آخر 10 مشاركات
دين العذراء (158) للكاتبة : Abby Green .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          و آن أوان قطافك * مميزة **مكتملة* (الكاتـب : ahlem ahlem - )           »          العشيقة البريئة(82)للكاتبة كارول موتيمور(الجزء الثالث من سلسلة لعنة جامبرلي) كاملـــه (الكاتـب : *ايمي* - )           »          بروحي أشمُّ عطرك(81)(مميزة) _حصرياً_قلوب نوفيلا_للرائعة(bambolina) كاملة+الروابط (الكاتـب : bambolina - )           »          أهلاً بكِ في جحيمي للكاتبة الفاتنة: عبير قائد (بيـــرو) *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : Omima Hisham - )           »          قيدك الماسي (7) -رواية غربية- للكاتبة المبدعة: Shekinia [مميزة]*كاملة &الروابط* (الكاتـب : shekinia - )           »          321- سهام من حرير - ميراندا لي (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > سلاسل الروايات المصريه > منتدى سلاسل روايات مصرية للجيب > منتدى سلسلة رجل المستحيل

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-04-17, 09:20 PM   #1

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile18 23- أدهــــم ... عدد خاص مميـــز








للتحميل

https://www.4shared.com/office/wP5wS-rn/23_.html




MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:10 AM   #2

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


أدهم

* ماذا بعد الوداع ؟!...
* لماذا يشعر (قدرى) طوال الوقت، أنه لم يفقد بعد رفيقى عمره ... (أدهم) و (منى) ؟!...
* هل تنجح رحلته، فى البحث عنهما ؟!...
* هل يمكن أن يصل إلى ماعجزت عنه أقوى أجهزة المخابرات، والمنظمات الإجرامية العالمية ؟! ...
* وهل يحصل على معاونة ما ؟!.. وممن ؟!... وكيف ؟!..
* ومع كل هذا يبقى السؤال الأكثر أهمية .... أين رجل المستحيل ؟!..
* أين ... (أدهم) ..


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:11 AM   #3

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الأول

الأستاذ


على الرغم من أن جميع الحاضرين، فى تلك القاعة الصغيرة، من ضباط المخابرات، الذين التحقوا حديثاً بجهاز المخابرات العامة المصرى، والذين مازالوا يتلقون تدريباتهم، على يد خبراء وأساتذة هذا المضمار، قبل بدء مهامهم الفعلية، إلا أن حالة من الهرج سادت بينهم، عندما علموا اسم المحاضر التالى، الذى ينتظرون وصوله هذه المرة...
كانوا قد التقوا بعدد لا بأس به، من خبراء جهاز المخابرات ...
وتلقوا محاضرات وتدريبات شتى ...
ولكنهم كانوا ينتظرون هذه المحاضرة بالتحديد ...
وهذا المحاضر على وجه الخصوص ...
فما سمعوه عن صاحبها كان مثيراً ...
وإلى أقصى حد ...
ولقد راح بعضهم يتحدًَّث فى حماس عما سمعه، أو عما درسه، من عمليات شارك فيها المحاضر المنتظر ...
وبدت اللهفة على وجوه الجميع ...
وأطلًَّ الشغف من العيون ....
وخفقت القلوب، و ...
وأخيراً، وصل المحاضر ...
فور وصوله، هبط على القاعة فجأة صمت عميق مهيب، وتعلًَّقت كل العيون بذلك المحاضر، الذى دلف إلى المنصة الصغيرة فى خطوات هادئة، على الرغم من ذلك الحزن العميق، الذى بدا وكأنه قد انحفر على ملامحه، فلم يعد قابلاً للإزالة ...
وعلى عكس كل ما سمعوه عنه، بدا من الواضح أنه قد فقد الكثير من وزنه، وبدا أكبر سناً مما هو عليه فى الواقع، وأكثر رصانة مما يقال عنه ...
ولقد استقر خلف المنصة الصغيرة، وأدار عينيه فى وجوههم جميعاً، وكأنه يبحث بينها عن وجه بعينه، ثم ارتسم الأسى على ملامحه، وخرج مع نبرات صوته، وهو يبدأ محاضرته ...
كان يشرح للضباط الجدد، كيف يمكنهم كشف عمليات التزييف والتزوير، مهما بلغت درجة اتقانها، ويعرض عليهم نماذج من هويات رسمية، تم تزويرها فى إتقان، و...
" سيًَّد (قدرى) ... سمعنا أنك كنت صديقاً للأستاذ ..."...

فجأة، انطلقت العبارة من وسط الحضور، فتوًَّقفت يد (قدرى)، على لوحة العرض، وهو يولى ظهره للضباط الجدد، وبذل جهداً خرافياً؛ لمنع دمعة أرادت أن تفرًَّ من سجن عينيه إلى وجنته، ولاذ بالصمت لحظات، وكأنما يفكًَّر فى تجاهل العبارة، لولا أن ارتفع صوت آخر، يقول:
- هل تعرف تاريخ الأستاذ كله؟!
كبح (قدرى) دمعته فى صعوبة، واستدار فى بطء، يواجه الضباط الشبًَّان، قبل أن يغمغم، مجيباً السؤال الأوًَّل:
كنت من أقرب الأصدقاء إليه.

وصمت لحظة؛ ليزدرد غصة فى حلقه، قبل أن يضيف:
- وإلى زميلته (منى).
إجابته كانت إيذاناً بتحوًَّل مسار المحاضرة تماماً، إذ هتف أحد الضباط فى حماس:
- هل كان أسطورياً كما يصفونه ؟!
كان الحفاظ على تلك الدمعة شاقاً بحق، فأفلتها (قدرى)، لتنسال على وجنتيه بطيئة ساخنة، وهو يجيب:
- (أدهم) كان أكثر من أسطورة ... لقد كان رجلاً عظيماً، يؤمن بربه ووطنه، ولا يتردًَّد لحظة، فى بذل حياته نفسها، فى سبيل الله والوطن ... وفى سبيل كل ما يؤمن به .
سأل ضابط آخر فى شغف:
أحقاً أنه هزم كل أجهزة المخابرات العملاقة؟!

صمت (قدرى)، ليزدرد غصة أخرى، وهو يجيب فى صوت، بدا إلى حد ما مختنقاً:
- تقريباً.
هتف ثالث:
وماذا عن منظمة (المافيا)؟!

ترك (قدرى) فيض دموعه ينساب على وجهه، وهو يقول:

- حياة (أدهم) حافلة بالكثير، ولن يكفى زمن المحاضرة للحديث عنها، ولا عنه ... إنه رجل مخابرات غير عادى، وأسطورة لن تتكًَّرر، وصديق لا يمكن تعويضه أيضاً.
لم يبد القبول على الضباط الشبان، الذين امتلئوا فضولاً لمعرفة المزيد عن (أدهم صبرى)، الذى يلقبونه فى جهاز المخابرات العامة بلقب (الأستاذ)، ويطلق عليه أعدائه اسم (رجل المستحيل)، وضايقهم أن يؤجل (قدرى) الحديث عنه إلى وقت لاحق، فهتف أحدهم:
- أرجوك يا سيًَّد (قدرى) ... نريد أن نعرف تاريخ الأستاذ، منذ التحاقه بجهاز المخابرات، وحتى مصرعه، و ...
صرخ (قدرى) يقاطعه فى غضب:
- (أدهم) لم يمت...
تبادل الضباط نظرة حائرة متوترة، قبل أن يغمغم أحدهم فى حذر:

- ولكن الملفات الرسمية تقول: إنه أصيب إصابة بالغة، بنفس القنبلة، التى قتلت زميلته (منى توفيق)، فى حفل زفافهما.
بدا (قدرى) شديد الغضب، وهو يصرخ مكررًَّاً:
- قلت لكم : (أدهم) لم يمت .
ثم غمرت الدموع وجهه، وهو يضيف:

- ولا (منى) كذلك.
ران صمت مهيب على القاعة لحظات، ثم لم يلبث أن تحوًَّل إلى همهمات متداخلة، خرج صوت أحد الضباط من بينهما عالياً، وهو يتساءل:

- معذرة يا سيًَّد (قدرى) ... لكن ألديك معلومات مؤكًَّدة بشأن هذا، أم أنها مجرًَّد أمنيات..
صرخ (قدرى)، وقد بدا وكأنه قد فقد أعصابه تماماً:

- (أدهم) لم يمت ... و(منى) لم تمت.... من يقول هذا أحمق.
قال ضابط آخر فى حذر:
- سيًَّد (قدرى) ... مع احترامنا لتاريخهما، فهما مجًَّرد بشر، وكل البشر يموتون، وإن طال الزمن .
هوى (قدرى) بقبضته على المنصة أمامه، وهو يصرخ:

- قلت :إنهما لم يموتا.
حطمًَّت قبضته جهاز الميكروفون الصغير أمامه، وأطارت أجزاءه فيما حوله، فتراجع بحركة حادة، وكأنما أفاقه هذا من انفعاله، وحدًَّق فى الجهاز المحطًَّم بنظرة مذعورة، فى حين خيًَّم الصمت التام على القاعة ...
صمت قطعة (قدرى)، وهو يقول فى صوت أقرب إلى النحيب:
- يبدو أننا سنضطر لتأجيل المحاضرة، إلى وقت آخر.
قالها، واندفع خارج القاعة، والكل يتابعه ببصره فى صمت، تحوًَّل بعد خروجه منها إلى فوضى كلامية عنيفة، لم يسمع هو حرف واحد منها، وهو يعدو تقريباً، عبر الممر الممتد من القاعة إلى حيث مكاتب القسم الفنى، حتى بلغ حجرته، فدفع بابها، ووثب تقريباً داخلها، وأغلق خلفه فى قوة
، وهو يهتف:
(أدهم) و(منى) لم يموتا ... إنهما على قيد الحياة ... لابد وأن يكونا على قيد الحياة ...

ثم أجهش ببكاء حار ...


* * *

" خطأ يا (قدرى) ..."..
قالها مدير المخابرات فى صرامة، وهو يشير بيده فى غضب، فأحنى (قدرى) رأسه، وقال فى مرارة:
- أعلم أنه من الخطأ أن يفقد المحاضر أعصابه، أثناء تدريب الضباط الجدد يا سيادة الوزير2، ولكن ما أن أشار أحدهما إلى أن (أدهم) و(منى) قد لقيا مصرعهما، حتى فقدت أعصابى، و ...
قاطعه المدير فى غضب:
- وضربت أسوأ مثال للضباط الجدد .
زفر (قدرى)، وهو يهز رأسه فى أسى، مغمغماً:
- أعترف أن هذا ما حدث.
صمت المدير، متطلعاً إليه لحظات فى إشفاق، ثم حاول أن يبدو هادئاً، وهو يقول:

- ولكنك تعلم فى أعماقك، أنه من المحتمل كثيراً أنهم على حق.
لم يحر (قدرى) جواباً، فتابع المدير فى خفوت:
- كلنا نذكر ما حدث فى حفل الزفاف.
لم يكن (قدرى) يرغب فى استعادة تلك الذكرى المؤلمة، إلا أنه ما أن تحًَّدث المدير عنها وذكرها، حتى انطلق عقله، على الرغم منه يستعيدها ...
(أدهم) و(منى) كانا فى أبهى زينتهما فى ذلك اليوم...
وكانت السعادة تغمرهما ...
فأخيراً تحقًَّق حلمهما ...
وتزوًَّجا ...
الكل كان فرحاً سعيداً ...
وحانت لحظة كعكة الزفاف ...
وامتدت يد (منى) بالسكين ...
وصرخ (أدهم) محذراً ...
وحاول أن ينقذها ...
ودوى الانفجار...
وكانت أوًَّل مرة فى حياته، يلمح فيها الدموع فى عينى (رجل المستحيل) ...
ولم ينبس يومها ببنت شفة ...
مشهد (أدهم)، المغرق بالدماء، وهو يحمل حبيبة عمره إلى سيارته، والدموع تغمر وجهه، ثم ينطلق بها، لا يستطيع أن يفارق ذهنه قط ..
ولا لحظة واحدة ...
" الدكتور (أحمد صبرى) قال : إنه رأى أصابع (منى) تتحًَّرك ..."...
اندفع فجأة يقول هذا، وكأنه يحاول أن يتشبث بأخر أمل، فمطًَّ مدير المخابرات شفتيه، وهو يتطًَّلع إليه لحظات فى صمت، قبل أن يقول فى أسف:
- الدكتور (أحمد صبرى) شقيق (أدهم)، هو أيضاً من أكًَّد أن هذا قد يعود إلى بعض ردود الفعل العصبية، التى يمكن أن تحدث عقب الوفاة، مع تأثيرات الطقس، وانخفاض حرارة الجسم
غمغم (قدرى):
- ولكن أحداً لم يعثر عليهما قط .
أشار الوزير بيده، قائلاً:

- هذا ليس إيجابياً بنسبة كبيرة، خاصة وأن كل مصادر الأمن الداخلى لم تتوًَّصل حتى إلى سيارة (أدهم)، وكل المعلومات تقول: إنه لا هو ولا (منى) غادرا البلاد، عبر أى منفذ رسمى.
قال (قدرى)، متشبثاً بالأمل :
- هذا يعنى أنهما مازالا داخل البلاد .
قال الوزير فى سرعة:
- أو ...
ثم بتر عبارته دفعة واحدة، وكأنه يخشى إيذاء مشاعر (قدرى)، الذى امتقع وجهه، وهو يتساءل:
- أو ماذا ؟!
تردًَّد مدير المخابرات لحظة، قبل أن يحسم أمره، ويقول:
- أعلم أن هذا قد يؤذى مشاعرك كثيراًيا (قدرى)، ولكن فريقاً مشتركاً، من خبرائنا وخبراء الأمن العام، درسوا كل المعطيات، وتوصلوا إلى نتيجة واحدة، تبرًَّر عدم خروج (أدهم) أو (منى) من (مصر)، عبر المنافذ الرسمية، وعدم العثور على سيارتهما فى الوقت ذاته .
بدا صوت (قدرى) مرتجفاً، وهو يقول:
- وما هى ؟!..
تردًَّد مدير المخابرات بضع لحظات، ثم قال:
- أنهم يرقدون فى منطقة ما، فى ...
بتر عبارته ثانية واحدة، ثم أكملها بكل الحزم:
- فى قاع النيل .
انتفض جسد (قدرى) فى عنف، وشعر بالدماء تفر من كيانه كله، وفقد تماماً السيطرة على عقله ولسانه، وهو يندفع قائلاً:
- كًَّلا .
قال المدير فى حسم:
- هذا ما اتفق عليه الخبراء جميعهم، و ...
صرخ (قدرى) فجأة، غير منتبه إلى أنه يجلس أمام مدير المخابرات شخصياً:
- كًَّلا .
تراجع الوزير فى دهشة مستنكرة، إلا أن (قدرى) تابع فى عصبية بالغة:
(أدهم) و(منى) لم يموتا ... أنا أشعر بهذا ... لقد كانا أعز صديقين لى فى الحياة، ولو أنهما ماتا لشعرت بهذا ... إنهما لم يموتا ... لم يموتا .

واندفع الحرس الخاص بالوزير إلى مكتبه، مع ارتفاع صراخ (قدرى) الذى، وعلى الرغم من سيطرتهم عليه، ظل يصرخ ....
ويصرخ ...
ويصرخ ...


* * *
شعر طبيب مستشفى (وادى النيل)، التابع لجهاز المخابرات العامة، بالإشفاق على (قدرى)، الذى بدا شديد الحزن والأسى، حتى بعد الxxxx المهدئ، الذى تم حقنه به، وغمغم وهو يتطلًَّع إليه:
- إنك تحتاج إلى إجازة يا سيًَّد (قدرى)، فمن الواضح أنك قد أرهقت نفسك كثيراً، فى الآونة الأخيرة .
حاول (قدرى) أن يقول شيئاً ما، إلا أن لسانه وحلقه لم يطاوعانه، فاكتفى بإشارة من يده، جعلت الطبيب يواصل:
- سيادة الوزير وافق على منحك إجازة لمدة أسبوعين، لتهدئة أعصابك، والحصول على بعض الراحة ... صدقنى ... هذا سيفيدك كثيراً.
غمغم (قدرى) فى صعوبة:
- وماذا أفعل بالإجازة؟!... أين أذهب.؟!
هزًَّ الطبيب كتفيه، وقال:
- ابحث عن مكان هادئ، يمكنك فيه الاسترخاء، ومطالعة بعض الكتب، أو ممارسة الصيد .
غمغم (قدرى):
- هذا يناسب فصل الصيف، ونحن فى قلب الشتاء.
ابتسم الطبيب، وهو يقول:
- (مصر) دولة كبيرة يا رجل... تمتد من البحر المتوسط، وحتى حدود (السودان) ... ما رأيك بالسفر إلى (أسوان) ... إنها واحدة من أجمل مدن العالم، والنيل هناك لا يشبه النيل فى أى مكان آخر، والطبيعة ساحرة، يعشقها الناس، من كل أنحاء العالم .
مطًَّ (قدرى) شفيته، مغمغاً:
- سأفكًَّر فى هذا .
أومأ الطبيب برأسه، قائلاً:
- نعم ... افعل .... ولو بالفكرة، فلدى أصدقاء هناك، يمكنهم معاونتك على قضاء إجازة ممتازة.
ثم مال نحوه، مستطرداً ود:
- والآن ما رأيك بوجبة دسمة، خارج وجبات المستشفى التقليدية .
هزًَّ (قدرى) رأسه نفياً، وغمغم:

لست أشعر بأية شهية للطعام.

تراجع الطبيب فى حركة، ودهشة كبيرة، وهو يقول:

رباه! ... أنت حقاً تحتاج إلى إجازة.

ثم بدأ فى مغادرة الحجرة، وهو يضيف:

سأرسل إليك أرقام أصدقائى هناك ... لا تضيًَّع الفرصة.

زفر (قدرى) فى توتر، فور مغادرة الطبيب للحجرة، وعلى الرغم من الxxxx المهدئ، فقد كان يشعر بنفس الحرارة فى أعماقه...

كل الشواهد تقول: إن (أدهم) و(منى) قد لقيا مصرعهما...

ولكنه، فى أعمق أعماقه، يشعر أن هذا لم يحدث...

يشعر به شدة ...

ترى أهو مجًَّرد أمل ؟!...

أم أنه شعور حقيقى؟!...

ظلًَّ هذا السؤال يلح على ذهنه، حتى بعد أن بدأ إجازته، وأخذ بنصيحة طبيب (وادى النيل)، وقررًَّ السفر إلى (أسوان)...

كان قد اختار فندق جزيرة (إيزيس)، وهو فندق فى قلب جزيرة نيلية منعزلة، لا سبيل للوصول إليه بالطرق البرية ...

فقط بوساطة (معدًَّية)، تنقل النزلاء منه وإليه طوال الوقت...

كان يحتاج بالفعل إلى مكان هادئ...

وجميل ...

ومنذ ليلته الاولى هناك، شعر بالفعل بالهدوء والراحة، وبدأ يعيد التفكير فى كل الأمور على نحو مختلف ...
صحيح أنه لا يوجد دليل واحد، على وجود (أدهم) و(منى) على قيد الحياة ...
ولكن لا يوجد أيضاً دليل واحد، على أنهما قد لقيا مصرعهما ...
وهذه، بالنسبة إليه، نقطة إيجابية ...
تماماً ...
ولكن لو أن كل أجهزة الدولة قد فشلت، فى العثور على (أدهم) و(منى)، فكيف يتصوًَّر هو أن يفلح فى هذا؟!...

كيف ؟!...

ظلًَّ يفكًَّر فى هذا الأمر طويلاً، وهو يجلس فى شرفة حجرته، المطلًَّة على النيل، فى تلك البقعة الساحرة، حتى مالت الشمس إلى المغيب، وبدأ الليل بنسماته الباردة يتسلًَّل إلى المكان...
عندئذ فقط ، شعر ببعض الجوع ..

لم يكن يشعر بالجوع الشديد كالسابق، وكأنما قد فقد شهيته الأسطورية، مع اختفاء (أدهم) و(منى)...
فقط بالجوع ...

الجوع العادى ...

وفى مطعم الفندق، جلس يتناول طعاماً عادياً بسيطاً، وذهنه منشغل بالتفكير، عندما انتزعه من أفكاره فجأة صوت مألوف يهتف:

السيد (قدرى) ... يالها من مفاجأة !

رفع عينيه إلى مصدر الصوت، فوقع بصره على (سالم) ... مهندس نوبى الأصل، يقيم بجوار (أدهم) فى (القاهرة)، فنهض يصافحه، قائلاً:

- مفاجأة حقيقية أن نلتقى هنا يا أستاذ (سالم) .
أشار (سالم) بيده، قائلاً:
- المفاجأة لى أنا يا سيًَّد (قدرى)؛ فأنا آتى إلى هنا كثيراً بحكم نشأتى وبحكم أن عائلتى مازالت تقيم فى القرية النوبية هنا ... ولكن ماذا عنك؟!... أهى إجازة سنوية .
هزًَّ (قدرى) كتفيه المكتظين، وهو يجيب:
- يمكنك ان تقول : إنها إجازة إجبارية .
مال (سالم) عليه، قائلاً:
- ولكنك ستستمتع كثيراً هنا ... الأستاذ (أدهم) كان دوماً يؤكًَّد أن (أسوان) بها سحر خاص، وأسرار لم تكشف بعد .
بدا الحزن على وجه (قدرى)، وهو يغمغم:
- آه ... كان يقول هذا قديماً.
لوًَّح (سالم) بسبًَّابته، وهم يقول:
- ليس قديماً ... لقد سمعتها منه منذ شهر واحد .
اعتدل (قدرى) بحركة حادة، وهو يقول:
- شهر واحد؟!... ولكن (أدهم) و(منى) ...
لم يستطع إكمال عبارته، فبترها دفعة واحدة، مما جعل (سالم) يبتسم، وهو يقول:
(منى)؟!... اتقصد رفيقته المصابة ... لقد نقلها إلى قريتنا، و ...

قبل أن يتم عبارته، اندفعت أصابع (قدرى) لتقبض على معصمه فى قوة، وقلبه يرتجف بين ضلوعه فى عنف...

