آخر 10 مشاركات
الزوج المنسي (10) للكاتبة: Helen Bianchin *كاملة+روابط* (الكاتـب : raan - )           »          خانني من أجلك(2) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة بين قلبي و عقلي (الكاتـب : نغم - )           »          متى تحضني عيونك اذا هذي العيون اوطان ؟ , متميزة"مكتملة" (الكاتـب : توآقهَ ♥ لِــ ♥ لُقّياكـْ - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          في ظلال الشرق (20) -شرقية- للكاتبة الرائعة: Moor Atia [مميزة] *كاملة&روابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )           »          لمن يهتف القلب -قلوب زائرة- للكاتبة : داليا الكومى(كاملة&الروابط) (الكاتـب : دالياالكومى - )           »          [تحميل] أعشق آنانيتك عندما تتمناني لك وحدك ، للكاتبة/ &نوني بنت الجنوب& (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          112 - دمية وراء القضبان - فيوليت وينسبير - ع.ق (الكاتـب : بنوته عراقيه - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > القصص القصيرة (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-02-17, 12:46 AM   #1

لؤلؤة الحياة

? العضوٌ??? » 390951
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 13
?  نُقآطِيْ » لؤلؤة الحياة is on a distinguished road
:jded: أحياء في قلوبنا .. قصة قصيرة


أولى محاولاتي في كتابة القصة
قصتي بعنوان أحياء في قلوبنا بقلمي batoul
الإهداء ( إلى الذين ملؤوا حياتنا نورا ثم تركونا نحترق تحت رماد الرحيل ...
الى كل قلب يحمل غصة لفراق حبيب ..
يرحلون و لكنهم يبقون أحياء في قلوبنا )
الجزء الأول
ارتدت ثيابها و خرجت مسرعة متوجهة إلى جامعتها حيث تدرس اللغة الإنكليزية
- كيف حالك يا سلمى ؟ قالها مجد الذي بدا على وجهه علامات الارتياح لرؤيتها .. هكذا هي كما اعتاد أن يراها دوما فتاة بيضاء الوجه عيناها بنيتان لامعتان و شعرها الكستنائي منسدل على ظهرها بعذوبة كأنه جدول ماء صاف ..
أجابته برقة : بخير ، هيا بنا للمحاضرة لا وقت لدينا للكلام ، أمسكت بيده ليذهبا معا و لم تدري أن قلبه ينبض بقوة إذا رآها فكيف حين تمسك بيده!
كان مجد شخصا وسيما أنيق الثياب ، اسمر الوجه تلمع عيناه السوداوان تحت تلك الأهداب الطويلة حين يتحدث و يبتسم ، شعره غزير أسود اللون اعتاد أن يسرحه بقصات حديثة كباقي شباب هذه الأيام ...
انتظرها طويلا منذ ساعات الصباح الباكر
- مجد !! ماذا تفعل هنا؟ قالتها سلمى بابتسامة عذبة
ارتبك قليلا - أتيت لأصطحبك إلى الجامعة بنفسي فأخوك نجم ليس لديه محاضرات اليوم ..
- أنت صديق جيد
صديق !! صديق!! رنت هذه الكلمة بحروفها في ذهن مجد و أذاقت قلبه لسعات من الألم .. إلى متى يا سلمى؟!! مضى أكثر من عامين في الجامعة و أنت تنادينني صديق !! ألم تشعري بلهفتي كل هذه الأيام؟!! ألم تصلك نبضات قلبي الذي يذوب عشقا كلما أراك؟!! ألم تشعري بروحي كم سهرت ليال تناديك؟!!
سأصارحها غدا . قالها في نفسه سأصارحها بحبي و ليكن ما يكون ...
