتة وساكنة .. الدمار الذي أنتقى المباني الحكومية دون غيرها أخبرني بوضوح أن الحركات المسلحة مرت من هنا .. رائحة الحريق الممتزجة برائحة العفن أخبرتني أن قوات ال(ج) أيضا مرت من هنا .. لك الله يا وطني .. هل هذه هي مدينة (ك) الودودة التي أعرفها ؟ المدينة التي كانت البصات تمر بها والأطفال باعة الفول والحلوى والمناديل يتسابقون لبيع بضائعهم لنا .. أمر بالسيارة بسرعة بطيئة متلفتا منتظرا رؤية أحد .. ربما أجد وقودا هنا أو هناك لم يستولى عليه أحدهم بعد .. بعض الناس يظهرون ثم يختفون سريعا عندما يسمعون صوت محرك اللاندروفر .. عند طرف السوق أوقفني منظر مرعب .. جثة .. جثة شاب ملقية بإهمال كأنها جثة قط ضال على قارعة الطريق .. شكله كان أقرب للمتشردين بملابسه المهللة وشعره المجدول على طريقة (بوب مارلي ) .. إرتجف قلبي وأنا أرى أثر الضربات العنيفة التي مزقت الوجه وهشمت الصدر .. هذا الشاب لقى مصرعه ضربا بالسواطير .. شعرت بالقئ يحتشد في حلقي ثم ينفجر خارجا وأنا أتراجع لأفرغه في الأرض وألهث .. إنفعالا ورعبا وذهول .. من قد يفعل شئ كهذا ولأي سبب ؟ أستدير للخلف لأجد نفسي في مواجهة ذلك الشاب .. شاب يبدو مذعورا وهو يصيح بي مشيرا للسيارة :
- العربية دي بتاعتك ؟
- أيوا بتاعتي
قال لي ملهوفا وهو يجذب الباب المجاور للسائق :
- سوق وأطلع بينا من هنا بسرعة قبل ما المجانين ديل يصلو
تلفت بقلق حولي وأنا أقول :
- أي مجانين ؟ وإنت منو ؟
قال لي متوسلا بطريقة تثير الشفقة :
- سوق بعيد من هنا أول حاجة وبعدين أنا بحكي ليك ، شكلك ما من المدينة دي
تحركت بالسيارة وأنا أسأله :
- إنت القتلت الشاب ده ؟
- لا كتلوه جماعة الرباطة
قلت له مندهشا :
- رباطة ؟؟ ديل مش كانو تبع جهاز الأمن في الحكومة القديمة ؟ هم لسه قاعدين ؟
قال لي وهو يتلفت بتوتر شديد :
- بعد الحكومة إتفرتقت في جماعات كتيرة كان عندها ثأر معاهم وكتلو منهم ناس كتيرين عشان كده إتلمو تاني وأتحدو وعملو ليهم عصابة عشان يقدرو يواجهو
- وبيقتلو الناس بالعنف ده ؟
قال لي هازا رأسه :
- إنت ما عارف هم بيحاربو في منو .. ديل بيحاربو جماعة ال(أنتي كوز )
- أنتي كوز ؟ في جماعة بالإسم ده
- أيوا وديل مجانين أكتر من الرباطة .. ديلك وحوش عديل
كنا نعبر ميدان كبيرا من ميادين الأحياء التي كان الشباب يلعبون فيها الكرة قديما ، فقال لي بصوت مرتجف وهو يشير لنقطة بعيدة :
- عايز تشوف لوة فنية للجنون بتاع الأنتي كوز ؟
إلتفت إلى حيث يشير .. لوهلة لم أفهم المشهد ثم أتضح لي بعد ثانية واحدة .. هناك عند عارضات المرمى رأيت ذلك الجسد معلقا ومصلوبا على العارضة الأفقية وجسمه يتأرجح ببطءمخيف مع الريح .. بلعت ريقي بصعوبة وأنا أقترب بالسيارة منه وأتوقف عنده .. يا رب السماوات .. هل مر المغول من هنا ؟ كانت يدي الشاب مفرودتان على جانبيه مثل أجنة النسر وقد تم تقييده بقسوة ووحشية بالأسلاك الشائكة على العارضة .. نعم بالأسلاك الشائكة .. الأطراف الحديدية المدببة كانت تغوص عميقا في لحم الذراع ، ثم يلتف السلك حول العنق وبقية الجسد وحول عنقه حبل ليفي تدلى منه كوز ماء صغير .. رسالة بليغة جدا .. لكزني الشاب بقوة وهو يقول :