فما سمعه من (سالم) فجّر كل انفعالاته ...
إلى درجة عنيفة ..

للغاية .
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:12 AM   #4

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثانى

أسوان


ارتفع رنين الهاتف، فى تلك البقعة الساكنة، وسط جبال (سويسرا)، فامتدًَّت يد انثوية ناعمة، تلتقط سمًَّاعته فى رشاقة، قبل أن تقول صاحبتها، فى صرامة لا تتفق مع نعومتها :
- ماذا هناك؟!
أتاها صوت خشن، يقول بالألمانية :
- إنه يبحث عنه بالفعل.
صمتت صاحبة اليد الناعمة لحظات، ربما لتهضم انفعالاً جال بنفسها، قبل أن تقول بنفس الصرامة، وإن امتزجت بها لمحة من القسوة :
- هذا سيقوده حتماً إلينا.
قال صاحب الصوت الخشن، فى غلظة لم يتعمًَّدها:
هل نواصل متابعته ؟!
أجابته، وقد غلبت قسوتها صرامتها:
- بالتأكيد ... إنه ورقتنا الرابحة ... إما أن يثبت أن عدوًَّنا اللدود قد محى من الوجود، أو يقودنا إليه مباشرة.
قال صاحب الصوت الخشن، فى لمحة اعتراضية:
- ولكنك قلت من قبل، إنه لو أراد أن يختفى، فما من قوة فى الأرض يمكن أن تتوًَّصل إليه!.
أجابته فى قسوة:
- هذا صحيح ... ولكن عدوًَّنا يمتلك نقطة ضعف كبيرة، يمكن أن تقودنا إليه ..
وقسا صوتها أكثر، وهى تضيف:
- الإسراف فى حماية أصدقائه...
تمتم صاحب الصوت الخشن:
- لست أفهم .
حملت قسوته رنة ثقة ساخرة، وهى تقول:
- ستفهم ... عندما يتعرًَّض صديقه للخطر.
ولكنه لم يفهم ...
أبداً...

* * *

" أعد ما قلته يا رجل..."...
هتف (قدرى) بالعبارة، فى انفعال جارف، وهو يقبض على معصم (سالم) فى قوة، جعلت هذا الاخير يهتف فى توتر:
- سيًَّد (قدرى) ... ماذا أصابك؟!
هتف به (قدرى):
- أعد ما قلته ... متى رايت (أدهم) و(منى)؟!
أجابه (سالم) فى انزعاج، وهو يحاول انتزاع معصمه من قبضته:
- أخبرتك أن هذا كان منذ شهر تقريباً.
شدًَّد (قدرى) من ضغط يده على معصم (سالم)، وهو يقول فى عصبية:
- (أدهم) و(منى) اختفيا، منذ أربعة أشهر .
هتف (سالم)، وقد بدأ انفعاله يتزايد بدوره:
- لست أدرى شيئاً عن هذا ... لقد رايتهما منذ شهر ...
وفجأة، شرد بصره، وهو يقول فى ارتباك:
- أو ربما منذ عام .
ارتفع حاجبا (قدرى) فى دهشة مصدومة، وخف ضغط أصابعه على معصم (سالم) تلقائياً، وهو يغمغم:
- عام؟!... ولكنك قلت ...
قاطعه (سالم)، وهو يقول فى انفعال عجيب:
- كًَّلا ... لقد تذكًَّرت ... كان ذلك بالأمس.
حدًَّق (قدرى) فيه بدهشة كبيرة، وأفلت معصمه بتلقائية، فتراجع (سالم) فى مقعده، وبدا أكثر شروداً، وهو يقول، وكأنه يحدًَّث نفسه:
- أو ربما كان هذا صباح اليوم ... لست أدرى.
بدا الرجل وكأنه يمر باضطراب ذهنى عجيب، فتراجع (قدرى) فى مقعده، وازداد تحديقاً فيه بدهشة أكبر، عندما ظهر أحد موظفى الاستقبال، وهو يقول فى قلق:
- اهدأ يا أستاذ (سالم) ... أنت هنا لتهدأ ... تذكًَّر هذا.
سأل (قدرى) موظف الاستقبال فى توتر:
- ماذا به؟!
أجابه الرجل فى أسف:
- إصابة فيروسية نادرة، أدًَّت إلى اضطراب فى الذاكرة، أشبه بمرض (الزهايمر)، ولكنه مؤقت، وهو هنا كجزء من برنامجه العلاجى.
تراجع (قدرى) مصدوماً، وهو يغمغم :
- اضطراب فى الذاكرة؟!... أتعنى أنه لا يستطيع أن يتذكّر شيئاً؟!
هزًَّ موظف الاستقبال رأسه، وهو يقول:
- إنه يذكر كل شئ، ولكنه يعجز عن تحديد متى وأين حدث الأمر.
غاص (قدرى) فى مقعده بخيبة أمل، وهو يحدًَّق فى (سالم) فى أسف...
لقد تصوًَّر أنه قد عثر أخيراً على طرف الخيط، الذى يمكن أن يقوده إلى (أدهم) و(منى) ...
تصاعد الأمل فى نفسه ..
ثم هوى فى قاع يأسه ...
شعر بتلك الغصة فى حلقة، عندما عاون موظف الاستقبال (سالم) على النهوض، واصطحبه معه؛ ليعيده إلى حجرته، ولكن (سالم) التفت إليه، وابتسم وهو يقول:
- كان من دواعى سرورى أن ألتقى بك أمس يا سيًَّد (قدرى) .
أمس؟!...
الرجل التقى به منذ أقل من الساعة، وها هو ذا يتحًَّدث عن الأمس!!...
إنه مصاب بالفعل باضطراب ذاكرة مؤسف ...
غاص (قدرى) فى مقعده أكثر، على الرغم من جسده الضخم، وبدأ شعور اليأس فى نفسه يتعاظم ...
ويتعاظم ...
و ...
" ولكن لا ..."...
هتف بها (قدرى)، وهو يعتدل فجأة، على نحو ادهش المحيطين به، وانتبه هو إلى هذا، ولكنه لم يبال، وهو يعتصر ذهنه فى انفعال...
موظف الاستقبال قال: إن الأستاذ (سالم) يذكر كل شئ، ولكن ذهنه يعجز عن تحديد التوقيتات ...
و (سالم) تحًَّدث عن (أدهم) ...
و(منى) المصابة ...
والقرية النوبية ...
ووفقاً لما قاله موظف الاستقبال، فهذه كلها حقائق ...
مع خلل فى التوقيتات ...
نهض من مقعده بحركة حادة، جذبت إليه الأنظار مرة أخرى، ولكنه أيضاً فى هذه المرة لم يبال، وهو يندفع نحو مكتب الاستقبال، ويسأل أحد موظفيه فى لهفة:
- كيف يمكننى الوصول إلى القرية النوبية؟!
اندهش الموظف للهفته، ولكنه أجاب فى رصانة:
- عند مرسى الجزيرة، ستجد عدداً من القوارب الاهلية، أياً منها يمكنه أن يذهب بك إلى القرية النوبية، أو مطعم (الدوكا)، أو ...
لم يمهله (قدرى) الفرصة ليكمل حديثه، وإنما اندفع يغادر مبنى الفندق، وأسرع الخطى نحو مرسى الجزيرة، وقد بدا مشهده، وهو يهرول بجسده الضخم، مثيراً للدهشة والمرح، لدى بعض السائحين، ولكنه لم ينتبه إلى هذا، وهو يندفع نحو القوارب الأهلية عند المرسى ...
ولم ينتبه أيضاً إلى ذلك المصوًَّر الألمانى، الذى وقف أمام باب الفندق، وراح يلتقط له عشرات الصور ...
لم ينتبه إلى الكثير ...
الكثير جداً ...

* * *

ارتسمت ابتسامة عجيبة، على ملامح الصينية الحسناء (تيا)، وهى تدفع جهاز الكمبيوتر الصغير الخاص بها، أمام صاحبة اليد الناعمة، قائلة:
- هذه الصور وصلت من (مصر) الآن، عبر شبكة الانترنت .
ألقت صاحبة اليد الناعمة نظرة متفحًَّصة، على مجموعة الصور، التى تنقل مشاهد (قدرى)، وهو يجلس مع (سالم)، ثم وهو يعدو نحو المرسى، ويستقل قارباً من القوارب الأهلية، ثم لوًَّحت بيدها، قائلة:
- عظيم ... كل شئ يسير كما توقعًَّته.
غمغمت (تيا):
- مازلت أصرًَّ على أن قنبلتى قد قضت على تلك الفتاة
لوًَّحت صاحبة اليد الناعمة بيدها فى استنكار، فانعقد حاجبا (تيا)، وهى تقول فى حدة:
- لا تنسى أننى محترفة .
حمل صوت ذات اليد الناعمة كل قسوتها وصرامتها، وهى تقول:
- لو ارتفع صوتك فى حضرتى مرة أخرى، لن تصلحى حتى للعمل فى دار للمسنين.
بدا التوتر الشديد على (تيا)، وهى تقول:
- هذا الأسلوب لا يروق لى ...
اعتدلت صاحبة اليد الناعمة، وهى تجيبها، فى قسوة مخيفة:
- هذا لأنك اعتدت العمل مع (سونيا جرهام) ... ولكن الأمور لم تعد كما كانت من قبل، وعليك أن تدركى جيداً أن (سونيا جراهام)، التى اعتدت العمل معها قد لقيت مصرعها، ولن تعود مرة أخرى إلى الوجود.
انعقد حاجبا (تيا) أكثر، دون أن تحاول التعليق، فعادت ذات اليد الناعمة إلى الاسترخاء، وهى تقول بكل صرامة:
- أخبرى (هانز) أن يواصل مهمته، وأن يوافينا بالتفاصيل لحظة بلحظة.
وقسا صوتها مرة أخرى، مع إضافتها:
- لن يمكننى أن أهدأ، قبل أن أحسم أمر (أدهم)، فالأرض لم تعد تحتمل كلانا معاً... أبداً.
وانعقد حاجبا (تيا) أكثر وأكثر....
فما سمعته ورأته، جعلها تدرك أنها تتعامل هذه المرة مع زعيمة مختلفة ....
زعيمة تمتلئ شراً وحقداً ...
إلى أقصى حد ممكن ....

* * *

خفق قلب (قدرى) فى قوة، عندما توًَّقف به ذلك القارب البسيط، عند مرسى القرية النوبية، وسط نيل (أسوان) ...
كان المرسى أسفل مجموعة من السلالم الحجرية، التى ترتفع لمسافة كبيرة، حتى مستوى القرية، وعلى الرغم من هذا، ومن جسده الضخم، قفز (قدرى) من القارب فى لهفة، وصعد فى درجات السلم العالية، وهو يلهث فى شدة، حتى بلغ مستوى القرية، فتوًَّقف لاهثاً، يتلًَّفت حوله فى لهفة، وكأنما يتوًَّقع أن يلمح (أدهم) أو (منى)، ثم لم يلبث أن غمغم فى عصبية:
- ها أنتذا هنا يا (قدرى) ... ماذا يمكنك أن تفعل إذن؟!
حار بالفعل فى الخطوة التالية، التى لم يفكًَّر فيها من قبل، ثم لم يجد أمامه سوى أن يتجوًَّل فى القرية، ويسأل كل من يلتقى به عن رجل وسيم، ممشوق القوام، أتى بفتاة مصابة إلى المكان، منذ بضعة أشهر ....
كانت وسيلة عقيمة، من وجهة نظره، إلا أنه لم يكن يملك سواها ...
ولقد بدأت نفسه تمتلك باليأس، مع الردود السلبية التى تلقاها، وفكًَّر جدياً فى العودة بخفى حنين إلى الجزيرة، و ...
" نعم ... إننى أذكر هذا ..."...
قالها صاحب ركن صغير، لبيع الأقنعة النوبية، فخفق قلب (قدرى) فى قوة، وهو يهتف بمنتهى اللهفة:
- حقاً؟!...
كان من الواضح أن الرجل يعتصر ذهنه، وهو يقول فى بطء:
- لقد وصلا مع مغيب الشمس، على عكس كل السائحين، وربما لهذا أذكرهما ... المرأة كانت تعانى بشدة، حتى أن الرجل حملها على ذراعيه، وكان مشهده، وهو يصعد فى درجات سلم المرساة، حاملاً إياها، بكل الحب والحنان، أشبه بأفلام السينما، و ...
قاطعه (قدرى) فى لهفة:
- وأين ذهب بها؟!
أشار الرجل بيده إشارة مبهمة، وهو يقول:
- أذكر أنهما قضيا أسبوعاً، فى منزل يمتلكه (حامد إبراهيم) .
هتف به (قدرى)، وقد بلغت لهفتة مبلغها:
- وأين أجد (حامد إبراهيم) هذا ؟!...
ابتسم الرجل، وهو ينظر إلى ما خلف كتف (قدرى)، مجيباً:
- خلفك .
استدار (قدرى) بحركة حادة، ثم تراجع فى دهشة ...
فالواقف خلفه، يتطلًَّع إليه فى تساؤل، كان نفس الرجل، الذى دفعته كلماته للقدوم إلى القرية النوبية ...
كان الأستاذ (سالم) ...
شخصياً...

* * *

رفع مدير المخابرات المصرية عينيه، مستقبلاً نائبه، الذى تطلًَّع إلى بعض الأوراق بين يديه، وهو يقول:
- لقد نفذت ما طلبته يا سيادة الوزير، وطلبت من قسم المتابعة فرزاً لكل قوائم السفر والوصول، فى كل المنافذ المصرية، خلال ألأشهر الأربعة الماضية.
سأله المدير فى اهتمام:
- والنتيجة ؟!..
لوًَّح النائب بالأوراق، قائلاً:
الفحص الأوًَّلى لم يسفر عن شئ، ولكن قسم المعلومات وجد اسماً واحداً، فى
قوائم الوصول، فى مطار (الغردقة)، ورد فى أحد تقارير عمليات سيادة العميد (أدهم).
سأله المدير، وهو يعتدل على مكتبه، فى اهتمام أكبر:
- وما هو؟!
وضع النائب الأوراق أمامه، وهو يجيب:
- عجوز فرنسية، تدعى (جوزفين رينيه)، ورد فى تقرير قديم لسيادة العميد، أنها عالجت التهاباً غير قابل للشفاء فى ساقه، عندما أصيب فى (مارسيليا)*
اعتدل المدير، هاتفاً:
- آه ... تلك الغجرية الفرنسية... (ن-1) قال: إن لديها وسائل مذهلة لشفاء الإصابات.
أجابه النائب بنفس الاهتمام:
- المهم أن تاريخ وصولها إلى (مصر)، هو اليوم التالى لإصابة سيادة العميد، والرائد (منى توفيق)... والأهم أن تذكرة سفرها، وتكاليف إقامتها فى (مصر)، سددًَّتها مؤسسة (أميجو) فى (نيويورك).
تألًَّقت عينا المدير، وهو يقول فى انفعال:
- مؤسسة (أميجو)، التى يمتلكها (أدهم)؟!*
أومأ النائب برأسه إيجاباً، وهو يغمغم:
- بالضبط .
بدا المدير شديد الانفعال، وهو يتطلًَّع إليه، قبل أن ينهض من خلف مكتبه، ويتجه نحو النافذة، المطلًَّة على الفناء، ويتطلًَّع عبرها فى صمت، فتساءل النائب فى حذر:
- هل تراودنا الفكرة نفسها يا سيادة الوزير؟!
واصل المدير صمته لحظات، ثم التفت إليه، مجيباً:
- ألديك تفسير آخر؟!
ثم عاد إلى مكتبه، وهو يضيف:
- (منى) أصيبت إصابة بالغة، وهناك شكوك فى أنها قد بقيت على قيد الحياة بعدها، وفى اليوم التالى وصلت (جوزفين) ... أو (جوزى)، كما أسماها (ن-1)، والتى وصفها بأن لديها أسلوباً مدهشأً، فى علاج الإصابات غير القابلة للشفاء، وموًَّلت رحلتها مؤسسته فى (نيويورك)، فماذا يمكن أن تستنبط من كل هذا؟!
لم يحر النائب جواباً، فتابع المدير فى اهتمام:
- وكم بقيت (جوزى) هذه فى (مصر)؟!
أجابه النائب، مشيراً إلى الأوراق:
- أسبوعاً واحداً يا سيًَّدى، لم يتم تسجيلها خلاله فى أى فندق رسمى، ولا أحد يعلم أين أقامت بالضبط، فيما عدا ليلتها الاخيرة، التى قضتها فى أحد الفنادق الفاخرة فى مدينة (الغردقة)؛ لتستقل الطائرة العائدة إلى (باريس)، فجر اليوم التالى.
عقد المدير حاجبيه، وقال:
- وفقاً لما أذكره، لا توجد طائرات تقلع من مطار (الغردقة) إلى (باريس)، فى تلك الساعة المبكًَّرة.
أجاب النائب فى سرعة:
- إنها طائرة خاصة يا سيادة الوزير.
لوًَّح الوزير بسبًَّابته، وهو يقول:
- دعنى أخمًَّن ... إنها ملك مؤسسة (اميجو) أيضاً... أليس كذلك؟!
أومأ النائب برأسه، مجيباً:
- بلى يا سيادة الوزير.
ضرب الوزير سطح مكتبه براحته، وهو يقول فى ضيق:
- كيف فاتنا أمراً كهذا.
أجابه النائب:
- لأننا كنا نتابع قوائم السفر، عبر كل المنافذ يا سيادة الوزير، وليس قوائم الوصول.
هزًَّ المدير رأسه فى ضيق، ثم قال فى حزم:
- معرفة مصير (ن-1) والرائد (منى)، تعتمد إذن على أمر واحد .
وانعقد حاجباه، وهو يضيف فى صرامة:
- أن نعثر على (جوزفين رينيه) هذه ... وبأى ثمن .
اعتدل النائب، وشد قامته، فى وقفة عسكرية اعتادها، وقد بدا له أنهم أخيراً، التقطوا طرف خيط، يمكن ان يقودهم إلى (أدهم)...
طرف خيط ...
حقيقى ...

* * *

منذ وصل القارب، الذى يقل (هانز جريشن)، رجل ذات اليد الناعمة، إلى القرية النوبية، حتى حمل آلة التصوير الخاصة به، وراح يتجوًَّل فى القرية، بحثاً عن (قدرى) ...
كانت الأوامر التى تلقاها، تحتم عليه تعقًَّب كل خطوة يخطوها هذا الاخير ...
كل خطوة ...
بلا استثناء...
ولم يكن العثور على (قدرى) عسيراً...
فمع حجمه الضخم، وصغر المساحة السياحية بالقرية، كان أشبه ببقعة من الحبر، على صفحة ناصعة البياض ...
ولقد عثر عليه (هانز)، بعد دقيقتين فحسب ...
وفور عثوره عليه، رفع آلة التصوير الخاصة، التى يحملها، وبدأ يتظاهر بالتقاط الصور للمكان ...
ولكن آلة التصوير لم تكن آلة عادية ...
لقد كانت مزودًَّة بنوع شديد التطوًَّر، من ميكروفونات الليزر يمكنه التقاط الأحاديث الصوتية، من مسافات بعيدة جداً...
أما عدستها، المصنوعة من زجاج خاص مضغوط، فكانت لديها القدرة على التقاط الصور، عبر مسافة شاسعة، على الرغم من حجمها الصغير، الذى لا يوحى بهذا ...
وبمنتهى الدقة، راح يرصد لقاء (قدرى)، مع صاحب ركن الأقنعة النوبية، ويسجًَّل كل حرف ينطقان به ...
وعلى الرغم من درايته المحدودة باللغة العربية، فقد أدرك أن الحديث الذى يتبادلانه، قد أثار اهتمام وانفعال (قدرى) بشدة ...
وأدرك أن هذا سيرتبط حتماً بالهدف، الذى يسعى (قدرى) خلفه ...
وفى اهتمام، غمغم :
- يبدو أن الملكة كانت على حق .
التقطت آلة التصوير ذلك الرجل، الذى يرتدى جلباباً أبيض ناصعاً، والذى بدا وكأنه يسير نحو الرجلين مباشرة ...
ثم رأى صاحب ركن الأقنعة يشير إلى الرجل ذى الجلباب الأبيض الناصع ...
ورأى (قدرى) يلتفت إليه فى انفعال، ثم يتراجع فى دهشة ...
وعندما أدار الرجل وجهه، لم تقل دهشة (هانز) عن دهشة (قدرى) ...
فقد كان هذا هو الرجل نفسه، الذى رصد حديثه مع (قدرى) فى الفندق ....
الرجل الذى تركه خلفه هناك، والذى يستحيل أن يصل إلى الجزيرة، ويستبدل ثيابه بهذه السرعة!!....
من المستحيل تماماً!.
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:13 AM   #5