-في حي المالكي حيث الأبنية الحجرية الفخمة و البيوت الواسعة و الشوارع المتظمة جلست سلمى تتناول طعام الغداء مع أسرتها المكونة من والدها و أمها و أخيها نجم ، تنعم سلمى بدفء العائلة و الراحة و الطمأنينة بين أفراد أسرتها و هي أيضا صديقة مقربة لأخيها نجم فهي تكبره بعامين فقط ، نجم الذي يدرس في كلية الحقوق بجامعة دمشق ذلك الصرح العلمي العريق ، نجم يشبه أخته إلى حد كبير، بشرته بيضاء و شعره بني ،عيناه بنيتان واسعتان ،و هو شاب مفعم بالحيوية و المرح ...
- هيا يا سلمى لقد أخرتني عن موعد محاضراتي
- انا قادمة يا نجم ، انت دوما مستعجل قالتها سلمى و هي تغلق باب السيارة بعصبية
فأجابها بتهكم : و أنت أعصابك باردة على الدوام ..
......

أحياء في قلوبنا (( الجزء الثاني ))
قضت سلمى الطريق مع نجم و هما يتحادثان و يضحكان فلم تكن هذه المرة الأولى التي تؤخره فيها عن محاضراته .. أنزلها على باب الجامعة و القى تحية سريعة على مجد من داخل السيارة
- مجد ! أما زلت تنتظرني ؟! لماذا لم تدخل إلى المحاضرة قبلي؟!
مجد و قد عزم اليوم ان يصارح سلمى بمشاعره لها مهما كانت النتائج
- سلمى هل يمكن لنا أن نجلس سويا في حديقة الكلية؟ لدي ما اقوله لكِ
- لا مشكلة يا مجد فنحن لا يمكننا الدخول للمحاضرة فقد تاخرنا كثيرا و مضى على بدايتها أكثر من نصف ساعة ..
جلست تنتظره بينما أحضر فنجانين من القهوة الساخنة
- تفضلي
- شكرا مجد قالتها بابتسامة عذبة كعادتها .
و ما إن ارتشفت قليلا من القهوة حتى سمعت صوتا يقول لها :
- أحبك سلمى
اهتز الفنجان في يدها و سقط على الأرض و ابتلعت ما ارتشفته من القهوة بصعوبة و نظرت إلى مجد و قد بدت على وجهها علامات الارتباك و التعجب و الخجل ..
أمسك مجد يديها و ضمهما بكلتا يديه و قال و هو ينظر في عينيها :
- أجل يا سلمى أحبك أنا لم أعد أستطيع كتمان مشاعري أكثر مما كتمت
يرتبك قلبي كلما رأيتك يخفق بقوة داخل صدري و يكاد يقفز إليك ..
أغار عليك من نسمات الربيع تداعب شعرك الكستنائي الجميل ، أعشق ابتسامتك العذبة التي تشرق لرؤيتها روحي ..
لمعت عينا سلمى و اغرورقت بدمع كثيف و قالت : آه يا مجد ، ها قد نطقتها أخيرا، مضى عامان و أنا أنتظر سماع كلماتك العذبة هذه ، رفعت نظرها إلى عينيه بخجل أنثوي رقيق
- مجد أنت سر سعادتي يا مجد منذ التقيتك صدفة في أول يوم داومت فيه في هذه الكلية
أتذكر كيف أوقعت لي حقيبتي حين كنت تركض مستعجلا لتحضر محاضرتك الأولى في الكلية ؟!!
ابتسم و قال: و أتذكر أيضا كيف التقطت حقيبتك و ضربتني بها على يدي بقوة
ضحكت سلمى و قالت له : كفى يا مجد ، لم أكن أعرفك يومها ..
و أكملت بمرح : و أتذكر أيضا كيف كنت تنتظرني مدة أسبوعين كاملين كل صباح لتعتذر عما حدث يومها
و تلقي علي تحية الصباح بقولك المعتاد : صباح الفل و الياسمين الدمشقي
و أنا أجيبك نفس الجواب كل يوم : صباح النور و أمضي مسرعة إلى مدرج المحاضرة ، فأتفاجأ بأن المدرج ممتلئ و أجدك إلى جانبي تخبرني أنك قد حجزت لي و لك معا و في أول مقاعد المدرج ..