- أسرع أتحرك قبل يصلو
إلتفت إليه فجأة وأنا أقول :
- وإنت موقفك شنو من اللعبة دي ؟ رباطي ولا أنتي كوز ؟
قبل أن يجيبيني سمعت أصوات الدراجات البخارية .. أكثر من عشرة دراجات ظهرت فجأة عند المنعطف ثم قطعت مساحة الميدان بسرعة عالية لتحيط باللاندروفر ، وعلى متنها أغرب شباب يمكن أن تراهم بحياتك .. هل تعرفون الهيبيز ؟ أولئك المجانين في أمريكا في ستينات القرن العشرين الذين يربون شعرهم ويرتدون ملابس مهلهلة ؟ كانوا من نفس الماركة ..هبطوا من دراجاتهم وزعيمهم يرجع شعره الطويل للوراء ممسكا بساطوره وهو يصيح :
- أوووووو .. والله ووقعت يا مان .. قايل نفسك حتهرب مننا يا مصعب
الفأر الذي وقع في كمين عشر قطط ، هو التعبير المناسب لحالة المدعو مصعب .. أمسك به ثلاثة منهم بينما واحد فقط كان يكفي ليمسك بجسدي الهزيل ليعرضه أمام الزعيم الذي أمرهم :
- فتشوه .. إنت منو وبتعمل هنا شنو وسائق الخاين ده ليه ؟
أجبته بينما الرجل يبحث في جيوبي :
- إسمي (س) وأنا عابر سبيل ماشي الخرطوم والزول ده لاقاني وركب معاي وماعندي أي فكرة عن البيحصل
أخرج الرجل بضعة أشياء من جيبي وهو يقول :
- نضيف يا زعيم ، دي صورة لحبيبتو ومعاها مفتاح ومبلغ خمسين تافه
و(التافه ) لمن لا يعرفه هو الإسم الرسمي منذ زمن طويل للجنيه وسط الشباب لأنه صار بلا قيمة تقريبا .. صحيح إنها تسمية قاسية لعملتك الوطنية ولكن أتذكر في زمن ما كان سائقي الركشات يطلقون على الجنيه إسم ( كلب ) .. رفع الزعيم ساطوره وهو يشير لرجاله تجاه مصعب :
- وضبو الكلب ده .. عثمان .. جيب سلك
صرخ مصعب برعب ولكن بقسوة لا مثيل لها هجم عليه الشباب .. ركلات ولكمات .. دماء تتطاير وأسنان تقع .. يصرخ .. يئن حين يعجز عن الصياح .. يبصق دمه .. ثم يتكور بلا حركة غير حركة أنفاسه .. عاد المدعو عثمان سريعا وهو يحمل لفة سلك شائك وزردية فسأله الزعيم :
- جبتهم من وين ؟
- من مدرسة (ك) الثانوية بنات طبعا زي المرة الفاتت
هبط الزعيم على ركبته ورفع رأس مصعب وهو يقول :
- عندي ليك حاجة حتتفأجأ بيها يا مان .. الميدان ده فيهو عارضتين
إنفجر رجاله بالضحك بينما إنتفض جسد المسكين وهو يحاول المقاومة عبثا والرجال يجرونه مثل الخروف نحو العارة الأخرى .. يصرخ ويرفس بجنون :
- لااااااااا عليك الله لا يا سيف الدين .. والله أنا ما كتلتو ولا كلمتهم .. عليك الله السلك لا
ضاع صراخه وهم يرفعونه وعثمان يعتلي العارضة بإحتراف يدل على تمرسه في هذا العمل .. كان الرومان قديما رحماء للغاية وهم يدقون المسامير في أيدي المصلوبين .. كانوا رحماء مقارنة مع الأنتي كوز ..يلتف السلك ويجذبه عثمان بقوة بالزردية وصرخات العذاب تدوي بلا مجيب ..وبعد خمسة دقائق كان مصعب معلقا فاقدا الوعي والسلك يلتف حول جسده .. صاح الزعيم :
- أسامة .. تعال يا أسامة
رأيت صبيا مراهقا في حوالي السادسة عشر يدنو منه بوجه شاحب فناوله الزعيم مسدسا وهو يقول مشيرا لمصعب :