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث


جوزى


" مستحيل!!..."..
هتف -قدرى- بالكلمة، وهو يحدَّق ذاهلا، فى وجه الرجل الذى امامه، والذى قال فى حيرة:
- ما المستحيل يا أستاذ؟!
هتف -قدرى-، وهو يلوَّح بذراعيه فى انفعال:
- لقد تركتك خلفى فى الفندق، فكيف سبقتنى إلى هنا، واستبدلت ثيابك بهذه السرعة ؟!...
حمل وجه الرجل كل دهشة الدنيا، وهو يقول:
- فندق؟!... ولكننى لم اغادر القرية منذ أسبوع تقريبا.
هتف -قدرى-:
- مستحيل!... لقد كنا نتحَّدث هناك، منذ أقل من ساعة يا أستاذ -سالم-.
حدَّق الرجل فى وجهه لحظة، ثم لم يلبث أن انفجر ضاحكا فجأة، وهو يقول:
- آه ... -سالم- .... لقد فهمت .
ثم مال نحو -قدرى-، مستطردا بابتسامة ودود:
- صحيح أنه أمر نادر بين النوبيين، ولكن -سالم- هو شقيقى التوأم.
تراجع -قدرى- فى دهشة، مغمغما:
- توأم ؟! ...
وضع -حامد- يده على كتف -قدرى- فى مودَّة، وهو يقول بنفسى الابتسامة:
- ولو أنك صديق لشقيقى وتوأمى -سالم-، فأنت صديق لى أيضا يا سيَّد .
نظر إلى -قدرى- فى تساؤل، فغمغم فى توتر:
- -قدرى- ... اسمى -قدرى- ... ولقد كنت أبحث عنك فى الواقع .
قال الرجل فى ترحاب:
- هل أرسلك -سالم- إلىَّ ؟!
أجابه -قدرى- فى سرعة ولهفة:
- بل أردت سؤالك عن -أدهم- و-منى-.
بدت دهشة حائرة فى عينى -حامد-، فتابع -قدرى- بكل اللهفة:
- لا عليك من الأسماء ... منذ أربعة أشهر تقريبا، جاء رجل وسيم إلى هنا، وهو يحمل زوجته المصابة، واستأجرا أحد منازلك.
قال -حامد-:
- بالطبع ... إنك تقصد السيَّد -إدموند- وزوجته.
غمغم -قدرى- فى حذر:
- -إدموند- ؟!
أشار -حامد- بيده فى حماس، وهو يقول:
- نعم ... السيد -إدموند صروَّف- ... تاجر لبنانى، جاء مع زوجته -مارى توماس-؛ لقضاء مرحلة الاستشفاء هنا ... إننى أذكر هذا جيَّدا.
وخفق قلب -قدرى- فى قوة ...
-إدموند صروَّف- و-مارى توماس- ...
-أ.ص- و-م.ت- ...
-ادهم صبرى- و-منى توفيق- ...
رباه!... إنهما -ادهم- و-منى- ولا شك....
الأحرف الاولى من اسميهما، كعادة -أدهم- ...
وبكل لهفته وانفعاله، امسك -قدرى- ذراع -حامد-، قائلا:
- ما رأيك لو تدعونى إلى منزلك يا سيَّد -حامد-؟!
هتف -حامد- فى ترحاب:
- على الرحب والسعة .... أصدقاء شقيقى هم أصحاب الدار، وليسوا ضيوفا ... اهلا بك ومرحبا.
سار -قدرى- إلى جواره، وهو يقول فى لهفة:
- أظن أنه سيدور بيننا حديث طويل ... طويل للغاية.
التقطت آلة -هانز- هذا الحوار من بعيد، وسجَّلته بكل تفاصيله، وعلى الرغم من قلة درايته بالعربية، فقد غمغم فى اهتمام:
- لا شك فى أن الزعيمة ستحب الإطلاع على هذا فورا، ودون إبطاء .
" إنه على حق..."...
قالتها ذات اليد الناعمة فى حزم، وهى تستلقى فى حوض الاستحمام الخاص بها، تطالع ما ارسله إليها -هانز-، عبر شبكة الانترنت، فتساءلت -تيا-، التى تجلس على مسافة مترين منها:
- أتظنين أنه طرف خيط؟!
قالت ذات اليد الناعمة فى حزم:
- ليس لدى شك فى هذا .
والتقطت نفسا عميقا من سيجارتها، قبل ان تضيف:
- لو أنك تعرفين -أدهم صبرى- كما اعرفه، لأدركت أنه ليس منيعا تماما، كما يتصوَّر بعض خصومه .
ابتسمت -تيا- فى ظفر ساخر، وهى تغمغم:
- أدرك هذا جيَّدا ... لقد وصلت إليه، وأفسدت حفل زفافه .
انعقد حاجبا ذات اليد الناعمة، على الرغم من تظاهرها بأنها لم تسمع تعليق الصينية الحسناء، وقالت مواصلة حديثها:
- إنه يمتلك نقاط ضعف عديدة، وبعض العادات النمطية، التى تجعل كشف أمره أحيانا ليس بالمستحيل.
اعتدلت -تيا-، تستمع إليها فى انتباه، فتابعت وهى تنفث دخان سيجارتها:
- إنه شديد الضعف تجاه أصدقائه، يمتلئ بالكثير من المشاعر الرقيقة، على الرغم من حياة الخطر التى اعتادها، ولكن نقطة ضعفه الأكبر، هى أنه يصرَّ دوما على استخدام الحرفين الأوَّلين من اسمه، مع كل شخصية ينتحلها .... -أ.ص- .
التقطت نفسا آخر من سيجارتها، ونفثت الدخان فى قوة، قبل أن تلفت إلى -تيا-، وتبتسم، قائلة:
- أليس هذا أمرا طريفا؟!
هزَّت -تيا- رأسها، دون أن تجيب، فاستعادت ذات اليد الناعمة صرامتها، وهى تقول:
- أخبرى -هانز- ان ذلك اللقاء، فى القرية النوبية، يهمنى بشدة، واريد أن اعرف كل حرف ينطقان به ... كل حرف .
وأومأت -تيا- برأسها، وأيضا دون أن تجيب، ولكنها علمت أنه عليها أن تنقل الاوامر إلى -هانز- فورا ...
وإلا ...


* * *


ارتشف -حامد إبراهيم- رشفة، من كوب الشاى الساخن، وأغمض عينيه لحظة فى استمتاع، ثم عاد يفتحهما، قائلا:
- السيَّد -إدموند- كان مصابا، ولكن إصابته لم تكن بعمق إصابات زوجته ... ثم أن بنيته القوية كانت قادرة على الاحتمال، وتجاوز الإصابات ... أما هى ...
بتر عبارته، وهو يهز رأسه فى أسف، جعل قلب -قدرى- يرتجف، وهو يسأل :
- ماذا عنها؟!
هزَّ -حامد- رأسه مرة أخرى، وقال:
- كانت قد تلقَّت بعض الإسعافات الطبية، التى ربما ساعدت فى أن تبقى على قيد الحياة، ولكن التلف الذى أصاب جسدها كان كبيرا ... حتى شيوخ القرية، ممن لهم خبرة طويلة فى شفاء الإصابات، قالوا: إن نجاتها ستكون اشبه بالمعجزة .
ارتشف رشفة اخرى من الشاى، جعلت -قدرى- يتمنى لو يحطَّم كوب الشاى، حتى يدفعه إلى الاسترسال، ولكن -حامد- اغلق عينيه لحظة كعادته، ثم تابع:
- ثم وصلت تلك الفرنسية إلى القرية، وذهب السيَّد -إدموند- بنفسه للقائها، وذهب معها مباشرة، إلى المنزل الذى استقرت فيه زوجته.
تساءل -قدرى- فى حيرة:
- ومن تلك الفرنسية؟!
هزَّ -حامد- راسه نفيا، وقال:
-لست ادرى بالتحديد، ولكن السيد -إدموند- كان يعاملها باحترام شديد، ويخاطبها طوال الوقت بإسم -جوزى- .
انتفض جسد -قدرى- فى قوة، وهو يهتف:
- -جوزى-؟!... أهى غجرية عجوز، قصيرة القامة، ذات عينين توحيان بأنها كانت فانتة فى شبابها، وتبتسم طوال الوقت؟!
رفع -حامد- حاجبيه، وابتسم قائلا:
- من الواضح أنك تعرفها.
هتف -قدرى- بكل اللهفة:
- أراهن أنها عالجت -منى- ... أعنى -مارى-.
بدا مزيج من الحيرة والاحترام على وجه -حامد-، وهو يقول:
- لم ندر ابدا كيف فعلت هذا؛ فهى لم تطلب أية عقاقير طبية، أو حتى أى عشب، مما نستخدمه هنا للتداوى ... فقط قضت ليلتين مع السيَّد -إدموند- وزوجته، وبعدها رأينا السيَّدة -مارى- تخرج على قدميها لأوَّل مرة، ولاحظ الكل انها بدأت تتماثل للشفاء، وكان السيّد -إدموند- شديد الرقة، فى التعامل مع المرأتين، قبل أن ترحل -جوزى-، وتخبرهما أنها ستنتظرهما فى الديار.
هبَّ -قدرى- من مكانه، متسائلا فى لهفة وانفعال:
- ستنتظرهما أين؟!
أجابه -حامد- فى دهشة:
- فى الديار ... هذا كل ما قالته.
كان ما قالته -جوزى- قليلا ...
ولكن -قدرى- فهم منه الكثير ...
والكثير جدا...


* * *


راجع نائب مدير المخابرات المصرية، كل التقارير الواردة، من مختلف بلاد العالم، مع المدير نفسه، والذى انصت إليه فى اهتمام، حتى انتهى من حديثه، ثم سأله:
- وماذا عن عملية -ن-1- ؟!
جذب نائب المدير ورقة صغيرة، وهو يقول:
- كنت أدخر هذا للنهاية فى الواقع، يا سيادة الوزير؛ فلقد أبلغت مكتبنا فى -مارسيليا-، بضرورة البحث عن -جوزى- هذه، ولقد توَّلى ثلاثة من أفضل رجالنا هذه المهمة، ولكن مشكلتهم أن سيادة العميد -أدهم- لم يذكر فى تقريره عنوانا واضحا لها ... كل ماورد عنه هو انها غجرية عجوز، متزوَّجة من رجل يدعى -نابليون- .
مال المدير نحوه، وقال فى صرامة:
- رجال مؤسسة -أميجو- عثروا عليها، فى أقل من أربعة وعشرين ساعة، وهذا يعنى أن نعثر عليها فى وقت أقل.
هزَّ نائبه كتفيه، وقال:
- المفترض أن سيادة العميد هو من أرشدهم إليها، وهذا يمنحهم نقطة تفوَّق.
تراجع المدير فى مقعده، وأشار بيده، قائلا:
- ونحن لدينا ما يكفى من المعلومات ... نعرف أن إسمها -جوزفين-، ومتزوَّجة من رجل يدعى -نابليون-، وكلاهما من الغجر، والغجر لهم تجمَّعات معروفة، فى كل مكان فى العالم، والعثور عليهم لن يكون عسيرا ... فقط يحتاج إلى بعض الجهد .
أومأ النائب برأسه، قائلا:
- أنا واثق من أن الرجال سيبلون بلاء حسنا، فى هذا الشان يا سيادة الوزير .
التقط مدير المخابرات نفسا عميقا، وتراجع فى مقعده، وهو يتساءل بنفس الاهتمام:
- وماذا عن -قدرى- ؟!
فى نفس اللحظة، التى ألقى فيها سؤاله، كان -هانز- يقف خارج منزل -حامد إبراهيم-، وآلته تطلق شعاعا شديد الدقة من الليزر، يرتطم بجدار المنزل، ثم يرتد إلى الجهاز الشبيه خارجيا بآلة تصوير احترافية كبيرة، لينقل حديث -قدرى- مع -حامد- ...
وبمنتهى الدقة...
" أين عائلتك يا سيَّد -حامد- ؟!..."...
أشار -حامد- بيده، وهو يقول مبتسما:
- فى -أسوان- ... زوجتى وابنتىَّ تذهبان معا، فى بداية كل أسبوع؛ لشراء ما يلزم المنزل.
ثم مال نحوه، مستطردا فى مودَّة حقيقية:
- ولو شرفتنى بالبقاء، حتى نهاية اليوم، فسيكون من دواعى شرفى أن تطهو لك زوجتى وجبة دسمة، أفضل بكثير مما يمكنك تناوله فى -الدوكا- .
تنهَّد- قدرى-، وهز رأسه نفيا، وهو يقول:
- لو أننى تلقيت هذا العرض، منذ أربعة اشهر، لسافرت من -القاهرة- إلى هنا، حتى أنعم بمثل هذه الوجبة، ولكن مما يدهشنى انا شخصيا، أننى لم أعد أشعر بالشهية للطعام، منذ اختفاء -أدهم- و-منى-.
بدت حيرة متسائلة، على وجه -حامد-، فاخرج -قدرى- من جيبه صورتين، لـ-أدهم- و -منى-، وضعهما أمام -حامد-، وهو يقول:
- هذا هو -إدموند-، وهذه هى زوجته -مارى- ... اليس كذلك؟!
حدَّق -حامد- فى الصورتين لحظات، ثم رفع إلى -قدرى- وجها أكثر حيرة، وهو يجيب:
- إنهما حتى لا يشبهانهما .
تراجع -قدرى- فى حركة حادة، وحان دوره ليحدَّق فى وجه -حامد- لحظات، قبل أن يعيد الصورتين إلى جيبه، وهو يغمغم فى توتر:
لا بأس... لو أراد -ادهم- أن ينتحل شخصية أخرى، فستعجز أمه نفسها عن تعرَّفه...
ثم رفع عينيه مرة أخرى إلى -حامد-، مضيفا فى حزم:
ولكن المهم الآن هو العثور على المفتاح ... على -جوزى- ...


" -جوزى-؟!..."...
نطقت ذات اليد الناعمة الأسم فى بطء مندهش، بعد ان راجعت ما أرسله -هانز-، عبر شبكة الانترنت، وانعقد حاجباها الجميلان، وهى تعتصر ذهنها فى تفكير عميق، جعل كلماتها تخرج أكثر بطئا، وهى تستطرد:
- غجرية فرنسية، لديها اساليب مدهشة، فى علاج الإصابات، شأن معظم الغجر... هل تعتقدين أنها حل اللغز؟!
قالت -تيا-، وهى تعقد حاجبيها فى غضب:
- قنبلة -تيا- لا شفاء منها.
ألقت عليها ذات اليد الناعمة نظرة مستهترة، وهى تعيد سؤالها:
- هل يمكن ان تكون تلك الغجرية العجوز، هى التى داوت إصابتهما؟!
اجابتها -تيا- فى صرامة:
- سمعت بنفسك ذلك النوبى، يقول: إنهما لا يشبهان ذلك المصرى وزوجته.
قالت ذات اليد الناعمة فى سخرية:
هذا لأنك لم تتعلمى شيئا، من قتالك مع -أدهم-.
شدَّت -تيا- قامتها، وهى تقول:
- أظننى قد تعلمَّت الكثير، فى المخابرات الصينية.
ارتسمت ابتسامة ساخرة، على ركن شفتى ذات اليد الناعمة، وهى تغمغم:
- حقا ؟!...
ثم استطردت فى سرعة، قبل أن تمنح -تيا- فرصة للانفعال:
- غجرية ...-مارسيليا- ...-جوزى- ...أظنها معلومات كافية.
غمغمت -تيا-، دون أن تحاول إخفاء ضيقها:
- بالتأكيد .
انعقد حاجبا ذات اليد الناعمة، وهى تقول فى صرامة مخيفة:
- ماذا تنتظرين إذن؟!.
ألقت عليها -تيا- نظرة باردة، ثم نهضت فى حزم؛ لتبدأ مهمة البحث عن الهدف الجديد...
عن -جوزى- ...


* * *


" تسأل عن -جوزى- !! ..."
غمغم الشيخ الغجرى العبارة فى حذر، وهو يسترخى عند أحد ارصفة الميناء فى -مارسيليا- ، متطلعا فى شك إلى رجل المخابرات المصرى، الذى منحه ابتسامة ودود، وهو يقول:
- يبدو أن صديقتكم قد حازت شهرة واسعة، فى شفاء الإصابات، حتى أن شبكة التليفزيون، التى أعمل بها، ترغب فى إجراء لقاء معها، مقابل مبلغ مغر.
تطلَّع إليه الغجرى، فى حذر أكثر، وهو يقول:
- ومن أخبرك أن الغجر يبالون باللقاءات التليفزيونية ؟!
وضع رجل المخابرات المصرى يده فى جيبه، وهو يقول:
ربما لا، ولكن هناك ما يبالى به الجميع.
انتفض الغجرى، وتراجع فى ذعر، وهو يلوَّح بيده، هاتفا:
- لا تؤذنى .
أخرج رجل المخابرات المصرى يده من جيبه، وهى تحمل رزمة من اوراق -اليورو-، وهو يقول:
كنت اعنى النقود.
تطلَّع الغجرى الشيخ إلى النقود، فى شراهة واضحة، ومدَّ يده إليها فى حذر، وهو يقول:
- الوصول إلى -جوزى- ليس عسيرا.
ابتسم رجل المخابرات المصرى، وهو يبعد رزمة النقود عن يده، قائلا:
- أعلم هذا؛ فلقد توصلَّ إليها البعض، قبل أربعة أشهر.
اطلَّع إليه الغجرى العجوز فى حيرة، وسقطت فكه السفلى، لتمنحه مظهرا أقرب إلى البلاهة، وهو يغمغم، مكررَّا:
- أربعة أشهر.
عاد رجل المخابرات المصرى يميل نحوه، قائلا، وهو يلوَّح برزمة النقود:
- لا ريب فى أنك تذكر هذا ... -جوزى- التى أريدها، هى التى سافرت إلى -مصر-، منذ أربعة أشهر، و ...
قاطعه الغجرى الشيخ فى عصبية:
- مستحيل!...
انعقد حاجبا رجل المخابرات المصرى، وهو يسأله:
- ولماذا مستحيل؟!
لاحظ فجأة أن عينى العجرى الشيخ قد ارتفعتا، ليعبر بصره كتفه، وهو يتطلَّع إلى شئ ما خلفه، بنظرة امتزجت دهشتها بذعرها، فالتفت خلفه فى سرعة، و ....
وهوت تلك الضربة العنيفة على رأسه، فى اللحظة نفسها...
كانت الضربة شديدة العنف، دار لها رأس رجل المخابرات المصرى فى شدة، ولكنه، وعلى الرغم من هذا، حاول ان يتماسك، ويكمل استدارته نحو خصمه، ويده تنتزع مسدسه، من جراب تحت أبطه، إلا أنه تلقى ضربة ثانية، أكثر عنفا، من خصم أخر، فسقط بين خصميه فاقد الوعى...
وفى ذعر، اتسعت عينا الغجرى الشيخ، وهو يحدَّق فى الرجلين، غليظى المظهر والملامح، وأحدهما يقول فى خشونة قاسية:
- اشحذ ذاكرتك جيَّدا أيها الغجرى، فستقص علينا كل حرف، تبادلته مع هذا الرجل.
مال الثانى يلتقط رزمة النقود، ويدَّسها فى جيبه، وهو يغمغم، مشيرا إلى رجل المخابرات المصرى، فاقد الوعى:
- ماذا عنه؟!
مطَّ الأوَّل شفتيه، وقال بنفس الخشونة، وهو يصوَّب مسدسه إلى الغجرى الشيخ المذعور:
- افعل ما يحلو لك.
تألقت عينا الثانى فى تلذذ واستمتاع، وسحب إبرة مسدسه، وهو يصوَّب فوهته نحو رجل المخابرات المصرى فاقد الوعى، و ...
ودوت الرصاصة ...
فى ميناء -مارسيليا- ...


* * *


بدا نائب مدير المخابرات المصرية متوترا، عند دخوله مكتب المدير، مما دعا هذا الاخير إلى ان يسأله فى قلق:
- ماذا هناك.
أشار النائب بيده، قائلا:
- إنها تقارير المتابعة، الخاصة بحالات السفر والوصول اليومية.
اعتدل المدير على مكتبه، وهو يسأل فى اهتمام:
- هل من جديد؟!
وضع النائب تقريره، امام مدير المخابرات، وهو يقول:
- فى ساعة مبكرة من صباح اليوم، استقل أحدهم الطائرة، المتجهة إلى -باريس-.
القى المدير نظرة على الاسم، الوارد فى التقرير، وارتفع حاجباه فى دهشة، وهو يغمغم:
- -قدرى-؟!
أومأ النائب برأسه إيجابا، وهو يقول فى حذر:
- السيَّد -قدرى- بهذا قد خالف القانون، الذى يحتَّم على كل من يعمل فى جهاز المخابرات ان يحصل على موافقة مسبقة، قبل السفر خارج البلاد .
غمغم المدير، فى تفكير عميق:
- -قدرى- لم يرتكب مخالفة واحدة، منذ انضم إلينا.
قال النائب فى حذر، وهو يزيح التقرير، ليبرز ورقة أخرى:
- الواقع يا سيادة الوزير، أن السيَّد -قدرى- لا يلتزم تماما بالقواعد، ولا ...
قاطعه المدير فى حزم:
- -قدرى- شخص يصعب تعويضه.
ثم رفع سبَّابته، وهو يضيف:
- ولو أننا طبقنا عليه قانون السفر خارج البلاد بدون إذن، فسنضطر لتطبيق القانون نفسه على -ن-1-، إذا ما ثبت أنه على قيد الحياة.
انعقد حاجبا النائب، فى عدم اقتناع، فنهض الوزير من خلف مكتبه، ووشع يده على كتفه، وهو يضيف:
- وانت تعلم مثلى، ان عمل اى جهاز مخابرات ناجح فى العالم، لا ينبغى أن يتقيَّد بقواعد وإجراءات جامدة ثابتة، وأن المرونة فى التعامل، هى سر نجاح أجهزة المخابرات .
ربَّت على كتف نائبه مرتين، قبل أن يعود إلى مكتبه، متابعا:
- و-قدرى- مثل -ن-1- تماما ... فوق الشبهات... وكلاهما يصعب تعويضه، ومن الخطأ خسارته، فقط لتطبيق اللوائح والقوانين بنصهَّا.
وافقه النائب بإيماءة من رأسه، قبل أن يقول:
- إننى اتفق معك تماما يا سيادة الوزير، ولكن الواقع أننى أشعر بالقلق الشديد على السيَّد -قدرى-؛ فسفره إلى -باريس-، يعنى أنه قد التقط، بوسيلة ما، نفس طرف الخيط الذى التقطناه، وسيسعى بدوره للبحث عن -جوزى-، وهذا يمثل بالغ الخطر عليه.
صمت لحظة، تاكَّد فيها من ان مخاوفه قد بلغت المدير، قبل أن يتابع فى بطء:
- وكما اشرت سيادتك من قبل، فالسيَّد -قدرى- موهبة، يصعب تعويضها.
تطلَّع إليه المدير لحظة، وهو يزن كل شئ فى ذهنه، ثم اعتدل قائلا فى حزم:
- ابلغ مكتبنا فى -باريس- بموعد طائرة -قدرى-، وأخبرهم أنه سيتوجه مباشرة على الأرجح، إلى -مارسيليا- ... اطلب منهم، ألا يلتقوا به رسميا، بل يكتفون بمتابعته، ومعرفة ما يتوَّصل إليه.
سأله النائب فى حيرة:
- ولماذا لا يتعاونون معه أو يتعاون معهم يا سيَّدى؟!
تراجع المدير فى مقعده، وارتسمت على ركن شفتيه ابتسامة غامضة:
- لأن هذا قد يفسد الخطة.
ارتفع حاجبا النائب فى دهشة وحيرة، ولكنه، وكما يقتضى العمل فى المخابرات، لم يحاول ان يسأل ...
أبدا...
ولكن فى نفس اللحظة، التى كان يدير فيها الامر فى رأسه، محاولا فهمه او استيعابه، كان رجل المخابرات المصرى يستعيد وعيه فى بطء، على احد ارصفة ميناء -مارسيليا- ...
وفى توتر متهالك، غمغم:
- أأنا حقا على قيد الحياة.... ام ؟!
قبل ان يتم تساؤله، فتح عينيه، ينظر إلى ما حوله...
واتسعت عيناه فى دهشة كبيرة ...
وخفق قلبه فى قوة ...
فما رآه من حوله، كان أخر شئ يمكن ان يخطر على باله...
على الإطلاق.
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:14 AM   #6