و يوما بعد يوم تعمقت صداقتنا حتى صرت جزءا مهما في حياتي ، أرخت نظرها قليلا و تشربت وجنتاها البيضاوتان بحمرة الخجل - بل صرت أنت حياتي يا مجد 🌹
عاد مجد إلى بيته و قد امتلأت روحه بسعادة لا متناهية و كان بيته في حي القيمرية الدمشقي العريق ذاك الحي ذو الأزقة الضيقة و البيوت العربية الواسعة التي تحكي جدرانها تاريخا دمشقيا عريقا مفعما بالأحداث ، و يتدلى في كل بيت ياسمين دمشقي يملأ جنباته روائح عطرة و يزين الأحياء ببياض أنيق يحمل صفات قلوب أهل الشام و لطف معشرهم ...
دخل مجد بيته و قبل يد والدته ووالده الذي يعمل بمتجر صغير للأدوات المنزلية ، عائلة مجد أيضا تنعم بدفء و استقرار لا حدود له حيث كان مجد وحيد أهله فكان كشجرة غضة بين والده و أمه يرعيانه و يفرحان كلما كبر قليلا حتى غدا شابا قوي البنيان ...
- ياسمينتي .. صباح الخير قالها مجد و عيونه تحكيان ما فاض به قلب متيم بعشق سلمى منذ سنين ...
- صباح النور يا مجد ، أمسك يدها بسرعة و ركض معها ، كانت الأمطار تنهمر بغزارة و كانت ضحكات سلمى تملأ المكان و هي تقول : أين تأخذني يا مجنووون ؟!
- انتظري و سترين بنفسك ، اركبي السيارة
صعدت و هي متفاجئة ، عصب لها عينيها ثم قال لها : انزلي الآن يا حبيبتي
أمسكت بيده و نزلت - ألن تفك هذه عن عيني؟
- اصبري على رزقك قليلا قالها مجد بمرح
مشيا بضع خطوات ثم نزع العصبة عن عينيها الجميلتين
- افتحي عينيك الآن
- يااه ، ما أجمل هذا المنظر ، قاسيون أحب الأمكنة إلى نفسي و روحي ، أحبك يامجد أحبك 🌹
و أخذ مجد يصرخ بأعلى صوته يا شاام يا مدينة الياسمين أنا أخذت فقط هذه الياسمينة منك لتملأ بعبقها حياتي ، أعاهدك أنني سأحفظها و أصونها ما حييت ، سأرعاها بقلبي و أسقيها حبي و الحنان... ركضت إليه سلمى بسرعة و عانقته و أغمضت عينيها و هي تقول .. أحبك ..، أحبك 🌹
.....
أحياء في قلوبنا
(( الجزء الثالث))
..............................
- أبي هذا فنجان قهوتك الذي تحبه من يدي
- اممم أعرف هذه النظرة جيدا يبدو أن زهرتي الحلوة ترغب بشيء معين ، ماذا تريدين يا صغيرتي ؟ قولي لا تدعيني أنتظر أكثر يا سلمى
- مجد يريد أن يتقدم لخطبتي ، قالتها و علامات البهجة و السرور تملأ وجهها الأبيض المستدير .
تغير لون وجه الأب و ضاقت عيناه و قال باستغراب : مجد!! مجد الذي نعرفه؟!!
-نعم يا أبي
- أنا لا أنكر أنه شاب خلوق و ذكي و لكنني لا أراه مناسبا لك أبدا ، فمستواه المادي و الاجتماعي لا يناسب مستوانا و لا يقارن به حتى .
- و لكن يا أبي أنا أحبه
- انسي الموضوع يا سلمى و اتركي هذه الكلمات جانبا .. مجد هذا لا يناسبك قالها بصرامة و انصرف إلى غرفتها و هو يقول : لا أريد أن أسمع بهذا الموضوع ثانية في هذا البيت يا سلمى
- بكت سلمى ، بكت ليلتها كثيرا و لم تنم ، هذه المرة الأولى التي يحدثها فيها أبوها بهذه اللهجة القاسية
- مابال ياسمينتي ذابلة اليوم ؟ قالهامجد بحنان بالغ
- آه يا مجد و قصت عليه ما حدث بينها و بين والدها و هي تبكي
ضمها مجد إلى صدره و طبع قبلة على جبينها و قال لها بلهجة يملؤها الأمل : اتركيه لي أنا سأحادثه و أطمئنه على مستقبلك معي ، هو أب و من حقه أن يضمن مستقبل ابنته.