- يلا يا بطل .. ده الزول الإتسبب في موت أخوك ..ده الخائن
سمعت عبارات التشجيع من الرجال للصبي كأنهم يشجعونه ليحرز هدفا ، والزعيم يواصل :
- ركز كويس عايز طلقة واحدة بس .. يلا يا بطل عشان تبقى واحد مننا وتاخد محل أخوك
كان وجهه شاحبا ونظراته دامعة وهو يصوب المسدس .. لو كنا في زمن آخر قبل سنوات ، كان أقصى شئ سيقلقه هو إقتراب موعد إمتحانات الشهادة السودانية أما الآن .. طاخ .. تدوي الرصاصة .. ينتفض الجسد المعذب ثم يهمد وسط تصفيق الأنتي كوز .. يربت الزعيم على كتف الفتى مشجعا ثم يستدير لي .. يشير لرجاله :
- وضبو الشاب ده برضو
أغمضت عيني وتلوت الشهادتين ، ثم سمعت صوت الطلقات .. لم تصبني أنا بل جاءت من بعيد وجعلتهم يهربون لدرجاتهم وينطلقون بها مبتعدين تاركين لي سيارتي وجثة مصلوبة وفزع رهيب .. أتلفت لأرى من أنقذني .. هل هم الحركات مرة أخرى ؟ هل هم قوات ال(ج) ؟ لا لم يكن أي منهم .. كان شابا طويل القامة يحمل حقيبة ظهر سوداء مغبرة وبندقية كلاشنكوف في يده .. نظارة طبية أنيقة بدون إطار وإبتسامة غريبة وسط هذا الكابوس وهو يمد يده لي مصافحا ومعرفا :
- أهلا .. أنا أسعد .. دكتور أسعد
(يتبع )



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 07:58 AM   #9

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت 7
- المزرعة –


إسمه د.أسعد ..
هكذا قال لي ، أو هذا ما تخيلت إنني سمعته لأنني في اللحظة التالية إنطفأ نور العالم أمام عيني وسقطت فاقدا للوعي .. الأدرينالين الذي سكبته في دمي مع كل ذلك الإنفعال والجهد تسبب في فصل الكهرباء مؤقتا عن جسدي .. أفقت بعد حوالي ربع ساعة.. كان جسدي يرتج فأدركت بإنني في المقعد المجاور للسائق في سيارتي اللاندروفر وذلك الشاب يقودها بيد ويسندني بيده الأخرى .. قال مبتسما إذا رآني أفتح عينيّ :
- شنو يا عمك الأعصاب الضعيفة دي ؟ كده ما حتعيش يومين بطريقتك دي
- إنت منو ؟
- سبحان الله !! قلت ليك أنا أسعد وأنا الطلعتك من المجانين ديل .. إنت عندك زهايمر ؟
بدأ عقلي يصفو رويدا رويدا .. كنا نقطع شوارع مدينة (ك) ووقت الأصيل قد إقترب .. تأملته للمرة الثانية وقد بدت ملامحه مألوفة بالنسبة لي .. لقد رأيته في وقت ما أو مكان ما ولكني نسيت .. قلت له معرفا نفسي :
- أنا (س) .. باشمهندس (س) .. قلت لي إسمك أسعد منو ؟ لأنو شكلك ما غريب علي
ضحك بمرح قائلا :
- عادي كتير من الشباب في عمرنا بيتذكروني لأني أول الشهادة السودانية وأول واحد جاب 99% من زمن طويل
آه تذكرته الآن .. قلت له مسترخيا في مقعدي :
- إتذكرتك .. أنا كنت التاسع بالمناسبة لكن المعلومة دي ماف زول بيتذكرها طبعا غيري أنا وناس بيتنا .. نحن ماشين وين بالمناسبة ؟
قال لي وهو يراقب الطريق :
- مكان آمن نبيت فيهو وتاكل ليك حاجة لأنو شكلك بيقول إنك جاي من مجاعة عديل .. مكان جميل وهادي
قلت له متشائما :
- وفي مكان زي ده في البلد دي حاليا ؟