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع


غموض


" لقد التقينا فى القرية النوبية المصرية ... اليس كذلك؟!..."..
ابتسم -هانز- ابتسامة عريضة، وهو يلقى هذا السؤال على -قدرى-، فى الطائرة التى تقلهما معا إلى -باريس-، فالتفت إليه -قدرى- فى تساؤل، قبل أن يقول فى حذر:
- كنت تلتقط بعض الصور هناك، حسبما أذكر.
أجابه -هانز-، فى حماس مصطنع:
- بالضبط .
ثم أضاف، وهو يمد يده إليه :
- -هانز جريشن- ... أعمل كمصوَّر محترف، لمجلة -ناشيونال جيوجرافيك- الأمريكية .
صافحه -قدرى-، وهو يجيب بنفس الحذر:
- -قدرى- ... فنان من -مصر-.
واصل -هانز-، بنفس الحماس المصطنع:
- رائع ... إنها المرة الأولى، التى التقى فيها فنانا مصريا ... فى أى مجال تخصصت إذن؟!
أجابه -قدرى- فى اقتضاب، محاولا إنهاء الحديث:
- فن الخط .
حاول -هانز- مواصلة الحديث، وهو يقول:
- أترى أنه فن مناسب لهذا العصر، بعد إبداعات الكمبيوتر فى هذا المجال؟!
أجاب -قدرى- بنفس الاقتضاب، وهو يشيح بوجهه نحو النافذة:
- نعم .
أدرك -هانز- أن -قدرى- لا ينوى مواصلة الحديث، فربت على كتفه، قائلا:
- سعيد بلقائك يا سيد -قدرى-.
ثم اعتدل فى جلسته، مخفيا ابتسامة ظافرة على شفتيه ...
لقد أدّى دوره فى نجاح، وغرس ذلك الدبوس الدقيق فى سترة -قدرى- ...
فعبر ذلك الجهاز الأليكترونى بالغ الدقة فيه، أصبح من الممكن تعَّقب -قدرى-، وسماع كل أحاديثه، فى أى مكان إليه ...
أيا كان ...
* * *
لم يصدَّق رجل المخابرات المصرى ما رأته عيناه، عندما استعاد وعيه، على ذلك الرصيف الهادئ، فى ميناء مارسيليا ...
لقد تلقى ضربتين، فقد على إثرهما وعيه، وكان من الطبيعى أن يسيطر مهاجميه على الموقف كله...
ولكن ما يراه كان يوحى بالعكس تماما ...
ذلك الشيخ الغجرى كان يجلس فى موضعه كما هو، وإن ارتسمت على وجهه علامات دهشة وفزع واضحة ...
وعلى بعد خطوات منه، سقط رجل فاقد الوعى ...
وعلى مسافة ثلاثة أمتار، سقط رجل آخر، فى الوضع نفسه ...
وفى دهشة، نهض رجل المخابرات المصرى، يسأل الشيخ الغجرى:
- ماذا حدث؟!
أجابه الرجل، فى ذهول عجيب:
- إله الغجر .
انعقد حاجبا رجل المخابرات المصرى، مع غرابة الإجابة، وهو يقول فى توتر:
- لا يوجد إله للغجر، وإله لغيرهم يا رجل ... هناك إله واحد للكون كله.
مال الشيخ نحوه، وهو يقول بنفس الذهول:
- ولكننى رأيته ... هبط لينقذك وينقذنى.
سأله رجل المخابرات فى صرامة:
- ماذا حدث بالضبط يا رجل؟!
قلب الشيخ كفيه عدة مرات، قبل أن يشير إلى أحد الرجلين فاقدين الوعى، قائلا:
- كان هذا يصوَّب سلاحه إلىَّ، أما الآخر، فكان يهم بإطلاق النار على رأسك، عندما هبط هو عليهما كصاعقة أنجبتها السماء.
بدت الحيرة على وجه رجل المخابرات المصرى، وهو ينقل بصره بين الرجلين فاقدى الوعى، فى حين تابع الشيخ، وكأنه يصف مشهدا أسطوريا:
- لم تستطع عيناى متابعة ما حدث ... لقد حاولا المقاومة، ولكنه أطاح بهما بسرعة مدهشة، وبقبضتين أشبه بالقنابل، ثم انحنى بعدها يفحصك، قبل أن يبتسم فى وجهى، قائلا: " جوزى ترسل تحياتها..."
عاد رجل المخابرات المصرى يعقد حاجبيه، وهو يغمغم:
- -جوزى-؟!
رفع الشيخ يده إلى أعلى، وهو يقول فى خشوع:
- هى أرسلته ... مازالت ترعانا، كما كانت تفعل وهى بيننا.
قال رجل المخابرات المصرى فى عصبية:
- ماذا تقول يا رجل؟!... لست أفهم شيئا مما تعنيه!
خفض الشيخ بصره إليه، وقال:
- -جوزى- كانت تداوينا دوما، ولا تتردَّد فى الانتقال من مكان إلى آخر، استجابة لمن يطلبها.
سأله رجل المخابرات فى اهتمام:
- كما سافرت إلى -مصر- ؟!..
حدق الشيخ فى وجهه لحظات، قبل أن يلوَّح بيده، قائلا:
- -جوزى- لم نسافر إلى خارج -فرنسا-، حتى آخر يوم فى حياتها.
امتزجت الدهشة بالتوتر، فى ملامح رجل المخابرات المصرى، وهو يقول:
- ما الذى تعنيه بالضبط يا رجل؟!
عاد الشيخ يميل نحوه، وهو يقول:
- -جوزى- لم تعد بيننا ... لقد فاضت روحها، منذ ما يزيد عن العام ...
وتراجع رجل المخابرات المصرى فى حركة حادة ...
فما يقول ذلك الشيخ لم يكن يتفق مع كل ما لديه من معلومات ...
على الإطلاق ...
* * *
" مستحيل !...."
هتف مدير المخابرات المصرية بالكلمة فى ذهول، عندما قرأ عليه نائبه تلك البرقية العاجلة، التى وصلت من -مارسيليا-، والتقطها من يده يطالعها بنفسه مرة أخرى، قبل أن يقول:
- ماذا إذن عما لدينا من معلومات؟!... وماذا عن قوائم الوصول، التى تحمل بيانات جواز سفرها ...
أجابه نائبه فى تردَّد:
- البيانات تحمل اسم -جوزفين نابليون- وصورة إمرأة عجوز، مع مراعاة أن أحدا منا لا يعرف فعليا كيف تبدو ... سيادة العميد وحده رآها، ولم يرها أحد منا .
انعقد حاجبا المدير، وهو يقول:
- وماذاعن قاعدة البيانات الفرنسية؟!
أجابه على الفور، وكأنه كان ينتظر السؤال:
- السفارة الفرنسية تعاونت معنا كثيرا فى هذا الشأن، وعلمنا أنه توجد اثنتى عشرة أمرأة فرنسية، تجاوزت السبعين من عمرها، وتحمل الاسم نفسه، وتلك التى توافقت بياناتها، مع بيانات جواز السفر لدينا، لا تنتمى فعليا لعالم الغجر، بل هى زوجة لتاجر نبيذ قديم فى -ليل-.
تراجع مدير المخابرات فى مقعده، وقد ازداد انعقاد حاجبيه، وراح يفكَّر فيما سمعه فى اهتمام شديد، فى حين أبرز نائبه ورقة أخرى، وهو يقول:
- لم يكن هذا وحده ماوردنا من -مارسيليا-، فرجلنا هناك تعرَّض لهجوم مجهول، والتقرير الذى أرسله، يحوى تفاصيل مثيرة للاهتمام.
وضع الورقة أمام المدير، الذى التهمها بعينيه فى سرعة، ثم اعتدل فى حركة حادة، وهو يقول بكل الانفعال:
- ما الذى يعنيه هذا ؟!
غمغم نائبه فى حذر:
- القتال الذى وصفه ذلك الغجرى الشيخ، يشبه كثيرا أسلوب ..
قاطعه المدير بنفس الافعال، مكملا:
- -ن-1- .
أومأ النائب برأسه إيجابا، مغمغما:
- بالضبط .
التقت نظراتهما، حاملة نفس الدهشة الحائرة، والتى اتفقت على أن ما يحدث هو بالفعل غامض وعجيب ...
للغاية ...
* * *
فجأة، وعلى الرغم من الخطط، التى رسمها فى ذهنه، طوال رحلته، من -القاهرة- إلى -باريس-، شعر -قدرى- بحيرة كبيرة، وهو يقف خارج مطار -أورلى- ...
لقد قاده حماس البحث عن -أدهم- و-منى- إلى هنا ...
فما هى الخطوة التالية ؟!..
وقف مرتبكا، حاملا حقيبة الصغيرة، يتلفَّفت حوله فى حيرة، عندما سمع صوت -هانز- من خلفه يقول:
- سيَّد -قادر- ... هل تحب أن أوصلك إلى أى مكان؟!
انعقد حاجبى -قدرى-، وهو يقول:
- -قدرى- ... اسمى -قدرى-، وأشكرك ... لدى خطط قد لا تتفق مع مسارك.
حجب -هانز- ابتسامة ساخرة فى أعماقه، وهو يلوَّح بيده، قائلا:
- فليكن ... اتعشَّم ان يجمعنا لقاء آخر، أيها الفنان المصرى.
أجابه -قدرى- بإيماءة خفيفة مقتضبة من رأسه، قبل أن يشيح بوجهه، مغمغما:
- والأن ماذا عليك أن تفعل يا -قدرى-؟!... هل تستقل القطار مباشرة إلى -مارسيليا-، أم ...
قاطعه صوت يتحَّدث إليه بالإسبانية، فى حماس شديد، فالتفت إلى رجل خمرى البشرة، كث الحاجبين، كثيف الشعر، راح يلوَّح له بيديه، وهو يواصل حديثه بالإسبانية بنفس الحماس، فانعقد حاجبى -قدرى-، وهو يقول:
- لست أفهم الإسبانية يا رجل .
قالها بالفرنسية، التى يجيدها إلى حد كبير، فارتفع حاجبى الرجل الكثين، وهو يقول:
- عجبا ... لقد بدوت لى اسبانيا يا مسيو ...
أشاح -قدرى- بوجهه، وهو يغمغم:
- كلا ... لست كذلك .
قال الرجل فى مرح:
- ولكنك تجيد الفرنسية، وهذا سيجعل الأمور أيسر.
عاد -قدرى- يلتفت إليه، متسائلا:
- أية أمور؟!
أشار الرجل إلى سيارة من سيارات الأجرة، تقف على مقربة، وهو يقول:
- أنت تبحث عن تاكسى .. اليس كذلك؟!... أنا -ريو- ... ملك سائقى التاكسى فى -باريس- ... أخبرنى فقط أين تريد الذهاب، وستجد الملك رهن إشارتك.
عاد -قدرى- يشيح بوجهه، قائلا:
- لست أظن هذا ... لن أذهب فعليا إلى اى مكان فى -باريس-.
هتف -ريو- فى حماس:
- وماذا فى هذا؟!... الملك سيظل رهن إشارتك ... هل ترغب فى الذهاب إلى -كاليه- ....-ليل-؟!
التفت إليه -قدرى-، يتأمله لحظات، قبل ان يقول فى حذر:
- وماذا عن -نارسيليا-؟!
بدا -ريو- مسرحيا، وهو يلوَّح بيديه، هاتفا:
- -مارسيليا- ... عروس البحر .. كم سيسعدنى أن أقلك إليها يا مسيو.
ثم مال نحوه فجأة، مستدركا فى حذر:
- لو أنك ستتعامل بسخاء بالطبع .
أجابه -قدرى-، وهو يتامله مرة أخرى، فى اهتمام شديد:
- ستحصل على كل ما تبتغيه .
هتف -ريو-، بنفس الاسلوب المسرحى:
- عظيم ... -ريو- سينطلق بك إلى الجنة لو أردت، مادمت بهذا السخاء.
لم ينتبه -قدرى لعبارته الأخيرة، وهو يعاود تأمله بكل الدقة ...
بشرة خمرية ...
حاجبان كثّان ...
شعر كثيف ...
أوقف تفكيره دفعة واحدة، وهو يعتدل فى وقفته، ويقول فى بطء، متابعا -ريو-، وهو يحمل حقيبته الصغيرة إلى السيارة:
- هل سننطلق فورا يا ....-أدهم-؟!
ضغط حروف اسم -أدهم- فى قوة، فتوَّقف -ريو- دفعة واحدة، واستدار إليه فى بطء...
والتقت عيونهما ...
مباشرة ...
* * *
" لن يكون الأمر أبدا بهذه السهولة ..."...
قالتها ذات اليد الناعمة، فى هدوء واثق، جعل -تيا- تعقد حاجبيها، قائلة، فى شئ من الحدة:
- ولن يكون مستحيلا أيضا ... الرجال توصلوَّا إلى شيخ غجرى، يقال أنه كان أقرب صديق لـ -جوزى- هذه، ولكنهم تعرضوَّا لهجوم عنيف، أفقدهم الوعى، وعندما استعادوا وعيهم، لم يجدوا له أدنى أثر.
مطَّت ذات اليد الناعمة شفتيها فى ازدراء مستنكر، وهى تقول:
- أغبياء .
ثم استطردت فى حزم:
- ولكننى كنت واثقة منذ البداية، ان العثور على -أدهم- وزوجته، لن يكون بالأمر السهل؛ لأننا نتعامل مع محترف من طراز متميَّز جدا، يجيد انتحال أية شخصية يريدها، ولديه سعة حيلة، تكاد تكون مذهلة.
قالت -تيا-، فى سخرية عصبية:
- تتحدَّثين عنه، كما لو كان أسطورة.
اجابتها فى حزم:
- إنه كذلك بالفعل.
بدا الغضب على وجه -تيا-، وهى تقول:
- لو أنه كذلك، لما أمكننى الوصول إلى قلب حفل زفافه، و ...
قاطعتها فى صرامة:
- هل سنواصل الحديث عن انتصارك هذا إلى الأبد؟!
أشاحت -تيا- بوجهها فى غضب محنق، تجاهلته ذات اليد الناعمة تماما، وهى تضغط زرا إلى جوارها، قائلة:
- دعينا نستمع اوَّلا إلى إذاعتنا المحلية الخاصة.
مع ضغطة الزر، انبعث صوت -قدرى-، وهو يقول:
- هل سننطلق فورا يا ... -أدهم-؟!
انعقد حاجبا -تيا- فى شدة، فى حين اعتدلت ذات اليد الناعمة فى حركة حادة، هاتفة فى انفعال:
- -أدهم-؟!
غمغمت -تيا-، فى انفعال مماثل:
- إذن فهو حى بالفعل.
مضت لحظات من الصمت، قبل ان ينقل جهاز الاتصال الدقيق، فى سترة -قدرى-، صوت -ريو-، وهو يقول فى حيرة:
- لم أفهم عبارتك جيَّدا يا مسيو .
أجابه -قدرى- فى هدوء، باللغة العربية:
- تنكَّرك لم يخدعنى يا صديقى.
وحيث يجرى هذا الحوار، بدت حيرة أكبر، على وجه -ريو-، وهو يسأل فى تردَّد:
- ألغة عبرية هذه؟!
مال -قدرى- نحوه، وابتسم وهو يهمس بالعربية:
- فليكن ... سنحافظ على سرية هويتك هنا، ولكن عندما نكون وحدنا ...
بتر عبارته دفعة واحدة، مع ذلك المزيج من الدهشة والتوتر والحيرة، والذى بدا طبيعيا تماما، وهو يرتسم على وجه السائق الفرنسى، فحَّدق فيه -قدرى- لحظة، وهو يغمغم متوترا:
- رباه! ... هل ...
مرة اخرى لم يتم عبارته، وهو يمد يده فى حذر، ليجذب شعر -ريو- الكثيف، فتأوَّه هذا الأخير فى ألم، وتراجع هاتفا:
- مسيو ؟!
وتراجع -قدرى- أيضا فى عصبية، عندما بدا له من الواضح ان الشعر طبيعى للغاية، وحدَّق فى حاجبى -ريو- الكثين، وهو يغمغم بالفرنسية:
- معذرة، ولكننى تصوَّرت لحظة أن ...
مرة ثالثة لم يكمل عبارته، فسأله -ريو- فى حذر:
- أن ماذا يا مسيو؟!
واصل -قدرى- التحديق فيه لحظة، قبل أن يلوَّح بيده، قائلا:
- أن هذا الشعر مستعار؛ فأنا خبير فى تصفيف الشعر، ولم أر يوما شعرا بهذه الكثافة.
اعتدل -ريو-، وهو يجذب شعره فى قوة، قائلا فى زهو:
- إنه إرث عائلى يا مسيو ... والدى وجدى مازالا يتمتعان بشعر كثيف، فى هذه المرحلة من العمر.
أشار -قدرى- إلى حاجبيه، متسائلا فى حذر:
- والحاجبان الكَّثان أيضا؟!
مال -ريو- نحوه، وهو يجذب أحد حاجبيه الكثين، قائلا فى افتخار:
- إنها سمات الملوك يا مسيو.
أومأ -قدرى- برأسه فى يأس، مغمغما:
- بالتأكيد .
تطلع إليه -ريو- لحظات فى حيرة، قبل أن يشير إلى السيارة، قائلا:
- هل ننطلق إلى -مارسيليا- مباشرة، أم انك تفضَّل تناول أفضل حساء ضفادع، فى -باريس- أوَّلا.
زفر -قدرى-، وهو يشعر بحالة الإحباط، التى تعقب دوما تصوَّر المرء أنه قد حسم مشكلة كبيرة، ثم تبين له خطأه، وقال فى ضيق:
- إلى -مارسيليا-... الطعام يمكن أن ينتظر .
رفعت ذات اليد الناعمة عينيها إلى -تيا-، عندما بلغ الحوار هذه المرحلة، فقالت هذه الأخيرة فى توتر:
- هل ما سمعناه هو الحقيقة، أم أنهما يعبثان بنا؟!
انعقد حاجبا ذات اليد الناعمة، وهى تقول:
- لا يمكن حسم مثل هذا الأمر، عبر أصواتهما فحسب.
ثم اكتسى صوتها بالصرامة، وهى تضيف:
- فليبحث الرجال، فى قاعدة البيانات الفرنسية، عن سائق من أصول لاتينية، يحمل أسم -ريو-، وله هذه المواصفات.
نهضت -تيا-، قائلة فى حزم:
- سأفعل هذا بنفسى فورا.
أشارت ذات اليد الناعمة بسَّبابتها، قائلة بكل صرامة:
- كَّلا .
التفتت إليه -تيا- فى تساؤل، فأضافت فى حزم:
- الرجال سيفعلون ... أما أنت، فلديك مهمة أخرى، تناسب مواهبك وخبراتك القديمة.
غمغمت -تيا-:
- أية مهمة.
مالت ذات اليد الناعمة نحوها، وهى تجيب بكل الحزم:
- مهمة فرنسية.
وكان هذا يعنى دخول طرف جديد، فى سباق البحث عن بطلنا...
طرف شديد الخطورة...
للغاية ...
* * *
شدَّ رجل المخابرات المصرى فى -مارسيليا- قامته، وهو يقف أمام مدير مكتب المخابرات فى -باريس-، وهذا الأخير يسأله فى اهتمام:
- وكيف توَّصلتم إلى ذلك الشيخ الغجرى بالضبط؟!
أجابه رجل المخابرات المصرى على الفور:
- تحرياتنا حول -جوزى-، لم تسفر إلا عن صداقتها الكبيرة لذلك الشيخ، الذى يستقر دوما على رصيف ذلك الميناء التجارى فى -مارسيليا-، وكان من الطبيعى أن أذهب إليه.
عقد مدير مكتب مخابرات -باريس- حاجبيه، وهو يقول:
- لو أن التحريات لا تقود لسواه، فهذا يفسر لماذا سعى مهاجميك أيضا إليه.
وصمت لحظة، ثم أضاف فى حزم:
- ولكنه لا يفسَّر بحثهم عن -جوزى-، فى هذا التوقيت بالذات !
قال ضابط المخابرات المصرى فى بطء:
- أخشى أن هذا قد يعنى وجود تسَّرب فى المعلومات يا سيدَّى.
عقد مدير المخابرات فى -باريس- حاجبيه أكثر، وهو يقول:
- تسَّرب المعلومات من الجهاز أمر مستبعد للغاية.
هزَّ ضابط المخابرات كتفيه، وقال:
- ليس من الضرورى أن يأتى التسَّرب من الجهاز؛ فالسيد - قدرى- لم يأت إلى -فرنسا-، كما أبلغونا، إلا لو أنه هناك معلومة، تقوده أيضا إلى -جوزى- تلك.
تراجع مدير مكتب -باريس- فى مقعده، وأمسك ذقنه بيده لحظات مفكَّرا، قبل أن يعتدل قائلا:
- وكيف نتيقَّن من أن -جوزى- هذه قد لقيت ربها بالفعل؟!
أجابه فى سرعة:
- أننا نبحث فى سجلات الوفيات، فى ميناء -مارسيليا-، خلال العامين السابقين.
هزَّ مدير المكتب رأسه، قائلا:
- الغجر لا يتقيَّدون بهذه الرسميات ... وفى كثير من الأحوال، يفضلون دفن موتاهم فى نفس المكان الذى يعيشون فيه .
قال رجل المخابرات فى اهتمام:
- لقد وضعنا هذه المعلومة فى الاعتبار يا سيَّدى، وعلمنا أنه توجد ثلاث تجمعَّات للغجر، حول -مارسيليا-، ورجالنا يقومون الآن بالتحرَّى فيها كلها.
عاد مدير المكتب يمسك ذقنه مفكَّرا، وهو يغمغم، وكأنه يحَّدث نفسه :
- الأمر كله عجيب، ويمتلئ بالغموض بالفعل، فلو أن -جوزى-، التى تعامل معها سيادة العميد، والتى داوت جراحه فى -مارسيليا-، قد لقيت حتفها منذ زمن ليس بالقريب بالفعل، فمن تلك التى سافرت إلى -مصر- برعاية مؤسسة -أميجو-؟!
أشار رجل المخابرات بيده، قائلا:
- التقارير الواردة من -مصر- حدَّدت هويتها، وساذهب بنفسى لمقابلتها، ومعرفة ما الذى كانت تفعله فى -مصر- .
أومأ مدير المكتب برأسه، وقال:
- لو انها ليست -جوزى-، التى نبحث عنها، فسيكون لديها تفسير مقنع لكل هذا.
غمغم رجل المخابرات:
- أتعشَّم ذلك.
كان مدير مكتب مخابرات -باريس- يهم بقول شئ آخر، عندما ارتفع فجأة رنين هاتفه الخاص، فالتقطه بسرعة، وهو يقول:
- هل من جديد؟!
انعقد حاجباه لحظة، ثم ارتفعا فى دهشة واضحة ...
كان من الواضح انه يتلَّقى معلومة خطيرة وغير متوَّقعة ...
على الإطلاق.
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:15 AM   #7