- ياه يا والدي أما زلت على نشرات الأخبار ؟
- انظر يا مجد انظر لسورية كيف أتت هذه الحرب على ابتسامات الأطفال و أحلام الشباب و أمنياتهم ، انظر كيف أطفأت هذه الحرب نور الحياة من وجوه أهل سورية نساءها و اطفالها و رجالها و شيوخها و شبابها ...
نظر مجد لأبيه بعينين تملؤهما الأسى و قال: أجل يا أبي كل يوم تأخذ هذه الحرب من سورية زهرة شبابها ، أعلم كم صارت الحياة صعبة في ظل هذه الحرب و الأزمات المتتالية و لكنني متفائل و بشدة بأنها ستنتهي و تأخذ معها كل بشاعتها و ذكرياتها السوداء
- آمل ذلك يا بني ، قالها الأب و قد أطفأ التلفاز و أغمض عينيه لينام
- أبي ..، أبي استيقظ بسرعة قالها مجد و قد بدا عليه القلق و التوتر
- ما بك يا مجد ؟ خير!!
- أبي سوق العصرونية يحترق يا أبي شاهدت الأخبار على الإنترنت ، مقاطع الفيديو تملأ مواقع التواصل ...
ركض الأب بثياب نومه مع مجد إلى السوق ، لقد احترق متجرنا بالكامل بكى مجد و هو ينطق هذه العبارة ....
دمعت عينا الأب فلم يكن له هذا المتجر مجرد مصدر للرزق فحسب بل هو إرث عائلي قديم توالت عليه الكثير من الأجيال في العائلة
ربت على كتف مجد برفق و قال له: لا تحزن يا بني سيعوضنا الله ، المهم أنك و أمك بخير ...
كانت تلك الليالي من أطول الليالي على مجد الذي قضاها و هو يفكر كيف سيكلم والد سلمى؟! ماذا سيقول له؟! كيف سيطمئنه على مستقبل ابنته و هو نفسه لم يعد يرى مستقبله ؟!!
- مجد مابالك يا مجد ! طوال المحاضرة و أنت شارد الذهن بماذا تفكر؟!
- آه يا سلمى ، قالها مجد بلوعة و لمعت دمعة في عينيه : احترق متجرنا بالكامل ليلة أمس ، فتحت سلمى فمها مندهشة و قالت: هذا مؤسف حقا و لكن هوّن عليك يا مجد كل مشكلة و لها حل ، نظرت بعينيه و ضمت يده في يديها و قالت له بأمل : لا بد أن يكون هناك حل و ابتسمت له و قالت أنت علمتني أن أكون متفائلة على الدوام أتذكر؟!
- نعم يا حبيبتي فوجهك لا يليق به إلا التفاؤل و الأمل ...
أبي ماذا تنوي أن تفعل بعد حريق متجرنا الصغير؟! من أين سنكسب قوت يومنا و كيف سنعيش؟!
- نظر الأب إلى مجد و أجابه بنبرة يكسوها الحزن : سنبيع سيارتك لإصلاح المحل و ترميمه يا مجد ليس لنا خيار آخر ، أعلم أنها هدية نجاحك و تفوقك في الثانوية و أنا حزين لأجل بيعها أكثر منك و لكنني ....
قاطعه مجد و أمسك بيده و قبلها و وضعها على رأسه و قال له بحب :
- أنا و سيارتي و كل ما لدي فداء لك يا أبي ....
بعد مرور أسبوع ...