لم يجبني بل دار بالسيارة منعطفا لأجد أمامي ذلك المنظر الجميل الذي أفتقدته طويلا .. النيل .. النهر الخالد الذي جرى ويجري وسيجري للأبد غير مبالي بتفاهاتنا ومشاكلنا .. يمتد من الجنوب إلى الشمال في مساره السرمدي يتلألأ تحت شمس الأصيل .. يهبط أسعد بالسيارة عن الطريق الرئيسي وينحدر بها نحو طريق ترابي ملئ بالحصى نحو جروف النيل الخضراء .. نسمة باردة تعبر الأجواء .. تعبر فوق مياه النيل فتمنحها البرودة ، ثم تعبر نباتات النيل المأئية عند الجروف فتمنحها رائحة الأرض والغروب ، ثم تحط رحالها عند وجهي لتنعشني وتبعث في جسدي المكدود السكينة .. نظر لي أسعد بطرف عينه وه يقول :
- نحن ماشين لمزرعة عم إسماعيل .. راجل طيب هو وأولادو عايشين بيزرعوا ويصيدو السمك
كانت المزارع قد بدأت تلوح لنا .. مساحات كبيرة مسورة بالأسلاك الشائكة وبداخله كلاب قوية تنبح بشراسة وأمام أبوابها أفراد مسلحين بالبنادق .. إتجه أسعد نحو ثاني باب كبير يقابلنا فرفع حارسه بندقيته وهو يأمرنا بالتوقف ، فأخرج أسعد رأسه وهو يصيح :
- أنا دكتور أسعد يا مجاهد
أنزل المدعو مجاهد بندقيته ولوح بيده مرحبا وهو يسرع ليفتح البوابة لنمر جواره وهو يقول :
- يا أهلا وسهلا يا دكتور ، قلقنا عليك من أمس ما عرفنا خبرك شنو .. إتفضل أبوي حيتكيف شديد لما يشوفك
عبرنا البوابة لداخل المزرعة .. مساحة شاسعة من أشجار الليمون والمانجو وأحواض الخضروات يتوسطها بيت صغير .. صوت المحرك جعل الجميع يخرج لمقابلتنا .. العم إسماعيل الرجل السبعيني الجالس على مقعذ متحرك وعلى رجليه بندقية خرطوش قديمة .. أبنائه السبعة الذكور وكل منهم يمسك ببندقية كلاشنكوف قوية في يده .. لكي تعيش ويكون لك أملاك في هذ الزمن يجب أن يكون لك سلاح وظهر .. هكذا فكرت ونحن نهبط من اللاندروفر .. الجميع كانوا يصافحون أسعد بحماس وحب .. عم إسماعيل يزيح البنددقية ويقول له :
- كلمتك يا ولدي قلت ليك أقعد معانا هنا إنت زي أولادي لكن إنت مصر تمشي الخرطوم .. حمد لله على سلامتك
صافحت الجميع بحذر وهم يحملقون في وجهي فقال لهم أسعد :
- أحم .. ده باشمهندس (س) من مدينة (أ) .. مجنون زيّ كده ماش الخرطوم بعربيتو المكركبة دي لقيتو في المدينة متورط مع جماعة الأنتي كوز ضربت عليهم ذخيرة من بندقيتك الأديتني ليها يا عم إسماعيل ، هربو وأخدتو جبتو معاي هنا ، لأنو جيعان ومريض وعربيتو ما فيها وقود
تحرك عم إسماعيل بمقعده مقتربا مني متفرسا في ملامحي :
- شكلو طيب وود حلال .. عموما ضيفك ضيفنا يا دكتور ، الليلة حنعمل ليهو وليمة
قال له أسعد وهو يمسك برسغه بحركة طبية مألوفة :
- أها إنت ضغطك ماشي كيف ؟
- تمام .. الحبوب بتاعتك دي نفعتني شديد .. تعال شوف الود خضر قام من الملاريا الليلة الصباح وكمل آخر حبة الليلة
قال أسعد وهو يحك رأسه :
- المشكلة يا عم إسماعيل إنكم ساكنين جنب البحر وما عندكم ناموسيات يعني بكرة تاني حتلقى واحد جديد وقع بالملاريا .. المراكب البتجي بالتهريب من الجنوب ما بتجيب ناموسيات ؟
- ما سألنا لكن حنوصي زول .. إتفضل يا باشمهندس شكلك تعبان .. يا عمار كلم أمك تجهز غداء كارب للضيوف.. مجاهد أمشي لعمك موسى جيب لينا سمك وتعال ..