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الخامس


مطاردة


منذ اللحظة الأولى، لدخوله مكتب مدير المخابرات المصرية، لاحظ نائبه، أن هذا الاخير يضع أمامه الملف الضخم لـ-أدهم صبرى-، والذى يمكن لأى رجل مخابرات مصرى تمييزه فى سهولة؛ لعدد صفحاته الهائل، الذى يفوق ملفات جميع ضباط المخابرات المصرية بكم ملحوظ؛ لذا فهو لم يندهش، عندما بادرة الوزير فى اهتمام بالغ، فور دخوله:
- المفترض أنه لدينا قائمة كاملة، بأسماء كل العاملين فى مؤسسة -أميجو- ... أليس كذلك؟!
أومأ النائب برأسه إيجابا، فى حذر لم يدر هو نفسه سببه، فتابع المدير، دون ان يمنحه فرصة الجواب:
- أريد إدراج الأسماء كلها فى كمبيوتر المتابعة؛ لمعرفة ما إذا كان أحدهم قد وصل إلى -مصر-، عبر أية دولة، خلال الأشهر الأربعة الماضية.
أجابه النائب فى سرعة:
- سيتم هذا فورا يا سيادة الوزير.
ثم سأله فى اهتمام:
- أهناك شكوك، فى أن يكون أحدهم هنا؛ لمتابعة شئ ما؟!
هزَّ المدير رأسه نفيا، وقال:
- بل لدى شكوك فيما بعد هو أكبر من هذا.
اعتدل النائب فى تساؤل، فتابع المدير، وهو يشير بيده:
- فى الواقع، انا اعتقد أن -ن-1- يمكنه الدخول إلى -مصر-، والخروج منها، بجواز سفر أحد العاملين فى مؤسسته.
ارتفع حاجبا النائب فى دهشة، وهو يقول:
- ولماذا يفعل؟!
أشار المدير بيده مرة أخرى، مجيبا:
- ستجد عشرات الأسباب لهذا.
صمت النائب لحظات مفكَّرا، قبل أن يتساءل:
- وماذا عن فحص البصمات؟!
أجابه المدير فى حسم:
- لم نتبع هذا الأسلوب فى مطاراتنا بعد، ثم أن -ن-1- محترف، ويدرك جيدا أن الرقائق المطاطية، للبصمات المختلفة، لم يعد انتاجها حكرا على أجهزة المخابرات، بعد تطوَّر آلات الحفر الليزرى الدقيقة، فى هذا العصر.
صمت نائبه لحظات أخرى، قبل أن يقول فى حزم:
- فليكن ... سنؤجل البحث عن الأسباب لما بعد، وسنقوم فورا بتغذية كمبيوتر المتابعة، بكل تلك الأسماء، وبعدها سنرى .
تراجع المدير فى مقعده، وهو يقول:
- نعم ... سنرى.
ولم يفصح عما يتوقعه ...
أبدا...
* * *
" ماذا تفعل بالضبط؟!..."
هتف -قدرى- بالعبارة فى توتر، عندما انحرف -ريو- فجأة عن الطريق الرئيسى، إلى طريق فرعى ضيق، يمر عبر المزروعات، فأجابه هذا الأخير فى اهتمام، وهو يتطلع إلى مرآة السيارة الداخلية:
- إنه طريق مختصر.
هتف به -قدرى-، وهو يعتدل فى مقعده بعصبية:
- ومن أخبرك أننى أريد اتخاذ طريق مختصر؟!
أجاب -ريو- فى حزم:
- تلك السيارة التى تتبعنا.
حاول قدرى أن يلتفت فى سرعة؛ ليرى تلك السيارة، فهتف به -ريو- فى حسم:
- لا تنظر خلفك؛ حتى لا يدركوا أننا قد كشفنا أمرهم.
لمح -قدرى- بطرف عينه تلك السيارة رباعية الدفع، والتى انحرفت خلفهم، فى ذلك الطريق الضيق، فقال فى توتر:
- وكيف أدركت هذا؟!... السائق العادى لا يدرك هذا فى سهولة !!..
أجابه -ريو-، وهو يزيد من سرعة السيارة، وينطلق بها فى مهارة غير عادية، عبر الطريق الضيق:
- ومن أخبرك أننى سائق عادى؟!... أنا -ريو-، ملك سائقى التاكسى ... ليس فى -باريس- وحدها، ولكن فى -فرنسا- كلها ... بل وربما فى -أوروبا-، و...
قاطعه -قدرى-، فى عصبية:
كف عن تفاخرك هذا، وأخبرنى كيف لاحظتها .
أجابه -ريو-، وهو يواصل الانطلاق بنفس البراعة، مراقبا السيارة الاخرى، فى مرآة صالون سيارته، والتى لم يقل سائقها براعة عنه:
- لقد شككت فى أمرها فحسب فى البداية، ولكننى صرت واثقا من هذا، عندما تبعتنا إلى هنا .
ونقل بصره إلى -قدرى-، وهو يضيف فى شك:
- ثم أننى أجهل من أنت، ولماذا رغبت فى الذهاب إلى -مارسيليا- فور وصولك إلى -باريس-.
هتف به -قدرى-، وعصبيته تتزايد:
- ليس هذا من شأنك .
اجابه -ريو-، فى شئ من الصرامة:
- خطأ .. لقد صار من شأنى، عندما طاردت تلك السيارة سيارتى، التى لا أملك سبيلا للرزق سواها، ولو أن رجال تلك السيارة من رجال العصابات، فقد يطلقون النار، ويتلفون سيارة الملك .
لم ترق إجابته لـ -قدرى-، فتجاهل نصيحته، واستدار بجسده الضخم كله، يلقى نظرة على السيارة المطاردة، وهو يقول فى عصبية زائدة:
- السؤال هو: هل يطاردوننى انا، أم يطاردونك أنت؟!
انعقد حاجبا -ريو-، وهو يقول فى غضب:
- ولماذا يطاردوننى انا؟!... -ريو- صديق الجميع .
أجابه -قدرى-، وهو يحاول أن يتبيَّن هوية قائد السيارة المطاردة:
- ولا أحد يعلم أننى هنا، فى الوقت ذاته .
هتف -ريو-، وهو يحاول زيادة سرعة سيَّارته:
- وهى ليست مصادفة حتما !!..
كان يمتلك مهارة كبيرة فى القيادة، ولقد أحنقه أن قائد السيارة المطاردة كان أكثر منه مهارة، حتى أن المسافة بينهما راحت تقل فى سرعة، حتى صارت السيارة المطاردة على قيد امتار قليلة منه، فانعقد حاجبا -قدرى- فى شدة، وهو يقول فى صرامة:
- أوقف السيارة.
ارتفع حاجبا -ريو- فى دهشة، وهو يقول مستنكرا:
- أوقف ماذا؟!
صاح به -قدرى- فى حدة:
قلت: أوقف السيارة .
لم يكن -ريو- يرغب حقا فى هذا، إلا أنه ضغط فرامل سيارته فى رفق، على نحو أضاء مصابيح التوَّقف الخلفية، فخفف مطارده سرعته بدوره تدريجيا، حتى توقفت السيارتان فى ذلك الطريق الضيق ...
وفور توقفهما، فتح -قدرى- باب السيارة المجاور له، وغادرها ليقف إلى جوارها، وهو ينظر إلى مطارده متحديا...
وعبر نافذة السيارة الجانبية، لمح -ريو- قائد السيارة الأخرى يغادرها بدوره ...
وانعقد حاجباه فى شدة ...
فالطريقة التى وضع بها المطارد يده داخل سترته، كانت توحى بانه سينتزع مسدسه ...
وهذا ينطوى على الخطر ...
كل الخطر ...
* * *
لم تستغرق المسافة، من حيث تقيم ذات اليد الناعمة، إلى -باريس-، وقتا طويلا، بتلك الطائرة الخاصة، التى نقلت إليها الصينية الحسناء -تيا-، والتى لم تكد تصل إلى هناك، حتى كان فى استقبالها ثلاثة من رجالها، سألتهم فور رؤيتهم :
- من يتبع الهدف الآن؟!
أجابها أحدهم فى سرعة:
- -تسو- يتبع سيارته، و-فرانسوا- ينتظر وصوله إلى -مارسيليا- .
سألتهم فى صرامة، وهى تستقل السيارة التى أحضروها:
- ومن صاحب تلك الفكرة الحمقاء، فى مهاجمة المصرى، على رصيف ميناء -مارسيليا-؟!
ارتبك أحدهم، وهو بقول:
- كانت الأوامر أن نعثر على -جوزى- تلك، و ...
قاطعته فى حدة:
- غبى ...
ثم جذبته من قميصه فى عنف، مستطردة فى غضب شرس :
- مبادرتك الحمقاء كشفت لهم، أننا نسعى خلف هدف، يسعون هم أنفسهم إليه، وستدفعهم إلى التساؤل، عن السر وراء هذا، فى نفس توقيت بحثهم، وسيدركون أنه لدينا وسيلة؛ لمعرفة خطواتهم التالية، ولأنهم محترفون، فقد نفقد هذه الوسيلة، ونفقد معها نقطة من نقاط تفوَّقنا .
امتقع وجه الرجل، وهو يقول مضطربا:
- لقد تصوَّرت أن ...
قبل أن يتم عبارته، انتزعت من حلية حزامها إبرة رفيعة طويلة، غرستها فى عنقة، فى سرعة مدهشة، فاتسعت عيناه عن آخرهما، فى رعب وألم، وحدَّق فيها فى ذهول، فاعتدلت فى مجلسها فى هدوء، وهى تقول فى ازدراء:
- لا مجال للأغبياء وسط صفوفنا.
عقدت المفاجأة لسان الرجلين الآخرين، ولم ينبس أحدهما ببنت شفة، على الرغم من اتساع عيونهما فى ارتياع ذاهل، فى حين احتقن وجه ذلك الذى غرست إبرتها فى عنقه، وحاول انتزاع الإبرة، ولكن جسده كله أصابه تشنَّج عجيب، وزاغت عيناه لحظة، قبل أن يسقط رأسه، وينطلق من حلقه خوار عجيب، ثم تهمد حركته تماما، ويتراخى جسده، وعيناه مازالتا مفتوحتين، وإن غاب منهما بريق الحياة، وارتسم فيهما رعب وألم بالغين ...
وفى هدوء وحشى، انتزعت -تيا- إبرتها الرفيعة من عنقه، والتقطت منديلا ورقيا، مسحت به الدماء التى علقت بها، ثم أعادتها إلى حزامها، وهى تقول للآخرين:
- أيقظانى عندما نصل إلى -مارسيليا-.
وأزاحت رأس الرجل بعيدا، وهى تسترخى فى مقعدها، مستطردة فى صرامة آمرة:
- وتخلَّصا من جثة هذا الغبى، عند أوَّل منطقة خالية .
وارتجف شئ ما فى كيان الرجلين، عندما تركت جسدها يسترخى، وأسبلت جفنيها فى هدوء، و...
ونامت ...
* * *
" ما معنى هذا بالضبط؟!..."..
قالها -قدرى- بالعربية، فى غضب صارم، وهو يواجه قائد سيارة المطاردة، والذى أخرج يده من جيب سترته، وهى تحمل بطاقة هويته، مجيبا أيضا بالعربية:
- -نادر عبد الجليل-، من السفارة المصرية فى -باريس-.
أجابه -قدرى- بنفس الغضب:
- أعلم هذا جيَّدا، منذ رأيت وجهك، عندما اقتربت من السيارة التى أستقلها، وسؤالى مازال ساريا ...ما معنى هذا بالضبط؟!.
أجابه -نادر-، وهو يعيد بطاقته إلى جيبه:
أنا هنا لحمايتك يا سيَّد -قدرى-، بناء على أوامر -القاهرة-.
قال -قدرى- فى حنق:
- ومن قال إننى بحاجة إلى الحماية؟!.... ثم كيف علموا أننى هنا؟!
خرج -ريو- من السيارة فى هذه اللحظة، وهو يشير إلى -نادر-، ويسأل -قدرى- فى توتر:
- مسيو ... هل تعرفه؟!
نقل -نادر- عينيه إليه فى حذر، وتحسَّس مسدسه فى تحفَّز، فقال -قدرى- فى صرامة، دون أن يلتفت:
- عد إلى السيارة يا -ريو-.
تردَّد -ريو- لحظة، سأل -نادر- -قدرى- خلالها فى قلق:
- دعنى أكررَّ سؤاله عليك ... هل تعرفه؟!
أشار -قدرى- بيده، وهو يقول فى حدة:
- دعك منه، وأجب سؤالى أوَّلا.
نقل -ريو- بصره بينهما فى حذر، ثم هزَّ كتفيه، وعاد إلى السيارة، فى حين أجاب -نادر-، دون أن يبعد يده عن مسدسه:
- ليست لدى إجابه لسؤاليك فى الواقع يا سيَّد -قدرى-؛ فأنا أتلقى الأوامر من -القاهرة- وأعمل على تنفيذها على أكمل وجه دون مناقشة، وفقا لقاعدة العمل، التى تدركها جيدا مثلى.
أشار -قدرى- إلى سيارة -ريو-، قائلا فى غضب:
- وهل تسمى هذا تنفيذا على أكمل وجه؟!... لقد كشف أمرك سائق سيارة عادى.
ابتسم -نادر- فى ثقة، وهو يقول:
- هذا لأننى تعمَّدت هذا يا سيَّد -قدرى-.
انعقد حاجبا -قدرى-، وهو يقول فى دهشة:
- تعمَّدت هذا؟!.... أين تعلَّمت أصول المهنة يا رجل؟!
أجابه -نادر- بنفس الثقة:
- تعلمَّت بعضها منك شخصيا يا سيَّد -قدرى-، ولعلك لهذا تعرَّفتنى فور رؤيتى ... ولقد كنت أنت المسئول عن إثارة شكوكى؛ عندما راقبتك، عند وصولك إلى -باريس-، وأنت تجذب شعر هذا السائق، قبل أن تستقل سيَّارته.
غمغم -قدرى-:
- كانت لدى بعض الشكوك.
قال -نادر-:
- ولقد نقلتها إلىَّ، دون أن تدرى، وضاعف منها تلك المعلومات، التى تلقيتها من مكتب -باريس-، عندما أبلغتهم بمواصفات السائق ورقم سيَّارته، فأخبرونى أنه قد سبق اتهامه فى قضية اختطاف وسرقة سائح -ألمانى-، منذ سبع سنوات، ولهذا تعمدَّت أن يشعر بمطاردتى له؛ حتى لا يقدم على أية حماقة، ثم بلغت شكوكى ذورتها، عندما انحرف بك فى هذا الطريق الفرعى الضيق، فزدت من سرعتى للحاق بكما؛ خشية أن يكرَّر ما فعله معك، و ...
بتر -نادر- عبارته، وهو يحدَّق فى -قدرى-، على نحو جعل هذا الاخير يتراجع فى حركة غريزية، وهو يقول فى عصبية:
- ماذا هناك؟!
لم يكد يتم عبارته، حتى انقلبت ملامح -نادر-، وانقض عليه فجأة...
وبمنتهى العنف...
* * *
فجأة، ارتفع رنين هاتف -تيا- الخاص، فاعتدلت فى حركة سريعة، لا توحى أبدا بأنها كانت نائمة، مثلما تصوَّر رجليها، والتقطت الهاتف، قائلة:
- -تيا-.
أتاها صوت ذات اليد الناعمة، وهى تقول فى صرامة:
- رجال المخابرات المصرية يتبعون -قدرى-.
بدا وكان -تيا- لم تندهش لهذا، وهى تقول فى هدوء:
- من الطبيعى أن نتوَّقع هذا.
أجابتها فى صرامة أكثر:
- ولكن ليس من الطبيعى ان يلتقوا به مباشرة، فى حضور ذلك السائق، الذى مازلت أشك فى صحة هويته.
سألتها -تيا-، متجاوزة النصف الأوَّل:
- ألم يسفر البحث فى البيانات الفرنسية عن شئ؟!
صمتت ذات اليد الناعمة لحظات، وهى تطالع صورة رخصة قيادة -ريو-، على شاشة الكمبيوتر الخاصة بها:
- لقد عثرنا عليه، ومواصفاته تطابق هيئته، وفقا للصور التى التقطها -هانز- من بعيد .
غمغمت -تيا- فى ضجر:
- عظيم.
أجابتها ذات اليد الناعمة فى حدة:
ولكن هذا لا يعنى شيئا، فمع رجل مثل -أدهم صبرى-، لا يعنى التطابق الشكلى شيئا.
مطَّت -تيا- شفتيها، قائلة:
- الامر يحتاج إلى احتكاك شخصى إذن.
أجابت ذات اليد الناعمة فى سرعة:
- بالضبط .
ثم أردفت فى قسوة:
- ولكنك تجاهلت الموضوع الأساسى.
التقطت -تيا- نفسا عميقا، وهى تقول:
- الصدام مع المخابرات المصرية كان متوقعا.
قالت ذات اليد الناعمة، فى قسوة اكثر:
- لا تحاولى مرة أخرى التعامل معى، وكأنك صاحبة الخبرة الاكبر فى كل شئ ... لو أن الأمر يتعلق فقط بلقاء، بين -قدرى- وأحد رجال المخابرات المصرية، لما أضعت ثانية واحدة، فى الاتصال بك.
جذب الأمر اهتمام -تيا- وانتباهها هذه المرة، فسألت، وهى تميل إلى الأمام:
- ماذا حدث أيضا؟!
أجابتها بكل صرامة الدنيا:
- تدخلهم أفسد نقطة تفوَّقنا الأولى .. أفسدها تماما.
وفى هذه المرة، تحَّفزت كل ذرة فى كيان -تيا-...
وبشدة...
* * *
بدت دهشة كبيرة، على وجه مدير المخابرات المصرى، وهو يقرأ ذلك التقرير الذى قدمه له نائبه، قبل أن يرفع عينيه إليه، مردَّدا:
- - إدموند صروََّف-، و-مارى توماس-؟!
أومأ نائبه برأسه إيجابا، وقال، والحيرة لم تفارق صوته بعد:
- مواصفاتهما تتفق تماما مع مواصفات سيادة العميد، والمقدَّم -منى-... وكلاهما من أصل لبنانى، ويحمل الجنسية الامريكية، و-إدموند- موظف فى قسم الكمبيوتر، فى مؤسسة -أميجو-، فى حين تعمل -مارى- فى قسم العلاقات العامة، فى نفس المؤسسة .
صمت النائب لحظة، ثم أضاف فى حزم:
- الأهم ان كليهما زار -مصر-، عقب إصابة والمقدَّم -منى-، واختفاء سيادة العميد.
انعقد حاجبا مدير المخابرات، وهو يقول:
- زاراها عقب ذلك؟!
ثم اعتدل، يضيف فى اهتمام وتفكير:
- ولكن هذا لا يتفق مع ما تصوَّرته ... لقد كنت اتصوَّر أن هذا يمكن أن يحدث، بعد ذلك التاريخ بشهر أو شهرين، باعتبار أنها وسيلة مثلى، يدخل -ن-1- ويخرج بها من -مصر-، فى هيئة اخرى، وبيانات جواز سفر، تستند إلى أوراق رسمية من مؤسسته، أما أن يصلا عقب ذلك مباشرة، فقد يعنى دلالة مختلفة تماما.
قال نائبه، مؤمَّنا على كلامه:
-أضف إلى هذا انهما قد زارا القرية النوبية، وقضيا فيها عدة أيام، بخلاف كل السائحين، الذين يقضون فيها ساعات فحسب.
تراجع المدير فى مقعده، وهو يقول، بلهجة من يحدث نفسه:
- زارا -اسوان-، وقضيا أياما فى القرية النوبية، التى زارها -قدرى-، ثم انطلق منها إلى -باريس- مباشرة.
ثم عاد يلتقط التقرير، ويطالع للمرة الثالثة، وهو يضيف:
وحرفى الالف والصاد، والميم والتاء، و ...
رفع عينيه إلى نائبه، يسأله فجأة، ودون ان يتم عبارته:
- ما الذى يعنيه هذا بالضبط؟!
همَّ نائبه بالإجابة، إلا أن المدير اكمل فى سرعة، وبابتسامة كبيرة، دون أن يمنحه فرصة للإجابة:
- أن -ن-1- هو أمهر لاعب شطرنج، عرفته فى حياتى.
لوهلة، لم يستوعب النائب العبارة، ولكن طرح فكرة الاستيعاب هذه جانبا، وهو يضع تقريرا أخر، امام عينى المدير، قائلا:
- هناك تقرير عاجل، وصل من مدير مكتب -باريس-، ويحوى معلومات هامة للغاية.
التقط مدير المخابرات تقرير مدير مكتب -باريس-، وما أن طالعه، حتى اعتدل على مقعده بحركة حادة ...
هذا لأن المعلومات الواردة بالتقرير، كانت كفيلة بتفجير نفس الانفعالات، التى اصابت مدير مكتب -باريس-، عندما بلغته ...
معلومات هامة وخطيرة...
بلا حدود.
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:15 AM   #8