- نجم هذا مجد توقف لنقله في طريقنا
صعد مجد السيارة و ألقى التحية على نجم و سلمى
- إذن بعت السيارة لترمم متجر والدك قالتها سلمى بأسى
- نعم لم يكن لدينا خيار آخر أجابها مجد بحزم
- حقا يؤسفني ذلك يا مجد عسى أن يعوضك الله بأحسن منها
مجد بابتسامة : إن شاء الله .
....
سكن الليل و تحلقت أسرة سلمى حول مائدة العشاء
- أبي ألم تفكر بما قلته لك منذ أسابيع؟
الأب مستغربا : بخصوص ماذا؟!
- مجد ... مجد يا أبي
- ألن تكفي عن هذه الثرثرة التي لا طائل منها؟ كيف سيضمن لك مستقبلك و هو بالكاد يؤمن قوت يومه مع أسرته ؟! كيف ستركبين أفخم السيارات و تشترين أثمن الثياب و تقتنين أرقى المجوهرات؟!! ما رأيك يا أم سلمى ؟!!
- أنا أعرف بالموضوع يا أبا سلمى ، حدثتني سلمى به منذ فترة و لكنني لا أرى مانعا من أن يخطبها، و نساعده و نمد لهما يد العون لينعما بالسعادة بحبهما و يعيشان حياة هانئة
قاطعها أبو سلمى: لا ..، هذا ما يرسم عليه ذلك الطماع ، لن أساعده و لن أجعله يقترب من سلمى أو يحدثها بعد هذا اليوم .
سلمى و قد ترقرقت الدموع في عينيها : نجم .. قل شيئا يا نجم ....
....
أحياء في قلوبنا
الجزء الرابع و الأخير
.........
- والدي الحبيب أعط مجد فرصة ليثبت لك نفسه كما طلب منك فهو شاب خلوق و طموح و ذكي، و من يدري لربما نجح بإثبات نفسه و جديته بحب سلمى
- اصمت يا نجم قالها الأب بحزم لن أزوجها له و لماذا أنتظره و ابن عمها موجود !!
- أنا لن أتزوج ابن عمي لن أكون لرجل سوى مجد يا أبي ، إن كان خوفك على ثروتك هو سبب هذا الرفض فأنا لا أريد منها شيئا
قام الأب من مكانه و رفع يده ليضربها و لكنه سرعان ما هوى على الأرض مغشيا عليه
- أبي ..، استيقظ يا أبي ، لن أتزوج مجد أنا لا أريده فقط استيقظ أرجوك أنا آسفة يا أبي قالتها سلمى و الدموع الحراقة تنهال على وجنتيها
أمسكت يده الموصولة بأجهزة المشفى و قبلتها و ذرفت الدموع ليلة كاملة و لكن ... توقفت الأجهزة عن إصدار الأصوات و فارق أبو سلمى الحياة ... عمل الأطباء ما بوسعهم و لكن الذبحة الصدرية أخذت والد سلمى من حياتها و تركتها يتيمة إلى الأبد ...
لااا ... صرخت سلمى بصوت أقرب للجنون و بدأت تقول : أنا قتلته ، قتلت والدي ، أنا سبب موت أغلى إنسان على قلبي و أعظم أب في العالم بأسره .. كيف سأعيش بعدك يا سندي ... مع من سأشرب فنجان قهوتي صباحا و أنا أقص عليه ما حدث معي بالأمس .. من سأضع رأسي في حجره كل يوم ليحكي لي القصص قبل أن أنام .. من سيسامرني و يعطيني من أنوار عقله حين يهبط الليل و تغرق مدينتي في الظلام ...
آه يا والدي لقد هدني رحيلك ... لقد هزمني غيابك
- سلمى .. حمدا لله على سلامتك يا حبيبتي قالها نجم و قد غرقت عيناه بدمع كثيف .. لقد مضى أكثر من شهر و أنت نائمة في المشفى
- ماذا حصل معي؟!! لماذا كل هذا الوقت أنا هنا؟! قالتها سلمى و قد انحدرت على خديها دموع متلاحقة تحمل حرقة قلبها و قد بدأت ذكريات ما جرى تعود إليها
- لقد دخلت في نوبة انهيار عصبي إثر وفاة والدنا الغالي ، ثم فقدت وعيك بعدها إلى هذا اليوم .