بدأ لعابي يسيل على أنغام كلامه .. لكزني أسعد هامسا :
- رأيك شنو ؟ مش مكان جميل ؟
سألته :
- إنت ماشي الخرطوم برضو ؟ عايز تلحق ناس المطار ؟
تلاشت إبتسامته المعهودة وهو يقول بحزن :
- لا .. أنا ماشي لخطيبتي .. هبة .. خليتها هناك لي شهر كامل بعد تعبت شهرين بفتش فيها بعد أحداث الخرطوم .. عارف ما صدقت لما لقيتها حية وقلت سريع أرجع البلد أجيب أبوي وأجي أعرسها لأنها كانت براها بعد أمها أتوفت وأختها أختفت في الأحداث .. لكن ...
صمت طويلا وخلع نظارته وهو يتنهد ثم يكمل :
- أبوي برضو أتوفى قبل تلاتة أسابيع والطريق بقى صعب جدا ومافي أي وسيلة مواصلات
عزيته بكلمات أشبه بالهمهمة فأستعاد شخصيته المرحة وهو يقول :
- بس الحمد لله أهو لقيتك إنت بعربيتك المكركبة دي .. إنت ماشي المطار ؟
- أيوا عندي صحبي هناك وواحدة تقريبا كده خطيبتي ماشي عشانها .. قلت لي إنك دكتور ؟
- أيوا
حكيت له الأعراض التي أشعر بها منذ شهور .. الضعف العام .. آلام العظام والعضلات .. الصداع ونوبات الإغماء .. كان ينصت لي وحاجباه معقودان بتركيز وهو يستمع لكل كلمة أقولها ، ثم غمغم وهو ينظر لي بدقة :
- حاجة غريبة يا س بس خلينا ناكل وأقوم أفحصك بالكامل
صلينا المغرب جماعة خلف إبن عم إسماعيل الأكبر عبد الله ، ثم جلسنا حول النار ومجاهد ينظف السمك بخبرة ويشويه لتتصاعد الرائحة الزكية للشواء في الأجواء .. جاءت السلطة الخضراء فأكلتها بشهية إنسان لم يرى طماطم وجرجير منذ عام ، ثم جاء السمك والبصل ففتكنا بهما وجاء بعدهم الشاي بالنعناع .. أمن وطعام وأصدقاء .. صارت أشياء عزيزة لكي تحصل عليها يجب أن تكون محاطا بالبنادق والأسوار .. أحضر مجاهد عودا قديما وهو يقول :
- يا دكتور غني لينا حاجة بالعود ده إنت الوحيد البتعرف تعزفو ، عبد الله ده فاشل ساكت وما بيعرف يعزف
ضحك الجميع بينما أمسك أسعد بالعود وداعب الأوتار وراح يغني .. وسط خضرة الجروف ونسيم النيل إنساب صوته ..
كل ما سحابة تلاقي سحابة
تنزل منك دمعة عشاني
كل ما تلاقي مسافر عائد
تمشي وتسألي عن عنواني
وأنا عنواني عيونك إنتي
وأي زمان تمشيهو زماني
يا راجياني وما ناسياني
ياما الغربة بتتحداني
وأنا بتحدى الزمن الجاير
لو في بعدك يتحداني
يالله يا وردي ..كم مى من الزمن لم أسمع فيه صوتك ؟ إنتهت الأغنية وسط التصفيق والمطالبة بواحدة أخرى فقام أسعد وقال لي :
- تعال يا س أشوف الحاصل عليك شنو
رقدت على سرير صغير فقاس ضغط دمي بجهاز يحمله في حقيبته وسألني مرة أخرى عن تاريخ ظهور الأعراض وعن مجال عملي .. وفي النهاية قال لي :
- الموضوع صعب الحكم عليهو بدون فحوصات وموجات وأشعة ورنين مغنطيسي .. بس ..
وصمت مبتلعا ريقه فقلت له وأنا أربت على كتفه :
- إتكلم يا أسعد وقول الفي راسك إنت ما براك العبقري .. إنت عرفت عندي شنو بس ما قادر تصارحني صح ؟
إلتفت لي ببطء ثم تنهد قائلا :
- دي ما الفكرة يا س بس كل الأعراض القلتها لي دي ما بتتفق إلا مع حاجة واحدة بس ..