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس



الخطر




جلس مدير مكتب المخابرات المصرية فى -باريس-، مع رجل المخابرات المصرى، امام شاشة عرض رقمية كبيرة، تعرض صورة مكبَّرة، لرخصة قيادة سائق سيارة الأجرة -ريو-، وهو يقول فى توتر:
- المخابرات الروسية!!... من يمكن أن يصدَّق هذا؟!... لقد كانوا فى انتظار السيَّد -قدرى- أيضا ... الأمور تتسع، أكثر مما ينبغى .
قال رجل المخابرات المصرى فى اهتمام:
- ولكن المعلومات التى حصلنا عليها، تشير إلى أنه قد ترك الخدمة معهم، منذ خمسة أعوام .
هزَّ مدير مكتب -باريس- رأسه، وهو يقول:
- لا يمكننا الاعتماد على احتمال أنه لم يعد يعمل لحسابهم؛ فأنت تعرف القاعدة ... ما أن تعمل فى جهاز مخابرات، حتى تظل إلى نهاية حياتك رجل مخابرات .
غمغم رجل المخابرات المصرى:
- هذا ينطبق على ضباط المخابرات المحترفين فحسب؛ لأنهم يتدربون لمدد طويلة، على اكتساب طبيعية رجل المخابرات، وليس من السهل أن يتخلَّصوا منها، حتى فى حياتهم الأسرية والعادية، ولكن -ريو- هذا كان أحد عيونهم فحسب .
أجابه فى صرامة:
- وفقا لقواعد العمل، سنظل نعتبره مازال يعمل لحسابهم، إلى أن يتبيَّن العكس .
غمغم رجل المخابرات المصرى:
- بالتأكيد .
مع أخر حروف كلماته، ارتفع رنين هاتفه المحمول، فالتقطه فى سرعة، قائلا:
- -حلمى- .... ما الجديد ؟!
انعقد حاجباه فى شدة، وهو يستمع إلى محدثه، قبل أن يلتفت إلى مدير مكتب -باريس-، قائلا، فى لهفة تشف عن تطوَّر كبير:
- يبدو أنه لدينا أمر أكثر خطورة .
وانعقد حاجبا مدير مكتب -باريس- بدوره...
فالعبارة تعنى أن الأمر يتسع بالفعل...
وبلا حدود ...
* * *
سرى توتر شديد، فى جسد -ريو-، عندما شاهد، فى مرآة السيارة الجانبية، رجل المخابرات -نادر-، وهو ينقض فى عنف على -قدرى-، الذى تراجع فى دهشة مذعورة ...
ودون إضاعة لحظة واحدة فى التفكير، وثب -ريو- خارج السيارة، وانقض على -نادر-، وهو يطلق صيحة قتالية هادرة ...
ومع تراجعه، اختل توزان -قدرى-، وسقط على ظهره أرضا، فى نفس اللحظة، التى وثب فيها -ريو- نحو -نادر-، فانحنى هذا الأخير فى خفة، ومال برأسه، يستقبل انقضاضة -ريو- على كتفيه، ثم اعتدل فى حركة رشيقة سريعة، ليلقى هذا الأخير عن ظهره فى قوة ...
وارتطم -ريو- بالأرض فى عنف، فأطلق زمجرة غاضبة، ووثب محاولا الانقضاض على -نادر- مرة أخرى، ولكنه فوجئ بمسدس هذا الاخير مصوَّبا إلى رأسه، وبصوته الصارم، وهو يقول بفرنسية سليمة:
- لست أعتقد أن سائق الأجرة، يمكنه مزاولة مهنته بدون رأس .
هتف -ريو-، وهو يشير إلى -قدرى-، الذى نهض فى توتر:
لقد حاولت الاعتداء على راكبى ..
قال -نادر- فى حزم:
- مطلقا .
ثم أشار إلى -قدرى-، من خلف ظهره، وهو يقول فى حزم، دون أن يلتفت إليه:
- انزع سترتك يا سيَّد -قدرى-.
لم يفهم -ريو- عبارة -نادر-، التى نطقها بالعربية، وشعر بتوتر جديد، عندما رأى -قدرى- ينزع سترته، ويفحصها فى اهتمام، قبل أن يرتفع حاجباه، وهو يهتف بكل الدهشة:
- يا إلهى!
قال -نادر-، وهو مازال يصوَّب مسدسه إلى -ريو- :
- من الواضح أنك قد عثرت عليه ... انتزعه الآن، وألقه بكل قوتك بعيدا.
انتزع -قدرى- ذلك الدبوس الصغير، الذى غرسه -هانز- فى سترته، والذى يحوى أداة التنصَّت الدقيقة، وألقاه بكل قوته بعيدا، وهو يقول بالعربية:
- لقد فعلت .
ثم عاد يفحص سترته فى قلق، خشية وجود أجهزة أخرى، وهو يقول فى توتر بالغ:
- من وضعه؟!... وكيف لاحظته؟!
أجابه -نادر- وهو يخفض مسدسه، ويعيده إلى غمده تحت أبطه:
- أى محترف يمكن أن ينتبه إليه، من انعكاس الضوء على معدنه، على الرغم من لونه الرمادى، اما من وضعه، فهو أمر أجهله.
واستدار إلى -قدرى-، مضيفا:
وهذا يثبت أهمية ان نعمل على حمايتك يا سَّيد -قدرى-، فهناك من يتبعك، دون أن تدرى.
غمغم -ريو- من خلفه، فى توتر شديد:
- إنه جهاز تنصَّت ... أليس كذلك؟!
التفت إليه -قدرى- و-نادر- فى حركة حادة، ووضع هذا الأخير يده على مسدسه فى حذر، وهو يسأله فى صرامة:
- وكيف علمت هذا؟!
لم يبد أن -ريو- قد سمع سؤاله، وهو يشير بيده، قائلا فى اهتمام:
- تلك الاجهزة الصغيرة لا تعمل كناقل صوتى فحسب، ولكن كجهاز تتبَّع أيضا، ولقد أحسنتما بالتخلَّص منها .
بدت الدهشة على وجه -قدرى-، فى حين أمسك -نادر- مقبض مسدسه تحت سترته، وهو يقول فى صرامة:
- من أنت بالضبط يا رجل؟!
أجابه -ريو- فى سرعة، وهو يحرَّك ذراعيه على نحو مسرحى:
- -ريو بتشولى-، ملك سائقى التاكسى فى -باريس-.
ثم غمز بعينه، قائلا بابتسامة مرحة، وهو ينحنى نصف إنحناءة:
- ولدى خبرات متواضعة، فى عالم المخابرات.
تبادل -نادر- و-قدرى- نظرة متوترة، قبل أن يسأله الأخير فى حذر:
- خبرات من أى نوع؟!
أشار -ريو- إلى سيارته، وهو يقول فى زهو:
- خبرات ابتاعت هذه السيارة، وثلاث سيارات أخرى، يقودها أشقائى.
ران صمت مهيب على المكان، عقب قوله هذا، فاعتدل -ريو-، وهو يقول فى صرامة، تحمل رنة غاضبة:
- ولكن -ريو- لا يخون زبائنه أبدا.
ومال نحو -قدرى-، مكملا فى حماس:
- إنها أصول المهنة.
رمقه -نادر- بنظرة تمتلئ بالشكوك، قبل أن يقول بالعربية:
- لست أنصحك بمواصلة الطريق، مع هذا الرجل يا سيَّد -قدرى-.
ظلَّ -قدرى- صامتا بضع لحظات، وهو يتأمل -ريو- فى إمعان، قبل أن يقول فى حزم:
- لو أنك حقا أحد تلامذتى، فلا ريب فى أنك تثق فى قدرتى على الحكم على الأشخاص .
قال -نادر- فى توتر:
- دون أدنى شك يا سيَّد -قدرى-، ولكنها ليست مسألة قناعات شخصية، بل ...
قاطعه -قدرى-، وهو يشير إلى -ريو-، قائلا فى حزم:
- هيا يا -ريو-.... سنستأنف طريقنا.
انعقد حاجبا -نادر-، وهو يهتف مستنكرا:
- سيَّد -قدرى-؟!
ربَّت -ريو- على كتفه، وهو يقول فى افتخار:
- الزبون يثق فى -ريو-، و-ريو- سيحميه بحياته ... اطمئن.
وأمام عينيه، انطلق -ريو- بالسيارة مع -قدرى-؛ لمواصلة طريقهما إلى -مارسيليا-، وإن لم يقنع -نادر- بهذا الموقف، الذى يتعارض مع كل قواعد الأمن والسلامة.
لم يقنع ... أبدا.
* * *
أطلق مدير المخابرات المصرية زفرة حارة طويلة، بعد أن انتهى من مطالعة البرقيات العاجلة، التى توالى وصولها من -باريس-، وتراجع فى مقعده، وهو يقول فى انفعال، حاول جاهدا التخفيف منه:
- البرقيات تنهال من -باريس-، وكل برقية تحمل مفاجأة، تزيد الأمور غموضا وتعقيدا.
ونهض من خلف مكتبه، ووقف كعادته أمام النافذة، المطلَّة على ساحة مبنى الجهاز الرئيسية، وهو يتابع فى تفكير:
- وصول الصينية -تيا- إلى -باريس-، وكشف جهاز التتبَّع والتنصَّت، فى سترة -قدرى-، الذى جازف بمواصلة طريقه، مع عميل سابق للمخابرات السوفيتية!!...
صمت لحظات مفكَّرا، قبل أن يلتفت إلى نائبه، قائلا فى اهتمام:
- ألا يبدو لك أن الأمر يزداد تعقيدا، مع كل خطوة؟!
أجابه نائبه بإيماءة من رأسه، قبل أن يقول:
- وصول -تيا- يرتبط حتما، على نحو أو آخر، بزرع جهاز التتبَّع فى سترة السيَّد -قدرى-، فهم، بوسيلة ما، يعلمون إنه يبحث عن سيادة العميد -أدهم- والمقدَّم -منى-، ويسعون خلفه، ثقة منهم بأنه السبيل؛ لتوَّصلهم إلى غايتهم.
وصمت لحظة، قبل أن يضيف:
ما يقلقنى حقا، هو ثقة السيَّد -قدرى-، فى عميل سابق للمخابرات السوفيتية.
أطلق المدير زفرة أخرى، قبل أن يقول:
- -قدرى- لديه موهبة فريدة، فى الحكم على الشخصيات، ومادام اختار الاستمرار مع سائق الأجرة، بعد معرفته بتاريخه، فهذا يعنى أنه لديه أسبابه.
ورفع عينيه إلى نائبه، مستطردا فى حزم:
- ولكنه لا يعنى أن ننسحب نحن من الساحة.
اكتسب صوته صرامة آمرة، شأن أى قائد عسكرى، فى ميدان المعركة، وهو يضيف:
- على رجالنا فى -مارسيليا- انتظار وصوله، ومتابعته عن بعد، دون أى اتصال مباشر، حتى يتبيَّن حقيقة انتماء سائق الأجرة هذا.
وصمت لحظة، ثم أكمل:
- وحتى تسير الخطة، وفقا لمسارها الصحيح....
ومرة أخرى لم يستوعب النائب الأمر كله ..
ومرة أخرى لم يسأل ...
كالمعتاد ...
* * *
" إننى أعترف ..."
قالها -ريو- فى مرح، وهو يقترب من -مارسيليا-، فسأله -قدرى- فى اهتمام:
- لم أطلب منك اعترافا يا رجل؛ فقد أخبرتنا من قبل أنه لديك خبرة سابقة، فى أعمال المخابرات، وما أسألك إياه هو كيف اكتسبت هذه الخبرة، ولحساب من كنت تعمل؟!...
هزَّ -ريو- كتفيه، وهو يقول:
- أيصنع هذا فارقا؟!
بدا -قدرى- صارما، وهو يجيب:
- بالتأكيد ...
صمت -ريو- لحظات، وهو يتابع اللافتة على الطريق، والتى تشير إلى أنهم على وشك دخول -مارسيليا-، ثم قال:
- الواقع أن هذا يثير بعض القلق والخوف، ولكننى كنت أعمل لحساب المخابرات السوفيتية.
انعقد حاجبا -قدرى- فى شدة، وهو يقول:
- أى نوع من العمل؟!
لوَّح بيده، مجيبا:
- كان هناك امريكى يتعامل معهم، ثم خانهم ... إنه رجل أعمال شهير ... ولقد دربونى على الاقتراب منه، والتودَّد إليه، حتى عملت سائقا خاصا له، وفى اللحظة المناسبة ...
فرقع إصبعيه، وكأن هذا يكفى لاستكمال الإجابة، فازداد انعقاد حاجبى -قدرى-، وهو يميل ليسأله:
- قتلته؟!
هتف -ريو- فى هلع:
- كلا بالطبع ...-ريو- لا يلوَّث يديه بالدم أبدا.
تراجع -قدرى-، وهو يسأله فى حذر:
- ماذا فعلت به إذن؟!
لوَّح بيده مرة أخرى، وهو يجيب:
- قدته إليهم؛ لكى يستجوبوه، ولقد رتبوا الامر، بحيث تبدو كحادثة اختطاف رجل أعمال، وطلبوا فدية لتأكيد الأمر .
قال -قدرى- فى صرامة:
- ومن أدراك أنهم لم يقتلوه؟!
صمت -ريو- لحظات، ثم قال فى أسف:
كانت هذه خطتهم فى الواقع.
ارتفع حاجبا -قدرى- فى دهشة، وهو يقول:
- إذن فانت ...
قاطعه -ريو- فى سرعة:
- أخبرتك أن -ريو- لا يلوث يديه بالدم أبدا.
قال -قدرى-، فى غضب صارم:
- ولكنك قدته إليهم.
أجابه -ريو- فى انفعال:
- لم أكن أدرى حقيقة نواياهم، وعندما أدركت ما يستهدفونه، قمت بما يمليه علىَّ ضميرى المهنى.
واكتسب صوته رنة زهو، وهو يترك عجلة القيادة، ويلوَّح بيديه معا، على نحو مسرحى، مستطردا:
- وأنقذته .
بدت الدهشة على وجه -قدرى-، وهو يضيف:
- أنقذته من المخابرات السوفيتية؟!
عاد -ريو- يسيطر على عجلة القيادة، وهو يقول:
- لم يكن أمامى سوى هذا، ولم أدرك لحظتها أى مستنقع أقحمت نفسى فيه، ولكنه نجا على أية حال، و...
بتر عبارته دفعة واحدة، وهو يوقف سيَّارته إلى جانب الطريق، ويلتفت إلى -قدرى-؛ ليسأله فى اهتمام:
- نحن الآن داخل -مارسيليا- يا مسيو ... أين تريد الذهاب هنا بالضبط؟!
بدا السؤال وكأنه قد باغت -قدرى-، الذى تراجع فى مقعده، وهو يطرح على نفسه السؤال ذاته ...
ها هو ذا فى -مارسيليا-، فأين ينبغى أن يبدأ بحثه؟!...
أين؟!...
لاحظ -ريو- حيرته، فسأله فى اهتمام:
- أخبرنى عم تبحث بالضبط يا مسيو، وسأخبرك أين ينبغى أن تذهب.
تطلع إليه -قدرى- لحظات فى حيرة، قبل أن يقول فى بطء:
- الواقع أننى أبحث عن عجوز تدعى -جوزى-، و....
قاطعه -ريو- فى حماس:
- الغجرية؟!
هتف -قدرى- بكل دهشته:
- هل تعرفها؟!
لوَّح -ريو- بيده كعادته، وهو يقول:
- بالتأكيد ... لماذا لم تقل هذا منذ البداية ؟!.
وعاد ينطلق بسيارته، فى قلب -مارسيليا-، على نحو يوحى بأنه يعلم جيدا أين يجد هدفه ...
-جوزى- ...
* * *
بدا -هانز- شديد التوتر، وهو يتحدث مع ذات اليد الناعمة، عبر هاتفه الخاص، قائلا:
- كنا نجلس على مقعدين متجاورين فى الطائرة أيتها الزعيمة، ولقد غرست الجهاز فى أفضل موضع متاح، من هذه الوضعية.
قالت فى صرامة غاضبة:
- كان ينبغى أن تبذل جهدا أكبر؛ فلقد كشف ضابط مخابرات مصرى شاب أمر الجهاز، بنظرة واحدة فاحصة، وخسرنا أكبر نقطة تفوَّق ....
غمغم مضطربا:
- لقد فعلت ما فى وسعى أيتها الزعيمة، و ...
قاطعه صوتها فجأة، وهى تقول فى حدة:
- أغلق شفتيك؛ فلدى اتصال آخر أكثر أهمية .
ضغطت زرا فى هاتفها؛ لنقل الاتصال إلى خط آخر، ولم تكد تفعل، حتى سمعت صوت -تيا-، تقول فى حزم:
- لقد عثرنا عليه.
سألتها ذات اليد الناعمة فى توتر:
- أيهما؟!
أجابتها فى حزم:
- ذلك البدين ... لقد وصل إلى -مارسيليا-، مع ذلك السائق نصف اللاتينى، ورجالنا يتبعونهما الآن، وهما يتجهان إلى مكان ما، عند أطراف -مارسيليا-.
انعقد حاجبا ذات اليد الناعمة، وهى تسأل:
- أهو طريق معتاد؟!
أجابت -تيا- فى سرعة:
- ليس تماما .
قالت ذات اليد الناعمة فى صرامة:
- إنهما يعلمان جيَّدا أين يتجهان إذن ... وهذه فرصة مثالية؛ لنجبر خصمنا اللدود على الظهور.
قالت -تيا-، فى ضيق واضح:
- إنهما يتجهان إلى حيث -جوزى- تلك على الأرجح.
أجابتها ذات اليد الناعمة، فى صرامة أكثر:
- لم يعد هذا يهم الآن ... المهم أن -قدرى- هذا يتصوَّر أنه قد يمسك طرف الخيط، ولكنه فى الواقع سيكون طرف الخيط، الذى يقودنا إلى هدفنا .
سألتها -تيا- فى حزم:
- أفصحى عما يدور فى ذهنك.
أجابتها بنفس الصرامة:
- -قدرى- هو الصديق الصدوق لغريمنا الرئيسى، الذى نعلم أن أكبر نقطة ضعف فى شخصيته، هى أنه يبالغ فى حماية أصدقائه، فإذا ما واجه خطرا حقيقيا، ولم يظهر هو لحمايته، فلن يظهر أبدا.
سألتها -تيا-، وقد تسللَ الانفعال إلى صوتها:
- ماذا تقترحين بالضبط؟!
أجابتها فى حزم صارم قاس:
- سنضع -قدرى- فى مواجهة أكبر خطر فى حياته، فإما أن يدفع هذا -أدهم- للظهور، ومحاولة حمايته وإنقاذه، أو ....
صمتت لحظة، فسألتها -تيا- فى انفعال اكثر:
- أو ماذا؟!
أجابتها بكل شراسة الدنيا:
نقتله؟!