- و أمي؟! أين أمي؟! لماذا لا أراها هنا؟!
بدت علامات الحيرة و القلق تعلو وجه نجم الذي ارتبك و لم يعرف بما يجيب عيني سلمى الحائرتين ...
- أمي تنتظرنا في البيت ، لقد أذن لنا الطبيب بإخراجك اليوم من المشفى ، هيا سأخرج ريثما ترتدين ثيابك يا حبيبتي ...
خرجت سلمى من المشفى و هي تمسك يد نجم بشدة و كأنما تخاف رحيله هو الآخر ..
دخلت سلمى البيت لأول مرة بعد وفاة والدها ، كل شيء في المنزل فقد لونه حتى الأثاث بدا عليه و كأنه قد اشتاق لوالدها ... خيّل إلى سلمى أن الستائر تحكي و الأبواب تتكلم و كأن كل شيء في البيت يشير لها بأصابع الاتهام و يقول بصوت واحد : أنت قتلته .. قاتلة .. سلمى قاتلة ..، جلست سلمى على الأرض و أخذت تبكي بنحيب يمزق القلوب وجعا .. و يفتت الأرواح من شدة الألم الذي فاضت به صرخات بكائها ..
وقفت بصعوبة على قدميها و أخوها نجم يساندها و دخل معها غرفة أمها
- أمي .. ما بك يا أمي؟! لماذا تنظرين إلي ولا تقولين شيئا
- أمنا لا تستطيع الكلام يا سلمى .. منذ ذلك اليوم الذي توفي فيه والدنا و هي بهذه الحالة ، و قال الأطباء أن الصدمة قد أثرت على مركز النطق في الدماغ ففقدت أمنا القدرة على الكلام قال نجم عبارته تلك و انهمرت دموع بللت أهدابه الطويلة ووجنتيه ...
لم تحتمل سلمى هول ذلك الخبر الذي وقع على رأسها كصاعقة هائلة جعلت الدنيا فيها تدور و ارتجفت و سقطت بجانب أمها مغشيا عليها ..
- حمداٌ لله على سلامتك يا سلمى ، قالها الطبيب برفق، لقد وصفت لك بعض الأدوية و المهدئات ستكونين بخير بإذن الله و استأذن للانصراف ..
شهر كامل مضى ، لقد فاتني الكثير في الجامعة قالتها سلمى و هي ترتدي ثيابها بسرعة و أضافت أنت محق يا نجم علي أن أتدارك ما فاتني و أحقق حلم والدي و أنال شهادتي الجامعية بتفوق كما وعدته .
- سلمى العمر لك يا سلمى .. حمدا لله على سلامتك قالها مجد الذي ضحكت عيناه لرؤية سلمى في الجامعة من جديد و بدت على وجهه علامات السعادة لمجيئها
- ابتعد عن طريقي يا مجد ، ألم تدرك ما حدث ، ألم تعي أن والدي مات بسببنا ؟!! بسببنا نحن يا مجد ، لا أريد رؤيتك ثانية ، قالت كل تلك الكلمات التي تحمل من القسوة ما لا يمكن أن يتحمله قلب عاشق برقة قلب مجد ، قالت كلماتها دون حتى أن تنظر في عينيه اللتين كانتا مفتوحتين على اتساعهما لهول الصدمة ..
و كيف تنظر في عينيه و هي لا زالت إلى الآن تعشقه؟!
كيف ستقاوم نظراته و هي التي اشتاقت أن تذوب بين ذراعيه ؟!!
- آه يا مجد لو تعلم كم أنا محتاجة أن تعانقني ، أن تضمني لصدرك و أبث وجعي و أحزاني و أبكي بين ذراعيك كما لم أبكِ قط في حياتي .. قالتها سلمى في نفسها بعد أن تركت مجد وراءها يكتوي بنيران الوجع و يتجرع كأس الفراق المرير ...