قلت له مكملا وأنا أحدق في اللامكان :
- سرطان .. مش كده ؟
)يتبع)



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 17-12-16, 08:00 AM   #10

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,429
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت 8
- الرفيق ..والطريق –


أشرقت الشمس على مدينة (ك)..
منذ زمن طويل لم أسمع زقزقة العصافير في الصباح ، حتى إنني تخيلتها قد غادرت البلد مع الذين غادروا .. النسيم الصباحي البارد يداعب الوجوه ويوقظها .. وحدي أنا لم أنم طوال الليل مع مخاوفي وهلاوسي .. أسعد لم يحاول التحدث معي وتركني لنفسي ، أعرف إنه سيتحدث معي مطولا ويحاول طرد هذه الأفكار من رأسي ولكن الفكرة المرعبة عشعشت بداخلي ورمت بذورها ونبتت وصار لها فروع وأشواك .. سرطان ؟؟ كنت أشك في الأمر منذ مدة ولكني رفضت أن أواجه نفسي .. جاء الشاي باللبن فشربنا والجميع يمازح أسعد وهو بحضوره الطاغي يرد عليهم مداعبا .. شخصية مرحة لا يمكنك مهما حاولت أن تملها أو تغضب منها .. دنا مني حاملا كوبه وجلس جواري قائلا :
- أنا عارف الحاجة القاعدة في راسك من أمس وحمتك تنوم ومخلياك قاطع صوت من الصباح كده
قلت له :
- إنت شايف إنها حاجة عادية لدرجة أنساها وأضحك معاكم عادي يعني ؟
صمت لحظة ثم قال مبتسما :
- أنا ما قلت إنو عندك سرطان يا (س) .. قلت إنو الأعراض بتتشابه مع السرطان لكن تشخيص السرطان حاجة صعبة جدا ، ومحتاجة أخصائي متمرس وفحوصات أنسجة عشان نتأكد منها
قلت له :
- لكن بالنسبة لآلام العظام وال..
- آلام العظام دي في ستين مرض ممكن يعملوها ليك زي الحمى المالطية والحميات النزفية وحاجات تانية كتير ياخي حتى النزلة والملاريا يمكن تعمل آلام عظام
بدأ على وجهي بوضوح عدم الإقتناع بكلامه فأعتدل في جلسته بجدية وعدل نظارته الطبية وهو يقول :
- أسمع يا (س) .. حسب ما حكيت لي إنت كنت محبوس في بيتكم سنة كاملة وأكلك كلو حاجات قيمتها الغذائية ضعيفة وإنت أساسا بنيتك ضعيفة ، أنا ما عارف حصل ليك شنو بالضبط لأنو ممكن عادي تكون نقصت حديد وكالسيوم وفايتمينات وديل فقدانهم حيعمل ليك أنيميا وضعف وآلام عضلات .. طلع فكرة السرطان دي من راسك لأنو من ناحية طبية موضوع آلام العظام المصاحب للسرطان ده ما بيحصل إلا لما تصل لمرحلة إنتقال الخلايا السرطانية من منطقة الورم للعظام ( العملية دي إسمها Metastasis ) ولو كانت عندك ما حتكون قاعد معاي تتونس بالطريقة دي .. أها إقتنعت ؟
حككت رأسي مفكرا في كلامه .. هو طبيب وهو أدرى مني بهذه الأشياء ولكن إن كان يعرف في الطب فأنا أجيد قراءة العيون جيدا .. هناك شئ ما يعرفه عن هذه الأعراض ويخبئه عني .. نهض وأكمل كوبه وهو يقول :
- حأقوم أجهز العربية وأزيد الجاز بتاعها وأشوفها ناقصها شنو عشان نتحرك بعد ده
- بتعرف تصلح عربات ؟
- دي هوايتي من صغير وأبوي الله يرحمو كان مكنيكي