" هنا ستجد -جوزى- ..."..
نطق -ريو- العبارة، وهو يشير إلى عدة منازل بدائية صغيرة، فى ساحة خالية، تحيط بها أشجار كثيفة، فتساءل -قدرى- فى حذر:
- ما هذا بالضبط؟!
أجابه ملوَّحا بيديه:
- معسكر الغجر، الذى تقيم فيه -جوزى-، أو الذى كانت تقيم فيه، حتى أخر مرة أوصلتها إليه.
نقل -قدرى- بصره بين -ريو- وتلك المنازل الصغيرة، قبل أن يتساءل، فى بطءوحذر:
- أأنت واثق؟!
أجابه فى حماس:
كل الثقة ... هيا يا رجل ... لا تتردَّد ...اذهب وسل عن -جوزى- وستجد حتما من يقودك إليها.
تردَّد -قدرى- لحظات أخرى، ثم لم يلبث أن دفع باب السيارة، وغادرها يتطلَّع إلى تلك المنازل مرة أخرى، قبل أن يغمغم:
- ألن تصحبنى إلى هناك؟!
أجابه -ريو-، وهو يغادر السيارة بدوره:
- اذهب أنت أوَّلا، فالواقع أن -ريو- يحتاج إلى الانفراد بنفسه بعض الوقت .
وغمز بعينه، مضيفا، وهو يتجه نحو الأشجار:
- إنه نداء الطبيعة .
تابعه -قدرى-، حتى اختفى خلف مجموعة من الأشجار، ثم التقط نفسا عميقا، وتقدَّم نحو تلك المنازل الصغيرة، ومجموعات الغجر التى تنتشر أمامها، والتى توقفَّت كلها عن مواصلة أعمالها البسيطة، والتفتت بعيونها السوداء الواسعة إليه فى حذر، جعله يرفع صوته، وهو يسأل بالفرنسية:
- أتيت للسؤال عن -جوزى- ... إنها صديقة لأعز أصدقائى، و...
قاطعه فجأة توَّقف سيارة كبيرة، على الجانب الآخر من الساحة، فى حركة حادة، أثارت حولها سحابة من التراب، جعلت الغجر المضطربين ينقلون أبصارهم منه إليها، ثم يتراجعون فى خوف، عندما وثب منها رجلان مسلحان، شهر كل منهما مسدسه، والوحشية تطل من عيونهما، وانطلقا على نحو مستقيم ...
نحو -قدرى- مباشرة....
وبكل خوفه وانفعاله، تراجع -قدرى- ...
تراجع ...
وتراجع ...
ثم اختل توازنه، و....
وسقط ...
وقبل أن يسعفه جسده الضخم على النهوض، كان الرجلان يحيطان به، بكل الوحشية المطلَّة من ملامحهما وعيونهما، ومن فوهتى مسدسيهما، اللتين صوبتا نحو رأسه مباشرة، وأحد الرجلين يصرخ كوحش مفترس:
- بلغ تحياتنا إلى رفاقك فى الجحيم يا هذا.
كانت سبَّابتها شديدة التحفَّز على زنادى مسدسيهما، وعيونهما تقول فى وضوح أنهما لا يعبثان أو يهدَّدان فحسب، فارتجف جسد -قدرى- كله، وأيقن من خاتمته، و ...
وفجأة، سمع من خلفه صوت أقدام تعدو فى سرعة وقوة، ورأى الرجلان يرفعان فوهتى مسدسيهما إلى شئ ما خلفه ...
ثم وثب ذلك الشئ عبر جسده، الذى مازال على الأرض ...
كان رجلا قويا، وثب وثبة مدهشة، تجاوزه فيها على نحو قوى؛ ليركل أحد الرجلين فى صدره بكل قوته، ثم يدور ليلكم الثانى لكمة كالقنبلة، فى أنفه مباشرة ...
وانتفض جسد -قدرى- فى شدة، واتسعت عيناه عن آخرهما، وخفق قلبه بكل قوة الدنيا ...
فما يراه كان مفاجأة مذهلة ...
بكل معنى الكلمة.
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:16 AM   #9

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع


الرجل




" مستحيل !!..."...
هتفت ذات اليد الناعمة بالكلمة، وهى تثب من مكانها فى انفعال، والتقطت واحدة من سجائرها فى عصبية، واشعلتها وهى تسأل -تيا-، عبر هاتفها الخاص، فى توتر شديد:
إنه ذلك السائق إذن؟!
أجابتها -تيا- فى حزم:
- لقد شاهدته بنفسى يقاتل رجلينا، ويطيح بهما فى لحظات، على الرغم من قوتهما.
هتفت بها:
- وماذا فعلت؟!
أجابتها بنفس الحزم:
- انطلقت بالسيارة مبتعدة على الفور.
صاحت ذات اليد الناعمة فى حدة:
- ولماذا لم تطلقى عليه النار؟!
أجابتها -تيا-، فى حدة مماثلة:
- لو أنه حقا من نتصوَّر، فاصطياده لن يكون بهذه السهولة ... إنه يحتاج إلى مواجهة أكثر اتقانا .
صاحت بها فى غضب:
- كانت الفرصة سانحة.
أجابتها -تيا- بنفس الحدة:
- على العكس ... لقد استولى على سلاحى الرجلين، ولو أننى حاولت التدخَّل، لما أمكننى الإفلات... انت تدركين مثلى مدى براعته فى التصويب.
حاولت ذات اليد الناعمة أن تسيطر على انفعالاتها؛ لتقول فى صرامة:
- لو فقدنا أثره، لن يمكننا العثور عليه ثانية.
قبل أن تجيبها -تيا-، ظهرت معلومات جديدة، على الشاشة أمامها، فانعقد حاجباها الجميلان فى شدة، وهى تقول فى توتر:
- مهلا .
سألتها -تيا-، عبر الهاتف فى اهتمام:
- هل من جديد؟!
أجابتها ذات اليد الناعمة، وهى تقرأ ما أمامها فى انفعال:
- ذلك السائق كان يعمل لحساب المخابرات السوفيتية.
هتفت -تيا- فى دهشة:
- حقا؟!...
تابعت ذات اليد الناعمة، وتوترها يتزايد:
- ولقد تلَّقى تدريبات قتالية كثيفة، على يد خبرائهم.
بدت -تيا- عصبية، وهى تقول:
- ما الذى يعنيه هذا؟!
أجابتها، فى عصبية أكثر:
- يعنى أنه يجيد القتال، فى قوة ومهارة.
قالت -تيا- فى توتر:
- ولكن ما رأيته كان قتالا فريدا ... خذيها منى كعميلة مخابرات صينية سابقة .
زمجرت ذات اليد الناعمة فى عصبية، وهى تقول:
- ليست لدينا معلومات كافية، عن درجة تدريب ذلك السائق، ولكنه محترف بالتأكيد.
نم صمت -تيا- عن الشك الذى راودها، والذى بدا واضحا فى تردَّدها، وهى تقول:
- ولكن ما شاهدته ...
قاطعتها ذات اليد الناعمة فى صرامة حادة:
- هذا لا يكفى، حتى بالنسبة لك ... نحتاج إلى تاكيد حاسم.
صمتت -تيا- لحظات أخرى، قبل أن تسأل:
- ماذا تقترحين؟!
أجابت بكل الصرامة:
- احتكاك مباشر آخر.
والعجيب أن كل ما احتقن، عقب هذه العبارة، كان وجه -تيا- ...
وبشدة...
* * *
حدَّق -قدرى- ذاهلا، فى سائق الأجرة -ريو-، الذى وقف شامخا، بعد أن أفقد رجلى -تيا- وعيهما، واستولى على سلاحيهما، وأشارإلى صدره، فى حركة مسرحية للغاية، وهو يقول:
- ألم أقل لك: إن -ريو- يحمى زبائنه دوما؟!
واصل -قدرى- التحديق فيه، وهو يغمغم ذاهلا:
- ولكنك كنت تقاتل مثل ... مثل ...
غمز -ريو- بعينيه، مع ابتسامة كبيرة، وهو يقول:
- مثل المحترفين ... أليس كذلك؟!
حاول -قدرى- النهوض، وهو يغمغم:
- بل أكثر من ذلك .
مد -ريو- يده إليه، ليعاونه على النهوض، وهو يقول:
- من الواضح أنهم قد احسنوا ثقلى وتدريبى.
اعتمد -قدرى- على قبضة -ريو- القوية؛ لينهض واقفا أمامه، ويتطلَّع إليه بنظرة شك طويلة، جعلت هذا الأخير يميل نحوه، ويمسك حاجبه الكث، قائلا بابتسامة عريضة:
- هل ترغب فى جذب هذا هذه المرة؟!
واصل -قدرى- نظرة الشك تلك لحظات، قبل أن يغمغم:
- ليس بالضرورة.
وأطلق زفرة حارة، قبل أن يلتفت إلى الغجر، الذين عادوا يقتربون، ويضيف فى توتر:
- ولكننى أتساءل: من هؤلاء؟!، ولماذا سعوا لقتلى؟!.... وعن أى رفاق يتحدثَّون؟!..
التفت -ريو- إلى الغجر بدوره، وهو يقول:
- الأصدقاء هنا يعلمون كيف ينتزعون المعلومات منهم .
قال زعيم مجموعة الغجر فى عصبية، عندما بلغ الحديث مسامعه:
- لا نريد التورَّط فى هذا.
بدا -ريو- صارما، وهو يجيبه:
- لقد تورَّطتم، وانتهى الأمر، فمن أرسلوا هؤلاء، سيرسلون المزيد للبحث عنهم.
قال زعيم الغجر فى غضب:
- أنتما جلبتموهما إلى هنا، وعليكما تخليصنا منهما.
ران الصمت لحظات، قبل أن ينحنى -ريو-، ويحمل أحد الرجلين على كتفه فى بساطة، وهو يقول:
- ليست مشكلة ... سلهم أنت عما تريد يا مسيو، ودعنى أتولى أمر هذين الوغدين.
راقبه -قدرى- لحظات، وهو يتجه بحمله نحو سيارته، ثم التفت إلى رئيس مجموعة الغجر، يسأله:
- هل تعرفون هذا الرجل؟!
أجابه الزعيم فى توتر:
- بالتأكيد ... لقد أتى هنا مع -جوزى- عدة مرات، ولكننا لم نشاهده يوما يقاتل بهذا العنفوان.
ألقى -قدرى- نظرة أخرى على -ريو-، الذى راح يقيَّد الرجل فى إحكام، ثم قال للزعيم:
- الواقع أن هذا سبب قدومى إلى هنا بالضبط ... جئت بحثا عن -جوزى-.
تبادل الزعيم نظرة متوترة مع مرافقيه، قبل أن يسأل فى حذر:
- من أين تعرف -جوزى-؟!... ولماذا تبحث عنها؟!..
أجاب فى سرعة، توحى بأنه كان ينتظر السؤال:
- لنا صديق مشترك، أردت سؤالها عنه.
تبادل الزعيم نظرة متوترة مع مرافقيه مرة أخرى، ثم أشار بيده، قائلا:
- اتبعنى .
كان -ريو- قد انتهى من وضع الرجل الأوَّل، بعد تقييده، فى حقيبة سيارته الواسعة، وعاد لأخذ الثانى، عندما تبع -قدرى- زعيم مجموعة الغجر، عبر منازلهم الصغيرة، إلى مساحة محدودة، أشار الزعيم إلى منتصفها، قائلا:
- ها هى ذى.
حدَّق -قدرى- فى الساحة الخالية، وهو يسأل فى دهشة:
- أين؟!
أجابه الزعيم، فى حذر، لم يدر له سببا:
- ترقد فى سلام، على عمق مترين.
ارتفع حاجبا -قدرى-، مع اتساع عينيه، وهو يهتف مصدوما:
- -جوزى- ماتت؟!
أجابه الزعيم فى أسى خاشع:
- منذ ما يزيد قليلا عن العام.
خٌيَّل لـ-قدرى- أن صاعقة قد سقطت من السماء، وانقضت على رأسه مباشرة، فتراجع مترنحا من الصدمة، وهو يهتف بصوت مختنق:
- مستحيل!
قلب زعيم مجموعة الغجر شفتيه، وهو يقول:
- كل البشر يموتون.
أشار -قدرى- إلى قبر -جوزى-، مغمغما:
- ولكنها كانت هناك، منذ أربعة أشهر فحسب.
بدت الدهشة على وجوه الجميع، وغمغم الزعيم فى حيرة:
هناك أين؟!
حمل صوت -قدرى- توتره وانفعاله، وهو يغمغم:
- فى -مصر- .
تراجع الجميع فى دهشة عارمة، وهتفت إحدى نساء الغجر فى حماس:
- أخبرتكم أن -جوزى- قديسة.
أشار لها زعيم مجموعة الغجر فى صرامة، وهو يواجه -قدرى-، قائلا:
- اسمع يا مسيو ... لقد دفنت -جوزى- بنفسى، وأقمت لها القدَّاس على نفقتى، وفى أية شريعة فى الوجود، فالموتى لا يعودون إلى الحياة، فى العالم الذى نعرفه.
هزَّ -قدرى- رأسه فى قوة، وهو يقول بكل توتر الدنيا:
- هناك أمر لا أفهمه.
قال زعيم مجموعة الغجر فى صرامة:
- الموت لا يحتاج إلى عبقرية لفهمه.
قال -قدرى- فى توتر شديد:
- الأمر لا يتعلَّق بالموت، وإنما ...
بتر عبارته دفعة واحدة، ولوَّح بيده، قائلا:
- لا عليك ... لست أظننى أجد أجوبة أسئلتى هنا.
قالها، واستدار متجها إلى حيث -ريو-، الذى انتهى من تقييد الرجل الثانى، ووضعه إلى جوار الأوَّل فى حقيبة سيارته، التى أغلقها فى إحكام، وقد اضطربت المعلومات فى ذهنه بشدة:
- أيهما على حق؟!... زعيم مجموعة الغجر، ام -حامد إبراهيم- فى القرية النوبية؟!...
وهل ماتت -جوزى- منذ عام بالفعل، أم انها من عالج -أدهم- و-منى- فى -مصر-؟!...
أيهما على حق؟!...
أيهما؟!...
* * *
" ما الجديد؟!..."...
ألقى مدير المخابرات المصرية السؤال، على نائبه الأوَّل، فور دخوله إلى مكتبه، فاتجه إليه النائب مباشرة، ووضع أمامه عدة برقيات، واردة من -باريس-، وهو يقول :
- كنت على حق يا سيادة الوزير ... الأمور بالفعل تزداد تعقيدا، فى قضية سيادة العميد -أدهم-.
سأله الوزير فى اهتمام قلق:
- وما الجديد؟!
دفع أمامه إحدى البرقيات، وهو يقول:
- المقدَّم -حلمى-، من مكتب -باريس-، التقى بزوجة التاجر -جوزفين نابليون-، واخبرته أنها تلقّت شيكا بخمسة آلاف دولار، وتذكرتى سفر وإقامة لـ -مصر-، منذ أربعة أشهر، وفى -القاهرة-، كانت هناك سيارة فى انتظارها، حملتها إلى فيلا فى حى المعادى، وقام مندوب من شركة أمريكية بالإشراف على جولة سياحية لها، ثم عادت إلى -باريس- بعد أسبوع، محمَّلة بالهدايا، ولا نعلم من فعل هذا ولماذا؟!
طالع الوزير البرقية فى اهتمام، قبل أن يغمغم، فى تفكير عميق:
- -ن-1-.
ثم رفع عينيه إلى نائبه، متسائلا:
- وماذا أيضا؟!
دفع أمامه النائب برقية أخرى، وهو يقول:
- -نادر-، رجلنا فى -مارسيليا-، أرسل تقريرا يقول فيه : إن السَّيد -قدرى- قد تعرَّض لهجوم قاتل، ولكن ذلك السائق الفرنسى أنقذه منه، بمهارة قتالية عالية.
انعقد حاجبا مدير المخابرات فى شدة، وهو يقول:
- مهارة قتالية عالية؟!... هل تظن أنه ...
لم يكمل سؤاله، ولكن نائبه انتظر بضع لحظات، ثم قال:
- رجالنا رأوا السيد -قدرى- يجذب شعره فى المطار، ويتأكَّد من أنه ليس شعرا مستعارا، والقسم الفنى أكَّد انه من المستحيل تثبيت أى شعر مستعار، بحيث يمكن جذبه بهذه القوة، دون انتزاعه من مكانه.
تراجع مدير المخابرات فى حيرة، وهو يقول:
- عجبا!!.... إن لم يكن -ريو- هذا هو -ن-1- متنكرا، فمن يمكن ان يكون ؟!..
أومأ نائبه برأسه، إيماءة ليست ذات معنى واضح، قبل أن يقول، وهو يدفع تقريرا داخليا، أمام عينى الوزير مباشرة:
- هذا ما كنت أدخره للنهاية .
ثم تابع، قبل أن يقرأ الوزير التقرير:
- عقب محاولة الاعتداء عليه، أجرى السيد -قدرى- اتصاله بمكتب أمن سفارتنا فى -باريس-، وأخبرهم أنه جاء إلى -مارسيليا-، بناء على معلومات أبلغه بها شخص يدعى -حامد إبراهيم-، من القرية النوبية فى -أسوان-، وأنها قادته إلى البحث عن عجوز غجرية، وهى -جوزى-، ولكنه فوجئ بأنها قد فارقت الحياة، منذ عام، ولقد طلب الرجوع إلى -حامد إبراهيم- هذا؛ لمزيد من التفاصيل حول الأمر.
غمغم الوزير:
- إذن فقد قرَّر -قدرى- التعاون معنا بإرداته.
هزَّ النائب رأسه مرة أخرى، قائلا:
- ليست هذه المشكلة يا سيادة الوزير، ولكن السيَّد -قدرى- أشار إلى أن -حامد إبراهيم- هذا، هو توأم المهندس -سالم إبراهيم-، جار سيادة العميد.
تطلَّع إليه المدير لحظات فى صمت، ثم اشار بيده، قائلا:
- أكمل يا رجل ... من الواضح انه هناك أمر ما.
أومأ النائب برأسه إيجابا، وقال:
- بمراجعة قوائم السفر والوصول، تبيَّن أن المهندس -سالم إبراهيم- قد سافر إلى -فرنسا-، على متن الطائرة، التى اقلعت إليها، قبل طائرة السيد -قدرى- مباشرة.
مال المدير إلى الامام فى اهتمام شديد، فتابع النائب، وهو يشير إلى التقرير:
- ولكن تحرياتنا اثبتت أن المهندس -سالم- مازال قيد الاستشفاء، فى فندق جزيرة -إيزيس-، فى -أسوان-، ولم يغادره، حتى هذه اللحظة.
ارتفع حاجبا الوزير، وهتف فى انفعال:
- هل تعنى ان ذلك الذى سافر، يمكن ان يكون ...
مرة أخرى لم يتم سؤاله، من فرط انفعاله، فعاد نائبه يشير إلى التقرير، قائلا:
- التعقيد الحقيقى أت ياسيادة الوزير؛ فعندما واصلنا تحرياتنا؛ للوصول إلى -حامد إبراهيم- هذا، وجدنا حقيقة عجيبة.
سأله المدير، وهو يحاول السيطرة على انفعاله:
- ماذا عنه أيضا؟!
مال النائب نحوه، مجيبا:
- إنهم يطلقون عليه، فى القرية النوبية، اسم -حامد إبراهيم-، ولكن الواقع أن هذا ليس الاسم المدوَّن فى بطاقة هويته الرسمية، وهى عادة شعبية، فى بعض مناطق -مصر-، حيث يكون للشخص اسم رسمى، فى هويته الرسمية، واسم عائلى، يخاطبه المقربون به.
أشار المدير بيده، فى انفعال أكثر، وهو يقول:
- ما اسمه الرسمى يا رجل... أجب.
مال النائب نحوه أكثر، وهو يجيب فى حزم:
- -سالم- ...-سالم إبراهيم- ... إنه ليس توأمه يا سيادة الوزير ... إنه الشخص نفسه.
وكانت مفاجأة مذهلة...
بكل معنى الكلمة....
* * *
انطلق -ريو- بسيارته فى صمت، عبر شوارع -مارسيليا-، وراقب فى مرآة سيارته الداخلية -قدرى-، الذى بدا شاردا مهموما، ثم سأله فى حذر:
- أهناك اقتراح ما؟!
رفع -قدرى- عينيه الشاردتين إليه، وكأنه يراه لأوَّل مرة، وأطلَّت منهما حيرة، كما لو أنه لم يفهم السؤال، فأشار -ريو- بيده، قائلا:
- إننا ننطلق بلا هدى، منذ ما يقرب من الساعة، فهل تقترح شيئا ما؟!
بدا -قدرى- أكثر حيرة، وهو يغمغم:
- لست أدرى .
سأله -ريو- مبتسما:
- أعرف مطعما مدهشا للمأكولات البحرية هنا، ما رأيك لو أدعوك إلى وجبة رائعة، و...
قاطعه -قدرى- فى توتر:
- ليست لدى أية شهية للطعام.
ألقى عليه -ريو- نظرة مشفقة، عبر مرآة السيارة الداخلية، ثم التقط هاتفه، وطلب رقما فى سرعة، قبل أن يقول بالإسبانية عبر الهاتف:
- حبيبتى ... أنا بخير ... كيف حالك أنت ... نعم ... مازلت مع ذلك الصديق الجميل من -مصر- ... لابأس.... سأقترح عليه هذا.
ثم التفت إلى -قدرى-، قائلا بالفرنسية:
- زوجتى تدعوك إلى وجبة إسبانية دسمة فى منزلنا.
غمغم -قدرى- فى ضيق:
- أخبرتك أنه ليست لدى أية شهية للطعام.
غمز -ريو- بعينه، قائلا:
- الطعام الإسبانى لا تمكن مقاومته ... رائحة التوابل نفسها، يمكنها أن تعيد إليك شهيتك.
ثم ضم أصابعه، وقبلَّها بأسلوب شعبى، قبل أن يلوَّح بيده، هاتفا فى مرح:
- إنها رائعة .
أشاح -قدرى- بوجهه، قائلا:
- ليس الآن.
بدت دهشة حقيقة على وجه -ريو-، وهو يقول:
- عجبا يا مسيو ... هيئتك لا توحى أبدا بعزوفك العجيب هذا عن الطعام.
غمغم -قدرى- فى حزن:
- فيما مضى، كان مجرَّد الحديث عن الطعام يسيَّل لعابى، ولكن منذ ....
لم يستطع إكمال حديث، مع دمعة ترقرقت فى عينيه، فتطلَّع إليه -ريو- مرة اخرى، عبر مرآة السيارة الداخلية، فى إشفاق شديد، ثم غمغم عبر هاتفه، قبل ان ينهى مكالمة مع زوجته:
- أنت تعلمين أين أنا ... سأعاود الاتصال بك مرة أخرى.
انعقد حاجباه فى شدة، عقب إنهاء المحادثة، وهو يراقب سيارتين قويتين، رباعيتى الدفع، تقتربان فى سرعة، وضغط دوَّاسة الوقود فى سيارته، وهو يقول:
- يبدو ان هذا اليوم لن ينتهى يا مسيو.
انتبه -قدرى- إلى العبارة، فاعتدل يسأله فى توتر:
- ماذا هناك أيضا؟!
كانت السيارتان القويتان تقتربان فى سرعة، مع الفارق الكبير فى قوة المحرَّك، بينهما وبين سيارة -ريو-، والتفت -قدرى- ينظر إليهما فى توتر، فى نفس اللحظة التى صرخ فيها -ريو-، وهو ينحرف بالسيارة، فى حركة حادة:
- اخفض رأسك.
ومع أخر صرخته، انهالت الرصاصات على السيارة كالمطر....
وبمنتهى العنف.
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 25-04-17, 12:17 AM   #10

MooNy87

مشرفة منتدى عبير واحلام والروايات الرومانسيةومنتدى سلاسل روايات مصرية للجيب وكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية MooNy87

? العضوٌ??? » 22620
?  التسِجيلٌ » Jul 2008
? مشَارَ?اتْي » 47,927
?  مُ?إني » واحة الهدوء
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » MooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond reputeMooNy87 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
لا تحزن ان كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن



سيل المفاجآت



ارتفع حاجبا الدكتور -أحمد صبرى-، جرَّاح المخ والاعصاب الشهير، عندما فوجئ بمدير المخابرات العامة المصرية، امام باب منزله، فى تلك الساعة، وبدا انفعاله واضحا، وهو يقول:
سيادة الوزير؟!... ياله من شرف، أن اتلقى زيارتك هذه، فى منزلى المتواضع .
ابتسم مدير المخابرات، وهو يقول، مشيرا بيده:
- وهل ستدعونى إليه؟!
أفسح الدكتور -أحمد- المجال، وهو يقول بنفس الانفعال:
- بالتاكيد يا سيادة الوزير ... تفضل على الرحب والسعة .
دلف الوزير إلى المنزل، فى حين ألقى الدكتور -أحمد- نظرة خارجه، فأشار الوزير بيده مرة أخرى، وهو يقول:
- طاقم حراستى لن ينضم إلينا؛ فحديثنا ودَّى للغاية .
أغلق الدكتور -احمد- باب المنزل والتفت إلى مدير المخابرات، قائلا:
- أنت مرحَّب بك فى منزلى دوما يا سيادة الوزير .
جلس الوزير على مقعد قريب، وأشار للدكتور -احمد- بالجلوس أمامه، وهو يقول فى جدية:
- أنت تذكر بالتأكيد ما حدث فى حفل زفاف شقيقك
بدا الأسى على وجه الدكتور -أحمد-، وهو يقول:
- لا يمكننى محو هذا من ذاكرتى أبدا.
تطلع إليه مدير المخابرات لحظات، ثم قال فى حسم:
- لقد أخبرتنى انك قد رأيت يد المقدَّم -منى- تتحرَّك، بعد أن نقلها -ن-1- إلى سيارته.
بدا الحذر على وجه الدكتور -احمد-، وهو يجيب:
- هذا صحيح.
اعتدل مدير المخابرات على مقعده، قائلا:
- عندما استعدت تلك الذكرى، وجدت امرا يدهشنى، ولا يتفق مع كل ما اعرفه عنك.
تزايد حذر الدكتور -أحمد-، وهو يتساءل:
- أى أمر يا سيادة الوزير؟!
تفرَّس مدير المخابرات ملامحه لحظة، قبل ان يقول:
- -ن-1- هو شقيقك الوحيد، وعلاقتكما قوية للغاية، وخاصة بعد مصرع واغتيال والدكما فى -لندن- ... أليس كذلك؟!
تمتم الدكتور -احمد-، وهو يشيح بوجهه؛ فى محاولة لإخفاء انفعاله:
- بالتأكيد .
بدا المدير صارما، وهو يقول:
- وعلى الرغم من هذا، فقد واصلت حياتك على نحو طبيعى، لا يتفق مع حزن شقيق، على فقد شقيقه الوحيد .
لم ينبس الدكتور -أحمد- ببنت شفة، ولكن توتره أفصح عن الكثير، وخاصة بالنسبة لعينين فاحصتين خبيرتين، فتابع مدير المخابرات، محاولا تهدئة الحوار :
- الواقع أننى، لو كنت فى موضع -ن-1-، ومع ما به من إصابات، وما أصاب زوجته وحبيبة عمره، وشعرت بانها تحتاج إلى أصابع خبيرة، وإلى اسعاف طبى دقيق، واخشى فى الوقت ذاته، ان يستغل اعدائى لحظات ضعفى الزائدة، فسأحاول اللجوء إلى اكثر شخص أثق به، فى هذه الحياة ... شخص لديه كل المهارات الطبية اللازمة، وسيبذل حياته، لو اقتضى الأمر، فى سبيل حمايتى، وانقاذ الإنسانة، التى لا أتردَّد فى بذل حياتى من اجلها.
أشاح الدكتور -أحمد صبرى- بوجهه أكثر، وهو يغمغم، فى توتر شديد:
- الواقع يا سيادة الوزير ...
قاطعه الوزير، فى صرامة شديدة:
- لماذ غادرت مكان الحفل بهذه السرعة، عقب ما حدث؟!
جف حلق الدكتور -أحمد-، مع السؤال المباغت، ولم يحر جوابا، فتابع مدير المخابرات بنفس الصرامة:
- عندما أعدت فحص سجلات هاتفك الخاص، وجدت أنك قد تلقيت اتصالا، من رقم مجهول، عقب انصراف -ن-1-، وهو يحمل المقدَّم -منى- المصابة فى سيارته ... وطبقا لمعلوماتنا، قليلون هم من يمتلكون أرقاما غير قابلة للظهور فى -مصر- .
جف حلق الدكتور -أحمد- أكثر، ومال الوزير نحوه بشدة، وهو يسأله بكل الصرامة:
- من أجرى اتصاله بك يا دكتور -أحمد-؟!
صمت الدكتور -أحمد- لحظات، وبدا وكأن صراعا عنيفا، يعتمل فى نفسه، قبل أن يجيب، فى صوت شديد الخفوت:
- -أدهم- .
نجح المدير فى سماع الاسم، على الرغم من خفوت الصوت، فاعتدل فى ارتياح، وهو يغمغم:
- لقد كنت على حق، فيما ذهبت إليه إذن.
حاول الدكتور -أحمد- أن يقول شيئا، إلا أن جفاف حلقه الشديد أعجزه عن هذا، فتمتم فى صعوبة:
- أحتاج إلى جرعة ماء.
أشار إليه المدير بيده، فنهض يحضر زجاجة ماء، شرب نصفها على الأقل، قبل أن يقول المدير فى حزم:
- إنهما على قيد الحياة ....أليس كذلك؟!
تردَّد الدكتور -أحمد- لحظات، ثم قال:
- إصابات -أدهم- كانت محدودة، وأمكننى إسعافه إلى حد كبير، أما إصابات -منى-، فقد كانت شديدة الخطورة.
كرَّر المدير فى توتر:
- ولكنهما على قيد الحياة.
تابع الدكتور -أحمد-، وكأنه لم يسمعه:
- -أدهم- كان يرغب فى الاختفاء تماما، حتى يستعيد عافيته، وحتى يمكن أن تنجو -منى-؛ لأنه كان واثقا من ان أعدائه سيواصلون تربصهم به وبها، لو علموا انهما على قيد الحياة ... ولأن خبرته بعالمكم بالغة، فقد رأى أن وجوده فى اى مكان تعرفونه، يمكن ان يقودكم إليه، ومادمتم تستطيعون التوصَّل إليه، فأعدائه سيستطيعون .
تساءل المدير، وهو يكتم انفعاله فى صعوبة:
- أهذا مبرَّر اختفائه؟!
أجابه الدكتور -أحمد-، وهو يشعر أنه يفشى سرا خطيرا:
الواقع أنه كان يشعر بالألم؛ لأن ما أصاب -منى-، كان بسبب رغبة اعدائه فى الخلاص منه؛ لذا فقد أقسم ألا يعود إلى عالم المخابرات، قبل ان تنجو، وتتعافى ايضا.
قال المدير، فى اهتمام شديد:
لقد بحثنا عنهما فى كل مكان، ولم نعثر على اى أثر لهما، ولا حتى على سيارة
-أدهم-.
أشار الدكتور -احمد- بيده، قائلا:
- على الرغم من إصاباته، كان -أدهم- يدير الأمر فى سرعة، ودون إضاعة لحظة واحدة، بحيث يقود أعدائه إلى مسارات وهمية، تربكهم، وتشتت جهودهم، إلى ان يبلغ القدرة على مواجهتهم، ويؤمَّن الرعاية والحماية لزوجته، فى الوقت ذاته .
انعقد حاجبا المدير، واستعاد صرامته، وهو يقول:
- لم أحصل على أجوبة شافية بعد .
زفر الدكتور -أحمد- زفرة حارة، وقال:
- سيارة -أدهم- ترقد فى قاع النيل... لقد قدتها بنفسى إلى منطقة شبه خالية بالقرب من -حلوان-، وتركتها تسقط فى النيل، بناء على طلبه.
سأله فى صرامة:
- وماذا عن -منى-؟!
أشار الدكتور -أحمد- بيده مرة أخرى، وهو يجيب:
- لقد طلبت منه اللجوء بها إلى عيادة خاصة لصديق قديم، له باع طويل، فى علاج إصابات الحروب، وهناك حوَّلنا حجرة عمليات، ملحقة بعيادته، إلى مستشفى خاص، أجرى فيه صديقى خمس عمليات جراحية متوالية لـ -منى-، مع وضعها تحت رعاية خاصة، حتى تجاوزت مرحلة الخطر.
تنفَّس مدير المخابرات فى ارتياح شديد، وهو يغمغم:
- إذن فهما على قيد الحياة.
هزَّ الدكتور -أحمد- كتفيه، مجيبا فى حذر:
- -منى- تحتاج إلى فترة نقاهة طويلة، وقد تتعرَّض إلى نكسة شديدة، لو واجهت عنفا من أى نوع.
كان من الواضح أن الدكتور -أحمد- يحاول إخفاء شئ ما، فسأله المدير فى حزم:
- أمازالا فى -مصر-؟!
هزَّ الدكتور -أحمد- رأسه نفيا، قبل ان يجيب:
- كَّلا، ما ان استعادت -منى- قدرتها على الوقوف على قدميها، حتى قرَّر -ادهم- ان يسافرا خارج البلاد، إلى مكان لا يصل إليهما فيه أعداؤهما قط.
سأله المدير فى لهفة، لم يستطع كتمانها:
- إلى أين؟!
مطَّ الدكتور -أحمد- شفتيه، وأجاب ملوَّحا بيده:
- لست أدرى.
انعقد حاجبا المدير مرة أخرى، فى صرامة غاضبة، وهو يعتدل فى مقعده، قائلا:
- دكتور -أحمد-.
أجابه الدكتور -أحمد- فى سرعة:
- أقسم لك إننى لست أدرى ... -أدهم- أخبرنى أن أفضل وسيلة؛ لحفظ أى سر، هى ألا يتجاوز صاحبه ... كل ما أعلمه أنه كانت لديهما جوازات سفر، أعدَّها لها -قدرى-، منذ زمن ليس بالبعيد، وأنهما سيستخدماها للسفر، ولكن -أدهم- لم يخبرنى إلى أين.
تطلَّع إليه المدير لحظات، ثم أغلق عينيه، وهو يغمغم:
- ولكنهما على قيد الحياة ... هذا هو المهم...
وكان على حق تماما...
فرواية الدكتور -أحمد- تقول : إن -أدهم- و-منى- مازالا على قيد الحياة ...
وهذا هو الأهم ...
فى الوقت الحالى على الأقل ....
* * *
أحاطت السيارتان القويتان، رباعيتا الدفع، بسيارة -ريو-، وانطلقت منهما الرصاصات كالمطر، على جانبى سيَّارته ...
وبينما انحنى -قدرى-، فى محاولة لتفادى سيل الرصاصات، ضغط -ريو- فرامل سيارته فى قوة، فانخفضت سرعتها على نحو مباغت، جعل السيارتين تتجاوزانها بعدة أمتار...
ومع التراجع المفاجئ، انطلقت الرصاصات من كل سيارة؛ لتصيب السيارة الاخرى، وبعض الموجودين بها، قبل أن تهتف -تيا- من إحداهما :
- اللعنة ... إنه هو .
أدار -ريو- عجلة قيادة سيارته، فى مهارة مدهشة، فدارت حول نفسها، متخذة مسارا عكسيا، ثم اندفع بها يعبر الطريق الرملى القصير، الذى يفصل اتجاهى السير، ويقفز بها إلى الاتجاه العكسى، ثم يطلق لسرعتها العنان ...
ومن أسفل المقعد الخلفى، هتف -قدرى- :
- ماذا يحدث؟!...
صاح به -ريو- فى صرامة:
- ابق منخفضا .
كانت السيارتان القويتان قد استدارتا بدوريهما، وعبرتا الطريق الرملى القصير أيضا، وانطلقتا تحاولان اللحاق بسيارة -ريو-، الذى زاد من سرعة سيارته إلى الحد الأقصى، وهو ينطلق فى خط مستقيم، إلا أن السيارتين اقتربتا منه مرة أخرى، فى نفس الوقت الذى رفع فيه -قدرى- رأسه، قائلا فى اضطراب :
- لماذا يسعون لقتلى؟!
صرخ فيه -ريو-، وهو يدير عجلة قيادة سيارته فى قوة:
- قلت: ابق رأسك منخفضا .
وثبت السيارة فجأة، من الطريق إلى حقول جانبية، وعلى نحو أربك السيارتين المطاردتين، فصاحت -تيا- فى قائد سيارتها فى غضب:
- ساقتلك لو أفلت منك .
وثبت السيارتين بدوريهما، خلف سيارة -ريو-، الذى اخترق الحقول الكثيفة فى سرعة، وهو يقول مازحا، على الرغم من دقة الموقف:
- من حسن حظنا أن موعد رى الحقول لم يحن بعد .
لم يستطع -قدرى- مقاومة قلقه، فرفع عينيه، على الرغم من تحذير -ريو-؛ ليلقى نظرة على مطارديه، واتسعت عيناه فى رعب، عندما شاهد السيارتين القويتين تقتربان من سيارة -ريو-، وأحد ركاب السيارتين يبرز مع مدفعه الآلى، فصاح، وهو يخفض رأسه مرة أخرى:
- سيطلقون النار ثانية .
لم يكن -ريو- بحاجة إلى ذلك التحذير، بعد ان لمح المشهد، فى مرآة سيارته الجانبية، فانحرف بالسيارة مرة أخرى فى حدة، منطلقا نحو بقعة، تتكاثف فيها الأشجار، وهو يقول فى صرامة:
- دعنا نختبر مهارتهم، فى القيادة بين الأشجار .
طاشت رصاصات المدافع الآلية مرة أخرى، مع انحرافته المفاجئة، وانحرفت السيارتان خلفه، ولكنه اقتحم منطقة الأشجار الكثيفة، وانطلق بين الأشجار المتقاربة، فى مهارة فائقة، وحاولت السيارتان القويتان خلفه مجاراته، إلا أن حجم سيارته الأصغر كان مفيدا هذه المرة، وسط الأشجار المتقاربة، إذ لم تنجح إحدى السيارتين فى تفادى الأشجار، فارتطمت بواحدة منها فى قوة، فى حين احتجز تقارب الأشجار السيارة الثانية، والتى كانت تستقلها -تيا-، التى أطلقت صرخة غاضبة، وهى تشاهد سيارة -ريو- تبتعد، وهى تتفادى الأشجار فى مهارة بالغة، على الرغم من سرعتها، حتى توارت عن الأنظار تماما، فالتفت إليها قائد سيارتها فى هلع، وهو يقول مرتجفا:
- لقد حاولت يا سيدَّتى، ولكن ...
قبل أن يتم عبارته، كانت رصاصاتها تخترق رأسه، وهى تقول فى غضب:
- أخبرتك أننى سأقتلك، لو أفلت منك.
امتقعت وجوه من تبقى من رجالها، فى حين اعادت هى مسدسها إلى حزامها، كما لو أنها قد أطلقت النار على جرذ صغير، وهى تسأل فى هدوء، لا يتناسب مع الموقف :
- كم تبقى من رجالنا؟!
اجابها احدهم، محاولا إخفاء ارتجافة صوته:
- لقد خسرنا سبعة رجال، وتبقى ثلاثة فحسب.
مطََّت شفتيها، مغمغمة:
- هذا يكفى.
ثم التقطت هاتفها، وطلبت رقم ذات اليد الناعمة، ولم تكد تسمع صوتها، حتى قالت فى حزم:
- إنه هو .
وانهت الاتصال، دون أن تضيف حرفا واحدا....
أى حرف...
* * *
" رصاصاتهم قتلت رجليهما...."...
نطق -ريو- العبارة فى لا مبالاة، وهو يخرج جثتى الرجلين المقيَّدين، من الحقيبة الخلفية لسيارته، وراقبه -قدرى- فى صمت، وهو يحاول مسح الدماء من الحقيبة، مضيفا:
- لقد أطلقوا النار بغزارة، على مؤخرة السيارة أيضا.
غمغم -قدرى-، وهى يواصل التطلع إليه:
- لو أن رصاصاتهم اخترقت حقيبة السيارة الخلفية، وقتلت زميليهما، فلماذا لم تخترق جانبى السيارة أيضا؟!
أجابه -ريو- فى بساطة:
- أبواب السيارات كلها مزوَّدة بحواجز معدنية ... هكذا يحتم قانون المرور .
تطلع -قدرى- لحظات إخرى، إلى ملامح -ريو- الهادئة، على الرغم مما واجهاه، ثم قال، فى شئ من الصرامة:
- مهارتك فى القيادة تفوق المعتاد .
ابتسم -ريو-، وهو يشير إلى صدره، قائلا:
- -ريو- ملك التاكسى.
قال -قدرى- فى بطء صارم:
- مهارتك تفوق هذا بكثير.
بدا -ريو- مزهوَّا، وهو يقول:
- -ريو- يشعر بفخر حقيقى .
انعقد حاجبا -قدرى-، وهو يتفرَّس ملامحه فى إمعان، قائلا:
- كيف ستبرَّر آثار الرصاصات فى سيارتك؟!
هزَّ -ريو- كتفيه، قائلا فى بساطة:
- لن يكون هذا سهلا بالتأكيد .
ازداد انعقاد حاجبى -قدرى-، وهو يقول فى حزم:
- لماذا لا تفصح عن هويتك الحقيقية يا -أدهم-.
توَّقف -ريو-، وأطلق زفرة حارة، قبل أن يقول:
- لقد سئمت هذا فى الواقع.
وأغلق الحقيبة الخلفية لسيارته فى حدة، وهو يتجه نحو -قدرى-، وينحنى أمامه، قائلا فى شئ من العصبية:
- هيا ... اجذب شعرى وحاجبَّى كما يحلو لك يا مسيو؛ لكى توقن من أننى لست متنكرا .
هم -قدرى- بجذب شعره وحاجبيه بالفعل، لولا أن بدا له سخافة هذا، فقال فى عصبية:
- مهارتك فى القيادة احترافية إلى حد مدهش، وهدوء اعصابك فى احلك المواقف، ينم عن خبرة واعتياد، لا يتميَّز بهما أى سائق عادى.
اعتدل -ريو-، وهو يقول فى ضيق:
- أخبرتك أكثر من مرة، أننى لست سائقا عاديا... انا ملك سائقى التاكسى، فى -اوروبا- كلها، ولم أخف عنك أننى قد تلقيت تدريبا مكثفا، فى المخابرات السوفيتية.
اندفع -قدرى- يقول فى حدة:
- ولكننى، ككل من يعمل فى مجالى، لا أؤمن بالمصادفات.
بدا -ريو- حذرا، وهو يقول:
- أية مصادفات؟!..
مال -قدرى- نحوه، وهو يقول بنفس الحدة:
- لا يمكن أن تقنعنى بانها مصادفة بحتة، ان أصل إلى -باريس-، فأجد عميلا سابقا للمخابرات السوفيتية، يعرض علىَّ أن يقلنى إلى حيث أريد، ولديه استعداد لمواجهة مخاطر رهيبة، كالتى واجهناها معا، دون حتى أن يشكو أو يخاف .
تطلع إليه -ريو- بضع لحظات فى صمت، قبل أن يلوَّح بيده، قائلا:
- يمكنك أن تقول: إن حنينى لأيام العمل، كعميل للمخابرات، يجعلنى أستمتع بما نمر به، على الرغم من خطورته.
هزَّ - قدرى- رأسه، نفيا، وهو يقول:
- هذا ليس كافيا لإقناعى.
ثم رفع سبَّابته، مضيفا فى صرامة:
- فمازلت لا أؤمن بالمصادفات.
صمت -ريو- مرة أخرى، وهو يتطلع إليه، قبل أن يقول فى بطء:
- حسنا ... أنت تفوز .
خفق قبل -قدرى-، وهو يغمغم:
- بماذا؟!..
لوَّح -ريو- بذراعه، بحركته المسرحية المعتادة، وهو يقول:
- أنت على حق ... الأمر ليست به أية مصادفات.
خفق قلب -قدرى- أكثر، وهو يغمغم فى انفعال:
- حقا؟!...
مال -ريو- نحوه، قائلا:
لقد كنت فى انتظارك، من قبل حتى أن تهبط طائرتك، فى مطار -أورلى-.
ثم استدار يلتقط شيئا من درج سيارته، واعتدل يضعه امام وجه -قدرى- مباشرة، مستطردا:
- وكانت معى هذه.
حدَّق -قدرى- فى صورة كبيرة له، يحملها -ريو- فى يده، وشعر بلهفة شديدة إلى جرعة ماء، وهو يقول بصوت مختنق:
- إنها صورتى.
خفض -ريو- الصورة، وهو يلوَّح بذراعه الاخرى، قائلا :
- -لوجراند- اعطانى إياها، وطلب منى أن انتظر قدومك، وان أظل معك، حتى تقرَّر العودة.
عاد حاجبا -قدرى- ينعقدان بشدة، وهو يغمغم:
- -لوجراند-؟!... أهذا اسم من أرسلك، أم صفته؟!..
هزَّ -ريو- رأسه، قائلا فى اعتزاز:
- لست أدرى ما اسمه بالضبط، ولكنه يستحق لقبه عن جدارة ... لقد عاوننى قديما، فى الخلاص من ملاحقة المخابرات السوفيتية، وسأظل مدينا له بالفضل ما حييت .
شعر -قدرى- بحرارة تسرى فى كيانه، وهو يميل نحوه، ليسأله فى لهفة:
- هل يمكنك أن تصف لى -لوجراند- هذا؟!..
رفع -ريو- عينيه، إلى ما خلف ظهر -قدرى-، وهو يقول:
- لست أظن الوقت يسمح بهذا.
ثم جذب إليه -قدرى- فجأة، ودفعه معه جانبا، فى نفس اللحظة التى انطلقت فيها رصاصة، تجاوزتهما، مع حركتهما المفاجئة، واخترقت الزجاج الجانبى لسيارة -ريو-...
ومن بين الاشجار، برزت -تيا-، مع رجالها الثلاثة، وهى تصوَّب سلاحها نحوهما، قائلة فى ظفر:
- أخيرا يا -أدهم- .
واتسعت عينا -قدرى- عن آخرهما، عندما اعقبت قولها بالضغط على زناد مسدسها ...
وانطلقت رصاصتها ..
نحو الهدف ...
مباشرة.
* * *


MooNy87 غير متواجد حالياً  
التوقيع
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:40 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.