عاد مجد إلى بيته يكاد يتهاوى لثقل الألم الذي كان يحمله في قلبه ، منذ شهرين فقط كان هذا القلب يطير من السعادة و لم يكن يدري أنه سينزل يوما في واد سحيق و توخز قلبه البريء أشواك الفراق فتدميه..
بدأت سلمى تستعيد عافيتها يوما بعد يوم و أمسكت هاتفها و نظرت في اسم مجد و تأملت حروفه طويلا .. آه يا مجد كم اشتقت لسماع صوتك ، شهر كامل مضى لم أرك فيه في الجامعة إلا أول أسبوع و كنت كلما رأيتك أهرب بعيدا عنك قبل أن تراني ، آه كم اشتقت لتلك الطمأنينة التي تسكن روحي حين أتحدث إليك
- سأتصل به .. نعم سأكلمه .. متأكدة أنه سيتفهم ظروفي و ما مررت به و يسامحني ،
ابتسمت سلمى لمجرد الفكرة و سكنت قلبها سعادة لم تشعر بها منذ زمن..
طلبت سلمى رقم مجد أكثر من عشرين مرة و في كل مرة لا تسمع سوى صوت المجيب الآلي بعبارته المشهورة (( الرقم المطلوب مغلق أو خارج نطاق التغطية))
تسرب القلق إلى قلب سلمى شيئا فشيئا، ركبت سيارتها و انطلقت إلى بيته .. نزلت سلمى من سيارتها و بدأت تجتاز الأزقة الضيقة و محلات سوق الحميدية العريق ، وصلت لبيت مجد و قرعت الباب بنقرات خفيفة تحمل رقتها ووداعة روحها ، فتحت أم مجد الباب
- أهلا بك يا سلمى مر زمن طويل لم نرك فيه .. تفضلي ..
- ما بك يا خالة ؟! أرى في عينيك حزنا ما عهدته قبل ! قالتها سلمى بحيرة
بدأت الدموع تنساب على خدّي أم مجد دون أن تجيب بكلمة عن أسئلة سلمى و هي تقودها إلى غرفة الضيوف .. و ما إن دخلت سلمى حتى شاهدت صورة مجد في صدر الغرفة و عليها شريط أسود ، إن سواد ذلك الشريط لم يغطي فقط جمال ابتسامة مجد في تلك الصورة بل غطى حياة والديه إلى الأبد
ظلت سلمى واقفة أمام الصورة و الذهول يملأ عقلها .. و بدأ الألم يتسرب من جديد إلى ذلك القلب الرقيق حتى امتلأ وجهها بدموع تحمل حرقة فكرة لم تكن لتستوعبها بعد ... ماات .. مجد ماات !!
ارتجفت سلمى و هي تقول هذه العبارة ، أمسكت أم مجد بيدها و أجلستها إلى جانبها ..
- حدث ذلك منذ عشرين يوما..... اتصل بي مجد و أخبرني بأنه قادم و لكنه سيتوقف عند الفرن ليحضر الخبز و هو قادم في طريقه إلى البيت ، بعدها بعشر دقائق سمعت صوتا اهتزت له أحياء دمشق القديمة بكاملها ... و مات مجد .. مجد الذي كان يحمل التفاؤل و يزرع الأمل أينما حل أخذته قذيفة غدر غاشمة تحمل حقد و سواد قلب من رماها ..
مات مجد .. و لم يترك لنا إلا الوجع و طيف ابتساماته و ربطة خبز مغمسة بدمه ...
عانقتها سلمى و بكت الاثنتان معا بكاء يحمل بلوعته قهر كل قلبي فقد حبيبا في هذه الحرب اللئيمة ..
(( دائما هناك ما يستحق الحياة )) أتذكر يا مجد كم كنت تقول لي هذه العبارة؟!!
قالتها سلمى و هي تعانق تراب القبر ... قل لي يا مجد فما الذي يستحق الحياة بعد رحيلك عن عالمي؟.. قل لي كيف لا أعانق وسادتي و أنا أبكيك كل يوم .. من سيعيد الابتسامة لشفتي الباهتتين ... من يعيد الإشراق لملامحي بعد رحيلك؟..