تركته ليمارس هوايته ونهضت أنا حاملا كوبي لأتجول بين أحواض الخضروات وأشجار الليمون .. عم إسماعيل كان يصلي الضحى على مقعده المتحرك ، مجاهد الإبن الأوسط لعم إسماعيل يحمل بندقيته ويشرف على فتح الجدول ليسقى المزروعات .. عبدالله والزين كانا عند زريبة الأبقار الصغيرة ، وخضر أصغر الأبناء والذي كان مصابا بالملاريا يطعم الدجاج .. حياة هادئة وجميلة ولكنها أشبه بالحياة على واحة وأنت تدرك أن كل ما يحيط بك هو صحراء جرداء ، قاحلة قاسية يهددك تمددها في كل ثانية ..لن يكون أي منهم في أمان لو تجاوز تلك الأسوار .. سمعت صوت المحرك فتحركت نحو السيارة .. أنهى عم إسماعيل صلاته وجاء أبناءه ليودعونا .. أمهم الطيبة الحنون أعدت لنا سلة مليئة بالطعام وأوصت أسعد بحرارة أن يأخذ حذره ويعود سالما لو إستطاع مع عروسه ، إبتسم أسعد وهو يشد على يدها :
- إن شاءالله يا خالة
صافحتهم واحدا واحدا وعانقهم أسعد مودعا ، ومد يده ليتناول البندقية الكلاشنكوف من عم إسماعيل ولكني بسرعة أمسكت يده وأنا أقول :
- خليها البندقية دي ما تشيلها
قال لي بدهشة :
- ليه ؟ لازم يكون في سلاح في يدنا
قلت له الشئ الذي لم يفطن إليه بذكائه :
- صدقني سلاحنا الوحيد الحيوصلنا أحياء هو إنو نحن عزل وما عندنا سلاح .. أنا جيت من مدينة (أ) وصادفت في طريقي ناس الحركات وقوات ال(ج) وكلهم وقفوني لو كنت مسلح أو شمو رايحة بندقية معاي ما كنت وصلت لحدي هنا حي
قال أسعد بعدم إقتناع وهو يرجع البندقية :
- فهم برضو .. لكن على الأقل نشيل معانا مسدس صغير .. كويس ؟
أخذ المسدس من عبد الله ودسه أسفل قميصه ، وركب في مقعد السائق فركبت جواره حاملا السلة ، فلوح للجميع ثم أنطلقنا خارج المزرعة في رحلتنا الطويلة نحو المجهول .. نعود للطريق الترابي ثم للطريق الأسفلتي المتجه للخرطوم .. قلت لأسعد :
- ناس طيبين شديد الجماعة ديل
هز رأسه مؤيدا :
- شديد .. وطالما زي ديل موجودين لسه البلد دي فيها أمل
لا أطيق الجمل الإنشائية المتفائلة مثل الجملة أعلاه لذلك آثرت الصمت ونحن نعبر الكوبري الذي يفصل مدينة (ك) عن تؤامها مدينة (ب) ، ثم سألته :
- إنت جيت من الخرطوم كيف ؟
قال لي وهو يراقب الطريق مترقبا :
- كنت بتجول في السوق العربي وبفتش في بقايا الصيدليات المنهوبة والمدمرة ، فجأة قوات ال(ج) إقتحمت السوق وقبضوني جوة صيدلية .. طبعا إنت عارف الجماعة ديل شعارهم : أقتل أول حاجة وبعدين نتفاهم وفعلا كانوا عايزين يقتلوني لكن في واحد منهم شغل مخو وأكتشف إنو الزول البيكون لابس نظارة طبية وقاعد جوة صيدلية معناها : دكتور عشان كده عفو عني وساقوني معاهم
- ساقوك وين ؟
- كان عندهم أربعة أفراد مجرحين وعايزين زول يسعفهم ، ياخي كانت أسوأ لحظات عمري وأنا بخيط في الجروح بدون بنج وبنضف في فتحت الرصاص .. المهم بعد أسعفتهم كأفأوني بإنو حيعينوني الطبيب بتاع القوة بتاعتهم مدى الحياة .. شفت الشرف ده ؟
قلت له مستغربا :
- أها وطلعت منهم كيف ؟
- عادي ركبوني معاهم وغادرنا العاصمة وقريب من مدينة (ك) هاجمتهم قوات الحركات فماتوا معظمهم وهربو البقية ووقعت أنا في يد الحركات
كان يحكي الموضوع كأنه يحكي عن نزهة قام بها لشارع النيل ، وواصل :
- وقبل نطلع من المدينة أشتبكو مع جماعة الرباطة وهربت أنا في نص المعمعة ديك .. أها دي كل القصة
- تقريبا نفس قصتي .. بس سؤال خارج الموضوع كنت بتفتش الصيدليات لشنو ؟
عبرت سحابة كئيبة وجهه المرح وهو يرد :