رحلت و برحيلك اختفى الفرح من عالمي ، رحلت و قد أخذت معك ضحكات العمر و بهجة الأيام .. حتى أن هذه الحرب كانت أسرع مني و لم تمنحني فرصة لأعتذر عما سببته من آلام لقلبك لم تمنحني فرصة لأجعلك تسامحني يا حبيبي ... ستستمر في ّ الحياة و لكن روحي لن تستمر بالحياة بعد رحيلك ...
- ها قد صرت خطيبي .. ماذا تريد أكثر من ذلك ؟! قالتها سلمى لصلاح الذي بدت على وجهه علامات الحزن و التعجب من قولها
- نعم يا صلاح لا تستغرب فأنت تعرف أن قلبي قد مات بموت مجد و أنني قبلت بخطوبتنا لأجل أمي و تقديسا لروح أبي الغالي الذي لطالما رغب بذلك ..
- لا تقلقي يا سلمى أعلم تماما قساوة ما مررت به، فقط امنحيني الفرصة لأغير حياتك و أعيد الضحكة لهاتين الشفتين الباهتتين و أعيد الحياة لهذا الوجه الطفولي البريءالذي فقد بهجته و لونه مذ تكاثرت عليه الأحزان
- أنت كمن ينقش على الماء يا صلاح
و ذهبت لغرفتها لتنام ...
جلست سلمى و أسندت ظهرها إلى الوسادة و فردت شعرها الكستنائي الذي انساب بوداعة على كتفيها ..
صلاح .. صلاح ابن عمي شاب جيد ... مر عام كامل و هو يقف إلى جانبي يحضر لي محاضرات الجامعة و يساعدني في دراستي .. ولا يطلب مني إلا أن أكون معه فقط ، هو فقط يريد ابتسامتي ، يريد أن يسعدني و لكنني لا أستطيع .. لا أستطيع نسيان مجد الذي أخذ قلبي و مضى ... بكت سلمى ، بكت إلى أن غرقت بنوم عميق أشبه بالسبات لكثرة الإرهاق و التعب ...
- مجد حبيبي أنا هنا إلى جانبك .. تعال و انظر إلي و لو مرة .. تعال و أحضر لي قهوتي المفضلة .. ارمِ لي أغراضي .. قل لي صباح الياسمين الدمشقي كعادتك .. أتذكر حين كنت تناديني ياسمينتي؟ .. من سيعيد الحياة لهذه الياسمينة التي ذبلت ، بل من سينطق هذه الكلمة بحروف تحمل عبق روحك ...
عامان كاملان يا مجد لقد تخرجت من الجامعة كم تمنيت أن تكون إلى جانبي و نتشارك فرحة تخرجنا معا .. آه لو ترى حال سلمى في غيابك
- هاه هل انتهت أم مجد من كتابة روايتها ؟ قالها صلاح و هو يطبع قبلة رقيقة على خديها و يداعب بيديه خصلات شعرها الكستنائي الجميل
ابتسمت سلمى و هي تقول : نعم يا حبيبي بقيت لي الجملة الأخيرة فقط ، سأنهيها بعبارتك التي قلتها لي حين كنت على قبر مجد في آخر زيارة .. عبارتك التي تفيض بحكمة عقلك و نقاء سريرتك و روحك
(( الذين رحلوا عن دنيانا مبكرين ... الذين شاركونا أجمل الذكريات و رحلوا .. لن يقبلوا بأن نعيش بين نيران الأسى .. هم يريدون أن نبتسم رغم الألم ..ستسعد أرواحهم الطاهرة حين نكون سعداء و سنعيش ما دمنا على قيد الحياة ... يرحلون و لكنهم يبقون أحياء في قلوبنا ))
تمت بعون الله


لؤلؤة الحياة غير متواجد حالياً  
التوقيع
تستطيع أن تفعل المستحيل إن آمنت بأنك قادر على ذلك 👍
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:38 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.