- كنت بفتش عن أي نوع بتاع دواء يا (س) .. أدوية ضغط .. حبوب سكري .. مسكنات .. أي حاجة .. ما تتصور حجم الكارثة الحصلت ي على المرضى .. بقى مافي مستشفيات ولا صيدليات ولا أي خدمة صحية من أي نوع .. كنت بعمل على قدرتي وبعالج الناس البلقاهم في طريقي .. شنطتي دي مليانة حبوب وفيها جهاز ضغط وجهاز فحص دم متطور جاني هدية زمان من دبي .. بس اليد الواحدة ما بتصفق وأنا ما تامي يد .. أنا مجرد خلية صغيرة
تأثرت بشدة لكلامه وهو يواصل :
- أكتر حاجة بتألم الواحد يا (س) هي إحساس العجز وإحساس إنو نحن الشباب بتاعين الجيل ده حيحكم علينا التاريخ بإننا سمحنا للحصل ده يحصل ونحن قاعدين
ساد الصمت بعد الجملة الأخيرة .. كان على حق .. سيحكم علينا التاريخ بأننا كنا السبب .. نحن من صمتنا وتركنا السفينة تغرق بنا .. نحن من إستسلمنا للفساد وللحروب وأخيرا للمخدرات التي أجتاحت أوساط الشباب بلا رحمة بعد سقوط الحكومة .. فجأة غيّر أسعد محور الحديث وهو يسألني بإهتمام :
- سماعات العربية دي شغالة ؟
قلت له متفاجئا :
- ما متأكد والله
أخرج من حقيبته جهاز (إم بي ثري ) عتيق من النوع المنقرض الذي يوصل بقداحة السيارة ، وأوصله ثم أدخل ذاكرة فلاش صغرة في فجوة الإم بي ثري وهو يغمغم :
- يارب يشتغل .. يارب يشتغل
أصدرت السماعات هسيسا عاليا فصاح فرحا كأنه لم يكن ذلك المكتئب قبل قليل :
- الحمد لله .. أسمع بتسمع لمحمود
- وفي زول ما بيسمع ليهو ؟ لكن لي سنة كاملة ما سمعت أغنية
ضغط زر الجهاز لينبعث الصوت الحبيب ، رفيق الشباب والمحبين الذي رحل قبل عشرة أعوام .. محمود .. لم يخرج عبر السماعات لأذاننا بل خرج ليدخل في قلوبنا وهو يغني لنا عن إنه :
من أجل تحقيق الوصول ..
بركب مراكب المستحيل
مهما ما المشوار يطول
بمشي عى الدرب الطويل
عشان أحقق يازمن
أملي والحلم الجميل
مهما أمتدت السنوات لن يصدأ ذلك الصوت ولن تموت تلك الأغنيات ، قلت لأسعد :
- شكلك حواتي قديم
- حواتي وبس ؟ أنا كنت مجنون بالزول ده وما مات كنت في المطار مع الشباب الإستقبلو جثمانو من الأردن .. عارف أنا كان عندي أورغن وكنت حافظ أغانيهو كلها وبعزفها لأصحابي
- إنت بتعزف عود وأورغن ؟
- أيوا
- وجبت في الشهادة 99% وطبعا كنت أول دفعتك في كلية الطب
- في الستة سنوات وحياتك
- وبتصلح عربات كمان ؟
- عربات ومولدات كهرباء كهواية وعندي دبلوم في برمجة الكومبيوتر
- بتتكلم إنجليزي ؟
- جبت 9 في إمتحان أيلتس وبتكلم فرنسي برضو وبهبش في اللغة الأسبانية
- ................................
- هههههههه وكنت بكتب شعر أيام الجامعة وبعدها بديت أكتب قصص
- ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- ده غير الحزام الأسود في الكاراتيه طبعا هههههههه مالك فاتح خشمك كده يا (س)
هززت رأسي غير مصدق ما أسمعه ثم سألته بتلقائية :
- طيب المقعدك شنو في البلد دي ؟
صمت لحظات بلع فيها ريقه ونحن نجتاز مدينة (ب) ثم أجابني بتجهم :
- ده السؤال الضيع البلد دي يا (س) ..
(يتبع )



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:34 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.